الكتاب : كشف التغرير |
كشف التغرير (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
عندما تفقد أي حركة ـ سياسية كانت أو فكرية ـ مقومات وجودها تَعْمَد إلى محاولة سحق الآخرين؛ لتبني كيانها على أنقاضهم، لأن أفرادها يشعرون أن عظمتهم تَكْمُن في احتقار الآخرين وتشويههم، إذ لايجدون من المقومات ما يستطيعون من خلاله أن يقدموا للناس أفكاراً ورؤى تجذبهم وتعطيهم القناعة التامة. ولهذا فسلاحهم الوحيد انتقاص الآخرين وتشويههم واتهامهم بالباطل وافتراء الكذب عليهم.
وأصدق مثال على ذلك حركة الوهابيين فإنهم بنوا فكرهم على إلغاء الآخرين فلا يعتبرون لغيرهم إيماناً ولامذهباً، ويعتقدون أنهم محور الحق يدور الحق معهم حيثما داروا. وهذه الحركة منذ أن ظهرت في نجد عام (1136 هـ) استعملت ضد مخالفيها سلاح الإشاعة والتغرير، فإذا تمكنوا من إقناع أنصارهم بكفر مخالفين حولوا الصراع الفكري إلى صراع مسلح، طمعاً في إبادة كل من لايوافقهم، بل بلغ بهم الحال إلى تكفير من لم يحكم بكفر مخالفيهم.
كل ذلك يحدث تحت شعار الدعوة إلى اتباع السنة ومنهج السلف الصالح ومحاربة البدع، علماً بأن أهل السنة غير راضين عنهم بل قد عانوا من إشاعاتهم وتصرفاتهم الهوجاء في تكفير المسلمين والدعوة إلى إلغاء المذاهب الإسلامية بما فيها المذاهب السنية الأربعة، وشنوا حملات شعواء على الأشاعرة الذين هم غالبية أهل السنة.
ولما تمكن الوهابيون من السيطرة على معظم الجزيرة العربية حاولوا أن يبتلعوا اليمن فسربوا دعوتهم إليه بواسطة شخصيات مقربة عند الحكام كالشوكاني الذي كان قاضي قضاة اليمن في عصره، أو شخصيات اجتماعية مرموقة كالحسن بن خالد الحازمي الذي كان من الأسرة الهاشمية التي تحظى باحترام اليمنيين، لكنهم أخفقوا حين تصدى لهم رجال العلم والفكر في اليمن.
وما زال الوهابيون يترقبون الفرصة للتمكن من الانتشار في اليمن، فحين انشغل اليمنيون بحروف داخلية استطاعوا أن يسربوا أفكارهم إلى عقول بعض السُّذَّج تحت غطاء التسنن، وساعدت المطامع التي كانوا يقدمونها لأصحاب النفوس الضعيفة ممن يعتنق مذهبهم أو يؤيده على الأقل على ذلك. (1/2)
وكانت أول أعمال الوهابيين في اليمن بث الفرقة في صفوف اليمنيين بتحريض القحطاني على العدناني والعكس وتشويه الشافعي عند الزيدي والعكس، وبهذا تغلغلوا في أوساط الشعب المسكين المشغول بإصلاح أموره وترتيب أوضاعه.
ولا زال علماء الزيدية والشافعية في اليمن يقفون للوهابيين بالمرصاد فيناظرونهم، ويجيبون على مؤلفاتهم، ويردون على ما يبثونه من إشاعات بواسطة أشرطة الكاسيت.
ولما كانت دعوة الوهابيين تخاطب العوام أكثر مما تخاطب العلماء والمثقفين لأنها لاتملك إلا التزييف والتغرير فهي تسعى إلى بث أشرطة الكاسيت في أوساط العوام وهي محملة بأنواع التغرير والتشويه والكذب على مخالفيهم عامة وعلى الزيدية خاصة.
وفي كل ذلك كان الوالد العلامة بدر الدين الحوثي لهم بالمرصاد فقد ألف كتباً ورسائل كثيرة في الرد عليهم وإبطال حججهم، وحذر من الفُرْقَة التي ينشرها الوهابيون، ودعا إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية.
وهذه الرسالة التي بين يديك هي عبارة عن شريط كاسيت أجاب به الوالد العلامة بدر الدين على أحد مشائخ الوهابيين، رأى بعض الأخوة أن ينقله إلى كتَيِّب ثم قام بعرضه على المؤلف ليصححه فاستحسن أن يبقى على ما هو عليه من سهولة العبارة وبساطتها.
ثم طلب مني الوالد العلامة بدر الدين أن أقدمه للطبع لتعم فائدته، فقمت بمراجعته وتقطيع نصوصه وترقيمها حسب الطرق المتعارف عليها، كما أضفت إليه بعض التعليقات، وأدخلت عليه بعض الجوانب الفنية في شكل إخراجه، وما أضفته في الأصل لتوضيح المعنى جعلته بين معكوفين هكذا: [ ]، ثم عرضته أخيراً عليه فأقره.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين، ويجمع شملهم إنه على ما يشاء قدير. (1/3)
صعدة ـ محمد يحيى سالم عزان
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمدلله وصلى الله على محمد وآله وسلم، وبعد.
فإنه وصل شريط [كاسيت] من تسجيل مقبل فيه تغرير كثير على العامة بشأن الزيدية، فلزم الجواب عنه لكشف التغرير، فنقول وبالله التوفيق:
- جاء في كلام مقبل الذي هو مسجل في شريط قال: المذهب الزيدي مبني على الهيام.
( والجواب: أنَّه قال هذه الكلمة وهو مسؤول عنها يوم القيامة، لأنَّه يُغَرِّر بها على العامة، وهي من الباطل كما يعرفه العلماء العارفون بكتب الزيدية وأدلتهم على مذهبهم، وهذه كتبهم موجودة في بلادهم، وأدلتهم مذكورة فيها.
فكتبهم في الأصول تذكر فيها أدلتهم على العقائد، وذلك في (الأساس)(2)، و (حقائق المعرفة)(3) و (مجموع الإمام الهادي)(4) عليه السلام، و (مجموع الإمام القاسم)(5) عليه السلام وغيرها.
__________
(2) ـ كتاب الأساس في عقائد الأكياس، من كتب أصول الدين عند الزيدية وهو تأليف الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد أحد أئمة الزيدية في اليمن، والمتوفى سنة (1029 هـ).
(3) ـ كتاب حقائق المعرفة من أشهر كتب أصول الدين عند الزيدية، وهو من تأليف الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان أحد أئمة الزيدية في اليمن، المتوفى سنة (566 هـ).
(4) ـ مجموع الهادي، ويسمى (المجموعة الفاخرة) وهو يشتمل على مجموعة كبيرة من كتب أصول الدين للإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، أول أئمة الزيدية في اليمن توفي سنة (289 هـ).
(5) ـ مجموع الإمام القاسم يشتمل على مجموعة كبيرة من كتب الإمام القاسم بن إبراهيم أحد أئمة الزيدية في مصر والحجاز، توفي سنة (246 هـ).
وكتبهم في الفقه تذكر فيها أدلتهم في الفقه، وذلك في (أحكام الإمام الهادي) عليه السلام و (المنتخب)(1) و (شرح التجريد)(2) و(الاعتصام)(3) و(الصحيح المختار)(4) وغيرها، وهذه الكتب موجودة يمكن المنصف أن يطلع عليها ويعرف أنهم بَنَوا مذهبهم على أدلة ثابتة لا على الهيام. (1/4)
فإن أراد مقبل أن الأدلة غير صحيحة عنده فقد غرر ودَلَّس، لأنَّه لا يُشتَرَطُ في صحة الأدلة أن يعترف مقبل بصحتها، وقد أوْهَم أنَّه ليس لهم أدلة يعتمدونها لا صحيحة عندهم ولاعنده، والله المستعان.
فقوله: المذهب الزيدي مبني على الهيام، هذا القول من مقبل تغرير وتلبيس، والبحث والإنصاف يكشف الحقيقة.
* قال مقبل في الشريط: أهل السنة يحبون أهل البيت حباً شرعياً.
& والجواب: أنَّه أراد بأهل السنة شيعة معاوية فهذه الدعوى منه لادليل عليها، وإن أظهر الله الحق في كتبهم فأوردوا فيها بعض فضائل أهل البيت، فليس ذلك دليلاً على أنهم يحبون أهل البيت حباً شرعياً، وقد عارض ذلك حبهم لأعداء أهل البيت، وتعظيمهم لأعداء أهل البيت، هذا بالنسبة إلى أكثرهم.
__________
(1) ـ الأحكام والمنتخب من أهم كتب الفقه عند الزيدية وهما للإمام الهادي يحيى بن الحسين.
(2) ـ شرح التجريد: كتاب في الأدلة على فقه الزيدية، وهو من أجل الكتب، وهو تأليف الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، أحد أئمة الزيدية في الجيل والديلم توفي بآمل سنة (421 هـ).
(3) ـ الاعتصام بحبل الله المتين: كتاب فيه الأدلة على مسائل الفقه عند الزيدية، وقد جمع الأدلة من كتب الزيدية وغيرها، وهو من تأليف الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
(4) ـ الصَّحيح المختار من حديث الأئمة الأخيار، جمعه شيخنا العلامة محمد بن الحسن العجري وهو يشتمل على ما صح عند المؤلف من الحديث المدون في كتب الزيدية.
ثُمَّ نقول له: ما هو الحب الشرعي؟ أهو الإعراض عن أهل البيت وتضعيف رواياتهم في الحديث، وتسميتهم روافض وغلاة ومبتدعين، وتضعيف الكثير مما يُروى من فضائلهم، وتضعيف الرواة منهم وعنهم، وترك التعلم منهم، واعتبارهم أهل بدعة؟! أم ماهو الحب الشرعي؟ فإن قال: بل الحب الشرعي حب من كان متبعاً لأهل السنة ـ بزعمه ـ وتَرك المبتدعين، قلنا: فقد جعلت مذهبك هو الحاكم على المذاهب، ولاينجو إلاَّ من وافقك في مذهبك، وعندك يجب على أهل البيت أن يكونوا على مذهبك، وإذا خالفوك فهم عندك أهل بدعة وضلال، ولايجب اتباعهم لأن حبهم غير شرعي، ولابد لك من حجة على هذه الدعوى وإلاَّ فهي عاطلة باطلة، فهل جاء من الله أمر باتباعكم جملة؟ فبيّنْه ولاتجد إلاَّ دعوى مثل غيرك من الفرق المخالفة لأهل البيت الَّتِي تدعي أنَّها على الحق فَتُوجِبْ على الناس اتباعها لأنها بزعمها هي الَّتِي على الحق، وإن أردت أنَّه قد تقرر في مذاهبكم على التفصيل في كل مسألة أنكم على الحق، فهذه دعوى لادليل عليها، لأنكم بَنَيْتم مذهبكم في العقائد على إهمال العقول ومحكم القرآن، وتقديم العمل بالمتشابه والروايات المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل رواتكم أهل الصدق، ورواة المخالفين لكم جعلتموهم كذابين أو ضعفاء، وهذه منكم دعوى بلا دليل، ولايقبل قولكم في المخالفين لكم، لأنكم خصومهم تجرّون لأنفسكم، ولايقبل قول خصم في خصمه لأنَّه متَّهَم فيه. (1/5)
وهذا لأنَّه لانزاع في وجوب اتباع الكتاب والسنة، إنَّما النزاع في المتبِع لهما مَن هو؟ فاتِّبَاعُ السنة عند أسلافكم هو الجَبْر والتَّشبيه وتجويز خلف الوعيد وغير ذلك، فإنكم تسمونه: السنة، ولذلك سمى ابن أبي عاصم كتابه (السُّنة) لما كان في الروايات الموافقة لمذهبكم، وكذا في سنن أبي داود كتاب السنة، وهو الكتاب المشتمل على مذاهبكم المذكورة.
فلا يجب عندك حب أهل العدل والتوحيد من أهل البيت عليهم السلام، لأنهم عندك مخالفون للسنة، إذاً فلا حب لأهل البيت عندكم لأن مذهبهم المعروف المشهور هو العدل والتوحيد وغير ذلك مما هم مخالفون لكم فيه، وقد شرطتم في حبهم أن يكونوا على مذهبكم، كأنكم قرناء الكتاب وسفينة نوح، فبطل حبهم عندكم ببطلان شرطه! (1/6)
* قال مقبل: لابد أن يكون لإمام المذهب كتب، وهؤلاء أهل المذهب السائد في اليمن المنتسبون إلى زيد بن علي ليس لإمامهم كتب، لأن المجموع(1) يرويه أبو خالد.. ألخ كلامه في سند المجموع، وبقية كتب زيد بن علي المسندة إليه، قال: ليست صحيحة.
& والجواب: أن كتب الإمام زيد بن علي الصحيحة لايجب أن تصح عند مقبل ولاعند أئمته، وهي عند الزيدية صحيحة، وكلام مقبل في سند المجموع غير مسموع، لأنَّه مبني على أساس منهار، فهو فيه مقلد لأسلافه ومعتمد على روايات خصوم الزيدية المُتَّهمين فيهم، لأن الذين تكلموا في أبي خالد هم المخالفون له في المذهب والعقيدة، المخالفون لما يرويه أبو خالد في المجموع، فهم يبغضونه ويتهمونه فلا سماع لقولهم فيه، لأنهم خصومه، وكذا الرواة عنهم الذين يروون عنهم الكلام في أبي خالد المذكورون في كتاب (الجرح والتعديل) وفي (الكامل) لابن عدي وغيرها، هم خصوم أبي خالد فلا تقبل رواياتهم فيه، لأجل أنهم أعداؤه عداوة مذهب، وقد تَقَرَّرَ أنَّه لايقبل قول الخصوم في خصومهم كما حققناه في (تحرير الأفكار)(2) مفصلاً.
__________
(1) ـ المجموع المطبوع اليوم باسم مسند الإمام زيد بن علي (ع) وهو من أصح كتب الزيدية، وقد أجيب على من شكك فيه أو ضعف بعض رواته بإجابات كثيرة.
(2) ـ تحرير الأفكار أحد كتب المؤلف الموسعة في الرد على الوهابيين.
وأما قوله: لابد أن يكون لإمام المذهب كتب، فهذا غير صحيح فيكفي أن يُكْتَب عنه ويُروَى روايات صحيحة ولو لم يكن له كتب، وهذا حيث كان من الأولين الذين قَلَّ في عصرهم تدوين المذاهب في الكتب، فعدم الكتاب لايدل على عدم المذهب. (1/7)
هذا وأما زيد بن علي فله كتب صحيحة، وروايته في (مجموعه) و(أمالي أحمد بن عيسى) و (أمالي أبي طالب) و (أمالي المرشد بالله) و (أحكام) الهادي و (الشافي) وغيرها من كتب الزيدية تبين مذهبه، والمهم في النِّسْبَة إليه بيان موافقتهِ في العقائد، ولذلك ينتسب إليه الزيدية عموماً المجتهد وغيره، لأن النسبة إليه ليس المقصود بها نسبة التقليد، بل هي نسبة التعبير عن المذهب في العدل والتوحيد والإمامة والخروج على الملوك الظلمة ونحو ذلك.
* قال مقبل في أبي خالد: كذبه أحمد بن حنبل.
& والجواب: لو سلمنا أن أحمد كذبه لما كان حجة؛ لأن أحمد يتشدد على من يخالفه في المذهب، حتَّى كان لايروي عمن أجاب في المحنة(1) وإن كان من أهل مذهبه، فكيف بمن هو مخالف له في العقائد، وأبو خالد يخالفه فقد روى في (المجموع) أحاديث في فضل علي عليه السلام تهدم مذهب أحمد في التفضيل، ونسبتها إلى زيد وآبائه ثقيل على أحمد، فكيف لاينكرها أحمد؟ وكيف لايبغض أبا خالد وهو يخالفه في العقيدة؟ فهو متهم في أبي خالد لو صح أنَّه كذَّبَه، ولأن أحمد بن حنبل ينكر تلك الروايات المخالفة لعقيدته ويعتقد بطلانها وبذلك يَعْتَبِر راويها كاذباً، وهو ظن لاحجة فيه ولايُقَلَّد في قوله المبني على ظنه، مع أن السَّند إلى أحمد غير صحيح، لأنَّه من طريق مَنْ هو مِنْ أعداء أبي خالد المتهمين فيه لعداوة المذهب.
* وقال مقبل في أبي خالد ما حاصله: إن وكيعاً قال: إنَّه يضع الحديث.
__________
(1) ـ المحنة: هي ما تعرض له أحمد بن حنبل من الضرب والسجن حين رفض أن يقول إن القرآن مخلوق.
& والجواب: إن هذا غير صحيح عن وكيع، والراجح أن أعداء أبي خالد اختلقوه على وكيع اختلاقاً، ثُمَّ صاروا يتلقونه بألسنتهم حرصاً على جرح أبي خالد، لاعتمادهم على رواية من طريق من هو مجهول، ومن هو متردد بين مجهول ومختلف فيه، لأنهم لايتحرجون عن قبول مثل هذا وإن لم يصح، وذلك لعداوتهم لأبي خالد وشدة حرصهم على جرحه، حماية لمذهبهم في التَّفضيل، ولظنهم أن جرحه مصلحة دينية من حيث أنَّه حماية لمذهبهم. (1/8)
* قال مقبل في إبراهيم بن الزبرقان(1): إنَّه ضُعِّفَ.
& والجواب: إن المُضَعِّف له مِن خصومه فلا يُسمَع فيه.
* قال مقبل: يرويه عنه نصر بن مزاحم(2) وكان زائغاً عن الحق، وكُذِّب أيضاً.
& والجواب: إن هذه عبارة الجوزجاني الناصبي فقال في نصر: (( كان زائغاً عن الحق ))(3) يعني أنَّه ليس على مذهب الجوزجاني الناصبي، لأن الجوزجاني يَدَّعي أن مذهبه هو الحق، وأن المخالف له زائغ عن الحق، ولكن الدعوى فاسدة، والزائغ عن الحق هو الجوزجاني ومن اتخذه إماماً في الجرح وهو يعلم أنَّه ناصبي مبغض لأمير المؤمنين علي عليه السلام، فويل لأتباعه يوم يُدعى كل أناس بإمامهم.
__________
(1) ـ إبراهيم بن الزبرقان التيمي أحد رواة المجموع وهو عدل ثقة عند الزيدية.
(2) ـ نصر بن مزاحم المنقري أحد رواة المجموع أيضاً وهو صاحب كتاب أخبار صفين وهو ممَّن يوثق بروايته عند الزيدية.
(3) ـ أحوال الرجال للجوزجاني 82 رقم (109). والجوزجاني هذا هو إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني عرف بالنصب ووصفه أهل الحديث بذلك. حتَّى قال ابن عدي: كان شديداً يميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي. وقال الدار قطني: كان فيه انحراف عن علي. وقال ابن حبان: كان حريزي المذهب. وحريزي المذهب نسبة إلى حريز بن عثمان الحمصي من غلاة النواصب. قال ابن حجر: الجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف. توفي سنة (259 هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 2/549، ميزان الاعتدال 1/57، تهذيب التهذيب 10/143.
وأما تكذيب نصر فهو لأجل روايته ما يسوء شيعة معاوية وعمرو بن العاص، ولايضر نصراً تكذيبهم فقد كُذِب رسل جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير، وسيعلمون غداً من الكذاب الأشِر. (1/9)
* قال مقبل: فعرفنا من هذا أن (المجموع) لاتثبت نسبته إلى زيد بن علي عليه السلام ـ يعني من جرح أبي خالد ونصر وتضعيف إبراهيم ـ.
& والجواب: أنَّه لاسماع لذلك لأنَّه من أعدائهم المحاربين لهم في المذهب، المحاربين (لمجموع الإمام زيد بن علي) لما فيه من الحديث في الإمام علي عليه السلام المخالف لمذهبهم، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنت أخي ووزيري وخير مَن أخلفه بعدي بحبك يعرف المؤمنون وببغضك يعرف المنافقون، من أحبك من أمتي فقد برئ من النفاق، ومن أبغضك لقي الله عز وجل منافقاً ))(1).
وغير هذا الحديث مما يعرفه مَن قَرأ المجموع، فهو يسبب الحرص عند المخالفين على نفي صحته، وعلى دعوى بطلانه، وعلى بغض أبي خالد، فلا يقبل جرحهم فيه ولافي الراوي عنه إبراهيم، ولا في نصر بن مزاحم.
وقد روى الإمام زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: (( لاتجوز شهادة مُتَّهم ولاظَنِين ولامحدود في قذف ولامجرّب في كذب ولا جارّ إلى نفسه نفعاً ولادافع عنها ضرراً ))(2) انتهى.
وهؤلاء المتكلمون في أبي خالد متهمون لحرصهم على حماية مذهبهم.
* قال مقبل في (نهج البلاغة): إنَّه لايصح من أجل قدح الذهبي في مُؤلِّفِه.
& والجواب: أن الذهبي لا يُصَدَّق في هذا، لأن الرَّضِي شيعي يبغضه الذهبي، ولأن في (نهج البلاغة) ما ينكره الذهبي ويخالف مذهبه، فهو حريصٌ على إبطاله لأنَّه يُروى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وذلك ثقيل على الذهبي جداً، فهو متهم فيه، لأنَّه عنده مُنكَر لمخالفته عقيدته، فلا يقبل منه رده لنهج البلاغة ولاتضعيفه للرَّضِي.
__________
(1) ـ مسند الإمام زيد 405.
(2) ـ مسند الإمام زيد 291.
وكذا المَقبلي(1)، فالسبب واحد، وهما خصمان للرضي وليسا حجة عليه ولا على غيره من الشيعة، وكيف يكون الذهبي والمقبلي حجة وهما إنَّما اعتمدا على ظن السوء؟ فاتباعهما تقليد لهما فيما عمدتهما فيه سوء الظن، الذي أساسه اختلاف المذهب ومخالفة الرضي لاعتقادهما. (1/10)
* قال مقبل: ليس مذهب زيد إثبات وصية أمير المؤمنين عليه السلام، واستند في إنكاره هذا إلى دعواه أن زيداً عليه السلام قال لمن أراد منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر: اذهبوا فأنتم الرافضة.
& والجواب: أن هذه الدعوى تدليس من مقبل وتغرير وتلبيس، يوهم بها أن زيداً سماهم رافضة لأجل أنهم أرادوا أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، هذا تغرير وهذا تدليس سلك فيه مقبل طريقة أهل التغرير والخداع من أسلافه، وعدل عن طريقة أهل العلم، لأنه يعرف أن الرواية: أن بعض الشيعة رفضوا زيداً فسماهم الرافضة لأنهم رفضوه، أطبقت على هذا الروايات، وإن اختلفت في ذكر سبب رفضهم لزيد بن علي.
قال الهادي عليه السلام في (كتاب معرفة الله ص 220 من المجموعة الفاخرة): (( وإنَّما فَرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب مَن بايع زيداً ويعاقبهم خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة هذا السلطان ـ إلى أن قال الهادي عليه السلام ـ فلما أن كان فعلهم على ما ذكرنا سماهم حينئذ زيد: روافض )).
__________
(1) ـ صالح بن مهدي المقبلي اليمني له كتب منها: الأبحاث المسددة في فنون متعددة، والعَلَم الشامخ، والمنار، وقد تعرض للتشكيك في صحة نسبة النهج إلى الإمام علي، وقد أجاب عليه الإمام محمد بن عبدالله الوزير في لآلي الفرائد بجواب مفصل ومستكمل.
وقال النووي في (شرح مسلم 1/103): (( وسموا رافضة من الرَّفض، وهو الترك، قال الأصمعي وغيره: سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي فتركوه )). انتهى. ذكره النووي ذِكْرَ المُسَلَّمِ به، لأنَّه أورده لتفسير الرافضة وهذا هو المشهور في الروايات. (1/11)
أما ما روي أنَّه [أي زيد بن علي] قال في أبي بكر وعمر: كانا وزيري جدي. فلم تصح الرواية فيه إذ ليس لها سند صحيح، وإنَّما أعجبت بعض المخالفين فقبلوها وإن لم تصح، كما أن مقبلاً لما أعجبته رواية الهادي عليه السلام في الرافضة وفيها: (( فاقتلهم قتلهم الله فإنهم مشركون )) قبلها مقبل واحتج بها في شريط سابق، مع أنه يَدَّعي أنَّه لايقبل حديث الشيعة، ومع أن الذهبي في الميزان اعتبر الحديث في الرافضة ضعيفاً، وضعَّف بروايته تليداً(1)، وقال بعد أن أورد الحديث من رواية داود بن أبي عوف: (( فهذا آفة تليد )). فخالف مقبل إمامَه الذهبي، وقبل الحديث لَمّا وافق هواه.
وأما (كتاب القراءات) المنسوب لزيد بن علي فليس عند الزيدية معتمداً، ولا هو من كتبهم الَّتِي توارثوها، فلا معنى لإطالة مقبل في أبي حيان الذي ليس من الزيدية، ولا كلامه في كتابه الذي ليس من كتب الزيدية، لأنا لاندعي صحته.
* قال مقبل في الزيدية: ليسوا أتباع زيد ولا أتباع علي بن أبي طالب، ولكنهم أتباع أبي الجارود(2).
& والجواب: إن هذا تغرير وتلبيس، فأبو الجارود ليس إمام مذهب، وقد قال مقبل: إن إمام المذهب لابد أن يكون له كتب، فأين توجد كتب لأبي الجارود في بلاد الزيدية؟!.
__________
(1) ـ تليد بن سليمان المحاربي، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، وقال أحمد: كان مذهبه التشيع، وقال العجلي: لابأس به كان يتشيع. قال السيد صارم الدين: وقد قدحت فيه الناصبة. انظر: الفلك الدوار ترجمة رقم (153) (( بتحقيقنا ))، تهذيب الكمال 4/320.
(2) ـ أبو الجارود زياد بن المنذر، أحد أصحاب الإمام زيد، ليس صاحب مذهب.
* قال مقبل: إن بعض الزيدية يقولون نحن جارودية. (1/12)
& والجواب: هذا تغرير منه وتلبيس، لأنَّه يعلم أنهم إنَّما أرادوا أنهم على مذهبه في المشائخ الثلاثة فقط، وليس المراد أنهم مقلدون له، إنَّما المراد أن مذهبهم مذهبه المعروف ـ أي اتفاق المذهب فقط ـ فكيف يغرر ويدعي أنَّه إمام المذهب الزيدي؟!
وخصوصاً والزيدية مختلفون في الثلاثة، ليسوا كلهم جارودية، فكيف جعلهم كلهم جارودية؟ وجعل أبا الجارود إمام مذهبهم جملة؟
فأما قوله: ليسوا أتباع زيد ولاعلي فقد رماهم بأعظم من هذا تصريحاً، فقال بأنهم ليسوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل رمى الجمهور منهم في اليمن بالشرك، حيث قال: مَن الذي جعل أهل ذيبين ينادون أبا طَير، وأهل يفرس ينادون ابن علوان، وأهل ذمار ينادون يحيى بن حمزة، وأهل صعدة ينادون الهادي. انتهى. ذكره في كتابه الذي سماه رياض الجنة ( ص 86 الطبعة الأولى)، هذا كلامه فيهم وغيره مما قاله فيهم في كتبه وأشرطته، حتَّى قال في شريط سابق: إن له كتاباً يدعو فيه إلى إخراجهم من اليمن، أظن اسمه: (إيقاظ الفطن لإخراج الروافض من اليمن) وهو حقيق أن يُسَمَّى: (إيقاظ الفتن) لأنهم لو حاولوا العمل به لأيقظوا الفتنة، وهو يدَّعي أنهم الرافضة.
فأما إبطال كلامه فيهم فهو يتبين من قراءة كتبهم ومعرفة أدلتهم كما ذكرناه سابقاً، ففيها ما يبين أنهم أهل القرآن والسنة وأنهم هم شيعة علي عليه السلام الموالون له المتبعون له، وأن مذهبهم مذهب زيد بن علي في العدل والتوحيد والإمامة والخروج على الملوك المفسدين في الأرض وغير ذلك من المسائل العلمية.
* قال مقبل: أتدرون ما معنى جارودية؟ معناها أنهم يرون سب أبي بكر وعمر وسب الصحابة!!
& الجواب: قوله وسب الصحابة كلام كذب، لأن معناه سب الصحابة جملة فهو كذب على الجارودية وعلى أبي الجارود ولا أساس له من الصحة.
وأما قوله: سب أبي بكر وعمر، فقد كتبت رسالة في الفرق بين السب وقول الحق لغرض صحيح لا لمجرد الذم، فليطالعها من أراد التحقيق، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِيْنَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِيْنَ}(1). وهذه الآية قد دخل فيها أمر الصحابة قبل غيرهم، وتناول الأمر فيها الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فليس لأحد أن يدعو إلى كتمان الحق في شخص منهم بدعوى أنَّه إذا قال الحق فقد سب الصحابة، أو روى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فقد سب الصحابة بزعم شيعة معاوية، والله تعالى يقول: {إِنَّ الَّذِيْنَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الَّلُهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}(2). (1/13)
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كتم علماً مما ينتفع به ألجمه الله بلجام من نار ))، فقول مقبل في الجارودية: يرون سب أبي بكر وعمر. قول غير مسلم.
* قال مقبل عند ذكر الجارودية: تسرب البلاء إلينا من إيران.
& الجواب: هذه دعوى بلا حجة، وقد نسب القول بوصاية أمير المؤمنين إلى ابن السوداء وأنه أحدثه في زمان عثمان، ذكر ذلك مقبل في كتابه المسمى (رياض الجنة)، وذكر في حاشيته أنَّه يهودي من صنعاء، وهذه دعوى لاصحة لها أيضاً.
__________
(1) ـ النساء: 135.
(2) ـ البقرة: 159.
والتحقيق أن الخلاف وقع ـ في أبي بكر وعمر ـ بسبب أنهم لما اثبتوا إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا فيمن تقدمه، فمن العلماء الزيدية من توقف فيهم وقد حكم بأنهم أخطأوا، ومنهم من قطع بإثمهم. ومن المتأخرين من يتأول لهم، وذلك كله لاختلافهم في الدليل على إمامة أمير المؤمنين أهُو نص جلي لايعذَر المخالفُ له لوضوحه، أم هو ظاهر يحتاج إلى نظر وتأمل؟ فلا يقطع بإثم المخالف له إذا لم يعلم معناه، ولكن هل يعذر في التَّقصير في النظر أو لايعذر، ومنهم من تأول لهم أنهم قد فهموا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكنه يرى أنهم تأولوا ذلك على أنَّه رأي دُنْيَوي يجري مجرى تدبير الحروب لاحكمٌ شرعي. (1/14)
ولسنا بصدد الترجيح بين الأقوال فإن الله تعالى يقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَتُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1)، والمهم أن يعرف المنصف أن الزيدية أخذوا مذهبهم عن الأدلة لامن ابن السوداء ولا من إيران.
ونقول لمقبل وأضرابه كما قال نبي الله يوسف عليه السلام: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}(2) لما قالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}(3).
فنقول: معظم أئمة مقبل من إيران ولكن البلدان لادخل لها في تصحيح مذهب ولا في إفساده وإنَّما العمدة الدليل، فلينظر المنصف كتب الزيدية وأدلتهم فيها ليعرف أنهم اعتمدوا الأدلة لا ابن السوداء ولا إيران ولا أبا الجارود.
__________
(1) ـ البقرة: 134.
(2) ـ يوسف: 77.
(3) ـ يوسف: 77.
وقلنا: معظم أئمة مقبل من إيران، لأن إمامه ابن المبارك من إيران(1)، والبخاري من إيران(2)، كما هو مذكور في ترجمة الدارمي في أول سننه أنَّه من أهل خراسان وخراسان من إيران(3)، ومسلم من إيران من نيسابور(4)، والنسائي من إيران(5)، وابن ماجة من إيران(6)، ويحيى بن معين من إيران(7)، وأبو حاتم الرازي من إيران(8)، وابن عدي من إيران(9)، وابن خزيمة من إيران(10)، وأبو زرعة من إيران(11) (1/15)
__________
(1) ـ ابن المبارك: عبدالله بن المبارك بن وضاح المروزي المتوفى سنة (181 هـ)، والمروزي نسبة إلى مرو الشاهجان من بلدان خراسان شمال شرق إيران.
(2) ـ البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصَّحيح المتوفى سنة (256 هـ)، وبخارى من مدن خراسان شمال شرق إيران وهي الآن من مدن جمهورية تركمانستان.
(3) ـ خراسان بلدان واسعة بعضها في إيران وبعضها في دول آسيا الوسطى شمال شرق إيران.
(4) ـ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري صاحب الصَّحيح توفي سنة (261 هـ) ونيسابور من مدن إيران تقع شمال شرق إيران.
(5) ـ النسائي: أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة (303 هـ)، والنسائي نسبة إلى نسأ بلدة بخراسان شمال شرق إيران.
(6) ـ ابن ماجة: محمد بن يزيد الربعي القزويني صاحب السنن المتوفى سنة (283 هـ)، وقزوين مدينة من مدن إيران تقع شمال غرب إيران.
(7) ـ يحيى بن معين بن عون بن بسطام بن عبدالرحمن المري الغطفاني توفي سنة (233 هـ)، لم أجد ما يدل على أنَّه من إيران ولامن الدول المجاورة لها شرقاً وشمالاً والمعروف أنَّه ولد ببغداد ونشأ بها.
(8) ـ أبو حاتم: محمد بن إدريس بن المنذر الرازي المتوفى سنة (277 هـ)، والرازي نسبة إلى الري، وهي بلدة كبيرة من بلاد الديلم شمال إيران.
(9) ـ ابن عدي: عبدالله بن عدي الجرجاني المتوفى سنة (365 هـ)، وجرجان من مدن إيران.
(10) ـ ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري توفي سنة (311 هـ)، ونيسابور من مدن إيران.
(11) ـ أبو زرعة الرازي: عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد الرازي المتوفى سنة (264 هـ)، والرازي نسبة إلى الري، ذكر ذلك ابن السمعاني في الأنساب.
، والدارمي من إيران(1)، وأحمد بن حنبل أصله من مرو من إيران(2)، وغيرهم من أسلاف مقبل من إيران. (1/16)
فلو قلنا: إن الغلو في أبي بكر وعمر وعثمان وسائر مذاهبكم المخالفة لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءت من بلاد الأعاجم من إيران وأفغانستان والإتحاد السوفيتي(3)، لما أبعدنا بل كانت دعوانا هذه أقرب من دعواكم على ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين توارثوا الدين خلف عن سلف، لم ينقطع من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليوم، فكيف ينسب إليهم العدول عن مذهب أسلافهم، والمرء قد يتبع أسلافه حَمِيَّة وتعصباً ولو كانوا على باطل، فأما أن يدَعَ مذهب أسلافه وهو الحق والمفخر في الدنيا والآخرة ويستورد مذهباً خلافه فدعوى ذلك دعاية تمجها الأسماع، وتنفر منها الطباع عند أهل الإنصاف والذوق السليم.
فكيف ادعيت يا مقبل أن الهادي عليه السلام على بدعة وهو من كبار علماء العترة، وأبوه وأعمامه وجده وأخو جده محمد بن إبراهيم القائم بمصر وأبوه إبراهيم بن إسماعيل وأبوه وجده من كبار أهل البيت، والحسن بن الحسن والحسن السبط لم تتخللهم أسرة جهل وانقطاع، بل ما زالوا بيت العلم والدين من زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكما قال المنصور بالله عليه السلام:
والله ما بيني وبين محمد ... إلاَّ امرؤ هاد نماه هادي
__________
(1) ـ الدارمي: عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل السمرقندي الدارمي صاحب السنن، توفي سنة (255 هـ)، وسمرقند مدينة في جمهورية أوزبكستان شمال شرق إيران، بينها وبين إيران جمهورية تركمانستان.
(2) ـ إذا كان أصل أحمد من مرو فهي ـ وإن كانت من خراسان ـ مدينة من مدن جمهورية تركمانستان شمال شرق إيران.
(3) ـ يعني من الجمهوريات الإسلامية الَّتِي كانت ضمن الإتحاد السوفيتي سابقاً، وتقع شمال إيران.
وقد أورد الهادي عليه السلام أدلته على عقائده في الأصول في كتبه بما فيه كفاية لأهل الإنصاف، وهو إمام زيدية اليمن أولاً، وبعده الأئمة والمجتهدون على طريقته، فكيف تقول: دخل علينا البلاء من إيران؟ (1/17)
* قال مقبل: كان اليمن ديار سنة رحل المسلمون إلى عبدالرزاق الصنعاني.
& والجواب: هذا غير صحيح بل كان اليمن مضطرباً بالخلافات المذهبية والسياسية، فأما وجود عبد الرزاق الصنعاني في اليمن فلا يدل على أن اليمن سنة، لأن عبدالرزاق يروي عن غير يمنيين، ويروي كثيراً عن مَعْمَر الوافد من البصرة إلى اليمن، ولو كان اليمن على مذهبكم لما طلبوا الهادي عليه السلام من الرس إلى اليمن ليطهّر اليمن من الفتن والفساد. هذا إذا أردت بقولك: كان اليمن سنة أنَّه كان اليمن على مذهبكم، فأما إن أردت أنه كان فيه علماء الحديث المحبين لآل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حباً صادقاً لامجرد الدعوى، الباغضين لأعداء أهل البيت فلا ننكر ذلك. وقد نُسِبَ التَّشيع إلى عبدالرزاق نفسه(1)، كما كان من المحدثين الشيعة: الحارث بن عبدالله وهو يماني(2)، وقبيلة همدان هي القبيلة المشهورة بالتشيع من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وناصرته وناصرت الأئمة من بعده، وروي عن علي عليه السلام أنَّه قال في همدان:
__________
(1) ـ عبدالرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري، ولد سنة (126 هـ)، وهو أحد الحفاظ الكبار، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، ووصفه الذهبي والعجلي وابن عدي ويحيى بن معين بالتشيع، توفي سنة (221 هـ). انظر علوم الحديث ترجمة (27) بتحقيقنا، سير أعلام النبلاء 9/563.
(2) ـ الحارث بن عبدالله الهمداني، من أجل أصحاب الإمام علي، ذكره السيد صارم الدين في رجال الشيعة، وقال غير واحد: أنه كان يتشيع. توفي سنة (65 هـ)، وقد ألف محدث المغرب السيد عبدالعزيز الغماري كتاباً في توثيقه سماه (( بيان نكث الناكث بتضعيف الحارث )) رد فيه على الألباني.
وناديت فيهم صيحة فأجابني ... قبائل من همدان غير لئام (1/18)
إلى أن قال فيهم:
ولو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
وقد دخلت اليمن الكتب المختلفة من أهل المذاهب من الشيعة والنواصب، ولكن الزيدية ينظرون في الأدلة ولايزيدهم الإطلاع على كتب المخالفين إلاَّ قوة في عقيدتهم.
وقد غضب مقبل من كتب الشيعة وزعم أن فيها الكفر البواح، وهذا تبرير منه لغضبه، والحقيقة أن غضبه من كتب الإمامية وسماها إيرانية، لأنها تخالف مذهبه، وفي ميزان الذهبي وغيره من كتب أسلاف مقبل حكايات مذاهب كفرية والإثم في ذلك على قائله.
فقوله: الكفر البواح. غير مُسَلّم وإنَّما هو تحامل على كتب الشيعة بسبب نصرتها للتشيع، اللهم إلاَّ أن يكون عند مقبل كتاب لكافر من كفار إيران لانعرفه فالله أعلم، لأن إيران بلد كبير فيه ملل مختلفة فيما قيل.
* قال مقبل: دخل الاعتزال في اليمن.
& والجواب: ما هو الاعتزال؟ تعني العدل والتوحيد فلا معنى لإنكاره، ولايؤدي إلى الشك في الله، وما حكيت عن أبي هاشم هو قوله وحده، وقد رد عليه علماء الزيدية وأبطلوا قوله هذا، وليس نتيجة القول بالعدل والتوحيد.
وقد دخلت كتب المشبهة في اليمن وهي الَّتِي تؤدي إلى عبادة غير الله سبحانه وتعالى، لأجل تشبيه الله سبحانه بالمخلوقين، أم تريد بالاعتزال استعمال العقول والتمييز بها بين المحكم والمتشابه، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمكذوب عليه، فالعقل حجة الله على بني آدم، يقول الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لاَتَعْبُدُوْا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ} إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيْراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُوْنَ}(1) أم تريد أن تغرر في محاربة الحق بمجرد الدعايات والألقاب، هذا معتزلي، أو هذا شيعي، أو هذا إيراني، أو هذا رافضي، أو هذا جهمي، تغريراً على العوام وإرجافاً على من لايعرف الأدلة. (1/19)
والحق إنَّما يُعرف بالأدلة من العقل ومحكم الكتاب والسنة، لا بالإرجاف والدعايات.
* قال مقبل: يقول قائل المعتزلة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة والمعتزلة أبرها وأتقاها )).
__________
(1) ـ يس: 60 ـ 62
& والجواب: أنَّه لايعاب مذهب من المذاهب بفعل منكر من أحد رجاله، أو بكذبة يكذبها لأن عيب الفعل والقول على فاعله وقائله لاعلى غيره، والله تعالى يقول: {وَلاَتَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(1)، ولو كان المذهب يعاب بفساد بعض أهله للزم أن يعاب الإسلام ـ صانه الله وأعزه ـ لأن كثيراً من أهله المنتسبين إليه مفسدون، وهذا باطل لايقوله مسلم، فالتحقيق والإنصاف أنه لايعاب مذهب إلاَّ بمخالفة الحق، لابفساد بعض رجاله، فما بال مقبل يحاول إفساد مذهب المعتزلة بكلمة أبي هاشم عن نفسه، أو برواية أحد المعتزلة لحديث: (( أبرها وأتقاها المعتزلة ))، وهو يعلم أن في أهل مذهب مقبل من روى الروايات المكذوبة المذكورة في (ميزان) الذهبي، و (كامل) ابن عدي، وغيرهما مثل ما روى الذهبي وابن عدي عن حماد بن سلمة ـ وهو من أئمتكم ـ فقد روى الذهبي في (الميزان) عن حماد يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( رأيت ربي جعداً أمرد عليه حلة خضراء ))(2)، وكذا أخرجه ابن عدي(3) من طريق حماد بن سلمة، وأخرج ابن عدي أيضاً في ترجمة حماد بن سلمة في الكامل ونقله الذهبي في الميزان من طريق حماد بن سلمة: (( إن محمداً رأى ربه في صورة شاب أمرد من دونه ستر من لؤلؤ، قدميه ـ أو قال رجليه ـ في خصره ))(4)، ولفظ حكاية الذهبي: (( قدميه ورجليه في خضرة ))(5)، وكذا رَوَى من طريق حماد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( رأيت ربي في صورة شاب أمرد جعد ))(6)، فهذا في كتبكم وفي حديث أئمتكم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يؤدي إلى الشرك. (1/20)
__________
(1) ـ فاطر: 18.
(2) ـ الميزان 1/593.
(3) ـ الكامل لابن عدي 2/677.
(4) ـ الكامل لابن عدي 2/677.
(5) ـ الميزان 1/593 ـ 594.
(6) ـ الميزان 1/593.
وحكا الذهبي في (الميزان) في ترجمة أيوب بن عبدالسلام أن ابن حبان روى عنه أنَّه روى عن ابن مسعود: (( إن الله إذا غضب انتفخ على العرش حتَّى يثقل على حملته )) قال: رواه حماد بن سلمة(1). (1/21)
فنعوذ بالله من مثل هذا الكلام، فإنه يقود إلى تشبيه الله بخلقه وعبادة غير الله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ}(2)، {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الْخَبِيْرُ}(3).
* قال مقبل: يتركون الأحاديث المتواترة، مثل (حديث النزول) لأجل الوسوسة.
& والجواب: إن ترك اعتماد ما يوهم الحديث من التشبيه واعتباره من المتشابه لابأس به، لأنَّه ليس رداً للحديث وإنَّما هو اتباع للمحكم وجعل المتشابه على معناه الصحيح، لا على ما يُتَوهم منه مِنْ تشبيه الله بخلقه، لأنَّه جمْعٌ بين الأدلة واتباع للمحكم الذي هو أم الكتاب، أي المرجع الذي يرجع إليه ولو كان لكم أن تجعلوهم قد نبذوا الحديث وردوه رداً ورفضوه رفضاً من أجل تأويله، واعتمادهم على العقل والمحكم كان لهم أن يقولوا: إنكم قد رددتم القرآن ورفضتموه لمخالفتكم قول الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(4)، وقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ}(5).
__________
(1) ـ الميزان 1/290، المجروحين لابن حبان 1/165.
(2) ـ الشورى: 11.
(3) ـ الأنعام: 103.
(4) ـ الشورى: 11.
(5) ـ الحديد: 4.
وأما قوله: لأجل الوسوسة. فهو يعني به التفكر بالعقول يسميه وسوسة، فهو يدعو إلى إهمال العقول الَّتِي هي حجة الله على بني آدم، كما أن إهمالها سبب دخولهم جهنم قال تعالى: {وَقَالُوْا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيْرِ}(1)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيْراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَيَفْقَهُونَ بِهَا}(2)، وقال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}(3)، ولعل المشركين لو استعملوا عقولهم لما أشركوا، فالنصارى لو نظروا أن عيسى وأمه من البشر كانا يأكلان الطعام لتأوَّلوا الروايات الَّتِي تسميه: ابن الله، أو تسمي الله أباه ـ سبحان الله وتعالى ـ. (1/22)
ولكنهم قبلوا الروايات عن عيسى الَّتِي فيها تسمية الله أباً، ولم يتأولوها لأنهم أهملوا عقولهم فجعلوه ابن الله غلواً فيه واتباعاً للهوى وإهمالاً للعقول.
* قال مقبل: وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )).
& والجواب: هذا الحديث لايصح وإن كان عند المخالفين مشهوراً عن أنس، لأنهم أهل البدعة وهو روايتهم يروونه لنصرة مذهبهم، والمبتدع لاتقبل روايته فيما يُقَوي بدعته، ولو صح الحديث لما كان دليلاً على ما يريدون، لأنَّه يحمل على الشفاعة في تعجيل الحساب، أو يحمل على أنَّه مجمل لأنه لم يذكر فيه ماذا يطلب بالشفاعة، لم يذكر فِيمَ يشفع لهم، فليس لكم أن تبينوا المجمل بأهوائكم أو بروايات غير صحيحة، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُغريَ الأمة بالكبائر ويؤمنهم عقوباتها.
__________
(1) ـ الملك: 10.
(2) ـ الأعراف: 179.
(3) ـ الإسراء: 36.
هذا إذا كان المراد بالكبائر كبائر الإثم والفواحش، فأما إن كان المراد بالكبائر كبائر الطاعات الَّتِي تثقل على النفوس، فلا إشكال، ولعلكم تنكرون هذا المعنى الذي هو كبائر الطاعات والله تعالى يقول: {وَاسْتَعِيْنُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيْرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِيْنَ}(1)، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعِ الرَّسُوْلَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيْرَةٌ إِلاَّ عَلَى الَّذِيْنَ هَدَى اللَّهُ}(2)، وقال تعالى: {كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِيْنَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}(3). (1/23)
وعلى هذا فالذي يفعل من الطاعات ما يثقل عليه ويعسر ويتحمل المشقة ليرضي ربه تكون له الشفاعة، لأنَّه عمل عملاً كبيراً عليه ليرضي ربه.
ولعلكم تقولون: الكبائر حقيقة في كبائر العصيان.
والجواب: هذا عُرْفٌ حادث، والقرآن والسنة عربيان يفسَران باللغة العربية لا بالعرف الحادث، ألا ترى أن السيارة قد صارت في هذا العصر حقيقة في تلك المصنوعة من الحديد وغيره الَّتِي يسافر بها ويحمل عليها، ولايصح أن يفسر بها قول الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ}(4)، وإنَّما يفسر بمسافرين يكثرون السير، فهكذا اسم الكبائر لايفسر بكبائر العصيان، إلاَّ حيث قامت قرينة أو أضيف إلى المعاصي كما في القرآن: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}(5)، {الَّذِيْنَ يَجْتَنِبُوْنَ كَبَائِرَ الإِثْمِ}(6).
فتحصَّل: أن الحديث مجمل باعتبار اسم الكبائر، وباعتبار المشفوع فيه ما هو؟ فالحديث إن صح فهو من المتشابه يُرَدُّ إلى المحكم، أو يقال: ما يَعلم تأويله إلاَّ الله، على الخلاف في المتشابه.
__________
(1) ـ البقرة: 45.
(2) ـ البقرة: 143.
(3) ـ الشورى: 13.
(4) ـ يوسف: 19.
(5) ـ النساء: 31.
(6) ـ النجم: 32.
* قال مقبل: فمتى متى جاز لهم أن يستدلوا بقول عمر لأنَّه موافق لأهوائهم. (1/24)
& والجواب أنَّه ليس استدلالاً بقول عمر بمعنى أنه حجة، وإنَّما المقصود أنَّه قال: (( لو كان سالمٌ حياً ما شككت فيه ))، ولم ينكره على عمر أحد من الصحابة، ولو كانوا قد سمعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( الأئمة من قريش )) لوجب عليهم أن يردوا على عمر فيقولوا: إن سالماً ليس قرشياً، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( الأئمة من قريش ))، فلما لم يردوا على عمر، دل ذلك على أن الحديث لم يكن وجد، وإنَّما وجد بعد ذلك لتثبيت ملك بني أمية وقطع أطماع من يُخشى منه المنازعة في الملك، ممَّن ليس من قريش.
فأما تكثير الرواة فإن سياسة الدولة تستطيع الإجبار على مثل ذلك وأكثر من ذلك، ألا ترى أن زياد بن أبيه جمع من شهود الزور مائة شاهد وواحداً وخمسين شاهداً شهدوا على حجر بن عدي وأصحابه بالخلاف والدعوة إلى الفتنة والحرب، فشهدوا لَمَّا كان لزياد سلطان ودولة، وأمكنه مع سلطانه أن يكثر شهود الزور إلى هذا العدد الكبير.
وكذلك هارون الملقب الرشيد استطاع بسلطانه أن يجمع ألفاً وثلاثمائة شاهد زور، فشهدوا أن يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عليه السلام شهدوا أنَّه عَبْدٌ لهارون، ليسلِّمه إليه ملك مِن الأعاجم كان صار إليه متشرداً من هارون(1).
__________
(1) ـ القصة مبسوطة في الشافي 1/224 ـ 237، وكتاب أخبار فخ لأحمد بن سهل الرازي.
فما ذكر مقبل من كثرة رواة حديث: (( الأئمة من قريش )) عن أنس لايدل على صحته، حيث أن الحديث يمكن الأمويين تكثير رواته لأن لهم فيه غرضاً سياسياً(1). (1/25)
ولذلك غضب معاوية لما سمع بحديث: إنَّه سيكون ملك من قحطان، كما في (البخاري ـ ج 13 ص 102، 103 ـ من شرح ابن حجر على البخاري) فهذا الوجه لمن نفى صحته، وهو يبين أنه لم ينفها مجازفة واتباعاً للهوى، ولا احتجاجاً بمجرد قول عمر.
* قال مقبل: يقولون في الأحاديث: هذا آحاد وهذا أصول وهذا فروع. وجعل ذلك ترَّهات.
& والجواب: إن هذا من مقبل تسوية بين المعلوم والمظنون وهو خطأ، لأن المعلوم يَحْصُل العلم اليقين منه فتنبني عليه العقيدة الصحيحة في العقائد الأصولية. أما المظنون فلا يحصل به الاعتقاد المبني على العلم بل إذا بُنِيَت عليه عقيدة كانت ضعيفة تحتمل الخطأ والصواب، لأن الظن يخطئ ويصيب، وخبر الآحاد في الغالب لايحصل به علم اليقين، ولو وجب أن تبنى عليه العقائد لكان معظم الفِرَق علىحَقّ، لأنهم يروون روايات يصححون بها عقيدتهم ويوثقون الرواة منهم ولايمكن أن تكون العقائد المختلفة كلها حقاً، ولا أن يكلف الإنسان باعتقاد ما ظنه ولو باطلاً.
__________
(1) ـ لعل المؤلف يشير هنا إلى عدم صحة حديث: (( الأئمة من قريش )) ولكنه جاء في الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى: انتهى إلينا في الخبر المشهور أن النبي (ص) وقف على باب بيت فيه جماعة من قريش فأخذ بعضادتي الباب ثُمَّ قال: (( الأئمة من قريش )). وقال السيد مجد الدين في الجامعة المهمة 31: قد صح الخبر من طريق أهل البيت كمجموع زيد بن علي ونهج البلاغة وغيرهما ومن سائر طرق الأمة.
فصح أنَّه لايصح في الاعتقادات إلاَّ اعتماد الدليل المعلوم، أما الآحاد فإن الواحد قد يخطئ أو يخطئ مُعَدِّله وهو غير عدل، ويكون الواحد عدلاً عند قوم مجروحاً عند آخرين، ويكون الجرح والتعديل مبنياً على الظن والترجيح، فكيف يحصل به العلم اليقين، مع أن العقائد قد حصلت فيها الأدلة المعلومة فلا يقبل الآحادي المخالف لها لأنَّه منكَر المتن، وأنتم لاتقبلون ما يخالف أصولكم في أبي بكر وعمر، بل تجرحون في الراوي لأن الرواية عندكم منكرة، فكذلك ما خالف الأصول الثابتة بالعقل ومحكم القرآن، فلا يقبل المخالف لها لأنَّه منكر إلاَّ أن يقبل التأويل ويؤول بما لايخالف الحق فلا بأس بقبوله على هذا الشرط. (1/26)
* قال مقبل: يقول وكيع: من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله فهو جهمي.
& والجواب: لانسلم صحة هذا عن وكيع، ولو صح فليس حجة، بل هو دليل على جهل قائله، لأن نفي الرؤية لايختص بجهم، والخلاف فيها مشهور لغير جهم، مع أن رد الحديث من أجل سنده للعلة المذكورة في قيس وجرير لايُوجب أن يكون المنكِر له جهمياً.
* قال مقبل: والحديث ليس عن جرير فحسب بل هو وارد عن قدر ثلاثين صحابياً.
& والجواب: إنهم كثروا الطرق بروايات واضحة البطلان وإنها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليست حديثاً واحداً بل هي رواية أحاديث مختلفة وإن تضمنت الرؤية، وفي بعضها إثبات الصورة لله سبحانه، فالحديث الواضحُ كَذِبُ راويه لاتُكَثَّرُ به الرواية، ومع مخالفتها كلها لقول الله تعالى: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}(1) لايصح اعتمادها، بل إما أن تُرَدّ لمخالفتها الآية القرآنية الَّتِي لاينحصر رواتها بل روتها الأمة كل قارئ منها، فما تكون في جنب نقلة القرآن نقلة رواية الرؤية، وإما أن يُرَدّ بعضها وهو ما في أحاديث التشبيه الواضح لأنها لاتَقبل التأويل إلاَّ بتعسف، ويُقبل ماليس فيه إلاَّ ذكر الرؤية على شرط تفسيره بما لايعارض الآية القرآنية، وذلك أن تفسَّر الرؤية برؤية نور العدل يوم القيامة، والحق الخالص، والرحمة لأولياء الله، والكرامة لهم وإعلاء الحق، وإخزاء الباطل وأهله، فتكون مشاهدة تلك الأمور تعتبر رؤية لأنَّه يحصل بها العلم الضروري بالله، واتصال الأذهان بجلاله لايشغلها عنه شاغل فكما أن رؤية نور القمر تعتبر رؤية للقمر مع أنَّه لايُرى من الأرض حقيقة على حد رؤية الحاضر عنده من رُوّاد الفضاء الذين يرونَهُ من عنده كما نرى الأرض، إنَّما يُرى من الأرض نوره، فكذلك رؤية نور الحق يوم القيامة، لأن المؤمن يكون قلبه صالحاً للعلم الضروري والذكر الخالص لله، وقد رضي الله عنهم ورضوا عنه بخلاف الكافر فهو مشغول بنفسه: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى}(2) وعلى هذا يكون للتشبيه برؤية القمر فائدة غير ما يتوهم المشبهون لله سبحانه، وتلك الفائدة أن الرؤية هي رؤية نور الحق الَّتِي تتجلى بها عظمة الله وجلاله، فتتجه لها قلوب المؤمنين إلى الله سبحانه، كما أن رؤية القمر ليست رؤية جرمه حقيقة إنَّما هي رؤية نوره وشعاعه. والله أعلم. (1/27)
__________
(1) ـ الأنعام: 103.
(2) ـ الإسراء: 72.
أو تقبل الرواية على أنَّها من المتشابه الذي يُرَدّ إلى المحكم، أو يقال فيه لايعلم تأويله إلاَّ الله على الخلاف في المتشابه. (1/28)
* قال مقبل: ويلمزون أهل السنة بأنهم حشوية وبأنهم خوارج.
& والجواب: إنك أردت بأهل السنة أهل مذهبكم وأسلافك من أهل الحديث، ولم يلمزوهم كلهم بأنهم خوارج، إنَّما قالوا: الوهابية الذين يكفِّرون المسلمين ويستحلون دماءهم هم خوارج، لأنهم على طريقة الخوارج في تكفير المسلمين وسفك دمائهم، كما ذلك معروف من عهد محمد بن عبدالوهاب. فأما الأولون من المحدِّثين فلم يسموهم خوارج فلا تَكْذِب عليهم ليتسنى لك الرَّد.
* قال مقبل: ولكن من هم الخوارج؟ لو قرأنا التاريخ لوجدنا أنهم الذين يخرجون على الخلقاء من زمن قديم.
& والجواب: إن أصل الخوارج: الفرقة الَّتِي خرجت على رَعيَّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الإمام المحق، وادعوا أنه هو ورعيته كلهم كفار واستحلوا دماءهم وأموالهم، ثُمَّ سمي من كان على مذهبهم من بعدهم خارجياً.
فأما من خرج على ولاة الجور الطغاة لإعلاء كلمة الله ودفع الظلم عن المسلمين فليس خارجياً لأنَّه ليس على طريقة أولئك الخوارج، ولا على مذهبهم في تكفير المسلمين، بل هو كما أُمِر في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ}(1)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا كُوْنُوْا أَنْصَاراً لِلَّهِ}(2)، وقال تعالى: {وَجَاهِدُوْا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}(3)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيْلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيْلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ}(4)، والجهاد في سبيل الله هو الجهاد في سبيل نصرة دين الله وإعلاء كلمة الله، فكيف سوى مقبل بين الخارجين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمام الهدى وهم أهل الباطل، يقتلون المسلمين بغير حق ويكفرونهم بغير موجب، وبين من قام من أئمة الهدى الدعاة إلى الله المجاهدين في سبيل الله ضد ولاة الجور مثل يزيد، ومثل هشام بن عبدالملك، ومثل ولاة بني العباس؟ فيسوي مقبل بين المجرمين الخارجين على إمام الهدى علي بن أبي طالب، والمسلمين الخارجين على ولاة الجور للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِيْنَ كَالْمُجْرِمِيْنَ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ}(5)، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِيْنَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِيْنَ كَالْفُجَّارِ}(6)؟. (1/29)
__________
(1) ـ آل عمران: 104.
(2) ـ الصف: 14.
(3) ـ الحج: 78.
(4) ـ المائدة: 35.
(5) ـ القلم: 36.
(6) ـ ص: 28.
وقد شعر مقبل بعار هذا الكلام أو خاف فاحترس بقوله: وقد يكونون مصيبين، وقد يكون بعضهم مصيباً. ولكن لم يخرجهم من اسم الخوارج، فبان أنَّه قاله تستراً واحتراساً، ولو كان أراد الإنصاف لقال: ولكن أئمة أهل البيت أمثال الحسين السبط وزيد بن علي ومحمد بن عبدالله النفس الزكية والحسين بن علي الفخي ومحمد بن محمد بن زيد ومحمد بن إبراهيم وغيرهم ليسوا خوارج، لأنهم لايكفرون المسلمين ولايخرجون على ولاة الحق. (1/30)
* قال مقبل: فالبدار البدار إلى العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
& والجواب: هذه كلمة حق يراد بها باطل، لأن الغرض بها اتباع مذهبكم في تصحيح ما صحح أسلافكم وتضعيف ما ضعفوا من الحديث، وجرح من جرحوا من الرواة وتوثيق من وثقوا، لأن السنة عندكم هي ما صححه أسلافكم أو حَسَّنوه، فالدعوة منكم إلى السُّنة دعوة إلى تقليدهم.
ألا ترى أنكم قلتم أن المقبلي مذبذب، مع قولكم أنَّه يريد نصرة السنة، فلم تعتبروه من أهل السنة حقاً لَمَّا لم يكن على مذهب أسلافكم في كل شيء، فالدعوة في الحقيقة ليست دعوة إلى السنة. إنَّما هي دعوة إلى مذهب أسلافكم وتقليدهم في التصحيح للحديث والتحسين وغير ذلك.
أو لا ترى أنكم لاتعتبرون من يريد السنة الَّتِي يرويها أهل البيت وشيعتهم، لاتعتبرونه من أهل السنة بل تعتبرونه من أهل البدعة، وتزعمون أن حديث أهل البيت وشيعتهم ليس صحيحاً ولاسنة، فتبين أنكم إنَّما تدعون إلى مذهب أسلافكم في الحديث والعقائد والفقه، لأن ذلك عندكم هو السنة، وهذا باطل كما حققناه في (تحرير الأفكار) تحقيقاً كاملاً فليراجعه من أراد الحق.
فظهر أن دعوتك إلى السنة كلمة حق يراد بها باطل.
وقد روي التحذير من أهل هذا الطريقة الذين يستميلون الناس إلى الباطل بقول كلمة حق من خير قول البرية، فأخرج البخاري ـ وهو إمامكم ـ (ج 8 ص 53 نسخة أصل بلا شرح) عن علي عليه السلام أنَّه قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لايجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )) إلخ الحديث. (1/31)
فهذا تحذير منهم لئلا يغتر بهم، بسبب أنهم يقولون من خير قول البرية فالحذر الحذر، ولو أنَّه دعى إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الَّتِي يرويها زيد بن علي وجعفر الصادق والقاسم والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب والمرشد بالله والموفق بالله وغيرهم من علماء الزيدية، مع النظر في الرجال في كتاب (طبقات الزيدية) و (الجداول) و (الصحيح المختار) ومع تحرير الفكر واجتناب أقوال المخالفين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين ضَعَّفوا جعفر الصادق، والإمام النفس الزكية، وضعفوا أصحاب أمير المؤمنين وشيعته وأصحاب الأئمة كأبي خالد، وأبي الصلت الهروي، وأحمد بن عامر الطائي، وضعفوا ابن ضميرة وغيرهم، بلا حجة صحيحة إلاَّ التعصب المذهبي كما حققناه في (تحرير الأفكار) فلو دعى مقبل إلى ذلك كانت كلمة حق يراد بها الحق، وقد حققنا الدليل على هذا في (تحرير الأفكار) فليطالعه من أراد الإنصاف.
* قال مقبل: إن الزيدية ليسوا زيدية لأنهم تارة على مذهب الشافعي، وتارة على قول أبي حنيفة، وتارة على قول أبي العباس. الخ.
& والجواب: أن المراد في النسبة إلى زيد بن علي العقائد، فمن كان من أهل العدل والتوحيد والولاء لأمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل البيت والقول بتقديم أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والجهاد في سبيل الله ضد الظلمة فهو زيدي، لأن المهم صحة العقائد لا التقليد.
فأما قوله أنهم تارة على مذهب الشافعي.. الخ، فهو شأن الاجتهاد واتباع الدليل، أن يوافق المجتهد من وافق ولايتقيد بقول مجتهد آخر في كل مسألة لأن مهمته اتباع الدليل، ومن شك في هذا فليطالع (شرح التجريد) للإمام المؤيد بالله و (الاعتصام) و (الصحيح المختار). (1/32)
وأما ما حكاه مقبل عن ابن الأمير فلا سماع له، لأنه كلام خصمهم، والخصم لايصدق في خصمه.
وأما الأشعار(1) فليست في مذهب الزيدية جملة، كيف والزيدية منهم الأئمة المجتهدون والعلماء المجتهدون فيهم كثير جداً، وفيهم من يتبع المجتهدين منهم من غير المذهب المشهور.
وكلامه في المذهب الذي يسمي (المذهب) في الفروع الفقهية ليس مما ينتقد على الزيدية جملة، لأنه خاص ببعضهم، وهم الذين يعتمدون المذهب المذكور وأصله مذهب الهادي، والقاسم، ومحمد بن القاسم، والناصر بن الهادي، والمرتضى بن الهادي، ثُمَّ قام بعدهم المؤيد بالله، وأبو طالب، وشيخهما أبو العباس الحسني بجمع نصوصهم وبيان أدلتهم، وقام بعدهم القاضي زيد بن محمد بمثل طريقتهم، ثُمَّ جاء المذاكرون المفرّعون فحققوا ما يتفرع من المسائل على النصوص ويستنبط منها.
__________
(1) ـ يشير المؤلف هنا إلى الأشعار الَّتِي أوردها مقبل في الشريط، وهي من أشعار إسحاق بن يوسف في منظومته الَّتِي استفسر فيها عن المذهب والتي مطلعها: أيها الأعلام من ساداتنا.
ولما كان المقصود هو العمل بالأدلة كان الراجح عندهم ما وافق الدليل من عموم أو خصوص أو إطلاق أو تقييد أو قياس، وتخريج أو أحد القولين حيث كان في المسألة قولان. فهذا هو السبب فما كان هو الراجح اختاروه للمذهب وغالبه نصوص الهادي والقاسم، وشاهد ذلك (شرح التجريد) فإنه يذكر المسألة ويذكر أنَّه نص عليها القاسم أو الهادي أو كلاهما ويعين الكتاب الذي نصا فيه على المسألة ثُمَّ يذكر الدليل عليها. ويشهد لذلك أيضاً كتاب (التحرير) لأبي طالب فقد نص فيه على اعتماد نصوص المذكورين من أهل البيت ومن قرأ (الأحكام) للهادي وجد أكثر النصوص فيها، فما شنع به أعداؤهم إنَّما هو تغرير على العامة والقاصرين، ومن بحث عرف الحقيقة. أما قول شاعرهم: (1/33)
جعلوا المذهب قولاً خارجاً ... عن نصوص الآل فابحث وسَلِ
فهو كذب أو تدليس وتغرير، وما على طالب الحق إلاَّ أن يبحث في (التجريد) و (التحرير) وشرحيهما ليتبين له تغرير مقبل ومن ذكره من أهل التغرير. وبالله التوفيق.
* قال مقبل: كم أوذوا [يعني أصحابه] من أجل الدعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
& الجواب: إن الدعوة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لايقوم ضدها الزيدية أبداً، بل هم يدعون إليها وعلماؤهم يصنفون فيها فلا صحة لما رماهم مقبل به، إنَّما أراد بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مذهب المخالفين لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما هذا فكل أهل مذهب يعارضون مَنْ قام فيهم يدعوهم إلى مذهب المخالفين لهم.
بل قد بلغ من تعصب أسلاف مقبل أنهم وطئوا بأقدامهم النسائي حتَّى أدَّى ذلك إلى موته، بسبب أنَّه صنف كتاب (خصائص الإمام علي)، وامتنع من تصنيف كتاب في فضائل معاوية، وقال: لا أعرف إلاَّ (( لا أشبع الله بطنه ))، فداسوه بأقدامهم حتَّى أدَّى إلى موته. فلا عجب من مقاومة الزيدية للدعاة إلى مذهب المخالفين لأهل البيت، كابن الأمير، والشوكاني، والمقبلي، لأنهم يعتبرونهم مفسدين، والله تعالى يقول: {وَلَوْلاَ دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(1). (1/34)
* قال مقبل: لسنا نستغرب الآن إذا قالوا عن الدعاة إلى الله بأنهم عملاء. وكَذَّب القائلين وبالغ في تكذيبهم.
& الجواب: إنَّه يعني بالدعاة إلى الله نفسه لأنَّه ينسب إلى العمالة للوهابية في السعودية الذين يقدمون له الدعم المادي والمعنوي، تقوية له على عمله ليستميل أهل البلاد إلى مذهب الوهابية، والحكم لله العلي الكبير {سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ}(2).
* قال مقبل: ففيه كتاب اسمه عيون المعجزات فيه أن الشمس قالت لعلي: السلام عليك يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن يا من هو بكل شيء عليم.
& والجواب: إنا لانعرف هذا الكتاب لارأيناه ولاسمعنا به إلاَّ من مقبل.
* قال مقبل: في كتاب اسمه (سلوني قبل أن تفقدوني) يقول أنَّه سئل رجل أين أفضل علي بن أبي طالب أم أبو بكر؟ قال: علي لأنَّه خلق أبا بكر.
__________
(1) ـ البقرة: 251.
(2) ـ القمر: 26.
& والجواب: لم نجد هذا الكلام في الكتاب المذكور، ووجدنا فيه كلاماً آخر حكاية عن الغلاة، فنسبه مؤلفه إلى الغلاة مثبتاً أنهم غلاة، وذاكراً لقول علي عليه السلام: (( يهلك في رجلان محب غال ومبغض قال ))، فهو يعترف أن ذلك القول غلو، وأن الغلو إثم، ولذلك فلا ينسب إلى المؤلف ولا إلى كتابه ذلك الكلام، بصورة أن المؤلف قاله عن نفسه، أو أنه أثبته في كتابه على دعوى أنه حق وصواب، فإذا نسب إلى الكتاب بإيهام هذا فهو تدليس وتغرير، كأن يقول القائل: أحذروا هذا الكتاب فإن فيه الغلو وفي الشرك، مع أن الكتاب لايدعو إلى شيء من ذلك إنَّما حكاه عن الغلاة وبَيَّن أنه لايجوز ولو جاز ذلك لجاز أن نقول احذروا كتاب مقبل الذي سماه رياض الجنة أو الطليعة فإن فيه الغلو، وذلك لأنَّه حكى قصة نسبها إلى عبدالله بن سبأ، فهل هذا حق أم هو تغرير وإيهام باطل؟ (1/35)
* قال مقبل: فمن أفسد فطر اليمنيين، ومن زحزحهم عن العقيدة الحقة، إنهم الذين استوردوا لنا المذهب المعتزلي في القرن السادس أحمد بن سليمان والقاضي جعفر.
& الجواب: إن مذهب المعتزلة تقديم أبي بكر في الإمامة على علي عليه السلام، فكيف تقول هذا وأنت تعلم أن الإمام احمد بن سليمان يعتقد تقديم علي عليه السلام، أما القول بالعدل والتوحيد فهو في اليمن من قبل الإمام أحمد بن سليمان والقاضي جعفر بزمان طويل، كما أن تقديم علي عليه السلام في الإمامة كذلك، فما هذا الافتراء على أئمة الهدى ودعاة الخير؟ ألم يكن الأجدر أن تقول: كان اليمنيون على حب علي عليه السلام وأهل البيت حتَّى خرج المسرف بسر بن أرطأة في دولة بني أمية الَّتِي كانت أساس الفساد وكانت هلكة الأمة على يدي غلمة سفهاء منهم؟
ثُمَّ كان في اليمن القرامطة، أفلم يكن الأجدر أن تنسب الفساد إليهم؟ ثُمَّ كان في اليمن الباطنية والمطرفية، أفلم يكن الأجدر أن تنسب الفساد إلى أهله لو أنصفت؟ فما أشبهك بسلفك من الخوارج الذين قاتلوا علياً وتركوا معاوية!! ثُمَّ قاتلوا الحسن ثُمَّ تركوا يزيد!. (1/36)
وهذا كتاب (حقائق المعرفة) لو عرضته على كتب الهادي والقاسم وأسباطهما لوجدته موافقاً لها.
وهذا السيد حميدان(1) من أهل البيت من الزيدية في اليمن يرد على المعتزلة في مجموعه، وكذا الإمام القاسم بن محمد يرد عليهم في (الأساس) في عدة مسائل، وكلامك هذا لاينفق إلاَّ عند العامة ومن لايعرف كتب الأئمة، وكأنك وضعت الشريط للعامة وغَرَضُك التغرير عليهم بالدعايات الكاذبة، ولم ترقب محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته، والله تعالى يقول: {أَمْ يَحْسِبُوْنَ أَنَّا لاَنَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُوْنَ}(2).
* قال مقبل: أهل السنة يصبرون على الشيعة ولايستحلون دماءهم.. ألخ.
__________
(1) ـ حميدان بن يحيى حميدان القاسمي من أعلام الفكر عند الزيدية، له مؤلفات منها المجموع، وهو يشتمل على عدة رسائل في الرد على المعتزلة، توفي سنة (656 هـ).
(2) ـ الزخرف: 80.
& والجواب: هذه مغالطة وتغرير فالوهابية لايرون إسلامهم، وقد بلغتنا فتاوى الباز(1) بفساد مناكحتهم لعدم إسلامهم عنده، وعندنا وثائق على ذلك، وأنت تقول في (ص 86) من كتابك(2) فمن الذي أفسد فِطَر اليمنيين وجعلهم متأخرين في العلم؟ من الذي جعل أهل ذِيبين ينادون أبا طَير، وأهل يفرس ينادون ابن علوان، وأهل ذمار ينادون يحيى بن حمزة، وأهل صعدة ينادون الهادي؟ إن كنت لاتعرف فالعامة الآن تعرف، وما عرف أحد العلم من اليمنيين إلاَّ وهو يعلم أنكم الذين أفسدتم الشعب اليمني. انتهى. فقد رمى مقبل أهل البلدان الأربع بالشرك، ورمى علماء الزيدية في اليمن فهم المقصودون بأنهم الذين جعلوهم مشركين. (1/37)
وقال مقبل في (رياضه ص 141): فقد أصبح بحمد الله المجتمع اليمني يستنكر بفطرته التمسح بالتراب الذي على قبر الهادي رحمه الله، ـ إلى قوله ـ وهم لايدرون أنه لو كان حياً لكان أعظم المنكرين لهذا القبيح، وهل يرضى الهادي رحمه الله أن يكون شريكاً لله {أَمَّنْ يُجِيْبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوْءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ}(3) انتهى.
فجعل التمسح بتراب القبر شركاً، والوهابية يجعلون التوسل شركاً، والتبرك شركاً، وغير ذلك من الأسباب يُكَفِّرون بها المسلمين، فكيف غالط مقبل بأهل السنة، وهو يعلم أن الوهابية لهم طريقة خاصة في الرمي بالشرك والكفر، فهم يكفرون الزيدية ويستحلون دماءهم وأموالهم، ولو ساعدتهم الظروف لفتكوا بهم، وانتهبوا أموالهم واعتبروها غنائم حلالاً، فليس تَسَتُّره بهذه المغالطة إلاَّ لعدم مساعدة الظروف على الإفصاح بهذا المذهب الخبيث.
__________
(1) ـ يعني عبدالعزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية.
(2) ـ يعني كتاب رياض الجنة.
(3) ـ النمل: 62.
هذا ولايبعد في أسلافهم من المحدثين أنهم يرون كفر العدلية لا لأجل التشيع، بل من أجل قولهم أن المعاصي من العبد، وقولهم: إن القرآن مُحْدَث، وتأويلهم ما يوهم إثبات المكان لله سبحانه، واعتقادهم أنَّه لايشبه المخلوقين لا في الصورة ولا في التركيب، ولا في الكون في مكان ونحو ذلك. (1/38)
فكيف تقول يامقبل: إنهم لايكفرون الشيعة لتُغَالِطَ بكون التشيع ليس كفراً عندهم؟ وقد حكيت عن وكيع أن من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير فهو جهمي.
أفليس جهم عندكم كافراً، وكذا حكيت في كتابك الذي سميته (رياض الجنة) في الذَّب عن أبي هريرة عن الحاكم ما حكاه عن أبي بكر بن إسحاق في (المستدرك 3/513) حيث قال: وإنَّما يتكلم في أبي هريرة من قد أعمى الله قلوبهم ـ إلى قوله ـ: إما معطِّل جهمي يسمع أخباره الَّتِي يرويها خلاف مذهبهم الذي هو كفر فيشتمون أبا هريرة، ـ إلى قوله ـ: أو قدري اعتزل الإسلام وأهله وكفر أهل الإسلام، ـ إلى قوله ـ: انظر إلى أخبار أبي هريرة في إثبات القدر، ولم يجد حجة تؤيد صحة مقالته الَّتِي هي كفر وشرك.. الخ.
وقد نقلته في (تحرير الأفكار) وأجبت عنه، فليراجعه من أراد الإنصاف ليعرف أن قول مقبل هنا: إن أهل السنة لايُكَفِّرون الشيعة إنَّما هو تغرير وخداع، لأنهم وإن لم يكفِّروا بالتشيع فهم يكفرون بغيره من عقائد الزيدية، إن أردت بأهل السنة أسلافك، فأما أهل السنة الصحيحة فهم أهل البيت ومن معهم وحاشاهم من تكفير الزيدية، لأجل العدل والتوحيد وتنزيه الواحد الحميد، لأنهم شيعتهم وعلى طريقتهم.
ولقد أكثر مقبل في شريطه من التضليل والتغرير على العامة ولذلك أجبت عنه بعد أن أعرضت عن شريطه السابق وتركت الجواب عنه، لأن في (تحرير الأفكار) الكتاب الذي هو رد على مقبل رد حاسم فيه ما يكفي، ولكن هذا الشريط لما كان شريط تغرير، والتغرير شيء والمسائل شيء لم يكن بد من الجواب عن هذا الشريط لأجل كشف التغرير، لأنَّه تكلم عن الزيدية بما هو مجرد تغرير ودعاوى كاذبة فلزم الرد عليه. ولانحب الإكثار في مثل هذا ولكن ضرورة الدفاع أدت إليه. وبالله التوفيق. (1/39)
والحمدلله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
ولاحول ولاقوة إلاَّ بالله العلي العظيم.
بدر الدين بن أمير الدين الحوثي وفقه الله بتاريخ ليلة الأربعاء 20 شهر جمادى الثانية 1410 هـ.