الكتاب : كتاب محاسن الأنظار |
كتاب محاسن الأنظار (1/1)
فيما قيل في الإسنادات والأخبار
تأليف
الإمام الهادي الحسن بن يحي بن علي القاسمي
رحمه اللّه تعالى
الطبعة الأولى
1417هـ ـ 1997م
حقوق الطبع محفوظة للناشر
تم الصف والإخراج بمركز النور للدراسات والبحوث
اليمن ـ صعدة ص. ب (90238)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
مقدمة هذا الكتاب
هذا الكتاب يشتمل على عدة مواضيع وكلها هامة وهي متداخلة وكل موضوع يشتمل على عدة أدلة ووقعات وفوائد ومناقشات، وقد يكون مرتبطاً بما بعده والعكس، ومواضيع الكتاب هي:
الموضوع الأول: إثبات وقوع الكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من عد طرق ووقعات.
الموضوع الثاني: بعض الصحابة يتهم بعضاً بالكذب ويرد حديثه في موارد متعددة.
الموضوع الثالث: حول تعديل مطلق الصحابة وما قيل حول ذلك.
الموضوع الرابع: الخصوم يجرحون من يخالفهم في المذهب.
الموضوع الخامس: ما قيل من النقد حول رجال البخاري ومسلم.
الموضوع السادس: حول رواية كافر التأويل وفاسقه.
الموضوع السابع: اتهام الزيدية في التقصير في علم الرجال. والجواب على ذلك
الموضوع الثامن: اعتماد المخالفين على رجال الشيعة في جملة من الأحاديث واعترافهم بأنه لولا رجال الشيعة لتعطلت الأحكام.
الموضوع التاسع: الرد على منتقد كتاب شفاء الأوام وأل الأحكام وشرح التجريد وغير ذلك من المواضيع.
وهذا الكتاب من مؤلفات ذو العلوم الغزيرة والمؤلفات الكثيرة الطود الشامخ الأشم أمير المؤمنين الهادي لدين اللّذّه رب العالمين الإمام الحسن بن يحيى بن علي القاسي المؤيدي اليحيوي رضي اللّه عنه (مولده سنة 1280 هـ) ودعوته سنة (1322 هـ)، ووفاته سنة (1343 هـ) ألف أكثر من عشرين مؤلفاً في فنون العلم فجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورضي عنه وأسكنه جنات النعيم وألحق بجده صلى اللّه عليه وآله وسلم.
في 15 شهر رجب سنة (1417 هـ)، كتبه الفقير إلى اللّه محمد أحمد حسن الهادي وفقه اللّه. (1/2)
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وصلى اللّه وسلم على محمد وآله، رب يسر وأعن يا كريم.
[وقوع الكذب في الحديث]
اعلم أن الحديث المروي في أيدي الأمة غير مصون من إفك المنافقين، ووضع الفاسقين، ووهم الواهمين، وحشو الملاحدة؛ وأهل البدع والأهواء؛ من المارقين الخوارج، وعتاة النواصب وغلاة الروافض، وطغاة المجبرة والمشبهة، وهمج القصاص والوعاظ، والحشوية، وأغتام الظاهرية والكرامية، وغيرهم كنساك الجهلة المتعبدين والمتصوفين، وقد قال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( سيكذب عليَّ )).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباْ... إلى أن قال: وقد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم على عهده حتى قام خطيباً، فقال: (( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))، وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم متعمداً، فلو علم الناس أنَّه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ولكنهم قالوا صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم رآه وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله، وقد أخبرك اللّه عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك، ثُمَّ بقوا بعده عليه السلام فتقربوا إلى أئمة الضلال والدعاة إلى النار بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال وجعلوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلاَّ من عصم اللّه فهذا أحد الأربعة. انتهى ـ أي النقل ـ.
ونقل الحاكم بسنده إلى عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فكانت خمس مائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيراً، قالت: فغمني فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي بالأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بنا فحرقها، فقلت: لم حرقتها؟ قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث من رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد نقلت ذاك، انتهى. (1/3)
وقال ابن الجوزي: ذكر ابن أبي خيثمة أن غياث بن إبراهيم النخعي حدث المهدي الخليفة العباسي وهو يلعب بالحمام بحديث (( لا سبق إلاَّ في نصل أو خف ))، فزاد فيه: أو جناح، فقال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب، انتهى.
وغير ذلك كمن ألجيء إلى إقامة دليل على ما أفتى به كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية أنَّه وضع حديثاً في قصر صلاة المغرب. وكما حكي عن عبد العزيز بن الحارث التميمي الحنبلي من رؤساء الحنابلة أنَّه سئل عن فتح مكة فقال: عنوة فطولب بالحجة فقال: حدثنا ابن الصواف حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس أن الصحابة اختلفوا في فتح مكة أكان صلحاً أم عنوة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه، فقال: كان عنوة. قال عمر بن مسلم: فلما قمنا سألته فقال: صنعته في الحال ادفع به الخصم. وروى العقيلي بإسناده إلى محمد بن سعيد أنَّه قال: لا بأس إذا كان كلام حسن أن تصنع له إسناداً. وقال أبو العباس القرطبي: استجاز بعض فقهاء العراق نسبة الحكم الذي دل عليه القياس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم نسبة قولية وحكاية نقلية فيقول في ذلك: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم.
قال العلامة شيعي الآل أحمد بن سعد الدين المسوري رضي اللّه عنه في الرسالة المنقذة: وهذا أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني المحدث الكبير روى في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية ـ لعنه اللّه ـ نسخة إلى عماله بعد عام الجماعة: إن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته... إلى أن قال فيها: وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته الذي يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحبا والقطائع، فكثر ذلك في كل مصر فتنافسوا في الدنيا فليس يجيء أحد من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاَّ كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حيناً، ثُمَّ كتب (معاوية)(1) إلى عماله: أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاء كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضائل أبي تراب وشيعته إلاَّ واْتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إليّ وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله، فقريت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وحشد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك، وألقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم... إلى أن قال فيها: ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والتنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم (1/4)
__________
(1) ـ هذه اللفظة زيادة في بعض النسخ. تمت
ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذي لا يستحلون الكذب فنقلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا أنها باطل لما رووها ولا يدينوا بها... إلى أن قال فيها: وولي عبد الملك بن مروان واشتد على الشيعة وولي عليهم الحجاج فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي عليه السلام وموالاة أعدائه وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضاً أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم... إلى أن قال فيها: وقال ابن أبي الحديد: وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم، انتهى. (1/5)
قال المتوكل على اللّه أحمد بن سليمان عليه السلام في حقائق المعرفة: وقد روي عن بعض الملحدين أن السلطان أمر بقتله، فقال: افعلوا ما شئتم فقد حللت عليكم الحرام وحرمت عليكم الحلال ودسست في مذهبكم أربعة آلاف حديث، انتهى.
وفي تنقيح الأنظار وقد روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد، قال: وضعت الزنادقة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أربعة عشر ألف حديث... إلى أن قال: وضرب امتحنوا بأولادهم أو وراقين لهم فوضعوا أحاديث ودسوها عليهم فحدثوا بها من غير أن يشعروا كعبد اللّه بن محمد بن ربيعة بن قدامة... إلى أن قال: وذكر الإمام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فيما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيباً للناس في الطاعة وزجراً لهم عن المعصية... إلى أن قال فيه: وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد المعري أن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا لحديث عمن تأخذونه فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثا، انتهى ولفظه في جامع الأصول ما لفظه: قال شيخ من شيوخ الخوارج بعد أن تاب: إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرنا له حديثا، انتهى. (1/6)
قال في شرح البالغ المدرك لأبي طالب عليه السلام: وروي عن بعض كبار أصحاب الحديث أنَّه قال: نصف الأحاديث كذب. وفيه أيضاً يرويه بسنده عن سليمان بن حرب، قال: دخلت على شيخ وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: وضعت أربع مائة حديث كذباً وجعلتها في تاريخ الناس فلا أدري كيف أصنع. وفيه أيضاً أنَّه صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهم قاص فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر بن قتادة عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( من قال لا إله إلاَّ اللّه خلق اللّه من كل كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان... )) وأخذ في قصة نحواً من عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى بن معين ينظر إلى أحمد بن حنبل، فقال: أنت حدثته بهذا؟ فقال: واللّه ما سمعت به إلا هذه الساعة فسكتا حتى فرغ من قصصه... إلى أن قال فيه: فقال له يحيى: من حدثك بهذا؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال: أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل وما سمعنا بهذا قط من رسول اللّه صلى اللّه وعلى آله وسلم، فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم، قال: ما زلت أسمع أن يحيى بن معين أحمق حتى هذه الساعة، قال يحيى: وكيف علمت أني أحمق؟ قال: كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما كتبته عن سبعة عشر رجلاً أسماؤهم أحمد بن حنبل، انتهى. (1/7)
قال في الإقبال: ولقد قال شعبة: لم يفتش أحد عن الحديث تفتيشي فوجدت ثلثي ما فتشت عنه كذباً... إلى أن قال فيه: قال بعضهم: إذا كتبت فقمش، وإذا عملت ففتش. وقال فيه: قال شعبة إمام المحدثين: تسعة أعشار الحديث كذب. وقال الدار قطني: ما الحديث الصَّحيح في الحديث إلاَّ كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، انتهى.
[إتهام بعض الصحابة بعضاً في رواية الحديث]
واعلم أنَّه قد اتهم بعض الصحابة في بعض وقد كُذِّب بعضهم، ذكر في إملاء النقيب أبي جعفر رضي اللّه عنه ما لفظه: وهذا علي عليه السلام يقول: ما حدثني أحد بحديث من رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلاَّ استحلفته عليه. أليس هذا اتهاماً لهم بالكذب... إلى أن قال فيها: وقد صرح غير مرة بتكذيب أبي هريرة، وقال: لا أجد أكذب من هذا الدوسي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم. انتهى. (1/8)
وفي شرح البالغ المدرك ما لفظه: وروي عن عمر أنَّه كان ينكر على أبي هريرة كثرة الروايات عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقال: لتقلن الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أو لأنفينك إلى جبال دوس، انتهى.
ويدل على ذلك أيضاً قول أبي بكر عند تحريقه للأحاديث التي عنده: خشيت أن أموت وهي عندي فتكون فيها أحاديث من رجل قد ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون فقد نقلت ذاك.
وأخرج الحاكم في مستدركه في جملة حديث ذكر عند عائشة أن علياً قتل ذا الثدية فقالت لي ـ يعني لمسروق ـ لأنَّه راوي الحديث: إذا أنت قدمت الكوفة فاكتب لي ناساً ممن شهد ذلك ممن تعرف من أهل البلد، فلما قدمت وجدت الناس أسباعاً فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك، قال: فأتيتها بشهادتهم، فقالت: لعن اللّه عمرو بن العاص فإنه زعم لي أنَّه قتله بمصر.
قال في الاعتصام: وفي مسند علي بن أبي طالب عليه السلام رواية عمر بن حفص عن عبد اللّه بن أبي شيبة بإسناده إلى نعيم بن دجاجة، قال: كنت جالساً عند علي عليه السلام إذ جاءه أبو مسعود البدري، فقال علي: قد جاء فروح فجاء فجلس، فقال علي: إنك تفتي الناس؟ قال: نعم وأخبرهم أن الآخر ـ يعني(1) علياً عليه السلام يعرض به شر. قال: فأخبرني هل سمعت من شيء؟ قال: نعم سمعته يقول: لا يأتي على الناس سنة مائة وعلى الأرض عين تطرف، فقال علي عليه السلام: أخطأت إستك الحفرة وأخطأت في الأول فتواك إنَّما قال لكل من حضره يومئذ: هل الرخاء إلاَّ بعد المائة. (1/9)
وفيه أيضاً روي أن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري، وقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم. وفيه أيضاً: وأبو بكر وعمر لم يقبلا خبر عثمان في رد الحكم طريد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة، وأبو بكر أيضاً لم يقبل خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة حتى انضاف إليه غيره، وعمر لم يقبل خبر أبي موسى في الاستئذان أيضاً وحده حتى رواه غيره.
وفيه أيضاً وأخرج مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: له بشير: مالي أراك لا تسمع إليَّ حديثي أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا أسماعنا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلاَّ ما نعرف.
__________
(1) ـ لفظ يعني علياً عليه السلام، يعرض به حاشية.
وفيه قال الحاكم وسرد إسناده إلى ربيعة بن يزيد، قال: قعدت إلى الشعبي بدمشق في خلافة عبد الملك فحدث رجل من الصحابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئاً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء فإن كان خيراً فلكم وإن كان شراً فعليهم وأنتم منه برآء )) فقال له الشعبي: كذبت، انتهى وفي إملاء النقيب أبي جعفر رضي اللّه عنه روى بعض الصحابة عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( الشؤم في ثلاثة: المرأة والدار والفرس ))، فأنكرت عائشة ذلك وكذبت الراوي... إلى أن قال فيها: وروى بعض الصحابة عنه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( التاجر فاجر )) فأنكرت عائشة ذلك وأنكرت على الراوي... إلى أن قال فيها: وأنكر قوم من الأنصار رواية أبي بكر الأئمة من قريش ونسبوه إلى افتعال هذه الكلمة. وقال فيها: وطعن ابن عباس في حديث أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخلن يده في الإناء حتى يتوضأ )) وقال: فما نصنع بالمهراس، انتهى. (1/10)
[تعديل مطلق الصحابة]
ومما يدلك أن فيهم العدل وغيره وأنه قد وقع الكذب منهم ما سبق من حديث أمير المؤمنين من قوله: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً وصدقاً وكذباً... إلى أن قال: وقد كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في عهده... إلى أن قال فيه: وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم متعمداً...الخ. قال في الرسالة المنقذة ما لفظه: ومع تأصيلهم أن الصحابة كلهم عدول وقد سمعوا قول اللّه عز وجل لهم خاصة: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}، وقوله: {وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردو على النفاق}، وقال عز وجل في المخلفين: {يريدون أن يبدلوا كلام اللّه}... إلى أن قال فيها: نحو ما في صحيح البخاري عن ابن عباس: (( أن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك... )) الخبر. (1/11)
وفي حديث ابن مسعود: (( ليرفعن رجال منكم )) ونحوه. وفي حديث حذيفة وفي حديث أنس: (( ليردن عليَّ ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني.. )) الخبر. وفي رواية أبي هريرة: (( يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلئون عن الحوض.. )) الخبر. وفي حديث ابن المسيب: (( يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيجلئون عنه .. )) الخبر. ونحو ما روى مسلم: (( ترد عليّ أمتي الحوض.. )) إلى قوله: (( وَيُصَدُّنَّ عني طائفة.. )) الخبر، وفي أخرى: (( ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني.. )) الخبر. ولأحمد بن حنبل: (( رجال ممن صحبني ورآني)) إلى روايات أخر فإن هذه الأحاديث إن كانت صحيحة وصدقاً فكيف يقال كلهم عدول، وإن كانت كذباً وخطأً فقد رووا الكذب والخطأ، وقد وسع ابن بهران نفسه في شرح بعض هذه الأحاديث المذكورة وبين ألفاظها ومخرجيها... إلى أن قال فيها: ومن جملة ذلك قوله أي ابن بهران: وأما معاوية وأصحابه فلا تأويل لهم بل هم طلبة ملك قطعاً وخارجون من الدين عمداً، والعجب ممن عكس القضية وعرف النصوص القرآنية والنبوية وحشى في حديث الرسول ... إلى آخر كلامه، انتهى. (1/12)
وقد سبق في حديث أمير المؤمنين في أن المنافق أحد الأربعة، وأنه لا يأثم ولا يتحرج يكذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم متعمداً وقد جعل اللّه سبحانه حب علي عليه السلام أمارة الإيمان وبغضه أمارة النفاق. قال في شرح خطبة الأثمار في الحديث الصَّحيح المتلقى بالقبول وهو قوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( لا يحبك يا علي إلاَّ مؤمن ولا يبغضك إلاَّ منافق ))، وفي أمالي أبي طالب بإسناده إلى أبي سعيد، قال: إنَّما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً عليه السلام. ومثله في درر السمطين، انتهى ومن المعلوم أن من الصحابة الباغضين له كالسابين له والمقاتلين له والمكفرين له وغيره.
وفي أمالي المرشد بالله بإسناده إلى أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( العلماء أمناء الأنبياء مالم يخالطوا السلطان، فإن خالطوا السلطان فاتهموهم واحذروهم على دينكم )) وفي الجامع الصغير عن أنس، عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( العلماء أمناء الرسل مالم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا فإذا خالطوا السلطان ودخلوا في الدنيا فقد خانوا الرسل فاحذروهم )) ومنهم قطعاً من خالط السلطان الجائر، وقد تواتر قوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم لعمار: (( تقتلك الفئة الباغية ))، وفي حديث لأحمد بن حنبل حديث عمار: أخبرني حذيفة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنَّه قال: (( في أصحابي اثني عشر منافقاً فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) وفي رواية: كان أصحاب العقبة أربعة عشر وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب اللّه ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. (1/13)
وفي الاعتصام، وقال الحاكم في كتاب معرفة أصول الحديث: وقد جرح وعدل أبو بكر وعمر وعلي عليه السلام وزيد بن ثابت وبحثوا عن صحيح الرواية وسقيمها. قال الإمام القاسم عليه السلام: وكذا غيرهم من الصحابة مثل ابن مسعود وعثمان وجماعة من بني أمية وغيرهم ممن رأى النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، انتهى.
وقد وقع منهم الغدر لمن بغضه نفاق كما يصدق به قول الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فيما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ورواه غيره من أهل البيت وغيرهم من قوله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( إن الأمة ستغدر بك يا علي))، وقوله: (( إنك يا علي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين))(1).
__________
(1) ـ في الأم الناكثين والمارقين والقاسطين. تمت
وقد مال كثير منهم عن علي عليه السلام منهم من نكث بيعته بعد لزومها ومنهم من زاد إلى ذلك المروق عن أحكام الشريعة ورسومها، ومنهم من قسط وبغى وأفرط في تقحيمه على حدود الملة المحمدية، ومنهم من تأخر وتوقف وتثبط وشبط في القيام مع الإمام في قتال الفئات المذكورات وإجراء أحكام اللّه سبحانه عليها. (1/14)
قال الحاكم: وذكر ـ يعني الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام ـ بإسناده عن أبي مريم الحنفي قال: كنت أصلي خلف أبي موسى بالكوفة فلما صلى يوماً الفجر، قال: قدم الليلة رجل من خيار أصحاب محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم عمار بن ياسر فمن أحب أن ينطلق معي فليفعل فإن له حقاً فانطلقنا ودخلنا عليه وسلمنا وسلم أبو موسى فما سمعناه رد، ثُمَّ كان أول كلامه أن قال: يا عبد اللّه بن قيس: أنت المثبط الناس عن علي وأنت الذي تقول: اقطعوا أوتار قسيكم؟ ويلك فمن يضرب خراطيم الفتن؟ وأين قول اللّه تعالى: {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة} وأنت القائل: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قال: (( ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان )) ويلك يا عبد اللّه ابن قيس، أما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يقول: (( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ))، وأنا أشهد أنك كذبت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، قال: فرأيت أبا موسى يتفزع كما يتفزع الديك، وقام وخرج. انتهى، فاعرف هذا.
[الجرح من أجل المذهب]
ثُمَّ اعلم أن المحدثين قد التزموا لوازم كانت قواعداً لكل ضلالة مثل التزام تعديل الفساق والمنافقين والبغاة والناكثين، وإيجاب طاعة الفجار المتغلبين وجرحهم للعدول.
قال في الإقبال: أكثر المحدثين معتمدون في رواياتهم على اتباع بني أمية وبني العباس وذلك معروف بمطالعة السير والتواريخ، ويوثقونهم ويمدحونهم كما قال العجلي في عمرو بن سعد أمير الحبيش الذين قتلوا سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم الحسين ابن علي ابن أبي طالب عليهما السلام وسبوا محارم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تابعي ثقة روى عنه الثقات، وكذلك الزهري هو أعدل العدول عندهم إمام رواتهم، حديثه معتمد عليه في الصحاح الستة وغيرها... إلى أن قال فيه: قال الحافظ المراكشي: الجرح بالبدع كان كثيراً في المتقدمين إلى حد ثلاثمائة والمراد بالبدع عندهم ما خالف مذاهبهم ولو كان حقاً ويتصدون لانتقاص أكابر أهل البيت عليهم السلام. (1/15)
قال السيد صارم الدين: ومن طالع تراجم الرجال عرف أن أكثر الجرح إنَّما هو بالمعتقدات ـ يعني المخالفة لما ذهب إليه الجارح ـ قال: وقد تفاحش الأمر في ذلك بين أهل المذاهب فروعاً وأصولاً ومنقولاً ومعقولاً حتى يروى أن بعض الشافعية كان يمر بمساجد الحنابلة فيقول: أما آن لهذه الكنائس أن تسد. وبين فرق الفقهاء أمور ومقالات يضيق المقام عن ذكرها، وكذا بين الحنابلة والأشاعرة، وبين سائر الفرق من المتكلمين وغيرهم؛ بل وبين الطائفة الواحدة، وكذا بين الشيعة والسنة وجرت بينهم في بغداد فتن لا تطاق وأحرق بسبب ذلك غير مرة باب الطاق.
ومنشأ الاختلاف بينهم والتضليل مسألتان: التقديم والتفضيل، ألا ترى إلى جمهور الخصوم لما قطعوا بإمامة الثلاثة بعد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قبل علي عليه السلام وفضلوهم عليه وجعلوه رابعاً، قدحوا في كل من قطع بإمامته بعد النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم دونهم، ومن خطأهم في التقديم عليه وجزم بتفضيله عليهم فمعتمد جرحهم لأكثر الشيعة إنَّما هو لذلك، فمن روى خلاف مذهبهم ولو سنياً بدعوه وكذبوه وسموه رافضياً وتركوا الأخذ منه ونهوا عن الكتابة عنه وهجروه... إلى أن قال: وأعانهم على ذلك خلفاء الدولتين، ومن طالع الأخبار وعرف علوم الرجال عرف ذلك ضرورة. (1/16)
قال في الإقبال: فإنك تراهم طالما يرجحون المفضول على الفاضل ويجرحون بما يعده خصومهم من إعلاء المراتب والفضائل كالقدح بالتشيع، وتجد المتكلم منهم على أحاديث مذهبه يتغاضى عمن روى حجته وإن كان مجروحاً أو ضعيفاً، ويتطلب الجرح لمن روى ما يخالفها، وإن كان مجروحاً أو ضعيفاً، ويتطلب الجرح لمن روى ما يخالفها وإن كان ثقة عفيفاً، فكم من حديث قد ضعفوه بذلك ورجحوا عليه المجروح ونالوا من أعراض قوم لا تزال أرواحهم تغدوا في جنان الخلد وتروح... إلى أن قال: إن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت عليهم السلام وادعوا للذين قاتلوا علياً عليه السلام أنهم قاتلوه على وجه التأويل وأنهم أخطأوا في الاجتهاد، وأنه خفي على من يضرب المثل بدهائه منهم كمعاوية وعمرو، انتهى.
[رجال البخاري ومسلم]
قال المقبلي: وهذان البخاري ومسلم رويا عن عتبة بن سعيد ابن العاص وهو جليس الحجاج، وعن مروان ابن الحكم، وتجنب البخاري من لا يحصى من الحفاظ العباد، كما تخبرك عنه كتب الجرح والتعديل مع أن من روى عنه متكلماً فيه بالضعف الكثير، بل في رجال الصحيحين من تكلم فيه كذلك، ومنهم من لم يعدل صريحاً ولاكثر الرواة عنه حتى يصير كالمعدل.
قال: يعني الذهبي في ترجمة يحيى بن مالك الرمادي في رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم، انتهى. (1/17)
وذكر القاسم بن محمد عليه السلام أن المتكلم فيه عند البخاري ومسلم ممن خرجا عنه قدر ألف ومأتين، انتهى.
قال في الرسالة المنقذة: وقالوا إن البخاري نظر في كتاب مسلم بمحضر منه فَعَلَمَ على جماعة عدهم مسلم من الصحابة وهم من التابعين وجماعة عدهم من التابعين وهم من الصحابة، ورغب مسلم عن جماعة لم يرغب عنهم البخاري كما قالوا في عكرمة وعاصم بن علي وغيرهما، وحكوا أن مسلماً لما وضع كتابه الصَّحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وتغيظ، وقال: سميته الصَّحيح فجعلت سلماً لأهل البدع وغيرهم. وقالوا: اعتمد البخاري على كثير ممن يقول بالإرجاء وغيرهم من أهل التدليس ومجاهيل ومتكلم فيهم فالذين تكلم فيهم بالجرح بحق وباطل ممن اعتمدهم ثلاث مائة وخمسة وخمسون رجلاً، والذي علق لهم من المتكلم فيهم خمسة وسبعون رجلاً، والمجاهيل المختلف فيهم وفي تعيينهم مائة وثمانية وأربعون رجلاً.. إلى أن قال فيها: عدد من أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم (يريد أي الحاكم لأنَّه القائل) (1) أن مسلماً استضعفهم أربع مائة وأربعة وثلاثون شيخاً، وعدد من احتج بهم مسلم ولم يحتج بهم البخاري يريد أن البخاري استضعفهم ست مائة وخمسة وعشرون شيخاً... إلى أن قال فيها: ومثله يعني مثل ما ذكر الحاكم ذكره ابن حجر.. إلى أن قال فيها: واعتمدوا من شهروهم بالنصب وتكلموا عليه كحريز بن عثمان وفليح وأمثالهما إلى أن قال: بل قال قائلهم: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه، انتهى.
قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير في سنن ابن ماجة ما لفظه: وهو أضعف أهل السنة حديثاً، قال علماء هذا الفن فيه فقد روى ألف حديث من المضعفات وكثير من الباطلات، انتهى.
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية. تمت
وفي الإقبال: واعلم أن أكثر من لا يعرف الحديث معرفة محققة يعتقد أن أهل الصحاح قد حصروا الصَّحيح منه فما وجد فيها فهو الصَّحيح وما لا يوجد فيها فليس بصحيح وهذا وهم فاسد، وقد صرح أهل التحقيق من المحدثين بذلك، وأن الذي ذكر فيها هو بعض الصَّحيح عند أهلها وغيرهم. (1/18)
قال السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم رحمه اللّه: الذي ذهب إليه علماؤنا وتجري عليه أصولهم أن في أخبار هذه الكتب الصَّحيح والمعلول والمردود والمقبول، انتهى.
قال المنصور بالله القاسم بن محمد ما لفظه: ذكر الإمام المهدي أحمد بن يحيى عليه السلام عن الهادي عليه السلام أنَّه قال في صحيح بخاري ومسلم: بينهما وبين الصحة مسافات ومراحل، انتهى.
وعند جمهور المحدثين والفقهاء أن الصحابة عدول مطلقاً وما شجر بينهم فمبناه على الاجتهاد.
وفي الإقبال: ويرد يعني الحديث بجهالة الراوي وهو إما مجهول العدالة ورده أئمتنا إلا مجهول العترة، والجمهور إلا مجهول الصحابة المنصور بالله والتابعين، وقبله المرادي وابن زيد والقاضي في العمد والحنفية وأبي فورك وغيرهم مطلقاً وهو أحد احتمالي أبي طالب وأحد قولي المنصور بالله، انتهى.
قال في الروض الباسم ورجح أبو طالب في كتابه المسمى بجوامع الأدلة قبول المجهول إلى أن قال فيه: وأما مذهب أصحابنا فلم يتعرض هو ولا غيره بحكايته إلاَّ الفقيه العلامة عبد اللّه بن زيد صاحب الإرشاد فإنه قال مذهبناً قبوله... إلى أن قال فيه: ومما يؤيد رواية عبد اللّه بن زيد أنَّه ليس للزيدية شيء من العناية بمعرفة كتب الجرح والتعديل، فلو اشترطوا معرفة العدالة لظهر أثر عقيدتهم بالبحث عن لوازمها ولورعهم، وهذا أمر مرجح فقط، والعمدة على رواية الفقيه الثقة عبد اللّه بن زيد رحمه اللّه، انتهى.
[رواية كافر التأويل وفاسقه]
وأما كافر التأويل وفاسقه، فقال في الروض الباسم ما لفظه: وأما مذهب الزيدية في هذا فمذهبهم قبول كافر التأويل وفاسق التأويل... إلى أن قال فيه: وقال المنصور بالله رضي اللّه عنه في كتاب الشهادات في كتاب المهذب ما لفظه: وقد ذكر أهل التحصيل من العلماء جواز قبول أخبار المخالفين في الاعتقادات، وروى عنهم المحققون بغير مناكرة في ذلك... إلى أن قال فيه: وقال الفقيه عبد اللّه بن زيد مذهبنا قبول كافر التأويل وفاسق التأويل.. وقال صاحب الجوهرة: يجوز رواية فاسق التأويل، ويجيئ عليه رواية كافر التأويل.. وقد نقلت كلام الأصحاب وسائر العلماء في هذه المسألة مستقصى في العواصم وعلوم الحديث وبينت دعوى الإجماع على رواية فاسق التأويل من ثمان طرق عن المنصور بالله والإمام يحيى بن حمزة والقاضي زيد والفقيه عبد اللّه بن زيد والشيخ أبي الحسين والحاكم بن سعيد المحسن بن كرامة والشيخ أبي حمد الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص وأحمد بن محمد بن الحسن، والإجماع على قبول كافر التأويل من أربع طرق عن الإمام يحيى بن حمزة والإمام المنصور بالله والفقيه عبد اللّه بن زيد والقاضي زيد، وذكر المؤيد بالله أنَّه قول أصحابنا وظاهره حكاية إجماع أصحابنا؛ لأنَّه لم يستثن منهم أحداً حكاه عنه في اللمع... إلى أن قال فيه: إذا تقرر عندك بالنصوص الجمة من ثقات أهل المذهب وأئمتهم قبول رواية كافر التأويل لزم منه أن من كفر وفسق وخرج من الإسلام ومرق ولعن علياً عليه السلام وكفره وكفر سائر أئمة الإسلام واستحل دماءهم وسبى نساءهم وأمهاتهم واسترقاق ذرياتهم من الخوارج الموارق بنص رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم المجمع على صحته بين فرق الإسلام مقبول، فإذا أئمة الزيدية يقبلون من هذه صفته متى كان مظهراً للتأويل مدعياً له، فليت شعري ما سبب التشنيع العظيم من بعض الناس على المحدثين في قبولهم للصحابة المتأولين وعدم جرحهم لمن دخل منهم في الفتن مع (1/19)
قطعهم بخطاهم ولعنهم وبراءتهم من أفعالهم، انتهى. (1/20)
[الزيدية في علم رجال الحديث]
قال المقبلي في المنار: جرت عادة الزيدية بإطراح البحث عن الرجال فليس لهم جمع في الجرح والتعديل وكثير من رواتهم لا يوجد في كتب المحدثين، وأن وجد ففي المحدثين انحراف لا يقبل معه كلامهم... إلى أن قال فيه: لكن لا طريق لنا إلى معرفتها لعدم عنايتهم بالأسانيد واعتمادهم على الإرسال وإسقاطهم وإهمالهم علم الرجال... إلى أن قال فيه: لكن جرت عادة أئمة أهل البيت عليهم السلام بهذا الإرسال ووجهه ارتفاع طبقة أوائلهم وكثرت روايتهم عن أهلهم أهل الديانة والشيم، ثُمَّ من اقتدى بهم تبعهم في ذلك، والخير يتناقص والشر يتزايد واختلط المعروف بالإنكار فلم يتميز ذا من ذاك فلم يبق لطالب الحق إلاَّ النظر في الأسانيد وأمارات الصدق حتى يظنه، ومن لم يعرف عين الرواة ولا صفاتهم فلا طريق له إلى ذلك كيف الصَّحيح من السقيم. وذكر أيضاً معناه في العلم الشامخ حيث قال: إنَّما يقتطفون (يعني أهل البيت عليهم السلام)(1) من كتب الحديث ما يثقون به لقلة الرواية في كتبهم الأصلية، وأما المتأخرون فقد أخذوا من سنن أبي داود ونحوها ووضعوا لهم كالشفاء وأصول الأحكام بغير إسناد بل مراسيل في الظاهر ولا يقدر أحدهم على إسنادها اللّهم إلاَّ إلى أصولها من كتب المحدثين، لكن الدعوة أنها متصلة بغير حاجة إلى المحدثين، والحقيقة خلاف ذلك، والمسند كما في كتابي الهادي وكتاب أحمد بن عيسى وكتاب محمد بن منصور وشرح التجريد ونحوها، ولا يقدرون على معرفة رجالهم إلاَّ من جهة المحدثين؛ لأنَّه ليس لهم وضع في الجرح والتعديل، انتهى.
__________
(1) ـ ما بين القوسين يحتمل أنَّه حاشية.
قال في الروض الباسم: وها هنا لطيفة وهي: أن أصحابنا يقبلون مرسلات الحنفية، والحنفية يقبلون المجهول فقد دخل على أصحابنا قبول المجهول عل كل حال... إلى أن قال فيه: ويوضح ذلك ويبينه أن علماء الزيدية المتأخرين وأهل العناية بجمع علوم الاجتهاد معتمدون على كتاب الإمام أحمد بن سليمان المعروف بأصول الأحكام، وقد صرح في خطبته في بعض النسخ أنَّه نقله من كتب مسموعة ومن كتب غير مسموعة، ثُمَّ لم يبين الحديث المسموع من غير المسموع ولم يميز هذا من هذا بعلامة ولا بنسبة كل منها إلى موضعه... إلى أن قال فيه: وهذا الكتاب منقول كما ذكره في خطبته من المنتخب والأحكام وشرح القاضي زيد وهذه هي المسموعة، ومن كتاب الطحاوي وكتاب محمد بن الحسن الشيباني أو من كتاب المزني صاحب الشافعي ومن صحيح البخاري، قال: وهذه غير مسموعة، انتهى. (1/21)
قال الإمام محمد بن المطهر: ومالم يصح لمصنفه مما ذكره في ترجمة أصول الأحكام أنَّه لم يصح له فيه سماع ولا طريق فقد صح لي جميع ما ذكر، ثُمَّ قال في الروض الباسم: واعلم أن هذا الكتاب عمدة الزيدية من غير نزاع منهم، ومنه ينقل مصنفوهم مثل الأمير الحسين وغيره ممن صنف في الحديث وأدلة الفقه، ولو كان قد سمع هذه الكتب لكان في هذا غاية التساهل؛ لأن قبول كل ما روى الطحاوي ومحمد بن الحسن مشكل مع قبول الحنفية للمجهول... إلى أن قال فيه: وهذا مما يدل على أن علماء أصحابنا إذا قالوا: وروينا بالإسناد الصَّحيح فلا يثق به؛ لأنهم يعتقدون أن معنى الصحة في الحديث وفي الإسناد هو أن يقرأ على شيخ ثقة، ولقد صرح بهذا المعنى الأمير الحسين في كتاب الشفاء، وقد ذكر حديثين(1) ثُمَّ قال: وهم لنا سماع، ولكنهم من كتاب الفائق ـ يعني فائق البستي ـ قال: وهو مشهور عند الشفعوية يشير بذلك إلى قراءتهما، ثُمَّ كتب في الحاشية على هذا الكلام في بعض النسخ أنَّه قد صح له الفائق بعد ذلك سماعه له على بعض أهله ورأيت ذلك في نسخة حي جدي المرتضى وهي معنا إلى الآن وهي مسموعة على الإمام محمد بن المطهر أحد محدثي أصحابنا وقد كتب يحيى جدي المرتضى في هذا الموضع المذكور: وأنا أيضاً قد صح لي كتاب الفائق، أو قال: الحديثان لسماعي لكتاب الفائق على مولانا أمير المؤمنين محمد بن المطهر، وكان حي جدي المرتضى من علماء الزيدية المصنفين المدرسين العارفين بالأصول والفروع... إلى أن قال فيه: وهذا التساهل في الحديث مختص بالمتأخرين من الزيدية التأخر الكبير لا التأخر العرفي عند المحدثين فقد كان لقدماء الزيدية من العناية الكبيرة بالحديث وسماعه وتصحيح طرقه مثلما للمحدثين، ولكن هؤلاء المتأخرين اشتغلوا بعلوم المعتزلة واكتفوا بما اشترطوه في صحة الرواية من قبول المراسيل والمجاهيل ومن أحب (1/22)
__________
(1) ـ صوابه ثلاثة أحاديث كما ذلك في الشفاء ولعله من الناسخ. تمت منه
معرفة ما لأوائل الزيدية في ذلك فلينظر في كتبهم مثل كتاب علوم آل محمد وهو المعروف بأمالي أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام، وبعده الجامع الكافي وبعدهما شرحي السيدين الإمامين أبي طالب والمؤيد بالله عليهما السلام شرح التحرير وشرح التجريد وقد اشتملا على مافي الجامعين المنتخب والأحكام للهادي عليه السلام بزيادة تنقيح وتصحيح فمن لم يجدهما فليطالع المنتخب والأحكام مع ما تقدمها من علوم آل محمد، فإنه يكتفي ويشتفي، انتهى. (1/23)
قلت فمن لم يجدهما فليطالع الأسانيد اليحيوية. وفي الإقبال ما لفظه: وقد اعتنى القاضي العالم عبد اللّه بن محمد بن حمزة بن أبي النجم بأحاديث الجامعين فجمعهما في مصنف مفرد سماه (در الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية) انتهى.
قلت: الصَّحيح أنَّه ما استكمل فيها أحاديث الجامعين وإنما روى فيها ما صح له سماعه مما رواه الهادي عليه السلام فاعرف. قال في آخر الأسانيد: وقد أتيت على جملة ما حفظت روايته وتيقنت سماعه وحكايته من أخبار يحيى بن الحسين عليهم السلام التي رواها ولم أتعرض لكثير مما رواه عليه السلام مما لم يصح لي سماعه. قلت: وكذا يطالع مجموع زيد بن علي عليهما السلام، قال السيد محمد بن إبراهيم: وبالجملة فمن روى حديثاً من أئمة الحديث أو غيرهم من الفقهاء وسائر أهل العلم فإنه لا يجوز القول بصحة الحديث لمجرد رواية من رواه وإن كان الراوي في أرفع مراتب الثقة إلاَّ بنص على صحته وحده أو صحة كتاب هو فيه أو يرسله بصيغة الجزم عند الزيدية والمالكية والحنفية، فأما مجرد الرواية فليست طريقاً إلى تصحيح الحديث لعدم إشعارها بذلك، ولأن أكثر الثقات ما زالوا يروون الأحاديث الضعيفة، انتهى.
وقال في الروض الباسم: وأما المعرفة الثانية وهي في بيان ما يدل على قبول الصحاح من كتب الزيدية في الفروع فذلك كما قال الزمخشري: معروف لا يدفع مكشوف لا يتقنع. وقد وصلت رسالة إلى المنصور بالله وهي المعروفة بالخارقة ونقم صاحبها عليه عدم المعرفة بالصحاح، فأجاب المنصور بالله عليه السلام على صاحب الخارقة بكتاب الشافي وتنزه عن الجهل بالصحاح وذكر سماعه لها وعلى من سمعها من المشائخ، وكتبه مشحونة بذكر أحاديثها والاحتجاج بما فيها. وقال عليه السلام: إذ هذه الكتب هي التي توجد في أيدي الأمة سبيلاً إلى ربها، وقال: فالذي رويناه من طريق العامة هو ما صحت لنا رواية عن الفقيه العالم أبي الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد البطريق الأسدي الحلبي يرفعه إلى رجاله مما رواه من كتب العامة بالأسانيد الصحيحة هذا لفظه هو صريح في تصحيح أسانيدهم... إلى أن قال فيه: وقد نقل الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام في كتابه أصول الأحكام من البخاري كما ذكره في خطبة كتابه في بعض النسخ. وقد نقل الأمير الحسين منها في كتابه شفاء الأوام، وهذان الكتابان هما عمدة الزيدية في أحاديث التحليل والتحريم، انتهى. (1/24)
قال في شرح خطبة الأثمار في أمر أهل الحديث ما لفظه: فإن أهل البيت وأتباعهم وغيرهم ينازعونهم في قواعد كثيرة من أمر الجرح والتعديل بحيث أن كثيراً مما يعده أهل الحديث جرحاً يعده غيرهم من شروط العدالة والعكس، ويعتقدون وهو الاعتقاد الصَّحيح الذي لا محيد عنه أن المتسمين بأهل الحديث أخلوا بأصل عظيم هو أصل الأصول في الحقيقة وهو النظر في أحوال الرواة والنقلة ممن يعتقدون أنَّهم صحابة النبي ممن قد رآه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وسمع منه، فحين يصلون إلى الصحابي لا ينظرون له في حال ويقطعون بعدالة كل الصحابة، وهذا معلوم الاختلال والفساد لموافقتهم لنا في المصرحين بالارتداد والكفر والفسق من الصحابة وبالأدلة الواضحة في ساقطي العدالة من غير المصرحين، وضعف الدليل الذي تعلقوا به في تعديل الصحابة ومعارضته بما ظاهره الإبطال له، ولم يلج أول من عني بهذه الشبهة المضلة إلاَّ كراهة أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه وكراهة أهل بيته حين عرف أنَّه لا يتم لهم هذه الشبهة لم يبق لهم أي طريق في التفضيل لغير علي كرم اللّه وجهه عليه ولا أي طريق في عدم تفسيق من خالفه وخالف أهل البيت عليهم السلام ولا أي ترخيص في الخروج عن سننهم القويمة وصراطهم المستقيم، فإنه لم يكن لهم طريق يدلون بها في هذه المذاهب الباطلة إلاَّ ماكان من رواية المجروحين من الصحابة أو ممن اعتمد على أحاديثهم وبنى على تعديلهم وجرى في العداوة والبغضاء لمن جعلهم اللّه سبحانه له على عباده المحجة البيضاء وأوجب لهم المحبة والولاء مجراهم، فإذا عرفت هذا مع أن غيره مما يشق ذكره أكثر في شأن الحديث النبوي وكثرة ما روي منه وقع التساهل فيما يحتاج إليه ضرورة فاعلم أنَّه لا يعتمد على شيء من الحديث إلاَّ على ما ثبت تواتره لفظاً أو معنىً أو ثبت تلقيه بالقبول من الأمة لا سيما من جماعة أهل الحل والعقد من أهل بيت الرسول الذين جعلهم اللّه سبحانه قرناء الكتاب العزيز (1/25)
والأمان لأهل الأرض والسفينة المنجية من الهلكة والكهف الحريز، فإن أقوى أدلة حجيَّة إجماع الأمة أدلة حجية إجماع أهل البيت كما أوضحه والدنا الإمام المهدي عليه السلام في آخر المنية والأمل وفي باب الإجماع من شرح المعيار بما لا مدفع له أو بما صح وثبت بتصحيح أهل البيت الذين سلم تصحيحهم من آفات تصحيح غيرهم التي ذكرناها والتي لم نذكر، وذلك المذكور من المتواتر والمتلقى بالقبول أو الصَّحيح المقيدين بما ذكرنا قليل جداً، وسائر الأحاديث إنَّما يذكرها من يذكر إما للاستظهار بها مع ظاهر قرآن أو سنة صحيحة أو استشهاد بضم بعض إلى بعض من المحتملات أو تقوية قياس ثبت الحكم به في المسألة، أو زيادة ترغيب في طاعة أو ترهيب عن معصية أو قطع حجاج خصم يقول بقبول مثل ذلك الحديث الذي لا يقول به المورد له والمحتج به، أو لبيان فساد مثل ذلك الحديث من مخالفته لقاطع من عقل أو نقل أو صحيح من نقل أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة، وحين تحقق هذه القواعد تعرف أن طرق أهل البيت عليهم السلام في أمر الأحاديث النبوية وتخريجهم أصح الطرق وأحق التخاريج من حيث سلامتها مما لحق غيرها من فساد في الأصول والفروع، انتهى. (1/26)
قلت: وقوله وإنما صح وثبت بتصحيح أهل البيت الذين سلم تصحيحهم من آفات تصحيح غيرهم...الخ، وذلك كالمجموع وأمالي أحمد وجامعي الهادي وما احتج به المؤيد بالله عليه السلام في شرح التجريد وما رواه قدماء أئمتنا عليهم السلام كما أشار إليه سيدنا العلامة أحمد بن يحيى حابس رضي اللّه عنه حيث قال ما لفظه: ولنا سلف بحمد اللّه صالح لا نجد لفقهاء العامة مثله يروون الحديث عن الآباء والأجداد الطاهرين، عن سيد المرسلين لا يشاركهم فيه مشارك إلاَّ من عرفوا عدالته من شيعتهم الأخيار كزيد بن علي ومحمد الباقر وجعفر الصادق والإمام أحمد بن عيسى وغيرهم، فهم اتخذوا من طرق الحديث أبهجها وأحسنها، انتهى.
وقال الإمام القاسم عليه السلام ما لفظه: وما يجري في كتب أصحابنا وغيرهم من إيراد أحاديث من لا تقبل روايته عندهم، فإنما يوردونه لأغراض لا يلزم من إيرادها العمل بها مثل الاحتجاج بها على من يقبله، أو يقويه، أو الترجيح لما يوافق، أو المبالغة والاستئناس، أو تقوية قياس، أو ترجيحه على ما يساويه في الأساس، أو زيادة ترغيب أو ترهيب فيما لا يحتاج فيه إلى إثبات حكم من أحكام الشريعة من الأذكار والأوراد والطب والرقية وغير ذلك، انتهى. (1/27)
وفي الجامع الكافي قال الحسن بن يحيى عليه السلام سألت عن سماع العلم من أهل الخلاف وذكرت أن قوماً يكرهون ذلك فالجواب: أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قد بلغ ما أمر به وعلم أمته ما فرض عليهم، وما سنه رسول اللّه صلى اللّه عليه على آله وسلم، ولم يقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إلاَّ عن كمال الدين ودليله قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}، فقال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( اليوم نعيت إليّ نفسي )) فما روته العامة عن سنته المشهورة أخذت وحملت عن كل من يؤديها إذا كان يحسن التأدية مأموناً على الصدق فيها وما جاء من الآثار التي تخالف ما مضى عليه آل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ترك من ذلك ما خالفهم وأخذ ما وافقهم ولم نضيق سماع ذلك من كل من نقله من أهل الخلاف إذا كان يعرف بالصدق على هذا التمييز.
قال: ولا خير في السماع من أهل الخلاف إذا لم يكن مع المستمع تمييز. وقال أيضاً: المخرج من الإتلاف في الحلال والحرام إتباع المحكم المنصوص عليه من كتاب اللّه سبحانه والأخذ بالأخبار المشهورة المتسق بها الخبر من غير تواطئ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، وعن علي عليه السلام أو عن أخيار العترة الموافقة للمحكم من كتاب اللّه، واتباع الأبرار والأتقياء من الأخيار من عترة رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، انتهى.
وقال المرتضى لدين اللّه محمد بن يحيى الهادي إلى الحق سلام اللّه عليهما في بعض أجوبته: وقلت لأي معنى لم ندخل الأحاديث في أقوالنا. ولسنا ندخل من الحديث ما كان باطلاً عندنا، وإنما كثير من الأحاديث مخالف لكتاب اللّه سبحانه ومضاد له فلم يلتفت إليها ولم نحتج بما كان كذلك منها، وكل ما وافق الكتاب وشهد له بالصواب صح عندنا وأخذنا به، وما كان أيضاً من الحديث مما رواه أسلافنا أباً فأباً عن علي رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فنحن نحتج به، وما كان مما رواه الثقات من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم قبلناه وأخذناه وأنفذناه وما كان خلاف ذلك لم نره صواباً ولم نقل به... إلى أن قال فيه رضي اللّه عنه: وفي الحديث الذي ترويه العامة ما لا يقوم به حجة ولا يصح به بينة ولا شهد له كتاب ولا سنة، وكل ما قلناه وأجبنا به فشاهده في كتاب اللّه عز وجل وفي السنة المجمع عليها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أو حجة من العقل يصدقها الكتاب فكل ما كان من هذه الطرق فهو أصح مطلوب وأنور حجة، انتهى. (1/28)
قال في الرسالة المنقذة: قال السيد محمد بن إبراهيم لما حكى قول من يقبل رواية كافر التأويل وفاسقه واحتج له ما لفظه: وما يلزم من ردهم من تعطيل علم الحديث والأثر كما يعلم ذلك من بحث عن رجال الصحيحين مع بلوغ الجهد في تنقية رواتهما. انتهى ـ يعني كلام السيد ـ، ولعمري ما علينا من بأس إن كان علم الحديث يتعطل باجتناب الكذب على اللّه وعلى رسوله، وليت شعري أي فائدة أو فضيلة إذا تكثر به إذا كان اللّه عز وجل أخذ علينا الميثاق أن لا نقول على اللّه إلاَّ الحق وحرم علينا أن نقول على اللّه ما لا نعلم، وقال عز وجل في الحجة التي آتاها إبراهيم على قومه وفيما أتى إبراهيم ونوحاً وذريتهما من الكاب والحكم والنبوءة: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين}، وأي حجة فيما ذكر الذهبي والسيد محمد بن إبراهيم؟ وهل هو إلاَّ كقول القائل إني لم أكذب لم أستطع أن أقول وإن لم أقل لم يؤثر عني شيء وإن لم يؤثر عني شيء لم يقل الناس إني عالم، والله المستعان. انتهى ما قاله في الرسالة المنقذة. (1/29)
قال في جواب الأسئلة: وروي عن الإمام أبي طالب أنَّه قال: وكيف نقبل رواية من شرك في دمائنا وسود علينا، انتهى.
وفي شرح خطبة الأثمار رواه عن ابن حجر في جرح عكرمة روى عن ابن عمر أنَّه قال لنافع: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس... إلى أن قال فيها: عن يزيد بن أبي زياد، قال: دخلت على علي بن عبد اللّه بن عباس وعكرمة مقيد فقلت: ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي.
وسئل ابن سيرين عنه فقال: ما يسوؤني أن يدخل الجنة ولكنه كذاب. وقال عطاء الخراساني: قلت لسعيد بن المسيب: عكرمة يزعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم؟ فقال: كذب مَخْبَثَان، وقال عبد الكريم الجزري: قلت لسعيد بن جبير: إن عكرمة كره كراء الأرض فقال: كذب. وقال وهب بن مجالد: كان يحيى بن سعيد الأنصاري يكذبه. وعن معن بن عيسى وغيره كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه، وقال عثمان بن مرة: قلت للقاسم أن عكرمة قال كذا، فقال: يا ابن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثاً يخالفه عشية... إلى أن قال فيها: قال أبو طالب (ليس هذا أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني)(1) قلت: لأحمد: ما كان عكرمة كان ابن سيرين لا يرضاه، قال: كان يرى رأي الخوارج وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم ولم يترك موضعاً إلاَّ خرج إليه انتهى باختصار. إذا عرفت هذا فانظر بعين البصيرة واستعن بالله في هذا السابق وفيما سأذكر لك تنل إن شاء اللّه مأربك بعونه. قال السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم رحمه اللّه: الذي ذهب إليه علماؤنا وتجري عليه أصولهم أن في أخبار هذه الكتب ـ يعني أهل الحديث ـ الصَّحيح والمعلول والمردود والمقبول، والضابط في ذلك إنَّما صححه أئمتنا من ذلك فهو صحيح وما ردوه أو طعنوا في روايته فهو مردود لصحة اعتقادهم وسعة إطلاعهم وتحريهم في انتقادهم، انتهى. (1/30)
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية كأنها من المؤلف رضي اللّه عنه.
قال في الإقبال: وكتب بعض علماء الشافعية إلى المؤيد بالله يحيى بن حمزة فسأله عن طريق حديث رواه صاحب شمس الأخبار، فقال في جوابه: اعلم أيها الفقيه أن الزيدية من أعلم فرق الإسلام وأئمتهم الدعاة إلى الدين وقد نقلوا هذا الحديث في كتبهم وهو من أحاديث الوعظ والتذكير والترغيب وظاهره الصحة، وليس ينبغي رده بالوهم والاستبعاد، وليت شعري من أي وجه الضعف فيه أمن جهة كونه لم يدون في كتب الصحاح السبعة؟ فالذي فيها محصور مضبوط والمقبول عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ألف ألف حديث فلعل هذا الحديث مما لم يعد في الصحاح بل هو من جملة هذه المعدودة... إلى آخر كلامه عليه السلام، انتهى. (1/31)
قال في شرح البالغ المدرك بعد أن ذكر كلاماً عن شأن كتب أصحاب الحديث، قال: فأما تصنيف الأبواب عندهم فإنه يقول ذكر ما صح وثبت عن رسول اله صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في أبواب الطهارة والصلاة وغير ذلك من العبادات فعلى شرطهم لا يبلغ عدد الأحاديث على ذلك عشرة آلاف حديث، فكيف يقال لا يبلغ حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم عشرة آلاف حديث وقد رووا بالاتفاق أنَّه روى عنه من أصحابه أربعة آلاف رجل وامرأة صحبوه نيفاً وعشرين سنة بمكة قبل الهجرة والمدينة بعد الهجرة حفظا عنه أقواله وأفعاله واجتهاده وعبادته وسيرته ومغازيه ومراحله وحطه وملاعبته أهله وتأديبه فرسه وكتبه إلى المسلمين والمشركين وعهوده ومواثيقه صلوات اللّه عليه وآله وسلامه، وألحاظه وألفاظه وصفاته فهذا سوى ما حفظوا عليه من أحكام الشريعة وما سألوه من العبادات الحلال والحرام وتحاكموا فيه إليه... إلى أن قال فيه: ذكر عن الحافظ ابن عبد اللّه أنَّه كان يحفظ خمس مائة ألف حديث، وكان أحمد بن حنبل يقول: صح من الحديث سبع مائة ألف حديث، وذكر عن أبي زرعة ست مائة ألف حديث، وروي أن إسحاق بن زاهويه يملي سبعين ألف حديث حفظاً، وكان أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ يقول: أحفظ لأهل البيت عليهم السلام ثلاث مائة ألف حديث، انتهى. (1/32)
قال في جواب الأسئلة ما لفظه: ولقد حكي عن جابر الجعفي أنَّه كان يحفظ عن الباقر عليه السلام ثمانين ألف حديث. وعن الحافظ بن عقدة أنَّه كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم، انتهى.
[أهمية رواية الشيعة في الحديث]
قال في الإقبال في ذكر ان الصحاح أكثرها من روايات الشيعة وأن أهل الحديث يأتوا بالمتناقضات حيث قالوا: إن الصحيحين أصح الكتب بعد القرآن مع جرحهم للشيعة، قال ما لفظه: فلو لا الشيعة لم يكن صحاح، ألا ترى إلى قول الذهبي في الميزان: لو تركت روايات ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية ولما تصلف العقيلي فذكر علي بن عبد اللّه بن المديني في الضعفاء، قال الذهبي: بئس ما صنع قد شحن البخاري صحيحه بحديثه، قال البخاري: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلاَّ بين يدي علي بن المديني، قال ولو ترك علي وصاحبه محمد وشيخه عبد الرزاق وعثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن سعيد وعفان وأبان العطار وإسرائيل وأزهر السمان وبهر بن أسد وثابت البناني وجرير بن عبد الحميد لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ولماتت الآثار ولخرج الدجالون أفمالك عقل يا عقيلي، انتهى. (1/33)
قال في الرسالة المنقذة: ولم ينصف الفقيه العلامة محمد بن يحيى بهران سادته وأئمته الذي عني بمذهبهم وحرض على تشييد فقههم بما ذكر في ديباجة كتابه تخريج البحر من قوله: وقد اثرت رواية الكتب الستة على غيرها من كتب الأحاديث... إلى أن قال فيها: ثُمَّ التزم أن يقول فيما هو من كتب الحديث أخرجه فلان ومافي كتب أهل البيت أن يقول حكاه، وهكذا في أصول الأحكام والشفاء والانتصار ونحو ذلك من الصيغ المؤذنة بعدم التعويل عليها والرجوع إليها لولا الضرورة.
قال العلامة أحمد بن سعد الدين رضي اللّه عنه في رسالته المنقذة: وما شأن مافي أصول الأحكام والشفاء والانتصار إلاَّ شأن جامع الأصول وكتاب عبد العظيم وما التفرقة إلاَّ بأن أولئك يقولون مثلاً قال النبي وهؤلاء يقولون: قال البخاري، وأما نحو العنعنة فأنت خبير أنها أمر اصطلاحي فإن قالوا: قد عرف أن إليهما طرقاً مسندة وهما قد أسندا قلنا كذلك أصول الأحكام والشفاء والانتصار إليها طرق مسندة وهم قد أسندوا وقد حقق ذلك العيان للعالم المتتبع كما يزعمونه في السنة أنَّه حققها العيان للعالم المتطلع، فأما القاصر فالجميع في حقه سواء من غير خفاء، أما أصول الأحكام فقد ذكر أصوله وكلها بأسانيدها غالباً في شرح التجريد الذي صرح الإمام يحيى بن شرف الدين سلام اللّه عليه بأن له رواية بسنده المعروف، وبأنه أشد شرطاً من البخاري ومسلم، وأنه ممن لا يقبل المراسيل وذلك صريح في خطبة الكتاب لمن طلبها وأما الشفاء فقد صرح بأنه روى ما صحت أسانيدها ومتونها وتشعبت أفانينها وشجونها، وأما الانتصار فقد صرح الإمام شرف الدين عليه السلام بطرقه إليه وأنها تتصل بما يوصلها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى رسول اللّه صلى اللّه وعلى آله وسلم... إلى أن قال فيها: وإن كان المرجع بذلك إلى الرجال ففي رجال كل من الفريقين أقوال منها الحق ومنها الباطل إلاَّ أن لتزكية أئمة آل محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم الذي شهد اللّه لهم ورسوله بإقرار الخصوم أنهم مع الحق فضل اللّه الذي آتاهم دون غيرهم، وأنهم ممن لا مجال لقادح فيهم دون سواهم وغيرهم من أئمة الحديث هؤلاء ما فيهم إلاَّ من قال فيه من هو على طريقته، ومثل منهجه وسبيله وعلى نحو نحلته، وإن اختلفوا في وجه الجرح واضطربوا في مواقع التعديل، اهـ. (1/34)
قال سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري: هذه ديباجة شرح التجريد... إلى أن قال: أخبرنيها قراءة مني عليه مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين المؤيد بالله محمد ابن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد سلام اللّه عليهما ثُمَّ ساق السند(1) والديباجة إلى أن قال في الديباجة: قال أي المؤيد بالله قدس اللّه روحه: حدثني أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه اللّه، قال: حدثني أبي رحمه اللّه، قال أخبرني حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن منصور المرادي، عن محمد بن عمر المازني، عن يحيى بن راشد، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم جميع هذه الأخبار في كتابنا هذا (الذي هو شرح التجريد)(2) وقال قدس اللّه روحه: حدثني شيخنا علي بن إسماعيل الفقيه رحمه اللّه عن الناصر للحق الحسن بن علي رضي اللّه عنه عن بسر بن هارون، عن يوسف بن موسى القطان، قال: سمعت جرير بن عبد الحميد يقول: عن مغيرة الضبي، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام جميع هذه الأخبار(3). (1/35)
__________
(1) ـ الذي في الإجازات له رضي اللّه عنه، تمت. لعلها من المؤلف.
(2) ـ ما بين القوسين حاشية.
(3) ـ التي في شرح التجريد.
وقال قدس اللّه روحه: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، عن الحسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام جميع هذه الأخبار(1). وقال قدس اللّه روحه: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه اللّه، قال: حدثنا أبو الحسين الهادي يحيى بن محمد المرتضى، قال: حدثنا عمي الناصر أحمد بن يحيى، قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام، قال: حدثني أبي، عن أبيه القاسم بن إبراهيم عليه السلام، قال القاسم بن إبراهيم عليه السلام حدثني أبي عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم جميع هذه الأخبار المحتج بها في كتابنا هذا سماعاً وقراءة. انتهى. (1/36)
__________
(1) ـ التي في شرح التجريد.
ومن خط مولانا أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد عليه السلام بحروفه، قال القاضي جعفر: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي الحسن الكني، عن الإمام العالم توران شاة بن خسر وشاة بن بابوية الجيلي، عن (الفقيه) أبي علي بن آموج الجيلي، عن القاضي الأجل العالم زيد بن محمد بن الحسن الكلاري الزيدي، عن الشيخ علي خليل، عن القاضي الأجل يوسف الخطيب للمؤيد بالله عليه السلام، عن السادة الفضلاء أبي العباس أحمد بن إبراهيم وأبي الحسين المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون وأخيه الإمام الناطق بالحق الظافر بتأييد الله يحيى بن الحسين عليهم السلام بجميع ما في المنتخب والأحكام وأمالي أحمد بن عيسى عليه السلام، هذا إسناد الأئمة السادة أبي العباس والأخوين، والرسي(1) عليهم السلام. أحمد بن يحيى، قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، قال: حدثني أبي، عن أبيه القاسم بن إبراهيم، قال القاسم: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بجميع أخبار التجريد في شرحه سماعاً وقراءة نقل هذا بلفظه من كتاب في خزانة الشيخ عمران بن الحسن السنومي العذري، وهذا الإسناد عندنا ثابت، غير أن في هذا فائدة أخرى وهو اتصال السند بالسادة الهارونيين جيمعاً، وبإسناد المنتخب مع الأحكام يعلم ذلك الواقف عليه كتبه أمير المؤمنين القاسم بن محمد لطف اللّه به. انتهى بحروفه من خطه عليه السلام، نقله منه إلى هذه الفقير إلى اللّه أحمد بن سعد الدين المسوري وفقه اللّه في مجلس ولده أمير المؤمنين إمام الهدى المؤيد بالله محمد بن أمير المؤمنين عليهم السلام. (1/37)
__________
(1) ـ في الأم والأخوين (والرسي) وفوق لفظة الرسي كذا، وكأنَّ المؤلف أو غيره استشكل كلمة الرسي. تمت وسياتي قريباً توضيحه.
قال في الإجازات: نقلته كما وجدته والحمد لله وحده. انتهى. وأنا نقلته من الإجازات كما وجدته والحمد لله. (1/38)
الرسي المذكور بعد السادة الثلاثة هو: يحيى ويعرف بالهادي ابن الإمام المرتضى لدين اللّه محمد بن يحيى، وأخذ عنه السادة كتب الهادي عليه السلام وهو راويها عن عمه الناصر أحمد بن الهادي عليه السلام، عن أبيه الهادي عليه السلام. فالمراد أن هذا إسناد السادة عن الرسي المذكور عن أحمد بن يحيى الهادي كما هو مقرر في غير هذا الموضع (فسقط بعض الحروف)(1) فاعرف هذا فإنه عن تحقيق وتثبت إن شاء اللّه. انتهى. وأنا نقلته من الإجازات الكبرى ووجدت بحامية في شرح التجريد ما لفظه: منقول من خط مولانا أمير المؤمنين المتوكل على اللّه رب العالمين إسماعيل بن القاسم عادت بركاته: اعلم أن جميع ما في الكتاب ـ أعني أصول الأحكام ـ من الأخبار(2) تخريج جمعه الإمام المتوكل على اللّه من شرح التجريد على الترتيب، وربما استدعى الكلام فيه حديثاً فينقله الإمام عليه السلام وإن لم يطابق السياق فلا يغفل عن ذلك. انتهى. والحواشي جميعها في هذا الكتاب منقولة من نسخة الإمام المتوكل على اللّه إسماعيل بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد منها ما هو من نقله عليه السلام ومنها ما هي نظر منه. انتهى ما نقلته من الحامية منقولة من شرح التجريد للمؤيد بالله عليه السلام من غير زيادة شيء من غيره علمنا ذلك بالتتبع، حتى أنَّه عليه السلام لم يخالف ترتيبه في الأقوال ولا في تقديم الأخبار وتأخيرها في الأغلب فربما استدعى الكلام هناك ذكر خبر لا تعلق له بالباب فيورده عليه السلام هاهنا لما كان مقصوده نقل ما هناك من الأخبار، فيظهر لقارئ هذا الكتاب أنَّه لا تعلق لذلك الخبر بذلك الباب الذي وجد فيه،
__________
(1) ـ لم أفهم هذه الجملة.
(2) ـ في الأم فوق الأخبار (نخ) وكذا بعد لفظ الحامية، وقد قوسنا ما بين هذه العلامات و..... أن جميع ما بين القوسين موجود في بعض النسخ.
فإذا نظر في الشرح المذكور وجد هنالك كلاماً مَّا أوجب تعلق الخبر الذي بهذه الصفة بذلك الباب، وعلى الجملة فإن الرجل اللبيب ربما يقابل في الشرح الذي هو شرح التجريد من يملي أصول الأحكام والله أعلم قاله المتوكل على اللّه رحمه اللّه تعالى آمين. انتهى ما نقلته بلفظه من الحامية. (1/39)
قال الأمير الحسين في ديباجة الشفاء ما لفظه: رغبت أن أجمع من عيون ما حفظته ونفيس ما رُوِّيته زبداً مما صحت أسانيدها ومتونها وتشعبت أفانينها وشجونها(1)، وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم إذ هم علماء الآثار وثقاتهم. انتهى.
قال سيدنا عماد الدين يحيى بن أحمد الحاج عادت بركاته: رواية الأمير عن المغيرة إنَّما هو بعد أن ثبت له ما رواه عنه برواية العدول، ثُمَّ روى من جهته لدفع الخصوم كما فعل الهادي عليه السلام في أوقات الاضطرار، فإنه احتج برواية العامة لقطع حجتهم. انتهى بلفظه. ويقال: بل رواية الأمير عليه السلام عن المغيرة بناء منه على قبول خبر فاسق التأويل كقبول شهادته كما هو له صريحاً في كتاب الوصايا حيث قال ما لفظه: فأما الفاسق من جهة التأويل فلسنا نبطل كفاءته في النكاح كما تقدم ونقبل خبره الذي يجعله أصلاً في الأحكام الشرعية لإجماع الصحابة رضي اللّه عنهم على قبول أخبار البغاة على أمير المؤمنين عليه السلام وإجماعهم حجة. انتهى بلفظه من الوصايا. انتهى من بعضهم.
__________
(1) ـ جمع شجن. تمت وهو الغصن.
قلت: وقد روى نحو حديث المغيرة أبو داود عن جابر، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم إذا أراد البروز انطلق حتى لا يراه أحد. ورواه أيضاً في مصابيح أبي العباس، ويقال: إن كان قدح المعترضين في المغيرة بفسق التأويل فالظاهر هذا القول الأخير الذي ذكره بعضهم. وإن كان القدح في المغيرة بغير ذلك فالأولى ما ذكر سيدنا عماد الدين يحيى بن أحمد الحاج رحمه اللّه، إنَّما هو بعد أن ثبت له برواية العدول كما فعل الهادي عليه السلام ولفظ الهادي عليه السلام، وإنما جعلنا في(1) هذا الباب هذه الأخبار برواية الثقات من رجال العامة لئلا يحتجوا فيه بحجة فقطعنا حججهم برواية ثقاتهم، هذا لفظه في المنتخب. انتهى. وما رواه الأمير أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم من قوله: (( من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر )). وقولهم عليه بأنه قد ضعفه كثير من الحفاظ فقد يضعف الحديث لوجود ما هو أقوى منه. ومما يدل على أن الأمير يشترط العدالة في طريق الحديث في جميع الدرج الموصلة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: اشتراط معرفة الصحابي والذي يدل على أنَّه يشترط معرفة الصحابي: الفنقلة التي له في كتاب البيع بعد أن روى حديث عن امرأة صحابية حيث قال ما لفظه: فإن قيل إن هذه المرأة التي روت هذا الخبر عن عائشة لا تعرف قلنا: وهذا لا يلزم؛ لأن من روى هذا الخبر من أعيان الصحابة، واحتج به قد عرفوها لولا ذلك لردوه، وجهل غيرهم بها لا يقدح. انتهى. فلو كان يقبل مجهول الصحابة لقال في الجواب: وهذا لا (1/40)
__________
(1) ـ رواية المغيرة في الشفاء هي في تواريه صلى اللّه عليه وآله وسلم عند قضاء الحاجة، وقد ذكر (الأمير) الحسين ما معناه أن ذلك مما لا خلاف فيه فحينئذٍ يكون رواية المغيرة صحيحة لموافقتها الإجماع وللأمير أن ينقل عن من عُرِفَ جرحه ما طابق ما أجمع على موجبه لصحة ما دل عليه الخبر تقوية للإجماع. تمت.
يقدح؛ لكونها صحابية ولم يحتج إلى قوله قد عرفوها، وكذا يدلك على اشتراط ذلك في جميع الدرج: قوله في تضعيف خبر النبيذ في كتاب الطهارة ما لفظه: وخامسها أنَّه رواه أبو زيد، عن عبد اللّه وهو مجهول. انتهى. وروى عن القاضي العلامة محمد بن يحيى بهران الصعدي المحدث الشهير أن بعض معاصريه كتب إليه يستأذنه في الوصول إلى حضرته لسماع كتاب من كتب الحديث فأجاب بما لفظه منقولاً من خطه: وأما ما ذكرتم أن الكتاب من الصحاح في استعمال الحديث في الفقه، فنحن لا نعتمد إلاَّ ما رواه أئمتنا عليهم السلام في تيسير المطالب وفي أصول الأحكام والشفاء ومجموع زيد بن علي وسير محمد بن عبد اللّه النفس الزكية، وأما ما كان من كتب غيرهم فلا يستعمل من الحديث إلاَّ ما وافق حديث أهل البيت عليهم السلام (لأنهم قبلوا في كتبهم رواة جميع الصحابة)(1) والتابعين ومن خالف علياً كأبي موسى وعمرو بن العاص وكثير التابعين الذين قاموا وقعدوا في نصرة بني أمية ومع بني العباس، فإذا رجح لديكم تأمرون إلينا لننظر في حديثه وروايته فإن وجدناه ممن يقبل حديثه أجبنا عليكم ووصلتم لسماعة، وإن وجدناه قد استند إلى أعداء أهل البيت فلا فائدة في الاشتغال به. انتهى. (1/41)
قال في الروض الباسم ما معناه: واعلم أن كل من تصدى للنظر في صحيح المذاهب وسقيمها ومعوج الأقوال ومستقيمها فلا غنى له عن الاحتراز عن خمس آفات:
__________
(1) ـ هذا التعليل لعدم قبول ما في الصحاح. تمت.
الآفة الأولة: انتقاصه لمن وضع ذلك الكلام واعتقاده أنَّه لا يمكن أن يختص بمعرفة الصواب، وهذه الآفة لا تمكن من قلوب العارفين؛ لأنهم يعرفون الرجال بالحق ولا يعرفون الحق بالرجال كما روي عن أمير المؤمنين، وقالت الحكماء: لا تنظر إلى من قال، ولكن انظر إلى ما قال، وقد شرع اللّه الإنصاف للعالمين، فقال في حق من يعلم عدمه للبراهين: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وفي حق من يعلم أنَّه من الضالين {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}. (1/42)
الآفة الثانية: اعتقاد الناظر لقصور نفسه ومجاوزته للحد في استصغار قدره بحيث إذا سمع البرهان الصَّحيح الذي يقضي به عقله ويضطر إلى معرفته قلبه جوز أنَّه إنَّما استحسنه لقلة علمه وضعف فهمه واعتقد أنَّه لو كان أمامه المقلِّد حياً لأجابه وهذا خلل عظيم يختص بالمقلدين، ولو تدبروا لعرفوا أن عقولهم لو كان قد انتهت في عدم التمييز إلى هذه الغاية لسقط عنهم التكليف ولم يجب عليهم اجتهاد ولا تقليد وإلا فما أمن هذا المقلد أنَّه لقلة علمه وضعف فهمه اختار مذهب إمامه وحكم بفضله فإن كان قد وثق بحسن اختباره هنالك فما باله لا يثق بمثله هنا وإن كان قد شك فيما يقبله عقله هنا فما باله لا يشك فيما يقبله هناك ومن تمكن منه هذا الخلل وأصر عليه فقد سد طريق العلم على نفسه واتجه ترك مناظرته على خصمه، واعلم أن المقلد لو أنصف لعرف أن استعظامه لإمامه لا يمنعه من مخالفته كما أن استعظامه لإمام غيره لم يمنعه من مخالفته.
الآفة الثالثة: أن يتقرر عنده ضعف في بعض مسائل ذلك الكتاب فيثور من ذلك سوء ظن بصاحبه فينفر عن بقية كلامه وهذه آفة يحرم بسببها معرفة خير كثير وعلم غزير، فإنك قلما تجد كلاماً أو كتاباً لا يستضعف بعض ما فيه ولهذا قال تعالى في الكتاب العزيز: {ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} ولهذا قيل في كل كلام خطأ وصواب، لا يستبعد أن يكون الحق مع الباطل في كتاب واحد، فإن الدواء النافع قد يستخرج من الحية القاتلة. (1/43)
الآفة الرابعة: أن يعرض لك سؤالاً وتسمعه من غيرك يقدح في الكلام الذي تنظر فيه وهذه من أعظم الآفات لاحتياج ذلك السؤال إلى برهان صحيح لا بمجرد عظم السؤال وحسن الظن بالمسائل، فإنك إن رددت ذلك السؤال عليه كنت قد أفرطت في جنبة القبول وإن اعتقدت صحته ببادي الرأي من غير تحقق كنت مفرطاً في جنبة الرد فيحتاج صاحب هذه الآفة إلى صفاء الذهن وصحة الفهم وكمال الإنصاف والخلوص عن شائبة الهوى والعصبية، فإن هذه الأوصاف هي باب العلم وأسباب الخير.
الآفة الخامسة: القطع بصحة ما ينظر فيه أو بفساده ولا خلاف أن من قَطَعَ بصحة أمر أو فساده لم يمكنه النظر فيه، وأصل هذه الآفة أن يكون قد رسخ في نفسك بطلان أمر أو قبحه، وأنت لم تحط خبراً بمعرفة أدلة من يعتقد صحته وحسنه فحين تراه في الكتاب مصححاً مستحسناً وهو عندك ظاهر البطلان واضح القبح لا تصيره كما هو عادة البشر. قال الخضر لموسى صلى اللّه عليهما وسلم: {إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً} هذا وأوصيك أيها الناظر بكثرة الدعاء إلى اللّه والالتجاء إليه في الأوقات الفاضلة وعند رقة القلب أن يفتح عليك أبواب الفهم ويهديك إلى مناهج الحق، ثُمَّ بكثرة مراجعة العلماء الفضلاء أهل التواضع والإنصاف دون غيرهم، ثُمَّ بتكرار النظر في الفينة بعد الفينة، وإياك إذا عميت عليك مسالك الفهم أن تضرب عن النظر صفحاً فإن النظر يصفو بعد التكدر ويبسط بعد السئامة فمتى أحسست فهمك قد كل، وحده قد أفتل فلا تعاود النظر في المسألة وأرح خاطرك وفرح قلبك حتى تجد النشاط قد عاد إليك والفهم قد تاب إليك، وإياك أن تضجر متى قطعت بصحة أمر، ثُمَّ بان لك فساده فلن يصيب الرامي حتى يخطئ. انتهى. اللّهم صلي وسلم على محمد وآله، اللّهم إني أسألك بحقك فلا حق أعظم عليك منك وبحق أسمائك الحسنى عليك وبحق ما أنزلته على قلب نبيك محمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وبحق السائلين عليك أن تيسر لنا صحيح ما نقل من سنة نبيك، وأن ترزقناه وتوفقنا له وتعرفنا به معرفة نافعة حتى تطمئن قلوبنا بذلك، وأن تصرف عنا غير الصَّحيح إنك سميع عليم.اللّهم صلي على محمد وآله. (1/44)
[رواية كتاب الشفاء وأصول الأحكام وشرح التجريد]
واعلم أن الذي يرد على الأمير الحسين رحمه اللّه هو أنَّه أرسل الأخبار التي في الشفاء ولم يسند وليس لنا إلى معرفة رجالها إلاَّ بردها إلى أصولها من كتب الحديث وغيرها من كتب العترة، وكتب الحديث ليس لنا إلى معرفة عدالة رواتها إلاَّ منهم وهم منهم من يقبل المجهول، ومنهم من يقبل الصحابة مطلقاً ومنهم من يعدل المجروح ويجرح العدل، فإن قيل: قد صرح بأنه قد صح عنده سندها وضبط رواتها وعدالتهم قيل له: هذا لا يفيد فإنه ممن يعتقد أن معنى الصحة في الحديث وفي الإسناد هو أن يقرأ على شيخ ثقة ذكره السيد محمد بن إبراهيم، قال: وقد صرح به عليه السلام في الشفاء حيث ذكر أحاديث، ثُمَّ قال وهم لنا سماع ولكنهم من كتاب الفائق، ثُمَّ كتب في الحاشية على هذا الكلام في بعض النسخ أنَّه قد صح له الفائق بعد ذلك لسماعه له على بعض أهله، ويؤيد ما قاله السيد محمد: إن الأمير ذكر في ينابيع النصيحة أن رواية غير العدل الضابط مردودة بلا خلاف فعلى معتقده هذا يكفيه أن يروي عن الثقة والعهدة تكون عليه، وقد نقل عن كثير من العلماء أنَّه يقبل المجهول فحينئذ لم يتبين لنا من الشفاء المروي عن المجهول من غيره. وأيضاً فإنه قد روي عن المجروحين كالمغيرة وأبي موسى وعكرمة، فأبو موسى شهد عمار رضي اللّه عنه بأنه كذب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، وعكرمة كذبه خلق كثير. وأيضاً قد روى ما ضعفه (الفريقين)(1) الذين هم الزيدية وأهل الحديث كحديث من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر وحينئذ لا نأمن إن أخذنا ما أرسله ولم يذكر الصحابي وتركنا ما صرح فيه بالصحابي المجروح أن يكون الذي ما صرح فيه بالمجروح من طريقة المجروح فيضعف الخبر. وقد يجاب: بأن الشفاء في الحقيقة مسند؛ لأن الأمير قال في ديباجته: رغبت أن أجمع من عيون ما حفظته... إلى أن قال فيها: زبداً مما صحت أسانيدها فقد صرح عليه (1/45)
__________
(1) ـ كذا والصواب الفريقان. تمت.
السلام بصحة أسانيدها، وأما أن أصولها من كتب العترة وأهل الحديث من غير أصحابنا فلا نسلم أن أصولها من كتب أهل الحديث إلاَّ ما صرح به عليه السلام وهو قليل نادر كيف وأكثر الأحاديث النبوية من رواية أسلافنا من أهل الحديث المعتمد على رواياتهم حتى قال الذهبي: قال البخاري: ولو ترك علي وصحابه وعد جماعة من الشيعة لغلقنا الباب وانقطع الخطاب ولماتت الآثار. (1/46)
وقال في الإقبال: البحث الثاني في ذكر أسلافنا من أهل الحديث المعتمد على رواياتهم في الزمن القديم والحديث من غير أهل البيت عليهم السلام ليعرف ذلك المغربون ويظهر كذب ما يزعمه الناصبون وكتب الحديث برواياتهم مشحونة... إلى أن قال: وهم خلق كثير وسواد عظيم بالحجاز والعراق واليمن والشام وكثير من بلاد الإسلام... إلى أن قال فيه: وقد يخصهم بالذكر بعض علمائنا إذا انفردوا بقول في مسألة كالأمير الحسين فإنه يقول في بعض المسائل وهذا رأي محدثي أصحابنا، وقد روى عنهم أهل الصحاح كالبخاري ومسلم وغيرهما واعتمدوا على رواياتهم في إثبات الأحكام الشرعية في الحلال والحرام... إلى أن قال فيه: قال الذهبي في الميزان: لو تركت روايات ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية. انتهى. وحينئذ لا يحتاج إلى تعديل أهل الحديث؛ إذ تعديل عترة المصطفى الذين أمرنا اللّه باتباعهم والاهتداء بهديهم والإقتداء بهم أولى من تعديل غيرهم، وهو عليه السلام قد صرح في ديباجة الشفاء بأنه ثبت عنده ضبط رواتها وعدالتهم وهو عليه السلام أعرف بأصحابنا من أهل الحديث من الذهبي وغيره الذي يجرحون العدل ويعدلون المجروح.
وأما تشكيك السيد محمد بن إبراهيم واستدلاله بحاشية، قال أنها بخط الأمير فهو لايلزم منها ما توهمه السيد إذ قول الأمير في الحاشية أنَّه قد صح له الفائق لسماعه له... الخ، إنَّما هو كقول الإمام المنصور بالله رداً على الخارقة حيث قال (المنصور بالله) في كتب العامة: إنَّه قد صح له سماعها عن الفقيه العالم أبي الحسين يحيى بن الحسن البطريق يرفعه إلى رجاله مما رواه من كتب العامة بالأسانيد الصحيحة، يعني أنها متصلة منه عليه السلام بالسماع إلى مصنفيها دون أنَّه قد ثبت له كل حديث منها على انفراده باستكماله شروط الرواية التي هي العدالة والضبط، وإنما أراد أن له فيها طريقاً موصلة إلى مصنفيها ولم يصرح بالعدالة والضبط، وأما كون الأمير صح له الفايق لأجل السماع فإنما أراد السماع له سنده إلى مصنفه، وذكر السماع له أقوى طرق الرواية فأخبر عن صحة السند بما هو أقوى الطرق إلى مصنفيها، ولكنه لم يصرح أنَّه قد ثبت له عدالة الراوي وضبطه، بخلاف ما ذكره في ديباجة الشفاء، فإنه ذكر أولاً أن الأخبار التي فيه مما صحت أسانيدها أي طرقها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ثُمَّ عقبه بذكر ضبط رواته وعدالتهم، فكأنه قال عليه السلام: حدثني فلان عن فلان إلى أن يوصل السند إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فهذه صحة السند ثُمَّ من بعد ذلك ذكر ضبطهم وعدالتهم، بل هذا دليل على أن الأمير معتمد على أقوى الطرق، وأنه لا يقول صح إلاَّ وقد سمعه، وأنه لا يقول صح له من دن أن يكون قد أسمعه، ثُمَّ لو سلمنا أنَّه صح له كتاب الفائق ـ أي أحاديثه ـ فلا يتم للسيد محمد ما رامه؛ إذ ليس فيه دلالة على أن المقصود أنَّه صح له لأجل سماعه له على شيخ ثقة فقط؛ إذ الظاهر أن المقصود أنَّه أسمعه فاتصل سنده إلى المصنف أو النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بالسماع لا بالإجازة ونحوها. (1/47)
وأيضاً: الظاهر من قوله عليه السلام في ديباجة الشفاء: رغبت أن أجمع من عيون ما حفظته ونفيس ما رُوِّيتُه زبداً مما صحت أسانيدها... إلى أن قال: وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم، أنَّه صح له سندها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم وثبت عنده عدالة الرواة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، والتشكيك لا يدفع الظهور وإلا لما استقام دليل غير ضروري؛ إذ ما من دليل غير ضروري إلاَّ ويمكن فيه التشكيك هذا والله أعلم. (1/48)
وأما كونه عليه السلام يروى عن أبي موسى وغيره فهو عليه السلام يجوز الرواية عن كافر التأويل وفاسقه إذا كان محرم الكذب، وقد صرح بأنه ثبت له ضبطهم وعدالتهم ـ يعني العدالة في الرواية، وليس هو مخاطب عليه السلام إلاَّ بما صح له لا بما اعتقده غيره بأنهم فساق صريح أو مجوزين الكذب، مع أنَّه عليه السلام لم يرو عنهم إلاَّ فيما لا يجر إلى بدعهم ولا حامل لهم على الكذب فيه بل روى ما هو مشقة عليهم وهي الأحكام الشرعية إذ هم مكلفون بها.
وأيضاً: الغالب أنَّه ما يروى عنهم إلاَّ مع ما يقوي روايتهم من إجماع أو ظاهر آية أو حديث آخر أو قول أحد قدماء أئمتنا عليهم السلام؛ إذ هم عليهم السلام لا يعتمدون في دينهم إلاَّ على القرآن أو السنة المتواتر أو الإجماع أو ما رواه آباؤهم عليهم السلام أو من عرفوا دينه وورعه من شيعتهم أو قياس على الكتاب أو على ما ذكرنا من السنة.
قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام، قال المحسن بن محمد بن المختار عليه السلام لم يضع الهادي شيئاً في كتابه من نفسه إنَّما صنف ما أجمع عليه علماء أهل البيت عليهم السلام وغيرهم من علماء الإسلام؛ لأنَّه يسند إلى جميعهم ويروي عن كلهم ما أخذوه عن نبيهم صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فتكون رواية المقدوح فيهم عند القادح من هذا القبيل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومما يدلك على أن الأمير الحسين مقصوده في قوله في ديباجة الشفاء: مما صحت أسانيدها ومتونها وقوله: وثبت عندي ضبط رواتها وعدالتهم، غير ما توهمه السيد محمد بن إبراهيم الوزير من أن مقصود الأمير بالصحة والعدالة كونه قرأ الحديث على شيخ ثقة فقط. وذلك أنَّه قال في الشفاء خبر فإنه روى عنه ـ يعني عن علي عليه السلام ـ أنَّه كان عنده مال لأيتام بني رافع فلما بلغوا سلمه إليهم... إلى أن قال فيه: فوزنوه فنقص فقالوا: إنَّه نقص، قال: أفحسبتم الزكاة؟ قالوا: لا، قال الراوي فحسبوها فخرج المال مستوياً، فقال علي رضي اللّه عنه: أو يكون عندي مال لا أؤدي زكاته... إلى أن قال فيه: وروي أن الصادق قيل له: إنَّه يروي عن علي عليه السلام أنَّه زكى مال بني رافع فقال: كان أبي ينكر هذا، قال الأمير: وهذا يعني إنكار محمد بن علي عليهما السلام لا يعارض ما رويناه أو لا بمعنى أنَّه يسقطه وينفيه... إلى أن قال فيه: ويجوز أن يكون ذلك لم يبلغه أو بلغه على يدي غير ثقة فإنا رويناه عن العدل الضابط. انتهى. (1/49)
وهذا لا يتأتى أن الأمير ما أراد بالعدل الضابط إلاَّ شيخه؛ لأنَّه لا يكون حجة على إنكار محمد بن علي عليهما السلام.
وأيضاً قال في الشفاء ما لفظه: فأما ما احتج به مخالفونا بما رووه عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوء الصلاة ))، وبما رووه عن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( إذا مست المرأة فرجها توضأت ))، فهذان الخبران ضعيفان واهيان مطعون على رواتهما وهما معارضان بأخبار صحيحة الإسناد كثيرة منها خبر وهو أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم.. الخ. انتهى. ولو كان مقصوده بصحة الإسناد كونه قرأ الحديث على شيخ ثقة فقط لما تم له الاحتجاج بقوله صحيحة الإسناد على الخصم ومما يدلك على أن الأمير عليه السلام لا يقبل المجهول في جميع الدرج قوله في الشفاء ما لفظه: وأما ما احتج به المخالفون مما يدل على أن القهقهة تنقضه ـ أي الوضوء ـ سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة، فإنه مطعون فيها بعضها ينتهي إلى عمرو بن قيس المالكي وهو مجهول، وبعضها ينتهي إلى عبد الكريم بن عبد العزيز بن أمية وعبد الكريم مجهول وكذا عبد العزيز، وبعضها ينتهي إلى الحسن بن دينار وهو مجهول أيضاً. انتهى. (1/50)
قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير ما لفظه: ولا يجب أن يحمل محمد بن منصور وهو مصنف أمالي أحمد بن عيسى على أنَّه لا يروي إلاَّ عن ثقة فقد نص الرجل رحمه اللّه في الأمالي على أنَّه لا يشترط ذلك، فقال في أثناء أبواب الصلاة في آخرها ما لفظه: يؤتم في الصلاة بكل تقي ومن لم تظهر ريبته جازت شهادته والصلاة خلفه، ثُمَّ قال بعد هذا باب من يؤتم به في الصلاة، فأجاز رحمه اللّه شهادة من لم تظهر ريبته، وإن لم يكن تقياً وهذا هو المجهول والشهادة آكد من الرواية لحديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بالإجماع وبذلك يشرط فيها شاهدان اثنان فكيف برواية مذاهب العلماء والأئمة، وعلى هذا لو أرسل محمد بن منصور بصيغة الجزم لم يقبل منه من لا يقبل المجهول فكيف وقد أسند الرجل وخرج من العهدة فيأتي الأمير الحسين رحمه اللّه وغيره من المتأخرين فيختصرون إسناده وينقلون ما رواه بإسناده مرسلاً فيقطع الأصحاب بصحته وإن رواته ثقات. انتهى كلام السيد محمد. (1/51)
قلت: وفي تتمة الاعتصام ما لفظه: قلت: ولا جرح إلاَّ من عدل ورواية الحافظ محمد بن منصور رحمة اللّه عليه من أعلى درجات التعديل لمن أسند إليه من مشائخه الحفاظ والله حسبي ونعم الوكيل؛ لأن المعروف من مذهبه رحمه اللّه اشتراط العدالة في المخبر والله أعلم. انتهى ما في التتمة بلفظه.
نعم وإذا أردت أن تعرف شرط الأمير الحسين وقاعدته وتحريه في الأحاديث فانظر إلى ما نقلته من ينابيع النصيحة، واعلم أنَّه لا يناقض ما ذكره الأمير في الشفاء من قبوله في الأحكام الشرعية رواية فاسق التأويل ماذكره في الينابيع لإمكان الجمع ولا ينقض تحريه فهذا ما نقلته من الينابيع، قال الأمير الحسين في ينابيع النصيحة ما لفظه: وقد جعلت ما أوردته من الأخبار ـ يعني في ينابيع النصيحة ـ(1) وذكرته من الآثار مما سمعته بالأسانيد الصحيحة. انتهى. وقال فيها في الجواب عما روي من أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: (( سترون ربكم.. )) الخ ما لفظه: الجواب عن ذلك من وجوه: منها أن هذا الخبر من أخبار الآحاد.. إلى أن قال فيها: ومنها أن أخبار الآحاد وهي لا توصل إلاَّ إلى الظن فقط متى تكاملت شرائطها، ومسألة الرؤية من مسائل أصول الدين فلا يجوز أن يؤخذ فيها بأخبار الآحاد.. لا يجوز الأخذ بها ولا العمل عليها إلاَّ متى تكاملت شرائطها هي ثلاثة: (1/52)
أحدها: أن يكون الراوي عدلاً ضابطاً؛ لأن رواية غير العدل الضابط مردودة بلا خلاف، وهذا الخبر لم يسلم من ذلك فإنه ينتهي إلى قيس بن حازم وهو مطعون في روايته من وجوه:
__________
(1) ـ ما بين القوسين حاشية. تمت.
أحدها أنَّه كان متولياً من بني أمية ومعيناً لهم على أمرهم ولا شبهة في كون ذلك فسقاً إن لم يبلغ الكفر؛ لأنهم عندنا كفار... إلى أن قال فيها: ومنها أنَّه كان مبغضاً لأمير المؤمنين علي عليه السلام، إلى أن قال فيها: ومن دخل بغض علي عليه السلام في قلبه فلا شبهة في فسقه إن لم يكن كافراً إلى أن قال فيها: ثُمَّ إن الخبر ينتهي إلى جرير بن عبد اللّه وجرير بن عبد اللّه هذا هو الذي لحق بمعاوية وخرج على أمير المؤمنين عليه السلام، إلى أن قال فيها: وثانيها: أن لا يعارض أدلة العقول ولا محكم الكتاب ولا السنة المعلومة، إلى أن قال فيها: وثالثها: أن لا يرد في أصول الدين ولا فيما لا يؤخذ فيه إلاَّ بالأدلة العلمية وهذا الخبر ورد في أصول الدين فوجب سقوطه، فإذا كانت هذه الشرائط تعتبر في باب العمل بأخبار الآحاد بحيث لا يجب العمل بها إلاَّ مع تكامل هذه الشرائط فكيف يصح الأخذ به مع فقد هذه الشرائط. انتهى. (1/53)
وقال فيها: روينا بالإسناد الصَّحيح إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود... الخ )) انتهى. وقال فيها بعد أن احتج على إمامة أمير المؤمنين من كتب القوم ما لفظه: واعلم أيها المسترشد أنا قد جعلنا الرواية مضافة إلى هؤلاء الرواة ونسبناها إلى كتبهم لاشتهار كتبهم عندهم، فإن الصحاح مشهورة والفقهاء عن يد يعتمدون على مافيها، فألزمنا الخصوم قبل رواية أهل مذهبهم وأئمتهم ليكون أبلغ في الاحتجاج وتنكبنا عن طريق رواية أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الهداة الأعلام على اتساع نطاقها وثبوت ساقها. انتهى.
وقال فيها: وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير وأفرد له كتاباً وطرقه من مائة طريق وخمس طرق ذكر جميع ذلك الإمام المنصور بالله عليه السلام وصحت الرواية في ذلك لنا عنه... إلى أن قال فيها بعد ما ذكر حديث الغدير من طرق القوم ما لفظه: وقد تنكبنا طريق رواية العترة عليهم السلام وشيعتهم الهداة الأعلام لهذا الخبر؛ لأنا أردنا إلزام الحجة للمخالفين بما رووا علماؤهم وشهد به كتب الصحاح وإلا فرواية العترة وشيعتهم فوق ما حكيناه عن غيرهم؛ لأنهم أهل هذا الشأن وهم أهل الجري في هذا الميدان. انتهى. (1/54)
وقال فيها ما لفظه: وأما المطلب الثاني وهو في ذكر طرف يسير من فضائله ـ يعني علياً عليه السلام ـ ومناقبه فله فضائل كثيرة، ومناقب شهيرة وهي مدونة في الكتب المشهورة كالصحاح وغيرها مما رواه المخالفون من فضائله عليه السلام ونضيفه إلى كتبهم؛ لأنها كالشاهدة عليهم شهادة الخصم لخصمه من أقوى الشهادات؛ لأنها لا تحتاج إلى عدد ولا تفتقر إلى تعديل ولا ترد بجرح ولا يقدح فيها الرجوع بعد ثبوتها، وأما ما رواه آباؤنا الأئمة الأعلام عليهم الصلاة والسلام أو رواه أتباعهم من علماء أهل الإسلام فهذا باب واسع، إلى أن قال فيها: فضيلة تبليغ سورة براءة روينا بالإسناد الموثوق به أن سورة براءة لما نزلت .. الخ إلى أن قال فيها: وهذا رويناه من كتاب التهذيب في التفسير ولم يكن صاحبه زيدياً في أوله بل كان معتزلياً. انتهى.
وقال فيها بعد أن روى أحاديث في أن الحق مع علي عليه السلام ما لفظه: ولا يجوز أن تشتهر هذه الأخبار إلاَّ وفي جملتها ما هو صحيح ويجري الكلام في ذلك مجرى العلم بشجاعة عنترة وكرم حاتم، فإن ذلك اشتهر بأخبار الآحاد الكثيرة فقطعنا على أنَّه لا بد أن يكون في جملتها ما هو صحيح، والعلة الرابطة بين ذلك تطابق الأخبار من جهة الآحاد على معنى واحد فوجب كون ذلك المعنى صحيحاً ويقرب أن يكون متواتراً. انتهى.
وقال فيها بعد أن روى أخباراً في فضائل أمير المؤمنين ما لفظه: وهذه الأخبار التي رويناها في فضل علي عليه السلام هي مجة من لجة وقطرة من مطرة من مناقبه التي رواها المخالفون وذكرها أئمتهم وعلماؤهم من جملة مناقبه التي رووها وذكروها فلما صح لنا سماعها عنهم من كتبهم التي هي صحيح مسلم وصحيح البخاري ومن كتاب الجمع بين الصحيحين لأبي عبد اللّه محمد بن نصر الحميدي ومن كتاب الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري، ومن السنن لأبي داوود السجستاني وصحيح الترمذي ومن صحيح النسائي ومن جمع البدري ومن مسند بن حنبل وتفسير الثعلبي، وما رواه ابن المغازلي الواسطي فلنقتصر عليها ليكون ذلك أقوى للحجة وأبلغ في إيضاح المحجة، وتنكبنا طريق رواية الشيعة لفضائله عليه السلام لكون أهل جهتك أيها الطالب ما يلين إلى فقهاء العامة ومعتمدين على أئمتهم في الفقه فألزمناهم ما رووه أئمتهم وإلا فرواية الشيعة كثيرة ولهم في فضائله كتب جليلة خطيرة تشتمل على ألوف أحاديث ولذلك تركنا ما اختص بروايته آباؤنا الأئمة الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام مع اتساع نطاقها وثبوت ساقها لهذه العلة التي ذكرناها. انتهى. (1/55)
وقال فيها ما لفظه: فأما ما ورد فيه ـ يعني القاسم بن إبراهيم فما هو في أفواه الناس ويروونه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال لفاطمة عليها السلام: (( يا فاطمة: منك هاديها ومهديها ومستلب الرباعيتين ))، يعني القاسم بن إبراهيم، هكذا يروونه مفسراً ولم تصح لي فيه الرواية عمن أثق به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ونعوذ بالله أن أقول على رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ما لم يقول، ثُمَّ روى لي من أثق به بإسناده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، أنَّه قال: (( يا فاطمة، منك هاديها ومهديها ومسترق الرباعيتين ولو كان بعدي نبياً لكان نبياً )) انتهى.
وقال فيها: وروينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه دعا بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فأجلسهم... إلى آخر خبر الكساء. انتهى. (1/56)
وقال فيها ما لفظه: وأما السنة فكثير نحو ما أخبرني به والدي وسيدي بدر الدين عماد الإسلام رضي اللّه عنه بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم أنَّه قال: (( لا يحل لعين ترى اللّه يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل ))، وفي السماع المتصل بالمنصور بالله عليه السلام حتى تغير أو تنصرف. انتهى.
وقال فيها بعد أن روى أن الأذان ثبت برؤيا والأمير قال ما لفظه: قلنا: إن الأذان أصله من اللّه تعالى أمر اللّه ملكاً من ملائكة اللّه تعالى ليلة أسري برسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، هكذا رويناه عن الأئمة الفضلاء الباقر محمد بن علي السجاد زين العابدين والعالم ترجمان الدين أبي محمد نجم آل رسول اللّه القاسم بن إبراهيم الغمر والهادي إلى الحق أبي الحسين يحيى بن الحسين والناصر للحق أبي محمد الحسن بن علي صلوات اللّه عليهم، وأنكروا على من جعله مأخوذاً من رؤيا الأنصار، وقد ذكرنا فيما تقدم طرفاً من فضائل هؤلاء الأئمة عليهم السلام، فيكون ما ذكرناه من فضائلهم مرجحاً لروايتهم على راية غيرهم فلا يعدل على روايتهم من طلب الاحتياط لنفسه والأخذ بالقوي من الأسانيد. انتهى.
قلت: وفي بعض هذا تصريح بخلاف ما قاله السيد محمد بن إبراهيم ألا ترى إلى قوله: ولم تصح لي فيه الرواية عمن أثق به إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم ونحوه، فإذا تأملت هذا عرفت أنَّه أشد تحرياً وتطلعاً من غيره:
وليس على اللّه بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
[فائدة]
قال المؤيد بالله في شرح التجريد بعد أن ذكر أخباراً احتج بها من أجاز التوضي بنبيذ التمر ما لفظه: وقد طعن قوم في سند هذه الأخبار وردوها إلاَّ أن الفضلاء من أصحاب أبي حنيفة قد قبلوها وعدلوا رواتها بل أبو حنيفة نفسه قد قبلها، وفي قبولها تعديل رواتها فلا وجه لردها. انتهى. (1/57)
قلت: فننظر في قول المؤيد بالله: إن في قبول أبي حنيفة وأصحابه لها تعديل لرواتها مع ما نقل أن الحنفية تقبل المجاهيل، وقال فيه أيضاً: لأن العلماء مجمعون على ذلك ـ يعني عليه السلام ـ البحث عن عدالة الشهود، قال المؤيد بالله عليه السلام: ولا يحكي الخلاف فيه إلاَّ عن أبي حنيفة، فإنه كان يقول: المسلمون كلهم عدول.
قال أبو بكر: قال أبو حنيفة هذا القول في أهل عصره لأن الغالب على أحوالهم كانت السلامة والعدالة، فأما الآن فلا بد من التعديل للشهود... إلى أن قال فيه: وروى عن ابن مسعود أنَّه قال: ما علمت أن في أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم من يريد الدنيا حتى نزلت الآية {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} فكان الأصل فيه الدين والورع والعدالة، ولا يبعد ذلك أيضاً أنَّه كان في أوائل عصر أبي حنيفة؛ إذ لا إشكال أنَّه كان في القرن الثالث وقد قال صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: (( خير أمتي الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثُمَّ الذين يلونهم ))، وإن كانت الأحوال قد تغيرت في آخر أيامه. انتهى.
[فائدة]
في ذكر من علم أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ممن برز في علم الحديث: أما من الصحابة فمنهم عمار وعبد اللّه بن عباس والمقداد وأبو ذر وجابر بن عبد اللّه وزيد بن أرقم وسلمان وخيثمة وعبد اللّه بن مسعود وأبو سعيد الخدري وأبو عمر الأنصاري وعبادة بن الصامت وعمران بن حصين وسهل بن حنيف وأبو بردة وأبو قتادة وعثمان بن حنيف والعباس بن عبد المطلب وأكثر الصحابة وكعبد اللّه بن عمر، فإنه تاب وندم عن تخلفه عن أمير المؤمنين عليه السلام وقتل بسبب ذلك. ومن التابعين أهل الكوفة جميعهم كعلقمة وزر ومسروق وباقي علماء الكوفة ومنهم الحسن البصري وأكثر التابعين. ومن المحدثين محدثوا أهل الكوفة كسفيان الثوري ووكيع والحسن بن صالح وأبي نعيم والأعمش والسبيعي وسائر علماء أهل الكوفة إلاَّ المغيرة بن هيثم. ومن غير علماء الكوفة سليمان التيمي وعبدالرزاق وأبي جرير وعلي بن المديني وابن أبي حاتم والفضيل بن عياظ والنسائي وابن عقدة والحكمي والسبيعي الصغير وأبي علي الحافظ والحاكمين أبي أحمد وأبي عبد اللّه والدار قطني وأبي صاعد وخلق لا ينحصرون وكذا علي بن الجعد وعلي بن زيد نقلت هذا من شرح خطبة الأثمار. (1/58)
انتهى ما أردت نقله فيما قيل في الأخبار. والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه وسلم على سيدنا محمد وآله آمين.
قال في الأم: وافق الفراغ من نقل هذا المؤلف الفخيم والمسطور الكريم من نسخة تسويدية جامعة مولانا أمير المؤمنين الهادي لدين اللّه الحسن بن يحيى بن رسول اللّه، وقت الضحى من يوم الخميس عله 9 شهر ربيع الأول من سنة (1326هـ) وذلك بعناية مولانا المذكور أيده اللّه.
بخط باذل الدعاء ومستمده محمد بن إسماعيل العنسي.