الضوضاء وقلة الحياء ....؟

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
الهاشمي اليماني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 668
اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
اتصال:

الضوضاء وقلة الحياء ....؟

مشاركة بواسطة الهاشمي اليماني »

الضوضاء وقلة الحياء .. ؟ هل الضوضاء تسبب قلت الحياء (فقدان الصواب) ، وللحياء حيزا هاما بثقافتنا والإسلامية خاصة حيث يعد الحياء شعبة من شعب الإيمان و من مكارم الأخلاق ، وكان نبينا محمد صلوات ربي عليه وسلام أكثر الناس حياء ، بالطبع نحن البشر مكلفين ومسئولين وبالتالي لانتحمل تصرفات تخدش الحياء أو تناوء الحشمة أو تجانبها ، لكن الضوضاء لها فعلها مهما كانت رباطة الجأش أو رجاحة العقل ، ونقديا يشار لقليل الحياء بلقب إبن سوق ، ورغم أن إبن السوق هو التاجر إلا أن اللقب لايخل من شئ من الحقيقة لأن تركيز الضوضاء يقع بالسوق في معظم الأحيان .
ومهما يكن فإن الإنسان لايزال ممسكا بزمام نواميس الحياة أيا كانت الضوضاء فإنه لا يذهب للبعيد حيث أن مقدرته على التمييز والمقارنة والمنطق تحد حتى من أعلى الشطحات أو النطحات ، وبيئة السوق ليست الضوضاء الوحيدة التي تعترينا كبشر فصوت أزيز الطائرة ضوضاء وكذا القطار والآلات الميكانيكية العديدة ولعل أعلاها إزعاجا وضوضاء هو آلة الحفر أو المطرقة الهوائية والتي نطلق عليها " الكومبريشن " والتي قد يصاب العامل عليها بالصمم ناهيك عن العاهات النفسية والجسدية نتيجة للضوضاء .
بالطبع الضوضاء مشكلة عالمية حاليا وإليها يعزى الكثير من المستجدات السلبية ومنها قلة الحياء أو الحماقة والنزق والتسرع ، وأيضا أمراض كإرتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها ... بل ويذهب آخرون لتحميلها نتيجة إجهاض الحوامل من النساء ..
وشخصيا عانيت من الضوضاء خلال عملي على آلة تثبيت التربة التي يطلق عليها الهزاز ، وأحيانا كنت أجد وقتا للراحة ولم يطل الزمن حتى وجدت تخصصا آخر لكن مشكلة حقيقية واجهتني خلال سكني بشقة بحي شعبي تتلاصق به العمائر وهي مبنية من الطوب الإسمنتي ، كانت العمارة المجاورة ملتصقة بعمارتنا وحتى من الناحية الأخرى كانت هناك نفس المباني ، وخلال عودتي من العمل كانت أمي قد أعدت لي غرفة حسبتها الأفضل ( رضي الله عنها وشفاها ورزقني رضاها ) ومن الصدفة أنني أعمل نهارا على الهزاز ، وكان أول يوم نقطن بالشقة التي أفهمني صاحب مكتب العقار أنها " لقطة " أي نفيسة من النفائس ورائعة سعرا ومكانا وبالفعل كانت نظيفة المرافق أنيقة المنظر مدهونة مصبوغة بلاطها له بريق ومغاسلها بلا إبريق .. وما إن وضعت رأسي على الوسادة الناعمة والفرش الوثير وتلحفت بالغطاء الناغم النظيف حتى جائني عبر الجدار الآخر صوت يشبه الهزاز الذي كنت أعمل عليه نهارا بالميدان .. ولم يكن صوت الهزاز هو الوحيد القادم عبر الجدار ، كان هناك أصوات هدير وأزاميل ومطارق ، وكانت تتقاطع الأصوات مع المطارق وأصوات سبك المعدن ... لم يطل ليلي ولكن لم أنم ،، وشمرت عن ساعدي مع ساعات الفجر المبكر لأبحث عن صاحب العمارة المجاورة ، وجدته ... وكان الإرهاق والضوضاء والأق قد جعلت من إحمرار عيني معلم لايمكن تجاهله لكن الرجل كان رشيدا وبارعا ، وقبل أن أشرح له ماجرى لي ... قال أبشر سأجعلهم ينقلون مكان نشاطهم لمكان آخر بحيث لايمكنك الشعور به ،، ولما سئلته عن نشاط الئك الجيران المزعجين قال : إنه يصيغون المعادن الذهب والفضة .. كان جاري متفهما وفاضلا وفهمت بعد ذلك أن غيري من الجيران سبق لهم الشكوى من نفس السبب ، وكانت قصتي هي التي أنهت تلك المأساة ..
الحمد لله المصنع المجاور لغرفتي رحل غير مأسوف عليه ، لكن الضوضاء لازالت محور إهتمامي وتشدني للإستطلاع عنها سواء بعالم الإنسان أو الحيوان ،، ..
ولعلنا نتأمل عينات من عالم الحيوان لها صلة بالإنسان وبيئة الضوضاء المعاصرة التي يعيشها وأنعكست على الحيوان والإنسان بالتساوي .. ولنقارن بالسوق وهو أعلى الجهات ضوضاء بحياتنا سواء بالريف أو الحضر ، وممن يحضر السوق بفعالية الجمال ( الإبل ) ، ويشتهر عنها الصبر ، وأنا شخصيا أغبطها لأنها تعتبر بنضري أعضم تحملا من أي حيوان بما فيه الإنسان ، فترى الإبل بكل صمت ووقار تنتظر مهمتها الموكلة لها ، وحتى في موسم الأعراس الحيوانية والتي غالبا يفلت الزمام من حيوانات أخرى إلا أن الجمل لايفلت له زمام ويكتفي بما يطلق عليه " الهدرة " ويطلق لعنانه الزمام في هدرات طويلة عبر فمه ويخرج منه مايشبه رغوة الصابون ثم بالونة حمراء ، ويفسرها علماء الطبيعة بأنها البوح بغرامه وطموحه للزيجة ،، الجمل الصبور الوقور يفعل كل ذلك لاكنه لايميل أو يفلت أو يترك عملا أوكل إليه ، ويعطي كل ذي حق حقه .. الحمير هي من تفعل الأفاعيل وتثير الضجيج بأصواتها ورفساتها بل وتلحق ببني جنسها العار والشنار وفقا لرؤيتنا ، عبر ما تصنعه من أفعال غير محتشمة بالسوق وتزيدها الضوضاء إصرارا على فعل غير المألوف بشريا .
وأيضا من تأثروا بالضوضاء من عالم الحيوان وفقدوا الكثير من تميزهم كانوا من عالم القطط ، تلك القطط المنزلية الوديعة والذي يتسم مشيها وسلوكها غالبا بالمرح والود رغم مشاكسة البعض ولكنهم أقلية بالعادة .. هذه الحيوات الأليفة أصيبت بلوثة الضوضاء أيضا ، فلعل حياة العصر وضوضائه أفقدتها الكثير من مميزاتها الفطرية حيث كان للقطط موسم تزاوج سنوي واحد لكنها حاليا تقضي معظم السنة بعراك وصراخ يعرف به موسم تزاوجها ،، والإناث منها خاصة والتي كانت تخجل أن تقضي حاجتها بالقرب من الإنسان بل وتذهب للبعيد بأن تغطي قاذوراتها بعناية وحرص ،، أصبحت تتبول بالشارع العام وفوق الإسفلت وأمام المارة دون أن تشعر بخجل أو وجل ... هذا ما أحدثته الضوضاء بأناث القطط ، أما الذكور فكانوا أكثر قلة حياء فحينما تقف سيارتك بالشارع فإنها تصبح هدفا ليتبول كل قط ذكر عليها وتحتها وبجوانبها ، وحينما تحاول حماية سيارتك ينبغي عليك إما وضع حراسة عليها أو تغطيتها أو غسيلها يوميا وكل تلك الإجرائات لن تجدي من عبث ذكور القطط الذين يقول علماء الحيوان أن تلك الذكور تكتب رسائل عبر بولها معظمها موجهة للحسناوات من إناث القطط ، وأيضا تحذير للمنافسين من الذكور.. وفي النهاية يعتبر ذلك التصرف قلة حيا سببته الضوضاء .


الشريف الحمزي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 431
اشترك في: الخميس يونيو 23, 2005 4:42 pm

Re: الضوضاء وقلة الحياء ....؟

مشاركة بواسطة الشريف الحمزي »

أخي الكريم الهاشمي حفظكم الله موضوع جميل وأسلوب رائع في السرد المشوق
والحياة اليوم ياسيدي تخلت عن الهدوء وبالذات الهدوء النفسي الذي اصبح أندر من العنقاء والخل الوفي
استفدت من قراْت الموضوع وفعلا كل شيء تقريبا تغير فالظغوط التي تمارسها علينا ظروفنا بتعسف لخبطت القيم وفرضت واقع عملي سيء
نتمنى من الله السلامة
تحياتي
أنا ابن عليّ الطهر من آل هاشم *** كفاني بهذامفخراً حين أفـــــخر
وجدي رسول الله أكرم من مشى *** ونحن سراج الله في الأرض يزهر

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“