الكتاب : زبد الأدلة المؤلف : الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان المتوفى سنة 614هـ |
زبد الأدلة
تأليف
الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام
باب القول في التوحيد
إن قيل: ما أول ما أوجب الله عليك؟
قلت: النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى؛ لأن معرفته واجبة، وهي لا تحصل إلا بالنظر والاستدلال.
فإن قيل: ما الدليل على أنَّ للعالَمِ صانعاً حتى يوجب معرفته أو لا يوجبها؟.
قلت: لأن هذه الأجسام مُحْدَثَةٌ، والْمُحْدَثُ لا بدّ له من مُحدِثٍ.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى قادر؟
قلت: لأن الفعل قد صح منه، والفعل لا يصح إلاَّ من قادر.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى عالِمٌ؟
قلت: لأن الفعل المحكم قد صح منه، والفعل المحكم لا يصح إلاَّ من عالِمٍ.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى حيٌّ؟
قلت: لأنه قادرٌ عالِمٌ، والقادرُ العالِمُ لا يكون إلا حيّاً.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى سميع بصير؟
قلت: لأنه تعالى حي لا آفة به، ومن كان حياً لا آفة به فهو سميع بصير.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى قديم؟
قلت: لأنه لو لَم يكن قديماً لكان مُحْدَثَاً، ولو كان مُحْدَثَاً لاحتاج إلى مُحْدِثٍ، والكلام في مُحْدِثِهِ كالكلام فيه، فإن احتاج إلى مُحْدِثٍ آخرَ أدَّى إلى الانقياد بما لا نهاية له، وذلك محال، وقد ثبت أنه تعالى قديمٌ.
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى يستحق هذه الصفات لذاته من دون مؤثر من فاعل أو علة؟
قلت: لأن الفاعل سواه لا يخلو: إما أن يكون قديماً أو مُحْدَثَاً، ولا يجوز أن يكون قديماً؛ لأنه لا قديم سواه تعالى على ما يأتي بيانه، ولا يجوز أن يكون مُحْدَثَاً؛ لأن القديم سبحانه متقدمٌ عليه، ومن حقِّ المؤثر أن يتقدم على ما هو مؤثّرٌ فيه.
ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة؛ لأن العلة لا تخلو: إمَّا أن تكون معدومةً أو موجودةً، والموجودةُ لا تخلو: إمَّا أن تكون قديمةً أو مُحْدَثَةً، لا يجوز أن يستحقها لعلة معدومة؛ لأنها معه ومعنا على سواء، فلو أوجبتْ له لأَوْجَبَتْ لنا، ومعلومٌ خلافه، ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة قديمة؛ لأنه لا قديم سواه على ما يأتي بيانه، ولا يجوز أن يستحقها لعلة مُحْدَثَةٍ؛ لأنَّ من حق العلة أن تتقدم على معلولها، فلو تقدمت عليه نقضت كونه قديماً، وقد ثبت قدمه، ولو تقدم عليها نقض كونها علة، فبقى أنه استحقها لذاته.
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء؟
قلت: لأنه لو أشبهها لجاز عليه ما جاز عليها من التغيير والزوال، والانتقال من حال إلى حال، وذلك أمارات الحدوث، وقد ثبت أنه تعالى قديم.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى لا يُرى بالأبصار؟
قلت: لأنه لو صحت رؤيته في حال من الأحوال لرأيناه الآن؛ لأن الحواسَّ سليمةٌ، والموانعَ مرتفعةٌ، وهو تعالى موجودٌ، فلَمَّا لَمْ يُرَ مع ذلك علمنا أنه لا يُرى بالأبصار في الدنيا والآخرة.
فإن قيل: ما الدليل على أنه تعالى واحد لا ثاني له في القِدَمِ والإلهية؟
قلت: لأنه لو كان معه إلهٌ ثاني أدَّى إلى التمانع بينهما، ولأَوجدَ أحدُهما ما يَكرهُ الآخرُ، وذلك يدل على عجزهما، وقد ثبت كون الباري تعالى قادر.
باب القول في العَدْلِ
إن قيل: ما الدليل على أن الله تعال عَدْلٌ حكيمٌ؟
قلت: لأنه لا يَحملُ على الْجَوْرِ إلاَّ الحاجةُ والجهلُ، وقد ثبت أنَّه تعالى عالِمٌ غنيٌّ، فثبت أنَّه عَدْلٌ حكيمٌ؛ لأنَّ مَنْ عَلِمَ قُبْحَ القبيحِ وكان غنياً عنه لَم يفعلْهُ أصلاً شاهداً وغائباً.
فإن قيل: أفعال العباد منهم أو من الله تعالى؟
قلت: بل منهم؛ لأن الله تعالى أمرهم ببعضها، ونهاهم عن بعضها، وهو لا يأمرهم ولا ينهاهم عن فعله؛ لأنَّه تعالى عَدْلٌ حكيمٌ.
فإن قيل: ما الدليل على أنه لا يقضي إلاَّ بالحق؟
قلت: لأن المعاصي باطل، والقضاء بالباطل قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، وقد قال تعالى:((وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ)).
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يعذب أحداً إلاَّ بذنبه، ولا يثيبه إلاَّ بعمله؟
قلت: لقوله تعالى:((فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ))، ولقوله تعالى: ((وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى)).
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يكلف أحداً من عبيده ما لا يطيقه؟
قلت: لأن تكليف ما لا يطاق قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح، ولقوله تعالى: ((لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا)).
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى لا يحب الظلم، ولا يريد الكفر، ولا يرضى الفساد؟
قلت: لأن ذلك جميعه راجعٌ إلى الإرادة، وإرادةُ القبيحِ قبيحةٌ، والله تعالى لا يفعل القبيحَ على ما تقدم إثباته.
فإن قيل: لِمَ قلت: إن الألَمَ من الله تعالى، ولِمَ قلت: لا بُدَّ عليه من الْعِوَضِ؟
قلت: لأن الألَمَ على ذلك الوجه خارجٌ عن مقدور العباد، فلا فاعل له إلاَّ الله سبحانه، والله تعالى غني عن ظلم العباد وعالم بقبح …، وغني عنه، فلا بُدَّ عليه من الْعِوَضِ.
فإن قيل: ما الدليل على أنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى؟
قلت: لأن النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله ـ كان يَدِيْنُ به ويُخْبِرُ به، وهو صلى الله عليه [وآله] لا يَدِيْنُ إلاَّ بالحقِّ، ولا يُخْبِرُ إلاَّ بالصدق؛ لكونه رسولَ عَدْلٍ حكيمٍ.
فإن قيل: ما الدليل على أنَّ القرآنَ مُحْدَثٌ؟
قلت: لأنه مرتبٌ منظومٌ، يوجد بعضه في إثر بعض، وذلك أمارات الحدوث.
فإن قيل: ما الدليل على أنَّ مُحَمَّداً ـ صلى الله عليه وعلى آله ـ نبي صادق؟
قلت: لأنه جاء بالمعجزات الذي تشهد بصدق دعواه، ولا يجوز ظهور المعجز إلا على صادقٍ فيما ادّعاه.
باب القول في الوعد والوعيد
فإن قيل: ما الدليل على أن الله تعالى يخلد أهل الجنة فيها؟
قلت: لأنه تعالى وعدهم بذلك، وإخلاف الوعد كذب، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.
فإن قيل: ما الدليل على خلود الكفار في النار؟
قلت: لأن الله تعالى وعدهم بذلك، وإخلاف الوعيد كذب، والكذب قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح.
فإن قيل: ما الدليل على دخول الفساق النار وخلودهم فيها؟
قلت: قوله تعالى: ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا))، والخلودُ هو الدوامُ، وإخلافُ الوعيدِ كذبٌ، والكذبُ قبيحٌ، والله تعالى لا يفعلُ القبيحَ.
فإن قيل: لمن يُقضَى بشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله؟
قلت: لا يُقْضَى بها إلاَّ لِمَنْ يستحقُّ الجنةَ دون من يستحقُّ النار، لقوله تعالى: ((مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ))، والفاسقُ ظالِمٌ بالإجماع.
فإن قيل: ما تسمي المرتكبينَ للكبائر ممن يُقِرُّ بالشهادتين؟
قلت: أُسميهم فساقاً، ولا أسميهم كفاراً؛ لأنَّ الكفرَ أفعالٌ مخصوصةٌ لها أحكامٌ مخصوصةٌ، ولا أُسميهم منافقين؛ لأنَّ المنافقَ مَنْ أَبْطَنَ الكفرَ وأَظْهَرَ الإسلامَ، ولا أُسميهم مؤمنين؛ لأنَّ الإيمانَ اسمُ شَرَفٍ، والفاسقُ يستحقُّ الإهانةَ فلم يبقَ سالِماً من هذه الموانع، وأحد الموانع الإجماع على تسميتهم فساقاً.
فإن قيل: لم قلت: إنَّ الأمرَ بالمعروفِ، والنَّهيَ عن المنكرِ واجبٌ؟
قلت: لقوله تعالى: ((ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ))، وهذا أمرٌ، والأمرُ يقتضي الوجوب.
فإن قيل: لِمَ قلتَ: إنَّ الإمامَ بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ـ عليه السلام ـ؟
قلت: لقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ)، وهو لا يُريد بذلك إلاَّ إثبات الإمامةِ له ـ عليه السلام ـ، فثبت بذلك كونه ـ عليه السلام ـ إماماً.
فإن قيل: لِمَ قلتَ: إنَّ الإمامَ بعد عليِّ بنِ أبي طالبٍ ولداه الحسنُ والحسينُ ـ عليهم السلام ـ؟
قلت: لقول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ:(الحسنُ والحسينُ إمامانِ قاما أو قعدا، وأبوهما خيرٌ منهما)، وهذا نصٌّ صريحٌ على إمامتهما ـ عليهما السلام ـ.
فإن قيل: لِمَ قلتَ: إنَّ الإمامةَ بعد الحسنِ والحسينِ ـ عليهما السلام ـ في أولادهما؟
قلت: لإجماع الأُمة والعترة ـ عليهم السلام ـ على ثبوتها لهم، واجبة فيهم، لا فيمن سواهم.
وصلى الله على محمد وآله وسلم