الكتاب : عقائد أهل البيت والرد على المطرفية المؤلف : المحقق: الناشر : |
عقائد أهل البيت
والرد على المطرفية
المؤلف:
عبدالله بن زيد العنسي
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله وحده وصللم.
الحمد لله الذي نور قلوب عباده الموحدين لمعرفته، وشرح صدور المهتدين بهدايته، وصلواته على رسوله وعلى عترته، وعلى الأئمة الهادين من ذريته، وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
أما بعد: أيها الإخوان وفقنا الله وإياكم لطاعته، وعصمنا وعصمكم من مخالفته، لقد بلغتنا رسالتكم على ألسنة إخوانكم المؤمنين، ومكاتبتكم المستدعية لإيضاح الحق المبين، وطلب التحقيق لما يحب من أصول الدين، والتفهم لما يلزم من مفارقته من مذاهب المبتدعين، من المطرفية الطبعيين، وسائر إخوانهم الملحدين، ليقع الاعتصام بحبل الله المتين، والاستمساك بما أمر به رب العالمين، والاقتداء بما كان عليه سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين، والاهتداء إلى مذاهب الأئمة الهادين، وسائر الزيدية المهتدين رضي الله عنهم أجمعين، مع الاجتهاد في الاختصار والإيجاز، والعجلة والإنجاز والاحتراز، وها أنا ملق لكم من ذلك على العجلة ما سمحت به القريحة، من المعاني الصحيحة، بالألفاظ البينة الصريحة، على وجه المسارعة إلى الخيرات، والاعتماد على الإيضاح للبينات، ومن الله تعالى أستمد التوفيق، واستوهب التحقيق، واستمحه أن يجعلني من الهداة إلى واضح الطريق، وأصلي على محمد وعلى آله.
فإذا سئل واحد منكم عن مذهبه، فليقل أنا علوي زيدي، قاسمي يحيوي ناصري منصوري، أدين لله بالتوحيد والتنزيه، ونفي التجوير والتشبيه، وأوالي الفرقة الناجية العلوية، وكافة شيعتهم من الزيدية، وأعادي الفرقة الضالة الشقية المطرفية الطبعية، وسائر إخوانهم من أهل الضلالات البدعية، والفرق المغترة الغويّة، فإن قال ففصل إلى حقيقة هذا المذهب وما به يرجى الله ويرهب، فقل حقيقة هذا المذهب عند أهل المعرفة يتضح بثمانين معرفة، وهي المعارف التي يدين بها الملائكة المقربون، والأنبياء المرسلون، والأوصياء المنتجبون، وإليها هدت العقول والألباب، وبها شهد محكم الكتاب، وهي مذهب محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين وسائر أولادهما النجبا صلوات الله عليم أجمعين، وهي الدين الذي كان عليه جميع الصحابة والتابعين قبل حدوث بدع الضالين.
المعرفة الأولى
قال أهل الإسلام كافة: إن الله خالق العالم ومنشئه ومقدره من الأرض والسماء، والهواء والماء، والنجوم الجاريات، والرياح الذاريات، والأمطار والأشجار، والثمار والأزهار والأنهار، والليل والنهار، والأفلاك والأملاك، والإنس والجن، وجميع الجمادات الجامدات الناميات، والحيوانات الناطقات، والحيوانات غير الناطقات من الوحوش والحشرات والطيارات وغير الطيارات، كلها من خلق الله تعالى وتقديره، وإحداثه وتصويره، وهذا مذهب كافة الزيديّة، وتظهره المطرفية بالشهادة.
ثم قالت المطرفية في تحقيق مذهبها ودينها ما يقول القائل من ذلك توسُعٌ ومجاز، وإلا فالحقيقة عندهم أن الله خلق الأصول وقصدها عند خلقها من الهواء والماء، والرياح والنار، حكمة من الملك الجبار، العزيز القهار، وجعلها مركبة مفطورة على أحداث الفروع من السماوات والأرضين، وما فوقهما وبينهما من الحيوانات والجمادات، قالوا: فبعضها يحدث من بعض، البيضة من الدجاجة، والدجاجة من الدجاجة من البيضة، والإنسان من المني والمني من الإسنان، والثمرة من الشجرة والشجرة من الثمرة، وكل فرع حادث من أصله لا بإرادة الله تعالى وقصده، وهذا محال؛ لأن هذه الفروع كلها محدثة، وكل محدث لابد له من محدِث قادر، فإن ما أوجب في الأصول أن يحتاج إلى محدث قاصد لها قادر عليها، يوجب مثل ذلك في الفروع من الأصول كما قضت به العقول، ونطق به الكتاب الكريم، وجاءت به السنة الشريفة، وحكم به الأئمة الهادون، خلاف قول هذه المطرفية، وإخوانهم من الفلاسفة والطبايعة والدهرية.
المعرفة الثانية
قال أهل الإسلام كافة: بأن كل ثمرة من حب أو زبيب أو فاكهة أو جنسها خرجت من أصلها لا بطبيعة أصلها، ولا من مادته ولا تركيبه على إحداث ذلك، ولا بفطرته، ولا بتأثير ولا جبلته، بل أحدثها من ذلك الأصل خلقها وأبدعها ربها وصانعها؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حيّ قادر، والأصول ليست بحية ولا قادرة.
وقالت المطرفية: حدث جميع الثمار بطبع تلك الأصول، وبما فطرت وركبت عليه من أحداث الفروع، وليس بشيء منها بقصد الله تعالى ولا إرادته، ولا اختياره حالة الحدوث ولا مشيئته، وهو قول الطبايعية والملحدة وهو محال؛ لأن هذه الفروع نحو الصورة الإنسانية مثلاً لو لم تكن حاصلة باختيار الصانع الحكيم وبإرادته لهذا التركيب الحكيم لم يكن الموجب لها بأن توجبها صورة الإنسان أولى من توجبها صورة الفرس أو غيرها من الحيوان؛ لأنه ليس بعالم بكيفية الأحكام، ولا مريد لنظام دون نظام، ولا كان بأن يجعل الرأس رأساً، واليد يداً، والوجه وجهاً، وكذلك سائر الأعضاء أولى من العكس، وأولى من أن يوجب الإنسان منكوساً، لولا أن ذلك من صانع عليم، ومرتب له حكيم، ولا كان بأن تكون النطفة والعلقة مضغة والمضغة عظاماً، ومكسو العظام لحماً أولى من العكس، كان يجب أن يكون الشيء الواحد على هذه الأمور، ومتى كان الموجب حاصلاً، وإن لم يحصل موجبه إلا على ترتيب وجب أن يحتاج في حصوله إلى صانع مختار مع هذه الأمور.
فإن قالوا:.احتاج إلى موجب آخر أدى إلى ما لا نهاية له، وذلك محال، وإن قالوا: ينتهي إلى محدثٍ، فإن ما أوجب حاجته إلى محدث يقتضي حاجة هذه الفروع إلى محدث، وعلى هذا ورد القرآن الكريم بأنه تعالى هو المحدث للإنسان والمصور له، بالفضل والامتنان، فقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:12-14].
المعرفة الثالثة
قال أهل الإسلام كافة: إن اختلاف الألوان والصور، والأنثى والذكر حدث بقصد العلي الأكبر، لا يقدر عليه سواه، ولا يحدثه إلا إياه.
وقالت المطرفية: بأن ذلك حدث بإحالات الأحكام، وتأثيرات الطبائع، وهذا من الموجبات، ولا تحصل الطبائع المتماثلات ولا المختلفات؛ لأن الكلام في تماثل طبائعها واختلافها كالكلام في أنفسها، فإن احتاجت إلى طبائع أخرى أدى إلى ما لا نهاية له، وإن انتهت إلى فاعل مختار وجب أن تحتاج إلى هذه الفروع في ذلك إلى الفاعل المختار، الذي يفعل ما يشاء ويختار، وعلى هذا قال تعالى: و{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6] وقال تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}[الرعد:4] فبين أن طينها واحد، وماءها واحد، وأصولها مستوية متماثلة في الفروع، مختلفة متباينة، وعرفنا أنه تعالى المخالف بينهما، والمفاضل والمباين والمماثل.
المعرفة الرابعة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأمطار والماء نزل من السماء بقدرة العلي الأعلى، وقصده إلى خلقه كذلك تعالى.
وقالت المطرفية: لم يقصد إلى إحداثه تعالى، وإنما هو حادث من بخارات الأرض ورطوبات الجو، لا بمشيئة الله تعالى وهذا محال؛ لأنه إن وقع الشك أنه من فعله تعالى، فكيف يرتاب فيه المرتاب، وقد ثبت أنه محدث...................... نزوله من السماء فهو شك في قوله تعالى، قال عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان:48] وقال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً}[الرعد:17] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
المعرفة الخامسة
قال أهل الإسلام كافة: البرد نزل من السماء من جبال فيها من برد، وحدث ونزل بقدرة الفرد الصمد، ومشيئة الواحد الأحد.
وقالت المطرفية: ما حدث بإحداث الله ولا بإرادة الله، ولا بقدرته ولا مشيئته، ولكنها رياح باردة صادفت الماء في الهواء فأحالته بذلك برداً، مثل ما يذهب إليه الطبائعية والفلاسفة والملحدة وهذا محال؛ لأن الرياح ليست بحية قادرة، والبرد فعل، والفعل لا يصح إلا من حي قادر.
المعرفة السادسة
قال أهل الإسلام كافة: الأجسام لاتحيل وتستحيل وما ينسب من ذلك إليها إنما هو بمنزلة قول القائل مات، أي أماته الله تعالى، فهكذا استحال جسم الميتة ملحاً، أي أحاله الله من حالة إلى حالة، وقد يكون ذلك مما يقدر عليه العباد، مثل خروج الجسم من كونه متحركاً إلى كونه ساكناً، وإن كان ذلك ليس بإحالة تامة؛ لأن الإحالة التامة لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل ما ذكرناه.
وقالت المطرفية: إحالة الأجسام لله تعالى فعل، ولكنه لم يفعلها، وهي له إرادة ومراد، ولكنه لم يردها، وهذا قول لا يعقل، وتناقض عن غيرهم لم ينقل؛ لأنها إذا كانت فعلاً له، وقد فعلها بالضرورة، وإذا..................... بالضرورة؛ لأنه لا يجوز أن يثبت بأحد اللفظين ويبقى بالآخر، فلا يجوز أن يقال هي فعله وما هي فعله، ولا يجوز أن يقال هي إرادته وما هي إرادته، إلا أن يريدوا بقولهم أن الإحالة فعله، أي أنها فعل المستحيل، وهو الأجسام، والأجسام فعله من حيث هي حاصلة عن الأصول التي هي فعله، هكذا في الإرادة، وإن كان لم يردها حالة استحالت ولا قصدها وإنما حصلت بغير اختياره ولا مشيئته كان ذلك اعتقاد للقصران في علمه، أو للنقص في قدرته؛ لأن الفعل متى صدر ممن لم يرده فإنه لابد أن يكون إما مكرهاً على فعله وعاجزاً عنه عن من أكرهه، وإما ساهياً عن فعله وغافلاً عن أمره، وكلاهما محال، وإما أن ينتقض القول بأنها من فعله، فيكونون قد جعلوها من فعل الأصول وهو محال؛ لأنها ليست بحية ولا قادرة، وإما أن يجعلوها بإيجاب الأجسام............................... في جهته فيكون جسمين في جهة واحدة، إذ لو تعدى إلى غيره لم يكن بأن يوجبه في جهة أولى من أن يوجبه في جميعها وهو محال، أو في جهة أو لا في جهة معينة دون غيرها وهو محال؛ لعدم الاختصاص، وذلك لا يجوز، وكذلك لا يوجب شيئاً من الأعراض، وإلا أوجب ما لا يتناهى من المتماثلات أو جميع المختلفات، فيؤدي إلى إيجابه للمتضادات في حالة واحدة وهو محال.
المعرفة السابعة
قال أهل الإسلام كافة: إن أسماء الله التي سمته بها محدثة منا، وأنها تفيد ذاته، وأنه تعالى مثل قولنا: القادر العالم الحي القيوم القدير، وأن القادر الذي هو الله تعالى هو العالم، وهو الحي وليس القادر غير العالم ولا الحي غير القادر، ولا فيه تزايد تعالى ولا تعدد ولا حدوث ولا تجدد.
وقالت المطرفية: أسماؤه تعالى كثيرة، وكلها قديمة ومع ذلك هي الذات، والذات هي، وهذا محال؛ لأن الإسم هو قول القائل وكلامه، والكلام والأقوال من قبل المحدثات بدليل أن قولك قادر يتقدم القاف على الألف، والألف على الدال، والدال على الراء، وما تقدمه غيره فهو محدث، فكيف يصح القول بأنها قديمة، ولأن الله تعالى امرنا أن ندعوه بها، وقال: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف:181] والدعاء بها لا يتم إلا بالتسمية له بها، والأمر لا يتعلق إلا بأفعالنا دون غيرها، ولا يتعلق إلا بإنشائها المدح والثواب، وذلك لا يصح في القديم، وليس يصح في الأشياء القديمة أن تكون شيئا واحداً؛ لأن كل عاقل يعلم بالضرورة أنه يستحيل أن ثلاثة هي واحدة لأن هذا خلل في العلم بالبداية، وهي معرفة العدد والحساب، ودخولٌ فيما كفرت به النصارى من إثبات ثلاثة أقانيم هو واحد، فإن هذه مناقضة ظاهرة.
المعرفة الثامنة
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا يفعل القبيح.
وقالت المطرفية: أما الشواهة والقباحة فهي منسوبة إليه من قبل الفطرة والتركيب، وإن كانت قبيحة، وكذلك كل منقول عنه فإنه قبيح، وإن كان مسنوباً إليه تعالى وهذا لا يصح؛ لأن الشواهة والأشياء المنفرة إن كانت من فعله تعالى فهي حسنة؛ لأن الله تعالى لا يفعل القبيح من حيث هو عالم بقبحه أي يستحق عليها الذم فإنها ليست من فعله، لكنها من فعله تعالى فهي إذاًحسنة، قال المسلمون: إنها وإن كانت منفرة في الطباع فهي حكمة في الخلق والإبداع؛ لأنها فعلت للصلاح لا للفساد، ولم يقصد بها ظلم العباد.
المعرفة التاسعة
قال أهل الإسلام كافة: إن الآفات والعاهات والأمراض وغيرها نحو الحمى والصداع، والعمى والصمم، والجذام والبرص، والحيوان والصراع، وما أشسه ذلك من خلق الحكيم وحكمة البر الرحيم.
وقالت المطرفية: إنها ليس يجوز أن تكون من فعل الله تعالى، ولا إحداثه ولا إنشائه، ولا من خلقه ولا ابتدائه وهذا محال؛ لأنها محدثة بعد أن لم تكن، وكل محدث لابد له من محدث قادر، وإذا لم يكن حدوثها منا وجب أن يكون منه.
المعرفة العاشرة
قال أهل الإسلام: إن الذي يفعل الخير والشر، والنفع والضر، والصحة والسقم، والمعنى والصم، والسلامة والجذام هو واحد، وهو الله عز وجل.
وقالت المطرفية: لابد أن يكون فاعل الخير غير فاعل الشر، وفاعل النفع غير فاعل الضر، قالوا: فالخير من الله والشر من الطبائع المختلفة، مثل ما يقوله الثنوية والمجوس، وهذا محال؛ لأن الذي لأجله كان الخير من الله هو أنه حادث لا يقدر عليه العباد، وقد ثبت أن الشر الذي يقولونه من قبل الأجسام كالجذام..................................، كالعمى والصمم، فجيب أن يكون من فعل العلي الأكرم.
المعرفة الحادية عشرة
قال أهل الإسلام كافة: ما كان قبيحاً من المضار ليس من فعل الله تعالى.
وقالت المطرفية: الأمراض قبيحة، وهي من فعل الله تعالى من قبل الفطرة والتركيب والكلام عليهم بما تقدم.
المعرفة الثانية عشرة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأمراض والآفات والعاهات لابد في إحداثها من أعراض، ثم قال أهل البيت عليهم السلام: لابد عليها من أعواض.
وقالت المطرفية: ليس فيها منه تعالى قصد ولا أغراض ولا فعلها لاعتبار، ولا أعواض. وهذا محال؛ لأنه أحدثها تعالى من حيث هي فعل، والفعل لا يصح إلا من فاعل، ولا فاعل سواه تعالى، وقد ثبت أنه لا يقدر عليها العباد، فإذن هي من الله تعالى، وهو تعالى...................................، ولا يجوز أن يكون عرضة لإضراره؛ لأن الظلم منه تعالى لا يجوز، فإذن غرضه مصلحة العبد، وليس إلا الاعتبار، وقد ثبت أن فيهم من لا يلزم في حقه التذكرة والاعتبار، نحو الأطفال الصغار، فثبت أنه لا بد من أعواض، والله الهادي.
المعرفة الثالثة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: بأن الأعمار والآجال مقدرة بقدرة ذي العزة والجلال، وإن الموت والحياة في البالغين والأطفال وجميع الأعمار القصار والطوال كلها باختيار الله تعالى، وإرادته وقصده ومشيئته.
وقالت المطرفية: إن الأعمار والآجال، والموت والحياة، تقع بحسب الطبائع والموادّ، إن موت الطفل ليس من رب العباد، وأن ما نقص من عمر معمر فليس من الله تعالى كتاب ولا حكم به رب العالمين، وهذا....... الموت والحياة أمور حادثات، ولا يصح تحدث من العباد وإلا أمكنهم فيها التناقص والازدياد، فيجب أن يكون منه تعالى، وعلى هذا قال تعالى: هو {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا...الآية}[الزمر:42] وغير ذلك من آيات القرآن الكريم.
المعرفة الرابعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن ما نقص من الأعمار عن مائة وعشرين أو زاد فإنه من فعل الله رب الأرباب.
وقالت المطرفية: إن ما نقص عن مائة وعشرين سنة فإنه ليس من فعل الله تعالى ولا إرادته، ولا من قصده ولا مشيئته.
روى الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام أن رجالاً من كبارهم بصوت جهيراً: أنا كافر برب يميت الأطفال، ولم يختلف المسلمون أن من قال ذلك فهو من المشركين الكفار، ومذهبهم هذا هو مذهب الفلاسفة والطبائعية وهو باطل؛ لأن ما يدل على أن الموت والحياة من الله تعالى يدل على أن ................................... قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}[الروم:40] ولأنه قد ثبت أن كثيراً من الأعمار زادت على مائة وعشرين، فإن نوحاً لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وفيها ما قد نقص، وقد قال تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ}[فاطر:11].
وروى الإمام أحمد بن سليمان أن شيخاً كبيراً منهم يقال له عبد الحميد قال له: ما عدل الله في أن يميت أخي صغيراً فيدخله الجنة، ويعمرني شيخاً كبيراً حتى يصيرني في النار، فاعترض على الله تعالى في حكمته.
المعرفة الخامسة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: ليس أحد بقادر على إصلاح حياته، وتأخير وفاته لا إلى مائة وعشرين ولا إلى أقل ولا إلى أكبر، وأنه لا يقدر على تقديم الموت وتأخيره إلا الله تعالى.
وقالت المطرفية: بل الإنسان يقدر على تأخير عمره إلى مائة وعشرين بإصلاح معيشته وغذائه، ومعرفة دائه من دوائه، وأن الإنسان لو لم يفرط في ذلك ما مات إلا لمائة وعشرين، وخالفوا بذلك قول المسلمين، وزادوا به على كفر الكافرين، فإن كل غافل يعلم بالضرورة أن زيادة العمر ونقصانه لا تحصل على قصده وداعيه، ولا تنتفي بحسب كراهته وصارفه، ولا يتعلق به لا نفي ولا إثبات، ولا مدح ولا ذم، وعلى هذا قال تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:34] وقال تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}(1)، ولبعض الموحدين شعراً:
ما للطبيب يموت بالداء ... الذي قد كان يبري
مثله فيما مضى:
إلا لأن الخلق يحكم فيهم ... من لا يرد ولا يعقب ما قضى
المعرفة السادسة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن الجرذان والحيات والعقارب، وغيرها من الحيوانات الضارة كلها من خلق الله تعالى وحكمته، وحادثات بقصده ومشيئته.
وقالت المطرفية: ليست من خلقه تعالى ولا حكمته، ولا حدثت تلك بإرادته.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام أنه خرج جرذ ذات يوم بشياع، فقال كبير من كبراء المطرفية: الحقوا حكمتكم..............بأهل الإسلام لما قالوا هي من خلق الله تعالى وحكمته، وهذا قول باطل؛ لأن هذه الحيوانات من قبيل الأجسام، والأجسام لا يقدر على إحداثها إلا ذو الجلال والإكرام، وإلا صح منا أن نخلق لأنفسنا ما نشاء من الأموال والأولاد.
المعرفة السابعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن جميع هذه الحيوانات الضارة، والسمومات القاتلة......................... حدثت من رب الأرباب.
وقالت المطرفية: بل هي قبيحة على كل حال، وهذا القول من المحال؛ لأن الله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}[الحج:73] وإذا كان الله تعالى خالق الذباب كان من الحكمة والصواب.
__________
(1) الآية قي الأصل { قل لو كنتم في بروج مشيدة لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة الثامنة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن قد نزل به الروح على محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله الطيبين.
وقالت المطرفية: ما نزل القرآن على محمد سيد المرسلين، ولا نزلت الكتب من الله تعالى على النبيين، وهذ رد على رب العالمين، وتكذيب لأحسن الخالقين، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء:193-195] وغير ذلك من آيات الكتاب المبين.
المعرفة التاسعة عشرة
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن قد أتانا، وبلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلينا.
وقالت المطرفية: إن القرآن ما أتانا، ولا بلغ إلينا، ولكنه في قلب ملك يقال له ميخائيل وهذا محال؛ لأن الله تعالى يقول: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67] فلابد أن يكون قد بلغه، ولأن ذلك معلوم من ضرورة الدين بإجماع جميع المؤمنين.
المعرفة العشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا المتلو في المحاريب المعروف بين المسلمين هو القرآن الكريم.
وقالت المطرفية: ليس هو القرآن الكريم، ولا أتى من رب العالمين، وهذا يخالف أقوال المسلمين، وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}[النمل:76] وقال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ}[الحشر:21] فالمشار...............................
المعرفة الإحدى والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا المتلو بين المسلمين هو كلام رب العالمين.
وقالت المطرفية: ليس بكلام رب العالمين، وإنما هو كلام من نطق به من القارين، وفيه تكذيب لرب العالمين، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ}[التوبة:6] وغيره من آيات الكتاب الحكيم.
المعرفة الثانية والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن ليس بصفة ضرورية في أحد من المخلوقين.
وقالت المطرفية: بل القرآن صفة ضرورية لقلب الملك الأعلى، فطره الله تعالى على القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، والصحف، وعلى العلم بما هو كائن، وخالفوا بذلك جميع المسلمين، ولأن القرآن مشتمل على السور والآيات، والألفاظ المفيدات، فكيف يصح أن يكون صفة واحدة، ولأنه كان.............أن لا يكون نازلاً على محمد عليه السلام، وقد بينا بطلانه، ولأن الله تعالى بين أن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل، وما في قلب الملك لا يقص عليهم قليلاً ولا كثيراً، ولا يعرفهم صغيراً ولا كبيراً، ولأن الجن قد سمعوا القرآن لقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً}[الجن:1] وما في قلب الملك لا يمكن سماعه، ولغير ذلك من الدلائل الظاهرات.
المعرفة الثالثة والعشرون
أن هذا القرآن من قبيل الكلام لا من العلوم، وإنما هو معلوم، وهذا قول جميع المسلمين.
وقالت المطرفية: إن القرآن هو علم الملك الأعلى، وخالفوا في ذلك العقلاء وأهل البيت النجباء، والصحابة النبلاء، ولأن الله وصف القرآن بأنه مسموع بقوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}[الجن:1] والمسموع هو الكلام دون العلوم والاعتقادات، ولأن ما في القلب لا يسمع، وإنما يسمع ما في اللسان من الكلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((..............عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن، وحرس من الشيطان، ورجحان في الميزان)) وذلك يدل على أنه كلام، وأنه المسموع بالآذان، وأنه المدروس باللسان.
المعرفة الرابعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن مسموع بالآذان، وأنه قد سمعه أهل الإيمان، وأنذر به الثقلان.
وقالت المطرفية: لا يسمع بالآذان ولا أدركه الثقلان، وكذبوا قول الرحمن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ، قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}[الأحقاف:29،30] فوصفه بأنه مسموع.......................وأنهم سمعوه، وأنه كتاب، وهذا خلاف قول الشك والاثبات، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيم}[الجاثية:7،8].
المعرفة الخامسة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن هذا القرآن المتلو في المحاريب من إحداث الله وإنشائه.
وقالت المطرفية: بل هو من فعل محمد وإنشائه، وهذا خلاف ما يعلم بضرورة الدين، وخلاف ما جاء عن الصحابة والتابعين، وأهل البيت أجمعين، قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَ يُؤْمِنُونَ}[الطور:33] أي قاله من عنده، مثل ما يذهب إليه المطرفية ومن تابعهم من المعتدين، وقد حكى الله تعالى هذه المقالة عن الوليد بن المغيرة: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ، فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ، إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ}[المدثر:18-25].
قالت المطرفية: إنه قول البشر.
المعرفة السادسة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن، ومع ذلك هي صحيحة عند الرحمن و.......
وهذا غاية المعاندة والعدوان، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}[الزمل:1-3] إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[المزمل:20] فبين أن القرآن واجب في الصلاة، وذلك يدل على أن الفاتحة في الصلاة من جملة القرآن، وقد قال الرسول عليه السلام: ((كل صلاة لا يقرأ فيها فاتحة الكتاب فهي خداج)).
المعرفة السابعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا يجب عليه أن يساوي بين عباده في الخلق، ولا في الرزق، ولا في الحياة ولا في الموت، ولا في التعبد ولا في الخير، ولا في ذلك من الفرائض عند العلي الأعلى.
وقالت المطرفية: إن الله تعالى يجب عليه أن يساوي بين عباده في هذه الأشياء، خلافاً منهم على العلي الأعلى وهذا محال؛ لأنه تعالى متفضل بذلك على العباد كما تفضل بابداء الخلق وإنشائه، ولهذا أمتن به تعالى على عباده في آي كثيرة، قال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} إلى قوله: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} إلى قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} إلى قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ}[الحجر:16-26] إلى غير ذلك من البيان في الامتنان، وقال تعالى مبيناً للتفضيل والإحسان: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ، وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ}[النحل:4،5] إلى آخر ما عدد من الإنعام الواقع من ذي الجلال والإكرام، ولأن الجميع واصل إلى الإنسان قبل تقدمه بصالح الأعمال، فكيف يقال بأنه واجب على ذي العزة والجلال.
المعرفة الثامنة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى قد فاضل بين عباده في هذه النسبة للأشياء واتبعوا في ذلك ما يعرفه العقلاء.
وقالت المطرفية: ما فاضل تعالى في ذلك بين العباد، ولو فعل لكان ذلك من الظلم والفساد وهذا مخالف الضرورة، فإن كل عاقل يعلم تفاضل الناس في الخلق، ففيهم الكامل والناقص، والطويل والقصير، والجميل والشويه، والغني والفقير، ويختلفون في الأعمار والآجال، وفي التعبد والجزاء، حكمة من العلي الأعلى، وكل ذلك معلوم من دين الإسلام، ومفصل........................... إلى قوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} وقال: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء:55] وقال: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}[الزخرف:32] وقال: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل:71] وغير ذلك كثير.
المعرفة التاسعة والعشرون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى قصد جميع أفعاله، وأرادها عند حدودها واعتمدها.
وقالت المطرفية: ما جعل الله من أفعاله بالقصد ولا بالعمد، إلا الأصول الأربعة، وبعضهم قال: أو المعجزات، وقال بعضهم: أو النقمات.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليهم السلام أن رجلاً من أهل مسلم اللحجي قال في مجلس حافل وقال بصوت جهير: من قال إن الله قصد شيئاً من أفعاله غير الأصول الأربعة والمعجزات والنقم فقد كفر، فجعلوا السماوات والأرضين، والأشجار والأزهار، والأوراق والثمار، والبراري والبحار، وغير ذلك من الأجسام الكبار والصغار حادث بغير اختيار العزيز القهار الجبار، وكفروا مع ذلك الاختيار، وهذا ما يقوله إلا أحد الكفار، وهذا يخالف ما يعلم بضرورة الدين، وما يظهر من الأنبياء المرسلين، صلوات الله عليهم أجمعين، وما جاء به القرآن المبين، وفيه اعتقاد العجز والجهل على رب العالمين، ولأنه تعالى أحدثها وهو عالم بها غير ساهٍ ولا مكرهٍ، وكل ما هذه حاله لابد أن يكون قاصداً إليها حالة إحداثها.
المعرفة الثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن النبوة اصطفاء من الله تعالى واختيار، وصادرة من العزيز القهار، وأنه تعالى الذي أرسل وتنبأ، واختار واصطفى.
وقالت المطرفية: ليست النبوة من فعل الله تعالى ولا اختياره، ولا مشيئته ولا إنشائه، وإنما هي فعل الشيء، وتارة يقولون: إنها جزاء على فعل النبي، وهذا يخالف العقول، وما نطق به القرآن وجاء من الرسول، وذلك لأن أصل الرسالة والنبوة إنما هي مصالح العباد، فإذا علم تعالى أنّ مصلحة الأمة في التعبُّد بشريعة مخصوصة ولم تكن المصلحة في أن يرسل إليها الملائكة، فلابد أن يرسل إليها رسولاً لتأدية مصالحها، وتمييز مفاسدها عن مصالحها؛ لأن ذلك من جملة ألطافها وتمكينها، وأقرب إلى إزاحة عللها، ولهذا قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء:15] وقد قال تعالى: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم: 30] وقد قالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}[مريم:29] فصيره نبياً في حال صغره وقبل طاعته وكبره، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33] ........من آيات القرآن.
المعرفة الحادية والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن من لم يبلغ درجة النبوة فما ذلك بتقصير منه في أمر نفسه، ولا باختلال في عقله وحسنه.
وقالت المطرفية: من لم يبلغ درجة النبوة فذلك لتقصيره في العمل، ومطاوعته الغرور والأمل، خلافاً على الله عز وجل، ولو كانت النبوة بالعمل لحصل بإختيار الواحد منا ودواعيه، ولتعلق بذلك أمر الله تعالى ونواهيه، وقد قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا}(1)[الزخرف:31،32] ولأن كل عاقل يختار لنفسه المنزلة الرفيعة، والرتبة العالية، فلو كانت النبوة من فعل العباد لبادروا إليها بالجد والاجتهاد، وقد قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم:12] فقال علماء الدين: أتاه النبوة في صغره وبعد ما أكمل من عقله.
المعرفة الثانية والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: الإمامة لا تحصل باختيار الإمام في نفسه..............أهل البيت لا تقع إلا باختيار الله عز وجل، وأنه تعالى الذي جعل علياً عليه السلام إماماً، وكذا الحسن والحسين وسائر من دعا وتكاملت فيه صفات أئمة الهدى.
وقالت المطرفية: الإمامة فعل الإمام، وخالفوا به الأنام، ودليله أنها لا تحصل بالقصد والدواعي ولا تنتهي بالكراهة والصوارف، وقد قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}[السجدة:24] ولأن ذلك يؤدي إلى إبطال المنصب، ويؤدي إلى جواز إمامين وأكثر في وقت واحد وذلك محال.
__________
(1) كانت في الأصل: {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَاها} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة الثالثة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن أفعال العبد قد تتعدى محل قدرته، ويوجد في غيره..............، نحو انفلاق الرأس بالسيف، وانفراق البدن بالطعن، وانخراق الجلد بالرمي.
وقالت المطرفية: ذلك من فعل الله تعالى بالفطرة والتركيب، وفعل العبد لا يعدوه ولا يوجد في غيره، وهذا محال؛ لأنه يستحق على ذلك ما ذكرناه من المدح في حال، والذم على حال، ويتعلق الأمر والنهي، ويقع بحسب القصود والدواعي، وينتفي بحسب الكراهة والصوارف، ولأنه كان يجب أن يكون ما أصاب زكريا ويحيى وغيرهما من الأنبياء من الانقتال وما في أجسادهما من إيلام المنشار والحديد من فعل العلي الحميد، وكان يجب أن يكون تعالى ظالماً، وأن يكون فاعلاً للقبيح، وقد قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}[آل عمران:146] فأضاف ما أصابهم إلى الظالمين، وقال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ}[البقرة:251] وعندهم القاتل له هو الله تعالى، وقال في مخاطبة ابني آدم: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ} إلى قوله: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1)[المائدة:28-30] فأضاف ما أصابه وغير ذلك كثير.
المعرفة الرابعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: بأن الانطلاق والاجتماع والانفلاق يكون من الذي أحدث الفعل والجميل والقبيح.
وقالت المطرفية: منا الجمع ومن الله الاجتماع، ومن العبد......... ومن الله الانفلاق، وكذلك قالوا الانفعال، وهذا محال؛ لأن.............يحصل بحسب الفعل، فثبت...................عند أن لم يكن أوجده الفاعل، ويقف على اختيار الفاعل بواسطة ما يسمونه فعلاً مثل ما تقدم.
__________
(1) كانت الآية: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْنادمين} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة الخامسة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن ما سمع من الكهف والمواضع المجوفة إذا قال القائل: ألا إن معه الله إلهاً آخر، وقال: ألا إن الزوجة والولد فإنه فعل الإنسان وافتراؤه على الرحمن.
وقالت المطرفية: فإن ذلك من فعل الله سبحانه خلق ما يسمع من أن مع الله تعالى الصاحبة والولد، وهذا قول ما قاله أحد؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون حقاً وقولاً صدقاً، وأن مع الله إلهاً آخر، وأن له الصاحبة والولد، بل كان يجب أن يكون ثابتاً منتفياً معاً، بأن يقول ذلك إثنان فيخلق ما يسمع من الكهوف الرخمان، والله المستعان.
المعرفة السادسة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى ما أراد ما حدث بأمير المؤمنين عليه السلام من انفلاق الرأس عند ضرب ابن ملجم له.......مثلما حدث بزكريا ويحيى من القتل.
وقالت المطرفية: أراد الله تعالى ذلك، وهو فعل الله تعالى وإرادته ومحنته عز وجل ومشيئته، بواسطة الفطرة والتركيب وهذا محال؛ لأن قتل الأنبياء والأوصياء عليهم السلام قبيح، والله تعالى لا يريد القبيح، ولأنه كفر وفسوق لا يجوز إلا من المخلوق، وقد قال تعالى: {وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر:7] وقال {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ}[البقرة:205] وذلك من أعظم الفساد، وأبعد الأشياء عن السداد والرشاد.
المعرفة السابعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن حسنات العاصي حسنات وليست بمعاصي ولا سيئات، مثل رد الوديعة، وقضاء الدين، وشكر النعمة، ودفع الضرر عن النفس وغيره من العقليات، ومثل الصلاة والصيام، والزكاة والحج، وغيره من الشرعيات.
وقالت المطرفية: بأن حسنات العاصي معاصي وسيئات، وإنما يقبح من الأمور المنكرات، وهذا قول مخالف للعقول، فإنه يستحق عليها المدح والشكر، ويتعلق بها الحث والأمر، ويقبح ذمه عليها ونهيه عنها، ولهذا ورد الخطاب بالحسنات عاماً للمكلفين من المؤمنين والفاسقين، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ}[النساء:1] وفي آية: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة:21] وقال تعالى لقوم من المكلفين: {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً}[التوبة:102] ولأنه تعالى قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}(1)[الزلزلة:7،8] ولأنه قد ثبت أنه يجوز تصرف الفاسق في ماله بالبيع والشراء، والهبة والصدقة، وتقع التفرقة بين أن يتصدق بماله وبين أن يتصدق بمال غيره.
المعرفة الثامنة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله لا يأمر بالقبائح والفحشاء، ولا ذلك حكم العلي الأعلى.
وقالت المطرفية: إنه تعالى ........................الزكاة والصيام، والحج والصدقات، وكلها من القبائح السيئات، وهذا قول باطل؛ لأن الله لا يأمر بالقبائح، فإن الأمر بالقبائح قبيح، وهو تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[الأعراف:28].
__________
(1) كانت في الأصل: {من يعمل مثقال ذرة... إلخ} والصحيح ما أثبتناه.
المعرفة التاسعة والثلاثون
قال أهل الإسلام كافة: إن الكذب قبيح.
وقالت المطرفية: إن الكذب قد يحسن ويجب في بعض الأحوال، ولا سيما إذا كان نصرة لأهل مذهب الحق، حتى قال فقيه منهم يقال له يحيى بن الحساس: قد كان أجمع رأي أربعة منا أن يشهدوا بالزنا على القاضي محمد بن سعد وهو أحد علماء الزيدية بين يديك يعني الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام فقال: فإن أقمت عليه الحد فلنا فيه العوض وإن لم تقم عليه الحد، قلنا أنت ظالم ولست بإمام................................الإمام المتوكل على الله إسماعيل عليه السلام أنطقه الله بذلك، وهذه مقالة الخطابية من الباطنية، وهذا خلاف العقل؛ لأن العقل يقضي بقبح الكذب لكونه كذباً، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل:105] وقال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور:15].
المعرفة الأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن خوار الثور، وثغا الغنم، ورغا البقر، ونهيق الحمير، ونباح الكلب، وجميع أفعال البهائم فعلها واختارها وحصلها بقدرتها.
وقالت المطرفية: جميع.................ونباحها ورغائها وغير ذلك من حركاتها وسكناتها وتصرفاتها فعل الله تعالى، وأنها مجبورة غير مختارة فيه وهذا محال؛ لأنا قد نعلم بالضرورة أن أفعالها صادرة بحسب دواعيها بأن تخيير اتباعها لشهواتها وابتعادها عن........................، وقد قال العلي: {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان:19] فأضاف الصوت لها، وأنها تتعلم وتقبل التعليم والتأديب والتهذيب، وتتصرف وتتقلب بحسب الرهبة والرغبة، وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا} الآية [المائدة:4] فبين أنهنَّ متعلمات، وأنهم كاسبات، أي فاعلات ما فيه منفعة، وأنهنَّ ممسكات، أي فاعلات للإمساك، وقال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود:6] فبين أنها تدب وتتحرك وتنتقل {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأنعام:38] فأضاف الطيران إليه، ولأنها تختلف أفعالها بحسب آلاتها، وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ}[النور:46] فأضاف المشي إليها، ولأنها......................................، أن تكون فاعلة تلك الآلات، وإلا كان خلقها عبثاً، قال تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}[الأعراف:195] فبين أن فائدة هذه الآلات ما يجري عليها من الأعمال والإحساس.
المعرفة الحادية والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله لا يظلم ولا يعذب بغير ذنب ولا جرم.
وقالت المطرفية: إن رق الولد لكفر أبيه، وأن ما أصاب الصبيان من الآفات والأمراض فإنه منه تعالى بغير اعتبار ولا أعواض، وهذا محال؛ لن ذلك كله ظلم قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء:15] وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].
المعرفة الثانية والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى رزق المسلمين والكفار، والأبرار والفجار.
وقالت المطرفية: إن الله ما رزق العصاة، وكذبوا قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وقال مخاطباً للكفار: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ}[الملك:21] وغير ذلك من الآيات.
المعرفة الثالثة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: بأن نعم الله تعالى تتوالى على الأبرار والفجار، والمسلمين والكفار.
وقالت المطرفية: لا نعمة لله على كافر، ولا منه له على فاجر، وخالفوا بذلك الإجماع؛ لأنه ليس فيه نزاع، ولأنه لو لم يكن له على الفجار نعمة من النعم إلا أصولها نحو خلقهم وخلق الشهوة والتمكين من المشتهى، وإكمال العقل، وما يتفرع على ذلك من الجوارح الثابتة، والحواس المستقيمة، ومجاري الطعام والشراب للدخول والإخراج، فإن ذلك غاية الإنعام، وأكبر الأيادي والأقسام، كيف وقد قال ذو الجلال والإكرام: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا}[إبراهيم:34] وقد قال مخاطباً للكفار: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72] فبين أنه أنعم عليهم مع أنهم بنعمته كافرون، وقد قال حاكياً عن موسى عليه السلام: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاََهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[يونس:88] فبين أنه أنعم عليهم تبارك وتعالى مع الكفران وادعا الربوبية، وأعظم العدوان، وغير ذلك من القرآن.
المعرفة الرابعة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الفساق يملكون ما في أيديهم من الأرزاق الحلال، وكذلك يملك الكفار ما في أيديهم من الأموال، وأنها مغتصبة معم بحكم ذي الجلال، وهذا خلاف قول المسلمين، واعتماد على غير حكم رب العالمين، ولهذا يصح منهم فيها البيع والشراء والهباتن ويحكم لهم فيها بملك ..............للواحد منهم بالصدقات، ويجب على الفاسق إخراج الزكوات والمعونات، ونفقات الزوجات والأقارب، ولا يؤخذ من ماله إلا بحكم الحاكم، كما في المؤمن، وقال قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} إلى قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}[النحل:80-83] ولم يكونوا مالكين لما مهم من الأرزاق ما كان لله عليهم نعمة في حال من الأحوال.
المعرفة الخامسة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: لابد من البعث والنشور وبعثرة القبور، لكل ميت من العقلاء والحرشات والبهائم، أو سواها من الأموات.
وقالت المطرفية: إن الحرشات والبهائم لا تحشر ولا تنشر، ولا يوافى لها المحشر، وفيه تكذيب لقوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}[التكوير:5] وقوله: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام:38].
المعرفة السادسة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن افمام لا يجب أن يكون أعلم البشر، ولا أزهد الخلق ولا أفضلهم.
وقالت المطرفية العمية: لابد من في الإمام أن يكون أعلم الناس وأفضلهم، وهذا قول خارج عن الإجماع، وفيه سد باب الإمامة.
المعرفة السابعة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن عقل الإنسان عرض من الأعراض جعله الله تعالى في القلب، وليس هو نفس القلب.
وقالت المطرفية العمية: عقل الإنسان قلبه.
وقال الهادي عليه السلام: وجعله وعاء العقل الكامل، يعني القلب، وقد ثبت أن النوم يزيل العقل ولا يزيل القلب، وأن الميت له قلب وليس له عقل، وكذلك الصبيان والمجانين والبهائم، فهؤلاء القوم الذين ذهبوا إلى أن العقل من قبيل الأجسام.
وقال أئمة الهدى بأجمعهم: إن الحجج كلها من قبيل الأعراض والعقل والكتاب، والسنة والإجماع، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا}[الحج:46] فبين أن القلب يقع به العقل؛ لأنه عقل، وقد ثبت أن العقل ممدوح غير مذموم، والقلب مذموم غير ممدوح، قال تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة:225] وقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب:5] وقد ثبت أن لا تؤاخذ بما كسب العقل، ولا بما تعمده العقل وقضى به؛ لأنه لا يقضي إلا بالحث، فإنه حجة الله البالغة ونعمته السابغة، وقد قال تعالى: {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46] وقد ثبت أن العقل لا يعمى، وقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}[آل عمران:7] وقد ثبت أنه ليس في عقولهم زيغ، وقال تعالى: {قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}[النحل:22] وقد ثبت أن عقولهم ليست منكرة للحق أبداً.
المعرفة الثامنة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن العقل ليس بفعل الفاعل، وإنما الله تعالى له فاعل.
وقالت المطرفية: بل العقل فعل الفاعل، وهذا تناقض القول بأن العقل قلب العاقل؛ لأنه ليس له فاعل، ولا يقول ذلك إلا الجاهل؛ لأن العقل لا يحصل بحسب قصودنا ودواعينا، ولا ينبغي بحسب كراهتنا وصوارفنا، وقد تعلننا النوم فلا نطيق فعله، فكان يجب أن يصح منّا أن نجعل انفسنا أعقل العاقلين؛ ولأن العقل حجة الله تعالى علينا وأفعالنا ليست بحجة علينا يجب اتباعها؛ لأنها تشتمل على الحسن والقبيح.
المعرفة التاسعة والأربعون
قال أهل الإسلام كافة: إن العبد قادر أن يحرك الجسم وحركته فعله، وقادر أن يسكنه وسكونه فعله، وقادر أن يجمعه واجتماعه فعله.
وقالت المطرفية: إن العبد قادر أن يحرك الجسم وفعل الله تعالى حركته، وقادر أن يسكنه وفعل الله تعالى سكونه، وقادر أن يجمعه وفعل الله اجتماعه، وقادر أن يفرقه وفعل الله افتراقه، وقادر أن يؤلمه وفعل الله ألمه، وهذا من الكلام المتناقض الذي لا يقبله عقل سليم، ولهذا لا يجوز أن يقال: حركه وما فعل الحركة فيه، وما حركه وكذلك سائرها.
المعرفة الخمسون
قال أهل الإسلام كافة: إن الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والرفع والوضع والانتقال أعراض سوى الجسم المتحرك الساكن المتفرق.
وقالت المطرفية: إن تحريك الله تعالى للجسم وتسكينه وجمعه وتفريقه، ورفعه ووضعه، هوالجسم المتحرك الساكن، المجتمع المفترق، نفياً منهم للأعراض كذمهب حفص الفرد، وهذا لا يصح؛ لأن الحركة والسكون قد يعدمان، والجسم باقٍ، فلابد أن يكون ما عدم غير ما بقي، ولأن الأجسام متماثلة في الجسمية مختلفة في الحركة والسكون، فلابد أن يكون ما اختلفت فيه أمراً زائداً على ما اشتركت فيه، ولأنه لا يمكنهم إقبات الصانع الحكيم مع بقا هذه الأعراض.
المعرفة الإحدى والخمسون
قال أهل الإسلام: الضرب يؤلم المضروب، والطعن يؤلم المطعون، وهو قول جميع العقلاء.
وقالت المطرفية: إن الضرب لا يؤلم المضروب، والطعن لا يؤلم المطعون، وإنما فاعل الألم وخالقه الحي القيوم، وكذبوا قول الله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}[النساء:104].
المعرفة الثانية والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: إن الأعراض على ضربين منها ما هو خلق الله تعالى وإحداثه مثل الألوان والروائح، والطعوم، والحرارة والبرودة،، والحياة والقدرة والشهوة والنفرة، ومنها ما هو من فعل العباد كالحركة والسكون، والتأليف والأصوات والالام.
وقالت المطرفية: إن الله تعالى ما خلق الله الأعراض، ولا يخلق لا الأجسام خلافاً على جميع الأنام، فإن هذه الأمور زائدة على الأجسام لزوالها، وبقا الأجسام مع ذلك فإنها حادثة غير مقدورة للأنام، فلابد أن يكون فعلاً لله تعالى؛ لأن كل محدث يحتاج إلى محدث قادر.
المعرفة الثالثة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: إن الجسم لا يحدث عنه الأعراض إلا أن يكون فاعلاً مختاراً.
وقالت المطرفية: بل يحدث عنه العرض بالإحالة، وهذا محال؛ لأن العرض فعل، والفعل لا يصح إلا من حي قادر، والجماد ليس بحي ولا قادر، ولأنه لو................................بعضها أولى من بعض، فكان يجب الضدان معاً وهو محال؛ ولأنه كان يجب أن يوجب كونه في جميع الجهات، وكون الأجسام في جهة واحدة وكله محال.
المعرفة الرابعة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: من مات بعد تناول السم فالله تعالى أماته، ولا يخلق الموت إلا الله تعالى.
وقالت المطرفية: حدث من السم، لا من الله تعالى ولا من العبد، وكذبوا قول الله تعالى: هو{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}[الملك:2] ولأن الموت عرض محدث، والمحدث لا يصح إلا من محدث قادر حي، ولأنه لو أوجبه السم لأوجبه في كل حال، وقد ثبت أن من الحيوانات ما لا يضره السم أصلاً.
المعرفة الخامسة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: .............................. لا تتعدى.
وقالت المطرفية: بل هي تتعدى، وهو قول الجاهلية وهو محال؛ لأن العرض لا ينتقل ولو انتقل لوجبت أن تزول عن المعدى إلى المعدى، ولأنه لا يتولد ف يغير محله إلا الاعتماد والآلام ليست من الاعتماد، وقال قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ومن أعدى الأول)) ولأنا قد علمنا بالضرورة انه قد يقع الاختلاط بأهل العاهات كالمجذوم والأبرص ولا يعدي، فلا معنى لما ذكروه.
المعرفة السادسة والحمسون
قال أهل الإسلام كافة: إن المعاصي والسيئات لا تعدي، وكذلك يقوله كل عاقل.
وقالت لنا بعض المطرفية سماعاً عند المناظرة: إن آدم اعدى أولاده المعصية، ولولا أنه عصى ما عصوا، وهذا خلاف الاجماع.
المعرفة السابعة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: إن العرض معلوم، ولا بد له من محلٍ إلا قول شاذ في إرادة الله تعالى، قالوا: وهو منقسم إلى محسوس وغير محسوس.
وقالت المطرفية: من حقيقة العرض أنه لا يكون محسوساً ولا موهوما، ولا حالاً ولا محلولاً، وهذا قول لا يعقل، وفيه تشبيه للعرض بالله عز وجل.
المعرفة الثامنة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: الألوان ترى بالأعيان، والأصوات تسمع بالأذان، والروائح تشم بالآناف، والطعوم تذاق بالحنك،و اللهاة واللسان، وكذلك الحرارة والبرودة، والالام بمحل الجناه.
وقالت المطرفية: لا ترى إلا الأجسام، ولا تسمع إلا الأجسام، ولا يشم إلا الجسام، وكذلك قالوا في جميع المذركات، وهذا يخالف الضرورات، ولفظهم سمع المصوت دون الصوت، ويرى الملون دون اللون، مع ما قد عم بالضرورة أنا نفرق في الأجسام بالمشاهدة بين الطويل والقصير، ونفرق في الألوان بين الأسود والأبيض، ولا يختلف السميع والأصم بالجسم ويختلفان في الصوت، والعلم به.
المعرفة التاسعة والخمسون
قال أهل الإسلام كافة: وجميع العقلاء بأن الذوق غير الشم واللمس، وأن الشم غير الذوق واللمس، وأن اللمس غير الشم والذوق، وأن هذه الأمور مخالفة للرؤية والسمع.
وقالت المطرفية: إن الذوق واللمس شيء واحد، والمدرك بها والجسم، وكذلك بالبصر والأذن، وهذا القول يخالف الضروريات، فإن أخلافها معلوم ضرورة.
المعرفة الستون
قال أهل الإسلام كافة: إن الذي يعلم كل موجود ومعدوم على التفضيل إنما هو العلي الجليل سبحانه وتعالى.
وقالت المطرفية: أمراً نكرا، وغلوا غلواً كبيراً في الملك الأعلى..............القرآن علم الملك الأعلى و................... أخرج الملك من العدم إلى الوجود عالماً، وكل معدوم وموجود، وبجميع الكتب والحوادث والواقعات مجبور على علم ذلمك إلى يوم القيامة، وكذبوا قول الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا}[البقرة:32] فبين أنهم لمي علموا الأسماء.
وقالت المطرفية: بل علمها الملك الأعلى، وذلك إخلا فالقرآن، لأن المعلومات لا نهاية لها، واحداث علوم لا نهاية لها محال، ولا يصح أن يعلمها واحد.
المعرفة الإحدى والستون
قال أهل الإسلام كافة: الاسم غير المسمى، وأسماء الله تعالى محدثة، وهو قديم.
وقالت المطرفية: الاسم هو المسمى، وأسماء الله تعالى قديمة وكبيرة، وهيو هو، وهذا قول واهي الأركان يعلم خلافه بالاضطرار، ولو كان الاسم هو المسمى لكان يحرق من قال النار، ويغرق من قال بخحر، ويسقط من قال هواء، ولكان الله تعالى حالاً في الألسنة الذاكرة له.
المعرفة الثانية والستون
قال أهل الإسلام كافة: الأجسام متماثلة غير مختلفة ولا متضادة، لاشتراكها الجسمية، فإن هذا الاشتراك ذاتي لاكاشتراكها في اللونية والطعمية، فإن ذلك يزول والجسم باق.
وقالت المطرفية: الأجسام مختلفة بل متضادة كالأسود ضد الأبيض وهذا محال؛ لأن التضاد إنما هو بين السواد والبياض، ولهذا يبيض الشعر، ولا يصير ضداً لنفسه، فإن كون الشيء ضداً لنفسه محال.
المعرفة الثالثة والستون
قال أهل الإسلام كافة: إن القرآن ليس له باطن سوى ما يعرفه أهل اللغة العربية.
وقالت المطرفية: له تأويل غير ذلك، وهو التأويل على مذاهب المطرفية، وهذا ميل إلى مذهب الباطنية، ولأنه لو كان لكل ظاهر باطن لكان لتأويلهم الذي يظهرونه باطن آخر، ولكان يكون هو الظاهر الأول، وأن يكون الباطن خلاف الضروريات الظاهرة، وكل من قال بقول يؤدي إلى هذا السخف من المذاهب فهو ناقص العقل، وبعيد من الدين.
المعرفة الرابعة والستون
قال أهل الإسلام كافة وسائر العقلاء: إن الإنسان لو فعل حركة فإنه لا يجب أن يكون تسمى حركة، ولو فعل سكوناً فأنه لا يجب أن يسمى سكوناً.
وقالت المطرفية: كل فعل يفعله القادر فهو اسم له وصفة، فإذا فعل حركة فاسمه حركة وهي له صفة، وإذا قال المتكلم: الله قديم فهو اسم لهذا المتكلم وصفة له، وإذا قال الكلب................................. له وصفة، وهذه مقالة تكفي في بطلانها حكايتها، وكان يجب إذا خلق الأرض والماء أن يكون سمى أرضاً، ويكون صفة له، وكذلك إذا خلق الكلاب وكان يجب أن يسمي عندهم النبي كلباً إذا قال الكلب يحسن ولا أعلم جهالة اعظم من جهالتهم، وقلة أنظارهم في جميع أهل البدع الكفرية.
المعرفة الخامسة والستون
قالت العترة الطاهرة عليهم السلام: الاعتماد على التقليد، فأصول الدين لا تجوز ولا يعارض بها الكتاب والسنة ولا أدلة العقل.
وقالت المطرفية: أما إذا قال............. قولاً فإنه ينبغي أن يتناول القرآن على ذلك القول، ويكون قول الشيخ هو الحجة، ويستحلون سنبته إلى دين الأئمة والأنبياء عليهم السلام، وأحدث لهم الشيخ الكبير عبد جهضم...............العدل، وقال فيها: إن الله تعالى يجب عليه أن يساوي بين خلقه في ستة أشياء، في الخلق والرزق، والموت والحياةن والتعبد والمجازاة، واعترف بذلك مشائخهم في المقلد أنه الذي صنفها..............إلى المرتضى عليه السلام، وهذه مقالة ما قال بها أحد؛ لأن الكذب والفرية قبيحة والتقليد قبيح، وقد ذم الله تعالى أهل التقليد في قوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:22] ولأن التقليد لو صح لكان حجة للكفار واليهود والنصارى.
المعرفة السادسة والستون
قال أهل الإسلام كافة والعقلاء بأجمعهم: بأن العلوم الضرورية نحو العلم بالأرض والسماء وغيرهما من الأشياء لا تحصل باختيار العبد، ولا ينفى بحسب كراهته، ولا يقدر على إزالته.
وقالت المطرفية: بل الإنسان إن شاء علم أن السماء فوقه والأرض تحته، وإن شاء لم يعلم وإن شاء علم بالفرق بين الليل والنهار، وإن شاء لم يعلم، قالوا: وتمكنه أن تبقى زماناً طويلاً لا يعلم هذه العلوم مع كمال عقله، وهذه جهالة لم يقلها غيرهم من الناس، ويكفي في بطلانها حكايتها.
المعرفة السابعة والستون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله تعالى لا مانع له ولا معارض في فعله، ولا عجز يلحقه تبارك وتعالى، بل ينزه عن ذلك.
وقالت المطرفية: بل قد يريد إحداث الولد صحيحاً، وذكراً فيعرض مانع أو مزاج، فيخرج خنثى لسنة، قالوا: والخنثى لسنة ليس من خلق الله تعالى، وهذا شك في قدرة الله تعالى وتعجيز له.
المعرفة الثامنة والستون
قال أهل الإسلام كافة: الأرزاق إنما تحصل بإختيار القديم على الاختبار غيره.
وقالت المطرفية: إنها تحصل بحسب عناية الإنسان وتدبيره وكده وتعبه، وكذبوا قول الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}[الذاريات:22] وكذبوا قسمه في قوله: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}[الذاريات:23] وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}[هود:6].
المعرفة التاسعة والستون
قال أهل الإسلام كافة: إن الغنى والفقر من الله تعالى إن شاء أغنى وإن شاء أفقر.
وقالت المطرفية: الغنى والفقر من البعد إن أحسن السعي استغنى وإن أهل نفسه افتقر، وكذبوا قول الله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}[الطلاق:7] فبين أن الفقر من الله، وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}[النجم:48].
المعرفة السبعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الجسم إذا خرج من حالة إلى حالة، فإنه لا يتبدل وإنما تتبدل الأحوال.
وقالت المطرفية: بل يتبدل الجسم بلا إشكال، وحدث بالحالة الثانية جسم ما كان، قالوا: فاللحية إذا اشتعلت شيباً، واشتعل الرأس شيباً، فإنها لحية اخرى ورأس آخر، وكذلك الأجذم بعد الصحة، والأبرص بعد البراءة والسلامة ليس هو ذلك الرجل السليم، وهذا عبدهم من العلم الدقيق، وغاية التحقيق، وفي الحقيقة أن هذا القول خارج عن الضرورات وصاحبه داخل في غمار السو....................، فإن كل عاقل وإن تبدلت أحواله يعلم ضرورة أنه الذي كان أولاً لا غيره، وهذا القول يعود إلى إنكار البعث والنشور، ويقضى بأن من يخلق للجنة والنار غير المكلفين في الدنيا لتغير الأحوال، ويؤدي إلى أن الله تعالى يثبت بغير عمل ويعاقب بغير جرم.
المعرفة الإحدى والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: إذا اختلط ال................الراج، وصار الجميع أسود فالأسود هو ذلك الجسم الأول هو العفص والزاج لا جسم آخر.
وقالت المطرفية: المداد الأسود ليس هو العفص والزاج وكلك فالوافي كل بمبرحين إذا اختلطا ولب أحدهما على الآخر صارت الممتزج غيراً لهما والجسم عندهم يجوز أن يصير غيراً لنفه ولم يقل بمقالتهم هذه أحد، ويكفي في بطلانها حكايته وظهورها للعقلاء.
المعرفة الثانية والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: أن الشفاء إذا وقع فهو من الله فهو الشافي وحده لا شريك له.
وقالت المطرفية: إن الشافي هو الدواء والشفاء حادث عن الدواء خلافاً على الله تعالى فقد قال تعالى:{ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء:80].
المعرفة الثالثة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: الفصل قد يكون العمل وقد يكون يعمل وقد يكون بغير عمل مثل فصل الحيوان عن الجماد والانسان على غيره وفصل الملك على الإنسان وفصل الدر على الكل ، والدهب والفضة على الحجارة ويوم الجمعة على سائر الأيام ويوم العيد على غيره ورمضان على سائر الشهور، والحرم على غيره من الأماكن وأولاد الأنبياء على غيرهم وأهل البيت على سواهم.
وقالت المطرفية: الأفضل ألا يعمل، ونفوا ما يعلم اضطراراً وكذبوا قول ذي العزة والجلال{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء:70] وقال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً}[التوبة:36] إلى قوله: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة"36]. ولاشك عند المسلمين أنه عظم هذه الأربعة وفضلها على سواهان وقال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة:185] وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر:1،2].
المعرفة الرابعة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: إن الله قد فاضل بين عباده في القوة والقدرة قالوا وقوة علي عليه السلام حين قلع باب خيبر كانت أعظم من قوة غيره.
وقالت المطرفية: إن الله تعالى قد ساوى بين عباده في القوة كما ساوى بينهم عندهم في التعبد وردوا قول الله تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ(39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النمل:39،40] وقولهم: هذا يعلم خلافه ضرورة.
المعرفة الخامسة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: إذا بلغ الصبي كمال عقله وهو مالك للذهب والفضة، والأرضين والخيل، والبغال والأنعام، وغير ذلك مما أعطاه ذز الجلال والإكرام، ولم يطع ربه، وخالف سيده ومالكه، يخرج ذلك المال عن ملكه.
وقالت المطرفية: بل يخرج من ملكه لمخالفة الله ومعصيته، وخالفوا قول الله تعالى في الوليد: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً، وَبَنِينَ شُهُوداً، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا}[المدثر:12-14].
المعرفة السادسة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: إن شرب الكافر والفاسق للماء حلال وشربهما للخمر حرام.
وقالت المطرفية: الماء والخمر حرام، وهما في ذلك كله سيان، وهذا يخالف القرآن، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة:90] وقال في الماء: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}[الحجر:22] يمتن بذلك على العالمين المطيعين والعاصين؛ ولأن على خلاف قولهم إجماع المسلمين،و يعلم خلافه بضرورة الدين.
المعرفة السابعة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: ينعقد الفساق بينهم إذا حضرهم الولي والشهود العدول.
وقالت المطرفية: ذلك النكاح عليهم حرام، ولا يحل الحلال للفسقة الطغام، وخالفوا بذلك دين الإسلام، وحرموا الحلال..............قول ذي العزة والجلال.
المعرفة الثامنة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: الأعراض تضر وتنفع لحركات والسكنات والمعاصي والطاعات.
وقالت المطرفية: الأعراض لا تضر ولا تنفع، ولا تغم ولا تسر، وردوا قول الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ}[الإسراء:82] وقد ثبت عرض من الأعراض، ويلزمهم على هذا، ولا تنفعهم طاعتهم، ولا تضرهم معاصيهم، على قولهم إذا كان لا يضر ولا ينفع الأجسام، وكان يجب أن لا ينتفعوا.............. ولا بالنوم والاضطجاع على لين المهاد، وهذا قثول لم يقل به أحد من الأنام، وكان يجب أن لا يضرهم ضرب الأعناق ولا الطعن ولا الرمي، فلما يجبنون ولماذا يهربون، ومن أي مخافة يخافون.
المعرفة التاسعة والسبعون
قال أهل الإسلام كافة: الكلام لا يجب أن يقوم بالمتكلم ولا العبارة يجب أن تقوم بالمعبر.
وقالت المطرفية: الكلام لا يقوم بالمتكلم ولا العباة إلا بالمعبر، وقولهم هذا يؤيد إلى أن كلام الله قائم بذاته كمقالة الأشعرية، وكان يجب أن تكون الكهوف والجبال هي المتكلمة بالكلام الذي يسمع منها، ولو كانت هي المتكلمة لكانت حية قادرة، فإن المتكلم لا يعقل إلا كذلك، وأن..........ينقص قولهم بأن كلام الله تعالى قائم بقلب الملك العلى، وكان يجب إذا سمع من الكهف..................المطرفية أن تكون الجبال والكهوف قد نطقت بذمهم ولعنهم، وشهدت باستحقاقهم لذلك، وإذا سمع منها أن أقوالهم باطلة كانت بذلك شاهدة حاكمة.
المعرفة الثمانون
قال أهل الإسلام كافة: إنه يستحق المدح والذم، والثواب والعقاب على الأفعال، ويتعلق به الأمر والنهي كما يتعلق..............كانفلاق الرأس بالسيف، وانفراق الجسد بالطعن.
وقالت المطرفية: لا يتعلق به أمر ولا غنى ولا مدح ولا ذم، وهذا القول خلاف الضرورة، وسعلم خلافه من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة، وقد قال تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}[الأنفال:12] وقد ثبت أن الفعل والضرب يتعدى إلى الأعناق إلا مع القول بأن الأفعال من فاعل الفعل، وقد قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}وقال:{وَخُذُوهُمْ}[التوبة:5]. والقرآن ناطق بخلاف مذهبهم.
المعرفة الثمانون وهي على تعديدة إحدى وثمانون
قال أهل الإسلامكافة: إن القرآن محدث.
وقالت المطرفية: إن القرآن ليس بمحدث ولا قديم، ومع ذلك هو عرض من الأعراض، وقد ثبت أن العقل يقضي بأنه إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، وأن الموجود منه لا يخلو أن يكون لوجود أول فيكون مُحدثاً، أو لا يكون لوجود أول فهو القديم، وفيه تكذيب لرب العالمين، قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء:2] والذكر هو القرآن، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف:44]. وهكذا قالوا في جميع الأعراض أنها لا توصف لبأنها محدثة من الله تعالى، فهذه هي المعارف التي رويناها عن أهل الإسلام، وخالفهم فيها الكفرة الطغام، هي التي كان يدين بها الصحابة والتابعون، والأئمة الهادون، صلوات الله عليهم أجمعين.
فإن قال قائل: إن ما ذكرتموه مما ذهب أهل الإسلام هو الذي يقضي العقول والأفهام، ولا تكاد تسمع خلافه من أكثر الطغام، فكيف ينسب إلى المطرفية وهم يطهرون الدين الدين، وينسبون مذاهبهم إلى الأئمة المهتدين.
قلنا: أما ما يظهرونه من التدين والتعبد، والتورع والتزهد، فقد جرى على أكثر الكافرين، وجميع المبتدعين، فإنما من فرقة إلا وفي أهلها من يترهب ويتعبد، ويتورع في دينها ويتزهد، فإن النصارى على بعدهم من الإسلام بحيث لا يشك في كفرهم إلا من شركهم في شركهم يتعبون أنفسهم في التزهد والترهب، وكثرة الميل عن الملاذ والتجنب، وهم مع ذلك هالكون، وعلى جميع عبادتهم معاقبون، وهكذا جميع أهل البدع والضلال كالجبرية والمشبهة والخوارج، وغيرهم من الجهال، فإنهم يتعبون أنفسهم في أنواع العبادات، والقربات، والصدقات، والصلاة والزكاة، وفي التضرع والقيام، وفي التخشع والصيام، ولكنه لما لم يكن عن معرفة وبصيرة، لم يكن متقبلاً عند عالم السريرة، قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً، تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}[الغاشية:2-5] . وقال تعالى: {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف:103،104].
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله تعالى لن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته)).
وعن ابن مسعود: إن الله تعالى لا يقبل من صاحب بدعة صوماً ولا صلاة، ولا حجاً ولا عمرة، إنه رد على الله سنته فرد الله عليه بدعته.
وروى الأصبع بن نباتة قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة يمشي وأنا خلفه وقنبر بين يديه فغذ سمع قنبر صوت رجل يقول: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}[الزمر:9] ويبكي ويقرؤها بصوت حزين، فوقف قنبر فقال: أراك والله منهم، فضرب أمير المؤمنين عليه السلام بين كفيه ثم قال: امض نوم على يقين خير من صلاة في شك، إنا آل محمد نجاة كل مؤمن، ولما كان يوم النهروان وجدنا الرجل القارئى في القتلى مع الخوارج، فقال قنبر: صدق أمير المؤمنين يا عدو الله، كان والله أعلم بك مني، فالعبادات الواقعة من المطرفية لا يعتد بها مع هذه الاعتقادات الردية، والمذاهب البدعية، وقد قال عليه السلام: ((كلاب أهل النار أهل البدع)) فأما ما يصحح ما ذكرناه في مذاهب المطرفية فتدل عليه وجوه منها: أن المطرفية تنسب ذلك المذهب إلى أنفسهم، ويناظرون عليه من يخالفهم، ولا يخفى ذلك إلا على الجهال، أو بان يكتمه في بعض الأحوال.
ومنها أن المطرفية قد وضعت في ذلك تصانيفها وكتبها، وجعلته مزبوراً في زبورها وردودها ومناظرتها، ومجادلتها، نحو كتاب الإرشاد للمطرفية، وكتاب مسألة العدل المكذوبة على المرتضى عليه السلام، ومثل الكتاب الذي صنفه محمد بن علي الأهنومي إلى بعض الشرفاء يستدعيه إلى مذهب المطرفية، ويوهم أنه مذاهب الشجرة النبوية، وكذلك التصانيف التي صنفها البحيري ورد فيها على القاضي شمس الدين، وكذلك النقص الذي صنفه المطرفية، واجتمعت عليه وردوا به على القاضي سليمان بن شاور رحمه الله، وكذلك سائر كتبهم ومصنفاتهم.
ومنها أن هذا المذهب المنسوب إلى المطرفية مما وقع فيه الجدال والمناظرات بين الزيدية والمطرفية، وكثر فيه الكلام وتواتر بذلك الأخبار، حتى صار العلم بكونهم على هذه المذاهب الردية، كالعلم بالشمس والقمر وسائر النجوم المضيئة، فإن هذا المذهب لما اتبدعه مطرف بن شهاب رد عليه بدعته علماء اليمن الذين كانوا في زمنه، منهم الشريف العالم، الزاهد المعروف بالصلاح والخير زيد بن علي بن الحسين الحسني رحمه الله بصنعاء وداره بصنعاء هي الدار التي يقال دار الشريف الطاهر، بين ضلالة المطرفية وبدعهم وكفرهم، وخروجهم عن مذاهب العترة الطاهرة أيام حدثت هذه البدعة، ورد عليهم ذلك الوقت القاضي العالم الحسين بن عبد الرزاق ببلاد عنس، والشيخ العالم سعيد بن..............الوادعي، وناظرهم ذلك الوقت رجال الزيدية، وجادلوهم وعرفوهم انهم خارجون عن الدين، وتابعون لمذاهب الطبعية المعتدين، والمطرفية في ذلك الوقت تعترف بهذه المذاهب الردية، وتعتقد أنها انوار مضيئة.
وقال الشريف العالم زيد بن علي بن الحسين الحسني الساكن بصنعاء: لو كانت هذه الفرقة في وقت جدي أمير المؤمنين عليه السلام لبدأ بقتالهم قبل قتال الناكثين والمارقين والقاسطين، ورد عليهم ذلك الوقت أيضاً إسناعيل بن علي الثنوي، ثم رد عليهم الشريف علي بن القاسم، وكذلك صنوه العالم علي بن القاسم بن علي، وكذلك الإمام الحسين بن القاسم، واجتمع المطرفية بعد ذلك بمدة الفقيه العالم الزاهد، الحسن البيهقي رحمه الله بعد وصوله من العراق، فناظرهم بصنعاء، فاجتمعوا معه على مذهب الزيدية، ثم رجعوا بعد ذلك مرتدين، ومالوا ناكثين، ورد عليهم الإمام أبو الفتح الديلمي وبين كفرهم وضلالهم، والإمام المنصور عليه السلام، وكان قد رد عليهم قبله سائر آبائه الصالحين عليهم السلام، نحو الإمام العالم أبي هاشم، والشريف الفاضل ولده حمزة بن أبي هاشم وغيرهم من أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، وصلوات رب العالمين، وسائر شيعتهم الأخيار، نحو القاضي العلامة الزاهد شمس الدين، فإن له الردود الكثيرة عليهم، والمقامات المعروفة، والقاضي الفاضل العالم سليمان بن محمد بن شاور، والشيخ العالك الحسن بن محمد الرصاص، وسائر علماء الزيدية، وليس مذاهبهم بالخفية، بل هي الظاهرة الجلية، والعلم على هذه المذاهب الردية علوم ضرورية، بقلة التواتر من الأخيار، وقيلت فيه الأشعار، ولما بين لهم الشريف العالم زيد بن علي الحسني عليه السلام ذلك الوقت خطأهم، وعرّفهم ارتدادهم تلقوا نصيحته بالسب والأذى، ولم يرقبوا فيه حرمة القربى، ولما كثرت منهم له الأذية رد عليهم بغيهم وظلمهم علماء الزيدية، وقال إسماعيل بن علا وكان عالماً من الأبناء ممن يسكن هو وأهله بالشكاك من أرض همدان أرجوزة:
.........من بني عقيل ... كم مشرك بالواحد الجليل
مخالف لله والرسول ... وللوصي سيفه المسلول
والطاهرين من بني البتول ... وللكتاب ما وللعقول
يزعم أن خلق كل جيل ... تحكمه الأربعة الأصول
بالماء والنار وبالقبول ... وبالهواء المغلق المجهول
يخبط في العشواء بلا دليل ... وملك يدبر الخلائق
بقولهم ليس بقول الخالق ... وهو يقول في الكتاب الناطق
على لسان الأبطحي الصادق ... نحن خلقنا الغرب والمشارق
وجعلوا شرهم المداما ... وشربهم للماء سوا حراما
شتان مهما ارتكبوا الآثماما ... وخالفوا في قوله الإمام
......أخل الماء والطعاما ... لكل من أراده أو راما
وقبحوا من القضاء الإسلاما ... وزيد ظلماً أسمعوا الكلاما
حين أطاع الله واستقاما ... وكان أهلاً لثنا القليل
أجدهم ام جدة الرسول ... وأمهم أو أمه البتول
ومن على شيخه البهلول ... إذا عيون الدارعين حول
والدم من أعطافها يسيل ... فإن لم يكن ما قلته فقولوا
ونحضر الحكام والعدول ... أولا فهذا منكم فضول
فالحق لا يؤخذ بالفضول ... وقلتم لا يُسمع القرآن
وهو إلى العالم ترجمان ... فكيف توعي فهمه الآذان
أو يفهم المعلم الصبيان ... ولم لنا الحواس والآذان
حيث يقول الواحد المنان ... إذا تلى في المحضر القرآن
وأنصتوا كي يسمع الإنسان ... ويحكم التنزيل بالتأويل
وفيها:
وفلتم الموت المتاح المبرم ... من الطباع والعدا والدم
سودا وصفرا قلتم وبلغم ... فيها نفوس العالمين تقصم
ليست من الله عليهم تختم ... وهو يقول في الكتاب المحكم
نحن توفينا نفوس العالم ... وأي نفسٍ من فناها تسلم
لعل نفس إذا الطبيب......... ... هيهات لابد من الرحيل
روي لنا أن صبياً ماتا ... في مهده وجاور الأمواتا
فقال شيخ حضر الوفاتا ... وحمل المشعل والمخلاتا
لو أمه حكمته ما ماتا ... أدت لع أغذية أشتاتا
وفيها:
إن قالها فعل وهو ممقوت ... لا يعتدي الزاد الذي يميتُ
حتى يموت الجن والعفريت ... والملك المقرب المنعوتُ
وليس منهم أحد يفوت ... أذا اتاه يومه الموقوتُ
لو كان من عمره ما شئت ... حملته في كتفي وجيتُ
معاقلاً تحلها القريت ... أحصن من معاقل الوعول
فهذا العالم رحمه الله رد على المطرفية أقوالهم وبين مذاهبهم في قصيدته هذه وأحوالهم على مثل ما رويناه عنهم، وفي ذلك الزمان قال رجل من الزيدية يقال له عيسى من أهل اليمن أبياتاً يرد فيها على المطرفية، ويبين فيها قبح أقوالهم وهي:
وليس الأصول بذات العقول ... ولو أنهنّ ملكن العقولا
وهل هنَّ يحيين أم هل يمتن ... وهل قلتم الطبع هبا السولا
لقد قلتم الان إذا فريا ... تكاد الجبال له أن تزولا
فباين الأئمة من لم يتب ... فحكم عليه القنا والصقيلا
وناد القبائل من يعرب ... ولا تدعن من..........قتيلا
قال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان صلوات الله عليه منكراً على هذه المطرفية في أشعاره وهو:
وقال قوم أسماؤه هي هو ... قديمة كالقديم في الأبد
وهل تكون الأشياء ويحهم حشا ... زكى في المعنى وفي الصدد
قالوا وأن القرآن عندهم ... مغيث لم يزل ولم يرد
قالوا ولا يسمع القرآن ولا ... يدرك محسوس الحر ولاصرد
قالوا وإن الفروع حادثة ... من غير قاصدٍ معتمد
لو كانت الحادثات مهملة ... لم يبد ربي خلقاً ولم يعد
ولو ذكرن ما وقع من الردود وتعيين من رد على سبيل التفضيل لطال الشرح، وممن رد عليهم ذلك الزمان في الأوقات العربية من قوت وردت هذه البدعة جماعة من أهل الفضل والعلم، والزهد والورع، ومن جملة المعدود في العتاد، وأهل الجد والاجتهاد، ومن يجمع على فضله الموالف والمخالف، القاضي العالم الحسن بن عبد الرزاق، وجماعة من أهله، والشيخ العالم إسماعيل بن الحسن وجماعة من أهله، والشيخ العلامة النبيل الزاهد عبدالله بن القاسم ومن شاكله من الفضلاء، سعيد الإيلي وأولاده، ومحمد بن العباس وأولاده، وهؤلاء كلهم من رجال عبس وعلمائها، وزهادها وفضلائها.
روى القاضي الفاضل العلامة سليمان بن أحمد بن شاور قال: ذكر يوماً الحسن بن عبد الرزاق، وعبد الله بن أبي القاسم، ومحمد بن عباس بمحضر أسعد بن شريح، وهو قاضٍ عظيم من قضاة المطرفية، قال: ومن مثل أولئك الرجال في الفضل والعلم، والنبالة والكرم والورع، فأقر بعضهم أنهم الذين قاموا في وجوه المطرفية، وأنكروا عليهم إحداث بدعتهم ذلك الزمان، ولاموهم.....................يقال له أبو السعود بن محمد على قصيدته التي قال فيها أبو السعود هذا:
بأبي وأبي معشراً واليتهم ... لله ذي الملكوت والسلطان
وقال هذا الشيخ العالم عبد الله بن القاسم العنسي رحمه الله مجيباً له:
ياأبا السعود لقد نطقت بفرية ... زادت إذا ذكرت على البهتان
فزعمت أنا مهملون نفوسنا ... كالسائمات سليبة الأذهان
وزعمت أنا ليس نسمع فاعلمن ... أن التوهم مذهب العميان
........ورب محمدٍ ووصيه ... إنا لنسمع محكم القرآن
وزعمت أنا لا نرى بعيوننا ... ما كان يدرك جهرة بعيان
فبلا وعزة من تفرد بالبقا ... إنا لننظر محكم التبيان
ونرى الشخوص على جميع صفاتها ... ونرى لعمرك بهجة الألوان
وزعمت أن لا نشم......... ... جعلت لبدرك جملة الأفنان
وزعمت أنا قاتلون عدونا ... بسوى السلاح زعمت في الأيدان
والفعل فعل القائلين تأله ... سيف يكون وصعدة وسنان
عن من رويت جميع ما أضلته ... وجمعت فيه فضائل الألحان
أسماؤه الحسنى تعالى غيره ... في الحشر انزلها وفي القرآن
ونفيت تفضيل الإله لخلقه ... في كلما أولاك أو أولاني
ولله فضل في العقول وفي القوى ... والرزق لا في الكفر والعدوان
وكلامه رحمه الله كثير، وتفصيل أقوال المطرفية في هذا الشعر لا أن هذا مقدار قليل يكفي في الدلالة على ما رواه، ليتضح للعامي المغفل أنهم على هذا المذهب الردي، فإن من شياطينهم في زمننا من عطف على إنكار ذلك، وعلى القول بأنهم ما يقولون بهذه الأقوال الفاحشة، لسبب قد ظهر في الإسلام من ذمهم ولعنهم، والبراءة منهم، وإلا فكان الواحد منهم قبل إجراء الأحكام عليهم التي أجراها أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام يتشرف أن تنسب إليهم، ويرى له الحظ الأوفر في النسبة إلى مذهبهم، لما كان قد وهن من الدين ببدعتهم، وكثرة ميل العوام إلى نصرهم، فلما جرت عليهم أحكام الله تعالى على يد أمير المؤمنين المنصور بالله عليه السلام من القتل والسبي، وغير ذلك نفر أكثر الناس عنهم، فكتم بعضهم مذهبه وربما كتم بعضهم بعد ذلك نسبته إلى المطرفية لذلك، وإن أظهر أنه منهم فقد ينكر كونه منهم، قائلين بهذا المذهب القبيح مخافة من الذم من المسلمين، وإلا فمذهبهم ظاهر بين، ومما قال أيضاً عبد الله بن القاسم رحمه الله مجيباً لشريح، وكان شريح هذا هو أحد كبارهم وعظمائهم، قال عبد الله بن القاسم:
أما والذي أرجوه ما زلت منكراً ... على من بغى في الدين واعتاب وافترى
فما الحق بالخافي على ذي بصيرة ... ولكن أدياناً مع الدين تفترى
هواً وتقليداً وبغياً وطاعة ... لمن لم يزل في دينه متحيرا
وفي العقل إجماع من الخلق كلهم ... به احتج مولانا على كل من درى
من قال إن القلب لله حجة ... فلم ويله سماه في النحل منكرا
وسماه مطبوعاً وسماه قاسياً ... وسماه أعمى بعد ما كان مبصرا
وأسمعت في الأسماء إن كنت جاهلاً ... بمذهب سوقسطا الذي كان أظهرا
وخالفت فيها بعد يحيى وقاسماً ... وزيداً وزين العابدين وحيدرا
ومولاك والتنزيل والخلق كلهم ... فبالاسم صلى الكل منهم وكبرا
سلوا كل من صلى من الناس كلهم ... وعبساً وهمدان الكرام وحميرا
فلله أسماء دعوا ربهم بها ... وصلوا بها عن كل فرض مكررا
فإن صحت الأسماء فالقول قولنا ... وإلا فقد أربى على من يبصرا
إذ قال إن الاسم والذات واحدٌ ... فمن واحدٍ قد صار مولاً أكبرا
وصيره في الوحي إذ ذاك محدثاً ... وصيره فيما يباع ويشترى
فإن قيل فالتعبير ما هو عندكم ... نكصتم وقلتم ذاك فعل لمن قرا
..................................... ... .....................................
أقام اسمه لفظاً تعالى مقامه ... كما قال في سبحان قولاً محررا
وفي اليسر والأعسار أجمعت منكراً ... بأن إله الخلق ما ذم معسرا
ولا ذم إلا من لغى من عبيده ... ولا ذم إلا من طغى وتكبرا
ولولا دفاع الله عن بعض خلقه ... ببعض لما وافيت...................
وقلت الغنى فعل الغني ومن يكن ... فقيراً فغير الله أغنى وأفقرا
وخالفت حكم الله في الخلق كلهم ... وصيرت حكم الله فيهم مؤخرا
فإن كان فقر العبد لله مسخطاً ... فويل لمن أضحى من الناس مفترا
لقد أسخط المولى وأزرى بنفسه ... إذا كان أعمى أو إذا كان أصورا
وفي صفة الرحمن أجمعت صاغراً ... لقوم سواكم اصطفاهم وطهرا
وما الفضل والتفضيل إلا زيادة ... ولله لا للخلث أن يتخيرا
وقد فضل الرحمن عيسى بروحه ... على كل من لم يأت في الدين منكرا
تعالوا نباهلكم ويروى كلامكم ... وترون منا ما اعتقدنا بلا مرا
ألستم ترون الفضل للفعل لاحقاً ... جراً لأهل الفضل كالبيع والشرى
ونحن نرى التفضيل للفعل سابقاً ... فقيسوا بمن شئتم علياً وجعفرا
أما والذي فادى من الذبح عبده ... وأخرج منه الهاشمي المطهرا
وسماه في التوراة من قبل خلقه ... رسولاً نبياً مصطفى متخيرا
لقد قال في حم ما يعرفونه ... ومن كان أعمى لم ير الصبح مسفرا
ألا فاصبروا كيما تكونوا أئمة ... إذا نالها من كان في الخلق أصبرا
فما عذركم إن لم تؤدوا فريضة ... بها قام دين الله في البدو والقرى
فإن كنت في أمر النبوة داخلاً ... فقم بالذي قاموا إذا كنت مقدرا
إذا أنت لم تفعل وقصرت عامداً ... فما عذر من عن فرض مولاه قصرا
وأجمعت في التنزيل إذ كنت جاهلاً ... بقول وليد حين في الوحي قدرا
فلما سمعهم قوله لم تخالفوا ... وكنتم على التقدير في الجبر أجترى
وقالوا أساطير فعد كلامكم ... فوافقتم المعنى الذي فيه فكرا
ولي كلام عندكم وحي ربكم ... فإن لم يكن قول فقد صار مفترا
ونحن نقول الوحي قول منزل ... به جاءنا الهادي بشيراً ومنذرا
فإن تصدقوا نكذب ونخزى بقولنا ... وإن تكذبوا نصدق وخاب من افترا
وفي أحرف التزيل قلتم مقالة ... توافق عندي كل من كان مجبرا
فإن زدت حرفاً واحداً كنت صادقاً ... وإن انت لم تفعل فقد قلت منكرا
تضيفونها فعلاً لكم وهي قبلكم ... وإلا فرد إن كنت فيه مخيرا
تحديتكم لما علمت انقطاعكم ... ومن كان مغلوباً لدينا تحيرا
وأجمعت في أن الشريعة أنزلت ... لنوحٍ وإبراهيم قولاً مسيرا
وموسى وعيسى والنبي محمدٍ ... إلى آخر الدنيا لمن كان مبصرا
فصيرتها غير الأصول معايناً ... فيا عجباً من ذا التعامي لمن يرى
كذا علم الأسماء آدم كلها ... ليدعو بها رباً كريماً ليعفرا
وليست لنا فعلاً كما فعلنا الدعا ... فكن في كلامي ناظراً متفكرا
ما عندنا التعبير إلا تلاوة ... كما ليس وحي الله فعلاً لمن قرا
ولو أن إنساناً روى قول غيره ... وسماه من ألفاظه كان معورا
كذا في حروف الوحي قولي موافق ... لما قلت في الأسماء لا غيره .....
لنا اللفظ فعل وهو في الحكم غيرها ... ومولاي هنا الكل منها ودبرا
وهذه الأبيات بعض مما ذكره في هذا الشعر، وفيه كفاية في مذاهب هؤلاء القوم، وتفاصيل أقوالهم، وإيضاح الحق عليهم، والادحاض لحجتهم، فكيف ينازع في نفي إضافة هذا المذهب إليهم منازع.
ومما يوضح مذهب هؤلاء القوم، ويفهم العوام صحة ما روينا عنهم ما قد أظهروا واشتهر أنه رجع عن مذهب المطرفية الطائفة الكبيرة في الأعصار المتباينة، فبعضهم رجع بالمناظرة، وبعضهم رجع بالنقض عليه والمراسلة، وبعضهم رجع من تلقا نفسه بتوفره على النظر في الحث والدين، رجعوا إلى الإسلام يربون على حد التواتر، كان أهل الهجرة الكاملية بتهامة كلهم مطرفية، وكان عظمها الفقيهين الفاضلين الحسن بن حسين بن شبيب، وصالح من الرجال التهاميين، فلما وصل الفقيه العلامة الزاهد زيد بن الحسن الخراساني وعرفهم مذاهب الزيدية كلها، وأنهم ممعون في الآفاق على اختلاف بلدانهم وأنسابهم، ولغاتهم وتفرقهم بأبدانهم في الجيل والديلم، وخرسان والعراق، على مذهب واحد وهو المذهب الذي عليه أهل البيت عليهم السلام، وهو الذي يخالف مذهب المطرفية، وأن مذهب المطرفية هؤلاء ما يجمع أقاويله مذهب لأحد قبلهم، وأوضح لهم الحجة وعرفهم النحجة، فرجع الفقيهان ابن شبيب وابن الرجال، ورجع برجوعهما إلى الإسلام خلق كثير ممن كان تابعاً بهما من الأشراف ومواليهم وشيعتهم في الهجرة وغيرها.
ويروى أنه كان في الهجرة ممن رجع إلى الإسلام خمسمائة سيف، وكلهم يرون هذه المذاهب التي رويناها عن المطرفية فالجاحدون لذلك يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون، وكذل كل من رجع إلى الإسلام في ذلك الزمان، تروى عنهم هذه الأقوال، ويرجع سبب انتقاصها عنده وفسادها بالحجة التي صحت له كالشيخ أبي السعود بن أبي ثور، وولده أسعد وأحمد بن منصور، والسلطان إسماعيل بن حاجب، والسلطان ربيح، وكذلك القاضي الزاهد عبد الله بن حمزة بن أبي النجم الذي رجع بسبب قراءته للمذهب على الفقيه العالم زيد بن الحسن البيهقي، وما من زمان مضى إلا ويرجع فيه جماعة منهم، ويروون هذه المذاهب، ويناظرون عليها، ويرجعون بسبب النظر الشديد والتحكيم لأدلة العقول، ولما رجع الشيخ العالك كان ذلك العالم محمد بن حميد إلى مذاهب الزيدية بعد ما كان من أرسخ الناس قدماً في مذاهب المطرفية، وكان مشهوراً بالعلم في فنون من العلم، وهو الذي كان قال فيه الشيخ العالم علي بن أبي رزين: لو كانت الإمامة تصلح في الرعية لصلحت في محمد بن حميد، وكان لعمار بن علي رحمه الله اجتهاد عظيم في رجوعه، فلما مات عمار بن علي رحمه الله رثاه محمد بن حميد هذا العالم فقال في مرثيته:
فالله يرحم عماراً ويسكنه ... في جنة ذات أنهارٍ وأشجارِ
فإنه لسبيل الخير عرضني وكنت ... قدماً عليه طاعناً زاري
أيام كنت أرى الأسماء لي صفة ... والذكر قولي وإعذاري وإنذاري
ولا أرى الوحي آيات ولا سوراً ... لكن أراها أحاديثي وأخباري
وكنت لا أسمع القرآن من أحدٍ ... بآلة السمع لكن أسمع القاري
وما أرى عرضاً ما عشت ينفعني ... ولا الدعا ينجي من شفا هاري
لولا العفيف أبو يقظان ايقظني ... من وسنة الجهل لطفاً لانطفت ناري
ولما رجع الشيخ العالم محمد بن حميد عن مذهب المطرفية إلى مذهب الزيدية لامته المطرفية وسخروا منه، وادعوا أنه قليل المعرفة، وكانوا يدعونه في أعلى المرتبة، فقال رحمه الله في ذلك أرجوزة.
قلنا بأن الأرض لم تعطل ... من قائم مؤيدٍ مفضل
إلى قوله:
..............حداد ... جانبها التوفيق والرشاد
.......الإفساد والإبعاد ... لكل من في قلبه وداد
كنا قديماً عندهم أخيارا ... وعلماء قادة أحبارا
بها احتججنا لهم مرارا ... طالوا على الناس بنا افتخارا
ومدحونا حيثما تيمموا ... ومدحوا حجتنا وعلموا
حتى إذا قلنا لهم تعلموا ... وقدموا القوم ولا تقدموا
كادن بنا تخسف الغبراء ... من تحتنا وتسقط السماء
من فوقنا وتسفك الدماء ... وذهب التوقير والحياء
وهكذا من لم يصرح بالسور ... ولم يقل بأنها فعل البشر
وقد تعدى عندهم وقد كفر ... وكان مأواه إلى حد سقر
ثم كذا في حسنات العاصي ... من لم يقل بأنها معاصي
فإنه معاند مناصي ... لخالق يأخذ بالنواصي
فإنه عند المليك ظالم ... قالوا ومردود الدعاء آثم
نعم ومحكوم به وحاكم ... وإن يكن كما حكوه ما انفصل
عن ذلك الشخص ولا عنه رحل ... وإنما نعلمه لا في محل
من غير سمع من تلاه وفعل ... فقد يخلصنا من المناظره
وسقطت فرائض المقاولة ... وحرمت مذاهب المعامله
وآلت الحال إلى المباهله ... ثمت قالوا مكن الرحمن
جميعهم من ضمتهم البلدان ... ومن نمته العرب والسودان
ومن نما عدنان أو قحطان ... من رتبة الحكمة والنبوه
فإن هذا زعموا في القوه ... وأسقطوا التخصيص والأبوه
أمن جهلهم في الهوه ... من شاء قالوا كان عبداً مرسلا
...........متصلا ... وكان جبريل به موكلا
.................................... ... وأنها جارية في الروم
..............الحلوم ... ليس لها أصل من القديم
الناس على العمومظط ... فاسمع إلى هذا العوار البادي
.........أنه بالهادي ... معتصم وهو له معادي
...........قوله مبادي ... ثم أضافوا علل الأطفال
...........أو صمم أو حال ... أو حول في العين أو سلال
.........مركب الأوصال ... وهكذا تفاضل الأشياء
.........................كالسطحا ... عندهم الأرض كالسماء
.........والثواب كالعداء ... وهكذا في الموت والطعوم
...........والظلمه والعلوم ... والحر والبرد من النسيم
.......أنفع على الجسوم ... لأنها بزعمهم أعراض
.........لها كل ولا اتعاض ... ولن تضر زعموا الأمراض
............أحب مرتاض ... قالوا ولا صدق الحنيف الخاشع
إنما المستكين الضارع ... ينفعه ما لاحت الطوالع
...ن الناطق منهم ما نطق ... وأبطل السبق الذي كان سبق
...........من أغلق ... بقوله إن الثواب مستحق
...........في العرش والكرسي ... وفي الصفات مذهب الجهمي
.................................... ... عداوة وجرأة ومينا
وناصراً قد ألزموه سننا ... وكان للهادي الله ربنا
وطالت المناقضات بين المطرفية وبين الشيخ العالم محمد بن حميد هذا لما خرج من مذهبهم، فقال محمد بن حميد بن الحجاج البرسمي هذا في وقت من سنة خمسين وأربعمائة شعراً جواباً لشيعة شناع في تصنيف كتبوه إليه، وشعر جاءه من صالح بن حسن الغويلي، وهذا من شعر محمد بن حميد وهو:
أيا قائلاً إن.......تململ ... بها من عظيم الحقد وزد واتكل
ولم أت شيئاً يقتضي ما ذكرته ... إذا ما وعى قولي الذي يتأمل
تضيقون في صدوركم غير ما ... أرى لي وصدق القول بالحر امتثل
يقولون هذا..............ورافض ... ومعتزل في ومعطل
يخالف يحيى في المقال وقاسماً ... وعن منهج القوم المحقين يعدل
وهذا مقالي تأموله إلى الذي ... سطرتم وسيروا السهل فالسهل أسهل
ومن عجب.............بالأذى ... ولا عجب من أن تقولوا وتفعلوا
ترون سباب الناس ديناً مؤكداً ... أنه ما يتم الفرض فيكم ويكمل
لكم كل يومٍ مجلس تعمرونه ... بأكل لحوم الغافلين ومحفل
إذا جاءكم نسترشد يطلب الهدى ... مضى وهو أعمى لا محالة مقفل
يجيكم يرتاد علماً وحكمة ... فيزداد جهلاً فوق ما كان جهل
يكون بآيات المهيمن عارفاً ... يكررها في عمرها ويرتل
فيرجع مرتاباً بما كان عارفاً ... يقيناً وعما بين الذكر يسأل
يقولون ما لله في الأرض آية ... ولا اسم ولا القرآن هذا المتول
ولكنه معنى سواه بزعمكم ... يدل عليه ذا الكلام المرتل
مع الملك الأعلى قريناً لذاته ... فلم يأت بالوحي المهيمن مرسل
ولم يبق وقتاً بل تلاشى وحكمه ... إذا ما طي يفنى زعمتم ويبطل
ومنه:
وهذا الكلام عندكم فهو فعلكم ... ولم يلقه الروح الأمين الوكل
وفعلكم جمع وفرق وهذه ... صفات وأحوال لكم وتنقل
وكفر وإيمان وبر وفاجرٌ ... ولا ثالث في العقل يلغى ويهمل
وفي الملك الأعلى غلوتم كما غلا ... من القبط قوم في النجوم فأبطلوا
وفي العقل قالت فرقة كمقالكم ... سواء كما يحذى المثال المتمثل
وفي النفس قالت فرقة كمقالكم ... بأن إليها يقصد المتأمل
وفي كل وقت يستبين محالكم ... لكل مريدٍ طالبٍ يتبجل
ولو أنكم ألقيتم الكبر عنكم ... والقيتم قول الذي لا يحصل
لبان لكم ما بان لي وعرفته ... وكان لكم نهج الهداية يسهل
وكل له منكم مقال ومذهب ... يرى الحق فيما يدعي ويؤمل
فذا قائل فيما يقول ويدعي ... بأن الأصول الأولية تنقل
ولا حادث من بعدها غير حالة ... وها تلك أوصاف لها وتنقل
من قال إن الله منها مصور ... لما ليس منها فهو خيرا وأميل
وذا قائل إن الفروع حوادث ... وها تلك أجسام سوى تلك.......
وهذا يقول الحس فعل لمن به ... يقوم وهذا قوله الدهر يبطل
وذا قائل ابن الثمان ممكنٌ ... من الفعل مختار لما هو يفعل
وذا قائل إن النبوة فعل من ... الحكم في أمر الورى والتطول
وذا قائل إن النبي هو الذي ... دون خلاق البرية يجعل
فمن شاء فليجعل من الناس نفسه ... نبياً إلى أهل البسيطة مرسل
وكل بني الدنيا على ذاك قادر ... ولكن أشاعوا واستهانوا وسهلوا
وذا قائل أسماء ربي ذاته ... وما أحد باسم له يتوسل
وذا قائل أسماء ذي العرش عبرة ... وها تلك أفعال له وتنصل
وذا قائل المهيمن ذو العلى ... مسمى ولا لله اسم منزل
وهذا زعمتم دين آل محمدٍ ... وإياه يرضى ذو الجلال ويقبل
وما سمع القرآن حي بزعمكم ... ولا قر في الأذن الكلام المفصل
ولكنه المخمس والذي تحيط به ... الست الجهات وتشمل
وما أحد منكم زعمتم لسانه ... شيء من القرآن ما عاش يشغل
فليس لكم في قولكم واعتقادكم ... صلاة على هذا مدى الدهر تقبل
وليس زعمتم يستدل بحالة ... على حالة ما أشرقت قط مطفل
فأقوالكم في كل فنٍ مريجة ... يرى ذاك فيها من يميز ويفصل
ينافرها العقل السليم من الهوى ... ويدحضها البرهان.........
بنيتم على أن ليس تنفع حالة ... ولا عرض ما أدلج........
ولا وعد ربي ذي الجلال مؤثر ... زعمتم ولا الإيعاد للفعل يذهل
ولا ضر أهل الشرك بالله شركهم ... وقتلهم للأنبياء حين ترسل
ولا...........اسم نافع لكم ... ولا خصمكم يشفى ولا هو يخذل
...........عارض وليست بزعمكم ... تضر ولا فيها لخلق معول
فما بالكم تستعظمون مقال من ... يفندك فيما ادعيتم ويعذل
أوليس زعمتم قوله صائر لكم ... مدى الدهر ما سدت لذي الرحل أرحل
ولكم نقضتم حيث قلتم محمد ... من الله مختار لما كان يفعل
كما نقض الحشوي في الجبر قوله ... إذا ما أصابته من الناس معضل
يقول قضاء الله ماضٍ وحكمه ... ويسخط من ذاك القضاء ويعول
................. ... نظر في المشكلات ومقول
................ ... جاء نحو المصطفى الذئب........
............... ... غداة يناديه وقد هم يأكل
وقلتم من الخوف من كل مفردٍ ... كلام وضرب عندكم ليس يشكل
فكيف وأنواع الأكاليم جمة ... يحيط بها سمعاً وعقلاً ويشمل
ووافقتم أهل.............في الغوى ... وأن ليس محسوساً سوى الجسم هيكل
وليس لأحوالٍ سواه تغايرت ... ولكن عليها حسها الدهر يحمل
يقولون في الأعراض قولاً موافقاً ... مقالة سوقسطا التي عنه ينقل
كذلك في الأسماء وافقتم الأولى ... غلوا في المسح الطهر جهراً وبدلوا
ووافقتم جالوت إذ قال كلما ... على الأرض مملوك له لا يحول
وأموال هذا العالمين بزعمكم ... لكم دون أهليها وإن لم تؤلوا
وكل شيء.........إلا الذي يرى ... مقالتكم في حكم ذي الطول تقبل
وليس على وجه البسيطة عندكم ... محق سواكم بالشريعة يعمل
وقلتم أيادي المجرمين قبيحة ... وأحسابهم كفر وجرم منكل
ووافقتم الطبعي في كل حادثٍ ... يراه البصير العاقل المتأمل
وقلتم بأن الجسم غير لذاته ... إذا احدثت أوصلفه متبدل
ولم تتغاير قط فيها صفاته ... ولا اختلفت حال عليها المحول
ولا اعتقبت جسماً صفات ولا جرى ... عليه من الأزمان ماضٍ ومقبل
وهذا اعتلال المثنوية كلها ... وحجتها فيما تقول وتسأل
أقرت جميعاً بالصفات وأنكرت ... تعاقبها الأصلين فيما توصل
فما اجتمع الأصلان قالت لعله ... ولا اختلفت فيما يحس ويعقل
ووافقتم الدهي في كل مرسل ... وقوم أحالوا المعجزات وعطلوا
ووافقتم في الذكر من قال إنه ... أساطير تملى حيث كانت وتبدل
ووافقتم في العرش جهماً ومعشراً ... رأوا أنهم قد أهملوا حيث امهلوا
وقلتم أصول الدين ليست لربنا ... تعالى بل العبد الضعيف الموصل
وقلتم علي بن الحسين مؤخر ... عن السبق وهو العالم المتبتل
لقد قلتم في العقل قولاً مهجناً ... وفي النفس والقرآن تروى وتنقل
وفي اللطف والأسماء والأحرف التي ... هدانا بها البر اللطيف المنزل
عليهما مدار الشرع ما لاح ثاقبٌ ... وما حاد أقطار البسيطة مسئل
ولم يحدث الأسماء في أصل قولكم ... عليم بأحوال البرية مفضل
من الله فعل الجسم والاسم فعلكم ... أتاكم بهذا الناظر ال.............
وما علم الأسماء ذو الطول آدماً ... زعمتم ولا الأسماء قول منزل
ولكن........لشيء في الأصل ذاته ... وقائل هذا جاهل لا يحصل
ونوحا إذ استغنى عن السمع والحجى ... وكانت جميعاً بالفنا الرسل ترسل
وأغنى عن الأسماء في الشرع كله ... وفي الخلق أوهام الورى والتحيل
ولم يكترث في الكفر في الدين كافرٌ ... ولا استر بالإيمان عبد معدل
وكان لهذا الكفر فعلاً لربنا ... وصار عن العدل المهيمن يعدل
وكنت إذا سميت شيئاً فإنه ... بذاتك موجود وفيها محصل
لئن قلتم ليس الكتاب الذي يرى ... ويسمع بالآذان حقاً وينقل
فقبلكم قال الوليد بأنه ... أساطير أنشأهل النبي المفضل
أما لو عقلتم لاشتغلتم بشأنكم ... ولم تبعثوا ما كنت أخفي وأغفل
ولكن.........بالشتيمة السناً ... وطلتم بصد الحق والحق أطول
تحاملتم جهلاً عليّ وجراءة ... على الله والباغي يهان ويرذل
تجاوزتم طيب الكلام إلى الذي ... عليه من الله الوعيد المنكل
فذوقوا بما اسلفتم وتعرفوا ... قوافي لم ينطق بها قط أعزل
خذوا جملة تغني وتكفي فإنني ... عليها ومن أرسى ثبيراً أعول
بأن إلهي عالم........... ... تعالى قدير واحد الذات أول
وأسماؤه الحسنى تعالى كثيرة ... تضمنها هذا الكتاب المفضل
...........تهجي في اللغات جميعها ... ويسمع ما كر الزمان ويفعل
تغاير مسموعاً وحفظاً وصورة ... ويفصل في هذا اللسان........
بها صور مكتوبة ودلائل ... وأمثلة والله ليس يمثل
هو عرش حل من لا يرى له ... شبيه ولا ثان مع الله يعقل
.....أسماء قد تهجى وتنسى وقد ترى ... تصاويرها فيما تعاني وتعمل
......في الألواح والصحف كلها ... وتعجم في كل اللغات وتشكل
.......هذا اللسان وربنا ... قديم عزيز قاهر ليس يحمل
زعمتم بأن الله جل جلاله ... هو العرش والكرسب هذا المعول
........أرى الأسماء رباً موحداً ... تبارك عما يدعيه المعطل
هذا كتاب الله كالشمس واضحٌ ... جلي لدينا مستبين مفصل
نصلي به في ليلنا ونهارنا ... به ما تم الفرض منها ويقبل
يسمع بالآذان من كل مسمعٍ ... وإن ضاق من قولي جهول يجهل
به نزل الروح الأمين وإنه ... كلام فصيحٌ معجز لا يبدل
هو السور العز اللواتي بها الورى ... يحذى النبي الأبطحي المعدل
لست أراها في البرية قطرة ... كما قال غرّ جاهل متقول
...............اللها ما بدا الضحا ... فلا تدفعوا ما قلته أو يحولوا
إن قلتم قام اختيار فإنه ... بزعمكم فعل يقام ويفعل
إن قلتم قام اضطراراً فإنه ... عليه القلوب المستكينة تجبل
إن كان لا هذا ولا ذاك فارتعوا ... على صلعكم والخمس لله هللوا
فإن ينزل الإلهام فالذكر هكذا ... لدي لعمر الله يأتي وينزل
وإلا فقولوا ليس إلا حكاية ... وعلم به الذكر معنى مؤمل
مع الملك الأعلى كما قال غيركم ... فقلتم له شيخٌ جهول مغفل
أقمتم عليه ثم سرتم طريقه ... وقد قلتم هذا ضلال مضلل
وأجهل خلق الله من كان منكراً ... على غيره أمراً به يتسربل
لقد جئتم شيئاً فرياً وبدعة ... يذوب لها لو كان يعقل يذبل
وقد دبر الله الحروف لخلقه ... كما قال فيها الواحد المتطول
وأعلمهم لطفاً وإكمال منة ... عليهم تعالى كيف.........ونوصل
وفيها من الآيات والنور والهدى ... أمور وأشياء لمن كان يعقل
كما قال فيها الطاهرون الذين هم ... هداة بني الدنيا وأقران ما أولوا
لقد قال فيها للمقفع قاسم ... مقالاً له نور مضيء مجلل
لتصغيره منها لحكمة ربه ... وتعليله منها لما لا يقلل
.........بيا طه وحم زارياً ... يحكم فيه رأيه ويعلل
وقولكم فيه شبيه بقوله ... إذا قيس ما قلتم فقيل ممثل
أبينوا لنا معنى الحروف فإنها ... عللكم فيما اعتقدتم وعللوا
فإن كان لا معنى لها وهو قولكم ... ففاعل شيء لا لمعنى معطل
كص وطه والحواميم كلها ... وهل هي فرض عندكم أو تنفل
ومن سف عن علم الدقيق وجدته ... يفند أرباب الهدى ويقلل
وليس بجهل الجاهلين نزول ما ... حبا الله فيها الواحد المتكفل
وآل رسول الله خزان وحيّه ... هداتي وساداتي بهم أتوسل
وما زايلت أشخاصهم أرض ربهم ... وإن زلزلت زلزالها تزلزلوا
هم العترة الأطهار أعلام ديننا ... ومعلم أهل النصب.........
وليس قعود القاعدين بمبطلٍ ... إمامتهم الله من ذاك أعدل
ولكن بعلمٍ قام هذا مجاهداً ... وهذا بعلم لم يفارق..........
وعبد الأمور الحادثات وكونها ... يزول لها فرض..........ويبطل
ولو كان ترتيب الإمامة راجعاً ... إلينا كما قال النبي........
لكان إلينا الأمر في كل قائمٍ ... وهذا مقال بالضلال مسربل
ض
وكان إلينا النصب والعزل دائباً
ونختار من شئنا على القرب والنوى
برئت إلى الرحمن ممن إمامه ... عتيق ومولاه............
ومن مرجي في قوله واعتقاده ... ومن قدري جبرٍ ليس يعقل
ومن كل غالٍ مفرط في مقاله ... وممن علينا جرأة يتأول
ولا أنكر التفضيل في كل كابرٍ ... فكيف وربي منعم متفضل
وما كان عن فعلِ كذلك واجب ... وإن قال هذا نعمة وتفضل
ولو لم يكن في الكائينات تفاضل ... لم هز خطي ولا سل منصل
ض
وكان لهذا الشكر والحمد ساقطاً ... عن الناس فيما ملكوه وخول
وكان الدجى والنور والتبر والحصا ... سواء لذي المقعول........
ومحبونها في كل حال يرى له ... ومكروهها سيان والشهد حتظل
...................................
بعميته ما اهتدى قط مهتدي ... ولم يك خلق بالشريعة يعمل
لي عن الاهمال والترك من له ... على كل منفوس شهيد موكل
كنا فوضى مع الحاجة التي ... جبلنا عليها وهو عدل مؤمل
العقل في الإنسان إلا بصيرة ... ينير بها القلب الذكي ويعقل
..................... فواجب ... وما استقبحته بالبديه معطل
فكم في الأرزاق.................... ... وبالقهر بين العالمين ينقل
هذا فقير عائل ذو خصاصة ... وهذا غني مترف متمول
فليس لنا في الدين رأي نقيمه ... بل الله يقضي يشاء ويفعل
هذا اعتقادي لا أكاتم عن بري ... سواه وإن أذاني المسجل
فيا عابدي الأسماء والعرش ويحكم ... إلى خالق الأسماء والعرش اقبلوا
.................وعرشاً موحد ... ويطلق هذا قاسمي معدل
شرعتم على التعظيم والمدح دينكم ... فكلكم في الجهل يسعى ويرقل
فذوا الفقر مرفوض وإن كان ماجداً ... وذو المال محبوب لديكم مبجل
ووافقتم أمثالكم من مقلد غبي ... قليل الذهن للمدح يقبل
إذا قيل هذا فاهم ذو دراية ... تعاظم وهو الفارع المتعطل
يصدنكم في نفسه وهو لو درى ... من العدل والتوحيد غرثان مزمل
فصار له في أفعاله غسل ثوبه ... وحجبه البيضاء جراب ومشعل
وتسلق أعراض الورى بلسانه ... وبينهم نار العداوة تشعل
رويدكم يا هؤلاء تمهلوا ... فذو اللب والتمييز من يتنمهل
وعما قليلٍ تحصدون الذي له ... زرعتم وكل في غدٍ سوف يسأل
ومن جهلكم بالله أن قلتم له ... صفاة وأسماء كثير تحصل
ولكنها هو في الحقيقة عندكم ... فصيرتموه محدثاً وهو أول
فهم وهما فيما يقولون واحدٌ ... وذاك هو المبدي المعيد المفضل
فلم تفرقوا بين الجميع وواحدٍ ... وهذا مقال بالضلال مزمل
وقلتم بذا قال الأئمة كلهم ... وحاشا لأرباب الهدى أن يميلوا
فكيف ومسطوراتهم وشروحهم ... بحبل الذي.........عليكم ويبطل
ض
ولكن جهلتم قولكم وادعيتم ... جهالتكم علماً يذاع ويبذل
والقصيدة طويلة تركنا بعضها وجئنا ببعض ما فيه موضع الحاجة، ولما نزغ الشيطان بين الشيخ محمد بن حميد هذا وبين الشيخ علي بن أبي رزين كتب علي بن أبي رزين إلى محمد بن حميد هذا شعراً أوله:
أتراهم يوم التفرق لاموا ... ................وهم الذين لاموا
وكانت المطرفية تقول بأن الشيخ علي بن أبي رزين منهم، لسكونه بينهم، وكونه في الوطن معهم، والزيدية تروي عنه أقوالاً تخالفهم أقوالهم، ويقول: إن ما كتبه للمطرفية على أقوالهم إنما هو لما يقصد من حسن الجوار، وكان وهو والشيخ محمد بن حميد عالمين، وكانا مصباحين وبينهما المداناة الكبيرة، ثم وقع بينهما شيء ومعاتبات، فلما كتب الشيخ علي بن أبي رزين ذلك الشعر إلى الشيخ محمد بن حميد رحمه الله، كتب إليه الشيخ محمد بن حميد شعراً وهو:
عجباً لما تأتي به الأيام ... ويريكه الإصباح والإظلام
جاءتك قافية يروق سماعها ... من لا يلائم قلبه إسلام
من صاحب عرفته سبل الهدى ... وله علينا حرمة وذمام
ذكرته عهداً وعقداً بيننا ... صدته عنه زعانف أفدام
فأجابني بخلاف ما خاطبته ... واللام فيه والمليم يلام
أنشا يهيم بكل وادٍ قلبه ... فعل الأولى تركوا الرشاد وهاموا
متمثلاً بطوائفٍ تركوا الهدى ... ورمت بهم في الهوة الأوهام
مهلاً أبا حسنٍ فمالك معمر ... فيمن به يتشرف الأقوام
أن من عرفت فلا يخاف معاسر ... دلل وليس تميله الأقدام
وهو الإله يوصف مخلوقاته ... وعداهم التوحيد والأعكام
قالوا له الأسماء وهي كثيرة ... لكنها المتفرد العلام
والوحي قالوا ليس بالسور التي ... تتلى علينا بل هي الإلهام
وكذا الرسالة في النبي فإنها ... فعل له زعموا وتلك كلام
والناس فيها بالسوية كلهم ... نوح وسام والخليل وحام
وإذا أردت فكن نبياً مرسلاً ... ما لم تغير قلبك الآثام
وكذا الإمامة فهي أيضاً شركة ... والناس في ترتيبها الحكام
والأرض خالية جميعاً ما بها ... من آل طه الطاهرين إمام
من شاء قام بها فكان كحيدرٍ ... تزهو به الألفاظ والأقلام
والسيف والحطي في يوم الوغى ... والقوم في الهيجاء واٌدام
ما للآل من مرسل ومؤيدٍ ... فضل يخص به ولا أعلام
فالكل خلق الله مضطلع بما ... قام النبي له وهم أحكام
في ذاك لو شاءوا ولكن سهلوا ... وعن الإمامة والنبوة حاموا
والموجدات فلا تفاضل بينها ... في الخلق إذ هي كلها أجسام
ولا صفات لا تضر ولا بها ... نفع لملتمس ولا إيلام
والناس إلاهم سواهم بله ... وهم الرعاة وغيرهم أنعام
ظنوا بأن الله أهمل خلقه ... هذا عليهم إن عقلت حرام
..........مجبوراً ويحفظ شخصه ... وتضيع أشخاصاً لها أحلام
هذا اعتقاد لا يراه عاقل ... يقظ ولا تقضي به الأحكام
أشبهت فيما لا يفيد وانه ... عي لدى الحكام أو استبهام
أما المعاد فما عرفت حدوده ... صدتك عنه معاهد وخيام
دع منهج الأعراب واسلك منهجاً ... آل النبي هداية القوام
أطنبت في ذكر العريب وحظكم ... منها شهاد دائم وأوام
عرضت فيه تذمنا وظننته ... شرفاً وذاك أبا رزين ذام
أحسست ذكرك للعريف وللصدى ... ومحارم فيها الصفا.........
...........عليك إذا سئلت عن الذي ... بدعي به من سميته الإسلام
وجزيتنا بالمدح ذماً ما كذا ... فعل الأديب وأن أحد خصام
ومنها:
وعذلتني ومدحت قوما أنكروا ... حقي فأنت الخائن الظلام
ومنها:
الحق أبلج واضح لمريده ... وله قواعد ما لها هدام
من ذا شهيدك والذي تدعي به ... ومن الذي تقضي به الأحكام
........................... لأهلها ... والمنصف المطلوم خير يضام
...........................ابنه لي ... نصاً ولا تذهب بك الجمجام
.............................وهل ... يرعى الرعايا البله والأغنام
إذ قلتم تلك المنازل شركة ... بين الأنام وهم لها قوّام
لو أنهم شاؤا لكانوا أهلها ... فالآن قم ودع الأنام ينام
لا ترضين بخطة مذمومة ... وانهض فانت الصارم الصمصام
أنت المعرة قلت والرجل الذي ... ما حده في المشكلات كهام
مكنت قلت من النبوة والهدى ... لبني الزمان فلا يفتك قيام
وانظر إلى شرح النبي وصنوه ... لا يثنك الإنجاد والإتهام
ومقال قاسم في الإمامة وابنه ... فهو الشفاء لمن عراه سقام
وانبه إلى ما قال يحيى وابنه ... وليكفك الإيضاح والأحكام
ومقال زيدٍ وجعفرٍ وابنه ... وهو الباقر الكلام
وانظر إلى أحكام آل محمدٍ ... فلذي الحجىتيسيره استعصام
وإذا شككت كما حكيت فنم عسى ... يأتيك بالتحقيق فيه منام
ونعيت أمراً أنت فيه......... ... هذا جماح لازم وعزام
أما الوصية فهو دينٌ قيمٌ ... قد صد عنه مفعل وغنام
والاختيار رآه ديناً قيماً ... يوم السقيفة خيبر ودلام
فهذه القصيدة شرح فيها الشيخ العالم محمد بن حميد أقوال المطرفية وأظهر فيها أسرارهم.........أخبارهم ومذاهبهم واعتقادهم، وهو وأمثاله المرجوع إليه في مذاهبهم، فإنه كان قد أقام عليه الليل والنهار، وفكر فيه الأسحار والأسمار، وناظر عليها مرارا، وجادل عليها أسفارا، ولكنه لما اتضح الدليل رجع إلى واضح السبيل، فالعلم بكونهم على هذا المهذب هو علم ضروري، كالعلم بسائر المذاهب البدعية من الجبر والتشبيه، ومذاهب الباطنية، وكمذاهب اليهود والنصارى، والمجوس والثنوية، فلا معنى لقول من ينصرهم بلسانه ويحبهم بقلبه وجنانه، ويجادل عليهم ويواثب، ويعادي ويحارب، بأنه ما علم بقولهم ولا سمع بما ذكرنا من مذهبهم، وإنما رأى عبادتهم وصلاتهم وجدهم واجتهادهم، فلهذا اتبعهم وقلدهم، وجادل عنهم، فإن هذه ضحكة عظيمة ومعذرة باطلة؛ لأن هذا إنما أخبر عن نفسه بأنه من عوام كل بدعة، شر من علماء تلك البدعة؛ لأنهم اتبعوا الضلال بغير شبهة، واعتدوا فيه بأسوأ المعذرة وهو التقليد، فصاروا مثل كفار الجاهلية {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:22] ولأن علماؤهم يمكن هدايتهم بإزالة شبهته وتفهمه لموضع غرته، وعوامهم بتعسر هدايتهم لتعسر إبطاتل طريقه اتلتي ضل لأجلها وكفر من قبلها؛ لأنه لا يزال يقول: وكيف أمير عن مولاه من اعتقده من اهل الضلاح والورع، لأجل ما رأى منكم وأسمع، فلا يكاد يهتدي إلا أن ماجد التوفيق يصنعه، ويمي عما هو من طبعه والعادة علىكل شيء سلطان، ولهذا كان ذنب العوام أكبر، وهم عند الله ألوم وأخسر، ولهذا قال تعالى: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}[الفرقان:44] ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: ((عباد الله كونو علماء ولا تكونوا جهالاً، فإن الجاهل في الدنيا مثل الأعمى في سواد الليل لا يعرف طريقه، وكيف يقطع الطريق وهو لا
يعرف وهو في الآخرة ملومخاسر، ثم قال: إني قلت.........عذاب الجاهل في الآخرة، ولو كان الجاهل يعلم ما له عند الله من العقوبة لا يأكل طعاماً لشهوة، ولا شرب شراباً لشهوة، فلو كان ما يذكره العامي من هذه الاعتذارات يكون منجياً له عند الله عز وجل؛ لوجب في أكثر اليهود أن يكون ناجياً عند الله عز وجل؛ لأنه يمكنهم أن يقولوا ......لسنا بعلماء وإنما اتبعنا علماء اليهود لما رأينا من تعبدهم وشدة محافظتهم على السبت، وعلى قراءة كتاب الله عن.........المنزل على موسى عليه السلام، فإن هذا هو الذي يصح أن يصح به عوام اليهود، وهم أكثر اليهود، ولوجب في أكثر النصارى أن يكونوا ناجين عند الله عز وجل؛ لأنهم يمكنهم أن يقولوا: ما نعرف كثيراً مما يروون من الشرك عند النصارى، ولكنا نرى عبادة علمائهم ورهبانهم، وكثرة تشددهم وإتعابهم لأنفسهم في الليل والنهار، وكثرة الصيام، والامتناع من المباحات الكثيرة التي لا يمتنع عنها أهل الإسلام، وهم لا يفعلون هذا إلا طلباً لرضى الله عز وجل، فلهذا اتبعناهم، وكان يجب في عوام اليهود والنصارى وهم أكثر اليهود والنصارى، أنه يجوز قتلهم ولا سبيهم، ولا يجوز اخذ الجزية منهم؛ لاعتذارهم بمثل اعتذار عوام المطرفية، وهم الأكثر من المطرفية، فكما أن ذلك لا يوجب قبوله منهم، ولا يكون مخلصاً لعوام اليهود بل هم يهود، ولا لعوام النصارى بل هم نصارى، فكذلك لا يكون مخلصاً لعوام المطرفية؛ لأنهم مطرفية، ولهذا قال تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22] فإن هم كافرة، وقال تعالى: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} إلى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[الممتحنة:1] فعوام المطرفية، وكذلك عوام سائر أهل البدع، قد اتخذوا أعداء الله أولياء، وألقوا إليهم بالمودة، فإن هم قد
ضلو سواء السبيل، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:51] ولا شك أن عوام المطرفية ومن شابههم من عوام الفرق الرديةن يتولون المطرفية، ومن يجري مجراهم، فيجب أن يكونوا منهم، وقد رام عبد الله بن أبي سلول ميل ما رامه عوام المطرفية أن يكون موالياً للكفار من اليهود وغيرهم للحلف الذي بينه وبينهم، فجعله الله في الحكم منهم في هذه الآية، وكذلك حاطب بن أبي بلتعة رام أن ينفي على الإيمان مع المكاتبة لكفار قريش، فجعله الله كافراً ضالاً سواء السبيل، وأيضاً فالآية هي قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} نزلت في عبد الله بن أبي كما ذكره علماء التفسير، وأهل السير والآثار، والمعلوم أنه لو لم يولهم لأجل كفرهم وهم اليهودية، ولأنه لم يكن يهودياً بل كان جاهلياً يعبد الأصنام، ويعادي أهل الكتاب، وإنما والاهم لغوثهم له فقط، مع بغضته لليهودية، فكذلك من يوالي المطرفية لا لأجل مذهبهم، فإنه يكون كافراً مطرفياً مثلهم، ولهذا حكم القاسم والهادي عليهما السلام بأن موالاة الفساق فسق، سواء والاهم لجل فسقهم أو لغير ذلك، ولهذا قالوا: لا يقبل المؤمن ما يعطونه؛ لأن لا يدخل محبتهم في قلبه، وتحت ما قلناه علم متى وجد قلباً واعياً، ومن المعلوم من ضرورة الدين أن كل من جارب مع قريش أو ظاهرهم أو ثر سوادهم فإنه يكون كافراً مثلهم، ولم ينفع عم النبي وأخو الوصي عليهما السلام العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب قولبهما: إنهما خرجا كرهاً، ولا قول العباس أنه كان بمكة مؤمناً مع العلم أن قلوبهما ومحبتهما وحميتها مع سيد الأنبياء وخير الأوصياء صلوات الله عليهما لما كثرا سواد الكافرين، وسارا مع المشركين، ولما أسر النبي عليه السلام العباس بن عبد المطلب قال له:
((ظاهرك مع القوك)) وأجرى عليه حكم الكفار منهم من جنس ما أخذ من الكفار من الفداء مالاً غظيماً، ونزلت الآية: {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}[الأنفال:70] فليس عوام المطرفية بأفضل من عم النبي، فظاهر هؤلاء المطرفية أعظم من خطأ الخوارج بدرجات كبيرة، وقد قدمنا ما يكشف عن عظم حالهم، ووقوعهم في الكفر المبين، فجابنوهم أشد المجابنة، وباينوهم أشد المباينة، أن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
فهذا كلام الإمامين العالمين الزاهدين، المتوكل على الله والمنصور بالله عليهما السلام، قضا بكفر هؤلاء المطرفية، وتكون ديارهم التي يسمونها هجر دار حرب نازلة منزلة ديار المشركين، وبمثل ذلك شهد سائر الأئمة الهادين، صلوات الله عليهم أجمعين.
تم ذلك بمن الله تعالى وعونه، وصلى الله على محمد نبيه ورسوله، وخير خلقه وعلى آله الأكرمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.