الإنسان خليفة الله

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
مره واحدة
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 152
اشترك في: الأربعاء يناير 06, 2010 7:58 am

الإنسان خليفة الله

مشاركة بواسطة مره واحدة »

الإنسان خليفة الله

في هذا المقام فقط وبهذا الإعتبار نال الإنسان من بين جميع الموجودات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى الفخرَ في أن يكون خليفة الله في الأرض عاملا بعمل الله ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) ، وكمثل داود (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ، وخليفة النبي هو الذي بإمكانه أن يقيم على الأرض حكومة على نمط حكومة النبي ...

إذا كان من المقرر أن يتمتع الإنسان بالقوة التكوينية < الإرادة > ، أو حرية إختيار نوع العمل ونمط الحياة ، وفعل ما يحلو له من السيطرة على المحيطات الأربعة الداخلي والطبيعي والإجتماعي والدولي ، فهذا معناه أيضا قدرته على الإفساد في الفرض والفساد أيضا، أي أن الإنسان بإمتلاكه للإرادة في بنيته الفطرية يمكنه فضلا عن اختياره العمل الصالح وممارسة الصلاح ، أن يقوم بطالح الأعمال والإفساد في الأرض والقتل وسفك الدماء ، ويخرب البيئة ومصادر الإنتاج (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )

وفي هذا السياق تندرج معارك بدر وأحد والخندق وخيبر وكربلاء والثورة الإسلامية وانتفاضة الأقصى ، وثورة الحجارة ، بحيث أن الناس خلفاء الله في الأرض نالوا هذا الإرتقاء والقرب من الحق.

إن إصلاح المحيط الطبيعي والمحيطين الإجتماعي والدولي وإعادة تشكيلها ، يتطلب الإنتصار على المحيط الداخلي وإعادة تشكيل الذات وتكوين الشخصية لإستخدام الإمكانيات الذاتية ليتحقق الفتح المبين في المحيطات الثلاثة ، من خلال تصميم مسبق وإمتلاك المعايير والأحكام والقدوة والأنموذج : وهذه وسائل جهز الله عز وجل البشر بها بواسطة الوحي: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ )
وهكذا أوجد الله عز وجل الإنسان العاقل وعلمه مالم يعلم ، من الكمالات والظواهر والأحداث ، وحين اعترض الملائكة على خلقه من يفسد ويسفك الدماء (الإنسان) ، سوغ خلقه له بقابليته للعلم والمعرفة ، وطلب إلى الملائكة كافة أن يسجدوا له تعظيما لعلمه ومعرفته ، فسجدوا كلهم لآدم إلا إبليس أبى واستكبر ...

لقد جعل الله عز وجل جميع الموجودات وقوى نظام الوجود المؤثرة في عالم الطبيعة في خدمة حرية الإنسان وارتقائه المعنوي وتقربه إلى الله ، ولم يبق من عناصر سلبية في المحطيات الأربعة سوى إبليس الباطن < هوى النفس > الذي هو جزء من بنية الإنسان الوراثية ، وإبليس الخارج < شياطين الجن والإنس > الذي يتلونون بألوان مختلفة ...

< الهوى > كمظاهر إبليس التي لا تعد ولا تحصى ، غير مرئي وغير محسوس ، لكننا نشعر بحضوره ووجوده من خلال عمله الدائم في داخلنا وفي داخل الآخرين . وهو محرك مرتبط بالحرص والشُح والرغبة في إمتلاك الأشياء واقتنائها ، وفي الشهرة والمقام الإجتماعي والسلطة ، وهذه < الرغبة الدنيئة > هي التي توجد سلطة التملك والسيطرة على وسائل الإنتاج والسلع والناس والكرة الأرضية وحتى الكواكب.
أبالسة الخارج هم إخوان الشياطين وأقرانهم الذي يضلون البشر : ( ... إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ، ( ... وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )

أفعال العناصر المخلة والمفسدة :

لا يظن أحدٌ أن الشيطان الذي يخوفنا من الفقر ، ويزين لنا سوء العمل هو دائما غير مرئي وغير محسوس ، أحيانا هو ذلك الكاهن والدرويش والصوفي المشعوذ ، الذي يتباهى بالفقر ويدعي الزهد ، وذلك المعادي للعلوم الطبيعية والتقانة ، ويريد أن يظل الإنسان عبدا للطبيعة وأسيرا لها ، وليس كما أراده الله < كريما > وحرا وعزيزا وقادرا. هو (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ) الظاهر والمتخفي من الناس المستكبرين والمترفين والكهان وسلاطين الإعلام ، والطواغيت والمستبدين من السياسيين الذين تتعارض أحكامهم وأوامرهم ونواهيهم مع أحكام الله وأوامره ونواهيه ، هؤلاء ذرية إبليس الذي أقسم أن يغرر بذرية آدم: ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ) .

إنهم ذريته الثقافية والمعنوية وليس البيولوجية ، الطاغوت والكهان والمستكبرون والمتمولون مصاصو الدماء ، وسلاطين الإعلام وفلاسفة الضلال ... وما أكثر الناس الذين ارتضوا بنير هؤلاء في أعناقهم ، طيلة التاريخ ، واتخذوهم أولياء من دون الله ... وطيلة التاريخ سعى الأنبياء والأحرار من الصالحين ، لهداية الناس والأسرى ، الفقراء ، الأذلاء ، المظلومين ، المستضعفين ، وإيقاظهم وتوعيتهم ، ليحيوا حياة طيبة ، فاهتدى بعضهم وآمنوا وقاموموا الطاغوت والكهان ، لكن عددا كبيرا أيضا ، لم يستجيبوا ، ولم يعملوا للإرتقاء من العيش إلى الحياة الإنسانية ومنها إلى الحياة الطيبة ... المؤمنون الأحرار طبقوا الأحكام الإلهية ، وسرعوا مسيرة تقربهم ، وإحراز الدرجات العالية في نظام الوجود ، وساعدوا المستضعفين الأسرى الأذلاء وشملوهم برحمتهم وأمروا بالعرف وأعرضوا عن الجاهلين .


من كتاب : جدلية الحربة والعبودية – دراسة قرآنية في الدلالات والأبعاد
الكاتب: جلال الدين الفارسي
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وِمَا ابْتَلَى اللهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِِمْلاَءِ لَهُ.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“