ترجمة / الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي (ع)

أضف رد جديد
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

ترجمة / الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي (ع)

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدين .

الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي بن رسول الله :

نسبه :

هُو الإمام الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الاشرف بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب ، عليه وعلى آبائه السلام .

مولده :

وُلِدَ (ع) في المدينة المنورة سنة 225 هـ وقيلَ سنة 230 هـ ، وكانتَ أمّه أم ولد ، خراسانية الأصل .

صِفَتهُ (ع) :

كانَ (ع) طَويلَ القَامَة، يَضرِبُ إلى الأدَمة، بِه طَرَش مِن ضَربَةٍ أصَابَت أُذُنَه فِي حَادثةٍ اتفقَت عليه بنيسابور أو بناحية جرجان .

نشأته وتنقلاته (ع) :

نشأ (ع) في المدينة المنورة ، وتعلّم في أحضان أهل البيت (ع) هُناك ، ثمّ ارتحلَ إلى الكوفَة وروى عن مشائخها ومنهم حافظ علوم الآل المُحدّث محمد بن منصور المرادي رحمه الله تعالى ، ثمَّ ارتحلَ إلى طبرستان أيام قيام ابن عمّه الدّاعي إلى الحق الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ع) ، وبقيَ عندَ الدّاعي إلى الحق إلى أن تُوفّيَ سنة (270 هـ ) ، ثمَّ صحِبَ أخوه الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، وكانَ مُحمّد كأخيه الحسن ، يَعرف للناصر مَكانَهُ وفَضلَه ، ورتبتهُ ومنزلتهُ في العِلم بأصول الكتاب والسنّة النبويّة المطهرّة ، والنّاصر الأطروش كانَ كذلكَ يحفظُ لهُما مَنزلتهما العظيمة ، فيقول النّاصرُ (ع) ممُتدحاً ابن عمّه الدّاعي محمد بن زيد (ع) :

جَلا الشّبُهاتَ فَهُمُكَ يا بنَ زَيدٍ = كَمَا جَلّى دُجى الظُلَمُ النّهارُ
فأنتَ أميرُ هذا الخَلقِ طُرّاً= وأنتَ على عُقولِهِمو عيار

وكانَ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قد وفدَ إلى طبرستان في مدَّة الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، وإن دلّ هذا على شيء ، فإنّما يَدلّ على اجتماعِ أهل البيت (ع) تحتَ رايةِ مَذهبٍ وقولٍ واحدٍ أحَد ، حيثُ احتضنت أرض طبرستان في ذلكَ الوقت أربعَة أعلامٍ من سادات أهل البيت (ع) ، كُلّهم تحت مَذهَب أهل البيت (ع) ، مَذهبِ الإمام زيد بن علي (ع) ، منهُم الدّاعي إلى الحق الحسن بن زيد وأخوه محمد ، من ذرية الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، ومنهُم الناصر الأطروش الحسن بن علي ، من ذرية عمر الأشرف بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ، ومنهُم الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، من ذريّة إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ، وإن كانَت المصادر لا تُشيرُ إلى مُقابلةٍ شخصيّة بين الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) وبين الإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي ، ولكنّها أشارَت إلى وُدٍّ فاطميٍّ قائمٍ بينهما ، كما سيأتي .

عِلمُ وفَضل النّاصر (ع) :

- قالَ الإمام الناصر الحسن بن علي (ع) ، مُراسلاً بعضَ أصحابه ، ومُبيّناً لِفَضلِه، : (( بَعدَ أنْ مَحّصتُ آيَ التنزيل ، عارفاً بها ، مِنها تفصيلٌ وتَوصيل ، ومُحكَمٌ ومُتشابَه ، ووعدٌ ووعيد ، وقَصصٌ وأمثال ، آخذاً باللغة العربيّة التي بِمعرِفَتِها يكونُ الكَمال ، مُستنبطاً للسُنّةِ مِن مَعادِنها ، مُستَخرجاً للكامِنات مِن مَكامِنها ، مُنيراً لِما ادْلَهَمَّ مِن ظُلَمِهَا ، مُعلناً لِما كُتِمَ مِن مَستورِها )) .

- كانَ لهُ مَجلسٌ لإملاء الحديث ، يَجتمعُ فيه فُقهاء البَلد ، وأهلُ العِلم كُلّهُم .

- قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الرسي الحسني (ع) :
((النّاصِرُ عالمُ آلِ مُحمّد ، كَبَحرٍ زاخرٍ بعيدُ القَعر )).

- قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) :
(( كانَ جامِعاً لِعلمِ القُرآن ، والكلامِ ، والفِقه ، والحَديثِ والأدب ، والأخبارِ واللّغة، جيّدَ الشّعر ، مَليحَ النّوادِر ، مُفيدُ المَجالِس )) .

- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان الحسني (ع) :
(( لَم يَكُن في عَصرِه مِثلهُ ، شُجاعاً وعَلماً )).

- قالَ مُؤرّخ الزيدية الشهيد حميد المحلّي رحمه الله :
(( كانَ جامعاً لفنونِ العِلم ، مِن أصولِ الدّين ، وفُروعِه ، ومَعقولِه ، ومَسموعِه ، راويةً للآثار ، عارِفاً بالأخبار ، ضارباً في عِلمِ الادبِ بأقوى سبب )) .

- قالَ خير الله الزركلي : (( كانَ شيخُ الطّالبيين ، وعالِمَهُم )) .


جهوده في نشر العلم

قُتِلَ الدّاعي محمد بن زيد (ع) ، في إحدى وقعاتهِ ( بجرجان ) وبها قُبِر ، وكانَ ذلكَ يوم جمعةٍ من شهر رمضان سنة 277 هـ ، والإمام النّاصر (ع) كانَ ممّن نجى من القَتلِ في تلكَ الوَقعة ، فانهزَم قاصداً ( الدّامغان ) إلى بيت شيخٍ من بني الحَسن (ع) يُقال له : محمد بن الحسن بن محمد بن جعفر الحسني، ومِن هُناك بلغَ جستان ملكُ ( الدّيلَم ) تواجدهُ بالدّامغان ، وكان يُكنَّ للإمام الناصر (ع) من الإكرام والتقدير الشيء الكثير ، فأرسلَ الملكُ رُسله إلى الناصر ، يطلبُ بيعتهُ ومُناصرَتهُ ، ولكنّ الإمام النّاصر تخوّف عدمّ وفاء الملكِ له ، فأحلَّ الملكٌ عليه في المسألة حتى قالَ للناصر (ع) : (( فإنّكَ إنْ نَهَضتَ فَهُو كَمَا قُلتْ، وإن أبيتَ فَقد ألزَمتُكَ الحُجّة فِي ذَلك، وأنَا أُشهِدُ الله عَلى ذَلك ، وكَفى بالله شَهِيداً)) . فأجابهُ النّاصرُ (ع) وقَدمِ إليه ، وحَسُن حالُ أهل الدّيلَم ، واجتمعوا حولَ الإمام الأطروش ، وبدأ يَنشرُ الإسلام بين عُبّاد الأحجار والأشجار ، ويُعلّمهم مبادئ الدين الإسلاميّ الحنيف ، يُفقهّهم ويُبصّرهُم أمورَ دينهِم ، يحثّهُم على الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، يُجسِّدُ فيهم حُبّ أهل البيت (ع) والولاء لهُم ، وفي ذلكَ يقول (ع) في إحدى خُطَبِه لمّا دخلَ بلادَ آمل عاصمة طبرستان: (( أيّها النّاس إني دَخلتُ بلادَ الدّيلم وهُم مُشركون ، يَعبدونَ الشّجرَ والحَجر ، ولا يَعرفونَ خالقاً ، ولا يَدينونَ دِيناً ، فَلم أزَل أدعوهُم إلى الإسلام ، وأتلطَّفُ بِهِم ، حتّى دَخلُوا فيه أرسالاً ، وأقبلُوا إليَّ إقبالاً ، وظَهرَ لهُم الحق ، واعتَرفُوا بالتوحيدِ والعَدل ، فَهَدى الله بي منهُم زهاءَ مأتي الفِ رَجُلٍ وامرأة ، فهُم الآن يتكلّمون في التوحيدِ والعَدل مُستبصِرين ، ويُناظِرونَ عَليهِما مُجتَهِدين ، ويَدعَونَ إليهِما مُحتَسبين ، يأمُرونَ بالمعروفِ ويَنهَونَ عن المُنكر، ويُقيمونَ حُدودَ الصلوات المكتوبات ، والفرائض المَفروضات ، وفيهِم مَن لَو وَجَد الفَ دينارٍ مُلقىً على الطّريقِ لَم يأخُذ ذلكَ لنفسِه ، ويَنصبَهُ على رأسِ مِزراقه (رُمحه) يَنشِدُهُ في هَواي ، واتّباعِ أمري في نُصرَة الحقّ وأهلِه ، لا يُولّي أحدٌ منهُم عَن عَدوّهِ ظَهره ، وإنّما جِرحاتُهُم في وجُوهِهِم و أقْدَامِهم ، يَرَونَ الفِرارَ مِنَ الزّحف إذا كانُوا مَعي كُفراً ، والقَتلَ شهادةً ومَغنماً )) . وبهذا الصّنيع من الإمام النّاصر (ع) معَ أهل الدّيلَم ، فإنّه مَهَّدَ لدعوةٍ مُحمّديةٍ عَلويّة فاطميّةٍ حُسينيّة جامِعةٍ نافعةٍ ، يُحددّ الناصرُ أهدافها فيقول ، مُراسلاً لبعضهم : (( ولَقَد بَلَغَك – أعزَّك الله - ، مَا أدعُو وأهدي إليه ، من الأمرِ بالمعروف والنهي عن المُنكَر ، إحياءٌ لِما أُميتَ من كتابِ الله تعالى ، ودُفِنَ من سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله )) .

عَدل النّاصر (ع) :

- قال النّاصرُ (ع) في بعضِ خُطَبه : (( وأنتُم مَعاشِرَ الرّعية ، فليسَ عليكُم دوني حجاب ، ولا عَلى بابي بَوّاب ، ولا على رأسي خَلقٌ من الزّبانيَة ، ولا عليَّ أَحدٌ مِن اعوانِ الظّلمَة ، كَبيركُم أخي ، وشابُّكُم وَلدي ، لا آنَسُ إلاَّ بأهلِ العِلم مِنكُم ، ولا أستريحُ إلاَّ إلى مُفاوضتِكُم )) .

- قال الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) :
(( كانَ [ النّاصرُ ] يَنظُرُ في الأمورِ بنفسِه ، وبَسَطَ العَدل ، ورَفَعَ رُسومَ الجور ))

- قال ابن جرير الطبري : (( ولَم يرَ النّاسُ مِثلَ عَدلِ الأطروش ، وحُسنِ سِيرَتِه ، وإقامَتِه للحق )).

- قال ابن الأثير : (( وكانَ الحَسنُ بن علي حسَن السيرَة ، عادلاً ، ولَم يَرَ النّاسُ مِثلَهُ في عَدلِه ، وحُسنِ سرتِه وإقامتهِ للحق )) .

- قال ابن حزم : (( وكانَ هذا الأطروش ،فاضلاً ، حَسَنَ المَذهَب ، عَدلاً في أحكامِه )) .

بديهة الناصر (ع) وحُسنُ مُناظَرتِه :

روى الإمام يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) في أماليه ، أنَّ أبو بكر محمد بن موسى البخاري قال : (( دَخَلتُ عَلى الحسين بن علي الآملي المحدث ، وكَانَ فِي الوقتِ الذي كَان الناصر للحق الحسن بن علي (ع) في بِلاد الدّيلم بَعد، وقَد احتَشَدَ لِفَتحِ آمِلٍ وَوردهَا، والحُسين بن علي هَذا يُفتِي العَوام بِأنّهُم يَلزَمُهُم قِتالُ النّاصِر للحق (ع) ويَستَنفِرُهُم لِحَربِه ومَعونَة الخُراسَانيّة عَلى قَصدِه، وزَعَم أنهُ جِهادٌ ، ويَأمُرُهُم بِالتجهِيز وعَقدِ المرَاكِب ، كَمَا يَفعَلُ الغُزَاة، قَال: فَوجَدتهُ مُغتَمّاً ! فَقُلتُ له: أيّها الأستاذ مَالِي أرَاكَ مُغتَمّاً حَزيناً ، فَألقَى إليَّ كِتَابَاً وَرَدَ عَليه، وقَال: إقرَأه ، فَإذَا هُو كِتابُ النّاصِر للحق (ع) ، وفِيه : ( يَا أبَا عَلِي ، نَحنُ وإيَاكُم خَلفٌ لِسَلفٍ ، ومِن سَبيل الخَلَفِ إتّبَاعُ السَّلَف والإقتدَاءُ بِهِم، ومِن سَلَفِكُم الذينَ تَقتَدُونَ بِهِم مِنَ الصّحَابَة عَبد الله بن عُمر ، ومُحمَّد بن مسلمة ، وأسامَة بن زيدٍ، وهَؤلاء لَم يُقَاتِلوا مُعَاوية مَعَ عَلي بن أبي طالبٍ (ع) مَعَ تَفضِيلِهِم عَليّاً (ع) تَأوّلاً مِنهُم أنّهُم لا يُقَاتِلونَ أهلَ الشّهَادَتين ، فَأنتَ يَا أبَا عَلي سَبِيلُكَ أنْ تَقتَدِيَ بِهِم ، ولا تُخَالِفَهُم وتُنْزِلَنِي مَنزِلَةَ مُعاويَة عَلى رأيكْ !! ، وتُنزِلَ عَدُوّي هَذَا ابن نُوحٍ مَنزِلَةَ عَلّي بن أبي طالبٍ (ع) ! ، فَلا تُقَاتِلنِي كَمَا لَم يُقاتِل سَلفُكَ مُعاوية، وتَخَلَّ بَينِي وبَينَهُ ، كَمَا خَلَّى سَلَفُكَ بَينهُمَا، فَتكُفَّ عَن قِتالِ أهل الشهادَتين، كَمَا كَفَّ سَلَفُك، وتَجَنّب مُخالَفَة أئمّتِكَ الذينَ تَقتَدِي بِهِم ، ولا سِيّمَا فِيمَا يَتعلّق بِإرَاقَة الدّمِاء، فَافْهَم يَا أبا عَلي مَا ذَكرتُ لَك ، فَإنهُ مَحضُ الإنْصَاف ). قالَ: فقلتُ لَه: لَقَدْ أنصَفَكَ الرّجُل -أيها الأستاذ- فِلمَ تَكرَهُه؟ فَقَال: نَكرهُه لأنّهُ يُحسِنُ أنْ يُورِدَ مِثلَ هَذهِ الحُجّة، ولأنَّهُ يَرِدُ مُتقلّداً مُصحَفَهُ وسَيفَه، ويقول: ( قالَ أبي رَسول الله (ص): ((إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ، فَهَذا هُو كِتابُ الله أكَبرُ الثّقلَين ، وأنَا عِترَةُ رَسولِ الله (ص) أحَدُ الثّقلَين )، ثمّ يُفتِي ويُنَاظِر ، ولا يَحتاجُ إلى أحَد ، أمَا سَمَعتَ مَا قَالَه فِي قصيدةٍ له، قال: وأنشدَ هَذا البيت:

تَدَاعَا لقتل بَني المُصطفَى = ذَوو الحَشوِ مِنهَا ومُرّاقها ))

شيء من شعر الإمام الناصر (ع) :

* قال (ع) راثياً الدّاعي محمد بن زيد الحسني (ع) :

الدّينُ والدّنيا تَظلُّ تفجعُ = أم أنت على الدّاعي تبكي وتجزعُ
وكانَا بهِ حيينَ طول حياته = فقَد أصبحُوا ماتوا جميعاً وودّعُوا


إلى قوله (ع) :

تَساوىَ الوَرَى في هلكهِ بعدَ مُلكهِ= فَكُلّهُموا فيه مُعزّىً مُفجَعُ
فلَم أرَ إلاَّ ضاحكاً في حياتِه= ومُذ ماتَ إلاَّ باكياً يَتوجّعُ
فلا عُذرَ إذْ لَم يَدفع الموتُ دونهُ= وكُنّا بهِ ريبَ الحوادِثِ نَدفَعُ
على أنّهُ لَو شاءَ نجَّاهُ سيفهُ= وطَرفُ كلمحِ البرقِ أو هُو أسرعُ
ولكن أَبَى إلاَّ التأسّي بِعُصبَةٍ= لآلِ رَسولِ الله بالطّفِّ صُرَّعُ


إلى قوله (ع) :

ومَا ماتَ حتّى ماتَ مِن خَوفهِ العِدا= وكانَت بهِ في نَومِها تتفزّعُ
ولله ماذَا ضمّ حولَ ضريحهِ= وأعجبُ منهُ كيفَ لا يَتصدَّعُ
وكانَت به الدّنيا تضيقُ بِرحبِهَا= تظلُّ وتُمسي منهُ تخشَى وتطمعُ


* ومن شعرِه (ع) ، قالهُ غضباً لله وللرسول (ص) :

ولمّا رأيتُ اعتداءَ العِباد = وإظهارُهُم كلُّ ما لا يَحِل
وعَقدُ الإمامة للفاسقين = وكلُّ ظلومٍ ظَلولٍ مُضِل
وخُمسُ ذَوي الخُمسِ ما بينهُم= لِلَهوٍ لَهُم دُولَةُ مُبتدَل
وكانَ لهُم عِللٌ مِن دِماءِ= بني المُصطفى بعد وردٍ نَهَل
نَهضتُ ولَم أبتئس بالذي= أراهُ بجورِ الورى قَد شَمَل
على الله في كُلّ ما قَد أروم= وأسعَى لإصلاحِهِ أتَّكِل
وما الله عَن خَلقِهِ غافلٌ= ولا اللهُ عَن خَلقِهِ قَد غَفَل


* ومن رائع شعره (ع) ، وقَد كانَ يشقّ ما بين الصّفين في الحروب ، مُتقلِّداً مُصحَفَهُ ، وسيفه ، ويقول : ( أنا ابنُ رسول الله ، وهذا كِتابُ الله ، فمَن أجابَ إلى هذا – المُصحَف- ، وإلاَّ فهذا – السيّف - ) .

شيخٌ شَرَى مُهجَتهُ بالجنّة= واستنَّ ما كانَ أبوهُ سنّه
ولَم يَزَل عِلمُ الكتابِ فنّه =يُقاتلُ الكُفّارَ والأظنّه
بالمشرفيات والاسنّة


* ومن شعره (ع) ، يحثُّ نفسهُ على الصبر والجلَدُ على البلوى :

واهاً لنفسي من حَيارَي واهاً = واهاً لها إنْ سَألَت مُناها
كَلّفتُها الصبرَ على بَلواها = ورضع مرّ الحقّ مُذ صِباها
ولا أرَى إعطاءها هَواها = أريدُ تَبليغاً بها عَلياهَا
في هذهِ الدّنيا وفي أُخرَاها = بكُلِّ ما أعلَمُ يُرضي الله


بينَ الإمام النّاصر الأطروش الحسيني والإمام الهادي إلى الحق الحسني :

لا بدَّ وأن تتحققّ مقولَة نبي هذه الأمّة محمد بن عبدالله (ص) ، في أهل بيته ، من أنّهُم الثِقَلُ الأصغرُ الملازمُ للثقلِ الأكبر كتاب الله تعالى ، وأنّهم سفينة نوح لأمّة محمد ، الراّكبُ بها ينجَو ، والمُتخلِّفُ عنها يهلك ، والمُقتبسُ من عُلومِهِم هُو المُهتدي ، والمُستنيرُ بغيرِ هديهِم هُو المُدَلِّسُ والمُدلّسُ عَليه ، والحائد على نهج محمد (ص) ، انظُر يا بن آدم وحوّاء ، كيفَ اجتمعَت كلمةُ آل البيت (ع) تحتَ رايةٍ واحدة ، انظُر علمَ النّاصر الأطروش الحسن بن علي الحسيني الأصل ، في أقصى الشمال ، بلاد الجيل والدّيلم وطبرستان ، وانظُر علمَ الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحسني الأصل ، في أقصى الجنوب ، بلاد اليمن ، انظُر الهادي إلى الحق (ع) يصف النّاصر الأطروش فيقول : ((النّاصِرُ عالمُ آلِ مُحمّد ، كَبَحرٍ زاخرٍ بعيدُ القَعر )) ، وانظُر النّاصر يسمعُ بعضَ أصحابه وهُو يقول عن الهادي إلى الحق (ع) : كانَ ذلكَ والله فقيهاً ، فضحِكَ النّاصر (ع) ثمَّ قال : (( كانَ ذلكَ من أئمّة الهُدَى )) ، أيضاً انظُر النّاصر الأطروش (ع) ، يبيكي بنحيبٍ ونشيج لمَّا بلَغَهُ وفاة الهادي إلى الحق ( سنة 298 هـ ) ، وقال (ع) في ذلك المصاب : (( اليومُ انهدَّ رُكنُ الإسلام )) ، هذا ولا يفوتُك أن تتأمّل علاقَة أبناء زيد بن الحسن السبط وعلى رأسهِم الدّاعيَين العظيمين الحسن بن زيد وأخوه محمد بن زيد (ع) ، بالنّاصر الأطروش ، وانظُر علاقَة الدّاعي الحسن بن زيد الحسني الأصل بثائر أهل البيت وإمامها في الكوفة يحيى بن عمر الحسيني الأصل ، ثمّ استلهِم أنّ عمّ يحيى بن عُمر هُو فقيه آل مُحمّد وحاكي إجماعاتهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، واستلهِم أنَّ عمَّ الحسن هذا ، هُو فقيه آل مُحمّد أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، ثمّ استلهِم أنّ هذينَ العَلمَين من جهابذَة آل محمد ومعهُم زاهد آل محمد عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض الحسني الأصل ، مُبايعينَ لأخيهم وابن عمّهم نجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم الرسي الحسني الأصل ، ويلتقونَ معهُ في علومهِ ومَذهبهِ ، كما يلتقي الهادي إلى الحق في اليمن ، والناصر الأطروش في طبرستان ، والحسن بن زيد في الري ، ويحيى بن عمر في الكوفة ، معَ سلفهِم الساّبقين من أهل البيت (ع) ، فتأمّل كيفَ أنَّ الجميع اجتمعَوا تحتَ مَذهبٍ واحِد ، وهُو مَذهبُ أهل البيت (ع) ، مَذهبُ الإمام زيد بن علي (ع) .

ولكنَّ العَجب كلّ العَجب لأناسٍ لا يَعرفونَ عن هذه الأسماء شيئاً ، ويزدادُ العجب عندما نَجدهُم هؤلاء النّاس يتشدّقون بحبّ أهل البيت واتبّاعهِم والركوب في سفينتهم ، وهُم لا يَعرفونَ إلى هؤلاء الأعلامِ ولا إلى عِلمِهِم طريقاً ، ولا نَدري أعَصبيّةٌ أو جهلٌ بهم؟! وقَد يُعذر غيرُ أبناء الحسن والحسين في جهلِ هذا ( بَل لا يُعذرَون !! ) ، ولكن ما بالُ أبناء عليٍِّ وفاطمة السادة الأشراف ، يلتهمونَ عُلومَ غير أهل البيت ، ويصدّون على مَعدن العِلم ؟ يلتهمون كُتبَ الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة – رضوان الله عليهم - ، ويقولون هذا دينُ أهل البيت ؟ أئذا قالَ قائلٌ : قالَ زيد بن علي ، وقال أحمد بن عيسى ، وقال عبدالله بن موسى ، وقال القاسم الرسي ، وقال الحسن بن يحيى ، وقال محمد بن القاسم الرسي ، وقال الناصر الحسن بن علي الأطروش ، وقال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين : أنّ هذا المَذهب الذي نحنُ عليه ، هُو مَذهبُ آباؤنا الفاطميين ، القريبي العهدِ بنا ( حيث أنّ مَن ذكرنَا بينَ مُعاصرٌ للقرن الأول أوالثاني أوالثالث)، وهل يَجدرُ بنا بعدَ ذلك أن نقول ، قال ابن تيمية ، وقال السبكي ، وقال ابن القيم ، وقال ابن الجوزية ، وقال ابن عبدالسلام ، وقال ابن حجر : أنَّ مَذهبَ أهل البيت هُو هذا المَذهَب الذي نحنُ عليه ؟!!

وسَنَدعُ صاحِبَ الترجمة ، الإمام الناصر الكبير الأطروش الحسن بن علي (ع) يُجيب ، فيقول (ع) :

لا تّتبعُوا غيرَ آل المُصطفى عَلَماً = لِهديِكُم فهُم خيرُ الورى آلُ
آلُ النبيّ وعنهُ إرثُ علمِهِمُ= القائمونَ بنُصحِ الخلقِ لم يآلوا
وقولُهُم مُسندٌ عن قولِ جَدِّهِمُ= عَن جبرئيلَ عن الباري إذا قَالوا


تراث النّاصر الأطروش (ع) الفكريّ المجيد :

للإمام الناصر (ع) من المؤلفات الجم الكثير ، وله اجتهاداتٌ في الفقه تميّزَ بها ، وانتسبَ أصحابهُ ومُقلّدوا اجتهاداته إليه ، فأُطِلَق عليهم الزيدية الناصرية ، وكذلكَ الحالَ معَ مَن قلَّد الإمام القاسم الرسي في اجتهاداته الفقهية ، سمّوا الزيدية القاسمية ، وهُو أيضاً ما حصلَ مع مَن قلّد الإمام الهادي إلى الحق في اجتهاداته الفقهية سمّوا الزيدية الهادوية، ولا يعني هذا أنَّ هذه الفَرقَ من الزيدية لها أصولٌ في عقائدها مُختلفةٌ عن بعضها البعض ، فعقائدها واحدَة ، وإنّما الخلاف بينها في الأمور الفقهية الفرعية الاجتهادية ، التي لا يختلفُ أهلُ العِلم في يسورة وسهولَة الاختلاف فيها ، فليتنبّه الواقف على هذا ، ولا يغترّ بما سطّرته كُتبُ الملل والنحل ، وليجهَد في البحث عن صَدق كلامنا .

ومن تراثه الفكري (ع) :

1- البساط .
تستطيع تحميله من خلال الرابط :
http://hamidaddin.net/ebooks/Albisat.chm
2- الاحتساب .
3- النّاصريات ، كتاب في الفقه .
4- التفسير ، احتجّ فيه بألف بيت من الشعر من ألفِ قصيدَة .
5- الحجج الواضحة بالدلائل الراجحة في الإمامة . ( الإمامة ) .
6- الأمالي في الحديث ، وأكثرُه في فضائل العترة (ع) .
7- المغني .
8- المسفر . حكاه عنه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني في الشافي.
9- ألفاظ الناصر . ( رتّبهُ أحد تلامذته كان يحضرُ لديه ، ويكتُبُ ألفاظه ) .
10- الباهر في الفقه . ( جَمعهُ بعض علماء عصره ) .
11- الحاصر لفقه النّاصر ، جَمعه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الحسني .
12- الناظم في فقه الناصر ، جمعه الإمام المؤيد بالله .
13- الإبانة في فقهه ، مشروحة بأربعة مجلدات كبار ، للشيخ أبي جعفر الهوسمي.
14- أمهات الأولاد .
15- الأيمان والنذور .
16- فدك والخمس .
17- الشهداء وفضل أهل البيت .
18- فصاحة أبي طالب .
19- كتاب معاذير بني هاشم فيما نقم عليهم. وغيرها .

وفاته (ع) ، وموضع قبره :

توفي الإمام الناصر (ع) ، ولهُ من الأولاد : أبو الحسن علي الأديب الشاعر، وأبو القاسم جعفر، وأبو الحسين أحمد ، توفي (ع) بعدَ حياةٍ مليئةٍ بالكفاح والجهاد ونشر العلم ، وذلك سنة 304 هـ ، في الخامس والعشرين من شهر شعبان ، 25/ 8 / 304هـ ، وله من العمر نيف وسبعون ، وفي ذلك يقول (ع) مُنشئاً :

أنافَ على السبعين ذا العامُ رابعُ = فلا بُدَّ لي أنّي إلى اللهِ راجعُ
وصِرتُ إلى حدّ تقوّمني العَصا = أدبُّ كأنّي كُلّما قُمتُ راكعُ


وقُبِرَ (ع) في مدينة آمل عاصمة طبرستان ، وإلى ذلك يُشير الشاعر ، ذاكراً قبرَهُ (ع) في آمل ، وقبر الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) في صعدة :

عَرّج عَلى قَبرٍ بِصَعـ = ـدَة وابْكِ مَرمُوسَاً بآملْ
واعلَم بأنّ المُقتدِي= بهِمَا سَيبلُغُ حَيثُ يَاملْ


وقامَ بعد النّاصر الأطروش علمُ العترة المحمديّة الدّاعي الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .

صورة لقبر الإمام الناصر الأطروش بآمل :


صورة

24/12/1425هـ

المصادر :

- الإفادة في تاريخ الأئمة السادة للإمام يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) .
- المصابيح لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) .
- الشافي للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة الحسني (ع) .
- التحف شرح الزلف للإمام مجدالدين بن محمد المؤيدي الحسني (ع) .
- مقدمة الاحتساب ، للمحقق عبدالكريم أحمد جدبان .
- أعلام المؤلفين الزيدية للسيد عبدالسلام عباس الوجيه .

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس السيرة وتراجم الأئمة“