الكتاب : مسائل نافع بن الأزرق المؤلف : عبد الله بن عباس بن عبد المطّلب بن هاشم. تحقيق : عبدالكريم جدبان. www.al-majalis.com |
روائع التراث العربي
مسائل نافع بن الأزرق
لابن عباس
تأليف
حبر الأمة / عبد الله بن عباس بن عبد المطلب
تحقيق
عبد الكريم أحمد جدبان
أعده إلكترونياً / فريق العمل بـ مجالس آل محمد (ع)
www.al-majalis.com
l
تصدير
اللغة هي وجه الفكر الظاهر للملأ، وهي خاصية من أبرز خصائص الأمة، ومرآة حضارتها، وعامل مهم من عوامل وحدتها. وكل أمة تعتز بشخصيتها وتفخر بذاتيها، تهتم بلغتها وتحافظ عليها محافظتها على أبنائها. فهي وإن كانت لا تخرج في ظاهرها عن حروف وكلمات فإن لها، في شكلها المنطوق أو المكتوب، تأثيراً لا يعادله تأثير في نفوس أبنائها، فكم من مقال أو خطاب ... غيَّر وجه التاريخ.
وللغة العربية بشكل خاص في أفئدة معظم الناطقين بها منزلة أسمى مما لغيرها عند أبنائها. فهي لغة القرآن، الوحي الإلهي الذي كرم الله عز وجل به العربية، والذي يفقد إعجازه بترجمته، مما جعل لها مكانة رفيعة أيضا عند أجناس متفرقة مسلمة غير عربية.
وقد سايرت اللغة العربية تقدم العرب العلمي والحضاري في الماضي، وكانت لفترة من الزمن لغة العلوم في جميع أنحاء العالم، وكان علماؤها أهلا لحمل رسالتها، فوضعوا لها قواعد مكينة تحميها من عبث العابثين، وتكفل تقدمها وتطورها، هذه اللغة تتعرض اليوم إلى حملة مسعورة إن لم نقل مؤامرة غرضها القضاء عليها. فمن دعوة إلى العامية، إلى دعوة للكتابة بالحروف اللاتينية، إلى المطالبة بإلغاء الإعراب ... آراء مختلفة ظاهرها تطوير اللغة، وباطنها القضاء عليها، إذ هي لغة القرءان، والسبيل الأوحد لفهم خطاب الله عز
وجل وجل، وهي بعد ذلك أهم عنصر من عناصر تكوين الأمة العربية.
إن انتشار اللغة وازدهارها مرتبط بوضع الأمة العلمي والحضاري، فعندما كان العرب في أوج حضارتهم فرضت لغتهم نفسها على عدد كبير من شعوب الأرض، حتى على أولئك الذي احتلوا بلادهم عسكريا، وكانت عاملا من عوامل تقدم العرب والمسلمين.
أما اليوم حين خيّم الركود على الربوع العربية فقد وجد أعداء العرب منفذاً، فحاولوا ربط تأخر العرب في الحقل العلمي بلغتهم، في مخطط ذكي للقضاء على ذاتية الأمة وسر وجود (( الإسلام ))، بعد ما أخفقت طريقة الاحتلال العسكري في تأدية أغراضها.
نحن لا ننكر أهمية تطوير اللغة وفائدة وجود أسماء للمخترعات الحديثة والمصطلحات العلمية فيها، ولا ننكر أثر ذلك في تقدم اللغة، لكن عملية توفير هذه المصطلحات يجب أن تتم وفق أسس سليمة وفرَّتها اللغة نفسها، بحيث يؤدي ذلك إلى إثراء اللغة وليس إلى هدمها. إن ما يواجه العربية اليوم يمكن أن يواجه كل اللغات، وربما كانت العربية أقدر من غيرها، بما لها من ميزات على مواجهة هذها الوضع وتخطِّيه. فالركود والجمود في عقول أبناء اللغة وليس في اللغة نفسها. وعلى هؤلاء أن يحركوا اللغة ولا يفسحوا المجال أمام أعدائها ليطعنوا بها ويستغلوا حالة طارئة في تاريخها.
واللغة العربية هي لغة القرآن، ولو لا القرآن لكانت اللغة العربية في عداد اللغات المندثرة. وفهم القرآن متوقف على فهم اللغة العربية، وإدراك أسرارها، والشعر كما وصفه ابن عباس (( ديوان العرب )) .
لذلك ينبغي إيلاء اللغة العربية والشعر العربي اهتماما بالغا من قِبَل المسلمين جميعا، على اختلاف أجناسهم وتعدد لغاتهم، وسيجد المهتمون بلغتهم في كتب الأقدمين منهلا صافيا، ومعينا لا ينضب.
المؤلف
هو: عبد الله، بن عباس، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجد الأكبر لبني العباس.
أمه
أمه: أم الفضل، لبابة، بنت الحارث الهلالية.
مولده
ولد وبنو هاشم محصورون في شعب أبي طالب، قبل الهجرة بثلاث سنوات، وقيل: بخمس.
وفاته
وكفّ بصره في آخر عمره، توفي سنة (68هـ) وهو في السبعين من عمره.
صفته
كان أبيض، طويلا، مشربا صفرة، جسيما وسيما صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء (1).
__________
(1) الإصابة 2/322.
نشأته
نشأ في بيت النبوة، ومعدن الرسالة، يرقب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حركاته وسكناته، ويترسم خطواته، فأحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لنباهته وأدبه، ولاحت له فيه مخايل النجابة، فكان يدعو له.
له في الصحيحين وغيرهما من كتب السنة (1660) حديثا، أما في كتب الشيعة فلم يحص بعد.
[ابن عباس في أحاديث النبي ]
عن ابن عباس نفسه، (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضمه إليه، وقال: اللهم علِّمه الحكمة )) (1).
وعن ابن عمر أنه كان يقرب ابن عباس، ويقول: (( إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك فمسح رأسك، وتفل في فيك، وقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )) (2).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (3473)، والترمذي برقم (3760)، وابن ماجة برقم (162).
(2) أخرجه البخاري برقم (75)، وبرقم (143)، وبرقم (3756)، وبرقم (7270)، ومسلم برقم (2477)، والنسائي في فضائل الصحابة برقم (74)، وبرقم (75)، وبرقم (76)، والترمذي برقم (3823)، وبرقم (3824)،وابن ماجة برقم(166). وأحمد في المسند 1/214، 327، 359، وفي الفضائل برقم (1857)، وبرقم (1858)، وبرقم (1859)، وبرقم (1883)، وبرقم (1923)، والبغوي في تفسيره 1/28، وابن حبان برقم (7053)، وبرقم (7054)، وبرقم (7055) من طرق عن ابن عباس.
ورواه البغوي في معجمه، وابن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. الإصابة 2/322.
وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، (( أنه سكب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: من وضع هذا؟ فقالت: ابن عباس. فقال: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )) (1).
وعن ابن عباس: (( دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمسح على ناصيتي، وقال: اللهم علمه الحكمة، وتأويل الكتاب )) (2).
وعن عكرمة قال: (( أرسل العباس عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فانطلق ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلا لا أدري (ليت) من هو! فجاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (140)، ومسلم برقم (4526)، وأحمد برقم (2274). ورواه أبو الطاهر الذهلي في فوائده. الإصابة 2/322.
(2) طبقات ابن سعد. الإصابة 2/323.
وأخرجه البخاري برقم (73)، والترمذي برقم (3759)، وابن ماجة برقم (162)، وأحمد برقم (3206)، بلفظ: (( اللهم فقه )).
وسلم، فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه فأجلسه في حجره، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم )) (1).
وعن الشعبي، قال: (( دخل العباس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له ابنه عبد الله: لقد رأيت عنده رجلا! فقال: ذاك جبريل )) (2).
وعن ابن عمر: (( دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عباس، فقال: اللهم بارك فيه، وانشر منه )) (3).
وعن الأعمش ، عن مسلم، قال عبد الله: - يعني ابن مسعود - (( نعم ترجمان القرآن ابن عباس )) (4).
وعن ابن عباس: (( أنه رأى جبرائيل عليه السلام مرتين )) (5).
وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ كُرَيْبًا أخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: (( أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم
__________
(1) طبقات سعد. الإصابة 2/323.
(2) رواه ابن سعد في طبقاته، الإصابة 2/ 323.
(3) رواه الزبير بن بكار، الإصابة 2/ 323.
(4) رواه الطبري في تفسيره 1/65، وأحمد في الفضائل برقم (1558)، وبرقم (1860)، وبرقم (1863)، وسنده صحيح.
ورواه من طريق سلمة بن كهيل، عن ابن مسعود: أحمد في الفضائل برقم(1556)، وبرقم (1864).
(5) أخرجه الترمذي برقم (3758).
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاتِهِ خَنَسْتُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ قَالَ فَأَعْجَبْتُهُ فَدَعَا اللَّهَ لِي أَنْ يَزِيدَنِي عِلْمًا وَفَهْمًا)) (1).
.
[ابن عباس مع الخليفة عمر بن الخطاب]
يروى أن عمر بن الخطاب كان يقدم ابن عباس صبياً على كبار الصحابة تقديراً لذكائه الحادّ ومعارفه الواسعة (2).
كان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو لذلك أحداً سواه (3) .
قال الإمام القاسم بن إبراهيم: وعن الكلبي عن عمر بن الخطاب، أنه قال لابن عباس يوما من الأيام: يا أبا العباس ضربتني البارحة أمواج القرآن في آيتين قرأتهما، لم أعرف ما تأويلهما؟
فقال ابن عباس: ما هما يا أمير المؤمنين؟
قال: قوله ? ????? ????????? ???? ??????? ???????????? ????????? ???? ???? ?????????
__________
(1) أخرجه أحمد برقم (2902).
(2) انظر: إحياء علوم الدين 1/140.
(3) الأعلام5/95.
??????? ? (1).
فقلت: سبحان الله أيظن نبي من أنبياء الله أن الله لا يقدر عليه، أو أنه يفوته إن أراده، ما ظن هذا مؤمن؟!
وقوله: ? ???????? ?????? ????????????????? ?????????? ???????????? ??????????? ????? ?????????? ?????????? ??????????? ? (2). فقلت: سبحان الله كيف هذا أيسَ الرسل من نصر الله، أو تظن أن قد كذب وعد الله؟!! إن لهاتين الآيتين خبرا من التأويل ما فهمته؟!!
فقال ابن عباس: أما ظن يونس فإنه ظن لن تبلغ به خطيئته أن يُقَدِّر الله بها عليه العذاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه، فهذا قوله: {?????????? ???? ???? ????????? ??????? ?. وأما قوله: ? ???????? ?????? ????????????????? ?????????? }. فهو استيئاسهم من إيمان قومهم، وظنهم: فهو ظنهم لمن أعطاهم الرضى في العلانية، أنه قد كذَّبهم في السر، وذلك لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس من نصر الله، ولم يظنوا أن الله قد أخلفهم ما وعدهم.
فقال عمر فرجت عني فرَّج الله عنك (3).
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية 82.
(2) سورة يوسف، الآية 104.
(3) أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهم، أن معاوية قال له يوما: إني قد ضربتني أمواج القرآن البارحة في آيتين لم أعرف تأويلهما ففزعت إليك.
قال: وما هما؟
قال: قول الله: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}. وأنه يفوته إن أراده، وقول الله: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}. كيف هذا يظنون أنه قد كذبهم ما وعدهم؟
فقال ابن عباس: أما يونس، فظن أن لن تبلع خطيئته أن يقدر الله عليه فيها العقاب، ولم يشك أن الله إن أراده قدر عليه.
وأما الآية الأخرى، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم، وظنوا أن من عصاهم لرضى في العلانية قد كذبهم في السر، وذلك لطول البلاء عليهم، ولم تستيئس الرسل من نصر الله، ولم يظنوا أنهم ـ لعلها أنه ـ ما وعدهم.
فقال معاوية: فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك. الدر المنثور 5/666 667.
وأنا استبعد أن يكون السائل هنا معاوية، وإنما أراد أشياعه أن يصوروه بأنه باحث متدبر في كتاب الله. ويشبعوه بما لم يأكل. وحري أن يكون السائل عمر بن الخطاب الذي كان يجالسه ابن عباس كثيراً فيسأله ويستفتيه. كما في رواية الإمام القاسم.
قال ابن عباس: فإن رجلا لقيني آنفا فقرأ علي قول الله: ? ???????????????????? ???? ???????????? ????? ???? ?????? ?????????????????? ???????????? ? ???????????? ????? ?????????????????? ??????? ????????????? ????????? ???????????? ??????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ? (1). هو يقول حتى يطهرن بالماء، {????????? ???????????? ??????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ?، قبلا ودبرا، فقلت:
__________
(1) سورة البقرة، الآية 222.
كفى مَن ذَهَبَ إلى هذا التأويل كفرا!! إنما عنى الله تبارك وتعالى حتى يطهرن من الدم، فإذا تطهرَّن منه بالماء {???????????????? ???? ??????? ??????????? ??????? ? يعني طاهرات غير حُيَّض. فقال عمر: إن قريشا لتغبط بك يا بن عباس ، بل جميع العرب، بل جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال خريم بن فاتك الأسدي:
ما كان يعلم هذا العلم من أحد ... بعد النبي سوى الحبر ابن عباس
من ذا يفرج عنكم كل معظلة ... إن صار رسما مقيما بين أرماس
مستنبط العلم غضا من معادنه ... هذا اليقين وما بالحق من باس
وصدق لعمري عمر بن الخطاب إن الأمة لتغبط بأن يكون فيها ومنها، من يجادل أهل الإلحاد في تنزيل الله والكفر بآيات الله سبحانه عنها (1).
وأخرج البخاري من طريق ابن مُليكة عن ابن عباس، قال: (( قال عمر ابن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فيمن يَرَون هذه الآية نزلت: ¼??????????? ... ??????????? ... ???? ... ???????????????????????-?????????? ??????‡†??????? ... ?????(2) ؟ قالوا: الله أعلم.
فغضب عمر. فقال: قُلوا: نعلم أو لا نعلم.
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء.
__________
(1) مجموع الإمام القاسم الرسي، كتاب الناسخ والمنسوخ. بتحقيقنا.
(2) سورة البقرة، الآية 266.
فقال: يا ابن أخي! قل، ولا تحقر نَفسَك.
قال ابن عباس: ضُربَت مثلاً لعمل.
فقال عمر: أي عمل؟
قال ابن عباس: لرجل يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله )) (1).
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القُرَظي، عن ابن عباس: أن ابن عباس جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة، فذكروا ليلة القدر. فتكلم كلٌّ بما عنده، فقال عمر مَالَكَ يا ابن عباس صامت لا تتكلم ؟! تكلم ولا تمنعك الحداثة.
قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله وترٌ يحبّ الوتر: فجعل أيام الدنيا تدور على سبع. وخلق الإنسان من سبع. وخلق أرازاقنا من سبع. وخلق فوقنا سماوات سبعاً. وخلق تحتنا أرضين سبعاً. وأعطى من المثاني سبعاً. ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين سبعاً. وقسم الميراث في كتابه على سبع. ونَقَعُ في السجود من أجسادنا على سبع. وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكعبة سبعاً. وبَينَ الصفا والمروة سبعاً. ورمى الجمار بسبع. فأراها - أي ليلة القدر - في السبع الأواخر من شهر رمضان. فتعجب عمر، فقال: ما وافقني فيها أحدٌ إلا هذا الغلام الذي لو تَستَوِ شئون رأسه. ثم قال: يا هؤلاء! من يؤديني في هذا كابن عباس )) (2).
__________
(1) صحيح البخاري برقم ( 4147)،جامع البيان 3/47، الإتقان 4/236.
(2) الإتقان 4/236.
قال عبد الله بن عمر: كنت عند أبي يوما، وعنده نفر من الناس، فجرى ذكر الشعر، فقال: من أشعر الناس؟
فطلع عبد الله بن عباس، فسلَّم وجلَس، فقال عمر: قد جاءكم الخبير. من أشعر الناس يا عبد الله؟
فقال عبد الله بن عباس: زهير بن أبي سُلمى.
فقال عمر: فأنشدني مما تستجيده له.
فقال عبد الله بن عباس: يا أمير المؤمنين، إنه مدح قوماً من غطفان، يقال لهم: بنو سنان، قال:
لو كان يَقعدُ فوق الشمس من كرمٍ ... قومٌ بأوَّلهم أو مجدِهم قعدوا
قومٌ سنانٌ أبوهم حين تنسُبُهم ... طابوا وطاب من الأولاد ما وَلَدوا
إنسٌ إذا أَمِنوا جنٌّ إذا فزِعوا ... مُرَزَّؤُون بهاليل إذا جَهدُوا
مُحَسَّدون على ما كان من نِعَمٍ ... لا يَنْزعُ الله مِنهُم ما به حُسِدوا
فقال عمر: والله لقد أحسن، وما أرى هذا المدحَ يصلحُ إلا لهذا البيت من هاشم، لقرابتهم من رسول الله.
فقال عبد الله بن عباس: وفّقك الله يا أمير المؤمنين، فلم تزل موفَّقاً.
فقال عمر: أتدري يابن عباس ما منع الناسَ منكم؟
فقال عبد الله بن عباس: لا، يا أمير المؤمنين!
فقال عمر: لكني أدري.
فقال عبد الله بن عباس: ما هو يا أمير المؤمنين؟
فقال عمر: كرهَتْ قريشٌ أن تجتمع لكم النُّبُّوة والخلافة فتُجخِفُوا (1) الناس جحفاً، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت، ووُفِّقَت فأصابت.
فقال عبد الله بن عباس: أيُميطُ أمير المؤمنين غَضَبه فيسمع؟
فقال عمر: قل ما تشاء.
فقال عبد الله بن عباس: أما قولُ أمير المؤمنين: إن قريشاً كرهت فإن الله تعالى قال لقوم: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } (2)، وأما قولك: إنا كنا نجحف، فلو جحفنا بالخلافة جحفنا بالقرابة، ولكنا قرم أخلاقنا مشتقة من خُلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي قال الله فيه: { وإنك لعلى خلق عظيم } (3). وقال له: { واخفض جناحك لمن اتَّبعك من المؤمنين } (4).
وأما قولك: فإن قريشاً اختارت، فإن الله تعالى يقول: { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } (5).
وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك مَن اختار، فلو نَظَرت قريش من حيث نظر الله لها لوُفِّقت وأصابت.
فقال عمر: على رِسلك يابن عباس. أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشّاً في أمر قريش لا يزولُ، وحقداً عليها لا يَحولُ.
__________
(1) جخف: تكبّر.
(2) سورة محمد، الآية 9.
(3) سورة القلم، الآية 4.
(4) سورة الشعراء، الآية 215.
(5) سورة القصص، الآية 68.
فقال عبد الله بن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين، لا تنسبُ قلوب بني هاشم إلى الغش، فإن قلوبهم من قلب رسول الله الذي طهره الله وزكّاه، وهم أهل البيت الذين قال الله لهم: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا } (1).
وأما الحقد، فكيف لا يحقد من غُصِب شيئُهُ، ويراه في يد غيره؟!
فقال عمر: أما أنت يابن عباس؟ فقد بلغني عنك كلامٌ أكره أن أخبرك به، فتزول منزلتُك عندي!
فقال عبد الله بن عباس: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به فإن يك باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه، وإن يك حقا فإن منزلتي عندك لا تزول به.
فقال عمر: بلغني أنك لا تزال تقول: أُخِذَ هذا الأمر حسدا وظلما.
فقال عبد الله بن عباس: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً، فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، فنحن بنو آدم المحسود، وأما قولك: ظلما، فأمير المؤمنين يعلمُ صاحبَ الحقّ من هو؟!
يا أمير المؤمنين ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن أحقُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر قريش.
فقال عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك.
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 33.
فقام ابن عباس، فلما ولى هَتَف به عمر: أيها المنصرف، إني على ما كان منك لراعٍ حقك.
فالتفت إليه ابن عباس وقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن حفظه فحق نفسه حفظ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع، ثم مضى.
فقال عمر لجلسائه: واهاً لابن عباس! ما رأيتهُ لاحَى أحدا قط إلا خَصَمَه (1).
[ابن عباس مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب]
تتلمذ ابن عباس على يد صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ثم على يد أعلم الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - أعني - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
عن ابن عباس: (( ما أخذتُ من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب )) (2).
وقال أيضا: (( وقد وعيت كل ما قال علي عليه السلام، ثم فكرت، فإذا علمي بالقرآن في علم علي عليه السلام كالقرارة في المتفجّر )) (3).
وقال أيضا: (( عليّ عَلِمَ علماً علّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمه الله، فعِلْمُ النبي من علم الله، وعلمُ علي من علم
__________
(1) شرح نهج البلاغة 12/ 52 - 55، تاريخ الطبري 4/ 222 - 224.
(2) التفسير والمفسرون 1/90.
(3) سفينة البحار 2/414.
النبيّ، وعلمي من علم علي عليه السلام، وما عِلمي وعلم صحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ عليه السلام إلا كقطرة في سبعة أَبحُر (1).
وأنبأنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، قال: قال عمي عيسى بن طلحة: قلت لابن عباس: يا أبا عباس صف لنا سلفنا حتى كأني عاينتهم. قال: تسألني عن أبي بكر، كان والله في علمي تقيّاً نديّاً، الخير كله فيه من رجل يصادي منه عرب - يعني - حدة.
تسألني عن عمر كان والله في علمي تقياً قوياً، قد وضعت له الحبائل بكل مرصد كان لها حذراً، من رجل في سوقه عنف.
تسألني عن عثمان، كان والله في علمي صواماً قواماً من رجل يحب قومه.
تسألني عن علي، كان والله في علمي عليماً حكيماً، إن سمعته يقول شيئا قطّ إلا أحسنه، من رجل ما نكل على موضعه، ولم أره أشرف على شيء قط حتى أقول: هو أخذه إلا صرف عنه. قلت: يا أبا عباس أكنتم تعدونه محدودا (2)؟ قال: أنتم تقولون ذلك (3).
__________
(1) سفينة البحار 2/414.
(2) المحدود: الممنوع.
(3) ترجمة الإمام علي عليه السلام ( تاريخ ابن عساكر ) 3/72 - 73 (1104).
أثنى أمير المؤمنين علي عليه السلام على تفسير ابن عباس وحث الناس على تعلّمه منه، وقال عنه: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق (1).
وقيل لطاوس: لزمت هذا الغلام - يعني ابن عباس - وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تَدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس. كما روى الأعمش عن أبي أوائل، قال: واستخلف عليّ عليه السلام عبد الله بن عباس على الموسم، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا )) (2).
وعن أبي جعفر محمد بن علي [الباقر] قال: لما أراد الناس عليا على أن يضعَ حكمين قال لهم عليّ: إن معاوية لم يكن ليضع هذا الأمر أحداً هو أوثقُ برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنه لا يصلح للقرشيِّ إلا مثله، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به، فإن عمراً لا
__________
(1) التفسير والمفسرون 1/70.
(2) أسد الغابة 3/193 - 194. كما روي عن شقيق قال: كان ابن عباس على الموسم، فافتتح سورة هود فجعل يقرأ ثم يفسر. فقال شيخ من الحي: (( ما رأيت - كاليوم - كلاماً يخرج من رأس رجل لو سمعت به الترك لأسلمت )). الإصابة 2/333.
يعقد عُقدةً إلا حلَّها عبد الله، ولا يحُلُّ عقدةً إلا عقَدها، ولا يُبرم أمراً إلا نقضه، ولا ينقض أمراً إلا أبرمَه (1).
ولاه أمير المؤمنين على البصرة في خلافته سنة (39هـ)، وترك البصرة بعد عام واحد.
شهد مع علي الجمل وصفين والنهروان.
قال عبد الله بن عباس يرثي أمير المؤمنين عليا عليه السلام:
وهزَّ عليٌّ بالعراقين لحيةً ... مصيبتُها جلّت على كل مُسلم
وقال سيأتيها من الله نازلٌ ... ويخضِبُها أشقىَ البَرية بالدم
فعاجَلَهُ بالسيف شلَّت يمينه ... لشؤم قَطَام عند ذاك ابن مُلجم
فياضربةً من خاسر ضلَّ سعيه ... تَبَوأ منها مقعداً في جهنم
ففاز أميرُ المؤمنين بحظه ... وإن طرقت إحدى الليالي بمعظم
ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة ... حلاوتُها شيبت بصابٍ وعلقم(2)
أخرج ابن المغازلي:عن علي بن عبد الله قال: كنت مع أبي عبد الله بن العباس، وسعيد بن جبير يقوده، فمر على ضفة زمزم فإذا بقوم من أهل الشام يسبون علياً عليه السلام فقال لسعيد: ردني إليهم، فرده فوقف عليهم. فقال: أيكم الساب لله عز وجل؟
قالوا: سبحان الله ما فينا من سب الله عز وجل.
__________
(1) وقعة صفين /499 - 500.
(2) شرح نهج البلاغة 6/125 - 126.
قال: فأيكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فقالوا: سبحان الله ما فينا أحد سب رسول الله؟
قال: فأيكم الساب علي بن أبي طالب؟
فقالوا: أما هذا فقد كان.
قال: فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته أذناي، ووعاه قلبي، أنه كان يقول لعلي بن أبي طالب: (( يا علي من سبك فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عز وجل، ومن سب الله عز وجل أكبه الله على منخريه في النار )).
ثم ولى عنهم ثم قال: يا بني ماذا رأيتهم صنعوا؟
قال: فقلت له: يا أبة:
نظروا إليك بأعين محمرة
نظر التيوس إلى شفار الجازر
فقال: زدني فداك أبوك.
فقلت:
خزر العيون نواكس أبصارهم
نظر الذليل إلى العزيز القاهر
فقال: زدني فداك أبوك.
فقلت: ليس عندي مزيد.
فقال: لكن عندي فداك أبوك، ثم قال:
أحياؤهم خزي على أمواتهم
... والميتون فضيحة للغابر (1)
[مع الخوارج]
الخوارج يحكمون أبا موسى الأشعري
قال نصر بن مزاحم: قال الناس: قد رضينا بحكم القرآن.
فقال أهل الشام: فإنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص.
وقال الأشعث والقُرّاءُ الذين صاروا خوارجَ فيما بعد: فإنا قد رضينا واخترنا أبا موسى الأشعري.
فقال لهم عليّ: إني لا أرضى بأبي موسى، ولا أرى أن أُوَلِّيَه.
فقال الأشعث، وزيد بن حُصين، ومسعر بن فدكى، في عصابة من القراء: إنا لا نرضى إلا به، فإنه قد حذَّرنا ما وقعنا فيه.
__________
(1) مناقب ابن المغازلي /394(448)، والجويني أيضا بسند آخر برقم (240) في الباب (56) من فرائد السمطين، والخوارزمي بسند آخر في الفصل (14) من مناقب الخوارزمي 2/81. ورواه الصدوق أيضا في الحديث 2 من المجلس (21) من أماليه، ورواه في آخر ترجمة أمير المؤمنين من مروج الذهب 3/324.
وأخرجه أيضا الحافظ الكنجي في كفاية الطالب /82 الباب (10) بالإسناد إلى القاضي أبى عمر الهاشمي بعين السند واللفظ، وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة 2/166 من طريق الملأ في سيرته، وهكذا أخرجه أخطب خوارزم في المناقب/ 81، والعلامة الزرندي في نظم درر السمطين /105.
وأخرجه المرشد بالله في الأمالي/ 136، وابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام ( تاريخ ابن عساكر ) 3/319 - 320 (1358).
قال عليّ: فإنه ليس لي برضىً، وقد فارقني وخذَّل الناس عني، ثم هرب، حتى أمّنته بعد أشهر. ولكن هذا ابن عباس أُولِّيه ذلك. قالوا: والله ما نبالي، أكنت أنت أو ابن عباس، ولا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواءٌ، وليس إلى واحدٍ منكما بأدنى من الآخر. قال علي: فإني أجعل الأشتر.
قال الأشعث: وهل سعَّر الأرضَ علينا غيرُ الأشتر، وهل نحنُ إلا في حكم الأشتر. قال له عليّ: وما حكمه؟
قال: حكمه أن يضرب بعضُنا بعضا بالسيوف حتى يكونَ ما أردتَ وما أراد.
وعن أبي جعفر محمد بن علي [الباقر] قال: لما أراد الناس عليا على أن يضعَ حكمين قال لهم عليّ: إن معاوية لم يكن ليضع هذا الأمر أحداً هو أوثقُ برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنه لا يصلح للقرشيِّ إلا مثله، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به، فإن عمراً لا يعقد عُقدةً إلا حلَّها عبد الله، ولا يحُلُّ عقدةً إلا عقَدها، ولا يُبرم أمراً إلا نقضه، ولا ينقض أمراً إلا أبرمَه.
قال الأشعث: لا والله لا يحكم فيهم مُضريَّان حتى تقوم الساعة، ولكن اجعلهُ رجلاً من أهل اليمن، إذ جعلوا رجلا من مضر.
فقال علي: إني أخاف أن يُخدعَ يَمَنيُّكم، فإن عمراً ليس من الله في شيء إذا كان له في أمرٍ هوًى.
فقال الأشعث: والله لأن يحكُما ببعض ما نكره، وأحدهما من أهل اليمن، أحبُّ إلينا من أن يكون بعض ما نحبُّ في حكمهما وهما مضريّان (1).
لقاء الحكمين
في سنة ثمان وثلاثين كان التقاء الحكمين بدومة الجندل، وقيل: بغيرها، وبعث عليّ بعبد الله بن العباس، وشريح ابن هانئ الهمداني، في أربعمائة رجل فيهم أبو موسى الأشعري، وبعث معاوية بعمرو بن العاص، ومعه شرحبيل بن السمط في أربعمائة، فلما تَدَانى القوم من الموضع الذي كان فيه الاجتماع، قال ابن عباس لأبي موسى: إن علياً لم يرض بك حكما لفضلٍ عندك والمتقدمون عليك كثير، وإن الناس أبَوْا غيرك، وإني لأظن ذلك لشر يُرَاد بهم، وقد ضم داهية العرب معك، إن نسيتَ فلا تنس أن علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، وليس في علي خصلة تتباعده من الخلافة، وليس في معاوية خصلة تقربه من الخلافة (2).
ثم إن عمراً وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدِّم عبد الله بن قيس في الكلام ويقول: إنك قد صحبت رسول الله صلى الله عليه قبلي وأنت أكبر مني فتكلم ثم أتككلم. وكان عمرو
__________
(1) وقعة صفين /499 - 500.
(2) مروج الذهب 2/406.
قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كل شيء وإنما اغترّه بذلك ليقدمه فيبدأ بخلع علي (1).
قال عمر: يا أبا موسى، وما أريك؟
قال: رأيي أن أخلع هذين الرجُلين، ثم يختار الناس لأنفسهم من أحبوا.
فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون، فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يُصلح الله به أمر هذه الأمة.
قال عمرو: صدق! ثم قال: يا أبا موسى فتكلَّمْ.
فتقدَّم أبو موسى ليتكلَّم فدعاه ابن عباس فقال: ويحك، إني لأظنه قد خدعك، إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدِّمه قبلك فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثم تكلم أنت بعده، فإن عمراً رجلٌ غدار، ولا آمنُ أن يكون قد أعطاك الرِّضا فيما بينك وبينه، فإذا قمت به في الناس خالفك.
وكان أبو موسى رجلا مغفَّلا فقال: إيهاً عنك، إنا قد اتفقنا.
فتقدَّم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إنا قد نطرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها وألمُّ لشعثها من ألا تتباين أمورها. وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي عمرو على خلع علي ومعاوية، وأن نستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين،
__________
(1) موقعة صفين /544.
فيولون أمورهم من أحبوا. وإني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولُّوا من رأيتم لها أهلاً. ثم تنحَّى فقعد.
وقام عمرو بن العاص مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأُثبت صاحبي معاوية في الخلافة، فإنه وليُّ عثمان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه.
فقال له أبو موسى: مالك لا وفَّقك الله، قد غدرت وفجرت. وإمنا مثلك مثل الكلب { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث }.
قال: فقال له عمرو: إنما مثلك مثل { الحمار يحمل أسفارا }.
فكان ابن عباس يقول: قَبَح الله أبا موسى، حذَّرته وأمرتُه بالرأي فما عَقَل.
وكان أبو موسى يقول: قد حذَّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه، وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة (1).
قال عمرو بن العاص حين خَدَع أبا موسى:
خَدَعت أبا موسى خديعةَ شيظم ... يُخادع سَقباً في فلاةٍ من الأرض
فقلتُ له إنا كرهنا كليهما ... فنخلعهُما قبل التَّلاتل والدَّحض
فإنهما(2)لا يُغضيان على قذًى ... من الدهر حتى يفصلان على أمض(3)
__________
(1) وقعة صفين /545 - 546.
(2) في وقعة صفين: فإنها. وما أثبت اجتهاد.
(3) الأمض: الباطل والشك.
فطاوَعَني حتى خلعتُ أخاهم ... وصارَ أخونا مستقيما لدى القبض
وإن ابن حرب غير معطيهم الوَلا ... ولا الهاشمي الدهر أَو بربع الحمض
فرد عليه ابن عباس فقال:
كذبتَ ولكن مثلُك اليوم فاسق ... على أَمركم يبغي لنا الشَّرَّ والعزلا
وتزعُم أن الأمر منك خديعةٌ ... إليه وكلَّ القول في شأنكم فضلا
فأنتم وربِّ البيت قد صار دينكم ... خِلافاً لدين المصطفى الطيب العدلا
أعاديتُمُ حِبَّ النبي ونفسهُ ... فما لكم من سابقاتٍ ولا فَضلا
وأنتم وربِّ اليت أَخبثُ من مشى ... على الأرض ذا نعلين أو حافيا رجلا
غدرتم وكان الغدرُ منكم سجيّة ... كأن لم يكن حرثا وأن لم يكن نسلا (1)
ابن عباس يناظر الخوارج
حدثني ابن عباس، قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها وهم ستة آلاف أو نحوها قلت لعلي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء القوم. فقال: إني أخافهم عليك. قال: فقلت: كلا. قال: ثم لبس حلتين من أحسن الحلل - قال: وكان ابن عباس جميلا جهيرا - قال: فأتيت القوم، فلما نظروا إليّ قالوا: مرحبا مرحبا بابن عباس، فما هذه الحلة؟
__________
(1) وقعة صفين /550.
قال: قلت: وما تنكرون من ذلك؟ لقد رأيت على رسول الله حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } (1).
قالوا: فما جاء بك؟ قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عند المهاجرين والأنصار ولا أرى فيكم أحداً منهم لأبلغكم ما قالوا، وأبلغهم ما تقولون، فما تنقمون من عليّ ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره؟! قال: فأقبل بعضهم على بعض وقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: { بل هم قوم خصمون } (2).
وقال بعضهم: وما يمنعنا من كلامه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله؟!! قال: قالوا: ننقم عليه خلالا ثلاثا. قال: قلت: وما هن؟ قالوا: أما إحداهن فإنه حكَّم الرجال في أمر الله، وما للرجال ولحكم الله؟!.
وأما الثانية فإنه قاتل ولم يَسبِ ولم يغنم، فإن كان الذي قاتل قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإن لم يكن حل سبيهم ما حل قتالهم.
قالوا: وأما الثالثة فإنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه أمير المشركين!!!
قال: قلت لهم: هل غير هذا؟ قالوا: حسبنا هذا. قال: قلت لهم: أرأيتم إن خرجت إليكم من هذا من كتاب الله وسنة رسول الله
__________
(1) سورة الأعراف، الآية 7.
(2) سورة الزخرف، الآية 43.
أراجعون أنتم؟ قالوا: وما يمنعنا؟ قال: قلت: أما قولكم: إنه حكَّم الرجال في أمر الله وما للرجال ولحكم الله. فإني سمعت الله يقول في كتابه: { يحكم به ذوا عدل منكم }(1) في ثمن صيد أرنب أو نحوه يكون قيمته ربع درهم، فوَّض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم. وقال: { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما }(2) أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال: قلت: وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. فإنه قاتلَ أُمكم وقال الله: { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم }(3)، فإن زعمتم أنها ليس بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها؟! فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال: وأما قولكم: فإنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فإنه أمير المشركين. فإني أنبئكم بذلك عن من ترضون وأراكم قد منعتموه، أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وقد جرى الكتاب بينه ويبن سهيل بن عمرو، فقال: يا علي اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو. قال: فقالوا: لو نعم بأنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. قال: فقال: اللهم إنك تعلم أني رسولك. قال: ثم أخذ
__________
(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) سورة النساء، الآية 35.
(3) سورة الأحزاب، الآية 6.
الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو. فوالله ما أخرجه الله بذلك من النبوة، أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم [كذا] وقتل سائرهم على ضلالة (1).
وعن عبيد بن عياض قال: خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة - ونحن عندها - مرجعه من العراق ليالي قتل علي، فقالت: يا عبد الله بن شداد هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال: وما لي لا أصدقك. قالت: فحدثني عن قصتهم.
قال: فإن علياً لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس حتى نزلوا بأرض يقال لها: حروراء، من جانب الكوفة، عتبوا عليه وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله، واسم سماك الله به، ثم انطلقتَ فحكَّمتَ في دين الله الرجال، فلا حكم إلا لله. فلما أن بلغ علياً ما عتبوا عليه وفارقوا أمره، أذن مؤذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد قرأ القرآن، فلما امتلأت الدار من قراء الناس جاء بالمصحف إماماً عظيماً، فوضعه علي بين يديه فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدّث الناس!!! فناداه الناس ما تسأله عنه؟ إنما هو مدادٌ وورق ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ فقال: أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله،
__________
(1) ترجمة الإمام علي عليه السلام ( تاريخ ابن عساكر ) 3/191 - 193 (1204).
يقول الله في كتابه في امرأة ورجل: { فإن خفتم شقاق بينهم فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ... إلى قوله: يوفق الله بينهما } (1) الآية.
فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم حقاً وحرمة من امرأة ورجل، ونقما على أني كاتبت معاوية وكتبت علي بن أبي طالب، وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: كيف تكتب. فقال: بسمك اللهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب محمد رسول الله. فقال: لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك. فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشاً.
يقول الله في كتابه: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }(2)، فبعث إليهم عبد الله بن العباس فخرجت معه حتى توسطنا عسكرهم، فقال عبد الله بن شداد: فقام ابن الكواء فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هو الذي نزل فيه وفي قومه { بل هم قوم خصمون }(3)، فردُّوه إلى صاحبه ولا
__________
(1) سورة النساء، الآية 40.
(2) سورة الأحزاب، الآية 21.
(3) سورة الزخرف، الآية 58.
تُواضعوه كتاب الله. فقام خطباؤهم فقالوا: بلى والله لنواضعنه كتاب الله، فإن جاء بحق لنَتبعنّه، وإن جاء بباطل لنسكتنه بباطله، ولنردنه إلى صاحبه. فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام. قالوا: كيف قلت يا ابن عباس؟ قال: قلت: ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه؟
قالوا: ثلاث خصال.
قال: فما هن؟
قالوا: أما واحدة: فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن كان القوم كفاراً فقد أحل الله دماءهم ونساءهم، وإن كانوا غير ذلك فقد استحل ما صنع بهم.
وأما الثانية: فإنه حكّم الرجال في أمر الله وفي دين الله، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله: { إن الحكم إلا لله }(1).
وأما الثالثة: فإنه محا نفسه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
قال ابن عباس: هل عندكم غير هذا؟
قالوا: حسبنا خصلة من هذه الخصال.
قال: فأنا آتيكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا: نعم. قال: فإن الله قد صيّر مع حكمه حكم الرجال ما لا يقبل غيره، { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل
__________
(1) سورة الأنعام، الآية 57، 40، وسورة يوسف، الآية 12.
منكم }(1)، وقال في آية أخرى: { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما }. أخرجت لكم من هذه؟
قالوا: نعم.
قال: وأما قولكم: قاتل ولم يسب ولم يغنم. فأيّكم كان يسبي عائشة؟ فإن قلتم: إنما يستحلّ منها ما يستحل من المشركات بعد قول الله تعالى: { وأزواجه أمهاتكم }(2)، فقد خرجتم من الإسلام، فأنتم بين ضلالتين فاخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين؟ قال: أخرجت من هذا؟
قالوا: نعم.
قال: وأما قولكم: إنه محا اسمه وهو أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. فإني آتيكم برجال ممن ترضون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الموادعة كتب هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو، فمحو أن [كذا] رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟
قالوا: بلى محو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أَخَرَجتُ من هذه؟
قالوا: نعم.
__________
(1) سورة المائدة، الآية 95.
(2) سورة الأحزاب، الآية 6.
قال عبد الله بن شداد: فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكوى حتى أدخلناهم على عليّ بالكوفة (1).
[مع اليهود]
وعن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنه: أن يهودياً أتاه فقال: يا ابن عباس إني أريد أن أسألك عن أشياء إن أنت أخبرتني بتأويلها فأنت ابن عباس.
قال: وما هي؟
قال: أخبرني عن آدم عليه السلام ولم سمي آدم؟ وعن حواء لم سميت حواء؟ وعن الإنسان لم سمي إنساناً؟ وعن المرأة لما سميت امرأة؟ وعن النساء لم سمين النساء؟ وعن الدنيا لما سميت الدنيا؟ وعن الآخرة لما سميت آخرة؟ وذكر أشياء، وعن رجب لم سمي رجبا؟ وعن شعبان لم سمي شعبان، وعن رمضان لم سمي رمضانا؟ وعن شوال لما سمي شوال؟
فقال ابن عباس: يا يهودي أما آدم فإنه سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض. وأما حواء فإنها سميت حواء لأنها خلقت من حيوان من ضلح آدم الصغرى، ويقال له: القصير. وأما الإنسان: فإنما سمي إنسان لأنه ينسى. وأما النساء: فإنما سمين النساء لأنهن أنسى شيء. وأما المرأة فإنما سميت امرأة لأنها خلقت من المرء. وأما الدنيا فإنما سميت الدنيا لأنها دنية، أدنى عند الله من الأرض. وأما الآخرة فإنما
__________
(1) ترجمة الإمام علي عليه السلام ( تاريخ ابن عساكر ) 3/194 - 197 (1205).
سميت آخرة لأنها خير لمن اتخذها وطلبها. وأما رجب فإنما سمي رجبا لأنه يترجب فيه خير كثير كشعبان، وسمي: الأصم، لأن الملائكة تصم آذانها لشدة ارتفاع أصواتها بالتسبيح والتقديس. وأما شعبان فإنما سمي شعبان لأن الخير يتشعب فيه، فيجمع لبني آدم فيكون عونا على صيام شهر رمضان وقيامه. وأما رمضان فإنما سمي: رمضان، لأن الذنوب ترمض فيه إرماضاً. وأما شوال فإنما سمي: شوالا لأنه يشول بذنوب بني آدم عند انسلاخ رمضان (1).
وعن سعيد بن جبير قال: قال يهودي بالكوفة - وأنا أتجهز للحج -: إني أراك رجلاً تتبع العلم، أخبرني: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أعلم، وأنا الآن قادم على حَبْر العرب - يعني ابن عباس - فاسئله عن ذلك. فلما قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهودي؟
فقال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن النبي إذا وعد لم يخلف.
قال سعيد: فقدمت العراق، فلقيت اليهودي، فأخبرته. فقال: صَدَق وما أنزل على موسى هذا والله العالم (2).
__________
(1) أمالي المرشد بالله 2/92.
(2) جامع البيان 20/43 - 44.
[كرمه]
وجاء رجل من الأنصار إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وقال له: يا ابن عم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: إنه ولد لي في هذه الليلة مولود، وإني سميته باسمك تبرّكاً بك، وإن أمه ماتت.
فقال عبد الله بن عباس: بارك الله في الهبة، وآجرك على المصيبة.
ثم دعا ابن عباس بوكيله وقال له: انطلق الساعة فاشتر للمولود جارية تحضنه، وادفع لأبيه مائتي دينار لينفقها على تربيته.
ثم قال للأنصاري: عد إلينا بعد أيام فإنك جئتنا وفي العيش يبس، وفي المال قلَّة.
فقال الرجل: جُعلت فداءك، لو سبقت حاتماً بيوم ما ذكرته العرب (1).
[علمه]
قال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام والعريبة والأنساب والشعر.
وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب، وناس يأتونه لأيام العرب ووقائعهم، وناس يأتونه للفقه والعلم، فما منهم صنف إلا يقبل عليهم بما يشاؤون.
وكان كثيرا ما يجعل أيامه يوماً للفقه، ويوماً للمغازي، ويوماً للشعر، ويوماً لوقائع العرب. وكان عمر إذا أعضلت عليه قضية دعا ابن عباس وقال له: أنت لها ولأمثالها، ثم يأخذ بقوله ولا يدعو
__________
(1) المستطرف في كل فن مستظرف /238.
لذلك أحداً سواه. وكان آية في الحفظ، أنشده ابن أبي ربيعة قصيدته التي مطلعها:
أَمِن آل نعم أنت غادٍ فمبكرٌ
...............................
فحفظها في مرة واحدة، وهي ثمانون بيتاً، وكان إذا سمع النوادب سد أذنيه بأصابعه، مخافة أن يحفظ أقوالهن.
ولحسان بن ثابت شعر في وصفه وذكر فضائله. وينسب إليه كتاب في (( تفسير القرآن ـ ط ))، جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه في كل آية فجاء تفسيراً حسناً. وأخباره كثيرة (1).
وقال ابن عطية في مقدمة تفسيره: وكان جُلة من السلف - كثير عددهم - يفسرونه، وهم أبقى على المسلمين رضي الله عنهم، فأما (( صدر المفسرين )) والمؤيد فيهم فعليّ بن أبي طالب عليه السلام، ويتلوهُ ابن عباس رضي الله عنه، وهو تجرد للأمر وكمّله وتبعه العلماء عليه كمجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب (2)؟!
وعن ابن عباس نفسه: (( ما أخذتُ من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب )) (3).
__________
(1) الأعلام 4/95.
(2) البرهان في علوم القرآن، الزركشي 2/157.
(3) التفسير والمفسرون 1/90.
وقال أيضا: (( وقد وعيت كل ما قال علي عليه السلام، ثم فكرت، فإذا علمي بالقرآن في علم علي عليه السلام كالقرارة في المتفجّر )) (1).
وقال أيضا: (( عليّ عَلِمَ علماً علّمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي علّمه الله، فعِلْمُ النبي من علم الله، وعلمُ علي من علم النبيّ، وعلمي من علم علي عليه السلام، وما عِلمي وعلم صحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في علم عليّ عليه السلام إلا كقطرة في سبعة أَبحُر (2).
وعن ابن عباس أنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده جبريل، فقال له جبريل:
(( إنه كائن حبر هذه الأمة، فاستوص به خيرا )) (3).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا أنه قا: (( حذيفة بن اليمان من أصفيان الرحمن، وأبصركم بالحلال والحرام، وعمار بن ياسر من السابقين، والمقداد بن الأسود من المجتهدين، ولكل شيءٍ فارس، وفارس القرآن عبد الله بن عباس )) (4).
__________
(1) سفينة البحار 2/414.
(2) سفينة البحار 2/414.
(3) الإتقان 4/234.
(4) سفينة البحار 1/150.
[رأي الصحابة والتابعين والعلماء في ابن عباس]
أثنى أمير المؤمنين علي عليه السلام على تفسير ابن عباس وحث الناس على تعلّمه منه، وقال عنه: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق (1).
وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم فقهه في الدين ))، وحسبك بهذه الدعوة (2).
وقال ابن عمر بشأن ابن عباس في فهم كتاب الله: (( ابن عباس أعلم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما نزل على محمد )) صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وعن ابن عمر: أن رجلا أتاه - أي: أتى ابن عباس - يسأله عن { السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما }(4)؟ فقال: اذهب إلى ابن عباس، فسلهُ ثم تعال أخبِرني. فذهب فسأله، فقال: (( كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات )). فرجع إلى ابن عمر فأخبره، فقال: قد كنت
__________
(1) التفسير والمفسرون 1/70.
(2) الإتقان 4/233.
(3) أسد الغابة 6/195.
(4) سورة الأنبياء، الآية 30.
أقول: ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه أوتي علما (1).
وعن سعيد بن جبير قال: قال يهودي بالكوفة - وأنا أتجهز للحج -: إني أراك رجلاً تتبع العلم، أخبرني: أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا أعلم، وأنا الآن قادم على حَبْر العرب - يعني ابن عباس - فاسئله عن ذلك. فلما قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهودي؟
فقال ابن عباس: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن النبي إذا وعد لم يخلف.
قال سعيد: فقدمت العراق، فلقيت اليهودي، فأخبرته. فقال: صَدَق وما أنزل على موسى هذا والله العالم (2).
وكان ابن عباس - ليس فقط في التفسير - بل في كثير من الأمور المستعصية مرجعا موثقا، والخليفة الثاني: عمر - كما يذكر ابن الأثير - يعود إلى ابن عباس في حل المشاكل المستعصية مع أن ابن عباس كان أقل سناً من سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
يروى أن عمر بن الخطاب كان يقدم ابن عباس صبياً على كبار الصحابة تقديراً لذكائه الحادّ ومعارفه الواسعة (3).
__________
(1) الإتقان 4/235، الإصابة 2/332 - 333.
(2) جامع البيان 20/43 - 44.
(3) انظر: إحياء علوم الدين 1/140.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: (( نعم ترجمان القرآن أنت )) (1).
وكان مجاهد يقول بشأن ابن عباس: (( كان إذا فسر آيةً من القرآن رأيت في وجهه النور )) (2).
وقيل لطاوس: لزمت هذا الغلام - يعني ابن عباس - وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إني رأيت سبعين رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تَدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس. كما روى الأعمش عن أبي أوائل، قال: واستخلف عليّ عليه السلام عبد الله بن عباس على الموسم، فقرأ في خطبته سورة البقرة، وفي رواية: سورة النور، ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا )) (3).
وأخرج البخاري من طريق ابن مُليكة عن ابن عباس، قال: (( قال عمر ابن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
__________
(1) الإتقان 4/232.
(2) إعلام الموقعين 1/30.
(3) أسد الغابة 3/193 - 194. كما روي عن شقيق قال: كان ابن عباس على الموسم، فافتتح سورة هود فجعل يقرأ ثم يفسر. فقال شيخ من الحي: (( ما رأيت - كاليوم - كلاماً يخرج من رأس رجل لو سمعت به الترك لأسلمت )). الإصابة 2/333.
فيمن يَرَون هذه الآية نزلت: { أيودّ أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب ... }(1)؟ قالوا: الله أعلم.
فغضب عمر. فقال: قُلوا: نعلم أو لا نعلم.
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء.
فقال: يا ابن أخي! قل، ولا تحقر نَفسَك.
قال ابن عباس: ضُربَت مثلاً لعمل.
فقال عمر: أي عمل؟
قال ابن عباس: لرجل يعمل بطاعة الله، ثم بعث له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله )) (2).
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن كعب القُرَظي، عن ابن عباس: أن ابن عباس جلس في رهط من المهاجرين من الصحابة، فذكروا ليلة القدر. فتكلم كلٌّ بما عنده، فقال عمر مَالَكَ يا ابن عباس صامت لا تتكلم ؟! تكلم ولا تمنعك الحداثة.
قال ابن عباس: فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله وترٌ يحبّ الوتر:
? فجعل أيام الدنيا تدور على سبع.
? وخلق الإنسان من سبع.
? وخلق أرازاقنا من سبع.
? وخلق فوقنا سماوات سبعاً.
?
__________
(1) سورة البقرة، الآية 266.
(2) جامع البيان 3/47، الإتقان 4/236.
وخلق تحتنا أرضين سبعاً.
? وأعطى من المثاني سبعاً.
? ونهى في كتابه عن نكاح الأقربين سبعاً.
? وقسم الميراث في كتابه على سبع.
? ونَقَعُ في السجود من أجسادنا على سبع.
? وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكعبة سبعاً.
? وبَينَ الصفا والمروة سبعاً.
? ورمى الجمار بسبع.
? فأراها - أي ليلة القدر - في السبع الأواخر من شهر رمضان. فتعجب عمر، فقال: ما وافقني فيها أحدٌ إلا هذا الغلام الذي لو تَستَوِرشئون رأسه. ثم قال: يا هؤلاء! من يؤديني في هذا كابن عباس )) (1).
وكان ابن عباس كما دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وآراء الصحابة ومن بعدهم تؤيد إجابة الله تعالى هذا الدعاء له.
__________
(1) الإتقان 4/236.
عن طاووس، قال: (( أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء - فخالفوا ابن عباس - لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت أو صدقت )) (1).
وقد ظهر النبوغ فيه من جميع الجهات: من قوة الحافظة، والفصاحة، والكلام الجامع، والتأثير في المخاطبين، وشجاعته في بيان الحق دون أن يأبه لملامة لائم ونقد ناقد، وهو يُلحُّ فيما يرى مع قدم راسخ وبالٍ مطمئن.
عن النعمان أن حسان بن ثابت قال: كانت لنا عند عثمان أو غيره من الأمراء حاجة، فطلبناها إليه لجماعة من الصحابة، منهم ابن عباس - وكانت حاجة صعبةً شديدة - فاعتل علينا، فراجعوه إلى أن عذروه، وقاموا إلا ابن عباس، فلم يزل يراجعه بكلام جامع حتى سد عليه كل حاجة، فلم يَرَ بُدّاً من أن يقضي حاجتنا. فخرجنا من عنده وأنا آخذ بيد ابن عباس، فمررنا على أولئك الذين كانوا عذروا أو ضعفوا. فقلت: كان عبد الله أولاكم به؟ قالوا: أجل. فقلت: أمدحه:
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل
بلُفَيظات لا ترى بينها فصلا
كفى وشفى ما في الصدور ولم يدع
لذي إربة في القول جدّاً ولا هزلا (2)
__________
(1) الإصابة 2/333.
(2) الإصابة 2/330.
وبالجملة لما كان ابن عباس يستخرج خفي المعاني التي يشير إليها القرآن، ولا يدركها إلا من نفحة الله بنفحة من روحه ظهر في المسائل المعقدة في التفسير بمظهر الرجل الذي (( ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ))، كما وصفه علي بن أبي طالب عليه السلام. وهذا الأمر الذي جعل الصحابة يقدرون ابن عباس ويثقون بتفسيره. ولقد وجد هذا التقدير صداه في عصر التابعين. فكانت هناك مدرسة يتلقى تلاميذها التفسير عن ابن عباس، واستقرت هذه المدرسة بمكة، ثم غذت بعلمها الأمصار المختلفة، وما زال تفسير ابن عباس يلقى من المسلمين إعجاباً وتقديراً إلى درجة أنه إذا صح النقل عن ابن عباس لا يكادون يعدلون عن قوله إلى آخر.
وقد صرح الزركشي بأن قول ابن عباس مقدم على قول غيره من الصحابة عند تعارض ما جاء عنهم في التفسير (1). كما يذكر ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة - مولى ابن عباس - وغيرهم من أصحاب ابن عباس كطاووس، وأبي الشعثاء، وسعيد بن جبير، وغيرهم (2).
__________
(1) البرهان في علوم القرآن 2/172، التفسير والمفسرون 1/70.
(2) مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية/ 54.
[ألقاب ابن عباس]
اشتهر ابن عباس منذ صدر الإسلام بألقاب علمية، ثم ازدادت هذه الألقاب بين المسلمين بمرور الزمن مع بروز أهميته في التفسير.
ونحن نذكر هذه الألقاب باختصار مع ذكر المصادر التاريخية:
1ـ ترجمان القرآن
الأحاديث والروايات التاريخية بشأن نسبة هذ اللقب العلمي لابن عباس كثيرة، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أول من تَوَّجَه بهذا اللقب، ثم اشتهر به على لسان الآخرين. وذكرنا من قبل: أن مجاهداً كان يقول: قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: (( نِعم ترجمان القرآن أنت )) (1).
وقال ابن مسعود - كما مر - بشأنه: (( نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس )) (2).
2ـ فارس القرآن
رأينا في الحديث النبوي - الذي مر ذكره - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( ... ولكل شيء فارس، وفارس القرآن ابن عباس )) (3).
__________
(1) الطبقات الكبرى 2/366، الإتقان 4/234.
(2) الإتقان 4/234، الإصابة 2/331.
(3) سفينة البحار 1/150.
3ـ حبر هذه الأمة (أو) حبر الأمة
قد مر في ثنايا مقالنا: أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأن ابن عباس: (( إنه كائن حبر هذه الأمة فاستوص به خيراً )) (1). وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفراً من أصحابه ... ثم قال: (( وحبر هذه الأمة ابن عباس ))(2).
ويروى عن مجاهد أنه قال: (( وحبر هذه الأمة ابن عباس )) (3). فلذلك مدحه معاصره عبيد الله بن قيس الرقيات في قصيدة له بأنه (( حبر ))، قال:
وأبو الفضل وابنه الحبر عبد الـ
ـله إن عيّ بالريّ الفقهاء (4)
4ـ حبر العرب
ورأينا في حديث التقاء سعيد بن جبير رجلاً يهودياً في الكوفة، أنه قال لليهودي: (( ... وأنا الآن قادم على حبر العرب )) - يعني ابن عباس - فسائله ...)) (5).
__________
(1) الإتقان 4/234.
(2) مقدمة المباني، انظر: مقدمتان في علوم القرآن/ 57.
(3) الإتقان 4/235.
(4) ديوانه: 97.
(5) جامع البيان 20/43.
5ـ بحر هذه الأمة
أخرج أبو نعيم عن مجاهد: (( وكان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه )) (1).
6ـ رئيس المفسرين
ويَصِفُ أبو الخير ابن عباس في (( طبقات المفسرين )) هكذا: (( فهو ترجمان القرآن، وحبر الأمة، ورئيس المفسرين )) (2).
7ـ شيخ المفسرين
يذكر أحمد مصطفى المراغي عن ابن عباس بأنه: (( ترجمان القرآن، وحبر الأمة، وشيخ المفسرين )) (3).
8ـ الأب الأول لتفسير القرآن
يذكر جولدزيهر ابن عباس بهذا اللقب وهذه السمة (4)، لأنه يرى ابن عباس مؤسساً لتفسير القرآن بمفهومه الإصطلاحي.
9ـ رباني هذه الأمة
قال الزبير بن بكار: حدثت عن عمرو بن دينار قال: لما مات عبد الله ابن عباس، قال: (( مات رباني هذه الأمة )) (5).
__________
(1) شذرات الذهب 1/76، الإتقان 4/235، الإصابة 2/333.
(2) نقلا عن تأسيس الشيعة/ 322.
(3) تفسير المراغي 1/6.
(4) مذاهب التفسير الإسلامي /89.
(5) الإصابة 2/334.
تنوع معلوماته
لم يسبغ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون بعده على ابن عباس تلك الألقاب جزافاً، بل إن هذه الألقاب تعبّر عن كفاءة هذا الرجل الذي تتلمذ على يد صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ثم على يد أعلم الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم - أعني - أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وإضافة إلى سعة إطلاع ابن عباس في العلم، تذكر المصادر الإسلامية أيضاً تنوع معلوماته وتفننه في معارف عصره.
قال عطاء بن أبي رباح المكي: (( ما رأيت مجلساً قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقهاً وأعظم خشية، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم في واد واسع )) (1).
وقال الأعمش أيضا: (( كان ابن عباس إذا رأيته قلت: أجمل الناس، فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، فإذا حدث قلت: أعلم الناس )) (2).
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: (( ما رأيت أحداً أعلم بالسنة، ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا - حين ينظر - من ابن عباس )) (3).
وعن كتاب (( الموفقيات )) في حديث طويل في ذكر قدوم ابن عباس على معاوية، قال: فصلى ابن عباس في الجامع يوم الجمعة واجتمع
__________
(1) شذرات الذهب 1/76، الإصابة 2/333.
(2) شذرات الذهب 1/76، الإصابة 2/333.
(3) شذرات الذهب 1/75.
الناس عليه يسألونه عن: (( الحلال والحرام، والفقه، والتفسير، واحوال الإسلام، والجاهلية )) وافتقد معاوية الناس؟ فقيل: إنهم مشغولون بابن عباس، ولو شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل، فطلبه معاوية وأقسم عليه أن يدخل بيت المال ويأخذ حاجته - وإنما أراد معاوية أن يُعرِّف أهل الشام ميلَ ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده - فقال: إن ذلك ليس لي ولا لك، فإن أذنت أن أعطي كل ذي حق حقه فعلت. قال: أقسمت عليك إلا دخلت فأخذت حاجتك، فدخل، فأخذ برنسا أحمر كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم خرج (1).
ويقول عبد الحي الحنبلي: (( ... وكان ابن عباس جميلاً نبيلاً، مجلسه مشحوناً بالطلبة في أنواع العلوم. قال بعضهم: حج معاوية وابن عباس. فكان لمعاوية موكب بالولاية، ولابن عباس بالرواية والدراية )) (2).
ويذكر فؤاد سزكين بهذا الصدد كلاماً لدعم هذه الحقيقة والاستدلال عليها، حيث يقول: (( وتربط قضية مدى إتقانه للمجالات التي ينسب إليه علمه بها (وهي الفقه الإسلامي، وتاريخ الجاهلية وآثارها، واللغة، والشعر) - وإنه عني بها تدريسا وبحثا - ارتباطا وثيقا بقضايا أخرى تتصل بالتراث العربي والإسلامي:
? منها: قضية وجود تراث عربي مدون في الجاهلية.
?
__________
(1) سفينة البحار 2/151.
(2) شذرات الذهب1/75.
ومنها: قضية اشتغال بعض شباب الصحابة وكبار التابعين بمسائل علمية.
? ومنها: قضية ما إذا كان التطور العام لحركة التأليف بالعربية يسير مع هذا النشاط العلمي المبكر على قدم واحد.
... فإن الشك في اشتغال عبد الله بن العباس بمجالات العلم المختلفة ليس له ما يبرّره )) (1).
... ولذلك لم يكن له دور كبير في السياسة أو الجيش، غير أنه صحب جيش الفتح الإسلامي إلى مصر وشمال أفريقية وجرجان وطبرستان والقسطنطنية. وكان والياً على البصرة في خلافة علي بن أبي طالب سنة (39هـ)، ولكنه ترك البصرة بعد عام واحد، وعاد إلى الطائف بعيداً عن الحياة السياسية متفرغاً للعلم. ومن أجل هذا تعد الروايات الإسلامية ابن عباس أول المفسرين، وبالتالي رائد الدراسات اللغوية للنصوص العربية(2) ووصف بأنه (( ترجمان القرآن )) (3).
أما منهجه الخاص لدروسه اليومية
__________
(1) تاريخ التراث العربي، المجلد الأول 1/64.
(2) تاريخ التراث العربي، المجلد الأول 1/63.
(3) طبقات ابن سعد 2/120.
يستفاد من كتب الحديث والسير والتواريخ أن ابن عباس كان قد وضع منهاجا خاصا لدروسه اليومية، وكان يلقي العلوم والمعارف المختلفة في أيام خاصة.
قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: (( كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه، وفِقْه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، وتأويل. وما رأيت أحداً كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ... ولا أفقه في رأي منه، ولا أثقب راياً فيما احتيج إليه منه.
ولقد كان يجلس يوماً ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوماً التأويل، ويوماً المغازي، ويوماً الشعر، ويوماً أيام العرب.
ولا رأيت عالماً قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما )) (1).
وكان ابن عباس يبدأ في مجلسه بالقرآن، ثم بالتفسير، ثم بالحديث (2). وكان يقول: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يَهذي بالشعر (3).
وكان مهتماً أشد الاهتمام بأمر القرآن والتفسير والحديث، ويحث الآخرين عليه، حتى أنه رُوي عن عكرمة - مولى ابن
__________
(1) أسد الغابة 3/193.
(2) مقدمتان في علوم القرآن /262.
(3) مقدمتان في علوم القرآن /262، بحار الأنوار 19/27.
عباس - أنه قال: (( كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل، ويعلمني القرآن والسنن )) (1).
وإذا رأى ابن عباس شخصا له رأي صحيح في تفسير القرآن يشجعه ويكرمه:
بَيَّن عكرمة لابن عباس بعض ما أشكل عليه من القرآن، قال ابن حجر: رَوَى داود بن أبي هند عن عكرمة، قال: قرأ ابن عباس هذه الآية: { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديدا ... } (2) ... وقال: ما أدري ما فُعِل بهم... وقال عكرمة: قلت لابن عباس - لما قال: ما أدري ما فعل بهم -: ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، فقالوا: { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم }، فلم أزل به حتى عَرَّفتُه أنهم قد نجوا، فكساني حلة (3).
وفي رواية أخرى: (( من طريق ابن جريح عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس - والمصحف في حجره وهو يبكي - فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداءك؟
فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في سورة الأعراف.
قال: تعرف أيلة؟
__________
(1) الإتقان 2/241، الطبقات الكبرى 2/386، 5/287.
(2) سورة الأعراف، الآية 64.
(3) جامع البيان 9/64، الطبقات الكبرى 5/287، 288، الجامع لأحكام القرآن 7/307.
قلت: نعم.
قال: فإنه كان بها حيّ من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت، ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كدّ ومؤنة شديدة. كانت تأتيهم يوم السبت شرعاًَ بيضاً سماناً كأنها الماخض، تتبطحُ ظهورَها لبطونها بأفنيتهم وأبنيتهم، فكانوا كذلك برهة من الدهر.
ثم إن الشيطان أوحى إليهم، فقال: إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت، فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام، فقالت ذلك طائفة منهم.
وقالت طائفة منهم: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت، وكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة، فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمين وتنحّت، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت.
وقال الأيْمَنُون: (( الله ينهاكم عن أن تعترضوا لعقوبة الله )).
وقال الأيْسَرُون: { لم تعظون قوما الله مهلكم أو معذبهم عذابا شديدا }؟ قال الأيمنون: (( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون )). أي: ينتهون، فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة، فقال الأيمنون: قد فعلتم يا أعداء الله، والله لا نُبَايتكم الليلة في مدينتكم، والله ما نراكم تصبحون حتى يصيبكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب. فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب، ونادوا فلم يجابوا، فوضعوا سُلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً فالتفت إليهم، فقال: أي عبادَ الله، قردة والله تعاوي لها أذناب! قال: ففتحوا فدخلوا عليهم،
فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود نسيبها من الإنس فتشمّ ثيابه وتبكي وتقول لهم: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها: نعم.
ثم قرأ ابن عباس: { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون }(1).
قال: فأرى اليهود الذين نَهَوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذُكروا، ونحن نرى أشياءً ننكرها فلا نقول فيها، قال: قلت: إن جعلني الله فداك، ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم }؟ قال: فأمَرَ بي، فكسيتُ بُرديِن غليظين )) (2).
ونجح ابن عباس في تفسير القرآن حتى استطاع أن يفسر القرآن كله آية آية، ولأجل هذا يقول عنه صاحب المباني: (( وهذا عبد الله بن عباس لم يدع آية في القرآن إلا وقد ذكر في تفسيرها على ما روت منه الرواة، ولذلك قيل: (( ابن عباس، ترجمان القرآن ))، واستطاع أيضا أن يملي تفسيره على تلامذته ليُدَوَّن، روي عن ابن أبي مليكة، قال رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس في تفسير القرآن، ومعه
__________
(1) سورة الأعراف، الآية 165.
(2) جامع البيان 9/64 - 65.
ألواحه. قال: فيقول له ابن عباس: اكتبه حتى سأله عن التفسير كله (1).
الشعر العربي القديم
قال محمد حسين الذهبي: (( كان ابن عباس رضي الله عنه يرجع في فهم الألفاظ الغريبة التي وردت في القرآن إلى الشعر الجاهلي، وكان غيره من الصحابة قد يسلك هذا الطريق في فهم غريب القرآن، ويحضُّ على الرجوع إلى الشعر العربي القديم، ليستعان به على الألفاظ القرآنية الغريبة )).
فهذا عمر بن الخطاب يسأل أصحابه عن معنى قوله تعالى في الآية (47) من سورة النحل: { أو يأخذهم على تخوف }، كما قال سعيد بن مسيب: بينما عمر بن الخطاب على المنبر، قال: أيها الناس! ما تقولون في قول الله عز وجل: { أو يأخذهم على تخوف }، فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا... التخوف: التنقص. فخرج رجل فقال: ما فعل دَيْنك؟ قال: تخوفته، أي: تنقصته (2)، فرجع فأخبر عمر، فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم. قال شاعرنا أبو كبير الهُذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكن واكتنازة:
تخوّف الرحل منا تامِكاً قَرِدا
__________
(1) مقدمتان في علوم القرآن /193.
(2) التفسير والمفسرون 1/74.
... كما تخوّف عُود النبعة السَّفن (1)
والروايات في هذا الشأت - أي الاستشهاد والاستعانة بالشعر القديم في فهم معاني الألفاظ الغريبة من القرآن - كثيرة:
روى ابن عباس - نفسه -: (( أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عربيته فالتمسوها في الشعر )) (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن من الشعر لحكمة، فإذا ألتبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر، فإنه عربي )) (3).
ويذكر الطبري: أن ابن عباس قال تبعاً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقاله: (( وإذا تعاجم شيء من القرآن فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربي )) (4).
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: (( إذا سألتموني عن غريب اللغة فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب )) (5).
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن 10/110، التفسير الكبير للرازي 20/39، الكشاف 2/608 - 609، روح المعاني 14/152.
(2) مقدمتان في علوم القرآن /261.
(3) لسان العرب 2/233 - 234.
(4) جامع البيان 17/129.
(5) البرهان في علوم القرآن 1/293، الإتقان 2/67.
وقال ابن عباس أيضا: (( الشعر ديوان العرب، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزل بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه )) (1).
وقد روي عن ابن عباس كثيراً من ذلك. عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، أنه كان يُسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر (2).
ونقل العلماء والمحدثون والمفسرن وقائع كثيرة استشهد فيها ابن عباس بالشعر القديم والعريق في العربية، وهذه الوقائع غير المسائل التي سألها نافع بن الأزرق وأجاب ابن عباس عنها.
ونحن نذكر من تلك الوقائع نموذجاً: روى طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: سمعت ابن عباس إذا سئل عن عَرَبية القرآن أنشد الشعر، فقيل له: ما { زنيم } (3)؟ فقال:
زنيمٌ تداعَاهُ الرجالُ زيادةً
كما زيدَ في عرض الأديم الأكارعُ
وعن ابن مليكة قال: سُئل ابن عباس عن { الليل وما وسق }(4)؟ فقال: وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر:
إن لنا قلائِصاً حَقائقاً
__________
(1) البرهان في علوم القرآن 1/293، الإتقان 2/67.
(2) الإتقان 2/67.
(3) سورة ن، الآية 13، وسورة القلم، الآية 13.
(4) سورة الإنشقاق، الآية 17.
... مُستَوسِقاتٍ لو يَجِدنَ سائقا (1)
[ابن عباس مع معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص]
أخرج ابن الزبير بن بكار في الموقفيات، عن ابن عباس أن معاوية قال: يا بني هاشم إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحقيتم النبوة، ولا يجتمعان لأحد، وتزعمون أن لكم ملكا.
فقال له ابن عباس: أما قولك: إنا نستحق الخلافة بالنبوة، فإن لم نستحقها بالنبوة فبم نستحقها ؟!
وأما قولك: إن النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد، فأين قول الله: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } (2)؟ فالكتاب النبوة، والحكمة السنة، والملك الخلافة، نحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد، والسنة لنا ولهم جارية.
وأما قولك: زعمنا لنا ملكا، فالزعم في كتاب الله شك، وكل يشهد أن لنا ملكا لا تملكون يوما إلا ملكنا يومين، ولا شهراً إلا ملكنا شهرين، لوا حولا إلا ملكنا حولين (3).
__________
(1) البرهان للزركشي 1/293. والبيت للعجاج، انظر ديوانه: 84.
(2) سورة النساء، الآية 54.
(3) الدر المنثور 2/568 عند تفسير قوله تعالى: { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } [النساء:54].
معاوية يشمت بموت الحسن
قال معاوية لابن عباس: مات الحسن بن علي. ليبكّته بذلك، قال: فقال: لئن كان مات فإنه لا يسدّ بجسده حفرتك، ولا يزيد موته في عمرك، ولقد أصبنا بمن هو أشد علينا فقداً منه، فجبر الله مصيبتنا (1).
__________
(1) رواه في الحديث: (183) من ترجمة الإمام الحسن من الطبقات الكبرى /8 وقال قبله:
قال محمد بن عمر: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال:
لما جاء معاوية نعي الحسن بن علي استأذن ابن عباس على معاوية، وكان ابن عباس قد ذهب بصره فكان يقول لقائده: إذا دخلت بي على معاوية فلا تقدني، فإن معاوية يشمت بي. فلما جلس ابن عباس قال معاوية: لأخبرنَّه بما هو أشد عليه من أن أشمت به. فلما دخل قال: يا أبا العباس هلك الحسن بن علي. فقال ابن عباس: إنا لله وإنا إليه راجعون. وعرف أنه شامت به فقال: أما والله يا معاوية لا يسد حفرتك، ولا تخلد بعده، ولقد أصبنا بأعظم منه فجبرنا الله بعده.
ورواه أيضا اليعقوبي في تاريخه 2/214، قال: وتوفي الحسن بن علي وابن عباس عند معاوية، فدخل عليه لما أتاه نعي الحسن، فقال له: يا ابن عباس إن حسناً قد مات. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون على عظم الخطب وجليل المصاب، أما والله يا معاوية لئن كان الحسن قد مات فما ينسئ موته في أجلك، ولا يسد جسمه حفرتك، ولقد مضى إلى خير، وبقيت على شر. قال [معاوية]: لا أحسبه قد خلّف إلا صبية صغاراً. قال [ابن عباس]: كلنا كان صغيراً فكبر. قال: بخٍ بخٍ يا ابن عباس أصبحت سيد قومك. قال: أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وآله فلا.
عمرو بن العاص يتنقص عبد الله بن جعفر
حضر مجلس معاوية عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وعمرو بن العاص، فأقبل عبد الله بن جعفر، فلما نظر إليه عمرو بن العاص قال: قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمنّي، والطربات بالتغني، مُحب للقيان، كثير مزاحه، شديد طِماحُه، صدوفٌ عن السِّنان (1)، ظاهر الطيش، ليّن العيش، أخّاذ بالسَّلف، منفاق بالسَّرف.
فقال ابن عباس: كذبت والله أنت وليس كما ذكرت، ولكنه لله ذكور، ولنَعمائه شكور، وعن الخنا زجور، جواد كريم، سيد حليم، ماجد لهِميْم (2)، إن ابتدأ أصاب، وإن سُئل أجاب، غير حصر، ولا هيّاب، ولا فحّاش عيّاب، حل من قريش من كريم النصاب، كالهِزَبر (3) الضرغام، الجريء المقدام، في الحسب القمقام (4)، ليس يدعى لدعيّ، ولا يدنى لدني، كمن اختصم فيه من قريش شرارها، فغلب عليه جزّارها، فأصبح ألأمها حَسَبا، وأدناها منصباً، ينوء منها
__________
(1) الصدوف: المعرض عن الشيء. والسنان: فصل الرمح.
(2) اللهميم: السابق الجواد من الخيل والناس.
(3) الهزبر: الأسد، والغليظ الضخم، والشديد الصلب. والجمع: هزابر.
(4) القمقام من الرجال: السيد الكثير الخير، الواسع الفضل.
بالذَّليل، ويأوي منها إلى القليل، يتذبذب بين الحيين، كالساقط بين المهدين، لا المضطر فيهم عرفوه، ولا الظاعن (1) عنهم فقدوه.
فلَيتَ شعري بأيّ قدم تتعرض للرجال، وبأيّ حسب تبارز عند النضال، أبنفسك فأنت الوغد الزنيم (2)، أم بمن تنتمي إليه، فأهل السفه والطيش، والدناءة في قريش، لا بشرف في الجاهلية شهروا، ولا بقديم في الإسلام ذكروا! جعلت تتكلم بغير لسانك، وتنطق بالزور في غير أقرانك، والله لكان أبين للفضل، وأبعد للعدوان، أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق، فإنه طالما سَلِس (3) داؤك، وطمح بك رجاؤك، إلى الغاية القصوى التي لم يخضرّ فيها رعيك، ولم يورق بها غُصنُك.
فقال عبد الله بن جعفر: أقسمت عليك لَمَّا أمسكت، فإنك عني ناضلت، ولي فاوضت.
فقال عبد الله بن عباس: دعني والعبد فإنه قد يهدر خاليا، إذ لا يجد ملاحياً، وقد أُتيح له ضيغم (4) شرس، وللأقران مفترس، وللأرواح مختلس.
__________
(1) الظاعن: المرتحل.
(2) الوغد: الأحمق الدنيء الرذل. وخادم القوم بطعام بطنه. والزنيم: الملحق بقوم ليس منهم ولا يحتاجون إليه، فكأنه فيهم زنمة. والزنمة: ما يقطع من أذن الجمل أو الشاة ويترك مُعلقا.
(3) السلس: السهولة والانقياد.
(4) الضغيم: الأسد الواسع الشدق، والجمع: ضياغم، وضياغمة.
فقال ابن العاص: دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه، فوالله ما ترك شيئا.
قال ابن عباس: دعه فلا يبقى المبقي إلا على نفسه، فوالله إن قلبي لشديد، وإن جوابي لعتيد، وبالله الثقة، فإني كما قال نابغة بني ذبيان:
وقَبْلَكَ ما قُذعتُ وقاذعوني ... فما نزُرَ الكلامُ ولا شجاني
يصُدُ الشاعرُ العرَّاف عني ... صُدودَ البكرِ عن قرمٍ هِجَان(1)
عجوز هاشمية تفضح معاوية وعمرا
قال: وبلغ عاثمة بنت عاثم ثلب معاوية، وعمرو بن العاص، لبني هاشم.
فقالت لأهل مكة: أيها الناس، إن بني هاشم سادت فجادت ومَلَكت ومُلِّكت، وفَضلت وفُضِّلت، واصطفت واصطُفيت، ليس فيها كدر عيب، ولا إفك ريب، ولا خسروا طاغين، ولا خازين ولا نادمين، ولا هم من المغضوب عليهم، ولا الضالين.
إن بني هاشم أطول الناس باعاً، وأمجد الناس أصلاً، وأعظم الناس حلماً، وأكثر الناس علماً وعطاء. منَّا عبد مناف المؤثر، وفيه يقول الشاعر:
كانت قُريشٌ بَيضةٌ فتَفَلقت ... فالمحُّ خالصها لعبد مناف
وولده هاشم الذي هشم الثريد لقومه. وفيه يقول الشاعر:
__________
(1) المحاسن والأضداد للجاحظ /188 - 189.
عمرو العُلا هشم الثريد لقومه ... ورجالُ مكة مُسنِتون عجاف
ومنَّا عبد المطلب الذي سُقينا به الغيث. وفيه يقول أبو طالب:
ونحن سُنيُّ المحل قام شفيعنا ... بمكة يدعو والمياه تغور
وابنه أبو طالب عظيم قريش. وفيه يقول الشاعر:
آتيته ملِكاً فقام بحاجتي ... وترى العُليّجَ خائبا مذموما
ومنَّا العباس بن عبد المطلب. أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه ماله، وفيه يقول الشاعر:
رديفُ رسول الله لم نر مثلهُ ... ولا مِثله حتى القيامة يُولدُ
ومنَّا حمزة سيد الشهداء. وفيه يقول الشاعر:
أبا يعلى بك الأركانُ هدَّت ... وأنت الماجدُ البرُّ الوصُولُ
ومنَّا جعفر ذو الجناحين. أحسن الناس حالاً، وأكملهم كمالاً. ليس بغدَّار، ولا جبان. أبدله الله بكلتا يديه جناحين يطير بهما في الجنة. وفيه يقول الشاعر:
هاتوا كجعفرِنا ومثل عليِّنا ... كانا أعزَّ الناس عند الخالق
ومنَّا أبو الحسن علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - أفرس بني هاشم، وأكرم من احتبى وأنعل. وفيه يقول الشاعر:
عليٌّ ألَّفَ الفرقان صُحفا ... ووالَى المصطفى طِفلا صبيا
ومنَّا الحسن بن علي - عليه السلام - سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيد شباب أهل الجنة. وفيه يقول الشاعر:
يا أجَلَّ الأنام يا ابنَ الوصي ... أنتَ سبطُ النبي وابن علي
ومنَّا الحسين بن علي. حمله جبريل - عليه السلام - على عاتقه، وكفاه بذلك فخراً.
وفيه يقول الشاعر:
حُبُّ الحسينِ ذخيرةٌ لمُحبه ... يا رَبِّ فاحشُرني غدا في حزبه
يا معشر قريش، والله، ما معاوية كأمير المؤمنين علي، ولا هو كما يزعم، هو والله، شانئ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني آتية معاوية، وقائلة له ما يعرق منه جبينه، ويكثر منه عويله وأنينه. فكتب عامل معاوية إليه بذلك. فلما بلغه أنها قربت منه. أمر بدار ضيافة فنظِّفت، وأُلقي فيها فرش. فلما قربت من المدينة استقبلها يزيد في حشمه ومماليكه. فلما دخلت المدينة، أتت دار أخيها عمرو بن عاثم، فقال لها يزيد: إن أبا عبد الرحمن يأمرك أن تنتقلي إلى دار ضيافته، وكانت لا تعرفه، فقالت: من أنت كلأك الله. قال: أنا يزيد بن معاوية. قالت: فلا رعاك الله يا ناقص، لست بزائد. فتغيَّر لون يزيد، وأتى أباه فأخبره. فقال: هي أسنُّ قريش، وأعظمهم حلماً. قال يزيد: كم تعد لها؟
قال: كانت تُعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة عام، وهي من بقية الكرام.
فلما كان من الغد، أتاها معاوية فسلّم عليها، فقالت: على المؤمنين السلام، وعلى الكافرين الهوان والملام. ثم قالت: أفيكم عمرو بن العاص؟
قال عمرو: ها أناذا.
قالت: أنت تسب قريشا وبني هاشم! وأنت أهل السب، وفيك السب، وإليك يعود السب، يا عمرو إني والله عارفة بك وبعيوبك، وعيوب أمك، وإني أذكر ذلك. ولدت من أمةٍ سوداء مجنونة حمقاء، تبول من قيامها، وتعلوها اللئام، وإذا لامسها الفحل، فكان نطفتها أنفذ من نطفته. ركبها في يوم واحد أربعون رجلا. وأما أنت فقد رأيتك غاوياً غير مرشد، ومفسداً غير مصلح. والله لقد رأيتَ فحل زوجتك على فراشك، فما غرت ولا أنكرت. وأما أنت يا معاوية، فما كنت في خير، ولا رُبِّيت في نعمة. فما لك ولبني هاشم! أنساؤك كنسائهم، أم أعطي أمية في الجاهلية والإسلام ما أعطي هاشم؟ وكفى فخراً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال معاوية: أيتها الكبيرة، أنا كافٍّ عن بني هاشم. قالت: فإني أكتب عليك كتاباً. فقد كان رسول صلى الله عليه وسلم دعا ربَّه أن يستجيب لي خمس دعوات. فأجعل تلك الدعوات كلها فيك. فخاف معاوية. فحلف أن لا يسب بني هاشم أبداً. فهذا ما كان بين معاوية وبين بني هاشم من المفاخرة (1).
مراسلات بين ابن عباس وعمرو إبان معركة صفين
قال حدثني من سمع عمرو بن العاص قبل الوقعة العظمى بصفين، وهو يحرِّض أصحابه بصفين، فقام محنيًّا على قوس فقال:
الحمد لله العظيم في شأنه، القوي في سلطانه، العلي في مكانه، الواضح في برهانه. أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وفي
__________
(1) المحاسن والأضداد للجاحظ / 189 - 192.
كل لَزْبةٍ من بلاء، أو شدة أو رخاء. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. ثم إنا نحتسب عند الله رب العالمين ما أصبح في أمة محمد صلى الله عليه من اشتعال نيرانها، وظلام جنباتها، واضطراب حبلها، ووقوع بأسها بينها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين.
أولا تعلمون أن صلاتنا وصلاتهم، وصيامنا وصيامهم، وحجنا وحجهم، وقبلتنا وقبلتهم، وديننا ودينهم واحدٌ، ولكن الأهواء متشتتة. اللهم أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها، واحفظ فيها نبيها. مع أن القوم قد وطِئوا بلادكم، وبغوا عليكم فجدُّوا في قتال عدوكم، واستعينوا بالله ربكم، وحافظوا على حُرماتكم، ثم إنه جلس.
ثم قام عبد الله بن العباس خطيبا فقال: الحمد لله رب العالمين، الذي دحا تحتنا سبعا، وسمك فوقنا سبعا، ثم خلق فيما بينهن خلقا، وأنزل لنا منهن رزقا، ثم جعل كل شيء يبلى ويفنى، غير وجهه الحي القيوم الذي يحيا ويبقى.
ثم إن الله بعث أنبياء ورسلا، فجعلهم حُججا على عباده، عُذرا أو نذرا. لا يطاع إلا بعلمه وإذنه، يمن بالطاعة على من يشاء من عباده ثم يثيب عليها، ويُعصى بعلم منه فيعفو ويغفر بحلمه، لا يقدر قدره، ولا يبلغ شيءٌ مكانه، أحصى كل شيء عددا، وأحاط بكل شيء علما.
ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، إمام الهدى، والنبي المصطفى.
وقد ساقنا قدر الله إلى ما قد ترون، حتى كان فيما اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من أمرها، أن ابنَ آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله وصهره، وأول ذَكَرٍ صلى معه، بدريٍّ قد شهد مع رسول الله صلى الله عليه كل مشاهده التي فيها الفضل، ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام. واعلموا والله الذي ملك الملك وحده، فبان به وكان أهله، لقد قاتل عليٌّ بن أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه، وعليٌ يقول: صدق الله ورسوله، ومعاوية وأبو سفيان يقولان: كذب الله ورسوله. فما معاوية في هذه بأبرَّ ولا أتقى، ولا أرشد ولا أصوب منه في قتالكم.
فعليكم بتقوى الله والجد والحزم والصبر وإنكم لعلى الحق وإن القوم لعلى الباطل. فلا يكونُنَّ أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم. أما والله إنا لنعلم أن الله سيعذبهم بأيديكم أو بأيدي غيركم. اللهم ربنا أعنا ولا تخذلنا، وانصرنا على عدونا، ولا تخلَّ عنا، وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم (1).
قال نصر بن مزاحم: وإن معاوية لما يئس من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص: إن رأس الناس بعد عليٍّ هو عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه (2) كتابا لعلك ترقِّقه به، فإنه إن قال شيئا لم يخرج
__________
(1) وقعة صفين /317 - 319.
(2) في وقعة صفين: إليك. وما أثبت اجتهاد.
عليٌ منه، وقد أكلتنا الحرب، ولا أُرانا نصل إلى العراق إلا بهلاك أهل الشام.
قال له عمرو: إن ابن عباس لا يُخدع، ولو طمِعت فيه لطمِعت في عليّ.
فقال معاوية: عليَّ ذلك، فاكتب إليه.
فكتب إليه عمرو: أما بعد فإن الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقته العافية، وأنت رأس هذا الجمع بعد علي، فانظر فيما بقي ودع ما مضى، فوالله ما أبقت هذه الحربُ لنا ولكم حياةً ولا صبراً. واعلموا أن الشام لا تُملك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا تُملك إلا بهلاك الشام، وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم، وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منا. ولسنا نقول: ليت الحرب غارت، ولكنا نقول: ليتها لم تكن، وإن فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه، وإنما هو أمير مُطاع، أو مأمور مطيع، أو مؤتَمن مُشاوَر، وهو أنت. وأما الأشتر الغليظ الطبع، القاسي القلب، فليس بأهل أن يدعى في الشورى، ولا في خواص أهل النجوى.
وكتب في أسفل الكتاب:
طال البلاءُ وما يُرجى له آسِ ... بعد الإله سِوى رفق ابن عباس
قُولا له قول من يرضى بحُظوته ... لا تنس حظَّك إن الخاسر الناسي
يا ابن الذي زمزمٌ سقيا الحجيج له ... أَعظِم بذلك من فخر على الناس
كلٌّ لصاحبه قرنٌ يُساوِرهُ ... أُسدُ العرين أُسودٌ بين أخياسِ
لو قيس بينهم في العُرب لاعتدلوا ... العجزُ بالعجز ثم الراسُ بالراسِ
انظر فدًى لك نفسي قبل قاصمة ... للظهر ليس لها راقٍ ولا آسي
إن العراق وأهل الشام لن يجدوا ... طعمَ الحياة مع المستغلِق القاسي
بُسرٌ وأصحابُ بُسرٍ والذين هُم ... داءُ العراق رجالٌ أهلُ وَسواس
قومٌ عُراةٌ من الخيرات كلُّهُمُ ... فما يُساوَى به أصحابُه كاسي
إني أُرى الخيرَ في سَلمِ الشآم لكم ... والله يعلمُ ما بالسِّلم من بأس
فيها التُّقى وأمورٌ ليس يجهلها ... إلا الجهولُ وما النَّوْكَى كأكياس
قال: فلما فرغ من شعره عرضه على معاوية فقال معاوية: لا أرى كتابك على رقة شعرك. فلما قرأ ابنُ عباس الكتاب أَتى به عليا فأقرأه شعره فضحك، وقال: قاتل الله ابن العاص، ما أغراه بك يا ابن العباس، أجبه وليردَّ عليه شعره الفضلُ بن العباس، فإنه شاعر.
فكتب ابن عباس إلى عمرو:
أما بعد، فإني لا أعلم رجلاً من العرب أقلَّ حياءً منك، إنه مال بك معاوية إلى الهوى، وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعاً في الملك، فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب، وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع، فإن كنت تُرضي الله بذلك فدع مِصرَ وارجع إلى بيتك. وهذه الحربُ ليس فيها معاوية كعليّ، ابتدأها عليٌ بالحق وانتهى فيها إلى العُذر، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السَّرَف، وليس أهلُ العراق فيها كأهل الشام، بايع أهلُ العراق عليًّا وهو خير منهم، وبايع معاوية أهل الشام وهم خيرٌ منه. ولستُ أنا وأنت فيها بسواء، أردتُ الله وأردت أنت مصر. وقد عرفتُ الشيء الذي باعدك مني، ولا أرى
الشيء الذي قرَّبك من معاوية. فإن ترد شراً لا نسبقك به، وإن ترد خيراً لا تسبقنا إليه. والسلام.
ثم دعا أخاه الفضل بن العباس فقال له: يا ابن أُمّ، أَجب عمراً، فقال الفضل:
ياعمرو حسبُك من خدع ووسواس ... فاذهب فليس لداء الجهل من آسي
إلا تواتُرَ طعنٍ في نُحوركمُ ... يُشجي النُّفوس ويشفي نخوةَ الراس
هذا الدواءُ الذي يشفي جماعتكم ... حتى تطيعوا عليًّا وابن عباس
أما عليٌّ فإن الله فضَّلهُ ... بفضلِ ذي شرفٍ عالٍ على الناس
إن تَعقِلوا الحرب نعقلْها مَخيَّسةً ... أو تبعثوها فإنَّا غير أنكاس
قد كان منَّا ومنكم في عجاجتها ... ما لا يُردُّ وكلٌّ عُرضةُ الباس
قَتلى العراق بقتلى الشام ذاهبةٌ ... هذا بهذا وما بالحقِّ من باس
لا باركَ اللهُ في مصرٍ لقد جلَبَت ... شرًّا وحظُّك منها حُسوَةُ الكاس
يا عمرو إنك عارٍ من مغارمها ... والرَّاقصات ومن يوم الجزا كاسي
ثم عرض الشِّعرَ والكتابَ على عليٍّ فقال: لا أراه يُجيبُك بشيء بعدها إن كان يعقل، ولعله يعود فتعود عليه.
فلما انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية فقال: أنت دعوتني إلى هذا، ما كان أَغناني وإياك عن بني عبد المطلب.
فقال: إن قلب ابن عباس، وقلب عليّ قلب واحد، كلاهما ولد عبد المطلب، وإن كان قد خشُن فلقد لانَ، وإن كان قد تعظم أو عظم صاحبه فلقد قارب وجَنَح إلى السلم.
وإن معاوية كان يكاتب ابن عباس وكان يجيبه بقول لين، وذلك قبل أن يُعظم الحرب، فلما قُتل أهل الشام قال معاوية: إن ابن عباس رجلٌ من قريش، وأنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا، وأخوِّفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا.
فكتب إليه: أما بعد، فإنكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان، حتى إنكم قتلتم طلحة والزيبر لطلبهما دمه، واستعظامهما ما نيل منه، فإن يكن ذلك لسطان بني أمية فقد وَليها عديٌّ وتيم، فلم تنافسوهم وأظهرتم لهم الطاعة.
وقد وقع من الأمر ما قد ترى، وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض، حتى استوينا فيها، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم، وما آيسكم منا آيسنا منكم. وقد رجونا غير الذي كان، وخشينا دون ما وقع، ولستُم بملاقينا باليوم بأحدَّ من حدِّ أمس، ولا غدا بأحد من حد اليوم، وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق، وأبقوا على قريش، فإنما بقي من رجالها ستة: رجلان بالشام، ورجلان بالعراق، ورجلان بالحجاز. فأما اللذان بالشام فأنا وعمرو، وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي، وأما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر، واثنان من الستة ناصبان لك، واثنان واقفان فيك، وأنت رأس هذا الجمع اليوم. ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى عليّ. في كلام كثير كتب إليه.
فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس أسخطه، ثم قال: حتى متى يخطب ابن هند إليَّ عقلي، وحتى متى أجمجم على ما في نفسي؟!
فكتب إليه: أما بعد، فقد أتاني كتابك وقرأته، فأما ما ذكرت من سُرعتنا إليك بالمساءة في أنصار ابن عفان، وكراهيتنا لسلطان بني أمية، فلعمري لقدأدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره، حتى صرت إلى ما صرت إليه، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عُقبة.
وأما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه، وضيّقا خناقه، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك، فقاتلناهما على النَّكث، وقاتلناك على البغي.
وأما قولك: إنه لم يبق من قريش غير ستة، فما أكثر رجالها وأحسن بقيَّتها!! وقد قاتلك من خيارها من قاتلك، لم يخذلنا إلا من خذلك.
وأما إغراؤك إيانا بعديٍّ وتيم، فأبو بكر وعمر خيرٌ من عثمان، كما أن عثمان خير منك. وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله، ويُخاف ما بعده.
وأما قولك: إنه لو بايع الناس لي لاستقامت لي، فقد بايع الناس علياً وهو خيرٌ مني فلم يستقيموا له. وإنما الخلافة لمن كانت له في المشورة. وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق، والخلافة للمهاجرين الأولين، وليس الطُّلقاءُ منها في شيء. والسلام.
فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال: هذا عملي بنفسي. لا والله لا أكتب إليه كتابا سنةً كاملة. وقال معاوية في ذلك:
دعوتُ ابن عباس إلى حدِّ خُطة ... وكان امرأً أُهدِي إليه رسائلي
فأخلفَ ظني والحوادثُ جَمةٌ ... ولم يك فيما قال مني بواصل
وما كان فيما جاءَ ما يستحقه ... وما زاد أن أغلى عليه مَراجلي
فقل لابن عباس تُراك مفرِّقا ... بقولك من حولي وأنك آكلي
وقل لابن عباس تُراك مخوِّفا ... بجهلك حلمي إنني غير غافل
فأبرق وأرعِد ما استطعتَ فإنني ... إليك بما يشجيك سَبطُ الأنامل
فلما قرأ ابن عباس الشعر، قال: لن أشتمك بعدها.
وقال الفضل بن عباس:
ألا يا ابن هند إنني غير غافل ... وإنك ما تسعى له غيرُ نائل
لأنَّ الذي اجتبَّت إلى الحرب نابها ... عليك وألقى بركها بالكلاكل
فأصبحَ أهلُ الشام ضربين خيرةٌ ... وفقعةُ قاعٍ أو شُحيمة آكل
وأيقنتَ أنا أهلٌ حقٍّ وإنما ... دعوتَ لأمرٍ كان أبطل باطل
دعوتَ ابن عباس إلى السلم خُدعة ... وليس لها حتى ندين بقابل
فلا سَلمَ حتى تُشجرَ الخيل بالقنا ... وتُضربَ هاماتُ الرجال الأماثل
وآليت لا أُهدي إليه رسالةً ... إلى أن يحول الحولُ من رأس قابل
أردت به قطع الجواب وإنما ... رَماك فلم يُخطئ بناتِ المقاتل
وقلت له لو بايعوك تبعتهم ... فهذا عليٌّ خيرُ حافٍ وناعلِ
وصيُّ رسول الله من دون أهله ... وفارسُه إن قيل هل من مُنازل
فدونكَهُ إن كنتَ تبغي مهاجراً ... أشمَّ كَنصلِ السيف عير حَلاحل
فعرض شعره على عليٍّ، فقال: أنت أشعرُ قريش. فضرب بها الناس إلى معاوية (1).
[ابن عباس مع عبد الله بن الزبير]
قال أمير المؤنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (( ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله )) (2).
تزوج عبد الله بن الزبير أم عمرو ابنة منظور بن زَبَان الفزارية، فلما دخل بها قال لها تلك الليلة: أتدرين من معك في حَجَلتك؟
فقالت: نعم! عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى.
فقال: ليس غير هذا؟!
فقالت: فما الذي تريد؟!
فقال: معكِ مَن أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد، لا بل بمنزلة العينين من الرأس.
فقالت: أما والله لو أن بعض بني عبد مناف حَضَرَك لقال لك خلاف قولك.
فغضب عبد الله وقال: الطعامُ والشرابُ عليّ حرام حتى أحضرَكِ الهاشميين وغيرهم من بني عبد مناف فلا يستطيعون لذلك إنكاراً.
فقالت: إن أطعتني لم تفعل، وأنت أعلم وشأنك.
__________
(1) موقعة صفين /410 - 417.
(2) نهج البلاغة قصار الحكم رقم ( 453)
فخرج عبد الله بن الزبير إلى المسجد، فرأى حَلَقَة فيها قومٌ من قريش، منهم عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن الحصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف، فقال لهم ابن الزبير:
أُحِبُّ أن تنطلقوا معي إلى منزلي.
فقام القومُ جميعا، حتى وقفوا على باب بيته، فقال ابن الزبير:
يا هذه، اطرحي عليك سِترَك.
فلما أخذوا مجالسهم دعا بالمائدة فتغذّى القوم، فلما فرغوا قال لهم: إنما جمعتكم لحديث رَدَّته عليَّ صاحبة الستر، وزعمت أنه لو كان بعضُ بني عبد مناف حضرني لما أقرّ لي بما قلت، وقد حضرتم جميعا. وأنت يابن عباس، ما تقول؟ إني أخبرتها أن معها في خدرها مَن أصبح في قريش بمنزلة الرأس من الجسد، لا بل بمنزلة العينين من الرأس، فردّت عليَّ مقالتي.
فقال عبد الله بن عباس: أراك قصدتَ قصدي، فإن شئت أن أقول قلت، وإن شئت أن أكف كففت.
فقال: بل قل، وما عسى ما تقول؟ ألست تعلم، أن أبي الزبير حواريُّ رسول الله، وأن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين، وأن عمتي خديجة سيدة نساء العالمين، وأن صفية عمةرسول الله جدتي، وأن عائشة أم المؤمنين خالتي، فهل تستيطع لهذا إنكاراً.
فقال عبد الله بن عباس: لا، لقد ذكرت شرفاً، وفخراً فاخراً، غير أنك تفاخر مَن بفخره فخرتُ، وبفضله سَموت.
فقال ابن الزبير: وكيف ذلك؟!
فقال عبد الله بن عباس: لأنك لم تذكر فخراً إلا رسول الله وآله، وأنا أولى بالفخر به منك.
فقال ابن الزبير: لو شئت لفخرت عليك بما كان قبل النبوة.
فقال عبد الله بن عباس: قد أنصف القارة من راماها (1)، نشدتكم الله أيها الحاضرون، أعبد المطلب أشرف أم خويلد في قريش.
قالوا: عبد المطلب.
فقال عبد الله بن عباس: أفهاشم كان أشرف فيهم أم أسد؟
فأجابوا: بل هاشم.
فقال عبد الله بن عباس: أفعبد مناف كان أشرف أم عبد العُزّى؟
فأجابوا: عبد مناف.
فقال ابن عباس:
تُنافرني يابنَ الزبير وقد قضى ... عليك رسول الله لا قولَ هازل
ولو غيرنا يابن الزبير فخرته ... ولكنما ساميت شمس الأصائل
قضى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفضل في قوله: (( ما افترقت فرقتان إلا وكنت في خيرهما )). فقد فارقناك من بعد قُصي
__________
(1) القارة: قبيلة. وفي لسان العرب: زعموا أن رجلين التقيا، أحدهما قاري والآخر أسدي، فقال القاري: إن شئت صارعتك، وإن شئت سابقتك، وإن شئت راميتك. فقال الأسدي: قد اخترت المراماة. فقال القاري: قد أنصفتني، وأنشد:
قد أنصف القارة من راماها ... إنا إذا ما فئة تلقاها
ترد أولاها على أخراها
بن كلاب، أفنحن في فرقة الخير أم لا؟ إن قلت: نعم، خُصِمت، وإن قلت: لا، كفرت.
فضحك القوم، فقال ابن الزبير: أما والله لولا تحرُّمك بطعامنا يابن عباس لأعرقتُ جبينك قبل أن تقوم من مجلسك.
فقال عبد الله بن عباس: ولِمَ؟ أبباطل! فالباطل لا يَغلبُ الحق، أم بحق؟! فالحق لا يخشى من الباطل.
فقالت المرأة من وراء الستر: إني والله قد نهيتُه عن هذا المجلس فأبى إلا ما ترون.
فقال عبد الله بن عباس: مه أيتها المرأة، اقنعي ببعلك، فما أعظم الخطر، وما أكرم الخبر.
فأخذ القوم بيد ابن عباس فقالوا: انهض أيها الرجل قد أفحمته غير مرة.
فنهض وقال:
ألا يا قومَنَا ارتَحِلوا وسيروا ... فلو تُرِكَ القطا لغفا وناما
فقال ابن الزيبر: يا صاحب القطا، أقبل عليّ، فما كنت لتدعني حتى أقول، وأيم الله لقد عرف الأقوام أني سابق غير مسبوق، وابن حَواري وصديق، متبجح في الشرف الأنيق، خير من طليق وابن طليق.
فقال عبد الله بن عباس: دسَعْتَ بجرّتك فلم تبق شيئا (1)، هذا الكلام مردود من امرئ حَسود، فإن كنت سابقا فإلى من سبقت؟ وإن كنت فاخرا فبمن فخرت؟ فإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا فالفخر لك علينا، وإن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك، والكَثْكَث (2) في فمك ويديك.
وأما ما ذكرت من الطليق، فوالله لقد ابتُلي فصبر، وأُنعم عليه فشكر، وإن كان والله وفياً كريماً غير ناقض بيعة بعد توكيدها، ولا مُسلِم كتيبة بعد التأمر عليها.
فقال ابن الزبير: أتعيِّر الزبير بالجبن! والله إنك لتعلمُ منه خلاف ذلك.
فقال عبد الله بن عباس: والله إني لا أعلم إلا أنه فرَّ وما كرَّ، وحارب فما صبر، وبايع فما تمم، وقطع الرَّحم، وأنكر الفضل، ورام ما ليس له بأهل.
وأدرك منها بعض ما كان يرتجى ... وقصَّر عن جَري الكرام وبلَّدا
وما كان إلا كالهَجِين أمامه ... عِتَاق فجاراه العتاق فأجهدا
فقال ابن الزبير: لم يَبقَ يا بني هاشم غير المشاتمة والمُضاربة.
فقال عبد الله بن الحصين بن الحارث: أقمناه عنك يابن الزبير، وتأبى إلا منازَعته! والله لو نازَعتهُ من ساعتك إلى انقضاء عمرك ما كنت
__________
(1) يقال: دسع البعير بجرته، أي: دفعها حتى أخرجها. والكلام على التمثيل.
(2) الكثكث: التراب والحجارة.
إلا كالسَّغِب (1) الظمآن، يفتح فاه يستزيد من الريح، فلا يشبع من سَغَب، ولا يَروَى من عطش، فقل: إن شئت أو فَدَعْ. وانصرف القوم (2).
بغض ابن الزبير لأهل البيت
قطع عبد الله بن الزبير في الخطبة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله جُمعا كثيرا، فاستعظم الناس ذلك، فقال: إني لا أرغب عن ذكره، ولكن له أُهيل سوء إذا ذكرته أتلَعُوا أعناقهم، فأنا أحب أن أكبِتهم.
لما كاشف عبد الله بن الزبير بني هاشم وأظهر بغضهم وعابهم، وهمّ بما همّ به في أمرهم، ولم يذكر رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة، لا يوم الجمعة ولا غيرها، عاتبه على ذلك قومٌ من خاصته، وتشاءموا بذلك منه، وخافوا عاقبته، فقال: والله ما تركت ذلك علانية إلا وأنا أقوله سراً وأكثر منه، لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرَأَبّوا واحمرت ألوانهم، وطالت رقابهم، والله ما كنتُ لآتي لهم سرورا وأنا أقدر عليه، والله لقد هممتُ أن أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا، فإني لا أقتلُ منهم إلا آثما كفارا سحارا، لا أنماهم الله ولا بارك عليهم، بيت سوء لا أول لهم ولا آخر، والله ما ترك نبي الله فيهم خيرا، استفرع نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس.
فقام إليه محمد بن سعد بن أبي وقاص فقال: وفقك الله يا أمير المؤمنين! أنا أول من أعانك في أمرهم، فقام عبد الله بن صفوان بن
__________
(1) السغب: الجوع، أو الجوع مع التعب.
(2) شرح نهج البلاغة 9/324-327.
أمية الجمحي فقال: والله ما قلت صوابا، ولا هممت برشد، أرهط رسول الله صلى الله عليه وآله تعيب؟! وإياهم تقتل، والعرب حولك! والله لو قتلت عدتهم أهل بيت من الترك مُسلمين ما سوّغه الله لك، والله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره. فقال: اجلس أبا صفوان فلست بناموس (1).
فبلغ الخبرُ عبد الله بن عباس، فخرج مغضبا ومعه ابنه حتى أتى المسجد، فقصد قصد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: أيها الناس، إن ابن الزبير يزعمُ أن لا أول لرسول الله صلى الله عليه وآله ولا آخر، فيا عَجَبا كلَّ العجب لافترائه ولكذبه! والله إن أول من أخذَ الإيلافَ وحمى عيرات قريش لهاشم، وإن أول أول من سقى بمكة عذبا، وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب، والله لقد نشأت ناشئتُنا مع ناشئة قريش، وإن كنا لَقَالَتَهم إذا قالوا، وخُطباءهم إذا خطبوا، وما عُد مجد كمجد أولنا، ولا كان في قريش مجدٌ لغيرنا، لأنها في كفر ماحق، ودين فاسق، وضلة وضلالة، في عشواء عمياء، حتى اختار الله تعالى لها نورا، وبعث لها سراجا، فانتجبه طيبا من طيبين، لا يَسُبّه بمسبة، ولا يبغي عليه غائلة، فكان أحدنا وولدنا، وعمنا وابن عمنا. ثم إن أسبق السابقين إليه منا وابن عمنا، ثم تلاه في السبق، أهلنا ولحمتنا واحدا بعد واحد.
__________
(1) الناموس: الحاذق.
ثم إنا لخير الناس بعده، وأكرمهم أبدا، وأشرفهم حسبا، وأقربهم منه رحما.
واعَجَبا كل العجب لابن الزبير! يعيبُ بني هاشم، وإنما شَرُف هو وأبوه وجده بمصاهرتهم، أما والله إنه لمسلوب قريش، ومتى كان العوام بن خويلد يطمع في صفية بنت عبد المطلب! قيل للبغل: من أبوك يا بغل؟ فقال: خالي الفرس. ثم نزل (1).
خطب ابن الزبير بمكة على المنبر، وابن عباس جالسٌ مع الناس تحت المنبر، فقال: إن هاهنا رجلا قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره، يزعم أن مُتعة الناس حلال من الله ورسوله، ويُفتي في القملة والنملة، وقد احتمل بيت مال البصرة بالأمس، وترك المسلمين بها يرتضخون النوى، وكيف ألومُه في ذلك، وقد قاتل أم المؤمنين وحواريَّ رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن وقاه بيده!
فقال ابن عباس لقائده سعد (2) بن جُبير بن هشام مولى بني أسد بن خزيمة: استقبل بي وجه ابن الزيبر، وارفع من صدري، وكان ابن عباس قد كف بصره، فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير، وأقام قامته، فحسر عن ذراعيه. ثم قال يابن الزبير:
قد أنصف القارة من راماها ... إنا إذا ما فئةٌ نلقاها
نردّ أُولاها على أُخراها ... حتى تَصيرَ حَرَضا دعواها
__________
(1) شرح نهج البلاغة 20/127 - 129.
(2) لعله سعيد.
يابن الزبير، أما العمى فإن الله تعالى يقول: { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } (1).
وأما فُتياي في القملة والنملة، فإن فيها حُكمين لا تعلمها أنت ولا أصحابك.
وأما حَملي المال فإنه كان مالاً جبيناه فأعطينا كل ذي حق حقه، وبقيت بقيَّةٌ هي دون حقنا في كتاب الله فأخذناها بحقنا. وأما المتعة فسل أمك أسماء إذا نزلت عن بُردي عوسجة.
وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سُميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك، فانطلق أبوك وخالك إلى حجاب مده الله عليها، فهتكاه عنها، ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها، وصانا حلائلهما في بيوتهما، فما أنصفا الله ولا محمدا من أنفسِهما أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما.
وأما قتالنا إياكم فإنا لقينا زحفا، فإن كنا كُفارا فقد كفرتم بفراركم منا، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا، وأيمُ الله لو لا مكان صفية فيكم، ومكان خديجة فينا، لما تركت لبني أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته.
فلما عاد ابن الزبير إلى أمه سألها عن بُردي عوسجة، فقالت: ألم أنهك عن ابن عباس وعن بني هاشم! فإنهم كُعُمُ الجواب إذا بُدِهوا، فقال: بلى: وعصيتُك.
__________
(1) سورة الحج، الآية 46.
فقالت: يا بُني، احذر هذا الأعمى الذي ما أطاقته الإنس والجن، واعلم أن عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها، فإياك وإياه آخر الدهر.
فقال: أيمنُ بن خريم بن فاتك الأسدي:
يابن الزبير لقد لاقيت بائقة ... من البوائق فالطف لطف مُحتال
لاقيته هاشميا طاب مَنبتُه ... في مغرِسَيه كريم العم والخال
ما زال يقرع عنك العظم مقتدرا ... على الجواب بصوت مُسمع عال
حتى رأيتك مثل الكلب مُنجحرا ... خلفَ الغبيط وكنتَ الباذخ العالي
إن ابن عباس المعروف حكمته ... خيرُ الأنام له حالٌ من الحال
عيّرته المُتعةَ المتبوع سُنتها ... وبالقتال وقد عيّرت بالمال
لما رَمَاك على رسل بأسهمه ... جَرَت عليك بسيف الحال والبال
فاحتزّ مِقوَلك الأعلى بشفرته ... حزًّا وحيًّا بلا قيل ولا قال
واعلم بأنك إن عاودت غيبته ... عادت عليك مخازٍ ذات أذيال (1)
وروى عثمان بن طلحة العبدري، قال: شهدتُ من ابن عباس رحمه الله مشهدا ما سمعته من رجل من قريش، كان يُوضع إلى جانب سرير مروان بن الحكم - وهو يومئذ أمير المدينة - سريرٌ آخر أصغر من سريره، فيجلس عليه عبد الله بن عباس إذا دخل، وتُوضع الوسائد فيما سوى ذلك، فأذن مروان يوماً للناس، وإذا سريرٌ آخر قد أُحدث تجاه سرير مروان، فأقبل ابن عباس فجلس على سريره،
__________
(1) شرح نهج البلاغة 20/ 128 - 131.
وجاء عبد الله بن الزبير فجلس على السرير المُحدَث، وسكت مروان والقوم، فإذا يدُ ابن الزبير تتحرك فعلم أنه يريد أن ينطق.
ثم نطق فقال: إن ناسا يزعمون أن بيعة أبي بكر كانت غلطا وفلتة ومغالبة، ألا إن شأن أبي بكر أعظم من أن يقال فيه هذا، ويزعمون أنه لولا ما وقع لكان الأمر لهم وفيهم، والله ما كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أحدٌ أثبتَ إيمانا، ولا أعظم سابقة من أبي بكر، فمن قال غير ذلك فعليه لعنة الله! فأين هم حين عقد أبو بكر لعمر، فلم يكن إلا ما قال، ثم ألقى عمر حظَّهم في حُظوظ، وجدَّهم في جدود، فقسمت تلك الحظوظ، فأخر الله سهمهم، وأدحض جدهم، ووليَ الأمر عليهم من كان أحق به منهم، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا من القرية، فأصابوا منه غرَّة فقتلوه، ثم قتلهم الله به قِتلة، وصاروا مطرُودين تحت بطون الكواكب.
فقال ابن عباس: على رِسلك أيها القائل في أبي بكر وعمر والخلافة، أما والله ما نالا ولا نال أحدٌ منهما شيئا إلا وصاحبنا خيرٌ ممن نالا، وما أنكرنا تقدم من تقدم لعيب عِبناه عليه، ولو تقدم صاحبنا لكان أهلا وفوق الأهل، ولولا أنك إنما تذكُر حظ غيرك وشرف امرئ سواك لكلمتك، ولكن ما أنت وما لا حظ لك فيه! اقتصر على حظك، ودع تيماً لِتَيم، وعديا لعدي، وأمية لأمية، ولو كلمني تيميٌّ أو عدوي أو أموي لكلمته وأخبرته خبر حاضر عن حاضر، لا خبر غائب عن غائب ولكن ما أنت، وما ليس عليك! فإن يكن في أسد بن عبد العزى شيء فهو لك، أما والله لنحن أقرب بك عهدا،
وأبيض عندك يدا، وأوفر عندك نعمة، ممن أَمسيت تظن أنك تصول به علينا، وما أخلق ثوبُ صفية بعد! { والله المستعان على ما تصفون } (1).
[حصار ابن الزبير لأهل البيت]
جمع عبد الله بن الزبير محمد بن الحنفية، وعبد الله بن عباس، في سبعة عشر رجلا من بني هاشم، منهم: الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، وحصرهم في شِعب بمكة يُعرف بشعب عارِم، وقال: لا تمضي الجمعة حتى تُبايعوا لي (2) أو أضرب أعناقكم، أو أحرقكم بالنار، ثم نهض إليهم قبل الجمعة يريد إحراقهم بالنار، فالتزمه ابن مسور بن مخرمة الزهري، وناشده الله أن يؤخرهم إلى يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة دعا محمد بن الحنفية بغَسول وثياب بيض، فاغتسل وتلبس وتحنّط، لا يشك في القتل، وقد بعث المختار بن أبي عُبيد من الكوفة أبا عبد الله الجدلي في أربعة آلاف، فلما نزلوا ذات عرق، تعجّل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكة صبيحة الجمعة ينادون: يا محمد، يا محمد! وقد شَهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم، فاستخلصوا محمد بن الحنفية ومن كان معه، وبعث محمد بن الحنفية الحسن بن الحسن ينادي: من كان يرى أن الله عليه حقا فليشم سيفه، فلا حاجة لي بأمر الناس إن أُعطيتُها عفوا قَبلتُها، وإن كرهوا لم نبتزَّهم أمرهم.
__________
(1) سورة يوسف، الآية 18. شرح نهج البلاغة 20/131 - 132.
(2) في شرح النهج: إلي. وما اثبت أجتهاد.
وفي شعب عارم وحصار ابن الحنفية فيه، يقول كثيرُ بن عبد الرحمن:
ومن يَرَ هذا الشيخ بالخَيف من منىً ... منَ الناس يعلم أنه غيرُ ظالم
سَميّ النبيّ المصطفى وابن عمه ... وحمّالُ أثقالٍ وفكاك غارم
تخبِّر من لاقيتَ أنك عائذٌ ... بل العائذُ المحبوسُ في سجن عارم(1)
ابن الزبير يشرد ابن عباس إلى الطائف
روى المدائني، قال: لما أخرج ابن الزبير عبد الله بن عباس من مكة إلى الطائف مر بنعمان، فنزل فصلى ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن بلدٌ أحب إلي من أن أعبدك فيه من البلد الحرام، وأنني لا أحب أن تقبض روحي إلا فيه، وأن [ابن] الزبير أخرجني منه، ليكون الأقوى في سلطانه. اللهم فأوهن كيده، واجعل دائرة السوء عليه.
فلما دنا من الطائف تلقاه أهلها، فقالوا: مرحبا بابن عم رسول الله صلى الله عليه. أنت والله أحب إلينا وأكرم علينا ممن أخرجك، هذه منازلنا تخيّرها، فأنزل منها حيث أحببت، فنزل منزلا، فكان يجلس إليه أهل الطائف بعد الفجر وبعد العصر، فيتكلم بينهم.
كان يحمد الله ويذكر النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء بعده، ويقول: ذهبوا فلم يَدَعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من يُدانيهم، ولكن بقي أقوامٌ يطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود
__________
(1) شرح نهج البلاغة 20/ 123 - 124.
الضأن، تحتها قلوب الذئاب والنمور، ليظن الناس أنهم من الزاهدين في الدنيا، يُراءون الناس بأعمالهم، ويُسخطون الله بسرائرهم، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمة بالخير والإحسان، فيولي أمرها خيارها وأبرارها، ويهلك فجارها وأشرارها، ارفعوا أيديكم إلى ربكم وسلوه ذلك، فيفعلون.
فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إليه: أما بعد، فقد بلغني أنك تجلس بالطائف العصرين فتُفتيهم بالجهل، تعيب أهل العقل والعلم، وإن حلمي عليك، واستدامتي فيئك جرّءآك عليّ، فاكفف - لا أبا لغيرك - من غربك، واربع على ظلعك، واعقل إن كان لك معقول، وأكرم نفسك فإنك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هوانا، ألم تسمع قول الشاعر:
فنفسك أكرمها فإنك إن تَهُن ... عليك فلن تلقى لها الدهر مُكرما
وإني أقسم بالله لئن لم تنته عما بلغني عنك لتجدن جانبي خشنا، ولتجدنني إلى ما يردعك عني عجلا، فَرِ رأيك، فإن أشفى بك شقاؤك على الردى فلا تُلم إلا نفسك.
فكتب إليه ابن عباس:
أما بعد، فقد بلغني كتابك، قلت: إني أفتي الناس بالجهل، وإنما يُفتى بالجهل من لم يعرف من العلم شيئا، وقد آتاني الله من العلم ما لم يؤتك. وذكرت: أن حلمك عني، واستدامتك فييء جرّآني عليك، ثم قلت: اكفف من غربك، واربع على ظلعك، وضربت لي
الأمثال، أحاديث الضبع، متى رأيتني لعُرامك (1) هائبا، ومن حدّك ناكلا؟!
وقلت: لئن لم تكفف لتجدن جانبي خشنا، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت، ولا أرعى عليك إن أرعيت! فوالله أنتهي عن قول الحق، وصفة أهل العدل والفضل، وذمِّ الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا. والسلام (2).
لما خرج الحسين عليه السلام من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن عباس بيده على منكب ابن الزبير، وقال:
يالكِ من قُبَّرةٍ بمعَمرِ ... خلاَ لكِ الجوُّ فبيِضي واصفِري
ونَقِّري ما شِئتِ أن تُنَقِّري ... هذا الحسينُ سائرٌ فأبشرِي
خلا الجوُّ والله لك يابن الزيبر! وسار الحسين إلى العراق، فقال ابن الزبير: يابن عباس، والله ما تَرَون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس.
فقال ابن عباس: إنما يرى من كان في شك، ونحن في ذلك على يقين، ولكن أخبرني عن نفسك، بماذا تَرُم هذا الأمر؟
قال: بِشرَفي.
__________
(1) العرام: الشراسة والشدة.
(2) شرح نهج البلاغة 20/123 - 126.
قال: وبماذا شَرُفتَ؟ إن كان لك شرَف فإنما هو بنا، فنحن أشرف منك، لأن شرفك منا. وعلت أصواتُهما، فقال غلام من آل الزبير: دعنا منك يابن عباس، فوالله لا تُحبُّوننا يا بني هاشم ولا نُحِبُّكم أبدا، فلَطَمه عبد الله بن الزبير وقال: أتتكلم وأنا حاضر! فقال ابن عباس: لم ضربت الغلامَ، والله أحقُّ بالضرب منه مَن مَزَق ومَرَق، قال: ومن هو؟ قال: أنت.
قال: واعترض بينهما رجالٌ من قريش فأسكتوهما (1).
[مع الشعر والشعراء]
وذات يوما بينما ابن عباس جالس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد ما كُفَّ بصره، وحوله ناس من قريش، إذ أقبل أعرابي يخطرُ، وعليه مُطرفٌ وجُبَّة وعمامة خز، حتى سلم على القوم، فردوا عليه السلام، فقال: يابن عمَّ رسول الله أفتني؟
فقال عبد الله بن عباس: فيم؟
فقال الأعرابي: أتخاف عليّ جُناحا إن ظلمني رجل فظلمته، وشتمني فشتمته، وقصَّر بي فقصرتُ به؟
فقال عبد الله بن عباس: العفوُ خيرٌ، ومن انتصر فلا جُناح عليه.
فقال الأعرابي: يابن عم رسول الله، أرأيت أمرأً أتاني فوعدني وغرّني ومنّاني، ثم أخلفني واستخفَّ بحُرمتي، أيسعني أن أهجُوه؟
فقال عبد الله بن عباس: لا يصلح الهجاء، لأنه لا بدَّ لك من أن تهجو غيره من عشيرته، فتظلم من لم يظلمك، وتشتم من لم
__________
(1) شرح نهج البلاغة 20/134.
يشتمك، وتبغي على من لم يبغ عليك، والبغيُ مرتعه وخيم، وفي العفو ما قد علمتَ من الفضل.
فقال الأعرابي: صدَقتَ وبَرِرت.
فلم يَنشبْ أن أقبل عبد الرحمن بن سيحان، فلما رأى الأعرابي أجلّه وأعظمه وألطف في مسألته، وقال: قرَّب الله دارك يا أبا مُليكة.
فقال ابن عباس: أجَروَل؟!
فقال الأعرابي: نعم، جرول، فإذا هو الحطيئة.
فقال ابن عباس: لله أنت، أي مِردَى قِذاف (1)، وذائد عن عشيرة، ومُثن (2) بعارفة تُؤتاها أنت يا أبا مليكة! والله لو كنت عركتَ بجنبك بعض ما كرهت من أمر الزِّبرقان كان خيراً لك، ولقد ظلمتَ من قومه من لم يظلمك، وشتمت من لم يشتمك.
فقال الحطيئة: إني والله بهم يا أبا العباس لعالم.
فقال عبد الله بن عباس: ما أنت بأعلمَ بهم من غيرك.
فقال الحطيئة: بلى والله! يرحمك الله.
ثم أنشأ يقول:
أنا ابن بحدَتهم عِلما وتجربة ... فَسَل بعد تجدني أعلمَ الناس
سعدُ بن زيدٍ كثيرٌ إن عددتهمُ ... ورأس سعد بن زيد آلُ شمَّاس
والزبرقان ذُنَاباهم وشرَّهمُ ... ليس الذنابى أبا العباس كالرّاس
__________
(1) المردى: يطلق على الرجل الشجاع. فيقال: مردى حروب. والقذاف: البعيد.
(2) المثن: من الثناء.
فقال عبد الله بن عباس: أقسمت عليك ألا تقول إلا خيرا.
فقال الحطيئة: أفعل.
فقال عبد الله بن عباس: يا أبا مليكة، من أشعر الناس
فقال الحطيئة: أمن الماضين أم من الباقين؟!
فقال عبد الله بن عباس: من الماضين.
فقال الحطيئة: الذي يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يَفِرهُ ومن لا يتَّق الشتم يُشتم
وما بدونه الذي يقول:
ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّه ... على شَعَثٍ أيُّ الرجال المهذب
ولكن الضراعة أفسدته كما أفسدت جَرولاً، والله يابن عم رسول الله لولا الطمعُ والجشعُ لكنتُ أشعرَ الماضين، فأما الباقون فلا تشكَّ أني أشعرهم وأصردُهم سهماً إذا رمَيت (1).
وبينما عبد الله بن عباس في المسجد الحرام، وعنده نافع بن الأزرق وناس من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين مُوَرَّدين حتى دخل وجلس، فقال له ابن عباس: أنشِدنا يا ابن أبي ربيعة.
فقال عمر:
أَمِنْ آل نُعمٍ أنت غادٍ فمُبكرُ ... غداةَ غَدٍ أم رائح فمهجِّرُ
__________
(1) الأغاني 2/192.
حتى أتى على آخر القصيدة، فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنّا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلامٌ مُترفٌ من مُترفي قريش فينشدك:
رأيت رجلاً أمّا إذا الشمسُ عارضت ... فيخزَى وأَما بالعَشِيِّ فَيَخسرُ
فقال عبد الله بن عباس: ليس هكذا قال.
فقال نافع بن الأزرق: فكيف؟!
فقال عبد الله بن عباس:
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ... فَيَضحَى وأما بالعشِيِّ فيخصر
فقال نافع بن الأزرق: ما أراك إلا وقد حفظت البيت؟
فقال عبد الله بن عباس: أجل، وإن شئت أن أُنشِدكَ القصيدة أنشدتك إياها.
فقال نافع بن الأزرق: فإني أشاء.
فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً (1).
__________
(1) الأغاني 1/72. وصفحاً: مروراً.
الكتاب
هو مجموعة من الأسئلة التي طرحها نافع بن الأزرق الخارجي، على حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
يوجد منه نسخة خطية في برلين تحت رقم (683) بعنوان: كتاب غريب القرآن، وفي المكتبة الظاهرية بدمشق. وفي دار الكتب بالقاهرة تحت عنوان: غريب القرآن، تحت رقم (166). وفي المجمع العلمي العراقي تحت رقم (69).
ويوجد منه قطعة في الكامل للمبرد /566، وفي كتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري، وفي معجم الطبراني الكبير. وفي الإتقان للسيوطي 2/65 - 107، (190) سؤالا، حذف منها بضعة عشر سؤالا، قال: هذا آخر مسائل نافع بن الأزرق، وقد حذفتُ منها يسيراً نحو بضعة عشر سؤالاً، أسئلة مشهورة، وأخرج الأئمة أفراداً منها بأسانيد مختلفة إلى ابن عباس.
وأكملتها من المخطوط الموجود في المجمع العلمي العراقي، نقلا عن بحث قدَّمه الدكتور محمد علي آذرشب - باحث إيراني - لمجلة رسالة التقريب الصادرة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، العدد (25) الدورة السابعة رجب ـ رمضان 1420هـ / 2000م.
ولا شك أن هذا الكتاب يعد من أقدم ما كتب، ويعتبر من أهم مناهج التفسير للقرآن الكريم، ذلك لأن مؤلفه ترجمان القرآن أولا، ولأسلوبه الفريد في الإستدلال على معاني آيات القرآن الكريم ثانياً.
لذلك آثرت نشره، علَّه يؤدي دوره المأمول في شد الأمة إلى لغتها وكتاب ربها، والله أسأل أن يذخر لي ذلك عنده إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
عبد الكريم أحمد جدبان
اليمن ـ صعدة
جماد أول/ 1422هـ
الموافق 8/2001م
l
قال الزركشي: ( ومسائل نافع له عن مواضع من القرآن، واستشهاد ابن عباس في كل جواب ببيت ) (1).
وقال السيوطي: ( وأوعب ما رأيناه عنه مسائل نافع بن الأزرق (2)، وقد أخرج بعضها ابن الأنباري في كتاب (الوقف والإبتداء) والطبراني في (معجمه الكبير) (3) وقد رأيت أن أسوقها هنا بتمامها لتستفاد:
أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الصالحيّ، بقرآءتي عليه عن أبي إسحاق التنوخي، عن القاسم بن عساكر، أنبأنا أبو نصر محمد بن عبد الله الشيرازي، أنبأنا أبو المظفر محمد بن أسعد العراقي، أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب، أنبأنا أبو علي بن شاذان، حدثنا أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن محمد بن مكرم المعروف بابن الطستي، حدثنا أبو سهل السري بن سهل الجنديسابوري، حدثنا يحيى بن أبي عبيدة بحر بن فروخ المكي، أنبأنا سعد بن أبي
__________
(1) البرهان في علوم القرآن، 1/ 293، 294.
(2) نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي الحروري، رأس الأزارقة الخوارج وإليه نسبتهم. كان أمير قومه وفقيههم. توفي سنة 65 هجرية، ( وانظر لسان الميزان للذهبي، 6/ 144 ).
(3) انظر أيضاً: البرهان للزركشي 1/ 294.
سعيد، أنبأنا عيسى بن دأب، عن حميد الأعرج، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد، عن أبيه، قال: بينا عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن، فقال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر (1): قم بنا إلى هذا الذي يجترئُ على تفسير القرآن بما لا علم له به. فقاما إليه، فقالا: إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا، وتأتينا بمصادقه من كلام العرب؛ فإن الله تعالى إنما أنزل القرآن { بلسان عربي مبين } (2).
فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما!
1- فقال نافع: أخبرني عن قول الله تعالى: { عن اليمين وعن الشمال عزين } (3) ؟
قال: العزون: الحلق الرقاق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عبيد الله بن الأبرص وهو يقول:
فجاؤوا يهرعون إليه حتى
يَكونوا حول منبره عزين (4)ا
__________
(1) نجدة بن عامر الحروري الحنفي، رأس الفرقة النجدية من الخوارج، وكان من أصحاب الثورات في الإسلام، توفي سنة 69 هجرية.
(2) سورة الشعراء، الآية 195.
(3) سورة المعارج، الآية 37.
(4) لم أجده في ديوانه.
2- قال: أخبرني عن قوله: { وابتغوا إليه الوسيلة } (1).
قال: الوسيلة: الحاجة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوكِ تكحَّلي وتخضَّبي (2)
3- قال: أخبرني عن قوله: { شرعة ومنهاجاً } (3)؟
قال: الشرعة: الدين، والمنهاج: الطريق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
لقد نطق المأمون بالصدق والهدى
وبيّن للإسلام ديناً ومنهاجا (4)
4- قال: أخبرني عن قوله: { إذا أثمر وينعه } (5)؟
قال: نضجه وبلاغه.
__________
(1) سورة المائدة، الآية 35.
(2) ديوانه: قافية الباء، والقصيدة مكونة من سبعة أبيات.
(3) سورة المائدة، الآية 5.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الأنعام، الآية 99.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إذا ما مَشَتْ وسْطَ النِّساء تَأَوَّدَتْ
كما اهتزَّ غُصْنٌ نَاعِمُ النَّبْتِ يَانِعُ (1)
)
5- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وريشاً } (2)؟
قال: الريش: المال.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر يقول:
فرِشني بخير طالَمَا قد بريتني
وخَيْرُ الْمَوالي من يَرِيشُ ولَا يَبْرِي (3)
6- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَان في كَبَدٍ } (4)؟
قال: في اعتدالٍ واستقامة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة وهو يقول:
يا عَيْن هلا بكيتِ أرْبَد إذْ
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الأعراف، الآية 26.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البلد، الآية 4.
... قُمْنَا وقام الخصوم في كَبَدِ (1)
7- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَكَادُ سَنَا بَرْقه } (2) ؟
قال: السناء: الضوء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث يقول:
يَدْعُو إلى الحق لا يبغي به بدلا
يجلُو بضوء سَناهُ داجيَ الظّلم (3)
8- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وحفدةً } (4)؟
قال: ولد الولد، وهم الأعوان.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر يقول:
حفد الولائدِ حَوْلَهُنَّ وأَسْلَمَتْ
بأكفهن أَزِمَّةُ الأجمال (5)
9- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَحناناً مِنْ لَدُنَّا } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 160. والكبد القيام على الأمر الشديد.
(2) سورة النور، الآية 43.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة النحل، الآية 72.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة مريم، الآية 13.
قال: رحمة منْ عندنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت طَرَفة بن العبد يقول:
أَبَا منْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا
حَنَانَيْكَ بَعْضُ الشَّرِ أَهونُ مِنْ بَعْضِ (1)
10- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا } (2)؟
قال: أفلم يعلم، بلغة بني مالك.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت مالك بن عوف يقول:
لَقدْ يَئِسَ الأَقْوَامُ أَنِّي أَنا ابنُهُ
وإن كنتُ عن أرْض العَشِيرةِ نَائِيا (3)
11- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مَثْبوراً } (4)؟
قال: ملعوناً محبوساً من الخير.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عبد الله ابن الزبعري يقول:
__________
(1) ديوانه: 120.
(2) سورة الرعد، الآية 31.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الإِسراء، الآية 102.
إِذْ أَتَانِي الشَّيطَانُ في سِنَةِ النَّوْمِ
وَمَنْ مالَ مَيْلَه مَثْبُورَا (1)
12- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ } (2)؟
قال: أَلجأَها.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ حسَّان بن ثابت يقول:
إِذْ شَدَدْنَا شَدَّةً صَادِقةً
فَأَجَأْناكُم إلى سَفْحِ الجَبَلْ (3)
13- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { نَدِيَّاً } (4)؟
قال: النَّادي: المجلس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
يَوْمَانِ يوم مُقاماتٍ وَأَنْدِيَة
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة مريم، الآية 23.
(3) ديوانه: 302.
(4) سورة مريم، الآية 73.
... وَيَوْمُ سيرٍ إِلى الأَعداء تَأْوِيب (1)
14- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَثَاثاً وَرِئْياً } (2)؟
قال: الأَثاث: المتاع، والرِئْي من الشرابِ.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
كَأَنَّ على الحَمولِ غَداةَ وَلَّوْ
مِنْ الرئْيِ الكريمِ من الأَثَاثَ (3)
15- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَيَذَرهَا قاعاً صَفْصفاً } (4)؟
قال: القاع: الأَملس، والصفصف: المستوي.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
بمْلمومةٍ شَهْباء لو قَذَفوا بهَا
شَمَارِيخَ مِنْ رضوى إِذَنْ عادَ صَفْصَفا (5)
__________
(1) البيت من قصيدة طويلة للشاعر سلامة بن جندل بن عمرو التميمي من شعراء الجاهلية.
(2) سورة مريم، الآية 74.
(3) اللسان (( رأي ))، وأورد البيت بنسبته لمحمد نمير الثقفي بهذه الرواية:
أشاقَتكَ الظعائن يومَ بانوا ... ... بِذِي الرّئي الجميل من الأثاث
(4) سورة طه، الآية 106.
(5) لم أقف عليه.
16- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى } (1)؟
قال: لا تعْرقُ فيها من شدّة حرّ الشمس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
رأَتْ رجلاً أَمَّا إِذَا الشَّمْشُ عَارَضَت
فَيَضْحَى وَأَمَّا بَالعَشِيّ فيخصِرُ (2)
17- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { له خُوَارٌ } (3)؟
قال: له صِيَاح.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
كَأَنَّ بَنِي معاويةَ بن بكْر
إلى الإِسلام صائحةٌ تَخُور (4)
18- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } (5)؟
__________
(1) سورة طه، الآية 119.
(2) لعمر بن أبي ربيعة، ديوانه: 94.
(3) سورة الأعراف، الآية 148.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة طه، الآية 42.
قال: لا تضعفا عن أَمري.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إِنِّي وَجَدِّك مَا وَنَيْتُ وَلَمْ أَزَلْ
أَبغي الفَكَاكَ لَهُ بكلِّ سَبيل (1)
19- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { الْقَانِعَ والمُعْتَرَّ } (2)؟
قال: القانع: الذي يَقْنَع بما أًعْطِيَ، والمعترّ: الذي يعترض الأَبواب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
عَلَى مُكْثِرِيهمْ حَقّ مَن يَعْتريهمُ
وَعنْدَ المقِلِّينِ السَّمَاحَةُ وَالْبَذْلُ (3)
20- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } (4)؟
قال: مشيد بالجص والآجرّ.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ عديّ بن زيد يقول:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الحج، الآية 36.
(3) لزهير، ديوانه: 114.
(4) سورة الحج، الآية 45.
شَادَه مَرْمَراً وَجَلَّلَهُ كِلْساً
فللطيْرِ في ذرَاهُ وُكُورُ (1)
21- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { شوَاظٌ } (2)؟
قال: الشواظ: اللهب الذي لا دخان له.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول أُميَّة بن أبي الصلت:
يظلّ يَشبّ كِيرا بعد كير
وينفخ دائباً لهب الشُّواظِ (3)
22- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمنُون } (4)؟
قال: فازوا وسعِدوا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول لَبيد بن ربيعة:
فاعقلي إِن كنت لَمَّا تَعْقِلي
وَلَقَدْ أَفْلَح مَنْ كَانَ عَقَلْ (5)
__________
(1) الأغاني 2: 139.
(2) سورة الرحمن، الآية 35.
(3) ديوانه: 39.
(4) سورة المؤمنون، الآية 35.
(5) ديوانه: 177.
23- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يُؤَيِّدُ بِنَصْرِه مَنْ يَشَاء } (1)؟
قال: يقوّي.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول حسان بن ثابت:
برجال لَسْتُمُ أمثالَهُمْ
أَيَّدُوا جبريل نَصْراً فَنَزَلْ (2)
24- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ونُحَاس } (3)؟
قال: هو الدّخان الذي لا لهب فيه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
يُضيء كضوْءِ سِراج السَّلِيطِ
لَمْ يَجْعَلِ الله فِيهِ نُحَاسَا (4)
25- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَمْشَاجٍ } (5)؟
قال: اختلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرَّحِم.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 13.
(2) ديوانه: 304.
(3) سورة الرحمن، الآية 35.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الإنسان، الآية 2.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول أبي ذُؤيب:
كَأَنَّ الرِّيشَ والفُوقيَّ منهُ
خِلالَ النَّصْلِ خَالَطَهُ مُشِيجُ (1)
26- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وفُومِها } (2)؟
قال: الحنطة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول أبي محْجَن الثَّقفيّ:
قَدْ كًنْتُ أَحْسِبني كأَغنى واحدٍ
قدم المدينةَ عَنْ زِرَاعَة فُوم (3)
27- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } (4)؟
قال: السُّمود: اللهو والباطل.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول هزيلة بنت بكر، وهي تبكي قوم عاد:
__________
(1) نسبه في ديوان الهذليين 3: 104، إلى عمرو بن الداخل الهذلي، ورواه:
كأنَّ الرِّيشَ والفُوقَيْن مِنْهُ خِلالَ النَّصْلِ خالَطَهُ مُشيجُ
وانظره في اللسان ( مشيج ) بنسبة أخرى.
(2) سورة البقرة، الآية 61.
(3) اللسان ( فوم ) بهذه النسبة.
(4) سورة النجم، الآية 61.
لَيْتَ عَاداً قَبِلُوا الحق
وَلَمْ يُبْدُوا جُحُودَا (1)
قيل فقُمْ فانظر إِليهم
ثم دَعْ عنك السُّمودَا (2)
28- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لا فِيهَا غَوْلٌ } (3)؟
قال: ليس فيها نتَن ولا كراهية كخمر الدنيا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أما سمعت قول امرئ القيس:
ربّ كأس شربتُ لا غَوْل فِيهَا
وَسَقَيْتُ النَّدِيمَ مِنْهَا مِزَاجَا (4)
29- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَالْقَمَرِ إِذا اتَّسَقَ } (5)؟
قال: اتِّساقه اجتماعه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول طَرَفة بن العبْد:
__________
(1) البيت الثاني في اللسان من غير نسبة، قال: السامد القائم في تحير.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الصافات، الآية 47.
(4) لم يرد في ديوانه.
(5) سورة الانشقاق، الآية 18.
إِنَّ لَنَا قلائصاً نَقَانقَا
مُسْتَوْسِقات لَوْ تَجِدْنَ سائِقَا (1)
30- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (2)؟
قال: باقون، لا يخرجون منها أبداً.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول عديّ بن زيد:
فَهَلْ مِنْ خالدٍ إِمَّا هَلَكْنَا
وَهَلْ بالموتِ يا للناس عار (3)!
31- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَجِفانٍ كَالجوَابِ } (4)؟
قال: كالحياض.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قولَ طَرفة بن العبد:
كالجوابي لا تَنِي مترعةً
لقِرى الأَضْياف أو للمحتضِرْ (5)
__________
(1) اللسان ( وسق )، دون نسبة.
(2) سورة البقرة، الآية 39.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة سبأ، الآية 13.
(5) ديوانه: 80.
32- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ } (1)؟
قال: الفجور والزنى.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الأعشى:
حافظٌ للفرج راضٍ بالتُّقى
ليس ممن قلبه فيه مرضْ (2)
33- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنْ طِينٍ لاَزِبٍ } (3)؟
قال: الملتزق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قولَ النابغة:
فَلا يَحْسبُونَ الْخَيْرَ لاَ شَرَّ بَعْدَهُ
وَلاَ يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لاَزِبٍ (4)
34- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَنداداً } (5)؟
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 32.
(2) لم أجده في ديوانه.
(3) سورة الصافات، الآية 11.
(4) ديوانه: 9.
(5) سورة البقرة، الآية 22.
قال: الأَشباه والأَمثال.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول لَبيد بن رَبيعة:
أَحْمَدُ الله فلا ندَّ لَهُ
بيديْهِ الخيرُ مَا شَاءَ فَعَلْ (1)
35- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } (2)؟
قال: الخلط بماء الحميم والغساق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
تِلْكَ المكارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ لبن
شِيبا بماء فَعَادَا بَعَدُ أَبْوَالاَ (3)
36- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا } (4)؟
قال: القطّ: الجزاء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الأعشى:
__________
(1) ديوانه: 174.
(2) سورة الصافات، الآية 67.
(3) لأبي الصلت، طبقات الشعراء 48.
(4) سورة ص، الآية 16.
وَلاَ الملك النعَّمان يَوْمَ لقيته
بنعمته يُعْطى القُطوط ويُطلِقُ (1)
37- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنْ حَمَإِِ مَّسْنُونِ } (2)؟
قال: الحمأ السواد، والمسنون: المصوَّر.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول حمزة بن عبد المطلب:
أَغَرُّ كأَنَّ البدرَ شقة وَجْهِهِ
جلا الغيمَ عنه ضوءه فتبدَّدَا (3)
38- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { البَائِسَ الْفَقِيرَ } (4)؟
قال: الَّذِي لا يجدُ شيئاً من شدّة الحال.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول طرَفة:
يغشاهُمُ البائس المدقع والـ
ضَّيْف وجارٌ مجاورٌ جُنُبُ (5)
__________
(1) ديوانه: 219.
(2) سورة الحجر، الآية 26.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الحج، الآية 22.
(5) لم أجده في ديوانه.
39- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مَاء غَدَقاً } (1)؟
قال: كثيراً جارياً.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
تدْني كراديس ملتفاً حَدَائِقُهَا
كالنَّبْتِ جَادَتْ بها أَنهارُها غَدَقَا (2)
40- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بِشِهابٍ قَبَسٍ } (3)؟
قال: شُعْلة من نار يقتبسون منه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول طرفة بن العبد:
هَمٌّ عَرَانِي فَبِتُّ أَدْفَعُهُ
دون سُهادِي كشُعْلَةِ الْقَبَسِ (4)
41- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { عَذَابٌ أَلِيم } (5)؟
[ قال: الأَليم: ] الوجع.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
__________
(1) سورة الجن، الآية 16.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة النمل، الآية 7.
(4) لم أجده في ديوانه.
(5) سورة البقرة، الآية 10.
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
نَامَ مَنْ كَانَ خَليّاً مِنْ أَلَمْ
وَبقِيتُ اللَّيلَ طُولاً لَمْ أَنَمْ (1)
42- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ } (2)؟
قال: اتبعنا على آثار الأَنبياء، أي: بعثنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول عديّ بن زيد:
يَوْمَ قَفَّتْ عِيرُهُمْ مِنْ عيرنَا
واحتمال الحيّ في الصُّبح فَلَقْ (3)
43- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِذَا تَرَدَّى } (4)؟
قال: إِذا مات وتردّى في النار.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عديّ ابن زيد:
خَطَفَتْهُ مِنِيَّةٌ فَتَرَدَّى
وَهُوَ فِي الملك يَأْمُلُ التَّعْمِيرَا (5)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة المائدة، الآية 46.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الليل، الآية 11.
(5) لم أقف عليه.
44- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فِي جَنَّاتٍ وَنَهرٍ } (1)؟
قال: النَّهر: السّعة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول لَبيد بن ربيعة:
مَلَكْتُ بهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا
يَرى قائمٌ من دُونها مَا وَرَاءَهَا (2)
45- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } (3)؟
قال: الخلق.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول لَبيد بن ربيعة:
فَإِنْ تَسأَلينا مِمّ نحنُ فَإِنَّنَا
عَصَافيرُ من هذي الأَنَامِ المسحَّرِ (4)
46- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَنْ لَنْ يَحُورَ } (5)؟
قال: أن لن يرجع، بلغة الحبَشة.
__________
(1) سورة القمر، الآية 54.
(2) لم أجده في ديوانه.
(3) سورة الرحمن، الآية 10.
(4) ديوانه: 56، والمسحر: المعلل بالطعام والشراب.
(5) سورة الانشقاق، الآية 14.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
وَمَا الْمَرْءُ إِلا كالشِّهابِ وضوئِهِ
يَحُورُ رَمَاداً بعد إِذْ هُوَ سَاطعُ (1)
47- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا } (2)؟
قال: أَجَدْى أَلا تميلوا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
إِنَّا تبعنا رَسُولَ الله واطَّرَحُوا
قَوْلَ النَّبِيّ وَغَالَوْا فِي الْمَوَازِينِ (3)
48- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَهُوَ مُلِيمٌ } (4)؟
قال: المسيء المذنب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول أُميَّة ابن أبي الصلت:
مِنَ الآفات لَيْسَ لها بأَهْلٍ
__________
(1) للبيد، ديوانه: 169.
(2) سورة النساء، الآية 3.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الصافات، الآية 142.
... ولكنَّ المسيء هُو المليِمُ (1)
49- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } (2)؟
قال: تقتلونهم.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
ومِنَّا الَّذي لاَقى بسيف محمَّدٍ
فَحَسَّ به الأَعْدَاءَ عَرْض العساكر (3)
50- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ما أَلْفَيْنا } (4)؟
قال: يعني وجدنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول نابغة بني ذبيان:
فحسَّبُوه فَأَلفوه كما زعمت
تِسْعاً وتسعينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ (5)
51- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { جَنَفاً } (6)؟
قال: الجوْر والميل في الوصيّة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد:
وأُمُّكَ يا نعمان في أَخْواتها
تأتينَ ما يأتينَهُ جَنَفَا (7)
52- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بَالباْسَاء والضَّرَّاء } (8)؟
قال: البأساء: الخِصب، والضرّاء: الجدب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول زيد بن عمرو:
إِنّ الإِله عزيزٌ واسع حَكمٌ
بكفِّه الضُّرُّ والبأْساء والنِّعَمُ (9)
ُ
__________
(1) كذا في الأصل. وفي ديوانه: 55 ط:
بريء النفس ليس لها بأهل ولكن المسيء هو الملوم
وهو مستقيم المعنى.
(2) سورة آل عمران، الآية 152.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 170.
(5) ديوانه: 24.
(6) سورة البقرة، الآية 182.
(7) لم أقف عليه.
(8) سورة الأنعام، الآية 42.
(9) لم أقف عليه.
53- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِلاَّ رَمْزاً } (1)؟
قال: الإِشارة باليد، والوحْيُ بالرّأس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
مَا في السَّماءِ من الرحمن مرتَمَزٌ
إِلاَّ إليه وما في الأرْض مِنْ وَزَر (2)
ِ
54- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَقَدْ فَازَ } (3)؟
قال: سعِد ونجا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول عبد الله ابن رَوَاحة:
وَعَسَى أَنْ أَفُوز ثَمَّت ألقى
حجة أَتَّقي بها الفُتَّانَا (4)
55- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } (5)؟
قال: عَدْل.
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 41.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة آل عمران، الآية 185.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة آل عمران، الآية 64.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
تَلاَقَيْنا فقاضينا سواءٌ
وَلَكِنْ جُرَّ عَنْ حالٍ بحال (1)
ِ
56- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { الفُلْكِ المَشْحُون } (2)؟
قال: السفينة الموقرة الممتلئة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول عَبيد بن الأَبرص:
شَحَنَّا أَرْضَهُمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى
تركناهُمْ أَذَلَّ مِنَ الصِّرَاطِ (3)
57- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { زَنِيمٍ } (4)؟
قال: ولد الزنى.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
زَنِيمٌ تَدَاعَتْهُ الرِّجَالُ زِيَادَةً
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الشعراء، الآية 119.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة القلم، الآية 13.
... كَمَا زيد في عَرْض الأَديم الأَكارعُ (1)
58- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { طَرَائِقَ قِدَداً } (2)؟
قال: المنقطعة في كلّ وجه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
وَلَقَدْ قُلْتُ وَزَيْدٌ حَاسِرٌ
يَوْمَ وَلَّتْ خَيْلُ زَيْدٍ قِدَدَا (3)
59- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بِرَبِّ الْفَلَقِ } (4)؟
قال: الصبح إِذا انفلق من ظلْمة الليل.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول زُهير بن أَبي سُلمَى:
الفارجُ الهمّ مسدولاً عساكرهُ
كما يُفرِّجُ غمّ الظُّلْمةِ الْفَلَقُ (5)
60- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنْ خَلاَقٍ } (6)؟
__________
(1) اللسان(زنم) ونسبه للخطيم التميمي.
(2) سورة الجن، الآية 11.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الفلق، الآية 1.
(5) لم أجده في ديوانه.
(6) سورة البقرة، الآية 102.
قال: نصيب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول أُميَّة بن أَبي الصلت:
يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ فيها لا خلاق لهمُ
إِلاَّ سرابيلُ من قَطْر وأَغْلاَلِ (1)
61- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كُلٌّ لَهُ قَانتون } (2)؟
قال: مقرّون.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عديّ ابن زيد:
قانتاً لله يرجُو عَفْوهُ
فيَوْمَ لاَ يُكْفَرُ عَبْدٌ ما ادَّخَرْ (3)
62- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { جَدُّ رَبِّنا } (4)؟
قال: عظمة رَبّنا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول أُميَّة بن أَبي الصلت:
لَكَ الحَمْدُ والنَّعمَاء والمُلْكُ ربَّنا
__________
(1) ديوانه: 60.
(2) سورة البقرة، الآية 116.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الجن، الآية 3.
... فلا شيء أَعلى مِنْكَ جَدا وأَمْجَدُ (1)
63- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حَمِيمٍ آنٍ } (2)؟
قال: الآن الذي انتهى طبْخه وحرُّه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول نابغة بني ذبيان:
ويخضب لحية غَدَرَتْ وخَانَتْ
بأَحْمَى من نجيع الْجَوْفِ آنِ (3)
64- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } (4)؟
قال: الطَّعْن باللسان.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الأعشى:
فِيهِمُ الْخِصْبُ والسَّمَاحَة والنّـ
جْدَةُ فيهم والخاطِبُ الْمِسْلاَقُ (5)
65- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَأَكْدَى } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 27.
(2) سورة الرحمن، الآية 44.
(3) ديوانه: 78.
(4) سورة الأحزاب، الآية 19.
(5) ديوانه: 215.
(6) سورة النجم، الآية 34.
قال: كدَّره بمنِّه.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الشاعر:
وَأَعْطَى قَليلاً ثُمَّ أَكْدَى بمنِّه
وَمَنْ يُسترِ المعروفَ في النَّاسِ يُحْمَدِ (1)
66- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لا وَزَرَ } (2)؟
قال: الوزَر: الملجأ.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عمرو بن كلثوم:
لَعَمْرُك ما إِنْ لَهُ صَخْرَةٌ
لَعَمْرُكَ ما إِنْ لَهُ من وَزرْ (3)
67- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { قَضَى نَحْبَه } (4)؟
قال: أَجله الَّذي قُدِّر له.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول لَبِيد بن ربيعة:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة القيامة، الآية 11.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الأحزاب، الآية 23.
أَلاَ تَسْأَلانِ الْمرءَ مَاذا يحاول
أَنَحْب فيُقضَى أَم ضلاَلٌ وباطُل (1)
68- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ذُو مِرَّةٍ } (2)؟
قال: ذو شدّة في أَمر الله.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال نعم، أما سمعتَ قول نابغة بني ذبْيان:
........................... ... وهنا قِرَى ذِي مِرَّةِ جَازِم
69- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { الْمعْصِرَاتِ } (3)؟
قال: السَّحاب يعصر بعضُها بعضاً، فيخرج الماء بين السَّحابتين.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول النابغة:
تُجَرُّ بها الأَرْواحُ من بين شَمْأَلِ
وَبَيْنَ صَباها المعصِرَاتُ الدَّوَامسُ (4)
70- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ } (5)؟
قال: العَضُد: المعين الناصر.
__________
(1) ديوانه: 254.
(2) سورة النجم، الآية 6.
(3) سورة النبأ، الآية 14.
(4) لم أجده في ديوانه.
(5) سورة القصص، الآية 35.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول النابغة:
في ذمّةٍ من أَبي قَابُوس منقذة
للخائفين ومَنْ ليست له عضُدُ (1)
71- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فِي الْغَابِرِين } (2)؟
قال: في الباقين.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول عَبيد ابن الأبرص:
ذهَبُوا وخلفني المخلِّفُ فِيهِمُ
فكأَنني في الغابرينَ غَريبُ (3)
72- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَلاَ تأْسَ } (4)؟
قال: لا تحزن.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول امرئ القيس:
وُقُوفاً بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة القصص، الآية 35.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة المائدة، الآية 26.
... يَقُولُونَ لا تَهْلِك أَسى وتجمَّلِ (1)
73- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَصْدِفُون } (2)؟
قال: يعرضون عن الحقّ.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول أبي سفيان:
عجبت لحِلمْ الله عنَّا وقد بَدَا
له صَدْفُنَا عَنْ كُلِّ حقِّ مُنَزَّلِ (3)
74- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَنْ تُبْسَل } (4)؟
قال: تحبس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول زهير:
وَفَارَقَتْكَ بِرَهْنٍ لاَ فَكَاكَ لَهُ
يَوْمَ الوداعِ فَقَلْبِي مُبْسَلٌ غَلِقَا (5)
75- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَلَمَّا أَفَلَتْ } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 7.
(2) سورة الأنعام، الآية 46.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الأنعام، الآية 70.
(5) ديوانه: 33 مع اختلاف في الرواية.
(6) سورة الأنعام، الآية 70.
قال: زالت الشمس عن كبد السماء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم ، أما سمعتَ قول كعب بن مالك:
فتغيّر القمر المنير لفقده
والشمْسُ قد كُسِفَتْ وكادَت تأفُلُ (1)
76- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كالصَّرِيمِ } (2)؟
قال: الذاهب، أَما سمعتَ قول الشاعر:
غدوتُ عليه غَدْوَةً فوجدْتُهُ
قعوداً لَدَيْهِ بالصرِيم عواذله (3)
77- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { تَفْتَؤ } (4)؟
قال: لا تزال، أما سمعت قول الشاعر:
لَعَمْرُك ما تفتأ تذكُر خالدَاً
وقد غالَهُ ما غال تُبَّعَ مِنْ قَبْلُ (5)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة القلم، الآية 20.
(3) البيت لزهير، بلفظ: ... .........................
0@بكرت عليه غدوة فرأيته
(4) سورة يوسف، الآية 85.
(5) لم أقف عليه.
78- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ } (1)؟
قال: مخافة الفقر، أما سمعت قول الشاعر:
وَإِنِّي عَلَى الإِمْلاَقِ يَا قَوْمُ مَاجدٌ
أعدُّ لأضيافِي الشِّواء المضهّبَا (2)
79- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حَدَائِقَ } (3)؟
قال: البساتين ، أما سمعت قول الشاعر:
بلادٌ سَقَاهَا الله، أَمَّا سهولها
فَقُضْبٌ ودَرٌ مُغْدِقٌ وَحَدَائِقُ (4)
80- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مُقِيتاً } (5)؟
قال: قادراً مقتدراً، أَما سمعتَ قول أُحيْحَة الأنصاريّ:
وَذي ضِعْنٍ كففتُ النفْس عَنْهُ
وكنْتُ عَلَى مساءته مُقِيتًا (6)
__________
(1) سورة الإسراء، الآية 31.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة النمل، الآية60.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة النساء، الآية 85.
(6) لم أقف عليه.
81- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَلاَ يئُودُهُ } (1)؟
قال: لا يثقله، أما سمعت قول الشاعر:
يُعْطِي المئين ولا يؤْده حَمْلُهَا
مَحْضُ الضَّرائِب ماجدُ الأخْلاقِ (2)
82- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { سَرِيَّاً } (3)؟
قال: النَّهْر الصغير، أما سمعت قول الشاعر:
سَهْل الخليقةِ ماجدٌ ذو نائلِ
مثل السرِّيِّ تمدّه الأَنهارُ (4)
83- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَكَأْساً دِهاقاً } (5)؟
قال: ملأَى، أما سمعت قول الشاعر:
أتانا عامرٌ يرجو قرَانَا
فَأَتْرَعْنا له كأْساً دِهَاقا (6)
84- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَكَنُودٌ } (7)؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية 255.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة مريم، الآية 24.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة النبأ، الآية 34.
(6) لم أقف عليه.
(7) سورة العاديات، الآية 6.
قال: كفورٌ للنِّعم، وهو الذي يأكل وحده، ويمنع رِفْدَه، ويُجيع عبده، أما سمعت قول الشاعر:
شَكَرْتُ لَهُ يَوْمَ العُكَاظ نَوَالَهُ
وَلَمْ أَكُ للمعروف ثمَّ كَنُودَا (1)
85- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَسَيُنْغِضُونَ إليك رُؤوسَهم } (2)؟
قال: يحركون رؤوسهم استهزاء، أما سمعت قول الشاعر:
أَتُنْغِصُ لِي يَوْمَ الفَخَارِ وَقَدْ تَرَى
خُيُولاً عَلَيْها كالأُسودِ ضَوارِيَا (3)
86- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يُهْرَعُونَ } (4)؟
قال: يقبلون إليه بالغَضَب، أما سمعت قول الشاعر:
أَتونا يُهْرَعُونَ وهم أَسَارَى
نَسُوقُهُم عَلَى رَغْمِ الأُنُوفِ (5)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الإسراء، الآية 51.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة هود، الآية 78.
(5) لم أقف عليه.
87- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بِئْسَ الرِّفْدُ المَرْفُود } (1)؟
قال: بئس اللعنة بعد اللَّعنة، أما سمعت قول الشاعر:
لا تقذفَنَّ بركن لا كِفَاءَ لَهُ
وإِن تَأَتَّفَكَ الأَعدَاء بالرِّفَدِ (2)
88- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { غَيْرَ تَتِبِيبِ } (3)؟
قال: تخسير، أما سمعت قول بشْر بن أبي حازِم:
هُم جدعُوا الأُنوف فأَوعَبُوهَا
وهم تركوا بني سَعْدٍ تبابا (4)
89- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَأسرِ بأَهلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلٍ } (5)، ما القِطْع؟
قال: آخر الليل سَحراً، قال مالك بن كنانة:
ونائحة تقومُ بِقِطْعِ ليلٍ
على رجلٍ أَصابته شَعوبُ (6)
__________
(1) سورة هود، الآية 99.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة هود، الآية 101.
(4) في ديوانه: 35.
(5) سورة هود، الآية 81.
(6) لم أقف عليه.
90- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { هَيْتَ لَكَ } (1)؟
قال: تهيّأتُ لك. أما سمعت قول أحيحَة الأنصاريّ:
بِهِ أَحْمِي المضاف إِذا دَعانِي
إِذا ما قيل للأَبطال هَيْتا (2)
91- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَوْمٌ عَصِيبٌ } (3)؟
قال: شديد، أما سمعت قول الشاعر:
هُم صَرَبُوا قَوَانِس خيل حُجرٍ
بجنب الرَّدْهِ في يَوْمٍ عَصِيبِ (4)
92- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مُؤْصَدة } (5)؟
قال: مطبقة، أما سمعت قول الشاعر:
تحنّ إِلى أَجْبَالِ مكَّةَ ناقَتِي
ومِنْ دُوننَا أَبواب صنعاء مُؤصَدَة(6)
93- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ يَسْأَمُونَ } (7)؟
__________
(1) سورة يوسف، الآية 23.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة هود، الآية 77.
(4) البيت لبشر الأسدي، ديوانه: 32. قاله يهجو أوس بن حارثة.
(5) سورة الهمزة، الآية 8.
(6) لم أقف عليه.
(7) سورة فصلت، الآية 38.
قال: لا يَفْتُرُون ولا يملُّون، أما سمعت قول الشاعر:
من الخوفِ لا ذُو سَأْمةٍ منْ عبادةٍ
ولاَ هُوَ من طول التعبُّد يُجْهَدُ (1)
94- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { طَيْراً أَبَابِيل } (2)؟
قال: ذاهبة وجائية، تنقل الحجارة بمناقيرها وأَرجلها، فتبلبل فوق رؤوسهم، أما سمعت قول الشاعر:
وبالفوارسِ مِنْ وَرْقَاءِ قد عَلِموا
أَحْلاس خيلٍ على جُرْدٍ أَبَابيلِ (3)
95- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ثَقِفْتُمُوهُمُ } (4)؟
قال: وجدتموهم، أما سمعت قول حسان:
فإِمَّا تَثْقَفَنَّ بني لُؤيٍّ
جذيمة إِنّ قتلهُم دَواءُ (5)
__________
(1) البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوانه:34، بلفظ: ... .............................
0@من الخوف لاذو سأمة بعبادةٍ
(2) سورة الفيل، الآية 3.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 191.
(5) لم أجده في ديوانه.
96- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَأَثَرْنَ به نَقْعاً } (1)؟
قال: النَّقع ما يسطع من حوافر الخيل، أما سمعت قول حسان:
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إِنْ لَمْ تَرَوْهَا
تُثِير النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كُدَاءُ (2)
97- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { في سَوَاءِ الجَحِيمِ } (3)؟
قال: وسط الجحيم، أما سمعت قول الشاعر:
رَمَاهَا بسهمٍ فاشتَوى فِي سَوَائِها
وكان قبولاً للهواذِي الطَّوَارِقِ (4)
98- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { سِدْرٍ مَخْضُودٍ } (5)؟
قال: الذي ليس له شوك، أما سمعت قول أُميّة بن أبي الصلت:
إِنَّ الحَدَائِقَ في الْجِنانِ ظَلِيلَةٌ
فيها الْكَواعِب سِدْرُهَا مَخْضُودُ (6)
__________
(1) سورة العاديات، الآية 4.
(2) ديوانه: 4.
(3) سورة الصافات، الآية 55.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الواقعة، الآية 28.
(6) ديوانه: 26.
99- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { طَلْعهَا هَضِيم } (1)؟
قال: منضم بعضه إلى بعض، أما سمعتَ قول امرئ القيس:
دارٌ لبيضاءِ الْعَوارِض طَفْلَةٍ
مَهْضُومَةِ الْكَشْحَينِ رَيّا المعْصم (2)
100- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { قَوْلاً سَدِيداً } (3)؟
قال: قولاً عَدْلاً حقّاً، أما سمعت قول حمزة:
أَمينٌ على ما استودع الله قَلْبَهُ
فَإِنْ قالَ قَوْلاً كان فيه مسدّدا (4)
101- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِلاًّ وَلاَ ذِمَّة } (5)؟
قال: الإِلّ: القرابة، الذمّة: العهد، أما سمعت قول الشاعر:
جَزَى الله إِلاًّ كَانَ بيني وبَيْنَهُمْ
جَزَاءَ ظَلومٍ لا يؤخّر عاجِلاَ (6)
102- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { خَامِدينَ } (7)؟
__________
(1) سورة الشعراء، الآية 148.
(2) لم يرد في ديوانه.
(3) سورة الأحزاب، الآية 70.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة التوبة، الآية 8.
(6) لم أقف عليه.
(7) سورة الأنبياء، الآية 15.
قال: ميتين، أما سمعت قول لَبيد:
حلُّوا ثيابَهُم علَى عوراتهمْ
فهُم بأَفنِيَةِ الْبيُوتِ خُمُودُ (1)
103- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { زُبَرَ الْحَدِيدِ } (2)؟
قال: قطع الحديد. أما سمعت قول كعب بن مالك:
تلظَّى عليهم حين أَن شدّ حمْيها
بِزُبْرِ الحديد والحِجارة ساجِرُ (3)
104- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَسُحْقاً } (4)؟
قال: بُعدً، أما سمعت قول حسان:
أَلاَ مَنْ مبلغٌ عَنِّي أَبِيًّا
فقد أُلقِيتُ في سُحْقِ السَّعِير (5)
105- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِلاَّ فِي غُرُورٍ } (6)؟
__________
(1) لم أجده في ديوانه.
(2) سورة الكهف، الآية 96.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الملك، الآية 11.
(5) لم أجده في ديوانه.
(6) سورة الملك، الآية 20.
قال: في باطل، أما سمعتَ قول حَسّان:
تَمَنَّتْك الأَماني من بعيدٍ
وقول الكُفْرٍ يَرْجِعُ في غُرُورِ (1)
106- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَحَصُوراً } (2)؟
قال: الَّذِي لا يأتي النساء، أما سمعت قول الشاعر:
وَحَصُورٍ عن الخنا يأمُرُ النَّا
سَ بفعل الخيرات والتَّشْمِيرِ (3)
107- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { عَبُوساً قَمْطَرِيراً } (4)؟
قال: الذي ينقبض وجهه من شدّة الوجع، أما سمعت قول الشاعر:
وَلاَ يَوْم الْحِسَاب وكان يوماً
عبوساً في الشَّدَائِدِ قَمْطَرِيرا (5)
108- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ } (6)؟
قال: عن شدّة الآخرة، أما سمعت قول الشاعر:
__________
(1) لم أجده في ديوانه.
(2) سورة آل عمران، الآية 39.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الإنسان، الآية 10.
(5) البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوانه:46.
(6) سورة القلم، الآية 42.
.........................
قَدْ قامت الحربُ بنا عَلَى ساقِ(1)
109- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِيابَهُمْ } (2)؟
قال: الإِياب، المرجع، أما سمعت قول عَبيد بن الأبرص:
وكلُّ ذي غيبةٍ يثوبُ
وَغَائِبُ الْمَوْتِ لاَ يئُوبُ (3)
110- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حوُباً } (4)؟
قال: إثماً، بلغة الحبشة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعتَ قول الأعشى:
فَإِنِّي وما كلفتموني مِنَ امْرِكُمْ
ليُعلم من أَمْسَى أَعَقَّ وَأَحْوَبَا (5)
111- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { العَنَتَ } (6)؟
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الغاشية، الآية 25.
(3) ديوانه: 13.
(4) سورة النساء، الآية 2.
(5) ديوانه: 115، وروايته: (( وأحربا )).
(6) سورة النساء، الآية 25.
قال: الإِثم، أما سمعت قول الشاعر:
رأَيتُك تَبْتَغِي عَنَتِي وَتَسْعَى
مَعَ السَاعِي عليَّ بِغَيْرِ ذَحْل(1)
112- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَتِيلاً } (2)؟
قال: التي تكون في شقّ النواة، أما سمعتَ قول النابغة:
يَجْمَعُ الْجَيْشَ ذَا الأُلوف وَيَغْزو
ثمّ لا يَرْزَأ الأَعادي فَتِيلا (3)
113- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنْ قِطْمِير } (4)؟
قال: الجلدة البيضاء الَّتي على النواة، أما سمعت قو أُمية بن أَبي الصلت:
لم أَنلْ منهم قسيطاً ولا زُبْداً
وَلاَ فُوَفَةً وَلاَ قِطْميرَا (5)
114- قال :أخبرني عن قوله تعالى: { أَرْكَسَهُمْ } (6)؟
قال: حَبَسَهم، أما سمعتَ قول أُمية:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة النساء، الآية 49.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة فاطر، الآية 13.
(5) ديوانه: 36.
(6) سورة النساء، الآية 88.
أُرْكِسُوا في جهنَّمَ إنهم كا
نُوا عُتاةً تَقُولُ كِذْباً وزُورَا (1)
115- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَمَرْنَا مُتْرَفيهَا } (2)؟
قال: سَلَّطنا، أما سمعتَ قول لَبيد:
إِن يغبطوا يَيسروا وإِن أُمِرُوا
يوماً يصيروا للهُلْكِ والْفَقَدِ (3)
116- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَنْ يَفتنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } (4)؟
قال: يُضِلُّكم بالعذاب والجهد، بلغة هوازن، أما سمعتَ قول الشاعر:
كلُّ امرئٍ من عباد الله مُضطهدٌ
ببطن مكة مقهورٌ ومفتونُ (5)
117- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا } (6)؟
__________
(1) البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوانه: 41. بلفظ: ... نوا عتاة تقول إفكا وزورا
0@أركسوا في جهنم إنهم كا
(2) سورة الإسراء، الآية 16.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة النساء، الآية 101.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة الأعراف، الآية 92.
قال: كأَنْ لم يكونوا، أما سمعتَ قول لَبيد:
وغنيتَ سَبْتاً قبل مَجْرَى دَاحسٍ
لَو كَانَ للنَّفْس اللجوج خُلودُ (1)
118- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { عَذَابَ الهُونِ } (2)؟
قال: الهوان، أما سمعتَ قول الشاعر:
إِنَّا وَجَدْنَا بلاَدَ الله وَاسِعَةً
تنجي من الذُّلِّ والمخزاة والهونِ (3)
119- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَلاَ يُظْلَمْونَ نَقِيراً } (4)؟
قال: النقير: ما في شق النواة، ومنه تنبت النخلة، أما سمعتَ قول الشاعر:
وَلَيْسَ الناس بَعْدَكَ فِي نَقِيرٍ
وليسُوا غير أَصداءٍ وَهَام (5)
120- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ فَارِضٌ } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 35.
(2) سورة الأنعام، الآية 94.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة النساء، الآية 124.
(5) للبيد، ديوانه: 209، ولسان العرب (نقر).
(6) سورة البقرة، الآية 68.
قال: الهرمة، أما سمعتَ قول الشاعر:
لَعَمْرِي لَقَدْ أَعطَيْتَ ضَيْفَكَ فَارِضاً
يُساق إِليه، ما يَقُوم على رجْلِ (1)
121- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسود } (2)؟
قال: بياض النهار من سواد الليل، وهو الصبح إذا انفلق. أما سمعتَ قول أُميّة:
الخيطُ الَأبْيَضُ ضَوْء الصُّبْح مُنْفَلِقٌ
والخيطُ الَأسودُ لونُ الليل مَكْمُومُ (3)
122- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بِئْسَمَا اشتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } (4)؟
قال: باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا. أما سمعتَ قولَ الشاعر:
يُعْطَى بها ثمناً فَيَمْنَعُهَا
ويقولُ صاحِبُها أَلا تَشْرِي (5)
__________
(1) اللسان ـ فرض، ونسبه إلى علقمة.
(2) سورة البقرة، الآية 187.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة البقرة، الآية 90.
(5) لم أقف عليه.
123- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ } (1)؟
قال: نار من السماء. أما سمعتَ قول حسّان:
بَقِيَّةُ معشرٍ صُبَّتْ عَلَيْهمْ
شآبيبٌ من الْحُسْبَانِ شُهْبُ (2)
124- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ } (3)؟
قال: استسلمت وخضعت. أما سمعتَ قول الشاعر:
لِيَبْكِ عَلَيْكَ كُلُّ عَانٍ بِكُرْبَةٍ
وَآلُ قصيّ مِنْ مُقِلٍّ وَذِي وَفْر (4) ِ
125- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مَعِيشَةً ضَنْكاً } (5)؟
قال: الضنك الضيق الشديد. أما سمعتَ قول الشاعر:
والخيلُ قَدْ لَحِقَتْ بها في مأْزقٍ
ضَنْكٍ نواحيه شديدِ المقْدَمِ (6)
__________
(1) سورة الكهف، الآية 40.
(2) لم أجده في ديوانه.
(3) سورة طه، الآية 111.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة طه، الآية 124.
(6) لم أقف عليه.
126- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنْ كُلِّ فَجٍّ } (1)؟
قال: طريق. أما سمعتَ قول الشاعر:
وحازوا العيال وسدَّوا الفجاج
بأَجساد عاد لها آيدان (2)
127- قال: أخبرني عن قوله تعالى : { ذَاتِ الحُبُكِ } (3)؟
قال: ذات طرائق، والخلق الحسن. أما سمعتَ قول زُهير بن أَبي سُلمَى:
هُمْ يضربونَ حبيك البيض إِذْ لَحِقوا
لا يَنكِصُون إِذا ما اسْتُرْحِمُوا رحموا (4)
128- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حَرَضاً } (5)؟
قال: المدنف الهالك من شدّة الوجع. أما سمعتَ قول الشاعر:
أَمِنْ ذِكْرِ لَيْلَى أنْ نَأَتْ غُرْبَةٌ بها
كأَنَّكَ حُمٌّ للأَطِبّاء محرَضُ (6)
129- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَدُعُّ الْيَتِيمَ } (7)؟
__________
(1) سورة الحج، الآية 27.
(2) الآيدان: جناحا الجيش.
(3) سورة الذاريات، الآية 7.
(4) لم أجده في ديوانه.
(5) سورة يوسف، الآية 85.
(6) لم أقف عليه.
(7) سورة الماعون، الآية 2.
قال: يدفعه عن حقِّه. أما سمعتَ قول أبي طالب:
يُقَسِّمُ حَقّاً لليتيم وَلَمْ يكن
يَدُعُّ لَدَى أَيسارهنّ الأَصاغرا (1)
130- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { السَّماءُ مُنْفَطِرٌ به } (2)؟
قال: منْصدع من خوف يوم القيامة. أما سمعتَ قول الشاعر:
طباهنٌ حَتَّى أَعرَض اللَّيلُ دُونَهَا
أَفاطيرَ وَشمِيٍّ رواءً جذورُها (3)
131- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فَهُمْ يُوزَعونَ } (4)؟
قال: يحبس أَوَّلُهُمْ على آخرهم، حتى تنام الطير. أما سمعتَ قول الشاعر:
وَزَعتُ رعيلها بأَقبّ نَهْدٍ
إِذا ما القوم شدُّوا بَعْدَ خَمْسِ (5)
__________
(1) لم أجده في ديوانه.
(2) سورة المزمل، الآية 18.
(3) البيت للحطيئة، ديوانه:170. بلفظ: ... نفاطير وسْميّ رواء جذورها
0@طباهن حتى أطفل الليل دونها
(4) سورة النمل، الآية 17.
(5) ورد في ديوان عنترة كذا: ... بأقب لا ضغن ولا مجفال
0@ولرب خيلٍ قد وزعت رعليها
ديوانه: قافية اللام.
132- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كُلَّمَا خَبَتْ } (1)؟
قال: الخبْو الَّذي يطْفَأُ مرَّة، ويسعَّر أُخرى. أما سمعتَ قول الشاعر:
وتخبُو النارُ عن آذان قَوْمي
وأَضرمها إِذا ابْتردوا سعيرا (2)
133- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كالْمُهْل } (3)؟
قال: كدرِديّ الزيت. أما سمعتَ قول الشاعر:
تَبارى بها العِيسُ السُّمومَ كأَنَّها
تبطنت الأَقراب من عَرَقٍ مُهلا (4)
134- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَخْذاً وَبِيلاً } (5)؟
قال: شديداً ليس له ملجأ. أما سمعتَ قول الشاعر:
وخِزْيُ الحياة وخِزْيُ الممات
__________
(1) سورة الإسراء، الآية 97.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الكهف، الآية 29.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة المزمل، الآية 16.
... وكلاًّ أَراه طعاماً وبيلا (1)
135- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فنقَّبُوا فِي الْبِلاَدِ } (2)؟
قال: هربوا، بلغة اليمن. أما سمعتَ قول عديّ بن زيد:
نَقَبُوا في البلادِ مِنْ حَذَرِ الموت
وجالُوا في الأَرْضِ أَيَّ مَجَالِ (3)
136- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِلاًّ هَمْساً } (4)؟
قال: الوطء الخفيّ، والكلام الخفيّ. أما سمعتَ قول الشاعر:
فباتوا يُدْلِجُونَ وَبَاتَ يَسْرِي
بصيرٌ بالدُّجَى هَادٍ هَمُوسُ(5)
137- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مُقْمَحُونَ } (6)؟
قال: المقمَح: الشامخ بأَنفه، المنكَّس رأسَه. أما سمعتَ قول الشاعر:
وَنَحْنُ عَلَى جَوَانِبِهَا قُعُودٌ
نغضّ الطرف كالإِبل القِمَاح (7)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة ق، الآية 36.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة طه، الآية 108.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة يس، الآية 8.
(7) لبشر بن أبي خازم، ديوانه: 48، لسان العرب ـ قمح.
138- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { في أَمْرٍ مَّريجٍ } (1)؟
قال: المريج: الباطل. أما سمعتَ قول الشاعر:
فراعت فابتَدَرْتُ بِهَا حَشَاهَا
فَخَرَّ كأَنَّهُ خُوط مريجُ (2)
139- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حَتْماً مَقْضِيّاً } (3)؟
قال: الحتْم: الواجبُ. أما سمعتَ قول أُميّة:
عبادك يُخطِئون وأَنْت ربُّ
بكَفَّيْكَ المنَايا والحتُومُ (4)
140- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَأَكُوَابٍ } (5)؟
قال: القلال التي لا عُرى لها. أما سمعتَ قول الهذليّ:
فلم ينطق الدّيك حتى مَلأتُ
كؤوب الدِّنان لَهُ فاستَدَارَا (6)
__________
(1) سورة ق، الآية 5.
(2) اللسان ـ مرج، ونسبه لبعض الهذليينَ.
(3) سورة مريم، الآية 71.
(4) ديوانه: 54.
(5) سورة الزخرف، الآية 71.
(6) البيت للأعشى بن قيس، ديوانه: 80. قاله يمدح قيس بن معد يكرب، بلفظ: ... ت كوب الرباب له فاستدارا
0@فلم ينطق الديك حتى ملأ
141- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفون } (1)؟
قال: لا يسكرون. أما سمعت قول عبد الله بن رواحة:
ثُمَّ لاَ يُنزَفُونَ عَنْهَا وَلَكِنْ
يذهب الْهمُّ عنهُم وَالْغَلِيلُ (2)
142- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كَانَ غَرَاماً } (3)؟
قال: ملازماً شديداً، كلزوم الغريم الغريم. أما سمعتَ قول بشر بن أَبي حازم:
وَيَوْمَ النِّسارِ وَيَوْمَ الجِفار
وِكَانا عَذَاباً وَكَانَا غَرَامَا (4)
143- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { والترائِبِ } (5)؟
قال: هو موضع القلادة من المرأة. أما سمعتَ قول الشاعر:
والزَّعْفَرَانُ عَلَى تَرَائِبِهَا
__________
(1) سورة الصافات، الآية 47.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الفرقان، الآية 65.
(4) ديوانه: 190.
(5) سورة الطارق، الآية 7.
... شرقاً به اللَّبَّاتُ والنَّحْرُ(1)
144- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً } (2)؟
قال: هلكى، بلغة عُمان، وهم من اليمن. أما سمعتَ قول الشاعر:
فلا تَكْفُرُوا مَا قَدْ صنعنا إِليكمُ
وَكَافُوا به فالكُفْرُ بُورٌ لِصَانِعِه (3)
145- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { نَفَشَت } (4)؟
قال: النفش: الرَّعي بالليل. أما سمعتَ قول لَبِيد:
بُدِّلنَ بَعْد النَّفَش الوَجِيفَا
وبعد طول الجرَّةَِ الصَّرِيفَا (5)
146- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَلدُّ الخِصَام } (6)؟
قال: الجَدِلِ، المخاصم في الباطل. أما سمعتَ قول مهلهل:
__________
(1) البيت لعمر بن أبي ربيعة، ديوانه: 164. بلفظ: ... شرق به اللبات والنحر
0@.....................
(2) سورة الفتح، الآية 12.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الأنبياء، الآية 78.
(5) ديوانه: 351.
(6) سورة البقرة،الآية 204.
إِن تَحتَ الأَحْجَارِ حَزْماً وَجُوداً
وَخَصِيماً أَلَدَّ ذا مِعْلاَقِ (1)
147- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } (2)؟
قال: النضيج ممّا يشوى بالحجارة. أما سمعتَ قول الشاعر:
لهم راحٌ وفارُ المِسْكِ فِيهِمْ
وشاويهم إذا شاؤوا حَنِيذا (3)
148- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مِنَ الأَجْدَاثِ } (4)؟
قال: القبور. أما سمعتَ قول ابن رَوَاحَة:
حِيناً يقولون إِذْ مرُّوا على جَدَثِي
أَرْشِدْهُ يا رَبِّ مِنْ عَانٍ وَقَدْ رَشَدَا (5)
149- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { هَلُوعاً } (6)؟
قال: ضَجِراً جَزُوعاً. أما سمعتَ قول بشر بن أبي حازم:
لاَ مَانعاً لليتيم نِحْلَتهُ
__________
(1) اللسان ـ علق.
(2) سورة هود، الآية 69.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة يس، الآية 51.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة المعارج، الآية 19,
... ولا مُكِباً لخلقِه هَلِعَا (1)
150- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ولاتَ حِينَ مَنَاصٍ } (2)؟
قال: ليس بحين فرار. أما سمعتَ قول الأعشى:
تَذَكَّرْتُ لَيلَى حِينَ لاَتَ تَذكُّرِ
وقد بنتُ منها والمناصُ بَعيد (3)
151- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَدُسُرٍ } (4)؟
قال: الدُّسر الذي تُخْرَزُ به السفينة. أما سمعتَ قول الشاعر:
سَفِينة نُوتيٍّ قدِ احْكم صُنْعها
مُثْخَنَةُ الأَلواح منسوجَة الدُّسُرْ(5)
152- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { رِكْزاً } (6)؟
قال: حِسّاً. أما سمعتَ قول الشاعر:
وقد تَوجّسَ ركزاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ
__________
(1) لم أجده في ديوانه.
(2) سورة ص، الآية 3.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة القمر، الآية 13.
(5) لم أقف عليه.
(6) لم يرد في ديوانه.
... بنبأَة الصَّوْتِ ما في سَمعِه كَذِبُ (1)
153- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { بَاسِرَةٌ } (2)؟
قال: كالحة. أما سمعتَ قول عبيد بن الأَبرص:
صبحنا تميماً غداة النِّسَار
شهباءَ مَلْمُومةً باسِرَة (3)
154- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ضِيزَى } (4)؟
قال: جائرة. أما سمعتَ قول امرئ القيس:
ضازَتْ بَنُو أَسد بحكمهُم
إِذْ يَعْدِلُونَ الرأسَ بالذَّنَبِ (5)
155- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَمْ يَتَسَنَّه } (6)؟
قال: لم تغيّره السنون. أما سمعتَ قول الشاعر:
طَابَ مِنْه الطَّعْمُ وَالرِّيحُ مَعاً
لَنْ تَرَى متَغيّراً مِنْ أَسَنْ (7)
__________
(1) البيت لذي الرمة، ديوانه:59.
(2) سورة القيامة، الآية 24.
(3) لم أجده في ديوانه.
(4) سورة النجم، الآية 22.
(5) لم يرد في ديوانه.
(6) سورة البقرة، الآية 259.
(7) لم أقف عليه.
156- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { خَتَار } (1)؟
قال: الغدار الظلوم الغشوم. أما سمعتَ قول الشاعر:
لقد علمتُ واستيقنتْ ذات نفسها
بأَلاَّ تخاف الدَّهر صَرْمى وَلاَ خَتْرى (2)
157- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { عَيْن الْقِطْر } (3)؟
قال: الصُّفْر. أما سمعتَ قول الشاعر:
فأَلقى في مراجل من حديد
قدورَ الْقِطْرِ لَيْسَ مِن الْبَرَاةِ (4)
158- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أُكُلٍ خَمْطٍ } (5)؟
قال: الأَراك. أما سمعتَ قول الشاعر:
وما مُعْزِلٌ فردٌ تُراعِي بعينها
أَغَنَّ غَضيض الطَّرْف من خَلَلِ الخَمْط (6)
__________
(1) سورة لقمان، الآية 32.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة سبأ، الآية 1.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة سبأ، الآية 16.
(6) لم أقف عليه.
159- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { اشْمَأَزَّتْ } (1)؟
قال: نفرت. أما سمعتَ قو عمرو بن كلثوم:
إِذا عَضَّ الثِّقَافُ بها اشمأَزَّتْ
وَوَلَّتْهُ عَشَوْزَنَةً زَبونَا (2)
160- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { جُدَدٌ } (3)؟
قال: طرائق. أما سمعتَ قول الشاعر:
قد غادر النِّسْعُ في صفحاتها جدَداً
كأَنَّها طرقٌ لاَحَتْ عَلَى أَكَمِ(4)
161- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { أَغنَى وَأَقْنَى } (5)؟
قال: أَغنى من الفقر، وأَقنى من الغنى فقنع به. أما سمعتَ قول عنترة العبسي:
فاقْنَي حَيَاءك لا أبَالكِ وَاعلَمي
أَنِّي امْرؤُ سَأَمُوت إنْ لمْ أُقْتلِ (6)
162- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ يَلِتْكُمْ } (7)؟
__________
(1) سورة الزمر، الآية 45.
(2) من المعلقة ـ بشرح التبريزي: 227.
(3) سورة فاطر، الآية 27.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة النجم، الآية 48.
(6) ديوانه: 42.
(7) سورة الحجرات، الآية 14.
قال: لا ينقصكم .بلغة بني عبس ،أما سمعت قول الحطيئة العبسي:
أَبْلِغ سَرَاةَ بَنِي سَعْدٍ مُغَلْغَلَةً
جَهْدَ الرِّسَالَةِ لاَ أَلتاً ولا كذبا (1)
163- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَأَبّاً } (2)؟
قال: الأَبّ ما تَعتلف منه الدواب، أما سمعت قول الشاعر:
تَرَى به الأَبَّ والْيَقْطِين
على الشَّرِيعَةِ يجري تحتها الغَربُ (3)
164- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } (4)؟
قال: السِّر الجماع. أما سمعتَ قول امرئ القيس:
أَلا زَعَمَتْ بَسْبَاسةُ الْيَوْمَ أَنَّني
كَبِرْتُ وأَلاَّ يحسنُ السِّرَّ أَمثالي (5)
165- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فيه تُسِيمُون } (6)؟
__________
(1) ديوانه: 7.
(2) سورة عبس، الآية 31.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 235.
(5) ديوانه: 28.
(6) سورة النحل، الآية 10.
قال: تَرْعَوْنَ. أما سمعتَ قول الأعشى:
وَمَشَى الْقَوْمُ بِالْعِمَادِ إِلَى الرَّزْ
حَى وأَعيَا المِسيُم أَيْنَ الْمَسَاقُ (1)
166- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ تَرْجُونَ لله وَقَاراً } (2)؟
قال: لا تخشون لله عظمة. أما سمعتَ قول أَبي ذؤَيب:
إِذَا لَسَعتهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا
وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَاسِل (3)
167- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { ذَا مَتْرَبَةٍ } (4)؟
قال: ذا حاجة وجهد. أما سمعتَ قول الشاعر:
تَرِبَتْ يَدَاكَ ثُمَّ قَلَّ نَوَالُهَا
وَتَرَفعتْ عَنْكَ السَّمَاءُ سِجَالُهَا (5)
168- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مُهْطِعينَ } (6)؟
قال: مذعنين خاضعين. أما سمعتَ قول تُبَّع:
__________
(1) ديوانه: 213.
(2) سورة نوح، الآية 13.
(3) ديوانه الهذليين: 1: 143.
(4) سورة البلد، الآية 16.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة إبراهيم، الآية 43.
تَعَبَّدَنِي نمر بن سعدٍ وقد دَرِي
ونمر بن سعدٍ لي مذيفٌ وَمُهْطعُ (1)
169- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } (2)؟
قال: ولداً. أما سمعتَ قول الشاعر:
أَما السَّمِيُّ فأَنت منه مُكْثِرٌ
والْمَالُ فيه تَغْتَدِي وَتَروحُ (3)
170- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يُصْهَر } (4)؟
قال: يذابُ. أما سمعتَ قول الشاعر:
سَخُنتْ صهارتُه فظل عُثانُهُ
في سيطلٍ كُفِيتْ به يَتَرَدَّدُ (5)
171- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لَتَنُوءُ بالعُصْبَة } (6)؟
قال: لَتَثْقُل. أما سمعتَ قول امرئ القيس:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة مريم، الآية 65.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الحج، الآية 20.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة القصص، الآية 76.
تمشي فتُثقلها عجيزَتُهَا
مَشْيَ الضَّعِيف ينوء بالوسْقِ (1)
172- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { كُلَّ بَنَانٍ } (2)؟
قال: أَطراف الأصابع. أما سمعتَ قو عنترة:
فَنِعْمَ فوارسُ الهيجاء قومي
إِذا عَلِقُوا الأَسنَّة بالْبَنَانِ (3)
173- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِعْصَارٌ } (4)؟
قال: الريح الشديدة. أما سمعتَ قول الشاعر:
فَلَهُ فِي آثَارِهِنَّ خُوَارٌ
وحفيفٌ كأَنَّهُ إِعْصَارُ (5)
174- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مُرَاغَماً } (6)؟
قال: منفسحاً، بلغة هذيل. أما سمعتَ قول الشاعر:
وأَترك أَرضي جهرَة إِنَّ عِنْدي
__________
(1) ليس في ديوانه.
(2) سورة الأنفال، الآية 12.
(3) ديوانه: 40.
(4) سورة البقرة، الآية 226.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة النساء، الآية 100.
... رجاءً في المراغم والتَّعَادِي (1)
175- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { صَلْداً } (2)؟
قال: أَملس. أما سمعتَ قول أبي طالب:
وإِني لَقَرْمٌ وابنُ قَرْمٍ لهاشم
لآباء صدْقٍ مجدهم مَعقِلٌ صَلْدُ (3)
176- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ } (4)؟
قال: غير منقوص. أما سمعتَ قول زهير:
فَضَّلَ الجياد على الخيْل البطاء فلا
يُعْطِي بذلك مَمْنُوناً ولا نزَِقا (5)
177- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { جَابُوا الصَّخْرَ } (6)؟
قال: نقبوا الحجارة في الجبال، فاتخذوها بيوتاً. أما سمعتَ قول أُمية:
وَشقّ أَبْصَارَنَا كيما نعيشَ بهَا
__________
(1) لم أقف عليه. وفي الأصل: وأترك أرض ... وما أثبت اجتهاد.
(2) سورة البقرة، الآية 264.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة القلم، الآية 3.
(5) ديوانه: 39.
(6) سورة الفجر، الآية 9.
... وَجَابَ لِلسَّمْع أَصْمَاخاً وَآذَانَا (1)
178- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { حُباً جَماً } (2)؟
قال: كثيراً. أما سمعتَ قول أُمية:
إِن تغفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّاً
وَأَيّ عبدٍ لَكَ لا أَلمّا (3)
179- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { غَاسِقٍ } (4)؟
قال: الظلمة. أما سمعتَ قول زهير:
ظَلَّتْ تَجُوب يَدَاهَا وَهْيَ لاَهِيَةٌ
حَتّى إِذا جنح الإِظلام وَالْغَسَقُ (5)
180- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } (6)؟
قال: النفاق. أما سمعتَ قول الشاعر:
__________
(1) البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوانه:79. بلفظ: ... ........................
0@وشق آذاننا كيما نعيش بها
(2) سورة الفجر، الآية 20.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الفلق، الآية 3.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة البقرة، الآية 10.
أُجاملُ أَقْوَاماً حَيَاءً وَقَدْ أَرَى
صُدُورَهُمْ تَغْلِي عليّ مِرَاضُهَا (1)
181- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { يَعْمَهُونَ } (2)؟
قال: يلعبون ويترددون. أما سمعتَ قول الأعشى:
أَراني قَدْ عَمِهْتُ وَشَابَ رَأسِي
وَهَذَا اللِّعْبُ شَيْنٌ بالْكَبِيرِ (3)
182- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { إِلَى بَارِئِكُمْ } (4)؟
قال: خالقكم. أما سمعتَ قول تُبَّع:
شهدت على أَحمدٍ أَنَّهُ
رَسُولٌ مِنَ الله باري النَّسَمْ (5)
183- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { لاَ رَيْبَ فيه } (6)؟
قال: لا شكّ فيه. أما سمعتَ قول ابن الزّبَعْرى:
لَيْسَ في الحقِّ يا أمامةُ ريبٌ
__________
(1) البيت للشماخ بن ضرار، ديوانه:72.
(2) سورة البقرة، الآية 15.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 54.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة البقرة، الآية 2.
... إِنَّما الرَّيْبُ ما يَقُولُ الْكَذُوبُ (1)
184- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { خَتَم الله عَلى قُلوبِهِمْ } (2)؟
قال: طبع عليها. أما سمعتَ قول الأعشى:
وَصَهْبَاء طافَ يَهُودِيُّهَا
فَأبْرَزَهَا وعليها خُتُمْ (3)
185- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { صَفْوَانٍ } (4)؟
قال: الحجر الأَملس. أما سمعتَ قول أُوس بن حجر:
عَلَى ظَهْرِ صفوانٍ كأَنَّ مَتُونَهُ
عُلِلْنَ بِدُهْنٍ يُزْلِقُ المتَنزِّلاَ (5)
186- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { فِيهَا صِرٌّ } (6)؟
قال: برد. أما سمعتَ قول نابغة:
لاَ يْبرمُون إِذا ما الأَرْضُ جلَّلها
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة البقرة، الآية 7.
(3) ديوانه: 35.
(4) سورة البقرة، الآية 264.
(5) ديوانه: 86.
(6) سورة آل عمران، الآية 117.
... صِرُّ الشتاء من الإِمحال كالأَدَمِ (1)
187- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { تُبَوِّىءُ المُؤْمنينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ } (2)؟
قال: توطّن المؤمنين. أما سمعتَ قول الأعشى:
وما بوّاَ الرَّحمنُ بيتَك منزِلاً
بِأَجياد غَرْبيِّ الصّفَا والمحرّم (3)
188- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { رَبِّيُّونَ } (4)؟
قال: جموع كثيرة. أما سمعتَ قول حسّان:
وإِذا معشرٌ تجافَوْا عَن القَصْدِ
حملنا عليهمُ ربِّيّا (5)
189- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { مَخْمَصَةٌ } (6)؟
__________
(1) البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 107. قاله في مدح غسان حين ارتحل من عندهم راجعاً، بلفظ: ... برد الشتاء من الإمحال كالأدم
0@لا يبرمون إذا ما الأفق جلله
(2) سورة آل عمران، الآية 121.
(3) ديوانه: 123.
(4) سورة آل عمران، الآية 146.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة المائدة، الآية 3.
قال: مجاعة. أما سمعتَ قول الأعشى:
تَبيتونَ في المشتَى مِلاَءً بطونُكمْ
وجاراتُكُمْ غَرْثَى يَبتنَ خَمائِصَا (1)
190- قال: أخبرني عن قوله تعالى: { وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ } (2)؟
قال: ليكتسبوا ما هم مكتسبون. أما سمعتَ قول لبيد:
وإني لآتي ما أتيت وإنني
لِمَا اقْتَرَفَتْ نفسي عَليَّ لَرَاهِبُ (3)
191- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { الطلاق مرتان } (4)، هل كانت العرب تعرف الطلاق ثلاثا في الجاهلية ؟!
قال: نعم، كانت العرب تعرفه ثلاثاً بائناً، ويحك يا ابن أم الأزرق أما سمعت قول الأعشى وقد أخذه أختانه (5)،
__________
(1) ديوانه: 149.
(2) سورة الأنعام، الآية 113.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 227.
(5) الأَختان: مفردها الختن، وهو كل مَن كان مِن قِبَل المرأة، مثل: الأب والأخ.
فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تطلق أهلك، فإنك قد أضررت بها، فقال:
يا جارتي بِينِي فإنك طالقة
كذاك أمور الناس غادٍ وطارقة (1)
فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثني لها الطلاق، فقال:
بِيني فإن البين خير من العصا
وأن لا تزال فوق رأس بارقة (2)
فقالوا: والله لا نرفع عنك العصا أو تثلث لها الطلاق، فقال:
وبِيني حصان الفرج غير ذميمة
وموموقة فينا كذاك ووامقة
وذوقي فتى حيٍّ فإني ذائق
فتاة أناس مثل ما أنت ذائقة (3)
__________
(1) ديوان الأعشى: 122، قاله لامرأته الهزانية حين طلقها.
(2) ديوان الأعشى: 122، بلفظ:
0@وبيني فإن البين خير من العصا
وإلا تزال فوق رأسك بارقة
(3) ديوان الأعشى: 122، بلفظ:
0@وذوقي فتى قوم فإني ذائق
..........................................
192- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قوله عز وجل: { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } (1)؟
قال: إلا أن تدع المرأة نصف المهر، أو يعطيها زوجها النصف الباقي، فيقول: كانت في ملكي وحبستها عن الزواج.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول:
حزماً وبراً للإله ويمة
تعفو على خلق المسيء المفسد (2)
193- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { لا تأخذه سنة ولا نوم } (3)؟
قال: السِّنة: الوسنان الذي هو نائم وليس بنائم.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول:
ولا سنة طوال الدهر تأخذه
ولا ينام وما في أمره فند (4)
__________
(1) سورة البقرة، الآية 237.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة البقرة، الآية 255.
(4) لم أقف عليه.
194- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { من كل زوج بهيج } (1)؟
قال: الزوج الواحد، والبهيج الحسن.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول الأعشى وهو يقول:
وكل زوج من الديباج يلبسه
أبو قدامة محبوّاً بذاك معا (2)
195- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { الأنصاب والأزلام } (3)؟
قال: الأنصاب الحجارة التي كانت العرب تعبدها من دون الله وتذبح لها، والأزلام القداح.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول:
فلا لعمر الذي مسحت كعبته
وماهرين على الأنصاب من جسد (4)
__________
(1) سورة الحج، الآية 5، وسورة ق، الآية 7.
(2) ديوان الأعشى: 105، قاله يمدح هوذة بن علي الحنفي.
(3) سورة المائدة، الآية90.
(4) ديوان نابغة: 30، قاله يمدح النعمان بن المنذر.
196- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { ولا يؤوده حفظهما } (1)؟
قال: لا يثقله حملهما عز وجل.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
يعطي المئين فلا يؤده حملها
محض الضراب ماجد الأخلاق (2)
197- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { أسفل سافلين } (3)؟
قال: هكذا الكافر من الشباب إلى الكبر، ومن الكبر إلى النار.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول:
فأضحوا لدى دار الجحيم بمعزل
عن الشعب والعدوان في أسفل السفل (4)
__________
(1) سورة البقرة، الآية 255.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة التين، الآية 5.
(4) ديوانه: 89، قاله يوم حنين بلفظ:
0@فأضحوا لدى درا الجحيم بمنزل
عن البغي والعدوان في أشغل الشغل
198- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { من كل حدب ينسلون } (1)؟
قال: يُنْشرون من جوف الأرض من كل ناحية.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول:
وأما يومهن فيوم سوء
تخطفهن بالحدب الصقور (2)
199- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { للدين حنيفا } (3)؟
قال: دينا مخلصا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت حمزة بن عبد المطلب وهو يقول:
__________
(1) سورة الأنبياء، الآية96.
(2) ديوان طرفة: 48، قاله يهجو عمرو بن هند وأخاه قابوس بلفظ:
0@فأما يومهن فيوم نحس
تطاردهن بالحدب الصقور
(3) سورة يونس، الآية 105.
حمدت الله حين هدى فؤادي
إلى الإسلام والدين الحنيف (1)
وقال أيضا رجل يذكر بني عبد المطلب وفضلهم:
أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم
لنا غاية قد يهتدي بالذوائب (2)
200- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { مسوِّمين } (3)؟
قال: الملائكة عليهم عمائم بيض مسومة، فتلك سيما الملائكة يا ابن أم الأزرق.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
ولقد حميت الخيل تحمل شكتى
جرداء صافية الأديم مسومة (4)
201- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { صواع الملك } (5)؟
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة آل عمران، الآية 125.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة يوسف، الآية 72.
قال: الصواع الكأس الذي كان يشرب به.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
له درمكٌ في رأسه ومشارب
وقِدرٌ وطباخ وصاع وديسق (1)
202- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { فانفروا ثبات } (2)؟
قال: الثُّبة عشرة فما فوق ذلك.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عمرو بن كلثوم وهو يقول:
فأما يوم خشيتنا عليهم
فتصبح خيلنا عصبا تبينا (3)
203- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { والمنخنقة } (4)؟
__________
(1) ديوان الأعشى: 116، بلفظ:
0@له درمك في رأسه ومشارب
0
ومسك وريحان وراح تصفق
(2) سورة النساء، الآية 71.
(3) ديوان عمرو بن كلثوم: 64، من المعلقة.
(4) سورة المائدة، الآية 3.
قال: كانت العرب تخنق الشاة، فإذا ماتت أكلوا لحمها.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت امرؤ القيس وهو يقول:
يغط غطيط البكر شُد خناقُه
ليقتلني والمرء ليس بقتال (1)
204- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { ولا تيمموا الخبيث منه } (2) ؟
قال: لا تعمدوا إلى شر ثماركم وخرقتكم فتعطوه في الصدقة، لو أعطيتم ذلك لم تقبلوا.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
يممت راحلتي أمام محمد
أرجو فواضله وحسن نَدَاه (3)
__________
(1) ديوان امرئ القيس: 139 من قصيدته التي مطلعها:
0@ألا عم صباحا أيها الطل البالي
...................................
(2) سورة البقرة، الآية 267.
(3) لم أقف عليه.
وقال أيضاً:
تيممت قيساً وكم دونه
من الأرض ممن من مَهْمَهٍ ذي شزن (1)
205- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { عُرباً أتراباً } (2)؟
قال: هن العاشقات لأزواجهن، اللاتي خُلقن من الزعفران، والأتراب المستويات.
قال: هل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت ناغبة بني ذبيان يقول:
عهدت بها سعدى وسعدى عزيزة
عروب تهادى في جوارٍ خرائد (3)
206- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { سامراً تهجرون } (4)؟
قال: كانوا يهجرون على اللهو والباطل.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
__________
(1) ديوان الأعشى: 205.
(2) سورة الواقعة، الآية 37.
(3) ديوان النابغة: 43.
(4) سورة المؤمنون، الآية 67.
وباتوا بشعب لهم سامر
إذا خب نيرانهم أوقدوا (1)
207- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { في يوم نحس مستمر } (2)؟
قال: النحس: البلاء والشدة.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول:
سواء عليه ي يوم أتيته
أساعة نحس تتقي أم بأسعد (3)
208- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { بالعشي والإشراق } (4)؟
قال: إذا أشرقت الشمس وحلت الصلاة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة القمر، الآية 19.
(3) ديوان زهير: 19، بلفظ:
0@سواء عليه أي حين أتيته
................................
(4) سورة ص، الآية 18.
قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
لم ينم ليلة التمام لكي
يصبح حتى أضاءه الإشراق (1)
209- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } (2)؟
قال: { سبحان }: تنزيه له وحده لا شريك له، الذي أسرى محمد صلى الله عليه وآله من المسجد الحرام.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
قلت له لما على فخره
سبحان من علقمة الفاخر (3)
210- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { قد شغفها حباً } (4)؟
__________
(1) ديوان الأعشى: 125.
(2) سورة الإسراء، الآية 1.
(3) ديوان الأعشى: 92، بلفظ:
0@أقول لما جاءني فجره
سبحان من علقمة الفاجر
(4) سورة يوسف، الآية 30.
قال: الشغاف في القلب في النياط، يقول: امتلأ قلبها من حب يوسف.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول:
وفي الصدر رحب دون ذلك داخل
دخول الشغاف غيَّبته الأضالع (1)
211- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { ماء ثجّاجا } (2)؟
قال: الثجيج الكثير الذي ينبت منه الزرع.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول:
سقى أم عمرو كل آخر ليلة
حناتم سود ماؤهن ثجيج (3)
__________
(1) ديوان النابغة الذبياني: 78، بلفظ:
0@وقد حال هم دون ذلك شاغل
مكان الشغاف تبتغيه الأصابع
(2) سورة النبأ، الآية 14.
(3) لم أقف عليه.
212- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { ملوما محسورا } (1)؟
قال: مستحبا مستحلا قد حسرت من المال، فتقوال: هلا أيقنت.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الهذلي وهو يقول:
ما قاد من عرب إليَّ جوادهم
إلا تركت جوادهم محسورا (2)
213- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { حسوما } (3)؟
قال: دائمة شديدة محسومة بالبلاء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أمية ابن الصلت يقول:
وكم كنا بها من فرط عام
وهذا الدهر مقتبل حسوم (4)
__________
(1) سورة الإسراء، الآية 29.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الحاقة، الآية 7.
(4) ديوان أمية: 67.
214- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { وحور عين } (1)؟
قال: الحوراء البيضاء المنعمة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: [نعم]، أما سمعت الأعشى وهو يقول:
وحور كأمثال الدُّمى ومناسف
وماء وريحان وراح يصنع (2)
215- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { كل جبار عنيد } (3)؟
قال: الجبال القتال، والعنيد الذي يعند عن حق الله.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
مُصرٌّ على الحنث لا تخفى شواكله
يا ريح كل مُصِرِّ القلب جبار (4)
__________
(1) سورة الواقعة، الآية 22.
(2) ديوان الأعشى: 116، بلفظ:
0@وحور كأمثال الدمي ومناصق
وقدر وطباخ وصاع وديسق
(3) سورة هود، الآية 59، وسورة إبراهيم، الآية 15.
(4) لم أقف عليه.
216- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { وما هو بالهزل } (1)؟
قال: القرآن ليس بالباطل واللعب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قيس بن رفاعة وهو يقول:
وما أدري وسوف إخال أدري
أهزل ذاكم أم قول جد (2)
217- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { على سرر موضونة }(3) ؟ قال: الموضونة: ما يوضن بقضبان الفضة، عليها سبعون فراشا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول:
أعددت للهيجاء موضونة
فضفاضة كالنهي بالقاع (4)
__________
(1) سورة الطلاق، الآية 14.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الواقعة، الآية 15.
(4) ديوان حسان بن ثابت: 148، بلفظ:
0@تحفز عني فجاء السيف سابغة
فضفاضة مثل لون النهي بالقاع
218- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { إلى ربهم ينسلون } (1)؟
قال: النسل: المشي الخبب، وهذا يوم القيامة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما مسعت نابغة بني جعدة وهو يقول:
عسلان الذئب أمسى قاربا
برد الليل عليه فنسل (2)
219- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { فظلت أعناقهم لها خاضعين } (3)؟
قال: العنق: الجماعة من الناس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الحارث بن هشام وهو يقول ويذكر أبا جهل:
يخبرنا المخبر أن عمراً
أمام القوم في عنق مخيل (4)
__________
(1) سورة يس، الآية 51.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الشعراء، الآية 4.
(4) لم أقف عليه.
220- قال: يا بان عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { إِنَاهُ } (1)؟
قال:الإنا: النضح، يعني: إذا أدرك الطعام، وذلك أن أمراء المؤمنين كانوا يدخلون بيت النبي صلى الله عليه وآله، فيحدثون قبل أن يدرك الطعام ويكلمون نساءه، وذلك قبل الحجاب، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله، فأنزل الله عز وجل: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } (2). فلم يدخلوا بعد ذلك إلا بإذن، وكانوا إذا دخلوا أكلوا الطعام وانتشروا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
يفعم ذاك الإنا العبيط كما
يفعم عزب المجالة الجمل (3)
221- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { فشاربون شرب الهيم } (4)؟
__________
(1) سورة الأحزاب، الآية 53.
(2) سورة الأحزاب، الآية 53.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الواقعة، الآية 55.
قال: الإبل يأخذها داء يقال له: الهيام فلا تروى من الماء، قال: فشبَّه شربَ أهل النار من الحميم بشرب الإبل الهِيم.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة يقول:
أجزت إلى معارفها بشعث
وإطلاح من العيدي هيم (1)
222- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { فدكتا دكة واحدة } (2)؟
قال: زلزلة شديدة عند النفخة الآخرة.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول:
مَلك ينفق الخزائن والذمة
قد دكّها وكادت تبور (3)
223- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { لم يطمثهن } (4)؟
قال: كذلك نساء أهل الجنة، لم يدن منهن غير أزواجهن.
__________
(1) ديوان لبيد بن ربيعة: 184.
(2) سورة الحاقة، الآية 14.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الرحمن، الآية 56، 74.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
مشين إليّ لم يطمثن قبلي
وهنّ أصحّ من بيض النعام (1)
224- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل: { فأنا أول العابدين } (2)؟
قال: أنا أول الآبقين (3) من أن يكون لله ولد.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قا: نعم، أما سمعت تبّعاً وهو يقول:
قد عَلِمَتْ فهر بأني ربهم
طوعا تدين له ولما تعبد (4)
225- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { حَمولة وفرشا } (5)؟
__________
(1) البيت للشريف الرضي ديوان: 416، بلفظ:
0@وأمات درجن على الليالي
وهن أصح من بيض النعام
(2) سورة الزخرف، الآية 81.
(3) كذا ولعلها: الآبين.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة الأنعام، الآية 142.
قال: الحمولة ما تحمل عليه، والفرش الصغار من الأنعام.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
ليتني كنت قبل ما قد أراني
في قلال الجبال أرعى الحمولا (1)
226- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { فقطع دابر القوم الذين ظلموا } (2)؟
قال: قُطع أصلهم، واستؤصلوا من ورائهم.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت قول زهيرا وهو يقول:
القائد الخيل منكوبا دوابرها
محكومة حكمات القد والإبقا (3)
__________
(1) ديوان أمية بن أبي الصلت: 57، بلفظ:
0@ليتني كنت قبل ما قد بدا لي
في رؤوس البجال أرعى الوعولا
(2) سورة الأنعام، الآية 45.
(3) ديوان زهير بن أبي سلمى: 39، بلفظ:
0@القائد الخيل منكوبا دوابرها
قد أحكمت حكمات القدوالأبقا
227- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { خذ العفو } (1)؟
قال: أمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وآله أن يأخذ ذلك.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول:
يعفو عن الجهل والسوآت كما
يدرك غيث الربيع ذو الضرر (2)
228- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { إلا مكاء وتصدية } (3)؟
قال: المكاء: [صوت] القنبرة، والتصدية: صوت العصافير، وهو التصفيقن وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا قام إلى الصلاة بمكة كان يصلي قائمة بين الحجر وبين الركن اليماني، فيجيء رجلان من بني سهم، يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، فيصيح أحدهما كما تصيح المكاء،
__________
(1) سورة الأعراف، الآية 199.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة الأنفال، الآية 35.
والآخر يصفق بيديه كتصدية العصافير، ليفسد (1) عليه صلاته.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول:
نقوم إلى الصلاة إذا دعينا
وهمكم التصدي والمكاء (2)
وقال آخر من الشعراء في التصدية:
حين تنبهنا سُحيرا
قبل تصدية العصافر (3)
229- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { الحرث والنسل } (4)؟
قال: النسل الطائر والدوآب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
كهولهم خير الكهول ونسلهم
__________
(1) لعلها: ليفسدا.
(2) لم أقف عليه.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة البقرة، الآية 205.
... كنسل الملوك لا يبور ولا يجري(1)
230- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع } (2)؟
قال: شَبَّه الله أصوات المنافقين والكفارة بأصوات البهم، أي: أنهم لا يعقلون.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول:
هضيم الكشح لم تغمر ببؤسي
لم تنعق بناحية الرباق (3)
231- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { فيما شجر بينهم } (4)؟
قال: فيما أشكل عليهم.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة البقرة، الآية 171.
(3) ديوان بشر: 114، بلفظ:
0@هضيم الكشح ما غنيت ببؤس
ولا مدت بناحية الرباق
(4) سورة النساء، الآية 65.
قال: نعم، أما سمعت زهيرا وهو يقول:
متى يشتجر قوم يقل سرواتهم
هم بيننا فهم رضاً وهم عدل (1)
232- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا } (2)؟
قال: عهداً كما حملته على اليهود فعصوك، فمسختهم قردة وخنازير.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا طالب وهو يقول:
أفي كل عام وافد وصحيفة
يُشدّ بها أمر وثيق وأيصر (3)
233- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { أن تبوء بإثمي وإثمك } (4)؟
قال: أن ترجع بإثمي وإثمك الذي عملت، فتستوجب النار.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
__________
(1) ديوان زهير بن أبي سلمى: 58.
(2) سورة البقرة، الآية 286.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة المائدة، الآية 29.
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
من كان كاره عيشه فليأتنا
يلقى المنية أو يبوء له غني (1)
234- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { إنا أعطيناك الكوثر } (2)؟
قال: نهر في بطنان الجنة، حافتاه قباب الدر والياقوت.
قال: وبأي شيء ذكر ذلك؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل باب المروة وخرج من باب الصفا، فاستقبله العاص بن وائل السهمي، فرجع العاص إلى قريش، فقالت له قريش: [من] استقبلك يا أبا عمرو آنفاً؟ قال: ذلك الأبتر، يريد النبي صلى الله عليه وآله، فما برح رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أنزلت هذه السورة: { إنا أعطيناك الكوثر }، نهر في بطنان الجنة، حافتاه قباب الدر والياقوت، فيها أزواجه وخدمه، ثم قال: { فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر } (3)، يعني: إن عدوك هو العاص بن وائل السهمي، الأبتر من الخير، لا أُذكر
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الكوثر، الآية 1.
(3) سورة الكوثر، الآية 2 - 3.
مكانا (1) إلا ذُكرتَ معي يا محمد، فمن ذكرني ولم يذكرك، ليس له في الجنة نصيب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت حسان بن ثابت وهو يقول:
وحباه الإله بالكوثر الأَ
كْبَر فيه النعيم والخيرات (2)
235- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { الذين يؤمنون بالغيب } (3)؟
قال: ما غاب عنهم من أمر الجنة والنار.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أبا سفيان بن الحارث وهو يقول:
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا
يصلون للأوثان قبل محمد (4)
__________
(1) أي: في مكان.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة البقرة، الآية 3.
(4) البيت لعباس بن مرداس ديوانه: 56، بلفظ:
0@ومن قبل آمنا وقد كان قومنا
يصلون للأوثار قبل محمدا
236- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { صفراء فاقع لونها } (1)؟
قال: الفاقع الصافي اللون من الصفرة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عبد الله بن الزبعري [وهو] يقول:
سدم قديم عهد بانيه
من بين أصفر فاقع وذغال (2)
237- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { مواقيت للناس } (3)؟
قال: في عدة نسائهم، ومحل دَيِنهم، وشروط الناس.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر [وهو] يقول:
والشمس تجري على وقت مسخّرة
إذا قضت سفراً واستقبلت سفرا (4)
238- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { بقنطار } (5)؟
__________
(1) سورة البقرة، الآية 69.
(2) لم أقف عليه.
(3) سورة البقرة، الآية 189.
(4) لم أقف عليه.
(5) سورة آل عمران، الآية 75.
قال: أما قولنا أهل البيت فإنا نقول: القنطار: عشرة آلاف مثقال، وأما بنو جد فإنهم يقولون: ملء مسكِ ثورٍ ذهباً أو فضة.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت عدي بن زيد وهو يقول:
وكانوا ملوك الروم تجبى إليهم
قناطيرها من بين حق وفائد (1)
239- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها } (2)؟
قال: أنقذكم الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه وآله.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أما سمعت عباس بن مرداس يقول:
يكبّ على شفا الأذقان كبا
كما زلق التختم عن خفاف (3)
240- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { أو لامستم النساء } (4)؟
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة آل عمران، الآية 103.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة النساء، الآية 43، وسورة المائدة، الآية 6.
قال: جامعتم النساء، وهذيل تقول: اللمس باليد.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول:
يلمس الأحلس في منزله
بيديه كاليهودي المقلّْ (1)
وقال الأعشى:
ورادعة صفراء بالطيب عندنا
للمس الندامى في يد الدرع مفتق (2)
241- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها } (3)؟
قال: من قبل أن نمسخها، فنردها على غير خلقها.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أمية بن الصلت يقول:
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) ديوان الأعشى: 116، بلفظ:
0@وردعة صفراء بالمسك عندنا
لجس الندامى في يد الدرع مفتق
(3) سورة النساء، الآية 47.
من يطمس الله عينيه فليس له
نور يبين به شمساً ولا قمرا (1)
242- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { والموقوذة } (2)؟
قال: التي تضرب بالخشب حتى تموت، فتأكلها العرب، وذلك أنهم جادلوا المسلمين فقالوا لهم: تزعمون أنكم على دين الله وما ذبح الله لكم لا تأكلونه، وتزعمون أنه ميتة، وما ذبحتم أنتم بأيديكم تزعمون أنه حلال لكم.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول (3):
يبرينني دين النهار واقتضي
ديني إذا وقذ النعاس الرَّقدا (4)
__________
(1) ديوان الأعشى: 45.
(2) سورة المائدة الآية 3.
(3) في المخطوط: سمعت قول الشاعر يقول.
(4) البيت للأعشى، انظر ديوانه: 54، بلفظ:
0@يلوينني ديني النهار وأجزي
ديني إذا وقذ النعاس الرقدا
243- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { وأن تستقسموا بالأزلام } (1)؟
قال: الأزلام: القداح، كانوا يستقسمون الأمور بها، مكتوب على أحدهما: (( أمرني ربي، والآخر: نهاني ربي ))، وإذا أرادوا الحرب أتوا بيت أصنامهم، ثم غطوا على القداح، فأيهما خرج عملوا به.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما مسعت الحطيئة وهو يقول:
لا يزجر الطير إن مرّت بنا سنحا
ولا يفاض له قدح بأزلام (2)
244- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { اثني عشر نقيبا } (3)؟
قال: اثنى عشر وزيرا، وصاروا إلينا بعد ذلك.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
__________
(1) سورة المائدة، الآية 3.
(2) ديوان الحطيئة: 110، بلفظ:
0@لا يزجر الطير إن مر بنا سنحا
ولا يقبض على قسم بأزلام
(3) سورة المائدة، الآية 12.
وإني بحقٍ قائلٌ لسراتها
مقالة نصح لا يضيع نقيبها (1)
245- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { أن تبتغي نفقا في الأرض } (2)؟
قال: سِرباً في الأرض فتذهب هربا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر (3) يقول:
فدس لها على الأنفاق عمراً
بشكته وما حشيت كمينا
246- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { زخرف القول غرورا } (4)؟
قال: باطل القول غرورا.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت أوس بن حجر يقول:
لم يغروكم غرورا ولكن
يرفع الآل جمعكم والزهاء (5)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الأنعام، الآية 35.
(3) البيت لعدي بن زيد، انظر ديوانه.
(4) سورة الأنعام، الآية 112.
(5) لم أقف عليه.
وقال زهير بن أبي سلمى:
فلا تغرنك دنيا إن سمعت بها
عند امرئ سوءة في الناس مغمور (1)
247- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { رجس وغضب } (2)؟
قال: الرجس: اللعنة، والغضب: العذاب.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
إذا سنة كانت بنجد محيطة
فكان عليهم رجسها وعذابها (3)
248- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { القمل والضفادع }(4)؟
قال: القمل: الدبا، وهي فراخ الجراد.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
يبادرون النخل من أنها
كأنهم في السرق القمل (5)
249- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { فانبجست منه اثنتا عشرة عينا } (6)؟
قال: أجرى الله من الصخرة اثنتي عشرة عينا، لكل سبط عين يشربون منها.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت بشر بن أبي حازم وهو يقول:
فأسَبلَت العينان مني بواكف
كما أنها من واهي المتبجس (7)
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) سورة الأعراف، الآية 71.
(3) لم أقف عليه.
(4) سورة الأعراف، الآية 133.
(5) لم أقف عليه.
(6) سورة الأعراف، الآية 160.
(7) ديوان بشر: 80، بلفظ:
0@فأسللت العينان مني بواكف
كما تنهل من واهي الكلى متبجس
250- قال: يا ابن عباس أخبرني عن قول الله عز وجل وجل: { إن الساعة آتية أكاد أخفيها } (1)؟
قال: من كل أحد، وفيها كلمة عربية يا ابن الأزرق لعلك لا تحتملها !!
قال: بلى يا ابن عباس فأخبرني بها ؟!
قال: نعم، (( أخفيها من علمي )).
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (2)
__________
(1) سورة طه، الآية 15.
(2) البيت لامرئ القيس، انظر ديوانه: 84.