الإمام الهَـادِي.. بين شهاده التاريخ وغبار الطائفيه

أضف رد جديد
مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

الإمام الهَـادِي.. بين شهاده التاريخ وغبار الطائفيه

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

صورة

‮"‬الهَـادِي‮".. ‬بينَ‮ ‬شهادةِ‮ ‬التأريخِ‮ ‬وغـُـبارِ‮ ‬الطائفية‮ !
> الشعوبُ والأمَمُ الحَضَارية لم تـَدرُسْ تأريخـَها لتَصُبَّ عليه »زبالات« فشلها!!، بل لترى الأخطاءَ، وتتحَرَّى الأسبابَ فلا تقعُ فيها مَرَّةً أخرى، لترَى المحاسنَ فتنطلق من حيثُ إنتهت أوائلـُـها، ولكنها لم تكنْ يوماً من الأيام تـَـئِدُ المحاسنَ الوطنية بغباء الأحقاد المذهبية والعُنصرية، كما حاول مُعدُّ برنامج »اليمنُ وحدة عبر الزمن« المشار إليها سابقاً، وها أنذا أقفُ معه الوقفة الثانية بماذا اتهم الإمام الهَـادِي يحيى بن الحسين »٥٤٢هـ- ٨٩٢هـ« بأنه أدخل أو إخترع مذهباً جديداً في اليمن!!، وأنه تعصَّبَ لرأيه أو مذهبه!!، وأنه كان فاتحة للظلام والجهل الذي خيَّم على اليمن لمدة ألف عام!!، وليكن هذا التشويهُ -الذي كان ينبغي أن تـُنزّهَ الفضائية أنظارَ متابعيها عنه- موضوعَ وقفتنا هذه، ولن نـُثبتـَهُ أو نـَـنفيَهُ إلا بعد دراسة ملفات تأريخ الهَـادِي، وليكن التأريخُ حَكَماً بين الهَـادِي ومَن يُريدون نسبةَ كل أخطاء اليمن إليه، وما يجبُ قوله في أحكام التأريخ أنه لا يجبُ أن نقرأَ التأريخَ ونحللـَه ونحكُمَ عليه سلباً أو إيجاباً بحسب معطيات عصرنا هذا، بكلام أوضح لا يجوزُ أن أطالبَ الإمام الهَـادِي أو أسعد بن أبي يعفر بأن يصنعَ سيارةً مثلاً، أو لماذا لم يؤسسَ بنكاً بالمفهوم المعاصر، بل يجبُ أن يُقرأ بمعطيات عصره، وحركته الحضارية، وأن يقاسَ بمعايير جَودة زمانه، وعليه فلن نستطيعَ أن نصلَ إلى قناعة حول الإمام الهَـادِي إلا بعد أن نسلطَ الأضواءَ عليه، ثم لندَعْ حكمَ الضمير والإنصاف يقولُ رأيَه..

فمَن هو الهَـادِي المتهَمُ بمذهب جديد، وبالتعصب والظلامية؟.

{ كتب/ حمود عبدالله يحىى

أسرتـُه ونسَبُه

> يتحدرُ من سُلالة عريقة وشهيرة، تضلعت في علوم الإسلام، وتخصصت لذلك، تلك الأسرةُ هي أسرة القاسم بن إبراهيم أشهرِ أئمة أهل البيت (ع) التي سكنت بلدة »الرَّسّ« من نواحي الحجاز، فنشأ الهَـادِي يرتضعُ العلومَ، ويتتلمذ على مشيخة أهله، ويروي مسنداتهم عن جدهم، وكان أبوه حافظهم، وعمُّه محمدٌ بنُ القاسم فقيهُهم، فأخذ الهَـادِي الحظَّ الأوفرَ من الفقه والحديث والأصول وغيرها، فأذعن له أهلُ البيت، وأقروا له بالسبْق والتقدم.

عِلمُه

> صنـَّـفَ ورَدَّ واختار واستدل ولـمَّا يتعدى السابعةَ عشرةَ من السنين (مآثر الأبرار ٢/٤٦٥، والإفادة /٣٠١)، وذكر المؤرخون أنه ألـَّـفَ حوالي تسعة وأربعين مؤلفاً في صنوف العلم المختلفة (الواسعي /٥٨١، الشافي ١/٣٠٣-٤٠٣، الحدائق ٢/٩٢)، قال أبو زهرة عنه: وعَكَفَ »الهَـادِي« على الفقه يدرسُه من كل نواحيه، وفي كل مصادره...، وكان مرجعاً في الدين من كل الطوائف الإسلامية، والأمصار المختلفة، يسألونه ويستفتونه وهو يَرُدُّ عليهم برسائلَ قيمةٍ أثرَتْ عنه، يُدافعُ فيها عن القرآن والسُّنة، ويُبينُ الحقَّ الذي يَرُدُّ زَيغَ الزائغين. (الإمام زيد/ ٩٠٥)، وكان أعلمَ الناس حتى بمذاهب الآخرين وأصولهم، فقد ورد عليه أبو بكر بن يعقوب عالمُ أهل الري وحافظهم فقال: قد ضل فكري في هذا الرجل -يعني الهَـادِي- فإني كنتُ لا أعترفُ لأحد بمثل حفظي لأصول أصحابنا، وأنا الآن إلى جنبه جذعٌ، بينما أجاريه في الفقه، وأحكي عن أصحابنا قولاً، فيقول: ليس هنا -يا أبا بكر- قولـُـكم، فأرادده فيُخرِج إليَّ المسألة من كتبنا على ما حكى وادَّعى، فقد صِرْتُ إذا ادعى شيئاً عنا أو عن غيرنا لا أطلبُ منه أثراً. (المآثر ٢/٥٦٥، الشافي ١/٤٠٣، الحدائق ٢/٥١، الإفادة /٣٠١)..

وليس الباحثُ المنصف بحاجة إلى قراءة أقوال المؤرخين في »أعلمية الهَـادِي«، فكثيرٌ من كتب الهَـادِي موجودةٌ ومطبوعة، وهي الدليلُ الحسي على ما يُريدُ أن يصلَ إلى حقيقته، فليُيَمِّمِ الباحثُ وِجهتـَه شطرَها، ليرى أيَّ بحر فاضت منه تلك اللآلئُ، وأيَّ كنز حوى تلك النفائسَ، وسأورد لاحقاً أقوالَ المنصفين من علماء ومؤرخي المسلمين.

شجاعتـُه

> تجمع المصادرُ أنه كان على قدر كبير من الإقدام والبسالة والقوة والبطولة التي لا تتوافر إلا لأفراد معدودين على مر التأريخ، كان يقومُ مقامَ المئات من الجنود، ويتقدمُ جُندَه دائماً في أول اللقاء، ويتأخرُ عنهم في العطاء كما اشترط على نفسه، كان ذات يوم في بعض حروبه فرفع الرجلُ يدَه بالسيف ليضربَه فأهوى (ع) بيده، فقبض بها على يد الرجل على مقبض السيف، فهشم أصابعَه. (المصابيح/ ٣٧٥، الحدائق ٢/٦٣)، وضرب رأسَ رجل مرة فخذف السيف من بين رجليه في المعركة. (المصابيح/٣٧٥، والحدائق ٢/٦٣)، وأيده اللهُ بالقوة الخارقة فكان يدخُلُ في صباه السوقَ، ويقول: ما طعامكم هذا؟. فيقال: الحنطة. فيدخل يدَه في الوعاء، فيأخذ منها في كفه ويطحنه بيده، ثم يخرجُه فيقول: هذا دقيق، وكان يمحو سكة الدينار بإصبعه. (الحدائق ٢/٥٢-٦٢).

تواضُعُه الجَمُّ

> إذا خرج من منزله لصلاة أو لغيرها سلـَّـمَ على جميع مَن يمُرُّ به من شريف أو دنيء، أو فقير أو غني، وكان يعودُ المريضَ حتى أنه رُؤي وقد عاد بعضَ خدم أصحابه (السيرة /٣٥، الإمام الهَـادِي للباحث نعمان /٠١٢)، وكان يكلمُه الصبيُّ الصغيرُ أو المرأة الكبيرة أو الرجل فيقفُ معهم طويلاً حتى يسألوا حوائجَهم فيقضيها لهم. (السيرة/ ٨٥)، وكان يدني الأيتامَ والمساكين من مجلسه، ولا يأكل طعاماً حتى يطعمهم منه، ويأكل معهم. (السيرة/٨٥)، بَيْدَ أنه كان يرى أن الإفراطَ في التبسُّط للناس ومخالطتهم ليس في صالح هيبة الدولة (السيرة/٤٥)، وناداه رَجُلٌ يوماً بالسيِّد، فقال له: لا تعُدْ تقولُ هذه مَرَّةً أخرى، فإنما السيِّدُ اللهُ، وإنما أنا عبدٌ ذليلٌ.. (السيرة/٣٥).

وَرَعُه الشحيح

> تحكي المصادرُ الموثوقة ضُرُوباً من الوَرَع لولا أنها نقلت نقلاً موثوقاً لحسبناها خيالاً مجنحاً من خيالات الفلسفة المثالثة، إذ كان لا يقتاتُ إلا من ماله الذي جاء به من الحجاز، مع أن الشرعَ يسوغُ له أن يأكلَ من جزية اليَهُود والنصارى، ولكنه تركه تورُّعاً وتعففاً. (السيرة/٨٥)، وكان لا يستغل منصبَه ويقولُ للذي يشتري حوائجه بالسوق: إتق الله تعالى، وانظر فيما بينك وبينه، لا تأخُذْ من أحد شيئاً إلا بثمن كما يشتري الناسُ، لا تزدَدْ لي شيئاً فتأثم. (السيرة/٩٥)، وأي ورع هذا أعاده من حظيرة الملك في اليمن إلى الحجاز بسبب مخالفة بعض أصحابه لتعاليمه، وأخذهم شيئاً من حُقوق غيرهم، فقال قولته المشهورة: »والله لا أكونَ كالشمعة تحرقُ نفسَها وتضيءُ غيرَها«.

ويبلغُ به الورعُ أنه يتحرجُ من تسمية أعدائه المقاتلين له المريدين إبادتـَـه بالكلاب في لحظة غضب، ثم يندمُ على ذلك، ويقسم أن لا يعودَ إلى مثل ذلك الكلام.. (المآثر ٢/٨٧٥، الحدائق ٢/٢٢).

عِبادتـُـه وإخلاصُه

> حدَّثَ سليمٌ -وكان يخدُمُه في داره- قال: كُنتُ أتبَعُه حين يأخذُ الناسُ في منامهم، في أكثر الليالي بالمصباح إلى بيت صغير في داره، وكان يأوي إليه، فإذا دخله صرفني فأنصرف، فهجس ليلةً بقلبي أن أنظرَ ماذا يصنع، قال: فسهر -عليه السلام- رُكوعاً وسُجوداً، وكنتُ أسمعُ وَقـْـعَ دموعه ونشيجاً في حلقه، فلما كان الصبحُ قمتُ، فسمع حسي، فقال: مَن هذا؟. فقلتُ: أنا. قال: سليم؟، ما عجل بك في غير حينك؟. قلتُ: ما برحتُ البارحة، جعلتُ فداك. قال: فرأيتـُه أشتد عليه ذلك، وحرَّجَ عليَّ أن لا أحدثَ به في حياته أحداً، فما حدث به سليمٌ إلا بعد وفاته (الإفادة/٠١١، والحدائق ٢/٤٣-٥٣).

شهاداتُ المنصفين من عُـلماء ومؤرخي المسلمين

> ١- إبنُ حجر العسقلاني: فسَّـر حديثَ البخاري وغيره: لا يزالُ هذا الأمرُ في قريش ما بقي منهم اثنان.. بأنه: صدق الحديث ببقاء الأمر في قريش باليمن من المائة الثالثة في طائفة من بني الحسن، قال: ولا يتولى الإمامة فيهم إلا من يكونُ عالماً متحرياً للعدل... إلى قوله: والذي في صعدة وغيرها من اليمن لا شك في كونه قرشياً؛ لأنه من ذرية الحسن بن علي. (فتح الباري ٣١/٠١، والتحف/١٠١-٢٠١).

٢- شهادةُ أبي بكر بن يعقوب عالم أهل الري -وقد مرت- وشهادة العالم والتاجر الشافعي »الهمداني« ستأتي.

٣- الشيخُ يحيى بن أبي بكر العامري (٣٩٨هـ) في الرياض المستطابة: وكان »الهَـادِي« له علمٌ واسعٌ وشجاعة خارقة، وقد أقام على الجهاد ثمانيَ عشرةَ سنة، وقال: الإمامُ الفاضلُ الكاملُ الصالحُ المصلحُ، يُعرَفُ بالهَـادِي إلى الحق ومن مصنفاته: كتابُ الأحكام جمع فأوعى، وصنف في الشرائع والأديان، وعظمت فضائلـُـه. (نعمان/ ٢٩-٣٩ نقلاً عن "تأريخ الفكر الإسلامي" ٥٢٢، وزبارة في "أئمة اليمن" ١/٨).

٤- الإمامُ الناصرُ الأطروش: قال: كان ذلك من أئمة الهُدى، وقال: ينعاه بنحيب ونشيج: اليوم انهدَّ ركنُ الإسلام (المصابيح/ ٨٦٥).

٥- أحمد زيني دحلان -مُفتي الشافعية بمكة المكرمة (٤٠٣١هـ): الإمامُ الهَـادِي بويع في اليمن وكان إماماً عالماً، وله تصانيفُ في الفقه، وخطب له بمكة سبع سنين، وتوفي باليمن. (نعمان/٤٩، عن "أئمة اليمن" ١/٩).

٦- محمد أبو زهرة: وقد صار الهَـادِي في حكم البلاد اليمنية على سُنة العدل مما جعل الأهلين يرَون فيه مظهراً لحُكم الإسلام، ومصدراً لعهد الخلفاء الراشدين الأولين، وإن رسائلـَه وخُطُبَه وعُهودَه تجعلُ القارئَ يُحسُّ بأنه يعودُ بالإسلام إلى مهده الأول عهدِ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين يعتبرون الحاكمَ منفذَ أحكام الله تعالى... وعمل على إقامة الحدود وكانت معطلة،... ولم يُعفِ منها كبيراً لكبره، بل نفذها بغير هَوَادَة، ولم يجعل للحَيف إلى نفسه إرادةً... ولم يترك ناحية من نواحي الجهاد لم يَسر فيها، وجاهَدَ في سبيل المعرفة، فمن ذلك المذهب الزيدي، ووسَّعَ بابَ الإجتهاد فيه والإختيار، واجتهد اجتهاداً مطلقاً، رفعه إلى مرتبة الأئمة أصحاب المذاهب، وجاهد في جمع الكلمة، وجاهد فوق ذلك في محاربة البدع، ووقف للقرامطة بالمرصاد.. ولم تكن شهرة الإمام الهَـادِي بحكمه العادل فقط، بل كانت شهرته بعلمه وفقهه، وفي الحق إن صورة حكمه تبين حكم العالم ينفذ آراءه العلمية في حكمه تنفيذاً دقيقاً. (الإمام زيد/٣١٥).

٧- الدكتور صُبحي: عرَفَ التشيعُ أئمةً اقتصروا على العلم دون الجهاد، كما عرف أئمةً غلـَّـبوا الجهادَ على العلم... أما أن يتحد العلم مع الجهاد على نحو فائق، وأن يكون الورعُ والزهد ومؤاساة المحتاجين من خصال رجل الدولة، فذاك ما لا يكونُ على مرِّ العصور والدهور إلا في الواحد بعد الواحد ومنهم الهَـادِي إلى الحق يحيى بن الحسين. (الإمام الهَـادِي، نعمان/٣١٢ نقلاً عن "الزيدية" لصبحي /١٠٢).

٨- عبدُالله عبدالوهاب الشمَاحي: لقد كان الهَـادِي مثلاً لصفات القائد والقدوة الحسنة لأتباعه، مترفعاً عن سفاسف الأمور، وعن المتع، شجاعاً في المعارك والأهوال، وفي تطبيق ما يؤمنُ به ويدعو إليه، معتدلاً حتى مع أعدائه.

٩- أحمد محمد المطاع: وهو »الهَـادِي« بلا شك أكبرُ مصلح إرتفع اسمه في أفق التأريخ اليمني، ونال من الإحترام والحب في قلوب اليمنيين مكانةً لم يتبوأها أحدٌ، بحيثُ أصبحت آثارُه وأعماله وصفاته العالية قبلة الأبصار ومهوى الأفئدة، وقد مر بك آثاره العلمية، فإنه بمكانة عُـليا من العلم والفضل والورع ومكارم الأخلاق والحلم والتواضع، كثيرُ الصفـْـح والتجاوُز عن سيئات الناس وهفواتهم. (تأريخ اليمن الإسلامي).

٠١- الزركلي: ونشأ »الهَـادِي« فقيهاً عالماً ورعاً فيه شجاعة وبطولة، وصنف كتباً... وامتد ملكه فخطب له بمكة سبع سنين.... وفي أيامه ظهر في اليمن علي بن الفضل القرمطي، وتغلب على أكثر بلاد اليمن، وقصد الكعبة سنة »٨٩٢هـ ليهدمَها، فقاتله صاحبُ الترجمة. (الأعلام ٩/١٤١).

١١- القاضي عبدالله عبدالكريم الجرافي: لقد كان الإمام الهَـادِي مشهوراً بالقوة والشجاعة والورع والفقه،... ولقد انتشرت أقواله وفتاويه في اليمن انتشاراً عظيماً، وبايعه جماهير أهل الجبال، واجتهاداتُ هذا الإمام مستمدةٌ من الكتاب والسنة، وكثيراً ما كان يربطها بالدليل، ومذهبه بريء من البدع الرديئة والمعتقدات الفاسدة. (الإمام الهَـادِي/٤٩ نقلاً عن المقتطف/ ٥٠١ القاضي).

٢١- عبدُالفتاح نعمان.. وقد ألف رسالته للماجستير -الإمام الهَـادِي والياً وفقيهاً ومجاهداً-: قال من »٠٣-١٣):

أ- أقام »الهَـادِي« في رُبوع اليمن نموذجاً لدولة الإسلام العادلة التي ذهب الإمامُ زيد وذلك الرهطُ الكريمُ من بعده شهداءَ في سبيل إقامتها، فكانت هذه الدولةُ بمثابة الصدى لصرختهم تلك، وتجسيداً لما دعوا إليه، وماتوا في سبيله، وإن لم يكتب لها أن تبسطَ نفوذَها على كل أرض الإسلام.

ب- ذكر الباحثُ من أسباب انتصارات الهَـادِي السريعة: إلتزامُ الهَـادِي الدقيقُ بأحكام الإسلام وأخلاقه في سلمه وحربه، وفي سياسته وحكمه مع أصحابه ومع أعدائه، ذلك التطبيق الدقيق لأحكام ومبادئ الإسلام أوجد صورة مشرقة كان يرسُمُها الهَـادِي في كل منطقة يدخلها من إزالة الفتن، والثارات، وإقامة العدل بين الناس، وإزالة المنكر بكل صوره وأشكاله (٥٨١)، ويذكَرُ أن دولة الهَـادِي لم تكن دولة جباية، وإنما هي هداية (٦١٢).

ج- قال: وهكذا لم يكن له هدفٌ في خروجه إلا إحياء الكتاب والسنة، وإزالة الظلم والمنكر، ورفع راية العدل والإنصاف، وأنه لم يكن ليُشهرَ سيفـَه إلا في وجه الرافضين لكلمة الحق الهازئين بالموعظة (٨٢١).

د- قال: ولقد قضى الإمامُ الهَـادِي عُمُرَهُ كلـَّـه لتلك الغاية النبيلة التي أعلنها في مبدأ أمره، عاش حياتـَه كلها جهاداً لم يدخر لنفسه فيها درهماً ولا ديناراً، ولم يسع لملك وسُلطان، ما تناقضت أفعاله مع أقواله يوماً من الأيام، وإنما ظلت حياته كلـُّـها نسقاً واحداً ونغماً صادقاً منذ أن خرج لإعلاء كلمة الحق حتى لقي الله (٩٢١).

هـ- قال: فقد كانت قضيتـُه باختصار أنه رجلٌ باع نفسَه لله، فلم يعد له من مطمع ولا من غاية سوى أن يفيَ ببيعته تلك في الدنيا، على أمل أن يقبضَ الثمن في الآخرة (٠٣١-١٣١).

و- وقال: تلك كانت سيرتـُـه -رحمه الله- في مال الله، فقد عاش حياته كلـَّـها شديدَ الوفاء لشعاره الذي أعلنه "والله ما هي إلا سيرة محمد أو النار" حتى لقيَ اللهَ، وليس في بيته دينارٌ ولا درهمٌ.. (٨٢٢).

وللحديث بقية..

آخر تعديل بواسطة مواطن صالح في السبت يوليو 28, 2007 12:12 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

مواطن صالح
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1606
اشترك في: الجمعة يونيو 24, 2005 5:42 pm
مكان: صنعاء حده
اتصال:

‮"‬الهَـادِي‮".. &am

مشاركة بواسطة مواطن صالح »

صورة
‮"‬الهَـادِي‮".. ‬بينَ‮ ‬شهادةِ‮ ‬التأريخِ‮ ‬وغـُـبارِ‮ ‬الطائفية‮ !! (‬2‮)‬
جمع/ حَمُود عبدالله يَحيى

> لم تعش اليمنُ قبلَ ظهور الهادي أحسنَ حالاً من حاضرة الخلافة العباسية وولاياتها آنذاك، فبعد أن ذهب الخلفاء الأقوياء، والذين لم تخلُ أيديهم من دماء العلماء والمستضعفين، دب الضعفُ في مفاصل الخلافة، فاستضعف قوادُ الأترك الخلفاءَ، وكان الخليفة في أيديهم كالأسير أو الأجير إن شاءوا أبقوه، وإن شاءوا خلعوه، وإن شاءوا قتلوه، فجاءوا بالمستعين »٨٤٢-٢٥٢هـ« مثلاً إلى الخلافة، ثم خلعوه وبايعوا لابن عمه المعتز بالله، ثم حاصروا المستعين في بغداد، فعزل نفسَه، ثم قتلوه، ثم أجبروا المعتز على خلع نفسه وسجنوه ثم قتلوه، وتولى المهتدي »٥٥٢-٦٥٢هـ« فهزمه الأتراكُ، وأمروه بالخلع لنفسه، فلما أبى قتلوه، ثم لم يتركوا للمعتمد ابن المتوكل »٦٥٢-٩٧٢هـ« إلا اسم الخلافة، ثم جاءوا بالمعتضد »٩٧٢-٩٨٢هـ«، فاستعاد بعض الهيبة في شخصه، وقسى ما قسى ثم ما لبث الأتراك أن عادوا لخلع الخلفاء وسجنهم وقتلهم وسمل أعينهم بعد أن عهد المكتفي بالخلافة لأخيه المتقدر وعمره ثلاث عشرة سنة، وكان الوجه الآخر لضعف الخلافة فساد الخلفاء أنفسهم وانقطاعهم إلى الملذات والمتعة بالقينات والشراب والندماء داخل القصور العباسية، بل لم يكن لهم من أمر الرعية إلا صور سخيفة لأخذ أموال الرعية وتكديسها، تلك الصورة العامة التي رسمها لنا الباحث نعمان في كتابه »الإمام الهادي«، و(الطبري ٩/٣٤٤-٤٤٤، ٤٨١)، وتأريخ الأدب العربي »٤/١١- ٦١- ٦٢- ٢٣« والمسعودي (٤/٤٩1، ٧٠٢)، وابن خلدون ( ٥/٨٢٦، ٦٣٦)، وانظر الأغاني لأبي الفرج (شعراء ومفتي تلك الفترة).

اليمن قبيل مجيء الهادي

> أما اليمن فكانت قبيل مجيء الهادي تخوض مرحلة من مراحل تمزقها المختلفة بين القوى الموجودة على أرضها، فاليعفريون في صنعاء وشبام، وآل طريف مواليهم ينتزعون منهم صنعاء استغلالاً لضعفهم، وإلى الشرق من صنعاء في مأرب شيخ مذحج الربيع بن الروية يتحكم في مناجم الذهب وإلى الغرب من صنعاء في تهامة تتصارع عليها أربع قوى: الشراحيون، والحكميون، وبنو زياد، وبنو مجيد، أما جنوب صنعاء فالمناخيون في مخلاف جعفر (العدين والسحول)، وآل الكرندي في المعافر (الحجرية)، ثم ظهر علي بن الفضل واتخذ المذيخرة عاصمة له، وكان الدعام بن إبراهيم البكيلي في شمال صنعاء ينازع آل يعفر، وينافسه على همدان آل الضحاك من حاشد، وفي صعدة الصراع قائم على أشده بين بني سعد وآل أبي فطيمة من جهة، والربيعة من الأكيليين من جهة أخرى (الإمام الهادي -نعمان/ ٦٥/٨٥)، تلك القوى القبلية ترث زعامتها السياسية بالتقاليد القبلية، وتعتبر شؤونها القضائية بالأعراف والإنغلاق، إذ لم يكن لديها أي مشروع حضاري ينطلق من تصور ديني أو دنيوي بملامح مميزة، وسمات حضارية، وبالقوة التي تحصل على الإعتراف الرسمي من العباسيين لا تستطيع أن تحمي كلأ مرعى حيواناتها من طمع القوى المنافسة باختصار لم تكن اليمن إلا صفحة مهترئة من كتاب الخلافة الممزق.

الأساس الفكري عند الهادي

في وجوب إقامة الدولة الإسلامية

> كان الهادي مطلعاً على أحوال الأمة، خبيراً بضعفها، ما فتئ يعقد المقارنات بين واقع الأمة، وهدي الإسلام، كان متشبعاً من أوامر الإسلام في إقامة حكم إسلامي عادل، ورسالته إلى أحد بني عمومته يدعوه فيها إلى الخروج للجهاد ترسم المخالفات والمظالم التي اقترفها الخلفاء والولاة في ذلك العصر بحق أمة محمد وفيها أنهم:

فسقة ظالمون، وأن الدين مقتول والحق مخذول، وأنهم عطلوا الكتاب، وحرموا الناس حقوقهم، واصطفوا الأموال لأنفسهم، وأنهم أجاعوا الناس، وأضاعوا سبيلهم، وأنهم أخافوا الناس وظلموهم، وأن نهارَهم دائب في إخمال الهدى، وليلهم في التلذذ والطرب والفسوق، وانعدمت العدالة والرحمة والصدق منهم، وأنهم ناقضون للمواثيق، مخالفون لما بعث الله به الرسل، ويحكمون بغير ما أنزل الله (نعمان/ ٦٢١/٧٢١)، ومن هذه النظرة الفاحصة لأحوال الأمة تكونت لديه قناعةٌ راسخةٌ وموجبة عليه وعلى كل المسلمين أن يؤسسوا لدولة العدل والإسلام، قال يوماً: والله الذي لا إله إلا هو وبحق محمد ما طلبت هذا الأمر وما خرجت اختياراً ولا خرجت إلا اضطراراً لقيام الحجة عليَّ، ولوددت أن كان لي سعة في الجلوس، لم يمنعني ترك الفكر في هذا الأمر حتى ناظرت نفسي فيه طويلاً، فما وجدت إلا الخروج أو الكفر بما أنزل على محمد. (نعمان/ ٦٢١)، (السيرة/٢٥)، فهو في هذا النص يرى على نفسه وجوب نصرة الحق وأهله، وليس ذلك طموحاً له، وهو يخرج من مشكاة واحدة هو وجده الإمام علي (ع)، إذ يقول في هذا الشأن أيضاً: » ولولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، أو سغب مظلوم، لألقيتُ حبلها على غاربها، وسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز«.

(خطبة الشقشقية/ نهج البلاغة)، ولم يكن للهادي من هدف في خروجه إلا إحياء الكتاب والسنة، وإزالة الظلم والمنكر، ورفع راية العدل والإنصاف، وأنه لم يكن ليشهر سيفه إلا في وجه الرافضين لكلمة الحق الهازئين بالموعظة المصرين على الإنحراف والمعصية. (نعمان/ ٨٢١) خرج لإعلاء كلمة الحق حتى لقي الله (نعمان/٠٣) وهو الذي قال لا يستحق الخلافة إلا من حكم بالحق، فإذا عدل عن حكم الله فليس بخليفة. (كتاب المنزلتين بين المنزلتين/٨٧١)، وأن من خالف حكمه حكم النبي (ص) وفارقه فليس بإمام ولا خليفة، ولكنه متبر ظالم. (كتاب الجملة/٨٨١-٩٨١).

الأسبابُ المباشرةُ لخروج الهادي إلى اليمن

> على ضوء ما مضى كان وصول الهادي الأول إلى اليمن بطلبهم له ثم خذلوه فعاد إلى الرس (تأريخ اليمن للواسعي/٥٨١ وما بعدها)، ثم إستجدت أسبابٌ لخروجه المرة الثانية، إضافة إلى السبب الذي يبعثه إلى الخروج في أي بلد والثورة في أي مكان تلك الأسباب المستجدة والمباشرة هي:

أ- خرج إليه اليمنيون يطلبون منه العودة إليهم، يقول أبو زهرة: (الإمام زيد/ ٩٠٥) ولكنه عاد إلى الحجاز بعد أن تعلقت به القلوب، ووجد الراشدون من أهل اليمن أنه الإمام الذي يستطيع أن يجمع شمل اليمنيين، وأن يحارب بهم البدع التي كانت منتشرة ولذلك ذهب إليه وفد من اليمنيين يدعوه إلى العودة فقد سبقت كتبهم بدعوته فأجاب داعيهم ووصل سنة ٤٨٢هـ إلى صعدة، وكان ذاك الوفد مكوناً من مختلف قبائل اليمن الموالين له من الفطيميين وغيرهم (السيرة/٧١).

ب- الحروب الأهلية المنتشرة بين أهل صعدة بني سعد والربيعة، ومحبة الهادي أصلحت أمورهم..

(السيرة/ ٢٤، ومآثر الأبرار ١/٣٦، والحدائق ٢/٤١).

ج- وردت كتبُ اليمنيين على الحُسين بن القاسم والده وعلى عمومته يتوسلون بهم ويسألونهم الشفاعة والتشفع إليه في أن يعاودَهم على ألا يخالفوه في شيء، وكان قد عمهم بعد رحيله البلاء، وشملتهم الفتن، وانقطع الغيث ويبس الزرع، وأنهم قد تابوا وأعطوه بيعتهم. (المصابيح/ ٧٧٥، السيرة/ ٥٦، غاية الأماني/ ٦٩١).

د- رؤيا الهادي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورؤياه حق يأمره بالخروج إلى اليمن بعد أن كان قد انثنى عن الخروج، سأله محمد بن عبدالله العباسي العلوي عن ذلك؟، فقال: كنت قد انثنيت عن الخروج إلى اليمن للذي كان بدا لي من شرة أهل اليمن وقلة رغبتهم في الحق، فكنت عازماً على التخلف، حتى إذا كان قبل خروجي بليلة رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، وهو يقول لي: يا يحيى مالك متثاقلاً عن الخروج، إنهض فمرهم فلينقوا ما على الأرض من هذه الأوساخ فعلمت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد بذلك غير المعاصي التي على الأرض من العباد، فضمنت له النهوض. (السيرة/ ٩٣).

أعظم مقاصده: إقامة حكم إسلامي

> قال أبو زهرة: وحين وقف يدعو إلى بيعته عاهدهم العهد الآتي، إذ قال:

»أيها الناس إني أشترط لكم أربعاً على نفسي:

١- الحكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

٢- الأثرة لكم على نفسي فيما جعله بيني وبينكم أؤثركم فلا أتفضل عليكم.

٣- وأقدمكم عند العطاء قبلي.

٤- وأتقدم عليكم عند لقاء عدوي وعدوكم، وأشترط لنفسي عليكم اثنتين:

١- النصيحة لله سبحانه وتعالى في السر والعلانية.

٢- الطاعة لأمري على كل حالاتكم ما أطعت الله، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم، وإن ملت أو عدلت عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فلا حجة لي عليكم فهذه سبيلي أدعو الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، قال أبو زهرة: ومن هذا البيان الذي قدم به بيعته ومن عدة بيانات أخرى على هذا المنهاج يتبين أن أعظم مقاصده إقامة حكم إسلامي، وجمع المسلمين على كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان سعي جهده لجمع شمل المسلمين وإصلاح أمورهم فيما بينهم، ويروى في ذلك أنه كان يقول: »لوددت أن الله أصلح هذه الأمة وإني جعت يوماً وشبعت يوماً«، وبهذا يتبين أنه ما كان يطلب الملك، ولكنه كان يطلب إصلاح أمر المسلمين، وإحياء الشريعة، وفرض سلطانها.(الإمام زيد/ ٩٠٥ وما بعدها).

بعضُ مظاهر الحكم الهادوي الرشيد

أ- إقامة الحد على أولاد الأمراء: لما شرب الخمر بعض أولاد الأمراء من عشائر أبي العتاهية، فأمر بإحضاره ليقيم عليه الحد، فامتنع عليه وخذله الناس، فلم يجد من يعينه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ حكم الله، فقال: والله لا أكونَ كالفتيلة تضيء غيرها وتحرق نفسها، وعاد إلى أهله. (نعمان /١٤١ عن الإفادة)، ألا تذكـّر المساواة التي يقتفيها الهادي بما كان عليه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وقصة المخزومية التي سرقت، بل كان يقول: »لو أن جدي القاسم وجب عليه القتل لقتلته«، وكان ينفذ حدودَ الله، ولا يعفي منها أحداً لكبره أو مكانته. (نعمان/٩٠٢).

ب- لم يتسامح حتى في العَلَف

دخل بعضُ الجُنود الذين أرسلهم أبو العتاهية لنصرة الهادي بعض البيوت، وأخذوا تبناً وعلفاً لدوابهم، فلما بلغ الهادي صنيعَهم جمعهم، ثم قال: ردوا كل ما أخذتم، والله محمود لئن عاد أحدٌ منكم يأخذَ شيئاً بغير أذن مني لأقطعن يدَه، فردوا جميعَ ما أخذوا إلى موضعه، وصادف ذلك وجود مشايخ أرحب الذين لم يكونوا قد دخلوا تحت طاعة ودولة الهادي، فأعلموا قومَهم بعدل الهادي فجاءوا يحلفون بالسمع والطاعة. (السيرة/٢١١/٦١١، نعمان/٩٥١).

ج- أخلاقُ العلماء وأدبُ القرآن

قال الباحثُ نعمان: وكان الهادي كثيرَ الصفح عن الخارجين عليه والناكثين لعهده، ولم يكن يحيد عن الصفح وقبول الإعتذار، مهما تكرر نكثهم وغدرهم به.. وتبقى مع ذلك معاملته لأهل صنعاء وإحسانه إليهم مع إساءتهم إليه صورة ناصعة توضح خلقه الرفيع الذي لا يصدر إلا عن أمثاله من العلماء المجاهدين، حيث تقل نفقته هو وأصحابه، ويرفض أهل صنعاء لا إعانته فقط، وإنما مجرد إقراضه ولا يستخدم سلطانه عليهم لإجبارهم على إخراج جزء من أموالهم لضرورة إطعام الجيوش التي تدافع عنهم، وعن مدينتهم، ثم تدور الأيام، وتأتي جيوش القرامطة لتقتل رجالهم، وتنهب أموالهم، وتستبيح نساءهم ولا يجدون من يستنجدون به سوى الإمام الهادي، بل ولا يخجلون من الإستنجاد به، لما يعرفونه من فضله وعلمه وحلمه، ولا يخيب هو رجاءَهم فيه، فيهبَّ لنجدتهم وحماية أموالهم وأعراضهم، ويقدم في سبيل نجدتهم تلك شهداء من خيرة رجاله الذين أبى أهلُ صنعاء قبل ذلك مجرد إقراضه لإطعامهم، إلا أنها أخلاقُ العلماء عندما يجاهدون وروح الإسلام وأدب القرآن (الإمام الهادي/٨٨١ وما بعدها).

د- إقامة الحجة أولاً

»لقد كان سلوكُ الهادي في جهاده ومعاركه سلوك العالم الفقيه الذي يخرج إلى الجهاد عبادة لله وتقرباً إليه وطلباً لرضاه، لذلك فقد كان دقيق الإلتزام -كما قلنا- بأحكام القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقاتل قوماً حتى يدعوهم، ويقيم الحجة عليهم، فكان إذا إقترب من عدوه وعسكر مواجهاً لهم، بعث إليه رجلاً أو رجلين أو ثلاثة من أهل العلم والعقل والتقوى يدعونه إلى الله، ويرغبونه في ثوابه ويحذرونه من طاعة الشيطان التي تجلب غضبَ الله وعقابَه ويسألونه حقنَ الدماء والدخول فيما دخل فيه المسلمون من الخير والهدى، وقد سبق أن ذكرنا رفضَه لقتل زعماء آل يعفر وآل طريف الذين كانوا في سجنه في شبام، وقال: إنه لا يحل لي قتلـُهم وهم في أسري. (نعمان/ ٨٨١ وما بعدها).

هـ- برنامجُ الهادي الواقعي.. رواية زيدي وشافعي

> شاهد عيان هو محمد بن سعيد اليرسمي صاحب الإمام الهادي يحكي البرنامج الهادوي إذ يقول: لما نزل الهادي صعدة، وكان محله في دار الإمارة، فكان يصلي بالناس الصلوات بالجماعة فلا يقطع ليلاً ولا نهاراً، ويجلس ما بين الصلوات فيعظ الناس، ويعلمهم فرائض الدين، وفرائض المواريث، ويتحاكمون إليه، ويبين لهم في رفق، ثم ينهض فيدور الأسواق والسكك ونحن معه، فإن رأى جداراً مائلاً أمر أهله بإصلاحه، أو طريقاً فاسداً أمر بتنقيته، أو خلفاً مظلماً أمر أهله أن يضيئوا فيه بالليل للمارة والسالك إلى المسجد وغيره، وإن رأى امرأة أمرها بالحجاب، وإن كانت من القواعد أمرها بالتستر، وهو الذي أحدث البراقعَ للنساء باليمن وأمرهن بذلك، وكان يقفُ على أهل كل بضاعة فيأمرُهم بأن لا يغشوا بضائعُهم ويأمرهم بتنقيتها من الغش، وتفصيل ما يبيعون، وإيفاء ما يسمون، فقالوا له: أليس التسعير حراماً؟ فقال: أوليس الظلم والغش حراماً؟، قالوا: بلى، قال: فإنما عن التسعير على أهل الوفاء وأهل التقوى«. (السيرة/٦٢، ونعمان ٨٠٢).

وشاهد عيان آخر ليس زيدياً بل كان فقيهاً شافعياً كان يجمَعُ بين الفقه والتجارة هو أبو الحسين الهمداني قال: قصدت اليمنَ وحملت ما أتجر فيه ابتغاءًً لرؤية الهادي (ع) لما كان يتصل بي من أخباره، فلما وصلت صعدة قلت لمن لقيت من أهلها: كيف أصل إليه؟!، وبم أصل؟، وبمن أتوسل؟، فقيل: الأمر أهون مما تقدر، ستراه الساعة إذا دخل الجامع للصلاة بالناس، وصليت خلفه، فلما فرغ من صلاته تأملته فإذا هو قد مشى في المسجد نحو قوم أعلاّء »مرضى« في ناحية منه، فعادهم، وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه فغيّر شيئاً أنكره، ووعظ قوماً وزجرهم عن بعض المناكير، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه من داره للناس، فتقدمت إليه، فسلمت فرحب بي، وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي؟ فعرّفته أني تاجر وأني وردت هذا المكان تبركاً بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم فأنس بي، وكان يكرمُني إذا دخلت إليه، إلى أن قيل في يوم من الأيام: هذا يوم الظلامات، وإنه يقعد فيه للنظر بين الناس، فحضرت فشاهدت هيبةً عظيمةً، ورأيت الأمراءَ والقوادَ والرجالةَ وقوماً بين يديه على مراتبهم وهو ينظر في القصص »الشكاوى«، ويسمع الظلامات، ويفصل الأمور فكأني شاهدتُ رجلاً غير من كنتُ شاهدته، وبهرتني هيبته، فادعى رجل على رجل حقاً فأنكره المدعى علىه، وسأله البينة، فأتى بها، فحلف الشهودُ، فعجبت من ذلك، فلما تفرق الناس دنوت منه، وقلت له: أيها الإمام رأيتك تحلف الشهود؟. فقال: هذا رأي آبائي تحليف الشهود احتياطاً عند التهمة، وما تنكر من هذا؟، وهو قول طاووس من التابعين، وقد قال الله تعالى: (فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما). قال: فاستفدت في تلك الحال منه مذهبه، وقول من قال به من التابعين، والدليل عليه، وما كنتُ قد عرفت شيئاً من ذلك، قال: وقلت له يوماً: أول ما رأيتك وأنت تطوف على المرضى في المسجد تعودهم، وتمشي في الأسواق، فقال: هكذا كان آبائي، كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، وأنت إنما عهدت الجبابرة والظلمة. (الإفادة /٣٤١-٥٤١، الحدائق ٢/٩١-٠٢، والشافي ١/٧٠٣، والمآثر ٢/٥٨).

ويحمل أعوانه مسؤولية التقصير أمام الله: كان يقول للغلام الذي يقف على بابه: أوصل إليَّ كل ضعيف ولا تحرقني وتحرق نفسك بالنار، فقد فسخت الأمر من عنقي إليك (السيرة/ ٦٥، نعمان/ ٢١٢).

ز- يدق الشاكي الضعيف بابه في السحر وينصفه:

قال مصنف سيرته: رأيته ليلة وقد جاء رجل ضعيف في السحر يستعدي على قوم »يشكوهم«، فدق الباب، فقال: من هذا يدق الباب في هذا الوقت؟، فقال له: رجل كان على الباب، هذا رجل يستعدي، فقال: أدخله، فاستعدى فوجه معه في ذلك الوقت ثلاثة رجال يحضرون معه خصومه، فقال لي: يا أبا جعفر الحمدلله الذي خصنا بنعمته، وجعلنا رحمة على خلقه، هذا رجل يستعدي إلينا في هذا الوقت مشتكٍ، ثم قال: ليس الإمام منا من احتجب عن الضعيف في وقت حاجة ماسة. (المآثر ٢/٤٨٥، والحدائق ٤/٣٢، والسيرة ٢٦-٣٦).

ح- ضمانه الإجتماعي لا يترك مسكيناً ولا فقيراً

كان الهادي (ع) يأمر منادياً ينادي في المسجد بعد صلاة الجمعة: أين الفقراء؟ أين المساكين؟ أين أبناء السبيل؟ أين من له حاجة؟ هل من سائل فيعطى؟ أو من طالب حاجة فتقضى. (السيرة/٤٥، نعمان/٧٢٢)، وأمر صاحب بيت المال أن يطعم الطوافين من المساكين صباحاً ومساءاً، كما أمر لهم من بيت المال بكسوة في الشتاء وأخرى في الصيف. (السيرة/٨٨).

ط- حين تمرد أهل برط

عندما تمرد أهلُ برط عليه خرج الهادي إليهم فدخل برط فوقف العسكر في مكان، وتقدم في ثمانية فوارس وستة وعشرين راجلاً، فقال للقوم: بيننا وبينكم كتاب الله، فإن لم تطيعوا فخلوا بيننا وبين الماء، فأبوا ورموهم، فحمل عليهم وقتل ثلاثة، وأسر جماعة، وانهزم القوم، فسلبهم العسكر، وهموا بقتلهم، فصاح من قتل قتيلاً فهو به، فسئل عن ذلك؟، فقال: ليس لهم فئة أي أمير، فطلب القوم الأمان والبيعة، فقبل منهم، وجمع عسكره، وقال: السلب لكم حلال (أي أجلبوا به إلى المعركة)، قال: لكن هبوه لي أتألفهم به، وأرجو أن أعوضكم به، ففعلوا وأقام ثلاثاً لم ينزل على أحد حتى أكلت خيل عسكره العوسج حتى أن جملاً لبعض عسكره دخل زرع رجل فقال صاحبه: أخبرن الهادي، فقال صاحبه: ليس لي فأخذه وذهب، فناداه الرجل، خذ جملك. (المآثر ٣/٨٧٥- ٩٧٥، السيرة ٢٨-٥٨).

ي- ءأتوا بمثل هذه السجون: وكان يزور السجن، ويراقب نظافته ويأمر من كان يعرف القراءة من المساجين أن يعلمها لمن لا يقرأ، ويسأل كل مسجون عن السبب الذي سجن من أجله وينظر فيه. (السيرة/ ٦٨٣).

ك- ينصفهم فيسلم كثير منهم: كان يتفقد أهل الذمة، ويقول: إن الحكم جارٍ عليهم، وقد أوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يقول لهم: من آذاكم فأعلموني به، ومن اطلع على محرمكم أو تعرض بكم أحللت به ما أحل بمن نكث عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أسلم كثيرٌ من رجالهم ونسائهم لما شاهدوه من رفقه وعدله. (السيرة/٨٨٣، نعمان/٩٠٢).

تلك بعضُ المظاهر لحكم الهادي الرشيد جمعناها من غير تعليق عليها على أمل أن نذكرَ الاستنتاجات فيما سيأتي من أعداد.. وللحديث البقية الصالحة
تم الغاء عرض الصورة التي استخدمتها في التوقيع كون المستضيف لها يحتوي على برمجيات ضارة، يرجى رفعها على موقع آمن .. رابط صورتك القديمة::
http://www.nabulsi.com/text/02akida/4ot ... age023.gif

mohammed alhadwi
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 535
اشترك في: الخميس يونيو 25, 2009 8:52 pm
مكان: اليمن & حجة
اتصال:

Re: الإمام الهَـادِي.. بين شهاده التاريخ وغبار الطائفيه

مشاركة بواسطة mohammed alhadwi »

جدي أمير .. المؤمنين . الهادي الى الحق القويم (( يحيى ابن الحسين ابن القاسم )) صلوات الله عليهم ...


لا نستطيع .. ان نؤدي حقه .. وان بالغنا في مدحه ...

فلا يستطيع احد ان ينكر ضياء الشمس .... فلاننظر في أمر هذا الامام الى قول محب مريد ... ولانلتفت الى ما يقوله .. كل مبغض مكابر عنيد

..........................


ولقد قال كلمة .. لو قالها وهو كاذب لخسفت .. به الارض .. حين قال لاصحابه (( والله لئن أطعتموني لما غاب عنكم من رسول الله الا شخصه ))

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس السيرة وتراجم الأئمة“