!اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
alhashimi
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1048
اشترك في: الجمعة فبراير 29, 2008 12:44 am

!اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

مشاركة بواسطة alhashimi »

حُــبُّ‮ ‬آلِ‮ ‬رَسُولِ‮ ‬اللــَّــه‮ ‬فرضٌ‮ ‬في‮ ‬الإسلام‮ ‬واجبٌ


واختصاصُ بني هاشم بالحُـكم إجتهادٌ أتى في وقت متأخر


_________________________________
مفاهيم إسلامية صحيحة

بقلم العلامة/ إبراهيم بن محمد الوزير
____________________________________

> من المسَــلـَّـم به بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن حب آل رسول اللــَّــه جزء من الإسلام لا يتم إسلام المرء إلاَّ به، وأن من أبغضهم وأبغض ذرية رسول اللــَّــه من ابنته فاطمة الزهراء عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام تعميماً دون استثناء فهو منافق لا ريب فيه، ومن أبغض فاطمة الزهراء عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام وأبغض بعلها ابن عم رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم أو أبغض الإمام الحسن بن علي، أو أبغض الإمام الحسين بن علي عليه السلام، أو زينب بنت الإمام علي، ومرقدها في ضواحي دمشق في حي السيدة زينب المعروف الآن في دمشق، أو في القاهرة في حي السيدة زينب على قول آخر، أو أبغض الإمام زين العابدين علي بن الحسين، أو لم يعترف بفضل سيدتنا ومولاتنا السيدة خديجة بنت خويلد التي ساعدت رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم أو أبغض أو كره سيد الشهداء الحمزة بن عبدالمطلب، أو الشهيد الطيار في جنان الخلد جعفر بن أبي طالب أخا الإمام علي، أو أنكر ظهور الإمام المهدي من ذرية رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم في يوم من الأيام ليملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما مُــلئت جوراً وظلماً، ففي قلبه مرض، وهو إما أن يكون منافقاً أو عنده جزء كبير من النفاق، إن أولياء اللــَّــه هؤلاء لهم عند اللــَّــه عز وجل مكانة كبرى، وهم في مقدمة الذين أمر اللــَّــه عز وجل بالصلاة عليهم في كل فريضة، ولا تصح صلاةُ المسلم إلاَّ إذا صلى عليهم، كما يقول الإمام الشافعي عليه وعلى آل رسول اللــَّــه السلام:

يا أهلَ بيتِ رسولِ اللــَّــهِ حُــبـُّــكُمُ

فرضٌ من اللــَّــهِ في القرآنِ أنزلـَـهُ

يكفيكم من عظيمِ الشأنِ أنكمُ

من لم يُصَـلِّ علىكم لا صلاةَ لـَـهُ

ومَن أبغض ذريةَ رسول اللــَّــه وأولادَه من ابنته فاطمة الزهراء عموماً ولم يستثن ففي قلبه مرضٌ ولم يتم مع وجود ذلك إيمانــُــه كما يريد اللــَّــه، وسيُحشر يوم القيامة في زُمرة الزائغين المنافقين أو العُصاة المذنبين، فحُــبُّ آل محمد عليهم وعلى رسول اللــَّــه الصلاة والسلام، وفي مقدمتهم ابنة رسول اللــَّــه فاطمة الزهراء والإمام علي وذرية سيدتي فاطمة الزهراء الصالحين إلى يوم الدين فرضٌ في الإسلام واجبٌ، وقد أوضح ذلك الإمامُ الشافعي رضي اللــَّــه عنه حيثُ قال:

إنْ كان رَفضاً حُبُّ آل محمدٍ

فليشهَدِ الثقلان أني رافضي

أما مَن أبغض شخصاً بعينه من بني هاشم لفسقه وفجوره فلا عليه بأس، بل ذلك ما يجبُ عليه؛ لأن البُغضَ للفسق والفجور وليس لأنه من بني هاشم، والحبُّ في اللــَّــه والبُغضُ في اللــَّــه من أعظم المبرات.

بهذا جاء الدينُ، وقد اختص اللــَّــهُ عز وجل آلَ محمد من أولاد فاطمة الزهراء عليها وعلى رسول اللــَّــه الصلاة والسلام ومَن معهم من المسلمين بوظيفة هامة وهي تبيينُ كتاب اللــَّــه عز وجل لأمة محمد، هُم ومَن سواهم من علماء المسلمين الذين يحبون آل رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم وينهجون نهجهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهم درجات عند اللــَّــه عظيمة مثل درجات المجاهدين من ذرية رسول اللــَّــه ولا يُنكــَــرُ فضلهم، يقول اللــَّــه عز وجل في كتابه العزيز: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن اللــَّــه)، والمرادُ بالذين اصطفينا هم آل رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم وغيرُهم من علماء المسلمين الأفاضلُ المخلصون العادلون المؤمنون الموحِّــدون الذين يُحبون اللــَّــهَ ورسوله وأهلَ بيت رسول اللــَّــه، بهذا جاء الإسلامُ وعلى هذا اجمعت أمة محمد صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم ومُسَلم بكل مذاهبها.

أما قضية إختصاص آل محمد وذرية رسول اللــَّــه أبناء فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب عليهما وعلى رسول اللــَّــه وآله الصلاة والسلام بالحُكم، وأنه لا يصح تولي رئاسة الدولة الإسلامية إماماً أو غير إمام إلاّ منهم فهذه مساءلةٌ إجتهاديةٌ جاءت في وقتها كرد فعل للمظالم الهائلة والمخيفة والتي مارسها معاوية بنُ أبي سفيان وابنه يزيد، ثم تبعهم في ذلك بنو أمية ما عدى الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رضي اللــَّــه عنه، ثم جاء بنو العباس فظلموا ذريةَ رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم ولاحقوهم وقتلوهم، وقالوا: نحن أحقُّ بالملك منهم، وأولى بحُــكم الأمة الإسلامية . فقال الناس من أمة محمد صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم: إن ذريةَ محمد هؤلاء الملاحقين المطرودين المقتــَّــلين المذبوحين هم أحقُّ بحكم أمة محمد، وما هذه الملاحقة وهذا الإضطهاد وهذا القتل وسفك دمائهم إلاَّ لأنهم أصحاب الحق في حكم الإمة الإسلامية، ومن هنا نشأ الإجتهاد باختصاص حكم ذرية رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم أولاد فاطمة الزهراء والإمام علي عليهما وعلى رسول اللــَّــه الصلاة والسلام.

والوَاجبُ على بني هاشم الزيديين في اليمن وفقهم اللــَّــه ورعاهم أن يبتعدوا عن التطلع إلى الحكم أو التفكير فيه، فذلك أدعى لرضى إخوانهم من المسلمين الصادقين الصالحين المؤمنين الموحدين، الذين يؤمنون باللــَّــه ويعملون الصالحات ويحبون اللــَّــه ورسوله وآل رسول اللــَّــه وذريته صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم، وجمع كلمة المسلمين، والعمل على توحيد صفوفهم على العدل والإنصاف، وبذل حقوق الإنسان، والعمل على نشر العدالة في بلادنا واجبٌ كبير، وقد قال رسول اللــَّــه صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم فيما رُوي عنه: »صلاحُ ذات البين خيرٌ من عامة الصلاة والصيام«، فانظر أخي الهاشمي الزيدي كم في هذا الإتجاه من أجر كبير، لا يعلم قدره إلاَّ اللــَّــه إذا ما عمله المسلم لجمع كلمة إخوانه وأبناء وطنه وإرضاء لله عز وجل ثم إرضاء لإخوانه المسلمين الموحدين المؤمنين الصادقين محبي آل رسول اللــَّــه المطهرين.؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وعلى هذه يجبُ أن يتمسكَ الهاشميون الزيديون في اليمن بعدم التطلع إلى الحُكم أو الإختصاص به ويجعلوه مبدأً لا يحيدون عنه لما في ذلك من نتائج ترضي اللــَّــه وترضي رسوله صلى اللــَّــه عليه وآله وسلم وترضي إخوانهم المؤمنين.

وليكن مبدأَنا جميعاً في اليمن جمعُ كلمة المواطنين، والدفاع عن مبدأ الحرية، ومبدأ الشورى التي جاء بها الدينُ الإسلامي، والإستفادة لتفعيل الشورى بالديموقراطية الحديثة، بما فيها من مؤسسات دستورية لمنع الحاكم عن الإستبداد والظلم، وتجعله يعترفُ بحقوق الإنسان وبحُرية العقيدة وبحُرية المذاهب وحرية التعبير وبجميع الحريات في حدود ما ينص عليه الدستور الذي وضعَهُ رجالٌ صالحون صادقون من أبناء اليمن.

فلنناضلْ جَميعاً من أجل الحرية، ولنتمسك بمبدأ الحرية، ولنصمم عليها، ونطالب بها وبحقوق الإنسان وبحقوقنا جميعاً وحريتنا جميعاً في اعتقاد كل فريق بما يراه أنه الصوابُ دونَ تدخـُّـل أو إجبار من السلطة أو غيرها.

وليكنْ شعارنا المساواة في الحقوق والواجبات لكل مواطن من أبناء اليمن.

وعلينا أن نبتعدَ عن العُنف وسفك الدماء وفرض آرائنا ومعتقداتنا على الآخرين.

كما علينا أن نعريَ الذين ينشُرون الكراهية بين أبناء اليمن تحتَ عدة مسميات ويسعَون لسفك الدماء، ونعلنَ تمسكَنا بالحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة في الحقوق والواجبات، ولا نعدلَ عن ذلك أو نتوانى.

واللــَّــهُ هو الهادي إلى سواء السبيل، وهو عز وجل حسبُنا ونعم الوكيل.

وصَلِّ اللــَّــهُمَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين.

سُبحانَ ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمدُ لله رب العالمين.

حسبُنا اللــَّــه ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.

وعلى اللــَّــه توكلت..



http://www.al-balagh.net/index.php?opti ... 8&Itemid=0












وليس الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا

صوت الحرية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 460
اشترك في: الاثنين سبتمبر 06, 2004 9:45 pm

Re: !اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

مشاركة بواسطة صوت الحرية »

شكراً أخي على النقل ، وبالنسبة لما طرحته من تساؤلات في موضوع الاستاذ المتوكل ، فأعتقد أن ما تكلم عنه العلامة الوزير مثلما قلت حول الحكم وليس حول الإمامة ففرق بين استحقاق الإمامة واستحقاق الرئاسة ، كون الإمامة لا اختلاف كونها لا تصح إلا في البطنين ، ولكنه يقول أن الإمامة لا تعني ضرورةً الرئاسة، وهي نظرية يجب على صاحبها توضيح الدليل عليها، وتوضيح الأدلة حول أن ربط الإمامة بالحكم اجتهاد للمتأخرين!، فليس عذراً أن الناس سيكرهون القول بأن الحكم في البطنين فعليه يجب على بني هاشم عدم التلطع للحكم ؟ فالإمامة والحكم عند الزيدية هي جزء لا يتجزأ من أصول الدين ، فلا يمكن أن يقيم العدل من ليس في يده الحكم والأمر والنهي ، وهذا لا يعني ايضاً أن الزيدية تلزم كل المسلمين والناس بمبايعتهم بالإمامة والحكم ، ولكن من حقهم أن يعتقدوا ما يؤمنون بكونه الحق ، فالسنة مثلاً تؤمن بأن الحكم لا يصح إلا في قريش ولا أحد يطالبهم بترك عقيدتهم هذه ، فالزيدية يحق لهم اختيار حاكم او رئيس او امام الذي يرون فيه توفر الشروط التي يعتقدون وجوبها فيه ، وليس بقية المسلمين (اليوم مثلا) ملزمين بهذا الاختيار ، فمثلاً الزيدية اليوم سيرشحون إماماً او رئيساً تتوفر فيه شروطهم ، وبقية الشعب في اليمن يحق لهم ترشيح آخرين ، والمرشح الذي ينتخبه ويختاره الأغلبية هو من سيحكم ، فالزيدية على مر العصور لم يطالب أئمتها بالحكم إلا بسبب جور وظلم من الحاكم السابق ، وهذا ما يثبته عدم خروجهم على الخليفة عمر بن عبدالعزيز الأموي ، وخروجهم على غيره.

وأخالف هنا العلامة في نظرته أن الأئمة طالبوا بالحكم بسبب الظلم الواقع على آل البيت ، فأئمة آل البيت ارتضوا في مراحل كثيرة الصبر على الظلم الواقع عليهم بالذات في سبيل صلاح الأئمة ومادام ان الظلم واقع عليهم خاص وليس على بقية المسلمين ، ولم يخرجوا ليطالبوا بإزالة الظلم وتنحية الحاكم الظالم وأن يحكم إمام من ذرية رسول الله تتوفر فيه شروط تضمن أن يكون عادلاً، لم يطالبوا بذلك إلا لما رأوه من ظلم واقع على كل الأئمة وليس عليهم فقط، فخروجهم ومطالبتهم لم تكن لوقف الظلم الواقع عليهم ، بل لوقف الظلم الواقع على الأئمة جميعاً.

ولم يكن ذكر الأئمة القدماء عليهم السلام ( الإمام علي ، الحسن ، الحسين ، زيد ...) للفظ إمام أو إمامه إلا بمعنى الإمامة الدينية والحكم ، و ذلك يتضح جلياً اكثر في رسالة تثبيت الإمامة للإمام زيد بن علي (ع) ومن تلاه من الأئمة .

وبما أنك وضحت استفسارك في موضوع الأستاذ عبدالله حميد الدين فسأضع هنا رؤيته حول الإمامة في العصر الحالي و إليك مقتطفات من كتابه ( الزيدية .. قراءة في المشروع وبحث في المكونات):

الأصل الثاني: الإيمان بوجوب قيام الدولة العادلة

أغلب المسلمين جعلوا موضوع الدولة من فروع الدين،وأكدوا أنها لا يجب أن تحتل المكانة العليا. كان ذلك على أساس أن كل قضية عملية، غير اعتقادية، فهي من الفروع. يتضح وفق ما سبق أن الدولة لا يصح إلا أن تكون من أصول الدين، وأنها تختلف نوعاً عن جميع الأعمال الأخرى العبادية وغيرها، حيث إنها جميعاً تعتمد على الدولة العادلة في بقائها ذا معنى. فكل ما نقوم به يجب أن يؤول إلى تحقيق مصالح العباد، فإذا كانت الدولة جائرة، أو لم تكن تعمل على تحقيق العدل بين الناس، فإن كل ما دون ذلك يضيع معناه. إضافة إلى ذلك فإن النفع العائد من الدولة يعود على الأمة أجمع، بخلاف غيرها والعبادات على وجه الخصوص والتي يعود نفعها على الفرد أو بعض الأفراد. وقد أشار إلى هذا الخبر المرفوع:((لو أن عبدا قام ليله، وصام نهاره، وأنفق ماله في سبيل الله عِلْقاً عِلْقاً، وعبد الله بين الركن والمقام، ثم يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوماً لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة؛ حتى يظهر المحبة لأولياء الله، والعداوة لأعداء الله)) وأولياء الله تعالى هم الدعاة إلى الحق والعدل ومحبتهم تكون بنصرتهم. وأما أعداؤه فهم الظالمون المتعدون على حقوق العباد وحرمات الله، وعداوتهم بإزالة ظلمهم وجورهم. ومنه ما قاله يحيى بن الحسين (ت 298هـ) حيث قال في معرض كلام له عن أولوية الوقوف أمام الظالمين على بقية الطاعات: ((وكيف لا يكون الجهاد أعظم فرائض الرحمن، وهو عام غير خاص لجميع المسلمين؟ وعَملُ من عمِلَ به شامل لنفسه ولغيره من المؤمنين؛ لأن الجهاد عز لأولياء الله، مخيف لأعداء الله، مشبع للجياع، كاسٍ للعراة النياع، نافٍ للفقر عن الأمة، مصلح لجميع الرعية، به يقوم الحق، ويموت الفسق، ويرضى الرحمن، ويسخط الشيطان، وتظهر الخيرات، وتموت الفاحشات. والمصلي فإنما صلاته وصيامه لنفسه، وليس من أفعاله شيء لغيره، وكذلك كل فاعل خير فعله لنفسه لا لسواه وكيف لا يكون الجهاد في سبيل الله فُضِّل على جميع أعمال المؤمنين؟ وبه يحيا الكتاب المنير، ويطاع اللطيف الخبير، وتقوم الأحكام، ويعز الإسلام، ويأمن الأنام، وينصر المظلوم، ويتنفس المهموم، وتنفى الفاحشات، ويعلو الحق والمحقون، ويخمل الباطل والمبطلون، ويعز أهل التقوى، ويذل أهل الردى، وتشبع البطون الجائعة، وتكسى الظهور العارية، وتقضى غرامات الغارمين، وينهج سبيل المتقين، وينكح الأعزاب، ويقتدى بالكتاب، وترد الأموال إلى أهلها، وتفرق فيما جعل الله من وجوهها، ويأمن الناس في الآفاق، وتفرق عليهم الأرزاق)). ومن المدارس الإسلامية، من جعل الإمامة من أصول الدين(الإمامية والإسماعيلية)، ولكن ليس باعتبارها قيادة زمنية، ضرورية لحياة الناس، أي ليس بمعنى الدولة، وإنما باعتبارها قيادة فردية ضرورية لمعرفة الدين. فوفق هذه الرؤية لا يمكن للدين أن يُعرف بغير الإمام، ومن هذه الحيثية جُعلت الإمامة لديهما من أصول الدين.
وما يتعلق بالتنظير لقيام الدولة يمكن تقسيمه إلى قسمين:
1.المبادئ التي تمثل بمجموعها جوهر النظرية.
2. المبادئ التي تمثل آليات الوصول إلى الحكم ومن بعد ذلك ممارسته. والذي يجب ذكره هنا إنما هو الأمر الأول حيث إن الثاني يخضع لاعتبارات ظرفية، ولا يمكن أن يكون له صفة الإطلاق.
3. الأول من تلك المبادئ وأهمها: أن الله تعالى خلق البشر متساوين في الحقوق الاجتماعية والسياسية، وبالتالي فلا يحق لأحدٍ مهما كان أن يُقَيِّدَ حرية أي مخلوق آخر، كما لا يحق لأحد أن يخضع نفسه لمخلوق آخر إلا بإذن من الله، كما لا يحق لأحدٍ أن يتقدم أو يتصدر غيره من الناس إلا بإذن من الله تعالى أو لمصلحة مشتركة تعمهم جميعاً. وإن الله تعالى إذ يأذن فلا يأذن إلا بما يقرُّه العقل ويؤيده؛ لأن الله تعالى لا يأذن بما يخالف العقل أبداً. الثاني: أن إقامة نظام سياسي عادل يرعى حقوق الناس، ويؤمنِّهم من الظلم والخوف والفقر والجهل، هو من أصول الدين. وهو من مدلولات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي غياب هذا الأمر يصبح "التقلب بالأموال والتجارات والمكاسب في وقت ما تُعطَّل فيه الأحكام ويُنتهب ما جعل الله للأرامل والأيتام والمكافيف والزَّمْنَى وسائر الضعفاء ليس من الحل والإطلاق كمثله في وقت ولاة العدل والإحسان والقائمين بحدود الرحمن." قال د. محمد عمارة معلقاً عليها: هذا الحكم يجعل الكسب في مثل هذه الظروف لا يمكن أن ينجو من التلوث بمثل هذه الظلامات. وفي هذا الحكم حثٌّ على العمل لتغيير الجائر من الأوضاع تطهيراً للكسب والمأكل وإراحة للضمير. الثالث: وهو يتفرع بشكل طبيعي عن الثاني، وهو وجوب المشاركة السياسية الفاعلة من جميع أفراد الأمة في تأسيس ذلك النظام، وفي رعايته وحمايته. وهذا يفرض على المجتمع المسلم التواجد الإيجابي والفاعل في الساحة السياسية، مع اختلاف شكل التواجد وآليته باختلاف الظروف الموضوعية، كما يفرض على المجتمع السعي الدؤوب وصولاً لنحو ذلك النظام، حتى لو لزم الأمر التدخل القسري، وبالتالي يخلق لنا مجتمعاً مشاركاً ومراقباً للوضع السياسي في البلاد، إضافة إلى أنه يخلق شعوراً لدى القائمين بالأمر بالمراقبة المستمرة لهم ولأعمالهم. الرابع: إن الدولة تعبر عن مصالح المجتمع بجميع أطيافه واتجاهاته المختلفة وإنه لا يجوز لها أن تكون طرفاً من أطراف الصراع الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وإنما هي مظلة يستظل بها جميع أفراد المجتمع مهما تناقضت هوياتهم، وقد عبَّر عن شيء من هذا المبدأ الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية(ت145هـ) حيث: أوجب على من قام بهذا لأمر الدعاء لجميع الديانين، وقطع الألقاب التي يدعى بها فرق المصلين، وغلق الأبواب التي في فتح مثلها يكون عليهم التلف، والامساك عمَّا شتت الكلمة، وفرَّق الجماعة، وأغرى بين الناس فيما اختلفوا فيه وصاروا به أحزاباً، والدعاء لطبقات الناس من حيث يعقلون إلى السبيل الذي لا ينكرون وبه يؤلفون، فيتولى بعضهم بعضاً، ويدينون بذلك، فإن اجتماعهم عليه إثبات للحق وإزالة للباطل. الخامس: إن القيادة في الدولة قيادة سياسية، وليست زعامة دينية. فالقيادة السياسية هي التي يراد منها أساساً رعاية مصالح العباد. والزعامة الدينية هي تلك التي تملك حقاً زائداً أو حصرياً في أن تتكلم وتمثل الدين. فمع أن قيام الدولة مما يجب أمام الله تعالى، ومع أنه يجب طاعة الدولة فيما تأمر به، إلا أنها مع ذلك قيادة سياسية وليست زعامة دينية. فليس لها ولاية على الدين، ولا يعتبر رأيها في الأمور الدينية ملزماً للجميع. وتنحصر ولايتها في ما يحقق غرض وجودها وهو تحقيق العدل والأمن بين الناس. هذا لا يمنع من اشتراط مؤهلات دينية وعلمية وخلقية لمن يتولى أمورها. كما لا يمنع أن يكون للقيادات فيها مواقف دينية تتميز عن غيرهم، ولكنها لا تلزم إلا من اقتنع برأيهم. أيضاً لا يتعارض هذا مع اعتبار أن طاعة القيادة فيها ثواب من الله، وأن معصيتها عليها إثمٌ، لأن ذلك يعود إلى أنه يترتب على الطاعة والمعصية مصالح ومفاسد للأمة. أخيراً قد يكون من الأمة من هو أكثر ديناً ممن في رأسها، ولكن لما كانت العبرة بالقدرة على القيادة لم يمتنع هذا الأمر. هذه الأفكار تمثل أبرز مرتكزات المشرع السياسي الزيدي. ما سواها من عناصر فرع عليها، وأغلبها ــ إن لم يكن جميعهاــ إنما يتناول آلية الوصول إلى الحكم، كما يتناول آلية انتقال الحكم وطريقة حل النزاعات المحتملة حين انتقال الحكم، وهي قضايا على أهميتها لا تعدو أن تكون إجرائية ونسبية بخلاف تلك الأمور التي تحدد دوافع الحركة وأهدافها وشكلها العام، وهذه الأفكار ــ كما هو واضح ــ أساس أي مشروع سياسي معاصر يهدف إلى إقامة العدل، وإلى إبقاء الإسلام في الحياة العامة.

الإمامة

سبق أن أشرت إلى مكانة الإمامة لدى الزيدية. هذه المكانة صارت سبباً للنقد من كثير من الناس، وذلك لأن الذي شاع في الثقافة الإسلامية العامة عدم الاعتداد بأمرها، واعتبارها من الفروع والقضايا الثانوية. وقد سبق ما يبين سبب علو مكانتها لدى الزيدية. أيضاً مما أخذ على الزيدية في أمر الإمامة قولهم بأن الإمامة محصورة في أهل البيت"، وأنه ما دام هناك الكفؤ لها من أهل البيت فلا يصح اختيار أحد من سواهم. ولعل هذا الأمر كان السبب في أكثر النقد الموجَّه إليهم، هذا النقد الذي توجه إليهم من بعض الزيدية فضلاً عن غيرهم. بل لعله سبب لكثير من التضييق الذي عانوه عبر السنين. وقد نجد في عبارة ((الزيدية في معتقل الإمامة)) كثيراً من المعاني التي تنعكس عن واقع الزيدية والإمامة اليوم. ولكن السبب لا يعود إلى الإمامة، إنما يعود إلى مفهوم الناس عن الإمامة، وإلى الطريقة التي يتم بها عرض المذهب في الآونة الأخيرة. وقد سبق أن بيَّنْت أن حصر الإمامة في أهل البيت إنما هو من آليات الوصول إلى الحكم، ولا يُمَثِّل جوهر أو روح النظرية في الإمامة، وبالتالي فهو من فروع نظرية الإمامة العامة، وليس هو الإمامة. ولكن الأمر يعرض وكأن الإمامة عند الزيدية ليست إلا التأكيد على الحق الفريد لأهل البيت فيها. ولعل هذا يعود إلى كونها من القضايا التي كثر الاختلاف حولها، فكثرت الكتابات فيها، مما قد يوحي للكثير، زيدية وغيرهم، أن موضوع الحصر هو الأساس. والأمر أوضح في الفترة الأخيرة، حيث إن خصوم الزيدية في هجومهم عليها شددوا على قضية الهاشمية، وعلى قضية العنصرية، وعلى قضية الحصر وهكذا. هذا التشديد دفع كثيراً من الزيدية الى تكريس جهودهم ودعوتهم الى قضايا التشيُّع، وولاية أهل البيت، حتى كأنها صارت هي المميز الرئيس لفكر الزيدية، وحتى صار التوحيد والعدل وكأنهما تابعان لمفهوم التشيع وليس العكس. وقد سبقت الإشارة إلى أن الزيدية ترى أن لا بد للقائم بأمر الإمامة من إذن شرعي يسمح له بممارسة الأمر والنهي على غيره من الناس. وترى الزيدية أن الله تعالى قد جعل هذا الإذن للأكفأ، والأفضل من أهل البيت، ولذلك فإنّ الزيدي عندما يرشح قيادةً فإنما يرشح الأكفأ من أهل البيت. فإذا قَبِلَتْ الأمة القيادة التي رشَّحها الزيدي فذلك حق للأمة. أما إذا رفضت الأمة القيادة التي رشَّحها الزيدي فليس أمامه، وليس أمام قيادته إلا أن ينزلا عند رغبة الأمة، ويضعا يدهما في يدها، ويعملا معها لخدمة الصالح العام. وإن الزيدية عندما تمنع منعاً قاطعاً من قيام أي حركة معارضة لمجرد كون القيادة خارجة عن آل البيت، وإن إصرارها على أن المعارضة لا تكون إلا للظلم، يدلان على أن موضوع الحصر لا يتجاوز كونه آلية، وأنه فرعي على النظرية العامة. وهذا لا يمنع من أن تخطِّيء من لا يختار من رشحته إماماً، ولا يمنع التبرم منه، ولا يمنع أن تدَّعي أن الناس إذ تقوم بذاك فإنها تحرم نفسها من بركات كبيرة، فيحق لها أن تُصِرَّ على ما تراه صواباً، كما يحق لغيرها على أن يُصِرَّ على رفض رؤيتها. وتدل السيرة العملية، والنصوص الصريحة لأئمة أهل البيت على هذا الأمر. فهذا الإمام علي صلوات الله عليه لما رأى أن الأمر قد صار في أيدي غيره، لم يعمل ما يضر مصلحة الأمة ليسترده، وإنما قال: ((لأسالمنَّ ما سَلِمَتْ أمور المسلمين، ولم يكن الجور إلا عليَّ خاصة))، هذا مع أن النص فيه أوضح وأصرح وأشهر من النص على عموم أهل البيت. أيضاً قوله: ((لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر)) يدل على أنه لن يقوم للأمر إلا إذا رضيت الأمة، ونصرته كقيادة، وإلا فإنه سيبقى مكانه. وكذلك موقف الإمام الحسن بن علي× من معاوية لما رأى أنه فقد الناصر. ثم الإمام زيد بن علي× لما سألوه عن سبب قيامه على بني أمية، والبراءة منهم، وعدم البراءة من أبي بكر وعمر، فقد بيَّن الإمام بهذا أن خلافهم لم يوجب ما يترتب عليه البراءة. ثم أضاف مسوغ الخروج على بني أمية دون الخليفتين:((إن هؤلاء ظالمون لنا ولكم))، فبـيَّن أنه في حالة ما يكون الظلم على الإمام فقط، بمعنى أن الإمامة معقودة لغيره، في تلك الحالة فإن الإمام لا يتعين عليه القيام، أما في حالة أن يتعدَّى الظلم، ويصبح على الأمة بأسرها، فإن القيام واجب. ثم إن مواقف الأئمة العملية دلت على هذا، فلم نرَ إماماً ممن يحتج بإمامته قام في وجه حاكم عادل، لمجرد أن ذلك الحاكم ليس من أهل البيت، بل دلت نصوصهم كلها على أن دعوتهم إنما كانت للإصلاح وإعادة العدل في الأمة. هذا الإمام الحسين صلوات الله عليه يقول لنا: ((ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا شقاوة)) والإمام زيد% نجد أن دعوته كانت إلى : الكتاب، والسنة، ودفع الظالمين، ونصرة المظلومين، وقسم الفيء بين أهله بالسوية. وأما دعوة الإمام الحسين بن علي الفخي صلوات الله عليه فكانت:((أبايعكم على كتاب الله وسنة نبيه، والعدل في الرعية والقسم بالسوية، نُحِلُّ ما أحلَّ القرآن والسنة العادلة، ونُحَرَّم ما حرم القرآن والسنة العادلة، ونكون على ذلك أعواناً بجهدنا وطاقتنا، وتجاهدوا عدونا وتفلحوا معنا فإنْ وفينا لكم وفيتم لنا وإنْ خالفنا فلا طاعة لنا عليكم، وعليكم عهد الله أن تجاهدونا فيمن جاهدنا إن نحن خالفنا، ثم قال: اللهم، اشهد)) والإمام إدريس%نجده في دعوته يشدد على الدعوة إلى الكتاب والسنة والعدل والقسم بالسوية ودفع المظالم والأخذ بيد المظلوم، ويشير إلى الأرامل والأيتام الذين افتقروا وتركوا. ثم نجد الإمام محمد بن إبراهيم لما رأى عجوزاً فقيرة تَتبَّع أحمال الرُّطَبِ لتأكل ما سقط منها فقال لها: ((أنت والله وأشباهك يخرجوني غداً حتى يسفك دمي...)) وهكذا نجد في أقوال غيرهم من الأئمة أن الدعوة ليست إلى إمامتهم، وإنما إلى العدل والشرع. وما نجده في بعض الدعوات من طلب رفع الظلم عن أهل البيت، فبسبب ما كان يقع عليهم من الظلم المخصص، وقد سبقت الإشارة إلى بعض ما كان يقع عليهم. وقد لخص تلك الحال الإمام المؤيد بالله أحمد ابن الحسين (411هـ) في قوله: ((ووجدت أهل بيت النبي" مقموعين مقهورين مظلومين، لا يُؤهّلون لولاية ولا شورى، ولا يتركون ليكونوا مع الناس فوضى، بل منعوهم حقهم، وصرفوا عنهم فيئَهم، فَهُم يحسبون الكف عن دمائهم إحساناً إليهم، والانقباض عن حبْسهم وأسرهم إنعاماً عليهم)). خلاصة القول إن الزيدية إذ تؤمن بحصر الإمامة في أهل البيت، فإنما تؤمن بذلك لأدلة ترجَّحت لديها، ولكنها لا تفرض هذا الإيمان على أحد، ولا تعادي من خالفها فيه، ولا تُفَسِّقه، ولا تُضَلِّله، وترى أنه يتعين عليها أن تقبل القيادة الصالحة التي ترتضيها الغالبية من الأمة. بل إن الزيدية لم يعرف عنها أنها تفسق من يخالف في إمامة الإمام علي بن أبي طالب%، فضلاً عن تفسيقها من لا يرى إمامة أهل البيت.
تبعاً لهذا ألحقت أمرين: أولهما: الصفات التي ترى الزيدية أنها يجب أن تكون فيمن ترشحه للأمر من أهل البيت"، وذلك ليعلم أن الأمر ليس مجرد اختيار من أسرة ما، وإنما اختيار لمن تميَّز في الأمة؛ وثانيهما: بعض من الدعوات السياسية التي كان أئمة أهل البيت يدعون من خلالها إلى إقامة الحق. وقد اخترت ثلاثة مقاطع لثلاثة أئمة من ثلاثة مناطق مختلفة.

صفات الإمام الذي تجب طاعته

قال الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم (ت 298هـ) في وصفه للإمام المفترضة طاعته من أهل البيت: ((الإمام الذي تجب طاعته هو أن يكون من ولد الحسن أو الحسين× ويكون ورعاً، تقياً، صحيحاً، نقياً، وفي أمر الله عز وجل جاهداً، وفي حطام الدنيا زاهداً، فَهِماً بما يحتاج إليه، عالماً بملتبس ما يَرِدُ عليه، شجاعاً، كمياً، بذولاً، سخياً، رؤوفاً بالرعية، رحيماً، متعطفاً متحنناً، حليماً، مواسياً لهم بنفسه، مشاركاً لهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، رصين العقل، بعيد الجهل، آخذاً لأموال الله من مواضعها، راداً لها في سبلها، مفرقاً لها في وجوهها التي جعلها الله لها، مقيماً لأحكام الله وحدوده، آخذاً لها ممن وجبت عليه ووقعت بحكم الله فيه، من قريب أو بعيد شريف أو دني، لا تأخذه في الله لومة لائم، قائماً بحقه، شاهراً لسيفه، داعياً إلى ربه، مجتهداً في دعوته، رافعاً لرايته، مفرقاً للدعاة في البلاد، غير مقصِّر في تأليف العباد، مخيفاً للظالمين، مؤمِّناً للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى هلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل، متشرداً عنهم، خائفاً منهم، لا تردعه ولا تهوله الأخواف، ولا يمنعه عن الاجتهاد عليهم كثرة الإرجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصِّر. فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين× فهو الإمام المفترضة طاعته الواجبة على الأمة نصرته)). تلك الشروط قد يرى البعض أنها صعبة، بل ذكر عبدالصمد الدامغاني (ق 6هـ) أن مما نقم على الزيدية هو شروط الإمام الصعبة لديهم... فنعم ما نقموا به.

دعوات الأئمة

طلباً للاختصار فقد اقتصرت على المقاطع التي تتعلق بما نحن فيه بشكل مباشر، وهي التي تبين دوافع الدعوة. وآمل أن يأتي يوم تجمع فيه جميع دعوات الأئمة هذه وتدرس دراسة وافية باعتبارها تمثل البيان الأول والأساس للمشروع السياسي الذي كان يطمح إليه أئمة أهل البيت". إن هذا المشروع نجد خلاصته في دعوة الإمام زيد الصغيرة في حجمها، الكبيرة في معانيها، ومطالبها: ((إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه÷، والى جهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم الفيء بين أهله، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب، أتبايعونا على هذا؟)) . هذه المعاني الكبيرة نجدها في خطبة إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب" لما طلب البيعة لنفسه: ((أما بعد: فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه÷ وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب والسنة على القريب والبعيد، واذكروا الله في ملوك تجبّروا، وفي الأمانات خفروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبيه÷ قتلوا، وأذكركم الله في أرامل افتقرت، ويتامى ضُيِّعَتْ، وحدود عُطّلت، وفي دماء بغير حق سُفِكَتْ، فقد نبذ الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله سبحانه على أهل طاعته المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان، فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والتذكرة والحض على طاعة الله تعالى، والتوبة عن الذنوب، والإنابة والإقلاع والنزوع عما يكره الله، والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقويم لمن استجاب لله ولرسوله حتى تنفذ بصائرهم، وتكمل نحلتهم، وتجتمع كلمتهم، وتنتظم ألفتهم، فإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً، وللظالمين مقاوماً، وعلى البغي والعدوان قاهراً، أظهروا دعوتهم، وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور عن ارتكاب ما حرم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها، فإن في معصية الله تلفاً لمن ارتكبها، وهلاكاً لمن عمل بها، ولا يثنيكم من علو الحق وإظهاره قلة أنصاره، فإن فيما بدئ به من وحدة النبي÷ والأنبياء الداعين إلى الله قبله، وتكثيره إياهم بعد القلة،وإعزازهم بعد الذلة، دليلاً بيناً وبرهاناً واضحاً، قال الله عزَّ وجلّ:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران:123]، وقال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، فنصر الله نبيه÷، وكثّر جنده، وأظهر حزبه، وأنجز وعده، جزاء من الله سبحانه، وثواباً لفعله وصبره وإيثاره طاعة ربه، ورأفته بعباده ورحمته، وحسن قيامه بالعدل والقسط في بريّته، ومجاهدة أعدائه وزهده فيما زهّده فيه، ورغبته فيما ندبه إليه، ومواساته أصحابه، وسعة أخلاقه، كما أدبه الله وأمره، وأمر العباد باتباعه وسلوك سبيله والاقتداء بهديه واقتفاء أثره، فإذا فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم كما قال عزَّ وجلّ: {إِنْ تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، وقال تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}[النحل:90]، وكما مدحهم وأثنى عليهم إذ يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110]، وقال عزَّ وجلّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، وفرض الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضافه إلى الإيمان والإقرار بمعرفته، وأمر بالجهاد عليه والدعاء إليه، قال عزَّ وجلّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}[التوبة:29]، وفرض قتال المعاندين عن الحق والباغين عليه ممن آمن به وصدّق بكتابه حتى يعود إليه ويفيء، كما فرض قتال من كفر به وصدَّ عنه، حتى يؤمن بالله ويعترف بدينه وشرائعه، فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9]، فهذا عهد الله إليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فرضاً من الله واجباً وحكماً لازماً، فأين عن الله تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ وقد جابت الجبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً، فليس للناس ملجأ، ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء، فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للجور والظلم، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيئين وآل النبيئين، فكونوا رحمكم الله عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين، ونصر مع النبيئين... واعلموا معاشر البربر أنكم آويتم. وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور، الذي كثر واتروه، وقلّ ناصروه، وقُتِل إخوته وأبوه وجده وأهلوه، فأجيبوا داعي الله فقد دعاكم إلى الله، قال الله تعالى: {وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}[الأحقاف:32]، أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وهدانا وإياكم إلى سبيل الرشاد. وأنا إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب". رسول الله÷ وعلي بن أبي طالب% جدَّاي، وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة عمَّاي، وخديجة الصديقة وفاطمة ابنة أسد الشفيقة برسول الله÷ جدّتاي، وفاطمة ابنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليهما سيدة نساء العالمين وفاطمة ابنة الحسين سيدة بنات ذراري النبيئين أمّاي، والحسن والحسين ابنا رسول الله÷ أبواي، ومحمد وإبراهيم ابنا عبد الله المهدي والزاكي أخواي، فهذه دعوتي العادلة غير الجائرة، فمن أجابني فله ما لي وعليه ما عليَّ، ومن أبى فحظه أخطأ، وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة أني لم أسفك له دماً، ولا استحللت له محرماً ولا مالاً، واستشهدك يا أكبر الشاهدين شهادة، واستشهد جبريل وميكائيل أني أول من أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك، مزجي السحاب، وهازم الأحزاب، مصير الجبال سراباً بعد أن كانت صمّا صلاباً، أسألك النصر لولد نبيك إنك على ذلك قادر)).
كما نجد تلك المعاني تتكرر لدى الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب" في كتـاب دعوة وجه بها إلى أحمد بن يحيى بن زيد؛ فبعد أن تكلم في وجوب الجهاد وفضله، وشروط القائمين به ووجوب إجابة دعوتهم قال:((فإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيئه÷، وإلى ما أمرني الله أن أدعوك إليه، وأخذ به علي العهد والميثاق، من الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالـم والمنكر، وإلى أن نُحِلَّ نحن وأنت ما أحل لنا الكتاب، ونحرم نحن وأنت ما حرمه علينا، وإلى الاقتداء بالكتاب والسنة، فما جاءا به اتبعناه، وما نهيا عنه رفضناه، وإلى أن نأمر نحن وأنت بالمعروف في كل أمرنا ونفعله، وننهى عن المنكر جاهدين ونتركه، وإلى مجاهدة الظالمين من بعد الدعاء إلى الحق لهم، والإيضاح بالكتاب والسنة بالحجج عليهم، فإن أجابوا فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المؤمنين، وإن خالفوا الحق وتعلقوا بالفسق حاكمناهم إلى الله سبحانه، وحكمنا فيهم بحكمه، فإنه يقول سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ}[البقرة:193]، والعدوان هنا فهو: الجهاد والعدو على من ظهر منه الاجتراء على الله والاعتداء. ألا والدعـوة مني لك، يرحمـك الله، إلى ما تقدم ذكره من الكتاب والسنة، وأشرط لك ولمن معك على نفسي أربعاً: 1
. الحكم بكتاب الله وسنة رسوله جاهداً ما استطعت.
2. والأثرة لكم على نفسي فيما جعله الله بيني وبينكم.
3. وأن أؤثركم ولا أفضل عليكم بالتقدمة عند العطاء الذي جعله حظاً في أمواله لكم ولنا قبل نفسي وخاصتي.
4. والرابعة: أن أكون قدامكم عند لقاء عدوكم وعدوي. وأشترط لنفسي عليكم اثنتين أنتم شركائي فيهما:
1. النصيحة لله في السر والعلانية.
2. والطاعة في كل أحوالكم لأمري، ما أطعت الله، فإن خالفت طاعة الله فلا حجة لي عليكم. {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}))[يوسف:108]. ثم نجدها لدى الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب"، وهو من أئمة الجيل والديلم، وقد توفي في 411هـ: ((عباد الله، إني قد رأيت أسباب الحق قد مَرجَت، وقلوب الأولياء به قد حُرجت، وأهل الدين مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، ورأيت الأموال تؤخذ من غير حلِّها، وتوضع في غير أهلها، ووجدتُ الحدود قد عُطِّلت، والحقوق قد أبطلت، وسنن رسول الله÷ قد بُدِّلت وغيّرت، ورسوم الفراعنة قد جُدّدت وآسْتُعْمِلتْ، والآمرين بالمعروف قد قلَّوا، والناهين عن المنكر قد وهنوا فذلَّوا، ووجدت أهل بيت النبي" مقموعين مقهورين مظلومين، لا يُؤهّلون لولاية ولا شورى، ولا يُتْرَكُوْنَ ليكونوا مع الناس فوضى، بل منعوهم حقهم، وصرفوا عنهم فيئَهم، فَهُم يحسبون الكفَّ عن دمائهم إحساناً إليهم، والانقباض عن حبْسهم وأسرهم إنعاماً عليهم، يطلبون عليهم العثرات ويَرْقُبُوْنَ فيهم الزلاّت، ووجدتُهم في كل واد من الظلم يهيمون، وفي كل مرعى من الضلال يسيمون، (ووجدت أملاك المسلمين) تُغْصَبُ غصباً، وأموالهم تُنْهَبُ نهباً،{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}[التوبة:10]، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}[النساء:10]، ووجدت الفواحش قد أقيمت أسواقها وأديم نفاقها، لا خوف الله يَزَع، ولا حياء الناس يمنع، بل يتفاخرون بالمعاصي، ويتنابزون ويتباهون بالإثم، قد نسوا الحساب، وأعرضوا عن ذكر المآب والعقاب، فلم أجد لنفسي عذراً إن قعدت ملتزماً أحكامهم، متوسطاً أيامهم، أؤنسهم ويؤنسونني، وأسالمهم ويسالمونني، فخرجت أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتَّبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين. أيها الناس؛أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيئه والرضا من آل محمد ومجاهدة الظالمين ومنابذة الفاسقين، وإني كأحدكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم إلا ما خصني الله به من ولاية الأمر {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي الله وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:31]،{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير}[الشورى:47]،{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]. أيها الناس سارعوا إلى بيعتي، وبادروا إلى نصرتي، وازحفوا زحفاً إلى دار هجرتي،{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]، ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وبهجتها، فإنها ظل زائل وسحاب حائل، ينقضي نعيمها ويَظْعُنُ مقيمها، والآخرة خير وأبقى أفلا تعقلون،{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}[العنكبوت:64]،{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:83]. أيها الناس مهما اشتبه عليكم فلا يشتبه عليكم أمري، أنا الذي عرفتموني صغيراً وكبيراً، ورحمتموني طفلاً وناشئاً وكهلاً. قد صحبت النُّسّاك حتى نُسبت إليهم، وخالطت العباد حتى عُرفت فيهم، وكاثرت العلماء وحاضرت الفقهاء، فلم أَخْلُ عن مورد ورده عالم بارع، ومشرع شرع فيه متقن فارع، وجادلت الخصوم نضحاً عن الدين، ونضالاً عن الحق المبين، حتى عُرِفَتْ مواقعي، وكُتبت وحُفظت طرائقي وأثبتت، هذا وما أبرئ نفسي في أثناء هذه الأحوال ومجامع هذه الخصال من تقصير وتعذير، ولا أزكيها بل أتبرأ إلى الله من حولها وقوتها، وإن جميع ذلك من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر. ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم. وأما نسبتي إلى جدي رسول الله÷ فدونه فلق الصباح، ولا عذر لكم أيها الناس في التأخر عني والاستبداد دوني، وقد ناديت فأسمعت؛ لتجيبوا دعوتي، وتتحروا لنصرتي، وتعينوني على ما نهضت له من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}[المائدة:78]،{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110]. ألا فعينوني على أمري، وتحروا بجهدكم نصرتي، أُوْرِدْكم خير الموارد، وأُبَلِّغُكُم أفضل المحامد. عباد الله، أعينوني على إصلاح البلاد، وإرشاد العباد، وحسم دواعي الفساد، وعمارة مناهل السداد. ألا ومن تخلف عني وأهمل بيعتي ــ إلا لسبب قاطع أو لعذر مانع بَيِّنِ الحجة ــ فإني أجاثيه للخصام يوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار يوم الآزفة، فأقول: ألم تسمع قول جدي رسول الله:((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يُجبها كبّه الله على منخريه في النار))، ألا فاسمعوا وأطيعوا {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]،{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} [التوبة:24] فلتتفق كلمتكم وليجتمع شملكم{وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46]. ألا وقد سلكتُ سبيل من مضى من آبائي الأخيار، وسلفي النجباء الأبرار في منابذة الظالمين، ومجاهدة الفاسقين مبتغياً به مرضاة رب العالمين، فاسلكوا أيها الإخوان سبيل أتباعهم الصالحين، وأشياعهم البررة الخاشعين في المعاونة والمظاهرة والمكاثفة والموازرة، وتبادروا رجالاً وسارعوا إليَّ أرسالاً، وإياكم والجنوح إلى الراحة طالبين لها وجوه العلل، مغترين بما فسح الله لكم من المهل، وعن قليل يُحِقّ الحقّ ويبطل الباطل، ويعاين كل امرئ ما اكتسب، ويُجازى كل بما اجترم {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}[النور:25]،{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى الله إِنَّ الله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[غافر:44])).
تلك النصوص تبين حقيقة أهداف أئمة أهل البيت من الإمامة.

الخروج والدعوة

قضية أخرى تتعلق بالإمامة، وهي اعتقاد البعض أن الخروج هو طريق الزيدية الوحيد للإمامة. وسبب هذا الأمر أن الإمامة في أول أمرها كانت تشترط الخروج حيث إنها كانت في زمن ولاة الجور. وإلا فالأصل أن الإمامة تكون لمن تجرَّد لأمرها، ودعا الناس إلى بيعته. فإن كان ثَمَّة ضَرورة لثورة على ظالم، وكانت الظروف مواتية فبها، وإلا كفت الدعوة إلى النفس وبيعة الناس. وفي حالما يكون هناك أكثرمن داع لنفسه في وقت واحد، فإن الواجب الشرعي عليهم وفق ما نص عليه الأئمة والعلماء هو الاجتماع أمام أهل الحل والعقد من الناس، بحيث يقوم أولئك باختيار من يرونه الأكفأ من بين المرشحين. وللأسف فإن هذا الأمر لم يطبق دائماً ولأسباب مختلفة، أبرزها في تصوري ضعف السيطرة المركزية على الأقاليم التي كانت تخضع للإمام المتوفى، وذلك بسبب الطبيعة الجغرافية للبلاد التي كان لأئمة أهل البيت فيها دول، وهي المغرب الأقصى، واليمن، وبلاد الجيل والديلم وطبرستان. هذا الأمر كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى نزاع بين أتباع المرشحين للإمامة.

إمامة المفضول مع وجود الأفضل

هذه مسألة فرعية للغاية، ومع ذلك فقد تُكلم فيها وكأنها شعار للزيدية. والقضية فيها بحوث طويلة، وسواء قال بها الإمام زيد، أو بعض الزيدية، أم لم يقولوا بها، فهي في النهاية مسألة فقهية يعود أمرها إلى ترجيح المجتهد، فهل تجوز إمامة المفضول لاعتبارات خاصة ترجح المصلحة في بيعته واختياره؟ هذا هو خلاصة الموضوع. وأغلب الزيدية ترى أن الأفضل هو الأولى لقيادة الأمة في كل الأحوال، ولكنهم يجيزون ولاية المفضول إذا كان كفؤاً في نفسه. سبب كثرة اللغط حول المسألة يعود إلى ظن البعض أن القول بها يؤدي إلى القول بصحة إمامة أبي بكر، حيث إنه الإمام المفضول الذي تمت بيعته، والإمام علي% هو الأفضل الذي لم يبايع. هذا الظن خطأ، لأن إمامة علي بن أبي طالب لم تكن بالأفضلية فحسب، وإنما بها مع النص عليه. وقبول خلافة أبي بكر لم يكن باعتبار هذه القاعدة، وإنما باعتبار أنه حكم فعدل، وأن الإمام علياً لم يكن له موقف عدائي منه.

سلبيات تجربة الإمامة

ينتقد البعض الزيدية بسبب غياب آلية واضحة تبين كيفية انتقال الحكم من إمام إلى آخر، مما أدى ـ على حد زعمهم ـ إلى اقتتال كثير بين قيادات الزيدية. العودة إلى كتب الزيدية يظهر بجلاء أن لهم آلية محددة لاختيار الإمام، وآلية تبين كيفية انتقال الإمامة. خلاصتها: بعد غياب الإمام القائم، فإنه يحق لكل من رأى في نفسه أهلية لتولي أمر الإمامة أن يدعو الناس إلى نفسه. فإذا كان أهلاً لتولي الإمامة، ولم يوجد غيره، ولم يكن ثمة مانعاً، فإن بيعته واجبة باعتبار أن المصلحة تقضي ملء الفراغ في السلطة. فإذا وجد غيره ممن رشح نفسه، أو رشحه غيره، فعندها يجب عليهما الاجتماع أمام مجموعة من العلماء وأهل الحل والعقد لتتم المفاضلة بينهما وتعيين الأولى منهما لقيادة الأمة. هذه الآلية مورست في حالات كثيرة. وفي حالات أخرى نجد أن الذي حصل لم يتوافق معها. الأسباب تتعدد وتتداخل. أهمها أن الآلية تحتاج إلى أن تتحول من نظرية بين الخاصة إلى ثقافة عامة تمتلك حماية المجتمع كله. أيضاً فإن الظروف السياسية، والاجتماعية، والجغرافية، التي تحيط بالآلية تؤثر كثيراً على تطبيقها، والأسوأ من ذلك فإنها تؤثر سلباً على التحول الضروري للنظرية إلى ثقافة عامة. يجب أن نلحظ أثر الطموح الفردي السلبي على ممارسة تلك الآلية. ولكن هذا الطموح لم يكن ليؤثر لولا ضعف سيطرة الجيش على أطراف الدولة من جهة. هذا الضعف كان للجغرافيا وصعوبة المواصلات دور كبير فيه. ومن جهة أخرى على عدم كون الآلية ثقافة عامة.

صوت الحرية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 460
اشترك في: الاثنين سبتمبر 06, 2004 9:45 pm

Re: !اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

مشاركة بواسطة صوت الحرية »

المتوكل كتب:
alhashimi كتب:شكرا على هذا المقال

تم التطرق الى النظريه السنيه والاثناعشريه السياسيه

واعتبارهما غير صالحين

ماذا عن حصر الحكم في البطنين عند الزيدية<<<<<< كيف نرد على من يقول ذلك

ام انه صار امر من التاريخ
حيا الله أخي الكريم : alhashimi

الخلل المذكور في النظريتان السنيه والإثناعشرية . هو خلل من ناحية أسس النظريتان
الإثناعشرية في عصرنا هذا .. تغلبت على خلل نظريتها .. بالإجتهاد الذي أتى به الخميني بإسم ( ولاية الفقيه ) فأسس دولة لأول مرة في تاريخ الإثناعشرية .

الزيدية .. لا تعاني من خلل في أسس النظرية .. وعندما نقول أسس النظرية .. فإننا نقصد المبادئ الرئيسية لقيام الدولة .. وهي العدل والمساواة والأمن .. وما إلى ذلك .

فالإمامة عند الزيدية .. هي بفهوم الدولة ، وبالتالي فإن "وجوب الإمامة" عند الزيدية .. يعني وجوب إقامة دولة عادله .
أما الإمامة عند الإثناعشرية والإسماعلية .. فليست بمفهوم الدولة .

مسألة البطنين عند الزيدية .. مسألة إجرائية في طريق تعين الإمام ، وبالتالي .. فهي شرط في الإمام .. وليست شرطاً في إقامة دولة .
ولذلك نرى عند الزيدية .. نتيجة إيمان بوجوب إقامة دولة .. أنها طرحت عدة بدائل في حالة عدم وجود شخص يجمع شروط الإمام .
فجعت المحتسب . بديلاً .. في حالة عدم وجود إمام جامع للشروط .
وجعلت منصوب الخمسه .. بديلاً .. في حالة عدم وجود محتسب .
وجعلت صاحب الصلاحية .. بديلاً .. في حالة عدم وجود منصوب الخمسه .

يعني لابد من إقامة دولة عادلة .. سواءً بـ إمام أو بـ محتسب ، أو بـ منصوب الخمسه ، أو بـ صاحب الصلاحيه .


تحياتي

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

Re: !اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

مشاركة بواسطة المتوكل »

أحترم وجهة نظر الوالد العلامة : إبراهيم بن محمد الوزير

فقط لي تعقيب بسيط ..
وهو أن مسألة الحكم عند أهل البيت (ع) .. وسيلة وليست غايه
وسيلة لإقامة الحق والعدل
فمتى ما قام مسلم غيرهم بإقامة الحق والعدل .. سيكون أهل البيت (ع) من أعوانه وأنصاره بلاشك .. كما حصل مع عمر بن عبدالعزيز رحمه الله .

لكن إذا كان الباطل والظلم .. منتشر في المجتمع .. فالواجب على أهل البيت (ع) .. السعي للحكم بإعتباره وسيله لإقامة الحق والعدل .. وليس التطلع للحكم بإعتباره غايه في حد ذاتها .


تحياتي
صورة
صورة

مره واحدة
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 152
اشترك في: الأربعاء يناير 06, 2010 7:58 am

Re: !اختصاص بني هاشم بالحكم إجتهاد أتى في وقت متأخر!

مشاركة بواسطة مره واحدة »

(((((فلنناضلْ جَميعاً من أجل الحرية، ولنتمسك بمبدأ الحرية، ولنصمم عليها، ونطالب بها وبحقوق الإنسان وبحقوقنا جميعاً وحريتنا جميعاً في اعتقاد كل فريق بما يراه أنه الصوابُ دونَ تدخـُّـل أو إجبار من السلطة أو غيرها.

وليكنْ شعارنا المساواة في الحقوق والواجبات لكل مواطن من أبناء اليمن.)))))
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ، وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وِمَا ابْتَلَى اللهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِِمْلاَءِ لَهُ.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“