تحرير الأفكار (1/1) إن المحاولات التأريخية التي مارستها الحكومات المنحرفة عن خط الرسالة السماوية لإطفاء معالم الوعي ومحطات التوهج الفكري في الأمة، لم تفلح أبداً في إيجاد ثغرة ضئيلة بين الأمة وقادتها الحقيقيين من أهل البيت(عليهم السلام) رغم ما مارسته هذه الحكومات من إرهاب وصرامة، ورغم ما بذلته من ثروة لاستجداء بعض الأفواه الأجيرة والأقلام المنافقة. فقد سعت السلطات الأموية والعباسية بكل قوّتها وجبروتها إلى إخفاء معالم البيت النبوي الشريف، وطالت رجاله الأبرار قتلاً وتشريداً، وراحت تشوّه الحقائق وتغيّر المعالم مستغلّةً وضّاع الحديث ومبتدعي السنن ومحرّفي الكلم. (1/2) مقدمة المؤلف (1/3) والنسخة التي وصلتنا منه هي الطبعة الأولى سنة ( 1401 هـ، الموافق 1981 م ) في مطبعة التقدم، وكان بعض الإخوان أيدهم الله قد أشار بالإعراض عنه لأن في الإعراض عنه المعارضة له بنقيض قصده. لأنهم يرون صنيع مقبل غرضه فيه التصنع لدى أسياده، ليبذلوا له الأموال الجزيلة، وترتفع درجته عندهم. ويرون في الإعراض عنه إخمالاً لما جاء به، وتفويتاً لذلك الغرض. أما قيام العلماء ضدّه فهو تشهير به وبما جاء به، وذلك غاية مرامه منهم، لتكون النتيجة ما ينال من المال والجاه عند أسياده. ولكني رأيت الدفع عن الحق أهم من المعارضة المذكورة لأن في كتابه ما قد يغتر به بعض القاصرين، فتكون المفسدة في ذلك أعظم، فشرعت في الجواب وبالله التوفيق إلى الصواب. وجعلت أكثر الجواب المنقول من كتب أسلاف مقبل الذين ينتمي إليهم في مذاهبه، وذلك ليكون أبلغ في الحجّة عليه، ولكون ذلك من المخالفين كثيراً ما يكون بمنزلة الإقرار، وهذا هو السبب في ذلك. فإذا نقلنا من كتاب منها فلا يظن بنا أنّا نراه عمدة. وكتابنا هذا ينادي بذلك مراراً. (1/4) المبحث الأول علماء الزيدية ومؤلفاتهم (1/5) علماء السنة من هم (1/6) فنقول لك: من أين علمت أنهم أهل الحق في قولهم: هذا الحديث صحيح، وهذا سقيم، وهذا معلول، وهذا سليم، وهذا الراوي مبتدع لا يقبل حديثه لأنه داعية إلى بدعته وهذا صاحب سنة يوثق به في روايته، وهذا صاحب مناكير متهم في حديثه ؟ مع أنه يجوز عليهم الخطأ في الاعتقاد بأن يجعلوا صاحب الحق مبتدعاً، وهو صاحب السنة المحكمة في الواقع أو الكتاب المحكم، ويجعلوا المبتدع المتمسك بالأحاديث المكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أو المنسوخة أو المتأولة لحجة على التأويل صحيحة يجعلوا المتمسك بها بدون تأويل صاحب سنة، ويجعلوا الراوي للأحاديث الصحيحة صاحب مناكير، لأنه يروي ما يخالف مذهبهم واعتقادهم، فينكرون حديثه ويتهمونه بالكذب، ويجعلون من يروي الأحاديث المكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي هي المناكير في الحقيقة، ولكنها موافقة لاعتقادهم، فلا ينكرونها، بل يجعلوا راويها ثقة، لأن أحاديثه عندهم مستقيمة ليس فيها ما ينكرون، لأنهم لا ينكرون ما يوافق اعتقادهم، وما نشأوا عليه وتربوا على سماعه فراويه عندهم غير متّهم، بل يوثقونه. (1/7) فإن قلت: إن في السنة التي يرويها البخاري ومسلم ما يدل على ذلك. (1/8) تعريضه بالموقعين على فتوى الصيلمي (1/9) أقول: قد بيّنا أنك مقلد تقليداً أعمى، لأنك تقلّد ابن المبارك والبخاري ومسلماً وابن الجوزي والذهبي واضرابهم في قولهم: هذا الحديث صحيح، وهذا سقيم، وقولهم: هذا الراوي مبتدع، وهذا صاحب سنّة، وهذا جيّد الحديث، وهذا منكر الحديث، تقليداً أعمى لا تعتمد فيه على كتاب ولا سنّة، فكيف تعترض على تقليد بتقليد وتدعي لنفسك أنك العالم الوحيد ؟ مع أن « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور » كما في الحديث(1)[7]) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). (1/10) المبحث الثاني فيما يعد قبوله تقليداً وقبول المراسيل (1/11) ومن التقليد اتباعهم في قولهم: ( منكر الحديث )، أو في جرحهم في الراوي لأنه عندهم منكر الحديث، وأكثر جرحهم للشيعة من هذا القبيل، واتباعهم في ذلك تقليد، لأن إنكارهم له مبني على مخالفته لاعتقادهم. وكذلك اتباعهم في قولهم: ( كذاب )، لأنهم قد يريدون بالكذب روايات مخالفة لاعتقادهم يظنونها كذباً، فتكذيبه مبني على مذهبهم، فتقليدهم في التكذيب يستلزم التكذيب بلا حجة، ولأنهم قد يكذبون من غضبوا عليه، وإن كان يحتمل أنه أخطأ في رواية ولم يتعمد الكذب، فيكذبه أحدهم لغضبه عند ذلك، كما روي عن أحمد بن حنبل في تكذيب يحيى بن عبد الحميد الحماني كما يأتي إن شاء الله، فتقليدهم في ذلك خبط عشواء. (1/12) فقبول الجرح أو التكذيب تقليد، إذا لم يعرف القابل له ما هو السبب، ويعرف أنه يصح اعتباره سبباً للجرح أو التكذيب، يعرف ذلك بحجة صحيحة غير مبنية على تقليد. وفي كتاب مقبل الذي اسمه ( الطليعة في الرد على غلاة الشيعة ) كثير من هذا الجرح المطلق المرسل، قبله مقبل بدون إسناده وبدون حجّة، فيقول الجارح: « ليس بشيء » دون أن يبين هل يعني أنه مجرب في كذب متعمّد، أو يعني أن مذهبه مخالف، وأنه في رأي الجارح مبتدع لا ينبغي أن يروى عنه ؟ ودون أن يبين الحجة على دعواه أنه ليس بشيء، فاتباعه في ذلك من دون معرفة للسبب ولا معرفة بحجة، تقليد أعمى، فلماذا يكون التقليد مذموماً إذا سمّيناه تقليداً ؟ ! أما إذا لم نسمه تقليداً فليس مذموماً، وإن كان اتباعاً لغير حجّة، مع أن الاتباع لمن يحتمل أنه مبطل هو مذموم لأجل اتباعه بدون اعتماد على دليل، لا لمجرد اسم التقليد، ولو كان تغيير الاسم يخلص من الحكم للزم أن يكون لغيركم أن يتبعوا أسلافهم ويقولوا: هذا ليس تقليداً، لأن أسلافنا متمسكون بالكتاب والسنة، ونحن في اتباعنا لهم إنما اتّبعنا الكتاب والسنّة، وليس ذلك بتقليد. فإذا كنتم تنكرون هذا، فما لكم لا تنكرون تقليدكم لأسلافكم في الجرح والتعديل ؟ وهم بنوا ذلك على مذهبهم الذي لم يثبت بدليل صحيح. (1/13) جرح الراوي بسبب تشيّعه (1/14) فنقول لك: فإذا كان سلفك قد ضللوا كثيراً من الشيعة وكذبوهم وجعلوهم دجالين لأنهم رووا ما يخالف عقيدة سلفكم في عثمان وغيره، فلماذا لا ترد على ابن الجوزي وابن معين والذهبي هذا الغلو، وتحذرهم من عقائدهم المبنية على روايات العثمانية، وتبين لهم كذب كثير من العثمانية في الروايات التي يروونها لنصرة مذهبهم، إن كنت تريد نصح الأمة كلها وتردها عن خطأها في تضليل كل طائفة الأخرى من الطرفين ؟ وكيف وقعت فيما عبته، حيث ضلّلت الشيعة، وقررت رد حديثهم، واجتهدت في جمع من طعن فيه منهم، ولم تفعل ذلك بالعثمانية ؟ (1/15) الجرح والتعديل وطريقهما (1/16) وعين الرضا عن كل عيب كليلة***ولكن عين السخط تبدي المساويا (1/17) وقال ابن حبان، في كتاب المجروحين ( ج 1 ص 100 ) في ترجمة إبراهيم ابن يزيد الخوزي: روى عن عمرو بن دينار، وأبي الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر مناكير كثيرة وأوهاماً غليظة، حتى سبق إلى القلب أنه المتعمد لها، وكان أحمد بن حنبل(رحمه الله) سيّئ الرأي فيه... ». فسماه رأياً لا رواية. (1/18) قلت: وأشار إلى هذا المعنى محمد بن إبراهيم الوزير في ( الروض الباسم ) حيث قال في الذب عن أحمد بن حنبل: ورد قول القائل أن التشبيه مستفيض عن الإمام أحمد بن حنبل، فقال في الجواب عنه: ومنها أن العدد الكثير قد يغلطون في رواية المذهب وإن لم يتعمدوا الكذب، فلا يحصل العلم بخبرهم، لأن شرط التواتر الكثرة المفيدة للعلم، وذلك لا يكون إلا إذا أخبروا عن علم ضروري دون ما أخبروا عن ظن أو استدلال، ولكنه يحتمل في المخبرين عن الإمام أحمد أنهم ألزموه ذلك بطريق نظرية استدلالية، فلا يفيد خبرهم التواتر.... (1/19) وكذلك قوله: « أو لأجل مذهب » وكذلك أشار إلى أنه يكون التصحيح للرواية وإبطالها عن اجتهاد، حيث قال في الذب عن أبي حنيفة أيضاً في الروض الباسم ( ص 154 ): المحمل الرابع: أن تكون رواية الإمام أبي حنيفة من قبيل تدوين ما بلغه من الحديث صحيحه وضعيفه، كما هو عادة كثير من مصنفي الحفاظ أهل السنن والمسانيد. وغرضهم بذلك حفظ الحديث للأمة، لينظر في توابعه وشواهده، فإن صح منه شيء عمل به، وإن بطل شيء حذر من العمل به، وإن احتمل الخلاف كان للناظر من العلماء أن يعمل فيه باجتهاده.... (1/20) ولنرجع إلى بيان أن قبول الراوي أو ردّه اجتهادي، فنقول: قال محمد بن إبراهيم الوزير في الروض الباسم في ( ص 126 ) في الكلام في أبي جعفر الرازي: قال الحافظ عبد العظيم ; قد اختلف قول ابن المديني وابن معين وأحمد بن حنبل، فقال المديني مرة: ثقة، وقال مرة: كان مخلطاً. وقال أحمد مرة: ليس بقوي، وقال مرة: صالح الحديث، وقال ابن معين مرة: ثقة يكتب حديثه إلا أنه يخطئ. قال أبو زرعة الرازي: يهم كثيراً. وقال الفلاس: سيّئ الحفظ. قال محمد بن إبراهيم: مجموع كلامهم يدل على أنه صدُوق يخطئ ويهم. فلهذا اضطربوا في توثيقه لأن معرفة حد الوهم الذي يجب معه ترك الصدُوق دقيقة اجتهادية، يكون فيها للحافظ قولان، كما يكون للفقيه قولان في دقيق مسائل الفقه.... (1/21) وقال فيه أبو حاتم الرازي، كما رواه ابنه في كتاب الجرح والتعديل ( ج 4 ص 323 ): قال فيه: صالح الحديث.... (1/22) وقال في ( ص 86 ): قال زين الدين: « واعلم أن الزيادات التي تقع في كتاب الحميدي ليس لها حكم الصحيح خلاف ما اقتضاه كلام ابن الصلاح » وإنما قال زين الدين: « ليس لها حكم الصحيح » لأنه ـ أي الحميدي ـ ما رواها بسنده كالمستخرج، ولا ذكر أنه يزيد ألفاظاً واشترط فيها الصحة حتى يقلّد في ذلك، وهذا هو الصواب ) قال ابن الوزير: قلت: بل الصواب ما ذكره ابن الصلاح، فإن الحميدي من أهل الديانة والأمانة والمعرفة التامة، وهو من أئمة هذا الشأن بغير منازعة، وهو أعقل من أن يجمع بين أحاديث الصحيحين ثم يشوبها بزيادات واهية، ولو فعل ذلك كان خيانة في الحديث وجناية على الصحيح.... (1/23) أقوال العلماء في الحديث المرسل (1/24) وقال محمد بن إبراهيم في تنقيح الأنظار ( ص 307 ) من صفحات شرحه توضيح الأفكار، في الاحتجاج على منع قبول المرسل: لكن ما المانع من أن نثق بمن لا نستجيز الرواية عنه لو صرح به، مثل تجويز أن يروي عن مجهول وحديثه عنده مقبول، أو عن سيّئ الحفظ مختلف فيه، أو عن مجروح جهل هو جرحه، وقد عرفنا نحن جرحه، أو عن مغفل قد استوى حفظه وسهوه، ومذهبه قبوله مطلقاً، أو قبوله مع الترجيح، أو نحو ذلك مما أختلف فيه، فيؤدي ـ أي قبول مرسل الثقة المجزم به ـ إلى تقليد المجتهد القابل للمرسل لغيره، وهو المرسل في مسائل الاجتهاد وبنائه أي المجتهد لاجتهاده على تقليد المرسل. (1/25) وقال ابن الوزير وابن الأمير في ( ص 309 ): والصحيح أنه لا يكون العالم مجتهداً مع تقليده في تصحيح الحديث لجواز أن من قلده في تصحيح الحديث بني ذلك التصحيح على قواعد يخالفه فيها فيكون قد بنى اجتهاده على تقليد غيره.... وقولهما في هذا الباب يتناقض. (1/26) فالجواب: عن ابن الأمير ومن قلده في هذا: أن صدوره من ابن الأمير عجيب، وسببه التعصب للدعوة إلى اعتماد البخاري، كيف يخفى على ابن الأمير أن البخاري من كبار رجال الجرح والتعديل، حتى يزعم ابن الأمير أن البخاري إنما يأخذ التعديل من مشائخه مسلّماً من غير بحث ولا نظر، بل على طريقة أهل التقليد ؟ ومن أين صح لابن الأمير هذا الحصر والقصر الذي ادعاه في قوله: إن البخاري مثلاً ليس معه في عدالة الرواة الذين لم يلقهم إلا أخبار العدول بأنهم ثقات حفّاظ ؟ متى انسدت عليه الطريق حتى لم يكن له غير قول شيخه: فلان ثقة حافظ ؟ أليس البخاري يعرف الرجل بحديثه وتاريخه ؟ فلماذا صنف التاريخ الكبير ؟ ومن أين جاء له ما في ذلك الكتاب الحافل بالرجال، إذا كانت طريقه مسدودة ليس عنده إلا قول مشائخه: فلان ثقة حافظ فيأخذه منه مسلماً بدون نظر ولا ترجيح بل على طريقة أهل التقليد لا غير ؟ (1/27) إن ابن الأمير لا يخفى عليه طريقة أولئك الرجال في النظر في تاريخ الرجال وعقائدهم، وفي حديثهم الذي يعتقدونه سليماً من المناكير، سليماً من التخليط أو بالعكس، ونقول لابن الأمير: إذا لم يكن للبخاري إلا قول مشائخه: فلان ثقة ضابط دون نظر ولا ترجيح اجتهادي، فلماذا يختار قبول بعض من قد جرح أو ترك بعض من قد عدّل ؟ فإذا كان البخاري يعرف حديث الرجال وينتقده ويبني على انتقاده معرفة الرواة كما يعرفهم بتاريخهم وعقائدهم، فكيف يقاس عليه من يقلده أو يقاس البخاري على من يقلده ؟ حتى يقول ابن الأمير بناء على الحصر والقصر الذي ادعاه وذكرناه، يقول بناء على ذلك: فإذا كان الواقع من مثل البخاري من تصحيحه الأحاديث تقليداً لأنه بناه على أخبار غيره عن أحوال الرواة الذين صحح حديثهم كان كل قابل لخبر من أخبار الثقات مقلداً وإن كان الواقع من التصحيح من البخاري مثلاً اجتهاداً مع قبول لأخبار من قبله عن صفات الرواة، فيكون أيضاً قبولنا لخبر البخاري عن صحة الحديث المتفرع عن أخبار الثقات اجتهاداً، فإنه لا فرق بين الإخبار بأن هؤلاء الرواة ثقات حفّاظ وبين الإخبار بأن الحديث صحيح إلا بالإجمال والتفصيل.... (1/28) التحذير من اتباع الهوى وعلى من ينطبق (1/29) قال مقبل: « من أين يؤخذ الدين ؟ يؤخذ الدين من كتاب الله، ومن سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)». ثم استدل على ذلك بالآيات الكريمة، وهذا حق. ومن جملة ما استدل به قول الله تعالى: ] فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول [(1)[16]). (1/30) قلنا: فهل أنت تقول: لا بد من مخالفة كتاب الله، وقد قرأت الآيات في التحذير من التقليد ؟ ثم إذا لم يكن بد من التقليد، فلماذا تعيب على من قلد علماء آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)المتمسكين بكتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهم أعلام الهدى والصواب ؟ لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي... »(1)[18]) الحديث، ويأتي إن شاء الله تخريجه وذكر وجوه دلالته. فلماذا تذم من قلدهم وتجعله مخالفاً لكتاب الله ؟ ثم تقلد ابن الجوزي والذهبي وابن حبان واضرابهم، وترخص لنفسك فيما تهواه وأنت تنكر على غيرك خيراً منه وأقرب للهدى، وتبالغ في النكير. مع أنّا لا نسلم أنه لا بد من التقليد في التصحيح والتضعيف والجرح والتعديل، لأن للجرح والتعديل طرقاً تفيد الباحث الجاد: (1/31) ومنها: تتبع حديث الرجل وعرضه على ما قد ثبت من الأدلة، حتى يعرف، من تتبع أحاديث الرجل وعرضها على الكتاب والسنّة المعلومة المحكمة، أن حديثه مستقيم أو أنه منكر الحديث. وهذه الطريقة يحتاج صاحبها إلى مطالعة كتب الحديث المسندة، ويحتاج إلى التأني والتثبت ليعرف ما هو من حديث الرجل وما هو مكذوب عليه، ويعين على ذلك الخوض في كتب الجرح والتعديل بدون تقليد، بل بحيث يتخذ الجرح في بعض الحالات قرينة للتعديل والتعديل قرينة للجرح. (1/32) وهناك طريقة لمعرفة الحديث، وهي تعدد الطرق، وكثرة الأسانيد، مع عدم مخالفة أقوى منه، وبشرط أن لا يكون مما تكثره سياسة دولية أو تعصب مذهبي، فإنه قد يطمئن القلب إلى صحة الحديث لتعدد طرقه، فيقوم ذلك مقام شهرة الرجل، واطمئنان القلب إلى أنه ثقة في الحديث الثابت بسند رجالُه ثقاتٌ، وطريق توثيقهم أو بعضهم الشهرة. والمقصود الأصلي هو معرفة السنّة بأي وسيلة حصلت، فظهر بهذا أن طريق السنّة لم تنسد، وأنه لا ضرورة لتقليد القطانية يحيى بن سعيد القطان وتلاميذه، مثل: أحمد وابن معين، وعمرو بن علي وتلاميذهم، مثل: البخاري ومسلم وأبي داود وتلاميذهم السالكين طريقتهم ومن تبعهم في ذلك. فكيف يقلدهم مقبل، ويدعو إلى تقليدهم، ويدعي أن ذلك هو العلم وأن تركه جهل ؟ وهو يتلو الآية الكريمة قول الله تعالى: ] اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون [(1)[19]) فيرد الأحاديث المشهورة والقوية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)تقليداً.. مثل بعض حديث الثقلين كما يأتي، ومثل « أنا مدينة العلم وعلي بابها »(2)[20]) ومثل حديث السفينة(3)[21])، ويتبع أسلافه في تأويل القرآن لأجل حديث يعتقدون أنه صحيح، فيتأولون القرآن ويعتمدون الحديث بناء على أصلهم الفاسد: « أن السنّة (1/33) حاكمة على القرآن ». فهم قد عدلوا عن العمل بالقرآن من حيث لا يعلمون، ومقبل يتخذهم أولياء فيعمل بنفس الطريقة تقليداً لهم، فيترك العمل بالقرآن في هذه الصورة، لأنه اتخذهم أولياء من دونه يحولون بينه وبين العمل بالقرآن بأصولهم الفاسدة. (1/34) والجواب: أنه إن أراد تعيين الفرقة الناجية في الواقع فلا إشكال إن من كان من المتقين فهو من الفرقة الناجية، ولكن هذا لا يفيد للعمل بقوله في (ص 9): « تحتم على المسلم أن يبحث عن هذه الفرقة الناجية، حتى ينتظم في سلكها ويأخذ دينه عنها »، إن أراد بهذا القول أنه يجب على المسلم أن يعرف الفرقة الناجية من فرق الأمة الثلاث والسبعين، باعتبارها فرقة ذات نحلة وطريقة تخالف بها سائر الفرق، حتى ينتظم في سلكها في عقائدها ومذاهبها وأعمالها. أما إذا لم يقصد هذا، فلا يحتاج إلى الكلام في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين كلها هالكة إلا فرقة، وإلى الاحتجاج لذلك بالرواية عن معاوية، وتجشم الكلام في حديث أبي هريرة بالتصحيح لغيره. فالقضية واضحة من دون نظر إلى تعدد الفرق، وهي إن من اتقى الله وآمن به فهو من الناجين، ومن عصاه وتعدّى حدوده وتمرّد ولم يتب فهو من الهالكين. ودلائل هذا من الكتاب والسنة كثيرة جداً، ويكفي في ذلك سورة العصر. والقضية في هذا قضية مسلمة مفروغ منها، ومذهب الزيدية في هذا معروف، ولا يحتاج فيه إلاّ إلى معرفة الإيمان والتقوى، دون معرفة افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة. أعني لا علاقة له بتعدد الفرق، لأن محصوله أن من كان مؤمناً متقياً فهو من الناجين، ومن كان عدو الله فهو من الهالكين، سواء قلّت الفرق أم كثرت بالنظر إلى هذا المعنى، فالخطاب بقوله: « تحتم على المسلم أن يبحث عن هذه الفرقة... » لمن قد عرف أنه لا نجاة إلا بالإيمان والتقوى، فإلزامه بالبحث والنظر في تعيين الفرقة الناجية أمر له بتحصيل الحاصل على تفسيره المذكور للفرقة الناجية، وكذلك قوله: « سواء كان حجازياً أم يمنياً أم شامياً... » إذا أراد به أن البلدان لا تختلف بالنسبة للإيمان والتقوى، لأن الجزاء لا يختلف باختلاف البلدان، فهذا فضول من القول، لأنه أمر مفروغ منه واضح لا إشكال (1/35) فيه، ولا نزاع، فما معنى تصديره في بحث الفرقة الناجية ؟ وإن أراد به سواء كان حجازياً أم يمنياً أم شامياً، أي على المذهب السائد في الحجاز والمذهب السائد في اليمن والمذهب السائد في الشام، في زمان من الأزمنة التي اختلفت فيها المذاهب في هذه البلدان، فعبارته قاصرة عن إفهام مقصوده، وحينئذ يكون المعنى سواء كان جبرياً أم عدلياً أم شيعياً أم ناصبياً أم قرمطياً وهذا يصيّر كلامه متناقضاً... (1/36) وعملوا بحديث الثقلين ونحوه وحديث: « لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق »(1)[24]) ـ وتجنّبوا مخالطة الظلمة والركون إليهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فكانوا أحق باسم الإيمان هم ومن سلك طريقهم، وأحق أن يكونوا هم الفرقة الناجية، لقول الله تعالى في الفرق بين المنافقين والمؤمنين: ] المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم [ إلى قوله تعالى: ] والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم [(2)[25]) (1/37) وقوله تعالى: ] قالت الأعراب آمّنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [ إلى قوله تعالى: ] إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون [(1)[26]) وقوله تعالى: ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [(2)[27]) وقوله تعالى: ] والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين [(3)[28]). (1/38) والجواب: إن عنى أئمته من أهل الحديث، فهل يعني ليس لهم مذهب يتعصبون له ؟ فهذا خلاف الواقع، لأن لهم مذاهب معروفة يتعصبون لها، منها تقديم أبي بكر وعمر وعثمان، وتفضيل الشيخين أو الثلاثة على علي(عليه السلام)، وتعصبهم لهذا ظاهر، حتى أن من خالفهم فيه يرمونه بالغلو في التشيع، وربما رموه بالرفض، وأقل أحواله أن يعتبر مبتدعاً ضعيفاً في الحديث في الغالب، إذا أحبّ علياً وقدمه ولم يسب، وكذلك يعتبرون من تكلم في أحد الثلاثة أو طلحة أو الزبير أو عائشة دجالاً كذاباً، أو رافضياً خبيثاً، لا يكتب حديثه، ويرمونه بسب الصحابة جملة في التعبير، ومن روى فضيلة تستلزم في ظنهم نقص أحد المذكورين وسبهم بزعم القوم جرحوه، لأنه عندهم يروي المثالب. فكيف لو روى مثلبة حقيقية ؟ بل جرحوا من روى في معاوية: « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه »(1)[29]) وجرّحوا من روى فيه وفي عمرو: « اللهم اركسهما في الفتنة »(2)[30]). (1/39) فالجواب: هذه دعوى، وكل أهل المذاهب يدعون أنهم أهل الحق، وأن تعصبهم لمذهبهم صلابة في الدين، فالتعليل الذي ذكره مقبل ـ يريد أنهم الطائفة التي لا تزال على أمر الله فيما روى ـ تعليل بمجرد الدعوى، فكأنه يقول: لا يزالون على أمر الله لأنهم أهل أمر الله، ولا يزالون على الحق لأنهم أهل الحق، لأن أمر الله هو الحق، والحق في الأمة هو أمر الله. (1/40) والجواب: إن هذه دعوى غير صحيحة بل كذبة صريحة. لأن مذهبهم معروف، وهو أن الفرقة الناجية هم آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن معهم في دينهم، فكيف يقولون: إن الفرقة الناجية أهل صعدة ومن تبعهم، ومثل هذه الكذبة كذبة أخرى أشنع منها، كذبتها يا مقبل عليهم حيث قلت: « وأهل صعدة ينادون الهادي » رمياً لهم بالشرك، وأنت تعرف أهل صعدة. فمتى سمعتهم ينادون الهادي ؟ ومن سمعت منهم إن لم تكن سمعتهم كلهم ؟ ـ لقد دخلنا صعدة مراراً وزرنا الهادي مراراً، ولم نسمع أحداً يناديه لا في قبّته ولا في سائر صعدة، ولو كانت هذه عادتهم لظهرت لكل من دخل صعدة. وهذا جواب موجّه إلى غيرك، فأما أنت فإنك كما كذبت الكذبة الأولى والثانية على أهل صعدة، لا تعجز أن تزيد كذبة وكذبات ] قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر [(1)[31]). (1/41) والجواب: إن الرجل تكلم بلغته العرفية ولا حجر في اللغة، وكلامه محمول على لغته. فإذا كان السيد في عرفه اسماً لمن كان من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حُمل كلامه على هذا المعنى لا على المعنى اللغوي، ولا إشكال أنه عرف بلده إذا قالوا: يا سيد أو يا سيدي فُهم منه هذا، وهم يقولون سؤالاً: أنت سيد أو فقيه ؟ فالسيد عندهم من ذكرنا، والفقيه من كان من بيت علم وليس من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيقولون له: فقيه، ويقولون له: سيدنا ـ بتخفيف الياء ـ والمقصود أنه فقيه ـ أي من بيت علم ـ وهذا المعنى معروف عندهم وعند مقبل، لكن في نفسه شيء ] قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر [(1)[32]). (1/42) والجواب: أما الدليل، فإن اسم السيد في عرف هذه الأقطار قد صار لقباً لمن كان من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عبارة عن ذلك، فقول القائل: يا سيدي أو يا سيد إقرار بهذا وتشريف له بالنسبة، فهو كما يقال في غير هذه البلاد: يا شريف. وهذا من الأدب وحسن الحوار والإحسان والله تعالى يقول: ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان [(1)[33]) فهو عدل من حيث الإقرار بالحق، وإحسان من حيث التشريف بالنسبة إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). ولأجل هذا العرف في البلد قد صار تركه سبباً لاتهام من ترك هذا الاسم بأن في نفسه شيئاً للسيد، فأما من جادل عن ذلك وغالط فالتهمة أعظم. وأما كلام الهادي فهو في السيد بالمعنى الأصلي، لأنه متقدم قبل العرف، ولهذا لما أجابه القائل له أليس الله يقول: ] وسيداً وحصوراً [(2)[34]) ؟ قال: نعم، ولكني لا أحب أن يقال لي هذا. (1/43) والجواب: هذا تعريض بأن أهل الفتوى ـ الذين رماهم بالجهل والحقد على السنة وكتب السنة ـ مبتدعة، وهي دعوى عليهم بل كذبة متعمدة، لأنه يعلم أن لهم حججاً من الكتاب والسنّة يعتمدونها ويعتقدون صحّة الاحتجاج بها، ومن كان كذلك لا يسمى في العرف مبتدعاً، سواء كان مصيباً في نظر غيره أم مخطئاً، لأن الله تعالى يقول: ] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [(1)[35]). فهو على فرض أنه أخطأ في اجتهاده لا يستحق الذم والتهمة بالبدعة، وإلا كان له أن يقول في خصمه: إنه مبتدع، لأنه عنده مخالف للسنة، وهذا واضح وعليه عمل العلماء. فقول مقبل في خصومه ذلك القول انقياد للهوى وعصبية للمذهب، وكذب واضح وخرق فاضح. (1/44) والجواب: إن هذه دعوى منه ومن إمامه ابن تيمية خصم الشيعة، ولا يقبل منه ذم خصومه، مع أنه قد مدح الزيدية بالنسبة إلى بقية الشيعة، وهو خصم الجميع حيث قال في منهاجه ( ص 67 ): « فالزيدية خير من الرافضة، أعلم وأصدق وأشجع... ». وقد بسطت في هذا البحث في أول كتابي « الإجادة » أحد الأجوبة على الباز. (1/45) هذا القول من مقبل حجّة عليه، لأنه دليل على ثباتهم على مذهبهم حتى في حالة الخوف، فإنهم يحاولون السلامة بدون عدول عن مذهبهم. ألا ترى أنهم إذا قالوا: آمّين ـ بتشديد الميم ـ فقد قالوا كلمة من القرآن لا تفسد الصلاة لأنها من القرآن ؟ وإنما يرى من يرى فساد الصلاة بالتأمين لأنه ليس من القرآن، ولا من أذكار الصلاة المشروعة فيها، فهو كلام غير مشروع فيها عندهم، فهو منهي عنه بدليل الأمر بالسكوت في الصلاة، والنهي عن الكلام فيها. وهذا عام خصّ منه ما ثبت أنه مشروع فيها بعد النهي عن الكلام، وبقي سائر الكلام تحت النهي، ومنه التأمين عندهم. (1/46) المبحث الرابع في أدلة منع الكلام في الصلاة (1/47) فالجواب: كيف تنكر ذلك ؟ وقد روى البخاري في جامعه المسمّى بالصحيح ( ج 7 ص 207 ) من النسخة المجردة من الشروح، أي في أواخر الكتاب في كتاب سمّاه « كتاب التوحيد » ولفظه: وقال ابن مسعود عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ». (1/48) وفي جامع مسلم المسمى صحيح مسلم ( ج 5 ص 26 ) بسنده عن عبدالله حديث « إن في الصلاة شغلاً »، وهناك بالإسناد عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: ] وقوموا لله قانتين [ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام، وهذا عام لا يخرج منه كلام إلا بدليل وذلك لأن الكلام صوت مسموع، قال الله تعالى: ] فأجره حتى يسمع كلام الله [(1)[40]) أي القرآن الذي يسمع عند تلاوته وهذا معنى الكلام الظاهر المشهور المتبادر عند الإطلاق. (1/49) والجواب: إن العام إذا عارضه الخاص عمل بالخاص فيما تناوله، وبالعام فيما بقي من دون تأويل آخر بجعل العام عبارة عن معنى خاص من أول الأمر. لأن وجود الخاص لا يوجب إلا التخصيص لما تناوله فقط، ولا دلالة فيه على تأويل العام بمعنى خاص، فصرف العام عن ظاهره لمعنى خاص وإبطال عمومه كله، ما تناوله الخاص وما لم يتناوله، هو تأويل بغير حجّة وعدول عن الظاهر بغير دليل. فقول مقبل: « جمعاً بينه وبين الأدلة » يقال فيه: إذا صحت الأدلة وكانت متأخرة عن تحريم الكلام في الصلاة فهي مخصصة لعموم النهي عن الكلام، ولا دلالة فيها على تأويله بما ذكره، بل يعمل بالخاص فيما تناوله وبالعام فيما بقي. وهذا جمع لا إشكال فيه، بل إعمال للدليلين كل واحد في محله بدون تحكّم ولا عدول عن الظاهر. (1/50) هذا، ويمكن الاستدلال لفساد الصلاة برواية زيد بن أرقم: « حتى نزلت: ] وقوموا لله قانتين [(1)[42]) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام » فإنه يدل على أن ترك الكلام من معنى الآية، فيكون الكلام مفسداً من حيث أن المتكلم في الصلاة لم يمتثل هذا الأمر، فكانت صلاته غير الصلاة المأمور بها في قوله تعالى: ] وقوموا لله قانتين [ فلا تجزيه وهو المراد بالفساد. (1/51) قال مقبل في ( ص 16 ): « فهل تعني بالذين يروونها ـ أي رواية التأمين ـ مالكاً والشافعي وأحمد والبخاري ومسلماً ؟ فالجواب: إن عبارة الصيلمي للمفرد حيث قال: والذي رواها يروي عن الفسّاق والظلمة، ولعله يعني البخاري ». (1/52) والمحنة الثانية: وقوع الوحشة بينه وبين أمير بلده، بسبب امتناعه من طاعته لما أمره أن أحمل إليّ كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك. وفي رواية أمره أن يقرأ التاريخ والجامع على أولاده فامتنع، وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوماً دون آخرين. فنفاه عن البلد، فدعا وهو في المنفى: ( اللهم قد ضاقت بي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك ) هكذا في آخر مقدمة فتح الباري. والله اعلم بالصواب. فالمحنة الأولى وقعت له بينه وبين الناس وكأنها بطريق المنافسة إن صحّت الرواية، وليست بسبب كلمة حق عند سلطان جائر، والمحنة الثانية: بسبب معصية الأمير، ولو أطاعه لكان موافقاً لإمامه الزهري إن صحت الرواية عنه. فقد روى ابن حجر في « تهذيب التهذيب » في ترجمة الزهري ( ج 9 ص 449 ) سأل هشام بن عبد الملك ـ الزهري ـ أن يملي على بعض ولده، فدعا بكتاب فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إن هشاماً قال له: إن ذلك الكتاب قد ضاع، فدعا الكاتب فأملاها عليه...، فإن كان الزهري قد أهان العلم، فتلك مما يدل على ميله إلى الملوك، وأنه يطيعهم في معصية الله، وإن لم تكن إهانة للعلم فما الرخصة للبخاري في معصية الأمير وقد أمره بأن يقرأ كتابيه ؟ وكتاباه عنده حق، وسماعهما حق عنده. فالأمر على هذا ليس أمراً بمعصية حتى يحمد البخاري على مخالفته، مع أن مذهبه وجوب طاعة أميره في غير معصية الله وإن كان ظالماً، وهذا كله على فرض صحة الرواية. والله أعلم. (1/53) والجواب: إن هذا عدول عن الجواب عن دعوى الصيلمي بأن الذي رواها يروي عن الفساق والظلمة، وليس مفيداً في تصديق الدعوى ولا في ردها، فهو مراوغة. (1/54) منها: قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لعلي(رضي الله عنه): « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي... »(1)[44]). (1/55) وفي أوائل « الاعتصام » فصل: ( واعلم أن الجرح بمجرد المذهب لا يخلو إما أن تقوم الدلالة على كونه حقاً أو لا ). الثاني: إما أن تقوم الدلالة على بطلانه أو لا، فالذي لا تقوم الدلالة على بطلانه ولا على كونه حقاً يجب النظر في الرجال، وأما من قامت الدلالة على بطلان مذهبه فهو مجروح باتباعه للباطل وتماديه عليه، لا سيما إذا أقام العلماء الحجج عليه كالمشبهين لله تعالى بخلقه والرادين لقوله تعالى: ] ليس كمثله شيء [(1)[45]). وكالقدرية مجوس هذه الأمّة، خصماء الرحمان، وشهود الشيطان، والمرخصين للمسلمين في ارتكاب المعاصي، القائلين: إن الإيمان قول بلا عمل، أو الاعتراف بلا قول ولا عمل. وكالنواصب والغلاة الروافض... إلى آخر الفصل، راجعه فإنه مفيد جداً ومقدمة الاعتصام كلها مفيدة هامة جداً. (1/56) والجواب: إن هذا لا يدل على أن البخاري لم يعتمد عليهما، بل إيراده لهما في الصحيح وترك غيرهما يوجب التهمة بأن الرواية عنهما أحب إليه من رواية تلك الأحاديث عن غيرهما، لأن روايتهما أوثق عنده، أو لأن ذلك تقوية لجانب النواصب. وعلى كلا التقديرين فهو متهم بالميل إلى النواصب واعتقاد صدقهم، وذلك خلاف مذهب الزيدية وغيرهم ممن ينتمي إلى أهل البيت(عليهم السلام). وإذا كان ذلك كذلك، فلا ينبغي للزيدية المخالفين له في أصول الجرح والتعديل أن يعتمدوا روايته، وقد رأوه يروي عن النواصب الذين هم مظنّة النفاق، أو يحكم عليهم بالنفاق لبغضهم عليّاً(عليه السلام)، والمخالف في المذهب لا يقلَّد، لأن تقليده يؤدي إلى اتباعه فيما هو فيه مخالف لمذهب المقلِّد الذي يعتقده باطلاً. وقد قررنا فيما مضى أنّ الاتباع في التصحيح بدون اعتماد من التابع على حجة أنه تقليد، وتقدم ذكر احتجاج مقبل على تحريم التقليد. (1/57) ومن مخالفات البخاري اعتماده على بعض من يخالط السلطان، وذلك مخالف لحديث « الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا »(1)[46]) فقد اعتمد على عدد ممن نسب إليه ذلك، منهم: الزهري، وأحمد بن واقد الحراني، وحميد بن هلال، وخالد بن مهران، وعاصم بن سليمان، وأبو الزناد عبدالله بن ذكوان. وليس المراد الاعتراض على البخاري ومن رأى رأيه في ذلك، ولكن المراد أنه لا يلزم من يخالفه في أصول الجرح أن يقلده فيها، ولا في تصحيح الحديث وتضعيفه. وهذا واضح عند من أنصف، وليست مخالفة البخاري في عمران بن حطان ومروان وحدهما، فقد روى عن غيرهما ممن رمي بالنصب أو برأي الخوارج، مثل: بهز ابن أسد، وثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الحمصي، وحصين بن نمير الواسطي، وداود بن الحصين المدني، وعكرمة مولى ابن عباس، وفليح بن سليمان الخزاعي المدني، وقيس بن أبي حازم البجلي، والوليد بن كثير المخزومي. (1/58) ومن مخالفات البخاري ( ج 10 ص 325 ) ما أخرجه عن قيس بن أبي حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جهاراً غير سر يقول: « إن آل ابي ـ قال عمرو في كتاب محمد بن جعفر ـ: بياض ـ ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ». (1/59) ومن مخالفاته رواياته عن الزهري، وهو من خلطاء بني أمية التي بيّنتها في كتاب الزهري، وهي كثيرة يقضي بها أغراض الأموية أو شيعتهم. فالبخاري في ذلك غير موافق لمذهب الشيعة، فلا يصلح منهم تقليده. وهذا يقوي كلام ابن حزم الذي نقلناه سابقاً أن الشيعة لا يصدقونهم. (1/60) والجواب: إن الآية الكريمة في الذين مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في الدين كله والنصرة، الملازمين له على ذلك، ولذلك وصفهم بالصفات المذكورة، وهي تنافي صفات المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، وقد كانوا في المدينة المنورة بصورة مسلمين، قال الله تعالى فيهم: ] لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً [(1)[49]) وقال تعالى: ] وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم [(2)[50])، فقوله تعالى: ] محمد رسول الله والذين معه [ لا تعم من تسمونهم صحابة، بل هي خاصة بالخلص أهل الدين الكامل، ممن أسلم قبل الفتح، الذين كانوا معه عند نزول الآية الكريمة. يؤكد ذلك أنه قال: ] رحماء بينهم [. وأين الرحمة ممن قاتلهم ولعنهم ورماهم بالكذب ؟ فهل يعد فاعل ذلك ممن وصفوا بأنهم رحماء بينهم ؟ أين الرحمة ممن يجهد في هلاكهم وإذلالهم ؟ هل من إنصاف ؟ ] يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون [(3)[51]). (1/61) معنى الحديث: ( خير القرون قرني... ) (1/62) والجواب: أما أولاً، فقول مقبل « يقدحون في الصحابة » كلام باطل من جهة أن ظاهره العموم، وهو كذب إن أراد العموم. وتدليس إن أراد الخصوص، ليوهم العموم ويشنع ] يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون [(1)[54]). (1/63) ومقبل في هذا الكذب أو التدليس متبع لهواه، منقاد لدواعي البغض والعصبية. ولو أنصف بعض الإنصاف لكان صواب عبارته أن يقول: إنهم يقدحون في بعض من يسميهم صحابة إذا روى مخالفاً لمذهبهم، ويقبلونه إذا روى موافقاً لمذهبهم. وهذه العبارة وإن كانت غير كاملة في الأدب، لإيهامها التعصب المذهبي، إلا أنه مع الجدال يحتاج إلى إيراد المعنى، ولكن الصواب إيراده حينئذ بصورة السؤال، بأن يقول: ما بالهم لا يجرحون فيه إذا روى ما يوافقهم بل يقبلونه، حتى إذا روى ما يخالفهم جرحوه ؟ فكان هذا هو، اللائق بالأدب مع علماء الدين أهل الفضل والزهد والورع والصبر والجهاد، وخصوصاً ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي كان ينبغي له أن يرقب محمداً فيهم، ويذكر الله عملاً بوصية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، دون أن يرميهم بالباطل باتباع الهوى، ويوهم أنهم يرون سب الصحابة عموماً بلا ملجئ، وهو يمكنه الجدال بدون كذب ولا عمل بسوء الظن الذي نهى الله عنه في قوله: ] اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم [(1)[55]) ولا تغرير وتلبيس. (1/64) الجواب: هذه العبارة في التعميم لكتب السنّة كعبارته الأولى في تعميم الصحابة في قوله: « يقدحون في الصحابة » والجواب هنا كالجواب هناك، لأن قول السيد الصيلمي: « إن الذي روى التأمين يروي عن الفسقة والظلمة » ليس قدحاً في الكتب، ولا أمراً بترك جميع ما فيها، إنما هو احتجاج لكون راوي حديث التأمين لا يقلّد في تصحيحه، وأن تصحيحه له لا يدل على صحته على أصولنا. وذلك الكلام من السيد علي بن هادي الصيلمي لا يدل على أنه يدعوك إلى ترك كتب السنة. وأين ترك كتب السنة من ترك تقليد البخاري في تصحيحه لحديث التأمين من حيث أنه رواه في صحيحه ؟ ألا يمكن قراءة كتب السنة إلا بتقليد أهلها، بمعنى أن يقلد كل واحد من أهل الكتب في تصحيح ما صحح ؟ ألا يمكن البحث والنظر وتحرير الفكر من ربق التقليد والعمل بالصحيح وترك ما لم يثبت عند الباحث، وإن ادعى غيره ثبوته ؟ ألا يمكن معرفة الرجال بمعرفة أحاديثهم وعرضها على الكتاب والسنّة المجمع عليها، والمعلوم من السنّة بالتواتر أو بالشهرة والقرائن التي تنضم إلى الشهرة حتى يحصل العلم اليقين ؟ ألا يمكن معرفة الرجال بمعرفة أحاديثهم وعرضها على حديث الآخرين، حتى تكثر الشواهد في غير مسائل السياسة ومسائل التعصب، التي كثرتها السياسة أو التعصب المذهبي ؟ فإذا كثرت الشواهد واطمأن القلب إلى أن سبب كثرتها ليس إلا صحة الحديث عمل به فيما لا يخالف المعلوم، بعد البحث في النسخ إن كان نسخ ونحو ذلك. (1/65) المبحث الخامس تنقيصه لكتب الزيدية ورواتهم والرد عليه (1/66) قال مقبل: « وإن أسندوا فغالب أسانيدهم تدور على الضعفاء والكاذبين، مثل: أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي، وجابر بن يزيد الجعفي، والحسين بن علوان، وعمرو بن شمر، وعبد السلام بن صالح أبو ( كذا ) الصلت الهروي، وعلي ابن مهدي القاضي، وعامر بن سليمان الطائر ( كذا )، وداود بن سليمان القزويني، والحارث بن عبدالله الهمداني، والحسين بن عبدالله بن ضميرة، وإسحاق بن محمد الأحمر، الذي ادّعى اُلوهية علي، وأبي هارون عمارة بن جوين العبدي، وكادح ابن جعفر. وحسين بن عبدالله بن عباس، والأشج بن أبي الدنيا، وهو عثمان بن خطاب. (1/67) والجواب: أما قراءة كتبهم، فهي تفيد من لم يعمه التعصب، فإنه كما قلنا: إذا اطلع على أسانيدهم أمكنه عرض حديثهم على ما قد علمه الحق من الكتاب والسنّة. فإن وجدها مخالفة تبين له حكم رجالها بقدر المخالفة من جرح أو تضعيف أو غيره، وإن وجدها موافقة للمعلوم فما يضرهم ذم خصومهم. (1/68) هذا، وقد جعل الذهبي معظم الجرح في « الميزان » مبنياً على أقاويل أسلافه الذين ذكرهم في خطبة الميزان، فجعل أولهم يحيى بن سعيد القطان، الذي تكلم في الإمام الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام)وتكلم في عبدالله بن محمد بن عقيل، وتكلم في إسرائيل بن يونس، وجعفر بن سليمان الضبعي، وقيس بن الربيع، ومجالد بن سعيد، وغيرهم من الشيعة. (1/69) وبعض الجرح في « الميزان » يكون فيه ذكر أحاديث يذكر أن المجروح رواها أو كلمات تنسب إلى المجروح، فأما ما رواه من كلام أسلافه فيحتاج إلى صحّة سببه، وصحّة كونه سبباً صحيحاً للجرح. وأما ما قاله بسبب روايات أو كلمات تنسب إلى المجروح، فتحتاج إلى ( إثبات )(1)[57]) صحتها عن المجروح، لأن بعضها قد يكون مكذوباً على المجروح افتراه بعض خصومه بسبب عداوة المذهب، وبعد صحتها عنه ينظر في كونها سبباً جارحاً، لأن بعض الروايات والكلمات قد يكون جارحاً عند قوم وهو عند غيرهم غير جارح كما مر. وعلى هذه الطريقة، لا بأس بالنظر فيه وفي سائر كتب الجرح والتعديل. وهذا كله للتحرر من التقليد والتبعية فيما لا يصح أصله عند الباحث لو عرف أصله، والتبعية في جرح ليس له أصل إلا عداوة المذهب. ألا ترى أن بعضهم ـ كزائدة ـ جرح في بعض الزيدية بأنه يرى السيف. أي الخروج على السلطان الجائر، وبعضهم جرحه بترك الجمعة، وكانت الجمعة إنما يقيمها الظلمة، فيدعون للظالم في الخطبة ويمدحونه بالكذب، ويأتمون بالظالم فيرفعون بذلك شأنه، ويكون في حضور العلماء صورة التقرير على ذلك كله، فيكون الحضور دعماً للظالم عند العامة وتقوية لجانبه، وتغريراً عليهم، ومعاونة للظالم على ظلمة والله تعالى يقول: ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [(2)[58]) فحين يكون الحضور منكراً يكون ذلك عذراً في ترك الجمعة، فتراهم يجرحون بذلك عباد بن يعقوب الرواجني، ويسكتون على ذلك الجرح لتقرير الجرح لحرصهم عليه، ويجرحون به الحسن بن صالح فيغتفر له ذلك. ويجيب بعضهم عن ذلك بأنه، مذهبه لما حرصوا على سلامته من الجرح، وكذا رأيه في الخروج على الظلمة اغتفر. (1/70) وقال ابن حجر: « وهو مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك، لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عبرة لمن تدبّر. وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته... ». (1/71) والحاصل، أنّا لا نسلم أن الجرح يكون ريبة على كل حال. ثم إنه إن أراد البحث عن العدالة كما لو لم يكن جرح فلا بأس، لكن هذا ليس بسبب الجرح، بل لئلا يعمل برواية المجهول، وإن أراد أن يجعل هذا الجرح حجر عثرة في طريق معرفة العدالة، فكلما ظهرت علامات العدالة عارضها بالجرح المبهم، باعتباره مشككاً فيها، فهذا غير صحيح على إطلاقه. بل ينظر، فإن كان بين الجارح والمجروح مخالفة في مذهب، أو منافسة على منصب، أو قد تكلم المجروح في الجارح، أو نحو ذلك، فلا يلتفت إلى الجرح بعد ظهور علامات العدالة، وإن لم يظهر للجرح باعث مما ذكرناه فالأولى زيادة التثبت، وبالله التوفيق. (1/72) أما أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، فهو يروي عن زيد عن آبائه، وقد بسط الكلام فيه السياغي في « الروض النضير » شرح مجموع زيد بن علي. ونقل ما حكاه فيه صاحب « تهذيب الكمال » من أقوالهم فيه وأجاب عنه، فراجعه فيه، فالكتاب مطبوع موجود. وقد ذكر ابن أبي حاتم ترجمته ولم يذكر فيها عن وكيع ولا عن أبي عوانة، وظاهر جرح من جرحه أنه لاعتقادهم فيه أنه يضع الحديث ويكذب، ولكن هذا اعتقادهم فيه لما في حديثه من الفضائل، ولما تفرّد به. وأكثر حديثه له شواهد مذكورة في شرح المجموع، أعني « الروض النضير » ولم يوجد له مما تفرّد به إلا ستّة أحاديث أو نحوها. مع أن معانيها غير منكرة ـ أعني لا تخالف المعلوم من الكتاب أو السنّة ـ. (1/73) خصوصية فضائل الإمام علي(عليه السلام) (1/74) وأخرج الحاكم في المستدرك ( ج 2 ص 463 ) عن حمزة بن عبدالله بن عمر أنه بينا هو جالس مع عبدالله بن عمر، جاءه رجل من العراق فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنّي والله قد خرجت ( كذا ) أن اتسمَّت بسمتك وأقتدي بك في أمر فرقة الناس، وأعتزل الشر ما استطعت، وإنّي أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عزَّوجلَّ: ] وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين [(1)[60]) ؟ أخبرني عن هذه الآية، فقال عبدالله بن عمر: مالك ولذلك ؟ انصرف عني، فانطلق حتى إذ توارينا سواده أقبل إلينا عبدالله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي في شيء من أمر هذه الآية إلا ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عزَّوجلَّ تعالى. (1/75) وأخرج الحاكم في المستدرك أيضاً ( ج 4 ص 486 ) عن شهر بن حوشب قال: لما جاءت بيعة يزيد بن معاوية قلت: لو خرجت إلى الشام فتنحّيت من شر هذه البيعة، فخرجت حتى قدمت الشام فأخبرت بمقام يقومه نوف فجئته، فإذا رجل فاسد العينين عليه خميصة، وإذا هو عبدالله بن عمرو بن العاص، فلما رآه نوف أمسك عن الحديث، فقال له عبدالله: حدث بما كنت تحدث به، قال: أنت أحق بالحديث، فقال له عبدالله: حدث بما كنت تحدث به، قال: أنت أحق بالحديث منّي، أنت صاحب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إن هؤلاء منعونا عن الحديث ـ يعني الأمراء ـ قال: أعزم عليك إلا ما حدّثتنا حديثاً سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: سمعته يقول: « إنها ستكون هجرة بعد هجرة، يجتاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرارها، تلفظهم أرضهم، وتقذرهم أنفسهم، والله يحشرهم إلى النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف ». وسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجال في بقيتهم ». (1/76) وأخرج البخاري في باب مرض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ووفاته ( ج 5 ص 139 ) عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قالت: لما ثقل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض، بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر. قال عبيد الله: فأخبرت عبدالله بالذي قالت عائشة: فقال لي عبدالله بن عباس: هل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب. (1/77) إلى أن قال: فناهيك أنه ملك بنو أمية الأمر قريب المائة السنة يتقرب إليهم المتقربون بذمه وانتقاصه، صانه الله تعالى، ولا يرون قدراً لغير من أتى بذلك، فكيف تنشر له فضيلة أو يرويها أحد ؟ فبحق أقول: ما ظهر منها ما ظهر مع المبالغة في طيه إلا لما ضمنه الله تعالى من حفظ السنة النبوية، كما ذكره المحققون، أنه تعالى ضمن حفظ كتابه الكريم، وسنّة نبيّه عليه الصلاة والسلام، وفضائل الوصي من السنة، لأنها من الأقوال النبوية، إلى أن قال ابن الأمير في (ص242) ـ: وروى عطا عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال: وددت أن أترك وأحدث بفضائل علي بن أبي طالب(عليه السلام)يوماً إلى الليل وأن عنقي ضربت بالسيف، قال أبو جعفر: وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي(عليه السلام)وعاقبوا على ذلك... الخ. (1/78) وأما جابر بن يزيد الجعفي، فقال فيه ابن أبي حاتم: روى عنه الثوري، وشعبة، وزهير، وإسرائيل، وشريك، سمعت أبي يقول ذلك، حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال: سمعت سفيان يقول: إذا قال جابر: حدّثنا وأخبرنا فذاك. (1/79) حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبا زرعة يقول: جابر الجعفي ليّن. انتهى من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي. (1/80) الأول: ان أصل الكلام هنا أنه لا يقبل الجرح إلا مبين السبب، وهذا الذي ذكره المصنف ـ أي ابن الوزير ـ من اختلاف العقائد بحث آخر، فانه لا يقبل الجرح من المتعافين(1)[61]) مجملاً ولا مفسراً لمانع العداوة ـ إلى أن قال ابن الأمير في ( ص 147 ) ـ قلت: ومن أمثلة القدح بالمخالفة في الاعتقاد قول بعضهم في البخاري: إنه تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ ـ أي ما نسب إليه من أنه يقول لفظه بالقرآن مخلوق ـ انتهى المراد. (1/81) ثم قالا في ( ص 164 ): ( وأما إن بيّن ) الجارح ( السبب ) الذي جرح به ( نظرنا في ذلك السبب وفي العدل الذي ادّعى عليه، ونظرنا أيّ الجوائز ) الأمور الجائز وقوعها في حقه ( أقرب ) لنحكم به، فإن اقتضت القرائن والإمارات والعادة والحالة من العداوة ونحوها ( أن الجارح واهم في جرحه ) بجعله ما ليس بجارح جرحاً ( أو كاذب ) في جرحه ( أو غاضب ) على من جرحه ( رجح له الغضب عند سورته ) بفتح المهملة وسكون الواو. شدته ( قرينة ضعيفة فقال بمقتضاها، ونحو ذلك قدمنا التعديل ) لعدم نهوض القادح على رفعه. انتهى المراد. (1/82) قلت: الشعبي لا يعلم الغيب، وليس كاهناً يخبر عن المستقبل على سبيل القطع به، وإنما يعني الظن، ولعله نظر إلى مراسيل جابر الجعفي، وظنّه يتساهل في قبولها، فمن هنا ظنّ أنه سيكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك حيث يقول في الإرسال: « قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)». فيكون قد كذب عليه إذا أرسل معتمداً على رواية غير صحيحة وهو يظنّها صحيحة، وليس في كلام الشعبي هذا أنه يكذب متعمداً، وكذا قول إسماعيل إن صح عنه: ما مضت الأيام والليالي حتى اتّهم بالكذب. ليس فيه أنه اتّهم بتعمده، مع أن المتهِم مجهول، ولا يبعد أن يكون من خصومه المبغضين له فلا يضر اتّهامه له، لأنه قد يظن الصدق كذباً، وقد يظن الخطأ عمداً، فلا نلتفت إليه لما قدمناه. (1/83) ومنها: قال يحيى بن يعلى: قيل لزائدة: ثلاثة لم لا تروي عنهم: ابن أبي ليلى، وجابر الجعفي والكلبي ؟ قال: أما الجعفري فكان والله كذاباً يؤمن بالرجعة. (1/84) قلت: سلام بن أبي مطيع فيه كلام، من جملته أنه بصري، وأنه صاحب سنّة، قال فيه: وقال أبو داود: هو القائل لأن ألقى الله بصحيفة الحجّاج أحب إليّ من أن ألقاه بصحيفة عمرو بن عبيد. (1/85) أقول: هذا الناصبي لا يقبل منه جرح في شيعي، وقد قال ابن حجر نفسه في مقدمة شرحه على البخاري ( ص 388 ): الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي، فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان ـ إلى أن قال ـ: ولا يسمع قول مبتدع في مبتدع. (1/86) قلت: يحتمل أن هذا التفسير لكلامه إنما هو من سوء الظن، وأنه لا يقول بما نسب هنا إلى الرافضة. وإنما جرى على طريقة النيسابوري، المفسر المشهور الذي طبع تفسيره في هامش تفسير ابن جرير، فإنه يفسّر فيذكر المعنى ويسميه التنزيل، ثم يقول التأويل ويذكر معاني تتعلق بالمعنى الحقيقي للمشابهة والمناسبة، كما يتعلق تأويل الرؤيا بالرؤيا، وقد قال يوسف(عليه السلام): ] ربّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الأحاديث [(1)[64]) ولم يقل هنا من تأويل الأحلام. وروي أن الرجلين الذين دخلا معه السجن وادّعيا الرؤيا فقال: ] أما أحدكما فيسقي ربّه خمراً وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه [(2)[65]). إنما ادّعيا الرؤيا ـ أو أحدهما ـ دعوى غير صادقة فعبر على الحديث. ومن هذا الباب التفاؤل بالكلمة الطيبة لرجاء حصول ما يناسبها. (1/87) وعلى هذا فلا وجه لتكذيب جابر، ولا حاجة لتفسير قوله بقول الرافضة، لأنه يحتمل أنه لم ينكر المعنى الأصلي، وإنما أراد أن المعنى المقيس على المعنى الأصلي لم يأت بعد، وذلك أن ابن يعقوب في تلك الحالة قعد عن العودة إلى أبيه، مع أن ذلك مخالف لغرض أبيه من حيث أنه يحزنه لأجل العاطفة الأبوية، فكانت صورة ذلك القعود صورة غير مرضية ولكن لها مبرر في الواقع، وهو أنه يحزنه إذا رجع وليس أخوه معه، وقد عاهد أباه ليأتينّه به إلا أن يحاط به، فكان انتظاره ليعمل برأي أبيه، إما أن يرى أبوه له أن ينتظر خروج أخيه وإطلاقه من يد يوسف، وإما أن يرى له أبوه أن يعود بناء على أنه قد عجز عن استخراجه وآيس من ذلك وصدقه أبوه فيه، أو بناء على وحي من الله ينزل على أبيه أن الكبير من بنيه المنتظر معذور لم يقصر في حفظ أخيه، وليس عليه أن يبقى منتظراً. فكذلك ترك القيام لجهاد الظالمين في حال كثرة الجور، وظهور الفساد، وغلبة الظالمين، يكون صورته صورة منكرة، لأن الله تعالى أمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في الله حق جهاده، ولكنه في تلك الحال للقعود مبرر، وهو أن علماء آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قليل مستضعفون في الأرض، وأعداؤهم الأموية في قوة سلطانهم، وقد جاء في الرواية أنهم يملكون ألف شهر، فكان انتظار هذا الأجل لقيام الثورة في أوانها أولى من تعرض أعلام العترة للهلكة، بحيث يضيع علمهم الذي ورثوه عن آبائهم قبل أن يكثر حملته من ذرياتهم ومن شيعتهم. والله أعلم. (1/88) قلت: ولا وجه للجرح بهذا القول، ولكن شدّة حرص القوم جعلتهم يتصيّدون له أسباب الجرح، ويفسرون كلامه بالمعاني الفاسدة استمراراً في الصراع. وهذا الكلام إن صح عن جابر يحتمل أنه أراد أن ذلك الحساء الذي شربه كان سبب تعلمه، وكانت فيه بركة بعثت فيه الرغبة للتعلم من الباقر والحبّ له، والرغبة في ملازمته، حتى حفظ به أي بسبب ذلك أربعين ألف حديث. (1/89) قلت: هذا من تعصب ابن حبان، ومن رأى إفراطه في جرح أبي حنيفة عرف أنه لا يعتد بكلامه، وكلمته هذه في جابر لم أجدها لأحد سواه على كثرة أقاويلهم، وابن حبان متأخّر، ولو كان كلامه صحيحاً لاشتهر من قبله وخصوصاً في أهل نحلته الحراص على جرح جابر وأضرابه، حتى شبههم شعبة بالمجانين فيما رواه ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ( ج 1 ص 136 ) فقال: حدّثنا محمد ابن يحيى، حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا أبو داود عن شعبة قال: لا تنظروا إلى هؤلاء المجانين الذين يقعون في جابر الجعفي. (1/90) والحديث الثاني: السخاء شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا فمن تعلّق بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى الجنة، والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن منها قاده ذلك الغصن إلى النار. (1/91) ثم ذكر ابن حبان حديثاً واحداً مسنداً فقال: وروى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا دخل الخلاء ثم خرج دخلت بعده فلا أرى شيئاً، إلا أني أجد ريح الطيب، فذكرت ذلك له فقال: « يا عائشة، أما علمت أنّا معشر الأنبياء نبتت أجسادنا على أرواح أهل الجنة فما خرج منّا شيء ] كذا ولعله من شيء [ ابتلعته الأرض » قال ابن حبان: أنبأناه علي بن الحسين بن عبد الجبار بنصيبين، حدّثنا الحسن بن السكين البلدي، حدّثنا الحسين بن علوان، عن هشام بن عروة، وليس لهذه الأحاديث كلها أصول إلا حديث السخاء، فإنه يعرف من حديث الأعرج عن أبي هريرة.... (1/92) وأما السند الثاني: ففيه علي بن الحسين بن عبد الجبار لم أجد له ترجمة في الميزان، ولا في لسان الميزان، ولا في تهذيب التهذيب، ولا في تاريخ الخطيب، ولا في تذكرة الذهبي، ولا في شيء مما عندي من كتب الجرح والتعديل. (1/93) قال ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري ( ص 448 ) في ترجمة هشام: مجمع على تثبته، إلا أنه في كبره تغير حفظه فتغير حديث من سمع منه في قدمته إلى العراق، قال يعقوب بن شيبة: ثبت ثقة لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده.... (1/94) وذكر الخطيب بإسناد قال في أثنائه: حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني: حدّثنا حسين بن علوان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: « سبع لم يكن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يتركهن في سفر ولا حضر: القارورة، والمشط، والمرآة، والمكحالة، والسواك، والمقصان ( كذا ) والمدرى ». قلت لهشام: المدرى ما باله ؟ قال: حدّثني أبي عن عائشة أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت له وفرة إلى شحمة أذنه فكان يحركها بالمدرى. ثم ذكر بإسناد قال في أثنائه: حدّثنا عبيد بن الهيثم بن عبيد الله الأنماطي البغدادي من ساكني حلب سنة 256، حدّثنا الحسين بن علوان الكلبي ببغداد في سنة مائتين، حدّثني عمرو بن خالد الواسطي، عن محمد وزيد ابني علي، عن أبيهما، عن أبيه الحسين قال: « كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يرفع يديه إذا ابتهل كما يستطعم المسكين »، ثم ذكر الخطيب بسنده عن يحيى بن معين تكذيب الحسين بن علوان، وكذا عن عدد من المحدثين، إلا أنه روى بإسناده عن محمد بن إسحاق السراج قال: سمعت أبا يحيى ـ يعني محمد بن عبد الرحيم ـ يقول: كان الحسين بن علوان يحدث عن هشام بن عروة، وعن ابن عجلان أحاديث موضوعة، وهذا أقرب إلى الإنصاف حيث لم يكذبه، ولا كذب ما يرويه عن غير هشام وابن عجلان. (1/95) قلت: إذا كان يروي المناكير فقد كفانا هذا في دفع روايته عن حسين بن علوان، وإن كان من أهل الصدق فليس معنى ذلك إلا أنه لا يتعمد الكذب، وهذا تنزيه له ـ أعني لأحمد بن عبيد ـ لا لحديثه، حيث قد ثبت فيه مناكير وأنه لا يتابع على جلّ حديثه. (1/96) قلت: إن صح هذا عن ابن معين فهو نظر إلى حديثه وظن منه واجتهاد، لا يقلد فيه لأنهم ينكرون من الحديث ما ليس منكراً عندنا كبعض الفضائل، وكبعض أخبار التحكيم. وفي شرح نهج البلاغة ( ج 2 ص 229 ) من طريق عمرو بن شمر في قضية التحكيم كلام عن علي(عليه السلام)في عمرو بن العاص لعلهم جرّحوه من أجله، هذا إن صحّت الرواية عن يحيى بن معين. لكن في صحة هذا عنه نظر، فهذه الطريقة قد تكررت في كتاب ابن أبي حاتم، وظهر أن معظمها في جرح الشيعة، حتى جرحت عدداً منهم بهذا السند الذي يقول فيه: قرئ على العباس بن محمد الدوري، ولذلك ظهر أنها عملت لجرح الشيعة. ومثلها كتاب منسوب إلى صالح بن أحمد بن حنبل يروي عن أبيه أحمد بن حنبل يجرح فيه الشيعة. (1/97) هذا، وقال ابن حبان في عمرو بن شمر: يروي عن جابر الجعفي عداده في أهل الكوفة، روى عنه أهلها، كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها... انتهى. (1/98) 5 ـ عبد السلام بن صالح الهروي: (1/99) وقال الخطيب في تاريخه في ترجمة أبي الصلت ( ج 11 ص 47 ): قرأت على الحسن بن أبي القاسم، عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام يقول: سمعت أحمد بن سيار بن أيوب يقول: أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، ذكر لنا أنه من موالي عبد الرحمن ابن سمرة، وقد لقي وجالس الناس، ورحل في الحديث، وكان صاحب قشافة، وهو من آحاد المعدودين في الزهد، انتهى المراد. (1/100) قال السيد العلامة عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي في « الجداول » في أحمد بن عامر: احتج به المنصور بالله والقاسم بن محمد وصححا إسناد الصحيفة، وعداده في ثقات الشيعة. وقد ذكر صاحب « كنز العمال » حاكياً عن السيوطي سنداً آخر، عن أحمد بن عامر من غير رواية ابنه عبدالله، ولفظه قال شاذان: أنبأنا أبو طالب عبدالله بن محمد بن عبدالله الكاتب بعكبرى، أنبأنا أبو القاسم عبدالله بن محمد بن غياث الخراساني، حدّثنا أحمد بن عامر بن سليم الطائي، حدّثنا علي بن موسى الرضا... الخ. (1/101) 8 ـ داود بن سليمان: (1/102) وقال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأحسب الناس، وأفرض الناس، تعلم الفرائض من علي. ثم قال ابن حجر: وفي مسند أحمد: عن وكيع، عن أبيه، قال حبيب بن أبي ثابت لأبي إسحاق حين حدث عن الحارث، عن علي في الوتر: يا أبا إسحاق، يساوي حديثك هذا ملأ مسجدك ذهباً. ثم قال: وقال ابن أبي خيثمة: قيل ليحيى: يحتج بالحارث ؟ فقال: ما زال المحدثون يقبلون حديثه. ثم قال عن ابن عبد البر: ولم يبنْ من الحارث كذبة، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي، ثم قال ابن حجر: وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه ! وما أحسن ما روى عن علي، قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب، قال: لم يكن في الحديث إنما كان كذبه في رأيه. (1/103) قلت: ولذلك فهو متّهم في الحارث لأنه خصمه، وقد ظهر تحامل المغيرة على الشيعة، مما روي عنه أنه قال: لم يكن يصدق على علي(رضي الله عنه)في الحديث عنه إلا من أصحاب عبدالله بن مسعود. فهذا تحامل على أصحاب علي(عليه السلام)جملة. قلت: مع أن في آخر ترجمة مغيرة في « تهذيب التهذيب » أنه كان مدلساً فقال: وذكره ابن حبان في الثقات. وقال: كان مدلساً، وقال إسماعيل القاضي: ليس بقوي فيمن لقي، لأنه يدلس فكيف إذا أرسل ؟ انتهى. (1/104) وأما ما روي عن محمد بن شيبة الضبي، عن أبي إسحاق أنه قال: زعم الحارث وكان كذوباً. فهذا لا يصح عن أبي إسحاق، لأن محمد بن شيبة لم نجد أحداً وثقه إلا ابن حبان، وابن حبان يوثق المجهول. وقد اعترف مقبل في « الرياض » بأن ابن حبان يوثق المجهول، ذكر هذا في ( ص 102 ). قال ابن حجر في ترجمة محمّد بن شيبة من « تهذيب التهذيب »: وقال ابن القطان: لا يعرف حاله. انتهى. وفي لسان الميزان لابن حجر ( ج 1 ص 14 ) قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلاً مقبول الرواية، إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح. هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها. قال ابن حجر: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان ـ من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه ـ مذهب عجيب والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب الثقات الذي ألفه، فإنه يذكر خلقاً ممن نص عليهم أبو حاتم وغيره أنهم مجهولون. ثم قال ابن حجر: وقد أفصح ابن حبان بقاعدته فقال: العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل، حتى يتبين جرحه إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم، انتهى المراد. (1/105) ولا عبرة بجرح الخصم لخصمه، لأن الغضب يدعو إلى الجرح، الا ترى إلى ما ذكره ابن حجر في « لسان الميزان » في ترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظهير: قال أبو حاتم: كذاب ـ أي في إبراهيم ـ انتهى. روى في مثالب معاوية فمزقنا ما كتبنا عنه ؟ وهذا في « الميزان ». (1/106) وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » أيضاً في ترجمة عمرو بن ثابت: قال علي بن حسن بن شقيق: سمعت ابن المبارك يقول: لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف. ثم قال: وقال عبدالله بن أحمد، عن أبيه، كان يشتم عثمان، ترك ابن المبارك حديثه. وقال الساجي: مذموم وكان ينال من عثمان ويقدم عليّاً على الشيخين، وقال العجلي: شديد التشيّع غال فيه واهي الحديث. انتهى المراد. (1/107) وقال ابن حجر: وكان إبراهيم ـ أي ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي(عليهم السلام) ـ ومحمد ـ أي ابن عبدالله بن الحسن بن الحسن ـ خرجا على المنصور في طلب الخلافة، لأن المنصور كان في زمن بني أمية بايع محمداً بالخلافة، فلما زالت دولة بني أمية وولي المنصور تطلب محمداً ففر، فألحّ في طلبه، فظهر بالمدينة وبايعه قوم، وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فملكها وبايعه قوم، فقدر أنهما قتلا وقتل معهما جماعة كثيرة، وليس هؤلاء من الحرورية في شيء ـ إلى أن قال ـ: وقال العقيلي من طريق ابن معين: كان يرى رأي الخوارج ولم يكن داعية. انتهى المراد. (1/108) وقوله: « يخطئ في الحديث » يدفعه كلام شعبة: « ولم يأتوا فيه بحجّة » إنما ذكروا خطأه في حديث عن أبي هاشم إسماعيل بن كثير، فقال أبو هاشم صاحب الرمان: « وهذه الغلطة إن صحّت لا توجب ترك حديثه، ولكن التحامل عليه صيّر الغلطة عادة له، حتى صيّرته متروكاً بعد أن عدّ ابن حجر من الرواة عنه عشرين راوياً من كبار المحدثين منهم شعبة وسفيان ووكيع ». (1/109) فتحصل أنه كان من أصحاب الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أو من أصحاب محمد بن محمد ابن زيد بن علي(عليه السلام). فلا تغتفر معاونته عند ذا وذاك، فصاحب إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي أفتا بالخروج معه قالوا فيه: حروري وكان يرى رأي الخوارج، وهذا يقول فيه أبو حاتم: « شبه عريف » لأنه مع حواري آل محمد، أبي السرايا السري بن منصور الشيباني الباذل نفسه في نصرتهم على ضعفهم وقوّة أعدائهم، العامل بوصية جدّهم: « أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي »(1)[68]) ولله در قائلهم: (1/110) قلت: كلام الخطيب هذا في تاريخه ( ج 9 ص 22 ) وهو تفسير منهم مبني على مذهبهم، والتحقيق أن سفيان لم يطعن في أبي خالد، إنما أعرض عنه، وقد كان في حاجة إلى الإعراض للخوف من العباسية، لأنه إن وثّقه خاف منهم، بسبب أنه قد خرج عليهم مع إبراهيم، ولو كان عنده مجروحاً لجرحه ولم يبال، فالذي رواه الخطيب عن سفيان إنما هو حفص بن غياث قال: « سمعت سفيان إذا سئل عن أبي خالد الأحمر قال: نعم الرجل أبو هشام عبدالله بن نمير ». فهذا ليس إلا إعراضاً، ولو كان تعريضاً لما كان يدل على طعن، بل أكثر ما فيه أنه دون ابن نمير. وروي عن أبي نعيم قال: ذكروا عند سفيان أبا خالد الأحمر فقال: ابن نمير رجل صالح. (1/111) متابعة للطريقة الخاطئة في الجرح والتعديل (1/112) وفي « الميزان » في ترجمة مفضل بن صالح ما لفظه: سويد، حدّثنا مفضل عن أبي إسحاق عن حنش: سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب وهو يقول: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك ». قال ابن عدي: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي(1)[69]) وسائره أرجو أن يكون مستقيماً، قال الذهبي: وحديث سفينة نوح أنكر وأنكر. انتهى المراد. (1/113) دلّت هذه الجملة على أن القوم لا يقلدون في الجرح والتعديل، وأن أصولهم في ذلك تخالف أصول الشيعة، فلا التفات إلى كلام من تكلم في بعض الشيعة الذين تروي عنهم الزيدية، لا الحارث ولا غيره، لتعصب المتكلمين فيهم كما بيّناه. (1/114) هذا وقد ترجم الخطيب لإسحاق بن محمد الأحمر وبسط في ترجمته، وذلك في ( ج 6 ص 378 ) من تاريخ بغداد فقال: إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان أبو يعقوب النخعي، حدث عن عبدالله بن أبي بكر العتكي، وعبيد الله بن محمد، وابن عائشة، ومهدي بن سابق، ومحمد بن سلام الجمحي، وإبراهيم بن بشار الرمادي، ومحمد بن عبيد الله العتبي، وأبي عثمان المازني. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات، روى عنه محمد بن خلف وكيع، ومحمد بن داود بن الجراح، ومحمد بن خلف المرزبان، وحرمي بن أبي العلاء، وعبدالله بن محمد بن أبي سعيد البزار، وأبو سهل بن زياد، أنه سمع منه لما انصرف من مجلس ابراهيم الحربي، وروى بشر بن موسى مع سنه وتقدمه عن رجل عنه. (1/115) ثم ذكر الخطيب الحكايات التي تنسبه ـ أي إسحاق الأحمر ـ إلى الغلو في علي(عليه السلام)بدعوى أنه الله جلّ وعلا، وحكاية ذكر الإسحاقية، ولكن لم يأت في ذلك بسند إنما هي مراسيل. وكذا حكاية الذهبي في ميزانه وابن حجر في « لسان الميزان ». والشهرستاني في « الملل والنحل » وابن حزم في الفصل ( ج 4 ص 186 ) كلها مراسيل. وذكر ابن حجر أنه مات سنة ست وثمانين ومائتين. وقد تضمّنت ترجمته وصفه بالتشيّع الشديد، ولا يبعد أنها نشرت دعايات كثيرة ضد الشيعة ونُسبت إليهم أقوال شنيعة تنفيراً للناس عنهم، بل هو الواقع. وفي « الملل والنحل » وفي كتاب « الفصل » عجائب تخيل الشيعة بصورة أناس أكثرهم لا يعقلون، تغلب عليهم الحماقة والجهل والمعقول والمسموع، ولعله قد اغتر بتلك الدعايات كثير ممن لم يخالطهم ـ أي الشيعة ـ. ولكن من تيقّظ لما نبّهنا عليه ـ أنه لا يقبل قول الخصم في خصمه بدون حجّة صحيحة ـ فإنه يسلم من الاغترار إن أنصف ولم يغلبه التعصب. (1/116) وترجمته في « ميزان الذهبي »: كادح بن جعفر، عن عبدالله بن لهيعة، قال أبو حاتم: صدُوق. وقال الأزدي: ضعيف زائغ. وقال أحمد بن حنبل: رجل صالح خيّر فاضل. انتهى المراد. (1/117) الكذب على ابن الوزير في تحريم الأخذ من كتب الزيدية (1/118) أما محمد بن إبراهيم الوزير فقد أجاب عنه الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير في مسائل كثيرة في كتابه « فرائد اللآلئ » الذي رد فيه على المقبلي وغيره وهو مجلد ضخم. (1/119) فقول مقبل في حكايته السابقة: « لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث » قول مردود، لأن حجّته غير صحيحة، فإن حجّته قوله: « لأنهم ليس لهم تأليف في العلل ولا في الجرح والتعديل ». وهذا لا يدل على أنه لا يجوز الرجوع إلى كتبهم في الحديث، لأن الحديث يقبل من الراوي الثقة وإن لم يكن له مؤلف في العلل والجرح والتعديل. وهذا واضح. فلماذا يمتنع قبول حديثهم لهذه الدعوى ؟ بل كيف يحرم الرجوع إلى كتبهم لهذه الدعوى ؟ (1/120) فاجزم بخفض النصب وارفع راية***للحق واكسر شوكة الميزان (1/121) فلا معنى لإيهام قصور علماء الزيدية وإيهام عدم معرفتهم بالجرح والتعديل، ولا سيما والأمير الحسين مؤلف « الشفاء » يذكر في خطبته أنه قد صحّت له أحاديثه أسانيدها ومتونها، وثبتت عنده عدالة رواتها وضبطهم. فكيف يقال إنه لا يعرف الجرح والتعديل، وهو من أكابر العلماء وأهل الفضل والصدق والأمانة والذكاء والفطنة كما ذلك معروف في مؤلفاته ؟ فكيف يجوز تكذيبه في خبره عن نفسه، والتشكيك في صدقه بمجرد الاستبعاد ؟ ما هذا من فاعله إلا جدل لغرض إلجاء من جادله إلى كتب المخالفين للزيدية. وليس مرادي بهذا أنه يجب تقليده ـ أي الأمير الحسين ـ في التصحيح، وإنما المقصود أن كلامه يدل على أن له معرفة بالجرح والتعديل، وهو خبره عن نفسه، وخبر الثقة مقبول. وذلك يبطل التشكيك في علمهم بالجرح والتعديل، أما هل يقلد الجارح والمعدل والمصحح والمضعف ؟ فهي مسألة ثانية. (1/122) وأما الغامضة فمؤداها ظنون يمكن النزاع في اشتراطها، وقد قال محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيح الأنظار ( ج 1 ص 13 ): فإنّ كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء. قال ابن الأمير في شرحه: فليست عندهم شرطاً. انتهى المراد. وعلى هذا فلا يحتاج علماء الزيدية إلى أن يكون لهم مؤلفات في العلل. مع أن كلام محمد بن إبراهيم إنما هو في الرد على من يمنع من النظر في كتب المخالفين وغرضه بيان الحاجة إليها. وهذا الاعتراض إنما يتم على فرض أنه لا سبيل لعلماء الزيدية إلى الجرح والتعديل ومعرفة العلل إلا بالنظر في كتب المخالفين في الجرح والتعديل، وأنهم لا ينظرون فيها، فهم لا يعلمون الجرح والتعديل والعلل بزعمه. وقد أجبنا عن توهم أنه لا سبيل إلى الجرح والتعديل ومعرفة العلل إلا بالنظر في كتب المخالفين في علم الجرح والتعديل وعلم العلل. (1/123) والجواب، عن قوله: « إن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضاعين »: هذا كلامه فيهم، وقد قدّمنا أنه فيه مقلّد، وأن الرواة الذين يضعفهم خصومهم لا يقبل فيهم قول خصومهم بدون حجّة. وبسطنا في ذلك بما يكفي. وإذا كان الروات ثقات عند المعتمدين عليهم فلا يضرهم جرح غيرهم بدون حجّة، والرواة الذين اعتمدهم أئمة الزيدية ثقات عندهم، فأي خلل عليهم من كونهم عند خصومهم ضعفاء أو وضّاعين ؟ (1/124) أليس فيهم من لم ينص أحد على توثيقهم ؟ قال الذهبي في الميزان ( ج 3 ص 3 ) في ترجمة مالك بن الحسير: وفي رواة الصحيحين عدد كثير ما علمنا أن أحداً نص على توثيقهم، انتهى المراد. (1/125) فابحث لتعرف أهؤلاء من جبال الحفظ والاتقان ؟ أم لا تكاد تثبت عدالتهم ؟ وإن اجتهد البخاري فقبلهم فاجتهاده لنفسه، لا يوجب على غيره تقليده. وقد جادل ابن حجر عنهم، وتارة يقول في بعضهم: روى عنه البخاري مقروناً بغيره. ولكن هل ذلك الآخر الذي قرن به هذا ثقة ؟ لعلك لو بحثت لوجدت الأمر في بعضهم بخلاف هذا، ألا ترى أن ابن حجر ذكر في مقدمة شرحه على البخاري ( ص 436 ) كهمس بن المنهال فقال: أخرج له البخاري حديثاً واحداً مقروناً بمحمد بن سواء، ثم ذكر محمد بن سواء في ( ص 438 ) فقال: جميع ما له في البخاري ثلاثة أحاديث، إلى أن قال: والثالث ذكرناه في ترجمة كهمس ابن المنهال ـ يعني أنه مقرون به ـ ؟ (1/126) وكذلك عبد الواحد بن عبدالله البصري، قال ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري: كان أمير المدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك، ثم قال: وثقه العجلي والدارقطني وغيرهما. انتهى. والذين دافع عنهم ابن حجر بأن يقول: وثقه العجلي والدارقطني، كثير من أولئك الذين ذكرهم في المقدمة. (1/127) قال مقبل: أحاديث التأمين، فذكر حديث أبي هريرة: « إذا أمّن الإمام فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه »(1)[75]) وحديث أبي هريرة أيضاً: في مبادرة الإمام « وإذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين »(2)[76])وحديثاً لأبي هريرة أيضاً: « إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: »(3)[77]) آمين، كل ذلك عن أبي هريرة، ولبعضها طرق عديدة. (1/128) والجواب، وبالله التوفيق: إن الجهمية تحتاج إلى التفسير، وقد قال الشهرستاني في الملل والنحل ( ج 1 ص 109 ): الجهمية أصحاب جهم بن صفوان، وهم من الجبرية الخالصة، ظهرت بدعته ـ بترمذ ـ وقتله سالم بن أحوز المازني ـ بمرو ـ في آخر ملك بني أمية، ووافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية وزاد عليهم بأشياء، منها قوله: لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه، لأن ذلك يقتضي تشبيهاً، فنفى كونه حياً عالماً، وأثبت كونه قادراً فاعلاً خالقاً، لأنه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق. ومنها إثباته علوماً حادثة للباري تعالى لا في محل.. إلى آخر ما حكاه، وأظنه غير صحيح، ولكن لعل هذا التفسير هو مطابق لمراد أبي بكر المدافع عن أبي هريرة، وهو يعني أن من نزّه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين فهو جهمي إذا حقق تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقين، وردّ ما يخالف ذلك من حديث أبي هريرة تنزيهاً لله سبحانه، أما إذا نفى التشبيه لفظاً بلا اعتقاد ولا تحقيق فهو يثبت التشبيه في المعنى مع نفيه له في اللفظ، فهذا ليس جهمياً. فقول أبي بكر: « خلاف مذهبهم الذي هو كفر » إن أراد به هذا فليس كفراً، وإن أراد به ما نسبه الشهرستاني إلى جهم غير ذلك كنفي كونه تعالى حيّاً عالماً فلا إشكال أن هذا كفر، ولعله قاله الشهرستاني إلزاماً لجهم، وتخريجاً على قوله: « لا يوصف الباري بصفة يوصف بها خلقه ». (1/129) وقد ظهر أن كتاب الشهرستاني مملوء من الكذب على المخالفين للمؤلف، وكذلك « الفصل » لابن حزم. والمهم أن نبيّن أن تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقين ليس كفراً، كيف وقد قال الله تعالى: ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [(1)[78]) ؟ ومقتضى ذلك أن لا يوصف الباري سبحانه بما هو من توابع الحدوث، وما يدل على أن الموصوف به مخلوق، وذلك كالصورة والأعضاء. وليس المراد أنه لا يوصف بأنه حي عالم، وما أظن هذا يقوله من يدّعي الإسلام، وهو يسمع الله تعالى يقول ذلك في كتابه، مع أن إحكامه لما خلق دليل على أنه بكل شيء عليم، بل قد صرح الشهرستاني بأن جهماً أثبت لله علماً وإنما حكى أنه جعله حادثاً. فكيف يقول: لا يقال له عالم وهو يثبت له العلم ؟ هذا بعيد. وكم في حكايات الشهرستاني من خبط، فأبو بكر حيث يجعل تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقين هو مذهب الجهمية خاصة، ومن قاله فهو جهمي، فهو دليل على جهل أبي بكر بعقائد أهل البيت وأشياعهم والمعتزلة، فهم مجمعون وجمهور الأمة على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقين. وقد قال الشهرستاني في حكايته عن المعتزلة ( ج 1 ص 55 ) ونفوا الصفات القديمة فقالوا: هو عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة هي صفات قديمة ومعان قائمة به. ثم قال: واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه، جهة ومكاناً، وصورة وجسماً، وتحيّزاً وانتقالاً، وزوالاً وتأثراً، وأوجبوا تأويل الآيات فيه، وسموا هذا النمط توحيد، انتهى المراد. (1/130) قلت: فجعلُ نفي التشبيه لله تعالى هو قول الجهمية هو إمّا خطأ، أو جهل بمذهب أهل البيت وشيعتهم من الزيدية والإمامية، ومذهب المعتزلة الذين هم غير الجهمية، كما يفيده تفسيرهما في « الملل والنحل » وكما أن الواقع هو براءتهم من تلك الأباطيل المنسوبة إلى جهم، وإن وافقوه في نفي التشبيه. وإما أن أبا بكر أراد الإرجاف على القاصرين، وإيهام أن نفي التشبيه اما هو مذهب الجهمية الذين يقول في مذهبهم « إنه كفر » ولا إشكال أن بعضه كفر إن صدقت حكاية الشهرستاني عن جهم، لكن جعل أبي بكر نفي التشبيه هو مذهبهم للإرجاف والإرهاب تدليس وتعمية وتلبيس، لأنه يوهم أنه لا يقول به إلا الجهمية. مع ان الحق الواضح أن الله تعالى لا يشبه المخلوقين في صفة تدل على خلقهم، لأنه غير مخلوق بل هو الخالق. فكيف يصح أن يوصف بما هو من دلائل الصنع، وقد قال الله تعالى: ] ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [ ؟ وعلى هذا فالروايات التي تثبت ( أن الله سبحانه له صورة ) ( وأنه خلق آدم على صورته )، ( وأنه يوم القيامة يأتي في صورة فلا يعرفونه بل ينكرونه، ثم يأتي في صورة يعرفونها )، ونحو ذلك مما يظهر أن تأويله تعسف، وأن ردّه أقرب للحق والإنصاف، لأن هذا ليس طريقته طريق المتشابه المعهودة في القرآن والسنّة المعلومة، والفرق واضح عند من نظر وأنصف. فالمتشابه يكون له معنى صحيح سيق الكلام له، نحو: ] وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان [(1)[79]). (1/131) فالكلام مسوق لتنزيه الله سبحانه وتعالى عن البخل ومدحه بالعطاء الذي يكون باليد، وينسب إليها في مجرى العادة ولو كان بالأمر من المعطي، فتأويل هذا بأنه على طريقة العرب في نسبة العطاء إلى اليد كما تنسب القيادة إليها حتى أن اليد أثبتت للريح الشمال، لجعلها قائدة للبرد في قول لبيد في قصيدته إحدى المعلقات السبع: (1/132) وليس من هذا القبيل حديث: ( إن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن )(1)[81]). وحديث ( إنه يأتي يوم القيامة في صورة ينكرونها، فيقولون لست ربنا، ثم يأتي في صورته فيعرفونه ) أو نحو هذا، فالكلام هنا واضح أنه مسوق لإثبات الصورة، فلهذا كان تأويله تعسّفاً وكان ردّه أقرب للحق والإنصاف. وإذا كانوا يضعفون الراوي بالرواية المنكرة عندهم في فضائل علي(عليه السلام) لأنها تدل على تقديمه في الإمامة، أو في الفضل على أبي بكر وعمر، أو لأنها تدل على أن من عاداه فهو عدو الله، لأنه يلزم منها تأثيم معاوية وجعله عدو الله، أو لأنه روى: « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه »(2)[82]) فكيف لا يضعف من يروي ما ينكره العقل، ويخالف ظاهره المعلوم ولا يمكن تأويله إلا بتعسف ؟ مع أنه لا ضرورة تلجئ إلى التعسف الذي لا يرضاه ضمير المنصف. (1/133) قال أبو بكر في الذب عن أبي هريرة ـ عطفاً على ما مرّ ذكره من قوله: إما معطل جهمي ـ: أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية، التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في إثبات القدر ولم يجد حجّة يؤيد صحة مقالته التي هي كفر وشرك، وكانت حجّته من عند نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها. (1/134) والجواب: أنه يعني العدلية الذين يجعلون أفعال العباد منهم ويزعم أنهم ينكرون الأقدار، والتحقيق أنهم لا ينكرون القدر، والقدر بمعنى الكتابة، والمراد تحقيق علم الله سبحانه بما سيكون قبل أن يكون، وهذا فائدة من فوائد كتابته للملائكة، أي أنه إذا وقع ما كان مكتوباً كان وقوعه آية تدل على علم الله سبحانه بما سيكون. والعدلية لا ينكرون أنه تعالى يعلم ما سيكون من المخلوقات التي يخلقها سبحانه، ومن أفعال عباده الطاعة والمعصية وغيرها. وليس معنى القدر القضاء على العباد بأن يعصي. ولا كتابة أن يعصي بمعنى إيجاب أن يعصي. ولكن كتابة أنه سوف يعصي مثلاً. فالقدر لأفعال العباد سابق غير سائق. والمجبرة يظنون أن من لا يجعل القدر سائقاً إلى المعصية فقد أنكر القدر، والواقع خلافه. أما الأحاديث التي تثبت القدر فهي غير منكرة، كحديث: ( وتؤمن بالقدر خيره وشرّه )(1)[83])، وإنما ينكرون نحو رواية: ( محاجة آدم وموسى وفيها أن آدم قال لموسى: كيف تلومني على أمر قدره الله عليّ قبل أن يخلقني ؟ إلى قوله: فحج آدم موسى )(2)[84])، وليس إنكارها لأجل إثبات القدر، ولكن لجعله عذراً يرفع اللوم عن العاصي، ولا شك في نكارة ذلك. ولو كان عذراً لما كان لآدم أن ينكر على موسى لومه إياه. لأن اللوم الواقع من موسى مقدر، فكيف ينكر عليه ما هو مقدر إذا كان التقدير يدفع اللوم ؟ (1/135) مع أن جواب آدم على موسى لوم له على اللوم إذا قال: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قدّره الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فكان لموسى أن يجيب: تلومني على اللوم وهو مقدر ؟ فهذه الرواية منكرة لا لإثبات القدر، بل لجعله عذراً لأهل المعاصي يرفع عنهم استحقاق اللوم. وهذا واضح لا يخالف فيه مسلم ـ أن تقدير المعصية ـ بمعنى كتابة أنها سوف تكون ـ ليس عذراً لصاحبها، وذلك عندنا لأن كتابة ذلك غير سائقة إلى المعصية، وإنما معناها خبر صادق. والخبر الصادق غير سائق، كالخبر بما قد مضى أنه قد وقع. (1/136) والجواب، وبالله التوفيق: وجوب طاعة ولاة الحق والعدل لا ينكر، وقد نص عليه القرآن في قول الله تعالى: ] يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(1)[85]) فالروايات الموافقة لهذا لا تنكر، ولكن الذي ينكر هو الروايات في وجوب طاعة الجبابرة المفسدين، وتحريم الخروج عليهم لدفع ظلمهم وفسادهم، فالروايات منكرة. لأن الله تعالى يقول: ] ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبّع هواه وكان أمره فرطاً [(2)[86]) ويقول تعالى: ] ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [(3)[87]) وأي منكر أعظم من منكرات الجبابرة الذين يقتلون الأبرياء ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويتخذون العمال الظلمة، ويسعون في رفع كلمة الباطل وإضاعة الحق، فيعمّ الطغيان والفساد جميع أقطار البلاد، إذا تركوا وشأنهم، ويثبتون قواعد الباطل لمن بعدهم ؟ فكيف يجوز الأمر بطاعتهم وجعل ذلك سنّة وجماعة، وهو تقوية لظلمهم ومعاونة لهم على الإثم والعدوان ؟ والله تعالى يقول: ] وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [(4)[88]). فالحق أنه لا طاعة للذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، بل الواجب معاونة من قام لنصرة الدين ودفع الظلم والعدوان. لأنه من الجهاد في الله، وقد قال تعالى: ] وجاهدوا في الله حق جهاده [(5)[89])، ولأنه من قتال الفئة الباغية وقد قال الله تعالى: ] فقاتلوا التي تبغي [(6)[90]). فكيف يقول أبو بكر: « يرى السيف على أمّة محمد » ؟ وهل هذا إلا من الإرجاف والتهجين ؟ وصواب (1/137) العبارة: يرى السيف على الجبارين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق وعلى أنصارهم، لأنه لا ولاية لهم شرعية، ولا حق لهم في سلطان المسلمين، فهم بغاة معتدون طغاة مفسدون، وما روي خلاف ذلك فهو منكر. (1/138) وقد بسط في البحث، وكذلك في تضعيف أبي هريرة، واستكمل البحث شرف الدين الموسوي صاحب « المراجعات » في كتاب مستقل عنوانه: أبو هريرة. وفيه الكفاية لمن أنصف وهو مطبوع منشور فراجعه(1)[91]). (1/139) ثم ذكر مقبل روايات ضعفها هو فأغنى عن ذكرها في الجواب، ثم ذكر الآثار من مصنف عبد الرزاق منها عن أبي هريرة. ومنها عن ابن الزبير. وفيها أنه قال: إنما آمين دعاء. فهذا اجتهاد منه، ولعله قبل رواية أبي هريرة لهذا المعنى، أي لأنها ليست إلا دعاء، والدعاء لا بأس به في الصلاة عنده. والله أعلم. (1/140) والجواب: أن تقليد مقبل لابن تيمية في هذا خطأ، لأن ابن تيمية متّهم في هذا الباب بنصرة مذهبه في تصغير شأن علي(عليه السلام)، وذلك معروف من مذهبه، وجدّه واجتهاده فيه واضح لمن طالع منهاجه. ثم إن كلام ابن تيمية هنا غير صحيح، لأنه بنى على صحة هذه الرواية والتي سمّاها سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في سبيعة قال: حيث أفتاها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بأن عدّتها وضع حملها. وهي غير صحيحة بهذا اللفظ، بل هذا اللفظ تفرّد به الزهري وخالف غيره من رواة الحديث. من ذلك رواية البخاري في صحيحه ( ج 6 ص 182 و ص 183 ) من النسخة المجردة عن الشروح في كتاب الطلاق في باب: ] وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [(1)[93]). عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت. انتهى. فالحكم هنا ليس فيه أنها حلت بالوضع، ومن الجائز أن هذه خصوصية لها لما جاءت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وشكت إليه، فكان رحمة من الله لها ببركة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خاصة بسبيعة. (1/141) فهذه رخصة ترتبت على الطلب والشكوى خاصة بأم عطية، فدعواهم أن سبيعة حلت بالوضع غير مسلمة، ورواية الزهري أنها حلّت بالوضع مردودة. فيمكن أن عليّاً(عليه السلام)تمسك بالقرآن، لا لجهله بالرواية، بل لأن حديث سبيعة كان خصوصية لها لسبب خاص. كما رووا عن عائشة أنها لم تعتمد حديث فاطمة بنت قيس ( في أن المطلقة ثلاثاً ليس لها سكنى ولا نفقة ) وادّعت أن ذلك كان لسبب خاص، كما تفيده رواية البخاري ( ج 6 ص 173 و ص 184 ). (1/142) فكيف تجاسر ابن تيمية أن يحمل أمير المؤمنين على أنه لم يبلغه حديث سبيعة بناء على رواية الزهري، وبناء على أن تلك ليست خصوصية لسبيعة كما كانت لأم عطية في النوح، وسهلة في رضاع سالم ؟ وقد تبين أن فتواه(عليه السلام)المبنية على التمسك بالقرآن لا يتعين أن سببها الجهل بحديث سبيعة، ولو لم يكن ما ذكرناه في حديث سبيعة راجحاً لكان احتماله وتجويزه كافياً.. لأن ابن تيمية ليس حجة على أمير المؤمنين، بل من الجائز أن يكون راجحاً عند علي(عليه السلام)وإن لم يعرف ابن تيمية رجحانه، بل وإن ظنّه مرجوحاً: ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) آمين(1) (1/143) [95]). (1/144) أي أنه لم يفرض لها ولم يدخل بها. إذا عرفت هذه فمن الواضح أنه لا يجب أن يعامل معاملة أهل الفقه، وأن قوله: « قضى به في بروع بنت واشق ». لا يدل على أن الواقع كذلك، وإنما يدل على اعتقاده أنه كذلك، لأنه بنى ذلك على اعتقاده أن زوج بروع لم يدخل بها، ويحتمل أن معقلاً غلط في هذا وبناه على العادة، وعلى اعتقاده والواقع بخلافه، لأنه لم يرو نفي الدخول عن بروع ولا عن زوجها. والحقيقة إنما هي عندهما دون سائر الناس في الغالب، لأن الدخول قد يكون خفية بحيث لا يخطر بالبال أنه قد وقع أمثاله إذا وقع عقد النكاح، ولم يكن أعرس وأولم وزفت إليه بحيث يشتهر البناء بها. بل كان في أمله وأملها أنه سيكون ذلك قريباً، ولكنه قبل المؤمل ذلك سرى إليها في سواد الليل فدخل بها في بيت أهلها أو في أي مكان، ففي هذه الصورة لا يظهر الدخول، ويكون من نفاه قد بنى على الظاهر، لأنها لم تزف إلى بيته ولم يخطر ببال النافي أنه دخل بها، فإذا توفي قبل الزفاف اعتقد أنه توفي قبل أن يدخل بها، فحمل النافي للدخول على الجهل أمر قريب، لأن مثل هذا مما يجهل، ويكون النفي فيه على الظاهر، فلما سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قضى لها بالمهر، كان في اعتقاد معقل قد قضى لها بالمهر وزوجها لم يدخل بها، فهو صادق في إثبات القضاء بالمهر، ولكنه غالط في نفي الدخول، ومثل هذا الغلط لا يجب أن ينفى عمن ليس من أهل الفقه والتحقيق. (1/145) وقد صدر من بعضهم الغلط فزعم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بنى بميمونة إحدى زوجاته وهو محرم. وبعضهم غلط فقال: إنه أهلّ بالإحرام بالبيداء حين ركب راحلته، لأنه لم يعلم أنه أهلّ قبل ذلك، فكان خبره مبنياً على نفي هو غالط فيه. فكذلك حديث معقل، فإذا كان الحكم بالمهر مبنياً على نفي الدخول، ونفي الدخول إنما هو مبني على اعتقاده، واعتقاده يحتمل الخطأ، كان الرأي عندنا نحن أن نتمسك بالقرآن في لزوم المهر، بأن يذكر ويفرض، أو بأن يدخل الزوج بامرأته، كما قال تعالى: ] وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً [(1)[98]) وقال تعالى: ] لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [(2)[99]) فدل مجموع الآيتين على لزوم المهر بالفرض وبالدخول، كما أفاده في المدخولة قوله تعالى: ] فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أجورهن [. وفي من سمّى لها المهر في العقد قوله تعالى: ] يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [(3)[100]). ويظهر أن هذا هو معنى قول أمير المؤمنين(عليه السلام)الذي رواه البيهقي في السنن ( ج 7 ص 247 ) حيث روى من طرق عن علي(عليه السلام)أنه قال: « لها الميراث ولا صداق لها ». (1/146) فإن قال قائل: من البعيد أن يقضي لها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بالصداق دون أن يكون سأل عنها، وعلى هذا فالظاهر أن السائل سأله قائلاً: إن زوجها توفي ولم يفرض لها المهر، ولم يدخل بها، فسمعه معقل وسمع الجواب فرواه كما سمعه. (1/147) فهذا تفصيل يوضح أن الجزم بأن السؤال وقع عن غير المدخولة خرص وتخمين بلا مستند. وحينئذ فالأصل عدمه، وكان حمل معقل على الجهل أقرب، وخصوصاً وقد جاءت الرواية تدل على أن أمير المؤمنين(عليه السلام)لم يجهل رواية معقل وإنما تركها لعلة أنه إعرابي مظنّة الخطأ كما فصّلناه، وسواء صحّت هذه الرواية عن علي أو لم تصح فإن احتمالها كاف في إبطال دعوى ابن تيمية عليه الجهل بسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في بروع لأنها دعوى بلا دليل. والحاصل أنّا نسلم أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قضى في بروع بنت واشق بأن لها المهر والميراث وعليها العدة، ولكن لا نسلم أنها غير مدخولة، فلم تثبت فيها سنة مخالفة لما في القرآن. وبطلت دعوى ابن تيمية على علي(عليه السلام). (1/148) البيت إشارة إلى الحديث المشهور المروي من طرق عن ابن عباس وغيره، ولفظه: عن ابن عباس أنه(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ». أخرجه العقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم، وأخرجه ابن عدي أيضاً والحاكم من حديث جابر، وأخرج الترمذي من حديث علي(عليه السلام)بلفظ: « أنا دار الحكمة وعلي بابها ». فقال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي نسخة: منكر. (1/149) وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع. وقال: الصواب خلاف قول الحاكم إنه صحيح. وخلاف قول ابن الجوزي: إنه موضوع. بل هو من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب. (1/150) قال ابن الأمير: وسمعت ما قال الحافظ العلائي: أنه لا علة، وإنما دعوى الوضع دفع بالصدر. وقد قال الذهبي في حق العلائي: إنه قرأ وأفاد وانتقى ونظر في الرجال والعلل وتقدم في هذا الشأن مع صحة الذهن وسرعه الفهم. انتهى. (1/151) وقد أشار إلى هذا المعنى ابن الأمير نفسه حيث قال فيما حكى عنه مقبل في ( ص 44 ): هذا فذرية الحسنين لا يدخلون تحت عدّ العادين ولا حصر الحاصرين ولا يخل ( كذا ) منهم إقليم، وهم أعيان الناس ونقباء الأشراف في كل قطر، منهم الموسوية الشريف الرضي وأخوه المرتضى، ومنهم الهارونية، ومنهم المؤيد بالله وأخوه أبو طالب، ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وهم الأقلون، والأكثرون منهم صارت كل طائفة من الطوائف منهم في أي قطر من أقطار الدنيا، فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل. (1/152) [103]) بقوله: ومنهم من بقي على مذهب الزيدية وأفاد أن غيره عدول عن الأصل وتحول عنه بقوله: والأكثرون منهم صارت كل طائفة من الطوائف منهم في أي قطر من أقطار الدنيا فإنهم في مذاهبهم الدينية على رأي من هم بينهم إلا القليل(1)[104]). (1/153) وأما قوله حاكياً عن الشوكاني: فإن معناه ـ أي الرجس ـ في اللغة القذر، ويطلق في الشرع على العذاب كما في قوله تعالى: ] قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب [(1)[109]). (1/154) فنقول: أما قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »(1)[112]) ففي هذا دلالات: (1/155) فأما عبيد الدنيا وخدم السياسة الدولية فهم أعداؤهم من عهد قديم، لأن الدنيا تكون مع الملوك، وأكثر الناس لا يصبرون على تحمل مشاق الجهاد والفقر والخوف والتشريد والتطريد، فيميل أبناء الدنيا مع ملوك الجور، ويكونون أعوانهم على ظلم آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فلا يقرون بمثل هذا. (1/156) فهذا وجه ذكر القرآن هنا دون السنة في هذه الرواية التي هي مشهورة بين الأمة. مع أن السنة هي الدليل الثاني، والقرآن يدعو إلى اتباعها في قول الله تعالى: ] فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه [(1)[115])وقوله تعالى: ] من يطع الرسول فقد أطاع الله [(2)[116]) وقوله تعالى: ] وإن تطيعوه تهتدوا [(3)[117]). وقوله تعالى: ] وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى [(4)[118]). (1/157) فلما قرن بالكتاب عترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أهل بيته ليكونوا علماً منيراً لطالب الحق عند ظلمات الفتن، دل ذلك على أنهم على الحق لا يفارقونه، فهم مع كتاب الله بمعناه الصحيح، وهم أعلم الأمّة بمعانيه وأكثرهم اهتداء به، وهم مع السنة التي جاء بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لم تكذب عليه ولم تنسخ بالقرآن أو بالسنّة، ولذلك كانوا علماً للحق مع القرآن، مع وجودهم بين الأمة وقيامهم لكشف ظلمات الفتن، وظهور علمهم وفضلهم وزهدهم وورعهم وحرصهم على دين أبيهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). (1/158) فهم لا يخفون على طالب الحق والسلامة من مضلات الفتن، لأنهم معروفون مشهورون بالعلم والفضل، وعندهم لمن أراد التمسك بهم الدلائل النيرة وكشف الشبهات، ولا يلتبسون على طالب الحق ولا يخفون أبداً. لأن أعداءهم لا يغتر بهم طالب الحق والمتمسك بالثقلين وإن كانوا أولي قربى لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). إما لأن ضلالهم ظاهر مكشوف بظهور ظلمهم، وإما أن يكونوا بصورة أهل الدين والعلم ولكنهم يحاربون التمسك بالقرآن وعترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بدعوى أن السنّة حاكمة على القرآن، وأن العترة خوارج وقادة فتن، وإن الواجب طاعة أعدائهم ملوك الجور ودعاة الفساد، ونحو ذلك مما يصرفون به الناس عن العمل بحديث الثقلين، تشبيهاً عليهم بكلمة حق يراد بها باطل، أو برواية مكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أو بتعظيم لأسلافهم في المذهب المؤسسين لباطلهم، حتى يجعلوا من تكلم فيهم متهماً على الإسلام، فيخوفوا أهل الضعف من اتباع الأدلة الواضحة كحديث الثقلين وغيره. فهؤلاء يكفي طالب الحق في الحذر منهم حديث الثقلين لينجو من فتنتهم وتلبيسهم. فظهر بهذا أن أئمه آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن اقتدى بهم منهم، هم أعلام الهدى مع القرآن الكريم، وأن حديث الثقلين جاء لتبيين ما ينجي من مضلاّت الفتن. (1/159) الدلالة الرابعة: في حديث الثقلين هي من حيث قرن عترته أهل بيته بالكتاب في قوله: « ما إن تمسكتم به لن تضلوا » وفسر ذلك بهما في قوله: « كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وهذه دلالة واضحة لا تحتاج إلى تطويل. ويعضدها قول الله تعالى: ]فماذا بعد الحق إلا الضلال [(1)[119]). (1/160) بحث في طرق حديث الثقلين (1/161) وفي مسند أحمد بن حنبل أيضاً ( ج 4 ص 366 ): حدّثنا عبدالله، حدّثني أبي، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيان التيمي، حدّثنا يزيد بن حيان التيمي قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت معه، لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)! فقال: يابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فما حدّثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه. ثم قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: (1/162) 2 ـ وفي صحيح مسلم ( ج 15 ص 179 ): حدّثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعاً عن ابن علية، قال زهير: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثني أبو حيان، حدّثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: يابن أخي، والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر ثم قال: « ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ـ ثم قال ـ وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نسائه من أهل بيته ؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قال: ومن هم ؟ قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال: نعم. (1/163) حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا محمد بن فضيل ( ح ) وحدّثنا إسحاق ابن إبراهيم، أخبرنا جرير، كلاهما عن أبي حيان بهذا الإسناد نحو حديث إسماعيل، وزاد في حديث جرير: « كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل ». (1/164) قلت: قد جاء تفسير أهل بيته في حديث الكساء، وقد أخرجه مسلم في صحيحه في فضائل الحسن والحسين، وجمهور المحدثين، وفي ألفاظه التي رويت من مصادر كثيرة « هؤلاء أهل بيتي »، إشارة إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، مع أن النساء وإن كنّ من أهل بيت الرجل ـ أي الساكنين معه في بيته ـ فقد خرجن في حديث الثقلين بقوله: « وعترتي » لأن زوجة الرجل ليست من عترته، بل العترة من القرابة خاصة، ولأنه لا يصح في نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يقال فيهنّ: أهل بيته، بمعنى أنهنّ ساكنات في بيته، لأنه لم يكن يجمعهنّ بيت واحد، بل كان لكل واحدة بيت. ولذلك قال تعالى: ] واذكرن ما يتلى في بيوتكن [(1)[120]) فلو أريد الزوجات لقيل: أهل بيوته أو أهل البيوت، فبان أن المراد بأهل البيت ما فسّره به زيد بن أرقم(2)[121]) في حديث الثقلين أو ما خصّه حديث الكساء. (1/165) 3 ـ وفي جامع الترمذي ( ج 5 ص 662 ): حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدّثنا زيد بن الحسن هو الأنماطي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب، فسمعته يقول: « يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ». قال الترمذي: وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد. قال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم. انتهى. (1/166) 4 ـ وفي مستدرك الحاكم ( ج 3 ص 109 ) وما بعدها: حدّثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد، حدّثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي يحيى بن حماد، وحدّثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وابو بكر أحمد بن جعفر البزاز قالا: حدّثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن حماد، وحدّثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، حدّثنا صالح بن محمد البغدادي، حدّثنا خلف بن سالم المخرمي، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم(رضي الله عنه)قال: لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال: « كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردّا عليَّ الحوض » ثم قال: « إن الله عزَّوجلَّ مولاي وأنا مولى كل مؤمن »، ثم أخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: « من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » وذكر الحديث بطوله، شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما، حدّثناه أبو بكر بن إسحاق ودعلج بن أحمد السجزي قالا: أنبأنا محمد بن أيوب، حدّثنا الأزرق بن علي، حدّثنا حسان بن براهيم الكرماني، حدّثنا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الطفيل، عن ابن واثلة(1)[122]) أنه سمع زيد بن أرقم(رضي الله عنه)يقول: نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مكّة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عشية فصلى، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول ثم (1/167) قال: « أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي »، ثم قال: « أتعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ؟ ثلاث مرات قالوا: نعم، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « من كنت مولاه فعلي مولاه ». انتهى. (1/168) وفي سنن البيهقي أيضاً ( ج 7 ص 30 و 31 ): أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن يحيى، أنبأ أبو عبدالله محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن عبد الوهاب، أنبأ جعفر بن عون، أنبأ أبو حيان وهو يحيى بن سعيد، عن يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم(رضي الله عنه)يقول: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به » فحث عليه ورغّب فيه ثم قال: « وأهل بيتي أذكرّكم الله في أهل بيتي ». (1/169) 7 ـ وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء ( ج1 ص355 ) في ترجمة حذيفة بن أسيد، وروى الحديث بسنده هذا ولفظه، إلا في اختلاف يسير في « ينابيع المودة » نقله من نوادر الأصول ولكن في نسخة الينابيع غلط مطبعي ومحله فيها ( ص29 ) قال: حدّثنا محمد بن أحمد بن حمدان، حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثني نصر بن عبد الرحمن الوشاء، حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، عن معروف بن خربوذ المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « أيها الناس، إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، فإني سائلكم حين تردون علىّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/170) 9 ـ وفي الخصائص للنسائي ( ص 21 ): أخبرنا أحمد بن المثنى قال: حدّثنا يحيى بن معاذ قال: أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت عن ] أبي [ الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما دفع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: « كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». ثم قال: « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ». ثم أنه أخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: « من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». فقلت لزيد: سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بإذنه. كذا في السند يحيى بن معاذ. ولعله يحيى بن حماد كما في رواية الحاكم. (1/171) وفيه قبيل هذا الحديث ( ص 368 ): وهو ما قد حدثنا فهد بن سليمان قال: حدّثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، حدّثنا إسرائيل بن يونس، عن عثمان ابن مغيرة، عن علي بن ربيعة الأسدي قال: لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج فقلت: ما حديث بلغني عنك، سمعتَ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي » ؟ قال: نعم. وهذا في معجم الطبراني الكبير ( ج 5 ص 210 ): حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، حدّثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة... الخ. كما هنا. (1/172) قال ناصر الألباني في تحقيقه عليه: حديث صحيح وإسناده ضعيف، ثم قال: وإنما صححته لأن له شواهد تقوّيه، فراجع: تخريج المشكاة ( 186 و 6143 ) والأحاديث الصحيحة ( 1761 ) والروض النضير ( 977 و 978 ) انتهى باختصار. وذكر الحديث ابن أبي عاصم في أواخر ( ج ص2 642 و 643 و 644 و 645 ). (1/173) والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني. ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوهما لي عدو. ألا وإنها لم تهلك أمّة قبلكم حتى تتديّن بأهوائها وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط ». (1/174) وفي مناقب ابن المغازلي أيضاً ( ص 234 / ط 1 ) و ( ص 156 / ط 2 ): أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان الأزهري المعروف بابن الصيرفي، قدم علينا واسطاً سنة أربعين وأربعمائة، قال: حدّثنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن يعقوب بن البواب، حدّثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، حدّثنا وهبان وهو ابن بقية الواسطي، حدّثنا خالد بن عبدالله، عن الحسن بن عبدالله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/175) وفي مناقب ابن المغازلي أيضاً ( ص 236 / ط 1 ): أخبرنا أبو طالب محمد ابن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ إذناً، حدّثنا محمد بن محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، حدّثنا سويد، حدّثنا علي بن مسهر، عن أبي حيان التيمي، حدّثني يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فخطبنا فقال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين وهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ». فحث على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: « وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي » قالها ثلاث مرات. انتهى. (1/176) وفي أمالي المرشد بالله أيضاً ( ج 1 ص 155 ) وبه قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم، بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله ابن محمد بن جعفر بن حيان قال: حدّثنا عبيد بن محمد بن صبيح الزيات قال: حدّثنا عباد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: « يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا، الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/177) وفي أمالي المرشد بالله أيضاً ( ج 1 ص 145 ) وبه قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن غسان، بقراءتي عليه في جامع البصرة قال: حدّثنا أبو القاسم علي بن محمد بن عبيد بن كثير الكوفي العامري قال: حدّثنا إسحاق بن محمد بن مروان قال: حدّثنا عباس بن عبدالله قال: حدّثنا سليمان بن قرم، عن سلمة بن كهيل قال: حدّثنا أبو الطفيل أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مكة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام، فقام تحتهن فأناخ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عشية يصلي، ثم قام خطيباً فحمد الله عزَّوجلَّ وأثنى عليه وقال ما شاء الله أن يقول: ثم قال: « أيها الناس ! إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ما اتبعتموهما: القرآن وأهل بيتي عترتي » ثم قال: « تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « من كنت مولاه فإن عليّاً مولاه ». انتهى. (1/178) قلت: إن الناس يقولون: فما منعه أن يسمي عليّاً وأهل بيته في كتابه ؟ فقال أبو جعفر: قولوا لهم: إن الله أنزل في كتابه الصلاة ولم يسم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هو الذي فسّر ذلك، وأنزل الحج فلم ينزل طوفوا أسبوعاً حتى فسّر ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنزل: ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ فنزلت في علي والحسن والحسين، وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي، إنّي سألت الله أن لا يفرق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض، فأعطاني ذلك ». انتهى. (1/179) 16 ـ وفي فرائد السمطين تأليف شيخ الإسلام المحدث الكبير إبراهيم بن محمد الجويني، الذي ترجم له الذهبي في التذكرة في أواخرها ( ج 4 ص 288 / ط الهند ) فقال فيه: وسمعت من الإمام المحدث الأوحد الأكمل صدر الدين إبراهيم ابن محمد بن المؤيد حمّويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية قدم علينا... الخ. قال في فرائد السمطين ( ج 2 ص 142 ) وما بعدها: أنبأني الإمام مفيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي الغنائم، والإمام سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلّيان فيما كتبا إليّ رحمة الله عليهما قالا: أنبأنا الشيخ مهذب الدين الحسين بن أبي الفرج بن ردة النيلي(رحمه الله) بروايته عن محمد بن الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد، عن والده، عن جدّه محمد، عن أبيه، عن جماعة منهم: السيد أبو البركات علي بن الحسين الجوري العلوي، وأبو بكر محمد بن أحمد بن علي المعمري، والفقيه أبو جعفر محمد بن إبراهيم القائني، قالوا: أخبرنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه(رحمه الله) قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدّثنا العباس بن الفضل المقرئ قال: حدّثنا محمد بن علي بن منصور قال: حدّثنا عمرو بن عون قال: حدّثنا خالد، عن الحسن بن عبدالله ] عن أبي الضحى [ عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي ( وعترتي أهل بيتي ) وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/180) وبه: أنبأنا أبو جعفر بن بابويه قال: حدّثنا الحسن بن علي بن سعيد الجوهري أبو محمد قال: حدّثنا عيسى بن محمد العلوي قال: حدّثنا أبو عمرو أحمد بن أبي حازم الغفاري قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، عن شريك، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتان من بعدي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/181) وبه: عن ابن بابويه قال: حدّثنا محمد بن عمر قال: حدّثني الحسن بن عبدالله بن محمد بن علي التميمي قال: حدّثني أبي قال: حدّثني سيدي علي بن موسى بن جعفر قال: حدّثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي(عليه السلام)قال: « قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/182) وفيه في ( ج 2 ص 233 ): أخبرني الإمامان: ابن عمي الشيخ الزاهد نظام الدين محمد بن علي بن المؤيد الحمويني، والقاضي ظهير الدين محمد بن محمد بن علي البناكتي ثم الاسفرايني رحمهما الله أجازة بروايتهما، عن والدي شيخ الإسلام سلطان الأولياء سعد الحق والدين محمد بن المؤيد الحمويني(رضي الله عنه)قال: البناكتي قراءة عليه باسفرايين قال: أنبأنا شيخ الشيوخ عماد الدين عمر ابن شيخ الإسلام نجم الدين أبو الحسن ( كذا ) ابن محمد بن حمّويه رحمهما الله قال: أنبأنا الإمام الأجل قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري قال: أنبأنا الشيخ عبد الجبار بن محمد الخواري قال: أنبأنا الإمام الحافظ شيخ السنّة أبو بكر أحمد بن الحسين ( ابن ) علي البيهقي قال: أنبأنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري قال: حدّثنا جعفر ـ يعني ابن عون ـ ويعلى، عن أبي حيان التيمي، عن يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم قال: قام فينا ذات يوم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به » فحث على كتاب الله عزَّوجلَّ ورغّب فيه ثم قال: « وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي » ثلاث مرات. (1/183) وفيه ( ج 2 ص 250 ) حديث الثقلين بسند علي بن أحمد الواحدي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدالله الحافظ، أنبأنا عبدالله بن محمد بن جعفر الحافظ، حدّثنا محمد بن يحيى بن مندة، حدّثنا حميد بن سعد، حدّثنا يحيى الكرماني، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، قال: دخلنا على زيد بن أرقم فقال: خطبنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: « إني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله عزَّوجلَّ، من تبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة، ثم أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي » قالها ثلاث مرات، قلنا: يا زيد ! من أهل بيته، نساؤه ؟ قال: لا، أهل بيته وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده: آل علي، وآل العباس، وآل جعفر، وآل عقيل. ( ثم ) قال الواحدي: ( و ) رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن ( محمد ) بن فضيل، عن أبي حيان، عن يزيد بن حيان. (1/184) وفيه ( ج 2 ص 267 ) وما بعدها: أخبرني أستاذي الإمام وحيد الدين محمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي يزيد الفرعيوني الجويني(رحمه الله) مناولة في شهر رجب سنة أربع وستين وستمائة قال: أنبأنا الإمام سراج الدين محمد بن أبي الفتوح إجازة قال: أنبأنا والدي الإمام فخر الدين أبو الفتوح بن محمد اليعقوبي إجازة قال: أنبأنا الشيخ الإمام محمد بن الحسن بن سهل العباسي الطوسي قال: أنبأنا شيخ الإسلام جمال السنّة أبو عبدالله محمد بن حمّويه الجويني قدّس الله روحه سماعاً عليه في شعبان سنة تسع وعشرين وخمسمائة قال: أنبأنا زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي، أنبأنا الشيخ أحمد بن الحسين(رضي الله عنه)، أنبأنا أبو محمد جناح ابن نذير بن جناح القاضي بالكوفة، حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني، حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، حدّثنا جعفر ـ يعني ابن عون ـ ويعلى ـ يعني ابن عبيد ـ عن أبي حيان التيمي، عن يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم قال: قام فينا ذات يوم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى ( والنور ) فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به » فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: « وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي » ثلاث مرات. (1/185) وأخبرني بهذا الحديث القاضي نصير الدين محمد بن محمد بن علي البناكتي(رحمه الله)إجازة، وابن عمي الأمير الإمام نظام الدين خلف المشايخ محمد بن علي بن المؤيد الحمويني(رحمه الله)إجازة بسماع القاضي، وإجازة ابن عمي من والدي شيخ الإسلام سعد الحق والدين محمد بن المؤيد(رضي الله عنه)قال: أنبأنا ( بهذا الحديث القاضي نصير الدين محمد بن محمد بن علي الحمويني إجازة بسماع القاضي وإجازة ) ابن عم والدي شيخ الشيوخ تاج الدين أبو محمد عبدالله بن عمر بن أبي الحسن بن محمد بن حمّويه قدّس الله أرواحهم، بمدينة ( رها ) قال: أنبأنا أبي شيخ الشيوخ عماد الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن رحمة الله عليهم قال: أنبأنا الإمام قطب الدين مسعود بن محمد النيسابوري قال: أنبأنا الإمام أبو عبدالله محمد بن الفضل الفراوي قال: أنبأنا الأستاذ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ رحمهم الله بإسناده المذكور إلى زيد بن أرقم. وساق الحديث كما كتبناه ـ أولاً ـ إلى قوله: ثلاث مرات. (1/186) وفيه ( ج 2 ص 272 ): أخبرتنا الشيخة الصالحة زينب بنت القاضي عماد الدين أبي صالح نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي قطب وقته رحمة الله عليهم سماعاً عليها بمدينة السلام بغداد عصر يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر صفر سنة اثنين وسبعين وستمائة، قيل لها: أخبرك الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن السقاء قراءة عليه وأنت تسمعين في خامس رجب سنة سبع عشرة وستمائة بالمدرسة القادرية ؟ قالت: نعم، قال: أنبأنا أبو القاسم سعيد بن أحمد البناء وأبو محمد المبارك بن أحمد بن بركة الكندي في جمادى الأولى سنة اثنين وأربعين وخمسمائة قالا: أنبأنا أبو نصر محمد بن محمد الزيني قال: أنبأنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس المخلص قال: حدّثنا أبو القاسم عبدالله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدّثنا بشر بن الوليد الكندي، حدّثنا محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ ( حبل ) ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبر ( ني ) أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا ما تخلفوني فيهما ». (1/187) وفيه في ( ج 2 ص 274 ): أخبرنا العدل الصالح رشيد الدين محمد بن أبي القاسم بن عمر المقرئ بقراءتي عليه بها، قال: أنبأنا الإمام السيد أبو محمد الحسن ابن علي بن المرتضى الحسني إجازة، أنبأنا الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي إجازة ـ حيلولة ـ وأخبرنا العدل أبو طالب علي بن أنجب إذنا قال: أنبأنا عبد الوهاب بن علي بن علي إجازة، أنبأنا شيخ الإسلام جمال السنّة معين الدين أبو عبدالله محمد بن حمّويه الجويني(رضي الله عنه)إجازة قال: أنبأنا الإمام أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد السمرقندي إجازة، أنبأنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد ( ابن ) الربيع(رحمه الله) إجازة قال: أنبأنا القاضي أبو محمد عبد الملك بن كعب، قال: أنبأنا أبو العباس عطاء بن أحمد بن إدريس وأبو زكريا يحيى بن زكريا بن معاذ الترمذي قالا: أنبأنا الشيخ أبو عبدالله محمد بن علي الحكيم الترمذي قال: أنبأنا نصر ( ابن عبد الرحمن الكوفي أبو سليمان الوشاء )، أنبأنا زيد بن الحسن ( الأنماطي ) قال: أنبأنا معروف بن خربوذ المكي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجة الوداع خطب فقال: « أيها الناس ! إنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لن يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبل، وإني أظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني فرطكم على الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرف ( منه ) بيد الله وطرف بأيديكم فاستمسكوا ( به ) ولا تضلّوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإني قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردّا عليَّ الحوض ». (1/188) قلت: قد سبق عن حذيفة ذكر بعضه نقلاً من تاريخ الخطيب. قال المحقق المحمودي في تحقيقه على كتاب فرائد السمطين ( ج 2 ص 145 ): وقد رواه أيضاً أبو يعلى الموصلي في مسنده ( 68 / أ ) من نسخة تركيا قال: حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم الثقلين ما إن أخذتم به(1)[126]) لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ( و ) إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/189) قال المحمودي: ورواه أيضاً ـ أي العقيلي ـ في ترجمة هارون بن سعيد من ضعفائه ( ج 12 الورق 228 ) قال: حدّثنا محمد بن عثمان، حدّثنا يحيى بن الحسن ابن فرات القزاز، حدّثنا محمد بن أبي حفص العطار، عن هارون بن سعد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله تبارك وتعالى سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ». (1/190) وقال المحقق المحمودي في تحقيقه على فرائد السمطين ( ج 2 ص 147 ): وقريباً منه ـ أي من حديث علي المذكور في الأصل ـ رواه البزار في مسنده ( ج 1 الورق 75 ب ) قال: حدثنا الحسن بن علي بن جعفر قال: أنبأنا علي بن ثابت، قال: أنبأنا سعاد بن سليمان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: « قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إني مقبوض، وإني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله وأهل بيتي وإنكم لن تضلوا بعدهما ». قلت: قد وجدته في كشف الأستار عن زوائد البزّار تأليف صاحب مجمع الزوائد، ذكره في كشف الاستار ( ج 3 ص 221 ). وفي أمالي أبي طالب ( ص 181 ) في آخر خطبة سندها في ( ص 179 ) عن علي(عليه السلام): « خذوا عنّي عن خاتم المرسلين حجّة من ذي حجّة قالها في حجّة الوداع: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ». (1/191) ورواه أيضاً الحافظ النسائي في الحديث ( 73 ) من خصائص أمير المؤمنين ( ص 21 / ط مصر ـ وفي ط الغري، ص 93 ) قال: أخبرنا أحمد بن المثنى قال: حدّثنا يحيى بن معاذ قال: أخبرنا أبو عوانة، عن سليمان ( الأعمش ) قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما دفع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: « كأني قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين ـ أحدهما أكبر من الآخر ـ كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » ثم قال: « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن »، ثم أنه أخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: « من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». ( قال أبو الطفيل ): فقلت لزيد: ( أنت ) سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: نعم، وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه بإذنه. انتهى. (1/192) وقال في تحقيقه على ( ج 2 ص 251 ) من فرائد السمطين: والحديث رواه أيضاً الحافظ ابن عساكر في ترجمة شارزما بنت جعفر أمة العزيز الديلمية، من تاريخ دمشق من النسخة الظاهرية ( ج 19 الورق 231 / ب ) قال: أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني، أنبأنا عبد العزيز الكتاني، أخبرتنا أمة العزيز شارزما ابنة جعفر الديلمية، قدمت علينا، قراءة عليها قالت: أنبأنا أبو عبدالله محمد بن إسحاق ابن ( ظ ) يحيى بن مندة، أنبأنا عبدالله بن يعقوب بن إسحاق، أنبأنا محمد ابن أبي يعقوب الكرماني، أنبأنا حسان، عن سعيد بن مسروق، عن سعيد بن حيان ( كذا ) عن زيد بن أرقم قال ( سعيد ): دخلنا عليه فقلنا له: ( يا زيد ) ! لقد رأيت خيراً ] كثير [ صاحبت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصلّيت خلفه، قال: لقد رأيته ولقد خشيت أنما أخِّرت لشر، ما حدثتكم به فاقبلوه، وما سكتّ عنه فدعوه، ثم قال: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بواد بين مكة والمدينة يدعى بخم ( ظ ) وقال: « إنما أنا بشر يوشك أن أدعى فأجيب، ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة » ثم قال: « وأهل بيتي، اذكروا الله في أهل بيتي » ثلاث مرات. (1/193) ورواه أيضاً الحافظ ابن عساكر بسند آخر في ترجمة أحمد بن علي بن محمد أبي نصر الطوسي تحت الرقم ( 58 ) من معجم الشيوخ ( الورق 11 ). وقال المحقق المحمودي مخرجاً لهذا الحديث في ( ج 2 ص 268 ): والحديث رواه أيضاً عبد بن حميد الكشي في مسنده ( الورق 40 ) قال: أخبرنا جعفر بن عون، أنبأنا حيان التيمي ( كذا ) عن يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به » فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ثم قال: « وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي » ثلاث مرات. (1/194) ولنذكر هنا روايات لحديث الثقلين في كتب لم نظفر بها، وقد ذكرها السيوطي في « جمع الجوامع » وغيره، ورتبه المتقي الهندي في « كنز العمال » نقلاً عن السيوطي كما أفاده في أول كنز العمال، فذكر حديث الثقلين ومن رواه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن أخرجه من أهل الكتب بألفاظه المختلفة. (1/195) قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير ( ج 3 ص 66 ) عن جابر، وأورده في كنز العمال هناك بلفظ: « إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ». وأفاد أنه أخرجه أحمد في المسند والطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت. وبلفظ: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »، وأفاد أنه أخرجه البارودي عن أبي سعيد. وبلفظ: « أما بعد أيها الناس ! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضلّ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي »، وأفاد أنه أخرجه أحمد في المسند وعبد بن حميد ومسلم عن زيد بن أرقم. وبلفظ: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير خبّرني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما » وأفاد أنه أخرجه ابن أبي شيبة وابن سعد وأحمد في المسند وأبو يعلى عن أبي سعيد. (1/196) قلت: هو في معجم الطبراني ويأتي إن شاء الله، وهو في مسند أبي يعلى ( ج 2 ص 297 ) قال: حدّثنا بشر بن الوليد، حدّثنا محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن عطية بن سعد، عن أبي سعيد أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك » إلى آخره، وفي لفظه: « إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا ـ الى قوله ـ: فانظروا بم تخلفوني فيهما »، وبلفظ: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به بعدي لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »، وأفاد أنه أخرجه عبد بن حميد وابن الأنباري عن زيد بن ثابت، وبلفظ: « إني لكم فرط، وإنكم واردون عليَّ الحوض عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى، فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلان ( كذا ) قيل: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، وسألت لهما ذلك ربي، ولا تقدّموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم »، وأفاد أنه أخرجه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت. (1/197) قلت: هو في الكبير ( ج 5 ص 190 ) بنحو اللفظ المذكور، أي وروى في كنز العمال بلفظ... الخ. وهكذا سائر قولنا: « وبلفظ » فهو عطف على المذكور أوّلاً في قولنا: « فرواه في الباب الثاني... » الخ. (1/198) قلت: في مسند أبي يعلى ( ج 2 ص 303 ): حدّثنا أبو بكر، حدّثنا محمد ابن بشر، حدّثنا زكريا، حدّثني عطية، عن أبي سعيد، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». انتهى. (1/199) ورواه في كنز العمال بلفظ: « إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون » ؟ قالوا: نصحت، قال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق » ؟ قالوا: نشهد، قال: « وأنا أشهد معكم، ألا هل تسمعون ؟ فإني فرطكم على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد نجوم السماء من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين » قالوا: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: « كتاب الله طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، من كنت أولى به من نفسه فعلي وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، وأفاد أنه أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم. (1/200) ورواه في كنز العمال بلفظ: « يا أيها الناس ! إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لن يعمّر نبي إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني قد يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون » ؟ قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجاهدت ونصحت. قال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حقّ وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور ؟ يا أيها الناس ! إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليّاً ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، يا أيها الناس ! إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض أعرض ما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عزَّوجلَّ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا(1)[128]) حتى يردا عليَّ الحوض »، وأفاد أنه أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني في الكبير. (1/201) وفي الجزء الأول أيضاً في الباب الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنة، وهو في قسم الأفعال: عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سبب بيد الله وسبب بأيديكم وأهل بيتي »، وأفاد أنه أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار وصححه. وأخرج في كنز العمال في هذا الباب أيضاً عن زيد بن ثابت، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: « قد تركت فيكم خليفتين: كتاب الله وأهل بيتي يردان عليَّ الحوض جميعاً »، وأفاد أنه أخرجه ابن جرير في « تهذيب الآثار » انتهى. (1/202) وذكر ابن حجر الهيتمي هذا الحديث مطولاً وصححه عند ذكره لحديث الغدير في صواعقه ( ص 44 ) فقال: ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح: أنه(صلى الله عليه وآله وسلم)خطب بغدير خم تحت شجرات فقال: « أيها الناس ! إنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون » ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً، فقال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ؟، قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: « اللهم اشهد » ثم قال: « أيها الناس ! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » ثم قال: « أيها الناس ! إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عزَّوجلَّ سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا ( كذا ) حتى يردا عليَّ الحوض » انتهى. (1/203) وفي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر ( ج 2 ص 36 ) ما لفظه: فأخبرناه أبو محمد السيدي، أنبأنا أبو محمد عثمان البجيري، أنبأنا أبو عمر بن حمدان، أنبأنا أبو يعلى الموصلي، أنبأنا الأزرق بن علي، أنبأنا حسان بن إبراهيم، أنبأنا محمد بن سلمة، عن أبيه، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مكة والمدينة عند سمرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت السمرات، ثم راح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلى، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال ما شاء الله أن يقول: ثم قال: « يا أيها الناس ! إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إذا اتبعتموهما ( ظ ): كتاب الله وأهل بيتي عترتي » ثم قال: « أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ؟ ـ قاله ثلاث مرات ـ فقال الناس: نعم، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « من كنت مولاه فإن علياً مولاه ». (1/204) قال المحقق المحمودي في تحقيقه عليه ما لفظه: ورواه أيضاً البلاذري في الحديث ( 36 ) من ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)من كتاب أنساب الأشراف ( ج 1 ص 315 ) قال: حدّثنا عبد الملك بن محمد بن عبدالله الرقاشي، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عامر بن واثلة أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: كنا مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في حجّة الوداع، فلما كنّا بغدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قام فقال: « كأني قد دعيت فأجبت ( و ) إن الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن، وأنا تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » ثم أخذ بيد علي فقال: « من كنت وليّه فهذا وليّه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، قال ( أبو الطفيل ): قلت لزيد: أنت سمعت هذا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلا وقد رأى بعينه وسمعه بإذنه. (1/205) وفي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)من تاريخ ابن عساكر ( ج 2 ص 45 / رقم الحديث 547 ): أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن المرزوقي، أنبأنا أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن، أنبأنا العباس بن أحمد البرتي ( كذا )، أنبأنا نصر بن عبد الرحمن أبو سليمان الرشاد ( كذا )، أنبأنا زيد بن الحسن الأنماطي، أنبأنا معروف ابن خربوذ المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد ـ وفي نسخة سويد ـ قال: لما قفل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عن حجّة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن ثم قام فقال: « أيها الناس ! قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون » ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً قال: « ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق ( 136 / ب / ز ) وأن الموت حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور » ؟، قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: « اللهم اشهد » ثم قال: « أيها الناس ! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وإني أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا ( علي ) مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » ثم قال: « أيها الناس ! ( إني فرطكم ) وإنكم واردون عليّ الحوض حوضي أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم قدحان من ذهب وقدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا ( 114 / ب ) كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله عزَّوجلَّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد (1/206) نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ حوضي ». انتهى. (1/207) وقال في تعليقه على قوله: « حتى يردّا عليَّ حوضي ». وفي العبقات: « لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض »، ومثله في مجمع الزوائد ( ج 9 ص 165 ). ثم قال: وقال الطبراني في مسند حذيفة بن أسيد من المعجم الكبير ( ج 1 / الورق 149 / ب ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي وزكريا بن يحيى الساجي قالا: حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء وحدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطي قالا: حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، حدّثنا معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن ثم بعث فقمّ ما تحتهن، من الشوك، وعمد إليهن فصلّى تحتهن ثم قام فقال: « يا أيها الناس ! إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني موشك ( كذا ) أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون » ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، قال: « ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق، وأن الموت حق وأن البعث حق بعد الموت ( كذا ) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور » ؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: « اللهم اشهد »، ثم قال: « أيها الناس ! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً(رضي الله عنه)ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». ثم قال: « يا أيها الناس ! إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض، حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم (1/208) فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا ( كذا ) حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/209) 17 ـ وفي معجم الطبراني الكبير ( ج 3 ص 65 و 66 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا عبد الرحمن بن صالح، حدّثنا صالح بن أبي الأسود عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد رفعه قال: « كأني قد دعيت فأجبت، فإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». (1/210) وفيه ( ج 3 ص 66 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا جعفر بن حميد، حدّثنا عبدالله بن بكير الغنوي، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم(رضي الله عنه)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني لكم فرط وإنكم واردون عليَّ الحوض عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى فيه عدد الكواكب من قدحان الذهب والفضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين » فقام رجل فقال: يا رسول الله ! وما الثقلان ؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزلوا ولا تضلّوا، والأصغر عترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردّا عليَّ الحوض، وسألت لهما ذاك ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم ». (1/211) وفيه أيضاً ( ج 3 ص 180 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي وزكريا ابن يحيى الساجي قالا: حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء ( ح ) وحدّثنا أحمد ابن القاسم بن مساور الجوهري، حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطي قالا: حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، حدّثنا معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة ابن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن ثم بعث ( إليهن ) فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى تحتهن، ثم قام فقال: « أيها الناس ! إني قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون » ؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً، فقال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق، وناره حق، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور » ؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: « اللهم اشهد »، ثم قال: « أيها الناس ! إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليّاً ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، ثم قال: « أيها الناس ! إني فرطكم وإنكم واردون عليَّ الحوض حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله عزَّوجلَّ سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/212) قلت: وهذا الحديث قد ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج 9 ص 164 و 165 ) وقال: رواه الطبراني، وذكره ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ( ص43 ) وأفاد أنه أخرجه الطبراني بسند صحيح. (1/213) وفيه ( ج 5 ص 171 ): حدّثنا عبيد بن غنام، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عمر بن سعد أبو داود الحفري، حدّثنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين من بعدي: كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/214) وفيه أيضاً ( ج 5 ص 186 و 187 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا جعفر بن حميد وحدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا النضر بن سعيد أبو صهيب قالا: حدّثنا عبدالله بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: نزل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يوم الجحفة، ثم أقبل على الناس فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: « إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون » ؟ قالوا: نصحت، قال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق، وأن البعث بعد الموت حق » ؟ قالوا: نشهد، قال: فرفع يديه فوضعهما على صدره ثم قال: « وأنا أشهد معكم »، ثم قال: « ألا تسمعون » ؟ قالوا: نعم، قال: « فإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين » فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: « كتاب الله طرف بيد الله عزَّوجلَّ وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردّا عليَّ الحوض، وسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم »، ثم أخذ بيد علي(رضي الله عنه)فقال: « من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». (1/215) وفيه عقيب هذا: حدّثنا أبو حصين القاضي، حدّثنا يحيى الحماني، حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مثله. (1/216) 20 ـ وفي مسند أبي يعلى الموصلي ( ج 2 ص 297 ): حدّثنا بشر بن الوليد، حدّثنا محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن عطية بن سعد، عن أبي سعيد أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا بم تخلفوني فيهما ». (1/217) قال في تعليق محمد ناصر الدين الألباني على كتاب السنّة في الصفحة المذكورة على هذا الحديث: حديث صحيح... إلى أن قال: وإنما صححته لأنه له شواهد تقوّيه، فراجع تخريج المشكاة ( 186 ـ و 6143 ) والأحاديث الصحيحة ( 1761 ) والروض النضير ( 977 و 978 ). (1/218) حدّثنا أبو بكر، حدّثنا أبو داود عمر بن سعد، حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم، عن زيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/219) حدّثنا أبو بكر، حدّثنا محمد بن بشر، حدّثنا زكريا، حدّثنا عطية، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/220) وفيه أيضاً ( ج 3 ص 223 ): حدّثنا أحمد بن منصور، حدّثنا داود بن عمرو، حدّثنا صالح بن موسى بن عبدالله قال: حدّثني عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني خلفت فيكم اثنين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله ونسبي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». هكذا رواه « نسبي » بالنون أولاً ثم السين ثم الباء الموحدة ثم الياء المثناة من أسفل. حكاه بهذا اللفظ في كشف الأستار عن زوائد البزار. وهكذا في مجمع الزوائد ( ج 9 ص 163 ) وقال: رواه البزار. (1/221) 26 ـ وفي ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ( ص 29 ) وفي نوادر الأصول: حدّثنا أبي قال: حدّثنا زيد بن الحسين قال: حدّثنا معروف بن ( خر ) بوزذ ( كذا ) المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري(رضي الله عنه)قال: لما صدر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجة الوداع فقال: « أيها الناس ! إنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر النبي الذي يليه من قبل، وإني أظن أني يوشك أن أدعى فأجيب، وإني فرطكم على الحوض وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزَّوجلَّ سبب طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/222) 27 ـ وفي أمالي أبي طالب ( ص 179 ) وبه قال: حدّثنا أبو أحمد محمد بن علي العندكي قال: حدّثنا جعفر بن علي الحائري قال: حدّثنا علي بن الحسين البغدادي، عن مهاجر العامري، عن الشعبي، عن الحارث أن علياً(عليه السلام)لما اختلف أصحابه خطبهم حين اجتمعوا عنده مبتدئاً بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: أما بعد، وساق الخطبة حتى قال في آخرها ( ص 181 ): واعلموا أن العلم الذي هبط به آدم(عليه السلام)وما فصلته الأنبياء في عترة نبيّكم، فأين يتاه بكم عن أمر نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء مثلها فيكم، وهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف، وهم باب حطة وباب السلم، فادخلوا في السلم كافة، خذوا عني عن خاتم المرسلين حجة من ذي حجّة قالها في حجّة الوداع: « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». (1/223) 28 ـ وفي حديث وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مصابيح أبي العباس الحسني، وذكر سند أبي العباس في الشافي للمنصور بالله من أبي العباس الحسني: أخبرنا أبو العباس الحسني قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن الأيوازي قال: حدّثنا جعفر ابن محمد بن شعبة النيروسي قال: حدّثنا موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله ابن حسن بن حسن عن أبيه عن جده، عن أبيه عبدالله بن الحسن قال: لما نزلت: ] إذا جاء نصر الله والفتح [(1)[131]) إلى آخرها، قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « نعيت إليَّ نفسي » ـ إلى قوله ـ: فخطبهم واستغفر للشهداء ـ إلى قوله ـ: ثم رفع صوته حتى سمع من في المسجد ووراءه يقول: « يا أيها الناس ! سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، إنكم والله لا تتعلقون علي بشيء ألا وإني قد تركت الثقلين فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما هلك وهوى » فقال عمر بن الخطاب: وما الثقلان يا رسول الله ؟ قال: « أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله طرف بأيديكم وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تذلوا أبداً، فإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وإني سألت الله ذلك لهم فأعطانيه، ألا فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتضلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب. أيها الناس ! احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي وافهموا عني تنتعشوا لئلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » الحديث. (1/224) 29 ـ وفي مناقب محمد بن سليمان الكوفي صاحب الهادي ( ص 168 ) مخطوطة محمد بن سليمان قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن عفان العامري قال: حدّثنا محمد بن الصلت قال: حدّثنا محمد بن طلحة بن مصرف، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». (1/225) وفيها ( ص 178 ): حدّثنا عثمان قال: حدّثنا محمد بن عبدالله قال: حدّثني سهل بن يحيى السقطي قال: حدّثنا الحسن بن مروان قال: حدّثنا معروف ( بن خربوذ ) قال: سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع نزل الجحفة فصلّى فقال: « أيها الناس ! إني سائلكم حين تردون عليَّ الحوض عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا، وعترتي أهل بيتي، انظروا كيف تخلفوني فيهما فإني سألت اللطيف الخبير أن لا يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فأعطاني ذلك، ولا تشتموهم فتهلكوا ». (1/226) وفيها ( ص 184 ): أبو أحمد قال: حدّثنا غير واحد، عن عبد الملك قال: حدّثنا محمد بن طلحة بن مصرف، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». (1/227) بأني أولى بالمؤمنين » ؟ قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي فرفعها ثم قال: « من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليه » ثم أرسل يد علي ثم قال: « اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ». ثم قال زيد بن أرقم حين فرغ من حديثه: والله الذي لا إله إلا هو ما بقي بالدوح أحد يسمع ويبصر إلا سمع ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ورآه بعينه. (1/228) فهذه روايات أحاديث الثقلين: كتاب الله وعترة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نقلناها كما ترى بأسانيدها من تسعة وعشرين كتاباً من كتب أئمة الحديث وغيرها منها: مسند أحمد بن حنبل، وصحيح مسلم، كما يسميه العامة، وجامع الترمذي، وخصائص النسائي، ومستدرك الحاكم وغيرها، وهذا سوى الكتب التي نقل منها السيوطي وغيره من الكتب التي لم تحصل لنا، وهي كثيرة كما مر ذكرها، وفي ذلك كفاية لمن أنصف. ومن العجيب أن من الطلاب الذين يدرسون عند النواصب من يجهل هذا الحديث ويعتقد أنه لا أصل له، وأن الحديث إنما هو بلفظ: « كتاب الله وسنتي » حتى أنه بلغني عن بعض الذين درسوا عند مقبل أنه قال إن الحديث « كتاب الله وسنّتي » هو الصواب، وأما بلفظ « كتاب الله وعترتي » فإنما هو عمل السادة. هذا معنى كلامه وهذا نتيجة كتمان مشائخهم للحق وهم يعلمون، كما فعل بنو إسرائيل الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: ] وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [(1)[132]). (1/229) ويحتمل أن يخص بأهل الكساء وذريتهم، لحديث الكساء وحديث المباهلة والأحاديث في المهدي، مثل ما أخرجه أحمد بن حنبل في المسند ( ج 1 ص 377 ): عن عبدالله، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ويواطئ اسمه اسمي » و ( ص 84 ): عن علي(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة » و ( ص430 ): عن عبدالله، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « لا تذهب الدنيا ـ أو لا تنقضي الدنيا ـ حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » و ( ص 448 ) مثله، ومثل ذلك في ( ج 3 ص 17 ) عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وحديث: « أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم » رواه أبو طالب في الأمالي، وحديث: « وأهل بيتي أمان لأمتي » ويأتي إن شاء الله. (1/230) وقال الحاكم في المستدرك في كتاب التفسير ( ج 2 ص 343 ): أخبرنا ميمون بن إسحاق الهاشمي، حدّثنا أحمد بن عبد الجبار، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا المفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أيها الناس ! من عرفني فأنا من عرفتم، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه انتهى. (1/231) قال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » في ترجمة مفضل بن صالح: قال ابن عدي بعد أن أورد له عدة أحاديث: أنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي، وسائره أرجو أن يكون مستقيماً. قال ابن حجر: يعني ـ حديث الحسن بن علي ـ أتاني جابر فقال: اكشف لي عن بطنك... الحديث، انتهى. (1/232) قلت: أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة الحسن بن أبي جعفر ( ج 2 ص 719 و 720 ): حدّثنا ابن أبي سويد، حدّثنا مسلم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر... الخ. ولكنه هناك لم يذكر « ومن قاتلهم... » الخ ثم قال ابن عدي: حدّثناه علي بن سعد الداري، حدّثنا محمد بن خزيمة، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مثله. انتهى. (1/233) قلت: رواه ابن عدي في الكامل في ترجمة المفضل ( ج6 ص2406 ): أخبرنا أبو يعلى، حدّثنا سويد بن سعيد، حدّثنا مفضل بن عبدالله... الخ سنداً ومتناً. قال في فرائد السمطين: قال الواحدي: ورواه الحاكم في صحيحه عن أحمد ابن جعفر بن حمدان. انتهى. (1/234) وهذا السند الثاني هو الذي أفاده في الميزان في ترجمة الحسن بن أبي جعفر، وهو في كشف الأستار من زوائد البزار من هذه الطريق ( ج 3 ص 222 ): حدّثنا عمرو بن علي والجراح بن مخلد ومحمد بن معمر، واللفظ لعمرو قالوا: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر... إلى آخر السند والحديث، إلا أنه قال في لفظ الحديث: « مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان كان كمن قاتل مع الدجال ». قال البزار: لا نعلم صحابياً رواه إلا أبا ذر ولا له غير هذا الإسناد تفرد به ابن جعفر. (1/235) قال المحقق لكتاب فرائد السمطين ( ج 2 ص 247 ): وأيضاً رواه سعيد بن المسيب عن أبي ذر الغفاري، كما رواه بسنده عنه الطبراني في المعجم الكبير ( ج 1 / الورق 130 وفي طبعة الحديث ج 2، ص.. )(1)[134]) قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا علي بن زيد ابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلهم ] قاتلنا [ في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ». (1/236) وروى المرشد بالله الحديث السابق، عن معجم الطبراني الصغير من طريق الطبراني أيضاً، فقال في الأمالي ( ج 1 ص 156 ): أخبرنا ابن ريذة قراءة عليه بأصفهان قال: أخبرنا الطبراني قال: حدّثنا الحسين بن أحمد بن منصور سجادة قال: حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي قال: حدّثنا عبدالله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر قال: رأيت أبا ذر آخذ بعضادتي باب الكعبة وهو يقول: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ». انتهى. (1/237) وفي المناقب لابن المغازلي ( ص 100 ): أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر ابن أحمد العطار الفقيه الشافعي، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن عثمان الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي قال: حدّثني أبو بكر محمد بن يحيى الصولي النحوي، حدّثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدّثنا جهم بن السباق أبو السباق الرياحي، حدّثنا بشر بن المفضل قال: سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور يقول: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ». (1/238) قلت: هو في كشف الأستار عن زوائد البزار ( ج 3 ص 222 ): حدّثنا معمر، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا أبو الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق ». (1/239) وفي معجم الطبراني الصغير في باب من اسمه الحسين ( ج1 ص139 / ط سنة 1388 هـ ـ 1968 م دار النصر للطباعة القاهرة ): حدّثنا الحسين بن أحمد بن منصور سجادة البغدادي، حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي، حدّثنا عبدالله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حنش بن المعتمر أنه سمع أبا ذر الغفاري يقول: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل ». انتهى نقلاً عن المعجم الصغير. (1/240) وفي أمالي أبي طالب في ( ص 136 ) وبه قال: حدّثنا أبو علي حمد بن عبدالله بن محمد قال: حدّثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: حدّثنا محمد ابن إسماعيل قال: حدّثنا مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ». انتهى. (1/241) وفي أمالي أبي طالب عن علي(عليه السلام)في آخر خطبة له(عليه السلام)ذكر سندها في ( ص179): « واعلموا أن العلم الذي هبط به آدم(عليه السلام) وما فصلته الأنبياء في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم عن أمر نسخ من أصلاب أصحاب السفينة هؤلاء، مثلها فيكم وهم لكم كالكهف لأصحاب الكهف وهم باب حطة وباب السلم فادخلوا في السلم كافة ». انتهى. (1/242) أخرج الحاكم في المستدرك ( ج 4 ص 514 ) بسنده عن شقيق بن وائل قال: قال عبدالله: كيف أنتم إذ ألبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سنة، فإذا غيرت قالوا: غيرت السنة... الخ ؟ وصححه الذهبي على شرط البخاري ومسلم. (1/243) وأما الجمع فهم مختلفون فيه. والمقرر للمذهب جوازه للأعذار، ولهم في ذلك حجج ظاهرة مستوفاة في كتاب الاعتصام للإمام القاسم بن محمد. فلا ينبغي لمنصف أن يسميه بدعة وهو يعلم تمسكهم فيه بالسنة، وإن كان مذهبه خلاف مذهبهم فإن المخالف لا يسمى في العرف مبتدعاً إذا كان متمسكاً بدليل يعتقد صحته في الدلالة على مذهبه، ولو فرض أنه مخطئ في المسائل الفرعية. وهذا من تدليس الشوكاني جرى فيه على طريقة اسلافه في التدليس. (1/244) وأما الرواية عن علي(عليه السلام)مرفوعة، فقد ضعفوا أحد رجال السند وهو محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وحاول مقبل قبول التضعيف ذلك في غير هذا المحل، أما في هذا فقال: ابن أبي ليلى ضعّف لسوء حفظه، فمثله يصلح في الشواهد والمتابعات. (1/245) والجواب: إنه لما قال: حديث « إن في الصلاة شغل » كان تكلم بلغته العادية ولا حرج في أن يتكلم الإنسان بلغته التي يعتادها. وكذلك إذا أخطأ في التعبير، فقد قال الله تعالى: ] وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به [(1)[139]) وإذا كانت هذه الغلطة تدل على حرمانه بركة العلم ففي كتاب مقبل غلطات كثيرة، فيلزمه إن كانت من عنده أنه قد حرم بركة العلم، وفاته الفرقان المذكور في قول الله تعالى: ] يجعل لكم فرقاناً [ وأزاغ الله قلبه. فإن هذه المصائب إذا كانت تنزلت فيمن غلط غلطة واحدة على فرض أنها غلطة، فما بال من غلط غلطات كثيرة ؟ ولعله يتخلص السيد علي بن هادي من هذه المصيبة بأنه تكلم بلغة بلده في الوقف على المنصوب بدون ألف، وهي لغة ربيعة، فلم يدل ذلك على أنه نسي أن «إنّ» تنصب الاسم. وبذلك فسد الدليل على حرمانه بركة العلم وعلى فوت الفرقان، وعلى أن الله أزاغ قلبه حتى أهمل «إنَّ» ولم ينصب بها الاسم، والحمد لله رب العالمين. (1/246) فالجواب: إن العصمة عندنا هي التطهير عن الكبائر بتوفيق الله وألطافه وهدايته(1)[140])، وقد ثبتت هذه الدعوى بدليل واضح وهو حديث الكساء المشهور بين الأمة، وإيراده هنا وذكر رواته ومصادره يطول جداً. وإن أردت بدعوى البطلان، أنها لم تمت غاضبة على أبي بكر، فهذا قد رواه البخاري. وإن أردت بدعوى البطلان، أنه لا يجوز لهم أن يغضبوا لغضبها وإن كانت ماتت غاضبة. (1/247) والجواب: إن عبارة الصيلمي نصها على أن الذي تولى الصلاة بالمسلمين بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) هو أبو بكر. هكذا حكاها مقبل في ( ص 52 ) فكيف يجعل هذا دليلاً على أنه أحق ؟ وكأنه سبق إلى ذهنه ما رووه أن أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي يحتجون بها على أنه أحق، فأما الصلاة بعد موته(صلى الله عليه وآله وسلم)فلا نفهم مراده في الاحتجاج بها، ولا يناسبه قوله بعد هذا « وقد قال الصحابة رضوان الله عليهم: إن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا ». انتهى. (1/248) وقوله: « أفلا نرضاه لدنيانا » أبعد وأشد مغالطة، لأن الولاية العظمى لصلاح الدين للدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود، وإبلاغ الشرائع، وحماية الدين، فهي للدين أهم منها للدنيا. فتبين أن كلامهم هذا غير صحيح، وأن حقيقة احتجاجهم هكذا، رضيه لخصلة من الدين فرضيناه للدين كله والدنيا. فكان يلزمهم أن يكون علي(عليه السلام)أعظم شأناً لأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولاّه نحر بقية الهدي في الحج وكان ثلاثين بدنة كما رووه، وذلك من الدين فقد رضيه هنا لخصلة من دينه ولاّه إياها، وهي خصلة من دين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه، فهل تقولون: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رضيه لدينه على حد عبارتكم في أبي بكر ؟ (1/249) والجواب، وبالله التوفيق: قد مرّ ما فيه الكفاية من الدلالة على أن ذلك الجرح لا حكم له من حيث أنه من خصم مبغض، ومن حيث أن بعضه مرسل، والراوي عدوّ متهم بالتحامل. فهل يقبل منصف جرح عدو لعدوه بدون حجّة صحيحة ؟ ومما يتهم فيه أعداؤهم ـ أي أعداء أبي خالد وإبراهيم ونصر ـ رواية من روى عن وكيع رواية مرسلة أنه تكلم في أبي خالد، ومما يبعدها أن ابن أبي حاتم ذكر في ترجمة وكيع ( ج 1 ص 219 ) وما بعدها جملاً مفيدة في حفظه وورعه، فقال في ( ص 223 ): حدّثنا محمد بن إبراهيم بن شعيب، حدّثنا عمرو ابن علي قال: ما سمعت وكيعاً ذكر أحداً بسوء قط. ثم قال في ( ص 224 ): ( ما ذكر من معرفة وكيع بن الجراح بناقلة الأخبار )(1)[144]) فذكر فيه بحثاً طويلاً ولم يذكر عمرو بن خالد أصلاً. (1/250) وقال في « الميزان » في ترجمة إبراهيم بن يوسف الباهلي: وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: لا يشتغل به. قال الذهبي: هذا تحامل لأجل الإرجاء الذي فيه. انتهى المراد. (1/251) قلت: فكذلك قوله في نصر بن مزاحم وسائر الشيعة الذين يرميهم بالزيغ، فلا يلتفت إليه ولا يعمل بقوله في جرح شيعي ولا توثيق عثماني. ومن العجب أن يتخذه القوم إماماً في الجرح والتعديل، وهو مبتدع داعية إلى مذهبه، قد ظهر ذلك بكثرة جرحه للشيعة وتحامله عليهم. فلا يقبل جرحهم للشيعة وتوثيقهم للنواصب، فكلام الذهبي في نصر بن مزاحم وقوله فيه: « رافضي جلد تركوه » غير مقبول، لأن الذهبي قال في الجوزجاني: « أحد أئمة الجرح والتعديل » فلعله أخذ الكلام في نصر من إمام الذهبي الجوزجاني، وكذلك قول الخطيب ـ يعني غلوه في الرفض ـ غير مقبول، لأنه مرسل، ولعله فهمه من قصد الجوزجاني واتبعه فيه، وقول الذهبي: « تركوه ». معارض بقوله: « حدث عنه نوح بن حبيب وأبو سعيد الأشج وجماعة » قال الذهبي: قال العقيلي: شيعي في حديثه اضطراب وخطأ كثير. (1/252) وقال فيه في ترجمته: « ضعفه البرقاني ». وقال أبو النجيب عبد الغفار الأرموي: « رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح ولا يعدونه شيئاً ». وقال الخطيب: « في حديثه ـ أي الأزدي ـ مناكير » هذا آخر ترجمة أبي الفتح. انتهى. (1/253) وأورد رقم ( 18 ) بلفظ: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [. (1/254) وفي صحيح البخاري ( ج 1 ص 173 ) في حديث: « يا معاذ، أفتان أنت ؟ وفلولا صلّيت بـ ] سبّحِ اسمَ ربّك الأعلى [ و ] الشمس وضحاها [ و ] الليل إذا يغشى [. (1/255) والجواب: إنه يكفي ما ذكرناه في الرد على هذا الاعتراض، وقد رواه الدارقطني في سننه ( ج 1 ص 316 ) عن أنس قال: « صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر فيه ». انتهى. (1/256) وإنما قلت: إن قوله: « ما سألني عنه أحد قبلك » قرينه لتقدم السؤال قبل الخوض والخلاف في المسألة، هذا لأنه مظنّة أن يسأل عنها عند الخلاف بين شيعة علي وشيعة معاوية، وتتكرر الأسئلة وتكثر على أنس لاستمرار الخلاف واشتهاره بحيث لا ينسى أنس أنه سئل فيقول: ما سألني عنه أحد قبلك. (1/257) ونحن في هذا البحث إنما جوّزنا على أنس توهم أنه لم يسمعها لسبب ظاهر، وهو صغر سنّه وعدم ما يلفت ذهنه إلى تأمّل البسملة بخصوصها، كما أن بعض المؤتمّين ينسى السورة التي قرأها الإمام لأنه لم يكن يريد أن يعرف ماذا يقرأ الإمام من السور، وهذا مع كون أنس مظنّة أنه كان يكون بعيداً يصلّي بحيث لا يسمع تفصيلاً مع غفلة الصغر وعدم التأمل. ومقتضى ذلك أن نفي السماع لا يدل على عدم الجهر، لأنه لا دليل على التلازم هنا فلا يعارض به إثبات الجهر لأنّ المثبت يقدم على النافي. (1/258) فهذه الألفاظ أورد فيها خمس عشرة رواية وهي ما تحت الأرقام المذكورة، وهذا النوع لا حجّة فيه للإسرار بالبسملة. لأن الفاتحة يعبر عنها بكلمة « الحمد لله » وبكلمة: ] الحمد لله رب العالمين [ كما يقال: ] ق والقرآن المجيد [لسورة « ق » و ] قل هو الله أحد [ لسورة الإخلاص، وقد استعمل نحو هذا مقبل نفسه في كتابه الرياض حيث قال في ( ص 43 ): وأين الدليل على أنه يفصل بين التكبيرتين في صلاة الكسوف بالحمد لله مرة ؟ الخ ـ أي بالفاتحة ـ وقال هناك في صلاة الجنازة: وبعد الثالثة بـ ] قل أعوذ برب الفلق [ أي بالسورة، وفي مجموع زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(عليهم السلام): « كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوتر بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن يقرأ في الأولى: ] سبح اسم ربك الأعلى [وفي الثانية: ] قل يا أيها الكافرون [ و ] قل أعوذ برب الناس [. (1/259) وقال البيهقي في السنن الكبرى ( ج 2 ص 51 ): قال الشافعي: « يعني يبدأون بقراءة أمّ الكتاب قبل ما يُقرأ بعدها، والله أعلم » ولا يعني أنهم يتركون ] بسم الله الرحمن الرحيم [. (1/260) وفي صحيح البخاري ( ج 5 ص 222 ) في باب قوله: ] ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم [(1)[146]) في حديث، ثم قال ـ أي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فذهب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليخرج فذكرته فقال: ] الحمد لله رب العالمين [ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. انتهى. (1/261) الرواية الثالثة رقم ( 15 ): عن شعبة وابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس قال: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً يجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. (1/262) فلا يبعد أن أنساً كان غافلاً عن الجهر بالبسملة، فعندما وقع الخوض فيها في دولة بني أمية لم يستحضر أنس أنه كان يسمعها واعتقد أنه لم يكن يسمعها فأخبر على اعتقاده أنه لم يسمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يجهر بها. ولهذه لا يعارض قوله قول من أثبت الجهر بها لأن الإثبات يستند إلى العلم بالجهر، والنفي يستند إلى عدم العلم بالجهر واعتقاد أنه لم يقع وذلك لعدم العلم به، وهذا ظاهر في البشر وطباعهم أنهم كثيراً ما يعتقدون في بعض ما قد وقع أنه لم يقع لعدم علمهم بوقوعه. وعلى هذا بنيت قاعدة ترجيح المثبت على النافي. (1/263) الثاني: أنه يحتمل أنه اعتقد أنه لم يسمع لغفلته عن الجهر بالبسملة بعينها فنفى السماع لاعتقاده أنه لم يسمع، ولا يدل ذلك على أنه لم يسمع في الواقع سماعاً مع غفلته عن الجهر بالبسملة. (1/264) والرواية الثالثة من هذا النوع التي هي رقم ( 26 ) هي عن أبي قلابة عن أنس، وأبو قلابة متهم في هذه المسألة لأن النواصب يتعصبون لمنع الجهر بالبسملة مراغمة منهم للشيعة ومعارضة للمشهور عن علي(عليه السلام)ونصرة لمن كان يسر بها من الأموية. وأبو قلابة متهم بالنصب بصري شامي، وحكى فيه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » عن العجلي أنه قال فيه: بصري تابعي ثقة وكان يحمل على علي. (1/265) النوع الخامس: رواية واحدة وهي أيضاً مخالفة لسائر الروايات وهي في كتاب مقبل رقم ( 22 ) نسبها لابن خزيمة: حدّثنا أحمد بن شريح الرازي، حدّثنا سويد بن عبد العزيز، حدّثنا عمران القصير، عن الحسن، عن أنس بن مالك: « أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يسرّ بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ في الصلاة وأبو بكر ». فصرح بالإسرار خلافاً لكافة روايات أنس، ولعل الآفة فيه من سويد ابن عبد العزيز، فقد ذكره في « تهذيب التهذيب » وذكر فيه كلاماً طويلاً فيه: قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: متروك الحديث، وفيه قال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء. وفيه: وقال البخاري: في حديثه مناكير أنكرها أحمد، وقال مرة: فيه نظر لا يحتمل. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال مرة: ضعيف. انتهى المراد. مع أن الرجل دمشقي كما في « تهذيب التهذيب » فهم غير متهمين فيه. وهو متهم في هذه الرواية لمناسبتها مذهب أهل دمشق. (1/266) وأما قول مقبل: لكن الحديث له طرق أخرى عن الأوزاعي عن إسحاق ابن عبدالله بن أبي طلحة، عن أنس، وله شواهد تقدم ذكر أكثرها، ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توسع على ذلك كما ذكره الحافظ في الفتح. (1/267) وأما رقم ( 16 ) فهو هكذا: مالك في الموطأ مرسلاً(1)[147]) أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إذا افتتح الصلاة، وهذا في الموطأ ( ج 1 ص 45 ) ولكنه أسنده الطحاوي في شرح معاني الآثار ( ج 1 ص 202 ) عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر... الخ. وهو من طريق ابن وهب، ولم يذكر عقيب هذا: قال حميد. وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بل روى بسند آخر ولم يذكر لفظ الحديث بل قال: فذكر نحوه وهذا قال فيه: ويرى حميد أنه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وهذا تدليس يوهم أنه في لفظ مالك وليس فيه إنما هو في لفظ يستفتحون... الخ، كما بيّنه ابن أبي شيبة. (1/268) ثم قال مقبل: الحديث أخرجه ابن أبي شيبة ( ج 1 ص 410 ) فقال: حدّثنا هشيم قال: أخبرنا حميد لم يذكره بلفظ الموطأ، بل لفظه: عن حميد، عن أنس أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [، قال حميد: وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ولعل هذا الأصل لأنها مسندة وهي الموافقة لمعظم الروايات فذكره، وفيه: فكانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ـ قال حميد: هذا تدليس فلم يثبت عن حميد أنه قال ذلك في لفظ: « كانوا يستفتحون... » وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وزاد مقبل نحوه عن الطحاوي والبيهقي، ثم روى عن حميد، عن أنس بلفظ: كنت صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [. (1/269) قال في « تهذيب التهذيب » في ترجمته: واسمه سليمان بن داود، وقال أبو مسعود: ما رأيت أحداً أكثر في شعبة منه، قال: وسألت أحمد عنه فقال: ثقة صدوق، فقلت: إنه يخطئ فقال: يحتمل له، ثم قال: وقال إبراهيم الجوهري: أخطأ أبو داود في ألف حديث. إلى أن قال: عن عمرو بن علي وله ـ أي لأبي داود ـ أحاديث يرفعها وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من حفظه، ثم قال ابن حجر: وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وربما غلط، إلى أن قال ابن حجر: قال عبد الرحمن: وسمعت أبي يقول: أبو داود محدث صدوق، كان كثير الخطأ، إلى أن قال: وقال الخليلي: حدّثنا محمد ابن إسحاق الكسائي، سمعت أبي سمعت، يونس بن حبيب قال: قدم علينا أبو داود وأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ في سبعين موضعاً. انتهى المراد. (1/270) وإذا ظهر أنه يروي من حفظه ويخطئ فهذا الحديث وأشباهه مما يخالف فيه رواية الجمهور يكون مظنّة الخطأ، فهو محمول على أنه الذي رواه المحدثون عن شعبة بلفظ: فكانوا يستفتحون القراءة أو الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [، لأن هذا عن شعبة، فحفظ أبو داود المعنى الذي اعتقده ورواه فغلط بسبب غلطه في فهم المعنى، لأن الذي ظهر من الأولين أنهم إنما كانوا يحفظون الألفاظ في الغالب تبعاً لحفظ المعنى، ولذلك تجد الحديث الواحد يأتي بألفاظ مختلفة، إنما يحافظون على اللفظ بخصوصه في القرآن والأذكار من الأدعية وغيرها. فأما في الأحكام فإن أذهانهم تتوجه نحو المعنى المقصود فيحفظونه، ويعبرون عنه باللفظ الذي يفيده مع تحري اللفظ تبعاً لتحري المعنى لا أصالة كألفاظ القرآن والأذكار، فلهذا تختلف الألفاظ إذا اشتهر الحديث وكثرت رواته اختلافاً كثيراً. وحديث شعبة، عن قتادة عن أنس باللفظ المذكور في النوع الأول: يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ أو نحوه يروى عنه من طريق حفص بن عمر، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن جعفر، الذي يقال له غندر، وأبي داود الطيالسي في مسنده ( ج 1 ص 52 ). فهي أوثق من رواية أبي عبدالله السلمي عن أبي داود الطيالسي وعن شعبة، لأن روايتهم وهم أكثر أقوى من رواية أبي داود وحده. ورواية أبي داود الموافقة لهم المثبتة في كتابه أقوى من روايته التي ليست في كتابه، فالظاهر أنه رواها من حفظه وغلط فيها كما قلنا. (1/271) وأما الحديث الثاني من هذا النوع وهو رقم ( 16 ) فلم يتحقق رفعه إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فأغنى ذلك عن تطويل الجواب، مع أن لفظه مخالف للأقوى من الرواية عن حميد، كما هو محقق في كتاب مقبل، فلا حاجة إلى الجدال في لفظه الذي رواه مالك: فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. (1/272) أما رقم ( 16 ) فهو عن حميد عن أنس، ولكن لم يتحقق رفعه إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وترجح أنه ليس لفظه إلا: صلَّيت خلف أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [. (1/273) ورقم ( 25 ) عن محمد بن لوح، عن أنس بن مالك قال: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. (1/274) أما الرواية لحديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عن قتادة عن أنس من غير طريق شعبة فرواية أحمد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس والبخاري في جزء القراءة كذلك، وابن أبي شيبة والطحاوي وابن عبد البر كلهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس. ورواية أحمد عن أيوب عن قتادة عن أنس. وكذلك البخاري في جزء القراءة، والنسائي وابن ماجة وابن الجارود والشافعي في الأم، والبيهقي في السنن، وابن عبد البر كلهم عن أيوب، عن قتادة، عن أنس قال: « صلّيت خلف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون بالحمد لله ». انتهى. (1/275) ورواية البخاري في جزء القراءة، فهذه الجملة تبين أن حديث قتادة الثابت عنه هو حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وأنه الأصل. وأن الرواية عنه عن أنس بلفظ: فلم أسمع أحداً يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إنما هي تصرف من الرواة نظراً للمعنى الذي يعتقدونه. وذلك في ثلاثة أسانيد كلها عن شعبة عن قتادة عن أنس، منها رواية ابن حبان كما قدمنا، وكذلك ما روي عن شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ: فكانوا لا يجهرون بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ وهي رواية واحدة، قال البيهقي في السنن الكبرى ( ج 2 ص 1 ) بعد ذكر رواية شعبة عن قتادة عن أنس: « أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ رواه البخاري في الصحيح عن أبي عمر حفص بن عمر، وهذا اللفظ أولى أن يكون محفوظاً، فقد رواه عامة أصحاب قتادة عن قتادة بهذا اللفظ، منهم: حميد الطويل، وأيوب السختياني، وهشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وأبان بن يزيد العطار، وحماد بن سلمة، وغيرهم، قال أبو الحسن الدارقطني: وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس. قال الشيخ ـ أي البيهقي ـ: وكذلك رواه إسحاق بن عبدالله بن طلحة، وثابت البناني عن أنس بن مالك وكذلك رواه أبو الجوزاء عن عائشة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ انتهى. (1/276) قال مقبل ـ بعد إتمام الروايات التي ذكرناها الست والعشرين ـ: المطاعن التي أوردها السيوطي على بعض طرق الحديث وبعضها على الحديث جملة قال: وتبين أن لحديث مسلم السابق تسع علل: ( 1 ) المخالفة من الحفاظ والأكثرين ( 2 ) الانقطاع ( 3 ) تدليس التسوية من الوليد ( 4 ) الكتابة ( 5 ) وجهالة الكاتب ( 6 ) الاضطراب في لفظه ( 7 ) الإدراج ( 8 ) ثبوت ما يخالفه عن صحابيه ( 9 ) مخالفته لما رواه عدد التواتر. انتهى. (1/277) والجواب على مقبل: إن حديث مالك عن حميد أنه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في حديثه وخالفه الجماعة كما في كتاب مقبل. ولكن لم يثبت ذلك لأنه غير مذكور في الموطأ إلا عن أبي بكر وعمر وعثمان، وليس فيه: وأحسبه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ومع ذلك خالفت الرواة رواية مالك حيث قال في روايته: عن حميد عن أنس، فكلهم كان لا يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إذا افتتح الصلاة، فرووا عن حميد عن أنس قال: كنت صليت خلف أبي بكر... الخ بدون ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وبلفظ: فكانوا يستفتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [ فالمتابعة القاصرة عن أنس من غير طريق حميد لا تفيد شيئاً لأنها معارضة برواية الجمهور عن أنس بلفظ: فكانوا يستفتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ونحوها، وهي متابعة لرواية الأكثر عن حميد بهذا اللفظ الذين خالفتهم رواية مالك، كيف وفي رواية أحمد رقم ( 17 ) عن قتادة وثابت وحميد عن أنس بن مالك أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. (1/278) والجواب: إن رواية الحديث الأصلية المحفوظة هي: كانوا يستفتحون القراءة أو الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. كما قدمنا، فهي أحق أن ترد إليها الروايات الشاذة عنها، وتحمل الشاذة على أنها من تصرف الرواة على ما فسروا به حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [. فهو يجمعهم اعتقاد أن أنساً لم يسمع ] بسم الله الرحمن الرحيم [ فمن اعتقد أنها أسرت رواه بلفظ: لم يكونوا يجهرون، أو لم يسمع أنس، ومن اعتقد أنها تركت رواه بلفظ: لم يكونوا يذكرون ونحو ذلك. (1/279) والجواب: إن التدليس بحذف الواسطة بين الأوزاعي وقتادة وهو الكاتب، وهذا ظاهر قول السيوطي: تدليس التسوية من الوليد فالتدليس في قول الوليد: حدّثنا الأوزاعي عن قتادة. ولا يدفع ذلك متابعة أبي المغيرة للوليد لأنها لم ترفع التدليس المذكور، بل الروايتان عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة، فلا تفيد هذه المتابعة لأنها لم ترفع تدليس الوليد. (1/280) وكذلك متابعة محمد بن شعيب، عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة، فذكر الحديث. وأما قوله فكيف يقدح في رواية الوليد وقد صرح بالسماع، أي سماع إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس كما عند مسلم ؟ (1/281) والجواب: إن هذه في إثبات سماع قتادة من أنس، وقد مر الجواب عنها في النوع السابع والنزاع في حذف الواسطة بين الأوزاعي وقتادة، وأما قوله: « كما عند عبدالله بن أحمد » فهو رقم ( 4 ) في أحاديث الباب، ولفظه: عبدالله بن أحمد في زوائد المسند، حدّثنا أبو عبدالله السلمي، حدّثنا أبو داود ـ وهو الطيالسي ـ عن شعبة. وهذه الرواية لم تثبت، لأن أبا داود هنا إن صحت الرواية عنه وفيها إشكال فإني لم أدر من هو أبو عبدالله السلمي، فإن صحت روايته عن أبي داود فلعل أبا داود رواه من حفظه فغلط فيه، لأنه فيه قد خالف روايته التي في كتابه، والمكتوبة أقوى لما مرّ من أنه كثير الخطأ، ولأن روايته التي في كتابه هي الموافقة لرواية الجمهور كما قدمناه، فلم تثبت متابعة في نفي البسملة من هذه الطريق، ولا إثبات سماع قتادة من أنس للفظ النفي لذكر ] بسم الله الرحمن الرحيم [ الذي هو مطلوب مقبل هنا ليحصل متابعة للوليد بن مسلم. (1/282) والجواب، وبالله التوفيق: إن هذا الكلام إنما هو في اعتماد خط من تروي عنه وتعرف خطه، فتروي عنه اعتماداً على خطّه وعلى معرفتك للخط أنه خطه، ولا ننازع في جواز الرواية مع الوثوق بأنه خطّه. وإنما النزاع في قبول الرواية مع احتمال أنه لم يعرف الخط معرفة تامة وأنه كتب له خط قريب من خطّه فظنّه خطه. واحتمال أنه لم يعرف الخط أصلاً أنه خطّه وإنما أخبره الرسول أنه خطه فوثق به فرواه اعتماداً على خبر الرسول لا على معرفة الخط. وحينئذ يكون الرسول واسطة في السند فإذا حذف كان السند منقطعاً. أما مسألة قول الأوزاعي: « كتب إلي قتادة » فلا بد أن الكاتب غيره ولم يذكر الكاتب ولا الرسول، فقد انقطع السند بلا إشكال. (1/283) الجواب: إن الروايات التي بغير لفظ رواية: لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [ أقوى وأقرب للرواية المشهورة الأصلية التي هي رواية الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وكونه ليس اضطراباً لا يفيد لأنه أشد من الاضطراب بالنسبة إلى اللفظ الغريب. (1/284) قال مقبل: ( 7 ): الإدراج، الأصل عدم الإدراج حتى تقوم بيّنة على الإدراج. (1/285) وأما قوله: « وشواهد هذه الجملة ـ وهي لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ـ كثيرة »، فغير مسلم فإن أراد أن لها شواهد بهذه الصورة فلا نسلم وجود شيء أصلاً، وإن أراد الرواية المستقلة التي سبق ذكرها في ( ص 131 ) في أول النوع السابع فليست كثيرة. ومع ذلك لا تخرج هذه الزيادة التابعة لحديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عن الشذوذ لأن تلك رواية مستقلة، وهذه زيادة ملصقة ملحقة خالفت بالإلصاق والإلحاق جميع الروايات المعروفة، فظهر أنها مدرجة. (1/286) والجواب: إنه ذكر رواية الحاكم وهي رقم ( 28 في صفحة 74 ) من كتاب مقبل أسندها عن محمد بن أبي السري العسقلاني قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان، ما لا أحصي، صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وذكر أنه قال الحاكم: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات وأنه أقره الذهبي. ثم قال: قال الزيلعي في نصب الراية ( ج 1 ص 351 ) وهو معارض بما رواه ابن خزيمة في مختصرة(1)[149]) أما معجم الطبراني فهو فيه ( ج 1 ص 255 ) وليس فيه ذكر الصلاة، فلا تعارض لأنه محمول على غير الصلاة جمعاً بين الروايتين، مع أنه من طريق عبدالله بن وهيب الغزي عن محمد بن أبي السري، وعبدالله بن وهيب هذا لم أجد له ترجمة فهو مجهول والله أعلم. والطبراني في معجمه عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسن، عن أنس أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يسر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ في الصلاة وأبو بكر وعمر. وفي الصلاة زادها ابن أبي خيثمة.
المؤلف : العلامة بدر الدين الحوثي
المحقق : السيد جعفر الحسيني
بالتعاون مع رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية
الناشر : المجمع العالمي لأهل البيت(ع) ـ قم
الطبعة : الأولى
المؤلف:…العلامة بدر الدين الحوثي
المحقق:…السيد جعفر الحسيني
بالتعاون مع رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية
الكتاب:…تحرير الأفكار
المؤلف:…العلامة بدر الدين الحوثي
المحقق:…السيد جعفر الحسيني
الناشر:…المجمع العالمي لأهل البيت(ع) ـ قم
الطبعة:…الأولى
المطبعة:…أمير
سنة الطبع:…1997م ـ 1417هـ
الكمية:…3000
«حقوق الطبع محفوظة»
قم، ص. ب 837 ـ 37185، ت 3 ـ 740771
مقدمة المجمع
تتعرض الأمة الإسلامية إلى مؤامرة وهجمة استكبارية واسعة، إذ لا زالت مقومات حضارتها هدفاً تأريخياً لأعدائها الذين لم يتركوا وسيلةً تحطّ من شأن الأمة وقيمتها إلا وتوسّلوا بها، سعياً منهم إلى تركيعها والقضاء عليها.
ولقد سعى الاستكبار بكل ما أوتي من قوة إلى تحريف وتخريب أهم حصونها المنيعة، وهو بناؤها العقائدي وكيانها الروحي، وإن كان أفلح يوماً في إبعاد بعض شرائح الأمة عن مسار حركتها الرائدة إلى متاهات الضياع والتيه، فإنه سيفشل حتماً في سعيه، وستنهار كل محاولاته الراميه إلى حرف الأمة عن دربها الأصيل الذي ابتدأه رسولنا العظيم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وأكمله الأئمة الراشدون من أهل البيت(عليهم السلام) ( والله متم نوره ولو كره المشركون ).
والعجيب أن تعود بعض الأبواق المنحرفة والوجودات المشبوهة، إلى لعب الدور نفسه، فتثير الفرقة في وقت تحتاج فيه الأمة إلى الوحدة، وتنشر التخلّف في وقت تطمح فيه الأمة إلى النهوض والتقدم !
إن علماء الأمة الإسلامية ومفكريها وحملة الرسالة فيها لَيقع على عاتقهم أمر التصدي لهذه المؤامرات والمكائد، فهم أمل الأجيال المتطلّعة والمقصد الواثق للخطى المتعثّرة.
والمجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) وهو أحد منابع الضوء في مسيرة الأمة الإسلامية المعاصرة، يرى أن من مهماتهِ الأساسية التصدّي للأدوار المشبوهة والتخريب المتعمّد في البناء الفكري والعقائدي للأمة الإسلامية، وهو إذ يقدم هذا الكتاب القيّم لمؤلّفه العلاّمة بدر الدين الحوثي، يؤكد حقيقةً مهمة ; هي أن علماء الأمّة الأمناء لم يفرّطوا بموقف ولم يتخلّفوا عن مواجهة.
إن هذا الكتاب يمتاز بأمرين أساسيين هما: موضوعية الحوار، وواقعية البراهين، بعيداً عن أسلوب التعسّف والاضطهاد في مواجهة الفكرة وبعيداً عن التعصب المرفوض في المناظرات العقائدية والمواجهات الفكرية.
إنه كتاب يعتمد الحقيقة بكل أبعادها، لم يزلزلها الانفعال، ولم يطمسها التحيّز.. ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ).
والحمد لله رب العالمين
المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت «ع»
الحمد لله رب العالمين، القائل في الكتاب المبين: ] إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين [(1)[1]) وأشهد أن لا إله إلا الله، سميع الدعاء، الذي يستحق العبادة، ويضاعف الجزاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله بالهدى، اللهم صلّ وسلّم عليه وعلى آله، الذين هم كسفينة نوح، من ركب فيها نجا...
أما بعد:
فقد تحركت الهمم، واستيقظ النائمون، لمّا سمعت الفرقة الناجية والعصابة الهادية بما يحاك ضد الحق وأهله، فقام العلماء للإرشاد والتعليم، وجدَّ الطلاب في التعلم وطلب التحقيق، بحركة من الفريقين زائدة على العادة، واهتمام لكشف كيد الأعداء، وذلك لما انتشرت في البلاد كتب المخربين، وظهرت مكائد المفسدين ومن ذلك كتاب مقبل المشتمل على ثلاثة كتب: الرياض والطليعة، والرسالة الداعية إلى تخريب قبة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
__________
(1) سورة المؤمنون: الآية 30.
وأرجو ممن اطلع على أحد بحوثه أن لا يعجل بالاعتراض قبل النظر في بقية الكتاب. وهذا أوان الشروع وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
قال مقبل ( ص 2 ): وأغلب هؤلاء المفتين أعرفهم ليسوا من أهل العلم، فهم لا يعرفون الصحيح من السنة من السقيم.
والجواب: أن أصل الفتوى وابتداءها من السيد علي بن هادي الصيلمي، وكان يصلي في بلده إماماً، فسأله سائل في مسألة الضم والتأمين لتحريك الجدل في المسألتين، فأجاب بمذهبه، واعترضه مقبل وأكثر من تخطئته، وأجاب السيد علي بن هادي ثانياً عن مقبل لدفع اعتراضه، وأضاف إلى جوابه توقيعات من علامة العصر ـ شيخ الإسلام العابد الزاهد ـ علي بن محمد العجري، والأخ العلامة العابد عبد العظيم بن حسن الحوثي وغيرهما، كما يأتي ذكره، وقصد السيد علي بن هادي تقوية جوابه، وعند ذلك لاحت الفرصة لمقبل لسب علماء الزيدية ومحاربة علومهم، فجاءت كتبه الثلاثة المذكورة مطبوعة مظنة الانتشار بسبب طبعها، مما حرك الهمة للجواب عنه.
بيان فساد تجهيل مقبل للعلماء
فقوله: « ليسوا من أهل العلم » بناه على أصله الفاسد في دعوى أن العلم هو تقليد أسلافه الذين هم ابن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، وتلاميذه وأتباعهم، فمن كان متبعاً لهم في الجرح والتعديل وتصحيح الحديث وتضعيفه فهو عند مقبل وأشباهه عالم، ومن لم يكن على طريقتهم فليس بعالم، وذلك لاعتقاد مقبل أنه لا سبيل إلى معرفة السنة والتمييز بين الصحيح والسقيم إلا تقليدهم، فمن قلدهم في ذلك فهو العالم عند مقبل وأصحابه، وهو عندهم مجتهد غير مقلد، ومن لم يكن على طريقتهم فهو عند مقبل جاهل بالسنة، لأنه قد عدل عنده عن طريق المعرفة. ونحن لا نوافقه على هذه الدعوى، لأنها أساس الباطل، وزمام الضلال، وليست طريق المعرفة بالحق، بل هي طريق التورط والعمى عن الهدى ] كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين [(1)[2]).
__________
(1) سورة الأنعام: الآية 71.
فإن قلت: أنا قلّدت ابن المبارك وابن القطان وأتباعه لأنهم علماء السنة.
قلنا: إن السنة المطلوبة حقاً هي سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي جاء بها، فعلماء السنة الحقيقيون هم أهل الحق في التمييز بين ما جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وما هو مكذوب عليه، والتمييز بين من يستحق الجرح ومن يستحق التعديل.
ألا ترى أنك لا تعتبر أمثال: جابر الجعفي، ويزيد بن أبي زياد علماء السنّة، لأنهم عندك مخالفون للحق ؟ وحديثهم بعضه عندك غير صحيح فلا يجوز عندك اتباعهم وإن كان عندهم حديث كثير جداً فهو لا يفيد أن يسموا عندك علماء السنة. وكذا عمرو بن عبيد، وإبراهيم بن أبي يحيى المدني وأشباههم، فلا يفيد ما عندهم من الحديث الكثير، وإن ادعوا أنه السنة، فلا يجب عندك تصديق دعواهم، ولا يعتبرون علماء السنة عندك، وهكذا علماء الحديث من الشيعة والمعتزلة، فهم لا يعتبرون عندك علماء السنة يجب اتباعهم لأجل هذا الاسم. فظهر أن أهل السنة هم أهل الحق، وأنك جعلت علماء السنة هم: ابن المبارك، وابن القطان، وأحمد، ويحيى، والبخاري، ومسلم وأتباعهم، لزعمك أنهم أهل الحق، لا لمجرد جمع الحديث والكلام على الرجال. ألا ترى أن الكلام على الرجال بغير حق لا يصير به الرجل من علماء السنة ؟
فتحصل أنك ترى أئمتك هم أهل الحق، وأنك جعلتهم علماء السنة دون غيرهم لهذا المعنى.
فإن قال مقبل: هذا لا يجوز على يحيى القطان وابن معين وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني وأتباعهم، بل هم أهل الحق.
قلنا: من أين علمت أنهم أهل الحق ؟ أمن كتاب الله ؟ أم من سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فإن قال: من كتاب الله، قلنا: هات الحجّة من كتاب الله، ولن تجدها أبداً. وإن قال: من سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قلنا: ليس ذلك في حديث متواتر معلوم، أو مجمع عليه، أو في حديث أهل البيت وشيعتهم، أو في حديث يثبت بحجة صحيحة بدون تقليد لأسلافك، فمن أين يثبت أن الحق معهم في أصول الحديث وقواعد الجرح والتعديل والتمييز بين الرواية المنكرة وغيرها ؟ ومن أين يعلم أن كل واحد منهم على الحق في ذلك ؟
قلنا: هذا غير صحيح، ولو كان في حديثهم ذلك لما قامت به حجّة، لأنه يكون قبوله مبنياً على أنهم على الحق في تصحيح ما صححوه، وجعلهم أهل الحق مبني على تصحيح ما رووه، وذلك دور لا يصح ما يبنى عليه، لأن مرجوعه إلى الاستدلال على صحة الدعوى بالدعوى، وذلك يدل على أن ليس عندك إلا التقليد الأعمى، فكيف تنزل عن تقليد أولئك إلى تقليد الذهبي وابن الجوزي في قبول أقوالهم في الجرح والتعديل، وهما مبتدعان داعيان إلى بدعتهما ؟ وهب أنك لا تدري من هو المبتدع، ومن العامل بكتاب الله وما جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أفلا يكفيك تجويز الخطأ عليهما، وتجويز أن يكونا مبتدعين داعيين إلى بدعتهما ؟
فإن قلت: لا يجوز ذلك عليهما، رجع السؤال الأول. فقلنا: هل دل على ذلك الكتاب ؟ هل دلت على ذلك السنّة المحكمة الثابتة بدون تقليد لهما ولأسلافهما ؟ أم أنت مقلد في الأصل والفرع ؟ ومع ذلك تعيب التقليد وتحتج لإبطاله بالآية القرآنية، وأنت مرتبك في التقليد.
يا أيها الرجل المعلم غيره***هلا لنفسك كان ذا التعليم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيّها***فإذا انتهيت إذاً فأنت حكيم
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم
قال مقبل: « خطر الفتوى بغير علم » وأورد بحثاً في التحذير من ذلك، ثم جعل يعرض بالمفتين يزعم أنهم أفتوا بغير علم ويقول: « وقد يكون سبب الفتوى بغير علم خشية المزاحمة على الدنيا ».
والجواب: أنهم لو كانوا ممن يبيع الدين بالدنيا لعلموا من أين تؤكل الكتف، وليس بينهم وبين الدنيا إلا أن يغيروا المذهب، ويخدموا أغراض الملوك، ويدعوا الناس إلى ما يوافق أهواء الملوك، ويفدوا إليهم، ويخالطوهم ويتقربوا إليهم، فتأتي الأموال الكثيرة والمناصب الدولية العالية. ولكن حاشاهم أن يختاروا ذلك، والله تعالى يقول: ] تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين [(1)).
ولقد أفرط مقبل في بحثه هذا، حيث يعرض بالعلماء ويعرض برميهم بالكبر، وبأنهم أشباه إبليس، وبالحسد، وأنهم أشباه أهل الكتاب، والله تعالى يقول: ] ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [(2)) ويقول سبحانه وتعالى: ] وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [(3)) صدق الله العليّ العظيم.
قال مقبل: التحذير من قبول الفتاوى الجائرة بدون دليل من الكتاب والسنّة، قال الله سبحانه حاكياً عن بعض المقلدين على الضلال: ] يوم تقلّب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا * وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيلا [(4)).
ثم بعد ذكر آيات قال مقبل: وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات وجدت أن التقليد الأعمى من الشيطان ليصدالناس عن الكتاب والسنّة.
__________
(1) سورة القصص: الآية 83.
(2) سورة ق: الآية 18.
(3) سورة الشعراء: الآية 227.
(4) سورة الأحزاب: الآية 67.
مقبل يعيب التقليد وهو مقلد
قال مقبل: سوء عاقبة التقليد الأعمى، قال الله تعالى: ] أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون [(2)[8]) الآيات، ثم أنشد:
ما الفرق بين مقلد في دينه***راض بقائده الجهول الحائر
وبهيمة عمياء قاد زمامها***أعمى على عوج الطريق الجائر
والجواب: قد بيّنا أنك مقلّد تقليداً أعمى، فانظر ما هو الجواب ؟ واسأل نفسك أولاً، لأن المهم في علم الحديث هو التمييز بين الصحيح والسقيم والمعلول والسليم، وأنت في ذلك مقلّد لسادتك البخاري ومسلم والذهبي وأضرابهم، وهكذا تعيب التقليد وأنت مرتبك فيه.
قال مقبل في ( ص 112 ): ومن الذي يقبل من العلماء: قال فلان بدون دليل ؟.
والجواب: أنه من هذا القبيل، تعيب التقليد وأنت في وحل عميق منه يا مقبل ! ومثل هذا إنكارك للمراسيل.
* * *
__________
(1) صحيح البخاري: كتاب النكاح، الحديث 4818.
(2) سورة الزخرف: الآية 21.
في الجرح والتعديل
قال مقبل ( ص 111 ) وما بعدها ما لفظه: وهو ينقل لنا من الشفاء وغيره من الكتب التي ليس لها أسانيد، لأنه لا يعلم أن أئمتنا أهل السنّة كعبد الله بن المبارك، وشعبة بن الحجاج، وأحمد بن حنبل، والبخاري لا يقبلون الحديث إلا بإسناد، ثم ينظرون في ذلك الإسناد، أرجاله ثقات ؟ وهل هو متصل ؟ وهل هو سالم من العلة والشذوذ ؟ ورحم الله ابن المبارك إذ يقول: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. فهؤلاء هم أئمتنا، وهم قدوتنا، وعلى حبّهم وسلوك طريقهم نحيا ونموت إن شاء الله.
والجواب: إنك تقبل المراسيل في الجرح والتعديل، وعليهما ينبني إسقاط الرواية وتصحيحها، لأن السند للحديث إذا لم يعرف رجاله لا يكون حجّة، وإذا كان لا يثبت إلا بالسند، فكذلك الجرح والتعديل لا يثبتان إلا بالسند، لأنه يحتمل أن يكون غير صحيح. فقد وقعت فيما تعيبه من حيث التقليد ومن حيث قبول المرسل. مثال ذلك في ( ص 180 ): « والآن أذكر لك كلام المحدثين في أبي خالد، حتى يظهر لك رميه للمحدثين بما لم يقولوا، وحتى يتضح لك أن العمل بالأحاديث الموجودة في المجموع مشكل جداً، حتى يعلم من خرجه من علماء الحديث، قال الذهبي(رحمه الله) في ميزان الاعتدال: عمرو بن خالد القرشي، كوفي أبو خالد، تحول إلى واسط، قال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن له تحول إلى واسط. وقال معلى بن منصور: عن أبي عوانة، كان عمرو بن خالد يشتري الصحف من الصيادلة ويحدث بها ».
فأخبرنا: أين إسناد هذا الجرح وما صحته ؟ فقد جمعت بين التقليد تارة في موضع، وقبول المراسيل تارة أخرى في موضع آخر، وتارة تجمع بين الأمرين في موضع واحد.
قال محمد بن إبراهيم الوزير في الروض الباسم ( ص 77 ): « ومن لطيف هذا الباب أن يعلم أن لفظ كذاب قد يطلقه كثير من المتعنتين في الجرح على من يهم ويخطئ في حديثه، وإن لم يتبين أنه تعمّد ذلك، ولا تبين أن خطأه أكثر من صوابه، ولا مثله. ومن طالع كتب الجرح والتعديل عرف ما ذكرته، وهذا يدل على أن هذا اللفظ من جملة الألفاظ المطلقة التي لم يفسر سببها » انتهى المراد.
من أمثلة ذلك: قولهم في مينا الذي روى عن ابن مسعود قال: « كنت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليلة وفد الجن، فتنفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقلت: ما شأنك ؟ قال: نعيت إلي نفسي يابن مسعود، قلت: فاستخلف، قال: من ؟ قلت: أبو بكر، فسكت ـ إلى قوله ـ: قلت: علي بن أبي طالب، قال: والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين »(1)[9]).
قال ابن الجوزي في كتابه(2)[10]): « موضوع، والحمل فيه على مينا، وهو مولى لعبد الرحمن بن عوف، وكان يغلو في التشيع، قال يحيى بن معين: ليس بثقة، ومن مينا الماص بظر أمه حتى يتكلم في أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ وقال أبو حاتم الرازي كان يكذب... ».
فمينا عندهم كان يكذب لروايته هذا الحديث، وليس بثقة لأجل ذلك، وهذا الحديث عندهم موضوع لأنه رواه مينا. وهكذا يجرحون الشيعة بالروايات التي ينكرونها، وإذا كان ذلك لهم لأجل مذهبهم، أفلا يكون للشيعة أن يجرحوا في رواة فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومعاوية بمجرد روايتها، ولو لم يكن سبب آخر ؟ فما لك يا مقبل جمعت جملة مما تزعم أنه موضوع أو ضعيف من أحاديث شيعة علي(عليه السلام)، ولم تنقل مثله من أحاديث شيعة عثمان في فضائل أئمتهم ؟
إن كنت تريد التحذير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة وأنت تقول في ( ص 144 ): ولقد عظمت المصيبة، واشتد خطر ما حذرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من الكذب عليه، حتى أصبحت الأحاديث المكذوبة بضاعة كثير من الواعظين وغيرهم من المتمذهبين، لا سيما في باب المناقب، فقد توسع الناس في ذلك حتى أفضى إلى تضليل كل طائفة الأخرى.
__________
(1) راجع: مجمع الزوائد للحافظ نور الدين 5 / 185. ط. القدسي ـ القاهرة. وتاريخ دمشق لابن عساكر 3 / 72. ط. دار المعارف ـ بيروت. وبحار الانوار للمجلسي 38 / 138، ح 79.
(2) 10]) الموضوعات.
فإن قلت: إن العثمانية أهل صدق وليس لهم مثل رواة الشيعة.
قلنا: هذه دعوى يكذبها البحث، وإذا كان جهلك قد بلغ بك هذا الحد، فإن غيرك لا يجهل، فقد جمع بعضهم في هذا المعنى جمعاً كبيراً، وقد قال ابن حجر ولم ينصف في لسان الميزان ( ج 1 ص 13 ): وأما الفضائل فلا تحصى، كم وضع الرافضة في فضل أهل البيت وعارضهم جهلة أهل السنة بفضائل معاوية بدءاً وبفضائل الشيخين... الخ.
وقلت: لم ينصف، لأنه نسب الوضع إلى الروافض على مذهبه عموماً، وإلى جهلة أهل السنة على مذهبه خصوصاً، وجعل ابتداء الوضع من الروافض، ولسنا نقلد في هذا ـ أي في الجرح برواية ما يخالف المذهب ـ ولكن ينظر إلى وجه وقعت عليه الرواية يدل على تعمد الكذب أو يوجب التهمة بذلك، ولكن أردنا أن ما صنعته العثمانية بالشيعة لا تعجز الشيعة أن تصنع مثله بالعثمانية. ويترتب على ذلك تعديل عدد ممن جرحتهم العثمانية من الشيعة، وجرح عدد ممن وثقهم العثمانية من رواتهم، بروايتهم ما هو عند الشيعة مناكير لا يشهد لها الكتاب ولا سنّة معلومة، ويترتب على ذلك سقوط روايات كثيرة وثبوت روايات كثيرة.
وبهذا يظهر لمن أنصف أن قبول الجرح المطلق، والتوثيق بدون نظر في حجة ذلك تقليد، وأنه ليس من قبول الرواية التي لا تحتاج إلى المطالبة بحجة، لأن أكثر التوثيق للرواة ليس إلا بالنظر في حديثهم، فإذا كان سليماً من المناكير، سليماً من التخليط، سليماً من الكذب عندهم، وثقوهم، وإذا كان الراوي ينفرد بروايات عن المشاهير، أو يخالف حديثه حديث الثقات، أو يروي منكراً عندهم لا يتابع عليه، جرحوه. ومن طالع كتاب ابن حبان في الضعفاء، والميزان، وكتاب الجرح والتعديل ـ لابن أبي حاتم ـ عرف هذا، وعرف أن الجرح بترك الصلاة أو شرب الخمر أو نحو ذلك ـ مما لا تختلف فيه المذاهب ـ نادر، وأن التوثيق بما هو مجمع عليه بين الأمة قليل، فأكثر الجرح والتعديل بمنزلة فتوى من الجارح والمعدل، ومذهب له ليس من قسم الرواية لما لا تختلف فيه المذاهب، وقبوله بدون اعتماد حجة تقليد لا عمل بالرواية، وكذلك تصحيح حديث أو تضعيفه كالفتوى، لأنه تابع للمذهب في الرواة، فقبول التصحيح والتضعيف بدون اعتماد على حجّة تقليد.
فإن قلت: إنهم يحتجّون للجرح بأن يقولوا: يروي المناكير أو نحو هذا، فكيف يكون قبول الجرح تقليداً ممن قد اطلع على هذه الحجّة ؟
قلنا: إن كون الحديث منكراً يحتاج إلى بيّنة، لأنه قد يكون منكراً عند الجارح وليس منكراً في الواقع، وقد يكون انفراده عن بعض المشاهير لسبب واضح وعذر مقبول، وقد تكون مخالفته لحديث الثقات لأنه هو الثقة، وإنما خالفوه تعصباً لمذهبهم في مسألة قد اتضح أنها من أسباب التعصب، فليسوا ثقاتاً في الواقع وإن كانوا ثقاتاً عند الجارح، فقبول قول الجارح: إنه يروي المناكير تقليد له في معنى المنكر، وفي أن الانفراد بالرواية عن المشهور قادح مطلقاً، أو في أن هذا الراوي يجرح بتفرده، لأنه ليس له عذر في ظن الجارح، أو لأنه يبغضه فلا ينتبه لعذره.
وقبول قوله إذا قال: « لا يتابع عليه » تقليد، لأنه قد يكون له متابع، لكنه لم يطلع على روايته المتابعة، أو لم يعتبره شيئاً لفرط ضعفه عنده، أو لسقوطه، وليس ضعيفاً ولا ساقطاً في الواقع، أو ظنّه سرق الحديث وليس سارقاً، وإنما ساء ظنّه فيه لأنه شيعي روى بعض الفضائل مثلاً، فلم يعتبر روايته متابعة للراوي الآخر، فقبول قوله: « لا يتابع عليه » تقليد.
رجال الحديث والجرح والتعديل
فقد بان أن هذه الاحتجاجات الصورية إنما هي دعاوى، وأن قبولها تقليد إذا لم يكن عن دليل يدل على صدقها. وقد أشار الذهبي إلى أن هذا نظري اجتهادي، حيث قال في ترجمة ـ أبان بن حاتم الأملوكي ـ في الميزان، فيما حكاه ابن حجر عن الذهبي في لسان الميزان ( ج 1 ص 9 ) ولفظه: « كما إذا قلت: صدوق، وثقة، وصالح، وليِّن، ونحو ذلك، ولم أضفه إلى قائل فهو من قولي واجتهادي... ». فصرح بأن ذلك اجتهاد. وكذلك أشار ابن حجر في ( لسان الميزان ) أيضاً ( ج 1 ص 14 ) فقال: قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلّته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلاً مقبول الرواية، إذ الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة، حتى يتبين منهم ما يوجب القدح. هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها.
قال ابن حجر: « وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان ـ من أن الرجل إذا انتفت عنه جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه ـ مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مساك بن حبان في ( كتاب الثقات ) الذي ألّفه... ». فسمّاه مذهباً ولم يجعله رواية.
وكذا قال في إسماعيل بن محمد بن جحاده ( ج 1 ص 128 ):كان يحيى بن معين سيئ الرأي فيه. وكذا قال في بقية: وكان يحيى بن معين حسن الرأي فيه.
ومما يدل على أنه يكون رأياً واجتهاداً عندهم ما تكرر من ابن حبان في جرح الرواة، من نحو قوله: فحش المناكير في أخباره التي يرويها عن الثقات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها... ». فمعنى هذا الترجيح والاجتهاد أنه يتعمد الكذب.
وأشار الترمذي إلى أن الخلاف في الرجال خلاف مذاهب لا خلاف رواية، حيث قال في كتاب ( العلل ) الملحق في آخر ( جامع الترمذي ) ( ج 10 ص 514 ) من تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. ولفظه: « وقد اختلف الأئمة في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم... ».
وفي حاشية ( كرامة الأولياء ) في شرح حديث عفيف الكندي ما لفظه: وها هنا مهمة ذكرها الزركشي حيث قال ما معناه: اختلف أئمة النقل في الأكثر، فبعضهم يوثق الرجل إلى الغاية، وبعضهم يوهيه إلى الغاية، قال الترمذي: اختلف الأئمة في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم، وحينئذ فلا يكون إمام منهم حجة على الآخر في قبول رواية راو أو رده، كما لا يكون قول البعض حجّة على بعض في الاجتهاديات، لأن في الجرح والتعديل ضرباً من الاجتهاد ـ إلى أن قال ـ: انتهى معنى كلام الزركشي.
فقوله: « بطريق نظرية استدلالية » يفيد أن الجرح يكون رأياً ومذهباً لا رواية خالصة، فالاتباع فيه بدون حجّة هو تقليد لا مجرد قبول رواية.
وأشار ابن الوزير إلى هذا المعنى أيضاً، حيث قال في ( الروض الباسم ) في سياق الذب عن أبي حنيفة وردّ قول المعترض « أنه قد رمي بالقصور في علمي العربية والحديث » فأجاب في ذلك وذكر: أنه يقبل المجهول، وبيّن وجه ذلك في ( ص 151 و 152 ) ثم قال: المحمل الثاني: أن يكون ضعف أولئك الرواة الذين روى عنهم مختلفاً فيه، ويكون مذهبه وجوب قبول حديثهم وعدم الاعتداد بذلك التضعيف، إما لكونه غير مفسّر لسبب أو لأجل مذهب أو غير ذلك. وقد جرى ذلك لغير واحد من العلماء والحفاظ، بل لم يسلم من ذلك صاحبا الصحيح، كما قدمنا ذلك، وكذلك أئمة هذا العلم....
فأشار بقوله: « إما لكونه غير مفسّر لسبب » أنه يكون الخلاف فيما يعد سبباً للجرح، فيكون سبباً عند الجارح، وهو غير سبب عند غيره، فلا يقبل الجرح المطلق مع هذا الاحتمال.
قلنا: وكذلك أكثر كتب الحديث، وإن التزم مصنفوها الصحة، فللناظر من العلماء أن يعمل فيها باجتهاده، لأن أكثرها أو الكثير من حديثها محتمل الخلاف بواسطة الخلاف في رجال السند، والخلاف في وجوه الترجيح، وإن كانت مما ادعي الإجماع على صحّته، فهذه الدعوى ليست مستندة إلى ما يعلمه المدعي بالضرورة، لأن مدعي الإجماع لم يسمع كل واحد من الأمة يصحح ذلك. ولا يخفى هذا على منصف، بل هذه الدعوى مبنية على نظر واستدلال يمكن معارضته بنظر واستدلال، فالاتباع في الدعوى هذه تقليد، لأنها مبنية على اجتهاد، لا مستندة إلى مشاهدة أمر محسوس. وقد مرّ كلام ابن الوزير في الذب عن أحمد بن حنبل، حيث قال ابن الوزير: « إن العدد الكثير قد يغلطون... » فهو يصلح جواباً عليه في دعواه الاجماع على الصحيحين، استناداً إلى قول من يدعي الإجماع.
فالجواب: أن دعوى الإجماع لم تستند إلى مشاهدة أمر ضروري، فالمدعون يمكن غلطهم باستنادهم إلى قرائن ظنّوا أنها تدل على الإجماع، وهي في الواقع غير صحيحة، فلا يلزم غيرهم قبول دعواهم ما لم يترجح عنده مثل ما ترجح عندهم، ويؤديه اجتهاده إلى مثل ما أداهم إليه اجتهادهم.
العلماء والجرح المطلق
وقال في ( ص 87 ) في الجرح المطلق الذي لم يبين فيه سبب الجرح: « والصحيح عند المحققين أنه لا يجرح به، لاختلاف الناس في الأسباب التي يجرح بها، وتفسير جماعة من الثقات ما أطلقوه من الجرح بأمور لا يوافقون على الجرح بها...».
فبيّن أن هذا يكون فيه الخلاف باختلاف المذاهب، فإن اتباع الجارح من دون مطالبته بحجّة تقليد، وكذلك التعديل ممن لا يعرف مذهبه في العدالة، ومن هو مخالف فيما يعدل به، لأنه يؤخذ في معنى العدالة السلامة مما يجرح به، فإذا اختلف فيما يجرح به فقد اختلف في معنى السلامة مما يجرح به، فيكون قد وقع الخلاف في العدالة تبعاً للخلاف في الجرح.
ومما يدل على صحة اختلاف العلماء في الجرح والتعديل، تبعاً لاختلافهم في الرأي، أن ابن حبان وأبا حاتم الرازي اختلفا في حديث سدير الصيرفي.
فقال فيه ابن حبان، في كتاب المجروحين ( ج 1 ): سدير بن حكيم الصيرفي: من أهل الكوفة يروي عن محمد بن علي، روى عنه الثوري، منكر الحديث جداً على قلّة روايته، كان ابن عيينة يقول: رأيته وكان كذاباً....
فانظر كم بين القولين ! ذاك يقول: منكر جداً، وهذا يقول: صالح. فدل ذلك على اعتماد الرأي.
وقال ابن الأمير في كتابه توضيح الأفكار ( ص 64 ): ونقل العماد بن كثير أيضاً أن ابن حبان وابن خزيمة التزما الصحة وهما خير من المستدرك بكثير، وأنظف إسناداً ومتوناً. وعلى كل حال فلا بد للمتأهل من الاجتهاد والنظر، ولا يقلد هؤلاء ومن نحا نحوهم، فكم حكم ابن خزيمة بالصحة لما لا يرتقي عن رتبة الحسن، بل فيما صححه الترمذي من ذلك جملة، مع أنه يفرق بين الحسن والصحيح....
قال محمد بن إبراهيم في تنقيح الأنظار الذي عليه شرح ابن الأمير توضيح الأفكار ( ص 62 ): قال زين الدين ما معناه: ما نص على صحته إمام معتمد كأبي داود والنسائي والدارقطني والخطابي والبيهقي في مصنفاتهم المعتمدة فهو صحيح، إلى أن قال في ( ص 68 ): قال زين الدين: وكذلك يؤخذ مما يوجد في المستخرجات على الصحيحين. إلى أن قال ابن الوزير: قلت: وهذا كله إنما اشترط في حق أهل القصور عن بحث الأسانيد ومعرفة الرجال والعلل عند من يشترط معرفتها، وأما من كان أهلاً للبحث فله أن يصحح الحديث متى وجد فيه شرائط الصحة المذكورة في كتب الأصول وعلوم الحديث، ولا يجب الاقتصار ـ أي على تصحيح الأولين ـ إلا على رأي ابن الصلاح، وهو مردود كما سيأتي، بل لا يكون مجتهداً متى قلّد على الصحيح، كما سيأتي الكلام على المرسل.
وهذا يفيد الإقرار بأن مسألة التصحيح ونفي الصحة مسألة رأي واجتهاد في الأصل، وأن الاتباع في ذلك بدون اعتماد على حجّة تقليد.
وقد خالف هذا ابن الوزير في (ص 78 ) ولكن كلامه السابق يفيد الإقرار بأنه اجتهاد. فاعتماده بدون حجة تقليد.
وقال ابن الأمير في شرحه ( ص 79 ) حاكياً عن ابن حجر ما لفظه ـ وتبعه في ذلك الشيخ سراج الدين النحوي فالحق في كتابه ما صورته ـ: « هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظاً وشرط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك....
وقال ابن الأمير في توضيح الأفكار ( ص 89 ): واعلم أنه قد قال ابن الهمام في شرح الهداية: « من قال اصح الأحاديث ما في الصحيحين ثم ما اشتمل على شرط أحدهما تحكم لا يجوز التقليد فيه، إذ الأصحية ليست إلا لاشتمال رواتهما على الشروط التي اعتبراها....
فجعل هذا رأياً لا رواية، وجعل اتباعه بدون حجّة تقليداً.
قال ابن الوزير في « تنقيح الأنظار » في منع قبول المراسيل وذلك في ( ص 304 ): وقد يروي عن المجروح متقوياً به وهو معتمد في العمل على عموم أو قياس أو على الأصل، ولو لم يكن معه إلا الحديث الذي رواه لم يستجز العمل، أقصى ما في الباب أن تجويز هذا ضعيف عند الناظر فيه، لكنّا قد رأينا العلماء والثقات يذهبون إلى مذاهب ضعيفة، ولأجل تجويز ذلك عليهم امتنع جواز تقليد المجتهد لهم بعد اجتهاده....فسمى العمل بالمرسل ـ بفتح السين ـ تقليداً للمرسل ـ بكسر السين ـ. واعترضه الشارح ابن الأمير في ( ص 305 ) بأنه قد تقدم له أن قبول خبر الثقات ليس بتقليد.
والجواب: أن حقيقة التقليد هو اتباع الغير من دون اعتماد على حجّة، فأما قبول الرواية فلا يسمى اتباعاً له، إنما يسمى قبولاً لخبره أو تصديقاً. والفرق بينهما من جهة المعنى، أن التقليد يكون اعتماداً على دعوى المتبوع المبنية على رأيه، أو ترجيحه، أو نظره، ومثل هذا لا يكفي فيه أن يكون المتبوع من أهل الصدق في الأخبار والحفظ، بل يحتاج إلى ترجيح إصابته في رأيه مع صدقه في الرواية.
أما قبول الخبر،فيكفي فيه أن يكون الراوي من أهل الصدق والحفظ، فحيث يقول الراوي: هذا حديث صحيح مع ذكره للسند، ونحن لا نعرف السند إلا بتصحيحه له، يكون كمن حذف السند وقال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأخبرنا أنه صح عنده سنداً ومتناً، فكيف يجب قبول الأول دون الثاني ؟ وكيف لا يكون اتباعه فيهما مع الجهالة بأصوله في التصحيح والجرح والتعديل تقليداً فيهما ؟ مع أن أكثرها نظريات تختلف فيها الأنظار، فإذا لم يجز قبول المرسل لاحتمال أن المرسل وثق بمن لا يوثق به عندنا، فكذلك تصحيح المسند الذي لا نعرف صحة سنده نحن، وإنما نعتمد على قوله إنه صحيح، لأن المعنى واحد فيهما.
قال ابن الأمير بعد هذا في ( ص 308 ): فإن قلت: قد تقدم للمصنف غير مرة أن قبول خبر العدل ليس تقليداً له. قلت: ذلك فيما إذا أخبر العدل عن غير إرسال، إذ هو الذي قام الدليل على قبول خبره كما عرفته.
إن قلت: هذا بعينه يجري في القدح المطلق والتعديل المطلق لاختلاف العلماء فيما يقدح به وفيما يشترط في العدالة، فقابل القدح المطلق والتعديل المطلق ينبغي أن يكون مقلداً لا مجتهداً، لأنه يبني اجتهاده على رأي غيره تجريحاً وتعديلاً. قلت: لا محيص عن هذا ويأتي بسطه في محله. انتهى كلام ابن الأمير في شرح تنقيح الأنظار.
ثم قال محمد بن إبراهيم في تنقيح الأنظار في تحقيق كلامه الماضي الذي ذكرناه آنفاً ما لفظه: وتلخيصه أن تصحيح الحديث أمر ظنّي نظري اجتهادي ولا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره في نحو ذلك....
وهذا هو ما نقوله، قد جاء به واضحاً وقصدنا الاحتجاج على الخصم، فأما نحن فالعمدة عندنا هو فهمنا لمعنى التقليد ومعنى قبول الرواية، والفرق بينهما في الحكم تبعاً لاختلاف المعنى كما قدمنا. وليس العمدة عندنا قول ابن الوزير ولا ابن الأمير.
وقال ابن الأمير في ( ص 333 ) من توضيح الأفكار: واعلم أنهم هنا لم يستدلوا لما ذهب إليه البخاري وغيره من شرطية اللقاء، ولا لما ذهب إليه مسلم من عدمه، وما كان يحسن إهمال الدليل مع نقل الأقاويل، وإلا كان تقليداً محضاً....
قلت: فكذلك مذاهبهما فيما هو البدعة، وما هو الحق، وما هو النكارة في الحديث، وما ليس نكارة، ونحو ذلك ؟ فلا بد من معرفة مذهبهما في ذلك، ومعرفة الحق فيه بالدليل... ثم البناء على ما اقتضاه الدليل، وإلاَّ كان تقليداً محضاً، فإن قال مقبل مقلداً لابن الأمير حيث قال في شرح تنقيح الأنظار ( ص 311 ): إن البخاري ـ مثلاً ـ ليس معه ـ في كون الرواة الذين لم يلقهم وهم شيوخ شيوخه عدولاً ـ إلا أخبار العدول بأنهم ثقات حفّاظ. فقبولنا لخبره بأن الحديث قد عدلت نقلته كقبوله لأخبار الثقات بأن الرواة الذين رووا عنهم حفاظ ثقات، فكما أنهم لا يجعلون البخاري مقلداً في التصحيح ـ مع أن عدالة من صحح أحاديثهم متلقاة عن أخبار من قبله ـ فكذلك نحن في قبولنا لإخباره بعدالة رواة الحديث الذي صححه.
والجواب: ان الإخبار إذا اعتُمد بدون حجّة فاعتماده تقليد كما حققنا فيما مر، فنسلم أنه لا فرق في كون قبُول التوثيق وقبول التصحيح كلاهما تقليد، لأن التوثيق والتصحيح كلاهما ينبني على نظر واجتهاد كما بيّناه، فلا فرق في أن اتّباعهما بدون حجّة تقليد.
هذا: والمقصود بيان الفرق من هذا الوجه بين البخاري ومسلم وأحمد وابن معين مثلاً وبين من قلّدهم. وبهذه الجملة يظهر لمن أنصف أن من يعمل بتصحيح الحديث أو تضعيفه بدون معرفة وجه ذلك وصحة الاعتماد على ذلك الوجه يكون مقلداً، فتبين صحة قولي لمقبل: إنه مقلد، وإنه يعيب التقليد وهو مقلد في إثبات صحّة أحاديث البخاري ومسلم وفي توثيق الرواة وضعفهم.
قال مقبل ( ص 5 ): « تحذير المستفتي من رد الحق إذا خالف هواه ». ثم ذكر قصة أهل الكتاب ومخالفتهم لما في التوراة من حد الزنى ونزول: ] يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر [(1)[11]) إلى قوله تعالى: ] يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا [(2)[12]) وذكر الآيات الثلاث في من لم يحكم بما أنزل الله، ثم قال: « فالأخذ بما يوافق الهوى من الفتوى صفة من صفات المنافقين ». ثم ذكر الآيات: ] ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم [(3)[13]) إلى آخر الآيات الخمس. ثم ذكر قول الله تعالى: ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم [(4)[14]) الآية. وقوله تعالى: ] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [(5)[15]) وفيها غلط في التلاوة بحذف الواو من أولها وقوله في آخرها: « ضلالاً بعيداً » مكان ] ضلالاً مبيناً [.
ونقول لمقبل: ما أحسن إيراد هذه الآيات والحث على العمل بها، لو لا أنه كلمة حق يراد بها باطل، وهو التعريض بأهل الحق، لكن قد علم الله من هو الذي يقبل الحق ولو خالف هواه، ومن الذي يخالف الحق إذا خالف هواه، فأنت تقبل شيئاً تدعي أنه حق وهو عندنا باطل، وترد شيئاً تدعي أنه باطل وهو عندنا حق، والدعاوي وحدها لا تفيد شيئاً، فالحكم لله العلي الكبير.
__________
(1) 11]) سورة آل عمران: الآية 176.
(2) 12]) سورة المائدة: الآية 41.
(3) 13]) سورة النور: الآية 47.
(4) 14]) سورة النساء: الآية 65.
(5) 15]) سورة الأحزاب: الآية 36.
فنقول: قد تنازعنا في اعتماد تصحيح البخاري ومسلم، واعتماد جرح الذهبي وابن الجوزي لمن جرحا من الرواة، وقد قررنا فيما مضى أن اعتماد أقوالهم بدون حجّة تقليد لهم. وأنت قد كنت سردت الآيات القرآنية في التحذير من التقليد، فما لك لا ترضى بالرد إلى الله في هذه المسألة التي تنازعنا فيها ؟ فتترك التقليد في التصحيح والتضعيف والجرح والتعديل، والله تعالى يقول: ] اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون [(2)[17]) فأي عذر لك في رد أحاديث فضائل أهل البيت تقليداً لابن الجوزي وأضرابه ؟ كما يأتي إن شاء الله تعالى. وأي عذر لك في الحكم لابن الجوزي وأضرابه بأنهم أهل الحق، فما صححوه فهو صحيح، وما ضعفوه فهو ضعيف، ومن وثّقوه فهو ثقة، ومن جرحوه فهو مجروح، حكماً بغير دليل من كتاب الله ولا سنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم).
فإن قلت: إنه لا بد من تقليدهم وإلاّ لزم ترك السنّة.
__________
(1) 16]) سورة النساء: الآية 59.
(2) 17]) سورة الأعراف: الآية 3.
فمنها: النظر في كتب المقالات التي تتبين منها مذاهب العلماء وعقائدهم، فهي تعين على معرفة أهل الحق وأهل الباطل. وقد جمع الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة جملة وافرة في ذلك في الجزء الأول من كتابه « الشافي ».
ومنها: النظر لمعرفة أهل الحق من الرواة، ومن هم أحق بالتعديل أو الجرح على طريق الإجمال، وذلك محقق في أوائل كتاب « الاعتصام » للإمام القاسم بن محمد، بدلائل واضحة مفيدة لطالب الحق.
ومنها: النظر في تاريخ الأمة وما جرى بين آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وغيرهم، وفي الجزء الأول من « الشافي » جملة مفيدة، وكذلك في « مقاتل الطالبيين » وغيرها.
__________
(1) 18]) سنن الترمذي: كتاب المناقب، الحديث 3718 و 3720، باختلاف يسير.
__________
(1) 19]) سورة الأعراف: الآية 3.
(2) 20]) مستدرك الصحيحين للحاكم 3 / 126 و 127 ط. حيدر آباد. وتاريخ بغداد للخطيب 11 / 49 و480. وبحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 10 / 120، ح 1.
(3) 21]) المستدرك للحاكم 2 / 343 وكنز العمال للمتقي الهندي 6 / 216 ومجمع الزوائد للهيثمي 9 / 168 وذخائر العقبى للطبري ص20 وتاريخ بغداد للخطيب 12 / 19 وبحار الانوار 23 / 120، الحديث 41. ونص الحديث عن أبي ذر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ومن تخلف عنها غرق ».
وهذا الاحتجاج يستدعي بسطاً وتحقيقاً، يأتي إن شاء الله تعالى. والغرض هنا التذكير بأنه يرمي غيره بدائه ويقول ما لا يفعل، كما أنه يعرض بخصومه أنهم مثل اليهود ومنافقون حيث يرميهم، أو يعرض بأن خصومه يقبلون من الفتوى ما وافق هواهم ويعرضون عما خالفه، فيقول في ( ص 5 ): « من الناس من يستفتي أهل العلم، فإن كانت الفتوى توافق هواه قبلها، وإلا أعرض عنها، وهذه صفة من صفات اليهود ». ويقول في ( ص 6 ): « فالأخذ بما يوافق الهوى من الفتوى من صفات المنافقين ». ومقبل مع ذلك يعمل بما وافق هواه من فتاوى أئمته، ويعرض عما يعارض هواه. وتفصيل ذلك يتبين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
* * *
المبحث الثالث في بيان الفرقة الناجية
قال مقبل ( ص 9 ): وقد جاء الكتاب والسنة ببيان الفرقة الناجية. قال الله سبحانه: ] والعصر * إن الإنسان [ وأتم السورة. وقال تعالى: ] قد أفلح المؤمنون [ وأتم الآيات إلى قوله تعالى: ] هم فيها خالدون [(1)[22]). ثم قال: وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى »(2)[23]) فمن توفرت فيه هذه الصفات في سورة العصر والمؤمنون والحديث فهو من الفرقة الناجية، سواء كان حجازياً أم يمانياً، أم شامياً أم من أي بلدة كان.
__________
(1) 22]) سورة المؤمنون: الآيات، 1 ـ 11.
(2) 23]) صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، الحديث 6737.
بيان أهل الحديث وأنهم أهل البيت(عليهم السلام)
ثم قال مقبل: « وأقرب الناس ممن تنطبق عليه هذه الصفات هم أهل الحديث ».
والجواب: أهل الحديث مختلفون في العقائد والمذاهب والأعمال، وعلماء الزيدية من أهل الحديث، لأنهم يحتجون بالسنّة، ويعتقدون وجوب اتباع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي كتبهم الكثير الطيب، فإن أراد بقوله: « أهل الحديث » أئمته الذين عددهم، أي ابن المبارك والبخاري ومسلم، فهي دعوى تحتاج إلى بيّنة، لأن الصفات التي ذكرها الله تعالى في سورة العصر، وأول سورة المؤمنين، والحديث، واضحة جلية في كل من وضح منه العمل بكتاب الله وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك واضح في علماء آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من علي(عليه السلام)وفاطمة(عليها السلام)والحسنين(عليهما السلام)ومن بعدهم من ذريتهم، الذين توارثوا العلم والدين من ذلك الزمان، ولم يقلدوا في الدين من خالف آباءهم الطاهرين، بل أعظم همّهم أخذ العلم عن أسلافهم، وعرض ما ورد عليهم على الكتاب والسنّة المعلومة باليقين، والمجمع عليها بين المختلفين،
__________
(1) 24]) صحيح الترمذي 3 / 177 ط. الصاوي ـ مصر. وخصائص النسائي: 27 ط. التقدم ـ مصر. ومعرفة علوم الحديث للحاكم: 180 ط. القاهرة. وبحار الانوار للعلامة المجلسي 27 / 81، ح 21.
(2) 25]) سورة التوبة: الآية 71.
وقد احتجّ مقبل ببعض كلام السيد محمد بن إبراهيم الوزير، فلنورد هنا شاهداً من كلام السيد محمد بن إبراهيم الوزير. قال في « العواصم » ما لفظه:
« الخصيصة الأولى: إن أهل البيت(عليهم السلام) اختصوا من هذه الفضائل بأشرف أقسامها، وأطول أعلامها، وذلك أنهم كانوا على ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين، والاشتغال بجهاد أعداء الله، وبذل النفوس في مرضاة الله، مع الإعراض عن زهرة الدنيا ـ إلى قوله ـ: وبذل النصيحة للناس وتعليمهم معالم الهدى... » ولا يبعد أن قد لزم الإقرار بهذا من مقبل في قوله في ( ص130 ): وقد روى المحدثون الكثير الطيب في فضل أهل البيت ـ إلى أن قال في (ص131): « وكتب السنّة مملوءة بفضائل أهل البيت(عليهم السلام)... » ففي هذا أنهم من الفرقة الناجية، لأنه لا يكون الفضل لهم بحيث تملأ فضائلهم كتب السنّة إلاّ وهم على هدى وطريق نجاة من الهلكة، فدل ذلك على أنهم ومن معهم ومن هو على طريقتهم هم الفرقة الناجية.
قال مقبل في أهل الحديث ( ص 9 ): « لأنهم لا يتعصبون لأي مذهب وإنما يتعصبون للحق ».
__________
(1) 26]) سورة الحجرات: الآية 14 ـ 15.
(2) 27]) سورة آل عمران: الآية 104.
(3) 28]) سورة العنكبوت: الآية 69.
وإن أراد مقبل أن لأهل الحديث مذهباً يتعصبون له لكنه عنده هو الحق، فتعصبهم له تعصب للحق، بخلاف غيرهم من أهل المذاهب فهم يتعصبون للباطل.
__________
(1) 29]) تاريخ الطبري: 11 / 357، وتاريخ الخطيب: 12 / 181 وكنوز الحقائق للمناوي: ص10 واللآلي المصنوعة للسيوطي: 1 / 424 و 425، وتهذيب التهذيب: 2 / 428 وبحار الانوار للعلامة المجلسي: 33 / 191، الحديث 474 وفيه زيادة « على منبري يخطب فاقتلوه ».
(2) 30]) مسند أحمد 4 / 421 وكتاب صفين لنصر بن مزاحم: ص246 ط. مصر ـ والطبراني في الكبير.
هذا، وإن أراد بأهل الحديث علماء السنة كلهم، فيشكل عليه قوله: « ليس لهم مذهب يتعصبون له » فخرج من كان زيدياً أو إمامياً أو شيعياً مطلقاً أو ناصبياً أو خارجياً أو عثمانياً أو وهّابياً أو شبه ذلك من أهل أسماء المذاهب المشهورة، حتى المالكي والحنفي والشافعي والحنبلي، فمن هم أهل الحديث يا مقبل ؟
فإن قال: المراد أهل الحديث من أي فرقة كانوا، لأنهم في تعصبهم لمذاهبهم لا يريدون التعصب إلا للحق لا لكونه مذهباً لهم..
قلنا: من أين علمت إرادتهم وما في ضمائرهم على كثرتهم واختلاف مذاهبهم ؟ ولم لم تقل في علماء تفسير القرآن هكذا إنهم الفرقة الناجية ؟
ثم قال مقبل في ( ص 9 ): فالرجل الصالح المتبع للحق من الفرقة الناجية وإن لم يكن محدّثاً، إلا أن أهل الحديث يدخلون دخولاً أولياً. انتهى.
وهو إقرار لغيرهم ودعوى لهم، وليس الميزان بيد مقبل حتى يعرف الراجح من الأمة من المرجوح.
افتراء مقبل على أهل صعدة
ثم قال في ( ص 10 ): « وقد ظن بعض أهل صعدة أنهم ومن اتبعهم هم الفرقة الناجية، وهؤلاء قد تحجروا واسعاً ».
ثم قال مقبل في ( ص 10 ): « وإنما قلت هذا لأنهم ( أي أهل صعدة ) لا يثقون بعلماء صنعاء وعلماء الحجاز ولا الهند وباكستان ».
الجواب: هذا تدليس إن أراد أنهم لا يثقون بالكل، لأنه يوهم أنهم لا يثقون بأحد من أهل صنعاء....، وإن أراد أنهم لا يثقون بأحد من أهل صنعاء ولا من علماء الحجاز فهذا كذب من الكذب الأول، ولولا علمنا أنه تعمد الكذب عليهم لما تجاسرنا على رميه بالكذب تصريحاً، لأنّا لا نحب التكذيب لمن أخطأ ولم يتعمد الكذب.
الاصطلاح في معنى ( السيد )
قال مقبل في ( ص 10 ): « أما قوله السيد، فإن السيد في اللغة من ساد قومه، وليس لعلي ( أي ابن هادي الصيلمي ) سيادة على قومه ».
__________
(1) 31]) سورة آل عمران: الآية 118.
قال مقبل: ولم يرد دليل يحتم علينا أن نقول للفاطمي: يا سيدي أو يا سيد، بل قرأت في سيرة الهادي(رحمه الله): « السيد: الله » فكيف بمن غضب إذ ( كذا ) لم يقل له: يا سيدي وليست له من السيادة شيء ؟
__________
(1) 32]) سورة آل عمران: الآية 118.
رمي مقبل للشيعة بالابتداع والحقد
قال مقبل في ( 12 ): « تقدم أن قلنا: إن هذه الفتوى ليست صادرة عن علماء ـ إلى أن قال ـ: ولا سيما وهي صادرة من قوم حاقدين على أهل السنة وعلى كتب السنة ».
والجواب: هذا كذب من مقبل على خصومه، فلا يقبل.
ثم قال: والصراع قديم بين أهل السنة والشيعة المبتدعة.
__________
(1) 33]) سورة النحل: الآية 90.
(2) 34]) سورة آل عمران: الآية 39.
وقوله: والصراع قديم بين أهل السنّة والشيعة... الخ.
لا إشكال أن الصراع قديم بين أهل البيت والنواصب من بني أمية ومن تبعهم، والخوارج ومن سلك طريقهم. ولكثرتهم وكون الدنيا كانت مع بني أمية، وأكثر الناس عبيد الدنيا وخدم السياسة، كان الأكثر ضد أهل البيت وشيعتهم، كما لا يخفى على من عرف التاريخ. ولذلك قال بعض أهل البيت:
لقد مال الأنام معاً علينا***كأن خروجنا من خلف ردم
ثم قال مقبل: « وبحمد الله لم يزل الشيعة مقهورين ».
فالجواب: إن هذا رضي بما فعل الظالمون من بني أمية وغيرهم، فهو مشارك لهم في ظلم الشيعة ] وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [(2)[36]).
ثم قال في ( ص 13 ): « لأنهم ـ أي الشيعة ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أجهل الناس... » الخ.
__________
(1) 35]) سورة الأحزاب: الآية 5.
(2) 36]) سورة الشعراء: الآية 227.
ثم قال مقبل في ( ص 13 ): « وأقبض الفتوى بيدي، فإن الشيعة تستعمل التقية، فبعد أيام إن شاء الله تقوى شوكة أهل السنة، ويقول هؤلاء المفتون ما قلنا، فإنهم يتلونون، فقد قرأت في بعض كتبهم أنهم إذا صلّوا مع من يؤمّن وخافوا على أنفسهم يقولون: ( آمِّين ) بتشديد الميم ».
والجواب: إن هذا الكلام يفهم منه أنها ستنقلب الحال في البلاد، حتى يخاف علماؤها ويضطرون إلى جحد تلك الفتوى. وهذا شبه إقرار من مقبل بأنه يؤمل في ثورة وهّابية تجتاح اليمن أوّلاً، ويسود فيها المذهب الوهّابي على أصله، حتى لا يسمح لأهل بلد بحرية المذهب.
وإنما يؤمل أن يكون هذا إذا قامت ثورة على غرار ثورة الحرم، تعيب على السعودية بعض التساهل فضلاً عن غيرها، وعند استحكام الثورة التي يحلم بها مقبل ـ كما يشعر به كلامه ـ يتم مرامه الذي أشار إليه بزعمه.
سلسلة الكذب على الزيدية ( التلون )
وأما قوله: « فإنهم يتلونون » فهي كذبة عليهم كما سبق من كذباته بل هم يثبتون على دينهم ثبات جد وعقيدة، وليسوا من أهل التلوّن مع الأهواء والأغراض، إنما هذا شأن أهل السياسة الدنيوية، وعبيد الدنيا المتقرّبين إلى أهلها.
ثم قول مقبل محتجّاً لما سبق في ( ص 13 ): « فقد قرأت في بعض كتبهم أنهم إذا صلّوا مع من يؤمّن وخافوا على أنفسهم يقولون: آمّين ـ بتشديد الميم ـ ».
نعم، فإذا كان الزيدية على هذا الوجه الذي ذكره من قولهم: آمّين ـ بتشديد الميم ـ فهو دليل على أنهم لا يتلوّنون كما زعم، لأنهم لو كانوا يتلوّنون مع الأغراض لقالوا: آمين ـ بتخفيف الميم ـ إذا حضروا عند من يرى التأمين وأرادوا أن لا ينفر عنهم، وإن لم يخافوا على أنفسهم.
فأما مع الخوف على النفس فلا إشكال في جواز التقية، ولعله لا يخالف في ذلك، ففي صحيح البخاري ( ج 8 ص 55 ) من أجزاء النسخة المجردة عن الشروح: كتاب الإكراه وقول الله تعالى: ] إلاّ من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم [(1))وقوله: ] إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض [ إلى قوله: ] واجعل لنا من لدنك وليّا واجعل لنا من لدنك نصيراً [(2)). فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما أمر به. وقال الحسن: التقية إلى يوم القيامة، وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس بشيء، وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن. انتهى.
وقال ابن حزم في الفصل ( ج 4 ص 6 ): وقد ابيح الكذب في إظهار الكفر في التقية.
__________
(1)) سورة النحل: الآية 106.
(2)) سورة النساء: الآية 75.
قال مقبل: بعد ذكر حديث من رواية يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السلمي، وفيه: « إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس » أورده مقبل بصورة مطولة، ثم قال « فلنسأل هذا المفتي المتكلف: هل الحديث صحيح أم لا ؟ ومن أين عرفت صحّته ؟ وإذا كان صحيحاً فهل تؤمن أن الله في السماء ؟ ـ إلى قوله ـ أم تأخذ من الحديث ما وافق هواك ؟ أما نحن فنقول بصحته، ويحيى بن أبي كثير وإن كان مدلساً ولم يصرح بالتحديث في رواية مسلم فقد صرح بالتحديث في رواية أحمد، قلت ( ج 5 ص 148 ): قال: بل قد توبع عليه كما في تحفة الأشراف ».
والجواب: إن الحديث رواه المؤيد بالله في شرح التجريد بإسناده، ولكن آخر الحديث قوله: « إنما الصلاة التسبيح والتحميد وقراءة القرآن »، وعلى هذا فلا يرد علينا ما أورده بقوله: « أم تأخذ من الحديث ما وافق هواك » ؟ لأن الذي وافق هواه ليس عندنا، وهو في مسند أحمد مصرح بأن حديث الصلاة حديث مستقل، وحديث الجارية حديث آخر، ولفظه: عن هلال بن أبي ميمونة أن عطاء بن يسار حدثه بثلاثة أحاديث حفظها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأوردها وجعل حديث الصلاة هو الآخر في الذكر، انظره في مسند أحمد ( ج 1 ص 448 ) وعلى هذا فلا معنى لاعتباره حديثاً واحداً كما صنع مقبل.
وأما قوله: « هل الحديث صحيح » ؟ فيمكن إثبات صحّته لغيره لا اعتماداً على السند المذكور، بل لتعاضد الروايات على منع الكلام في الصلاة، أي بغير القرآن وأذكارها.
فإن قال: ليس هناك روايات.
وأخرج في أبواب العمل في الصلاة ( ج 2 ص 59 ) من النسخة المجردة، عن زيد بن أرقم: « إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: ] حافظوا على الصلوات [ الآية، فأمرنا بالسكوت... ».
والسكوت ترك الكلام كله، فهو عام لترك الكلام الذي يخاطب به الناس وترك الكلام الذي ليس كذلك، ولذلك لا يجوز أن تقرأ فيها أشعار العرب لأجل حفظها لا لإسماع الغير، وعلى هذا العموم لا يجوز فيها أن يقال فيها غير القرآن وأذكارها المشروعة فيها التي هي منها، وذلك ليتفرغ المصلي للصلاة، كما في الحديث الذي رواه البخاري في الباب المذكور ( ص 59 ) عن عبدالله: فلما رجعنا من عند النجاشي سلّمنا عليه ـ أي على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ فلم يردّ علينا وقال: « إن في الصلاة شغلاً »، وروى البخاري حديث زيد بن أرقم ـ وأمرنا بالسكوت ـ في كتاب تفسير القرآن من صحيحه في باب ] وقوموا لله قانتين [(1)[39]) ( ج 5، ص 162 ).
__________
(1) 39]) سورة البقرة، الآية: 238.
وفي القاموس « الكلام: القول أو ما كان مكتفياً بنفسه »(2)[41]) يعني المفيد في تعبير النحاة.
قال مقبل: « ولكننا نفهمه كما فهمه العلماء وكما دلّ عليه السياق، حيث إنه خاطب ذلك الرجل بقوله: يرحمك الله... » الخ.
والجواب: أنه ـ يعني بالعلماء ـ من وافقه على تفسير الحديث بما يريد، فتأولوا الكلام على أنه مصدر في هذا الموضع بمعنى التكليم كالسلام بمعنى التسليم، وليس عندهم اسماً للقول نفسه بل لتوجيه القول إلى الناس. وقد أجبنا عنه بأن هذا خلاف الظاهر، ولا موجب للعدول عن الظاهر.
وأما السياق فلا يدل على ذلك، لأن النهي عن الكلام يفيد العموم لما وقع في السبب ولغيره، فالسياق ليس إلا ذكراً للسبب، والعام لا يقصر على سببه. إنما يحتج بالسياق لو فسّرنا الحديث بما لا يدخل فيه السبب المذكور في السياق، بحيث يكون ذكر السياق معارضاً له. فأما على تفسير الكلام بمعناه العام فهو لا يعارض السياق ولا يعارضه السياق الذي ذكر فيه السبب، ولذلك ترى العلماء يحتجّون بعمومات القرآن ولا يقصرونه على أسباب النزول.
قال مقبل: « فلا يجوز تكليم الناس وهو في الصلاة، جمعاً بينه وبين الأدلة الواردة في الأذكار في الصلاة ».
__________
(1) 40]) سورة التوبة، الآية 6.
(2) 41]) القاموس المحيط 4 / 174.
قال مقبل: « وما ينبغي التنبيه عليه أن الحديث ـ يعني الذي ذكره ـ ليس فيه دليل على بطلان الصلاة » لأن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة صلاته ».
والجواب: إن هذا ليس في الرواية أنه لم يأمره بإعادة صلاته وإنما هو ظن، من حيث الظن أنه لو أمره بإعادة صلاته لذكر في الحديث أو لنقل، وهذا من مقبل دليل على أنه يستجيز الرواية على الظن فلا يوثق به فيما رواه، وقد كانت طريقة العلم أن يقول: إن الحديث لا يدل على وجوب الإعادة، ولا على فساد الصلاة، ويغنيه ذلك عن دعوى أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة.
وعلى أصلنا، يدل عليه أيضاً ما رواه زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(عليه السلام)في الرجل يتكلم في الصلاة ناسياً أو متعمداً أنه تنقطع صلاته.
فأما ظن مقبل أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة، فيمكن إبطاله بأن أصل الحديث لا يدل عليه، وعدم ذكر الأمر ليس ذكراً لعدم الأمر. ومن الجائز أن يكون معاوية ساق القصة لبيان رحمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ورفقه في التعليم وحسن خلقه... » فذكر القصة ليبني عليها قوله: « ما سبّني ولا كرهني ولكنه قال... ». وإذا لم يكن غرضه مسألة النهي عن الكلام وما يلزم من تكلم، فلا يدل سكوته عن الأمر بالإعادة على عدم الأمر، بل ذلك مسكوت عنه، والسكوت لا يجب أن يكون سببه عدم الأمر، لاحتمال أنه سكت عنه لعدم الباعث على ذكره، حيث لم يكن ساق الكلام إلا لذكر رفق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وكرم أخلاقه، لا لغير ذلك.
هذا، والمسألة فرعية، ولكن يعرف بما ذكرناه أنه لا ينبغي أن يقال: لا دليل على منع الكلام في الصلاة بغير القرآن وأذكارها، لأن هذا الكلام قد يوهم أنه لا مستند لمن قال به، وإنما هو بدعة، فالقائل بذلك في حالة يحصل فيها الإيهام المذكور يكون مدلساً ومغرراً.
__________
(1) 42]) سورة البقرة: الآية 238.
محنة البخاري
قال مقبل: « ولم يمت البخاري حتى قال: ( اللهم إنها قد ضاقت بي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك ) كل هذا من أجل كلمة الحق... ».
الجواب: أنها وقعت له المحنة بإعراض الناس عنه وكثرة القالة، بسبب ما نسب إليه من أنه قال: لفظه بالقرآن مخلوق، أو إلزامه هذا القول. وكانت هذه بنيسابور كما في مقدمة « فتح الباري » فرجع إلى بلده بخارى.
قال مقبل: فهل تعلم أن البخاري ومسلماً رويا: « ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنة »(1)[43]). والأحاديث كثيرة في ذم الظلمة في الصحيحين وغيرها، فليس قولك: إنهم يروون عن الظلمة والفسقة، بضائرهم. انتهى باختصار.
__________
(1) 43]) صحيح مسلم: كتاب الايمان، الحديث 203، كتاب الإمارة، الحديث 3409.
سألته عن أبيه***فقال خالي شعيب
دعوى الإجماع على العمل بكتابي البخاري ومسلم
قال مقبل ( ص 16 ): « فقد أجمع المسلمون على الرجوع إلى مؤلفاتهم ».
والجواب: إن المسلمين عندك هم أهل مذهبك الذين يكفرون المسلمين ويرمونهم بالشرك، والرضا بالشرك والتسبيب للشرك. فقولك هذا لا ينفي خلاف المسلمين في التحقيق، ثم إنك أنكرت أن ينعقد إجماع بعد الصحابة، حيث قلت في ( ص 14 ): « وما أكثر دعاوى الإجماع المزعومة ورحم الله الإمام أحمد إذ يقول: من ادّعى الإجماع بعد الصحابة فقد كذب وما يدريه لعلهم اختلفوا » انتهى. فقد كذبت نفسك هناك في دعوى الإجماع هنا.
وفي الفصل لابن حزم ( ج 5 ص 94 ) بعد أن ذكر أقوالاً للشيعة في مسألة الإمامة من قوله في ( ص 92 ): « وأما القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في ولد علي(رضي الله عنه)، فإنهم انقسموا... »، ذكر فيه خلافات للزيدية والإمامية وغيرهم، ثم قال: قال أبو محمد: وعمدة هذه الطوائف كلها في الاحتجاج أحاديث موضوعة مكذوبة لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء، قال أبو محمد: لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقوننا، ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقهم، وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجّة به، سواء صدّقه المحتج أو لم يصدقه، لأن من صدق شيئاً لزمه القول به، أو بما يوجبه العلم الضروي، فيصير الخصم يومئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت على ما كان عليه، إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحاح نوافقهم على صحتها.
فقد أفاد إجماع الزيدية والإمامية وغيرهم على عدم قبول روايات أصحاب ابن حزم الذين هم البخاري ومسلم ومن وافقهم، وهذا واضح، فإنها لو كانت كتبهم عمدة عند الشيعة لكانت عندهم بمنزلة كتبهم كثيرة شهيرة متداولة بينهم، كما هي بين أصحاب البخاري ومسلم. فأما مجرّد البحث فيها أو نقل الأحاديث الموافقة منها فلا يدل على اعتمادها على حد اعتماد القوم عليها، بل أكثر ما يدل ذلك عليه أن الباحث فيها يرى أن فيها أحاديث صحيحة لموافقتها ما عند الشيعة وإجماع الفريقين على روايتها، أو لموافقتها ما قد صح من وجه آخر، أو لموافقتها لدليل من الكتاب أو نحو ذلك، أو أن فيها ما يحتج به على المعتمدين عليها، فيحتج عليهم بما هو عندهم صحيح، أو أن فيها ما يوافق روايات كثيرة في كتب الحديث، بحيث يصير مشهوراً بكثرة مصادره وطرقه، ولا سبب لشهرته إلا صحته في الواقع، لعدم ما يسبب لكثرة طرقه من سياسة دولية أو تعصبات مذهبية.
وقال الإمام القاسم بن محمد في « الاعتصام » في آخره: فإن قيل: في رجال هذه الأخبار من لا يرتضى ولا يوثق بروايته. فالجواب، وبالله التوفيق: الحجّة عندنا رواية الأئمة(عليهم السلام) ومن يوثق بروايته من غيرهم، وإنما نورد في كتابنا مثل رواية من كان من الفئة الباغية الدعاة إلى النار، لأجل أنه حجّة على المخالف فيحتج به عليهم، وذلك واضح بحمد الله.
__________
(1) 44]) راجع: مجمع الزوائد 9 / 109 ـ 111 ط. دار الفكر، ومسند أحمد 1 / 179 ط. عالمية و 1 / 292، الحديث 1550 ط. دار إحياء التراث العربي وبحار الأنوار: 2 / 226، الحديث 3 و 5 / 21، الحديث 30 و 5 / 69، الحديث 1 و 6 / 216، الحديث 6، و 8 / 1، الحديث 1، و 9 / 311 الحديث 10.
نبذة من مخالفات البخاري
قال مقبل ( ص 17 ): « فهل تقصد أن البخاري روى لمروان بن الحكم وعمران بن حطان » ؟
فالجواب: إن البخاري لم يعتمد عليهما، ( كذا ).
قال مقبل: « إلا أن لما روياه شواهد في كتب غير كتاب البخاري ».
__________
(1) 45]) سورة الشورى، الآية: 11.
ومن مخالفات البخاري روايته عن عكرمة عن ابن عباس الاعتراض على علي(عليه السلام)في تحريق الزنادقة، وأن ابن عباس قال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):« لا تعذبوا بعذاب الله... »(2)[47]) الخ. وهذا فيه تغليط لعلي(عليه السلام)وهو أقضى الأمة وأعلمها بأحكام الله، وعكرمة متهم بقصد الحط من فضل علي(عليه السلام)وتصغير شأنه، لكون عكرمة من الخوارج. فالمخالفة من البخاري في قبول روايته فيما ينصر بدعته مخالفة أخرى مع المخالفة في الرواية عنه وهو خارجي.
__________
(1) 46]) الكافي للكليني 1 / 46 باب المستأكل بعلمه ح5، وبحار الانوار للعلامة المجلسي 2 / 36، ح 38.
(2) 47]) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، الحديث 2794.
قوله: « بياض » أي في النسخة بياض عقيب قوله: إن آل أبي، فهنا ترك بياض لم يكتب فيه المضاف إليه بل حذف.
قال ابن حجر في شرحه ( ج 10 ص 351 ): قال ابن التين: حذفت التسمية لئلا يتأذى المسلمون بذلك من أبنائهم، وقال النووي: هذه الكناية من بعض الرواة خشي أن يصرح بالاسم ( أي لو قال: آل أبي طالب مثلاً ) فيترتب عليه مفسدة إما في حق نفسه وإما في حق غيره وإما معاً....
وبعد هذا نقل ابن حجر الخلاف في المحذوف، ثم قال: قال ابن العربي في سراج المريدين: كان في أصل حديث عمرو بن العاص ـ إن آل أبي طالب ـ فغير آل أبي فلان كذا جزم به. ثم رجح ابن حجر هذا القول وقال: وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصاً في آل أبي طالب، وليس كما توهموه، كما سأوضحه. ثم تكلم في الموضوع بما لا يفيد عند التحقيق، ثم قال في ( ص 354 ): ولو تفطن من كنى عن أبي طالب لا ستغنى بذلك عما صنع....
قلت: قد حقق أصل الرواية، فأما تأويلها فهو فاسد، لأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أفصح العرب، لا يأتي بالكلام ناقصاً عبارة عن معنى لا يفيده إلا بزيادة في اللفظ، ويترك الزيادة بحيث يوهم المعنى الفاسد، لأن هذه إنما تكون ممن لا يحسن التعبير، ولطول كلامه تركت نقله. والمخالفة من البخاري في رواية هذا الحديث من حيث روايته من طريق قيس ابن أبي حازم، عن عمرو بن العاص، وهو فيما يقوي بدعة النواصب.
معنى الآية ] محمّد رسول الله والذين معه... [
قال مقبل: « ولعلك تقصد بعض الصحابة. الذين حصل منهم بعض الهنات » أي الذين قال فيهم الصيلمي يروي عن الظلمة والفسقة.
قال مقبل: فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قد أثنى الله عليهم في كتابه الكريم فقال: ] محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً [(1)[48]) الآية.
__________
(1) 48]) سورة الفتح: الآية 29.
__________
(1) 49]) سورة الأحزاب: الآيات 60 / 61.
(2) 50]) سورة التوبة: الآية 101.
(3) 51]) سورة آل عمران: الآية 71.
وأما الحديث الذي روي عن عمران بن حصين: « خير القرون قرني ثم الذين يلونهم... »(1)[52])، فهو إن صح، كلام على جملة القرن لا في كل فرد. فمعناه شيوع الصلاح بين الثلاثة القرون بالنسبة إلى غيرها من القرون، وليس فيه دلالة على صلاح كل فرد من أفراد الثلاثة القرون. إنما يفيد أن الصالحين في الثلاثة القرون أكثر من الصالحين في غيرها، فكانت كثرة الصالحين فيها فضيلة تنسب إلى جملة القرن عند المقارنة بينه وبين سائر القرون. مع أن الخيرية لا تتعين في الصلاح والدين، فقد يمكن أن يفضل القرن بمآثره التي تنسب إليه من المصالح الدينية والدنيوية، وإن كان الكثير من أهل تلك المآثر غير صالح في دينه صلاحاً كاملاً، بحيث أنه لا يعتبر عدلاً، وهو مع ذلك قد أيد الله به الدين كما في الحديث: « إن الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر »(2)[53]) أخرجه البخاري، فكانت القرون الأولى على هذا خير القرون، لتثبيتها قواعد الإسلام بالجهاد لا لصلاح كل فرد في دينه وكمال عدالته، وهذا على فرض صحة الحديث: « خير القرون » والله أعلم.
سلسلة الاتهامات ـ قبول أو ردّ رواية الصحابي بمجرد الهوى
قال مقبل: « على أنهم يقدحون في الصحابة إذا رووا ما يخالف أهواءهم، وأما إذا كان موافقاً لأهوائهم فإنهم يأخذون بروايتهم وآرائهم، والدليل على هذا أن أول حديث في الشفاء للأمير الحسين(رضي الله عنه)من حديث لمغيرة بن شعبة، وهو عندهم مجروح العدالة ».
__________
(1) 52]) صحيح البخاري: كتاب الشهادات، الحديث 2458، وفيه « خير الناس قرني ».
(2) 53]) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير، ح 2834.
وأما ثانياً: فقول مقبل « إذا رووا ما يخالف أهواءهم، وأما إذا كان موافقاً لأهوائهم فإنهم يأخذون بروايتهم وآرائهم ».
فالجواب: إن تعليق الرد والقبول على مخالفة الهوى وموافقته، إن أراد به الهوى في غير الحق أو الهوى المطلق من غير اعتقاد أنه موافق للحق أو مخالف، بل الهوى هو القائد لهم دون اعتقاد الحق، فهذه كذبة من كذبات مقبل، وإن أراد به هواهم فيما يعتقدونه الحق والصواب، فقد دلس ولبس وأوهم أنهم إنما يتبعون أهوائهم.
__________
(1) 54]) سورة آل عمران: الآية 71.
هذا، وأما عملهم برواية الرجل إذا روى ما يوافق وترك ما خالف الحق من الروايات، فهو إنما يدل على أن الرجل غير حجّة عندهم، ولكنهم يعرضون حديثه على غيره ويتبيّنون صدقه أو كذبه، فلا يجب أن يجعلوا رواياته كلها كذباً ولا كلها صدقاً. وأما حديث المغيرة الذي في أول الشفاء فهو في بعض آداب قضاء الحاجة، ومعناه موافق، لأنه من الحياء والحياء من الإيمان.
سلسلة الاتهامات ـ ترك كتب السنة
قال مقبل: « وهب أيها الطاعن في كتب السنة أننا تركناها لقولك... ».
__________
(1) 55]) سورة الحجرات: الآية 12.
* * *
قال مقبل: « وهب أيها الطاعن في كتب السنّة أننا تركناها لقولك، فأين يتاه بنا ؟ أنرجع إلى كتب أهل الكلام ؟ ثم قال ( ص 20 ): أم تريد منّا أن نرجع إلى كتب الرافضة التي لا أسانيد لها ؟ فهي كما يقول بعض العلماء تشبه كتب اليهود والنصارى حيث أنها لا أسانيد لها... ».
الجواب: هذا باطل من ثلاث جهات: تسميتهم رافضة عموماً، ونفي الأسانيد عن كتبهم عموماً، وتصديق عدوهم في ذلك.
قال مقبل في ( ص 20 ): أم تريد منّا أن نرجع إلى كتب الزيدية المقطعة الأسانيد، وإن أسندوا فغالب أسانيدهم تدور على الضعفاء والكاذبين.
الجواب: إن الكتب قد انتشرت، فيمكن أهل العلم والإنصاف الاطلاع على كثير من كتب الفرق المختلفة. وهؤلاء الذين تسميهم رافضة تقليداً لشيعة النواصب لهم كتب فيها أسانيد كثيرة، وعندهم جرح وتعديل، وقد وصل بعض كتبهم اليمن، من ذلك « وسائل الشيعة في علوم الشريعة » وذيله، وكتاب « أمالي الصدوق »(1)[56]) وكذلك كتب الزيدية فيها كثير من المسند في مجموع زيد بن علي، والصحيفة للإمام علي بن موسى الرضا، وأمالي أحمد بن عيسى، وأمالي أبي طالب، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي المرشد لله، وفي كتب الهادي أحاديث مسندة، وفي البساط للناصر أحاديث مسندة، ويمكن معرفة رجالهم بمعرفة أحاديثهم وعرضها على المعلوم، فإن وافقت عرف بذلك أنهم ثقات، وإن خالفت كان للمخالفة حكمها من جرح أو تضعيف أو غير ذلك، كما لا يخفى على من أنصف.
__________
(1) 56]) بل هناك آلاف الكتب المسندة المعتبرة في مختلف العلوم مودعة في المكتبات العامة والخاصة في شتى أنحاء العالم.
كتبت هذه الأسماء أغلبها من تنقيح الأنظار ( ج 1 ص 320 ). ثمانية، وبعضها من ترجمة علي بن موسى الرضا(عليه السلام)وبعضها من ذاكرتي ».
والجواب، وبالله التوفيق: ان الكتب لا تعاب برواية واحد من رواتها ما لم يكن راوياً للكتاب كله متفرداً به، وفي الراوي سبب ضعف، وليس في كتب الزيدية ما راويه واحد إلا مجموع زيد بن علي وصحيفة علي بن موسى ويأتي الكلام فيهما، فأما بقية كتبهم فليست من طريق هؤلاء الذين عدهم وحدهم، بل من غيرها ـ وبعضها يكون فيه مما رواه بعض هؤلاء ـ ومن غيره، فلا يصلح طرحها على فرض صدق الجرح كلها كما تريد. ولكن ليس صدقاً كله بل، لا يبعد أنه كذب كله من خصومهم، وقبوله من خصومهم تقليد وتصديق للخصم في خصمه بغير حجّة صحيحة، وذلك ميل عن الإنصاف.
عرض رجال الشيعة على ميزان الذهبي ليس من الإنصاف
قال مقبل: « ومن يرد معرفة رجال الشيعة فعليه أن يقرأ في كتبهم التي تذكر فيها الأسانيد، ثم يعرض أسانيدها على « ميزان الاعتدال » فإنه يرى العجب العجاب والكذب الصراح ».
أما عرض رجال الشيعة على ميزان الذهبي فليس من الإنصاف، لأنه هو وأهل مذهبه خصوم الشيعة. وليس من الإنصاف أن يُقبل من الخصم جرحه في خصمه. وقد قال الذهبي نفسه في « الميزان » في ترجمة عبدالله بن سليمان بن الأشعث: لا يسمع قول الأعداء بعضهم في بعض. وقال في ترجمة محمد بن إسحاق ابن يحيى ابن منده: أقذع الحافظ أبو نعيم في جرحه لما بينهما من الوحشة، ثم حكى كلام أبي نعيم في آخر الترجمة، ثم قال: قلت: البلاء بينهما هو الاعتقاد، يعني الخلاف في العقائد.
وقال في ترجمة أحمد بن عبدالله الحافظ أبي نعيم ما لفظه: وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر ـ ثم قال ـ: قلت: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس. انتهى المراد.
قلت: هذا غير خاص بالأقران، لأن عداوة المذهب تكون بين المتباعدين في الزمان، وإذا كانت العداوة تمنع قبول جرح العدو لعدوه من الأقران، فكذلك من غير الأقران، لأن العلّة العداوة، فلا يقبل جرحهم لرجل من الشيعة إلا بحجّة بيّنة صحيحة.
قال الذهبي في الميزان في خطبته: فأول من جمع كلامه في ذلك ( يعني الجرح والتعديل ) الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: « ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان » وتكلم في ذاك بعده تلامذته: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة وتلامذتهم: كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق، ومن بعدهم مثل: النسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي، والعقيلي... الخ.
__________
(1) 57]) هذه الكلمة ليست في الأصل.
(2) 58]) سورة المائدة: الآية 2.
وقوله: « استقر الأمر على ترك ذلك » غير مسلّم، فما زال أئمة الزيدية يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويجاهدون في سبيل الله.
وقوله: « ففي وقعة الحرة وابن الأشعث » هاتان الوقعتان قبل زمان الحسن ابن صالح.
وقوله « وبمثل هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته وورعه ».
يقال عليه: إذا لم تثبت العدالة والورع فيتوقف في الراوي لعدم ثبوت العدالة، وإن ثبتت فلا يجرح بهذا الرأي عدل دون عدل. فانظر كيف جعل هذا الرأي صالحاً للجرح وغير صالح، باعتبار الفضل وعدمه بزعمه، مع أن السبب يكون سبباً بالنسبة إلى الراوين على سواء أو غير سبب كذلك.
والتحقيق أنهم لما احتاجوا إلى توثيق الحسن بن صالح قالوا فيه ذلك، ولما لم يحتاجوا أن يجعلوا عبّاداً حجّة، وهو شيعي، قالوا فيه ما قالوا، مع أنه من أهل الفضل والصلاح وإن لم يعرفوا له ذلك.
فبان أنهم لا يقلّدون في جرح الشيعة، وأن الجرح نظري اجتهادي على هذا الأساس. فكيف يصح الاتباع فيه من دون معرفة الحجه فيه ؟
وأما مراوغة بعض القوم في هذا، حيث قال: لا يجب العمل بالجرح إذا لم يعرف سببه، لكنه يكون ريبة في المجروح، فيجب الوقف فيه من أجل هذا الجرح، فلا تقبل روايته إلا بعد البحث والتثبت.
فالجواب: إن الجرح إذا كان من الخصم وكان الظاهر أنه لأجل مخالفة المذهب كجرحهم في أبي خالد، فإن الجرح لا يكون ريبة، لا سيما إذا كانوا قد صرحوا بأنه شيعي، فإن جرحهم له يقرب إلى معرفة عدالته عند من عرف تشددهم على أخيار الشيعة وفضلائهم.
الرد على كلامه في عدد من رواة الزيدية(1)[59])
ولنرجع إلى ذكر رواة الزيدية الذين تكلم فيهم مقبل على التفصيل. فنقول:
1 ـ أبو خالد الواسطي:
__________
(1) 59]) الزيدية مذهب من مذاهب الشيعة، وهم القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين(عليهم السلام) بعد أبيه، والرواة المذكورون من خلص أصحاب الائمة(عليهم السلام) كالامامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، والحارث الهمداني من خلص أصحاب الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام)وهو قبل زيد بن علي(عليهما السلام).
فظهر بهذا أن حديثه سليم من أسباب الجرح، مع أن من كان إماماً في الحديث إذا تفرد ببعض الأحاديث لا يقدح فيه التفرد، بل يحمل على أن سببه سعة علمه وكثرة اطلاعه. ولذلك فلا يبعد أن يكون عند زيد بن علي، والباقر أخيه محمد بن علي(عليهما السلام)أحاديث غير معروفة عند هؤلاء القوم، بل تفردا بها وورثاها عن آبائهما، فهم بحار العلم وأهل البيت الذي نزل فيه الكتاب والسنّة، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه. فإذا وقع عند أبي خالد ستة أحاديث انفرد بها ولم تخالف المعلوم ـ وهو تلميذهما ـ فهو غير متهم فيها، لأنه مظنّة لذلك لكونه تلميذهما وهما مظنة للمفردات.
وأما ما رواه من الفضائل فله شواهد مذكورة في « الروض النضير » وتتمته.
مع أن الفضائل خاصة لها خصوصية ينبغي للمنصف أن يتنبه لها ويراعيها، وهي أن رواة الفضائل ـ فضائل علي(عليه السلام)ـ كانوا يحتاجون في عهد الدولة الأموية وقوّه سلطانهم إلى كتم الفضائل عن جمهور الناس وعامتهم خوفاً من بطش بني أمية، لأنهم كانوا يحاربون ذكر فضائل علي(عليه السلام)، لذلك فلا يروونها إلا سراً إلى من يثقون به أنه لا يشيعها عنهم في عهدهم لئلا تبلغ الدولة.
كما أن فضائل علي(عليه السلام)كان يكتمها أعداؤه وشيعة أعدائه رغبة في كتمانها، وكراهية لذكرها وكانت كثيرة. وبعد ذلك كان كثير من الفضائل يستنكره كثير من أهل الحديث، لأنه غير مشهور عندهم، كما أن كثيراً منهم يتهمون الشيعة. فلذلك يحتاج المشاهير إلى إخفائها، لئلا ينفر عنهم كثير من عامة طلاب الحديث. ولذلك فلا يستبعد وجود المفردات من الفضائل، ولا يكون التفرد بالفضيلة نكارة فيها ما لم تخالف المعلوم. فلذلك لا يستبعد تفرد أبي خالد وغيره بفضائل ليست عند الجمهور، ولا يقدح فيهم بها، لأنها ليست مما « لو كان لظهر واشتهر » بل بالعكس، إنها مما شأنه أن لا يشتهر، وذلك بسبب الخوف من الدولة..
أخرج الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 137 ) بسنده عن مالك بن دينار قال: سألت سعيد بن جبير فقلت: يا أبا عبدالله، من كان حامل راية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: فنظر إليَّ وقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القرّاء، فقلت: ألا تعجبون من سعيد ـ إني سألته: من كان حامل راية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فنظر إليَّ وقال: إنك لرخي البال، قالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجاج، وقد لاذ بالبيت فسله الآن، فسألته فقال: كان حاملها علي بن أبي طالب. هكذا سمعته من عبدالله بن عباس.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح وأقره الذهبي.
وأخرج الحاكم في ( ج 3 ص 115 ): إني والله قد حرصت أن اتسمَّت بسمتك... الخ، وصححه على شرط الشيخين وأقرّه الذهبي.
وأخرج الحاكم في المستدرك أيضاً ( ج 1 ص 464 ) والتي بعدها عن سعيد ابن جبير قال: كنا مع ابن عباس بعرفة، فقال لي: يا سعيد ما لي لا أسمع الناس يلبّون ؟ فقلت: يخافون من معاوية، قال: فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبّيك، فإنهم قد تركوا السنّة من بغض علي(رضي الله عنه).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، واقره الذهبي.
__________
(1) 60]) سورة الحجرات: الآية 9.
وفي تفسير الطبري ( ج 3 ص 211 ) حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا جرير قال: فقلت للمغيرة: إن الناس يروون في حديث أهل نجران أن علياً كان معهم ـ أي مع من خرج بهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)للمباهلة ـ لأن هذا عقيب حديث المباهلة، معطوف عليه بقوله: فقلت... فقال: أما الشعبي فلم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بني أمية، أو لم يكن في الحديث.
وقال ابن الأمير في الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ( ص 241 ) في شرح قول والده:
كتمت أعداؤه من فضله***ما هو الشمس فما يغنون شيئاً
زعموا أن يطفئوا أنواره***وهو نور الله ما انفك مضيئاً
فقال ابن الأمير: ذكر بني أمية، وقصدهم هدم مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد وليت بنو أمية الإمارة المدة الطويلة وبالغت في هدم شرفه الرفيع، ونهت عن التحدث بفضائله، وأمروا بسبه، وطووا ذكر فضله، وأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر في الخافقين أعلام فضل علي برغم أنف كل معاند. وقد أطال أهل التاريخ في ذلك بما هو معروف، حتى بلغ من عداوتهم كراهة التسمي بهذا الاسم الشريف، كما حكي عن جد الأصمعي، أنه شكى على الحجاج بن يوسف فقال: إن أهلي عقّوني، قال: بماذا ؟ قال: سمّوني عليّاً، فولاه الحجاج بعض أعماله، وغيّر اسمه مكافأة له على ما تلطّف به إليه. إلى أن قال ابن الأمير: فهذا ما أشار إليه في قوله: « زعموا أن يطفئوا أنواره » البيت. وصدق، لقد ملأت أنوار فضائله الآفاق، وبيّضت بسوادها وجوه الأوراق، مع مبالغة العدا في إطفائها حتى تحامى المحدثون نشر فضائله، لكثرة القادحين بذلك وردهم لحديث من شهر بحب الوصي(عليه السلام).
ولو أنصفت في حكمها أم مالك***إذاً لرأت تلك المساوي مناقبا
وروى الخطيب في تاريخه في ترجمة نصر بن علي بإسناده، عن نصر بن علي قال: أخبرني علي بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي، حدَّثني أخي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه علي بن حسين، عن أبيه، عن جدّه أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة. قال أبو عبد الرحمن عبدالله ـ يعني ابن أحمد بن حنبل ـ لما حدّث بهذا الحديث نصر بن علي، أمر المتوكل بضربه ألف صوت ( سوط ).
فحاصل الجواب عن جرح أبي خالد، أن الذين جرحوه جرّحوه لأن في حديثه ما ينكرونه ويرونه جرحاً، وأن ذلك الذي ينكرونه لتفرده به، أو لكونه من الفضائل ليس عندنا منكراً ولا موجباً للجرح، ونحن لا نقلدهم للخلاف بيننا وبينهم في أصول الجرح والتعديل وأسبابهما، كما مرّ مفصلاً.
2 ـ جابر الجعفي:
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثني أبي، حدّثنا أبو غسان التستري قال: سمعت أبا داود قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: كان جابر ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث من جابر.
حدّثنا عبد الرحمن حدّثني أبي، حدّثنا إبراهيم بن مهدي قال: سمعت إسماعيل بن علية قال: سمعت شعبة يقول: جابر الجعفي صدُوق في الحديث.
حدّثنا عبد الرحمن ـ يعني ابن الحكم بن بشير ـ حدّثنا يحيى بن أبي كثير قال: كنا عند زهير ـ يعني ابن معاوية ـ فذكروا جابراً الجعفي، فقال زهير: كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس.
حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت ابن الجنيد يقول: سمعت أبا حفص ـ يعني عمرو بن علي ـ يقول: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن جابر، وكان عبد الرحمن يحدثنا عنه قبل ذلك ثم تركه.
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أحمد بن سنان قال: ترك عبد الرحمن بن مهدي حديث جابر الجعفي.
حدّثنا عبد الرحمن، حدّثني أبي قال: سألت أحمد بن حنبل عن جابر الجعفي فقال: تركه عبد الرحمن ويحيى، حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبي، حدّثنا الطنافسي قال: سمعت وكيعاً يقول: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر بن يزيد أبا محمد الجعفي ثقة، حدّثنا عنه مسعر وسفيان وشعبة وحسن بن صالح، حدّثنا عبد الرحمن قال: قُرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: جابر الجعفي ( هو ) ضعيف.
حدّثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: جابر الجعفي يكتب حديثه على الاعتبار، ولا يحتج به.
وأنت تراه مختلفاً فيه، والذين تركوه هم يحيى بن سعيد القطان، الذي تكلم في جعفر الصادق(عليه السلام)وغيره من ثقات الشيعة، وهو متهم بالتحامل والتعصب لمذهبه، وبعض تلاميذه يتركون من يغيظهم بمذهب يعتقدونه بدعة كمسألة اللفظ، أو غير ذلك مما لا يصح أنه قادح في الحقيقة، وإنما سبب تركه غضبهم عليه، ويتركون من يروي رواية ينكرونها لمعارضتها لعقيدتهم، على ما مر مفصلاً. فلا يلتفت إلى ترك يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، ولا إلى قول أبي حاتم فيه: لا يحتج به، وقول ابي زرعة: ليّن، لأن ذلك كله مبهم، وهم مظنة أن يقولوا ذلك على جابر لسبب ظن غير مصيب، بل جرّت إليه عداوة المذهب والنفار من رواية فضائل علي(عليه السلام)وأهل البيت، لأن جابراً من كبار الشيعة، كما لا يخفى، وذلك مظنّة أن يبعث على سوء الظن.
قال ابن الوزير في « تنقيح الأنظار » وابن الأمير في شرحه ( ج 2 ): فقد جرح بذلك ـ أي بأمر العقائد ـ خلق كثير، بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض، والنصب، والغلو في التشيع، والقول بخلق القرآن، وكل ذلك من مسائل الاعتقاد ( ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين، لا سيما من كان داعية إلى مذهبه، فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه ).
اعلم أن في المقام بحثين:
وقالا في مسألة الترجيح بين الجرح والتعديل في ( ص 164 ) والتي قبلها: ( فإما أن يكون الجرح مطلقاً ) عن بيان السبب ( أو ) يكون ( مبين السبب إن كان مطلقاً لم نحكم بصحته ) وإن أورث ريبة وتوقفاً ( وبحثنا عن حال المجروحين فإن تبين ) بالبحث ( وترجح أحد الأمرين حكمنا به وإلا وقفنا في حاله كما تقدم ) لابن الصلاح ( لأن الجارح هنا وإن كان صدقه أي الجارح ( أرجح ) فإنه لا ينافي توقفنا ( فلم ندر ما الذي ادعى ) من جرحه ( حتى نعلم صدقه فيه ) لأنه أتى بمجمل يحتمل توقفنا فيه تصديقاً وتكذيباً انتهى.
قلت: هذا الكلام المراد به إذا كان الجرح سالماً من العلة التي توجب ردّه مطلقاً أم مفسراً كما أفاده كلاً منهما الذي نقلته آنفاً ـ.
__________
(1) 61]) هكذا في الأصل ولعلها « المخالفين » ( المحقق ).
وفي تاريخ البخاري الكبير في ترجمة جابر الجعفي ( ج 2 ص 210 ): قال لي بيان: سمعت يحيى بن سعيد يقول: تركنا جابراً قبل أن يقدم علينا الثوري، قلت: قد أفاد الذهبي في الميزان أن يحيى بن سعيد متعنّت في الرجال.
قلت: فلا عبرة بتركه له، وهذا من الذهبي بمنزلة الإقرار لأنه من أئمته، ذكر هذا في ( ج 1 ص 437 ) من الميزان في ترجمة سيف بن سليمان ـ فقال: وحدّث يحيى القطان مع تعنّته عن سيف ـ انتهى.
وقال البخاري في ترجمة جابر الجعفي في التاريخ: وقال لي أبو سعيد الحداد: سمعت يحيى بن سعيد عن أسماعيل بن أبي خالد قال: قال الشعبي: يا جابر، لا تموت حتى تكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال إسماعيل: ما مضت الأيام والليالي حتى اتّهم بالكذب. انتهى.
هذا، وأما ما حكاه ابن حجر في « تهذيب التهذيب » غير ما قد ذكره ابن أبي حاتم وما حكيته عن تاريخ البخاري فهي مراسيل، فلا يصح اعتمادها، مع أن في بعضهانظراً من جهة أخرى، فمن ذلك قوله: وقال معلى بن منصور: وقال لي أبو عوانة: كان سفيان وشعبة ينهياني ( كذا ) عن جابر الجعفي، وكنت أدخل عليه فأقول: من كان عندك ؟ فيقول: شعبة وسفيان. قلت: معلى بن منصور فيه كلام في ميزان الذهبي وقد دافع عنه بعضهم، وذكر عن أحمد العجلي أنه قال: ثقة صاحب سنّة. انتهى المراد.
ومعنى أنه صاحب سنّة في اصطلاحهم أنه عثماني على ضد مذهب الشيعة، ولذلك فهو متهم فيهم.
ومنها: وقال الدوري: عن ابن معين، لم يدع جابراً ممن رآه إلا زائدة، وكان جابر كذاباً.
قلت: من رآه أعرف به، فإذا لم يتركوه فهو قرينة لصدقه، لأنهم لا يأخذون عمّن هو عندهم كذّاب في روايته عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).. وأما زائدة فهو عثماني ضد الشيعي، فهو متهم بالعداوة المذهبية.
قلت: كثر عن زائدة الجرح في الشيعة، فظهر تحامله عليهم. يؤكد ذلك أنه ذكر ابن حجر في ترجمته: قال أبو داود الطيالسي وسفيان بن عيينة: حدّثنا زائدة ابن قدامة وكان لا يحدث قدرياً ولا صاحب بدعة. فقوله: قدرياً، يشعر بأنه غير مجبري، لأنهم يسمون العدلية قدرية.
وقال أبو حاتم: كان ثقة صاحب سنّة ـ إلى أن قال ـ وقال ـ أي ابن سعد: كان ثقة صاحب سنّة ـ إلى أن قال ـ: وقال أبو نعيم: كان زائدة لا يكلم أحداً حتى يمتحنه، فأتاه وكيع فلم يحدثه... انتهى. قلت: كان وكيع شيعياً. فظهر أن زائدة عثماني كما لا يخفى على من عرف اصطلاحهم، مع أن اعتقاده في جابر أنه يؤمن بالرجعة لعله الباعث له على تكذيبه ـ كما قال يحيى بن معين فيمن سب الذين سماهم من الصحابة: فهو دجّال لا يكتب عنه ـ وقد مرّ ذكره. فمعنى أنه كذّاب أنه يقول بالرجعة.
ويؤكد هذا ما رواه ابن حجر في ترجمته عن ابن عدي من قوله فيه: وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة.
وفي سنن الدارقطني ( ج 1 ص 379 ): حدّثنا محمد بن يحيى بن مرداس، حدّثنا أبو داود، سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يتكلم في جابر لحديثه إنما تكلم فيه لرأيه... انتهى.
نعم، أما القول بالرجعة فمعناه القول بأن عليّاً(عليه السلام) يرجع إلى الدنيا، وهذا لا يوجب الجرح. وأما تفسير القول بالرجعة بأكثر مما تحتمله كلمة الرجعة فهو مردود. وإنما هو تحامل من خصوم القائلين بالرجعة على خصومهم.
ومن ذلك قول ابن حجر: وقال سلام بن أبي مطيع: قال لي جابر الجعفي: عندي خمسون ألف باب من العلم ما حدّثت به أحداً، فأتيت أيوب فذكرت هذا له فقال: أما الآن فهو كذاب.
وفيه: وقال الحاكم: منسوب إلى الغفلة وسوء الحفظ، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به... انتهى.
فقد ظهر من هذا أنه متشدد في السنّة بزعمهم في معنى السنّة، شديد على المخالفين له.
وقد قال مقبل في الرياض ( ص 13 ): والصراع قديم بين أهل السنّة والشيعة المبتدعة، وجابر عندهم من الشيعة المبتدعة فهم خصومه، فلا يقبل فيه جرحهم له.
ومن ذلك قوله ـ أي ابن حجر ـ في تهذيب التهذيب: وقال جرير بن عبد الحميد عن ثعلبة: أردت جابراً الجعفي فقال لي ليث بن سليم: لا تأته فإنه كذّاب. قال جرير: لا أستحل أن أروي عنه، كان يؤمن بالرجعة(1)[62]).
قلت: قد ظهر من جرير التحامل عليه فلا يقبل فيه جرحه، وثعلبة ليس من المشاهير، ولو صح قول ليث فهو يحتمل أنه كذبه لاعتقاده القول بالرجعة وهو عنده كذب، وهم يغضبون لهذا القول، وقد بالغوا في تشنيع هذا القول، حتى زعموا أن الشافعي قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت من جابر الجعفي كلاماً فبادرت ـ خفت ـ أن يقع علينا السقف، قال سفيان: كان يؤمن بالرجعة.
قلت: بمثل هذا الإرجاف يغتر المقلدون، فأما من حرر فكره فإنه يعرف أن القول بالرجعة بناء على رواية يظن القائل بها أنها صحيحة واطمأنت بها نفسه، فالقول بالرجعة على هذا لا يوجب سقوط السقف، وهل كانوا يفرون إذا سمعوا لعن علي(عليه السلام)على منابر الأموية خشية أن يسقط السقف ؟
ومن ذلك قول ابن حجر: وقال إبراهيم الجوزجاني كذّاب.
__________
(1) 62]) تهذيب التهذيب 2: 46 ـ 51 ترجمة جابر الجعفي ط. دائرة المعارف النظامية ـ الهند.
قلت: وإذا كان لا يقبل قول مبتدع في مبتدع، فبالأولى أن لا يقبل قول مبتدع فيمن هو على الحق الذي جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وسواء كان جابر على الحق أم مبتدعاً فلا يقبل فيه قول الجوزجاني. فأعجب لابن حجر حيث أورد كلامه في جابر، وأعرف بذلك أنه يريد تكثير الجرح، وإن لم يكن صحيحاً ما كثّر به، كما أن كلامه يفيد ما كررناه من أنه لا يقبل جرح العدو في عدوّه.
قال: وقال الحميدي عن سفيان ـ أي ابن عيينة ـ: سمعت رجلاً سأل جابراً الجعفي عن قوله: ] فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي [(1)[63]) قال: لم يجئ تأويلها بعد. قال سفيان: كذب، قلت: ما أراد بهذا ؟ قال: الرافضة تقول: إن عليّاً في السماء لا يخرج من يخرج من ولده حتى ينادي من السماء اخرجوا مع فلان. يقول جابر: هذا تأويل هذا.
__________
(1) 63]) سورة يوسف: الآية 80.
__________
(1) 64]) سورة يوسف: الآية 101.
(2) 65]) سورة يوسف: الآية 41.
ومن ذلك قوله ـ أي ابن حجر ـ: وقال شبابة عن ورقاء عن جابر: دخلت على أبي جعفر الباقر فسقاني في قعب حسائي ( كذا ) حفظت به أربعين ألفاً.
ومن ذلك قوله: وقال يحيى بن يعلى: سمعت زائدة يقول: جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
قلت: اعتقاد القوم في جابر هذا الاعتقاد وشبهه هو الذي جعلهم يشنون عليه الغارات ويتعصبون عليه، وجعل الجرح فيه يربو بطول المدة، فقد كان قليلاً في ترجمته التي في كتاب ابن أبي حاتم وكتاب « التاريخ الكبير » للبخاري، فلم يأت زمان صاحب « تهذيب الكمال » إلا وقد كثر وتولدت أقاويل هامة لو كانت صحيحة لكانت مظنّة أن تذكر في الكتابين، ولم يأت زمان ابن حجر إلا وقد زاد على ما في « تهذيب الكمال » للمزي، لأن العداوة والبغضاء تبعث على التقوّل.
ولذلك تقوّل مقبل على أهل صعدة بما مرّ ذكره، ومن التقوّل أن يدّعوا أنه يشتم الصحابة بعبارة التعميم لأجل رواية رواها، تستلزم ظنّهم شتم بعض، كما سبق ذكره عن ابن معين في مينا ـ وكما سبق لمقبل في ذم الزيدية في كتابه الرياض ( ص 20 ) ـ حيث قال: على أنهم يقدحون في الصحابة... الخ.
والرواية عن يحيى بن يعلى مرسلة، ولا يؤمن أنها من طريق تلميذه الجوزجاني الناصبي المشهور، ولا شك أنه متّهم في الشيعة.
ومن ذلك أقاويل تشبه ما مضى، وقد تضمن الجواب الماضي ما يغني، ومن ذلك قول ابن حبان: كان سبئياً من أصحاب عبدالله بن سبأ.
ولنقتصر على هذا القدر ففيه كفاية للذب عن هذا المحدث العظيم، الذي هو جبل من جبال العلم وركن من أركان الحديث.
3 ـ الحسين بن علوان:
وأما الحسين بن علوان، فإن حديثه عن أبي خالد الواسطي من رواية الإمام أحمد بن عيسى بن زيد حديث طيب سليم من المناكير. والقوم جرّحوه نظراً إلى ما روي عنه عن هشام بن عروة والأعمش، ولعل ذلك مكذوب عليه، توصلاً إلى جرحه، وليس عندنا من ذلك شيء.
وأول ترجمته في كتاب ابن أبي حاتم ( ج 3 ص 61 ) روى عن هشام بن عروة، ولم يذكر غيره.
وأول ترجمته في « الميزان » عن الأعمش وهشام بن عروة.
وأول ترجمته في كتاب « المجروحين » لابن حبان حسين بن علوان من أهل الكوفة، كان يضع الحديث على هشام وغيره من الثقات، ثم ذكر أحاديث عن حسين بن علوان عن هشام احتج بها على أنه يضع الحديث، وأكثرها أرسلها عن حسين بن علوان، ولم يسند منها إلا حديثين عن هشام عن أبيه عن عائشة.
أحدهما: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقّت للنفساء أربعين يوماً إلاّ أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي ولا يقربها زوجها في الأربعين.
قال ابن حبان: حدّثنا بهذين الحديثين أحمد بن عيسى بن المنتصر بكفرسات البربد، أنبأنا إسماعيل بن عباد الأرسوفي عن الحسين بن علوان في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد.
قلت: مقتضى تحامله على الشيعة أن لو كان عنده بهذا السند ما ينكره غير هذين الحديثين لجاء به في ترجمته، ولما عدل عنه إلى تلك المراسيل التي أوردها بلا سند منه إلى حسين بن علوان. كما أن مقتضى تحامله على حسين بن علوان وأضرابه أن يذكر أسانيد تلك المراسيل لو كانت صحيحة، لأنه يسند كثيراً في هذا الكتاب من عنده إلى المجروح، فظهر أن تلك المراسيل ضعيفة، وأنه متّهم في إيرادها للتكثير بما لا يصح.
يؤكد هذا أن من تلك المراسيل حديث ( أربع لا يشبعن من أربع ) وقد رواه السيوطي في اللآلئ المصنوعة ( ج 1 ص 21 ) من طريقين ليس فيهما حسين ابن علوان: أحدهما: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة من طريق عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام، ثم قال: وقال ابن عدي: هذا الحديث منكر عن هشام، لم يروه غير عبد السلام. وأفاد أن له طريقين عن عبد السلام.
قلت: وكلام ابن عدي هو في الكامل في ترجمة عبد السلام بن عبد القدوس ( ج 5 ص 1967 ) ومن العجيب اعتراض ابن طاهر على ابن عدي، فادعا أنه رواه حسين بن علوان وأنه عنه أشهر، ولو كان أشهر لكان مظنّة أن يطلع عليه ابن عدي، فلعل ابن طاهر اغتر بكلام ابن حبان.
قلت: أما السند الأول ففيه أحمد بن عيسى بن المنتصر لم أجد له ترجمة. وأما إسماعيل بن عباد الأرسوفي فترجم له ابن حجر في « لسان الميزان » وهو من زوائده فقال: إسماعيل بن عباد الأرسوفي، روى عن زكريا بن نافع الأرسوفي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر ] يتلونه حق تلاوته [(1)[66]) قال: يتبعونه حق اتباعه. رواه عنه أبو المؤمل العباس بن الفضل الكتاني. قال الدارقطني في الغرائب: باطل وإسماعيل ضعيف، وأُخرج له من هذا الوجه حديث آخر من ( كذا ) مالك بغير واسطة قال: حديث منكر أورده في ترجمة الزهري عن سالم، ومن رواية أبي المؤمل العباس بن حميد بن سفيان الكتاني الأرسوفي عنه، عن يحيى بن المبارك الصنعاني، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رفعه: « شاهد الزور لن تزول قدماه حتى يتبوّأ مقعده من النار » وقال أي الدارقطني: لا يصح عن مالك، وإسماعيل ويحيى ضعيفان، وبه « إمام جائر أيسر من الهرج » الحديث. وقال: هذا منكر وإسناده ضعيف....
فظهر أن سند الحديثين عند ابن حبان غير صحيح إلى حسين بن علوان، فلا يصح الحمل عليه فيهما.
__________
(1) 66]) سورة البقرة: الآية 121.
وأما الحسن بن السكين فترجم له الخطيب في تاريخه، ولم يذكر له توثيقاً ولا جرحاً، ولم أجده في غيره وليس من المشاهير. فلا يتعين الحمل على حسين ابن علوان، على فرض أن الحديث موضوع، بل حديث حسين الذي يرويه عنه الإمام أحمد بن عيسى سليم من المناكير. فالحمل على أحد رواة ابن حبان أولى، لأن سنده غير صحيح عن حسين بن علوان. فكيف نجرح حسين؟ بما لم يصح عنه ؟
وترجم له الخطيب في تاريخه ( ج 8 ص 62 ) فذكر أنه روى عن هشام بن عروة، ومحمد بن عجلان، وسليمان الأعمش، وعمرو بن خالد، وأبي نعيم عمر ابن الصبح، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، أحاديث منكرة. روى عنه أبو إبراهيم الترجماني، وإسماعيل بن عيسى العطار، وزيد بن إسماعيل الصائغ، وأحمد ابن عبيد بن ناصح، وغيرهم. ثم قال الخطيب: أخبرنا علي بن محمد بن عبدالله المعدل، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدّثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، حدّثنا الحسين بن علوان، حدّثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: « كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا دخل الغائط دخلت على أثره فلا أرى شيئاً، فذكرت ذلك له فقال: يا عائشة أما علمت أن أجسادنا نبتت على أرواح أهل الجنة فما خرج منّا من شيء ابتلعته الأرض »....
فهذا مؤكد لرواية ابن حبان، ولعل نكارته عندهم من حيث تفرده عن هشام، مع كون هشام من كبار المحدثين ومشاهيرهم فمن شأنه أن يشتهر عنه.
والجواب: أنه يمكن أن حسين بن علوان سمعه من هشام في قدمته الثالثة إلى العراق.
قلت: فلا يجرح حسين بما رواه عن هشام لأجل هذا الاحتمال، ويؤكده سلامة حديث حسين، عن أبي خالد، ولو كان يتعمد الكذب لظهر في حديثه، ولعرفه الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي الذي يروي عن حسين حديثه كله لا تجد له شيئاً عن غير حسين، فكيف يختاره على غيره وهو كذاب ؟ وكيف يخفى عليه كذبه وهو يتعمد الكذب ؟ بل قد ظهر من اعتماده عليه أنه عنده ثقة، وأنه ليس في حديثه عن أبي خالد الواسطي ما يدل على كذبه فضلاً عن تعمده، مع أن المحدثين قد يوثقون رجلاً في روايته عن رجل مثلاً ويضعفونه في غيرها. وقد ذكر هذا ابن الوزير في تنقيح الأنظار ( ج 1 ص 107 ) من شرح ابن الأمير عليه، وقال ابن الأمير: فهذا كلام حسن وفائدة جليلة.
هذا ولم يذكر الخطيب الأحاديث التي أرسلها ابن حبان عن حسين بن علوان، فتقوّى بذلك أن نسبتها إلى حسين ضعيفة. ولكن الخطيب ذكر بإسناده إلى أحمد بن عبيد بن ناصح، حدّثنا الحسين بن علوان، حدّثني المنكدر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « كل معروف صدقة »....
وهذا أخرجه البخاري في صحيحه ( ج7 ص79 ) عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
أما الحديث الذي رواه الخطيب عن أحمد بن عبيد بن ناصح، عن حسين ابن علوان، عن المنكدر، فيمكن أن الحمل فيه على أحمد بن عبيد بن ناصح إن كان الحديث منكراً، لأن أحمد بن عبيد قد ترجم له الذهبي في « الميزان » فقال فيه: قال ابن عدي: له مناكير، وقال أبو أحمد الحاكم: لا يتابع على جل حديثه، أدرك يزيد بن هارون، وقد روى عن محمد بن مصعب موعظة الأوزاعي للمنصور وفيها مناكير. وقال ابن عدي: هو عندي من أهل الصدق، مع هذا كله ويحدث بمناكير... انتهى.
وأما رواية حسين بن علوان عن الباقر(عليه السلام) وزيد فهي غير منكرة لا سنداً ولا متناً، أما السند فلأن حديثهما لم يدونه المحدثون من تلاميذ يحيى بن سعيد وأضرابهم، فلا يصح أن يستنكر تفرد أبي خالد وحسين بن علوان بهذا الحديث عنهما، كما لا ينكر تفرد الشيعة عن سائر أئمة أهل البيت، لأن المحدثين المخالفين أعرضوا عنهم وجرحوا في أكثر الرواة عنهم فقل حديثهم عند القوم. أما الشيعة فأقبلوا إليهم ورغبوا في علمهم، فكان عندهم منه ما ليس عند غيرهم، وهذا واضح عند الإنصاف.
وأما رفع اليدين عند الابتهال إلى الله، فهو غير مستنكر، فليس في معنى الحديث ما ينكر.
فالحاصل، أن الذي أنكره القوم وكذّبوا حسين بن علوان بسببه كله أو جله عنه عن هشام، وقد قلنا: يمكن أنه سمعه منه في قدمة هشام الثالثة إلى العراق في حال كبره وتغير حفظه، فحديثه عن هشام ضعيف. وهذا لا ينافي صحة حديثه عن أبي خالد، وحديثه عند الزيدية عن أبي خالد، وقد ثبت عندنا أنه ثقة والتفرد من الثقة غير قادح.
4 ـ عمرو بن شمر:
وأما عمرو بن شمر، فذكره ابن أبي حاتم وافاد أن عمرو بن علي قال: إنه منكر الحديث، وإنه قال أبو حاتم: منكر الحديث جداً ضعيف الحديث لا يشتغل به تركوه، وأنه قال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
فهؤلاء نظروا إلى حديثه، فلننظر في حديثه كما نظروا، فإن كان منكراً تركناه وإن كان صالحاً لم نقلدهم، لأنهم مخالفون متّهمون في الشيعة وحديث الشيعة.
وقال ابن أبي حاتم: قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سمعت يحيى ابن معين يقول: عمرو بن شمر ليس بثقة... انتهى.
ويخشى أن عبد الرحمن بن أبي حاتم اغترّ ولم ينتبه أنها مكيدة مدبّرة للشيعة من أعدائهم لجرح الشيعة وتوثيق خصومهم ومن يتعصبون له.
ولم يرو عنه حديثاً يستدل به على دعواه كما هي عادته في رواية شيء من حديث المجروح أو المضعف احتجاجاً لجرحه أو تضعيفه. وكأنه هنا لم يجد شيئاً يثبت به صحة دعواه هذه على عمرو.
وحديثه عند الزيدية يوجد في الكتب التي لا تلتزم راوياً واحداً، وهو قليل وليس فيه عندنا ما ينكر.
قال السياغي في الروض النضير ( ج 1 ص 529 ) عن الطبقات: هو ـ أي عمرو بن شمر ـ ممن أخرج له محمد بن منصور في الأمالي وكتاب الذكر وثّقه المؤيد بالله، وقد ذكر أنه لا يروى إلا عن ثقة سمعه من فم الثقة، وروى له غيره من الأئمة، فعرف أنه من خيار شيعة أئمتنا، وإنما جرّح بسبب رواية الفضائل....
قلت: الطبقات: من كتب الزيدية في الجرح والتعديل. والروض: هو « الروض النضير » شرح مجموع زيد بن علي(عليه السلام)ومؤلفه القاضي العلامة حسين ابن أحمد السياغي، وهو كتاب مطبوع منشور، وأنا أرويه عن سيدي العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي، قال أيّده الله: وأما الروض النضير فأرويه بطرق أعلاها عن والدي(رضي الله عنه)، عن شيخه العلاّمة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي، عن حفيد المؤلف ابن بنته العلاّمة الحافظ أحمد بن محمد السياغي المتوفى سنة ( 1323 )، عن السيد العلاّمة بدر الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الكبسي المتوفى سنة ( 1289 هـ )، عن أبيه رضي الله عنهم، عن المؤلف القاضي العلاّمة شرف الدين الحسين بن أحمد السياغي الحيمي الصنعاني، المتوفى سنة (1221 هـ).
وأما عبد السلام بن صالح أبو الصلت الهروي، فقد تكلموا فيه بسبب ما رواه من الفضائل لأنهم ينكرونها. قال الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 126 ) والصفحة بعدها ما لفظه: وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول: سمعت أبا العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى ابن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة، فقلت: أليس قد حدث عن أبي معاوية عن الأعمش « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ؟ قال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة مأمون، سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول، وسئل عن أبي الصلت الهروي فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت ؟ فقال: هو صدُوق، فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها » فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، كما رواه أبو الصلت، انتهى المراد.
وفيه دلالة واضحة أنهم يجرحون برواية الفضائل، ألا ترى إلى قول العباس بن محمد الدوري: « أليس قد حدث عن أبي معاوية... »، وقول صالح بن محمد بن حبيب كذلك ؟ وذلك أنهم يرونها مناكير ليجرحون راويها لأنه عندهم يروي المناكير، فلهذا لا يوثق بجرحهم للشيعة. مع أن التشيع عندهم من أسباب الضعف، ألا ترى أن الذهبي قال في ترجمة أبي الصلت في الميزان: عبد السلام بن صالح ( ق ) أبو الصلت الهروي الرجل الصالح إلا أنه شيعي جلد. ثم نقل جرحهم له، ثم قال: وقال عباس الدوري، سمعت يحيى يوثق أبا الصلت، وقال ابن محرز عن يحيى: ليس ممن يكذب، انتهى المراد.
وقال الخطيب في ترجمته ( ص 48 ): أخبرني عبيد الله بن عمر الواعظ، حدّثنا عمر بن الحسن بن علي بن مالك قال: سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي فقال: ثقة صدوق إلا أنه يتشيع. انتهى. وقد زاد جملة من هذا القبيل في ( ص 50 ) فليراجعه من أراد الزيادة.
6 ـ علي بن مهدي القاضي:
وأما علي بن مهدي القاضي. فذكره الذهبي في الميزان في ترجمة الإمام علي ابن موسى الرضا(عليهما السلام)، وذكر أن له صحيفة عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام). ولا أعرف هذه الصحيفة إن كانت غير الصحيفة الموجودة عندنا التي يرويها عبدالله ابن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام). ولا أعرف لعلي بن مهدي حديثاً عند أصحابنا.
7 ـ عامر الطائي:
وأما عامر الطائر فالصواب ( الطائي ) جد عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي. وراوي الصحيفة هو عبدالله بن أحمد عن أبيه، عن الإمام علي بن موسى(عليهما السلام).
قال في كنز العمال ( ج 15 ص 134 ) الطبعة الثانية طبعة حيدرآباد الدكن الهند سنة ( 1388 هـ ) في الفضائل في قسم الأفعال في فضائل علي(عليه السلام)قال الشيخ جلال الدين السيوطي: هكذا وقع لنا في هذا الإسناد أحمد بن عامر رواية غير ابنه عنه قال: وقال الذهبي: عبدالله بن أحمد بن عامر عن أبيه من ( عن ) أهل البيت، له نسخة باطلة فما اتهم إلا الابن دون الأب قال السيوطي: وهذا الطريق من رواية غير الابن والأب موثق فإما أن تكون هذه متابعة للابن فيخرج عن التهمة فإن هذه النسخة وغيرها من النسخ المحكوم ببطلانها ليست كلها باطلة بل غالبها، وفيها أحاديث لها أصل، وإما أن يكون هذا التابع ممن يسرق الحديث فسرقه من الابن وحدث به عن الأب بغير واسطة كما هو دأب سراق الأحاديث ولم أقف لهذا الرجل على ترجمة، انتهى المراد.
هذا والصحيفة لها شواهد، ولها تخريج مطبوع معها، مع أن كلام الذهبي في عبدالله بن أحمد غير مقبول فالتهجين به مردود.
وأما داود بن سليمان القزويني فالمعروف داود بن سليمان الغازي، وقد ذكره الذهبي في « الميزان »، وقال فيه: الجرجاني ولم يقل فيه: القزويني، والقزويني علي بن محمد بن مهرويه، الراوي عن داود بن سليمان الغازي، وحديثه قليل في أمالي أبي طالب. وجرح الذهبي له مردود لتعصب الذهبي ضد الشيعة. فالتهجين المبني على تقليد الذهبي وقبول قوله في خصومه لا يليق بمنصف.
9 ـ الحارث الهمداني:
وأما الحارث بن عبدالله الهمداني، فقال فيه صاحب « تهذيب التهذيب »: الحارث بن عبدالله الأعور الهمداني الخارفي أبو زهير الكوفي. ثم قال: روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وبقيرة امرأة سلمان. روى عنه الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو البخترى الطائي، وعطا بن أبي رباح، وعبدالله بن مرة وجماعة، انتهى المراد.
ونحو هذا في ترجمته في كتاب « الجرح والتعديل » لابن أبي حاتم وفيه ( ج 3 ص 79 ): حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شريك عن جابر، عن عامر قال: لقد رأيت الحسن والحسين رحمهما الله يسألان الحارث الأعور عن حديث علي. انتهى المراد.
وفي ترجمة الحارث في « تهذيب التهذيب »: وقال أشعث بن سوار، عن ابن سيرين: أدركت الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث حدّثني بعبيدة ومن بدأ بعبيدة حدّثني بالحارث. وقال علي بن مجاهد، عن أبي جناب الكلبي، عن الشعبي: شهد عندي ثمانية من التابعين الخيّر فالخيّر، منهم سويد بن غفلة، والحارث الهمداني حتى عد ثمانية أنهم سمعوا عليّاً يقول، فذكر خبراً.
قلت: هذه الرواية عن الشعبي ضعيفة، لأنها من رواية عن المغيرة بن مقسم الضبي. وذكر الذهبي في التذكرة ( ج 1 ص 135 ) مغيرة وقال عن أحمد أنه قال فيه ـ أي في المغيرة ـ: ذكي حافظ صاحب سنّة.
قلت: يسمون من كان على مذهبهم صاحب سنّة. ولقد عُقد في سنن أبي داود كتاب من كتبها اسمه كتاب السنّة، وهو المشتمل على الروايات الموافقة لمذهبهم. ولذلك لا يطلقونه على الشيعي المخالف لما يتعصبون له وإن كان من كبراء علماء الحديث، ثم قال الذهبي: وكان ـ أي مغيرة ـ عثمانياً، وكان يحمل على علي بعض الحمل، انتهى المراد.
وذكر ابن حجر في « تهذيب التهذيب » عن العجلي أنه قال في مغيرة: إنه كان عثمانياً.
قلت: فإذا لم يتجاسر على الكذب الصراح، فلا يبعد منه التدليس بأن يقول كما رواه ابن أبي حاتم في ترجمة الحارث بسنده عن المغيرة، قال: سمعت الشعبي يقول: حدّثني الحارث وأنا أشهد أنه أحد الكذّابين.
والتدليس في هذا أن يجعل قول الشعبي هو حدّثني الحارث فقط. وقوله: وأنا أشهد... الخ. عطف على قوله: سمعت الشعبي يقول: حدّثني الحارث. فصار أصل المعنى: سمعت الشعبي يروي عن الحارث وأنا أشهد أنه أحد الكذابين ـ يعني المغيرة ـ أنه هو يشهد أن الحارث أحد الكذابين، فيسمعه أحد الرواة عن المغيرة فيتوهم أن قوله: وأنا أشهد... الخ من كلام الشعبي فيرويه على ما توهم، فيقول عن مغيرة عن الشعبي، حدّثنا الحارث: وكان كذاباً.
والواقع أن قوله: وكان كذّاباً، من كلام المغيرة إلا أنه دلسه، يؤكد هذا أن في مسند أحمد بن حنبل ما يدل على أن الشعبي يقبل حديث الحارث، فإنه أخرج في ( ج 1 ص 133 ): حدّثنا محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن الشعبي قال: لعن محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)آكل الربا ومؤكله، إلى قوله: فقلت: من حدّثك ؟ قال: الحارث الأعور الهمداني. انتهى. فدل على قبوله لحديثه.
فثبت أنه لا عمل على رواية محمد بن شيبة التي ذكرناها.
وأما ما روي من طريق زائدة عن إبراهيم أن الحارث اتّهم، فقد مرّ القول في زائدة في ترجمة جابر، وأن زائدة متّهم في الشيعة. مع أن قوله « اتهم » لا يلزم منه جرحه، لأنه يمكن أنه يعني اتّهم بمذهب مخالف لمذهب إبراهيم، أو أنه اتّهمه بعض خصوم الشيعة الذين يتهمونهم بسبب رواية الفضائل بالكذب.
* * *
السنة المتّبعة في الجرح والتعديل
وفي « تنقيح الأنظار » لابن الوزير وشرحه لابن الأمير ( ج 2 ص 146 ): ( فإن العداوة إذا وقعت بين مؤمنين متفقي العقيدة لم يقبل كلام أحدهما في الآخر، كيف أمر العقائد )(1)[67]) ؟ فإن التعادي عليها عظيم بل سفكت بسببها الدماء، وهتكت المحارم، وارتكبت القبائح بسببها والعظائم، كما يعرف ذلك من له إلمام بكتب التاريخ والرجال، إلى أن قالا: ( فقد جرح بذلك ) أي بأمر العقائد ( خلق كثير ) بل أكثر ما تجد الجرح في كتب الرجال يكون بالرفض والنصب والغلو في التشيع والقول بخلق القرآن، وكل ذلك من مسائل الاعتقاد. ( ووقع في الجرح به عصبية في الجانبين، لا سيما من كان داعية إلى مذهبه فإنه يبغض ويحمل على الوقيعة فيه ) انتهى المراد.
وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب » في ترجمة الحسن بن صالح ( ج 2 ص 288 ): وقال العجلي: كان حسن الفقه من أسنان الثوري ثقة، ثبتاً متعبداً، وكان يتشيع، وكان ابن المبارك يحمل عليه بعض الحمل لمحال ( كذا ) التشيع، انتهى المراد.
وقال ابن حجر في « تهذيب التهذيب »، في آخر ترجمة مسلم الملائي: ومن منكراته حديثه عن أنس في الطير، رواه عنه ابن فضيل، وابن فضيل ثقة، والحديث باطل. انتهى المراد.
قلت: حديث الطير عن أنس من طرق عديدة، ولكن القوم هكذا يتحاملون على الشيعة.
__________
(1) 67]) هكذا في الأصل ولعل الصواب « فكيف بأمر العقائد ». ( المحقق ).
وقال ابن حجر في ترجمة عمرو بن جابر الحضرمي: وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة. انتهى المراد.
وقال في « تهذيب التهذيب » في ترجمة فطير: قال الساجي: وكان يقدم عليّاً على عثمان ـ إلى أن قال ـ: وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه ـ إلى أن قال ـ: وقال ابن أبي خيثمة: سمعت قطبة بن العلائي يقول: تركت فطراً لأنه يروي أحاديث فيها أزرأ على عثمان. انتهى المراد.
وفي تهذيب التهذيب ( ج 8 ص 131 ) في ترجمة عمران بن داور: وقال الآجري، عن أبي داود: هو ـ أي عمران ـ من أصحاب الحسن، وما سمعت إلا خيراً. وقال مرة: ضعيف، أفتى في أيام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء. ثم قال: وقال أبو المنهال، عن يزيد بن زريع: كان ـ أي عمران ـ حرورياً، كان يرى السيف على أهل القبلة. قال ابن حجر: في قوله: « حرورياً » نظر، ولعله شبّهه بهم، وقد ذكر أبو يعلى في مسنده القصة عن أبي المنهال في ترجمة قتادة عن أنس، ولفظه: قال يزيد: كان إبراهيم ـ يعني ابن عبدالله بن الحسن ـ لما خرج يطلب الخلافة استفتاه عن شيء فأفتاه بفتيا قتل بها رجال مع إبراهيم. انتهى المراد.
فانظروا كيف جعلوه خارجياً لما خالف مذهبهم في منع الخروج على الظلمة.
وقال ابن حجر في ترجمة قيس بن الربيع: وقد ذكر في ترجمته عن شعبة، عن حصين أنه أثنى على قيس، وكذا عن سفيان وأنه وثقه هو وشعبة وغيرهما. وقال في ترجمته: عن شعبة أنه قال: ألا ترى إلى يحيى بن سعيد يقع في قيس بن الربيع ؟ لا والله ما إلى ذلك سبيل. وقال عبيد الله بن معاذ، عن أبيه: سمعت يحيى ابن سعيد ينقص قيساً عند شعبة، فزجره ونهاه، وقال عفان: وقلت ليحيى بن سعيد: هل سمعت من سفيان يقول فيه يغلطه أو يتكلم فيه بشيء ؟ قال: لا، قلت ليحيى: أفتتّهمه بكذب ؟ قال: لا. قال عفان: فما جاء فيه بحجة ـ إلى أن قال في آخر ( ص 394 ) ـ وسئل أحمد: لم ترك الناس حديثه ؟ فقال: كان يتشيّع ويخطئ في الحديث، انتهى المراد.
قلت: فيه خلاف كبير بينهم، ومن طالع ترجمته عرف هذا.
وانظر لترجمة قتيبة بن سعيد لمّا مالوا إليه اغتفروا له رواية الحديث الذي حكموا بوضعه، ورجح ابن حجر أنها غلطة، ولم يجعلها قادحة، ولا رضي بأن تنسب إليه الغفلة من أجلها.
وكذلك عنبسة بن سعيد بن العاص، اغتفروا له أنه جليس الحجاج سفاك الدماء ظلماً وعدواناً. قال في ترجمة عنبسة في تهذيب التهذيب ] خ م د [: ] عنبسة [: ابن سعيد ـ أي أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود ـ ثم قال: قال ابن معين وأبو داود والنسائي والدارقطني: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الدارقطني: كان جليس الحجاج. قال ابن حجر: وروى عنه أيضاً محمد بن عمرو ابن علقمة. قال الزبير: كان انقطاعه إلى الحجاج، وقال ابن أبي حاتم في ترجمة نصر بن مزاحم ( ج 8 ص 468 ) من كتاب الجرح والتعديل: سألت أبي عنه فقال: واهي الحديث، متروك الحديث، لا يكتب حديثه، كان شبه عريف، قال صاحب الحاشية عليه: وفي اللسان وفي الشافي ( ج 1 ص 254 ) أنه ولاّه محمد ابن محمد بن زيد بن علي(عليه السلام) على السوق أيام أبي السرايا، انتهى المراد.
لقد مال الأنام معاً علينا***كأن خروجنا من خلف ردم
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ( ج 4 ص 181 ) في ترجمة سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر الكوفي ما لفظه: وقال أبو هشام الرفاعي: حدّثنا أبو خالد الأحمر الثقة الأمين. وقال أبو حاتم: صدُوق. وقال الخطيب: كان سفيان يعيب أبا خالد الأحمر بخروجه مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وأما أمر الحديث فلم يكن يطعن عليه. انتهى المراد.
__________
(1) 68]) صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، الحديث رقم 4425.
فهذا إعراض واضح لعل سببه الخوف من بني العباس، فليس يصح تفسيره بالعيب.
ثم قال الخطيب: « قلت: كان سفيان يعيب على أبي خالد خروجه مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن »، فظهر من ترتيب الخطيب هذا الكلام على إعراض سفيان أنه دليل على أنه لا مستند له إلا الإعراض المذكور، ولو كان سفيان صرح بذلك لذكره الخطيب لأنه أحوج إليه. ثم روى الخطيب بإسناده عن أبي داود قال: وأبو خالد الأحمر خرج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن فلم يكلمه سفيان حتى مات.
قلت: لا دليل على صحة هذا النفي، ولعله لا يكلم أبا خالد بمحضر الناس، للخوف من بني العباس، لأن سفيان قدوة وهو مظنّة أن تراقبه الحكومة أشد من غيره، فيحتاج إلى الإعراض عنه لئلا يتهم بالميل إليه، وقد ترجم الخطيب لأبي خالد الأحمر ترجمة فيها توثيق أبي خالد ومدحه.
هذا وإنما أنكرت قول الخطيب لأن سفيان الثوري لم يكن من أعداء أهل البيت وأعداء شيعتهم، وكذلك الأعمش، ووكيع، وابن نمير، وسلمة بن كهيل، ومنصور بن المعتمر، والحسن بن صالح، ويحيى بن آدم، وآخرون.
ولنرجع إلى ما كنا بصدده، قال ابن حجر في لسان الميزان ( ج 6 ص 32 ): مسلم بن أبي كريمة، عن علي: مجهول انتهى. وذكره ابن حبان في الثقات قال: إلا أني لا أعتمد عليه ـ يعني لأجل التشيع ـ ثم قال ـ أي في « لسان الميزان » ـ: مسلم مولى علي(رضي الله عنه). قال ابن حبان في الثقات: لا أعتمد عليه، ولا يعجبني الاحتجاج بخبره للمذهب الرديء، يعني التشيّع. انتهى المراد.
وفي « الميزان » في ترجمة سالم بن أبي حفصة: قال الفلاس: ضعيف مفرط في التشيع، وأما ابن معين فوثقه، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: عيب عليه الغلو، وأرجو أنه لا بأس به. وقال محمد بن بشير العدوي: رأيت سالم ابن أبي حفصة أحمق ذا لحية طويلة يا لها من لحية، وهو يقول: وددت أني كنت شريك علي(عليه السلام)في كل ما كان فيه.
الحميدي، حدّثنا جرير بن عبد الحميد قال: رأيت سالم بن أبي حفصة وهو يطوف بالبيت وهو يقول: « لبيك مهلك بني أمية »، روى هذا محمد بن حميد عن جرير. وفي « الميزان » أيضاً: أسد بن وادعة، شامي من صغار التابعين ناصبي يسب، قال ابن معين: كان هو وأزهد الحراني وجماعة يسبون عليّاً(رضي الله عنه). وقال النسائي: ثقة.
وفيه في ترجمة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): لم يحتج به البخاري. قال يحيى بن سعيد: مجالد أحب إليّ منه. وفيه في ترجمة مجالد بن سعيد: وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وقال الفلاس: سمعت يحيى ابن سعيد يقول: لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله لفعل.
وقال في « الميزان » في ترجمة عبد الملك بن عبد العزيز أبي نصر التمار: وثّقه النسائي وأبو داود وغيرهما، وكان ممن امتحن في خلق القرآن فأجاب وخاف(2)[70]) فقال سعيد بن عمرو: سمعت أبا زرعة يقول: كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب. قال الذهبي: هذا تشديد ومبالغة، والقوم معذورون... الخ.
قلت: يعني أنهم أكرهوا على الجواب في مسألة خلق القرآن، فهم معذورون بالإكراه، وإن كان الأفضل عنده الامتناع وتحمل عقوبة الحكومة.
وفي ترجمة عثمان بن عمير أبي اليقظان: وقال أحمد بن حنبل: أبو اليقظان خرج في الفتنة مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن. انتهى المراد.
قلت: انظر كيف سمّاها فتنة ؟ وقد قال الله تعالى: ] فقاتلوا التي تبغي [(3)[71]). وفي « تهذيب التهذيب »: محمد بن العلاء أبي كريب، قال حجاج بن الشاعر: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لو حدثت عن أحد ممن أجاب في المحنة لحدثت عن أبي معمر وأبي كريب. انتهى المراد.
__________
(1) 69]) يأتي تفسير الحديث في ص 232.
(2) 70]) كذا، ولعله بالمعجمة ( المؤلف ).
(3) 71]) سورة الحجرات: الآية 9.
وهذا كاف في الجواب عن اعتراضه ـ أي اعتراض مقبل ـ في بقية من سمّاهم ممن هو من رجال الزيدية الذين يروون عنهم. ولكنّ في كلامه نظراً، لأن الذين ذكرهم محمد بن إبراهيم الوزير في « تنقيح الأنظار » ثمانية، وهم: أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، والحسين بن علوان، وداود بن سليمان الغازي، والحسين بن عبدالله بن ضميرة، وأبو هارون عمارة بن جوين العبدي، وكادح بن جعفر، وحسين بن عبدالله بن عباس، والأشج، وفي نسخة « تنقيح الأنظار »: الأشج بن أبي الدنيا، وزاد مقبل من ترجمة علي بن موسى في « ميزان الذهبي »: علي بن مهدي القاضي، وعامر بن سليمان الطائي، وأبا الصلت الهروي، وعبد السلام بن صالح(1)[72])، وقد تقدم الجواب في الثلاثة هؤلاء، وذكرنا أنّا لا نعرف في كتب الزيدية علي بن مهدي القاضي، وأن راوي الصحيفة أحمد بن عامر لا أبوه، كما ذلك في حاشية كتاب مقبل مستدرك على الأصل، أو هو تلافاه. والذين قال من ذاكرته(2)[73]): جابر الجعفي، والحارث الهمداني.
10 ـ إسحاق بن محمد الأحمر:
وقد مرّ الجواب في جابر الجعفي والحارث الهمداني، وأما إسحاق بن محمد الأحمر فلا أعلمه في شيء من كتب الزيدية، وما أظنه إلا واهماً في جعله ممن تروي عنهم الزيدية، ولو كان منهم لكان مظنّة أن يذكره السيد محمد بن إبراهيم الوزير في « تنقيح الأنظار »، لأنه أحق بأن تعاب عليهم الرواية عنه ممن ذكرهم إن كان كما زعموا.
__________
(1) 72]) هكذا في الأصل. وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي.
(2) 73]) يعني قول مقبل: « كتبت هذه الاسماء... إلى قوله: وبعضها من ذاكرتي ) راجع ص80.
ثم روى الخطيب بإسناده من طريق إسحاق حديث كميل بن زياد النخعي، عن أمير المؤمنين(عليه السلام)الذي فيه: « يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها »(1)[74]) وهذا الحديث لم يروه أبو طالب والمرشد بالله من طريق إسحاق، بل من طريق غيره. ثم روى الخطيب بإسناده قصّة في جود عبدالله بن جعفر، أن أعرابياً أتى عبدالله بن جعفر وهو محموم، فأنشأ يقول:
كم لوعة للندى وكم قلق***للجود والمكرمات من قلقك
ألبسك الله منه عافية***في نومك المعتري وفي أرقك
أخرج من جسمك السقام كما***أخرج ذم الفعال من عنقك
فأمر له بألف دينار.
__________
(1) 74]) نهج البلاغة: حِكَم أمير المؤمنين(عليه السلام)، الرقم 147، ص495 ( بتحقيق الدكتور صبحي الصالح ).
11 ـ كادح بن جعفر:
وأما كادح بن جعفر، فهذه ترجمته في كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( ج 7 ص 176 ): كادح بن جعفر أبو عبدالله، روى عن عبدالله بن لهيعة، روى عنه علي بن جعفر الأحمر، وحسن بن حسين العرني. حدّثنا عبد الرحمن، حدّثنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إليّ قال: سألت أبي عن كادح ابن جعفر فقال: ليس به بأس، حدّثنا عبد الرحمن قال: حدّثني أبي، حدّثنا علي ابن جعفر الأحمر، حدّثنا كادح بن جعفر وكان ما علمته من المتّقين، حدّثنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن كادح بن جعفر فقال: كان من العباد، وكان كوفياً فوقع إلى مصر، فسمع من ابن لهيعة وغيره وهو صدُوق. انتهى المراد.
والأزدي فيه كلام، قال فيه ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري ( ص 387 ): والأزدي لا يعتمد إذا انفرد، فكيف إذا خالف ؟ انتهى المراد.
وقال في ( ص 289 ): والأزدي لا يعرج على قوله. وقال في ( ص 391 ): ولا يعتمد على الأزدي.
12 ـ حسين بن عبدالله بن ضميرة:
وأما حسين بن عبدالله بن ضميرة، فالجواب فيه كالجواب في أبي خالد الواسطي، وقد مر.
13 ـ الحسين بن عبدالله بن عباس:
وأما الحسين بن عبدالله بن عباس، فإن صح أن الهادي روى عنه في المنتخب فيحتمل أنه عنده ثقة. فلا التفات إلى جرح المخالفين في أسباب الجرح. ويحتمل أنه روى الحديث لموافقته ما قد صحّ عنده بدليل آخر، كما يقولون في مسلم: إنه قد يروي الحديث بالسند الذي ليس صحيحاً لعلوه ووجود سند آخر، فيختار العالي في كتابه اعتماداً على الصحيح الذي لم يذكره، ويحتمل أنهم ـ أي الزيدية ـ رووا عنه لاقتران روايته بشواهد كثيرة تقوّيها، وهذا واضح في روايته في الجمع بين الصلاتين أن لها شواهد تجعلها قوية جداً.
هذا وقد أورد مقبل في كلامه الذي يعيب فيه كتب الزيدية من هو مختلف فيه كما تبيّن فيما أجبنا به. والرجال المختلف فيهم كثير في كتب الحديث من كتب الزيدية، ومن كتب أئمة مقبل وسائر كتب الحديث، بل بعض الذين عابهم موجودون في بعض الأمّهات الست. واعلم أن الحارث بن عبدالله يمني همداني، وهو من خاصة أصحاب أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فمنذ متى تدنّست فطر بعض اليمنيين الذين أصبحوا يجرحون الشيعة أصحاب أمير المؤمنين ويثنون على أعدائه ؟ !
قال مقبل ( ص 21 ): على أنه قد قال علامة اليمن محمد بن إبراهيم الوزير(رحمه الله) في كتابه « الروض الباسم »: « إنه لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث، لأنهم ليس لهم تأليف في العلل ولا في الجرح والتعديل » وهو الخبير بكتبهم... الخ.
والجواب: إن حكاية مقبل هذه غير مقبولة، وإنما تأوّل كلام ابن الوزير وجاء به على غير وجهه. ومحل البحث في شأن كتب الزيدية التي في الحديث ( ص 82 و 83 و 84 ) من الروض الباسم، فابحث أيها الناظر لتجد أنه لم ينطق بهذه العبارة التي جاء بها مقبل، وإنما خلاصة كلامه في ( ص 82 و 83 ) منع الاقتصار عليها بدعوى أنها غير وافية بمقصود المجتهد الذي يشترط في الاجتهاد معرفة العلل والجرح والتعديل. وخلاصة كلامه ـ أي ابن الوزير ـ في ( ص 84 ) دعوى أن كتب الزيدية الحديثية أضعف من كتب المحدثين، لأن كتب الزيدية مراسيل، وهم يقبلون أخبار المتأوّلين أو أهل الأهواء على اختلاف العبارات، وقصده بهذا تضعيف كتبهم المرسلة، كالشفاء بالنسبة إلى كتب المحدثين، التي هو بصدد الجدال عنها، وبالغ في ذلك حتى قال في ( ص 85 ): وعلى الجملة، فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه قبلوا مرسل من يقبلهم من أئمتهم، وإن لم يقبلوا المجهول قبلوا مرسل من يقبله، ولا يعرف فيهم من يتحرز من هذا البتة، وهذا يدل على أن حديثهم في مرتبة لا يقبلها إلا من جمع بين قبول المراسيل، بل المقاطيع، وقبول المجاهيل وقبول الكفار والفساق من أهل التأويل، فكيف يقال مع هذا: إن الرجوع إلى حديثهم أولى من الرجوع إلى حديث أئمّة الأثر ونقاده... الخ ؟
فهل تراه يقول: لا يجوز الرجوع إليها ؟ أم ليس يعني إلا ما ذكرنا ؟ فاعرف أنه لا ينبغي الاتّكال على رواية مقبل وأمثاله من أهل التعصب.
الرد على ابن الوزير
ورد على السيد محمد بن إبراهيم السيد العلامة أحمد ابن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي بكتابه الذي سمّاه « العلم الواصم في الرد على الروض الباسم ».
هذا، ولا نكتفي بالرد على مقبل هنا برد نسبته لتحريم الرجوع إلى كتب الزيدية إلى السيد محمد بن إبراهيم الوزير، لأن بطلان النسبة لا يكفي هنا لإبطال القول الذي نسبه مقبل معجباً به مؤكداً له بدعاويه على الزيدية، فمقبل بذلك يدعي، وإن لم يصرح بالدعوى عن نفسه لكنه في المعنى يدعي، أنه لا يجوز الرجوع إلى كتب الزيدية، ولذلك أكّده بقوله: فإذا عرفت أن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضّاعين... الخ.
فنقول: أولاً اعلم أن كتب الزيدية الموجودة اليوم التي يذكر فيها الحديث منها ما هو مسند كمجموع زيد بن علي، وصحيفة علي بن موسى الرضا، وأمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أبي طالب، وسلوة العارفين، فيها حديث مسند، وأمالي المرشد بالله الخميسية، والاثنينية، ويلحق بها شرح التجريد للمؤيد بالله، فالغالب عليه الإسناد. ومن المسند مناقب محمد بن سليمان الكوفي، وكتاب الذكر لمحمد بن منصور المرادي، وكتاب النهي للمرتضى، وكتاب سلسلة الإبريز، والبساط للناصر. ومنها ما هو مرسل الحديث كأصول الأحكام، والشفاء، ويلحق بها الجامع الكافي، فالإسناد فيه نادر. ومنها ما يشتمل على المسند والمرسل وذلك أحكام الهادي والمنتخب له أيضاً.
وأما قوله: « فإذا عرفت أن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضاعين...».
فالجواب: إنك في هذا مقلّد كما قدمناه، وقدمنا الرد على الجرح والتضعيف بأنه من خصومهم أو من رواية خصومهم الذين لا يصدقون فيهم. مع أن في كتبهم ما هو مختلف الأسانيد، كالأماليات. فلو حرم الرجوع إليها لحرم الرجوع إلى سائر الكتب التي هي مختلفة الأسانيد، مع أن المطلع المحقق في علم الرجال ينتقد الحديث ويميز بين الروايات ويأخذ الجيد ويترك الرديء، وإن اختلفنا نحن وأنت في الجيد والرديء. وإذا كانت هذه الكتب التي اعتمدها المفتي ـ السيد علي بن هادي ـ صحيحة على مذهبه، فمالك والاعتراض عليه بمذهبك ؟
وأما الكتب المرسلة. فالجواب في شأنها من جهتين:
الجهة الأولى: إذا قبلتم المرسل في الجرح والتعديل لزمكم قبول المرسل في الحديث، فلماذا يحرم الرجوع إليها وأنت لا تحرم الرجوع إلى « ميزان الذهبي » وهو مراسيل ؟ بل دللت عليه الباحثين لمعرفة رجال حديث الزيدية بزعمك.
ومن يكن القاضي له من خصومه***أضرّ به إقراره وجحوده
كيف يحكم في رجال الشيعة من هو معدود من النواصب ؟ حتى قرر ذلك المقبلي وهو غير متهم فيه، واحتج بما يدل على ذلك، وقال فيه في قصيدة له ـ أي المقبلي ـ: « والناصبين كأهل الشام كالذهبي ».
وقال بعض علماء الزيدية:
في كفة الميزان ميل واضح***عن مثل ما في سورة الرحمن
الجهة الثانية: أنه إذا لزم ما ذكره من ترك المراسيل لئلا يعتمد على تصحيح من لا يؤمن أن يصحح غير الصحيح، لزم كذلك ترك اعتماد الكتب المسندة لمن لا يعرف الأسانيد. وإنما يطالع فيها الأسانيد قراءة دون معرفة بالرجال ولا بالعلل، وقد مرّ الاحتجاج لهذا بما فيه كفاية، حيث حققنا أن ذلك تقليد.
وأيضاً قوله: « ليس لهم مؤلفات في الجرح والتعديل » فقد قدّمنا أن العمدة في هذا هو معرفة أحاديث الرجل المحدث، فإنها تكشف عن حاله كما قدمنا. وهذا لا يتوقف على وجود مؤلفات في الجرح والتعديل. مع أنه يمكن معرفة بعض ذلك من التاريخ. وفي « الشافي » للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة جملة وافرة في التاريخ وفي تعداد العلماء ومذاهبهم في العقائد، وهي مفيدة جداً في الجرح والتعديل.
أما الأوائل من الزيدية فقد كان لهم كتاب عبد العزيز بن إسحاق، وللآخرين من الزيدية « طبقات الزيدية » تأليف إبراهيم بن القاسم ابن المؤيد بالله محمد ابن الإمام القاسم بن محمد، و « الجداول » للسيد عبدالله ابن الإمام الهادي القاسمي، وكتاب « الصحيح المختار » للسيد محمد بن حسن العجري. والعالم المحقق يمكنه الاستعانة بكتب سائر الأمة، فإنه مع البحث يمكن أن تحصل له فوائد كثيرة بدون تقليد.
وأما العلل فالواضحة منها القادحة تمكن معرفتها بدون نظر في المؤلفات الخاصة بالعلل، بل بقراءة الحديث والممارسة في الأسانيد ومعرفة الرواة.
ونجيب عن توهم أنهم لا ينظرون في كتب المخالفين بأنه غير صحيح، بل علماؤهم المحققون ينظرون فيها ولكنهم لا يقلدون أهلها، لأنه يمكن منها تحصيل فوائد كثيرة في الجرح والتعديل والعلل، مع التمسك بأصول الزيدية، وتحرير الفكر وتجنب التقليد، والتجربة تدل على ذلك، وإنما ينبغي أن يحذر منها القاصر الذي يخشى عليه التقليد أو الاغترار، لعدم اتقانه للأصول التي تنبني عليها قواعد الجرح والتعديل، والتمييز بين الصحيح وغيره.
قال مقبل: فإذا عرفت أن مؤلفيهم يعتمدون على الضعفاء والوضّاعين، وأن المحدثين يعتمدون على جبال الحفظ والاتقان كسفيان الثوري وأحمد والبخاري، الذين هم في غاية الزهد والورع، ورحم الله القائل إذ يقول:
ذهبت دولة أصحاب البدع***ووهى حبلهمُ ثم انقطع
وتداعى بانصرام جمعهم***جمع إبليس الذي كان جمع
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً***وللناس قالٌ بالظنون وقيلُ
وأما قوله: « وإن المحدثين يعتمدون على جبال الحفظ مثل سفيان وأحمد والبخاري ».
فيرد عليه الاستفسار: هل قوله: « مثل »، يعني به تمثيل المحدثين الذين يعتمدون على جبال الحفظ، فمن هم الجبال ؟ وإن كان يعني بقوله « مثل سفيان وأحمد والبخاري » تمثيل جبال الحفظ المعتمد عليهم، فمن المحدثون الذين أراد مدحهم بهذا ؟ ثم إنّ افتخاره هذا لا يفيده، لأن أسانيد الحديث لا تتصل بسلسلة من الجبال يروي جبل عن جبل وهكذا حتى يصل السند إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولا يكفي وجود جبل أو جبلين في السند مع ضعف بقية رجال السند، بل لو لم يكن في السند إلا ضعيف واحد لصار ضعيفاً، ولم تنفع كثرة الجبال. على أن في أسانيد الزيدية جبال العلم والفضل الذين لا يقاس بهم أحد من خصومهم، ولكنّا نستحيي من ذكرهم في هذا المحل ونجلهم عن المقايسة بينهم وبين البخاري وأحمد.
كتاب جامع البخاري ورواته
وإذ قد زعمت اعتمادهم على جبال الحفظ والاتقان بمعنى أنكم لا تعتمدون على الضعفاء، فأخبرنا: هل جامع البخاري كل أسانيده من طريق سفيان وأمثال سفيان ؟ أم أنت لا تعرف أكثر رجاله فضلاً عن أن تجعلهم جبال الحفظ والاتقان ؟
أليس فيهم عدد كثير مختلف فيهم قد ذكرهم ابن حجر في مقدمة شرحه على البخاري، وهم نحو خمسمائة محدث ؟ ! ! !
منهم: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي.
ومنهم: أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي.
ومنهم: أسامة بن حفص المدني.
ومنهم: أسباط أبو اليسع.
ومنهم: إسحاق بن إسماعيل بن عبدالله بن أبي فروة.
ومنهم: أشهل بن حاتم الجمحي.
ومنهم: أوس بن عبدالله الربعي أبو الجوزاء.
ومنهم: بسر بن آدم الضرير.
ومنهم: بشر بن شعيب بن أبي حمزة، وبكر بن عمرو المعافري، والحسن بن مدرك السدوسي، وخالد بن عبد الرحمن بن بكير السلمي، وخليفة بن خياط بن خليفة العصفري أبو عمرو البصري، وزكريا بن يحيى بن عمر بن حصين بن حميد بن منهب الطائي أبو السكين، وسليمان بن كثير العبدي، وسنان بن ربيعة البصري الباهلي، وعباس بن الحسين القنطري، وعبدالله بن محمد بن أبي الأسود حميد بن الأسود البصري أبو بكر، وعثمان بن الهيثم بن الجهم المؤذن أبو عمرو البصري، وفضيل بن سليمان النميري أبو سليمان البصري، وفليح ابن سليمان الخزاعي، وكهمس بن المنهال السدوسي البصري، ومحمد بن الحكم المروزي، ومحمد بن زياد بن عبيدالله بن زياد بن الربيع الزيادي، ومحمد بن سواء السدوسي البصري، ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، ومحمد ابن فليح بن سليمان، ومحمد بن كثير العبدي البصري، ومحبوب بن الحسن البصري أبو جعفر، ويحيى بن أبي زكريا الغساني الواسطي أبو مروان، ويحيى بن عباد الضبعي أبو عباد البصري.
كما أن ابن حجر قد أغرق في الذب عن أولئك. وظهر منه بعض التدليس. مثال ذلك: أنه قال في ترجمة عباس بن حسين القنطري ( ص 411 ) ما لفظه: فقد وثقه عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عنه فذكره بخير. انتهى. فقوله: « سألت أبي عنه فذكره بخير » ليس توثيقاً، فإذا كان ابن حجر يجعل مثل هذا توثيقاً فلا يوثق به، كلما قال: وثقه فلان. إذ لا يؤمن أن يكون استنبط التوثيق وخرجه تخريجاً فاسداً.
وكذلك ابن معين، روى عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب ( ج 12 ص 5 ) أنه سئل عن ابن أكيمة وقيل له: إنه لم يرو عنه غير ابن شهاب، فقال: يكفيه قول ابن شهاب: « حدّثني ابن أكيمة » فهذا يدل على ضعف التوثيق الصادر من ابن معين إذا استند فيه إلى مثل هذا، وقد دافع ابن حجر ـ عن أولئك الذين عدّدهم في المقدمة ـ عن كثير منهم بأنه وثقه يحيى بن معين، وكذلك دافع عن كثير منهم بأنه وثقه العجلي، والعجلي قد رووا عنه أنه وثق عمر بن سعد أمير الجيش الذين قتلوا الحسين السبط(عليه السلام). فقال العجلي: تابعي ثقة ذكره، الذهبي في الميزان. فكيف يوثق بتوثيق العجلي ؟
والحاصل، أن التوثيق ممن لا يعرف مذهبه فيه لا يعتمد. لأن اعتماده تقليد، لاختلاف المذاهب فيه تبعاً لاختلاف العقائد.
يؤكد ذلك ما رواه ابن حجر في تهذيب التهذيب ( ج 10 ص 141 ) في ترجمة مسلم بن يسار: وقال ـ أي البخاري ـ في ترجمة المكي المصبح ـ أي مسلم ابن دينار المكي المصبح ـ: قال ابن عيينة: كان رجلاً صالحاً، وقال ابن سعد: قالوا: كان أرفع عندهم من الحسن، حتى خرج مع ابن الأشعث فوضعه ذلك عند الناس. انتهى. فانظر كيف وضعه عندهم خروجه مع ابن الأشعث على الحجاج ابن يوسف الجبار العنيد ؟
وهذا يلفت النظر إلى التروّي في جرهم وتعديلهم، وإلى معرفة أن من سلم من النصب منهم لم يسلم من آثاره. فلا يقلد أحدهم ولو كان مثل رضوى أو ثبير، وأما إنشاد مقبل للبيتين:
ذهبت دولة أصحاب البدع***ووهى حبلهمُ ثم انقطع
وتداعى بانصرام جمعهم***جمع إبليس الذي كان جمع
فهو تعريض بالزيدية بدلالة السياق، وهو يناسب ما سبق له من التعريض بالعلماء أهل التوقيع على الفتوى، والحكم لله العلي الكبير.
أبو هريرة والحديث
والجواب، وبالله التوفيق: إن أبا هريرة عندنا ضعيف فلا يصح علينا الاحتجاج به.
وقد شعر بهذا مقبل فقال في ( ص 30 ): ولعله يقول: إن هذا من رواية أبي هريرة، وسيأتي الجواب عن الكلام في الصحابة رضي الله عنهم.
والجواب: ليس فيما أورده دليل على عصمة أبي هريرة، ولا أنه ثقة. ويأتي الجواب على التفصيل في محله إن شاء الله.
قال مقبل: ولكني أنقل هنا ما ذكره الحاكم في ترجمة أبي هريرة ( ج 3، ص 315 ) من المستدرك، قال(رحمه الله): قال أبو بكر: أظنه ابن خزيمة، وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرويها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة ويرمونه بما الله قد نزهه عنه تمويهاً على الرعاع السفل أن أخباره لا تثبت بها الحجّة.
__________
(1) 75]) صحيح البخاري: كتاب الأذان، الحديث رقم 740.
(2) 76]) صحيح مسلم: كتاب الصلاة، الحديث رقم 626.
(3) 77]) سنن ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، الحديث رقم 837.
__________
(1) 78]) سورة الشورى: الآية 11.
__________
(1) 79]) سورة المائدة: الآية 64.
وغداة ريح قد وزعت وقرّة***قد أصبحت بيد الشمال زمامها
وفي كتاب الله تعالى إثبات اليدين على طريقة التعبير العربي في قوله تعالى: ] بين يدي عذاب شديد [(1)[80]) أي قدامه، لأن من يتقدم الرجل يقال فيه بين يديه، فهذا واضح وغير مستنكر إذا ورد في الحديث.
__________
(1) 80]) سورة سبأ: الآية 46.
__________
(1) 81]) عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا(عليه السلام)يابن رسول الله، ان الناس يروون ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: ان الله خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله، لقد حذفوا اول الحديث، ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)مرّ برجلين يتسابان، فسمع احدهما يقول لصاحبه: قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): « ياعبدالله لا تقل هذا لأخيك، فان الله عزوجل خلق آدم على صورته » ( راجع بحار الانوار 4 / 11، ح 1 ).
(2) 82]) تاريخ الامم والملوك للعلامة الطبري 11 / 357. ولسان الميزان 2 / 1037 وميزان الاعتدال: 5044 و 4149 و 2178.
__________
(1) 83]) صحيح مسلم: كتاب الايمان، الحديث رقم 9.
(2) 84]) صحيح البخاري: كتاب القدر، الحديث رقم 6124 وصحيح مسلم: الحديث رقم 4793.
قال أبو بكر في الذب عن أبي هريرة عطفاً على ما مر: « وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام إذا سمع أخبار أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجّة وبرهان كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة ».
__________
(1) 85]) سورة النساء: الآية 59.
(2) 86]) سورة الكهف: الآية 28.
(3) 87]) سورة آل عمران: الآية 104.
(4) 88]) سورة المائدة: الآية 2.
(5) 89]) سورة الحج: الآية 78.
(6) 90]) سورة الحجرات: الآية 9.
قال أبو بكر بن إسحاق عطفاً على ما مر: « أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها... ».
وقد مر هذا والجواب عنه.
قال أبو بكر: « أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه ».
والجواب: إنهم قد وقعوا في مثل هذا، حيث ضعفوا رواة فضائل علي(عليه السلام)لمخالفتها مذهب من قد اجتبوا مذهبه واختاروه، فأنكروها وضعفوا رواتها لأنهم عندهم يروون المناكير. فكيف يلومون من صنع مثل صنيعهم، فأنكر روايات أبي هريرة فيما ينصر مذهب النواصب، ويعارض المذهب الظاهر من مذهب أهل البيت(عليهم السلام)؟
انتهى الجواب على أبي بكر بن إسحاق الذي أشار إلى مناكير أبي هريرة وأنواعها في نصرة تشبيه الله سبحانه وتعالى، ومعارضة إثبات عدله وحكمته، ونصرة الجبابرة المفسدين، وجعل الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، المجاهدين في الله خوارج يرون السيف على أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بغاة معتدين.
قال السيد العلامة الكبير عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي المؤيدي في حاشية « كرامة الأولياء » في فصل إسلام أبي طالب: وأما حديث أبي هريرة هذا فهو من كيسه، على أنه متأخر الإسلام، وليس فيه شيء مرفوع. وكلامه عندنا حكمه حكم السراب، لأنه رجل فارق أمير المؤمنين ووالى القاسطين ـ يعني معاوية وأتباعه ـ وعمل لهم، ولا يجهل ذلك إلا جاهل. ثم أن الأئمة قد طعنوا في أمانته. انتهى المراد.
زيادة توضيح أحاديث التأمين
هذا، وذكر مقبل في أحاديث التأمين عن أبي موسى، وفيه مقال يأتي إن شاء الله. وذكر فيها عن وائل وليس عندنا حجّة، فليس لمقبل أن يحتج به علينا، ونحن لا نثق بروايته، ويأتي فيه أيضاً مقال إن شاء الله.
ثم روى عن عائشة حديثاً في التأمين، وهو مطلق ليس فيه ذكر الصلاة، بل هو حديث قول اليهود لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): السام عليكم، وغضب عائشة وقولها عند ذلك: وعليكم السام ولعنته إخوان القردة والخنازير، أتحيّون رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما لم يحيّه الله ؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولاً فرددت عليهم، إن اليهود قوم حسد وهم لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى آمين »(2)[92]).
قلت: حسدهم عليهما لأنهم يكرهون أن يقولوا أو يقول غيرهم للمسلمين: السلام عليكم، كما يدل عليه السبب، وكذلك الحسد على آمين لأنهم يكرهون أن يؤمنوا هم أو غيرهم على دعاء المسلم بغضاً له، ولا دلالة في هذا الحديث على أن التأمين مشروع في الصلاة، مع أن في سند الحديث سهيل بن أبي صالح وفيه خلاف مذكور في « تهذيب التهذيب ».
__________
(1) 91]) راجع ايضاً كتاب « ابو هريرة الدوسي شيخ المضيرة » للاستاذ ابو ريّة.
(2) 92]) مسند أحمد: كتاب باقي مسند الأنصار، الحديث رقم 23880.
تفنيد زعم ابن تيمية جهل علي(عليه السلام) في عدة الحامل ومهر غير المدخول بها
قال مقبل ( ص 41 ): أما كونها لا تخفى على أهل البيت سنّة، فهذا علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)قد خفيت عليه بعض السنن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه « رفع الملام عن الأئمة الأعلام » وأفتى ـ يعني علياً ـ هو وابن عباس وغيرهما بأن المتوفى عنها إذا كانت حاملاً تعتد أبعد الأجلين، ولم تكن قد بلغتهم سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في سبيعة الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة، حيث أفتاها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بأن عدتها وضع حملها.
ولا بعد في ذلك فقد روى مسلم في صحيحه ( ج 6 ص 238 ) في النسخة المستقلة ـ أي ليست في هامش البخاري ـ انتهى. مع شرح النووي بإسناده عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية: ] يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً... ولا يعصينك في معروف [(2)[94]). قالت: كان منه النياحة، قالت: فقلت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بد لي من أن أسعدهم، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إلا آل فلان. انتهى المراد.
__________
(1) 93]) سورة الطلاق: الآية 4.
(2) 94]) سورة الممتحنة: الآية 12.
وكما روي عن بعض أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في رضاع سالم مولى حذيفة من سهلة وهو رجل، وكان مع أبي حذيفة وأهله في بيتهم، أنه رخصة خاصة. أخرج مسلم في صحيحه ( ج 10 ص 33 ) أن أم سلمة كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا.
__________
(1) 95]) أقول: لا حاجة إلى ما ذكره المؤلف في دفع تجاسر ابن تيمية الناصبي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)« باب مدينة علم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)» ودعوى ان تلك خصوصية لسبيعة كما كانت لام عطية في النوح وسهلة في رضاع سالم. وذلك لان قول الوصي(عليه السلام)ليس إلاّ قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي لا ينطق عن الهوى والموارد الثلاث التي ادعى فيها انها لخصوصية المورد كلها باطلة، اما بالنسبة إلى سبيعة فالثابت في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ان العدة ابعد الاجلين كما تدل عليه الروايات الكثيرة ولا يعدل عن الحجة حتى في مورد واحد بالرواية الضعيفة، واما نوح ام عطية فلو فرضنا صحة هذه الرواية فما هو المحرم النوح بالباطل لا مطلق النوح.
…وأما رضاع سالم فلا نسلّم أنه السبب في حليّة دخوله على سهلة، فيما لو صحت الرواية، وذلك لأن الثابت عند المسلمين أن الرضاع المحلل هو ما أنبت اللحم وشد العظم للرضيع الذي لم يتجاوز السنتين، وأما للرجل فلا يصح، ولو صحّ لما حرم رجل على انثى. ولعل خصوصية سالم كانت من مورد آخر لم يصل إلينا. ولمزيد التفصيل راجع كتاب: ( أحاديث ام المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري 1 / 379 ـ 383 ).
قال مقبل ـ حاكياً عن ابن تيمية ـ: وأفتى هو ـ أي علي(عليه السلام)ـ وزيد وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم، بأن المفوضة إذا مات عنها زوجها فلا مهر لها، ولم تكن قد بلغتهم سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في بروع بنت واشق.
والجواب: إنه لا دليل على أن عليّاً(عليه السلام)جهل في هذه الفتوى ومثلها مما تختلف فيه الأنظار، ففتواه متمسكاً بالقرآن لا دليل فيه على أنه جهل قضاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في بروع.
وإليك نص الرواية في بروع بنت واشق لتعرف أن القضية محل نظر واجتهاد، لتعرف أن التمسك بالقرآن أولى إن أنصفت، فنقول وبالله التوفيق: لفظ الرواية في سنن أبي داود بعد السند: عن مشروق، عن عبدالله « في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها، ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملاً، وعليها العدة، ولها الميراث، فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قضى به في بروع بنت واشق »(1)[96]).
وهنا لا بد إما أن يكون أمير المؤمنين(عليه السلام) جهل هذا القضاء الذي يزعم معقل أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قضاه(2)[97])، أو يكون معقل جهل الحقيقة في هذا القضاء.
ولا إشكال في جهل معقل وهو غير معروف بفقه ولا كثرة حديث، بل الظاهر أنه لم يرو إلا هذا الحديث، لأن ابن حجر في « تهذيب التهذيب » جعله في ترجمته، فقال: شهد الفتح وكان حامل لواء قومه، وروى عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قصة تزويج بروع بنت واشق. انتهى.
__________
(1) 96]) سنن ابي داود، كتاب النكاح 2 / 237، ح2114.
(2) 97]) وهذا لا يتلاءم مع ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)انه قال: « أقضاكم علي ». راجع: فتح الباري 10 / 590، وكشف الخفاء للعجلوني 1 / 184.
ثم روى بإسناده عن هشيم: أنبأنا أبو إسحاق الكوفي، عن مزيدة بن جابر أن عليّاً(رضي الله عنه)قال: « لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله ». انتهى. فهو(عليه السلام)لا يعدل عن القرآن اعتماداً على اعتقاد أعرابي لعله غالط فيه.
__________
(1) 98]) سورة النساء: الآية 21.
(2) 99]) سورة البقرة: الآية 236.
(3) 100]) سورة المائدة، الآية: 1.
قلنا: هذا ظن وتخمين بلا مستند، والذي يقرب تقديره أنه سئل عن بروع بقول السائل: إن زوجها توفي ولم يفرض لها، فإن عدم الفرض يظهر لمن حضر عقد النكاح، فقد يشكل عليه حكم المهر لكون العادة والغالب ذكر المهر لاهتمام الناس به، فيبعثه ذلك على السؤال.
فإن قال قائل: فذلك دليل على لزوم المهر على كل حال.
قلنا: لا دليل في نفس السؤال، إذ يحتمل أن الوارث هو السائل، لأنه الذي تهمّه القضية.. وأنه قال في سؤاله: في أن زوجها كان قد دخل بها.
فإن قال قائل: فكيف سمع معقل الجواب بلزوم الصداق ولم يسمع السؤال بذكر الدخول ؟
قلنا: من الجائز أن السائل خفض صوته عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رعاية للأدب، أو للحذر من رفع الصوت المنهي عنه في قول الله تعالى: ] لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض [(1)[101]) وكان معقل مبتعداً قليلاً لاشتغال المكان القريب بغيره من الحاضرين من كبار الصحابة وغيرهم، فلم يسمع معقل السؤال وسمع الجواب من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لظهوره لقوته وفصاحته وحسن بيانه، فحمل الجواب على ما يعتقد.
__________
(1) 101]) سورة الحجرات: الآية 2.
حديث: ( أنا مدينة العلم وعلي بابها )
قال مقبل ( ص 41 ): وعلي(رضي الله عنه)عنه هو الذي تزعمون أنه مدينة العلم، وتستدلون على ذلك بحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
والجواب: أنه غلط في قوله: تزعمون أنه مدينة العلم، وصواب العبارة أنه باب مدينة العلم. وأما ابن الجوزي فهو ممن ظلم عليّاً(عليه السلام)حقّه، ولم يكن لك أن تركن إلى الذين ظلموا، ولكن قد يخلصك من اسم الركون إليهم أن الركون هو الميل اليسير وميلك إليهم شديد لا يقال له يسير، ولكن دلالة مفهوم الأولى هنا مثل دلالتها في قوله تعالى: ] ولا تقل لهما أف [(1)[102]).
أما علي(عليه السلام)باب مدينة العلم فإليك أيها المطلع ما قاله ابن الأمير في شرح التحفة العلوية المسمى الروضة الندية ( ص 137 ) في شرح قوله:
باب علم المصطفى إن تأته***فهنيئاً لك بالعلم مرياً
__________
(1) 102]) سورة الإسراء: الآية 23.
وقال العلامة الكبير المجتهد محمد بن جرير الطبري: هو في « تهذيب الآثار » في مسند علي(عليه السلام)( ص 104 ) هذا حديث عندنا صحيح سنده. وقال مالك ( كذا في نسخ شرح التحفة وصوابه الحاكم ) في حديث ابن عباس: صحيح الإسناد.
وروى الخطيب في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس قال: هو صحيح.
وقال ابن عدي: إنه موضوع، وأورد ابن الجوزي الحديثين، قلت: بل أوردها كلها ابن الجوزي في موضوعاته عن علي وابن عباس وجابر وقال: فأما حديث علي(رضي الله عنه)فله خمسة طرق ثم قال: وأما حديث ابن عباس فله عشرة طرق، وأورد الطرق عن علي(عليه السلام)وابن عباس رضي الله عنهما، ثم أورد حديث جابر، وذكر له طريقاً من طريق عبد الرزاق، وأفاد أن له طريقاً آخر عن عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبدالله بن عثمان بن خيثم، عن عبد الرحمن بن بهمان قال: سمعت جابر بن عبدالله. انتهى المراد، ومحله في موضوعات ابن الجوزي ( ج 1 ص 349 ).
رجعنا إلى كلام ابن الأمير ( حديث جابر وحديث ابن عباس أو حديث علي وابن عباس ) في الموضوعات.
وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في « الميزان » وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلّة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر.
قال الحافظ السيوطي: وقد كنت أجبت بهذا الجواب، ـ أعني أنه من قسم الحسن ـ دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في « تهذيب الآثار » مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث عن رتبة الحسن إلى رتبة الصحة. انتهى.
قال ابن الأمير: قد قسم أئمة الحديث الصحيح من الأحاديث إلى سبعة أقسام، أحدها: أن ينص إمام ( لعله إمامان ) من أئمة الحديث غير الشيخين على أنه صحيح، وهذا الحديث قد نص إمامان حافظان كبيران الحاكم أبو عبدالله والعلامة محمد بن جرير، الذي قال الخطيب البغدادي في حقّه: كان ابن جرير من الأئمة يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه أحد من أهل عصره. وقال في حقه المعروف عندهم بإمام الأئمة ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير.
وأما الحاكم فهو إمام غير منازع، قال الذهبي في حقه: المحدث الحافظ الكبير إمام المحدثين. وقال الخليل بن عبدالله: هو ثقة واسع العلم، بلغت تصانيفه قريباً من خمسمائة. انتهى.
قال ابن الأمير: فأين يقع ابن الجوزي عند هذين الإمامين ؟ وأين هو من طبقتهما وحفظهما واتقانهما ؟ وهو الذي قال الحافظ الذهبي في حقه نقلاً عن المأموني: إن ابن الجوزي كان كثير الغلط فيما يصنفه، ثم قال الذهبي: قلت له: وهم كثير في مؤلفاته، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحول من كتاب إلى آخر. انتهى.
هذا كلام الذهبي فيه وهو من معاصريه ومن أقرانه، وقد أثنى عليه غيره ممن تأخر عن عصره بأكثر من هذا. فظهر لك بطلان دعوى الوضع وصحه القول بالصحة كما اختاره الحافظ السيوطي، وهو قول الحاكم وابن جرير. انتهى.
بيان أهل البيت الواجب اتباعهم
ثم حكى مقبل كلاماً طويلاً لابن الأمير في بيان كثرة ذرّية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). وفيه غلطة، وهي أنه عد الناصر الأطروش الحسن بن علي من ذرية زيد بن الحسن بن علي. وهو من ذرية علي بن الحسين بن علي.
ثم قال: وهنا انتهت المقدمة وإنما توسعنا فيها بعض توسيع، لأنّا رأينا أهل ديارنا لا يعدون أهل البيت إلا الزيدية ولا يعرفون غيرهم.
والجواب: ان اسم أهل البيت وإن كان في الأصل يعم جميع الذرية داخلين في هذا الاسم فإنهم مع اختلافهم إلى فريقين:
فريق تابع لطريق سلفه منهم، وسلفه تابع لسلفه منهم، وهكذا إلى أهل الكساء.
وفريق تابع لغيرهم، فهو إما حنفي أو مالكي أو.... فهذا المنتمي إلى غيرهم تابع لغيرهم، وهو لا يوجب على الأمّة اتباعه من حيث أنه من أهل البيت، وأن الحق مع أهل البيت. كيف وهو لا ينتمي إليهم بل ينتمي إلى غيرهم ؟ فهو بانتمائه إلى غيرهم قد أقر على نفسه بعدم الحجّية في حال اتباعه لغيرهم.
أما الفريق الأول الذين يوجبون التمسك بأسلافهم من أهل البيت، ويتوارثون هذا المذهب خلف عن سلف، فهم باقون على الأصل لم يعدلوا عنه فهم مظنّة مذهب أهل البيت، لأن مذهبهم وجوب التمسك بأهل البيت. وهم في طلبه من أسلافهم سلف عن سلف يتوارثونه قرناً بعد قرن.
فأفاد أن المذهب الأصلي هو المذهب الزيدي(1)
__________
(1) 103]) أقول: حاصل الخلاف بين الآراء في أهل البيت انه على ثلاثة أوجه:
…الوجه الأول: أن أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)هم أزواجه، وهو مردود بنص أحاديث الكساء وأقوال الصحابة.
…الوجه الثاني: أنهم بنو هاشم ومن حرم الصدقة بعده، ولا دليل على ذلك غير قول أنس بن مالك الذي يتعارض مع ما نقل في المقام، وغير قول عكرمة الذي لا يحتج به لعداوته وكذبه.
…الوجه الثالث: أنهم أصحاب الكساء خاصة علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ومعهم الأئمة المعصومون من ذرية الحسين، وذلك ما دلّت عليه أحاديث الكساء التي رواها الفريقان.
…وللمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتاب «أهل البيت مقامهم منهجهم مسارهم» المطبوع في المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) وغيره من الكتب المتعلقة بهذا الموضوع مثل كتاب «أهل البيت في آية التطهير» للآصفي.
…وعليه فلا دليل على ما ذكره المؤلف من شمول أهل البيت للزيدية واختصاصها بهم.
الأدلة على أن أهل البيت(عليهم السلام) حجّة
قال مقبل ( ص 46 ): وأما اعتقادك أن أهل البيت حجّة، فأين الدليل على هذه الدعوى ؟.
والجواب: من الدليل على ذلك قول الله تعالى: ] إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً [(2)[105]) مع حديث الكساء. ووجه الدلالة أن الإثم رجس فإذا طهروا عنه فقد طهروا عن مخالفة الحق فيما يأثم فيه المخالف للحق، وفيما تكون فيه المخالفة على وجه يأثم عليه المخالف، وذلك ما لا يعذر فيه المخالف لتمرده. فهذه الآية دليل على طهارتهم من تعمد الآثام(3)[106]) التي هي رجس وقذر على أهليها.
ومن ذلك قول الله تعالى: ] قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور [(4)[107]). ووجه الدلالة أن الله لا يأمر بمودة أعدائه لقول الله تعالى: ] لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [(5)[108]). فدلت على أن الذين وجبت مودّتهم أبرار، وهذا يدل على أنهم غير مخالفين للحق فيما يأثم فيه المخالف، ولا يخالفون الحق تمرّداً وعناداً. ففي هذه دلالة مثل ما في آية التطهير أو أكثر.
__________
(1) 104]) فيه ما لا يخفى.
(2) 105]) سورة الأحزاب: الآية 33.
(3) 106]) بل هي دليل على طهارتهم من جميع الآثام.
(4) 107]) سورة الشورى: الآية 23.
(5) 108]) سورة المجادلة: الآية 22.
فليس الرجس فيه بمعنى العذاب، بل هو الخذلان الذي يجادل صاحبه بالباطل الواضح البطلان لإدحاض الحق الواضح. ولذلك رتب عليه قوله: ] أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم [(2)[110]) فهي كقوله تعالى: ] فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا [(3)[111]) فالرجس والركس سواء. ومن ذلك أحاديث كثيرة تستوعب كتاباً وحدها، ويأتي بعضها إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب.
وأما قول الشوكاني فيما حكاه عنه مقبل ( ص 47 ): وبأحاديث ـ أي واستدلوا على أن إجماع أهل البيت حجة بأحاديث ـ كثيرة جداً تشتمل على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم، ولا دلالة فيها على حجّية قولهم، وقد أبعد من استدل بها.
فالجواب: إنه لا يكون الشرف والفضائل لأعداء الله ورؤوس الخوارج وقادة الفتن وأئمة الفرق الهالكة. بل دلالتها على مزيد شرفهم وعظيم فضلهم تدل على أنهم لا يتعمدون مخالفة الحق تمرّداً وعناداً، ولا يخالفون الحق فيما يأثم فيه المخالف، كما ذكرنا في آيتي التطهير والمودة، وتدل على أن أعداءهم أحق بتلك الأسماء القبيحة.
* * *
بحث
في حديث الثقلين
بحث في دلالة حديث الثقلين
وأما قوله: « ولا دلالة فيها على حجية قولهم ».
__________
(1) 109]) سورة الأعراف: الآية 71.
(2) 110]) سورة الأعراف: الآية 71.
(3) 111]) سورة النساء: الآية 88.
الدلالة الأولى: من حيث عظمهم وجعلهم أحد الثقلين، وقرنهم بالكتاب، وهذا يشبه الآيتين المذكورتين.
الدلالة الثانية: حيث أوصى بهم، فلو كانوا قادة الضلال لما أوصى بهم مع الكتاب، وقرنهم به في الوصية، بل كان التحذير منهم أولى بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي أرسله الله رحمة للعالمين. فدل ذلك على أن الحق معهم فيما شجر بينهم وبين جمهور الأمة الذين حاربوهم طمعاً في الملك والرئاسة، وتقرّبا إلى الملوك من بني أمية وبني العباس والأتراك وغيرهم، فقتلوا دعاة الحق من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، الذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً، إنما همّهم إقامة الدين وحمايته عن المفسدين وامتثال أمر الله تعالى في قوله: ] ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون [(2)[113]) وقوله تعالى: ] وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم [(3)[114]) وغير ذلك كما لا يخفى على من عرف سيرهم وأنصف وهذا خطاب منّا لمن أنصف.
__________
(1) 112]) يأتي بيان طرقه وأسانيده في باب « بحث في طرق حديث الثقلين » بعد هذا البحث مباشرة.
(2) 113]) سورة آل عمران: الآية 104.
(3) 114]) سورة الحج: الآية 78.
الدلالة الثالثة: حيث أوصى بهم كما أوصى بالكتاب في مقام إرشاد الأمة إلى ما ينجيهم من مضلاّت الفتن، وظلمات الشبه، وتلبيس المفسدين، لإشراف الأمة على فتن كقطع الليل المظلم، وإشراف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)على فراقهم، كما يدل عليه قوله: « إنّي أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا » فكان المقام مقام إرشاد لسبب النجاة من الضلال بأسباب مضلة ينجيهم منها التمسك بالثقلين، لا لمجرد بيان الأدلة الشرعية، لأن الأمة قد علمت أن الكتاب والسنّة دليلان منيران هاديان لمن اهتدى بهما. وكون الكتاب حجّة هو أمر مفروغ منه من أول البعثة، فليس ذكره في هذا الحديث لمجرد بيان أنه حجّة، كيف وهو دليل النبوة الأكبر ؟ واعتماده وتلاوته على الأمة لهدايتهم وتعلميهم الدين والأحكام كان من أول البعثة بنحو عشرين سنة، فهو أمر مفروغ منه. ولكن ذكره هنا لامتيازه بأنه محفوظ من الزيادة والنقصان، معلوم للأمة مشهور بينها، منشور لا تبدل كلماته، ولا تكتم آياته، فكان المعتصم به من الضلال معتصماً بما هو من عند الله حقّاً جعله هدى للمتقين ونوراً، وكان الطالب للتمسك بالكتاب يتمكن منه ولا يمكن صرفه عنه باختلاق كلام يدّعى أنه من القرآن وما هو من الكتاب.
فلو كان المقام في حديث الثقلين مقام ذكر الأدلة الشرعية لذكر السنة مع القرآن فيه لأنها الدليل الثاني، ولكن المقام مقام ذكر علم لا يخفى على طالب الحق ليقوم مقام وجود الرسول وحياته في أمته أماناً من الضلال، كما يشعر به تقدمة قوله: « إني أوشك أن أدعى فأجيب »، ولمّا كانت السنّة المطهرة يخفى بعضها لأسباب سياسية تدعو إلى اختلاق أحاديث مكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وكتمان أحاديث، حتى يصعب التمييز بين الصحيح وغيره، إلا لأعلام الحق، لم تقرن السنة بالكتاب في هذا الحديث، لأنها ليست لها خصيصته في تيسره لطالب الحق والنجاة من مضلاّت الفتن لعامة الناس وجمهورهم بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما بقي التكليف.
__________
(1) 115]) سورة الأعراف: الآية 158.
(2) 116]) سورة النساء: الآية 80.
(3) 117]) سورة النور: الآية 54.
(4) 118]) سورة النجم: الآيات 3 ـ 4.
وبهذا ظهر أنه لا معنى لتشكيك ابن الأمير، لأن أعلام الحق ظاهرون، فهم ومن حذا حذوهم واقتدى بهم من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هم المقصدون، لا العادلون عن طريقهم التابعون لغيرهم، ولا المفتونون بحب الدنيا المتبعون للشهوات، الذين قد تبين ضلالهم وفسادهم. فالحق واضح لطالب النجاة وإن جادل من جادل.
الدلالة الخامسة: في قوله: « إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وهذه واضحة، فهذه الجملة في وجه الدلالة لمنازعة الشوكاني. والحديث مشهور بين الأمة، وفي تخريجه كتاب مستقل مطبوع منشور تحت عنوان « حديث الثقلين » فليراجع.
وفي الجزء الأول من « كنز العمال » جملة وافرة في تخريج أحاديث الثقلين في باب الاعتصام بالكتاب والسنّة، وهو في الباب المذكور مفرق في مواضع، فليطالع الباب كله.
وفي « هداية العقول شرح غاية السؤول » جملة وافرة، وهو كتاب مطبوع منشور، وكذلك في « الاعتصام » للإمام القاسم بن محمد. وكذلك في « كرامة الأولياء » وحاشيتها للعلامة الكبير السيد عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي أحد كبار علماء القرن الرابع عشر الهجري.
وكذلك في تعليق الشافي لعمي وشيخي السيد العلامة الكبير الحسن بن الحسين الحوثي، أحد كبار علماء القرن الرابع عشر أيضاً. وكذلك في لوامع الأنوار للسيد العلامة الكبير مجد الدين بن محمد المؤيدي، وهو من مشائخي وأنا أروي عنه « لوامع الأنوار »، وكتابه المسمى « الجامعة المهمة » في أسانيد الكتب، وكتابه « التحف » وغير ذلك.
وذكر في « لوامع الأنوار » من أخرج حديث الثقلين من أهل البيت(عليهم السلام)، وقد جمعت أنا جملة في تخريج الحديث بقدر ما تيسر لي من الكتب، نضيفه إلى هذا فنقول:
__________
(1) 119]) سورة يونس: الآية 32.
هذه الورقات في ذكر ما تيسّر من أسانيد حديث الثقلين:
1 ـ في مسند أحمد بن حنبل ( ج 3 ص 14 ): حدّثنا عبدالله، حدّثني أبي، حدّثنا أسود بن عامر، أخبرنا أبو إسرائيل ـ يعني إسماعيل بن أبي إسحاق الملائي ـ عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفي ( ج 3 ص 17 ): حدّثنا عبدالله، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النضر، حدّثنا محمد ـ يعني ابن طلحة ـ عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيبُ وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا بم تخلفوني فيهما ».
وفيه ( ج 3 ص 26 ): حدّثنا عبدالله، حدّثنا أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عزَّوجلَّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ».
وفيه ( ج3 ص59 ): حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثني ابن نمير، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
« أما بعد ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزَّوجلَّ فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عزَّوجلَّ فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ـ فحث على كتاب الله ورغب فيه ـ قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ».
وفيه ( ج 5 ص 189 ): حدّثنا عبدالله، حدّثني أبي، حدّثنا أبو أحمد الزبيري، حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردّا عليّ الحوض جميعاً ».
وحدّثنا محمد بن بكار بن الريان، حدّثنا حسان ـ يعني ابن إبراهيم ـ عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وساق الحديث بنحوه بمعنى حديث زهير.
حدّثنا محمد بن بكار بن الريان، حدّثنا حسان ـ يعني بن إبراهيم ـ عن سعيد وهو ابن مسروق، عن يزيد بن حيان عن زيد، بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، لقد صاحبت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصليت خلفه، وساق الحديث بنحو حديث أبي حيان غير أنه قال: « ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما كتاب الله عزَّوجلَّ هو حبل الله، من اتّبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ». وفيه: فقلنا من أهل بيته، نساؤه ؟ قال: لا وايم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.
انتهى ما نقلته من كتاب مسلم المسمى الصحيح.
قال النووي في شرحه: قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما، وقال: المعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته. انتهى.
__________
(1) 120]) سورة الأحزاب: الآية 34.
(2) 121]) ما فسرّ زيد بن أرقم به حديث الثقلين ليس صحيحاً، إذ إن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فسّر أهل بيته بـ « علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) » وذلك بنص كثير من الأحاديث ومن أهمها حديث الكساء، فلا وجه لقول زيد: « إن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ».
وفي جامع الترمذي أيضاً ( ج 5 ص 663 ): حدّثنا علي بن المنذر كوفي، حدّثنا محمد بن فضيل قال: حدّثنا الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد والأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
__________
(1) 122]) كذا، والصواب « عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ».
وفي المستدرك أيضاً ( ج 3 ص 148 ): حدّثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري، حدّثنا محمد بن أيوب، حدّثنا يحيى بن المغيرة السعدي، حدّثنا جرير بن عبد الحميد، عن الحسن بن عبدالله النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم(رضي الله عنه)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض » قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى. وأقره الذهبي في تلخيصه.
5 ـ وفي سنن البيهقي ( ج 10 ص 113 ) والتي بعدها: أخبرنا أبو محمد جناح بن نذير بن جناح القاضي بالكوفة، أنبأنا أبو جعفر ( محمد بن علي بن دحيم الشيباني ) حدّثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، حدّثنا جعفر ـ يعني ابن عون ـ ويعلى ـ يعني ابن عبيد ـ عن أبي حيان التيمي، عن يزيد بن حيان قال: سمعت زيد بن أرقم(رضي الله عنه)قال: قام فينا ذات يوم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به ». ـ فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه ثم قال ـ: « وأهل بيتي، اذكركم الله تعالى في أهل بيتي » ـ ثلاث مرات ـ ثم قال: أخرجه مسلم في الصحيح.
6 ـ وفي معجم الطبراني الصغير ( ج 1 ص 135 ): حدّثنا الحسن بن مسلم ابن الطيب الصنعاني، حدّثنا عبد الحميد بن صبيح، حدّثنا يونس بن أرقم، عن هارون بن سعد، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردّا عليَّ الحوض ».
وأخرج أيضاً في المعجم الصغير ( ج 1 ص 131 ): حدّثنا الحسن بن محمد ابن مصعب الأشناني الكوفي، حدّثنا عباد بن يعقوب الأسدي، حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعودي، عن كثير النواء، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عزَّوجلَّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
8 ـ وفي مشكل الآثار للطحاوي ( ج 2 ص 307 ): حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، حدّثنا أبو عامر العقدي، حدّثنا يزيد بن كثير: عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي: أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حضر ( كذا بالضاد ) الشجرة بخم، فخرج آخذاً بيد علي فقال: « أيها الناس ! ألستم تشهدون أن الله ربكم » ؟ قالوا: بلى، قال: « ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله ورسوله مولاكم » ؟ قالوا: بلى، قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم ( كذا ) لن تضلوا بعدي كتاب الله بأيديكم وأهل بيتي ».
10 ـ وفي مشكل الآثار للطحاوي: حدّثنا محمد بن فضيل بن غزوان، حدّثنا أبو حيان يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن عقبة إلى زيد بن أرقم، فقال له حصين: لقد أكرمك الله يا زيد ! رأيت خيراً كثيراً، إلى قول يزيد بن حيان: فقال زيد: قام فينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بماء يدعى غدير خم بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه وذكر، ثم قال: « أما بعد يا أيها الناس ! إنما أنتظر أن يأتي رسول من ربي عزَّوجلَّ فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ فيه الهدى والنور، فاستمسكوا بكتاب الله عزَّوجلَّ وخذوا به » فرغّب في كتاب الله عزَّوجلَّ وحث عليه، ثم قال: « وأهل بيتي، أذكّركم الله عزَّوجلَّ في أهل بيتي ».
أخرج هذين الحديثين الطحاوي في مشكل الآثار في سياق تفسير حديث: « والمستحل من عترتي ما حرّم الله ».
11 ـ وفي سنن الدارمي ( ج 2 ص 431 ): حدّثنا جعفر بن عون، حدّثنا أبو حيان، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « يا أيها الناس ! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فتمسكّوا بكتاب الله وخذوا به ». فحثّ عليه ورغب ثم قال: « وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي » ثلاث مرات.
12 ـ وفي كتاب السنّة لابن أبي عاصم ( ج 2 ص 351 ): حدّثنا أبو بكر، حدّثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، عن شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ».
13 ـ وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 14 ) ( ص 29 / ط 2 ): أخبرنا أبو يعلى علي بن عبيد الله بن العلاف البزار إذناً قال: أخبرنا عبد السلام بن عبد الملك بن حبيب البزار قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن عثمان قال: حدّثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق، حدّثنا أبو حاتم مغيرة بن محمد المهلبي قال: حدّثني مسلم ابن إبراهيم، حدّثنا نوح بن قيس الحُدّاني، حدّثنا الوليد بن صالح، عن امرأة زيد ابن أرقم قالت: أقبل نبي الله من مكة في حجّة الوداع حتى نزل(صلى الله عليه وآله وسلم)بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهن من شوك، ثم نادى: الصلاة جامعة، فخرجنا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في يوم شديد الحر وإنّ منّا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه على قدميه من شدّة الرمضاء، حتى انتهينا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلّى بنا الظهر، ثم انصرف إلينا فقال: « الحمد لله نحمده ونستعينه » إلى آخر الخطبة فيها حديث الثقلين وحديث الغدير وفوائد غير ذلك. ولفظ حديث الثقلين فيها: « ألا وإني فرطكم وإنكم تبعي، توشكون أن تردوا عليَّ الحوض فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما » قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين وقال: بأبي واُمي انت يا نبيّ الله، ما الثقلان ؟ حتى قام رجل من المهاجرين وقال: بأبي وأمي أنت يا نبيّ الله ! ما الثقلان ؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): « الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا،
قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): « من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي » بدل بعض من كل، كقوله تعالى: ] ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [(1)[123]).
وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 112 / ط 1 ) و ( ص 88 / ط 2 ): أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد البيع البغدادي، أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد ابن أحمد بن أبي مسلم الفرضي، حدّثنا أبو العباس أحمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الحافظ، حدّثنا جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي، حدّثنا نصر وهو ابن مزاحم، حدّثنا الحكم بن مسكين، حدّثنا أبو الجارود وابن طارق عن عامر بن واثلة، وأبو ساسان وأبو حمزة عن أبي إسحاق السبيعي، عن عامر بن واثلة قال: كنت مع علي(عليه السلام)في البيت يوم الشورى، فسمعت عليّاً يقول لهم. فذكر حديث المناشدة يوم الشورى، وفي هذا الحديث في ( ص 117 / ط 1 ) و ( ص 91 / ط 2 ) قال: « فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، لن تضلوا ما استمسكتم بهما، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » ؟ قالوا: اللهم نعم.
__________
(1) 123]) سورة آل عمران: الآية 97.
وفي ( ص 235 / ط 1 ) و ( ص 156 / ط 2 ): أخبرنا الحسن بن أحمد الغندجاني، حدّثنا أحمد بن محمد، حدّثنا علي بن محمد المصري، حدّثنا محمد بن عثمان، حدّثنا مصرف بن عمر، حدّثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة، عن أبيه، عن الأعمش، عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزَّوجلَّ وعترتي أهل بيتي، فانظروا ماذا تخلفوني فيهما ».
وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 235 / ط 1 ) و ( ص 156 / ط 2 ): أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، حدّثنا أبو عبدالله محمد بن علي السقطي، حدّثنا أبو محمد عبدالله بن شوذب، حدّثنا محمد بن أبي العوام الرياحي، حدّثنا أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، حدّثنا محمد بن طلحة، عن الأعمش، عن عطية بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا ماذا تخلفوني فيهما ».
14 ـ وفي أمالي المرشد بالله ( ج 1 ص 152 ) وبه قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن الحسين الذكواني الكراني، بقراءتي عليه بأصفهان في منزلي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن المقري قال: حدّثنا أبو عروبة الحسن بن محمد بن مودود الحراني قال: حدّثنا علي بن المنذر قال: حدّثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، وعن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
وفي أمالي المرشد بالله أيضاً ( ج 1 ص 143 ) وبه قال: أخبرنا السيد الإمام(رضي الله عنه)في يوم الخميس الثالث عشر من جمادى الأخرى قال: حدّثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم، بقراءتي عليه بأصفهان قال: حدّثنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان قال: حدّثنا أبو يعلى قال: حدّثنا غسان، عن أبي إسرائيل، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله سبب موصول من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
15 ـ وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، عند ذكر قول الله تعالى: ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [(1)[124]): حدّثنا أبو النضر العباسي ( في المطبوعة العيّاشي ) قال: حدّثنا حمدان بن أحمد الفارسي ( في المطبوعة القلانسي ) قال: حدّثنا محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عمير ] عميرة [عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن أبي جعفر أنه سأله عن قول الله تعالى: ] أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [ قال: « نزلت في علي بن أبي طالب ».
__________
(1) 124]) سورة النساء: الآية 59.
وفي تاريخ الخطيب ( ج 8 ص 442 ): أخبرنا الحسين بن عمر بن برهان الغزال، حدّثنا محمد بن الحسن النقاش إملاء، أخبرنا المطين، حدّثنا نصر بن عبد الرحمن، حدّثنا زيد بن الحسن، عن معروف، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « يا أيها الناس ! إني فرط لكم وأنتم واردون عليّ الحوض، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تبدلوا ». انتهى.
هكذا اقتطع الحديث وحذف منه ذكر أهل البيت، وهو في ترجمة زيد بن الحسن صاحب الأنماط، حكى فيها أنه كوفي قدم بغداد منكر الحديث. قلت: فلعله قطع حديثه لهذه الدعوى ] واللهُ غالبٌ على أمرِه ولكنَّ أكثَر النّاسِ لا يَعلمونَ [(1)[125]). وقد مر الحديث بتمامه من رواية أبي نعيم في الحلية.
__________
(1) 125]) سورة يوسف: الآية 21.
وبه: عن ابن بابويه قال: حدّثنا الحسن بن عبدالله بن سعيد قال: أنبأنا القشيري قال: حدّثنا المغيرة بن محمد بن المهلب قال: حدّثني أبي، حدّثني عبدالله بن داود، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض طرف بيد الله، وعترتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
ثم قال في ( ص 145 ): حدّثنا علي بن الفضل البغدادي قال: سمعت أبا عمرو صاحب أبي العباس غلام ثعلب يقول: سمعت أبا العباس ثعلب ( كذا ) يسأل عن معنى قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين » لم سمّيا بثقلين ؟ قال: لأن التمسك بهما ثقيل.
وبه: عن ابن بابويه، حدّثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار النيسابوري قال: حدّثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا عيسى بن يونس قال: حدّثنا زكريا بن أبي زائدة، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردّا عليَّ الحوض ».
ثم قال ـ أي المحمودي ـ: رواه أيضاً أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسير الآية ( 103 ) من سورة آل عمران من تفسيره ( ج 1 ) قال: حدّثنا الحسن ابن محمد بن حبيب قال: وجدت في كتاب جدي بخطه قال: حدّثنا الفضل بن موسى الشيباني، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « أيها الناس ! إني تركت فيكم الثقلين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض أو قال: إلى الأرض ( كذا ) وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
ثم قال المحمودي: ورواه أيضاً العقيلي في ترجمة عبدالله بن داهر من ضعفائه ( ج 6 / الورق 104 ) قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال: حدّثنا عبدالله بن داهر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يزالا جميعاً حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
قلت: قد وجدته في كتاب الضعفاء للعقيلي ( ج 2 ص 250 ).
__________
(1) 126]) كذا، والصواب « بهما ».
قلت: قد وجدته في كتاب العقيلي ( ج 4 ص 362 ).
ثم قال المحمودي ( ص 146 ): أما حديث زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري فأسانيده ومصادره غير محصورة. وأما حديث حذيفة بن أسيد فقد رواه الطبراني، قد وجدته ونقلته منه، وسيأتي إن شاء الله عنه في مسند حذيفة من المعجم الكبير ( ج 1 الورق 149 / ب ) وفي ( ط 1 / ج 1 ص.. )(1)[127]) بسندين، ورواه عنه في باب مناقب أهل البيت من مجمع الزوائد ( ج 9 ص 164 ).
ورواه ابن عساكر بسند آخر عن زيد بن الحسن، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد في الحديث ( 546 ) من ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)من تاريخ دمشق. قد وجدته فيها وهو الحديث ( 547، ج 2 ص 45 ـ 46 ) و ( ج 2 ص 47 / ط 1 ).
__________
(1) 127]) 3 / 180، مسند حذيفة بن اُسيد، الحديث 3052.
وقال المحقق في تحقيقه على حديث يزيد بن حيان في تحقيقه على حديث زيد بن أرقم الذي نقلته من فرائد السمطين من ( ج 2 ص 233 ) فقال المحقق هناك: ولحديث الثقلين برواية زيد بن أرقم طرق ومصادر، وأشهرها رواية وأصحها سنداً هو ما رواه البيهقي في بعض كتبه، ورواه الخوارزمي في الفصل ( 14 ) من مناقبه ( ص 93 / ط الغري ).
ورواه أيضاً الحاكم النيسابوري في باب فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام)من المستدرك ( ج 3 ص 109 ).
ورواه أيضاً أبو يعلى الموصلي كما في الحديث ( 534 ) من ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)من تاريخ دمشق ( ج 2 ص 36 ).
ورواه أيضاً البلاذري في الحديث ( 46 ) من ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)من أنساب الأشراف ( ج 1 الورق... أو ص 315 ) وفي ط 1 ( ج 2 ص... ).
ثم قال المحمودي في تحقيقه على فرائد السمطين ( ج 2 ص 235 ): ورواه أيضاً يوسف بن يعقوب بن سفيان الفسوي في كتاب المعرفة والتاريخ ( ج 1 ص 536 ) قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن المنذر قالا: حدّثنا ابن فضيل عن أبي حيان ( يحيى بن سعيد بن حيان ) عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن عقبة ( كذا ) إلى زيد بن ارقم... إلى آخره.
وقال في تخريج حديث أبي سعيد ( ص 273 ) ما لفظه: أقول: ولحديث الثقلين عن أبي سعيد الخدري كغيره من أكابر الصحابة طرق كثيرة ومصادر، وقد رواه أيضاً الخوارزمي في أوسط الفصل ( 6 ) من مقتله ( ج 1 ص 104 / ط الغري ) قال: أنبأني أبو العلاء ( الحسن بن أحمد الهمداني ) أخبرنا زاهر بن طاهر، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا محمد بن محمد الحيري، أخبرنا محمد ابن الموصلي، حدّثنا بشر بن الوليد، عن محمد بن طلحة عن الأعمش، عن عطية ابن سعيد، عن أبي سعيد أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، ألا وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا ما تخلفوني فيهما ».
انتهى ما نقلته من تخريج المحمودي.
فرواه في كنز العمال في الباب الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنّة ( ج 1 ص 153 ) بلفظ: « يا أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي » وأفاد أنه أخرجه الترمذي عن جابر.
قلت: قد وجدته في معجم الطبراني في الكبير ( ج 3 ص 66 ) ولكن عن زيد بن أرقم.
وأورده في كنز العمال بلفظ: « إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض »، وأفاد أنه أخرجه أحمد في المسند والطبراني في الكبير وسعيد بن منصور عن زيد بن ثابت. قلت: هو في معجم الطبراني الكبير ( ج 5 ص 170 و 171 ).
قال في كنز العمال: والطبراني في الكبير عن زيد بن أرقم.
وبلفظ: « أيها الناس ! إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، أمرين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض »، وأفاد في كنز العمال أنه أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير عن أبي سعيد.
قلت: هو في مسند أبي يعلى ( ج 2 ص 376 ): حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « يا أيها الناس » الحديث.
وذكره في كنز العمال، بلفظ: « أيها الناس ! إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي، تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من كنت مولاه فعلي مولاه »، وأفاد أنه أخرجه الحاكم عن زيد بن أرقم.
ورواه في كنز العمال بلفظ: « تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله وعترتي أهل بيتي »، وأفاد أنه أخرجه ابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر.
وبلفظ: « كأني قد دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »، وأفاد أنه أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير عن أبي سعيد.
والسند المذكور في ( ص 301 ) لعدة أحاديث، واللفظ الذي أورده السيوطي لعله في بقية مسند أبي يعلى وليس عندي كله الآن، وأما ما أورده الطبراني فهو في معجمه الكبير ( ج 3 ص 65 و 66 ).
ورواه في كنز العمال بلفظ: « كأني قد دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، وأفاد أنه أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.
قلت: هو في معجم الطبراني الكبير ( ج 5 ص 185 و 186 ).
قلت: هو في المعجم الكبير للطبراني ( ج 5 ص 186 و 187 ).
وفي ينابيع المودة للقندوزي ( ص 36 ) أنه أخرجه الطبراني في الكبير والضياء في المختارة، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد.
قلت: هو في معجم الطبراني الكبير ( ج 3 ص 180 ). فهذه الجملة من الباب الثاني في الاعتصام بالكتاب والسنّة، وهو من قسم الأقوال وهو في الجزء الأول من « كنز العمال ».
__________
(1) 128]) ( كذا ) وفي رواية الحسين بن القاسم في شرح الغاية « لن يتفصيا » بياء مثناة من أسفل ثم تاء مثناة من أعلا ثم فاء ثم صاد مهملة ثم ياء مثناة من أسفل.
وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق ( ص 150 ): وفي رواية صحيحة: « إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتّبعتموها وهما: كتاب الله وأهل بيتي عترتي » زاد الطبراني: « إني سألت ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ». انتهى.
قال المحقق المحمودي على قوله عن حذيفة بن أسيد: هذا هو الصواب الموافق لما في النسخة الأزهرية.
قال: وفي كتاب عبقات الأنوار نقلاً عن ابن كثير عن ابن عساكر، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، ثم قال ورواه في العبقات ( ج 1 من حديث الثقلين ص 312 ) عن جواهر العقدين عن الطبراني في الكبير والضياء في المختارة عن حذيفة بن أسيد الغفاري أو زيد بن أرقم بمتن مثل ما هنا.
قال المحقق: ورواه أيضاً في آخر كتاب الحج من منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج 2 ص 390 ) نقلاً عن ابن جرير. وقريباً منه جداً رواه ابن الأثير في أسد الغابة ( ج 3 ص 92 ) ومثله في ترجمة عامر بن ليلى بن ضمرة من الإصابة ( ج 2 ص 257 ) نقلاً عن كتاب الموالاة لابن عقدة عن عبدالله بن سنان عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد وعامر بن ليلى بن ضمرة، ورواه أيضاً في البداية والنهاية ( ج 5 ص 209 ) وفي ( ج 7 ص 348 ) عن ابن عساكر.
قلت: قد اطلعت عليه في البداية والنهاية.
وقال في ( ص 349 ): رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف ـ يعني ابن خربوذ ـ ثم قال المحقق المحمودي: وقريباً من هذه الخطبة رواها ابن صباغ المالكي في الفصول من طريق الزهري كما في إحقاق الحق ( ج 6 ص 301 ).
أقول: ورواه عنه في باب فضل أهل البيت من مجمع الزوائد ( ج 9 ص 164 ) وقال: رواه الطبراني، وفيه زيد بن الحسن الأنماطي وثّقه ابن حبان، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات، وقد وجدته في معجم الطبراني الكبير ( ج 3 ص 180 )، وفي كنز العمال في فضائل علي(عليه السلام)في الأفعال ( ج 15 ص 91 ) مسند زيد بن أرقم: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع فنزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قام فقال: « كأن قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض » ثم قال: « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن » ثم أخذ بيد علي فقال: « من كنت وليه فعلي وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا قد رآه بعينه وسمعه بأذنيه. أفاد أنه أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار. ثم قال أيضاً: عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك. أفاد أنه أخرجه ابن جرير أيضاً ـ يعني في تهذيب الآثار ـ كما ذكره في أول الكتاب.
فهذا ما تيسر من تخريج الحديث بقدر ما تيسر من الكتب للنقل منها. ويأتي إن شاء الله في الجواب على طليعة مقبل(1)[129]) بحث مفيد في تصحيح هذا الحديث. وبالله التوفيق.
__________
(1) 129]) راجع كتاب « الغارة السريعة لردع الطليعة » للمؤلف.
وفيه أيضاً ( ج 3 ص 65 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا نجاب بن الحارث، حدّثنا علي بن مسهر، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية عن أبي سعيد الخدري(رضي الله عنه)قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « أيها الناس ! إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، أمرين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيه أيضاً ( ج 3 ص 67 ): حدّثنا محمد بن الفضل السقطي، حدّثنا سعيد ابن سليمان ( ج ) وحدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي وزكريا بن يحيى الساجي قالا: حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، حدّثنا معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « أيها الناس ! إني فرط لكم وإنكم واردون عليَّ الحوض حوض أعرض ما بين بصرى وصنعاء، فيه عدم النجوم قدحان من فضّة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما السبب الأكبر كتاب الله عزَّوجلَّ سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا ( كذا ) حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفي معجم الطبراني الكبير أيضاً ( ج 3 ص 66 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا نصر بن عبد الرحمن الوشاء، حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء فخطب، فسمعته وهو يقول: « أيها الناس ! قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».
وفيه ( ج 5 ص 170 و 171 ): حدّثنا أحمد بن مسعود المقدسي، حدّثنا الهيثم ( كذا ) بن سليمان الخزاز ( ح ) وحدّثنا أبو حصين القاضي، حدّثنا يحيى الحماني ( كذا ) قالوا: حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد ابن ثابت، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني قد تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما ( كذا ) لم يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». وهذا في كنز العمال وأفاد أنه أخرجه الطبراني في الكبير وهو بلفظ: « لن يفترقا » فظهر أن « لم » غلط مطبعي.
وفي معجم الطبراني الكبير أيضاً ( ج 5 ص 171 ): حدّثنا عبيد بن غنام، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت يرفعه قال: « إني قد تركت فيكم الخليفتين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وهذا في كنز العمال ( ج 1 ص 166 ). وأفاد أنه أخرجه أحمد بن حنبل، والطبراني في الكبير، وسعيد بن منصور عن زيد بن ثابت، وهو بلفظ: « إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي » إلى آخر الحديث.
وفي معجم الطبراني الكبير ( ج 5 ص 185 و 186 ): حدّثنا محمد بن حيان المازني، حدّثنا كثير بن يحيى، حدّثنا أبو كثير ( كذا ) بن يحيى، حدّثنا أبو عوانة وسعيد بن عبد الكريم بن سليط الحنفي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عمرو بن واثلة، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ثم قام فقال: « كأني قد دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ». ثم قال: « إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ». ثم أخذ بيد علي فقال: « من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.
وفيه عقيب هذا: حدّثنا أحمد بن عمرو القطراني، حدّثنا محمد بن الطفيل ( ح ) وحدّثنا أبو حصين القاضي، حدّثنا يحيى الحماني قالا: حدّثنا شريك، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن ثابت، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
وفيه أيضاً ( ج 5 ص 190 ): حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا عمرو بن عون الواسطي، حدّثنا خالد بن عبدالله، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيه أيضاً ( ج 5 ص 206 ): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وحدّثنا أبو حصين القاضي، حدّثنا يحيى الحماني قالا: حدّثنا محمد بن فضيل ( ح )، وحدّثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدّثنا عثمان ابن أبي شيبة، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، جميعاً عن أبي حيان، عن يزيد بن حيان قال: انطلقت وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم... إلى آخر حديث الثقلين كما في صحيح مسلم. وقد أوردته بتمامه في تحرير الأفكار من كتاب مسلم المسمى صحيح مسلم.
18 ـ وفي طبقات ابن سعد ( ج 2 ص 194 ): أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني، أخبرنا محمد بن طلحة عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
19 ـ وفي الكامل لابن عدي ( ج 2 ص 2087 ): حدّثنا محمد بن الحسين ابن جعفر، حدّثنا عباد بن يعقوب، حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعودي، عن كثير النوّا، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: ( كتاب الله ) حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيه أيضاً ( ج 2 ص 303 ): بإسناد ثلاثة أحاديث هذا ثالثها، ولفظ الإسناد: حدّثنا أبو بكر، حدّثنا محمد بن بشر، حدّثنا زكريا، حدّثني عطية، عن أبي سعيد، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيه أيضاً ( ج 2 ص 376 ): حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « يا أيها الناس ! إني كنت قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين إحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
21 ـ وفي كتاب السنّة لابن أبي عاصم ( ج 2 ص 350 و 351 ): حدّثنا أبو بكر، حدّثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، عن شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
22 ـ وفي كتاب العلل المتناهية لابن الجوزي ( ج 1 ص 268 و 269 ): أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي قال: أنبأنا محمد بن المظفر قال: حدّثنا أحمد بن محمد العتيقي قال: حدّثنا يوسف بن الدخيل قال: حدّثنا أبو جعفر العقيلي قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني قال: حدّثنا عبدالله بن داهر قال: حدّثنا عبدالله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يزالا جميعاً حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». وهذا في كتاب الضعفاء الكبير للعقيلي ( ج 2 ص 250 ) بإسناده المذكور هنا من العقيلي.
23 ـ وفي تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ( ص 290 ): قال أحمد في الفضائل: حدّثنا أسود بن عامر، حدّثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، عن علي ابن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم فقلت له: هل سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « تركت فيكم الثقلين واحد منهما أكبر من الآخر » ؟ قال: نعم سمعته يقول: « تركت فيكم الثقلين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
وفي كتاب السنة لابن أبي عاصم ( ج 2 ص 642 ) وصفحات بعدها: حدّثنا أبو بكر بن أبي عاصم، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا شريك، عن الركين، عن القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت يرفعه قال: « إني قد تركت فيكم الخليفتين بعدي: كتاب الله وعترتي، إنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
حدّثنا أبو بكر، حدّثنا محمد بن فضيل، عن أبي حيان، عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن عقبة إلى زيد بن أرقم فجلسنا إليه، فقال له حصين: يا زيد ! لقد أكرمك الله رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وسمعت حديثه وغزوت معه، حدّثنا يا زيد ما سمعت منه، قال: قال زيد: قام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فخطبنا بماء يدعى خماً بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: « أما بعد أيها الناس ! إنما أنتظر أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين: أحدهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به »، فرغب في كتاب الله وحثّ عليه ثم قال ( كذا ): « أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي » ثلاثاً.
حدّثنا حسين بن حسن، حدّثنا أبو الجواب، حدّثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن يزيد بن حبان، عن زيد بن أرقم، عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين... » نحوه.
حدّثنا علي بن ميمون، حدّثنا سعيد بن سلمة، عن عبد الملك، عن عطيّة العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
حدّثنا أبو مسعود الرازي، حدّثنا زيد بن عوف، حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع كان بغدير خم قال: « كأني قد دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، وإن الله مولاي وأنا ولي المؤمنين » ثم أخذ بيد علي(رضي الله عنه) فقال: « من كنت وليّه فعلي وليه »، فقال: أنت سمعت هذا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: ما كان في الركاب إلا قد سمعه بأذنيه ورآه بعينه. قال الأعمش: فحدّثنا عطية، عن أبي سعيد بمثل ذلك، حدّثنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني، حدّثنا أبو عامر، حدّثنا كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي(رضي الله عنه)ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سببه بيد الله وسببه بأيديكم، وأهل بيتي ». انتهى من كتاب السنة لابن أبي عاصم.
24 ـ وفي كشف الأستار عن زوائد البزار تأليف الهيثمي صاحب مجمع الزوائد، أورد فيه زوائد البزار بأسانيدها. ففيه ( ج 3 ص 221 ): حدّثنا الحسين ابن علي بن جعفر، حدّثنا علي بن ثابت، حدّثنا ( ظ ) سعيد بن سليمان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني مقبوض وإني قد تركت فيكم الثقلين ( يعني كتاب الله ) وأهل بيتي، وإنكم لن تضلوا بعدهما ».
25 ـ وفي أنوار اليقين للإمام الحسن بن بدر الدين ( ج 2 ص 64 ) رسم نسخة خطية في شرح قوله:
أنحن أم هم شجر النبوة***أم هل لهم من جدّنا البنوة
قال في شرحه ما لفظه: ومن تفسير الثعلبي من الجزء الثاني من تفسير سورة آل عمران في قوله تعالى: ] واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا [(1)[130])بالإسناد ـ يعني إلى الثعلبي ـ قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن حبيب قال: وجدت في كتاب جدي بخطه قال: حدّثنا أحمد بن الأعجم القاضي المروزي، حدّثنا الفضل بن موسى الشيباني، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « أيها الناس ! إني قد تركت فيكم الثقلين خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو قال: إلى الأرض » وعترتي أهل بيتي، ألا أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وقد ذكره المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي ( ج 1 ص 99 ) كما هو في شرح أنوار اليقين.
__________
(1) 130]) سورة آل عمران: الآية 103.
وفيه أيضاً ( ص 37 ): عن علي(رضي الله عنه)أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، وأهل بيتي »، قال: أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه قال: وهو سند جيد.
__________
(1) 131]) سورة النصر: الآية 1.
وفيها ( ص 170 ): أحمد السري قال: حدّثنا أحمد بن حماد، عن مصعب ابن سلام، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيها ( ص 177 ): حدّثنا عثمان قال: حدّثنا محمد بن عبدالله قال: حدّثنا عبد الرحمن قال: حدّثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين ما إن أخذتم بهما لن تضلوا من بعدي وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيها ( ص 182 ): عثمان بن محمد قال: حدّثنا جعفر قال: حدّثنا يحيى، عن المسعودي، عن كثير النوا أو أبي مريم الأنصاري، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيها ( ص 183 ): أبو أحمد قال: حدثني علي بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن عون قال: أخبرنا صلة، عن الحسن بن عبدالله، عن أبي الضحى، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
وفيها ( ص 223 ـ 224 ): محمد بن منصور، عن عباد، عن عبدالله بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: نزل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الجحفة فأمر بدوح فنظف ما تحتهن، ثم أقبل على الناس فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: « إني لا ( أ ) جد لنبي إلا نصف عمر النبي الذي كان قبله، فإني أوشك أن أدعى فأجيب فما أنتم قائلون » ؟ قالوا: نقول: إنك قد بلّغت ونصحت فجزاك الله خيراً كما قدر لسان أن يقول، قال: « أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله ؟ قالوا: بلى، قال: أتشهدون أن الجنّة حق، وأن النار حق والبعث حق بعد الموت » ؟ قالوا: بلى، قال: فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يده فوضعها على صدره ثم قال: « وأنا أشهد معكم »، ثم قال: « هل تسمعون » ؟ قالوا: نعم، قال: « فإني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض، وإن عرضه أبعد ما بين بصرى وصنعاء فيه عدد الكواكب أقداح من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين » فنادى مناد: يا رسول الله، وما الثقلان ؟ قال: « الأكبر كتاب الله طرفه بأيديكم وطرفه بيد الله فاستمسكوا به ولا تزلوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي، فإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، وسألت لهما ذلك ربي ( فلا ) فتقدموهم ( تتقدموهم ) فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فهم أعلم منكم » ثم قال: « هل تسمعون » ؟ فقالوا: نعم، فقال: « أليس تشهدون
وفيها ( ص 238 ـ 239 ): عثمان بن سعيد قال: حدّثني أبو زرعة قال: حدّثني كثير بن يحيى قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن عمرو ( عامر ) بن واثلة، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من حجّة الوداع نزل يوم غدير خم ثم أمر بدوحات فقممن ثم قال: « فكأني قد دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » ثم قال: « إن الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن » ثم أخذ بيد علي فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »، قال: فقلت لزيد بن أرقم: أنت سمعت هذا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه.
وفي لفظ الحديث: « عترتي » فإليك تفسير صاحب القاموس قال فيه: والعترة قلادة تعجن بالمسك والأفاويه، ونسل الرجل ورهطه، وعشيرته الأدنون ممن مضى وغبر. انتهى المراد.
وأما أهل البيت فقد مرّ نقله من صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم، وتفسير الصحابي عند القوم حجّة لأنه عندهم بمنزلة الحديث الصحيح المرفوع، وفيه: « أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده » وفيه: « ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده »، قال: ومن هم ؟ قال: « آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس » انتهى.
__________
(1) 132]) سورة البقرة: الآية 146.
بحث في حديث السفينة
ومن الأحاديث الدالة على أن الحق مع أهل البيت(عليهم السلام) « حديث السفينة ». أخرج الخطيب في تاريخه ( ج 12 ص 91 ) قال: أخبرنا النجار، حدّثنا أبو الحسن علي بن محمد بن شداد المطرز، حدّثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، حدّثنا أبو سهيل القطيعي، حدّثنا حماد بن زيد بمكة وعيسى بن واقد، عن أبان ابن أبي عياش، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ».
وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك وتصحيح الحاكم له على شرط مسلم، ثم قال الذهبي: مفضل خرّج له الترمذي فقط، ضعّفوه.
وقال الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 150 ): أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان الزاهد ببغداد، حدّثنا العباس بن إبراهيم القراطيسي، حدّثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن حنش الكناني قال: سمعت أبا ذر(رضي الله عنه)يقول وهو آخذ بباب الكعبة: من عرفني فأنا من عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ». انتهى.
وذكره الذهبي وذكر تصحيحه ثم قال: مفضل رواه.
قلت: تصحيح الحاكم لحديث مفضل توثيق له، كما أفاد ذلك في أول المستدرك أن تصحيح السند توثيق لرجاله. وأما جرح من جرح مفضلاً فلم يظهر له حجّة إلا أنهم أنكروا روايته لهذا الحديث، فأبغضوه وتحاملوا عليه واتهموه لمخالفة الحديث لمذهب النواصب وشيعتهم، وإذا كرهوا الرجل تصيدوا له جرحاً.
قلت: بل هو مصرح به في الكامل، فقال ابن عدي ( ج 6 ص 2406 ): وأنكر ما رأيت له حديث الحسن بن علي حيث قال له: اكشف عن بطنك. انتهى.
وقد روى الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 168 ) عن أبي هريرة أنه لقي الحسن بن علي فقال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قبّل بطنك فاكشف الموضع الذي قبّل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى أقبله، قال: وكشف له الحسن فقبّله. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
قلت: فلعل هذا أصل حديث مفضل إن كانت الرواية عن جابر غير محفوظة عند المحدثين، وأكثر ما في ذلك أن يكون غلط في حديث الحسن بجعل جابر مكان أبي هريرة، والغلطة الواحدة لا توجب جرح الراوي، وخصوصاً وقد روى عن المفضل عدد وافر من المحدثين ذكر بعضهم في « تهذيب التهذيب ».
وقال الذهبي في « الميزان » في ترجمة الحسن بن أبي جعفر: وأفاد أنه أخرج له الترمذي وابن ماجة وأنهم اختلفوا فيه، ثم ذكر بعض حديثه فقال ـ أي الذهبي ـ: مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، أنبأنا ابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر من الكامل قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلنا ـ وفي لفظ: ومن قاتلهم ـ فكأنما قاتل مع الدجال ». انتهى.
ومسلم بن إبراهيم والحسن بن أبي جعفر صحح لهما الطبري في « تهذيب الآثار ». مسند علي ( ص 283 ) فهذه طريق غير طريق المفضل.
وفي فرائد السمطين ( ج2 ص246 ): روى الإمام المفسر علي بن أحمد الواحدي ( العديم النظير ) في أنواع الفضائل واستنباط المعاني، جزاه الله خيراً عن دين الإسلام وعن أهل بيت محمد عليه وعليهم السلام، وقد أخبرني ( بسندهم عنه ) جماعة منهم: العلاّمة نجم الدين عثمان بن الموفق الأذكاني، فيما أجازوا لي روايته عنهم قالوا: أنبأنا المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، عن عبد الجبار بن محمد الخواري إجازة قال: أنبأنا الإمام أبو الحسن علي ( بن أحمد ) الواحدي قال: أنبأنا الفضل بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، أنبأنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أنبأنا محمد بن إدريس الشافعي، حدّثنا المفضل بن صالح، عن أبي إسحاق السبيعي، عن حنش بن المعتمر الكناني قال: سمعت أبا ذر وهو آخذ بباب الكعبة وهو يقول: أيها الناس من عرفني فأنا من قد عرفتم ومن لا يعرفني فأنا أبو ذر، إني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ومن تخلّف عنها هلك ».
قال المحقق المحمودي في تحقيقه على فرائد السمطين: ورواه بعينه جعفر بن حمدان القطيعي في زيادات باب مناقب الحسن والحسين(عليهما السلام)في الحديث ( 55 ) من كتاب الفضائل.
قال: ورواه أيضاً يعقوب بن سفيان في ترجمة عبدالله بن عباس من كتاب المعرفة والتاريخ ( ج 1 ص 538 / ط 1 ) عن عبيد الله ( بن موسى ) عن إسرائيل، عن أبي إسحاق.
وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 100 ): أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ إذناً، حدّثنا محمد ابن محمد بن سليمان، حدّثنا سويد، حدّثنا المفضل بن عبدالله(1)[133]) عن أبي إسحاق عن ابن المعتمر عن أبي ذر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ».
وفي كنز العمال ( ج 13 ص 85 ) أنه أخرجه ابن جرير عن أبي ذر.
وفي المناقب أيضاً ( ص 101 ): أخبرنا أبو نصر بن الطحان إجازة عن القاضي أبي الفرج الخيوطي، حدّثنا أبو الطيب بن الفرخ، حدّثنا إبراهيم، حدّثنا إسحاق بن سنان، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذر قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال » انتهى.
__________
(1) 133]) هو هكذا في الكامل وقال: كان سويد يغلط في اسمه فيقول: مفضل بن عبدالله وهو مفضل بن صالح، عن أبي إسحاق، عن ابن المعتمر. « المؤلف ».
قال المحقق على فرائد السمطين: ورواه أيضاً السيوطي نقلاً عن أبي يعلى في كتاب الخصائص الكبرى ( ج 2 ص 266 ).
قلت: لعله بالسند السابق.
وفي معجم الطبراني الصغير ( ج 2 ص 22 ): حدّثنا محمد بن عبد العزيز بن محمد بن ربيعة الكلابي أبو مليل الكوفي، حدّثنا أبي، حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حماد المقرئ عن أبي سلمة الصائغ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ». انتهى.
قلت: هو في معجم الطبراني الكبير ( ج 3 ص 45 / ط 2 ) وفي آخره: « ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ». انتهى.
قال المحقق: ورواه أيضاً الخوارزمي في الفصل السادس من مقتله ( ج 1 ص 104 / ط ) عن أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمداني، عن محمود بن إسماعيل الأصبهاني، عن أحمد بن محمد بن الحسين، عن سليمان بن أحمد الطبراني. ورواه أيضاً البزار كما رواه عنه وعن الطبراني في مجمع الزوائد. انتهى.
وأخرجه المرشد بالله في الأمالي ( ج 1 ص 151 ) من طريق الطبراني فقال: أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال: أخبرنا الطبراني قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز البغوي قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا الحسين(2)[135]) بن أبي جعفر قال: حدّثنا علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن أبي ذرّ(رضي الله عنه)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ». وهذا أخرجه الطبراني في الكبير ( ج 3 ص 45 ) وفي سنده قال: حدّثنا الحسن ابن أبي جعفر... الخ.
__________
(1) 134]) هكذا في الهامش من كتاب فرائد السمطين.
(2) 135]) كذا، والصواب الحسن « المؤلف ».
وهذا أيضاً في معجم الطبراني الكبير ( ج 3 ص 45 و 46 ). وأخرجه ابن عدي في الكامل عن عبدالله بن عبد القدوس، الى آخره سنداً ومتناً، وذلك في ترجمة عبدالله بن عبد القدوس ( ج 4 ص 1514 ): حدّثنا الحسين بن الحسن بن سفيان ببخارى، حدّثنا محمد بن يحيى، حدّثنا محمد بن عيسى قال: حدّثنا عبدالله بن عبد القدوس ثقة، وأخبرنا علي بن سعيد. حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي ومحمد بن حميد قالا: حدّثنا عبدالله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن عاصم عن زر، عن عبدالله قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « لا تمضي الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً ». ثم قال: حدّثنا محمد بن محمد، حدّثنا محمد بن حميد، حدّثنا عبدالله ابن عبد القدوس، حدّثنا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حنش، عن أبي ذر: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح وكمثل باب حطة في بني إسرائيل ».
وفي المناقب ( أيضاً ص 101 ): أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي، حدّثنا أبو عبدالله محمد بن علي السقطي إملاء، حدّثنا أبو يوسف بن سهل الحضرمي، حدّثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدّثنا سليمان بن إبراهيم، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا أبو الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق ». انتهى.
وقال أبو نعيم في الحلية ( ج 4 ص 306 ): حدّثنا عبدالله بن جعفر قال: حدّثنا إسماعيل بن عبدالله قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، عن أبي الصهباء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ». وهذا أخرجه الطبراني في الكبير ( ج 3 ص 46 ) و ( ج 12 ص 34 ) قال: حدّثنا علي بن عبد العزيز، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، الى آخره سنداً ومتناً، وفي لفظه: « من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».
وذكر مشحم في حاشية صحيفة الإمام الرضا علي بن موسى(عليهما السلام) أنه أخرج هذا الحديث البزار عن ابن عباس.
قال البزار: لا نعلمه رواه إلا الحسن، وليس بالقوي، وكان من العُبّاد وقد حدث عنه جماعة. انتهى.
وكذلك في كنز العمال والجامع الصغير للسيوطي أنه أخرجه البزار، عن ابن عباس، وزاد أنه أخرجه أبو داود عن ابن الزبير، وكذا في حاشية مشحم، وقد حُذف أبو داود من نسخة الجامع الصغير في الطبعة الجديدة المجردة عن الشرح، وصار لفظها: أخرجه البزار عن ابن عباس وعن ابن الزبير. والحاكم في مستدركه عن أبي ذر حديث حسن. ولعله حداهم إلى حذف نسبة الحديث إلى سنن أبي داود أنه غير موجود فيها، ولكن يحتمل أنه حذف منها وكان موجوداً في نسخة السيوطي، لأنه موجود في نسخة الجامع الصغير التي عليها شرح العزيز، والله أعلم.
لكنه في كشف الأستار عن زوائد البزار ( ج 3 ص 222 ): حدّثنا يحيى بن معلى بن منصور، حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عامر بن عبدالله بن الزبير، عن أبيه أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « مثل أهل بيتي مثل سفينه نوح من ركبها سلم ومن تركها غرق » انتهى. فظهر أن البزار رواه عن ابن الزبير كما في نسخة الجامع الصغير المجردة عن الشرح.
وحديث ابن عباس ذكره المحب الطبري في ذخائر العقبي وقال: أخرجه الملاّ في سيرته.
وفي أمالي المرشد بالله ( ج 1 ص 154 ): أخبرنا الشريف أبو عبدالله محمد ابن علي بن الحسن الحسني بقراءتي عليه بالكوفة قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن أبي السري البكائي قال: حدّثنا علي بن العباس بن الوليد البجلي قال: حدّثنا عبد العزيز بن محمد الكلابي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن أبي سلمة الصائغ، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ».
وفي المناقب لابن المغازلي ( ص 100 ): أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ إذناً، حدّثنا محمد ابن محمد بن سليمان الباغندي، حدّثنا سويد، حدّثنا ( كذا ) عمر بن ثابت عن موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ».
وفي صحيفة الإمام علي الرضا(عليه السلام) بسنده عن آبائه عن علي(عليه السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها زجّ في النار ».
وأخرج الحديث في ذخائر العقبى عن علي(عليه السلام)مرفوعاً، وأفاد أنه أخرجه ابن السري.
هذا والحديث قد تعددت طرقه وتعاضدت، وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة ( ص 152 ): وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً: « إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ».
قلت: قد صححه الحاكم وحسّنه السيوطي، وقال الإمام القاسم بن محمد: أجمع علماء الآل وشيعتهم على صحة حديث السفينة. وقال القرشي: هو متلقى بالقبول. أفاد هذا السيد عبدالله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي في حاشية « كرامة الأولياء ».
ويؤكده ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( ج 12 ص 77 ) قال: حدّثنا معاوية بن هشام قال: حدثنا عمار، عن الأعمش، عن المنهال، عن عبدالله بن الحارث، عن عليّ(عليه السلام) قال: « إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل ».
وفي نهج البلاغة عن علي(عليه السلام): « أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ». انتهى.
وبهذا القدر نكتفي في تحقيق أن الحق مع أهل البيت(عليهم السلام). ويأتي إن شاء الله زيادة عند الرد على مقبل في إبطاله لبعض الفضائل في كتابه الذي سمّاه الطليعة(1)[136]).
عودة إلى البحث في التأمين
قال مقبل ( ص 47 ) وما بعدها: على أن التأمين بحمد الله لم يخف على علماء اليمن، اللهم إلا من عكف على الكتب الخالية من الدليل، وأصبح يعادي كتب السنة وأهلها، وصدق عليه ما قال الشوكاني ( رحم ):
تشيّعُ الأقوام في عصرنا***منحصر في بدع تبتدع
عداوة السنة والثلب للأ***سلاف والجمع وترك الجمع
والجواب، وبالله التوفيق: إن كتب أسلاف مقبل مشهورة منشورة، ولم يترك التأمين علماء العترة جهلاً بالروايات ولا معاداة للسنة الصحيحة عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن تركوه لأنهم لا يقلدون أسلاف مقبل في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، وهذا هو الاجتهاد المطلق، فأما الاتّكال على ما اشتهر عند النواصب وسمّوه سنّة وتوارثوه بينهم فإن بعضه اغترار وليس من اتباع سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
__________
(1) 136]) راجع كتاب « الغارة السريعة لردع الطليعة » للمؤلف.
وأخرج في ( ج 4 ص 515 ) بسنده عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر، فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع ؟ قال: نعم، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري(رضي الله عنه)فقال: جئت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ولم آت الحجر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: « لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليهُ غير أهله ». هذا صحيح الإسناد.
قلت: وأقره الذهبي.
وأما الهجاء الذي هجا به الشوكاني خصومه فلا حجّة فيه، وقد أجيب عنه. من ذلك قول محمد بن صالح السماوي صاحب الغطمطم:
تسنّنُ الأوباش في عصرنا***منحصر في خمسة من بدع
البغض للآل وثلب الوصي***والضم والرفع وترك الورع
ولا إشكال أن دعوى انحصار تشيعهم في الأربع الخصال كذب واضح، وهو يدل على قلّة ورع قائله وأنه لا يوثق به في مجال التعصب، لأنه يعلم أنه من تشيعهم إيجاب محبة أهل البيت واتباعهم ومدح أئمتهم الأبرار ونشر فضائلهم. كما أن في قوله: « عداوة السنة » نوع تدليس إن كان يعني سنّة النواصب وشيعتهم، أما إذا أراد سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي يرويها علماؤهم فهو كاذب عليهم متعمد للكذب. ومثله قوله: « والثلب للأسلاف » فإن التعميم فيه تدليس.
وأما ترك الجُمع فهم مختلفون في شروط الجمعة، وإنما يتركها بعضهم حيث يرى أنها لم تكمل شروطها، لا تهاوناً بها، وقد مرّ ذكر عذر واضح صحيح لترك بعضهم الجمعة في الرد على مثل هذا الكلام في بعض الزيدية، وهو أن حضور الجمعة يكون في ذاك الزمان تقوية للظلمة الذين يقيمونها ويمدحون في خطبتها ويعظمون ويدعى لهم. انتهى.
قال مقبل ( ص 48 ): حاصل كلامه ـ أي كلام السيد علي بن هادي ـ ( ص 2 ) أنه بفرض صحة تلك الرواية ـ أي رواية التأمين ـ فهو قبل نسخ الكلام، ومن جملة ما استدل به حديث « إن في الصلاة شغل ».
قال مقبل: وقوله: تلك الرواية تدل على عدم اطلاعه على كتب السنة، فإن حديث التأمين مروي عن جماعة من الصحابة يروى عن بعضهم من طرق.
والجواب: قوله: « عن جماعة من الصحابة... ». فالذي روي عنه من طرق هو أبو هريرة، ووائل بن حجر، وقد حققنا عدم صحة حديثه ـ أي أنه مجروح ـ لا يقبل منه حديث أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ووائل ليس عندنا حجة ويأتي الكلام فيه إن شاء الله.
وأجبنا في الرواية عن أبي موسى وهي غير مشهورة.
وأما الرواية عن ابن أم الحصين عن أمه فقد اعترف مقبل بضعفها.
قلنا: هذه الرواية غريبة لا نعلم أحداً رواها غيره عن علي(عليه السلام) فكيف تعتبر من الشواهد والمتابعات ؟ وإذا صح أن محمد بن عبد الرحمن كان سيّئ الحفظ فيحتمل أنه سمعها عن أبي هريرة فغلط، مع أن الرواية عن علي(عليه السلام)ليس فيها ذكر الصلاة، فهي محمولة على التلاوة في غير الصلاة والتأمين في غير الصلاة، وفي سندها حميد بن عبد الرحمن غير منسوب، وقد ذكروا هذا الاسم لرجلين أحدهما معروف والآخر مجهول، كما أفاده ابن حجر في لسان الميزان وتهذيب التهذيب، فإذا احتمل أن يكون هو المجهول لم يصح، وبقية الروايات قد بيّن هو ـ أي مقبل ـ وجه ضعفها فأغنى عن الجواب.
أمّا قوله: « يدل على عدم اطلاعه على كتب السنة » فإن كتب السنّة عندنا ليس فيها هذه الروايات، وهي كتب سنّة.
قال مقبل: وعلي قد نسي أنّ « إنّ » تنصب الاسم وترفع الخبر، مع أنه قد درس هذا في قطر الندى، وكافية ابن الحاجب، ولعل إعراضه عن كتب السنة هو السبب في حرمانه بركة العلم، قال الله سبحانه وتعالى: ] يا أيها الذين آمنوا إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقاناً [(1)[137]) وقال تعالى: ] فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [(2)[138]).
__________
(1) 137]) سورة الأنفال: الآية 29.
(2) 138]) سورة الصف: الآية 5.
بحث في ذكر الغضب لغضب فاطمة(عليها السلام)
قال مقبل: أتظن أنني قد نسيت ما كنت تردّد عن بعض أئمتك كلامهم الباطل: « لنا أم معصومة ماتت وهي غاضبة عليهم فنحن نغضب لغضبها » ؟
والجواب: لم تحقق وجه البطلان، فإن أردت أن دعوى العصمة لفاطمة(عليها السلام)دعوى باطلة.
__________
(1) 139]) سورة الأحزاب: الآية 5.
قلنا: إذا كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « فاطمة بضعه منّي فمن أغضبها أغضبني ». كما أخرجه البخاري في صحيحه ( ج 4 ص 210 ) أفليس للمسلم في رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)اُسوة حسنة ؟ فهل تنكر أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يغضبه من يغضبها ؟ فهذا قد رواه البخاري، أم أنت قد وقعت فيما تدعي على خصومك من العمل ببعض السنة إذا وافق أهواءهم ومخالفة بعضها إذا خالف أهواءهم ؟
لا تنه عن خلق وتأتي مثله***عار عليك إذا فعلت عظيم
أم أنت واقف في المسألة وهي عندك مشكلة ؟ فهلا وسعك السكوت عن الجزم ببطلان قولهم: « لنا أم معصومة ماتت وهي غاضبة » ؟
بحث في دعوى صلاة أبي بكر بالمسلمين
قال مقبل: والحمد لله الذي أنطقك بالاعتراف أن أبا بكر أول من صلى بالمسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهذا من جملة الأدلة على أن أبا بكر أحق بالخلافة.
__________
(1) 140]) العصمة: هي التطهير عن جميع الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها. إذ ليس من الواضح الحد الفاصل بين الكبائر والصغائر وأي ذنب كبيرة وأيّه صغيرة، وإذا جاز اقتراف الصغيرة على المعصوم وقع الشكّ في اقترافه الكبيرة وانتفت عنه العصمة.
فالكلام غير متناسب، وإذا كان يحق له ما هجن به على علي هادي الصيلمي فقال فيما مرّ: « إنه نسي أن « إنّ » تنصب الاسم. ثم قال: ولعل إعراضه عن كتب السنّة هو السبب في حرمانه بركة العلم قال الله سبحانه: ] إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً [(1)[141]) وقال تعالى: ] فلما أزاغوا أزاغ الله قلوبهم [(2)[142]) » كان للسيد علي هنا أن يقول في مقبل كما قال مقبل فيه، والله تعالى يقول: ] ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون [(3)[143]).
فأما قول من قال: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا.
فجوابه: إنّا لا نسلم أن الصحابة قالوا ذلك، بل هي دعوى من شيعة لأبي بكر. مع أن إمامة الجماعة في الصلاة لا تحتاج من الشروط مثل ما تحتاج الإمامة العظمى، بل بينهما فرق كبير.
ثم قوله: « رضيه لديننا ». فيها مغالطة، لأن الرضا بخصلة من الدين ليس رضىً بولاية الدين كله.
__________
(1) 141]) سورة الأنفال: الآية 29.
(2) 142]) سورة الصف: الآية 5.
(3) 143]) سورة البقرة: الآية 179.
بحث الكلام في سند مجموع زيد بن علي(عليه السلام)
قال مقبل ( ص 57 ): هل اعتمدت على المجموع المنسوب إلى زيد بن علي المشروح بالروض النضير ؟ فإن الراوي له عن زيد بن علي(رحمه الله) عمرو بن خالد الواسطي، وهو كذاب عند المحدثين كما في « ميزان الاعتدال » يرويه عن عمرو إبراهيم بن الزبرقان، وقد اختلف فيه كما في « لسان الميزان » يرويه عن إبراهيم نصر بن مزاحم، وقد قال الذهبي في الميزان: رافضي جلد تركوه ـ إلى أن قال ـ: وقال أبو خيثمة: كان كذاباً.
وأما إبراهيم بن الزبرقان. فقال فيه ابن أبي حاتم في كتاب « الجرح والتعديل » أيضاً: يعد في الكوفيين سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، قال: وسألت أبي عنه فقال: محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به، ثم قال: حدّثنا العباس ( بن محمد الدوري ) قال: سألت يحيى بن معين عن إبراهيم بن الزبرقان فقال: ثقة ثقة، روى عنه وكيع وغيره. انتهى.
وفي « لسان الميزان » زيادة على هذا التوثيق وأنه لا بأس به، وليس فيه أشد من قول أبي حاتم: لا يحتج به.
ولا يخفى عند من عرف تحامل القوم على الشيعة، فتوثيقهم لهم يجري مجرى الإقرار، وتضعيفهم دعوى هم فيها متهمون بالغلط بسبب رواية لفضيلة أو خروج مع إمام من آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أو نحو ذلك.
وأبو حاتم قد ظهر منه الجرح بمخالفة المذهب كما حكينا عنه في نصر بن مزاحم.
__________
(1) 144]) ما بين القوسين عنوان للكلام في معرفة وكيع بالرواة في كتاب ابن أبي حاتم.
وأما نصر بن مزاحم، فقال فيه البخاري في التاريخ الكبير ( ج 8 ص 105 ): نصر بن مزاحم المنقري سكن بغداد، روى عنه أبو الصلت وابن الرماح. انتهى. ولم يذكره بجرح ولا تضعيف.
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد ( ج 3 ص 282 ) فذكر عنه حديثاً في الخوارج عن علي(عليه السلام). ثم روى الخطيب فقال: أخبرنا الأزهري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: نصر بن مزاحم المنقري سكن بغداد، عداده في الكوفيين، ثم روى بإسناده عن إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال: نصر بن مزاحم العطار كان زائغاً عن الحق مائلاً. قال الخطيب: أراد بذلك غلوه في الرفض. ثم روى بإسناده عن صالح بن محمد: نصر بن مزاحم، روى عن الضعفاء أحاديث مناكير، ثم قال: حدّثني أحمد بن محمد الغزال، أخبرنا محمد بن جعفر الشروطي، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ قال: نصر بن مزاحم غال في مذهبه، غير محمود في حديثه. ثم روى بإسناده عن محمد بن عبدالله بن سليمان الحضرمي قال: سنة اثنتي عشرة ومائتين فيها مات نصر بن مزاحم المنقري. انتهى.
قلت: الجوزجاني مجروح في نفسه متّهم في الشيعة، قال الذهبي في ميزانه في ترجمة الجوزجاني: قال ابن عدي في ترجمة إسماعيل بن أبان الوراق ـ لما قال فيه الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق ولم يكن يكذب ـ: الجوزجاني كان مقيماً بدمشق يحدث على المنبر وكان أحمد يكاتبه، فيتقوى بكتابته ويقرؤه على المنبر، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي(رضي الله عنه). فقوله في إسماعيل: « مائل عن الحق » يريد ما عليه الكوفيون من التشيع. انتهى المراد.
قلنا: أما إنه شيعي فصحيح هو من الزيدية كما مر، وأما إن في حديثه اضطراباً وخطأ كثيراً، فلو كان ذلك مما يصلح أن يقال على مذهبكم لكان الجوزجاني أولى به ولم يذكره لا هو ولا البخاري. وأما أبو حاتم فقد رماه الذهبي بالتحامل كما مر، ولعله أراد بحديثه ما رواه عن الضعفاء، ولكنه لم يذكر ذلك تحاملاً على نصر وحرصاً على جرحه. وقد مر من طريق الخطيب عن صالح بن محمد: روى عن الضعفاء أحاديث مناكير.
قلت: فالحمل على الضعفاء، ولا يجرح فيه ذلك لأنه يكون الخلاف في المناكير ما هي، كما فصّلناه سابقاً، وعلى هذا يحمل قول أبي خيثمة وأبي الفتح الأزدي محمد بن الحسين، مع أن في أبي الفتح وهو الأزدي كلام في الميزان فقال فيه في ترجمة أبان بن إسحاق: أبو الفتح يسرف في الجرح وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى وجرح خلقاً بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم وهو متكلم فيه.
قلت: والخطيب متهم بالتحامل على نصر، حيث أورد في ترجمته كلام الجوزجاني وكلام أبي الفتح الأزدي، وهو يعرف أنه لا يعمل بذلك، وكذلك تجد الذهبي يفعل، فاحذر القوم واتهمهم.
هذا، والروايات في القنوت في غير المجموع من كتب الزيدية، وقد جود البحث فيه الإمام القاسم بن محمد في « الاعتصام » وفي أمالي أحمد بن عيسى روايات كثيرة منها رواية المجموع عن علي(عليه السلام)وهي مطبوعة منشورة والحمد لله.
وإذ قد صح للزيدية على أصلهم فلا يضرهم أنه لم يصح لمقبل المقلد لابن القيم، والمسألة فيها روايات كثيرة مختلفة ولكن تختلف الأنظار فيها تبعاً للخلاف في الجرح والتعديل والمرجحات الأخرى، ومن طالع سنن البيهقي عرف هذا.
بحث في [ بسم الله الرحمن الرحيم ]
قال مقبل في [ بسم الله الرحمن الرحيم ]: وقد بدأت بجمع طرق حديث شعبة ـ أي عن قتادة ـ عن أنس ثم أتى ببقية الطرق عن أنس.
فأورد رقم ( 1 ) بلفظ: كانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 6 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 7 ) وأورد رقم ( 8 ) بلفظ: « كانوا يفتتحون بالحمد لله ».
وأورد رقم ( 9 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 10 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير بـ ] الحمد لله رب العالمين [ في الصلاة.
وأورد رقم ( 11 ) بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وكذا رقم ( 12 ) ورقم ( 17 ).
وأورد رقم ( 19 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وأورد رقم ( 20 ) بلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله.
ورقم ( 21 ) بلفظ: فكانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 24 ) بلفظ: يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 25 ) بلفظ: يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
وجملة ما احتج به ( 26 ) رواية. فهذه التي ذكرناها خمسة عشر سنداً عن أنس كلها لا دلالة فيها على مطلوب مقبل. لأن ] الحمد لله رب العالمين [ اسم للفاتحة فمعناه أنهم كانوا يبدؤون بها، وهذا واضح وعليه عادة المسلمين أنهم يبدؤون في القراءة بفاتحة الكتاب ثم يقرؤون بعدها ما شاءوا من القرآن.
أما تسمية الفاتحة ] الحمد لله رب العالمين [ فواضح. ويقال: الحمد لله، والحمد كما يقال: ] ق والقرآن المجيد [ للسورة. و ] قل هو الله أحد [للسورة.
وقد استعمل بعض هذا مقبل، فقال في الرياض ( 43 ): وأين الدليل على أنه يفصل بين التكبيرتين في صلاة الكسوف بالحمد لله مرّة ؟ الخ، ـ أي بالفاتحة مرة ـ وقال هناك في صلاة الجنازة ـ وبعد الثالثة ـ ] بقل أعوذ برب الفلق [ أي بالسورة.
وفي مجموع زيد بن علي(عليه السلام): « كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوتر بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، يقرأ في الأولى: ] سبّح اسم ربك الأعلى [ وفي الثانية: ] قل يا أيها الكافرون [ وفي الثالثة: ] قل هو الله أحد [ والمعوذتين. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن عائشة، وصححه على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي وقال فيه: وفي الثالثة: ] قل هو الله أحد [ و ] قل أعوذ برب الفلق [ و ] قل أعوذ برب الناس [.
وفيه ( ج 1 ص 185 ): إن أم الفضل سمعته يقرأ: ] والمرسلات عرفاً [وفي ( ص 186 ): صلّيت مع أبي هريرة العتمة فقرأ: ] إذا السّماءُ انشقّت [ وفيه هناك: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقرأ: ] والتين والزيتون [ في العشاء. وفيه في ( ج 5 ص 222 ) في باب قوله: ] ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم [(1)[145]) في حديث ثم قال: ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ فذهب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليخرج فذكرته فقال: ] الحمد لله رب العالمين [هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته. انتهى.
وذكره عند ذكر سورة الأنفال في هذا الجزء أعني ( ج 5 ص 199 ) وذكره في أول كتاب تفسير القرآن في باب: ما جاء في فاتحة الكتاب من هذا الجزء ( ص 146 ).
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ( ج 2 ص 45 ) بسنده عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): « أنه كان يقول ] الحمد لله رب العالمين [ سبع آيات ».
وروى البيهقي في ( ج 2 ص 51 ) حديث: يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عن أنس، ثم قال: زاد أبو عبدالله وأبو سعيد في روايتهما.
قال الشافعي ـ يعني يبدأون بقراءة أم الكتاب قبل ما يُقرأ بعدها، والله أعلم. ولا يعني أنهم يتركون ] بسم الله الرحمن الرحيم [. انتهى.
وذكر في حاشية التركماني اعتراضاً أن سورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني ] الحمد لله رب العالمين [ بل تسمى بـ « الحمد ».
__________
(1) 145]) سورة الحجر: الآية 87.
فبطل احتجاج مقبل بتلك الخمس عشرة رواية.
وبقي روايات إحدى عشرة منها رواية رقم ( 2 ) عن أنس قال: صليت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ومثلها رقم ( 14 ) ورقم ( 15 ) وهذا يحتمل أنه كان غفل عن خصوص البسملة، لأنه لم يكن سبق فيها نزاع بين الأمة بخصوصها، فكان ينتبه للقراءة جملة من دون تفصيل، فلما وقع الخلاف فيها بعد أن تركها معاوية مرة وصارت المسألة هامة ظن أنه لم يكن يسمعها لأنه لا يذكر ذلك بخصوصه.
يؤكد هذا ما ذكره مقبل في ( ص 76 ) من رواية أحمد: حدّثنا إسماعيل، قال سعيد بن يزيد: أنبأنا قال: قلت لأنس: أكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يستفتح القراءة بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ أو بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما سألني عنه أحد. انتهى.
وأخرجه الدارقطني بسند آخر عن سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن مالك... الخ فقال: هذا إسناد صحيح ذكره في ( ج 1 ص 316 ). وقوله في السند: « قال سعيد بن يزيد: أنبأنا ». لعله غلط أصله « قال: أنبأنا سعيد بن يزيد » وقوله: « ما سألني عنه أحد » قرينة لتقدم هذا السؤال قبل الخوض وانتشار الخلاف في المسألة، ومثله يحدث الشك في مسألة هو غافل عنها ويخاف من الرواية لما لا يذكره وإن كان هو يجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ بناء على أنها من الحمد، وعلى أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يجهر بالحمد في اعتقاده جملة من دون تحقيق للبسملة بخصوصها.
فالحاصل أن تقدم السؤال هذا أظهر، وأن أنساً مظنة أنه شكك عليه حتى آل أمره إلى ظن أنه لم يكن يسمعها من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لأنه لم يذكر ذلك، ومع أنه يحتمل أنه كان في وقت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعيداً عنه لحداثة سنّه، واشتغال المكان القريب بكبار الصحابة، ومع بعده وغفلة الصغر لا تتضح له قراءة البسملة ولا ينتبه للتأمل هل يقرأها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فكأنه لم يسمعها، وكان في كثير من الحالات لا يسمعها حقيقة كحالة مصادفتها للجة التكبير مع كثرة المصلين، وعلى هذا فنفيه لسماعها مبني على اعتقاده أنه لم يكن يسمعها، وذلك لا يدل على أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يكن يجهر بها لأنه يمكن أنه كان يجهر بها وإن ظن أنس أنه لم يكن يسمعها.
ويمكن أن قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان الجهر في أولها يكون خفيفاً، ثم يرتفع على التدريج حتى يكون الجهر في آخر السورة أقوى من أولها.
فإن قيل: هذا تأويل، والتأويل إنما يصار إليه عند وجود دليل يقتضيه.
قلنا: ليس تأويلاً، لأنا أبقينا النفي على ظاهره، وإنما جوّزنا عليه الخطأ في النفي، لأن النفي يكون فيه الغلط بالبناء على الأصل واعتقاد أن الشيء لم يكن، وذلك لخلو الذهن عنه والغفلة عن تجويز أنه وقع ولم يعلم النافي، كما مر في نفي الدخول ببروع بنت واشق.
تحقيق الجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [
وقد رجحت إيراد الجواب مفصلاً بزيادة من الإيضاح لتمام الفائدة. فأقول:
إعلم أن جملة الروايات التي احتجّ بها مقبل للإسرار بالبسملة ست وعشرون رواية، وهي تنقسم إلى سبعة أنواع:
النوع الأول: ما ورد بلفظ: « كانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وذلك الروايات رقم ( 1 ) و ( 7 ) ( 21 ). وبلفظ: « كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وذلك رقم ( 6 ) و ( 7 ) و ( 11 ) و ( 12 ) و ( 17 ) و ( 25 )، وبلفظ: « كانوا يفتتحون بالحمد لله ». وذلك رقم ( 8 )، وبلفظ: كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وذلك رقم ( 9 ) و ( 19 )، وبلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير بـ ] الحمد لله رب العالمين في الصلاة [، وذلك رقم ( 10 ) وبلفظ: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [. وذلك رقم ( 18 )، وبلفظ: يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وذلك رقم ( 24 ).
وفي صحيح البخاري ( ج 1 ص 173 ) في حديث: « يا معاذ، أفتّان أنت ؟ فلولا صليت بـ ] سبح اسم ربك الأعلى [ ] والشمس وضحاها [ ] والليل إذا يغشى [ ».
وفي صحيح البخاري أيضاً ( ج 1 ص 185 ) أن أمّ الفضل سمعته يقرأ: ] والمرسلات عرفاً [. وفي ( ص 186 ): صليت مع أبي هريرة فقرأ: ] إذا السماء انشقت [. وذكر البخاري هناك: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقرأ: ] والتين والزيتون [في العشاء، وعلى هذا فالمراد كانوا يستفتحون بقراءة الفاتحة وهذا هو الذي اختاره النسائي وعقد له باباً في سننه فقال: باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة، وذكر في الباب حديثين من هذا النوع.
وقد روى الدارقطني في سننه ( ج 1 ص 316 ) هذا الحديث عن أنس بلفظ: « كانوا يستفتحون بأمّ القرآن ». انتهى.
واعترضه التركماني في حاشيته فقال: قال في العمدة: هذا ليس بقوي، لأنه إن أجري مجرى الحكاية فهذا يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه فلا يكون قبله غيره لأن ذلك الغير هو المفتتح به، وإن جعل اسماً فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع أعني ] الحمد لله رب العالمين [ بل تسمى الحمد، فلو كان لفظ الرواية كان يفتتح بالحمد لقوي هذا فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة، انتهى.
والجواب: إنه يقال: ] الحمد لله رب العالمين [ تعبيراً عن السورة كما يقال: الحمد والحمد لله. ولكن يقال: الحمد أو الحمد لله اختصاراً وإحالة على فهم السامع، ويقال: ] الحمد لله رب العالمين [ وذلك أوضح في الدلاله على الفاتحة، لأنه يميزها عن السور التي في أولها الحمد لله غير الفاتحة وهن: الأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر، كما يسمى غيرها من سور القرآن بما في أولها، ولم تجعل البسملة من اسمها للاشتراك فيها بين أكثر السور. فجعلها من اسم السورة تطويل في الاسم، والمراد أنه يعبر عن هذه السورة بذكر أولها بعد البسملة، وكذلك يعبر عن الحديث في بعض الحالات، كما في شعر الهبل: ( تركت مديحكم من أجل: إني تارك فيكم ) يعني من أجل حديث الثقلين، لأنه لا يستطيع إكمال التعبير عن فضلهم الذي دل عليه الحديث. أو لأنه من تحصيل الحاصل لأن الناس قد عرفوه بحديث الثقلين، وكذلك تفعل العرب في التعبير عن القصائد بذكر أولها فيقال مثلاً: قفا نبك لإحدى المعلقات السبع.
وذكره البخاري عند ذكر سورة الأنفال في الجزء الخامس ( ص 199 ) وذكره في أول كتاب التفسير من صحيحه في باب ما جاء في فاتحة الكتاب من ( ج 5 ص 146 ).
وأخرج البيهقي في السنن الكبرى ( ج 2 ص 45 ) بسنده عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه كان يقول: « الحمد لله رب العالمين سبع آيات ».
وفي تفسير ابن كثير ( ج 1 ص 22 ) في ذكر ما ورد في فضل الفاتحة ذكر الحديث الأول بسنده من مسند أحمد ثم قال: وهكذا رواه البخاري وعلي بن المديني. ثم قال: ورواه في موضع آخر من التفسير، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة من طريق شعبة به، ثم أخرجه من مسند أحمد عن ابن جابر في ( ص 24 ) ثم قال: هذا إسناد جيد.
فبطل احتجاج مقبل بالنوع الأول الذي هو خمس عشرة رواية من الست والعشرين.
النوع الثاني: من الأنواع السبعة ثلاث روايات:
الرواية الأولى رقم ( 2 ): عن شعبة قال: سمعت قتادة يحدّث عن أنس قال: « صلّيت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً يقرأ: ] بسم الله الرحمن الرحيم [.
الرواية الثانية رقم ( 14 ): عن شعبة وشيبان عن قتادة قال: سمعت أنس ابن مالك قال: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً يجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. وهذه الرواية من طريق ابن حبان.
__________
(1) 146]) سورة الحجر: الآية 87.
والجواب عن هذا النوع: إن عدم سماع أنس للجهر بها لا يدل على أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يجهر إلا إذا كان بحيث يسمع لو جهر بها، ولم يثبت أنه كان قريباً من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بحيث يسمع إذا جهر بها، وليس مظنّة القرب لأنه من صغار الصحابة، وعلى هذا فلا يصح معارضة روايات الجهر المثبتة له بهذه الرواية التي لم تصرح بنفي الجهر ولا صحت دلالتها على معنى نفي الجهر.
وأيضاً يحتمل أن أنساً لم يكن ينتبه للجهر بها بعينها لغفلته أوّلاً مع حداثة سنّه، وثانياً لعدم الخوض في الجهر بها، فلا يخطر بباله أن يتأمل هل يجهر بها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن كان يسمعه يجهر بالقراءة جملة، ولذلك لا ينتبه للجهر بالبسملة على التعيين.
قال في نصب الراية ( ج 1 ص 363 ): وغير مستبعد وقوع الاختلاف في مثل هذا. وكم من شخص يتغافل عن أمر هو من لوازمه حتى لا يلقي إليه بالاً البتة، وينتبه لأمر ليس من لوازمه ويلقي إليه باله بكليته. ومن أعجب ما اتفق لي أني دخلت جامعاً في بعض البلاد لقراءة شيء من الحديث، فحضر إلي جماعة من أهل العلم وهم من المواظبين على الجماعة في الجامع، وكان إمامهم صيتاً يملأ الجامع صوته، فسألتهم عنه هل يجهر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ أو يخفيها ؟ فاختلفوا عليّ في ذلك، فقال بعضهم: يجهر بها وقال بعضهم: يخفيها. وتوقف آخرون، انتهى المراد.
مع أنه يحتمل أن من روى هذا النوع عن أنس بلفظ نفي سماع الجهر بالبسملة إنما سمع قوله: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون أو يفتتحون بـ ] الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ [ فتوهّم الراوي أنه عنى أنه لم يكن يسمعهم يجهرون بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ كما اعتقده من احتجّ به على ترك الجهر بالبسملة، فرواه على المعنى الذي يعتقده باللفظ الذي يدل عليه، فروى أنه قال: لم أسمع، لأن المهم في الروايات هو المعنى إذا لم تكن رواية قرآن ولا ذكر من الأذكار، وإنما المقصود المعنى فكانت الألفاظ فيه تحفظ تبعاً للمعنى، ومن غلط في فهم المعنى غلط في لفظ الرواية تبعاً لغلطه في فهم المعنى، ولكون المقصود هو المعنى تجد الحديث المشهور يروى بألفاظ مختلفة كثيرة وهذا واضح.
وقد تبيّن أن الرواية الأصلية هي النوع الأول لكثرة طرقها، لأنها تروى بخمسة عشر سنداً كما مرّ، فهذه الروايات الثلاث محمولة عليها ومردودة إليها.
وحاصل هذه الجوابات ثلاثة أجوبة:
الأول: أن أنساً لم يقل: لم أسمع. وإنما قال: كانوا يفتتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
الثالث: أنه وإن لم يسمع فقد أثبت غيره الجهر، ومقتضى ذلك أن أنساً إذا لم يسمع فليس عدم سماعه لعدم الجهر، بل هو لبعده مثلاً أو أي مانع. فنفي سماع الجهر ليس نفياً للجهر، فلا يعدل عن رواية الجهر لمجرد استبعاد عدم سماع أنس ثبوت الجهر.
النوع الثالث: ما ورد في رقم ( 3 ) بلفظ: فكانوا لا يجهرون بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ورقم ( 5 ) « فلم يكونوا يجهرون » ورقم ( 26 ) بلفظ: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وابو بكر وعمر لا يجهرون بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [.
والجواب، عن هذا النوع: انه يحتمل انّ الرواة لهذا النوع سمعوا النوع الأول فتوهمّوا أن المراد بقوله: كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ أنهم لم يكونوا يجهرون بها كما توهم غيرهم ممن يحتج بالنوع الأول على ترك الجهر. وقد قدّمنا أنه لا يدل على ترك الجهر. وكثير من الرواة يروون على المعنى الذي يعتقدونه، ولذلك فلا يعارض به الروايات المثبتة للجهر. ولو فرض أن أنساً رواه بهذا اللفظ لم يصح أن يعارض به الروايات المثبتة للجهر، لأن المثبت مقدم على النافي، ولأن أنساً طال عمره وبعد عهده برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فجاز أن يكون نسي الجهر بها واعتقد أنهم لم يكونوا يجهرون بها، ولا سيما مع كبره وتجاوزه في العمر مائة عام، مع أن الرواية الثانية من هذا النوع التي هي رقم ( 5 ) في كتاب مقبل مُعلّةٌ كما بيَّنه مقبل في كتابه.
وقال ابن حجر في آخر ترجمته عن القابسي المالكي أنه قال فيه: وليس أبو قلابة من فقهاء التابعين، وهو عند الناس معدود من البله، انتهى.
النوع الرابع: رواية واحدة خالفت الروايات السابقة كلها وهي رقم ( 23 ) في كتاب مقبل نسبها إلى النسائي ( ج 2 ص 104 ): أخبرنا محمد بن علي ابن شقيق قال: سمعت أبي يقول: أنبأنا أبو حمزة، عن منصور بن زاذان، عن أنس ابن مالك قال: « صلى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فلم يسمعنا قراءة ]بسم الله الرحمن الرحيم [ وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما »، وهذه الرواية تحتمل أن الراوي رواها على المعنى الذي يعتقده، كأن يسمع عن أنس أنه لم يسمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يجهر بها، فعبر بما يعتقده المعنى وخالف في اللفظ. ولعله أبو حمزة السكري فقد قال فيه ابن حجر: قال ابن عبد البر في التمهيد: ليس بقوي ذكره في ترجمة سمي. وقال النسائي: لا بأس بأبي حمزة إلا أنه كان قد ذهب بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد، وذكره ابن القطان الفاسي فيمن اختلط. انتهى.
قلت: فهو متهم في هذه الرواية المخالفة في لفظها لسائر الروايات عن أنس في حديث البسملة.
النوع السادس: رواية واحدة وهي في كتاب مقبل رقم ( 13 ) ونسبها إلى أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا الأوزاعي قال: كتب إليّ قتادة، حدّثني أنس ابن مالك قال: صلّيت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [.
والجواب: إن قتادة لم يكن يكتب لأنه ولد أكمه كما ذكره مقبل في ( ص 78 ) ولم يذكر الكاتب، فالسند منقطع ولا يبعد أنه غير ثقة، مع أنه الزيادة هذه ـ أعني قوله: لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ـ زيادة منكرة لتفرده بها ومخالفته الرواية التي جاءت من خمسة عشر طريقاً، وتقدم ذكرها في النوع الأول.
فالجواب: إن الطريقة الأخرى إن كانت صحيحة متصلة فكانت أحق بإيرادها في الاحتجاج، وإلا فلا معنى للإحالة على مجهول. وكذا قوله: « له شواهد تقدم أكثرها » لم يتقدم شيء بالزيادة المذكورة في آخره أعني قوله: لا يذكرون ]بسم الله الرحمن الرحيم [. فقوله: له شواهد. إن أراد بالزيادة المذكورة فلا نسلم وإن أراد بدونها فهو تدليس، وهو الظاهر، لأنه قال: تقدم أكثرها. والذي تقدم ليس فيه الزيادة. فقد دلس بإيهام أن له شواهد بالزيادة التي في آخره ـ أي لا يذكرون... الخ ـ ويحتمل أنه أراد له شواهد معنوية ويعني بالذي تقدم النوع السابع، لأنه بمعنى النوع السادس.
وقوله: ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توبع عليه الكلام فيه كذلك.
والذي في صحيح مسلم: عن الأوزاعي، أخبرني إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك. فقال: يذكر ذلك. وهي عبارة محتملة لقصد أصل الحديث دون الزيادة.
النوع السابع: روايتان، إحداهما في كتاب مقبل رقم ( 4 ) والثانية رقم ( 16 ). أما رواية رقم ( 4 ) فهي هكذا: عبدالله في زوائد المسند، حدّثنا أبو عبدالله السلمي، حدّثنا أبو داود، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس ؟ قال: نعم نحن سألناه عنه. ثم قال مقبل: الحديث أخرجه مسلم ( ج4 ص111 ).
والذي رواه البيهقي ( ج 1 ص 52 ) ليس فيه ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في لفظ رواية مالك بل رواه عن حميد، عن أنس بلفظ: فكانوا يفتتحون قراءتهم بـ ] الحمد لله رب العالمين [ ثم قال: هكذا رواية الجماعة عن حميد، وذكر بعضهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غير أنهم ذكروه بلفظ الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
فظهر أن من أورده ـ عقيب لفظ ابن وهب ـ عن مالك فقد دلس ( ج 1 ص 102 ) عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر وعمر فكلهم كان لا يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ إذا افتتح الصلاة.
__________
(1) 147]) قد بحثت فيه فلم أجده إنما فيه عن أنس.
قال مقبل: وهكذا رواه الجماعة، ثم رجح أن رواية حميد بلفظ: فكانوا يفتتحون بالحمد لله.
والجواب: أن الرواية الأولى من طريق أبي داود الطيالسي، وقد ذكروا أنه كثير الغلط.
هذا وأبو عبدالله السلمي لا أعرفه، ولعله غلط فيه كما غلط مقبل، أو دلس بنسبته إلى مسلم ( ج 4 ص 111 ) والذي فيه إنما هو في حديث: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ وهذا يخبر عن عدم السماع بخلاف حديث عبدالله في زوائد المسند فإنه نفاها جزماً.
فهذه جملة ما أورده مقبل للاحتجاج لإسرار البسملة ـ وجملته ( 26 ) رواية رجعت في لفظها إلى سبعة أنواع كما ترى. ولا يبعد أن أصلها كلها النوع الأول، إلا أنها تعددت لاختلاف الفهم، واختلاف التعبير، يؤكد ذلك أن بعض المخالفين ومنهم مقبل يعتقدون أنها كلها عبارة عن ترك الجهر، فما المانع أن يكون الرواة يعتقد أكثرهم ذلك، ويعتقد بعضهم أن مقصود أنس بقوله: كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ أنهم يتركون البسملة ؟ وهذا مع كون الرواية هذه كلها عن أنس، والرواية التي بلفظ: « يستفتحون الصلاة أو القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ » هي أكثر من سائر الألفاظ كما بيّناه في النوع الأول وبقية الأنواع. فأكد ذلك أن الرواية الأصلية هي رواية الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ويؤكد ذلك أن أكثر هذه الروايات المختلفة هي عن قتادة عن أنس، وذلك رقم ( 2 ) ورقم ( 3 ) ورقم ( 4 ). أمّا رقم ( 5 ) عن ثابت عن أنس فضعفوا. الرواية عن ثابت. هذا وجعلوا الصواب عن قتادة عن أنس، كما هو محقق في كتاب مقبل ( ص 66 و 67 ) وكذلك رقم ( 6 ) عن قتادة عن أنس ورقم ( 7 ) ورقم ( 8 ) ورقم ( 9 ) ورقم ( 10 ) ورقم ( 11 ) ورقم ( 12 ) ورقم ( 13 ): كتب إلي قتادة، حدّثني أنس. ورقم ( 14 ) من طريق ابن حبان، عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك، ورقم ( 15 ) عن قتادة عن أنس.
ورقم ( 17 ) عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس بن مالك أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 18 ) عن قتادة وحميد وأبان عن أنس: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 19 ) عن قتادة عن أنس.
أما رقم ( 20 ) فهو عن حميد الطويل، عن أنس قال: صليت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله.
وأما رقم ( 21 ) فهو عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك قال: صلّيت خلف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون الصلاة بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 22 ) عن سويد بن عبد العزيز، عن عمران القصير، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان يسر بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. فهذا الحديث وحده هو المخالف في السند عن أنس، وفي لفظ المتن، وقد مرّ الكلام في سويد.
أما عمران القصير ففي ترجمته في « تهذيب التهذيب » عن يحيى بن معين: هذا عمران القصير ليس بشيء. انتهى.
ورقم ( 23 ) عن منصور بن زاذان، عن أنس بن مالك قال: صلّى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فلم يسمعنا قراءة ] بسم الله الرحمن الرحيم [.
ورقم ( 24 ) عن ابن سيرين والحسن، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبو بكر وعمر وعثمان يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورقم ( 26 ) عن أبي قلابة، عن أنس قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبو بكر وعمر لا يجهرون بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. وهي من طريق ابن حبان وقد تكلمنا فيه.
فظهر أن الست والعشرين أكثرها عن قتادة عن أنس وذلك ست عشرة رواية كما ظهر أن خمس عشرة رواية بلفظ الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [وفي لفظ يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [.
وظهر أن الأصل حديث واحد هو حديث الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ لأنه لم يخالف السند ولفظ المتن جميعاً إلا حديث سويد بن عبد العزيز عن عمران القصير عن الحسن. وحديث ابن حبان عن أبي قلابة. والروايتان ضعيفتان لا يعمل بهما.
ولنا في الجواب طريقة أخرى في التعبير كالتحصيل والتلخيص لما قدمناه. وهي أن حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ روي عن أنس من خمس عشرة طريق منها: عن قتادة عن أنس، ومنها: عن قتادة وثابت وحميد عن أنس، أو عن قتادة وثابت عن أنس، ومنها: عن مالك بن دينار عن أنس، ومنها: عن ابن سيرين والحسن عن أنس، ومنها: عن محمد بن لوح(1)[148]) عن أنس، فظهر أن هذه الرواية عن أنس هي القوية وأنها الأصل فيه وقد حقق قوتها وبسط في ذلك في نصب الراية ( ج 1 ص 226 ).
وكذلك ظهر أنها الأصل في حديث قتادة لأنها رويت عنه من طرق بعضها من طريق شعبة، وبعضها من طريق غيره، فمن طريق شعبة رواية البخاري والبيهقي، عن حفص بن عمر، عن شعبة، ورواية البخاري عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، ورواية ابن خزيمة عن محمد بن جعفر عن شعبة، ورواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، ورواية ابن عبد البر عن علي بن الجعد عن شعبة.
__________
(1) 148]) كذا، ولعله نوح. « المؤلف ».
وهذه الرواية تقوي ما فسرنا به الحديث، ورواية أحمد عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس. وكذلك البخاري في جزء القراءة وأبي داود والدارمي وابن أبي شيبة وابن عبد البر والخطيب. ورواية أحمد عن هشام، حدّثنا قتادة عن أنس، ورواية البخاري في جزء القراءة، عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس، وكذلك النسائي والترمذي وابن خزيمة، والخطيب.
ورواية أحمد من ثلاث طرق عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، وكذلك البخاري في جزء القراءة.
ورواية أبي نعيم عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس، وكذلك الدارقطني بلفظ: « وكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر فيه » وهذه الرواية تؤكد ما فسّرنا به حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
ورواية ابن عبد البر عن شعبة وشيبان عن قتادة عن أنس، وهكذا الخطيب، ورواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس: سمعت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون ] الحمد لله رب العالمين [.
ورواية ابن حبان عن حميد وسعيد، عن قتادة، عن أنس.
والحاصل: أن الرواية المخالفة لهذا اللفظ معلّة بمخالفتها للرواية الثابتة المشهورة التي ظهر أن الرواة حفظوها على أصلها سواء كانت عن قتادة عن أنس، أو عن أنس من طريق غير قتادة، لما قدمناه من شهرتها عن أنس من طريق عدد من الرواة غير قتادة قد ذكرناهم فيما مرّ.
وزاد الحازمي: ( 1 ) القول بالنسخ عن بعضهم ( 2 ) ويمكن أن يزاد نسيان أنس. انتهى.
والجواب على مقبل: أنه هكذا أورد الحاصل دون التفصيل وهذا تقصير في الإنصاف، لأن هذه دعاوى وحججها تحتاج إلى بسط، فإذا وقع من مقبل الجواب عليها قبل الإيراد لحججها كان ذلك وسيلة لإبطالها بالجواب بسهولة.
ثم قال مقبل: الجواب عن هذه المطاعن: ( 1 ) أما الانقطاع فهو في طريق واحدة وهي طريق حميد لأن سماعه من أنس هذا الحديث مشكوك فيه، فقد صرح هنا بالواسطة بينه وبين أنس وهو قتادة كما في رقم ( 19 ) فبطلت هذه العلة.
والجواب على مقبل: أن الذي صرح حميد فيه بذكر الواسطة هو عن قتادة عن أنس أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وهذا لا يدل على مطلوب مقبل فلا ينفعه بطلان هذه العلة.
قال مقبل: وأما المخالفة ( 2 ) فقد تابع مالكاً على هذا المعنى غيره كما في حديث رقم ( 2 ) فلم أسمع أحداً يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. رقم ( 4 ) فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ ] بسم الله الرحمن الرحيم [. رقم ( 13 ) لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ فهذه تعتبر متابعة قاصرة إذ مخرج الحديث هو أنس ابن مالك.
والحاصل: أن رواية الأكثر عن حميد بهذا اللفظ معارضة لرواية مالك، ورواية الجمهور عن حميد وغيره كما قدمناه بهذا اللفظ تعارض رواية مالك عن حميد. واين تقع ثلاث روايات في جنب خمس عشرة رواية ؟ فبطلت المتابعة القاصرة.
قال مقبل: ثم إنه يمكن الجمع بين هذه الروايات وبين رواية « كانوا يستفتحون بالحمد لله » بما ورد به مصرحاً في بعض طرق الحديث أنهم كانوا لا يجهرون، فمن نفى فالمراد بنفيه الجهر. ذكر هذا المعنى الحافظ ابن عبد البر.
فأما الجمع الذي ذكره مقبل فلا دليل عليه لأن رواية « لم يكونوا يجهرون » لم تصح لمعارضتها رواية الاستفتاح ولما في أسانيدها من المقال كما مر، فكيف تجعل هي العمدة ؟ وعلى هذا فلا موجب لتقليد ابن عبد البر.
قال مقبل: ( 3 ): وأما تدليس التسوية من الوليد فإن قتادة قد صرح في رواية الوليد أنه سمع أنساً.
والجواب: إن هذا غير صحيح، وإنما روى ابن المثنى عن أبي داود الطيالسي في حديث مسلم، عن شعبة بلفظ: فلم أسمع أحداً منهم يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ لأنه قال بعد هذا الحديث: حدّثنا محمد بن المثنى، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة في هذا الإسناد، وزاد: قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس ؟ قال: نعم نحن سألناه. فهذه في حديث شعبة بلفظ نفي السماع من أنس للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وهي غير رواية الوليد بنفي ذكر ] بسم الله الرحمن الرحيم [ لأنّا قد قدّمنا أن نفي السماع من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)محتمل ومع أنه لا إشكال أن نفي السماع غير نفي الذكر فكيف يدعي مقبل أن قتادة قد صرح بالسماع ؟ وهل هذا إلا تدليس ؟
قال مقبل: ثم إنه قد تابع الوليد أبو المغيرة كما عند أحمد برقم ( 13 ) وقد مرّت هذه في النوع السادس.
قال مقبل: ومحمد بن يوسف ـ أي تابع أبا الوليد عند البخاري في جزء القراءة ـ ومفضل بن يونس، وإبراهيم بن أدهم عند أبي نعيم، والوليد بن مزيد عند البيهقي، ومحمد بن شعيب كما عند ابن عبد البر، فكيف يقدح في رواية الوليد وقد صرح بالسماع كما عند مسلم ؟ أي صرح الوليد بسماعه عن غير قتادة عن أنس، وعبارة مقبل توهم أن الوليد صرح بالسماع من قتادة وليس كذلك.
ثم قال مقبل: وصرح قتادة بالسماع عن أنس كما عند عبدالله بن أحمد وأبي داود الطيالسي وغيرهما.
والجواب: إنا لا ندفع سماع قتادة عن أنس لأصل الحديث بلفظ الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [، وهو الذي في رواية أبي نعيم من طريق مفضل بن يونس وإبراهيم بن أدهم، وليس فيه: لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ كما في ( ص 69 ) من كتاب مقبل، وفي رواية البخاري في جزء القراءة في حديث: كانوا يفتتحون القراءة، كما ذكره مقبل ( ص 67 ). وأما رواية محمد بن يوسف فلا نسلم أن فيها متابعة للوليد بما يرفع التدليس بحذف الكاتب، وكذلك متابعة الوليد ابن مزيد فلا فائدة في ذلك إلا سلامة الوليد بن مزيد من نسبة التدليس إليه وجعله مدلساً، لأنه لم يقل: حدّثنا الأوزاعي عن قتادة كما قال الوليد بن مسلم، فأما ذكر الواسطة أو بيان أنه لا واسطة بين الأوزاعي وقتادة فلم يحصل.
والجواب: إن هذه رواية الأوزاعي من غير طريق قتادة، وفيها تصريح بالسماع ولكن ليس فيها تصريح بالمسموع، وهو يحتمل أن المسموع أصل الحديث وهو قوله: فكانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. فقد رأيناهم يخرجون حديثاً بحديث آخر كما بيّناه. وذلك منهم بناء على أن اللفظ سواء.
وقد أفاد البيهقي في السنن ( ج2 ص51 ) أن رواية إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة بلفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ وأفاد هذا الطحاوي في معاني الآثار ( ج 1 ص 203 ) ولم يذكر عنه لفظاً غيره مع شدة حرصه على منع الجهر بها، فظهر أن الذي صرح الوليد فيه بسماع الأوزاعي هو لفظ: كانوا يستفتحون القراءة بـ ] الحمد لله رب العالمين [ لا غير، وعلى هذا لم يصح جواب مقبل لنفي التدليس وإنما هو لجوء إلى تدليس آخر، وإضافة تدليس إلى تدليس زيادة في التلبيس.
قال مقبل: وصرح قتادة بالسماع عن أنس كما عند عبدالله بن أحمد وأبي داود الطيالسي وغيرهما.
وقد أوهم مقبل بقوله: « وأبي داود الطيالسي » أن في مسنده مثل ما رواه عبدالله بن أحمد عنه، وليس كذلك إنما فيه في ( ص 266 ): حدّثنا شعبة قال: أخبرنا قتادة، عن أنس قال: قلت له: أنت سمعته منه ؟ قال: نعم نحن سألناه عن ذلك قال: صلّيت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. انتهى.
قال مقبل: ( 4 ): الكتابة إما أن تكون مقترنة بالإجازة أو مجرّدة عنها. فالمقرونة كالمناولة، والمجردة منع الرواية بها قوم وأجازها كثيرون في المتقدمين والمتأخرين وهو الصحيح المشهور. انتهى مختصراً من تقريب النووي، فعلى هذا ليست بقادحة.
قال مقبل: على أنه جاء من طريق إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة وليس فيه مكاتبة.
والجواب: هذا لا يتعين فيه إلا أصل الحديث، وهو حديث الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ كما قدمنا، لأن مسلماً لم يذكر لفظ الحديث في سند إسحاق كما مر، وقد ذكره البيهقي والطحاوي بلفظ يستفتحون كما مر ليس فيه زيادة: لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [.
قال مقبل: ( 5 ): جهالة الكاتب لأن قتادة ولد أكمه فهي تصلح أن تكون علة للحديث. لكن الحديث له طرق أخرى عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبدالله ابن أبي طلحة عن أنس، وله شواهد تقدم أكثرها، ثم إن الأوزاعي لم ينفرد بذلك بل قد توبع كما ذكره الحافظ في الفتح.
والجواب: قد ظهر مما مرّ جواب هذا وذلك في الجواب عن النوع السابع ومما مر قريباً.
قال مقبل: ( 6 ): الاضطراب في لفظه كما نقل عن ابن عبد البر، والاضطراب هنا غير مؤثر في الحديث لأنه يشترط في الاضطراب أن تكون الطرق متكافئة في القوة وليس كذلك.
قال مقبل: بل أصح الطرق ما أخرجه البخاري: كانوا يستفتحون القرآن ( كذا ) بـ ] الحمد لله رب العالمين [. قال هذا البيهقي وغيره.
والجواب: إذا كانت أصح الروايات سنداً وأشهرها فلم لا تجعل هي الأصل وترد بقية الروايات إليها ؟
قال مقبل: ويشترط أيضاً في الاضطراب أن لا يمكن الجمع وهنا يمكن الجمع هو أنه من نفى فالمراد به السماع أي أنه لم يسمع ونفي السماع لا ينفي السر بها.
والجواب: إنه لا ينفي السر ولا الجهر إلا إذا أثبت أنه لو جهر لسمع، ولم يثبت في عدم سماع أنس من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). قلنا: ونفي السماع يحمل على أن الراوي ظن قوله: كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [ عبارة عن عدم البسملة ثم تأوله على عدم السماع للبسملة بناء على أنه العمدة في نفيها فعبر بنفي السماع، والأصل الاستفتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ إلا أنه غلط في فهمه، وبعض الرواة لا يبعد أنه تعمد التغيير تعصباً في بعض الألفاظ.
قال مقبل: والجمع أولى مهما أمكن من إهدار بعض الروايات.
والجواب: قد أمكن الجمع بما ذكرنا، مع أن هذه القاعدة تكون إذا صحت الروايات كلها، والظاهر أن ما خالف الرواية المشهورة هنا يعتبر غلطاً من الراوي وأنه معل بذلك لشذوذه أو نكارته، وأما الجمع بين الروايات فهي في الأحاديث المتعددة إذا تعارضت مع صحتها، فأما الحديث الواحد فإنه يعتبر من ألفاظه اللفظ المحفوظ بدون تأويل من أجل روايته المخالفة. بل تأوّل الرواية المخالفة الضعيفة وترد هي إلى الرواية المحفوظة.
والجواب: إنها تكفي القرينة التي بها يعرف الإدراج ويحصل الظن به، وهذه الرواية التي فيها لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ قد قامت فيها قرينة الإدراج، وهي عدم هذه اللفظة في الروايات التي وافقها الراوي لهذا وهي الخمس عشرة الرواية التي بلفظ كانوا يستفتحون بـ ] الحمد لله رب العالمين [. وقد ذكرتها في النوع الأول من السبعة الأنواع، فلما كان اللفظ فيه واللفظ في الحديث الذي زاد فيه لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ كله بلفظ كانوا يفتتحون، ولم توجد هذه الزيادة أعني ـ لا يذكرون.... ـ إلا في رواية الأوزاعي عن قتادة. فزيادتها بهذه الصورة قرينة الإدراج وأنها خرجت مخرج التفسير من الأوزاعي أو من كاتب قتادة، وليست من أصل الحديث لكثرة رواته بهذا اللفظ، لفظ الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ بدون الزيادة. وهذا واضح في الدلالة على أن الزيادة ليست من الحديث.
قال مقبل: كيف وقد قامت البيّنة على أنها ليست مدرجة وشواهد هذه الجملة ـ وهي كانوا لا يذكرون ] بسم الله الرحمن الرحيم [ ـ كثيرة.
والجواب: إنها لم تقم بيّنة كما زعم، لأنه لا يخرج هذه الزيادة عن الإدراج إلا لو كانت في روايات الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [ أو في عدد منها مختلف المصادر، فأما مع كونها لا توجد في مصدر واحد فالظاهر الإدراج لمخالفة الروايات الثابتة الكثيرة المختلفة المصادر التي جاءت بخمسة عشر سنداً. وأما وجود رواية أخرى مستقلة لا بصورة هذه الزيادة فذلك لا يخرجها عن الإدراج.
قال مقبل: ثم إنه قد توبع أنس كما في رواية عبدالله بن مغفل، وإن كان ابنه مجهولاً فهي تصلح للمتابعة، لأنه ليس مجهول العين كما في نصب الراية.
والجواب: إن الرواية التي فيها الإدراج لم تثبت عن أنس بل خالفت رواية الجمهور عن أنس. فلا معنى لقوله: « قد توبع أنس » مع أن رواية ابن عبدالله بن مغفل عن أبيه بلفظ: صليت خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر فما سمعت أحداً منهم يقرأ ] بسم الله الرحمن الرحيم [ وهذه ليس فيها إلا نفي السماع وهو محتمل لأن ابن مغفل متأخر، فلا يدل عدم السماع على عدم الجهر، فلا تصلح شاهداً لحديث الأوزاعي: « كتب إلي قتادة.... » مع أنها رواية مستقلة فلا تصلح شاهدة للزيادة المدرجة بعد حديث الافتتاح بـ ] الحمد لله رب العالمين [.
قال مقبل: ( 8 ): ثبوت ما يخالفه عن صحابيه، تقدم في رواية الحاكم وتقدم أنه لم يثبت أن أنساً خالف ما روى، ولو ثبت فالعبرة بما روى لا بما رأى.
__________
(1) 149]) قد حصل لي مختصر ابن خزيمة وليس فيه من ه