الكتاب : تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين
المؤلف : للشيخ الإمام الحاكم أبو سعيد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي

تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين
تأليف
الحاكم الجشمي
كلمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فاستجابة لقول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24]ولقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، [آل عمران:104]ولقوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، ولقوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]ولقوله تعالى: {إنما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55].

(1/1)


ولقول رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم :((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : ((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : (( من سرّه أن يحيا حياتي؛ ويموت مماتي؛ ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي؛ فليتول علياً وذريته من بعدي؛ وليتولّ وليه؛ وليقتد بأهل بيتي؛ فإنهم عترتي؛ خُلقوا من طينتي؛ ورُزقوا فهمي وعلمي )) الخبر- وقد بيّن صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم بأنهم علي؛ وفاطمة؛ والحسن والحسين وذريّتهما عليهم السلام، عندما جلَّلهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بكساءٍ وقال: ((اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) - .
استجابةً لذلك كله كان تأسيس مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة.

(1/2)


ففي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ ؛ التي يتلقى فيها مذهب أهل البيت(ع) مُمثلاً في الزيدية، أنواعَ الهجمات الشرسة من أعدائه الظاهرين ومن أدعيائه المندسين، رأينا المساهمة في نشر مذهب أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم عَبْر نَشْرِ ما خلّفه أئمتهم الأطهار عليهم السلام وشيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، على أن نقدمها للقارئ الكريم نقيّة خالصة من الشوائب، لتصل العقيدة الصافية إليه سليمةً خاليةً من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وما ذلك إلا لثِقَتِنا وقناعتنا بأن العقائد التي حملها أهل البيت(ع) هي مراد الله تعالى في أرضه، ودينه القويم، وصراطه المستقيم، وهي تُعبِّر عن نفسها عبر موافقتها للفطرة البشرية السليمة، ولما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة نيبه صلى الله عليه وآله وسلم.
واستجابةً من أهل البيت صلوات الله عليهم لأوامر الله تعالى، وشفقة منهم بأمة جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، كان منهم تعميدُ هذه العقائد وترسيخها بدمائهم الزكية الطاهرة على مرور الأزمان، وفي كل مكان، ومن تأمّل التاريخ وجَدهم قد ضحّوا بكل غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عنها وتثبيتها، ثائرين على العقائد الهدَّامة، منادين بالتوحيد والعدالة، توحيد الله عز وجل وتنزيهه سبحانه وتعالى، والإيمان بصدق وعده ووعيده، والرضا بخيرته من خَلْقِه.
ولأن مذهبهم صلوات الله عليهم دينُ الله تعالى وشرعه، ومرادُ رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم وإرثه، فهو باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومنْ عليها، وما ذلك إلا مصداق قول رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم: ((إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).

(1/3)


"واعلم أن الله جل جلاله لم يرتض لعباده كما علمتَ إلا ديناً قويماً، وصراطاً مستقيماً، وسبيلاً واحداً، وطريقاً قاسطاً، وكفى بقوله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
وقد علمتَ أن دين الله لا يكون تابعاً للأهواء: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون:71]، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]، {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
وقد خاطبَ سيد رسله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم بقوله عز وجل: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ(113)} [هود:112ـ113]، مع أنه صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ومن معه من أهل بدر، فتدّبر واعتبر إن كنت من ذوي الاعتبار، فإذا أحطت علماً بذلك، وعقلت عن الله وعن رسوله ما ألزمك في تلك المسالك، علمتَ أنه يتحتم عليك عرفانُ الحق واتباعه، وموالاة أهله، والكون معهم، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ومفارقةُ الباطل وأتباعه، ومباينتهم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]، في آيات تتلى، وأخبار تملى،

(1/4)


ولن تتمكن من معرفة الحق وأهله إلا بالإعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البيّنة اللائحة، التي هدى الخلق بها إلى الحق، غير معرّج على هوى، ولا ملتفت إلى جدال ولا مراء، ولا مبال بمذهب، ولا محام عن منصب، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى
أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135]".
وهنا يتشرَّف مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة بتقديم مجموعة من كتب أهل البيت المطهرين عليهم السلام وكتب شيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، ومنها هذا الكتاب الذي بين يديك.
وأخيراً يتوجه العاملون بمركز أهل البيت(ع) والمنتسبون إليه بالشكر والعرفان لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل، وفي مقدّمتهم عالم العصر، شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه، سائلين الله عز وجل أن يجعله من الأعمال الخالصة المقبولة لديه، وأن يثبّتنا على نهج محمد وآله محمد.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية
اليمن- صعدة، ت(511816)، ص ب (91064)
ـــــــــــــــــــــ

(1/5)


مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، القائل في محكم كتابه المبين {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)}[الأحزاب] والقائل أيضاً: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] .
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله البشير النذير، والداعي إلى الله بإذنه السراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، الأخيار الأنجبين، أئمة الهدى، وأعلام التقى، وذوي النهى.
وبعد :
أيها المطلع الكريم :
إن القرآن هو الدستور العظيم، والقانون التشريعي للتحليل والتحريم، والفرائض والأحكام، وهو المبين لحقائق الإسلام، وما يحتاج إليه جميع الأنام في الدنيا والآخرة، ونطقت آياته البينة بشتى الأوامر والنواهي، وصرّحت عباراتُه بكثير من المسائل الهامة المتعلقة بالعباد فيما بينهم في اعتقاداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم، وغير ذلك من الأمور التي يحتاجون إليها؛ مع ما اشتملت عليه من البلاغة والفصاحة المتناهية التي عجزت العرب مع فصاحتها وقوة بيانها عن معارضتها ومضاددتها.

(1/6)


ولما كان الناس الذين نزل القرآن بلغتهم، وجاء بأمرهم ونهيههم، ونزلت آياته واعظة وزاجرة لهم، ومخوّفة ومبشّرة ومرغّبة ومرهّبة لهم، من أشد المخلوقات طبيعة وأقساها جبلَّة، وأقواها قلوباً، وأكثرها حروباً، وفي نفس الوقت من أشد الأمم تكذيباً لأنبيائها، وأذية لهم، واستهزاءً وسخرية بهم، ومع ذلك كانت أمة من خير الأمم بما أكرمها الله به من أن بعث إليها إمام الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأطهار، وأنزل عليها أفضل الكتب السماوية وأشرفها وهو القرآن الكريم، وكان من صفاتهم أيضاً شدة المعارضة والمعاندة، واتباع الأهواء والشهوات، وسرعة الرفض لما لا يوافق مقاصدهم وأهوائهم، كان من رحمة الله بهم ولطفه لهم أنه إذا أمرهم بأمرٍ، أو حثّهم على فعل شيءٍ، وهو عالم بأن نفوسهم تأباه، وقلوبهم لا ترضاه، وأنهم سيعارضونه، يكرر عليهم ذلك الأمر في آيات كثيرة، ومواضع عديدة، دلالة لهم على فضيلة التمسك بذلك الأمر، وتأكيداً لوجوبه، وزيادة في الحجة عليهم .

(1/7)


في التفضيل
وكان من تلك الأوامر العظيمة، والمسائل الهامة التي تلقوها قديماً وحديثاً بالمعارضة والتكذيب، وقابلوها بالعصيان لمن أمرهم بها وحثهم عليها، مخالفةً لأمره، وخروجاً عن حُكْمه، وميلاً إلى الدنيا، واتباعاً للأهواء هي مسألة التفضيل التي هي سنة الله في مخلوقاته، وأخبر أنها من اختياراته التي لا يجوز مخالفتها ولا تعدّيها ولا الخروج منها، وذكر أنها واقعة بين أنبيائه ورسله، بل بين ملائكته وصفوته من خليقته، كما قال تعالى : {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}[البقرة:253]، فهذا نص صريح محْكم لا خلاف فيه في تفضيل الله حتى بين أنبيائه، وكما يقول تعالى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ(98)}[البقرة]، أليس جبريل وميكائيل عليهم السلام من الملائكة ؟
فلماذا أفردهما وخصهما بالذكر بعد ذكر الملائكة عموماً؟
ماذلك إلاَّ لتفضيل الله لهما على سائر الملائكة، وزيادة خصوصية لهما على غيرهما.
وكما يقول {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)}[آل عمران]، والإصطفاء لا يكون إلاَّ بالتفضيل.

(1/8)


وكما يقول تعالى في ذكر التفضيل عموماً بين خلقه وأنه راجع إلى إرادته ومشيئته {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[الأنعام:83] ويقول :{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:105]، ويقول:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70)} [الإسراء].
فهذا من الله تعالى ابتلاء واختبار للمفضلين والمفضولين.
وكما قال تعالى مبيناً أن التفضيل أيضاً في الأيام والليالي:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)}[القدر].
وكما يقول أيضاً مبيناً أن التفضيل واقع بين الشهور والأعوام: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ}[التوبة:36] ثم خصّ أشهراً منها بخصوصية تقتضي أفضليتها على سائر الشهور فقال : {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة:36]، ثم قال : {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة:36].

(1/9)


وكما يقول تعالى في ذكر التفضيل بين عباده :{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(32)}[فاطر]، فهذا نص صريح في التفضيل بين العباد، بل بين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخصوصها، وقبلهم قد سبق التفضيل بني اسرائيل حيث يقول جل وعلا: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ(47)}[البقرة]، وكم من الآيات المتكاثرة، والأدلة المتظافرة، غير ما ذكرنا وتلينا في إثبات التفضيل في مواضع غير هذه، فقد رأيتَ كيف تكررت آيات التفضيل في سور كثيرة، وآيات شهيرة، وآيات متعددة في كتاب الله، وما ذلك إلاَّ دلالة على أهمية التفضيل، وأنه واقع بأمر الله وخيرته، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36)}[الأحزاب]، بل الواجب هو التسليم والرضا، والإيمان بالقضاء الرباني والإختيار الإلهي:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285)}[البقرة]، فهذا كتاب الله يذكر مسألة التفضيل ويحث عليها ويكرر ذِكْرها، وليس المقام مقام تطويل في البحث في إثباتها فهي معلومة من الدين، لا ينكرها أحد من المؤمنين، إذْ إنكارها تكذيب للقرآن، وردّ لصرائح الفرقان، والتكذيب للقرآن ورده كفر .

(1/10)


ولما كانت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأمم التي ابتُليت بأشد الإبتلاء، وحُمّلت تكليفاً عظيماً من حيث التفضيل، حيث أن الله تعالى جعل موضع التكليف ومحطّ الإبتلاء والإختبار في قوم مخصوصين وطائفة معينة، أَمَرَ الأمة بالرجوع إليها، وسؤالها، ومتابعتها، والإئتمام بها، والإئتمار لأمرها، وخصّ تلك الطائفة بفضائل متكاثرة نطقت بها آيات الذكر الحكيم، ورُويت على لسان النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وكان لله عز وجل في تلك الطائفة سرّ عظيم، وخبية لا يعلمها إلاَّ هو، ولهذا جعلهم الأمان إلى يوم القيامة وإلى انقطاع التكليف، ولهذا قرنهم بالكتاب الكريم، كان من أمة محمد صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم من امتثل أمر الله ولازم تلك الطائفة وتابعها إرضاءً لله، وطاعة ووقوفاً عند أمر الله، فبذل نفسه وماله وولده رخيصة في سبيل إتباع أمر الله والإنقياد والخضوع، ففاز بخير الدنيا ونعيم الآخرة، ومنهم من وَرَمت أنفه، وغضبت نفسه، وغلب عليه كِبره، واتبع شيطانه وهواه، وانقاد لشهواته ودنياه، ولم يتواضع لمن أمره الله بالتواضع لهم، وأَنِف من متابعة من أمره الله بمتابعتهم، لهوى في نفسه، وجهل غلب على عقله، وضلال خالط لحمه ودمه، وكبر احتوى عليه قلبه، وعصبية طغت على لُبه، فغرق في بحر الضلالة، وارتطم في مهاوي الجهالة، فاشتبه عليه دينه، والتبس عليه يقينه، وخرج من اليقين إلى الشك، ومن الإيمان إلى الشرك، ومن الحق إلى الباطل، فكان جزاؤه الوبال والخسران في الدنيا والآخرة.
وهذه الطائفة التي أمرنا الله باتباعها، ولزوم منهاجها هي الطائفة التي أُلّف هذا الكتاب الذي بين يديك من أجلها، ليتبين للجاهل أنها ملازمة للقرآن، ويتنبه الغافل عن مخالفته للرحمن، ويزداد صاحب الحق إلى يقينه يقيناً، وإلى إيمانه إيماناً.

(1/11)


الحاجة إلى علم التفسير
هذا ولما كان القرآن الكريم هو الحجة الكبرى، والنعمة العظمى، على جميع العباد، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد، وكان مرجعاً متفقاً على حجيته بين جميع الطوائف، الموافق منها والمخالف، وكان كل المسلمين مجمعين على لزوم متابعته، وحرمة مخالفته، وأن من ردّ آية من القرآن فقد كفر، مع اختلاف المذاهب والفرق، وتشتت الأهواء والطرق، سارع كثيرٌ من علماء الأمة إلى التأليف في علم التفسير، والتدوين في علوم القرآن، نظراً منهم إلى أن القرآن الكريم مشتمل على كثير من الأحكام، ففيه المحكم والمتشابه، وفيه الناسخ والمنسوخ، وفيه المجمل والمبين، وفيه المطلق والمقيد، وفيه العام والخاص، وفيه الأوامر والنواهي، إلى غير ذلك من الأحكام المختلفة، وكان فهم القرآن ومعرفة أحكامه لا يتم إلاَّ بإرجاع المتشابه إلى المحكم حتى لا يقع في القرآن التعارض والتناقض، ولا يتم أيضاً إلاَّ بمعرفة الناسخ والمنسوخ، وبعد تبيين المجمل وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وكان معرفة ذلك متوقف على معرفة علوم كثيرة نذكر بعضها على جهة الإختصار لأن المقام ليس مقام بسط للكلام عليها وإنما جر إليه البحث.
بعض العلوم التي نحتاج إليها في التفسير
فمن تلك العلوم التي نحتاج إليها في فهم التفسير ما يلي:
* أولاً: علم السنة

(1/12)


فإن السنة النبوية تأتي في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم في الحجية والمرجعية وتبيين الأحكام وغير ذلك، والسنة النبوية هي أحد الطرق المفسّرة للقرآن الكريم والمبينة لأحكامه، ولها دور مهم جداً أيضاً في تبيين المجمل، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، فكم من آية مجملة في القرآن مبيّنة في السنة، وموضع هذا البحث أصول الفقه.
* ثانياً : علم الأثر
فإن أقوال الصحابة والتابعين لها دور هام أيضاً في تبيين مقاصد القرآن الكريم لقرب عهدهم من رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم وحضورهم مشاهد نزول الآيات، وعرفوا أغراضها ومقاصدها عن قرب، خصوصاً أقوال أمير المؤمنين علي عليه السلام فإن قوله حجة، وهو بمنزلة الخبر الآحادي، وعلى ذلك إجماع أهل البيت عليهم السلام لأقوال الرسول صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم الدالة على ذلك، كقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، اللهم أدر الحق حيثما دار علي))، وفي رواية : ((لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة المتواترة.
* ثالثاً : علم أسباب النزول
فإن أسباب النزول لها أهمية بالغة في معرفة فهم القرآن ومقاصده، ولهذا اشترط كثير من علماء الأمة على من يُقْدم على علم التفسير بمعرفة أسباب النزول، بل جزم بعضهم بأنه لا يجوز الإقدام على التفسير لمن جهل أسباب النزول.

(1/13)


ولهذا فإن أمير المؤمنين علياً عليه السلام اعتنى بعلم أسباب النزول عناية بالغة، حيث كان يذكر متحدثاً بنعمة الله في الخطب والمجامع علمَه بأسباب النزول، ويجعل ذلك من الخصوصيات التي اختصه الله بها، فقد روي عنه صلوات الله وسلامه عليه – بطرق صحيحة – أنه قال : (والله ما نزلت آية في بر أو بحر أو سهل أو جبل أوليل أو نهار إلاَّ وأنا أعلم فيمن نزلت ؟ ومتى نزلت؟).
وروي عنه هذا بألفاظ مختلفة، وهذا يدل على أهمية علم التفسير بالنسبة لمعرفة تفسير القرآن.
* رابعاً: علم العربية
فإن القرآن الكريم نزل بلغة العرب معجزاً ومتحدياً للعرب، وبلغ منتهى الفصاحة والبلاغة والبيان في هذا الباب، فكان لعلم العربية والعلم بمقاصدها ومغازيها دورها في توضيح القرآن الكريم من ناحية معاني مفردات الكلمات، ومن ناحية التفسير، لتوقف فهم المعاني على معرفة اللغة العربية، وأيضاً فإن البلاغة تُعْتبر جزءاً من علم اللغة، ولها الأهمية البالغة في معرفة القرآن، كأوجه التشبيه، وكم في القرآن الكريم من آيات فيها الإستعارة والمجاز وغير ذلك من أبواب البلاغة.
إذا تمهّد هذا فإنا نلاحظ أن الباحثين في علم التفسير اعتنوا به اعتناء بالغاً، فمنهم من قام بالتأليف والتدوين في علم التفسير من جميع نواحيه وجوانبه جامعاً فيه بين أسباب النزول، والأوجه البلاغية في القرآن، والناحية الإعرابية، واستخراج الأحكام الشرعية من الآيات، وذكر أقوال المفسرين واختلافهم في الآيات ونسبة كل قول إلى قائله .

(1/14)


ومنهم من ركّز في علم التفسير على أسباب النزول إما عموماً في القرآن الكريم، وإما خصوصاً في مواضع معينة، ومنهم من ركّز في علم التفسير على ما ورد عن الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومنهم من ألف بخصوص الناسخ والمنسوخ من القرآن، ومنهم من ألّف بخصوص المواضيع الفقهية باحثاً فيه عن الأحكام الشرعية المستخرجة من آيات الأحكام، ومنهم من ألّف ودوَّن مُرَكزاً على الناحية الإعرابية والأوجه البلاغية، وغير ذلك من علوم التفسير المتنوعة.
هذا: ولما كان لعلم أسباب النزول الأهمية البالغة والحظ الوافر في اعتناء المفسرين فأكثر المؤلفات التي ألّفت كان موضوعها أسباب النزول، ولو تقصيناها وذكرناها لطال بنا البحث والمقام.
وقد اعتنى جماعة من المحدثين والحفاظ والعلماء والعاملين الأعلام بجمع الآيات النازلة في شأن أهل البيت عليهم السلام والإشادة بفضائلهم، والآيات النازلة في شأن أعداء أهل البيت عليهم السلام، وكانت الأسباب الدافعة للمؤلفين إلى تأليف هذه المؤلفات: هو تعريف الناس بفضائل من جعلهم الرسول صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم قرناء القرآن، وأقامهم مقامه على الخلافة في أمته من بعده، كما ذكر ذلك المؤلف رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه حيث يقول: "وكان صلوات الله عليه وعلى آله طول عمره يبشرهم بما يخلف فيهم من بعده مرَّة تصريحاً ومرة تلويحاً، وتارة بالإشارة وأخرى بالعبارة، ينص عليه ويأمر بالتمسك به والرجوع إليه، يذكر ذلك في خطبه ومقاماته، ووصاياه ومخاطباته، ثم أكّد ذلك عند انتقاله إلى رحمة ربه وكريم ثوابه" انتهى.

(1/15)


خصائص هذا الكتاب الذي بين يديك
وكان من التأليفات هذا المؤلف الجليل الذي بين يديك، الذي ألّفه وجمعه الحاكم الإمام المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، وكان لهذا المؤلف العظيم الأثر البالغ الكبير والموقع الخطير في تاريخ الفكر والتراث الإسلامي من عدة نواحي:
* أولاً: أنه يربط بين القرآن وبين أهل البيت عليهم السلام من خلال أنه يبين الآيات النازلة فيهم، ثم يؤكد صحة ذلك من خلال السنة النبوية على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام، وعلى ذلك دلّنا المؤلف رحمة الله عليه حيث يقول في المقدمة: "وألحقت بكل آية ما يؤيدها من الآثار".
* ثانياً: أنه جعل معتمده في التفسير السنة النبوية، فهو يفسر القرآن بالسنة، وهذا مما يؤكد لنا صحة تفسيره، لأنه من أقوى طرق التفسير الدالة على الصحة أن يُفسر القرآن بالسنة .
* ثالثاً: أن المؤلف رحمه الله قد بلغ في علوم السنة التي هي علوم الحديث مبلغاً عظيماً، يشهد لنا بصحة ذلك ما يرويه لنا من السنة المطهرة، إذْ قد بلغ أعلى مراتب الحفاظ، وألمّ بعلم الحديث إلماماً عظيماً، حيث أنه بلغ رتبة الحاكم، ورتبة الحاكم أعلى مراتب الحفاظ كما صرّح به المحدثون وأهل هذا الشأن، فعلى كل حال المؤلف رحمه الله أحاط بالسنة رواية ودراية، وتصحيحاً وتضعيفاً، وتأويلاً وجرحاً، وتعديلاً ورجالاً، وغير ذلك.
وهذا مما يؤكد صحة ما يرويه وسلامته من الضعف، بالإضافة إلاَّ أن ما يرويه موافق للقرآن غير معارض لآيات الفرقان، وهذا من أقوى علامات صحة الحديث.

(1/16)


* رابعاً: أن المؤلف رحمه الله يذكر أقوال المفسرين في الآية واختلافهم في سبب نزولها، ثم يضيف كل قول إلى قائله، وينسبه إلى صاحبه، ثم يرجّح القول الصحيح من تلك الأقوال، ثم يؤكّد صحة ترجيحه بالدليل إمَّا العقلي أو القرآني أو السنة أو الإجماع كما سنعرف ذلك من خلال كتابه، وقد يستنبط من بين الأقوال المختلفة قولاً يكون كل من المختلفين قائلون به ومجمعون على دخوله ضمن تلك الأقوال، وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف رحمه الله تبين إنصاف المؤلف وبحثه عن الحقيقة، وفيها إعانة أيضاً لطالب الحق على تسهيل طريقة البحث.
* خامساً: أن المؤلف رحمه الله تعالى بعد أن يذكر الآية وأنها نازلة في شأن أهل البيت عليهم السلام يذكر ما تدل عليه الآية من الفضيلة أو الإمامة أو وجوب الرجوع إليهم، أو وجوب سؤالهم، أو وجوب التسليم لحكمهم، أو وجوب اتباعهم، إلى غير ذلك من الأوجه التي حثّ عليها القرآن تجاه أهل البيت عليهم السلام، ثم بعد ذلك يذكر بعض الأدلة التاريخية التي تبين أن أهل البيت عليهم السلام يستحقون تلك الفضيلة، وأنهم مرادون بها ومعنيون بها، كما ستلاحظ ذلك من خلال الكتاب.

(1/17)


* سادساً: أن المؤلف رحمه الله تعالى ذكر مع فضائل أهل البيت عليهم السلام بعض مثالب أعدائهم، وبعض الآيات النازلة في أعدائهم، ليحصل للناظر بعين النصفة استحالة المساواة بين أهل البيت عليهم السلام وبين أعدائهم، وليقارن الناظر والمطلع بين مَنْ نزل القرآن مادحاً له ومثنياً عليه، وبين من نزل القرآن ذاماً له ومتجرماً عليه، وبين من أتى القرآن بفضائله، وبين من أتى بمثالبه، ويقارن أيضاً بين من يمشي حسب الأوامر القرآنية، وبين من يمشي مخالفاً ومتعدياً على حدود القرآن، وبين من يستحق أن يكون قريناً للقرآن، وبين من يستحق أن يكون عدواً لدوداً للقرآن، إلى غير ذلك من أوجه المقارنة .
* سابعاً: ما تمتّع به هذا المؤلف من دقة التعبير، وسهولة الألفاظ، وأسلوب الربط بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والقصص التاريخية والأدلة الواقعية التي ترغّب القارئ أو المطلع في المطالعة والقراءة بدون أي ملل أو تعب، وهذا يدل على اتساع البسطة العلمية لدى المؤلف مع استخدام الأسلوب الحسن، والتعبير الجزْل، والطرق المسببة في فهم مقاصد المؤلف من خلال إشارته المُفْهِمة من إثبات فضيلة، أو رد شبهة، أو تأكيد دلالة، أو غير ذلك مما يحتاج إليها المؤلف .
فهذه بعض الأوجه المرجّحة لهذا الكتاب والمرقية له إلى أعلى طبقات التأليف، والتي جعلت له الأثر البالغ في التاريخ الإسلامي والتراث الفكري .

(1/18)


دور الكتاب في بناء العقيدة
وأيضاً فإن لهذا الكتاب دور كبير وأثر بالغ وموقع خطير في تربية وبناء العقيدة الإسلامية الصحيحة السليمة الحقّة؛ من حيث أنه يجب اتباع القرآن، وقد علمْنا ارتباط أهل البيت عليهم السلام واقترانهم بالقرآن، فيجب اتباعهم كما يجب اتباع القرآن، لأنهم المترجمون للقرآن، والقائمون بأوامر القرآن، والواقفون عند حدود القرآن .
ويجب القبول عنهم كما يجب القبول عن القرآن، لأنهم المكملون للقرآن، والمجددون لشرائع القرآن .
ويجب الأخذ عنهم وسؤالهم كما أُمرنا بذلك القرآن، ويجب الرد إليهم عند الإختلاف، والتسليم لحكمهم، والعمل بقولهم، كما يجب الرد إلى القرآن وإلى الرسول، والتسليم لحكم القرآن والرسول صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم .
فكل ما يجب علينا للقرآن من التعظيم والتسليم وغير ذلك فهو يجب علينا تجاه قرناء القرآن والثقل الأصغر الذين هم أهل البيت عليهم السلام، فإذا أخذ الإنسان علْمه عنهم وقبل قولهم، دلّوه على الحق والصدق، وزجروه عن الضلال والهوى، وسلم المهالك والردى، كما قد أمّننا من ذلك جدهم المصطفى صلوات الله عليه وآله حيث يقول : ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة أوردى))، في أحاديث غير هذا كثيرة ستمر بك إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب.
فالكتاب هذا: يبين لنا هذه الطائفة مَنْ هي؟ وما هي فضائلها ؟ وما الواجب علينا تجاهها؟ وما حكم من خالفهم وعاداهم ؟ أو أخذ علمه وهداه من غيرهم ؟ أو سلك غير سبيلهم ؟

(1/19)


وفي الأخير لا يسعني إلاَّ أن أقدم النصحية الأخيرة للمطلع الكريم بأن يخلع عن نفسه قيود التعصب والتقليد، واتباع الأهواء والشهوات والأطماع، وينظر لنفسه فيما يخلّصها عند بارئها، ويقف موقف المنصف من نفسه، الباحث عن الحق، المتقبل للحق، ولو كان مع أقصى الخلق أو أدناهم، مهما وذلك موافق لأمر الله وإرادته ومشيئته، فكيف إذا كان الحق مع أشرف الخلق وأكرمهم في الجاهلية والإسلام، ويعد الإنتماء إليهم والإنتساب إليهم فخر وشرف وعز وفوز.
ــــــــــــــ
ترجمة المؤلف رحمة الله عليه
هو الإمام الحاكم شيخ الإسلام، الحافظ المحدث، المتكلم المفسر القارئ، النحوي اللغوي، أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي البروقني، علَم من أعلام الفكر الإسلامي، وإمام من أئمة الإسلام في شتى فنون العلم، متكلم مفسر أصولي.
قال في المستطاب للعلامة يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد: "الشيخ الإمام الحاكم أبو سعيد المحسن بن كرامة الجشمي البيهقي، كان مولده في شهر رمضان من سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وهو علامة عصره وفريد دهره في علم التفسير وعلم أهل العدل والتوحيد، وشهرته ظاهرة، وكتبه شاهدة له بالتبريز " انتهى.
قال صاحب طبقات الزيدية إبراهيم بن القاسم: "المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي، الشيخ الإمام الحاكم، أبو سعد الجشمي - وجشم بالجيم وشين معجمة قبيلة من خراسان، وبيهق أكبر قرى خراسان- كان حنفياً، وانتقل إلى مذهب الزيدية" انتهى.
وقال القاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال في مطلع البدور: "الشيخ العلامة أستاذ أستاذ العلامة الزمخشري، الحاكم أبو سعيد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، كان إماماً عالماً صادعاً بالحق" انتهى.

(1/20)


الذين أخذ عنهم وسمع عليهم الحاكم رحمه الله تعالى
قال صاحب طبقات :
"سمع أبا حامد أحمد بن محمد بن اسحاق النجار، وأبا الحسين أحمد بن علي بن أحمد قاضي الحرمين، وأبا يعلى الحسين بن محمد الترمذي، وأبا محمد قاضي القضاة عبدالله بن الحسن سمع عليه في شوال سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وأبا علي الحسن بن علي الوحشي الحافظ، وأبا الفضل الأمير عبدالله بن أحمد الميكالي، وأبا عبدالرحمن محمد بن عبدالعزيز النبلي، وأبا الحسن عبدالغفار بن محمد بن عبدالغفار الفارسي بنيسابور، وأبا الحسن إسماعيل بن صاعد، وأبا عبدالله محمد بن عميرة، وأبا أحمد بن عبدالله بن حامد الأصفهاني، وأبا القاسم محمد بن أحمد بن مهدي الحسني، قال: أخبرنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الحسني، وأبا حامد أحمد بن سهل الأنصاري .
وحدَّث عن الأستاذ أبي يوسف يعقوب بن أحمد، وقال أخبرنا الفقيه أبو سعد المفضل بن محمد الإسترباذي، وروى عن شيخه أبو علي محمد بن عبدالوهاب الجبائي، وروى عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين الحسني بالإجازة من غير واسطة، وغيرهم"، انتهى.
قلت: وقد صرّح بأكثرهم، وأنه أخذ عنهم؛ الحاكمُ رحمه الله تعالى في كتابه جلاء الأبصار في تأويل الأخبار وغيره.
وذكر القاضي في مطلع البدور في ترجمة أبي حامد النجار، قال: "ولما توفّاه الله قرأ الحاكم على الشيخ أبي الحسن علي بن عبدالله" .
قلت: هو النيسابوري، وروى عنه الحاكم في جلاء الأبصار.
تلامذة الحاكم رحمه الله
قال السيد الإمام في الطبقات:
"وتلامذته كثيرون، منهم: أحمد بن محمد بن اسحاق الخوارزمي، ومن العجيب إتفاق شيخ ابن كرامة، وتلميذه؛ في اسمه واسم أبيه وجده .

(1/21)


ومن تلامذته : علي بن زيد البروقني، وروى عنه ولده محمد، وكان سماعه عليه سنة اثنين وخمسين وأربعمائة، انتهى
مؤلفات الحاكم رحمه الله
أمَّا مؤلفاته رحمه الله فكثيرة وغزيرة، بلغت إلى نيف وأربعين كتاباً، وسنذكرها حسب ما ذكرها صاحب المستطاب، وصاحب مطلع البدور، وصاحب طبقات الزيدية.
1- التهذيب في تفسير القرآن في عدة مجلدات قال في المستطاب: تسعة مجلدات، وقد وفى فيه بجميع علوم التفسير من اللغة والإعراب والمقارئ والمعاني والنزول والأحكام.
قال في الطبقات: "اعتمده أئمة الزيدية المتأخرين، قلت: قيل : إن الكشاف مأخوذ منه بزيادة تعقيد"، انتهى.
2- السفينة الجامعة لأنواع العلوم.
قال في المستطاب : "جمعت بين الزهد والفقه والتاريخ للأئمة السابقين إلى عصره، وللأنبياء منذ آدم إلى نبينا محمد صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، لكنه في التاريخ بإختصار، وهو من أجلّ الكتب وهو أربعة مجلدات.
3- العيون، قال في المستطاب: "وهو الذي اخْتصرَ منه الإمام المهدي كتاب القلائد".
4- شرح عيوان المسائل، (علم الكلام)، المستطاب – مطلع البدور- الطبقات.
5- كتاب تنزيه الأنبياء والأئمة، المستطاب – مطلع البدور- الطبقات.
6- كتاب تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين، وهو الذي بين يديك.
7- كتاب التأثير والمؤثر (أصول الدين)، المستطاب – مطلع البدور- الطبقات.
8- الإمامة على مذهب الزيدية، المستطاب – مطلع البدور- الطبقات.
9- الرسالة الغراء .
10- كتاب المنتخب في فقه الهدوية، المستطاب – الطبقات – والمطلع.
11- الأسماء والصفات، المستطاب – مطلع البدور- الطبقات.
12- الرسالة الباهرة في الفرقة الخاسرة - يعني الباطنية - المستطاب.
13- الحقائق والدقائق، المستطاب – المطلع-الطبقات.

(1/22)


14- الإنتصار لسادات المهاجرين والأنصار، المستطاب- المطلع-الطبقات.
15- كتاب ترغيب المبتدي.
16- كتاب تذكرة المنتهي.
17- جلاء الأبصار في تأويل الأخبار، لوامع الأنوار- المستطاب.
18- الشروط والمحاضرة، المستطاب- المطلع-الطبقات.
19- نصيحة العامة، المستطاب- المطلع-الطبقات.
20- رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس، وتسمى (رسالة أبي مرة إلى إخوانه المجبرة) مطبوع.
21- التفسير المبسوط بالفارسية ، المستطاب- المطلع-الطبقات.
22- التفسير الموجز بالفارسية، المستطاب- المطلع-الطبقات.
23- كتاب العقل، المستطاب- المطلع-الطبقات.
24- كتاب تحكيم العقول في الأصول، المستطاب- المطلع-الطبقات.
توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف
لا يتطرق الشك في نسبة كتاب تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين إلى مؤلّفه الحاكم الجشمي رحمة الله عليه، ولكن للتأكيد لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ وللتبرّك بذكر الأئمة الأعلام والشيعة الكرام نذكرُ السند إلى كتاب تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، فأقول:

(1/23)


يروي المفتقر إلى الله عز وجل إبراهيم بن يحيى الدرسي الحمزي جميع مؤلفات الحاكم الجشمي التي منها تنبيه الغافلين عن الإمام الحجة الحافظ/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله تعالى، بالإجازة العامة، وهو حفظه الله تعالى يرويها بأسانيده المذكورة في الجامعة المهمة ولوامع الأنوار، ونذكر منها على طريقة الإختصار للتأكيد طريقةً واحدة، عن والده عالم آل محمد وعابدهم العلامة الولي محمد بن منصور المؤيدي رحمة الله عليه، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي عليه السلام، عن السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، عن السيد العلامة محمد بن عبدالرب بن محمد بن زيد بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد، عن عمه إسماعيل بن محمد، عن أبيه محمد بن زيد، عن أبيه زيد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عليهم السلام، عن مشائخه العلماء الأعلام: أمير الدين بن عبدالله المطهري الهدوي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي الجحافي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، وثلاثتُهم يروون عن شيخهم السيد العلامة أحمد بن عبدالله بن أحمد بن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين يحيى بن شمس الدين بن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام عالم العترة أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً، عن الفقيه العلامة نجم الدين يوسف بن أحمد بن عثمان صاحب الثمرات، عن القاضي العلامة شرف الدين الحسن بن محمد النحوي، عن الفقيه العلامة عماد الدين يحيى بن الحسن

(1/24)


البُحيبح، عن الفقيه العلامة محمد بن سليمان بن أبي الرجال، عن القاضي العلامة عبدالله بن علي الأكوع، عن أبيه الشيخ العلامة بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع رضي الله عنهم، عن الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن شيخه عمرو بن جميل النهدي، عن شيخه السيد الإمام علم الأعلام يحيى بن إسماعيل، عن عمه السيد الإمام الحسن بن علي الجويني، عن المؤلف الإمام الحاكم الجُشمي المحسن بن محمد بن كرامة، رحمة الله عليهم.
وهناك طُرق غير هذه الطريق، استكملها الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في الجامعة المهمة ولوامع الأنوار.
عقيدته ومذهبه
عاش الحاكم رحمة الله عليه ذابّاً ومدافعاً بلسانه وقلمه عن مذهب العدل والتوحيد، فهو يعتبر من أئمة العدل والتوحيد، وكتبه شاهدة وناطقة بذلك، حتى قُتل شهيداً رحمة الله عليه.
وكان من المعتزلة حتى آخر عمره، وألّف كتاب العيون وشرحه وهو معتزلي كما قال الإمام الحجة الحافظ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله في لوامع الأنوار ج2ص12:
"ألّفه حال اعتزاله، وجعل فيه أئمة آل محمد عليهم السلام أئمة للمعتزلة أولهم الوصي وآخرهم الإمامان المؤيد بالله وأبو طالب، وهو كتاب عظيم النفع في بابه، أخذ منه الإمام الحجة المنصور بالله في الشافي كثيراً في ذكر الأئمة عليهم السلام وتعداد الفرق"، انتهى.
ثم رجع إلى مذهب الزيدية أصولاً وفروعاً، وكان في الفروع حنفي المذهب.
قال في الطبقات : "كان حنفياً وانتقل إلى مذهب الزيدية".

(1/25)


وقال في المستطاب: "وكان حنفي المذهب عدلي الإعتقاد، ثم إنه رجع إلى مذهب الزيدية الشيعة، قال : روى ذلك عن صاحب التمهيد، وكذا رواه محمد بن أحمد القرشي" انتهى.
وقال في مطلع البدور : "وكان حنفياً وانتقل إلى مذهب الزيدية رضي الله عنهم"، انتهى.
وقال الإمام الحجة الحافظ/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي في التحف شرح الزلف 236: "وكان معتزلياً؛ ثم رجع إلى مذهب آل محمد" انتهى.
ومن قرأ كتاب جلاء الأبصار والتنزيه علم أن المؤلف رحمه الله عاش باحثاً عن الحق، وأن الكتابين كانا بداية رجوعه إلى مذهب الزيدية.
أمَّا هذا الكتاب الذي هو (تنبيه الغافلين) الذي بين يديك فهو دليل قاطع لا شك فيه على رجوعه إلى مذهب الزيدية في الإمامة "التي هي مدار أكثر الخلاف بين الزيدية والمعتزلة من العدلية" وهذا بين واضح لمن عرف مقاصده وإشاراته، فهو يقول في مقدمته لهذا الكتاب:
"وبيّنت في كل آية ما تتضمن من الدلالة على الفضيلة والإمامة"، ثم نراه يقول في كلام آخر في بداية الكتاب بعد أن ساق بعض الآيات القرآنية الدالة على فضل أهل البيت على طريق الجملة؛ قال :
"ثم أمر ربُّنا رسوله بأن ينوِّه بذكره ويدل على فضله بقوله وفعله، وينبه لأمته على أنه المرشح لخلافته، والمنصوص على إمامته، وأن الإمامة بعده في ذريته"، وغير ذلك من كلامه الدَّال على رجوعه إلى مذهب الزيدية، وأن أمير المؤمنين عليه السلام الخليفة والإمام بعد رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، وأنه أفضل الخلق بعد رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، وأنه معصوم، وأن الإمامة محصورة في ذريته من بعده، وهذا واضح لمن لم يُعم التعصب قلبه، ويملك الهوى لبه.

(1/26)


فقطع الحاكم الجشمي حياته في الدفاع عن العدل والتوحيد المجمع عليه من قبل الفرق العدلية، والبحث عن أيّ فرق العدلية هي المحقّة، حتى توّصل إلى معرفة الحق، وهذا مما يؤكد ويبين أن مذهب الزيدية هو مذهب الحق، لأن الحاكم رحمه الله مع سعة علمه وفضله لم يطمئن حتى وفقه الله بالرجوع إلى الحق في آخر عمره، ودان بمذهب الزيدية أصولاً وفروعاً.
ــــــــــــــ
مقتله رحمة الله عليه
كان الحاكم رحمه الله كما ذكرنا مدافعاً عن العدل والتوحيد حتى سقط شهيداً في سبيل الدفاع عنه، وذلك كما وري أنه كان السبب في قتلة تأليفه لكتاب (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس)، وهي الرد على المجبرة .
فقتله المجبرة بسبب هذه الرسالة في مكة المكرمة .
وقيل : إن أخواله ممن اتهموا بقتله مع جماعة من المجبرة، وكان قتله غيلة سنة أربع وتسعين وأربعمائة على أيدي أعداء العدل والتوحيد، وأعداء آل محمد الكرام عليهم الصلاة والسلام، وكان عمره رحمة الله عليه يوم قتل إحدى وستون عاماً، عليه رحمة الله ورضوانه.
ـــــــــــــــــ
وختاماً نسأل الله العلي القدير أن يجعل لأعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يجعله من الأعمال المقبولة، والحسنات المذخورة، وأن يرزقنا حب محمد وآله، وأن يلحقنا بهم صالحين، وأن يجعلنا من خيار مواليهم التابعين، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
إبراهيم يحيى الدرسي
مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية
اليمن - صعدة، ت(511816)، ص ب(91064)

(1/27)


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة
أخبرنا الشيخ الفقيه الأجل الزاهد شعله أحمد بن محمد بن قاسم الأكوع(1) الحوالي الحميري في العشر الأولى من شهر رجب الفرد سنة أربعه وأربعين وستمائة كتابة وأجازة.
قال: أخبرنا الفقيه الأجل الحافظ تاج الدين(2)
__________
(1) قال في الطبقات: أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن عبدالله بن زيد، وساق النسب إلى قوله: الحميري المعروف بالأكوع، والمشهور بشعلة، قرأ في كتب الأئمة وشيعتهم على شيخه محيي الدين أحمد بن الوليد العنسي ما بين السماع وإجازة ومناولة، حققه السيد محمد بن الهادي بن تاج الدين وغيره، وكان سماعه على شيخه المذكور سنة أربع عشرة وستمائة.
قال الدريقي: ويروي جميع ذلك عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة مناولة مع مؤلفات الإمام عليه السلام ومسموعاته ومستجازاته...إلى قوله: كان شعلة الأكوع شجاعاً، عالماً، محدثاً، فاضلاً، حافظاً، من حفاظ الشريعة، ومسند كتب الأئمة والشيعة وغيرها من كتب الحديث، وغير ذلك من الكتب الوسيعة، انتهى.
توفي بحوث، وقبره بموضع يسمى المخابيز بميم ثم خاء معجمة ثم ألف ثم باء موحدة ثم ياء ثم راء معجمة، معروف، ولعل موته في عشر الأربعين وستمائة تقريباً.
(2) عطية بن محمد بن حمزة بن أبي النجم، القاضي العلامة ركن الدين، قرأ على أبيه، وأخذ عنه عبدالله بن محمد بن حمزة مؤلف الأسانيد اليحيوية، انتهى من الطبقات.
قال في مطلع البدور: هو أحد أعلام العلماء الأكابر، كان فاضلاً، محققاً، سابقاً إلى الخير، مرجوعاً إليه، كما دأبت السعادة له ولأهل بيته الكريم، تولى القضاء بحَلْي بن يعقوب من أعمال تهامة عن أمر الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام، وكان أحد العلماء الحاضرين بيعة الإمام أحمد بن الحسين عليهما السلام، انتهى.

(1/28)


، عطية بن محمد بن أبي النجم، وأخبرنا القاضي الأجل تقي الدين أبو محمد(1) عبدالله بن محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم قاضي صعدة بصعدة حرسها الله بالمشاهد المقدسة في شهر جمادى الأولى من شهور سنة أربع وأربعين وستمائة، وقد كان أخبرنا قبل ذلك مراراً، قال: أخبرنا الفقيه العالم تاج الدين(2)
__________
(1) عبدالله بن محمد بن عبدالله بن حمزة بن إبراهيم بن حمزة، المعروف بابن أبي النجم، قال في مطلع البدور: كان عبدالله عالماً، فاضلاً، مرجوعاً إليه، مقدماً في كل شيء، له أخلاق العباد والعلماء في مظهر الملوك وإفاداتهم، وهكذا الغالب على أهل هذا البيت، ولي القضاء بعد أبيه بجهة صعدة، وكتب له الإمام المنصور بالله عهداً بليغاً، ثم استمر على ذلك إلى زمان الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين، وكتب له عهداً أبلغ من العهد المنصوري، وكان مؤئلاً للبلاد والعباد رضي الله عنه، توفي في نصف شهر ربيع المعظم سنة سبع وأربعين وستمائة، انتهى.
(2) زيد بن أحمد بن الحسن البيهقي، ويسمى أيضاً أحمد بن أحمد، فله إسمان كما ذكر ذلك في الطبقات ومطلع البدور، القادم من حوث سنة عشر وستمائة في أيام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام.
كان إماماً كبيراً، رحالاً، مقدماً، كبيراً، أثنى عليه العلماء، ووصفه شعلة بالحفظ، قال شعلة: كان حافظاً، واستجاز منه علماء وقته.

(1/29)


زيد بن أحمد البيهقي البروقاني عن السيد يحيى بن إسماعيل(1) رحمه الله عن عمه الحسين(2)
__________
(1) يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، العلوي، النيسابوري، كذا ذكر النسب في الطبقات، وقال: يروي عن عمه الحسن بن علي بن أحمد الجويني كثيراً من كتب الأئمة وغيرهم...إلى قوله: وعمه أسند كل كتاب إلى مؤلفه، وأخذ عنه عمرو بن جميل النهدي شيخ الإمام عبدالله بن حمزة، وأحمد بن زيد بن علي الحاجي.
إلى قوله: قال تلميذه عمرو ما لفظه: هو السيد الإمام مفخر الأنام الصدر الكبير، العالم العامل، مجد الملة والدين، وافتخار آل طه وياسين، ملك الطالبيين، شيخ آل الرسول، أستاذ الطوائف، الموافق منهم والمخالف، قبلة العرف، تاج الشرف، انتهى.
وذكره في مطلع البدور عند ترجمة عمرو بن جميل النهدي ، وقال : هو الذي بلغ دعوة الإمام المنصور بالله عليه السلام إلى ملك خوارزم علاء الدين وأجازه علاء الدين جائزة سنية عظيمة القدر وأجل رتبته لرفعته في نفسه فإنه من أعيان آل محمد وكبراء العلماء ، انتهى .
(2) الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن الأفطس بن الحسين بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الحسيني، الهاشمي، العلوي، المعروف بالجويني، السيد بدر الدين، كذا في الطبقات، وقال فيها: كان السيد إماماً، حافظاً من حفاظ العترة وبدور الإسلام المشرقة، وقال المنصور بالله: كان إماماً، زاهداً، انتهى.
بن علي بن أحمد الجويني، عن مصنفة الحاكم الإمام شيخ الإسلام أبي سعد المحسن بن محمد قال:

(1/30)


[مقدمة المؤلف]
الحمد لله رب العالمين، ورزاق الخلق أجمعين، وخالق السماوات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي هدانا للدين، ووفقنا لاتباع الحجة إلى الحق المستبين، وأنقذنا من حيرة المقلدين، وضلال المضلين، وعصمنا عن غلو الغالين، وتقصير المقصرين، وصلواته على خير خلقه سيدنا محمد خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق عباده للرحمة، وكلفهم بالعبادة تعريضاً للثواب والجنة، وأزاح عللهم بالآلة والقدرة ، وَنَصَبَ الأدلَة، وبعثَ الأنبياء لبيان الملة، ولما علم أن صلاح الخلق في شريعة واحدة، وملة شاملة إلى وقت انقطاع الدنيا، وإقبال الدار الأخرى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خير البرية، وختم به النبوة، وأنزل معه كتاباً عزيزاً، قرآناً عربياً أتم بهما نعمته، وأكمل حجته، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، فقام بأمر الله مبيناً أحكام الله فلم يدع شيئاً مما أمر به إلا بينه، ولم يكتف بذلك حتى كرره وأعلنه، وأشهد عليه من حضر من شيعته، وأمرهم بالبلاغ إلى من يأتي بعده من أمته، فصلوات الله عليه وعلى آله وعترته، وكان صلوات الله عليه وعلى آله طول عمره يبشرهم بما يخلف فيهم من بعده مرة تصريحاً، ومرة تلويحاً، وتارة بالإشارة، واخرى بالعبارة، ينص عليه، ويأمر بالتمسك به والرجوع إليه، يذكر ذلك في خطبه ومقاماته، ووصاياه ومخاطباته، ثم أكد ذلك عند انتقاله إلى رحمة ربه، وكريم ثوابه .

(1/31)


فمرة ذكر في خطبة الوداع حين نعا إليهم نفسه، وأعلمهم ارتحاله .
وأخرى في مرض موته حين تيقن انتقاله، فخرج يُهْدى بين اثنين، وأمرهم بالتمسك بالثقلين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
هذا غير ما أشار إلى أمير المؤمنين آخذاً بيده، مشيراً إليه بعينه، مبيناً حاله بغاية الإجلال والإعظام، مميزاً له بين الخاص والعام.
فمرة يقول: ((تمسكوا به فإنه مع الحق والحق معه)).
وتارة يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، ويقول: ((علي مني وأنا منه))...إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وكما نص هو على فضله خاصة، وفضل أهل بيته عامة، فقد نطق القرآن بمفاخرهم، ونزلت الآيات في مآثرهم.
وقد جمعت في كتابي هذا ما نزلت فيهم من الآيات مما ذكرها أهل التفسير، وأوضحت بالروايات الصحيحة، وألحقت بكل آية ما يؤيدها من الآثار، بحذف الأسانيد طلباً للتخفيف وإيثاراً للإيجاز، وبينت في كل آية ما تتضمن من الدلالة على الفضيلة والإمامة، من غير تطويل، ليكون تذكرة للمهتدي، وتنبيهاً للمبتدي، وليكون ذخيرة ليوم الحشر، رجاء أن أحشر في زمرتهم، وأعد من جملة شيعتهم، وسميته: تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين.
وقبل الشروع فيما قصدنا، والأخذ فيما رتبنا، قدمنا فصلاً يدل على فضل العترة على طريق الجملة، ومن الله التوفيق والعصمة، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(1/32)


فصل في ذكر ما يشهد بفضل أهل البيت عليهم السلام على طريق الجملة
المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ما أنزل الله تعالى في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم في غير آية، وما ذكر علياً عليه السلام إلا بخير))، ولا شبهة أن كل ماورد في القرآن من آية تتضمن مدحاً وتعظيماً وإكراماً وتشريفاً أن أمير المؤمنين معني بها، داخل فيها، ولا وعد برحمة في العقبى، ولا نصرة في الدنيا إلا وهو مراد بها نحو قوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3]، و{الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} [البقرة:177]، و{الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، و{الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} [آل عمران:17]، و{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد:7]، و{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}، و{السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة:100]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا} [النور:55، المائدة:9]، و{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الإنفطار:13]، ونحو ذلك مما يطول ذكرها، ثم أمر ربنا رسوله بأن ينوه بذكره، ويدل على فضله بقوله وفعله، وينبه لأمته على أنه المرشح لخلافته، والمنصوص على إمامته، وأن الإمامة بعده في ذريته، وأكَّد الأمر فقال سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ...الآية [المائدة:67]، ولما علم ما في قلوب أقوام من الضغائن من أمته آمنه من مكرهم، فقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فامتثل أمر ربه صلى الله عليه وآله وسلم، وبين بقوله وفعله، وميزه من أمته.

(1/33)


أما القول فكثير: منها: ماقاله يوم الغدير، بأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة، ومنها: ماجعله منه كهارون من موسى، ومنها: مارواه حذيفة أنه قال في علي عليه السلام : إنه خير البشر، ومنها: مارواه عمار، وأبو ذر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((ياعلي من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني)) وكقوله: ((علي مني وأنا منه)) وكقوله: ((أوحى الله إليَّ في علي أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))...إلى غير ذلك مما يطول تقصيه.
وأما الفعل فإنه لم يول عليه أحداً قط، وما بعثه في جيش ولا سرية إلا أمره عليهم، وأمرهم بطاعته، وحذرهم عن مخالفته، وكان صاحب لوائه في غزواته حتى سأله جابر بن سمرة يارسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها علي بن أبي طالب)) وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه، وقال: ((لايبلغها عني إلا أنا أو رجل مني)) وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه دون غيره من أمته، وآخى بينه وبين نفسه لما آخى بين أصحابه، وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة)) وزوجه ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين، مع كثرة خطابها من سادات العرب، وقال لها: زوجتك أعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً.

(1/34)


ولم ينقم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله وفعله، بل أنكر على من شكاه معرضاً عنه قائلاً له: ((مالكم ولعلي علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة)) ولما تم أمر ربه، وأكد أمره نزل قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} بما خلفه من الكتاب والعترة، هذا سوى ماكان منه إليه من صغره إلى كبره، فإنه عند ولادته غسله وسماه، وفي حجره المبارك رباه، ولما بعث كان أول من أجابه، وصلى معه، وكان كشاف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذاباً عن الدين ابتغاء رضاء الله، وكان مجمعاً لكل الخصال من العلم، والزهد، والشجاعة، والسخاوة، وماكان عليه من أخلاقه المعروفة، وفضائله المشهورة، فصلوات الله عليه وعلى آله.
ـــــــــــــــــــــــ

(1/35)


سورة البقرة
[الآية الأولى]: قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:14]، روى أبو صالح(1)، عن ابن عباس(2)
__________
(1) أبو صالح: واسمه باذام بمعجمة بين الألفين، مولى أم هاني، ذكره في الطبقات، وقال: أبو صالح يروي عن مولاته، وعلي عليه السلام، وابن عباس، وعنه: سماك بن حرب، وعاصم بن فهدله، والثوري، ومحمد بن السائب الكلبي، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بثقة، قال في الميزان: تركه ابن مهدي وقواه غيره، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وانتصف له يحيى بن القطان، وقال: لم أر أحداً من أصحابنا تركه، وما سمعنا أحد يقول فيه شيئاً، انتهى.
(2) عبدالله بن العباس بن عبد المطلب، القرشي، الهاشمي، حبر الأمة، وترجمان القرآن، ولد عام الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين، وحنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريقه، ودعا له، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن اثنا عشرة سنة، ويسمى البحر لسعة علمه، وهو أحد الأربعة العبادلة، وأحد الستة المكثرين من الرواية، وله ألف وستمائة وستين حديثاً عند الجوزي، وكان عمر يرجع إليه مع حداثة سنه، واستعمله علي عليه السلام على البصرة ففارقها، قبل قتل علي عليه السلام، ورجع الحجاز، وتوفي بالطائف سنة سبعين، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، هكذا ذكر تاريخ وفاته في الطبقات، والصحيح أنه توفي سنة ثمان وستين لكي يتوافق مع تاريخ الولادة، بعد أن كف بصره، وسبب ذلك: كثرة بكائه على أمير المؤمنين عليه السلام، وصلى عليه محمد بن الحنفية، وقبره بالطائف مشهور مزور، انتهى من الطبقات مع زيادة.
قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم، قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث، قلت: أعلم الناس، انتهى. وكم له من موقف في الدفاع عن علي عليه السلام، وأهل البيت عليهم السلام عند معاوية وأمثاله من النواصب.

(1/36)


أنها نزلت في عبدالله بن أُبَيّ الخزرجي وأصحابه خرجوا فاستقبلهم نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لأصحابه: انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء، فسلم عليهم ورحب بهم، ثم أخذ بيد علي، وقال: مرحباً يابن عم رسول الله، وسيد بني هاشم خلا رسول الله، فقال علي: ياعبدالله اتق الله ولا تنافق، فإن المنافق شر خلق الله، فقال: مهلاً ياأبا الحسن ألي تقول هذا، والله إن إيماننا كإيمانكم، ثم تفرقوا، فقال عبدالله بن أُبَي لأصحابه: كيف رأيتم مافعلت، فأثنوا عليه خيراً، وقالوا: لانزال بخير ما عشت، ورجع أمير المؤمنين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونزلت هذه الآيات.
فتدل على أشياء: منها: شهادة الله لأمير المؤمنين بالإيمان ظاهراً وباطناً، فتدل على عصمته.
ومنها: ماكان منه من قطع موالاة المنافقين وإظهار عداوتهم، والدعاء إلى الدين.
ومنها: إجابة الله عنه بما قيل فيه .
والمراد بالشياطين روءساء الكفار، ومعنى قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة:15] .
قيل: يجازيهم على استهزائهم كقوله: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} .
وقيل: يعاملهم معاملة المستهزئين بإظهار ما يظنونه من قبل ما أتوا به، ثم يلحقهم من عذاب الله.

(1/37)


وقد روى جماعة أنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق))، وعن حذيفة(1)، وأبي سعيد الخدري(2): ((كنا نعرف المنافقين ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام)).
__________
(1) حذيفة بن اليمان العنسي، أبو عبدالله الكوفي، صحابي جليل، من السابقين الأولين، ومن خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، أعلمه رسول الله بما كان وما يكون من الفتن، وأعلمه بالمنافقين، توفي سنة ست وثلاثين قيل: بعد عثمان بأربعين ليلة.
(2) أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، كان من مشهوري الصحابة، وفضلائهم المكثرين في الرواية، وكان فقيهاً، نبيلاً، جليلاً، غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، واستصغر يوم أحد فرُد، وكان ملازماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن فقهاء الصحابة، ولم يكن في أحداث الصحابة أفقه منه، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأنصاره، شهد معه حرب الخوارج، وروى ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذم الخوارج والأمر بقتالهم وأنهم شر الخلق والخليقة، وتوفي رحمة الله عليه بالمدينة سنة أربع وسبعين، وله أربع وتسعون سنة.

(1/38)


[الآية الثانية]: قوله تعالى: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، روى السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين(1)
__________
(1) الإمام أبو طالب، هو: يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهو أخو الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، من أئمة الجيل والديلم، دعا إلى الله تعالى بعد وفاة أخيه المؤيد بالله سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: أجابه الفضلاء، والعلماء بسهول البلاد الجيلية والديلمية وجبالها، وانتشرت بيعته في الآفاق، وكان تلو أخيه (ع) في الفضل والشرف والعلم والشجاعة والزهد والورع والسخاء، وحسن السيرة والسياسة، ونشر العدل، ولم يبق من فنون العلم فن إلا طار في أرجائه، وسبح في أثنائه، انتهى.
وله تصانيف جمة في الأصول والفروع، فمن مؤلفاته: المجزي في أصول الفقه مجلدان، وهو من الأمهات، وكتاب جامع الأدلة في أصول الفقه أيضاً، وكتاب التحرير وشرحه إثنا عشر مجلداً، وكتاب مبادئ الأدلة في علم الكلام، وكتاب الدعامة، وكتاب الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، والأمالي المسمى تيسير المطالب في أمالي السيد أبي طالب، وتوفي عليه السلام سنة أربع وعشرين وأربعمائة، عن نيف وثمانين سنة..انتهى.
انظر الشافي الجزء الأول 334، التحف شرح الزلف 212، مآثر الأبرار للزحيف (خ)، الحدائق الوردية (خ)، اللآلي المضيئة (خ).

(1/39)


أجزل الله ثوابه بإسناده عن جويبر(1)، عن الضحاك(2)، عن ابن عباس، قال: لما أمر الله تعالى آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه إلى السماء، فرأى خمسة أشباح عن يمين العرش، فقال: إلاهي هل خلقت خلقاً قبلي؟ فأوحى الله إليه: أما تنظر إلى هذه الأشباح عن يمين العرش؟ قال: بلى، قال الله تعالى: هؤلاء الصفوة من نوري اشتققت أسماؤهم من اسمي، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين، فقال آدم عليه السلام : فبحقهم اغفر لي، فأوحى الله تعالى إليه قد غفرت لك، وهي الكلمات التي قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} .
وقد قيل في الكلمات أقوال جمة :
أولاً: أن ذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} .
فأما قوله: فرأى أشباحاً يحتمل أنه رأى صوراً، ويحتمل أنه رأى أسماءهم، فإن حملناه على الأشباح فيحتمل أنه جعل تلك الأجزاء في ظهر آدم ثم خلق منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته
__________
(1) جويبر ـ تصغير جابر ـ بن سعيد الأزدي، البلخي، وقيل: اسمه جابر عن علي وأنس والضحاك بن صبيح، وعنه الثوري، وحماد بن زيد، ومحمد بن فضيل، وعبد الرحيم الرازي، وعمرو بن جميع، وأبو مالك، وحسن بن صالح، انتهى من الطبقات، توفي بعد الأربعين والمائة، خرج له أبي أمامة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
(2) الضحاك بن مزاحم، أبو القاسم، ويقال: محمد الهلالي الخراساني، قال في الطبقات: الضحاك أينما ورد في كتب أئمتنا مطلق عن ابن عباس، وعنه جويبر، فهو ابن مزاحم، انتهى.
توفي سنة خمس ومائة، انتهى من الخلاصة.

(1/40)


وقوله الفاطر هكذا روى لنا، وفاطم أولى، وروي في بعض الأخبار [أنها سميت فاطمة لأن الله فطم محبيها من النار].
وأما غفران آدم، فليس هناك كبيرة فمعناه يتفضيل عليه حتى تمم مانقص تلك الصغيرة من ثوابه، وقد بينا ذلك في تنزيه الأنبياء.
[الآية الثالثة]: قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]، المروي عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب لما بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرج إلى الغار، وروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي بخٍ بخٍ من مثلك يابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة، فنزلت الآية بين مكة والمدينة عن السدي.
ومعنى يشري: باع، وليس ثم بيع غير أنه قد بذل مهجته في طاعة ربه، وسعى في جميع عمره في مرضاته.
[فداء علي عليه السلام لرسول الله في صغره وكبره]
وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن الحسين بن علي عليهما السلام، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه وعرف مكانه تركه أبو طالب حتى إذا نامت العيون جاء إليه، وأنهضه من فراشه، وأضجع علياً مكانه، فقال يوماً علي: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة، فقال أبو طالب:
اصطبر ياعلي فالصبر أحجى .... كل حيٍ مصيره لشعوبِ
قد بلوناك والبلاء شديد .... لفداء النبي وابن النجيبِ
لفداء الأغر ذي النسب الثاقب .... ذي الباع والرضي الحسيبِ
إن تصبك المنون عنه فأحرى .... فمصيب منها وغير مصيبِ
كل حيٍ وإن تملأ عيشاً .... آخذٌ من سهامها بنصيبِ

(1/41)


قال السيد الإمام: والأحاديث التي سمعها الحسن من النبي مجموعة قد جمعها أصحاب الحديث، وهي غزيرة، وهذا الحديث منها، وفي مبيته على فراش رسول الله يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
وقيت بنفسي خير من طيء الحصى .... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول آلهٍ خاف أن يمكروا به .... فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمناً .... مُوَّقاً وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم وما يثبتونني .... وقد وطنت نفسي على القتل والأسر
ثم هاجر وحده فدميت أصابعه، فاستقبله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعانقه، ودعا له في حديث طويل، وكان حديث أبي طالب على مامر بهم في حصار الشعب، وحوصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين، وكانت قصة الصحيفة.
[الآية الرابعة]: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274]، المروي عن ابن عباس أيضاً أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان معه أربعة دراهم فأنفقها على هذه الصفة بالليل والنهار سراً وعلانية(1)، فنزلت الآية.
__________
(1) رواه الواحدي في أسباب النزول ص64، عن مجاهد، ورواه في الصواعق المحرقة ص78، ورواه الرازي في تفسيره الكبير، ورواه المحب الطبري في الرياض ج2 ص206، ورواه الهيثمي ج6 ص324، وقال: رواه الطبراني، ورواه أيضاً الزمخشري في الكشاف، ورواه السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن عساكر من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس.

(1/42)


وروي عن ابن عباس أيضاً لما نزل قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}...الآية [البقرة:273]، بعث عبد الرحمن بن عوف(1) بدنانير إلى أصحاب الصُّفَّة، وبعث علي عليه السلام بوسق من تمر فكان أحب الصدقتين إلى الله تعالى صدقة علي، ونزلت الآية فيهما فصدقة النهار صدقة عبد الرحمن، وصدقة الليل صدقة علي.
سورة آل عمران
[الآية الخامسة]: قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، قيل: الراسخون في العلم علي بن أبي طالب عليه السلام .
ويؤيد ذلك ماروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها(2)
__________
(1) عبد الرحمن بن عوف بن عبد غوث أبو محمد القرشي الزهري ، أسلم قديماً ، شهد بدراً وما بعدها وهو أحد أركان سقيفة بني ساعدة وأحد الذين نازعوا الأمر أهله ، توفي سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثلاثين للهجرة قبل قتل عثمان بستة أشهر وعمره خمس وسبعون سنة ، ودفن بالبقيع.
(2) قال في تخريج الشافي للمولى العلامة نجم العترة، الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله تعالى:
[أخرجه الحاكم، والخطيب، وابن عدي، والعقيلي، وعبد الوهاب الكلابي عن ابن عباس كلهم، ورواه عبد الوهاب بطريق أخرى عن ابن عباس بلفظ: فمن أراد العلم فليأته من بابه، وصححه الحاكم، وابن جرير الطبري عن ابن عباس، وأخرجه الحاكم عن جابر، وأخرج نحوه الكنجي عن جابر، والطبراني عن ابن عباس بلفظ: ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، وأخرجه الكنجي عن علي، انتهى من التخريج].

(1/43)


)) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أقضاكم علي)) وعن عمر: لولا علي لهلك عمر، وعنه: لاأبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن.
وروى ابن يزداد بإسناده عن أبي الدرداء(1) قال: العلماء ثلاثة رجل بالشام يعني نفسه، ورجل بالكوفة يعني ابن مسعود(2)، ورجل بالمدينة يعني علياً عليه السلام، فالذي بالشام يسأل الذي بالكوفة، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لايسأل أحداً.
__________
(1) أبو الدرداء: عويمر بن مالك، وقيل: عامر الأنصاري، الخزرجي، أسلم عقيب بدر، وكان من عباد الصحابة، ومتألهيهم، وهو من الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان عمر يفرض له في البدريين لجلالته، وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد وما بعدها، ولاه عمر دمشق، وهو أول قاضٍ بها، وكان من فقهاء الصحابة، توفي في آخر خلافة عثمان بالشام سنة إثنتين وثلاثين.
(2) عبدالله بن مسعود بن غافل بمعجمتين بينهما ألف، أبو عبد الرحمن الهذلي نسباً، الزهري حلفاً، الكوفي، كان من أهل السوابق، وهاجر قديماً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من الجبال في العلم، وعلى قامة القاعد في الجسم، وهو القائل: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب، وهو القائل: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب، وكان من شيعة أمير المؤمنين ومحبيه، وممن يفضله على سائر الصحابة، توفي سنة إثنتين أو ثلاث وثلاثين، ودفن بالبقيع.

(1/44)


وعن زاذان(1)، عن علي عليه السلام: (لو ثني لي الوسادة) وروي: (لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجليهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله مامن آية نزلت في برٍ ولا بحرٍ، ولا سماءٍ ولا أرضٍ، ولا سهلٍ ولا جبلٍ، ولا ليلٍ ولا نهارٍ إلا وأنا أعلم متى نزلت، وفي أي شيء نزلت، وما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وأنا أعلم أية آية نزلت فيه تسوقه إلى جنة أو إلى نار).
__________
(1) زاذان أبو عمر، وقيل: أبو عبدالله الكندي مولاهم، الكوفي، من مشاهير التابعين، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وتوفي سنة إثنتين وثمانين، خرج له الجماعة إلا البخاري، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، وهو المراد أينما ورد مطلقاً في كتب أئمتنا عليهم السلام.

(1/45)


[الآية السادسة]: قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} ...الآية [آل عمران:13]، المروي عن ابن مسعود أنها نزلت في قصة بدر، وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلامه، وبرز عتبة وشيبة والوليد وطلبوا البراز فخرج إليهم حمزة(1) وعلي وعبيدة بن الحارث فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، واختلف الطعان بين عبيدة وعتبة فأعانه علي فقتلاه فذلك قوله: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ} يعني في بدر.
__________
(1) حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عمارة، وأبو يعلى، أسد الله، وأسد رسوله، وعم الرسول وأخيه من الرضاعة، أسلم بمكة، وشهد بدراً وأحداً، وقتل في أحد بعد أن قتل واحداً وثلاثين نفساً، قتله وحشي، وبقرت هند بطنه، وأخرجت هند كبده فلاكتها، فلم تسغها، وكان في النصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكبر عليه سبعين تكبيرة، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، وله الكثير من البشائر والمناقب الطيبة، ومن جملتها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((خير إخوتي علي، وخير أعمامي حمزة))، وقوله: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، وفاطمة، والحسن، والحسين))، وهو سيد الشهداء رحمة الله عليه ورضوانه.

(1/46)


[الآية السابعة]: قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، المروي عن ابن عباس، والحسن(1)
__________
(1) الحسن بن أبي الحسن يسار، بفتح الياء تحتها نقطتان، وتخفيف السين المهملة، البصري، مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطنة، وقيل: مولى أم سلمة، وقيل غير ذلك، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة، ولقي علياً عليه السلام بالمدينة والبصرة، قال ابن سعد في الطبقات: كان إماماً، عالماً، جامعاً، رفيعاً، ثقة، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم، فصيحاً، جميلاً، وسيماً، ما أرسله فليس بحجة، كان أشجع أهل زمانه عرض زنده شبر، انتهى.
وقد رمي بالقدر ولم يصح عنه ؛ لأنه تبرأ منه، ومكاتباته ورسالة الحجاج إليه تدل على خلاف ما رمي به، وقال فيه الذهبي: حافظ، علامة من بحور العلم، فقيه النفس، كبير الشأن، عديم النظير، مليح التذكير، بليغ الموعظة، رأس في أنواع الخير، انتهى. توفي سنة عشر ومائة، وله ثمان وثمانون سنة، وأينما ورد مطلقاً في كتب أئمتنا عليهم السلام فهو المراد.

(1/47)


، والشعبي(1)، والسدي(2)، وابن إسحاق(3)، وغيرهم دخل حديث بعضهم في بعض، قالوا جميعاً في حديث المباهلة:
__________
(1) الشعبي، هو: عامر بن شراحيل، بفتح الشين معجمة، والمهملة بعدها، وكسر المهملة بعد الألف، ثم تحتية مثناة ساكنة، ثم لام، بن عبدالله الهمداني، أبو عمر الشعبي بفتح المعجمة، وسكون العين مهملة، والباء موحدة، منسوب إلى شعب همدان، واشتهر به حتى غلب على اسمه، ولد لست خلت من خلافة عمر بن الخطاب، وروى عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين، وروى عنه الجم الغفير أيضاً، وروي عنه أنه قال: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أكثر، وهو من التابعين الأجلاء، الفقهاء، الثقات، وعده في الطبقات الزيدية من ثقات محدثي الشيعة، وعده الحاكم وغيره من القائلين بالعدل والتوحيد، وكان يقول: أحبب آل محمد ولا تكن رافضياً، واثبت وعيد الله ولا تكن مرجئياً، ولا تكفر الناس فتكن خارجياً، وألزم الحسنة ربك والسيئة نفسك، وتوفي سنة خمس ومائة أو أربع، وله إثنتين وثمانين سنة، وقال فيه الحسن البصري يوم توفي: كان والله كثير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم بمكان، وقد ترجم له في الطبقات ترجمة طويلة مفيدة تدل على فضله، وغزارة علمه.
(2) السدي، هو: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، أبو محمد، قال في جامع الأصول: سمي بالسدي ؛ لأنه كان يقعد في سدة الجامع، واشتهر بهذا اللقب عند أئمتنا عليهم السلام، وهو مولى قريش، الكوفي، ذكره في الطبقات، وذكر تعديل المحدثين له، وجرح بعضهم له بسبب التشيع، وهو أحد الذين أخذوا عن الإمام زيد بن علي عليه السلام، توفي سنة سبع وعشرين ومائة، وهو السدي الكبير، وأينما ورد مطلق في كتب أئمتنا فهو المراد، أما السدي الصغير فهو: محمد بن مروان، وكلاهما من الشيعة.
(3) ابن اسحاق : هو محمد بن إسحاق بن يسار، الإمام الحافظ أبو بكر المطلبي، مولى قيس بن مخرمة أبو عبدالله المدني، أحد الأعلام لا سيما في المغازي والسير، وثقه العجلي وابن سعد، قال في الكاشف : كان من بحور العلم صدوق، توفي سنة إحدى وخمسين ومائة، أخرج له الأربعة وأئمتنا الخمسة إلاَّ الجرجاني، وهو المراد أينما أطلق في كتب أئمتنا عليهم السلام.

(1/48)


[حديث المباهلة]
إن وفد نجران خرجوا منه وهم بضعة عشر رجلاً من أشرافهم، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم العاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم، وعن رأيه يصدرون، وهو عبد المسيح رجل من كنده، وأبو الحارث بن علقمة، وهو رجل من ربيعة، ومعه أخوه كرز، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم، وإمامهم، وصاحب مدارسهم، وله فيهم قدر ومنزلة قد شرفه ملك الروم، واتخذوا له الكنائس وولوه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وفصلوا من نجران وأخو أبو الحارث على بغلة له فعثرت به، فقال: تعس ألا بعد ـ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ فقال له أخوه أبو الحارث: بل تعست أنت أتشتم رجلاً من المرسلين إنه النبي الذي كنا ننتظر، قال: فما يمنعك أن تتبعه، وأنت تعلم هذا منه، قال: شرفنا القوم وأكرمونا، وأبوا علينا إلا خلافه، ولو اتبعته لنزعوا كل ماترى فأعرض عنه أخوه وهو يقسم بالله لايثني لها عناناً حتى يقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسلم، فقال له أخوه أبو الحارث: مهلاً ياأخي فإنما كنت مازحاً، قال: وإن كنت مازحاً، ثم مر يضرب بطن راحلته وهو يقول:
إليك تعدوا قلقاً وضينها .... معترضاً في بطنها جنينها
مخالفاً دين النصارى دينها

(1/49)


فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم ، قال: وأقبل القوم حتى مروا باليهود في بيت مدارسهم فنادوا: يابن صوريا، ياكعب بن الأشرف أنزلوا إخوة القردة والخنازير، فنزلوا فقالوا لهم: هذا الرجل عندكم منذ كذا وكذا، وقد غلبكم احضروا لنمتحنه غداً، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبركوا بين يديه، فتقدم الأسقف، فقال: يا أبا القاسم موسى من أبوه؟ قال: عمران، قال: فيوسف من أبوه؟ قال: يعقوب، قال: فأنت من أبوك؟ قال: عبدالله بن عبد المطلب، قال: فعيسى من أبوه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر الوحي، فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران:60]، فقرأها عليهم، قال: فنزأ الأسقف، ثم دق به فغشي عليه، ثم رفع رأسه، فقال: تزعم أن الله أوحى إليك أن عيسى خلقه من تراب أتجد هذا فيما أوحي إليك، ولانجده نحن فيما أوحي إلينا، ولاتجده اليهود هؤلاء فيما أوحي إليهم قال : فهبط جبريل بهذه الآية: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} قالوا: أنصفت يا أبا القاسم فمتى نباهلك؟ قال: غداً إن شاء الله، فانصرفوا، فقال: رئيس اليهود لأصحابه انظروا هذا الرجل، فإن هو خرج غداً في عدة من أصحابه فباهلوه فإنه كذاب، وإن هو خرج في خاصة من أهل بيته، فلا تباهلوه، فإنه نبي، ولئن

(1/50)


باهلناه لنهلكن، وقالت النصارى: والله إنا لنعلم أنه النبي الذي كنا ننتظر ولئن باهلناه لنهلكن، ولانرجع إلى أهل ولامال، فقالوا: فكيف نعمل؟ قال الأسقف أبو الحارث: رأينا رجلاً كريماً نغدوا عليه فنسأله أن يقيلنا، فلما أصبحوا اجتمع النصارى واليهود، وبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل المدينة، ومن حوله من أهل العوالي، فلم يبق بكر لم تر الشمس إلا خرجت فاجتمع الناس ينظرون خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأبي هو وأمي وعلي من بين يديه، والحسن عن يمينه قابض بيده، والحسين عن شماله، وفاطمة خلفه، ثم قال: هلموا فهؤلاء أبناءنا الحسن والحسين، وهؤلاء أنفسنا لعلي ونفسه، وهذه نساؤنا لفاطمة، قال: فجعلوا يتسترون بالأساطين، ويستتر بعضهم ببعض تخوفاً أن يبدأهم بالملاعنة، ثم أقبلوا حتى بركوا بين يديه، ثم قالوا: أقلنا أقالك الله يا أبا القاسم، قال: أقيلكم على أن تجيبوني إلى واحدة من ثلاث .
قالوا: هات .
فقال: أدعوكم إلى الإسلام، فتكونون إخواننا لكم مالنا وعليكم ماعلينا .
قالوا: لاسبيل إلى هذه.
قال: جزية نفرضها عليكم تؤدونها إلينا كل سنة، وأنتم صغرة .
قالوا: لاسبيل إلى هذه ، فهات الثالثة .
قال: الحرب .
قالوا: لاطاقة لنا بك، فصالحوه على ألفي حلة ألف في رجب، وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعاً، وثلاثين رمحاً، وثلاثين فرساً إن كان باليمن كيد، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضامن بها حتى يؤديها إليهم.

(1/51)


فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده لو باهلتهم مابقي على وجه الأرض منهم أحد، ولقد حشر علي بالطير والعصافير من رؤوس الشجر لمباهلتهم))، فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد، والعاقب إلا يسيراً حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأهدى له العاقب حلة وعصا وقدحاً ونعلين وأسلما(1))).
واختلف الشيعة في المعنى الذي لأجله دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المباهلة علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام دون غيرهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم، وقالوا فيه أقوالاً.
__________
(1) وممن روى هذا الخبر أيضاً ـ أي خبر المباهلة ـ غير من ذكره الحاكم، قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي أبقاه الله: [ولا نزاع في هذا بين العترة والأمة، وممن روى ذلك الحسن، والشعبي، والسدي، والحاكمان الجشمي والحسكاني، وأبو نعيم، والثعلبي، والخوارزمي، والزمخشري، والبيضاوي، والرازي، وأبو السعود...إلى قوله: وأخرجه محمد بن يوسف الكنجي، وقال: أخرجه مسلم في صحيحه، وقال في موضع آخر من مناقبه: وأخرجه أحمد بن حنبل عن غير واحد من الصحابة]، انتهى.

(1/52)


فمنهم من قال: إنما خصهم ليبين منزلتهم، وأنه ليس في أمته بعده من يساويهم في الفضل وتنبيهاً على غاية الفضل لهم كماله صلى الله عليه وآله وسلم .
ومنهم من قال: خصهم بذلك لتكون حجة على مخالفيهم، ويؤثر لعنهم ويجري ذلك اللعن مجرى لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنهم من قال: خصهم لكونهم معصومين.
ومنهم من قال: ليعلم أن التغيير والتبديل لايجوز عليهم .
ومنهم من قال: ليعلم أن الإمامة لاتخرج عنهم.
ومنهم من قال: خصهم ليعلم أنه أجراهم مجرى نفسه، ففاطمة بضعة منه، والحسن، والحسين ابناه، وعلي كنفسه.
وقال بعضهم: أنه خصهم للمباهلة، وكان يجب أن يخص كل من كان عنده أعز وشفقته عليه أكثر وحذره على أنفسهم أوفر، فلذلك خصهم به.
ولا يقال كيف يصح جميع ماذكرتم في الحسن والحسين، وهما صغيران؟
قلنا: يحتمل أنهما بلغا تلك الدرجة، ويحتمل أنه تعالى جعلهما كذلك معجزة لرسوله كما فعل بيحيى وعيسى عليهما السلام.
ولايقال إنه أخرجهم لقرب النسب منه.
قلنا: لو كان كذلك لأخرج العباس، وعقيل.

(1/53)


[ذكر بعض من فضائل علي عليه السلام]
ومما يعضد ماذكرنا من الآثار حديث بريدة(1) أن علياً عليه السلام كان في غزوة، وفيها خالد بن الوليد، فأصاب علي جارية فكتب خالد كتاباً نال فيه من علي عليه السلام ودفعه إليّ وأمرني أن أنال من علي عند رسول الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفعت إليه الكتاب، فلما قرى الكتاب رأيت الغضب في وجهه، وقال: ((يابريده لاتقع في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي(2))).
__________
(1) بريدة: بضم أوله، وفتح مهملتين بينهما تحتية مثناة، ثم هاء، بن الحصيب بضم الحاء بن الحارث الأسلمي، أسلم قبل بدر، ولم يشهدها، وشد خيبراً، سكن المدينة أولاً، ثم البصرة، ثم مرو، وبها توفي سنة إثنتين وستين، وهو آخر الصحابة موتاً بخراسان.
(2) حديث بريدة: رواه الموالف والمخالف، وقد روي بطرق كثيرة، وبألفاظ مختلفة:
فمنها: اللفظ المذكور في المتن، ورواه بنفس اللفظ مع اختلاف يسير النسائي في خصائصه.
ومنها: ما رواه النسائي في خصائصه، وأحمد بن حنبل في مسنده عن عمران بن حصين، قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرناه بما صنع، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسلموا عليه فانصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية، فسلموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله ألم تر أن علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله، ثم قام الثاني، وقال مثل ذلك، ثم الثالث، فقال مقالته، ثم قام الرابع، فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغضب يبصر في وجهه، فقال: ((ما تريدون من علي؟ إن علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي)) مع اختلاف يسير في الروايتين.
ومنها: ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن بريدة في حديث، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاتقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي)).
ومنها: ما رواه أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده عن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أتبغض علياً؟))، قال: قلت: نعم، قال رسول الله: ((فلا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة))، وهو في خصائص النسائي، وذكر القصة بطولها، وقال في آخره: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب إليَّ من علي رضي الله عنه.
ولهذا الحديث ألفاظ كثيرة غير هذه بروايات مختلفة وطرق كثيرة متظافرة.

(1/54)


وروي أنه قال: ((يا بريده لاتبغض علياً فإنه مني وأنا منه إن الناس خلقوا من شجرة، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة)).
وروي أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن بعض أصحابه وذكرهم بخير، فقال له قائل: فعلي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي)).
وروى جماعة أنه لما انهزم الناس يوم أحد وبقي علي عليه السلام يجاهد عن الدين، ويعين بنفسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقاتل القوم حتى فض جمعهم وانهزموا، فقال جبريل عليه السلام لرسول الله: (إن هذا لهي المواساة) فقال صلى الله عليه وآله وسلم، يا جبريل: ((إنه مني وأنا منه)) فقال جبريل: (وأنا منكما)(1) فأجرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً مجرى نفسه كما تضمنت الآية ذلك في قوله: {وَأَنْفُسَنَا} لأن المراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي، فلا يقال: إن المراد بقوله: وأنفسنا النبي وحده لأنه الداعي فلابد أن يكون المدعو غيره، وتواتر النقل(2)
__________
(1) أخرجه أحمد بن حنبل في المناقب، وصاحب الرياض النضرة المحب الطبري ج2 ص172، وعلي بن سلطان في مرقاته ج5 ص568، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص114، وقال: رواه الطبراني، وذكره في كنز العمال ج6 ص400، وقال: رواه الطبراني.
(2) تواتر النقل بمعنى أنه أجمع كل من روى قصة المباهلة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج أحداً من الناس، ولا من الصحابة إلا أهل بيته: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، فعلي ورسول الله أنفسنا.
ومما يؤيد هذا، قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((لينتهن بنو ربيعة أو لأبعثن عليهم رجلاً كنفسي ينفذ فيهم أمري، فيقتل المقاتلة، ويسبي الذرية)) فما راعني إلا وكف عمر في حجزتي من خلفي: من يعني؟ قلت: إياك يعني وصاحبك، قال: فمن يعني؟ قلت: خاصف النعل، قال: وعلي يخصف النعل، أخرجه النسائي عن أبي بن كعب، ولهذا الحديث رواية متعددة بألفاظ متقاربة، في مسند أحمد بن حنبل عن أبي ذر، والطبري في ذخائر العقبى.

(1/55)


أنه علي عليه السلام ، ثم ورد آثار آخر تؤيد ماذكرنا.
وروى السيد الإمام أبو طالب بإسناده عن جعفر(1) عن آبائه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: ((أنت فارس العرب، وقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وأنت أخي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنت سيف الله الذي لايخطئ، وأنت رفيقي في الجنة)).
__________
(1) جفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي أمير المؤمنين بن أبي طالب عليهم السلام، أبو عبدالله، الهاشمي، الحسيني، أحد الأئمة الأعلام، هداة الأنام، وحجج الله على سائر البرية، وخير الخلق والخليقة، ولد عليه السلام سنة ثمانين من الهجرة، أمه أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، كان من عماء أهل البيت في عصرة، والمرجوع إليه في دهره، كان من المبايعين للإمام زيد بن علي عليه السلام، والمعترفين بإمامته، والعارفين بفضله، وقد تجنب البخاري الرواية عنه، وقال فيه يحيى بن سعيد القطان: مجالد أحب إلي منه، وهذه مقالة تدل على شدة بغضه ومعاداته لأهل البيت النبوي، وفيه يقول القائل:
رام يحيى بن سعيد .... لك ياجعفر هضماً
وأتاك فيك بقول .... ترك الآذان صماً
ويقول آخر:
قضية أشبه بالمرزئة .... هذا البخاري إمام الفئة
ما احتج بالصادق المصدوق .... واحتج بالمرجئة
...إلى قوله:
قلامة من ظفر إبهامه .... تعدل من مثل البخاري مائة
وكان جعفر الصادق عليه السلام له الفضائل العميمة، والمناقب الشريفة.
وتوفي رحمة الله عليه سنة ثمان وأربعين ومائة، وهو ابن ثمان وستين سنة، ودفن بالبقيع في قبر أبيه الباقر، وجده علي بن الحسين، وعم أبيه الحسن بن علي، وجدته فاطمة الزهراء عليهم السلام.

(1/56)


[خبر المؤاخاة]
وروى بإسناده عن الإمام زيد بن علي(1)
__________
(1) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فاتح باب الجهاد والإجتهاد، وإمام الأئمة الأعلام، وقائد العصابة المرضية، والطائفة الزيدية، ولد عليه السلام سنة 75 للهجرة، ودعا إلى الله تعالى في عصر هشام بن عبد الملك الكافر اللئيم، والأحول الذميم، خرج داعياً إلى الله وإلى العمل بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، خرج رافعاً راية الحق والإيمان، فأجابته جميع الطوائف الإسلامية كما قال الإمام أبو طالب عليه السلام: [فلم يكن المرجئ أسرع إليها من القدري، ولا القدري أسرع إليها من الخارجي] إلا فرقة من الفرق الضالة التي رفضت إمامته عليه السلام، ورفضت الجهاد معه، وهم الرافضة الإمامية الذين قالوا: إن الإمامة في إبن أخيه جعفر الصادق عليه السلام.
وبايعه عليه السلام عظماء أهل البيت وشرفائهم، وأجمع الموالف والمخالف على إمامته إلا الرافضة كما ذكرنا، وأحصى ديوانه خمسة عشر ألف مقاتل، ووردت عليه الكتب من جميع النواحي والبلدان، وواعدهم للنهوض في أول شهر صفر فاضطره الأمر إلى الخروج قبل ذلك، لشدة مطاردة هشام بن عبد الملك له، فخرج عليه السلام ليلة الأربعاء لخمس ليالٍ بقيت من شهر محرم الحرام، فقاتل الأربعاء والخميس والجمعة قتالاً شديداً، ولم يخرج معه إلا ما يقرب من خمسمائة مقاتل، وفي ليلة الجمعة أتاه سهم في جبينه، فصرعه، وكانت فيه منيته، ثم دفنه أصحابه، فعلموا بقبره فنبشوه، وأخرجوه، وصلبوه ما يقرب من سنتين، وقيل: أربع سنوات، ثم أحرق وضرب حتى صار كالرماد ثم ذروا جسده الشريف في الفرات في أيام الوليد بن عبد الملك الأموي ـ لعنه الله ـ، وقد وردت فيه عليه السلام الأخبار الصحيحة المتواترة الدالة على فضله وشرفه، وأنه يقتل شهيداً، ويصلب ويحرق ويذر في الفرات، وكذلك أهل البيت عليهم السلام مجمعون على إمامته وفضله، ويتشرفون ويفتخرون بالإنتماء إليه، والإعتزاء إلى مذهبه الشريف، انظر التحف شرح الزلف ص..، الشافي ص...، الحدائق الوردية (خ)، الزحيف (خ)، اللآلي المضيئة (خ).

(1/57)


عن آبائه عن علي عليهم السلام، قال: (كان لي عشر من رسول الله ما أحب أن لي بإحداهن ماطلعت عليه الشمس، قال: ((ياعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأنت أقرب الخلائق مني في الموقف يوم القيامة، ومنزلك مواجه منزلي في الجنة كما يتواجه منزل الأخوين في الله، وأنت الولي، وأنت الوزير، والوصي والخليفة في الأهل والمال، والمسلمين في كل غيبة، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وليك وليي، ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله تعالى(1)))).
وروى الإمام الناصر للحق(2)
__________
(1) أخرجه الإمام المؤيد بالله في أماليه الصغرى مسنداً عن علي عليه السلام ص107، وأخرجه الإمام المرشد بالله أماليه 1/ 141 عن علي عليه السلام، وأخرجه أيضاً الإمام أبو طالب في الأمالي من طريق زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام ص65، وأخرج نحوه صاحب شمس الأخبار عن علي عليه السلام بلفظ: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأقرب الخلائق مني في الموقف يوم القيامة، منزلي يواجه منزلك في الجنة كما يتواجه منزلي الأخوين في الله، وأنت الولي والوزير والوصي والخليفة في الأهل والمال والمسلمين في كل غيبة، ولم يذكر بقية الحديث، وله شواهد كثيرة تشهد بصحته بعضها روي فيها أول الحديث، وبعضها آخره، وبعضها بألفاظ مختلفة متحدة في المعنى.
(2) الناصر للحق، هو: الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، الملقب بالناصر الأطروش، والناصر للحق، والناصر الكبير.
ولد عليه السلام بالمدينة المنورة سنة 230هـ، أحد الأئمة الزيدية العظماء الذين لم يشهد لهم مثيل في التاريخ الإسلامي علماً، وعملاً، وزهداً، وورعاً، وعبادةً، وشجاعةً، وجهاداً، ودعاءاً إلى دين الله، كان من أئمة الزيدية في الجيل والديلم، وهو ثالث الأئمة الدعاة في نواحي جيلان وديلمان وطبرستان، ويعتبر المؤسس للدولة الزيدية في تلك النواحي بعد الإمامين الداعيين: الحسن ومحمد ابنا زيد عليهما السلام، وكان عادلاً، حسن السيرة، مقيماً للحق، ويعتبر الناصر عليه السلام إماماً من أئمة اللغة والأدب، وممن يحتج بكلامه، ويستدل به في الناحية اللغوية، ومن تتبع آثاره علم صحة ما قلنا، ويروى أنه أسلم على يديه من عباد الشجر والحجر ألف ألف نسمة، وأسلم على يديه في يوم واحد خمسة عشر ألف نسمة، وله الكرامات الكثيرة، والفضائل الشهيرة، والمناقب المنيرة، التي تشهد بفضله وعظيم منزلته، ودعا إلى الله سبحانه وتعالى سنة 284، وتوفي سنة 304، في 25 شعبان عن أربع وسبعين سنة.
وله الكثير من المؤلفات العظيمة حتى قيل أنه مؤلفاته تزيد على ثلاثمائة مؤلف: منها: البساط، والمسفر، والمصفى، وكتاب في التفسير في مجلدين احتج فيه بألف بيت من الشعر من ألف قصيدة، وله غير ذلك. التحف شرح الزلف 184، الشافي 308، الإفادة في تاريخ الأئمة السادة 147، الحدائق الوردية ـ خ ـ، اللآلي المضيئة الجزء الثاني ـ خ ـ، الزحيف ـ خ ـ.

(1/58)


عليه السلام بإسناده عن أبي ذر(1) رحمه الله قال: وهو مسند ظهره إلى الكعبة: أيها الناس هلموا أحدثكم بما سمعت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي كلمات ثلاث لأن تكون لي إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، سمعته يقول: ((اللهم انصره، وانتصر له، فإنه عبدك وأخو رسولك)).
__________
(1) أبو ذر الغفاري: اختلف في إسمه، واسم أبيه، فقيل: جندب بمعجمة مضمومة فنون ساكنة بن جنادة، وهذا الإسم هو الأصح والأشهر عند أصحابنا وغيرهم من محققي المحدثين.
كان من السابقين الأولين، الرفقاء النجباء، المقربين، قيل: كان خامساً في الإسلام، وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدراً، وشهد ما بعدها، وكان ملازماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات، وكان كريماً لايخزن من ماله قليلاً ولا كثيراً، وكان من الصادعين بالحق الذين لاتأخذهم في الله لومة لائم، كان من الصادقين، شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((ما أظلت الخضراء، وما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر)) وسكن الشام بعد وفاة رسول الله، وأقام بها إلى ولاية عثمان، ثم نفاه عثمان إلى الربذة بغير حق، بل بسبب إشادته بفضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأهل بيته وذكر مثالب بني أمية، وكان أبو ذر من شيعة علي عليه السلام الموالين له، توفي رحمة الله عليه سنة إثنتين وثلاثين.

(1/59)


وبإسناده عن أنس(1) قال: دخل علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، وخير من أخلفه بعدي(2))).
وبإسناده عن علي عليه السلام: (إنما أنا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها أحد قبلي، ولايقولها أحد بعدي إلا كذاب(3)).
__________
(1) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي كنيته أبو حمزة ، خادم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خدمه منذ قدومه إلى المدينة إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغزا مع رسول الله ثمان عزوات وهو آخر الصحابة موتاً بالبصرة توفي سنة ثلاث وتسعين على الأصح وقيل اثنتين وتسعين وقد جاوز المائة.
(2) أخرجه صاحب المحيط بالإمامة من طريقين، عن أنس بن مالك، وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير عن ابن عمر، أفاده في تخريج الشافي للمولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي.
(3) وأخرجه أيضاً الناصر الأطروش عليه السلام، عن حكيم بن سعد، وفي آخره، فقالها رجل، فضرب به جنون، ورواه أيضاً في المحيط بالإمامة عن الأصبغ بن نباتة، ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى علي عليه السلام.
وأخرج النسائي في خصائصه عن أبي سليمان الجهني، قال: سمعت علياً على المنبر يقول: (أنا عبدالله وأخو رسول الله لايقولها غيري إلا كذاب مفتر)، وأخرجه بهذا اللفظ في المحيط عن حكيم بن سعيد، ورواه في المحيط عن القاضي أبي علي الحسن بن علي الصفار بسنده عن أبي سليمان الأحمسي، وهو زيد بن وهب، ورواه أيضاً في مجموع الإمام زيد بن علي عليه السلام عن زيد بن علي، عن آبائه، وفي آخره، فقالها رجل، فأصابته جنة، فجعل يضرب رأسه في الجدران حتى مات.
وأخرجه ابن أبي شيبة والنسائي، والعقيلي، وابن أبي عاصم، والحاكم، وأبو نعيم عن عباد بن عبدالله، عن علي بزيادة: وأنا الصديق الأكبر، صليت قبل الناس بسبع سنين، انتهى من التخريج مع زيادة واختصار.

(1/60)


وروى السيد أبو طالب بإسناده عن أبي الجحاف(1)، عن عبيد بن عمير(2)
__________
(1) أبي الجحاف، هو: داود بن أبي عوف ، البرجمي بضم الباء الموحدة ثم جيم بعد المهملة، مولاهم أبو الجحاف الكوفي، عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت عليهم السلام .
قال ابن عيينه : كان من الشيعة ، روى عنه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وعده السيد صارم الدين الوزير من ثقات محدثي الشيعة . انظر الفلك الدوار 311 .
(2) عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، أبو عاصم، المكي، قيل: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال مسلم: ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقاضي أهل مكة سمع عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر، وابن عباس، وأبا ذر، وأبا هريرة، وأم سلمة، وعائشة، وأبا عمير، وابا موسى.
وعنه: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وعمر بن دينار، وأبو الزبير، ووهب بن كيسان وغيرهم.
قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة، توفي قبل ابن عمر، خرج له الجماعة، ومحمد بن منصور، والمؤيد بالله، والمرشد بالله، انتهى من الطبقات مختصراً.

(1/61)


، عن ابن عمر(1)، قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المؤمنين، فقال علي: يارسول الله كلهم يرجع إلى أخ غيري، فقال: ((أما ترضى أن تكون أخي؟)) قال: بلى، قال: ((فأنا أخوك في الدنيا والآخرة)) قال أبو الجحاف: قلت الله الذي لا إلاه إلا هو لقد سمعته ياعبيد بن عمير عن ابن عمر، فقال: والله الذي لا إلاه إلا هو لقد سمعته من ابن عمر، فاستحلفه ثلاث مرات، فحلف(2).
__________
(1) ابن عمر، هو: عبدالله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، القرشي، العدوي، ولد بعد المبعث بيسير، أسلم بإعلام بمكة، واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربعة عشر سنة، وشهد الخندق وما بعدها، ذكر الناصر فيما رواه الإمام أبو طالب أنه لم يقاتل مع علي عليه السلام في حروبه مع أنه يفضل أمير المؤمنين علياً عليه السلام على من حاربه، وهو من أصحاب الألوف في الحديث، توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين، وله أربع وثمانون سنة، انتهى من الطبقات مختصراً، وانظر لوامع الأنوار الجزء الثالث ص126، 127 إلى 130.
(2) وأخرجه أيضاً صاحب المحيط، والكنجي، وابن المغازلي، ومحمد بن سليمان الكوفي، والترمذي، والطبراني، والحاكم كلهم عن ابن عمر، ثم ساق الحديث بلفظه، ورواه أبو علي الصفار بإسناد\ه إلى ابن عمر، ورواه ابن المغازلي عن جميع بن عمير، انتهى من التخريج للمولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي.

(1/62)


وقد تواتر النقل بأنه صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبين نفسه، وكان يقول في مقاماته: ((هو أخي)) وقد قيل أن فائدته بيان من يلي أحدهما درجه صاحبه كأبي بكر(1)، وعمر(2)، وعثمان(3)، وعبد الرحمن، ولايقال أنه آخا بين أصحابه للمواسة لأنه آخا بين المهاجرين، وهذا سوى ما آخا بين المهاجرين والأنصار لأجل المواساة.
__________
(1) أبو بكر، هو: عبدالله بن عثمان بن عامر التيمي، من المهاجرين بايعه أبو عبيدة وعمر ومن تبعهما يوم السقيفة مع عدم حضور الوصي عليه السلام، والعباس، وكافة بني هاشم، ومن معهم من سادات المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وكانت بيعته كما قال عمر برواية البخاري ومسلم وغيرهما: فلتة، وتعقب ذلك الإختلاف الكثير، والحمد لله العلي الكبير، وكان في أيامه قتال أهل الردة وغيرهم، توفي في جمادى سنة ثلاث عشرة عن ثلاث وستين سنة على الأشهر، انتهى، انظر لوامع الأنوار الجزء الثالث ص175.
(2) عمر بن الخطاب، ابو حفص القرشي: أسلم بعد خروج مهاجرة الحبشة على يدي أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد في قصة طويلة، بويع بالخلافة صبيحة وفاة أبي بكر، طعنه أبو لؤلؤة المجوسي فيروز غلام المغيرة بن شعبة، فتوفي لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، انظر لوامع الأنوار 3/ 147.
(3) عثمان بن عفان، أبو عمرو القرشي، الأموي: أسلم بعد نيف وثلاثين، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ولم يحضر بدراً، وبويع له سنة أربع وعشرين، وكان سبب حصره أنه كان كلفاً بأقاربه، وكانوا أقارب سوء، قتل في ثاني عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، وله تسعون سنة، انظر لوامع الأنوار 1373، والطبقات ـ خ ـ وغيرها.

(1/63)


وروي في حديث المؤاخاة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما آخا بين أصحابه قال علي: (يارسول الله لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلتَ بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط عليَّ فلك العتبى والكرامة)، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، فأنت أخي ووارثي)) قال: (وما أورث منك) قال: ((ما ورثه الأنبياء قبلي؟)) قال: (وماهو؟) قال: ((كتاب ربهم وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة بنتي، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلى: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض)).
[خبر سد الأبواب]
وعن أبي رافع(1): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب وقال: ((أيها الناس إن الله تعالى أمر موسى بن عمران أن يبني مسجداً طاهراً لايسكنه إلا هو وهارون وابنا هارون شبر وشبير، وإن الله تعالى أمرني أن أبني مسجداً لايسكنه إلا أنا وعلي والحسن والحسين، سدوا هذه الأبواب إلا باب علي)) فخرج حمزة رضي الله عنه يبكي، وقال: يارسول الله أخرجت عمك، وأسكنت ابن عمك، فقال: ((ما أنا أخرجتك، ولا أنا أسكنته، ولكن الله تعالى أسكنه)).
__________
(1) أبي رافع: مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبطي، اختلف في اسمه، فقيل: إبراهيم، وقيل: أسلم، كان أبو رافع مولى العباس، فوهبه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأعتقه حين بشره بإسلام عمه العباس، وكان إسلامه قبل بدر، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مولاته سلمى، فولدت له عبيدالله بن أبي رافع، كاتب علي عليه السلام، توفي بعد عثمان في أول خلافة علي عليه السلام.

(1/64)


فقال بعض الصحابة، وقيل إنه أبو بكر دع لي كوة أنظر فيها، فقال: لا، ولا رأس إبرة.
وعن زيد بن أرقم(1): جلسنا إلى سعد بن أبي وقاص فسمعته يقول سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأبواب إلا باب علي.
وقيل لابن عمر(2): ماتقول في علي وعثمان، فقال: أما علي فلا يقرب منه أحد انظر إلى منزلته من رسول الله فإنه سدّ أبوابنا في المسجد، وترك بابه.
__________
(1) زيد بن ارقم بن زيد الأنصاري، الخزرجي، المدني، استصغر يوم أحد، وكان يتيماً، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغزا مع النبي سبع عشرة غزوة، وكان من خواص علي عليه السلام، وشهد مع الوصي عليه السلام يوم صفين ووقعت له آية أخبر بها، وهي أن أمير المؤمنين عليه السلام استنشد بعض الصحابة عما سمعوا فكتم أناس منهم، فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا، قال: وكنت فيمن كتم فعميت، توفي رحمة الله عليه بالكوفة سنة ثمان وستين.
(2) عبدالله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي ولد بعد المبعث واستصغر يوم أحد وشهد الخندق وما بعدها وكان من سادات الصحابة وهو أحد العبادلة المعدودين في فقهاء الصحابة اعتزل حروب أمير المؤمنين عليه السلام ومات في أيام عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وسبعين .

(1/65)


[خبر المنزلة]
وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن أنس بن مالك، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك استخلف علياً عليه السلام على المدينة، وما هناك، فقال المنافقون عند ذلك: إن محمداً قد شنى ابن عمه ومله، فبلغ ذلك علياً عليه السلام فشد رحله، وخرج من ساعته فهبط جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بقول المنافقين في علي وخروج علي للحاق به، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منادياً فنادى بالتعريس في مكانهم ففعلوا، ثم جاءوا إليه فسألوه عن نزوله في غير وقت التعريس؟
فأخبرهم بما أتاه به جبريل عن الله تعالى، فأخبرهم بأن الله تعالى أمره أن يستخلف علياً على المدينة.
قال: فركب قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتلقوه فما راموا مواضعهم إلا وقد طلع عليٌ عليه السلام مقبلاً، قال: فتلقاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشياً، وتبعه الناس، فعانقه رجل رجل، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحوله الناس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ((ما أقبل بك إلينا يا ابن أبي طالب))، فقص عليه القصة من قول المنافقين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي ما خلفتك إلا بأمر الله، وما كان يصلح لما هناك غيري وغيرك، أما ترضى يا ابن أبي طالب أن أكون استخلفتك كما استخلف موسى هارون، أما والله إنك مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لانبي بعدي)).

(1/66)


قال: فلما قَفَل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم الغنائم بين الناس، ودفع إلى علي عليه السلام سهمين، فأنكر ذلك قوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيها الناس، هل أحد أصدق مني؟ فقالوا: لا يارسول الله، قال: أيها الناس، أما رأيتم صاحب الفرس الأبلق أمام عسكرنا في الميمنة مرة وفي الميسرة مرة؟ قالوا: رأيناه يارسول الله صلى الله عليك، وماذا؟، قال: ذلك جبريل، قال لي: يا محمد إن لي سهماً في الغنيمة مما فتح الله عليك وقد جعلته لابن عمك علي بن أبي طالب، فسلمه إليه))، قال أنس: فكنت فيمن بشر علياً صلوات الله عليه بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد روى خبر المنزلة جماعة كثيرة (1)
__________
(1) وممن روى خبر المنزلة من الصحابة غير من ذكر أيضاً: علي عليه السلام، وعمر بن الخطاب، وأبو هريرة، وابن جعفر، ومعاوية، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وابن مسعود، انتهى.
انظر لوامع الأنوار ج1 / 98، 99، وقال في اللوامع: [رواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري في صحيحه، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار] انتهى.
ورواه أيضاً ابن عساكر عن عدد كثير من الصحابة، وذكر لكل واحد منهم طرقاً، ورواه النسائي في خصائصه عن سعد بن أبي وقاص من ثلاث عشرة طريقاً، وعلى العموم فإن الخبر مما علم ضرورة كما قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام، وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد.

(1/67)


: منهم: أبو سعيد الخدري، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وجابر (1)، وأبو رافع، وأسماء بنت عميس (2)، وتلقته الأمة بالقبول، ورواه أصحاب الحديث في الصحاح.
وفي أمثاله كثيرة: إجراءه مرة مجرى نفسه، ومرة ذكر أنه أخوه، وأخرى أنه وارثه وخليفته، وكل ذلك يدل على أنه كان من مرشحه للخلافة، وينبه بذلك على الإمامة.
__________
(1) جابر بن عبدالله بن حرام الأنصاري الخزرجي: غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدراً ولا أحداً، كان من سادات الصحابة، وفضلائهم، واستشهد والده بأحد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من أهل الولاء الخالص والمحبة الصادقة لأمير المؤمنين، وأهل بيته، وشهد مع علي عليه السلام معركة صفين، توفي بالمدينة في عشر الثمانين سنة ثلاث وسبعين عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة.
(2) أسماء بنت عميس بضم المهملة الولى الخثعمية: أسلمت مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه السلام، وهاجرت الهجرتين، وولدت لجعفر: عبدالله، ومحمد، وعون، ثم قتل شهيداً، فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم تزوجها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة عليها السلام، فولدت له يحيى، وكانت من خواص أهل البيت عليهم السلام، توفيت بعد علي عليه السلام

(1/68)


[بعض من فضائل فاطمة عليها السلام]
فأما فاطمة عليها السلام فالآية تقضي بفضلها، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها(1)))، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((سيدة نساء العالمين أربع: آسية ومريم وخديجة وفاطمة)).
وروى علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة: ((إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك(2))).
وعن الصادق عليه السلام: لفاطمة عليها السلام ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزاكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.
__________
(1) قال الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله في لوامع الأنوار: [وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها))، أخرجه البخاري ومسلم، وأحمد بزيادة: ((وينصبني ما أنصبها))، والترمذي، وقال: صحيح، والطبراني، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة، انتهى. انظر لوامع الأنوار 2/ 577].
(2) هذا الحدي أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه عليهم السلام، وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه الأنوار بسنده إلى الإمام الحسين بن زيد بن علي، وعلي بن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، وأخرجه ابن المغازلي عن الإمام الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، وأخرجه الفقيه حميد الشهيد بسنده إلى جعفر بن محمد عن أبيه، وأخرجه الكنجي عن الحسين بن علي، وأخرجه أبو سعيد، وأبو المثنى، والديلمي، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الفضائل، وابن عساكر وصححه المحدث أحمد بن سليمان الأوزري، والشيخ الحافظ محمد بن عبد العزيز العنسي، انتهى لوامع الأنوار 2/ 577.

(1/69)


عن علي عليه السلام، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أول عهده بفاطمة عليها السلام).
وروى السيد أبو طالب عليه السلام بإسناده، عن الكلبي(1)، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: ينادي مناد يوم القيامة يا أهل الجمع غضوا أبصاركم تمر فاطمة بنت محمد، فتخرج من قبرها، ومعها ثيابها تشخب بالدم حتى تنتهي إلى العرش فتقول يارب انتصف لولدي ممن قتلهم، ثم قال ابن عباس: فوالله لينتصفن الله ممن قتلهم.
__________
(1) الكلبي، هو: محمد بن السائب بن بسر بن عمر الكلبي أبو النضر بمعجمة، الكوفي، المفسر، النسابة، الأخباري، ترجمه في الطبقات، توفي سنة ست وأربعين ومائة.

(1/70)


وعن جابر بن يزيد(1)، سئل الباقر(2)
__________
(1) جابر بن يزيد الجعفي، هكذا في الأمالي ص 87، أمَّا في نسخ الكتاب فهو جابر بن زيد وهو غير صحيح، والجعفي هذا هو جابر بن يزيد بن الحارث أبو زيد، ويقال أبو محمد الجعفي الكوفي، من أكابر علماء الشيعة وفضلائهم، اشتهر بالرواية عن الباقر وزيد بن علي عليهما السلام، روى عن الباقر(ع) سبعين ألف حديث، وثقه شعبة والثوري، قال سفيان : ما رأيت أورع منه في الحديث، اتهموه بأنه ممن يقول بالرجعة وأنه كان من أصحاب عبدالله بن سبأ ولم يصح عنه وهو بريء منه، ذكره صارم الدين وعده من ثقات محدثي الشيعة، توفي سنة ثمان وعشرين ومائة (128هـ) .
(2) محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي أمير المؤمنين عليهم السلام أبو جعفر، ولد عليه السلام سنة تسع وخمسين، وكنيته أبا جعفر ولقبه الباقر، لما رواه جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا جابر إنك ستعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي اسمه اسمي يبقر العلم بقراً، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام)) فلما دخل محمد بن علي على جابر وسأله عن نسبه، فأخبره قام إليه واعتنقه وقال له: جدك يقرء عليك السلام، وسمي باقراً ؛ لأنه بقر العلم أي شقه وفتحه وعرف أصله وتمكن منه وتوسع فيه، وكان عليه السلام من عظماء أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم المجمع على جلالته وفضله وعلمه وعلو منزلته، وهو أحد الأئمة الإثنا عشر عند الإمامية، وكانت أمه فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو أول من اجتمعت له ولادة الحسنين، وتوفي عليه السلام سنة ثمان عشرة ومائة عن ثلاث وستين سنة، ودفن بالبقيع إلى جنب أبيه السجاد، وعم أبيه الحسن بن علي عليهم السلام ، وجدته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

(1/71)


عليه السلام، كم عاشت فاطمة بعد أبيها؟ فقال: أربعة أشهر وتوفيت ولها ثلاث وعشرون سنة.
وعن الصادق عليه السلام: توفيت ولها ثمان وعشرون سنة وسبعة أشهر.
ولما توفيت، قال علي عليه السلام:
نفسي على زفراتها محبوسةً .... ياليتها خرجت مع الزفرات
لاخير بعدك في الحياة وإنما .... أبكي مخافة أن تطول حياتي
ثم أخذ في جهازها ودفنها، وهو يقول:
لكل اجتماع من خليلين فرقةٌ .... وكل الذي دون الفراق قليل
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ .... دليل على أن لايدوم خليل
ولما أقبل من قبرها زار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، [وإن المصيبة بك لجليل، وما بعدك يجلل]، ثم أنشأ يقول:
ما فاض دمعي عند نائبة .... إلا جعلتك للبكا سبباً
فإذا ذكرتك سامحتك به .... مني العيون وفاض وانسكبا
أني أجل ثراً حللت به .... من أن أرى بسواه مكتئبا

(1/72)


[بعض فضائل الحسن والحسين صلوات الله عليهما]
وأما الحسن والحسين عليهما السلام فالآية تدل على فضلهما والآثار في ذكر فضائلهما كثيرة فروى أبو هريرة(1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني(2))).
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما(3))).
__________
(1) أبو هريرة الدوسي، لقب بهذا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى في كمه هرة، فقال يا أبا هريرة فاشتهر به، واختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً لم يختلف في اسم أحد مثله، اختلف فيه على ثلاثين قولاً، وقيل: نيف وثلاثين أصحها: عبد الرحمن بن صخر، أسلم يوم خيبر وهو أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، ضربه عمر بن الخطاب بالدرة، وقال: لتقلن من الرواية عن رسول الله أو لأنفينك إلى جبال دوس، وكان كثير الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فيه دعابه، وكان يصلي خلف علي عليه السلام، ويأكل من طعام معاوية، فقيل له في ذلك، فقال: صلاة علي أتم، وطعام معاوية أدسم، والوقوف على التل أسلم، توفي بالمدينة سنة تسع وخمسين عن ثمان وسبعين سنة. انظر الطبقات ـ خ ـ، لوامع الأنوار 3/ 191، الجداول ـ خ ـ وغيرها.
(2) هذا الحديث رواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده عن أبي هريرة من ثلاث طرق، وأخرجه أحمد عن أبي هريرة من ثلاث طرق، وأخرجه أبو سعيد في شرف النبوة، انتهى من تخريج الشافي للمولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله من مواضع.
(3) رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، وابن عساكر، والحاكم الحسكاني وغيرهم، وقد روى هذا الخبر الموالف والمخالف بطرق كثيرة فهو متواتر لفظاً ومعنى، انتهى.

(1/73)


وروى سلمان(1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((الحسن والحسين ابناي من أحبهما فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه(2))).
__________
(1) سلمان الفارسي ـ سلمان الخير ـ أبو عبدالله مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من قرية من قرى أصفهان، وقصة إسلامه طويلة، وكانت أول مشاهده غزوة الخندق، وهو الذي أشار عليهم فيها بحفر الخندق، وفيها قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سلمان منا أهل البيت)) ولم يتخلف بعدها عن مشهد، وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم، وأحد النجباء والمخصوصين بالبشارات من الله ورسوله، المدرك للعلم الأول والآخر، البحر الذي لاينزح بشهادة سيد الوصيين، وكان من خلص أصحاب علي عليه السلام المقربين إليه، توفي رحمة الله عليه بالمدائن عام 35 خمس وثلاثين بعد أن عمر على ما قيل ثلاث مائة وخمسين سنة رحمة الله عليه.
(2) هذا الحديث أخرج نحوه عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله، أدخله نار جهنم وله عذاب مقيم))، بهذا اللفظ الكنجي وأبو نعيم، والحافظ ابن عساكر، وأخرجه الإمام أبو طالب عن زاذان، عن سلمان، وابن ماجه، والحاكم في المستدرك، انتهى من تخريج الشافي.

(1/74)


وعن عائشة(1)، وأم سلمة(2) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اشتمل بالعباة وقد ألصق صدر علي إلى صدره، وصدر فاطمة إلى ظهره، والحسن عن يمينه، والحسين عن شماله عممهم
__________
(1) عائشة بنت أبي بكر، زوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها في السنة الثانية بعد الهجرة، وعقد بها قبل الهجرة في مكة، وهي بنت ست سنين، وبنا بها بالمدينة، وهي بنت تسع سنين، وتوفي عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة وهي التي خرجت على أمير المؤمنين عليه السلام في معركة الجمل مع طلحة والزبير، وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، فتنبحها كلاب الحوأب))، وفي رواية: ((إياك أن تكونيها يا حميراء)) فلما بلغت الحوأب سألت عنه، فقيل: الجوأب بالجيم، وكانت أول شهادة زور في الإسلام، وقتل في معركة الجمل ما يقرب من نيف وعشرين ألف من الفريقين وتوفيت سنة ثمان وخمسين عن خمس وستين. انظر لوامع الأنوار ج3 / 206.
(2) أم سلمة، هي: هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية أم المؤمنين، رأت جبريل عليه السلام وهي وزوجها الأول أبو سلمة أول من هاجر إلى الحبشة، ويقال: أنها أول مهاجرة دخلت المدينة، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وقعة بدر في شوال سنة ثلاث وقيل: أربع من الهجرة، وكانت من أكمل الناس عقلاً، وخلقاً، وكانت من العالمات الطيبات الطاهرات، شديدة الولاء لأمير المؤمنين عليه السلام، ونهت عائشة عن الخروج في كتاب لها طويل، وأخرجت ابنها عمر بن أبي سلمة للجهاد مع علي عليه السلام يوم الجمل، وتوفيت رحمة الله عليها سنة اثنتين وستين بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وهي آخر أمهات المؤمنين موتاً رحمة الله عليها، انظر لوامع الأنوار 3/ 214.

(1/75)


ونفسه بالعباة، قالت عائشة: ولقد لفهم فيه حتى إنه جعل أطرافه تحت قدميه، ورفع طرفه إلى السماء، وأشار بسبابته، وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أنا سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، اللهم وال من والاهم، وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم)) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وجبريل حاضر يؤمن على الدعاء، وقال: (وأنا معكم) فقلت: ((نعم)).
وروى السيد الإمام أبو طالب رحمه الله تعالى بإسناده، عن جابر بن عبدالله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بثلاث وهو يقول لعلي: ((سلام عليك يا أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك(1)
__________
(1) حديث: إن الحسن والحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي أبقاه الله:
[من طرقه ما أخرجه الإمام الرضى بسند آبائه صلوات الله عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الولد ريحانة، وريحانتي من الدنيا الحسن والحسين))، وأخرجه الإمام أبو طالب عليه السلام بسنده إلى جعفر بن محمد عليهما السلام عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته بثلاث، وهو يقول لعلي بن أبي طالب: ((سلام الله عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قريب ينهد ركناك والله خليفتي عليك))، وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر عن جابر، وأخرج الكنجي عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن أبيه عن جابر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا))...إلى قوله: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((هما ريحانتي من الدنيا)) أخرجه البخاري في كتابه...إلى قوله: وأخرجه أحمد بن حنبل، والترمذي، والكنجي بطريقه إليه، بلفظ: إن الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا، وأخرجه أيضاً عن أبي أيوب، وقال: أخرجه الطبراني وصاحب الحلية ومحدث الشام في حلية الأولياء، وأخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((وكيف لا أحبهما وهما ريحانتي من الدنيا أشمهما)) ـ يعني الحسن والحسين ـ، أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة، وأخرج نحوه العسكري في الأمثال عن علي عليه السلام، وقال صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن السبط: ((هذا ريحانتي من الدنيا))، أخرجه أحمد عن أبي بكرة، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((هذان ريحانتاي من الدنيا))، أخرجه الترمذي وصححه، وأخرجه ابن بنت منيع]، انتهى لوامع الأنوار 3/ 35.

(1/76)


)) فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال علي عليه السلام: (هذا أحد ركني) ولما ماتت فاطمة، قال علي: (هذا ركني الثاني الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).
وروى بإسناده عن أبي رافع، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة عليها السلام بالصلاة(1).
وبإسناده عن زيد بن علي عن أبائه، عن علي، قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه، والبيت غاص بمن فيه، قال: ((ادعوا لي الحسن والحسين)) فجعل يلثمهما حتى أغمي عليه، قال: فجعل علي عليه السلام يرفعهما عن وجه رسول الله، قال: ففتح عينيه، وقال: ((دعهما يتمتعان مني وأتمتع منهما، فإنه سيصيبهما بعدي أثرة)) ثم قال: ((يا أيها الناس إن قد خلفت فيكم كتاب الله وسنتي، وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي أما إن ذلك لن يفترقا حتى يلتقيا على الحوض)).
والمروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم وعصبتهم أبوهم إلا ولد فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)).
[الآية الثامنة]: قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، قيل: حبل الله أهل بيت رسول الله عن جعفر بن محمد.
وروي عنه: أنه قال: نحن حبل الله الذي قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}.
__________
(1) رواه الترمذي ج1 ص286 بسنده عن أبي رافع، وأبو داود ج3 ص214، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ج6 ص9، وص391، وص392، ورواه أبو داود الطيالسي ج4 ص130، انظر فضائل الخمسة ج3 ص212.

(1/77)


[أخبار متفرقة في أهل البيت عليهم السلام]
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا أيها الناس إني تارك فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي: أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقد روى هذا الخبر جماعة منهم(1)
__________
(1) قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله وأبقاه في لوامع الأنوار الجزء الأول ص50:
[وقد أخرج أخبار الثقلين والتمسك أعلام الأئمة، وحفاظ الأمة، فمن أئمة آل محمد صلوات الله عليهم الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم وحفيده إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، والإمام الرضى علي بن موسى الكاظم، والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله، والإمام أبو طالب، والسيد الإمام أبو العباس، والإمام الموفق بالله وولده الإمام المرشد بالله، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والسيد الإمام أبو عبد الله العلوي صاحب الجامع الكافي، والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين وأخوه الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن محمد، والإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، والإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وولده إمام التحقيق الحسين بن القاسم وغيرهم من سلفهم وخلفهم.
ومن أوليائهم: إمام الشيعة الأعلام قاضي إمام اليمن الهادي إلى الحق محمد بن سليمان رضي الله عنه رواه بإسناده عن أبي سعيد من ست طرق، وعن ابن أرقم من ثلاث، وعن حذيفة، وصاحب المحيط بالإمام الشيخ العالم الحافظ أبو الحسن علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، والحافظ أبو العباس بن عقدة، وأبو علي الصفار، وصاحب شمس الأخبار رضي الله عنهم، وعلى الجملة: كل من ألف من آل محمد عليهم السلام وأتباعهم رضي الله عنهم في هذا الشأن يرويه ويحتج به على مرور الأزمان.
ومن العامة: أحمد بن حنبل في مسنده، وولده عبدالله بن أبي شيبة، والخطيب ابن المغازلي، والكنجي الشافعيان، والسمهودي الشافعي، والمفسر الثعلبي، ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه، رواه في خطبة الغدير من طرق، ولم يستكملها بل ذكر خبر الثقلين وطوى البقية، والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وأبو يعلى، والطبراني في الثلاثة، والضياء في المختارة، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد، وأبو موسى المدني في الصحابة، وأبو الفتوح العجلي في الموجز، وإسحاق بن راهويه، والدولابي في الذرية الطاهرة، والبزار، والزرندي الشافعي، وابن البطريق في العمدة، والجعابي في الطالبيين من حديث عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام وغيرهم.
ورفعت رواياته إلى الجم الغفير، والعدد الكثير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبي ذر، وأبي سعيد الخدري، وأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم هانيء، وأم سلمة، وجابر، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وضمرة الأسلمي، وخزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد الساعدي، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي شريح الخزاعي، وأبي قدامة الأنصاري، وأبي ليلى، وأبي الهيثم بن التيهان وغيرهم، هكذا سرد أسماءهم الحسين بن القاسم عليه السلام ومن تبعه.
وزاد في نثر الدر المكنون جماعة نذكرهم وإن تكرر ذكر بعض المخرجين لأجل من لم يسبق من الراوين، وهم: أحمد بن حنبل، وابن ماجه عن البراء، والطبراني في الكبير عن جرير، وأبو نعيم عن جندع، والبخاري في التاريخ، والطبراني، وابن قانع عن حبشي بن جنادة، وابن أبي شيبة، وابن عاصم والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني في الكبير عن مالك بن الحويرث، وابن عقدة في الموالادة عن حبيب بن بدر بن ورقا، وقيس بن ثابت، وزيد بن شراحيل الأنصاري، والخطيب عن أنس بن مالك، والحاكم، وابن عساكر عن طلحة والطبراني في الكبير عن عمرو بن مرة، وأحمد، والنسائي، وابن حبان، والحاكم، والضياء عن بريدة، والنسائي عن عمر بن ذر، وعبدالله بن أحمد عن جماعة منهم: عن ابن عباس، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة]، انتهى نقلاً من لوامع الأنوار.

(1/78)


: زيد بن ثابت(1)، وزيد بن أرقم، وأبو ذر، وغيرهم، وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في مواضع كثيرة(2)
__________
(1) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي أبو خارجة استصغر يوم بدر فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشهد ما بعدها وكان يكتب لرسول الله الوحي والمراسلات ولم يشهد شيئاً من حروب علي عليه السلام ، قال ابن عبد البر في الإستيعاب بهامش الإصابة ج1/ ص554، وكان مع ذلك يفضل علياً ويظهر حبه ، انتهى ، وكان من علماء الصحابة وفقهائهم وأهل الفرائض توفي سنة خمس وأربعين على الصحيح وقيل غير ذلك وعمره ست وخمسون وقيل أربع وخمسون .
الطبقات ـ خ ـ لوامع الأنوار الجزء 3 ص84 ، الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص554 ، الإصابة ج1 ص561.
(2) ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حديث الثقلين في مواضع كثيرة يردده ويؤكده زيادة في الحجة وتوضيحاً لعظيم منزلة عترته أهل بيته فمن تلك المواضع :
أولاً : في غدير خم عند انصرافه من حجة الوداع .
ثانياً : يوم عرفة في خطبته الشهيرة المعلومة عند المسلمين في حجة الوداع أيضاً .
ثالثاً : بعد انصرافه من الطائف .
رابعاً : بالمدينة في مرضه الذي توفي فيه عندما خرج يتهادى بين رجلين وقد تقدم وسيأتي .
خامساً : بالمدينة أيضاً في مرضه الذي توفي فيه ، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه ، وقال : ((ائتوني بكتاب ودواة))، وغير ذلك من المواضيع الشهيرة المتعددة ، وكل هذه المواقف من المواقف والمقامات الشهيرة التي لا يمكن إنكارها ولا يستطيع أحد ردها أو تكذيبها أو تضعيفها .
والألفاظ في الروايات تختلف كما قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي في لوامع الأنوار في الجزء الأول ص50.
[وفي ألفاظها : ((إني تارك فيكم ، ومخلف فيكم ، وقد تركت فيكم ، وبلفظ : ثقلين ، وخليفتين ، وأمرين ، وما إن تمسكتم به ، وإن اعتصمتم به ، وما إن أخذتم به لن تضلوا ، وفيه : لا تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)) انتهى].

(1/79)


وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق(1))).
وعن سلمة بن الأكوع(2): أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي)).
__________
(1) قال الإمام الحافظ مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار الجزء الأول ص95:
[وقد أخرجه ـ أي خبر السفينة ـ من المحدثين: الحاكم في مستدركه، وابن الأثير في نهايته، والخطيب ابن المغازلي في مناقبه، والكنجي في مناقبه، وأبو يعلى المحدث في مسنده، والطبراني في الثلاثة، والسمهودي في جواهر العقدين، وأخرجه الإسيوطي في جامعيه، وأخرجه الملا، وأخرجه ابن أبي شيبة ومسدد، وهو في كتاب الجواهر للقاسم بن محمد اليمني الشقيفي، وهو في ذخائر المحب الطبري الشافعي، وأخرجه غيرهم ممن يكثر تعدادهم وأكثرهم أخرجه بطرق كثيرة من عدة من الصحابة منهم: علي كرم الله وجهه، وابن عباس، وأبو ذر الغفاري، وسلمة بن الأكوع، قلت: وأبو سعيد الخدري، وابن الزبير، وأخرجه عن عمار أحمد بن حنبل، وعن أنس أحمد، والترمذي، وعن ابن عمر الطبراني أفاده السيوطي]، انتهى من اللوامع.
(2) سلمة بن الأكوع ، واسم الأكوع سنان بن عبدالله ، ويقال : عمرو الأسلمي شهد بيعة الرضوان وبايع ثلاث مرات وكان شجاعاً فارساً فاضلاً غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات وانتقل إلى الربذة بعد مقتل عثمان إلى قرب وفاته بليال ثم عاد إلى المدينة وتوفي بها سنة أربع وسبعين .

(1/80)


وعن أبي سعيد الخدري قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي قبض فيه أخرجه علي والعباس حتى وضعاه على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين لن تعمى قلوبكم، ولن تزل أقدامكم، ولن تقصر أيديكم أبداً ما أخذتم بهما: كتاب الله سبب بينكم وبين الله فأحلوا حلاله، وحرامه)).
قال: فعظم من كتاب الله ما شاء، ثم سكت حتى رأينا أنه لايذكر شيئاً)) فقام عمر، وقال: يانبي الله: هذا أحدهما قد أعلمتنا به فأعلمنا الآخر، فقال: ((إني لم أذكره إلا وأنا أريد أن أخبركم به غير أنه أخذني الريق فلم أستطع أن أتكلم: ألا وعترتي ألا وعترتي ألا وعترتي)) ثلاث مرات، ((والله لايبعث رجل يحبهم إلا أعطاه الله نوراً حتى يرد على الحوض يوم القيامة، ولايبعث الله رجلاً يبغضهم إلا احتجب الله عنه يوم القيامة)) ثم حملاه على فراشه في حديث طويل.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).

(1/81)


وروى زيد بن أرقم، وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالا: نظر إلى علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وقال: ((أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم(1))).
والحديث: أن أبا ذر لما أخذ بحلقة الكعبة، وقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من قاتلني في المرة الأولى، وقاتل أهل بيتي في المرة الثانية كان في شيعة الدجال، وإنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق)).
وعن ابن مسعود: ((إن لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فرقة وجماعة فجامعوها إذا اجتمعت فإذا افترقت فكونوا في النمط الأوسط، ثم ارقبوا أهل بيت نبيكم، فإن حاربوا فحاربوا، وإن سالموا فسالموا، فإن زالوا فزولوا معهم حيث زالوا، فإنهم مع الحق لن يفارقهم، ولن يفارقوه)).
وعن الحسين بن علي عليهما السلام: ((من سمع داعينا أهل البيت فلم يجبه أكبه الله على منخريه في النار)).
__________
(1) أخرجه الترمذي في صحيحه ج2 ص319، ورواه ابن ماجه في صحيحه 14، ورواه الحاكم في مستدركه ج3 ص149، ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص523، وذكره المتقي في كنز العمال ج6 ص216 نقلاً عن ابن حبان في صحيحه، وفي ج7 ص102 نقلاً عن ابن أبي شيبة، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والطبراني، والحاكم، والضياء المقدسي، وذكره المحب الطبري في ذخائره ص25، وقال: أخرجه أبو حاتم، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ج2 ص442، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج7 ص136، ورواه في أسد الغابة ج3 ص11، ورواه الهيثمي في مجمعه ج9 ص169، قال: ورواه الطبراني في الأوسط، انظر فضائل الخمسة ج1 ص297.

(1/82)


وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن شهر بن حوشب(1)، قال: كنت عند أم سلمة إذ استأذن رجل، فقيل له: من أنت؟ فقال: أنا أبو ثابت مولى علي بن أبي طالب، فقالت أم سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابت ادخل، فدخل، فرحبت به، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها، فقال: تبع علي بن أبي طالب، قالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض(2))).
__________
(1) شهر بن حوشب أبو سعيد ويقال أبو عبدالله وقيل غير ذلك الأشعري الشامي ، مولى أسماء بنت زيد بن سكن، قال أحمد بن حنبل : ما أحسن حديثه ووثقه ، وقال العجلي : تابعي ثقة ، ووثقه يحيى بن معين ، توفي سنة إحدى عشرة ومائة.
(2) روي بألفاظ متقاربة، فلنذكر بعضها، فمنها: ما رواه الترمذي في صحيحه ج2 ص298 مسنداً عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار))، ورواه الحاكم في المستدرك ج3 ص124، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، وذكره الرازي في تفسيره في آخر تفسير البسملة.
ومنها: ما رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص122 بنحو ما ذكره الحاكم هنا عن أم سلمة باختلاف يسير، قال في آخر الخبر: علي مع القرآن والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وذكره المناوي في فتح القدير ج4 ص356، والمتقي في كنز العمال ج6 ص153 مختصراً، ورواه الهيثمي في مجمعه ج9 ص134 عن أم سلمة، قال: ورواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه ابن حجر أيضاً في صواعقه ص74، والشلبنجي في نور الأبصار ص72، قالا: وأخرجه الطبراني في الأوسط ورواه أيضاً في صواعقه ابن حجر ص75، انظر فضائل الخمسة ج2 ص122.

(1/83)


وروى(1) بإسناده عن علي عليه السلام، قال: كنت أبايع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، فلما ظهر الإسلام وكثر أهله، قال: ((ياعلي ألحق فيها وعلى أن تمنعوا رسول الله وذريته من بعده مما منعتم منه أنفسكم وذراريكم)) قال علي عليه السلام: فوضعتها والله على رقاب القوم، وفى بها من وفى، وهلك بها من هلك.
[الآية التاسعة]: قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، جاء في التفسير، أن الناس: الذي جمع أبو سفيان، والذي زادهم إيماناً علي بن أبي طالب، وذلك في قصة حمراء الأسد، وهمَّ أبو سفيان بالرجوع، وقيل: في موعد أبي سفيان بدر الصغرى وكلا القصتين بعد أحد.
__________
(1) أمالي أبي طالب: 126، مجموع الإمام زيد بن علي عليه السلام: 402، 403.

(1/84)


سورة النساء
[الآية العاشرة]: قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، روى الناصر للحق بإسناده عن أبي مريم الأنصاري قال: سألت جعفر بن محمد الصادق، فقلت: يا أبا عبدالله، أخبرني عن هذه الآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}؟ قال: كان علي والله منهم.
[الاختلاف في {أُولِي الْأَمْرِ }]
وقد اختلف المفسرون في أولي الأمر:
فقيل: أمراء السرايا، عن أبي هريرة، وابن عباس، والسدي، وأبي علي(1).
وقيل: العلماء، عن جابر، وابن عباس، ومجاهد، والحسن، وعطا.
وقيل: الخلفاء الأربعة.
وقيل: المهاجرون والأنصار، عن عطا.
__________
(1) أبو علي : محمد بن عبدالوهاب الجبائي المعتزلي، شيخ المعتزلة ومن أهل علم الكلام، قال الإمام المهدي : هو الذي سهل علم الكلام، وكان ممن يقول بتفضيل أمير المؤمنين علي عليه السلام حكاه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في الجزء الأول في المقدمة، له الكثير من المؤلفات في علم الكلام، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة بالبصرة.

(/)


وقيل: الصحابة، عن بكر بن عبدالله(1).
وقيل: الأئمة والسلاطين، عن ابن زيد(2).
وقالت الشيعة: المراد علي بن أبي طالب، والأئمة من ولده، وهذا هو الأوجَه؛ لوجوه:
منها: أنهم أجمعوا أن علياً مراد بالآية على اختلاف أقاويلهم، واختلفوا فيمن عداه.
ومنها: أنه أوجب طاعته مطلقاً، ولايجب كذلك إلا المعصوم.
__________
(1) بكر بن عبدالله بن عمر بن هلال المزني أبو عبدالله البصري أحد الأعلام قال ابن سعد : كان ثقة ثبتاً مأموناً حجة فقيهاً ، عده الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام من القائلين بالعدل والتوحيد من أهل البصرة، توفي سنة ست أو ثمان ومائة .
(2) علي بن زيد بن جدعان بضم الجيم وسكون المهملة القرشي التيمي أبو الحسن البصري الأعمى تابعي ، قال الذهبي : كان من أوعية العلم على تشيع فيه عده السيد صارم الدين الوزير وابن حميد وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة ، وقال السيد صارم الدين : أحد أعلام الشيعة وأوعية العلم ، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة.

(1/85)


ومنها: أنه قرن طاعته بطاعة الله ورسوله، وذلك يوجب أن طاعته واجبة ظاهراً وباطناً فتوجب العصمة ولا يدعي لأحد ما قالوه من العصمة سوى علي بن أبي طالب.
ومنها: أنه أوجب طاعة أولي الأمر فلا بد من بيان، وأجمعوا أن طاعته واجبة، واختلفوا فيمن عداه.
والذي يؤيده: ما رواه أبو ذر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني(1))).
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله، قال لعلي: ((اللهم أدر الحق معه حيث دار)).
__________
(1) روي هذا الخبر بألفاظ متوافقة إلا أن في بعضها غير متصلة، وفي بعضها متصل، وبعضها في خبر آخر، ونذكر بعض ذلك:
منها: ما رواه الحاكم في المستدرك، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني))، قال الحاكم: حديث صحيح الإسناد، ورواه أيضاً ج3 ص129 بطريق آخر.
ومنها: ما رواه في المستدرك أيضاً ج3 ص123 بسنده عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني)) قال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه أيضاً في ج3 ص146، وذكره الذهبي في الميزان ج1 ص323، وصححه، وذكره الهيثمي في مجمعه ج9 ص135، وقال: رواه البزار ورجاله ثقات، وذكره المحب الطبري في الرياض النضرة ج2 ص167، وقال: خرجه أحمد في المناقب، وأخرجه النقاش، انظر فضائل الخمسة ج2 ص106، 254.

(1/86)


وروى أسعد بن زرارة(1)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أوصى الله إليَّ في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين(2))).
[الآية الحادية عشر]: قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83].
__________
(1) أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري، أسلم قديماً وشهد العقبة، وقيل إنه أول من بايع يوم العقبة، وكان نقيباً على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سناً منه، توفي على رأس تسعة أشهر من الهجرة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل يوم بدر، وهو أول من دفن بالبقيع، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
(2) رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص137، وقال: حديث صحيح الإسناد، ورواه في كنز العمال ج6 ص7 من طريقين، ورواه ابن حجر في الإصابة ج4 ص33، ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج1 ص69، وج3 ص116، ورواه المحب الطبري في الرياض ج2 ص177، وقال: خرجه المحاملي، ورواه الهيثمي في المجمع ج9 ص121. انتهى.

(1/87)


وروى الناصر للحق عليه السلام بإسناده عن سعيد بن خثيم(1)، قال: سألت زيد بن علي عليهما السلام عن هذه الآية: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ} فقال عليه السلام: (الرد إلينا نحن، والكتاب الثقلان، فالرد منا وإلينا).
قال الناصر عليه السلام: ويؤيد ذلك أنه قرن طاعته بطاعة رسوله فوجب أن يكون في الصفوة مثله، فالرد إلى الرسول رد إلى سنته، والرد إلى أولي الأمر رد إلى ذريته لأنه قال: إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) رواه الإمام الناصر للحق عليه السلام.
وروى أيضاً بإسناده عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أقضى أمتي بكتاب الله علي بن أبي طالب فمن أحبني فليحبه، فإن العبد لاينال ولايتي إلا بحب علي)).
__________
(1) سعيد بن خثيم بضم المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية المثناة وآخره ميم وشد ، الهلالي أبو معمر الكوفي قال يحيى بن معين : شيعي ثقة وقدري ثقة ، وقال النسائي ليس به بأس وكان من تلامذة الإمام زيد بن علي عليه السلام وكان ممن شهد الوقعة وجاهد مع زيد بن علي عليه السلام وأدرك الحسين بن علي الفخي وجاهد معه ذكره أبو الفرج في المقاتل ص382، وهو أحد العلماء الذين بايعوا الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وهو معدود في ثقات محدثي الشيعة توفي سنة ثمانين ومائة (180).

(1/88)


وقد اختلف العلماء في معنى قوله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وفي قوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
فقيل: الولاة عن السدي، وأبي علي، وابن زيد.
وقيل: العلماء عن الحسن وقتادة وابن جريج.
وقيل: ذوا الرأي من الصحابة.
فعلي عليه السلام داخل فيه بإتفاق المفسرين، ولأنه أوجب الرد إليه، والقبول عنه كما أوجب في الرسول فوجب أن يكون معصوماً ليصح ذلك، وليس ذلك إلا علي بن أبي طالب، فقد ثبت عصمته دون غيره من الصحابة، ولأنه قال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب(1))).
__________
(1) حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الحاكم في المستدرك ج3 ص126، وقال: حديث صحيح الإسناد.
ورواه أيضاً بطريق آخر ج3 ص127، ورواه الخطيب البغدادي في التاريخ ج4 ص348، وبطريق آخر ج7 ص172، وبطريق ثالث ج11 ص48، وبطريق رابع ج11 ص49، ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ج4 ص22، وابن حجر في تهذيب التهذيب ج6 ص320، وج7 ص427، والمتقي في كنز العمال ج6 ص152، والمناوي في فيض القدير ج3 ص46، وقال: أخرجه العقيلي، وابن عدي والطبراني، والحاكم عن ابن عباس، وابن عدي، والحاكم عن جابر، ورواه الهيثمي في المجمع ج9 ص114، والمتقي في كنز العمال ج6 ص156، وقال: أخرجه الطبراني.
ورواه البغدادي في التاريخ ج2 ص377، والمحب الطبري في الرياض ج2 ص193، والمتقي في كنز العمال ج6 ص401، والمناوي في الحقائق ص43، وابن حجر في الصواعق ص73، انظر فضائل الخمسة ج2 ص281.
وفي حاشية على الأصل قال فيها: رواه المنصور بالله عليه السلام في الشافي من عشر طرق مسندة، فعن علي عليه السلام من ثلاث طرق، وفيها: أنا دار الحكمة وعلي بابها، وأخرجها الترمذي، وأبو نعيم، والكنجي عن علي عليه السلام،ورواها علي بن الحسين في كتاب المحيط بالإمامة مسنداً عن المرشد بالله عليه السلام، وعن جابر من طريقين، وعن ابن عباس رضي الله عنه من خمس طرق وفي الرابعة: أنا مدينة الجنة وعلي بابها، فمن أراد الجنة فليأتها من بابها، ولها من كتب العامة طرق واسعة وفي بعضها: ومن لم يأت المدينة من بابها فهو سارق، وقد قال تعالى: {فأتوا البيوت من أبوابها}، تمت من خط الوالد العلامة صلاح بن أحسن نور الدين لطف الله به.

(1/89)


[الآية الثانية عشرة]: قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}...الآية [النساء:95]، أجمعت الأمة على أن علي بن أبي طالب رأس المجاهدين، وأنه لم يبلغ أحد مبلغ جهاده، فقالت الشيعة: فيه نزلت هذه الآية.
وأكثر أهل التفسير أن قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} فيه نزلت.
[الآية الثالثة عشرة]: وقوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ}، فيه نزلت، وكان كاشف الكروب عن وجه رسول الله، والمجاهد بين يديه، وكما سبق جميع الأمة في العلم، والعمل والإختصاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم سبقهم في الجهاد، فلم يروَ لأحد ماروي له من مقاماته المشهورة، وجهاده في غزواته المأثورة، وكمال خصاله حمل الناس على عداوته، ودفعه عن مقامه، ولحسدهم إياه بادروه في القتال، وأظهروا فيه سوء المقال، ثم فعلوا بذريته ماهو مشهور.
[بعض مقامات أمير المؤمنين علي عليه السلام في الجهاد]
فمن مقاماته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر وهو أول حرب شهدها ففعل بهم الأفاعيل، وأحصى له خمس وأربعون من الجرح والقتل، وقيل سبعون وما قارب ذلك كل منهم مشهور، وأسماؤهم منقولة حتى قال أبو جهل لعنه الله: وسأل عنه ابن مسعود، فقال: علي، فقال: هو الذي فعل الأفاعيل، وما بقي للصلح موضعاً.

(1/90)


ثم كان مقامه بأحد، وقد انهزم الجماعة، ولم يبق إلا خمسة علي أحدهم فقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى خضب سيفه ويده من دماء صناديد الكفرة، ووقى بنفسه المختار صلى الله عليه وآله وسلم حتى روى أبو رافع أنه سمع صوتاً من السماء يقول: لاسيف إلا ذو الفقار، ولافتى إلا علي.
وروى أبو رافع قال: كان راية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع علي عليه السلام يوم أحد، وكان راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي، وأخذها جماعة بعده وقتلهم(1)وتراجع المسلمون وانهزم الكفار.
__________
(1) المشهور والمعلوم الذي لاخفاء به أن أمير المؤمنين عليه السلام كان حامل لواء المسلمين يوم أحد أعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت راية المشركين مع بني عبد الدار أخذها منهم جماعة قتلهم علي عليه السلام، فكانت أولاً مع طلحة بن أبي طلحة فبرز له علي عليه السلام فقتله وسقطت الراية، ثم أخذها أخوه أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، فأخذها أخوه عثمان بن أبي طلحة، فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، فأخذها أخوه مسافع بن أبي طلحة، فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، فأخذها أخوه الحارث بن أبي طلحة، فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، فأخذها أبو عزيز بن عثمان، فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، فأخذها عبدالله بن أبي جميلة، فقتله علي عليه السلام، وسقطت الراية، ثم أخذها ارطأة بن شرحبيل، فقتله علي عليه السلام، ثم أخذها مولا لبني عبد الدار يقال له صوأب، فضربه علي عليه السلام على يمينه فقطعها، فأخذ الراية بشماله، ثم ضربه على شماله فقطعها، فضم الراية بين يديه فضربه علي عليه السلام على أم رأسه فقتله، وإلى هذا أشار الإمام الحسن بن بدر الدين في منظومة أنوار اليقين حيث يقول:
وهو الذي دهده يوم أحد .... سبعاً من الرايات بين الأسد
يوم مواساة النبي المهدي .... وجاءه بذي الفقار المهدي

(1/91)


وروى زيد بن علي عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: كسرت يد علي عليه السلام يوم أحد وفي يده لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحاماه الناس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ضعوه في يده الشمال فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.
ثم مقامه يوم الخندق عند اجتماع الأحزاب يوم زاغت الأبصار ((وبلغت القلوب الحناجر، وتظنون بالله الظنونا))، وقال المنافقون: ((ماوعدنا الله ورسوله إلا غروراً))، فقتل عمرو بن عبد ود بعد أن برز وطلب البراز، وكاع الناس، وذلك مقام لايعادله مقام إلى يوم الدين، وذلك لعلي أمير المؤمنين.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لقتال علي مع عمرو بن عبد ود أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة(1))).
ومن مقاماته عليه السلام قتله عامر بن الطفيل أحد الشياطين، وأدرك منه ثأر المسلمين.
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك ج2 ص32 بسنده عن سفيان الثوري، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج13 ص19 عن إسحاق بن بشر القرشي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، ورواه الفخر الرازي في تفسيره الكبير في تفسير سورة القدر.

(1/92)


ومن مقاماته عليه السلام يوم خيبر ماهو معروف مشهور فروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سار إلى خيبر بعث عمر مع الناس إلى حصنهم فانهزم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأبعثن إليهم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لايرجع حتى يفتح الله على يديه)) فتطاول الناس لقتالهم، ثم مكث ساعة، وقال: ((أين علي؟)) قالوا: هو أرمد، قال: ((ادعوه)) فلما جاء قال علي: أتيته ففتح عيني، ثم تفل فيهما، ثم أعطاني اللواء، فخرجت حتى أتيتهم، فبرز مرحب يرتجز وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب .... شاكي السلاح بطلٌ مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فبرزت إليه أرتجز وأقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... كليث غاباتٍ كريه المنظره
أضرب بالسيف رؤوس الكفرة .... أكيلكم بالصاع كيل السندرة
فالتقينا فقتله الله على يدي، وانهزم أصحابه، وتحصنوا وأغلقوا الباب، وأتيت الباب فلم أزل أعالجه حتى فتحه الله، رواه الناصر(1)للحق بإسناده.
__________
(1) خبر فتح خيبر رواه الجم الغفير، والعدد الكثير من الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، ومن غيرهم من المحدثين فرواه من أهل البيت الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر الأطروش، والإمام أبي طالب، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن بن بدر الدين، وأخيه الحسين بن بدر الدين.
قال المولى العلامة نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي رحمة الله عليه: [رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة، عن أبي سعيد وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه وتجبينهم إياه، وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عمران بن الحصين، وعن سهل، وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمر، وعن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر من مناقبه.
وروى ابن المغازلي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله...إلخ الحديث)) عن إياس بن سلمة، عن أبيه من طريقين، عن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن أبي سعيد الخدري من طريق، وعن بريدة من طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص بطريق، وفي بعضها زيادة، وبعضها نقص، وكذا رواه في خصائص النسائي عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد، فأما عن سعد بن أبي وقاص فبثلاث طرق وكلها متفقة على ما يفيد عصمة علي عليه السلام، وكذا رواه في الخصائص عن أبي هريرة من أربع طرق، وعن عمران بن الحصين، وعن الحسن بن علي عليه السلام]، انتهى.
ورواه في صحيح البخاري في الجهاد والسير، ورواه أيضاً في كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب، وباب غزوة خيبر، ورواه مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، ورواه البيهقي أيضاً في سننه ج6 ص362، وأبو نعيم في الحلية ج1 ص26، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده ج5 ص322، والنسائي في خصائصه ص6، ورواه أحمد أيضاً ج4 ص51، وابن سعد في الطبقات ج2 ص80، وذكره عبد البر في الإستيعاب ج2 ص450، والمتقي في كنز العمال ج5 ص284، وقال: أخرجه ابن أبي شيبة، ورواه المحب الطبري في الرياض ج2 ص185، وقال: أخرجه أبو حاتم، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ج10 ص320، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج8 ص5، ورواه الترمذي في صحيحه ج2 ص300، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص124، ورواه ابن ماجه ص12، ورواه الحاكم في المستدرك ج3 ص38، ورواه صاحب حلية الأولياء ج1 ص62، ورواه ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب ج7 ص337، فضائل الخمسة ج2 ص182.

(1/93)


وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى(1) عن أبيه(2): أن الناس قالوا له: قد أنكرنا من علي أمراً، إنه يخرج في البرد في الملائين الخفيفين، وفي الصيف في الثوب الثقيل والحشو، قال: فسألت عن ذلك علياً، فقال: أو ماكنت معنا بخيبر؟ قلت: بلى، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا بكر وعقد له لواء فرجع منهزماً عن أصحابه يجبن أصحابه، ويجبنونه، ثم عقد لعثمان لواءاً فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله على يديه)) فأرسل إليّ وأنا يومئذ أرمد، فجئته فتفل في عيني، وقال:
__________
(1) عبدالرحمن بن أبي ليلى واسمه بشار، ويقال: بلال، ويقال : داوود بن بلال بن أحيحة، أبو عيسى الأنصاري الكوفي، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، من كبار التابعين وثقاتهم، وثقه ابن معين والعجلي، قال : أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أخذ عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان من شيعته ومحبيه وخواصه، وشهد معه معركة الجمل، وبايع الحسن بن الحسن الرضا، وخرج مع محمد بن عبدالرحمن الأشعث على الحجاج، استعمله الحجاج على القضاء ثم ضربه ليسب علياً عليه السلام، توفي في معركة الجماجم سنة ثلاث وثمانين .
(2) أبو ليلى الأنصاري، اسمه بلال وقيل : بُلَيْل؛ تصغير بلال، وقيل: داوود؛ وقيل غير ذلك، وكنيته أبو ليلى بن بلال بن أحيحة بن الجلاح أبو عبدالرحمن، شهد أحداً وما بعدها، نزل الكوفة، وعاش إلى زمن أمير المؤمنين علي عليه السلام وشهد معه مشاهده جميعها، وقُتل بصفين سنة سبع وثلاثين .

(1/94)


((اللهم اكفه الحر والبرد)) فما وجدت بعد ذلك لاحراً ولا برداً.
وروى لنا عن السيد أبي طالب عليه السلام، عن محمد بن بندار(1)، عن الحسن بن سفيان(2)، عن عبد العزيز بن سلام، عن علي بن الحسن بن شقيق(3)
__________
(1) محمد بن بندار الآملي ، أبو عبدالله ، يروي عنه الإمام أبو طالب الهاروني ، وهو أحد مشائخه المكثر عنهم الرواية ، ذكر ذلك في طبقات الزيدية .
(2) الحسن بن سفيان بن عامر الحافظ ، شيخ خراسان أبو العباس الشيباني النسوي، ويقال فيه النسائي، تفقّه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه.
قال الحاكم : محدث خراسان في عصره متقدماً في الثبت والكثرة والفهم والفقه والأدب . وقال ابن حبان : كان الحسن ممن رحل وصنف على تيقظ مع صحة الديانة والصلابة في السنة . وقال أبو بكر الرازي : ليس للحسن في الدنيا نظير . وقال الذهبي في الميزان : أما الحسن بن سفيان فثقة مسند ما علمت به بأساً وكان عديم النظير . خرج له أئمتنا الثلاثة الدعاة السادة : المؤيد بالله ، وأبو طالب ، والمرشد بالله .
توفي سنة 303 ثلاثمائة وثلاثة ، وهو صاحب الحسن الكبير ، ذكره في الطبقات .
(3) علي بن الحسن بن شقيق بن دينار العبدي ، أبو عبد الرحمن المروزي . قال أحمد : ليس به بأس ، وقال العباس بن مصعب : كان جامعاً وكان في الزمان الأول يُعَدُّ من أحفظهم بكتب ابن المبارك .
توفي سنة خمس وعشرين ومائتين 225هـ . خرج له الجماعة إلا أبو داود ، وخرج له الإمام أبو طالب ، والمرشد بالله . ذكره في الطبقات.

(1/95)


، عن أبي حمزة(1)، عن ليث(2)
__________
(1) أبو حمزة السكري ، محمد بن ميمون ، محدث كان ثقة ثبتاً نبيلاً جواداً حلو الكلام . قال النسائي : لا بأس بابن حمزة إلا أنه قد كان ذهب بصره في آخر عمره ، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد ، قال الذهبي : حديثه يقع عالياً في صحيح البخاري وبالإجازة . توفي سنة سبع أو ثمان وستين ومائة . خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة، وذكره في الطبقات.
(2) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ، مولاهم ، أبو الحارث الإصبهاني ، عالم مصر وفقيهها ورئيسها ، ولد سنة أربع وتسعين ، وقيل : كان أفقه من مالك ، وثقه ابن معين وأحمد ، قال في التذكرة : كان كبير الديار المصرية وعالمها ، وقال أحمد : ما في المصريين أثبت منه .
وتوفي سنة 157هـ سبع وخمسين ومائة ، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني ، وأينما أطلق الليث في كتب أئمتنا فهو المراد به . ذكره في الطبقات .

(1/96)


، عن أبي جعفر محمد بن علي، عن جابر قال: شقّ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واصحابه مايلقون من أهل خيبر، فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأبعثن(1) بالراية مع رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) فدعا علياً، وإنه يومئذ لأرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء(2)، قال: ففتح الله عليه، فجعل المسلمون لايدرون كيف يأتونهم، فقرع علي الباب، ثم اقتعله، فوضعه على عاتقه، ثم أسنده لهم وصعدوا عليه حتى مروا، ففتحه الله فنظروا بعد ذلك إلى الباب فما حمله دون أربعين رجلاً.
ومن مقاماته عليه السلام قتل أسد بن غويلم فاتك العرب خرج وسأل البراز فأحجم الناس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ياعلي اخرج إليه ولك الإمامة بعدي)) فخرج فضربه على مفرق رأسه فذهب السيف في بدنه حتى مر نصفين فرجع وهو يقول شعراً
ضربته بالسيف وسْط الهامة .... بشفرة صارمة هدامه
فبتكت من لحمه عظامه .... وبينت من أنفه إرغامه
أنا علي صاحب الصمصامة .... أخو نبي الله ذي العلامه
قد قال إذ عممني العمامة .... أنت الذي بعدي لك الإمامه
أنت أخي ومعدن الكرامه
ومن مقامامته: بهوازن عند انهزام الناس ثبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى هزم القوم.
ومن مقاماته: أسر عمرو بن معدي كرب فارس العرب جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمامته في عنقه.
__________
(1) الذي في الأمالي: لأبعثن بالراية أو باللواء مع رجل يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله - لا أدري بأيتهما بدأ - قال : فدعا علياً عليه السلام.
(2) في الأمالي : اللواء أو الراية، قال: مر، ففتح الله عليه قبل أن يتتام آخرنا حتى ألجأهم إلى قصر، قال: فجعل المسلمون .... إلخ.

(1/97)


ومن مقاماته عليه السلام في غزوة بني المصطلق وقتل مالكاً وابنه حتى انهزم القوم، وفي هذه الغزوة أسرت جويرية فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتزوج بها.
وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بني قريظة حتى كان الفتح.
وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح.
وفي الجملة ما شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من المشاهد إلا وهو شاهدها وهو صاحب رايته إلا يوم تبوك لكنه استخلفه على المدينة.
وإذا ثبت ذلك وقد فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وجب أن يكون هو أفضل من غيره من الصحابة.
وبهذه الآية نستدل بأن زيد بن علي عليهما السلام كان أفضل أهل زمانه لأنه جمع الخصال، ودعا إلى جهاد أعداء الدين.
ومتى قيل: أليس الصحابة كانوا يجاهدون أيضاً؟
قلنا: بلى، ولكن لم يجمعوا من الخصال ماجمعه هو، ولذلك أجمعت الأمة أنه أفضل منهم كأبي دجانة وغيره، ومن وقع النزاع في التفضيل بينه وبينهم أبو بكر وعمر وعثمان، ولم يكن لهم من المقام ماكان له عليه السلام فلم يروى لأبي بكر قتال، ولاروي أنه قتل أحداً وكذلك عمر، وعثمان.
ومتى قيل: هذا لايدل على مارويتم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رأس المجاهدين، ولم يقتل أحداً ولا قاتل بنفسه؟

(1/98)


قلنا: هو كان صاحب الأمر والجهاد صدر منه فحاله بخلاف حال أولئك، وبعد ففضله لأجل النبوة، سواء جاهد أو لم يجاهد، وبعد فقد كان رسول الله يقاتل على ماروي عن علي: (كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أقرب الناس إلى العدو)، وقُتل أُبَي بن خلف يوم أحد، وثبت في جميع المشاهد عند انهزام أصحابه.
ومتى قيل: هم وإن لم يجاهدوا بأنفسهم فجاهدوا بآرائهم.
قلنا: أرأيت أن علياً لم يكن له رأي بل كان يجاهد بنفسه ورأيه ثم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورهم تطييباً لقلوبهم، وإلا فهو كان غنياً عن رأيهم ومشورتهم.
ـــــــــــــــــــ

(/)


سورة المائدة
[الآية الرابعة عشرة]: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].
روي عن جماعة المفسرين أن هذه الآية من قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [المائدة:3]...إلى آخر الآية نزلت يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم واقف بعرفات، وروي أنه كان على ناقته العضباء.
وروي أنه لم ينزل بعدها شيء، وعاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدها إحدى وثمانين يوماً، فلا بد أن يكون ذلك أمر عظيم مما مَنَّ الله على المسلمين به، وتمم عليهم تبيانه.
ومعلوم أنه تعالى قد شرع جميع الشرائع قبل ذلك فلم يبق إلا أنه أمره أن ينص على علي بالإمامة، ويجعله الحجة على خلقه، وحفظ دينه، فلما بلغ غدير خم، ونزل قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]، على مانبينه من بعد من ما نزل في واد ليس بموضع النزول، ونص عليه، وبين فضله وشرفه، وأنه القائم بعده مقامه، وكان المشركون يقولون: إنه أمير لايقوم بعده مقامه أحد، ولاولد له فبين تعالى أنهم يئسوا من ذلك حيث نص عليه، وتمم به الشرع والدين، وهذا فضيلة ظاهرة.

(1/99)


[الآية الخامسة عشرة]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}...الآية [المائدة:54].
روي عن بعض المفسرين أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه قاتلوا أهل الردة عن الحسن، وقتادة(1)، وابن جريج(2)، وغيرهم.
وقيل: نزلت في الأنصار عن السدي.
__________
(1) قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب، البصري، الأكمه، أحد الأعلام كان تابعياً عالماً كبيراً من أهل العدل والتوحيد، وقد رمي بالقدر، ولم يصح عنه، ذكره المنصور بالله، وابن حميد من أهل العدل والتوحيد، توفي كهلاً سنة سبع أو ثمان عشرة ومائة.
(2) ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي، الأموي مولاهم المكي، الفقيه صاحب التصانيف، وأحد الأعلام، أدرك صغار الصحابة، ولم يحفظ عنهم.
قال أحمد: كان من أوعية العلم وثقه ابن معين إذا روى من الكتاب وقال أحمد: هو أول من صنف الكتب، ولد سنة نيف وسبعين، وقيل: ثمانين، وتوفي سنة خمسين ومائة، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: تسع وأربعين، وقد جاوز المائة.

(1/100)


وقيل: في أهل اليمن عن مجاهد(1)، وروى مرفوعاً.
وقيل: في أهل فارس، وروى أيضاً ذلك مرفوعاً........
وذكر الشريف المرتضى: أنها نزلت في أمير المؤمنين، ومن قاتله، قال: وروي ذلك أيضاً عن علي، وابن عباس، وعمار، قال: ومما يقوي ذلك أنه تعالى وصف من عناه بالآية بأوصاف وجدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام مستكملاً لها بالإجماع وهو قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يوم خيبر يوم دفع إليه الراية وفرَّ من فر، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لايرجع حتى يفتح الله على يديه)).
ثم قال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} وصفه بالرفق والتواضع مع المؤمنين، وشدة النكاية في الكافرين.
ثم قال: {يُجَاهِدُونَ} وصفه بقوة الجهاد وأنه لايخاف في الله لومة لائم، ولاشبهة في قصور كل مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين، فكان عليه السلام معروفاً بكشف الغم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفر عن مقام قط، ولا نكص عن قرانٍ قط، فالآية تكاد تعلم أنه المعني بها دون غيره ضرورة ممن لم يكن له موقف، ولا قتيل.
__________
(1) مجاهد بن جبر بفتح الجيم وإسكان الموحدة وآخره راء مهملة، مولى السائب بن السائب أبو الحجاج المكي المقري الإمام المفسر، ولد سنة 21هـ، وكان إماماً في القرآن والتفسير، روى عن أبي هريرة وابن عباس، وقرأ عليه، وروى عن أم سلمة، وجابر، وعائشة، وأم هانئ، وعن علي عليه السلام، وغيرهم الكثير، وثقه ابن معين، وأبو زرعة، قرأ عليه ابن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وتوفي سنة أربع ومائة.

(1/101)


[الآية السادسة عشرة]: قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55].
قيل: نزلت الآية في علي لما تصدق بخاتمه وهو راكع عن مجاهد، والسدي.
وعن أبي ذر في حديث: أن سائلاً سأل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، وكان علي راكعاً، فأومى إليه بخنصره اليمنى، وكان متختماً، فأخذ السائل الخاتم، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، قال: ((يارب إن موسى سألك، فقال: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي(25)وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي(26)}، {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31)وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي(32)} [طه: من32:25]، اللهم وأنا رسولك وصفيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري)) فنزل جبريل عليه السلام بقوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}...الآية.
وقد ذكر جماعة أنها نزلت في جماعة المؤمنين، والذي يبين صحة ماقلنا أنه وصف المعنى بالآية بصفات لاتليق بجميع المؤمنين:
أحدها: أنه قال وليكم فجعل له من الولاية مثل ما لله ولرسوله، وهو وجوب الطاعة.
وثانيها: أنه قال: يؤتون الزكاة وهم راكعون، يعني في حال الركوع ولم يرو ذلك لأحد غيره.
ثالثها: أن دخوله تحت الآية مجمع عليه، ودخول غيره مختلف فيه، ولادليل عليه.
ورابعها: أنه لايخلو إما أن يراد بالولي الأولى فلا يليق إلا به، والموالاة ظاهراً وباطناً فكذلك.
وخامسها: إجماع أهل البيت عليهم السلام أنها نزلت فيه.

(1/102)


وسادسها: أن كل من قال المراد بالمولى الإمامة، قال: إنه المعني بالآية، وقد ثبت أن المراد بالولي الأولى وهو الإمامة.
[حديث الموالاة والغدير]
[الآية السابعة عشرة]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].
المروي عن جماعة أنها لما نزلت هذه الآية قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بغدير خم، وأخذ بيد علي ورفعها حتى رأى بعضهم بياض إبطه، ثم قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) قالوا: اللهم نعم، قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) فقام عمر وقال: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنشأ حسان(1) أبياتاً أنشد بها بعد أن استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إنشادها، يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم .... بخُمٍّ فأسمع بالرسول منادياً
وقال فمن مولاكم ونبيكم .... فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت نبينا .... ومالك منَّا في الولاية عاصياً
فقال له: قم ياعلي فإنني .... رضيتك من بعدي إماماً وهادياً
هناك دعا اللهم وال وليه .... وكن للذي عادا علياً معادياً
__________
(1) حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي من بني النجار، شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام، أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان، مات قبل الأربعين في خلافة علي عليه السلام وله مائة وعشرون سنة، ستون في الجاهلية؛ وستون في الإسلام، فهو مخضرم .

(1/103)


وقد ذكر أهل التفسير والنقل مثل ذلك، وروي عن ابن عباس، والبراء بن عازب(1)، ومحمد بن علي أنه لما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده، وقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) فقال عمر: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
__________
(1) البراء بن عازب الأنصاري الأوسي الحارثي أبو عمارة، صحابي جليل القدر استصغره النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر فلم يشهدها، وشهد أحداً وما بعدها، وشهد بيعة الرضوان، وشهد مع علي عليه السلام جميع مشاهده: الجمل، وصفين، والنهروان، نزل الكوفة وتوفي بها بعد السبعين في أيام مصعب بن الزبير.

(1/104)


[تواتر حديث الموالاة والغدير]
وحديث المولاة وغدير خم قد رواه جماعة من الصحابة، وتواتر النقل به حتى دخل في حيز التواتر رواه: زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب(1) الأنصاري، وجابر بن عبدالله، واختلفت ألفاظهم، وزاد بعضهم ونقص بعض.
ففي حديث جابر وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف من حجة الوداع، ووافى الجحفة أمر بسمرات فقممن أو دوحات، وكان يوماً حاراً ما أتى علينا يوماً أشد منه، وإن أحدنا ليستظل بثوبه، ويبل الخرقة فيضعها على رأسه من شدة الحر، وأمر فوضع له شيء عالٍ فقام عليه هو وعلي، ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) يقولها ثلاثاً، فقام عمر، وقال: هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال جابر: وكنا اثني عشر ألفاً.
__________
(1) أبو أيوب الأنصاري: خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي النجاري من بني النجار، شهد العقبة وبدراً وما بعدها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة نزل عليه وأقام عنده شهراً، وكان شجاعاً صابراً براً تقياً محباً للغزو والجهاد، شهد مع الوصي عليه السلام مشاهده كلها، وكان من خيار أنصاره وأعوانه ومحبيه وممن يفضله ويقدمه وتخلف عن بيعة أبي بكر، عاش إلى أيام بني أمية، وكان يسكن المدينة، ثم رحل إلى الشام، غزا القسطنطينية فحضر الوقائع فمرض فأوصى أن يُوغل به في أرض العدو، فلما توفي دفن في حصن القسطنطينية، وكان موته سنة اثنتين وخمسين، رحمة الله عليه.

(1/105)


وعن زيد بن أرقم، قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: ((كأني قد دعيت فأجبت إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال الله تعالى مولاي، وأنا ولي كل مؤمن ومؤمنة ثم أخذ بيد علي، وقال: من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)).
قال أبو الطفيل(1): قلت لزيد أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ماكان بالدوحات أحد إلا وقد رآءه بعينه وسمعه بإذنه.
[مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الرحبة]
وعن أبي الطفيل(2)
__________
(1) أبو الطفيل : عامر بن واثلة بن عبدالله بن عمير الكناني، ولد عام أحد، أدرك ثمان سنين من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، له رؤية ورواية، صحب علياً عليه السلام وكان من وجوه شيعته ومن محبيه، وكان منه بمحل خاص، وشهد معه مشاهده كلها، خرج طالباً بدم الحسين مع المختار بن عبيد الثقفي، وأخرج محمد بن الحنفية من سجن عارم، وسكن الكوفة ثم سكن مكة وأقام بها حتى مات سنة (100هـ)، وقيل (102هـ)، وقيل (107هـ) وقيل (110هـ) على الصحيح، رحمة الله عليه ورضوانه.
(2) أما حديث المناشدة يوم الرحبة، فقد رواه الجم الغفير:
فقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن جماعة منهم:
عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن وهب، وزياد بن أبي زياد، وزاذان بن عمرو، وزيد بن أرقم، وعن أبي الطفيل، ورياح بن الحارث، وبريدة وغيرهم.
ورواه النسائي في خصائصه عن زيد بن أرقم، وعمرو بن سعد روايتين، وسعيد بن وهب، ويزيد بن يثيغ، وعمرو ذي مر.
ورواه أبو نعيم عن عميرة بن سعد.
ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة عن أبي أيوب الأنصاري، وفيها عن عمر.
ورواه صاحب كنز العمال عن زيد بن أرقم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعن جابر بن سمرة، وعن جرير بن عبدالله البجلي، وعن علي عليه السلام، وعن عمير بن سعد، وعن سعد بن وهب، وزيد بن يثيغ، ورواه ابن حجر في الإصابة عن زر بن حبيش عن حبة بن جوين العرني، وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، وعن الأصبغ بن نباتة البناني، وعن أبي الطفيل أيضاً.
ورواه ابن الأثير عن جندع بن عمرو بن مازن، وعن الأصبغ بن نباتة، وفيه:
فقام بضعة عشر رجلاً فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو عمرة بن محصن، وأبو زينب، وسهل بن حنيف، وخزيمة بن ثابت، وعبدالله بن ثابت الأنصاري، والنعمان بن عجلان الأنصاري، وثابت بن وديعة الأنصاري، وأبو فضالة الأنصاري، وعبد الرحمن بن عبد ربه، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ألا إن الله عز وجل وليي وأنا ولي المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وأعن من أعانه)).
ورواه الطبراني في الأوسط عن مالك بن الحويرث، وعن حميد بن عمارة، عن أبيه، وعن ابن عباس، وعن أبي سعيد الخدري.
ورواه الهيثمي عن عمار بن ياسر، وعن زيد بن أرقم، وعن أبي هريرة وغيرهم.

(1/106)


أن قوماً من اليمن جاءوا إلى علي بن أبي طالب، فقالوا: يامولانا، فقال: أنا مولاكم عتاقة؟ قالوا: لا نحن قوم من العرب سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: فهاجه ذلك فنادى في الناس فاجتمعوا حتى امتلأت الرحبة، فقام، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام، ولايقوم إلا رجل سمعت أذناه ووعا قلبه، فقام اثني عشر رجلاً ثمانية من الأنصار، ورجلان من قريش، ورجل من خزاعة، والآخر لاأدري ممن هو، ثم قال لهم: اصطفوا، فقال: هاتوا ماسمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: نشهد أنا قفلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع حتى إذا كان بغدير خم، نزل ونزلنا وصلينا الظهر معه، ثم قام فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إني أوشك أن أدعا فأجيب، وإني مسؤل وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نقول اللهم قد بلغت، قال: اللهم اشهد ثلاث مرات، ثم قال: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض سألت الله ذلك لهما فأعطانيه)) ثم قال: ((أيها الناس أتعلمون أن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بكم من أنفسكم)) قال ذلك ثلاث مرات، قالوا: قلنا نعم، قالوا: وهو آخذ يدك بيده حتى عرفناك باسمك، وعرفناك بيدك، وهو يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال أيضاً ذلك ثلاث مرات.
وقد روى حديث غدير خم ابن عباس، وسعد بن أبي وقاص في حديث طويل، ورواه أبو هريرة أيضاً.

(1/107)


وعن ابن عباس قال: ((علي ولي كل مؤمن من بعدي)).
وعن عمران بن حصين(1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي(2))).
وعن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: ((سألت الله تعالى فيك خمساً فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألته: أن يجمع عليك أمتي فأبى عليّ، وأعطاني فيك: أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنت معي ومعك لواء الحمد فأنت تحمله بين يدي أسبق الأولين والآخرين، وأعطاني أنك أخي في الدنيا والآخرة، وأعطاني أن بيتك مقابل بيتي في الجنة، وأعطاني أنك ولي المؤمنين بعدي)).
والخيرة في علي إمامته، وأنه كان معصوم الظاهر والباطن ولا يتغير، ويدل أن الإمامة له وفي عترته على مانقوله.
__________
(1) عمران بن الحصين، أبو نُجَيْد - بضم النون وفتح الجيم - الخزاعي البصري، أسلم عام خيبر وشهد ما بعدها، وكان من فضلاء الصحابة، وكان مجاب الدعوة، بعثه عمر إلى البصرة يفتيهم وبها مات سنة اثنتين وخمسين.
(2) رواه من قصة بريدة الجم الغفير بزيادة ونقصان كلها تدل على قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني وأنا منه)) فمن مَنْ رواه بلفظ ما ذكره الحاكم هنا: أحمد بن حنبل ج4 ص437، والحاكم في مستدرك الصحيحين ج3 ص110، وأبو داود الطيالسي في مسنده ج3 ص111، وأبو نعيم في حليته ج6 ص294، والمتقي في كنز العمال ج6 ص399 نقلاً عن ابن جرير، وعن ابن أبي شيبة، ورواه النسائي في خصائصه ص23.

(1/108)


سورة الأنعام
[الآية الثامنة عشرة]: قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26].
قالت الناصبة: إنها نزلت في أبي طالب كان يمنع الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يتبعه، ورووا ذلك عن عطاء(1)، ومقاتل(2)، وربما يروونه عن ابن عباس.
[الأدلة على إسلام أبي طالب]
ورووا عن مقاتل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمع الملأ من قريش عنده يريدون سوءاً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويسألون أبا طالب تسليمه إليهم فأبا وأنشا يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم .... حتى أوسد بالتراب دفينا
فاصدع بأمرك ماعليك غضاضة .... أبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي .... فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت ديناً قد علمت بأنه .... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة .... لوجدتني سمحاً بذاك أمينا
قال: وروي أنه لما توفى جاء علي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخبره بموته قال: اذهب فواره.
ورووا أنه تشفع له حتى يكون في ضحضاح من النار فالجواب:
__________
(1) عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم المكي، أبو محمد القرشي، مولى ابن خشيم، ولد في آخر خلافة عثمان، ونشأ بمكة، ورأى عقيل بن أبي طالب، وأبا الدراداء، قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة، قال ابن سعد: كان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث، انتهت إليه الفتوى بمكة، مات سنة أربع عشرة ومائة في رمضان، وعاش مائة سنة.
(2) مقاتل بن سليمان الأزدي البلخي المفسر أبو الحسن عن مجاهد، والضحاك، وابن بريدة، وعطاء بن أبي رباح، وأبي إسحاق السبيعي، والزهري، وعنه حرمي بن عمارة، وعلي بن الجعد، والمغيرة بن عبدالله، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وغيرهم، قال الشافعي: الناس عيال على مقاتل في التفسير، توفي سنة خمسين ومائة.

(1/109)


أما الآية فليس في ظاهرها شيء مما ذكروا، وما ذكروه عن الظاهر وبئس الكلام ولئن ماتقدم وما تأخر كلها في ذم القوم.
وقيل: إن الآية نزلت في كفار مكة عن مجاهد، والسدي، والضحاك(1)، ومحمد بن الحنفية(2).
__________
(1) الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو القاسم، ويقال: أبو محمد مولاهم، الخراساني، يروي عن ابن عباس، وزيد بن أرقم، وابو سعيد الخدري، قيل: وعن علي عليه السلام، وحذيفة، وابن مسعود، وروى عنه عبيد بن سليمان، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو سعيد البقال، وكثيرون ذكرهم في الطبقات.
وثقه أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، قال الثوري: خذوا التفسير عن أربعة: عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك، وهو المراد أينما ورد مطلق عند أئمتنا عليهم السلام، توفي سنة خمس وقيل ست ومائة.
(2) محمد بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، الهاشمي ، أبو القاسم ، المشهور بابن الحنفية نسبة إلى أمه ، واسمها خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة بن لجيم من سبي أهل الردة ، وقيل غير ذلك .
ولد محمد بن الحنفية لسنتين بقيتا من خلافة عمر وسماه أمير المؤمنين عليه السلام محمد وكناه أبا القاسم لحديث روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام : ((سيولد لك بعدي غلام وقد أنحلته اسمي وكنيتي ، ولا تحل لأحد من أمتي بعده))، كان من علماء العترة وفضلائهم ، وكان شجاعاً شديد القوة ، وحضر مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه الجمل وصفين والنهروان ، وجاهد فيها جهاد الأبطال وكان يحمل راية أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل . توفي سنة ثمانين في الأصح ، وعمره سبع وستون سنة ، وقبره بالطائف .

(1/110)


ومعناه ينهون عن إتباعه غيرهم، وينأون عنه، ولأن قوله: ينهون عنه خرج مخرج الذم، ولأن أبا طالب كان يقرب منه رباه صغيراً ونصره كبيراً، وقام بأمره كهلاً، وناشئاً.
وقد ثبت بالنقل أنه كان مسلماً، وثبت بإجماع أهل البيت أنه أسلم وإجماعهم حجة، وعلى أن نقلهم أولى من نقل غيرهم لأنهم أولاده، فهم أعلم بأحواله.
وقد روي في حديث الإستسقاء أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى ما رأى من المعجز [لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قوله]، فأنشده أمير المؤمنين الأبيات التي مدحه بها(1).
__________
(1) وحديث الإستسقاء هو ما أخرجه البيهقي عن أنس بن مالك، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكى الجدب والقحط، وأنشد أبياتاً، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صعد المنبر، فرفع يديه إلى السماء ودعا، فما رد يديه حتى التفت السماء بأبراقها، ثم بعد ذلك جاءوا يضجون من كثرة المطر خوف الغرق، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم حوالينا ولا علينا))، وضحك صلى الله عليه وآله وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ((لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قوله؟)) فقال علي عليه السلام: كأنك تريد قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه .... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم .... وهم عنده في رحمة وفواضل
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أجل)).

(1/111)


وروى ابن عمر أن أبا بكر جاء بأبيه أبي قحافة يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألا تركت الشيخ فأتيته)) وكان أعمى، فقال أبو بكر: أردت أن يأجره الله تعالى، والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت، صدقت.
وروى أبو الحسن علي بن مهدي الطبري(1)، قال: روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دعا أبا طالب إلى الإسلام، قال له: ما أشد تصديقنا لحديثك، وأقبلنا لنصحك، وهؤلاء بنو أبيك قد اجتمعوا وأنا كأحدهم، وأسرعهم والله إلى ماتحب فامض لما أمرت به، فإني والله تابعك ماحييت، ولا أسلمك حتى يتم أمرك، وأما أنت ياعلي فما بك رغبة عن الدخول فيما دعاك إليه ابن عمك، وإنك لأحق من وازره، وأنا من ورائكما حافظ، ومانع، فسر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وشد أبو طالب أزره، وقبل ظهره، وأنشأ:
وبالغيب آمنا وقد كان قومنا .... يصلون للأوثان قبل محمد
وقال:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً .... نبياً كموسى خط في أول الكتب
أليس أبونا هاشم شد أزره .... وأوصى نبيه بالطعان وبالضرب
__________
(1) علي بن محمد بن مهدي الطبري ، أبو الحسن ، ويقال : علي بن مهدي الطبري نسبة إلى جده، أحد الرواة عن الإمام الناصر لحق الحسن بن علي الأطروش عليه السلام، عالماً متكلماً فقيهاً مفسراً مصنفاً حافظاً لأيام العرب وأشعارها ، روى عنه السيد أبو طالب كثيراً في الأشعار ، صحب أبا الحسن الأشعري مدة بالبصرة .

(1/112)


وروى الطبري(1) أيضاً أن رؤساء قريش لما رأوا ذب أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتمعوا إليه، وقالوا: جئناك بفتى قريش جمالاً وجوداً وشهامة: عمارة بن الوليد، ندفعه إليك يكون نصره وميراثه لك، وتدفع إلينا ابن أخيك الذي فرق جماعتنا وسفه أحلامنا، فنقتله، قال أبو طالب: والله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم فأغذوه، وأعطيكم ابني فتقتلوه بل فليأت كل رجل منكم بولده فأقتله، وهموا بالإغتيال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فمنعهم أبو طالب من ذلك، وقال فيه:
منعنا الرسول رسول المليك .... ببيض تلألا كلمع البروق
أذب وأحمي رسول المليك .... حماية حام عليه شفيق
فأما الخبر فلا يصح مع ماكان إليه من أبي طالب من النصرة والقيام بأمره، ومع ماعليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الرحمة وشرف الأخلاق لايقول عند موت عمه اذهب فواره، وكان بعد موته يطلب ناصراً ويتردد في المواقف، ويعرض نفسه فلا يجد ناصراً.
وأما حديث الشفاعة فأجمعت الأمة أنه لاشفاعة للكفار، والعجب من قوم يروون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زار قبر أمه وبكى فلما سئل قال: رأيت ماهي فيه من العذاب، ولم أغن عنها شيئاً، ثم يروون في أبي طالب الشفاعة، ويروون أن لاشفاعة للكفار، ويروون أن أبا طالب مات كافراً ويشفع له، فيروون الشيء وخلافه، ولايعلمون مايروون.
__________
(1) المراد به: أبو الحسن علي بن مهدي الطبري السالف الذكر، ذكره في أمالي أبي طالب: 359.

(1/113)


سورة الأعراف
[الآية التاسعة عشرة]: قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}...الآية.
[الآية العشرون]: وقوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}...الآية.
ذكر شيخنا أبو القاسم(1) البلخي في تفسيره عن علي، قال: فينا نزلت أهل بدر.
__________
(1) أبو القاسم البلخي : هو عبيدالله بن أحمد بن محمود العكبي البلخي المعتزلي ، إمام معتزلة بغداد ، له كتاب السند ، وكتاب الطبقات والمقالات ، صحب الإمام محمد بن زيد الداعي ، وصحب الإمام الناصر الأطروش ، وإليه تُنسب الكعبية من فرق المعتزلة، توفي ببلخ في أيام المقتدر العباسي سنة 317هـ.

(1/114)


وذكر هشام في تفسيره عن علي عليه السلام أني لأرجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة(1) والزبير(2) من الذين قال فيهم الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}.
__________
(1) طلحة بن عبيدالله أبو محمد القرشي، كان من السابقين في الإسلام والهجرة، وشهد المشاهد كلها غير بدر، وسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طلحة الجود، وكان من خطباء الصحابة وأهل الثروة فيهم، وكان من المحرضين على قتل عثمان، بايع علياً عليه السلام طائعاً ثم نكث البيعة مع الزبير وخرج على أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل في 35ألفاً، وقتل يوم الجمل، قتله مروان بن الحكم وكان في جيشه سنة 36هـ.
(2) الزبير بن العوام الأسدي، أمه صفية بنت عبدالمطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أسلم قديماً، وهاجر وشهد المشاهد كلها، وكان فارساً شجاعاً بايع طائعاً لعلي عليه السلام ثم نكث البيعة مع طلحة وخرج على أمير المؤمنين في معركة الجمل، قتله ابن جرموز في وادي السباع بعد أن اعتزل الحرب لما ذكَّره أمير المؤمنين عليه السلام حديثاً، وفيه يقول علي عليه السلام: (ما زال الزبير منا حتى نشأ ولده المشؤم عبدالله)،، وقتل وعمره سبع وستون سنة.

(1/115)


وذكر ابن جرير(1) عن علي عليه السلام نحوه، قال: فقام إليه رجل من همدان، وقال: الله أعدل من ذلك، قال: فغضب، ثم قال: إذا لم يكن نحن فمن.
وعن ابن عباس(2): نزلت في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي عليه السلام، وطلحة، والزبير، وابن مسعود، وعمار، وسلمان، وعبد الرحمن بن عوف.
__________
(1) ابن جرير: محمد بن جرير بن يزيد بن هارون الطبري أبو جعفر، صاحب التفسير الكبير والتاريخ الشهير، ومن مصنفاته كتاب الولاية في طرق حديث الغدير، ويسمى كتاب الإمامة، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم، عادته الحنابلة لما أنكر عليهم، ومنعوا الناس من الدخول عليه، قال فيه بعض النواصب : كان يضع الحديث للروافض، ذكره السيد صارم الدين في ثقات محدثي الشيعة، كان ولادته سنة أربع وعشرين ومائتين، وتوفي ببغداد سنة ستة عشرة وثلاثمائة عن تسعين سنة.
(2) الذي رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الجزء الأول ص (317) في قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[سورة الحجر:47] بسنده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال : نزلت في علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر وعقيل وأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد والحسن والحسين عليهم السلام .
وروى الطبراني في الأوسط بسنده عن أبي هريرة أن علياً عليه السلام قال : يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم فاطمة، فقال : فاطمة أحب إليَّ منك؛ وأنت أعز عليَّ منها، وكأني بك وأنت على حوض تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة إخواناً على سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} لا ينظر أحد في قفا صاحبه، ذكره صاحب مجمع الزوائد ج9ص173.
ويؤيده ما ذكره صاحب الشواهد أيضاً في سورة الأعراف في قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[سورة الحجر:47] بسنده عن عبدالله بن مليل عن علي عليه السلام قال: نزلت فينا.
وما رواه أيضاً بسند عن أبي موسى الجهني عن الحسن بن علي عليهما السلام، قال: فينا والله نزلت.
ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في الفضائل في باب فضائل علي عليه السلام، الحديث رقم (140) .

(1/116)


[الآية الحادية والعشرون]: قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ}...الآيات [الأعراف:48].
روى الضحاك عن ابن عباس: أن الأعراف موضع عال على الصراط عليه العباس، وحمزة، وعلي، وجعفر عليهم السلام يعرفون محبيهم ببياض الوجوه، ومبغضيهم بسواد الوجوه.
وقيل: هم فضلاء المؤمنين عن الحسن ومجاهد.
وقيل: شهداء الآخرة عن ابن عباس.
وعلى أي وجه صار فأمير المؤمنين مراد بها داخل في ضمنها.
[الآية الثانية والعشرون]: قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181].
قيل: هم المهاجرون والأنصار عن عطاء.
وقيل: العلماء.
وقيل: هم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن الربيع(1) بن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم)) وهذا يوافق قوله: لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كتاب الله وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
__________
(1) الربيع بن أنس الكندي، أو الحنفي البصري، نزيل خراسان، قال ابن حجر : رمي بالتشيع، وقال أبو حاتم : صدوق، وقال أبو مالك : حبس بِمَرْو ثلاثين سنة، توفي سنة تسع وثلاثين ومائة، خرج له الأربعة وأئمتنا الخمسة إلاَّ الجرجاني.

(1/117)


سورة الأنفال
[الآية الثالثة والعشرون]: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25].
قيل: نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير.
عن الحسن وقال الزبير: لقد قرأنا هذه الآية زماناً وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها، فخالفنا حتى أصباتنا خاصة.
وقيل: نزلت الآية في أهل بدر عن السدي.
وقيل: في الصحابة عن ابن عباس.
فالفتنة: ماكان عليه من خالف علياً عليه السلام في الجمل وصفين والنهروان.
واختلف المفسرون في المراد بقوله: ((فتنة)).
قيل: عذاباً عن أبي علي، وأبي مسلم، وهو المروي عن ابن عباس.
وقيل: الضلالة عن زيد(1).
وقيل: اختباراً وبليةً عن الحسن.
وقيل: هرجاً.
وقيل: عذاب استئصال.
واختلفوا في قوله: {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}:
قيل: لاتصيب إلا الظالم خاصة عن أبي علي.
وقيل: لاتصيب الظالم وحده بل من لم يأمر بمعروف، ولم ينه عن منكر تصيبه عن ابن عباس.
وقيل: معناه لاتصيبن إلا الذين ظلموا.
وقيل: لازائدة أي تصيبن الذين ظلموا.
وقيل: أراد بها نقم فالظالم يصيبه العذاب، وغير الظالم فتنة وبلية، وعلى هذا فلا أن يحمل على الهرج أو عذاب إستئصال.
وقيل: أراد به القحط.
وفي حديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمار: ((إنه سيكون من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم ويقتل بعضهم بعضاً، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب)) في حديث طويل ذكرناه في سورة العنكبوت.
__________
(1) زيد بن الحباب - بضم الحاء مهملة وبموحدتين بينهما ألف – العلكي أبو الحسين الخراساني الكوفي الحافظ الجوال، دخل الأندلس في طلب الحديث، وثقه ابن المديني وأبو حاتم وابن معين، توفي سنة ثلاث ومائتين.

(1/118)


عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((إنك قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)) فلما بويع علي عليه السلام قام خزيمة بن ثابت على المنبر، وأنشأ يقول:
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا .... أبو حسن مما نخاف من الفتن
وجدناه أولى الناس بالناس إنه .... أطب قريش بالكتاب وبالسنن
وإن قريشاً ماتشق غباره .... إذا ماجرى يوماً على الضمر البدن
وفيه الذي فيهم من الخير كله .... وما فيهم كل الذي فيه من حسن
وعن عبدالله بن سلمة(1) أنه قال: لقيت عماراً بصفين شيخاً آدم طويلاً، آخذاً الحربة بيده، وهو يقول: والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله ثلاث مرات، وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفان هجر لعرفنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، وأنهم على الضلال.
[الآية الرابعة والعشرون]: قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
نزلت الآية في الملأ من قريش لما اجتمعوا في دار الندوة، وهي دار قصي بن كلاب، وتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
فقال بعضهم: يحبس.
وقال بعضهم: ينفى من الأرض.
وأشار أبو جهل بالقتل، واتفقوا عليه، وأعدوا الرجال والسلاح.
__________
(1) عبدالله بن سلِمة - بكسر اللام - المرادي الكوفي ، قال العجلي : تابعي ثقة ، وقال عدي : أرجو أنه لا بأس به، وقال البخاري لا يتابع في حديثه، سمع علي بن أبي طالب ، وعمار بن ياسر ، وابن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وعنه عمرو بن مرة ، وأبو إسحاق السبيعي.

(1/119)


وجاء جبريل: وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج إلى الغار، وأمر علياً فبات على فراشه، فلما أصبحوا فتشوا عن الفراش وجدوا علي بن أبي طالب، ونزلت الآية: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
ومعنى: {يَمْكُرُ اللَّهُ} أي: يدبر وتدبيره خير من تدبيرهم، عن أبي مسلم.
وقيل: احتالوا في أمرك من حيث لاتعلم، وأحل الله بهم العذاب من حيث لايشعرون.
وقيل: مكروا فجازاهم الله على مكرهم.
[الآية الخامسة والعشرون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
قيل: لما أسلم أربعون نفراً نزلت هذه الآية، وكان أمير المؤمنين أولهم.
وقيل: نزلت بالبيداء في وقعة بدر قبل القتال، وكان فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب لوائه في بدر أمير المؤمنين، وهو الذي نزل أولاً مع عمه حمزة، وابن عمه عبيدة بن الحارث إلى قتال عتبة وشيبة، والوليد بن عتبة، فقتلوهم وقتل جماعة.
وكان في جميع غزوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاشف الكرب عنه يقاتل بين يديه، فهذه الآية تليق به.
وقيل في معنى الآية وجهان:
أحدهما: حسبك الله ناصراً، والمؤمنون يعينونك.
وقيل: حسبك وحسب المؤمنين الله ناصراً.

(1/120)


[الآية السادسة والعشرون]: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
قيل: نزلت الآية في أسارى بدر لما أسروا واستشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فيهم، فأشار علي وعمر بالقتل، وأبو بكر وعثمان بالبقية والفداء، ففاداهم، فعاتبه الله تعالى ونزلت الآية.
ومتى قيل: لم لا يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك؟
قلنا: كأن لم يوح إليه فيهم شيء ففاداهم، وكان ينبغي أن يصبر حتى ينزل الوحي فوقعت صغيرة، وقتل عقبة بن أبي معيط صبراً بعد الأسر قتله علي بن أبي طالب بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن ذلك كان عداوة الوليد بن عقبه لأمير المؤمنين عليه السلام.
ـــــــــــــــــــ

(/)


سورة براءة أو التوبة
[الآية السابعة والعشرون]: قوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة:1].
أجمع المفسرون ونقلة الأخبار(1) أنه لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بكر، وكان يحج بالناس هو تلك السنة، ثم أخذها منه ودفعها إلى أمير المؤمنين.
واختلفوا في تفصيل ذلك:
فقيل: بعثه ثم بعث علياً خلفه.
وقيل: بل أخذها قبل الخروج.
وقيل: رجع أبو بكر، وقال: هل نزل في شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا، إلا خيراً، لكن لايؤدي عني إلا أنا أو رجل مني)) فحج أبو بكر، وقرأ علي سورة براءة.
__________
(1) روى قصة تبليغ برآءة كثير من المحدثين، فمنهم:
محمد بن سليمان الكوفي عن أنس من روايتين، ورواه أيضاً عن جميع بن عمير، عن ابن عمر، وأخرجه النسائي في خصائصه عن سماك بن حرب عن انس، وعن زيد بن يثيغ، عن علي عليه السلام، وعن عبدالله بن رقيم عن سعد بن أبي وقاص، وعن أبي الزبير بن عبدالله الأنصاري.
وأخرجه أحمد بن حنبل عن زيد بن يثيغ، عن أبي بكر، وعن علي عليه السلام، وأبي هريرة، وعن أنس، وعن ابن عباس، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وغيرهم.

(1/121)


وقيل: نزلت سورة براءة سنة تسع، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر أميراً على الحاج ودفع إليه صدراً من براءة ليقرأها على الناس، وذهب ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وبعثه على أثره ليأخذ منه براءة ويقرأها على الناس فخرج علي على ناقة رسول الله العضبا حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه فقدما مكة فحج أبو بكر بالناس، فلما كان يوم النحر قام علي وأذن بالناس وقرأ عليهم سورة براءة.
قيل: بل قرأ يوم عرفة، وبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت قريش: نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك.
وروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن إسحاق، وجماعة: أن الذي قرأ براءة أمير المؤمنين عليه السلام.
وذكر الأصم(1) أنه دفع إلى أبي بكر فلما ولى دعاه وأخذها منه ودفعها إلى علي عليه السلام، وقال: ((لايبلغ عني إلا أنا أو رجل مني)).
ويروى أنه دفع براءة إلى أبي بكر، ثم أخذها منه ودفعها إلى علي، عن عروة بن الزبير(2)، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مايقوي ذلك، فقال: ((علي مني، وأنا منه، ولايقضي دِيني إلا أنا أو علي ـ بكسر الدال ـ)).
__________
(1) الأصم هو يوسف بن يعقوب الواسطي أبو بكر الأصم، إمام جامع واسط ومقرئها، ولد سنة ثمان عشرة ومائتين، وتوفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وقيل سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وله مائة وخمسون سنة .
(2) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي أبو عبدالله المدني ، قال ابن سعد : كان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً مأموناً، ولد سنة تسع وعشرين، توفي سنة أربع وتسعين ، وقيل : خمس وتسعين .

(1/122)


[الآية الثامنة والعشرون]: قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}...إلى آخر الآية.
قيل: نزلت في علي والعباس، وطلحة بن شيبة لأنهم تفاخروا؛
فقال طلحة: أنا صاحب البيت.
وقال العباس: أنا صاحب السقاية.
وقال علي: لقد صليت القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، عن الحسن، والشعبي، ومحمد بن كعب القرظي(1).
وقيل: تفاخر المهاجرون وسقاة الحاج، فقالوا: نحن سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام فنحن أعظم أجراً، فأنزل الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ}...الآية، عن الأصم.
__________
(1) محمد بن كعب بن سليم القرظي ، بضم القاف ، ثم الكوفي ، أبو حمزة المدني ، قال ابن عون : ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من القرظي ، وقال ابن سعد : كان ثقة ورعاً كثير الحديث ، وقال في الكاشف : حجة، وثقه أبو زرعة والعجلي، توفي سنة ست عشرة أو ثماني عشرة ومائة 116هـ، أو 118هـ، وقيل 119هـ، وقيل سنة 120هـ.

(1/123)


وقيل: قال علي للعباس رضي الله عنه: ألا تهاجر، فقال: ألست في أفضل من الهجرة أسقي الحاج وأعمر المسجد الحرام، فنزلت الآية عن ابن سيرين(1)، ومرة الهمداني(2).
[الآية التاسعة والعشرون]: قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}....الآية.
قيل: نزلت في غزوة حنين أنهزم الناس غير جماعة منهم: علي، والعباس، وأبو سفيان بن الحارث.
وعن البراء بن عازب كان العباس رضي الله عنه آخذ بلجام فرس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو سفيان آخذ بركابه، والعباس ينادي الناس، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يركض بغلته على العدو، فلما سمع الناس كلام العباس (يامعشر المهاجرين والأنصار) (يامعشر أصحاب الشجرة أرجعوا)، فقالوا: لبيك لبيك.
فقوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ} يعني بأمير المؤمنين لأن الناس انهزموا غيره، وبقي وحده يقاتل.
[الآية الثلاثون]: قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}...الآية.
قيل: نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان، عن الشعبي.
__________
(1) محمد بن سيرين الأنصاري مولاهم ، أبو بكر المصري ، إمام فقيه ، قال ابن سعد : كان ثقة عالماً رفيعاً فقيهاً إماماً كثير العلم . توفي سنة عشر ومائة .
(2) مُرَّة بن شراحيل الهمداني ، أبو إسماعيل الكوفي العابد ، ويقال له : مرة الطيب ، ومرة الخير ، وثقه ابن معين ، وقال في الكاشف : كان من العابدين . توفي في حدود التسعين، قال ابن سعد: توفي بعد الجماجم، وقيل سنة ست وسبعين .

(1/124)


وقيل: هم الذين صلوا القبلتين، عن سعيد بن المسيب(1)، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
وقيل: هم أهل بدر، عن عطاء بن أبي رباح.
وقيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، عن أبي علي.
[الأدلة على أن أمير المؤمنين أول من أسلم ومبلغ عمره]
وجميع هذه الخصال اجتمعت في أمير المؤمنين وإن افترقت في غيره.
واختلفوا في أول من أسلم:
قيل: علي بن أبي طالب عن ابن عباس، وجابر بن زيد(2)، وزيد بن أرقم، ومحمد بن المنكدر(3)، وربيعة الرأي(4)، ومجاهد، ومحمد بن كعب، وابن إسحاق.
قال مجاهد، وابن إسحاق: أسلم وله عشر سنين.
__________
(1) سعيد المسيب بن حرب بن أبي وهب القرشي أبو محمد المخزومي المزني، ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب كان سيد التابعين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والعبادة والورع، قال أبو حاتم: هو أثبت التابعين، توفي سنة أربع وتسعين عن تسع وسبعين سنة، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة والسمان.
(2) جابر بن زيد الأزدي، أبو الشعثاء - بفتح الشين معجمة ثم ثاء مثلثة وسكون العين - الجوثي - بفتح الجيم وسكون الواو ثم ثاء مثلثة – البصري، صاحب ابن عباس، توفي ثلاث وتسعين، وقيل ثلاث ومائة، والأول أكثر.
(3) محمد بن المنكدر بن عبدالله بن الهدير أبو عبدالله القرشي التيمي المدني، وثقه ابن معين وأبو حاتم، قال في التذكرة: مجمع على ثقته وتقدمه في العلم والعمل، قال الجندي : حافظ، وقال مالك : كان سيد القراء توفي سنة ثلاثين ومائتين.
(4) ربيعة الرأي هو : ربيعة بن أبي عبدالرحمن فروخ مولى آل المنكدر التيمي أبو عثمان المدني، الفقيه، وثقه أحمد وغيره، وتوفي بالأنبار سنة ست وثلاثين ومائة، خرج له الجماعة ومحمد بن منصور والمؤيد بالله والسيد أبو طالب.

(1/125)


وقال ابن إسحاق: كان علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذه من أبي طالب، وضمه إلى نفسه ورباه، فلم يزل معه حتى بعث نبياً، عن علي عليه السلام: (أنا الصديق الأكبر لايقولها غيري إلا كذاب، صليت قبل الناس بسبع سنين).
وقد قال بعضهم: أول من أسلم أبو بكر.
وقال بعضهم: زيد(1).
وقال ابن إسحاق: أسلم علي أولاً غير أنه لم يظهر إسلامه كظهور إسلام أبي بكر لأن أبا بكر قام بالدعوة، وأجابه جماعة منهم سعد وعبد الرحمن وعثمان.
وكتب معاوية إلى علي كتاباً يفتخر فيه بأنه كاتب الوحي، وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال علي مجيبا: أعليَّ يفتخر ابن آكلة الأكباد وأنشأ يقول:
محمد النبي أخي وصهري .... وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحى ويمسي .... يطير مع الملائكة بن امي
وبنت محمد سكني وعرسي .... مسوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمدٍ ابناي منها .... فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طراً .... غلاماً مابلغت أوان حلمي(2)
__________
(1) زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي اليماني، حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أسلم وصلى بعد علي عليه السلام، مَنَّ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقه، وهو والد أسامة بن زيد، شهد بدراً، وقتل شهيداً يوم مؤته سنة ثمان للهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة.
(2) وبعد هذا البيت في نسخة (ب) :
وأوجب لي الولاء معاً عليكم .... رسول الله يوم غدير خمٍّ
فويل ثم ويل ثم ويل .... لمن يلقى الإله غداً بظلم

(1/126)


وعن معاذة العدوية(1): سمعت علياً على منبر البصرة يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم.
وعن أبي رافع صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين، وصلى علي يوم الثلاثاء.
فأما سنه يوم أسلم؛
قيل: خمس عشرة سنة عن الحسن.
وقيل: ثمان سنين عن عروة.
وقيل: ثلاث عشرة، عن أبي الأسود(2).
قال السيد أبو طالب: وهو الصحيح.
وقيل: عشر سنين عن مجاهد، وابن إسحاق.
وقيل: أحد عشرة عن شريك(3).
وقيل: سبع سنين عن محمد بن علي.
وروى الناصر بإسناده عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أولكم وروداً عليّ الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب)).
وعن أنس: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين، وأسلم علي يوم الثلاثاء.
__________
(1) معاذة بنت عبدالله العدوية أم الصهباء، البصرية العابدة، قيل كانت تحيي الليل، وثقها ابن معين توفيت سنة ثلاث وثمانين.
(2) أبو الأسود الدؤلي، اسمه : ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن معمر البصري، من كبار التابعين، أول من تكلم في النحو، وهو قاضي البصرة، روى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وشهد معه صفين، وكان من أكمل الناس عقلاً وأشدهم رأياً، وكان محبباً لدى علي عليه السلام، ومن ذوي القدر والجاه ، قال العجلي : ثقة، استخلفه علي عليه السلام على البصرة فلم يزل بها حتى قتل علي عليه السلام، توفي سنة تسع وستين.
(3) شريك بن عبدالله بن أبي شريك، وهو أوس بن الحارث الكوفي النخعي القاضي، أبو عبدالله، ولد سنة (75هـ) بخراسان، أدرك عمر بن عبدالعزيز، كان من أوعية العلم، توفي سنة (177هـ).

(1/127)


وروى السيد أبو طالب بإسناده، عن أبي أيوب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه لم يصل فيها أحد غيري وغيره)).
[الآية الحادية والثلاثون]: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}،...إلى آخر الآية.
قيل: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقيل: نزلت في الأنصار، والآية بعلي أليق لأنه أوجب له الجنة، والمقطوع عليه بأنه من أهل الجنة بعينه، ولأنه وصفه بصفة تليق به، وهو قوله: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} ولأنه بين أن ذكره في التوراة والإنجيل، ولأنه موافق لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} وذلك نزل في أمير المؤمنين وهذا نظيره فإن سلمنا أنه نزل في الأنصار والمجاهدين على ماقاله بعضهم، أو في المهاجرين والأنصار، فلا شبهة أن علياً عليه السلام مراد بالآية ممدوح بها، وإنما الخلاف فيمن عداه.
[الآية الثانية والثلاثون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
اختلف المفسرون فيمن نزلت الآية:
قيل: معناه كونوا مع علي بن أبي طالب، وأصحابه، عن ابن عباس رضي الله عنهما رواه الكلبي.
وقيل: مع آل محمد عليهم السلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام.
وقيل: مع محمد وأصحابه.
وقيل: مع المهاجرين والأنصار عن ابن جريج، ولاشبهة أن علياً عليه السلام منهم، وعلى هذا المراد اعملوا بعملهم حتى تلحقوا بهم.
وقيل: أراد لازموا الصدق.

(1/128)


وعن شهر بن حوشب كنت عند أم سلمة رضي الله عنها إذا استأذن رجل فقيل له: من أنت، قال: أنا أبو ثابت مولى علي عليه السلام، فقالت أم سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابت ادخل فدخل فرحبت به، ثم قالت: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: تبع علي بن أبي طالب، قالت: وفقت، والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وعن سلمان رضي الله عنه قال: طارت القلوب مطائرها فالحمد لله لقد علمت أين طار قلبي، قلنا: وأين طار قلبك؟ قال: ويحك إلى آل محمد عليهم السلام.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة.
وعن أبي جعفر عليه السلام: لن تنال ولايتنا إلا بالورع، وليس من شيعتنا من ظلم الناس.

(1/129)


[قصة أبي العتاهية وحاضر صاحب عيسى بن زيد(ع)]
وروى(1) السيد أبو طالب الحسني بإسناده عن أبي العتاهية، قال: لما امتنعت من قول الشعر، وتركته، أمر المهدي(2) بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما دخلته دهشت وذهل عقلي، ورأيت منه منظراً هالني، فرميت بطرفي لطلب موضع آوي إليه أو رجلاً آنس به وبمجالسته، وإذا بكهل جالس حسن السمت نظيف الثوب بين عينيه سيما الخير، فقصدته، فجلست إليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شيء من أمره لما أنا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت كذلك ملياً وأنا مطرق، ومفكر في حالي فأنشد الرجل:
تعودت مس الضر حتى ألفته .... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقاً .... بحسن صنيع الله من حيث لاأدري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له تفضل أعزك الله بإعادة البيتين.
__________
(1) هذه القصة في الأمالي 119، وفي مقاتل الطالبين 359 عن محمد بن القاسم بن مهروية عن أبي العتاهية.
(2) المهدي هو محمد بن أبي جعفر المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، بويع له يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة (158هـ)، وكان منهمكاً في المعاصي واللذات والملاهي، قليل الحزم، سيء التدبير والسياسة، كثير الطلب لأهل البيت عليهم السلام والأذية لهم لقتلهم وتعذيبهم، وتوفي بماسندان سنة تسع وستين ومائة (169هـ) .

(1/130)


فقال: ويحك يا إسماعيل ـ ولم يكنني ـ ما أسوأ أدبك، وأضعف عقلك، وأقل مرؤتك، دخلت علي ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولاتوجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولاسألتني مسألة الوارد على المقيم حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك غيره خيراً، ولا أدباً، ولاجعل لك معاشاً غيره لم تذكر ماسلف منك فتتلافاه، ولااعتذرت عما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدئاً كأن بيننا أنساً قديماً، ومعرفة سابقة، وصحبة تبسط المنقبض.
فقلت له: تعذرني متفضلاً فدون ما أنا فيه يدهش.
قال: وفي أي شيء أنت إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول، وأنت لابد من أن تقوله، فتطلق، وأنا إنما يدعى بي الساعة وأطالب بعيسى بن زيد بن رسول الله، فإن دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله خصمي فيه وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك والله وأطرقت خجلاً منه.
فقال: لاأجمع عليك التوبيخ والمنع اسمع البيتين فاحفظهما وأعادهما علي مراراً حتى حفظتهما، ثم دعي به وبي، فلما قمنا.
قلت: من أنت أعزك الله.
قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه.
قال: أين عيسى بن زيد(1).
__________
(1) عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبو محمد مؤتم الأشبال ولد سنة (120هـ) تقريباً، وسمي مؤتم الأشبال لأنه لما انصرف من وقعة باخمرى عرضت للناس لبوة معها أشبالها فمنعت الناس الطريق، فأخذ سيفه ودرقته وبرز لها فقتلها، فقال بعض خدمه : يا سيدي أيتمت أشبالها ؟
قال : نعم أنا مؤتم الأشبال، شهد مع النفس الزكية معركته إلى أن قتل، وشهد مع أخيه ابراهيم باحمرى وكان حامل رايته إلى أن قتل، ثم استخفى، وبايعته الشيعة سراً بالإمامة (156هـ) بالعراق وهو ابن ثلاثين سنة، وقد خالطه الشيب وجاءته البيعة من الأهواز وواسط ومكة والمدينة وتهامة وبلغ دعاته إلى مصر والشام، وكان أعلم أهل زمانه وأورعهم وأسخاهم وأشجعهم، وخافته العباسية خوفاً شديداً، وبذل أبوجعفر المنصور وابنه المهدي الأموال الجليلة في طلبه، وبذل المهدي الأمان فقال عليه السلام : "والله لئن يبيتن ليلة واحدة خائفاً مني أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس"، وتوفي عليه السلام في أيام إختفائه شهيداً بالسم في أيام المهدي العباسي في 3من شهر شعبان سنة (166هـ) وعمره(45) سنة، وصلى عليه الحسن بن صالح.

(1/131)


فقال: مايدريني أين عيسى بن زيد طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس.
فقال له: فأين كان متوارياً، ومتى آخر عهدك به، وعند من لقيته؟
فقال: مالقيته مذ توارى، ولا أعرف له خبراً.
فقال: والله لتدلني عليه أو لأضربن عنقك الساعة.
قال: اصنع مابدا لك أنا أدلك على ابن رسول الله لتقتله وألقى الله ورسوله وهما يطالبانني بدمه، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه رحمة الله ورضوانه عليه.
فقال: اضربوا عنقه، فقدم فضربت عنقه.
ثم دعاني، فقال: أتقول الشعر أو لألحقنك به.
فقلت: بل أقول الشعر.
فقال: أطلقوه.
قال محمد بن القاسم بن مهروية: والبيتان اللذان سمعهما من حاضر رحمه الله في شعره الآن.
وروى السيد أبو طالب رحمه الله بإسناده، قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن يقاتل بباخمرا فسمع رجلاً من الزيدية، وقد ضرب رجلاً من القوم على رأسه وقال: خذها إليك وأنا الغلام الحداد، فقال إبراهيم: لم قلت أنا الغلام الحداد، قل: أنا الغلام العلوي، فإن إبراهيم صلى الله عليه يقول: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} فأنتم منا ونحن منكم لكم مالنا وعليكم ماعلينا.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام بإسناده أن جماعة جاءوا إلى شعبة يسألونه عن إبراهيم، فقال شعبة: تسألوني عن إبراهيم والقيام معه تسألوني عن أمر قام به إبراهيم بن رسول الله، والله لهو عندي بدر الصغرى.

(1/132)


وروى السيد أبو طالب بإسناده عن علي بن موسى الرضى(1)، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)).
__________
(1) الإمام علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي أمير المؤمنين عليهم صلوات رب العالمين أبو الحسن، ولد عليه السلام سنة (153هـ) بالمدينة، كان نسيج وحده ووحيد عصره علماً وفضلاً وكمالاً، بايعه بنو هاشم وأجمع أهل البيت عليهم السلام على إمامته، وبايعه أيضاً المأمون وأولاده وأمراؤه وجنوده وقواده، وأعطى المأمون الناس عطاء واسعاً للبيعة، وكانت بيعة المأمون للرضا لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، وضرب المأمون اسم الرضا على السكة والطراز وجعل له في الخطبة موضعاً، والرضى أحد أئمة الإمامية فقد أجمع الناس جميعاً على إمامته أهل البيت وبنو العباس والإمامية وغيرهم، ولم يزل المأمون يعرف حق علي بن موسى ويدين بفضله ظاهراً حتى دس إليه السم فقتله سنة (203هـ) وله من العمر (55) سنة، وهو صاحب الصحيفة المعروفة (بصحيفة علي بن موسى الرضى).

(1/133)


وروى السيد أبو طالب رحمه الله: بإسناده عن علي عليه السلام: (لاتزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه، وعن حبنا أهل البيت) قال أبو بردة الأسلمي: وما علامة حبكم؟ قال: حب هذا ووضع يده على رأس علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى السيد بإسناده عن أبي ذر قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على كتف علي عليه السلام يوم عرفة، ثم قال: ((يا علي من أحبنا فهو العربي، ومن أبغضنا فهو العلج(1))).
وبإسناده عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لايحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)).
__________
(1) أمالي أبي طالب 74، قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام في شرح الرسالة الناصحة للإخوان الجزء الثاني: "وأقول في معنى هذا الخبر : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد بالبلج: الخلط، لأن ذلك معناه في أصل اللغة لا فرق بين العلج والخلط والغث، فكأنه عليه السلام قال : من أبغضنا فهو مختلف الأصل نسبته إلى واحد، وماؤه الذي خلق منه من واحد آخر، وهذا هو العلج الظاهر، وقلنا ذلك لأن المعلوم أن من العرب من يبغضهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبراً مطلقاً أنه علج ....إلى قوله: ((من أحبنا فهو العربي)) يريد في الشرف لأن من العجم من محبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شديدة، انتهى.

(1/134)


[زيارة جابر بن عبدالله لقبر الحسين عليه السلام]
وروى السيد بإسناده عن جرير(1) عن الأعمش(2)، عن عطية(3) العوفي، قال: خرجت مع جابر بن عبدالله الأنصاري زائراً قبر الحسين بن علي عليهم السلام، فلما وردنا كربلاء، دنا جابر من شاطئ الفرات، فاغتسل ثم ائتزر بإزار، وارتدى بآخر، ثم فتح صُرَّة فيها سعد، فنثره على يديه، ثم لم يخط خطوة إلا ذكر الله، حتى إذا دنا من القبر، قال: ألمسنيه فألمسته، فخر على القبر مغشياً عليه، فرششت عليه شيئاً من الماء فلما أفاق، قال: يا حسين يا حسين يا حسين ثلاثاً، ثم قال: حبيب لايجيب حبيبه، ثم قال: وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أشباحك، وفرق بين بدنك ورأسك،
__________
(1) جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ، ثم الرازي ، أبو عبدالله القاضي، أحد المشاهير الثقات، شيعي ثبت، قال في الميزان : جرير بن عبد الحميد عالم أهل الري صدوق محتج به في الكتب ، وقال أبو حاتم : جرير يحتج به . توفي سنة ثمان وثمانين ومائة .
(2) الأعمش : هو سليمان بن مهران الأعمش الباهلي الأسدي، مولاهم، أبو محمد، ولد سنة ستين بأرض الكوفة ، قال ابن عيينة: كان الأعمش أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالحديث ، وقال العجلي : كان ثقة محدث أهل الكوفة في زمانه ، وقيل إنه بايع الإمام زيد بن علي عليه السلام وروى عنه ، وأفتى بالخروج مع الإمام إبراهيم بن عبدالله ، وكان من أفاضل الشيعة وممن يكثر الرواية في فضائل أهل البيت عليهم السلام ، وعده السيد صارم الدين من ثقات محدثي الشيعة . توفي سنة ثمان وأربعون ومائة ، وله سبع وثمانون سنة .
(3) عطية بن سعيد العوفي ، أبو الحسن الكوفي ، تابعي شهير ، ومن الشيعة المخلصين الفضلاء ، عده في الطبقات من ثقات محدثي الشيعة . توفي سنة إحدى عشرة ومائة .

(1/135)


فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء، وما بالك ألا تكون هكذا، وقد غذتك كف سيد المرسلين، وربيت في حجور المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام، فطبت حياً، وطبت ميتاً غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في الحب لك فعليك سلام الله ورضوانه، فاشهد أنك مضيت على ما مضى يحيى بن زكريا عليه السلام.
وقال عطية: ثم جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيها الأرواح الطاهرة الطيبة التي بفناء الحسين، وأناخوا حول رحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطية: فقلت لجابر بن عبدالله كيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً، والقوم فرقوا بين رؤوسهم، وأبدانهم وأوتمت الأولاد وأرملت الأزواج، فقال لي: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم فقد شرك في عملهم)).
احدرني نحو أبيات كوفان، فلما صرنا في بعض الطريق قال لي: يا عطية، هل أوصيك وما أظنني بعد هذه السفرة لاقيك أحبب محب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما أحبهم وأبغض مبغض آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما أبغضهم، وإن كان صواماً قواماً.

(1/136)


سورة يونس
[الآية الثالثة والثلاثون]: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
الهادي إلى الحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بعده، والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وروى أن الهادي أمير المؤمنين علياً عليه السلام.
[الآية الرابعة والثلاثون]: قوله تعالى: {بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.
قيل: بفضل الله ورحمته: القرآن والإسلام.
وقيل: محمد، وعلي عليهما الصلاة والسلام.
ـــــــــــــــــــ
سورة هود
[الآية الخامسة والثلاثون]: قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}.
اختلفوا في الشاهد:
قيل: هو علي عن ابن عباس رضي الله عنه يشهد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منه.
وقيل: هو القرآن عن أبي مسلم يشهد بصحة نبوته.
وقيل: جبريل عن إبراهيم ومجاهد، والضحاك.
وقيل: من الله عن أبي محمد عن أبي زيد، وأبي علي.
وقيل: هو ملك سدده.
وروى الناصر للحق عليه السلام بإسناده، وقال: قال علي عليه السلام: ما من رجل من قريش إلا وقد نزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله تعالى فقال له رجل: فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: أما تقرأ الآية من سورة هود: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} محمد على بينة من ربه وأنا الشاهد منه.
وعن جعفر بن محمد عن آبائه في قوله: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: فرسول الله على بينة من ربه، وعلي شاهد من رسوله.

(1/137)


سورة يوسف
[الآية السادسة والثلاثون]: قوله تعالى: {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}.
قيل: ومن اتبعني أصحاب محمد.
وقيل: علي وأهل بيته.
وقيل: دعاة الحق.
ـــــــــــــــــ
سورة الرعد
[الآية السابعة والثلاثون]: قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.
اختلف المفسرون في هذه الآية:
فقيل: المنذر والهادي هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن وقتادة، وأبي علي.
وقيل: الهادي هو الله، والمنذر هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس، وسعيد بن جبير(1)، ومجاهد، والضحاك.
وقيل: لكل أمة نبي يهديهم عن الزجاج.
وقيل: المنذر النبي صلوات الله عليه، والهادي علي عن ابن عباس، وروى ابن عباس، قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على منكب علي، ثم قال: ((أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي)).
وعن أبي برزة الأسلمي(2)
__________
(1) سعيد بن جُبير ، بضم الجيم وفتح الموحدة ، بن هشام الأسدي ، أحد أعلام التابعين ، وممن بايع الإمام الحسن بن الحسن الرضا بن علي بن أبي طالب ، وخرج معه على الحجاج ، فلما سئل عن ذلك ، قال : خرجت لبيعة في عنقي .
وهو من ثقات محدثي الشيعة ومن المجمع على عدالتهم عند الموالف والمخالف ، قتله الحجاج صبراً سنة خمس وتسعين وعمره خمس وأربعون سنة ، وسمع رأسه بعد أن قطع يقول : لا إله إلا الله ، ثلاثاً.
(2) أبي بَرْزَة الأسلمي ـ بموحدة مفتوحة ، ثم مهملة ساكنة ، ثم معجمة مفتوحة ، وآخرها هاء ـ نضرة بن عبيد بن الحارث ، وقيل : عبدالله بن نضرة ، هكذا في الطبقات ، وفي الإصابة والإستيعاب : نضلة بن عبيد باللام ، وفيهما أنه أصح ما جاء في اسمه ذكره الإمام الحافظ مجد الدين المؤيدي في اللوامع الجزء الثالث ص174.
أسلم قديماً ، وشهد خيبر وما بعدها ، سكن المدينة ثم البصرة ، وشهد مع علي عليه السلام قتال أهل النهروان ثم شهد قتال الأزارقة مع المهلب بن أبي صفرة ، ثم غزا خراسان ومات بها سنة خمس وستين على الصحيح .

(1/138)


، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} فأشار بيده إلى صدره ثم ردها إلى صدر علي عليه الصلاة والسلام {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} يعني علياً عليه السلام، قالها ثلاث مرات.
وعن محمد بن علي الباقر عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع يعني علياً، فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه، ومن اعتصم به أخذ بحبل الله، ومن تركه مرق من دين الله، ومن تخلف عنه محقه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومن أخذ ولايته هداه الله)).
الحجزة: الذيل، والأنزع: الأصلع، أضلَّه الله: أي حكم بضلالته.
[الآية الثامنة والثلاثون]: قوله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28](1).
ذلك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله فتحابوا.
[الآية التاسعة والثلاثون]: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد38].
قالوا: إن اليهود عيروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح، فنزلت هذه الآية، فيدل أن الحسن والحسين وأولادهما ذريته، ويدل عليه قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ}، ثم ذكر عيسى صلى الله عليه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى الحسن والحسين يمشيان فحملهم، ثم التفت إلى أصحابه، وقال: ((أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض)).
__________
(1) في (ب) : زيادة وهي : روى السيد أبو طالب رضي الله عنه بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لما نزلت هذه الآية : {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ثم ساق الحديث إلى آخره .

(1/139)


وروى علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما، وعصبتهما)).
وروى سلمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه)) (1).
[الآية الأربعون]: قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43].
واختلف المفسرون بالمعني بقوله: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}:
قيل: هو الله تعالى، عن الحسن، وسعيد بن جبير.
وقيل: (2) من آمن من أهل الكتاب، عن ابن عباس، وأبي القاسم، وأبي مسلم.
وقيل: علي.
ويؤيد ذلك ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي، ومحمد بن الحنفية، قالا: ((من عنده علم الكتاب)) علي بن أبي طالب عليه السلام.
وعن أبي الدرداء قال: العلماء ثلاثة: رجل بالشام ـ يعني نفسه ـ، ورجل بالكوفة ـ يعني عبدالله بن مسعود ـ، ورجل بالمدينة ـ يعني علي بن أبي طالب ـ، فالذي بالشام يسأل الذي بالكوفة، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لايسأل أحداً.
__________
(1) في (ب) : زيادة بعد هذا الخبر وهي : وقد بيناه في قوله تعالى في قصة المباهلة : {ندع أبناءنا وأبناءكم} فأخرج الحسن والحسين عليهما السلام ، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ((إن ابني هذا لسيد)) .
(2) في (ب) : زيادة وهي : وقيل : من آمن من أهل الكتاب ، عن قتادة وأبي علي . وقيل : علماء أهل الكتاب، عن ابن عباس وأبي القاسم وأبي مسلم . وقيل : ممن عنده علم الكتاب علي بن أبي طالب عليه السلام .

(1/140)


وروى عاصم(1)، عن أبي عبد الرحمن السلمي(2)، قال: ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن.
وعن ابن مسعود: لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني لأتيته، فقيل: يا أبا عبد الرحمن فعلي؟ قال: أولم آته.
وعن الشعبي: ما أجد أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن أبي طالب عليه السلام.
وعن عائشة، قالت: أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسنة علي بن أبي طالب وفي الحديث المشهور: أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال لفاطمة: ((زوجتك أقدم الناس سلماً، وأفضلهم حلماً، وأكثرهم علماً)).
__________
(1) عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي ، تابعي مشهور من أصحاب الإمام زيد بن علي عليه السلام ، قال ابن المديني : ثقة ، وقال النسائي : ليس به بأس ، قال أحمد : هو أعلى من الحارث الأعور وهو عندي حجة . عده السيد صارم الدين الوزير ، وابن حميد ، وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة . توفي سنة أربع وسبعين .
(2) أبو عبدالرحمن السلمي هو: عبدالله بن حبيب بن رُبَيّعة - بضم الراء وفتح الباء وكسر المثناة التحتانية - المقري الكوفي، مقرئ الكوفة وعالمها، ولد في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأبيه صحبة، قرأ القرآن وجوّده وبرع في حفظه، قال أبو اسحاق: أقرأ القرآن أربعين سنة، وثقه النسائي، وقال الذهبي: كان ثقة رفيع المحل، توفي سنة ثلاث وسبعين، وقيل سنة أربع وسبعين، وله من العمر خمس وثمانون عاماً، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة.

(1/141)


سورة النحل
[الآية الحادية والأربعون]: قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].
اختلفوا في المعني بأيهم أهل الذكر:
قيل: أهل العلم بأخبار الأمم.
وقيل: أهل الكتاب عن مجاهد والأصم.
وقيل: من آمن من أهل الكتاب.
وقيل: هم أهل البيت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدليل قوله تعالى: {ذكراً رسولاً} [...]، وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم52، والزمر:87].
[الآية الثانية والأربعون]: قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم} [النحل:89].
اختلفوا:
قيل: هم الرسل.
وقيل: عدول كل أمة.
وقيل: الأئمة في كل عصر، فعلي عليه السلام لاشك داخل فيها، ويبين صحتها قوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} [هود:17].
ــــــــــــــــــ

(/)


سورة الإسراء
قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71].
اختلفوا فيه:
فقيل: بنبيهم، عن مجاهد، وقتادة، وروى مرفوعاً.
وقيل: كتب أعمالهم، عن الحسن، والضحاك.
وقيل: بكتابهم المنزل عليهم، عن ابن زيد.
وقيل: بمن كانوا يأتمون به، عن أبي عبيدة(1) وأبي علي.
وقيل: بدينهم.
وقيل: بمعبودهم، عن محمد بن كعب(2).
__________
(1) أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن مسعود الهذلي الكوفي، وثّقه ابن حبان، قال في الكاشف: صدوق، توفي سنة 81هن وقيل 82هـ.
(2) محمد بن كعب بن سليم القرظي ـ بضم القاف ـ الكوفي ، أبو حمزة المدني ، قال ابن سعد : كان ثقة ورعاً كثير الحديث ، قال ابن عون : ما رأيت أحداً أعلم بتأويل القرآن من القرظي ، وقال في الكاشف : حجة . توفي سنة ست أو ثمان عشرة ومائة .

(1/142)


والصحيح ماذهب إليه أبو علي أن كل قوم يدعون بمن يأتمون به من نبي أو إمام وغيرهم، وقد جعل الله الأئمة على نوعين، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة:24]، وقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41]، فالداعي إلى الجنة والهدى علي بن أبي طالب، وذريته عليهم السلام، والداعي إلى النار أعداؤهم، ولاشبهة أن داعياً لو قال: هلموا إلى النار لما أجابه أحد، والمراد الداعي إلى أمور موجبة للعذاب، ودخول النار، وقد ثبت أن علياً عليه السلام كان يدعوا إلى طاعة الله وسنة نبيه، واتباع شريعته، ومن أجاب إلى ذلك دخل الجنة، وأن من خالف ذلك دخل النار، وكذلك ذريته من بعده كالحسن والحسين وزيد وابنه يحيى، وكالنفس الزكية، وغيرهم من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ومعلوم أن أعداءهم دعوهم إلى العصيان، وإيثار الدنيا، واتباع الشهوات، فلما أجابوا استوجبوا النار.
وروى أبو بردة(1) عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله عهد إلي عهداً في علي، فقلت: يا رب بينه لي، فقال: يا محمد اسمع: علي راية الهدى وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني)).
__________
(1) أبو بردة بن نِيار - بكسر النون بعدها تحتية مثناة مخففة ثم ألف وآخره راء مهملة – البَلَوي، حليف الأنصار، اسمه هانئ وقيل مالك، واسم أبيه نيار، وقيل عبدالله، كان أبو بردة من أكابر الصحابة وفضلائهم، وشهد العقبة وأحداً وما بعدها، وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام حروبه، وهو خال البراء بن عازب، توفي سنة إحدى وأربعين.

(1/143)


وروى أسعد بن زرارة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أوحى الله إليّ في علي أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وروى عمار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حقك ياعلي على المسلمين كحق الوالد على ولده)).
وفي الخبر المشهور، قال لعلي عليه السلام: ((أنت وصيي وخليفتي، وقاضي ديني))، وقد مضى.
[الآية الثالثة والأربعون] قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الإسراء:60]...الآية.
اختلفوا في هذه الرؤيا:
قيل: إنها رؤيا عين لارؤيا نوم، وهو ما رأه ليلة المعراج.
وقيل: بل رؤيا نوم.
ثم اختلفوا:
فقيل: إنه رأى أنه سيدخل مكة.
وقيل: هو ما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه أن بني أمية ينزون على منبره فاغتم لذلك، فنزلت الآية، رواه سهل بن سعد(1).
واختلفوا في هذه الشجرة:
قيل: شجرة الزقوم، ومعناه الملعون آكلها.
وقيل: هم اليهود.
وقيل: الشجرة الملعونة هم بنوا أمية.
__________
(1) سهل بن سعد بن مالك أبو العباس الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني، كان اسمه حرباً فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهلاً، وتوفي رسول الله وعمره خمس عشرة سنة، وعُمِّر حتى أدرك الحجاج، توفي سنة ثمان وثمانين، وقد بلغ المائة قيل إنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة.

(1/144)


[حال أهل البيت عليهم السلام في فتنة بني أمية]
وروي أنه قيل للحسن يا أبا سعيد قتل الحسين بن علي فبكى حتى اختلج جنباه، ثم قال: واذلاه لأمةٍ قَتل ابن دعيها ابن نبيها ـ يعني عبيد الله بن زياد.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام: بإسناده عن علي عليه السلام، قال: قال ليلة صفين: يا أيها الناس لا يفتننكم الهوى، يا أيها الناس لاتأفكوا عن الهدى، يا أيها الناس لاتقاتلوا أهل بيت نبيكم فوالله ما سمعت بأمة آمنت بنبيها قاتلت أهل بيت نبيها غيركم.
وبإسناده عن جابر(1) الجعفي، قال: قال محمد بن علي الباقر عليه السلام: إن أخي زيد خارج وإنه لمقتول، وهو على الحق، فويل لمن خذله، والويل لمن حاربه، والويل لمن قتله، قال: فلما أزمع زيد على الخروج، قلت له: إني سمعت أخاك يقول كذا، فقال: ياجابر إنه لايسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، وذلك أني شهدت هشاماً ورجلاً عنده يسب رسول الله، فقلت للساب: ويلك ياكافر أما إني لو تمكنت منك لاختطفت روحك وعجلتك إلى النار، فقال هشام لعنه الله: مه عن جليسنا يازيد، فوالله لو لم يكن إلا أنا وابني يحيى لخرجت عليه، وجاهدته حتى أفنى.
__________
(1) جابر بن يزيد بن الحارث أبو زيد الجعفي الكوفي ، من أكابر علماء الشيعة وأعيانهم وفضلائهم ، روى عن الباقر سبعين ألف حديث ، وروى عن زيد بن علي عليه السلام . قال سفيان الثوري : ما رأيت أورع منه في الحديث ، عده السيد صارم الدين الوزير من ثقات محدثي الشيعة ، وقد رماه الخصوم وقدحوا فيه على عادتهم في قدح الشيعة ، ولئن كان التشيع يعد قدحاً فأكرم به من قدح ، واتهمه النواصب بأنه يقول بالرجعة وهو بريء مما رموه به . توفي سنة ثمان وعشرين ومائة .

(1/145)


وروى(1) بإسناده عن علي بن موسى الرضى عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حَرُمَت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، وعلى المعين عليهم أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولايكلمهم الله يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب أليم)).
وعن الأعمش عمن رأى علياً بصفين يصفق بيده، ويعض عليها ويقول: (يا عجباً أعصى ويطاع معاوية).
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لايبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار)).
وعن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((حرم الله الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، ومن سبهم والمعين عليهم، {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}...الآية)).
وعن علي بن موسى، وعن أم سلمة، قالت: من سب علياً وأحباؤه، فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأشهد أن رسول الله كان يحبه.
__________
(1) الأمالي: 121، صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: 463 بزيادة: ((ومن سبّهم)).

(1/146)


وعن المنهال بن عمرو(1) قال: دخلت على علي بن الحسين(2)، فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا والله بمنزلة بني إسرائيل من آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح خير البرية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعن على المنابر، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه بحبه إيانا(3).
__________
(1) المنهال بن عمرو الأسدي ، أبو الجارود مولاهم ، الكوفي ، قال ابن معين : المنهال ثقة ، وقال أحمد : كوفي ثقة ، ووثقه النسائي ، وقال فيه الجوزجاني : سيئ المذهب ، وهذا القدح من المدح وليس من الذم كما قال المثل : (أراد أن يذم فمدح) . عده السيد صارم الدين الوزير ، وابن حميد ، وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة.
(2) علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو محمد، زين العابدين وسيد الساجدين، ولد سنة (38هـ)، سيد أهل البيت في عصره وإمام دهره، أجمع أهل البيت عليهم السلام على إمامته، وهو غني عن تعريف عارف ووصف واصف، أحد أركان الدين وأئمة المسلمين علماً وعبادة وفضلاً وورعاً وزهداً وسخاءً، حاز جميع المكارم والصفات، وهو أحد الأئمة عند الإثنا عشرية، شهد كربلاء مع أبيه وعمره (23سنة)، وكان مريضاً وأسلمه الله من قتل بني أمية حفظاً للنسل العلوي الطاهر لأنه لم يبق من أولاد الحسين غيره، وكان فصيحاً بليغاً شجاعاً لا تأخذه في الله لومة لائم، ومن تتبع مواقفه مع عبيدالله بن زياد ويزيد بن معاوية علم أن لله سر في أهل هذا البيت الطاهر، وتوفي عليه السلام سنة (94هـ) وهو ابن (58سنة) عليه السلام.
(3) رواه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، ورواه الإمام المنصور بالله عليه السلام في شرح الرسالة الناصحة للإخوان بسنده عن أبي الجارود التميمي، ورواه الإمام أبو طالب عليه السلام في الأمالي ص136 عن الحارث بن الجارود التميمي، قال : دخلت المدينة فإذا أنا بعلي بن الحسين في جماعة أهل بيته، وهم جلوس في حلقة فأتيتهم، فقلت : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، كيف أصبحتم رحمكم الله ؟
فرفع رأسه إليَّ، فقال أوَما تدري كيف نمسي ونصبح ؟ أصبحنا في قومنا بمنزلة بني اسرائيل في آل عمران، يذبحون الأبناء ويستحيون النساء، وأصبح خير الأمة يشتم على المنابر، وأصبح من يبغضنا يُعْطى الأموال على بغضنا، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه - أو قال حظه - أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قرشي، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان عربياً، فهم يطلبون بحقنا ولا يعرفون لنا حقاً، اجلس يا أبا عمران فهذا صباحنا من مسائنا.

(1/147)


[تعداد رؤوس الكفر من بني أمية]
وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا بلغ بنو أبي العاص ثمانين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً وعباد الله خولاً)).
وعن الشعبي كان خطباء بني أمية يسبون علياً، فكأنهم يرفعونه ويمدحون أسلافهم فكأنهم يكشفون عن جيفة.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ويل لبني أمية)) ثلاث مرات، رواه ابن عمر في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا}...الآية [إبراهيم:28]، قال: ((هم الأفجران من قريش بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنوا المغيرة فكفيتموهم يوم بدر، وأما بنوا أمية فمتعوا إلى حين)).
ونعود إلى الآية: فسمى الله تعالى بني أمية الشجرة الملعونة، وهو أمية بن عبد شمس.
فمنهم: عتبة بن ربيعة، وشيبة والوليد قتلوا كفاراً يوم بدر.
ومنهم: عبدالله بن عامر بن كريز حث طلحة والزبير على محاربة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، وعلى الخروج إلى البصرة، وأعان عليه بأموال كثيرة، وهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، وأبو سفيان وابنه معاوية، وابنه يزيد، وهند أمرت بقتل حمزة، وأبو سفيان هو الذي قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن جمة، ومعاوية لعنه الله قاتل علياً، ويزيد لعنه الله قاتل الحسين.
ومنهم: الحكم بن أبي العاص، ومروان بن الحكم لعنهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووالدهما.
ومنهم المروانية: عبد الملك وأولاده:
فمنهم: هشام لعنه الله قاتل زيد بن علي، والوليد بن يزيد الملحد الذي أحرق المصحف، ومروان الحمار المعروف بالإلحاد.

(1/148)


ومنهم: أبو العاص بن سعيد قتله علي عليه الصلاة والسلام يوم بدر كافراً.
ومنهم: عبدالله بن سعيد بن أبي سرح الذي ارتد عن الإسلام.
وسعد كان منافقاً، وعقبة بن أبي معيط قتل كافراً يوم بدر، وابنه الوليد بن عقبة سماه الله تعالى فاسقاً في موضعين من كتابه، وصلى وهو سكران وضرب الحد.
وأما ابن معيط، فهو أبو عمرو، قيل: كان يسمى ذكوان، أسماه أمية أبا عمرو.
وقيل: كان أمية بالشام فوقع على أمة يهودية من أهل صفورية فولدت ولداً أسماه ذكوان فاستلحقه أمية وأسماه أبا عمرو، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لعقبة بن أبي معيط حين أمر بقتله يوم بدر: إنما أنت يهودي من صفورية، ولو تقصينا خبر القوم وما ورد فيهم من الآثار لطال.
ـــــــــــــــــــ

(1/149)


سورة الكهف
[الآية الرابعة والأربعون]: قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، اختلف المفسرون:
فروي عن علي عليه السلام: أنها نزلت في أهل حروراء، وأنكر الأصم ذلك، واستدل بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، إن صح الخبر عن علي عليه السلام فلا يلتفت إلى طعن الأصم واستدلاله غير صحيح؛ لأنه يحتمل أنه كان يكفرهم كما يزعم ذلك بعض الشيعة.
وقد روى أبو أمامة(1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كلاب أهل النار الخوارج)).
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((تكون فُرقَة بين طائفتين من أمتي تمرق بينهما مارقة يقتلهم أولى الطائفتين بالحق)).
وعن علقمة: سمعت علياً عليه السلام يقول: (أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين).
ـــــــــــــــــ

(/)


سورة مريم
[الآية الخامسة والأربعون]: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}، ونظيره: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}.
روي عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} أنت اللسان يا علي بولايتك يهتدي المهتدون.
[الآية السادسة والأربعون]: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
المروي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام فما من مؤمن إلا وفي قلبه لعلي عليه السلام محبة.
واختلف المفسرون في هذه المحبة متى تكون:
قيل: في الدنيا عن ابن عباس، ومجاهد.
وقيل: في الآخرة، فإن حملناه على الأول فإضافته إليه تعالى.
قيل: لأنه بأمره ولطفه فيه.
__________
(1) أبو أمامة صُدَيّ ـ بضم الصاد المهملة ، وفتح الدال المهملة ، وتشديد الياء ـ بن عجلان الباهلي السهمي، سكن مصر ، ثم حمص ، ثم الشام ، وكان مع أمير المؤمنين عليه السلام في وقعة صفين . توفي سنة إحدى وثمانين عن مائة وست أو أحد وتسعين ، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة .

(1/150)


وقيل: يهب فيه من الخصال ما يحبونه لأجلها، وللصاحب(1) شعر:
وما حبي علياً باكتساب .... ولكن من فوائد فضل ربي
ولو لم أحو من حبيه شيئاً .... كفى منه حلاوته بقلبي
ولغيره:
أحب خمساً ولا أبغي بهم بدلاً .... حتى يعود غراب البين في البين
محمدٌ ثم سبطاه وابنته .... وخامس القوم مولانا أبو الحسن
وللصاحب أيضاً:
حب علي بن أبي طالب .... هو الذي يهدي إلى الجنة
والنار تصلى لذوي بغضه .... ومالهم من دونها جُنَّة
إن كان تفضيلي له بدعة .... فلعنة الله على السنة
__________
(1) الصاحب بن عباد ، هو : إسماعيل بن عباد أبو القاسم الصاحب الكافي ، كافي الكفاة ، كان نادرة دهره وأعجوبة عصره ، عالماً فاضلاً متكلماً ، أديباً شاعراً ، له فضائل ومناقب ، وهو صاحب الإمامين الأخوين السيدين الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين ، والإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهارونيين ، له مؤلفات ، منها : كتاب الإمامة في فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وتثبيت إمامة من تقدمه ، وله قصائد ورسائل في العدل والتوحيد في أصول الدين وغيره ، وهو من القائلين بالعدل والتوحيد كما ذكره الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام في الشافي . توفي رحمة الله عليه سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.

(1/151)


روى زيد ين علي، عن آبائه، عن علي، قال: لقيني رجل، فقال: يا أبا الحسن أما والله إني لأحبك في الله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بقول الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لعلك يا علي، أصطنعت إليه معروفاً)) قلت: والله ما اصطنعت إليه معروفاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودة)) قال: فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((طوبى لمن حبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك)).
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: ((من زعم أنه يحبني ويبغضك فقد كذب)).
ـــــــــــــــــ

(1/152)


سورة طه
[الآية السابعة والأربعون]: قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.
روى أبو سعيد الخدري لما نزل قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي باب علي وفاطمة(1) سبعة أشهر كل صلاة فيقول: ((الصلاة رحمكم الله {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33])).
وروى أبو الحمراء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقف على باب علي وفاطمة عليهم السلام، ويقول: ((السلام عليكم أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} الآية)) قال أبو الحمراء: أشهد أنه أربعين صباحاً كان يفعل ذلك.
__________
(1) في (ب): يأتي باب فاطمة وعلي عليهم الصلاة والسلام سبعة أشهر فيقول في وقت كل صلاته...إلخ.

(1/153)


سورة الأنبياء
[الآية الثامنة والأربعون]: قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء:111].
روى الربيع بن أنس قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى بعض بني أمية على منبره فشق عليه ذلك، فنزل: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}.
روى جماعة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، قال الحسن: فلم يفعلوا فأذلهم الله، وعن الحسن: لعن الله معاوية نازع الأمر أهله علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى محمود بن لبيد(1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن هذا وأشار إلى معاوية سيريد الأمر من بعدي، فمن أدركه منكم وهو يريده فليبقر بطنه.
ــــــــــــــــ

(/)


سورة الحج
[الآية التاسعة والأربعون]: قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:19]، الآيات.
قيل: نزلت في ستة نفر برزوا يوم بدر حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، عن أبي ذر، وعطاء: وكان أبو ذر يقسم بالله أنها نزلت فيهم.
وقيل: الكفار والمؤمنون، عن مجاهد.
وقيل: أهل الجنة وأهل النار.
وروي أن أول من برز يوم بدر عتبة وشيبة والوليد فخرج إليهم ثلاثة نفر من الأنصار، فقالوا: من أنتم؟ فانتسبوا، فقالوا: قوم كرام، لكنا نريد أكفاءنا من قريش، فخرج إليهم حمزة وعلي وعبيدة فقتلوهم.
[الآية الخمسون]: قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية [الحج:39].
المروي عن زيد بن علي، قال: فينا نزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الآية.
وقيل: نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجروا، وأذن لهم في القتال.
وعن زيد بن علي عليه السلام: من ينصرني، ويقاتل معي يأتي يوم القيامة أنا وهو وجدي كهاتين وأشار بأصبعيه.
__________
(1) محمود بن لبيد بن عقبة الأنصاري الأشهلي، من بني عبد الأشهل، أبو نعيم. ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اختلف في صحبته فأثبتها البخاري ونفاها مسلم، وكان من الفقهاء الثقات، توفي سنة ست وتسعين.

(1/154)


ومما روي لنا عن أبي سعيد السمان(1)، قال: بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال: (كل راية تنصب في غير الزيدية فهي راية ضلالة).
__________
(1) الشيخ الإمام الرحال أبو سعيد إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن زنجويه الرازي السمان، رحمة الله، مولده سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، عليه رأس الزيدية وعالمهم صاحب الرِّحل الكبار، متفق على إمامته وجلالته وكتابه الأمالي منه أجل كتب الزيدية في الحديث، قال الحاكم في العيون: واحد عصره في أنواع العلوم والكلام والفقه والحديث، دوّخ البلاد ولقي المشائخ، وهو في الزهد والورع ما يليق بأهل الدين، وكان يصوم الدهر ولم يحظ من الدنيا بشيء، ربما درس في بالري وربما درس في الديلم، وله كتب كثيرة في الديلم، قال ابن عساكر: قدم دمشق طالب علم، وكان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ، وذكر السيد صارم الدين في الفلك الدوار أنه قرأ على ثلاثة آلاف وستمائة شيخ، دخل الشام والحجاز والمغرب، قال الكلبي: شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم ومحدثهم، وكان إماماً بلا مدافعة في القرآن والحديث والرجال والفرائض والشروط، عالماً بفقه الزيدية، وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، وكان تاريخ الزمانة وشيخ الإسلام، انتهى.
توفي في شعبان سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة (540هـ) وقيل سنة (547هـ) وقيل سنة (543هـ) ودفن في طبرك.

(1/155)


وعن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: (لو نزلت راية من السماء لم تنصب إلا في الزيدية)، ولاظلم أعظم مما جرى على زيد بن علي وابنه يحيى وأهل بيته، والأئمة بعده، ومن نظر في الأخبار علم أنهم الذين يقاتلون وهم المظلومون، وأي ظلم أعظم ممن قتل وصلب وحرق وذري في الفرات.
[الآية الحادية والخمسون]: قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} الآية [الحج:78].
روى ابن أبي مليكة(1)، عن المسور بن مخرمة، قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: أما علمت أنا كنا نقرأ: {جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله، قال: بلى ياأمير المؤمنين، ومتى هي؟ قال: إذا كان بنوا أمية الأمراء، وبنوا المغيرة الوزراء.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((شر قبائل العرب بنوا حنيفة، وبنوا أمية، وبنوا ثقيف)).
__________
(1) ابن أبي مليكة عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة زهير بن عبدالله بن جدعان التيمي أبو بكر المكي، أدرك ثلاثين صحابياً، وثقه أبو حاتم وأبو زرعه، قال في التذكرة: كان إماماً فقيهاً فصيحاً مفوهاً متفقاً على تفقهه، توفي سنة سبع عشرة ومائة، خرج له الجماعة ومحمد بن منصور والناصر للحق والسيدان الأخوان المؤيد بالله وأبوطالب(ع).

(1/156)


سورة النور
[الآية الثانية والخمسون]: قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} الآية [النور:36].
اختلفوا في المعني بالآية:
قيل: المساجد.
وقيل: بيوت الأنبياء.
وقيل: بيوت المدينة.
وقيل: بيوت النبي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
واختلفوا في معنى ترفع:
فقيل: يتلى فيها كتابه.
وقيل: يصلى، عن الحسن.
وقيل: يبنى وترفع، عن مجاهد.
وقيل: تعظم، ولا يليق ذلك إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وذلك لأن الكتاب يتلى فيها بالوحي.
فإن قيل: فسائر بيوت المؤمنين كذلك.
قلنا: كيف والله تعالى يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11].

(/)


[الآية الثالثة والخمسون]: قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ}...الآية [النور:55].
اختلفوا فيها:
فقيل: نزلت في الصحابة آمنوا بعد الهجرة بعد ماكانوا خائفين قبلها، عن أبي العالية.
وقيل: لما رجعوا عن الحديبية وأطمعهم ووعدهم فتح مكة، عن مقاتل.
وقيل(1)
__________
(1) قال الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي عليه السلام في كتاب البرهان في تفسير القرآن في الجزء الثاني منه في تفسير سورة النور في ص264:
[وهذه الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه، وأمير المؤمنين عليه السلام، وخيار أهل بيتهما، ومن سار بسيرتهم وتبع طريقتهما إلى يوم القيامة؛ لأنهم ورثة الكتاب والعاملون به، ولهم الخلافة في الأرض إلى يوم العرض، والأرض عني بها أرض العرب والعجم، وذلك لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لايبقى على الأرض مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز أو ذل ذليل)) إما يعزهم الله تعالى فيجعلهم من أهلها، وإما يذلهم فيذلون بها: {كما استخلف الذين من قبلهم} يعني داود وسليمان: {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم} يعني دين الإسلام، وذلك عند ظهور حجة الله القائم وتمكينه أن يظهره الله على الدين كله: {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} لأنهم كانوا مطلوبين فطلبوا، ومقهورين فقهروا]، انتهى من البرهان.
ويمكن أن يكون هذا أحد الإجابات الواردة على السؤال الذي أورده الحاكم رحمه الله حين قال: ومتى قيل: كيف يصح ذلك فيهم...إلخ.

(1/157)


: نزلت في أمير المؤمنين وأولاده عليهم السلام ووعدهم بأن يستخلفهم وكل من قال إنه تعالى نص على خليفة قال إنه علي وأولاده عليهم السلام.
ومتى قيل: كيف يصح ذلك فيهم، ولم يأمنوا ولم يتمكنوا؟
قلنا: استخلفهم النبي بأمر الله ومكنهم، وأمر بطاعتهم فمنعتهم الظلمة ومكن دينهم حتى لم يقدروا على بطلانه وإن راموا أولى من ظهور الدين حتى آمنوا من تغييره وبطلانه.
ويؤيد ذلك حديث جابر وجماعة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي يوم خرج إلى تبوك: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) وقد مضى، وحديث غدير خم، وقد مضى، وقوله لعلي: ((أنت خليفتي وقاضي ديني)) وقد مضى.
روى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل لما قدم علي على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لفتح خيبر، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((لولا أن يقول فيك طائفة من أمتي ماقالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالاً لاتمر بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي، وأنك تبري ذمتي وتقاتل عن سنتي، وإنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وإنك أول من يرد عليّ الحوض، وأول من يكسى معي، وأول داخل في الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، وإن الحق على لسانك وفي قلبك، وبين عينيك)).
ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).
وروي عن أبي بكر أنه قال: علي بن أبي طالب عترة رسول الله يعني من عترته.

(1/158)


روى السيد(1) بإسناده عن أبي ذر قال: وهو آخذ بحلقة باب الكعبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لسلمان حين سأله من وصيك؟ قال: ((وصيي وأعلم من أخلف بعدي علي بن أبي طالب)) وسمعته يقول حين أخرج الناس من المسجد وأسكن علياً: ((إن علي مني بمنزلة هارون من موسى، ألا أن رجالاً وجدوا من إسكاني علياً وإخراجهم بل الله أسكنه وأخرجهم)).
ــــــــــــــــــ
سورة الشعراء
[الآية الرابعة والخمسون]: قوله تعالى: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100، 101].
روى الناصر للحق بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، قال: نزلت هذه الآية فينا وفي شيعتنا {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ}، وذلك أن الله تعالى يفضلنا ويفضل شيعتنا حتى أنا نشفع ويشفعون، فإذا رأى ذلك من ليس منهم، قالوا: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:100، 101].
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي: ((إن في السماء لحرساً وهم الملائكة وإن في الأرض لحرساً وهم شيعتك ياعلي)).
وروى الناصر بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب)) قال علي: (من يارسول الله) قال: ((هم شيعتك وأنت إمامهم)).
وروى بإسناده عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة)) وسئل الحسين: من شيعتكم؟ قال: هم الذين يمشون على الأرض هوناً بالآيات.
__________
(1) الأمالي: 68، عن جندب بن عبداله الأزدي، قال شهدت أبا ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة يقول:......إلخ.

(1/159)


ويروى عن علي عليه السلام: (ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتت به قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة).
[الآية الخامسة والخمسون]: قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].
عن البراء بن عازب، قال: لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً الرجل منهم يأكل المسنة، ويشرب العس، فأمر علياً يأتي برجل شاة، ثم قال: ادنوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة، فأكلوا وشبعوا، ثم دعا بقعب من لبن، فشرب منه، ثم قال: اشربوا على اسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبولهب، وقال: هذا مايسحركم به الرجل فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب، ثم أنذرهم ودعاهم إلى الإيمان، فقال: من يوازرني ويواخيني، ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي فسكت القوم، فقال علي أنا فأعاد ثلثاً، والقوم سكوت وعلي يقول كل مرة أنا، فقال في المرة الثالثة: أنت فقاموا يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمره عليك.
وقوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:219].
قيل: تقلبك من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة عن ابن عباس.
وقيل: أراد صلواته.
وقيل: يعرفه بين أصحابه.
وعن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((أخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم لم يصبني سفاح الجاهلية، ولم أخرج إلا من طهر)).

(1/160)


وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((إن الله خلق روحي وروح علي قبل أن يخلق آدم بما شاء الله، فلما خلق آدم أودع أرواحنا صلبه، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر لم يصبها دنس الشرك ولا عهر الجاهلية حتى أقرها في صلب عبد المطلب، ثم أخرجها من صلبه فقسمها قسمين، فجعل روحي في صلب عبدالله وروح علي في صلب أبي طالب، فعلي مني وأنا منه، علي نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي، لايحبني من يبغضه ولا يبغضني من يحبه)) روى ابن بابويه بإسناده وروى نحوه عن أبي ذر وجابر.
ــــــــــــــــــ
سورة النمل
[الآية السادسة والخمسون]: قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل:59].
قيل: هم الأنبياء، عن مقاتل.
وقيل: أصحاب محمد، عن ابن عباس، والحسن، وسفيان(1).
وقيل: هم الأنبياء والمؤمنون، عن الحسن.
__________
(1) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبدالله، أحد الأعلام، عالم عصره وزاهده، الإمام الثبت الحجة، شيعياً محباً زيدي المذهب على محكاه الإمام أبو طالب عن الواقدي، ورواه أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل، وكان من أتباع زيد بن علي عليه السلام وممن أيد الإمام النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبدالله والإمام عيسى بن زيد، قال لما قتل ابراهيم بن عبدالله: ما أظن أن الصلاة تُقبل إلاَّ أن فعلها خير من تركها، وكان متشدداً على أئمة الجور، بل عاش متخفياً خائفاً على نفسه ودينه منهم، ذكره السيد صارم الدين من ثقات محدثي الشيعة، توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، وعمره أربع وستون سنة.

(1/161)


سورة القصص
[الآية السابعة والخمسون]: قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].
قال بعض الناصبة: إن الآية نزلت في أبي طالب، وكان رسول الله يحب أن يؤمن، ولم يؤمن، ورووه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والحسن من المفسرين، وقد بينا قبل أن إسلام أبي طالب صحيح، وأجمعت العترة على ذلك، وليس في ظاهر الآية مايدل على أنه نزل فيه.
ومن عجيب رواياتهم قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره إسلام وحشي، ويحب إيمان أبي طالب، فنزل جبريل، وقال عن الله تعالى لرسوله: من تحب إيمانه لايؤمن، ومن تكره إيمانه يؤمن، ونزل قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} في أبي طالب، ونزل قوله: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53]، في وحشي قاتل حمزة.
وهذا فاسد من وجوه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب إيمان الخلق فأي إختصاص لأبي طالب في ذلك، ولايجوز أن يكره إيمان أحد، ولايرضى بكفره لأن الرضى بالكفر كفر وكراهة الإيمان كفر، ولايعلم في المجبرة أحد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد الكفر ولايريد الإيمان من أحد إلا ماحكي عن بعضهم شاذاً، وكيف يعاقب في إرادة الإيمان وهو بعث للدعاء إليه؟ وكيف يظن بربه مع فضله ورأفته أن يفعل مايغيظ رسول الله في إيمان عدوه وكفر عمه؟ وهذا كله تخليط من القوم وبعد فلن تصح روايته عن ابن عباس وغيره، ولعله من دسيس الملحدة.
فمتى قيل: فما معنى الآية، وفيمن نزلت؟
قلنا: نزل في جميع المكلفين لأنه داعي ومبين، فأما الإهتداء وغيره فليس إليه.
فأما معنى الآية فقيل: ليس إليك هدايتهم بأن تجبرهم على الإهتداء.

(1/162)


وقيل: هو الهداية إلى الجنة والثواب.
وقيل: الحكم بالهداية.
وقيل: هو اللطف الذي به يهتدي المكلف وذلك مقدور له تعالى.
فأما قوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}.
قيل: بالأدلة وهم المكلفون.
وقيل: إلى الثواب والجنة وهم المؤمنون.
وأما قوله: {مَنْ أَحْبَبْتَ}.
قيل: من أحببت هدايته.
وقيل: من أحببته لقرابته.
ــــــــــــــ
سورة العنكبوت
[الآية الثامنة والخمسون]: قوله تعالى: {الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)}.
روى ابن أبي ليلى عن أمير المؤمنين، قال: (يا أيها الناس والله لقد نزلت هذه الآية فيَّ وفي شيعتي وعدوي وفي أشياعهم قوله تعالى: {الم(1)أَحَسِبَ النَّاسُ...الآية}، فهذه في عدوي وفي أشياعهم).
وأخبر عمن مضى من الأمم السالفة كيف فتنوا وقال: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} فأنا وشيعتي من الصادقين في إيمانهم وأعمالهم وعلمهم، {وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)} هم أعدائي الكاذبون في إيمانهم وأعمالهم وعلمهم، ثم قال: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(6)} فأنا وشيعتي المجاهدون لأنفسنا والله غني عن عدوي، رواه الناصر للحق بإسناده.

(1/163)


وروى السيد أبو طالب بإسناده عن علقمة(1)، والأسود(2) قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا: يا أبا أيوب إن الله تعالى أكرمك بنبيه إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيفاً لك فضيلة من الله فضلك بها، أخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب.
قال أبو أيوب: فإني أقسم لكما لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا البيت الذي أنتما فيه، وما في البيت غير رسول الله وعلي جالس عن يمينه، وأنا جالس عن يساره، وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب، فقال صلى الله عليه: يا أنس انظر من بالباب، فخرج أنس ونظر، قال: هذا عمار بن ياسر، فقال صلى الله عليه: افتح لعمار الطيب المطيب، ففتح أنس الباب ودخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به، ثم قال لعمار: إنه سيكون في أمتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضاً، وحتى يتبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب، وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي، وخل عن الناس، ياعمار: إن علياً لايردك عن هدى، ولايدلك على ردى، ياعمار: طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله)).
__________
(1) علقمة بن قيس بن عبدالله بن علقمة بن سلامان بن كهيل بن بكر بن عون بن النخع النخعي، أبوسبل الكوفي، أحد مشاهير التابعين مخضرم، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، روى عن علي عليه السلام وغيره من الصحابة، توفي سنة إحدى وستين وقيل اثنتين وستين عن تسعين سنة.
(2) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو وأبو عبدالرحمن الكوفي، مخضرم فقيه، مات سنة أربع أو خمس وسبعين.

(1/164)


وعن أبي عثمان النهدي(1) عن علي، قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حديقة، فقلت: يارسول الله ما أحسنها، فقال: ((لك في الجنة خير منها)) ثم انتحب رسول الله وبكى، فقلت: يارسول الله مايبكيك، قال: ((ظغائن في صدور أقوام لايبدونها لك إلا من بعدي)) قلت: بسلامة من ديني؟ قال: ((بسلامة من دينك)).
وعن عطاء بن السائب، قال: أخبرني أكثر من عشرة أن أبا موسى دخل على علي عليه السلام، فقال له: ما هذا الذي تحدث به، فقال أبو موسى: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((تكون فتنة المضطجع فيها خير من القاعد، والفاعد خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فإذا كان ذلك فقطعوا أوتار قسيكم، واضربوا بسيوفكم الحجارة)) فقال له علي: أنشدك الله قال ذلك لك خاصة أنت فيها يا أبا موسى مضطجع خير منك قائم، ثم قال علي: هكذا فحدث الناس، ذكره الناصر للحق.
__________
(1) أبو عثمان النهدي: عبد الرحمن بن مُلِّ ـ بضم الميم وكسر اللام ـ بن عمرو بن عدي النهدي الكوفي، أسلم وصدق ولم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وثقه ابن المديني، وأبو حاتم، والنسائي، قيل: إنه حج واعتمر ستين سنة، توفي سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة مائة عن أكثر من مائة وثلاثين سنة.

(1/165)


وروى أيضاً بإسناده عن أبي مريم الحنفي، قال: كنت أصلي مع أبي موسى بالكوفة، فلما صلى يوماً الفجر، قال: قدم الليلة رجل من خيار أصحاب رسول الله عمار بن ياسر، فمن أحب أن ينطلق معي، فليفعل، فإن له حقاً، فانطلقنا ودخلنا عليه وسلمنا وسلم أبو موسى فما سمعناه رد، ثم كان أول كلامه أن قال: ويلك يا عبدالله بن قيس أنت المثبط للناس عن علي، وأنت الذي تقول: قطعوا أوتار قسيكم ويلك فمن يضرب خراطيم الفتن، وأين قول الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وأنت القائل: إن رسول الله، قال: ((ستكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان)) ويلك ياعبدالله أما سمعت رسول الله يقول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) وأنا أشهد أنك كذبت على رسول الله، قال: فرأيت أبا موسى يتفرع كما يتفرع الديك، وقام وخرج.
وروي أنه لما صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحديبية مع أبي سفيان، وسهيل بن عمرو أمر علياً أن يكتب كتاب الصلح، فكتب: [هذا ما صالح محمد رسول الله]، فقال سهيل بن عمرو: لو عرفنا أنك رسول الله ما قاتلناك، فأمر أن يكتب محمد بن عبدالله، وقال: لك يا علي يوماً مثله، فكان يوم صفين عند التحكيم كتب: هذا ما صالح عليه أمير المؤمنين، فقالوا: لا، حتى تكتب علي بن أبي طالب.
[الآية التاسعة والخمسون]: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.
روى زيد بن علي عليه السلام، قال: فينا نزلت هذه الآية.
والجهاد على ضروب:
جهاد النفس وذلك ينقسم إلى تحصيل العلم والعمل به، والإقامة على طاعة الله وحبس النفس عن معاصيه.
والثاني: جهاد الكفار بالسيف واللسان وبذل المهج فيه.

(1/166)


والثالث: جهاد الظلمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنع عن الظلم والعصيان.
والرابع: جهاد البغاة على إمام الحق، ومنعهم من الفساد في الأرض ودفع شرهم بما أمكن.
والخامس: جهاد المبتدعة ببيان الأدلة وحل الشبه لمن حضر، والتصانيف والكتب المؤلفة لمن غاب، وجميع ذلك حاصل لأئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين.
فأما أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، فلا شبهة في حالهم، وبعدهم زيد بن علي، ويحيى بن زيد(1)
__________
(1) الإمام أبو طالب يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد عليه السلام سنة سبع وتسعين على الأرجح، وأمه ريطة بنت عبدالله بن محمد بن علي بن أبي طالب، كان مثل أبيه في الشجاعة وقوة القلب في مبارزة الأبطال، خرج من الكوفة بعد مقتل أبيه عليهما السلام في عشرة من أصحاب أبيه وخواصه متنكراً متوجهاً إلى خراسان، فدخل خراسان وانتهى إلى بلْخ، فنزل على رجل من خلصان الشيعة يقال له الحريش، فآواه وكتمه، واشتغلت بنوأمية بشأنه لما علموا من فضله وعلمه وشهامته وشجاعته وميل القلوب إليه، فطلبوه من الحريش ثم حبس وقيّد، ثم أفرجوا عنه، ثم توجه بيهق، وأظهر الدعوة هناك فبايعه من أهلها سبعون رجلاً وانضم إليهم نفر يسير، فاجتمعت الجنود الأموية من سرخس وطوس وغيرها لقتاله وبلغت عدتهم زهاء عشرة آلاف، فجاهدهم عليه السلام بأصحابه حتى هزموهم واستباحوا عسكرهم وأصابوا منهم دواب كثيرة، ثم خرج من بيهق إلى الجوزجان ونزل قرية يقال لها: أرغويه وبقي بها مدة يسيرة مظهراً للعدل طامساً لرسوم الجور، ثم وجهوا إليه جيشاً كثيراً في المرة الثانية فقاتلهم بأصحابه عليه السلام ثلاثة أيام بلياليها، وأوقع بهم وقعة عظيمة، ثم أتته نشابة وقعت في جبينه كانت فيها نفسه عليه السلام وكان مقتله بعد صلاة الجمعة في شهر رمضان سنة ست وعشرين ومائة، وقبره في الجوزجان مشهور مزور.

(1/167)


، والنفس الزكية(1)، وإبراهيم(2)
__________
(1) النفس الزكية: هو محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، يكنى أبا القاسم وقيل أبو عبدالله، كان جامعاً لخصال الإمامة من العلم والزهد والورع والسخاء والشجاعة والقوة والفضل وحسن التدبير والسياسة، خطيباً مصقعاً فصيحاً بليغاً، هو أول من قام من أهل البيت عليهم السلام في عهد الدولة العباسية، قيامه سنة خمس وأربعين ومائة في غرة رجب، خرج إلى مكة وبويع هناك وبايعه جميع أهل البيت عليهم السلام في عصره من أولاد الحسن والحسين، ولم يتخلف منهم أحد عن بيعته وبايعه علماء عصره من الزيدية والمعتزلة وغيرهم من فقهاء الأمة، فبعث عماله إلى الجهات والنواحي وتسمى بالنفس الزكية ولقب بالمهدي لدين الله وخوطب بأمير المؤمنين، وهو أول من خوطب بهذا الإسم من العترة بعد علي عليه السلام، واضطربت منه بنو العباس اضطراباً شديداً ووجهوا إليه جيشاً كثيفاً، فجاهد جهاد الأبطال حتى سقط شهيداً رحمة الله عليه وسال دمه إلى أحجار الزيت وقبر في البقيع وكان مقتله في السنة التي قام فيها عليه السلام.
(2) ابراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أخو النفس الزكية، دعا إلى الله عزوجل في أول يوم من شوال في اليوم الذي نعي إليه فيه أخوه النفس الزكية وهو في البصرة وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد فصلى بالناس ونعى إليهم أخاه، فبكى وبكى الناس، فلما نزل بايعه بالإمامة علماء البصرة وفقهاؤها وزهادها وبايعته الزيدية والمعتزلة، ولم يتأخر أحد عن بيعته من فضلاء البصرة، واستولى على واسط والأهواز وفارس وغيرها، وتوسعت بسطته ونفوذه، ثم توجه إليه أبو جعفر الدوانيقي بعد شهرين من إمامته في شهر الحجة الحرام، فلقيه بموضع يقال له (باخمرى) موضع بين البصرة والكوفة وجاهد جهاد الأبطال حتى أصابه سهم في جبينه كانت فيه نفسه عليه السلام وكان عمره خمسون سنة.

(1/168)


، والهادي(1)، والناصر، وأمثالهم جاهدوا بالسيف واللسان وبالكتب والتصانيف وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
__________
(1) الهادي هو يحيى بن الحسين بن القاسم بن ابراهيم بن إسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، مولده بالمدينة سنة خمس وأربعين ومائتين، اشتهر فضله وعلا صيته فخرج إليه رؤساء أهل اليمن فساعدهم للخروج معهم فخرج الخرجة الأولى سنة ثمانين ومائتين وهي السنة التي قام فيها بالدعوة، ثم رجع لما شاهد من بعض عسكره أخذ شيء من أموال الناس، وخرج الخرجة الثانية سنة أربع وثمانين ومائتين وأحيا الله به معالم الدين في اليمن، وجدد الله به الدين، وجاهد القرامطة الباطنية وله معهم نيف وسبعين وقعة، وله مع بني الحارث في نجران نيف وسبعين وقعة أيضاً، وخطب له بمكة سبع سنين، ووردت فيه آثار نبوية وأخبار علوية تبشر به، وخصه الله بعلم الجفر، وكان معه سيف جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذو الفقار، وكان يضرب به ضرب جده عليه السلام، وقد أجمع الموالف والمخالف على فضله، وكان حسن السيرة في الرعية عادلاً قائماً بالقسط ورعاً زاهداً، وله المؤلفات الكثيرة منها الأحكام والمنتخب والفنون وكتاب مسائل الرازي وغير ذلك، وتوفي عليه السلام شهيداً بالسم ليلة الأحد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ثمان وتسعين ومائتين، وعمره (53سنة)، ودفن يوم الإثنين في قبره مقابل محرابه في جامعه الذي أسسه بصعدة، وقبره مشهور مزور.

(1/169)


وقد روي عن زيد بن علي أنه كان يقول: الإمام منا أهل البيت المفترض الطاعة على المسلمين الذي دعا إلى كتاب الله وسنة نبيه، وجرت على ذلك أحكامه، وعرف بذلك، فذلك الإمام الذي لايسعنا وإياكم جهالته، فإن من لم يأمر بمعروف، ولم ينه عن منكر فأنَّى يكون ذلك إماماً.
وروي كان يقول عند الوقعة: والله إني لأستحي من رسول الله أن ألقاه ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنه عن منكر.
وعن زيد بن علي أنه كان يقول: أعينوني على قتال الفاسقين، أعينوني على جهاد من قد أمركم الله بقتاله، والله لايقاتل معي أحد إلا أخذت بيده يوم القيامة حتى أدخله الجنة، وروي أنه قال هذا ثم تلى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجهاده في سبيل الله، وجهاد الأئمة بعده ومقاتلتهم مشهورة مدونة.
ـــــــــــــــ

(1/170)


سورة الروم
[الآية الستون]: قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم:38].
قيل: هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فاختلف من قال ذلك في حقه:
فقال بعضهم: أعطوهم حقهم الذي أوجب الله لهم من المودة في قوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].
وقيل: هو ماوجب لهم من الحقوق المالية في الخمس.
وقيل: المراد قرابة المتصدق.
والأول أوجه لوجهين:
أحدهما: أن حقيقة الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والثاني: أنهم المعهودون والألف واللام للعهد.
[الآية الحادية والستون]: قوله تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41].
اختلفوا في الفساد الذي ظهر:
قيل: عقوبة الفساد.
وقيل: الجدوبة والقحط وذهاب البركة.
واختلفوا في قوله: {بِمَا كَسَبَتْ}:
قيل: بالمعاصي.
وقيل: قتل قابيل هابيل.
وقيل: بقتل الحسين عليه السلام.
ــــــــــــــــ

(/)


سورة السجدة
[الآية الثانية والستون]: قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام، والوليد بن عقبة جرى بينهما كلام فقال الوليد لعلي: اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط منك لساناً وأحد سناناً، فقال له علي: اسكت فإنك فاسق، فنزلت الآية، فسمى الله علياً مؤمناً وسمىالوليد فاسقاً، وقد سماه كذلك في قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} [الحجرات:8].
أجمع المفسرون أنها نزلت في الوليد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق لأخذ صدقاتهم وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فرجع وقال: إنهم منعوا الصدقات فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم بغزوهم فنزلت الآية، وجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبينوا كذبه فبعث خالد بن الوليد فأخذ صدقاتهم.

(1/171)


[ذكر بعض أسماء وكنى الإمام علي عليه السلام]
وقد سمى الله علياً مؤمناً في هذه الآية وفي آيات: سماه ولياً في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [المائدة:55]، وسماه أولي الأمر منكم في قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأسماء وكناه بكناً، فمن ذلك أنه لما ولد سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً لأن أبا طالب لم يسمه.
وسماه الصديق الأكبر، وخاصف النعل على ماتقدم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه: ((إن منكم من يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)) وروي: ((من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلتم على تنزيله)) فقيل: من هو قال: خاصف النعل فبشرته به يعني علياً، فلم يرفع به رأسه كأنه شيء قد سمعه.
وسماه يعسوب المؤمنين، ومولى المؤمنين في قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) وقال له: ((أنت أمير البررة، وقاتل الكفرة الفجرة، ومبيد المشركين)) وقال له: ((أنت أخي وقاضي ديني وخليفتي في أهلي)) وقال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها)).
وسماه قسيم الجنة والنار، وصاحب اللواء، والفاروق، والهادي، وسيد العرب، وأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين...إلى غير ذلك من الأسماء التي يتضمن كل واحد منها مدحاً وتعظيماً.
أما كناه: فكناه أبو الحسن، وأبو الحسين، والمروي عن علي، قال: ماقال لي الحسن والحسين يا أبة حياة رسول الله كانا يقولان له يا أبه، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالا لي ياأبه فكان الحسن يقول: ياأبا الحسين، والحسين يقول: ياأبا الحسن.

(1/172)


وكناه أبو تراب، فروى سهل بن سعيد قال: استعمل رجل من آل مروان على المدينة فأمرني أن أشتم علياً عليه الصلاة والسلام، فأبيت، فقال لي: قل لعن الله أبا تراب، فقلت: ماكان لعلي إسم أحب إليه من أبي تراب، فقيل له: لم سمي بذلك؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت فاطمة عليها السلام، فلم يجد علياً عليه السلام فسأل فاطمة، فقالت: كان بيني وبينه شيء فخرج، فجاء إلى علي وهو نائم في المسجد قد سقط رداءه عن شقه وأصابه التراب فجعل يمسح التراب عنه وهو يقول: قم يا أبا تراب، وقد روي في سببه غير ذلك إلا أنهم اتفقوا أنه كناه رسول الله، وكان الصاحب إذا أنشد قول الشاعر:
أنا وجميع من فوق التراب .... فداً لتراب نعل أبي تراب
يقول: لم يخرج هذا إلا من قلب مخلص.
ــــــــــــــــ

(1/173)


سورة الأحزاب
[الآية الثالثة والستون]: قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6]، ابتدأ الله بذكر الولاية، فقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، ثم عقب ذلك بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} دل أن أولاده أولى بمقامه في الولايات من غيرهم، ويصحح ذلك مارويناه في حديث غدير خم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) قالوا: بلى، قال: ((فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)) وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كل بني أنثى ينسبون إلى أبيهم إلا الحسن والحسين فأنا أبوهما وعصبتهما)) ولايقال: المراد به في الميراث لأنه لم يجر له ذكر لامتقدماً ولا متأخراً، ولأنه قال: من المؤمنين والمهاجرين، فدل أنه أراد الولاية في أمته لذريته دون غيرهم.
[الآية الرابعة والستون]: وقوله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ}...الآية [الأحزاب:23]، قيل: نزل في حمزة، ومن معه جاهدوا حتى قتلوا، وكانوا عاهدوا الله لايولون الأدبار ((فقضى نحبه)) حمزة، ((ومنهم من ينتظر)) علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام مضى على الجهاد ومات على ماجاهد لم يغير، ولم يبدل، وقوله ينتظر إلى ماصار إليه إخوانه من درجة الشهادة، وقيل: ينتظر الأجل المكتوب له.

(1/174)


ولما قتل الإمام زيد بن علي نعي إلى جعفر بن محمد عليهما السلام، فاستعبر باكياً، ثم تلى من المؤمنين {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}... الآية، ثم قال: ذهب والله عمي زيد وأصحابه على ماذهب عليه جده علي بن أبي طالب والحسن والحسين شهداء من أهل الجنة التابع لهم مؤمن والشاك فيهم ضال، والراد عليهم كافر، وإنهم ليجيئون يوم القيامة أحسن الخلق زينة وهيئة، ولباساً، وفي أيديهم كتب كأمثال الطوامير فتقول الملائكة هؤلاء خلف الخلف ودعاة الحق، ولايزالون كذلك حتى ينتهى بهم إلى الفراديس العلى، فويل لقاتليهم من جبار الأرض والسماء.
[الآية الخامسة والستون]: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:32].
عن أبي سعيد أنها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، فإذهاب الرجس بألطافه تعالى.
وعن أبي سعيد أنها لما نزلت هذه الآية جللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء، وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) قال: وأم سلمة على باب البيت، فقالت: يارسول الله وأنا، قال: وأنت إلى خير.
وعن أم سلمة رضي الله عنها: في الآية أنها نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين.
وعن عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عندي وعليه مرط مرجل من شعر أسود، قالت: فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معهم فيه، ثم جاء علي فأدخله معهم فيه، ثم ضم عليهم المرط ثم قال: (({إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ}...الآية)).

(1/175)


وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وفي البيت سبعة: جبريل، وميكائيل، ورسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، قالت: وأنا على باب البيت جالسة، فقلت: يارسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: إنك على خير أنت من أزواج النبي، ولم يقل إني من أهل البيت.
وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) فنزلت هذه الآية في بيتي، فقلت: يارسول الله وأنا منهم؟ قال: وأنت إلى خير.
وروى السيد أبو طالب بإسناده عن شعبة(1) لما ظهر إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي في أمتي كمثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم)).
__________
(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم أبو بسطام الواسطي البصري الحافظ الحجة النقاد وكبير أهل الجرح والتعديل، ثقه مأموناً ورعاً فاضلاً من ثقاة محدثي الشيعة، ولد سنة (82هـ) وكان ممن خرج مع ابراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليه السلام، وأفتى بالخروج معه وتوفي سنة (162هـ) وعمره سبع وسبعون سنة.

(1/176)


وعن زيد بن أرقم، قال: خطبنا رسول الله بواد بين مكة والمدينة يدعى خم، فقال: ((إنما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب ألا وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله وهو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة، ثم أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) ثلاث مرات.
وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل)).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله تعالى جعل أجري عليكم المودة في القربى وإني سائلكم غداً فمحف في المسئلة)).
وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قاتلني في الأولى، وقاتل أهل بيتي في الثانية فأولئك شيعة الدجال)).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((في كل خلف من أهل بيتي عدول ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون)) وهذا وصف أئمتنا عليهم السلام، وقد بينوا بكلامهم وتصانيفهم ما يبقى إلى الأبد، وجاهدوا كل مبطل، وجادلوا كل مبتدع ضال.
[الآية السادسة والستون]: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
المروي أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يارسول الله كيف نصلى عليك؟ فقال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)).

(1/177)


عن ابن عباس، وعن ابن مسعود رضي الله عنهما: إذا صليتم على الرسول فأحسنوا الصلاة فلعل ذلك يعرض عليه، قلنا: علمنا ذلك، فقال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وروى الناصر للحق بإسناده عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لقد صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين لأنه لم يصل معي رجل غيره)).
[الآية السابعة والستون]: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا}...الآية [الأحزاب:58].
قيل: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام كان ناس من المنافقين يؤذونه، عن مقاتل.

(1/178)


وروى عمرو بن خالد(1)، قال: حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعرة، قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعرة، قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعرة، قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعرة، قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بشعرة: ((من آذى شعرة منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله سبحانه لعنه الله وملائكته ملىء السماوات وملىء الأرض)).
__________
(1) عمرو بن خالد، أبو خالد الواسطي، أصله كوفي، انتقل إلى واسط، من أكابر علماء الشيعة وفضلائهم وأعيانهم، ومن أخيار أصحاب الإمام زيد بن علي عليه السلام، وممن أكثر الرواية عنه، بل هو المشهور من الراوين عنه، حضر معه المعركة وجاهد بين يديه، وهو من الثقات المأمونين العدول، أجمع أهل البيت عليهم السلام على عدالته وصحة روايته وضبطه وتشيعه، ولا التفات إلى قدح أهل الحديث فيه، فتارة تراهم يوثقونه تارة ويضعفونه أخرى إذا روى شيئاً يخالف أهوائهم وبدعهم، وقد استوفى البحث في أبي خالد الواسطي وعدالته الأئمة الأعلام وعلماء الإسلام من أهل البيت الكرام وشيعتهم رضي الله عنهم كالإمام المؤيد بالله في شرح التجريد، والإمام القاسم بن محمد في الإعتصام، والسيد صارم الدين في الفلك الدوار، والإمام عز الدين بن الحسن، وصاحب طبقات الزيدية الكبرى إبراهيم بن القاسم، وأحمد بن صالح بن أبي الرجال في مطلع البدور وغيرهم كثير وكثير، فمن أراد فليراجع. وتوفي أبو خالد الواسطي بعد الأربعين ومائة رحمة الله عليه.

(1/179)


وعن جابر(1)، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهودياً، فقلت: يارسول الله وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟ قال: ((وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)).
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من آذى علياً فقد آذاني، ومن سب علياً فقد سبني)).
ــــــــــــــــــ
سورة سبأ
[الآية الثامنة والستون]: قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ:47]، قيل: لما نزل قوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، قالوا: هل رأيتم أعجب من هذا سفه أحلامنا وشتم آلهتنا ويرى قتلنا ويطمع أن نحبه، فنزل: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} أي ليس لي في ذلك أجر لأن منفعة المودة تعود إليكم، وهو ثواب الله ورضاه.
ـــــــــــــــــ
سورة الملائكة
[الآية التاسعة والستون]: قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}...الآية [فاطر:32].
قيل: القسمة ترجع إلى العباد.
وقيل: إلى الذين أورثهم وعلي ممن ورث وهو سابق بالخيرات.
وعن عبد الرحمن بن خالد قلت لقثم بن العباس بأي شيء ورث علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: إنه كان أولنا به لحوقاً، وأشدنا به لصوقاً ـ يعني: يعلم مالا نعلم بمدوامة الصحبة ـ.
__________
(1) البساط للناصر الأطروش 98، ورواه أيضاً الشيخ الصدوق في أماليه 273، ورواه في مجمع الزوائد وعزاه إلى الطبراني في الأوسط.

(1/180)


وعن ميسرة العبدي، قال: سأل رجل علياً، فقال: يا أمير المؤمنين ورثت ابن عمك دون عمك؟ فقال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب فقدم إليهم الطعام فأكلوا، ثم قال: يابني عبد المطلب إنما بعثت إليكم خاصة وإلى جميع الناس عامة، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي، قالها ثلاثاً والقوم سكوت، ويقول له علي: أنا، فيأمره أن يجلس، فلما كان آخر ذلك ضرب يده على يد علي، قال: فبذلك ورثته.
وعن جابر في حديث طويل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ترثني وأرثك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)) وهذا الميراث لايحتمل إلا العلم والإمامة.
ـــــــــــــــــ
سورة يس
[الآية السبعون]: قوله تعالى: {يس(1)وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ(2)إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ(3)} [يس:1،2].
اختلفوا في معنى يس:
فقيل: اسم للسورة عن أبي علي.
وقيل: إشارة إلى أن القرآن مؤلف من هذه الحروف ليعلم أنه معجز عن أبي مسلم.
وقيل: ليعلم أنه محدث عن أبي بكر الزبيري.
وقيل: بل له معنى.
ثم اختلفوا:
فقيل: معناه يارجل، عن أبي العالية.
وقيل: معناه يامحمد، عن سعيد بن جبير دليله: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، ولذلك يقال لآل محمد آل ياسين، قال السيد الحميري:
يانفس لاتمحضي بالنصح مجتهداً
... ... على المودة إلا آل ياسينا
وقال الصاحب:
إذا تراخا مديحي آل ياسينا
... ... وجدت في القلب أحزاناً أفانينا
وقيل معناه: ياسيد المرسلين.

(1/181)


سورة الصافات
[الآية الحادية والسبعون]: قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24].
قيل: عن سائر أعمالهم.
وقيل: عن خطاياهم، عن الضحاك.
وقيل: عن ولاية علي عليه السلام.
وروى أبو الأحوص(1) عن أبي إسحاق في قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} يعني عن ولاية علي.
[الآية الثانية والسبعون]: قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات:130].
قيل: آل محمد، وياسين اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكأنه قال: سلام على آل محمد.
ـــــــــــــــــ
سورة تنزيل الزمر
[الآية الثالثة والسبعون]: قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَآئِمَا}...الآية [الزمر:9].
وروى السيد أبو طالب بإسناده عن جندب بن عبدالله الأزدي، قال: شهدت أبا ذر وهو آخذ بحلقة باب الكعبة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لسلمان حين سأله من وصيك، فقال: ((وصيي وأعلم من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب)).
__________
(1) أبو الأحوص: اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي الأحوص الكوفي، وثقه ابن معين، قتلته الخوارج في أيام الحجاج.

(1/182)


وروى بإسناده عن الأصبغ بن نباته(1)، قال: خرج أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة يمشي وأنا خلفه، وقنبر بين يديه إذ سمع قنبر رجلاً يقرأ بصوت حزين: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ}...الآية، فوقف قنبر، وقال: أراك والله منهم، قال: فضرب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بين كتفيه، وقال: امض، نوم على يقين خير من صلاة في شك إنا آل محمد نجاة كل مؤمن، فلما كان يوم النهروان وجدنا القارئ في القتلى مع الخوارج، فقال قنبر: صدق أمير المؤمنين عليه السلام كان والله أعلم بك مني.
وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول إن قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ} نزلت في علي بن أبي طالب، قال: فأتيته انظر إلى عبادته فأشهد لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى العشاء الآخرة، ثم دخل منزله فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضؤه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب، إلى أن صلى بهم صلاة الظهر والعصر، ثم أتاه الناس يختصمون وهو يقضي بينهم إلى أن غابت الشمس فخرجت وأنا أقول أشهد أن هذه الآيات نزلت فيه.
__________
(1) أصبغ بن نباتة ـ بضم النون ـ المجاشعي، أبو القاسم الكوفي، من المشهورين بالولاء والتشيع لأهل البيت عليهم السلام، ومن أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال ابن حبان: فتن بحب علي فأتى بالطامات، ذكره صارم الدين الوزير وابن حميد وابن حابس من ثقات محدثي الشيعة، توفي سنة...

(1/183)


[الآية الرابعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} الآية [الزمر:33].
قيل: نزلت في أبي بكر عن أبي العالية(1) وجماعة.
وقيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: نزلت في علي بن أبي طالب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الصديقون ثلاثة: حبيب النجار، مؤمن آل ياسين، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب مؤمن آل محمد)).
وعن معاذة العدوية سمعت علياً عليه السلام على منبر البصرة يقول: (أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم).
وروي عنه أنه قال: (أنا عبدالله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر لايقولها إلا كذاب مفتر لقد صليت قبل الناس سبع سنين).
__________
(1) أبو العالية: رُفيع ـ بضم المهملة ـ بن مهران الرياحي، مولاهم البصري، رأى أبو بكر، وثقه أبو حاتم وأبو زرعه وغيرهما، توفي سنة تسعين على الأصح.

(1/184)


سورة السجدة فصلت
[الآية الخامسة والسبعون]: قوله تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءَامِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت:40]، قيل: نزلت في علي بن أبي طالب، وشيعته وأعدائه.
وروى أبو طالب بإسناده، عن الطيالسي(1)، قال: لما قتل أبو جعفر محمد، وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام وجه شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب عليهم السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن علي بن أبي طالب شق عصى المسلمين، وخالف أمير المؤمنين، وأراد هذا الأمر لنفسه فحرمه الله أمنيته وأماته بغيظه، هؤلاء ولده يقتلون، وبالدماء يخضبون، فقام إليه رجل، فقال: نحمد الله رب العالمين، ونصلي على أنبيائه المرسلين، أما ماقلت من خير فنحن أهله، وأما ماقلت من سوء فأنت به أولى، وصاحبك به أحرى، يامن ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، ارجع مأزوراً، ثم أقبل على الناس وقال: ألا أخبركم بأخسر من ذلك ميزاناً، وأبين منه خسراناً، من باع آخرته بدنيا غيره وهو هذا، ثم جلس، فقال الناس: من هذا؟ فقيل: جعفر بن محمد عليهما السلام.
__________
(1) الطيالسي هو: سليمان بن داوود بن الجارود أبو داوود الطيالسي البصري الحافظ ولد سنة ثلاث أو اثنين وثلاثين ومائة، قال ابن مهدي أبو داوود من أصدق الناس، وقال أحمد: ثقة صدوق، توفي سنة أربع ومائتين عن إحدى وسبعين سنة.

(1/185)


سورة حم عسق الشورى
[الآية السادسة والسبعون]: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى23].
اختلفوا في معنى الآية:
قيل: تودوا قرابتي وعترتي وتحفظونني فيهم، عن علي بن الحسين عليه السلام، وسعيد بن جبير، وعمرو بن شعيب(1).
وقيل: تودوا التقرب إلى الله تعالى بطاعته.
وقيل: تودوني لقرابتي.
وقيل: نزلت بمكة، وأراد صلوا رحمي واحفظوني في أولادي، ويجوز أن يكون أطلع نبيه على مايفعلون بأولاده.
ومتى قيل: أليس جميع الأنبياء عليهم السلام، قال: لاأسألكم عليه أجراً فلم استثنى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خاصة.
قال: لما علم من صنيع أمته إلى أولاده دون سائر الأمم، فكان كل أمة تعظم عترة نبيها غير هذه الأمة، فإنهم حاربوهم وقتلوهم وطردوهم وشردوهم في البلاد، ومن نظر في مقاتلتهم من لدن علي بن أبي طالب إلى يومنا هذا علم أحوالهم فهم بين مقتول ومحبوس ومخذول ومسموم ومطرود ومقهور، قتل علي بالسيف، وسم الحسن، وقتل الحسين مع نيف وعشرين من أهل بيته وجماعة من شيعته في نصف يوم، وفرق بين رؤوسهم وأبدانهم، وقتل زيد بن علي، وصلب وحرق، وقتل يحيى وصلب، وقتل النفس الزكية وإبراهيم، ويحيى وجماعة كثيرة من أولاده، وقتل موسى بن جعفر وابنه علي بن موسى الرضى، وتفصيل ذلك مما يحتاج إلى دفاتر، ومات عيسى بن زيد مستتراً، وكذلك القاسم بن إبراهيم عليهما السلام.
__________
(1) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص السهمي، أبو إبراهيم المدني، ناصبي شديد النصب والتعصب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام خبيث المعتقد، جرحه بعض المحدثين ووثقه آخرون إن روى ما يوافق أهواءهم قبلوه وإلا تركوه وهو الذي أنكر على عمر بن عبد العزيز قطع سب أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقال: السنة السنة، فقال له عمر: اسكت قبحك الله تلك البدعة. توفي سنة ثلاث عشرة ومائة.

(1/186)


وروي عن محمد بن زكريا العلابي(1) قال: صرت إلى أحمد بن عيسى بن زيد(2) وهو متوار بالبصرة، وقال لما طلبنا هارون(3)
__________
(1) محمد بن زكريا بن دينار المكي القرظي العلابي ـ بفتح المهملة، ثم الموحدة مخففاً ـ البصري الإخباري، أبو جعفر، من رواة أخبار الأئمة عليهم السلام، ورواة فضائلهم، وقد جرحه القوم على قاعدتهم التي بنوها على جرح كل من هو شيعي مطلقاً.
قال فيه الدارقطني: يضع الحديث، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر بحديثه إذا روى عن ثقة، قال في التذكرة: وهو من مشائخ الطبراني، وتوفي سنة تسعين ومائتين.
(2) أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو عبدالله، فقيه آل محمد عليهم السلام، كان عالماً فاضلاً زاهداً ورعاً ناسكاً ولد عليه السلام سنة تسع وخمسين ومائة أخذه الرشيد وحبسه ثم استخفى في البصرة إلى أن مات سنة سبع وأربعين ومائتين، وقد جاوز الثمانين وهو صاحب الأمالي المعروفة بأمالي الإمام أحمد بن عيسى والتي سماها الإمام المنصور بالله عليه السلام "بدائع الأنوار".
(3) هارون بن محمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن العباس الملقب هارون الرشيد ولد سنة (146هـ) ولي الخلافة سنة (170هـ) وتوجه إلى خراسان ومعه المأمون سنة (192هـ) حتى قدم الروس فمرض بها ومات لثلاث خلون من جمادي الآخرة سنة (193هـ) وله سبع وأربعون سنة وكان مدة خلافته ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً، وكان جباراً غشوماً، سفاكاً ظلوماً، فاسقاً مجاهراً نالت منه العترة الزكية الأذى والشدة، وقتل منهم في ولايته الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأخوه الإمام إدريس بن عبدالله دس إليه سماً وعبدالله بن الحسن الأفطس وغيرهم.

(1/187)


الرشيد خرجت أنا والقاسم بن إبراهيم(1)، وعبدالله بن موسى(2)
__________
(1) الإمام ترجمان الدين نجم آل الرسول القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، جمع خصال الفضل والعلم والورع والزهد حتى أجمع المؤالف والمخالف على فضله وعلمه، وأجمع أهل البيت(ع) على إمامته، دعا إلى الله سبحانه وتعالى بعد استشهاد أخيه محمد بن إبراهيم سنة تسع وتسعين ومائة من أرض مصر، وجاءته البيعة من مكة والمدينة والكوفة، وبايعه أهل الري وقزوين وطبرستان والديلم، وكاتبه أهل العدل من البصرة والأهواز، وبايعه أكثر أهل مصر، وحضّوه على القيام فلم تنتظم أموره، ولم يتمكن من الجهاد لشدة متابعة الظالمين من الدولة العباسية له لخوفهم منه، فإنه أرعبهم، وعاصر عدة منهم هارون الغوي والمأمون والمعتصم، وقد جدّوا في طلبه عليه السلام فلم يتمكنوا من ذلك، ولبث القاسم عليه السلام في الدعاء إلى الله إلى سنة 246هـ وهي السنة التي توفي بها، وتوفي وعمره سبع وسبعون عاماً، وله المؤلفات الكثيرة الدالة على علمه وبراعته، فمنها: كتاب الدليل الكبير، والناسخ والمنسوخ، والرد على النصارى، والرد على المجبرة، وأجوبة مسائل النيروسي والكلاري، وغيرها كثير.
(2) عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، كان وحيد عصره ونسيج دهره، أحد أعيان العترة، وقواميس الأسرة، كان متخفياً في أيام العباسيين في عصر الرشيد والمأمون والمتوكل، طلب منه المأمون أن يواصله بعد أن قتل علي بن موسى الرضا فأجابه بجواب طويل قال فيه: (فبأي شيء تعتذر فيما فعلته بأبي الحسن – المراد علي بن موسى الرضا – أبالعنب الذي أطعمته حتى قتلته به)...إلخ، وبقي متخفياً حتى توفي عليه السلام في أيام المتوكل العباسي، ووفاته تقرب من وفاة أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام، فإنه نعي إلى المتوكل العباسي وفاة عبدالله بن موسى بعد أربعة عشر ليلة من وفاته، ونعي إلى المتوكل العباسي بعده أحمد بن عيسى عليه السلام فاغتبط بوفاتهما وسُر سروراً عظيماً لأنه كان يخافهما خوفاً شديداً، ولم يلبث بعد النعي سوى أسبوعاً، فعلى هذا تكون وفاة عبدالله بن موسى عليه السلام في حدود سنة 247هـ.

(1/188)


، فتفرقنا في البلاد فوقعت إلى ناحية الري، ووقع عبدالله بن موسى إلى ناحية الشام، وخرج القاسم بن إبراهيم إلى ناحية اليمن، فلما توفي هارون اجتمعنا في الموسم فتشاكينا مامر علينا.
فقال القاسم عليه السلام: أشد ما مرّ بي أني لما خرجت إلى مكة أريد اليمن صرت في مفازة لاماء فيها، ومعي بنت عمي وهي زوجتي وبها حبل فجاءها المخاض في ذلك الوقت، فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها، وضربت في الأرض أطلب الماء، فرجعت إليها وقد ولدت غلاماً وأجهدها العطش، فألححت في طلب الماء فرجعت إليها وقد ماتت، والصبي حي فكان بقاء الغلام أشد عليّ من وفاة أمه، فصليت ركعتين ودعوت الله أن يقبضه فما فرغت من دعاءي حتى مات.
وشكى عبدالله بن موسى عليه السلام أنه خرج من بعض قرى الشام وقد حث عليه الطلب، وأنه صار إلى بعض المسالح، وقد تزيا بزي الأكره والفلاحين فسخره بعض الجند وحمل على ظهره شيئاً وكان إذا أعيا ووضع ماعلى ظهره للإستراحة ضربه ضرباً شديداً، وقال: لعنك الله، ولعن من أنت منه.

(1/189)


وقال أحمد بن عيسى بن زيد عليهم السلام: وكان من غليظ مانالني أني صرت إلى ورزنين ومعي ابني محمد(1) وتزوجت إلى بعض الحاكة هناك وتكنيت بأبي حفص الجصاص، فكنت أغدوا وأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة، ثم أروح إلى منزلي كأني عملت يومي وولدت المرأة بنتاً، وتزوج ابني محمد إلى بعض موالي عبد القيس هناك فأظهر مثل ما أظهرت، فلما صار لبنتي نحواً من عشر سنين طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر فضقت ذرعاً بما دفعت إليه وخفت من إظهار نسبي فألح القوم علي في تزويجها منه ففزعت إلى الله تعالى وتضرعت إليه في أن يحترمها ويقبضها ويحسن علي الخلف فيها والعوض وأصبحت الصبية عليلة، ثم ماتت من يومها فخرجت مبادراً إلى ابني محمد أبشره فلقيني في بعض الطريق فأعلمني أنه ولد له ابن فسميته علياً وهو بناحية ورزنين لاأعرف له خبراً للإستتار الذي أنا فيه.
__________
(1) محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أبوعلي الهاشمي، كان عالماً فاضلاً وجيهاً، وتوفي محمد في حبس المعتمد العباسي هو وابنه أحمد حمله سعيد الحاجب إلى السجن هو وأولاده، ذكره في مقاتل الطالبين.

(1/190)


قال السيد أبو طالب رحمه الله: هذا الخبر هو طريق إثبات نسب علي بن محمد صاحب البصرة(1).
ونعود إلى الآية، فروى ابن عباس رضي الله عنه أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يارسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم؟ قال: علي، وفاطمة، وابناهما.
ومما يؤيد ذلك حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين: ((أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم)).
وعن الإمام زيد بن علي عليه السلام، عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حسد الناس لي، فقال: ((أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذرياتنا خلف أزواجنا، وشيعتنا)).
__________
(1) علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد المعروف بعلوي البصرة، ظهر في البصرة في النصف من شوال سنة 256هـ، في أيام المهدي العباسي، واستفحل أمره، وقتل من أهل البصرة، وأوقع بالجنود العباسية الوقعات الهائلة، وصبّ عليهم سوط عذاب، وأسقاهم كأساً مراً، وبلغ عدد القتلى من الجنود العباسية في أيامه مائتا ألف قتيل وخمسون ألف قتيل، وملك البصرة والأهواز وواسط وغيرها، تولى حرْبه من العباسيين المهدي ثم المعتمد حتى قُتل علوي البصرة بعد حروب طاحنة بعد أن ضعف أمره، وكان قتله لليلتين خلتا من صفر سنة 270هـ، وكانت مدة ولايته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وكان ذميم الأفعال سيء السيرة خبيث المذهب، وكان أهل البيت(ع) لا يرتضون طريقته ولا سيرته.

(1/191)


وروي عن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) فقال رجل من القوم: يا أبا عبد الرحمن لاتزال تجيء بالحديث يحي الله به القلوب.
سورة الزخرف
[الآية السابعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:28].
اختلفوا في الكلمة:
قيل: التوحيد.
وقيل: ماوصى به نبيه على ماذكره في سورة البقرة.
وقيل: هو قوله: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131].
واختلفوا في العقب:
قيل: آل محمد، عن السدي.
وقيل: في ذريته وولده، عن مجاهد، والحسن.
[الآية الثامنة والسبعون]: قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [الزخرف:41].

(1/192)


روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله في حديث طويل يذكر الفتنة، ثم قال: أخبر جبريل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن أمتك ستختلف من بعدك وأوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:93]، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((فنزل {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ}[المؤمنون:95])) فلما نزلت هذه الآية جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لايشك أنه سيرى ذلك، قال جابر فبينا أنا إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمنى يخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أيها الناس قد بلغتكم)) قالوا: بلى، قال: ((لاألفينكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض أما إن فعلتم لتعرفنني في كتيبة أضرب وجوهكم فيها بالسيف)) قال: قكأنه غمزه من خلفه أحد فالتفت، ثم أقبل علينا محمر وجهه، فقال: ((أو علي بن أبي طالب)) قال فأنزل الله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه، {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} قال الكلبي: حرب الجمل.

(1/193)


وعن ابن عباس رضي الله عنه: ماحسدت علياً عليه السلام في شيء مما سبق له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سوابقه غير مرة بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال: ياقريش كيف أنتم وقد كفرتم رأيتموني في كتيبة أضرب فيها وجوهكم، قال: فغمزه جبريل، فقال: إن شاء الله أو علي بن أبي طالب، قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أو علي بن أبي طالب.
[الآية التاسعة والسبعون]: قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:44].
قيل: شرف.
وقيل: عظة.
واختلفوا في قوله: ((قومك)):
قيل: قريش.
وقيل: أهل بيته.
وقيل: جميع الأمة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: كان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل لتنصره فإذا قالوا: لمن الملك بعدك؟ أمسك حتى نزلت هذه الآية، فكان بعد ذلك إذا قيل: لمن الملك بعدك يقول لقريش فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك.
ـــــــــــــــــ

(1/194)


سورة الجاثية
[الآية الثمانون]: قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21].
قيل: نزلت في قصة بدر في حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث عليهم السلام، لما برزوا لقتال عتبة، وشيبة والوليد لعنهم الله.
ــــــــــــــــ
سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم
[الآية الحادية والثمانون]: قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22].
قيل: نزلت في بني أمية، وبني هاشم عن الفراء، والأصم، فمن تولى بني أمية قطعوا الرحم وقتلوا بني هاشم.
[الآية الثانية والثمانون]: قوله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30].
قيل: نزلت في المنافقين.
وقيل: معناه لما يخرج من كلامهم وفحواه.
وقيل: بالمعاذير الكاذبة عن الحسن.
وقيل: ببغض علي بن أبي طالب عليه السلام.
وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري في قوله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} قال: ببغضهم علياً.
وروى السيد أبو طالب بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال: لم نزل نعرف المنافقين ونحن مع رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب عليه السلام.
ويؤيده ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: ((حبك إيمان وبغضك نفاق)).
ـــــــــــــــــ

(1/195)


سورة الفتح
[الآية الثالثة والثمانون]: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}...الآية [الفتح:16].
اختلفوا في الداعي فأكثر المفسرين على أنه أبو بكر وعمر لدعائهم الناس إلى حروب الروم وفارس وأهل الردة.
وقال بعضهم: الداعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأولوا بأس شديد: أهل صفين ذكره السيد أبو طالب.
وقال بعضهم: الداعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وهؤلاء المخلفون غر الذي قال الله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة:83]، وإليه ذهب الشريف المرتضى(1) رضي الله عنه.
[الآية الرابعة والثمانون]: وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح:10]، وقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح:18].
__________
(1) الشريف المرتضى هو: علي بن الحسين بن موسى الأبرش بن محمد الأعرج بن موسى بن إبراهيم بن المرتضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني الهاشمي، أبو القاسم الملقب بالمرتضى، وهو أخو الشريف الرضي محمد بن الحسين جامع نهج البلاغة.
كان له في العلم مرتبة عالية فقهاً وأدباً وكلاماً وحديثاً ولغة وغير ذلك، فصيح اللسان تولى النقابة وأمارة الحجاج وديوان المظالم ثلاثين سنة وأشهراً بعد أخيه الرضي، وكانت ولايته سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وتوفي في ربيع سنة ست وثلاثين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة، وله مؤلفات وتصانيف في الفقه والكلام والأدب من أشهرها درر القلائد وغرر الفوائد.

(1/196)


نزلت في أهل الحديبية، قال جابر: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فقال لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنتم اليوم خير أهل الأرض)) فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث أحد إلا جد بن قيس، وكان منافقاً فلما تم الصلح أمر رسول الله علياً أن يكتب كتاب الصلح، فكتب هذا ماصالح محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: لو عرفنا أنك رسول الله لما خالفناك، فأمره أن يكتب محمد بن عبدالله، وقال: سيكون لك ياعلي يوماً مثل هذا اليوم، فكان يوم الحكمين، وأولى الناس بهذه الآية علي لأنه تعالى قال: {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} يعني فتح خيبر وكان الفتح على يديه.
[الآية الخامسة والثمانون]: قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:29]...إلى آخر الآيات الذين معه من أصحابه ومن اتبعه، سيماهم، قيل: في القيامة ببياض وجوههم، ومواضع سجودهم كالقمر ليلة البدر، وقيل علاماتهم في الدنيا من أثر الخشوع، وقيل: صفرة الألوان ونحول أبدانهم، قال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما بالقوم من مرض.
وروى الحارث أن علياً عليه السلام اطلع فإذا الناس سمان متكئون حول القصر فقال لغلامه قنبر من هؤلاء؟ قال: شيعتك يا أمير المؤمنين، قال: مالي لاأرى عليهم سيما الشيعة، قال: وما سيما الشيعة؟ قال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه من الظمى، عمش العيون من البكى، من كان يريد ربه يسخط نفسه، ومن لم يسخط نفسه لم يرض ربه، المؤمن من نفسه في عناء، والناس منه في راحة ورخاء، والأحمق من نفسه في رخاء، والناس منه في أذاً وبلاء.
وسئل الحسين بن علي عليه السلام من شيعتك؟ قال: الذين قال الله فيهم: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ}...الآيات [الفرقان من 63: آخر السورة].

(1/197)


سورة الحجرات
[الآية السادسة والثمانون]: قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3].
المروي عن علي عليه السلام قال: اجتمعت قريش عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: يامحمد أرقاؤنا لحقوا بك فارددهم علينا، فغضب رسول الله، ثم قال: لتنتهن يامعشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلاً منكم امتحن الله قلبه للتقوى يضرب رقابكم على الدين، قيل: يارسول الله أبو بكر؟ قال: لا، قالوا: عمر؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل الذي في الحجرة، يعني علياً عليه السلام، قال علي: وأنا أخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
[الآية السابعة والثمانون]: قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].
قيل: نزلت في الأوس والخزرج.
وقيل: نزلت في علي ومخالفيه، وهو الوجه لأنهم البغاة كما روري عنه صلى الله عليه وآله وسلم إخواننا بغوا علينا، وقد قال بعض الفقهاء: لولا قتال علي أهل البغي ماعرفنا ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فوجب نصرته، وقتال أهل البغي معاويه ومن نحا نحوه، ومن تخلف لابد من كونه عاصياً فاسقاً.

(1/198)


سورة القمر
[الآية الثامنة والثمانون]: قوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55].
روى السيد أبو طالب: بإسناده عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن من أحبك وتولاك أسكنه الله معنا ثم تلا رسول الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ})).
ــــــــــــــــــ
سورة الرحمن
[الآية التاسعة والثمانون]: قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن:19،20].
قيل: البحران: العذب والملح.
وقيل: علي وفاطمة بينهما برزخ رسول الله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين، عن سلمان، وسفيان الثوري، وسعيد بن جبير، وإن صح ذلك عنهم فلا بد من حمله على التوقيف وأنه مسموع عن رسول الله لأن الظاهر لايدل عليه.
ــــــــــــــــــ

(1/199)


سورة الواقعة
[الآية التسعون]: قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:10].
قيل: هم الذين صلوا القبلتين وسبقوا إلى الإسلام.
وقيل: إلى الطاعة.
وقيل: إلى الهجرة.
وقيل: إلى إجابة الرسول، وكل ذلك متقارب وموجود في أمير المؤمنين وقد مضى الكلام فيه.
ـــــــــــــــــــ
سورة المجادلة
[الآية الحادية والتسعون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}...الآية [المجادلة:9].
قيل: سأل الناس رسول الله فأكثروا فأمر بتقديم الصدقة على المناجاة، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال قتادة: لما نهوا عن مناجاته حتى يتصدقوا لم يناجه إلا علي عليه السلام قدم ديناراً فتصدق به، ثم نزلت الرخصة.
وعن علي عليه السلام: إن في كتاب الله آية ماعمل بها أحد قبلي، ولايعمل بها أحد بعدي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ...الآية} تقديم الصدقة على المناجاة، ثم نسخت.
وعن ابن عمر: كان لعلي ثلاث لو كانت لي واحدة منها كانت أحب إلي من حمر النعم: تزويجه فاطمة عليها السلام، وإعطائه الراية يوم خيبر، وآية النجوى وهذه الصدقة كانت واجبة ثم نسخت بالآية التي بعدها، ويجوز أن تتصل التلاوة وإن نزلت بعدها بزمان واختلف المفسرون، قيل: بقي الأمر به زماناً ثم نسخ، وقيل: عشر ليال عن مقاتل، وقيل: كانت ساعة ثم نسخت عن الكلبي، واختلفوا فقيل: عمل بها علي فقط، وعليه يدل خبر علي وابن عمر، وقيل: عمل بها أفاضل الصحابة، وفيهم علي والأول أظهر.

(/)


سورة الحشر
[الآية الثانية والتسعون]: قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}...الآية [الحشر:7]، لاخلاف أن المراد به قرابة الرسول.
واختلفوا في هذا السهم:
فقيل: استحقاقه بالإسم على حسب المواريث وهو قول الشافعي(1).
وقيل: بالفقر وهو قول أصحاب أبي حنيفة.
__________
(1) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب المطلبي، أبو عبدالله الشافعي، الإمام العالم أحد علماء الإسلام، ولد سنة خمسين ومائة على الأصح، كان فقيهاً عالماً كثير المناقب، اشتهر بالولاء المحض والتشيع الصادق والمحبة الخالصة لأهل البيت عليهم السلام، بايع الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن، ولأجل تشيعه قال فيه يحيى بن معين: الشافعي غير ثقة، وشعره معروف مشهور، انتهى.
وأشعاره في التشيع والمحبة وتفضيل أمير المؤمنين عليه السلام وتقديمه ومحبة أهل البيت معروفة معلومة لا يسع المقام حصرها، والشافعي إمام المذهب المعروف بالشافعي نسبة إليه، توفي مسموماً بسبب حب أهل البيت سمه المأمون سنة أربع ومائتين وله أربع وخمسون سنة.

(1/200)


وقيل: كان بالنصرة ثم صار بالفقر عن أبي بكر الجصاص(1).
وقيل: كان ذلك في حياته، ثم سقط بموته.
وقيل: استحقاقه بأن يكون على الحق ونصرة الدين عن الهادي عليه السلام، واستدل بقوله لعثمان: إنهم لم يفارقوا في جاهلية ولا إسلام؛ يعني بني المطلب.
ــــــــــــــــ
سورة الممتحنة
[الآية الثالثة والتسعون]: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}...الآية [الممتحنة:12].
روى الزبير بن العوام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوا النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية، فكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت.
وعن جعفر بن محمد: أن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها أول امرأة هاجرت إلى المدينة على قدميها، وكانت أبر الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسمعت رسول الله يقول: إن الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها: فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية، وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه، قال: إني أسأل الله أن يكفيك ذلك.
وعن جابر لما توفيت فاطمة بنت أسد حزن عليها رسول الله حزناً شديداً، ثم قال: ((يرحمك الله يا أماه لقد كنت تشبعيني وتجوعين علياً وجعفراً وعقيلاً، يرحمك الله ياأماه لقد كنت تؤثريني على نفسك وولدك)).
__________
(1) أبو بكر الجصاص: اسمه أحمد بن علي الرازي كان إمام الحنفية في وقته له مؤلفات منها شرح مختصر الطحاوي، وشرح مختصر الكرخي، وكتاب في أصول الفقه. توفي سنة سبعين وثلاثمائة.

(1/201)


سورة التحريم
[الآية الرابعة والتسعون]: قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4].
واختلفوا في صالح المؤمنين:
قيل: هو أمير المؤمنين عليه السلام، فيدل أنه أفضل أمته وأشدهم عناء في نصرته، وأكثر اختصاصاً به، ولذلك قرنه بالملائكة المقربين، وهذا كالملك يهدد مخالفاً له فيقول: لاتطمع في ولي مثل فلان وفلان فيذكر أكثرهم شجاعة وفضلاً ونبلاً.
وقيل: هم الأنبياء عن قتادة.
وقيل: خيار المؤمنين.
وقيل: أبو بكر وعمر.
روي عن علي وأسماء بنت عميس: أن المراد به علي وكان عليه السلام كشاف الكرب عن رسول الله في جميع مقاماته ملازماً له في حضره وسفره فلم يكن لأحد من الإختصاص ماله.
ـــــــــــــــــ
سورة الحاقة
[الآية الخامسة والتسعون]: قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:12].
عن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام لما نزلت هذه الآية قال رسول الله سألت الله أن يجعلها أذنك ياعلي، قال علي عليه السلام: فما نسيت شيئاً بعد ماكان لي أن أنساه.
وعن بريدة الأسلمي أن رسول الله قال لعلي عليه السلام: ((إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأعلمك وتعي وحق على الله أن تعي)) فنزل وتعيها أذنٌ واعية، واختلفوا، فقيل: واعية أي حافظة، وقيل: سامعة، وقيل: عقلت ماسمعت، وتقدير الكلام: ويعيها كل ذي أذن واعية.
روى الناصر للحق عليه السلام بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليبعثني إلى اليمن قاضياً، قلت: يارسول الله تبعثني إلى أقوام ذوي أسنانٍ وأنا شاب حدث لاعلم لي بالقضاء، قال: فوضع يده على صدري، ثم قال: ((إن الله مثبت لسانك وهاد قلبك فإذا جلس إليك الخصمان فلا تقتص للأول حتى تسمع قصة الآخر)) فما شككت في قضاء بعد، وروي عن الباقر نحوه.
ــــــــــــــــــ

(1/202)


سورة سأل سائل أو المعارج
[الآية السادسة والتسعون]: قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ} [المعارج:1]، قيل: لما توعد الله أهل مكة بالعذاب إن لم يؤمنوا قال بعضهم لبعض: لمن هذا العذاب فنزل: {سَأَلَ سَائِلٌ} عن الحسن وقتادة.
وسئل سفيان بن عيينة(1) فيمن نزل سأل سائل؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ماسألني عنها أحد قبلك حدثني أبي عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم نادى الناس فلما اجتمعوا أخذ بيد علي، فقال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) فشاع ذلك في البلاد فبلغ الحارث بن النعمان، فأتى رسول الله على ناقة بالأبطح، وهو في ملأ من أصحابه، فقال: يامحمد أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله فقبلنا منك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعى ابن عمك ففضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو من الله؟ قال: ((والله الذي لاإلاه إلا هو إنه من الله)) فولى الحارث، وقال: اللهم إن كان هذا مايقوله محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فخر على هامته وخرج من دبره، فقتله وأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ}.
__________
(1) سفيان بن عيينة بيائين متتاليتين ثم نون، أبو محمد الهلالي الكوفي العلامة الحافظ، شيخ الإسلام، محدث الحرم، ولد سنة 107هـ، كان إماماً حجة حافظاً واسع العلم، كبير القدر، اتفقت الأئمة على الاحتجاج به لحفظه وثقته، توفي سنة 198هـ، خرج له الجماعة وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.

(1/203)


سورة المدثر
[الآية السابعة والتسعون]: قوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر:39].
المروي عن محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: نحن وشيعتنا من أصحاب اليمين.
وقيل: هم المؤمنون.
وقيل: هم الذين لاذنب لهم فهم ميامين على أنفسهم.
ــــــــــــــــــ
سورة هل أتى - الإنسان
[الآية الثامنة والتسعون]: قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}...الآيات [الإنسان:7].
قيل: نزلت في علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وجارية لهم يقال لها: فضة، عن ابن عباس، ومجاهد.
وروي في قصة طويلة أن الحسن والحسين مرضا فنذر علي وفاطمة وفضة صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله، فلما بريا صاموا، ولم يكن عندهم شيء فاستقرض علي ثلاثة آصع من طعام لكل ليلة صاعاً، وطحنت فاطمة وخبزت فلما جاء وقت الإفطار في الليلة الأولى جاءهم مسكين فأعطوه ذلك فلم يذوقوا غير الماء، فلما كانت الليلة الثانية وقربوا الطعام جاءهم يتيم سائل فأعطوه ذلك وباتوا ولم يذوقوا إلا الماء، فلما كان في الليلة الثالثة، وقربوا الطعام جاءهم أسير سائل، فأعطوه الباقي وباتوا ولم يذوقوا غير الماء، فلما أصبحوا جاء أمير المؤمنين ومعه الحسن والحسين إلى رسول الله، ونزل جبريل بسورة هل أتى، وقال: هنيئاً لك يا محمد خذ ماهناك الله في أهل بيتك، وقرأ عليه السورة، وقيل: نزل في أنصاري أطعم في يوم واحد مسكيناً ويتيماً وأسيرا، عن مقاتل، وليس بالوجه لتظاهر الأخبار أنها نزلت فيهم.

(1/204)


سورة المطففين
[الآية التاسعة والتسعون]: قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:43].
قيل: نزلت في أبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل كانوا يضحكون من بلال وعمار ويستهزئون بهم.
وقيل: إن علياً جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسخر منهم المنافقون وتغامزوا، وقالوا: مر بنا الأصلع فضحكنا منه، فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: لما استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام على بني هاشم كان إذا مر بهم ضحكوا فنزلت الآية، عن الكلبي.
وروي عن مصعب بن سعد(1) عن أبيه، قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي فأقبل رسول الله يعرف بوجهه الغضب، وقال: ((مالكم ولي من آذى علياً فقد آذاني)) قال: وكنت آتي بعد ذلك فيقال لي: إن علياً يعرض بك ويقول: اتقوا فتنة الأخينس، وأقول: هل سماني؟ فيقال: لا، فأقول: إن خنس الناس كثير، معاذ الله أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ماسمعت منه.
ــــــــــــــــ
سورة الضحى
[الآية المائة]: قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5].
وروى أبو الزناد عن زيد بن علي عليهم السلام أنه قال: من رضا رسول الله أن يدخل أهل بيته الجنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، وقيل: هو مقام الشفاعة.
وقيل: هو في الدنيا النصر، والفتوح، وفي الآخرة الثواب، والجنة.
__________
(1) مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني، عن أبيه وعلي بن أبي طالب عليه السلام، وطلحة وغيرهم، وعنه ابن أخيه إسماعيل بن محمد، وأبو إسحاق وغيرهم، قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، نزل الكوفة، توفي سنة 103هـ، أخرج له الجماعة والسيد أبوطالب والمرشد بالله والشريف السيلقي.

(1/205)


سورة لم يكن أو البينة
[الآية المائة والواحدة]: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:7]، محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم، روى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ((علي خير البرية من أبى فقد كفر)).
وعن عطية بن سعد، قال: دخلنا على جابر وهو شيخ، فقلنا له: أخبرنا عن علي فرفع حاجبيه، وقال: ((ذاك خير البشر)).
عن ابن عباس: اشتكت فاطمة إلى رسول الله مايعيرنها نساء قريش، يقلن: إن أباك زوجك عائلاً لامال له، فقال لها: ((أما ترضين أن الله تعالى اطلع إلى أهل الأرض فاختار منهم رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك)).
ــــــــــــــــــــ
سورة العصر
[الآية المائة والثانية]: قوله: {إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا}...الآية [العصر:3].
قيل: هو علي.
وقيل: الذين آمنوا أبو بكر، وعملوا الصالحات عمر، وتواصوا بالحق عثمان، وتواصوا بالصبر علي عن ابن عباس.

(1/206)


سورة الكوثر
[الآية المائة والثالثة]: قوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1].
قيل: سبب نزول السورة أن قريشاً قالوا: إن محمداً مبتور لا ولد له إذا مات انقطع أمره، فنزلت السورة تكذيباً لهم، وأعطاه من الأولاد مالا يحصيه العدد.
وقيل: توفى له ابن يسمى عبدالله فسمته قريش أبتر، قال عقبه بن أبي معيط.
وقيل: العاص بن وائل.
وأما الكوثر:
قيل: نهر في الجنة.
وقيل: الخير الكثير.
وقيل: القرآن.
وقيل: النبوة.
وقيل: كثرة الأتباع.
وقيل: الفقه.
وقيل: المعجزات.
وقيل: الشفاعة.
وقيل: الشرائع.
وقيل: النسل الكثير الطيب.
وقيل: الصيت الرفيع.

(/)


ويجب أن يحمل على الكل لأنه تعالى أعطاه جميع ذلك واتصل نسله إلى يوم القيامة وكثروا حتى لايأتي عليهم الإحصاء والعد، وجميع نسله ولد علي وفاطمة عليهما السلام.
وقد روينا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال للحسن والحسين: ((كل بني أنثى أبوهم عصبتهم إلا الحسن والحسين فأنا أبوهما وعصبتهما)).
وقد أتينا على جملة ماوعدنا، وأسأل الله أن يجعلنا من شيعة آل محمد، ويلحقنا بهم، وينيلنا شفاعتهم برحمته، ومنه ـ آمين(1).
__________
(1) تم لنا بحمد الله تعالى سماع هذا الكتاب الجليل على سيدنا ومولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي.
وكتب/ إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي وفقه الله تعالى.

(1/207)