الكتاب : النصائح الكافية |
النصائح الكافية (1/1)
محمد بن عقيل
---
[ 1 ] (1/1)
النصائح الكافية لمن يتولى معاوية تأليف العلامة المحقق الجليل الشريف النبيل السيد محمد بن عقيل بن عبدالله بن عمر بن يحى العلوي المتوفى سنة 1350 هدار الثقافة للطباعة والنشر ايران - قم تلفن: 37790. النصائح الكافية لمن يتولى معاويه المؤلف: السيد محمد بن عقيل بن عبدالله بن عمر بن يحيى العلوى الطبعة الاولى: 1412 هالكمية: 2000 نسخه بسم الله الرحمن الرحيم ترجمة المؤلف نسبه الشريف هو محمد بن عقيل بن عبدالله بن عمر بن أبي بكر بن عمر بن طه بن محمد ابن شيخ بن أحمد بن يحيى بن حسن بن علي بن علوي بن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوي بن محمد بن علي بن محمد صاحب مربط بن علي بن علوي بن محمد علوي بن عبيدالله بن المهاجر أحمد بن عيسى بن محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابن فاطمة الزهراء عليهم السلام. مولده ووفاته ولد ضحى يوم الاربعاء ليومين بقيا من شعبان سنة 1279 هببلدة مسيلة آل شيخ قرب تريم (1) من بلاد حضرموت، وتوفي صباح الثلاثاء 13 ربيع الاول سنة 1350 هفي الحديدة من أرض اليمن، وشيع نعشه رجال الدولة والاهلون عن بكرة
---
(1) تريم: اسم إحدى مدينتي حضرموت، لان حضرموت اسم للناحية بجملتها، ومدينتاها: شبام وتريم، وهما قبيلتان سميت المدينتان بهما. مراصد الاطلاع 1: 261 (*)
---
[ 2 ] (1/2)
أبيهم، والجيش اليماني منكسا سلاحه، وجاءت برقيات التعزية لنجله السيد علي من الامام يحيى وولي العهد سيف الاسلام أحمد بن يحيى وأخيه سيف الاسلام محمد، وأقفلت المحاكم في اليمن ثلاثة أيام حدادا عليه. أحواله اعتنى والده بتعليمه، وأحضر إلى المسيلة من يعلمه من علماء حضرموت، فقرأ القرآن في بضعة شهور، وتعلم الخط، وقرأ النحو وبعض متون الفقه وبعض دواوين الشعر، وجل مقامات الحريري، وكانت قراءته على والده وعمه محمد بن عبدالله، وعلى السيد أبي بكر بن شهاب وغيرهم، وكانت مخايل النجابة وجودة الفهم بادية عليه من صغره، وبما أن والده كان يحرضه على الاستقلال في الفهم وعدم اتباع كل ما هو محرر إلا بعد فهمه وفحصه تربت فيه ملكة الاستقلال من صغره، وكانت لاسلافه مكتبة عظيمة تحوي نفائس الكتب المطبوعة والمخطوطة ولها فهرس عمله هو، فطالع أكثر ما حوته بإمعان. توفي والده وهو في الخامسة عشرة من عمره، فقام مقام والده في رئاسة عائلته على صغر سنه، وقام بمهام تلك الرئاسة أحسن قيام. ثم رحل من بلاد حضرموت إلى سنغافورة وجاوة (1) وعمره 17 سنة لافادة أهلها، فنجحت مساعيه وتكللت أعماله بالفوز حتى أصبح مضرب الامثال، فكثر حساده وتضافرت على مقاومته أضداده، فأظفره الله عليهم وعادوا بالخيبة والخذلان، ووصل إلى سنغافورة سنة 1296 هواشتغل بالتجارة ليكون مستغنيا عن الناس، فنجح في تجارته وحافظ على أوقاته، فعمل جدولا قسم فيه أوقاته على أعماله وراحته، وجعل حصته للمطالعة لا تقل عن ثلاث ساعات على الدوام، وكلما وجد سعة في الوقت جعلها للمطالعة وكان يقول: " مواقيتك يواقيتك، فحافظ عليها " وكان يقول:
---
(1) جاوة: من الجزر الاندنوسية (*)
---
[ 3 ] (1/3)
" أعظم عون لي في نجاح مقاصدي توزيع أوقاتي ". ولم يكن يقبل مناصب الدول، وأراده الملك حسين بن علي أن يكون ناظرا للمعارف بمكة المكرمة سنة 1340 ه فأبى، سوى أنه رغب إلى حكومة سنغافورة إبان الحرب العظمى الاولى في تأسيس مجلس باسم مجلس الاستشارة الاسلامي فأجابته لذلك، وترأس هذا المجلس، وغايته إجراء أحكام المسلمين كالمواريث وغيرها على وفق مذهبهم. وأسس في سنغافورة جمعية إسلامية ومجلة وجريدة عربيتين ومدرسة عربية دينية، وحج البيت الحرام ثلاث مرات، أقام في إحداها بالحجاز مع عائلته أكثر من ستة أشهر. وسافر إلى الهند مرارا، وسافر إلى اليابان والصين وإلى آخر بلاد روسيا، ومنها إلى برلين ففرنسا، وحضر بها المعرض العلمي والتجاري، وتعرف بعلية المستشرقين فيها، ورأى في جهة من المعرض العلمي علما لدولة إسلامية وتحته منبر للخطابة لم يصعد عليه أحد، فصعد عليه واجتمع حوله علماء المستشرقين، فالقى خطابا نفيسا ذكر فيه السيرة النبوية ومحاسن الاسلام، ولما نزل عن المنبر صافحوه ودعوه إلى حفلة أقاموها له في منزل كبير والتفوا حوله رجالا ونساء، وسافر أيضا إلى العراق وسورية ومصر مرارا. وكان قوي الحجة، ثاقب الفكر، حاد الذهن، شديد الفهم، باحثا محققا نقادا مطلعا. مؤلفاته (1) النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، وعنونه في الذريعة ب(النصائح الكافية في مثالب معاوية). فرغ منه في سنغافورة ليلة السبت 11 صفر سنة 1326، وطبع في بومباي - الهند، في نفس السنة، وطبع بعدها عدة مرات في بيروت وبغداد والنجف (1).
---
(1) الذريعة 24: 170. (*)
---
[ 4 ] (1/4)
ورد عليه رجل بكتاب سماه (الرقيه الشافية من مضار النصائح الكافية) فرد السيد أبو بكر بن شهاب على الرد بكتاب أسماه (الحمية من مضار الرقية). (2) تقوية الايمان برد تزكية آل أبي سفيان، كتبه في الذب عن اعتراضات أوردت على كتابه (النصائح الكافية) وأثبت فيه صحة ما ذكره في نصائحه. وقد طبعه في سنة 1343 ه(1). (3) الفصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم، وهو تلخيص لكتاب (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم) للمقريزي المتوفى سنة 845 ه. ألفه في سنغافورة سنة 1332، وطبع في سنة 1343 مع (تقوية الايمان) (2). (4) العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، وهو عتاب على من يروي عن كل خارجي وكذاب، ويترك الرواية عن أهل البيت، بلسان طيب جميل، فهو اسم طبق المسمى، طبع بعد تأليفه في سنغافورة في سنة 1342 ه، وهو مرتب على ستة أبواب وخاتمة، وفيه استقراء تام لاسباب الجرح والتعديل فلم ير في المجروحين ذنب غير محبة آل البيت (ع)، ولم ير في المعدلين سوى التحامل عليهم والميل والانحراف عنهم (3). (5) ثمرات المطالعة، أشار إليه في (العتب الجميل) بلغ عدد صفحاته أربعة آلاف صفحه، وقيل: ثمانية آلاف بقطع النصف، وذلك أنه كان كثير المطالعة، وله ولع عظيم بها، بقي عدة أعوام يطالع في كل ليلة مائة وخمسين صفحة، فكان إذا أراد مطالعة كتاب وضع مذكرته وقلمه ودواته بجانبه وشرع في المطالعة، وعند الانتهاء من مطالعة ذلك اليوم يكتب على المحل الذي وقف عليه تاريخ اليوم والشهر والسنة، فإذا رأى في الكتاب غلطا كتب على هامشه: الظاهر كذا. وإذا مرت به فائدة أو اعتراض على
---
(1) الذريعة 4: 394. (2) الذريعة 16: 227. (3) الذريعة 15: 216. (*)
---
[ 5 ] (1/5)
صاحب الكتاب أو من نقل عنه كتب ذلك في مذكراته، فاجتمع عنده جملة وافرة من هذه المذكرات فجمعها في كتاب وسماه (ثمرات المطالعة) (1). (6) أحاديث المختار في معالي الكرار، ذكره في (العتب الجميل) (2). (7) كتبه ومراسلاته لاخوانه، فيها فوائد جليلة لو جمعت لكانت مجلدا ضخما. قال السيد محسن الامين العاملي رحمه الله في رثائه: سالت دموع العين كل مسيل * حزنا لرزء محمد بن عقيل رزء بدا فيه الزمان بمقلة * مكفوفة وبساعد مشلول رزء به فجع النبي محمد * والبضعة الزهراء خير بتول والمرتضى وبنوه كلهم فهم * " من سائل باك ومن مسؤول " رزء له تبكي علوم محمد * وشرائع التحريم والتحليل نبأ من اليمن استطار فزلزلت * منه البلاد وقيل: دونك زولي نبأ له اهتز الحجاز وبابل * وربى الشآم وارض وادي النيل وأصاب أقصى حضرموت بفجعة * تركت بنيه برنة وعويل وصداه عم الهند من أطرافها * والمغرب الاقصى وكل قبيل بمحمد جل المصاب ولم يكن * رزء الجليل الفذ غير جليل أرض (الحديدة) (3) قد سعدت بنازل * لم تسمح الدنيا له بمثيل أين السنان العضب (4) إن جردته * يمضي مضاء الصارم المصقول اين المقال الفصل لا يبقى به * عند الجدال لقائل من قيل أين اليراع (5) إذا جرى كشفت به * شبهات كل مموه ضليل
---
(1) الذريعة 5: 13، أعيان الشيعة 9: 399. (2) الذريعة 1: 280، أعيان الشيعة 9: 399. (3) موضع باليمن. (4) السنان العضب: الرمح القاطع. (5) اليراع: القلم. (*)
---
[ 6 ] (1/6)
كم قد نصرت الحق إذ لا ناصر * وأقمت أوضح حجة ودليل ورددت خصمك ناكصا متحيرا * بدلائل المعقول والمنقول وإذا بدا ليل الشكوك بدت به * أراؤك الغراء كالقنديل وإذا الفحول إلى لقاك تواثبت * تلفى فحول القوم غير فحول كم موقف لك في الجدال غدت به ال* أبطال بين مجدل وقتيل نظروا إليك وقد بهرت عقولهم * بنواظر عند التخاصم حول (1) كادوك فيما لفقوا من إفكهم * فتركت كيد القوم في تضليل وتركت ما قد لفقوه وموهوا * يذرى كعصف يابس مأكول ورميتهم بحجارة من قولك ال* - معروف لا بحجارة السجيل ونبا سلاح الحق في أيديهم * فتدرعوا بالسب والتنكيل وكذا سلاح العاجزين سبابهم * بئس السلاح لعاجز مخذول جرددت سيف الحق أبيض ماضيا * وسطوا بسيف للضلال كليل صالوا وصلت لدى الخصام فلم تدع * عند التخاصم صولة لصؤول لما تسابقتم سبقت وقصروا * وامتاز فاضلكم من المفضول وعمدت للبرهان يشرق وجهه * نورا وقد عمدوا إلى التدجيل إن (النصائح) منك (كافية) (2) غدت * بسماعها إن قوبلت بقبول أظهرت (بالعتب الجميل) (3) وما حوى * هفوات أهل الجرح والتعديل عاتبتهم عتبا جميلا للذي * ما كان فيه فعلهم بجميل ونهجت نهجا للهدى وأبنت عن * غرر له مشهورة وحجول ولقد ورثت من النبي محمد * خلقا كزهر الروضة المطلول
---
(1) الحول: الحذق وجودة النظر. (2) إشارة إلى كتاب المؤلف (النصائح الكافية). (3) إشارة إلى كتاب المؤلف (العتب الجميل). ونشرت بين الخلق علما زاهرا * ما كان بالمكذوب والمنحول فاذهب كما ذهب الغمام له الثنا * من كل حزن (1) في الثرى وسهول في كل جيل منك ذكر خالد * يرويه جيل غابر عن جيل يا قبره كم فيك غيب من ندى * غمر ومجد في التراب أثيل (2) يا قبره كم فيك غيب من شبا * عزم ورأي في الامور أصيل (3) محتوى الكتاب الكتاب الذي بين أيدينا هو دراسة وافية تحتوي على بحث شامل يكشف عن الجوانب الحقيقية لشخصية معاوية وما ينطوي فيها من ظلم وتعسف وعدوان، وتحتوي أيضا على بيان جلي لشخصية ورفعة وفضائل أهل بيت العصمة (ع). يبدأ المؤلف كتابه بمقدمة مختصرة عن أهمية الكتاب، ويشرع الفصل الاول في إثبات جواز لعن معاوية من خلال الكتاب والسنة، بل وأثبت ذلك وجوبا، ويتطرق بعد ذلك إلى جرائم معاوية التي توجب بغضه وسبه. وعقد الفصل الثاني من الكتاب للرد على الشبهات الواردة في لعن معاوية واحدة واحدة، ويتعرض في هذا المجال إلى مسألة تعديل الصحابة، وأكذوبة كون معاوية (خال المؤمنين) و (كاتب الوحي). وأخيرا يستعرض المؤلف عقائد آبائه وأجداده في شأن معاوية. ثم في آخر الكتاب قصيدتان: واحدة في رثاء الامام علي (ع)، وأخرى في رثاء الامام الحسين (ع)، لابي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب الدين العلوي الحسيني، وأرجوزة عن العلامة الحفظي. وقال في سبب إيرادهما: وإنما خصصتهما بالنقل لما فيهما من التصريح بالحق
---
(1) الحزن: ما ارتفع من الارض. (2) الاثيل: الاصيل. (3) انظر ترجمته في أعيان الشيعة 9: 400، الكنى والالقاب 2: 22 - 24 طبعة بيدار، العتب الجميل: 31 - 36. (*)
---
[ 7 ] (1/7)
والانحاء على المداهنين المتملقين. وفيه أيضا كتاب المعتضد العباسي في الامر بسب معاوية، أخرجه عن تاريخ الطبري، فكتب بعض معاصريه من العامة ردا عليه فأجاب عنه. لقد تناول المؤلف كل ذلك بأسلوب تحقيقي علمي باهر بعيد كل البعد عن ميل الاهواء والعواطف وزيغ العصبية والتطرف. قال فيه العلامة الدكتور محمد إبراهيم آيتي: إذا أراد أحد الاطلاع جيدا على فترة حكومة معاوية، والاستغناء عن مئات الكتب والدفاتر، فليقرأ كتاب (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) من أوله إلى آخره، ثم يكون منصفا في الحكم والتقييم (1).
---
(1) دراسة تاريخ عاشوراء: 49 (*)
---
[ 8 ] (1/8)
بسم الله الرحمن الرحيم تنبيه ربما يحمل الذهول أو الجهل بعض الناظرين من اول وهله على عدم الاهتمام بموضوع هذه الرسالة ويتخيل في ذهنه انه غني من دينه عنها فيعرض عن مطالعتها ويرغب عن الوقوف على فوائدها وحججها وبراهينها مع ان الامر ليس كما يتخيل فان الرسالة مشتملة على تحقيق عظيم في شطر من صريح الايمان لايتم ايمان المؤمن الا به فقد جاء في الآيات المتعددة والاحاديث الجمة. ان صريح الايمان وحقه هو الحب في الله والبغض في الله ومتى تلبس المؤمن بالحب في الله فقد احرز شطر الايمان ومتى ابغض في الله احرز الشطر الثاني لا يكمل ايمانه الا بهما معا ومن منته نفسه الغرارة ان ايمانه يكمل بالحب في الله فقط فليتهمها في ايمانه حيث خالفت في ذلك ما جاء به كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله افتؤمنون ببغض الكتاب وتكفرون ببعض لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوداون من حاد الله - الآية فليكن الانسان على بصيرة من نفسه ودينه والله الموافق والهادي. المؤلف
---
[ 9 ] (1/9)
تقديم أنا لم أتعرف على الشريف العلامة السيد محمد بن عقيل (1) ولا التقيت معه في زمن من الازمان. ولقد التقيت به مرارا وتعرفت عليه، فرأيته ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية، تثقف في علوم الدين واللغة ثقافة محيطة شاملة. وشارك المصلحين في ايقاظ النهضة الفكرية الدينية وعمل مع العاملين في نصرة الحق والاتنصار لاهل البيت النبوي الطاهر عليهم السلام. وفي الحق انه فذ في مواهبه، موهوب فيما الف وكتب. * * *
---
(1) السيد محمد بن عقيل ركن من اركان النهضة الاصلاحية وعلم من أعلام الشريعة الاسلامية وقطب من اقطاب السادة العلوية عاش زهاء سبعين عاما قضى جلها في العلم والعمل والدعوة إلى الحق والجهر بالصدق مع ما حباه الله به من خلق زاهر وادب باهر وقلب طاهر. ولد في شعبان سنة 1279 هببلدة مسيلة آل شيخ بقرب تريم وتربى في حجر والدين كريمين هما من خيرة الاشراف وقد اعتنى والده رحمه الله في تعليمه فأحضر لهذه الغاية بعض علماء حضرموت فكانت آثار النجابة ساطعة البرهان في محيأه الوسيم وكان من صغره مجبولا على حب أهل البيت الطاهر وبغض أعدائهم كيف لا وهو يمت إليهم بالنسبين حتى قيل انه كان وهو في السابعة من سنيه ينظم الاراجيز في مدح الهاشميين ويتغنى بها مع الاولاد وكان جد ولوع في كتب التاريخ والتراجم لا يفوته منها شاردة ولا واردة ودرس النحو وأتقنه وقرأ كثيرأ من الكتب والفنون على والده وعمه ومن أحضراه له من المشائخ وكان والده يحرضه على الاستقلال في الفكر لذلك نشأ مستقة غير مقلد وساعده على بلوغ مرامه انه كان لاسلافه مكتبة حافلة في الكتب المخطوطة النفيسة وزادها حسنا ان الفقيد رتب لها حسب ذوقه فهرسا لطيفا وقد اعطاه بها بعض وجهاء مصر مبلغا كبيرا من المال فلم يشأ بيعها لكنها مع الاسف تشتت أكثرها (*).
---
[ 10 ] (1/10)
وقد يوجد في الناس من ينكر علينا هذا التناقض !. فأني سجلت على نفسي اني لم اتعرف عليه ولا التقيت معه، ثم ادعيت اني عرفته والتقيت معه !. ولا شك بأن هذا الانكار انما يرجع في غالب الاحيان إلى ما تهيأ لهؤلاء من تفكير بسيط لا يتجاوز مد العين الباصرة، ويعجزون إذا حاولوا أن يطلقوا الفكر ويحلوا قيوده ويفتحوا له باب القفص لئلا يبقى الفكر يضطرب في أضيق مكان. يعجزون عن أن يصلوا بتفكيرهم إلى أكثرهما تقع عليه حاسة البصر فقط. انك لتمر في السوق والمراكز العمومية فيقع بصرك على العشرات لا بل على المئات وعشرات المئات فلا يلفت نظرك واحد منهم ولا تلفت انت نظر واحد
---
توفى والده وهو بن خمسة عشرة سنة ومع صفر سنه قام مقام والده أحسن قيام ثم رحل وهو في السابعة عشرة من سنيه إلى سنغافورا والبلاد الجاوية فأشتغل هناك بالتجارة وافلح وأول مؤلفاته كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ظهر بها فضله لدى المنصفين ثم الف كتبا كثيرة كلها من خيرة ما الف كالعتب الجميل على أهل الجرح والتعديل وغيره. وآخر كتاب له - وهو كتاب جليل جدا - كتاب ثمرات المطالعة يبلغ زهاء ثمانية الف صفحة وكان شرع في مصر بطبع الجزء الاول منه. ومن أجل اساتذته المرحوم المقدس السيد أبو بكر بن شهاب. وللفقيد رحلات كثيرة في سبيل الدين والعلم والتجارة ولم يكن المال لديه سوى اداة لقضاء الحاجة لذلك كان ينفق ما جمعه وهو غير قليل في سبيل البر والاحسان. حج ثلاث مرات وزار العراق وسورية ومصر خاصة عدة مرات كما زار الهند واليابان والصين وغيرها من الاقطار الشرقية وزار كثيرا من عواصم اوروبة لاسيما پاريس وحضر معرضها الكبير وخطب هناك واجتمع بكثير من المستشرقين وله معهم مساجلات ومحاورات لطيفة. وكان يكتب أحيانا في الصحف فكتب في المؤيد والمقطم والاهرام والعرفان ولما زار امام اليمن اكرم مثواه وحمله من الحديدة إلى صنعاء في طائرة وخصص له مكانا خاصا في جانب غرفته وابقاه في كنفه شهرين كاملين وقد توفى الفقيد سنة 1350 في المكلا باليمن وقد عطلت المحاكم في اليمن لوفاته وسارت العساكر في جنازته منكسة الاعلام. - عن مجلة العرفان - صيدا - (*)
---
[ 11 ] (1/11)
منهم، ولكنك تذهب إلى الوراقين - باعة الكتب - والمكاتب العامة فتجلس إلى العلماء من فلاسفة وفقهاء ومتصوفه وحكماء ووعاظ وادباء وساسه وشعراء فتجادلهم وتناظرهم وتفلجهم بالحجة حينا ويفلجونك، انت صامت وهم صامتون أنت متكلم وهم متكلمون، وفي ظل هذا النقاش الصامت تتعرف عليهم وتلتقي بهم فتكون منهم على اوثق ما يكون من الصلاة. وليست الصلة بالاجسام مما تستريح إليها جميع الاذواق وتلتذ بها جميع النفوس، ولكن صلة النفس بالنفس هي التي تتنعم بها النفوس وتلتذ بها العقول بما تفيض عليهما من الوان المعاني من كل بديع وكل دقيق. * * * أنا لم اشاهد السيد محمد بن عقيل ولم اتعرف عليه بالمشاهدة ولكن في المكتبة تعرفت عليه واجتمعت مع هذا الرجل، الكبير في ادبه، الواسع في اطلاعه، الصريح في أنصافه. في المكتبة عرفته وساجلته في الحديث، وفي المكتبة يتعرف عليه كل من لا يعرفه ويريد ان يتعرف عليه وفي المكتبة يستطيع القارئ ان يتعرف على العلماء، والفلاسفة والحكماء، والادباء والشعراء، والمؤرخين والمحدثين، بل يجتمع مع الانبياء والمرسلين، وان كانوا جميعا قد غيبتهم الارض وأكلت لحومهم ونخرت عظامهم. وأنا أيضا التقي معك يا قارئي هنا وان كانت أنا في شرق الارض وانت في غربها. وبعد - فلا اظن ان أحدا يجادلني إذا ما قلت اني التقيت مع الشريف محمد بن عقيل ولم أره، وتعرفت عليه ولم اشاهده، لان الكتاب عنوان مؤلفه ويعطي صورة عنه تسير مع الاجيال مادام الكتاب موجودا يقرأ ويتعرف عليه كل من يقرأ كتابه، ولا أريد الكليه المنطقية المسورة بكل ولكنه في الكثير الغالب وانما اقيده بالغالب لان في طبقات القارئين من لا يأخذ
---
[ 12 ] (1/12)
صورة عن المؤلفين عند قراءة كتبهم وانما يخرج من الكتاب كما دخل وكلما فعله انه اجتاز قطعة من الزمن لاهيا عن آلامها لا اكثر ولا أقل. * * * ولسنا نريد في هذه الكلمة القصيرة ان نقدم المؤلف إلى جمهرة القراء وانما كتابه هذا ومؤلفاته الاخرى (1) هي التي تقدمه علامة بحاثة. وكذلك لا نريد ان نقدم إلى القراء كتابه - النصائح الكافية لمن يتولى معاوية - فان الكتاب يقدم نفسه بنفسه دون ان يحتاج إلى أحد يقدمه. وكذلك لا نجد متسعا لتقديم الكتاب والمؤلف، لان الكتاب اشتمل على صفحة علمية أنيقة جميلة والمؤلف بلغ أقصى ما أراد في الجهة التي اختار الكتابة فيها فلم يبق مجال للنقد، ولا ثمة نقص يحتاج إلى التعليق، وكل من المؤلف والكتاب غني عن الثناء والمدح والجزاء موكول إلى الله عزوجل. ويقف الباحث في هذا الكتاب وفي سائر مؤلفاته التي رأيناها على أراء سديدة محكمة في نقد الحوادث لم تعرف لغيره من قبله، وعلى ما يبدو لنا ان المؤلف وقف امام الميزان - في كل تأليفه - مجردا عن كل شئ الاكتاب الله المجيد وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المطهرة. واذن كل ما أريده الآن ان اتحدث إلى القارئ ببضعة سطور عن انصاف هذا المؤلف في خلعه الثوب الذي لبسه غيره ممن تقدم عليه فأحترم كل من شاهد النبي وصاحبه حتى لو كان معاوية وأباه ومروان واباه وبسر ابن ارطاة وعمران بن حطان واضراب هؤلاء. يعرف المتصلون بعلمي الرجال والجرح والتعديل ان صراعا عنيفا بين * * *
---
(1) رأينا منها كتاب تقوية الايمان وكتاب العتب الجميل في الجرح والتعديل وفصل الحاكم في النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم. (*)
---
[ 13 ] (1/13)
الطائفتين الكبيرتين من المسلمين اهل السنة والشيعة حول اصحاب النبي صلى الله عليه وآله واستطاعت العقيدة والسياسة أن يلعبا دورا مهما في هذا النزاع الحاد بين الطائفتين وأستمر النزاع يشق طريقه بين الحديد والنار إلى الاجيال يستمد قوته من العقيدة لاغيا كل اعتبار من الاعتبارات الاخرى وحال دون التعاون بين المسلمين وتأخر الاسلام بسبب هذا الصراع حتى اوشك النزاع ان يقضي عليه. أجل، انقسم المسلمون إلى قسمين: قسم البس صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوبا من القداسة الغير المحدودة بحد ولا يمكن ان تتناولها يد، ولا يمكن للعقول ان تحوم حولها في لحظة من اللحظات ولا في حال من الاحوال وهؤلاء اعتبروا ان الصحبة لا يمكن ان تنتج الا ما يصح ان يكون، وهي وحدها كافية لتبديل آثار البيئة والوراثة وهي قادرة على تحول النفوس الشريرة إلى نفوس صالحة فحكموا على جميعهم بالطهر والقداسة !. وقسم من المسلمين لم يعتبر الصحبة الا شرفا يغبط عليه الصحابي فقط واما القداسة والطهر فأمران خارجان عن الصحبة ومرجعهما واقع الامر في كل صحابي فمن عمل منهم صالحا واتقى الله سبحانه حق تقاته وعمل بأوامر الله ورسوله ولم يقترف اثما من قتل وظلم واعتداء فذلك هو الصحابي الواجب علينا تقديسه واكباره واما من أقترف شيئا من اثم فليست الصحبة حارسة له وهو كغيره من المسلمين الذين يلقون آثاما. وعند هذا القسم من المسلمين الصحبة وتقوى الله يتعاونان على قداسة الصحابي وطهره. واذن لابد لهذا القسم ان يأخذ الغربال فيغربل ويأخذ مبضعة الطبيب فيشرح. وهكذا فعل هذا القسم، غربل بأنصاف ما وسعه ان يغربل ولم يبال بصيحات المرجفين. وليس من موضوعنا ان نتحدث هنا
---
[ 14 ] (1/14)
عن مصاير هذه الغربلة فقد استطاعوا ان يذودوا عن آرائهم ببراهين قاطعة. والمؤلف لم يسلك سبيل قومه فلم يخلع على سائر، الصحابة ثوب القدس والطهارة واستطاع ان ينزع ذلك الكابوس عن عقله فأشفق على صحب النبي صلى الله عليه وآله عن ان يدنسهم فيدس فيهم من يلوث شرف الصحبة. فأستمع إليه يقول: " والصحابة الذين يصدق عليهم التعريف المخترع الحادث وتحوي المعاجم اسماء كثير منهم قسمان: قسم اخلص في الايمان واحسن الصحبة ووفي بالحق فهو محمود ممدوح أهل للثناء والتعظيم والاحترام من كل مسلم. " وقسم نافق واساء الصحبة وخان وغدر وهو مذموم عند كل مصنف. " لا يستوى اصحاب النار واصحاب الجنة. أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض " الآية واسمعه أيضا يقول: " ان صحبة النبي صلى الله عليه وآله شرف عظيم. ومرتبة سامية، ومنزلة عالية، واصحابه صلى الله عليه وآله متفاوتون في فضلها وشرفها بقدر ما احسنوا فيها. وإذا عصي أحد منهم وحاد الله ورسوله وارتكب الكبائر وأصر على معصيته فقد ترك ما اوجب له المحبة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة ولا مداهنة في عداوة من الله وعصاه. ومن الغباوة ان لم تقل من العناد اهدار كل كبيرة وموبقة بدعوى حرمة الصحبة. لاشك ان للصحبة حرمة عظيمة وشأنا فخما. ولكن مقيد بما قدمنا. " تحس وانت تقرأ هذا ان المؤلف يرى ان الصحبة لا تمتد الا إلى أفراد مخصوصين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، وان أثر الصحبة وشرفها لا يكون بارزا الا في الرجال الذين أخلصوا في ايمانهم واحسنوا ووفوا بما عاهدوا الله وهم قليلون اولئك هم الذين فازوا بالقدس
---
[ 15 ] (1/15)
والطهر واولئك هم الاصحاب حقا وفازوا بشرف الصحبة رضي الله عنهم ورضوا عنه. وكم كنت اود لو ان المؤلف توسع في حديثه واتسع غرباله لجميع الصحابة وهذا الذي نأخذه على المؤلف فقد تساهل هنا وكان حق له ان لا يتساهل وكل حق له ان يعمل على تنقية الصحابة ولكن اظن ان قلمه لم يكن ليقوى على تحمل هذه المسئولية العظمى، ولعل في الغربلة التامة ما يحرجه ولكن. ولكن الحقيقة لا تعرف المراعاة. وليس بأمكان هذا التقديم ان يتسع للكلام في هذا الموضوع المتباعد الاطراف فأنه يحتاج إلى عشرات المئات من الصحائف. ومهما يكن من شئ فان الكتاب أستوفى موضوعه حق الاستيفاء. ولا ينافيه ان أخذنا عليه انه لم يعط المسألة حقها من جميع نواحيها ليكون الكتاب عاما شاملا والمصنف منفرد عن قومه بطريقه منصف في ما أراد ان يكتب فيه ما شاء له الانصاف عادل ما شاء له العدل ولا نفهم انصافه وعدله الا إذا درسنا معه المقياس الذي اتخذه وسيلة للوصول إلى الحق في بحثه وإذا أعرض المعرضون عن هذا المقياس وأبوالا أن تكون الصحبة وحدها هي المقياس فقد ضاعت الحقيقة. وأختم كلمتي هذه راجعا إلى ما ذكرته آنفا فأقول لو ان المؤلف سار مع المقاييس والمعايير التي سار عليها في مؤلفه هذا مع جميع الصحابة ليكون بحثه اتم واشمل ولكن له عذره عندنا فلعله لم يردان يعرض في كتابه نقدا له تفاصيله وله افاته فأذن لابد له ان يقف عند هذه النقطة الحساسة فقط. وأحسب اننا بعد التسليم له بهذا لسنا في حاجة إلى ان نناقشه فيما لم يرده أو أراده ولكن لم تسمح له به ظروفه والبيئة التي يعيش فيها.
---
[ 17 ] (1/17)
لعن معاوية من الاثم أم لا
---
[ 19 ] (1/19)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الراشدين وتابعيهم بأحسان إلى يوم الدين. أما بعد فاني قد اطلعت على سؤال صورته: سيدي قال لي أحد العلماء ان من يلعن معاوية أقل خطرا ممن يترضى عنه فهل هو مصيب في ذلك أم مخطئ افيدونا ؟ وقد أجابه أحد العلماء بأنه مخطئ بلاشبهة وأطال في جوابه من الاستدلال والنقل بما لا تقوم به الحجة (وحيث) اني أرى الحق مع العالم الاول وأرى ان هذا المجيب قد استعجل في أمر كان له فيه أناة لم يسعني الا أن اكتب هنا ما علمته وتحققته في هذه المسألة هربا من الوعيد الوارد في قول الله تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون الا الذين تابو وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وانا التواب الرحيم وفي قوله عزو جل ان الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما يأكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم وفي قوله جل وعلا واذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب ليبيننه للناس ولا يكتمونه وفي قول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام من كتم عملا عن أهله الجم يوم القيمة لجاما من نار إلى غير ذلك. وأرجو ان يعيد ذلك المجيب الفاضل النظر فيما قاله إذ لاريب في ان
---
[ 20 ] (1/20)
الحق ضالته وضالتي وقد استحسنت أن آتي على المسألة بحذافيرها وابين أدلتها وما يتفرع عنها في هذه العجالة وسيأتي في مطاوى فصولها ما هو كالجواب على ادلة ذلك العالم الفاضل. وها أنا شارع بعون الله في تحليل المسألة المسؤول عنها وتقرير حكمها تقريرا واضحا يهتدي به ان شاء الله من أطرح التعصب الذميم جانبا ويستبصر به من كان في معرفة الحق راغبا ويجد به المنصف ضالته المنشودة ويظفر منه الطالب بطلبته المفقودة فأقول اعلم وفقني الله واياك ان الخطر هو الاشرفا على الهلاك وهو هنا الاثم الموجب للعقاب واللعن هو الطرد والابعاد ولعنه الله طرده وابعده والدعاء به على المسلم ممنوع الا من اتصف بصفة استحق بها ذلك وسنورد فيما بعد كثيرا منها جاء به الكتاب والسنة. فينبغي لنا الآن ان نعرف ان لعن معاوية هل هو من الاثم الذي يحصل بار اتكابه الخطر على اللاعن كما ذكر في السؤال ام لا ؟ وان الترضى عن معاوية وتسويده المستعملين شعارا للتعظيم كما يترضى عن الشيخين وغيرهما من الاكابر عند ذكره موجب للاثم المحصل للخطر ام لا وليس لنا ان نحكم في شئ منهما الا بدليل لان الحكم بغير دليل تحكم في دين الله والعياذ بالله تعالى قال الله تعالى ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ولا دليل الا فيما جاء عن الله على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كتاب أو سنة أو اجماع صحيح مستند إلى الكتاب أو السنة أو قياس صحيح مستنبط من أحدهما وكل دليل لا يرجع إلى ما تقدم فمردود لا يعتد به مضروب به في وجه صاحبه كائنا من كان. وإذا استقرينا ادلة جواز لعن معاوية الآتية من الكتاب والسنة مع ما يتعلق بها ويفسرها من فعل اكابر الصحابة وأهل البيت الطاهر وجدناها اقوى بكثير من ادلة جواز تعظيمه بالترضى عنه وتسويده كما تسود الاكابر
---
[ 21 ] (1/21)
ويترضى عنهم بل لا ادلة على جواز تعظيمه والترضى عنه في الحقيقة وانما هي تمحلات وتأويلات ستعرفها مما يأتي ومنها يعلم ان الاشراف على الهلاك يلعن معاوية اقل منه بالترضى عنه وتسويده بل لاخطر في لعنه اصلا واليك التفصيل -. المسلمون في معاوية ثلاث فرق فنقول: المسلمون في كبير الفئة الباغية ورئيس النواضب معاوية ثلاث فرق: (فرقة) حكموا بفسقه واوجبوا بغضه في الله و اجازوا لعنه ومنعوا من تسويده والترضى ى عنه تعظيما له واجلالا وهم أهل الحق و الهدى ورئيسهم الاكبر يعسوب الدين وامير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده. (وفرقة) ثانية آنست من الحق جانبا وادركت من شعاع الحقيقة وميضا وعرفت معاوية وفظاعة شأنه وعظيم طغيانه وفاحش عصيانه ولكن قامت لديهم شبه زخرفها متقدموهم ونمقها سابقوهم فأحجموا بسببها عن تفسيقه واعلان بغضه ولم يجيزوا لانفسهم ما اجازته الفرقة الاولى زاعمين ان السلامة في المسألة والنجاة في الاحتياط وجمدوا على ذلك وقعدوا عن الاجتهاد والبحث في احقاق الحق وابطال الباطل وهذه الفرقة المرجو لها ان شاء الله الرجوع إلى الصواب والتنكب عن مسالك الخطأ إذا انقشع بالبحث غبار الشبه التي قامت لديهم وأزيح ستار التمويه الملتبس عليهم لاسيما إذا استحضروا قول الله تبارك وتعالى ن" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليا ". (وفرقة) ثالثة اطروه بما ليس فيه والبسوه غير لباسه ووضعوا الاحاديث
---
[ 22 ] (1/22)
في فضله واتنحلوا له المناقب وبدلوا سيئاته حسنات يريدون ان يرفعوا له في الدين علما وضعه الله ويحاولون ان ينصبوا له من الحق لواء نكسه الله عنادا للحق ومغالاة في التعصب لا يلتفتون إلى دليل ولا يقبلون حجة يدفعون المتواتر في شأنه بالتأويل ويقابلون الآحاد بالتضعيف ليزهقوا روح الحق وينعشوا روح الباطل ولهم أتباع وأذناب منتشرون في نواحي الارض ملاوا البقاع نعيقا وافعموا اليفاع نهيقا لاتجد لديهم عند البحث الا الصخب والسباب والنفور عن سماع الحق والتعصب الصرف لقلديهم وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وان يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين افي قلوبهم مرض ام ارتابوا ام يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل اولئك هم الظالمون (وهؤلاء) لاكلام لنا معهم ولا التفات إلى هذرهم ولهذيانهم ولا اعتبار بخلافهم ولانظر إلى تمحلهم واتنحالهم ولاطمع في هدايتهم في آذانهم وقرعن سماع الحق وعلى أبصارهم غشاوة عن نور الهدى ارأيت من اتخذ الهه هواه افانت تكون عليه وكيلا ام تحسب ان اكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالانعام بل اضل سبيلا وليس جوابهم الا اهاتنهم بالاعراض عنهم والسكوت عند كلامهم فانما هم فئة الشقاق والعناد وعبيد العصبية والهوى ان يتبعون الا الظن وما تهوى الا نفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى يحسبون انهم على شئ الا انهم هم الكاذبون. وهؤلاء هم الذين قال فيهم الامام احمد رحمه الله لما سئل عن معاوية ان قوما ابغضوا عليا فتطلبوا له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيدا لعلي ومن حيث انه لا غرض لنا في الكلام مع هذه الفرقة فلنجعل الكلام هنا في مقامين:
(المقام الاول)
في ايراد نبذة من أدلة الفرقة الاولى على جواز لعنه ووجوب بغضه وذكر ما يناسب ذلك من فعل اكابر الصحابة وافاضل أهل
---
[ 23 ] (1/23)
البيت الطاهر وأجلة التابعين.
(المقام الثاني)
في بيان فساد الشبه التي توقفت بها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه كما سترى ذلك موضحا ان شاء الله.
مقدمة في حقيقة اللعن وأنواعه
ولنقدم هاهنا على ذلك كله بيان حقيقة اللعن وتفاوت مراتبه بأختلاف موجباته فاللعن لغة هو الطرد والابعاد قال المجد في القاموس: لعنه كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون وقال فيه: ابعده الله نحاه عن الخير ولعنه وفيه أيضا الطرد ويحرك الابعاد (انتهى).
ويفهم من هذا ان اللعن والطرد والابعاد مترادفة أو متقاربة جدا وهو ظاهر ثم هذا الطرد والابعاد لا يختص بوقوعه على الكفار فقط كما زعم ذلك طائفة من العلماء لان الله سبحانه وتعالى لعن كثيرا من أهل الذنوب التي ليست من المكفرات وقد لعن الله تعالى القاذفين للمحصنات الغافلات المؤمنات في قوله تعالى ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوافي الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم وافضل وأعف من قذف منهن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها ومن قاذفيها حسان بن ثابت وهو من قد علمت ومسطح بن اثاثة وهو بدري وقد حدهما النبي صلى الله عليه وآله ولو كان اللعن من الله أو من رسوله مدخلا للمسلم في زمرة الكفار لكان الواجب على القاذف القتل لا الحد وقد لعن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله كثيرا من مرتكبي الصغائر التي لا توجب حدا ولا تعزيرا كلعنه الواشمة والمستوشمة وزوارات القبور ويظهر من ذلك جليا ان من اللعن ما هو مغلظ وشديد كاللعن بسبب الكفر والنفاق والكبائر من الذنوب كقتل المؤمن
---
[ 24 ] (1/24)
تعمدا بغير حق ومنه ما هو اخف من ذلك بمراتب كلعن الواشمة ونحوها ومنه ما بين ذلك ومنه ما ترفعه التوبة ومنه ما يرفعه الحد كما دلت على جميع ذلك الآيات والحاديث فهو لعن دون لعن وطرد دون طرد وابعاد دون ابعاد.
ورب مبعد من درجة عالية إلى دونها هي قرب بالنسبة إلى مبعد آخر إذا أرتقى إليها وكل ذلك بحسب عظم الموجب وصغره فلا يذهب عن بالك ما ذكرناه وانما قدمنا ذلك لئلا يندفع بعض المتسرعين إلى الاعتراض قبل ان يستحضر الحقيقة في ذهنه اغترارا بالقول السابق عن بعض العلماء ان اللعن ملازم للكفر مع ان الحق خلافه والله الهادي إلى الصواب.
(مهمة) اعلم انك ستجد في هذه الرسالة كثيرا من أقوال العلماء موافقا ومخالفا فليكن منك على بال اننا لم نذكر شيئا منها للاستدلال بمجرده وانما هو تفسير واظهار لمعنى الكتاب والسنة فتحصل به غلبة الظن في الموافق والتنبيه على الخطأ فيما علمنا في المخالف فيزيده الطالب بحثا وتدقيقا وما نقلناه عن أهل المغازي والتاريخ فهو كذلك واكثره متواتر معنى لا يرتاب في وقوعه الا من لا اطلاع له عليها أو من جحده مكابرة ومع ذلك فأنالم نورده احتجاجا به بل تمهيدا وبيانا لا نطباق الحجج الشرعية على ما وردت به فيه.
وبالجملة فلا حجة الا الكتاب والسنة والله اعلم.
(المقام الاول) في ذكر نبذة من أدلة الفرقة القائلة بجواز لعن معاوية ووجوب بغضه في الله وما يناسب ذلك من ذكر بوائقه المثبتة فسوقه وبغية وجرأته على الله واتنهاكه حرماته مما يدخله تحت عمومات الآيات القرآنية والاحاديث النبوية المتضمنة للعن فاعليها والمشتملة على الوعيد الشديد لمرتكبيها قال الله تعالى وهو أصدق القائلين " فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم " وقال تبارك وتعالى " ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله
---
[ 25 ] (1/25)
في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا " وقال تعالى " يوم لا تنفع الظالمين معذرنهم ولهم اللعنة ولهم سواء الدار " وقال جل جلاله " فأذن مؤذن بينهم ان لعنة الله على الظالمين " وقال تعالى " لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " وقال تعالى شأنه ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه وفسوا حظا مما ذكروا به وقال جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار وقال عزو جل وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين وقال سبحانه وتعالى ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا اولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم الا لعنة الله على الظالمين.
(فقد لعن الله) جلت عظمته في هذه الآيات المفسدين في الارض والقاطعين ارحامهم ولعن المؤذين لله ورسوله ولعن الظالمين مكررا ولعن المعتدين والذين لا يتناهون عن المنكر ولعن من قتل مؤمنا متعمدا ولعن من نقض الميثاق ولعن الائمة الداعين إلى النار ولعن الكاذبين على ربهم.
(وقد لعن) رسول الله صلى الله عليه وآله من أحدث حدثا أو آوى محدثا ولعن من ضار بمسلم أو مكر به ولعن من سب أصحابه ولعن الراشي والمرتشي والرائش ولعن من غير منار الارض ولعن السارق ولعن شارب الخمر ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه.
وقال من يلعن عمارا لعنه الله ولعن من ولي من أمر المسلمين شيئا
---
[ 26 ] (1/26)
فأمر عليهم أحدا محاباة ولعن من أخاف اهل المدينة ظلما. (واي صفة) من هذه الصفات لم يتلبس بها ذلك الطاغية حتى يفلت من دخوله تحت عمومها والعمل بما جاء في كتاب الله تعالى والتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله مطلوب ومشروع (قال الله تعالى) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة الآية وكذا التأسي بالملائكة لانهم معصومون (أ). (وقد لعن) معاوية مسمى وضمنا كثيرون تقريرا وتفسيرا لما جاء عن الله ورسوله واكبرهم وامامهم واحقهم بالاهتداء بهديه والاقتداء بفعله من جعل الله الحق دائرا معه حيث دار باب مدينة علم الرسول سيدنا امير المؤمنين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقد كان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن معاوية وعمروا وأبا الاعور وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد والوليد نقله ابن الاثير وغيره واخرج ابن أبي شيبة والبيهقي ان علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قنت في الوتر فدعا على ناس وعلى اشياعهم وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن معقل قال صليت مع علي صلاة الغداة فقنت فقال في قنوته اللهم عليك بمعاوية واشياعه وعمرو بن العاص واشياعه وأبي الاعور السلمي واشياعه وعبد الله بن قيس واشياعه (2)
---
(1) ويدل على انه طاعة فعله له صلى الله عليه وآله في الصلاة مرارا حتى لقد روى من طرق اوضح واصح من الطرق التي روى بها القنوت في الصبح وقد عمل بذلك سيد الاوصياء علي عليه السلام وواظب عليه واقتدى بهما كرام الشيعة المرضية رضى الله عنهم. (2) عن حكيم بن يحيى قال كنت جالسا مع عمار فجاء أبو موسى فقال له عمار أني سمعت رسول الله يلعنك ليلة الجمل قال انه استغفر لي قال عمار قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار. موضوع قال البلاء من العطار لامن حسين (قلت) العطار وثقه الخطيب في تاريخه والله اعلم انتهى ص 222 اللالئ المصنوعة للسيوطي ج 1. (*)
---
[ 27 ] (1/27)
(قلت): وابو الاعور السلمي هذا هو من انصار معاوية وقد لعنه رسول الله صلى الله عليه وآله (فقد اخرج أبو نعيم بسنده قال قنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فقال اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله والعن أبا الاعور السلمي وأخرج ابن جرير عن بن عباس رضي الله عنهما انه قال لعن الله فلانا أنه كان ينهي عن التلبية في هذا اليوم يعني يوم عرفة لان عليا كان يلبي فيه وأخرج عنه أيضا انه قال ان الشيطان يأتي ابن آدم فيقول دع التلبية وهلل وكبر ليحيي البدعة ويميت السنة واخرج أيضا عن سعيد بن جبير قال أتيت ابن عباس بعرفة فقال لعن الله فلانا اعمدوا إلى أعظم ايام الحج فمحوا زينة الحج وانما زينة الحج التلبية (وجاء) بسند رجاله رجال الصحيح الا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبي بقوله انه احد الاثبات وما علمت فيه جرحا اصلا ان عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة فقيل للحسن أصعد المنبر لترد عليهما فامتنع الا ان يعطوه عهدا انهم يصدقونه ان قال حقا ويكذبونه ان قال باطلا فأعطوه ذلك فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا مغيرة اتعلمان ان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن السائق والقائد (هما أبو سفيان ومعاوية) احدهما فلان قالا بلى ثم قال انشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن عمروا بكل قافية قالها لعنة فقالا اللهم بلى ثم قال انشدك الله يا عمرو ويا معاوية الم تعلما ان النبي صلى الله عليه وآله لعن قوم هذا قالا بلى قال الحسن فاني احمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا يعني عليا مع انه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسببه قط وانما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة ذكر هذا ابن حجر في تطهير الجنان. ونقل ابن الاثير قال لما عزل معاوية سمرة عن ولاية البصرة قال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعته ما عذبني
---
[ 28 ] (1/28)
أبدا. قلت: يقول العزيز الجبار ان ذلك لحق تخاصم اهل النار. وأخرج بن عساكر عن قيس بن حازم قال سمعت علي بن أبي طالب على منبر الكوفة يقول الا لعن الله الا فجرين من قريش بني امية وبني المغيرة. واخرج بن أبي حاتم عن الاسود بن يزيد قال قلت: لعائشة رضي الله عنها الا تعجبين من رجل من الطلقاء ينازع اصحاب محمد في الخلافة قالت: وما تعجبك من سلطان الاله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون مصر (انتهي من الدر المنثور). قلت: يشير كلام عائشة إلى ثلاثة امور الاول دلالة مفهوم الصفة مخالفة ان معاوية ليس من اصحاب محمد. الثاني الاشارة بالمثال إلى فجور معاوية. الثالث تشبيهها معاوية بفرعون الذي بين الله حاله بقوله تعالى وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار وبئس الورد المورود وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة بئس الرفد المرفود. (تنبيه) صوب ابن المنير والغزالي رحمهما الله منع لعن الشخص المعين وان اتصف بما استحق به اللعن بما جاء في كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وعلى آله السلام كلعن الله زيدا الشارب وجوزا لعن غير المعين كلعن الله السارق ونحوه مستدلين بما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عن ان رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله كان اسمه عبدالله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان النبي قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وآله لا تلعنوه فوالله ما علمت انه يحب الله ورسوله وزاد الغزالي انه لا يجوز لعن المعين ولو كان كافرا حتى يتيقن موته على الكفر وتبعهما كثير من متأخري الفقهاء. وقال كثير بجواز اللعن مطلقا محتجين بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من يستحق اللعن كافرا كان أو مسلما فيستوي المعين
---
[ 29 ] (1/29)
وغيره. واجابوا عن الحديث بأجوبة متعددة قال بعضهم ان المنع في الحديث خاص بما يقع في حضرة النبي صلى عليه وآله وسلم لئلا يتوهم الشارب عند عدم الانكار انه مستحق لذلك فربما اوقع الشيطان في قلبه ما يتمكن به من فتنته والى ذلك الاشارة بقوله في رواية ابي هريرة لا تكونوا عون الشيطان على أحيكم. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق من اقيم عليه الحد لان الحد قد كفر هذا الذنب المذكور والجواز مطلقا في حق من لم يقم عليه كما جاء في حديث عبادة بن الصامت فمن اصاب من ذلك (اي الزنا والسرقة) شيئا فعوقب فهو كفارته. وقال بعضهم ان المنع مطلقا في حق ذوي الزلة والجواز مطلقا في حق المجاهرين. واحتج البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح والحديث في الصحيح (انتهى من فتح الباري). قال النووي في الاذكار واما الدعاء على انسان بعينه ممن اتصف بشئ من المعاصي فظاهر الحديث انه لا يحرم واشار الغزالي إلى تحريمه انتهى. قال ابن حجرفي الفتح والاحاديث تدل على الجواز كما ذكره النووي في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم للذي قال له كل بيمينك فقال لا استطيع فقال لا استطعت. فيه دليل عا جواز الدعاء على من خالف الحكم الشرعي ومال هنا إلى الجواز قبل اقامة الحد والمنع بعده (اتنهى). قلت كيف حمل ابن المنير والغزالي ومن تبعهما نهي النبي صلى عليه وآله وسلم اصحابه عن لعن حمار المحب لله ولرسوله على منع التعيين والنهي في الحديث معلل بمحبة الله ورسوله واقع بعد اقامة الحد ولا يفهم للتعيين وعدمه معنى من متن الحديث مع ان عمل النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله وعمل كثير من اصحابه وكثير من اكابر السلف بعدهم في مواطن كثيرة يخالف ما حملا عليه الحديث. وأقوى حجة في مشروعية لعن المسلم المعين كتاب الله تعالى حيث قال
---
[ 30 ] (1/30)
في يمين الملاعن والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين وقد حلف النبي صلى الله عليه وآله الملاعن مكررا وجعل ذلك شرعة باقية في امة محمد صلى الله عليه وآله يوم القيامة والتعيين هنا بضمير المتكلم أقوى من التعيين بالاسم العلم كما هو مذكور في محله من كتب العربية ولم يقل أحد من الامة اصلا بكفر الكاذب من المتلاعنين حتى يوجه قول الغزالي ومن تبعه ان اللعن بالتعيين لا يجوز الا على الكافر. وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله اشخاصا سماهم وماتوا على الاسلام كأبي سفيان ابن حرب وسهيل بن عمروو عمرو بن العاص وأبي الاعور السلمي والحكم بن أبي العاص وابنه مروان وغيرهم. ولعن كثير من أجلة الصحابة اناسا سموهم بأسمائهم كمعاوية وعمرو بن العاص وحبيب وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن يزيد وبسر بن اطاة والوليد وزياد والحجاج بن يوسف وغيرهم ممن يعسر عدهم وسردهم وقد لعن حسان بن ثابت هندا بنت عتبة وزوجها أبا سفيان وهو إذ ذاك يكافح عن النبي صلى الله عليه وآله بأمره ولم ينكر عليه بل أقره عليه. قال من أبيات له: لعن الآله وزوجها معها * هند الهنود عظيمة البظر وقد لعن عمر بن الخطاب خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويره ولعن علي عليه السلام عبدالله بن الزبير يوم قتل عثمان إذ لم يدافع عنه (وقد لعن) عبدالله بن عمر رضى الله عنهما ابنه بلا لا ثلاثا كما ذكره ابن عبد البرفي كتاب العلم قال عن عبدالله بن هبيرة السبائي قال حدثنا بلال بن عبدالله بن عمران أباه عبدالله ابن عمر قال يوما قال رسول الله صلى الله وآله وسلم لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد فقلت: أما انا فسأمنع اهلي فمن شاء فليسرح اهله فالتفت إلى وقال لعنك الله لعنك الله لعنك الله تسمعني أقول ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمر ان لا يمنعن وقام مغضبا (اتنهى).
---
[ 31 ] (1/31)
وصح عن الامام مالك رحمه الله انه قال لعن عمرو بن عبيد (يعني الزاهد المشهور) وقال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله سمعت أبا حنفية يقول لعن الله عمرو بن عبيد. ونقل ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلي بأسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت: لابي ان قوما ينسبونا إلى تولى يزيد فقال يا بني وهل يتولى يزيد احد يؤمن بالله ولم لا نلعن من لعنه الله في كتابه فقلت واين لعن الله يزيد في كتابه فقال في قوله تعالى فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فأصمهم واعمى ابصارهم فهل يكون فساد اعظم من هذا القتل وفي رواية يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه. ونقل البخاري رحمه الله في خلق افعال العباد قال قال وكيع على بشر المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني فقال: له رجل كان ابوه اوجده نصرانيا قال وكيع عليه وعلى أصحابه لعنة الله وقد لعن بكر بن حماد والقاضي أبو الطيب وابو المظفر الاسفرائيني وكثير غيرهم عمران بن حطان في ردهم المشهور على أبياته التي امتدح بها اشقى الآخرين ابن ملجم لعنه الله ولعن يحيى بن معين الحسين بن علي الكرابيسي الشافعي البغدادي كما ذكره في تهذيب التهذيب وما زال اللعن فاشيا بين المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي لعنه وإذا تنبعت كتب الحديث والسير والتاريخ وجدتها مشحونة بذلك (ولهذا اقول) لطالب التحقيق لا يهولنك ما تظافر هؤلاء عليه من منع التعيين مع انه قد ورد عن نبيهم وكثير من اصحابه ومن أكابر السلف ما يخالفه فليفرخ روعك فان الهدي هدى محمد واصحابه. العلم قال الله قال رسوله * ان صح والاجماع فأجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين قول فقيه
---
[ 32 ] (1/32)
نعم عورض مطلق اللعن بأحاديث في منعه لامنع التعيين بخصوصه كقولة عليه وعلى آله الصلاة والسلام ليس المؤمن بالسباب ولا بالطعان ولا باللعان وكقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام المؤمن لا يكون لعانا وهذه وما شاكلها بلا ريب هي في لعن من لا يستحق اللعن والا لم يندفع التعارض فيحصل الخلاف في كلام الله وكلام رسوله وهما منزهان عن ذلك.
وسأزيدك ايضاحا لتزداد اطمئنانا فقد اخرج مسلم في صحيحه والبخاري في الادب عن حفصة رضي الله عنها قول رسول الله صلى الله عليه وآله اني لم ابعث لعانا وانما بعثت رحمة (انتهى).
نفي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن نفسه ان يكون لعانا من يوم بعث وهو الصادق المعصوم وقد ثبت انه لعن كثيرا بالوصف ولعن كثيرا بالعين ولا ريب في ان لعنه اياهم كان حقا ولولا اختلاف موضوع القضيتين لكان تناقضا وهو ممتنع في كلامه صلى الله عليه وآله قطعا فتعين ان اللعن المنفي صدوره عنه صلى الله عليه وآله هو ما كان عن غير استحقاق وان اللعن الذي ثبت وقوعه عنه عليه السلام هو لعن من استحق اللعن ولزم ان يكون اللعن الذي نهى عنه صلى الله عليه وآله امته كما تقدم هوما نفي صدوره عن نفسه لا ما فعله هو وهو الاسوة الحسنة للمؤمنين.
رزقنا الله الاتباع لسنته والانقياد لما جاء به آمين.
(تتمة) اطاق الغزالي رحمه الله في الاحياء في منع اللعن مطلقا فضلا عن لعن شخص معين واسترسل في ذلك حتى قال ابن في لعن يزيد فضلا عن أبيه خطرا على اللاعن بل منع ان يقال لعن الله قاتل الحسين بن علي عليهما السلام ثم قال ففي لعن الاشخاص خطر ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره وأستدل رحمه الله بعموم الاحاديث التي مرت بك في معارضة مطلق اللعن وامثالها في المعنى.
---
[ 33 ] (1/33)
والغزالي كما علمت وعلم الكل امام عظيم من علماء المسلمين ومحقق كامل من محققيهم ولنا به القدوة والاسوة الحسنة في سلوك طريقته واتباع ارشاداته غير ان الانسان - الا النبيين - وان جل شأنه وعظم مقداره ليس بمعصوم من هفوة أو حطاء في اجتهاد ولايجوز لمن عرف حقا بأدلته الواضحة ان يقلد غيره وان جل شأله في خلاف ما عرفه من الحق ولو كان التقليد المحض في كل شئ مجد عند الله تعالى شيئا لكان الامام الغزالي من أولى من تقلده في ذلك وحينئذ نقول ولا استحياء من الحق ولا هواة في الدين أن هذه هفوة منه رحمه الله لا يجوز لنا الاعتماد عليها ولا اتباعه فيها ولو جاز الاستدلال بهفوات العلماء والاكابر لعظم الخطب وانقلب الحق ظهرا لبطن وقد مر بك قريبا ما يخالف مدعاه ممما اوردناه من كلام الله تعالى وأقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وافعاله ومن أقوال الاكابر من الصحابة والتابعين وكثير بعدهم فأرجع إليه. قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى اجمع الناس على ان من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن له ان يدعها لقول احد وقال صاحب الهداية سئل ابوحنفية رحمه الله إذا قلت: قولا وكتاب الله يخالفه قال أتركوا قولي بكتاب الله قيل إذا كان خبرا لرسول الله صلى الله عليه وآله يخالفه قال: اتركوا قولي بقول الصحابة فضلا عن قول الرسول صلى الله عليه وآله (اتنهي). اما قول الغزالي رحمه الله ففي لعن الاشخاص خطر فمبنى على جملة نهى النبي عليه وعلى آله الصلوة والسلام عن لعن حمار المحب لله ورسوله علي النهي عن لعن المعين وقد علمت مرجوحية هذا الحمل بل فساده مما قدمناه وأي خطر في لعن من استحق اللعن بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله سواء كان بالشخص أو الوصف إذ الذات الواقع عليها اللعن بكل منهما واحدة.
---
[ 34 ] (1/34)
وأما قوله رحمه الله ولا خطر في السكوت عن لعن ابليس مثلا فضلا عن غيره فمسلم عند الكل لان لعن ابليس وغيره ممن يستحق اللعن لم يكن من الفرائض التي افترضها الله على عباده حتى يكون تركها خطرا لكن تركه مفوت للتأسي بما جاء عن الله ورسوله وملائكته في لعنهم من استحق اللعن والتأسي بهم مشروع وهو نافلة من النوافل ولاخطر في ترك النافلة كما لو ترك الانسان الترضي عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي بل لو ترك الاذان والاقامة وصلاة التراويح مثلا فلا خطر عليه في ذلك اما إذا ترك لعن ابليس شكافي استحقاقه اللعن أو عنادا فهو كافر لرده المنصوص في القرآن و مراغمته ومثله التارك لعن القاتل والشارب مثلا شكا في استحقاقه اما التارك لغير الشك بل للعصبية والهوى فموكول أمره إلى الله تعالى وهذه الجملة لو لم تكن صادرة عن هذا الامام العظيم لقلنا ان قائلها أراد بها المغالطة والمشاغبة ولكنا ننزهه عن ذلك ونجريها على ظاهرها وهذه المقالات من الامام الغزالي جرأت كثيرا من أنصار معاوية على مقالات بشعة شنيعة فقال بعضهم لو ان يزيد باشر قتل الحسين بيده واستحله أيضا لم يجز لعنه وقال: آخر لا أبالي ان اقول لو اطلع مطلع على الغيب فعلم ان معاوية مات على غير الاسلام لما جاز له ان يلعنه وقال ثالث ان اللعن من السفه المذموم مع ان كتاب الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وآله مشحونان بذلك فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. أما قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا تسبوا الاموات فأنهم قد افضوا إلى ما قدموا وقوله: صلى الله عليه وآله لاتسبوا. الاموات فتؤذوا الاحياء فقد قال الحافظ الشوكاني رحمه الله في نيل الاوطار هو مخصوص بما جاء في حديث أنس وغيره أنه صلى الله عليه (وآله) وسلم قال عند ثنائهم بالخير والشر وجبت اتنم شهداء الله في أرضه ولم ينكر عليهم قال: ولان الكفار مما
---
[ 35 ] (1/35)
يتقرب إلى الله بسبهم ولا غيبة لفاسق والسب يكون في حق الكافر والمسلم اما في حق الكافر فيمتنع إذا تأذى به الحي المسلم واما المسلم فحيث تدعو الضرورة إلى ذلك يصير من قبيل الشهادة عليه وقد يجب في بعض المواضع (انتهى) ثم قال والوجه تبقية الحديث على عمومه الا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر وجرح المجروحين من الرواة احياء وأمواتا لاجماع العلماء على جواز ذلك وذكر مساوي الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم (انتهى) والله الموفق للصواب. ولنذكر هنا نبذة من بوالق معاوية العظيمة المدخلة في زمرة من استحق لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والملتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي اخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر قال: الحسن البصري رحمه الله. اربع خصال في معاوية لو لم تكن فيه الا واحدة منها لكانت موبقة: اتنزاؤه على هذه الامة بالسيف حتى اخذ الامر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة واستخلافه من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا وقد قال: رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا واصحاب حجر ويا ويلا. له من حجر واصحاب حجر (انتهى بحروفه) من الكامل. ولنقدم منها أم موبقاته واعظمها شرا على المسلمين في الدنيا واكثرها وبالا عليه وعلى أشياعه في الآخرة وهي بغيه على الامام الحق ومناصبة العداوة والبغضاء لمن عداوته لله ولرسوله وبغضه نفاق كما دلت
---
[ 36 ] (1/36)
عليه الاحاديث الصحيحة المتعددة التي لم يبق معها ريبة للمنصف في سوء حال معاوية وفسادنيته واستخفافه بالدين وجرأته على الله وعلى رسوله ثم نتبعها بما ثبت بالتواتر والنقل الصحيح من موبقاته العظيمة وفظالعه الجسيمة جازاه الله بما هو أهله. والبغي كما في القاموس وغيره هو التعدي والظلم والعدول عن الحق والاستطالة الكذب وقال الابي: البغي عرفا الخروج عن طاعة الامام مغالبة له (انتهي). وقد بايع المسلمون عليا عليه السلام بعد مقتل عثمان رضى الله عنه وفيهم أهل الحل والعقد من المهاجرين الاولين والانصار وذوي السوابق وتأخر معاوية بأهل الشام وحبس عنده رسول علي كرم الله وجهه إليه مدة حتى انتهت وقعة الجمل ثم تستر عن بغيه بالطلب بدم عثمان وغر أهل الشام واستغواهم وكذب عليهم فأخبرهم ان عليا قتل عثمان وأقام لهم شهود الزور بذلك ونشر قميص عثمان على المنبر مخضبا بالدم حتى خرج علي عليه السلام إليه في أهل العراق وخرج هو بأهل الشام إلى ان التقيا بصفين وكان من أمر وقائعها ما هو مشروح في كتب السير والتواريخ وقتل في تلك الوقائع من المسلمين سبعون الفا خمسون الفا من أهل الشام وعشرون الفا من أهل العراق قال: العلامة الزرقايي في نهج المسالك اتى علي رضي الله عنه في اهل العراق في سبعين الفا فيهم تسعون بدريا وسبعمائة من أهل بيعة الرضوان واربعمائة من سائر المهاجرين والانصار وخرج معاوية في أهل الشام في خمسة وثمانين الفا ليس فيهم من الانصار الا النعمان ابن بشير ومسلمة بن مخلد انتهى. وفي العقد الفريد عن أبي الحسن قال لم يبايع اهل الشام معاوية بالخلافة حين خرج وانما بايعوا على الطلب بدم عثمان فلما كان من أمر الحكمين ما كان بايعوه بالخلافة فكتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله
---
[ 37 ] (1/37)
عنه يدعوه إلى القيام معه في دم عثمان سلام عليك اما بعد فأن احق الناس بنصرة عثمان اهل الشورى من قريش الذين اثبتوا حقه واختاروه على غيره ونصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الامر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك ام المؤمنين فلا تكره ما رضوا ولا ترد ما قالوا وانما تريد ان نردها شورى بين المسلمين والسلام. فأجابه سعد رضي الله عنه أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى الا من تحل له الخلافة فلم أجد أحدا اولى بها من صاحبه الا بأجتماعنا عليه غير ان عليا كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه ولو لم يطلبها ولزم بيته لطلبته العرب ولو بأقصى اليمن وهذا الامر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما والله يغفر لام المؤمنين ما أتت. وهكذا أخرجه المحدث ابن قتيبة في كتاب الامامة. وكتب معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة أما بعد فأنما أنت يهودي ابن يهودي ان ظفر احب الفريقين اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر ابغض الفريقين اليك قتلك ونكل بك وقد كان ابوك اوتر قوسه ورمى غرضه فأكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه ثم مات طريدا بحوران. فأجابه قيس: أما بعد فأنت وثني ابن وثني دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك ونحن انصار الدين الذى خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه والسلام (انتهى). وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله دعا معاوية قيس بن سعد بن عبادة إلى مفارقة علي بن أبي طالب حين تفرقت الناس عنه فكتب إلى معاوية يا وثني ابن وثني تدعوني إلى مفارقة علي بن أبي طالب والدخول في طاعتك وتخوفني بتفرق اصحابه عنه وانثيال الناس عليك واجفالهم اليك فوالذي لا اله غيره لا سالمتك أبدا وانت حربه ولا دخلت في طاعتك وانت عدوه ولا
---
[ 38 ] (1/38)
أخترت عدوالله على وليه ولا حزب الشيطان على حزبه (انتهى). وأخرج الامام محمد بن اسمعيل البخاري في صحيحه عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه علي انطلقا إلى أبي سعيد فأسمعا من حديثه فانطلقنا فإذا هو في حانط يصلحه فأخذ رداءه فأحتبى ثم انشأ يحدثنا حتى اتى على ذكر بناء المسجد فقال كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وآله فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. وأخرجه أيضا مسلم والطبراني والترمذي والحاكم والامام احمد في مسنده وغيرهم وعده الحفاظ جلال الدين السيوطي في الاخبار المتواترة وعزاه للشيخين عن أبي سعيد ولمسلم عن أبي قتادة وام سلمة وابي يعلي ولاحمد عن عمار وابنه وعمر بن حزم وخزيمة ذي الشهادتين وللطبراني عن عثمان وانس وابي هريرة وللحاكم عن حذيفة وابن مسعود وللرفاعي عن أبي رافع ولابن عساكر عن جابر بن عبدالله وجابر بن سمرة وابن عباس ومعاوية وزيد بن اوفى الاسلمي وأبي اليسر كعب بن عمرو وزياد وكعب بن مالك وأبي امامة وعائشة ولابن ابي شيبة عن عمرو بن العاص وابنه عبدالله بن عمرو قال: فهؤلاء سبعة وعشرون صحابيا فيهم خزيمة كصحابيين (انتهى). وقال حافظ المغرب ابن عبد البر تواترت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: تقتل عمار الفئة الباغية وهذا من اخباره بالغيب واعلام نبوته وهومن أصح الاحاديث (انتهى). وقال ابن دحية لا مطعن في صحته ولو كان غير صحيح لرده معاوية وأنكره. وقال الحافظ ابن حجر رواه جمع من الصحابة فذكرهم وقال: وفيه علم من أعلام النبوة وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار رضى الله عنهما. قلت لا يختلف اثنان في ان عمارا قتل بصفين وهوفي حزب الامام علي
---
[ 39 ] (1/39)
عليه السلام وان قتلته هم فئة معاوية صب بهذا ان معاوية باغ داع إلى النار كما ذكر في الحديث والدعي إلى النار مستحق اللعن في الدنيا والخذلان والقبح يوم القيامة كما جاء في كتاب الله عزوجل قال تعالى: " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة هم من المقبوحين " والمقبوح هو الذي نحي عن الخير. وقد حاول معاوية التملص من هذا الحديث بالاحتيال لكيلا ينتقض عليه أحد من اصحابه حيث لم يقدر على انكاره فقال انما قتله من أخرجه. فأجابه الامام علي عليه السلام بأن رسول الله صلى الله عليه وآله يكون قاتل حمزة حيث أخرجه لقتال المشركين وهذا من الالزام الذي لاجواب عنه ثم رجع معاوية وتأوله بالطلب وقال نحن الفئة الباغية اي الطالبة لدم عثمان. من البغاء - بضم الباء الموحدة والمد - وهو الطلب ولا يخفى سقوط التأويلين وخطؤهما أما الاول فظاهر واما الثاني فان قول الرسول صلى الله عليه وآله دعوهم إلى الجنة ويدوعونه إلى النار كالنص الصريح في ان الباغية من البغي المذموم المنهي عنه كما في قوله تعالى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي لامن البغاء الذي هو الطلب. وعندي ان معاوية أحذق من أن يقول ذلك عن اعتقاد فأنه أمر ظاهر الفساد للخاص والعام والذكي والبليد وكان الواجب عليه ان يرجع عن غيه وبغيه ويرفض المخالفة ولكن غلبت عليه شقوته واضله الله على علم فأحتال بهذه التأويلات الفاسدة حرصا على الدنيا وتعزيزا لاشياعه واتباعه وتسترا في الظاهر وفرارا عن الاقرار بحقيقة أمره وتربعه في كرسي امامة الدعاء إلى النار ومحاربة العزيز الجبار فأنه لم تبق بعد قتل عمار أدنى شبهة لعاقل ولا قول لقائل. الا ترى ان ابن عمر رضي الله عنه ندم اشد الندم على عدم قتاله معاوية واصحابه فقد روى أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
---
[ 40 ] (1/40)
عمر رضي الله عنهما قال ما آسى على شئ الا أن اكون قاتلت الفئة الباغية وعلى صوم الهواجر وقال ابن عبدالبريروي من وجوه عن حبيب عن ابن عمر رضي الله عنهما انه قال: حين حضرته الوفاة ما اجدني آسى على شئ فاتني من الدنيا الا اني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية ورواها الحاكم بسند صحيح فالبيهقي عنه قال ما وجدت في نفسي من شئ ما وجدت من هذه الآية اني اقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله يعني قوله تعالى: فان بغت أحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى امر الله. قال الحاكم هذا باب كبير قد رواه عن ابن عمر جماعة من كبار التابعين وكان خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين رضي الله عنه كانا سلاحه حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه وذكر حديث عمار ثم قاتل عسكر معاوية حتى قتل وقد نقل ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابراهيم النخعي ان مسروق بن الاجدع لم يمت حتى تاب من تخلفه عن علي كرم الله وجهه. ومن كتاب من الامام علي كرم الله وجهه إلى معاوية كما في نهج البلاغة قال: فسبحان الله ما أشد لزومك للاهواء المبتدعة والحيرة المتبعة مع تضييع الحقائق وأطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة فاما اكثارك الحجاج في عثمان وقتلته فانك انما نصرت عثمان حين كان النصر لك وخذلته حيث كان النصر له (انتهى). يشير كرم الله وجهه إلى ان معاوية انما زعم نصرة عثمان بعد موته حيث كانت المصلحة عائدة إليه بالولاية التي يطلبها وخذله في حياته حيث كانت المصلحة عائدة على عثمان فقد ذكر اهل السير - واللفظ للبلاذري - ان معاية لما استصرخه عثمان تثاقل عنه وهو في ذلك يعده حتى إذا أشتد به الحصار بعث إليه يزيد بن اسد القشيري وقال له: إذا أتيت ذا خشب فاقم بها ولا تقل الشاهديرى ما لا يرى الغائب فأنا الشاهد وانت الغائب قالوا فأقام بذي خشب حتى
---
[ 41 ] (1/41)
قتل عثمان فأستقدمه حينئذ معاوية فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان معه فكان في الظاهر نصرة لعثمان ببعث الجيش وهو في الحقيقة خذلان له لحبسه الجيش كي يقتل عثمان فيدعو إلى نفسه كما وقع بالفعل. وأخرج ابن عساكر عن الفضل بن سويد قال وفد جارية بن قدامة على معاوية فقال له معاوية أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شيعتك تجوس قرى عربية تسفك دماءهم. قال جارية يا معاوية دع عنك عليا فما ابغضنا عليا منذ احببناه ولا غششناه منذ نصحناه. قال ويحك يا جارية ما كان اهونك على أهلك إذ سموك جارية قال انت يا معاوية أهون على اهلك إذ سموك معاوية. قال لا ام لك. قال ام ما ولدتني ان قوالم السيوف التي لقيناك بها بصفين في ايدينا قال انك لتهددني قال انك لم تملكنا قسرة ولم تفتحنا عنوة ولكن اعطيتننا عهودا وموانيق فان وفيت لنا وفينا وان ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأدرعا شدادا والسنة حدادا فان بسطت الينا فترا من غدر دلفنا اليك بباع من ختر قال: معاوية لانثر الله في الناس امثالك وأخرج أيضا عن أبي الطفيل عامر بن واثلة انه دخل على معاوية فقال له معاوية الست من قتلة عثمان قال لا ولكني ممن حضره ولم ينصره قال وما منعك من نصره قال لم ينصره المهاجرون والانصار فقال معاوية اما لقد كان حقه واجبا عليهم ان ينصروه قال: فما منعك يا امير المؤمنين من نصره ومعك أهل الشام فقال معاوية أما طلبي بدمه نصرة له فضحك أبو الطفيل ثم قال انت وعثمان كما قال الشاعر: لا الفينك بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي انتهى من تاريخ الخلفاء للسيوطي. وقد شافه شبث بن ربعي معاوية في صفين بما بين به حقيقة أمره ويحمله على التوبة لو وجد اذنا واعية إذ قال له: يا معاوية انه والله لا يخفى علينا
---
[ 42 ] (1/42)
ما تطلب انك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به اهواءهم وتستخلص به طاعتهم الا قولك قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فأستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا انك ابطأت عنه بالنصر واجبت له القتل لهذه المنزلة التي اصبحت تطلب ورب متمنى أمر وطالبه يحول الله دونه وربما اوتي المتمني امنيته فوق امنيته ووالله مالك في واحدة منهما خير والله ان اخطأك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن اصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الامر أهله. انتهى من الكامل وأخرجه البيهقي أيضا في المحاسن والمساوي. ومن كتاب من الامام علي عليه السلام إلى معاوية قال: وارديت جيلا من الناس كثيرا خدعتهم بغيك والقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات فحادوا عن وجهتهم ونكصوا على اعقابهم وتولوا على أدبارهم وعولوا على أحسابهم الا من فاء من أهل البصائر فأنهم فارقوك بعد معرفتك وهربوا إلى الله من موازرتك إذ حملتهم على الصعب وعدلت بهم عن القصد فأتق الله يا معاوية في نفسك وجاذب الشيطان قيادك فان الدنيا منقطعة عنك والآخرة قريب منك والسلام. انتهى من نهج البلاغة. وفي مروج الذهب للمسعودي قال لما وصل محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إلى مصر كتب إلى معاوية كتابا فيه: من محمد بن أبي بكر التى الغاوي معاوية بن صخر أما بعد فان الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته ولا حاجة به إلى خلقهم لكنه خلقهم عبيدا وجعل منهم غويا ورشيدا وشقيا وسعيدا ثم اختار على علم وانتخب واصطفى منهم محمدا صلى الله عليه وآله فأتنخبه لعلمه واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا فكان اول من أجاب وأناب وآمن وصدق واسلم وسلم اخوه وابن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه صدقه بالغيب
---
[ 43 ] (1/43)
المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه بنفسه كل هول وحارب حربه وسالم سلمه فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ولا مقارب له في فعله وقد رأيتك تساميه وأنت انت وهو هو اصدق الناس نية وأفضل الناس ذرية وخير الناس زوجة وافضل الناس ابن عم أخوه الشاري بنفسه يوم مؤته وعمه سيد الشهداء يوم احد وأبوه الذاب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن حوزته وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان رسول الله صلى الله عليه وآله الغوائل وتجهدان في اطفاء نور الله تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل على ذلك مات ابوك وعليه خلفته والشهيد عليك من تدني ويلجأ اليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق والشاهد لعلي مع فضله المبين القديم انصاره الذين معه الذين ذكرهم الله بفضلهم واثنى عليهم من المهاجرين والانصار وهم معه كتائب وعصائب يرون الحق في اتباعه والشقاء في خلافه فكيف يالك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله صلى الله عليه وآله ووصيه وابو ولده وأول الناس له اتباعا وأقربهم به عهدا يخبره بسره ويطلعه على أمره وانت عدوه وابن عدوه فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك وليمددك ابن العاص في غوايتك فكأن اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا وأعلم انك انما تكايد ربك الذي آمنك كيده ويئست من روحه فهو لك بالمرصاد وأنت منه في غرور والسلام على من اتبع الهدى. فما كان جواب معاوية عليه الا ان ادعى ان الشيخين أبا بكر وعمر سبقاه إلى ما اقترف وانه متأس بهما وحاشاهما مما ادعى فقد كذب عليهما ولعنة الله على الكاذبين. وأخرج ابن عساكر عن اسمعيل بن رجاء عن ابيه قال كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن
---
[ 44 ] (1/44)
العاص فمر بنا حسين بن علي فسلم فرد عليه القوم فقال عبدالله بن عمرو الا اخبركم باحب اهل الارض إلى اهل السماء قالوا بلى قال هو هذا الماشي ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين ولان يرضى عني احب الي من ان يكون لي حمر النعم فقال أبو سعيد الا تعتذر إليه قال بلي فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل ثم استأذن لعبد الله بن عمرو فلم يزل به حتى اذن له فأخبره أبو سعيد بقول عبدالله بن عمرو فقال له اعلمت يا عبدالله اني احب اهل الارض إلى أهل السماء قال أي ورب الكعبة قال فما حملك على ان قاتلتني وأبي يوم صفين فوالله لابي كان خيرا مني قال اجل ولكن عمرو شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان عبدالله يقوم الليل ويصوم النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا عبدالله ابن عمرو صلى ونم وصم وافطر واطع عمروا فلما كان يوم صفين اقسم علي فخرجت اما والله ما كثرت لهم سوادا ولا اخترطت لهم سيفا ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم قال فكلمه (انتهى). فأصحاب معاوية هم الباغون بلا ريب على الامام المرتضى وهم القاسطون كما وعد بهم المصطفى قال الله تعالى: " واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا " اخرج ابن عساكر عن أبي صادق قال: قدم علينا أبو ايوب الانصاري العراق فقلت له يا أبا ايوب قد اكرمك الله بصحبة نبيه صلى الله عليه و (آله) وسلم وبنزوله عليك فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم هؤلاء مرة وهؤلاء اخرى فقال: ان رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم عهد الينا ان نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم وعهد الينا ان نقاتل معه القاسطين فهذا وجهننا إليهم اليوم يعني معاوية واصحابه وعهد الينا ان نقاتل مع علي المارقين فلم ارهم بعد واخرج ابن جرير عن مخنف بن سليم قال أتينا أبا ايوب فقلنايا أبا ايوب قاتلت المشركين بسيفك مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم جئت تقاتل المسلمين فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمرنا بقتال ثلاث الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قاتلت الناكثين والقاسطين وانا مقاتل
---
[ 45 ] (1/45)
ان شاء الله المارقين. وأخرج البيهقي في المحاسن والمساوي ان رجلا سأل ابن عباس رضى الله عنهما من الناكثون قال الذين يبايعون عليا بالمدينة ثم نكثوا فقاتلهم بالبصرة اصحاب الجمل والقاسطون معاوية واصحابه والمارقون أهل النهروان ومن معهم فقال الشامي يا ابن عباس ملات صدري نورا وحكمة وفرجت عني فرج الله عنك اشهد ان عليا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (انتهى). وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن أبي ليلى الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فأنه اول من يراني وأول من يصافحني يوم القيمة وهو الصديق الاكبر وهو فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل وهو يعسوب الدين والمال يعسوب المنافقين وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قوله النجوم امان لاهل الارض من الغرق واهل بيتي امان لامتي من الاختلاف فإذا خالفها قبيلة اختلفت فصارت حزب ابليس وأخرج ابن عساكر عن حبة قال سمعت عليا عليه السلام يقول: نحن النجباء وأفرطنا افراط الانبياء وحزبنا حزب الله والفئة الباغية حزب ابليس ومن سوى بيننا وبين عدونا فليس منا ونقل ابن الاثير عن علي انه قال مخاطبا لاهل العراق يذكر معاوية وحزبه ويحرضهم على قتاله ما لفظه: قاتلوا من حاد الله ورسوله وحاول ان يطفئ نور الله فقاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين الذين ليسوا بقراء قران ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأول ولا لهذا الامر بأهل في سابقة الاسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل (انتهى بحروفه) وهاهم قد ولوا وعملوا والله بأعمال كسرى وهرقل وصدق الله رسوله وصدق المرتضى ولكن عمي البصائر غلف القلوب يصفون معاوية وأعوانه بضد ما وصفهم به أعلم خلق الله بهم وأصداقهم فيهم ويكذبون شهادة
---
[ 46 ] (1/46)
امير المؤمنين عليه السلام. ونقل ابن الاثير أيضا عن علي عليه السلام انه قال ان معاوية وعمروا وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال. (انتهى بحروفه). وجاء بسند فيه لين ان عليا عليه السلام قال انفروا إلى بقية الاحزاب انظروا إلى ما قال الله ورسوله أنا نقول صدق الله ورسوله ويقولون كذب الله ورسوله. وفي نهج البلاغة من كلام الامام علي عليه السلام من كتاب إلى معاوية قوله مخاطبا له: دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا. ونقل ابن الاثير عن الامام علي عليه السلام من كلام له " لم يرعني الا انشقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق ابن طليق حزب من الاحزاب لم يزل حربا لله ولرسوله هو وابوه حتى دخلا في الاسلام كارهين ". وذكر المسعودي في مروج الذهب وغيره ان عليا عليه السلام نزل الانبار والتأمت عليه العساكر فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال: سيروا إلى قتلة المهاجرين والانصار قد طالما سعوا في اطفاء نور الله وحرضوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله ومن معه الا ان رسول الله. امرني بقتال القاسطين وهم هؤلاء الذين سرنا إليهم والناكثين وهم هؤلاء الدين فرغنا منهم والمارقين ولم نلقهم بعد فسيروا إلى القاسطين فهم اهم علينا من الخوارج سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم الناس أربابا ويتخذون عباد الله خولا ومالهم دولا (انتهى) وقال: الحافظ - الشوكاني في نيل الاوطار لما كتب معاوية إلى الحسن بن علي يطلب منه ان يقاتل الخوارج. اجابه لو آثرت ان اقاتل
---
[ 47 ] (1/47)
أحدا من أهل القبلة لبدأت بقتالك وقال فيه حكى في البحر عن العترة جميعا ان جهاد البغاة افضل من جهاد الكفار إذ فعلهم في دار الاسلام كفعل الفاحشة في المسجد (انتهى). قلت يستأنس لقول العترة بما أخرجه الخطيب عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ألم يكن فيما نقرأ قاتلوا في الله في آخر مرة كما قاتلتم اول مرة قال فمتى ذلك قال إذا كانت بنو امية الامراء وبنو مخزوم الوزاء وبما أخرجه ابن جرير في تفسيره بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وجاهدوا في الله حق جهاده كما جاهدتم اول مرة فقال عمر من الذين أمرنا بجهاده قال: قبيلتان من قريش مخزوم وعبد شمس (انتهى). وأقول أيضا يؤخذ منه ان يكون سبهم للتحذير منهم وبيان حالهم افضل من سب الكافر لان الضرر يخشى منهم اكثر والعامة إلى الاغترار بهم اقرب فينبغي اعلان حالهم لتحذير الامة من الاقتداء بهم والميل إلى اكاذيبهم وتأويلاتهم. فان قال: قائل كل ما لزم معاوية في خروجه على الامام علي ومحاربته يلزم طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم وكل ما تأولتموه لهم فنحن تنأوله لمعاوية وكل جواب عنهم فهو جواب عنه. قلت اما ما لزم معاوية من كونه مخطئا وان المصيب في جميع حروبه معه ومنازعاته له هو الامام علي المرتضى فلزومه للزبير وطلحه وعائشة رضوان الله عليهم مسلم. فقد اجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي اهل الحديث والرأي ومنهم مالك والشافعي وابو حنيفة واحمد والاوزاعي والجمهور الاعظم من المتكلمين من المسلمين على ان عليا مصيب في قتاله لاهل صفين كما هو مصيب في أهل الجمل وان الذين قاتلوه بغاة ظالمون له لكن لا يكفرون بغيهم كذا ذكره الامام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الامامة وزاد الغزالي ولم يقل بتخطئة الامام علي ذو تحصيل (انتهى)
---
[ 48 ] (1/48)
واما ما يلزم معاوية وأعوانه من الفسق ببغيهم ومحاربتهم لله ورسوله واقترافهم العظائم وجواز لعنهم ووجوب بغضهم فلا نسلم ذلك للزبير وطلحة وعائشة رضوان الله عليهم فان الشوط بين الفئتين بطين والمفرق بين الفريقين عظيم بل نقول ان الثلاثة انما خرجوا متأولين مجتهدين وهم من أهل الاجتهاد وكانوا مخطئين في اجتهادهم ولكنهم رجعوا عن ذلك حين ظهر لهم الحق وندموا على ما فعلوا ولم يصروا على ذلك كما اصر معاوية إلى آخر حياته كما يشهد به التواتر. وقد نقل المسعودي في مروج الذهب وغيره من أهل المغازي ان عليا كرم الله وجهه خرج بنفسه حاسرا يوم الجمل على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله لا سلاح عليه فنادى يا زبير اخرج الي فخرج شاكيا في السلاح فقيل لعائشة فقالت واحرباه يا اسماء فقيل لها ان عليا حاسر فاطمأنت واعتنق كل منهما صاحبه فقال له ويحك يا زبير ما الذي اخرجك قال دم عثمان قال: قتل الله أولانا بدم عثمان اما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله في بني بياضه وهو راكب حماره فضحك الي رسول الله صلى الله عليه وآله وضحكت انت معه فقلت أنت ما يدع ابن أبي طالب زهوة فقال لك ليس به زهوا تحبه يا زبير ؟ فقلت: والله اني لاحبه فقال لك انك والله ستقاتله وانت له ظالم فقال الزبير استغفر الله لو ذكرتها ما خرجت. فقال يا زبير ارجع فقال وكيف ارجع الآن وقد التقت حلقتا البطان هذا والله العار الذي لا يغسل فقال يا زبير ارجع بالعار قبل ان تجمع العار والنار فرجع الزبير وهو يقول: اخترت عارا على نار مؤججة * ما ان يقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست اجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عدل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني ثم مضى منصرفا حتى اتى وادي السباع فقتله عمرو ابن جرموز في الصلاة
---
[ 49 ] (1/49)
غدرا واتي عمرو عليا بسيف الزبير وخاتمه فقال علي: سيف طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله لكنه الحين ومصارع السوء وقاتل ابن صفية في النار ثم نادى علي طلحة رضي الله عنهما حين رجع الزبير يا أبا محمد ما الذي اخرجك قال الطلب بدم عثمان قال علي: قتل الله اولانا بدم عثمان اما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانت اول من بايعني ثم نكث وقد قال الله عزوجل فمن نكث فانما ينكث على نفسه فقال استغفر الله ثم رجع فقال: مروان بن الحكم رجع الزبير ويرجع طلحة ما ابالي رميت ها هنا ام هاهنا فرماه في اكحله فمر به علي بعد الوقعة فقال انا الله وانا إليه راجعون والله لكنت كارها لهذا (انتهى بحذف يسير). وأخرج الحاكم في المستدرك عن ثور بن جزاءة قال مررت بطلحة بن عبيدالله يوم الجمل وهو صريع في آخر رمق فوقفت عليه فرفع رأسه فقال اني لارى وجه رجل كأنه القمر فمن انت قلت من اصحاب امير المؤمنين علي فقال ابسط يدك ابايعك له فبسطت يدي فبايعني وفاضت نفسه فأتيت عليا فأخبرته بقول طلحة فقال الله اكبر الله اكبر صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ابى الله ان يدخل طلحة الجنة الا وبيعتي في عنقه وذكر المسعودي ان عائشة رضي الله عنها حين رجعت إلى المدينة قالت وددت اني لم اخرج وان اصابني كيت وكيت من أمور ذكرتها وانما قيل لي تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان ونقل ابن الاثير انها قالت يوم الجمل والله لوددت اني مت قبل اليوم بعشرين سنة ونقل الملا علي القاري في شرح الفقه الاكبر انها كانت تبكي ندما حتى تبل خمارها وقال ابن عبد البر في الاستيعاب روى اسمعيل بن علية عن أبي سفيان ابن العلاء عن أبي عتيق قال: قالت عائشة إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا هذا ابن عمر فقالت يا أبا عبدالرحمن ما منعك ان تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلا قد غلب عليك وظننت لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت:
---
[ 50 ] (1/50)
اما انك نهيتني ما خرجت. وعن جميع بن عمير رضي الله عنه قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: من كان أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: فاطمة فقلت: انما سألتك عن الرجال قالت: زوجها وما يمنعه فوالله انه كان لصواما قواما وقد سالت نفس محمد في يده فردها إلى فيه قلت: فما حملك على ما جرى فأرخت خمارها على وجهها وبكت وقالت: امر قضي علي. وجاء بسند رجاله ثقات الا واحدا فضعيف ومع ذلك يكتب حديثه انه ذكر لعائشة يوم الجمل فقالت والناس يقولون يوم الجمل قال نعم قالت: وددت اني كنت جلست كما جلسن صواحبي فكان احب الي من ان اكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وآله بضعة عشر ولدا كلهم مثل عبدالرحمن بن الحرث بن هشام أو مثل عبدالله بن الزبير. وفي ربيع الابرار للزمخشري رحمه الله قال: جزعت عائشة رضى الله عنها حين احتضرت فقيل لها فقالت: اعترض في حلقي يوم الجمل (انتهى) وقد أخرج ابن أبي شيبة بسنده ابن عليا كرم الله وجهه سئل: يوم الجمل الجمل عن أهل الجمل المقاتلين له أمشركون هم ؟ قال: من الشرك فروا فقيل أمنا فقون هم ؟ قال: ان المنافقين لا يذكرون الله الا قليلا فقيل فماهم قال: اخواننا بغوا علينا (انتهى) ولم يقل هذا لاهل صفين وقد اختلف فعله كرم الله وجهه في الواقعتين قانه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجهز على جريح ولم يطلب مدبرا ومن القى سلاحه أو دخل داره كان امنا وأستغفر لطلحة والزبير وعائشة وترحم عليهم وارضى عائشة وابلغها إلى المدينة مأمنها وقد قتلهم في صفين مقبلين ومدبرين واجهز على جرحاهم لان لهم رئيسا باغيا يرجعون إليه وهم مصرون على فعلهم وعصيانهم فلعن رئيسهم وأعوانه ودعا عليهم فلقد عامل كرم الله وجهه كلا بما يستحق.
---
[ 51 ] (1/51)
ثم ان سوابق هؤلاء في الاسلام ونصحهم لله ورسوله وفقههم في الدين وحسن بلائهم في الجهاد مع نبي الله وشهادته لهم بالجنة تدل دلالة قوية على سلامة مقصدهم واشتباه الامر عليهم حتى إذا أتضح رجعوا إليه وتابوا واستغفروا والله غفور رحيم وليس كذلك معاوية وأعوانه في صفين وغيرها فأنهم خرجوا أشرا وبطرا وطعما في الدنيا وفيما لاحق لهم فيه من الخلافة متسترين بالطلب بدم عثمان على ان سوابقهم في الاسلام سوابق سوء تشهد بها الاخبار والسيرومع ذلك فقد أصروا على بغيهم وعنادهم وحينئذ فلا يلزم الزبير وطلحة وعائشة ما يلزم معاوية مما جوزه أهل الحق من لعنه ووجوب بغضه لاجعلنا الله من انصاره ولا من المشوهين وجه الدين بالمغالطة في شأنه آمين. ولعلك تقول متجاسرا كما ان طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم مجتهدون في اعمالهم ولهم أجر من اجتهد فأخطأ فكذلك معاوية فنقول: هذه مقالة قد سبقك بها كثير من انصاره وقد نفخت بها ابواق ودقت بها طبول ولكن الحق فيها ابلج واضح اما كونه من أهل الاجتهاد فمسلم لان له من الذكاء والدهاء والحذق والعلم بالعربية واساليب الكلام مالا يدانيه فيه كثير من المجتهدين ولكنه مجتهد عرف ان الحق من كل الوجوه مع علي عليه السلام ثم خالفه عنادا وبغيا وحبا للجاه والمال ولو كان خروجه لرسيس من شبهة أو وميض من طلب حق لما أصر على بغيه بعد قتل عمارو لرجع كمن رجعوا. وان مما يقرب من المستحيل ان يؤديه ذكاؤه الخارق ودهاؤه العظيم وحذقه الثاقب إلى أعتقاد انه احق شئ من الامر من علي كرم الله وجهه وممن مع علي من المهاجرين ذوي السوابق الحسنة كيف وقد اجمع على تخطئته فيما فعل الخاص والعام من المسلمين اللهم الا نفرا استغواهم هو
---
[ 52 ] (1/52)
نفسه بالمال والخداع فهل يعرف الكل خطأه ولا يعرفه داهية العرب وكسرها ؟ بل اضله لله على علم وذهب به البغي كل مذهب وليس الا الوزر لا الاجر ولا تغني عنه بيوت العنكبوت التي بناها له أنصاره كالشيخ ابن حجر الهيثمي من عذاب الله شيئا. جاء الشيخ ابن حجر رحمه الله في كتابيه الصواعق المحرقة وتطهير الجنان بما يضحك الثكلي ويأسف له الحكيم من التحملات الفاسدة والتأويلات البعيدة والتعسفات المتناقضة وروائح النصب تفوح من صفحات ذينك الكتابين ولا غرو ان اغتر بشئ منهما بعض قاصري النظر فقد جمع جواد قلمه بما تقشعر منه الجلود وترجف منه القلوب فزعا وهو لعنه في ذينك الكتابين كل من سب معاوية ولعنه. كأنه لم يقف على لعن النبي عليه السلام القائد والسائق ومعاوية احدهما وكأنه لم يبلغه ما بلغ كل الناس تواترا ان عليا عليه السلام كان يقنت ويلعن معاوية واصحابه ويسبهم وقد فعل فعله كثير من الصحابة والتابعين وجحاجحة اهل البيت النبوي فما أدري اجهل هذا الشيخ أم تجاهل واني والله مشفق عليه ان يعاتبه الله ورسوله على ذلك. قلت يعاتبه ولم أقل يعاقبه لاني أرجو ان يسامحه الله عن صنيعه فان الشيخ من أهل الفقة في الدين وسلامة المقصد الا ان تقليده وتعصبه لمن تقدمه ونظره إلى القضية من وجهة واحدة هما اللذان اقحماه هذا المجال المخيف هو يظن انه احسن صنعا (1). والعجب كل العجب ان هؤلاء المتمحلين قائلون بكفر الذين حاربوا
---
(1) جاء في فتاويه الحديثية سئل فيمن قال صاحب العباب حاطب ليل هل يكفر إذ يفهم منه انه مستهزء به فأجاب به فأجاب بقوله لاكفر ثم قال وانما الذي يلحقه الذم الشديد والوصف المشعر بأنه جبار عنيد أو شيطان مريد انتهى) فليته قال في اعداء علي السابين له باشد مما قيل في صاحب العباب في السؤال نحو قوله في الجواب. (*)
---
[ 53 ] (1/53)
الصديق رضى الله عنه جازمون بحل سبي نسائهم وذراريهم واغتنام أموالهم على ان طوائف منهم كما لك بن نويرة وقومه بني يربوع وغيرهم من قبائل العرب لم يحكم بردتهم الا لانهم امتنعوا عن اداء الزكاة إلى الخليفة وقالوا زكاة اغنيائنا نردها على فقرائنا ولم يجحدوا وجوبها وكانوا يقيمون الصلاة فحق عليهم ما حق بذلك الامتناع ولم يلتمس أحد لهم تأويلا بأنهم ربما كانوا ظانين جواز ذلك لدليل قام عندهم أو لاجتهاد منهم وهذا معاوية لم يمنع الزكاة فقط عن تسليمها إلى الخليفة كما فعلوا بل استولى على أموال بيت مال المسلمين كلها من زكاة وغيرها واصطفى بيضاءها وصفراءها ثم فعل كبائر الافاعيل المنهى عنها وعثا في الارض فسادا ثم تجدهم مع هذا كله يتمحلون له بأنه مجتهد وانه مثاب ايضا قل ابالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق. لعمر الله ان الحيرة لتغلب على رأي الحكيم في افعال هؤلاء القوم وما ينسبون معاوية إليه من صلاح النية والاجتهاد والطلب بدم عثمان ونحو ذلك حتى ان العاقل ليسئ بهم الظن مغلوبا على أمره لا يجد من ذلك مخرجا كيف يتصور صلاح النية وهو يقاتل المهاجرين والانصار وانى يصح الاجتهاد في مقابلة النص على بغيه بقتل عمار واين الطلب بدم عثمان من الفساد في الارض وارسال السرايا والبعوث إلى كل ناحية للقتل والنهب وقتل الاطفال والضعفاء والنساء وارتكاب العظائم مما لم يجوزه النبي صلى الله عليه وآله حتى مع المشركين. نقل أبو الفرج الاصفهاني بسنده وغيره ان معاوية بن أبي سفيان بعث بسر بن ارطاة بعد تحكيم الحكمين وعلي بن أبي طالب رضى الله عنه يومئذ حي وبعث معه جيشا ووجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر وضم جيشا آخر إلى رجل من غامد وأمرهم ان يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من
---
[ 54 ] (1/54)
وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام واصحابه وان يغيروا على سائر اعماله ويقتلوا اصحابه ولا يكفوا ايديهم عن النساء والصبيان فمر بسر لذلك على وجهه حتى انتهى إلى المدينة فقتل بها اناسا من أصحاب علي عليه السلام وأهل هواه وهدم بها دورا ومضى إلى مكة وقتل نفرا من آل المهلب ثم إلى السراة فقتل بها من وجد من أصحابه واتى نجران وقتل عبدالله بن عبدالمدان الحارث وابنه وكانا من اصهار ابن العباس عامل علي عليه السلام ثم اتى اليمن وعليها عبيدلله ابن العباس رضى الله عنهما عامل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان غائبا فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر لعنه الله وذبحهما بيده بمدية كانت معه ثم انكفأ راجعا إلى معاوية وفعل مثل ذلك سائر من بعثه معاوية فقصد الغامدي الانبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا كثيرين ونساء من الشيعة (انتهى) قلت: اين يفلت معاوية وبسر كلاهما بعد ان فعلا بالمدينة ما فعلا من الوعيد الشديد الذي جاء عن الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله في حق من كاد أهل المدينة أو أرادهم بسوء أو ظلمهم أو اخافهم وانى ينجوان من ذلك وبم يستجنان من غضب الله ولعنته وبأي تأويل يحاول انصارهما تبريرهما من ذلك فقد روي في الصحيحين وغيرهما عن سعد رضى الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول لا يكيد أهل المدينة أحد الا انماع كما ينماع الملح في الماء زاد مسلم ولا يريد أحد اهل المدينة بسوء الا إذا به الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء وروى النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: اللهم من ظلم اهل المدينة وأخافهم فاخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وفي رواية للطبراني قال من اخاف اهل المدينة اخافه الله يوم القيامة وغضب عليه ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا وما فعله بسر في المدينة حال كونه
---
[ 55 ] (1/55)
عامل معاوية من القتل والتهديد والحلف على المنبر انه لو لم يمنع لما ترك بالمدينة محتلما " مشهورا مذكور لانطيل به وروى أهل السير ومنهم ابن الاثير ان عمارا قال لعمرو بن العاص يا عمرو لقد بعت دينك بمصر فقال لا ولكن اطلب بدم عثمان فال انا أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه الله (وأنا اشهد ان أبا اليقظان صادق ولعنة الله على الكاذب) وانك ان لم تقتل اليوم تمت غدا فأنظر إذا اعطي الناس على قدر نياتهم مانيتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية (يعني عليا) ثلاثا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة (انتهى). وما لزم عمروا من كلام عمار فهو لمعاوية الزم لانه شر منه وهو الراشي له بوعده تولية مصر والمستعين به في الحيل على الله وعلى المؤمنين فقوم هذا حالهم وهذا كلام عمار وامثاله فيهم يقال عنهم انهم مجتهدون لا والله ثم لا والله ليسوا بطالبي حق بل لم يزل أمرهم على ما كانوا عليه في الجاهلية من محادتهم لله ورسوله لا يحبهم من خامر الايمان قلبه ولا يناضل عنهم من أخلص لله تعالى اسلامه لانهم خانوا الله ورسوله والمؤمنين ولا تكن للخائنين خصيما اخرج البزار بسند معتمد عن زيد بن وهب قال: كناعند حذيفة رضى الله عنه كيف انتم وقد خرج اهل دينكم يضرب بعضهم رقاب بعض قالوا فما تأمرنا قال: انظروا الفرقة التي تدعوا إلى أمر علي فألزموها فانها على الحق. (ولابن أبي شيبة) بسند صحيح على شرط الائمة الستة عن أبي الرضى سمعت عمارا يوم صفين يقول من سره ان تكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا. وله بسند معتمد انه كان يقول بين الصفين باعلى صوته روحوا إلى الجنة قد تزينت الحور العين فأني لارى صفا ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنا على الحق وهم على الضلال وقد روى ابن الاثير حديث " عمار تقتله الفئة الباغية "
---
[ 56 ] (1/56)
وزاد فيه ما لفظه: الناكبة عن الحق (انتهى) وقال: ولما روى عمرو بن العاص هذا الحديث لذى الكلاع قال ذو الكلاع ماهذا ويحك (وكان ذو الكلاع وعامة اهل الشام قد غرهم معاوية ووزراؤه وكذبوا عليهم واستغووهم) فيقول عمرو أنه سيرجع الينا فقتل ذو الكلاع قبل عمار (مع الفئة الباغية) وقتل عمار رحمه الله بعد. قال ابن الاثير فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا بقتل عمار أو بقتل ذي الكلاع والله لو بقى ذو الكلاع بعد قتل عمار لمال بعامة أهل الشام إلى علي (انتهى بحروفه). فأنظر ايها المنصف إلى هؤلاء المدلسين المغررين الفرحين بما يسئ رسول الله صلى الله عليه وآله ويسئ كل صادق في ايمانه فقد فرحوا قدما بقتل عبيدة وحمزة ثم بقتل عمار وانصار اهل البيت والدين وسمموا الحسن بن علي عليهما السلام وكبروا شماتة لموته وهكذا اعمالهم فحالتهم في الجاهلية والاسلام متشابهة ولاقوة الا بالله لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا وواعجبا من أقوام بين ظهرانينا الآن يدخلون المساءة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى أهل بيته وصالحي امته في قبورهم بمدح من يلعنهم ويوصل إليهم كل اذى ويشاركون بذلك معاوية في قبائحه التي يتمنى هو الخروج منها مع انهم لا ينالون الآن من معاوية وذويه ذرة من دنياه هذا والله هو الخسران المبين أنها لاتعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولكنه استحكم فيهم داء التقليد المحض وحسن الظن الظار ففترت حواسهم واصابهم تخدير مهلك فهم لا يحسون ولا يشعرون وإذا ذكروا لا يذكرون ويعتقدون أن كل ما خالف ما جمدا عليه باطل فهان عليهم مشاركة طاغية هذه الامة بنصرهم له ومدحه وتعظيمه وتسويده وستر فواقره يكابرون في الحق ويصمون اسماعهم عنه ويعرضون عن الحجج الواضحة ان دعوتهم إلى سماع ادلة كلام الله ورسوله لا يسمعون اما قراؤا قول الله تعالى: انهم الفوا آبائهم ضالين فهم
---
[ 57 ] (1/57)
على آثارهم يهرعون. وهناك طوائف من علماء السوء يغتافلون عن اظهار الحق وهم يعرفونه قيموهون ويغالطون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم الاساء ما يزرون كل ذلك خوفا من ان ينبزهم المقلدون بأنهم شيعة أو رافضة حرصا على جاه موهوم زائل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه قال ابن القيم في اعلام الموقعين نقلا عن شيخه شيخ الاسلام بن تيمية من له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله وبما كان عليه هو واصحابه رأى ان اكثر من يشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا والله المستعان (انتهى بالحروف) ان معاوية وعمرو ومن شاكلهما يقرون ويعترفون في كثير من المواطن بأنهم على غير حق وانهم انما يقاتلون للدنيا ولكن أنصارهم يأبون الا نسبتهم إلى الحق وتزكية اعمالهم بادعاء الاجتهاد لهم وأثابتهم من الله على بغيهم وعنادهم روى المسعودي رحمه الله عندما ذكر قصة قتل اللخميين اللذين اطمعهما معاوية بالمال ان قتلا العباس بن ربيعة الهاشمي في يوم من أيام صفين فخرجا فقتلهما الامام علي عليه السلام قال: رحمه الله ونما الخبر إلى معاوية فقال قبح الله اللجاج انه لعقور ما ركبته قط الا خذلت فقال عمرو بن العاص المخذول والله اللخميان والمغرور من غررته لا أنت المخذول قال اسكت ايها الرجال فليس هذا من شأنك قال: وان لم يكن رحم الله اللخميين ولا أراه يفعل قال ذلك والله اضيق لحجتك واخسر لصفقتك قال قد علمت ذلك ولو لا مصروو ولايتها لركبت المنجاة منها فأني اعلم ان علي بن أبي طالب على الحق واننا على ضده فقال معاوية مصر والله اعمتك ولولا مصر لالفيتك بصيرا ثم ضحك معاوية ضحكا ذهب به كل مذهب قال: مم تضحك يا امير المؤمنين اضحك الله سنك قال اضحك من حضور ذهنك يوم بارزت عليا وابدائك سوأتك أما والله يا عمرو لقد واقعت
---
[ 58 ] (1/58)
المنايا ورأيت الموت عيانا ولو شاء لقتلك ولكن ابي ابن أبي طالب في قتلك الا تكرما فقال. عمر واما والله اني لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وبدأ سحرك وبدأ منك ما اكره ذكره لك من نفسك فاضحك اودع (انتهى بالحرف) وذكره البيهقي بنحو هذا في المحاسن والمساوي وذكر أهل السيران عمروا قال لابنه عبدالله يوم صفين أي عبدالله انظر أين ترى عليا قال أراه في تلك الكتيبة القتماء قال الله در ابن عمر وابن مالك فقال له أي ابت فما يمنعك إذ غبطتهم ان اترجع فقال يا بني انا أبو عبد الله إذا حككت قرحة ادميتها. تنبيه أخرج ابن عدي عن أبي سعيد مرفوعا إذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ إذا رأيتم معاوية على المنبر فأقتلوه ورواه سفيان بن محمد عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جابر مرفوعا به قالوا هذا الحديث موضوع لان في رجال اسانيده من لا يقبل ومن هو متهم وقالوا لا يصح من جهة المعنى أيضا لان الامة رأوا معاوية يخطب على منبر النبي صلى الله عليه وآله ولم ينكروا عليه ذلك ولا يجوز ان يقال ان الصحابة ارتدت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وخالفت امره نعوذ بالله من الخذلان هذا قول من قال: بوضع هذا الحديث. قلت اما دعوى وضعه من حيث رجال اسانيده وضعفهم فليس لنا فيه كلام لان القول ما قالوه وليسوا بمتهمين في ذلك. واما دعوى فساده من حيث المعنى فمردودة لان عدم الانكار عليه وعدم قتله لا يستلزم عصيان من اطلع عليه من الصحابة فضلا عن استلزام أرتداده كما زعموا بل هم معذورون في عدم قتله لعجز كل منهم عن ذلك ولتيقنهم عدم قبوله الحق مهما انكروا عليه باللسان بل تخشى منه فتنة عظيمة كيف وهم لا يقدرون على أزالة منكر واحد من منكراته التي يرتكبها بمرأي منهم ومسمع فضلا عن قدرة أحد منهم على قتله فلا لزوم لما ذكروا ولا فساد
---
[ 59 ] (1/59)
من جهة المعنى على انه لو صح ما ذكروه من الاستلزام للزمهم ذلك أيضا بحديث مسلم إذا بويع لخليفتين فأقتلوا الآخر منهما فهذا الحديث كالصريح في الامر بقتل معاوية ومؤدي الحديث الذي ذكروا انه موضوع في الامر بقتل واحد إذ هو منطبق تماما على معاوية فأنه اول من بويع له بالخلافة بالشام والخليفة الحق موجود والصحابة معذورون بعدم استطاعتهم لانه متصحن بالآلاف المؤلفة من جنود الشام الذين لم يفرق كثير منهم بين الجمل والناقة والذين يعتقد الكثير منهم - بتغرير معاوية - انه أقرب قريب إلى رسول الله (ص) وأصرح من حديث مسلم في هذا المعنى ما أخرجه احمد في مسنده من قاتل عليا على الخلافة فأقتلوه كائنا من كان. وانما نبهت على هذا وبينته لاني رأيت كثيرا من أنصار معاوية قاموا وقعدوا وشددوا النكير والسباب والحنق على ناقلي ذلك الحديث استعظاما منهم للامر بقتل معاوية الذي أمر الله في القرآن بقتاله وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث مسلم بقتله. وقد اجمع اهل السنة والشيعة على وجوب قتال معاوية علينا لو حضرناه وان قتله إذ ذاك حسنة وفضيلة يثاب فاعلها عليها. قال أبو حنيفة رحمه الله اتدرون لم يبغضنا أهل الشام قالوا لا قال: لانا نعتقد ان لو حضرنا عسكر علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لكنا نعين عليا على معاوية وتقاتل معاوية لاجل علي فلذلك لا يحبوننا كذا في التمهيد في بيان التوحيد لابي شكور السلمي. وقد كابر الشيخ ابن حجر في تطهير الجنان مكابرة عظيمة لا تليق بذوي العلم والانصاف عند ذكره فساد ذلك الحديث من جهة المعنى حتى زعم هناك ان معاوية احتال على سيدنا علي كرم الله وجهه حتى خلع نفسه عن الخلافة بخلع نائبه أبو موسى الاشعري عن الخلافة له عند تحكيمه وتحكيم عمرو بن العاص وزعم أيضا ان الصحابة كلهم اتفقوا على أنه الخليفة الحق وانه لم يطعن عليه أحد من اعدائه فضلا عن اصدقائه
---
[ 60 ] (1/60)
بقدح في خلافته بشئ مطلقا هذا كلام ابن حجر سامحه الله نترك الحكم فيه لمن له أدنى اطلاع والمام بالحديث والسير والتاريخ واستغفر الله تعالى لي وله من كل مازل به القلم عن الطريق المستقيم. ثم نسأل هنا كيف اتفق فقهاء المذاهب الاربعة على جواز تقلد القضاء من السلطان الجائر وكلهم استدل على جواز ذلك بتقلد الصحابة رضى الله عنهم القضاء من معاوية وكتبهم شاهدة بذلك وهذا تصريح منهم بانه جائر غير محق ثم إذا باحثت اليوم أحدا من فقهاء الزمان قلب لك ظهر المجن ونسي ما صرح به أئمة المذاهب من ذلك هل هي الا اغراض نفسية ووساوس وهمية وأقول أيضا انه لم أحذ أحد من المجتهدين بحديث معاوية الذي أخرجه الترمذي وابو داود عنه انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من شرب الخمر فأجلدوه فان عاد في الرابعة فأقتلوه لم لم يأخذ به أحد من المجتهدين مع جودة اسناده ماذلك الا لانهم لم يأتمنوا معاوية على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يتعلق بالدماء وهو والله احق ان لا يؤتمن نعم ذكر النووي ان الاجماع دل على نسخ هذا الحديث وأقول من المقرر ان الاجماع لا يعارض المنصوص فضلا عن أن ينسخه فأن حقيقة الاجماع عبارة عن آراء مجتمعة من مجتهدي عصر واحد وآراء الرجال ليست من نسخ كلام المعصوم من شئ ولو ذكر مستند الاجماع وكان اقوى من هذا لقلنا انه الناسخ ولكن اين هو فليبد الفقيه ما عنده وليذهب في أي ترهات الطرق شاء للجواب عن هذا نسأل الله الهداية للصواب آمين. ومن كبار فواقره وعظائم جرائره استخلافه ابنه يزيد السكير الخمير المنابذ لله ورسوله الهاتك الحرمات والمرتكب المخزيات مع انه عالم بحاله مطلع على قبيح افعاله انفق على تمهيد بيعته أموال بيت المال وارتكب من المعاصي لذلك ما يغضب ذا الجلال. أخرج احمد في مسنده والحاكم في
---
[ 61 ] (1/61)
المستدرك عن ابي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من ولى من أمر المسلمين شيئا فأمر عليه أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله من أستعمل رجلا من عصابة وفيهم من هو ارضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين وأخرج البخاري في صحيحه عن معقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ما من وآل يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم الاحزم الله عليه الجنة فهل يبقى بعد سماع هذا لذي ايمان ان يصدق بما جاء به من لا ينطق عن الهوى شك في استحقاقه لعنة الله وان لا يقبل منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم وانه خان الله ورسوله والمؤمنين وانه مات غاشا للامة بيزيد ام هناك تأويل يحاول به انصاره رد الحديث الصحيح أو تضعيفه اللهم غفرانك. ربما يدعي مدع انه مجتهد رأى سكيره الرجس النجس اولى اهل زمانه بالامامة وارضى لله منهم ولا جواب عن هذا الا الاستعاذة بالله من شر هذا المدعي المكابر والاشفاق عليه ان يمقته الله ويلحقه بذينك الطاغيتين وهل منع الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عن ابقاء معاوية عاملا عن الشام حتى يستتب له الامر كما اشار به عليه المغيرة بن شعبة الا الفرار من هذا الوعيد وان كان الرأي السياسي يقتضي ابقاءه على زعم كثيرين وقد استشهد كرم الله وجهه بقوله تعالى واما كنت متخذ المضلين عضدا كيف تسمع هذه الدعوة ومعاوية نفسه مقر ببطلانها فانه قال وهو يخطب بكمة ولولا هواي في يزيد ابصرت قصدي قال ابن حجر الهيثمي فيه غاية التسجيل على نفسه بأن مزيد محبته ليزيد اعمت عليه طريق الهدى واوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى (انتهى) ولربما يظهر مشاغب آخر ويقول لعله تاب ورجع والتائب من الذنب كمن لاذنب له فنقول ان التوبة لا تتحقق ولا تصح الا
---
[ 62 ] (1/62)
بالاقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم علي ان لا يعود إليه كما قال الله تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعملون وكل هذه الثلاثة منتفية في معاوية فأنه اكره المسلمين على البيعة ليزيد واصر على ذلك إلى آخر نفس من انفاسه كيف ووصاياه ليزيد وتعاليمه شاهدة عليه بأصراره وعدم مبالاته. نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه وابن الاثير في الكامل والبيهقي في المحاسن والمساوي وغيرهم ان معاوية قال: ليزيد ان لك من أهل المدينة ليوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة (هو الذي سمي مسرفا ومجرما) فأنه رجل قد عرفت نصيحته (انتهى) عرف معاوية ان مسلما لا دين له فأمر يزيد ان يرمي به أهل المدينة وقد فعل يزيد ما أمره به ابوه وفعل مسلم بأهل المدينة ما اريد منه حيث قال له يزيد يا مسلم لاتردن اهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام عن شئ يريدون بعدوهم فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف المدينة واستباحها ثلاثة ايام بكل قبيح وافتضت فيها نحو ثلثمائة بكر وولدت فيها اكثر من الف امرأة من غير زوج وسماها تننة وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله طيبة وقتل فيها من قريش والانصار والصحابة وابنائهم نحو من الف وسبعمائة وقتل اكثر من اربعة آلاف من سائر الناس وبايع المسلمين على انهم عبيد ليزيد ومن ابى ذلك امره مسلم على السيف إلى غبر ذلك من المنكرات قال: المحدث الفقيه ابن قتيبة رحمه الله في كتاب م ة والسياسة والبيهقي في المحاسن والمساويي واللفظ للاول قال: أبو معشر دخل رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء الانصار ومعها صبي لها فقال لها هل من مال قالت لا والله ما تركوا لي شيئا فقال: والله لتخرجن الي شيئا أو لاقتلنك وصبيك هذا فقالت له ويحك انه ولد أبي كبشة الانصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله
---
[ 63 ] (1/63)
ولقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله معه يوم بيعة الشجرة على ان لا أسرق ولا أزني ولا اقتل ولدي ولا آتي ببهتان افتريه فما اتيت شيئا فأتق الله ثم قالت لا يا بني والله لو كان عندي شئ لافتديك به قال فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط فانتشر دماغه في الارض قال فلم يخرج من البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثلا وامثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه كثيرة فمسلم في هذا كله منفذ لامر يزيد ويزيد منفذ لامر معاوية فكل هذه الدماء وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين عليه السلام ومن معه في عنق معاوية اولا ثم في عنق يزيد ثانيا ثم في عنق مسلم وابن زياد ثالثا افبعد هذا يتصور ان يقال لعله تاب ورجع كلا والله ولقد صدق من قال: ابقى لنا معاوية في كل عصر فئة باغية فهاهم اشياعه وانصاره إلى يومنا هذا يقلبون الحقائق ويلبسون الحق بالباطل من يرد الله فتنته فلن تمك له من الله شيئا أخرج مسلم في صحيحه من أخاف أهل المدينة ظلما اخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. وسننقل لك هنا بعض ما ارتكبه معاوية من المنكرات تمهيدا لاخذ هذه البيعة ليزيد فقد ذكر اهل الحديث من ذلك جانبا وأهل المغازي جانبا. واهل المغازي كما قال: الامام الشافعي رحمه الله في الرسالة أقوى في بعض الامور من نقل واحد عن واحد قال: ابن الاثير وكان ابتداء ذلك من المغيرة بن شعبة فان معاوية أراد ان يعزله عن الكوفة فبلغه ذلك فقال الرأي ان اشخص إلى معاوية فأستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية فسار إلى معاوية وقال: لاصحابه حين وصل إليه ان لم اكسبكم الآن ولاية وامارة لا افعل ذلك أبدا ومضى حتى دخل على يزيد فقال له انه قد ذهب اعيان اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وكبراء قريش وانما بقي ابناؤهم وانت من افضلهم واحسنهم رأيا واعملهم بالسنة والسياسة (انظر شهادة الزور والتغرير) ولا ادري
---
[ 64 ] (1/64)
ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة قال: أو ترى ذلك يتم قال: نعم فدخل يزيد على أبيه فأخبره بما قال المغيرة فأحضر المغيرة وقاله ما يقول عنك يزيد فقال يا امير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف. (صدق فخلف الظالم ظالم) فأعقد له فان حدث بك حادث كان كهفا للناس وخلفا ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة قال: ومن لي بهذا قال انا اكفيك اهل البصرة ويكفيك زياد اهل الكوفة وليس بعد أهل هذين المصرين احد يخالفك قال: فأرجع إلى عملك وتحدث مع من تثق إليه في ذلك فودعه ورجع إلى اصحابه فقالوا امه قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على امة محمد وفتقت عليهم فتقا لا يرتق أبدا (صدق افعلى مثل هؤلاء يترحم) قاله الحسن البصري رحمه الله فمن اجل ذلك بايع هؤلاء لابنائهم ولو لا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيمة (انتهى) وسار المغيرة إلى البصرة فذاكر من يثق إليه ومن يعلم انه شعة لبني امية في أمر يزيد فأجابوه إلى بيعته فاوقد منهم عشرة ويقال اكثر واعطاهم ثلاثين الف درهم وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة وقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد ودعوه إلى عقدها فقال معاوية لا تعجلوا بأظهار هذا وكونوا على رأيكم ثم قال: لموسى بكم اشترى ابوك من هؤلاء دينهم قال بثلاثين الفا قال: لقد هان عليهم دينهم (قلت هو على المشتري والمشترى له والآخر به اهون) (انتهى). وقد اخرج الحاكم والطبراني عن عبد لله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيكون بعدي سلاطين، الفتن على ابوابهم كمبارك الابل لا يعطون أحدا شيئا الا أخذوا من دينه مثله. ولبث معاوية زمنا طويلا يعطي المقارب ويداري المباعد ويلطف به حتى استوثق له اكثر الناس وتربص حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام. قال العلامة ابن قتيبة في
---
[ 65 ] (1/65)
كتاب الامامة والسياسة ثم لم يلبت معاوية بعده وفاة الحسن الا يسيرا حتى بايع ليزيد بالشام وكتاب ببيعته إلى الافاق وكان عامله على المدينة مروان ابن الحكم فكتب إليه يذكر الذي قضى الله على لسانه من بيعة يزيد ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة ليبايعوا ليزيد فلما قرأ مروان كتاب معاوية ابي من ذلك وابته قريش فكتب لمعاوية ان قومك قد ابوا اجابتك إلى بيعة ابنك فارني رأيك فعزله معاوية وولى سعيد بن العاص وخرج مروان إلى أخواله مغاضبا وكتب معاوية إلى سعيد بن العاص يأمره ان يدعو أهل المدينة إلى البيعة ويكتب إليه بمن يسارع ومن لم يسارع فلما اتى سعيد بن العاص الكتاب دعا الناس إلى البيعة ليزيد واظهر الغلظة وأخذهم بلعزم والشدة وسطا بكل من ابطأ عن ذلك فأبطأ الناس عنها الا اليسير لاسيما بني هاشم فانه لم يجبه منهم احد وكان ابن الزبير من أشد الناس انكارا لذلك وردا له. فكتب سعيد بن العاص بجميع ذلك إلى معاوية فلما بلغه ذلك كتب كتبا إلى عبدالله بن عباس والى عبدالله بن جعفر والى عبدالله بن الزبير والى الحسين بن علي. رضي الله عنهم وأمر سعيد بن العاص ان يوصلها إليهم ويبعث بحواباتها وتلك الكتب كلها تهديد من جهة وتملق من أخرى فأجابوه كلهم بعدم الرضى والاحتجاج عليه في ذلك ولم نذكرها هنا حذر الاطالة. وهذا نص كتاب الحسين بن علي عليهما السلام ونص جوابه إلى معاوية وهما مثال وعنوان للكتب الباقية وجواباتها (كتب معاوية) إلى الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد انتهت الي منك أمور لم أكن اظنك بها رغبة بك عنها وان احق الناس بالوفاء لمن اعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك الله بها فلا تنازع إلى قطيعتك واتق الله ولا تردن هذه الامة في فتنة وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد ولا يستخفنك
---
[ 66 ] (1/66)
الذين لا يوقنون. فكتب إليه الحسين رضي الله عنه (اما بعد) فقد جاءني كتابك تذكر فيه انها انتهت اليك مني امور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد لها الا الله تعالى واما ما ذكرت ايه رقى اليك عني فأنما رقاه الملاقون المشاءون بالنميمة المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون المارقون ما أردت حربا ولا خلافا واني لاخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين حزب الظلم واعوان الشيطان الرجيم الست قاتل حجر واصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد اما اعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة جرأة على الله واستخفافا بعهده أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي اخلقت وابلت وجهه العبادة فقتلته من بعد ما أعطيته من العبود مالو فهمته العصم لنزلت من شعف الجبال أو لست المدعي زيادا في الاسلام فزعمت انه ابن ابي سفيان وقد قضي رسول الله صلى الله عليه وآله ان الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل سبحان الله يا معاوية لكانك لست من هذه الامة وليسوا منك أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد انه على دين علي كرم الله وجهه ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه ولو لا ذلك كان افضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف فوضعها الله عنكم بنامنة عليكم وقلت فيما قلت لا ترد هذه الامة في فتنة واني لا العلم فتنة لها اعظم من امارتك عليها وقلت فيما قلت انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد واني والله ما أعرف افضل من جهادك فان افعل فأنه قربة إلى ربي وان لم افعل فأستغفر الله لذنبي وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى وقلت فيما قلت متى
---
[ 67 ] (1/67)
تكدني اكدك فكدني يا معاوية فيما بدأ لك فلعمري لقديما يكاد الصالحون واني لارجو ان لا تضر الا نفسك ولا تمحق الا عملك فكدني ما بدأ لك واتق الله يا معاوية واعلم ان لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها واعلم ان الله ليس بناس لك قتلك بالظنة واخذك بالتهمة وامارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك الا وقد اوبقت نفسك واهلكت دينك واضعت الرعية والسلام. قال فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية انه لم يبايعني احد وانما الناس تبع لهؤلاء النفر فلو بايعوك بايعك الناس جميعا ولم يتخلف عنك احد وأرسل إليه جواباتهم فلما بلغ معاوية ذلك كتب إلى سعيد ان لا يحركهم حتى يقدم. ثم قدم معاوية المدينة حاجا فلما ان ديا من المدينة خرج إليه الناس يتلقونه ما بين راكب وماش وخرج النساء والصبيان فلقبه الناس على حسب طبقاتهم فلان لكل من كافحه وفاوض العامة بمحأدثته وتألفهم جهده مقاربة ومصانعة ليستميلهم إلى مادخل فيه الناس حتى قال في بعض ما يجتلبهم به يا أهل المدينة مازلت اطوي الحزن من وعثاء السفر بالحب لمطالعتكم حتى انطوى البعيد ولان الخشن وحق لجار رسول الله ان يتاق إليه قال: حتى إذا كان بالجرف لقيه الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فقال معاوية مرحبا بابن بنت رسول الله وابن صنو ابيه ثم انحرف إلى الناس فقال هذان شيخا بني عبد مناف واقبل عليهما بوجهه وحديثه فرحب وقرب وجعل يواجه هذا مرة ويضاحك هذا أخرى حتى ورد المدينة واقبل ومعه خلق كثير من أهل الشام حتى اتى عائشة رضى الله عنها فأستأذن فاذنت له وحده لم يدخل عليها معه أحد وعندها مولاها ذكوان فوقظته وحرضته على الاقتداء بأبي بكر وعمر وعنفته على قتل حجر بن عدي واصحابه ثم مضى حتى
---
[ 68 ] (1/68)
اتى منزله. ثم ارسل إلى الحسين بن علي فخلا به وقال له يابن اخي قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش وانت تقودهم يا ابن أخي فما اربك إلى الخلاف قال الحسين ارسل إليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا تكن عجلت علي بأمر قال: وتفعل قال: نعم قال فأخذ عليه ان لا يخبر بحديثهما احدا فخرج ثم ارسل إلى الباقين واحدا يقول لهم بنحو ما قاله للحسين رضى الله عنه ويجيبه كل منهم بنحو جواب الحسين. قال ثم جلس معاوية صبيحة اليوم الثاني واجلس كتابه بحيث يسمعون ما يأمر به وأمر حاجبه ان لا يأذن لاحد من الناس وان قرب ثم ارسل إلى الحسين بن علي وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم فسبق ابن عباس فأجلسه عن يساره وشاغله بالحديث حتى اقبل الحسين ودخل فأجلسه عن يمينه وسأله عن حال بني الحسن واسنانهم فأخبره ثم خطب معاوية خطبة اثنى فيها على الله ورسوله وذكر الشيخين وعثمان ثم ذكر امر يزيد وانه يحلول ببيعته سد خلل الرعية وذكر علمه بالقرآن والسنة واتصافه بالحلم وانه يفوقهما سياسة ومناظرة وان كانا أكبر منه سنا وافضل قرابة واستشهد بتولية النبي صلى الله عليه وآله عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل علي ابي بكر وعمر واكابر الصحابة وقيام عمرو بذلك خير قيام وان في رسول الله اسوة حسنة ثم استجابهما عما ذكر. قال فتهيأ ابن عباس للكلام فقال له الحسين على رسلك فأنا المراد ونصيبي في التهمة اوفر وقام الحسين فحمد الله تعالى وصلى على الرسول صلى الله عليه وآله وقال. أما بعد يا معاوية فلن يؤدي القائل وان اطنب في صفة الرسول صلى الله عليه وآله من جميع جزأ وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من ايجاز
---
[ 69 ] (1/69)
الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس انوار السرج ولقد فضلت حتى افرطت واستأثرت حتى اجحفت ومنعت حتى اجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت حتى جاوزت ما بذلت لذى حق من أسم حقه من نصيب حتى اخذ الشيطان حظه الا وفر ونصيبه الاكمل وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد تريد ان توهم الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما اخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن والفينات ذوات المعازف وضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول فما أغناك ان تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما انت لاقيه فو الله ما برحت تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملات الاسقية وما بينك وبين الموت الاغمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم شهود ولات حين مناص ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الامر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد لعمر الله ورثنا الرسول ولادة وجئت لنا بما حججتم به القائم عند موت الرسول فإذ عن للحجة بذلك وردت الايمان إلى النصف فركبتم الاعاليل وفعلتم وقلتم كان ويكون حتى اتاك الامر يا معاوية من طريق كان قصدها لغيرك فهناك فأعتبروا يا أولى الابصار. وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتأميره له وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يؤمنذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له وما صار لعمرو يومئذ حتى انف القوم أمرته وكره القوم تقديمه وعدوا عليه افعاله فقال صلى الله عليه وآله لاجرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في اوكد الاحوال واولاها بالمجتمع عليه من الصواب ام كيف ضاهيت بصاحب تابعا وحولك من يؤمن
---
[ 70 ] (1/70)
في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته وتتخطاهم إلى مسرف مفتون تريد ان تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه وتشقي بها في آخرتك ان هذا لهو الخسران المبين واستغفر الله لي ولكم. قال فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال ما هذا يا ابن عباس ولما عندك ادهي وأمر فقال ابن عباس لعمر الله انه لذرية الرسول واحد اصحاب الكساء ومن البيت المطهر فاله عما تريد فان لك في الناس مقنعا حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين. فقال معاوية انصرفا في حفظ الله (انتهى ملخصا من كتاب ابن قتبية).
وقال ابن الاثير في الكامل ثم ان اولئك النفر خرجوا إلى مكة فأقاموا بها وخطب معاوية بالمدينة وذكر يزيد فمدحه وقال من أحق بالخلافة منه في فضله وعقله وموضعه وما أظن قوما بمنهين حتى تصيبهم بوائق تجتث أصلهم وقد انذرت ان اغنت النذر. ثم قال ومكث معاوية بالمدينة ما شاء الله ثم خرج إلى مكة فتلقاه الناس فقال اولئك النفر نتلقاه فلعله قد ندم على ما قد كان فلقوه ببطن مر فكان أول من لقيه الحسين بن علي عليهما السلام فقال له معاوية مرحبا واهلا بابن رسول الله وسيد شباب المسلمين فأمر له بدابة فركب وسايره ثم فعل بالباقين مثل ذلك وأقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل مكة وكانوا اول داخل وآخر خارج ولا يمضي يوم الا ولهم صلة ولا يذكر لهم شيئا حتى قضى نسكه وحمل اثقاله وقرب مسيره فأحضرهم واعاد عليهم ما طلبه بالمدينة من بيعة يزيد فلم يجيبوه إلى ما طلب وكان المتكلم عبدالله بن الزبير فسأل معاوية الباقين فقالوا قولنا قوله: قال فاني قد احببت ان اتقدم اليكم انه قد اعذر من أنذر اني كنت اخطب فيكم فيقوم الي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك واصفح واني قائم بمقالة فأقسم بالله لئن
---
[ 71 ] (1/71)
رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه فلا يبقين رجل الا على نفسه ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال افم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيفه فان ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لايبرم أمر دونهم ولا يقضي الا عن مشورتهم وانهم قد رضوا وبايعوا ليزيد فبايعوا على اسم الله فبايع الناس وكان الناس يتربصون بيعة هؤلاء النفر ثم ركب رواحله وانصرف إلى المدينة فلقى الناس اولئك النفر فقالوا لهم زعمتم انكم لا تبايعون فلم رضيتم واعطيتم وبايعتم قالوا والله ما فعلنا فقالوا ما منعكم ان تردوا على الرجل قالوا كادنا وخفنا القتل وبايعه اهل المدينة ثم انصرف إلى الشام (انتهى).
وقال ابن عبد البر بعث معاوية إلى عبدالرحمن بن أبي بكر بعد ان ابي البيعة ليزيد بمائة الف درهم فردها إليه عبدالرحمن وابي ان يأخذ وقال ابيع ديني بدنياي وخرج إلى مكة ومات بها قبل ان تتم البيعة ليزيد (انتهى) قلت قول بعض الشيعة هنا مات بالسم لم ينقله اهل السنة فلا معول عليه عندنا والله اعلم. وانما اطلت بذكر خبر هذه البيعة مع شهرته واستنفاضته ليعلم الاغبياء من المقلدين ما ارتكبه معاوية لاجلها من الاكاذيب والحيل والمكر والخدع والكيد والرشوة من بيت مال المسلمين وغش الامة والاستخفاف بذوي الفضل والمنزلة من الصحابة وتهديدهم بالقتل وغير ذلك من الفظالع حتى يتيقن اولئك الاغبياء انهم مغرورون من مقلديهم مغشوشون بما موهوا به عليهم من خلاف ذلك وان تقليدهم لا ينفعهم ولا يجديهم عندما تنكشف الحقائق لدى الملك الملك العدل يوم التغابن حين تنقطع الاسباب بين التابع والمتبوع الا المتقين.
---
[ 72 ] (1/72)
ولا يذهب عنك ان معاوية لم يول يزيد وحده على المسلمين محاباة بل اكثر عماله من هذا القبيل فقد ترك ولاية الكوفة واعمالها للمغيرة بن شعبة لكونه غارس شجرة هذه البيعة الممقوتة ومتولي كبرها وهو المشير أيضا بأستلحاق زياد والساعي بينه وبين معاوية بالصلح والتعاون على الاثم العدوان وقد رد النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام الغنيمة التي جاء بها المغيرة ولم يخمسها وقال هذا غدر والغدر لاخير فيه وهو الباذل جهده أرضاء لمعاوية في سب الامام علي عليه السلام ولعنه وهو الموصي عماله ومستخلفيه بذلك إلى غير ذلك من قبائحه المذكورة في كتب السير والتأريخ وقد شهد عليه أبو بكرة رضي الله عنه واثنان معه بالزنا عند عمر رضي الله عند وتردد الرابع وهو صاحبه زياد فقال رأيت استأتنبو ونفسا يعلو ورجلاها على عاتقه كاذني حمار ولا أدري ما وراء ذلك ولو لا تردد زياد لرجمه عمر وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه: لو ان اللؤم ينسب كان عبدا * * قبيح الوجه اعور من ثقيف تركت الدين والايمان جهلا * * غداة لقيت صاحبة النصيف وراجعت الصبا وذكرت لهوا * * من الاحشاء والخصر اللطيف وولى أيضا عمرو بن العاص مصر وما والاها طعمة ورشوة على ما صنع في أمر التحكيم وقبله من الخيانة لله ولرسوله وللمسلمين والايمان الفاجرة التي أقسمها ومعاداته الامام عليا عليه السلام في باقي ايامه. نقل ابن عبد ربه عن سفيان بن عيينة قال: اخبرني أبو موسى الاشعري قال: اخبرني الحسن قال: علم معاوية والله ان لم يبايعه عمرو لم يتم له امر فقال له يا عمرو اتبعني قال: لماذا الآخرة فوالله ما معك آخرة ام للدنيا فوالله لا كان حتى اكون شريكك فيها قال فانت شريكي فيها قال: فاكتب لي مصر وكورها فكتب له مصر وكورها وكتب في آخر الكتاب وعلى عمرو السمع والطاعة قال عمرو
---
[ 73 ] (1/73)
واكتب ان السمع والطاعة لا يغير ان من شرطه شيئا قال: معاوية لا ينظر إلى هذا قال: عمرو حتى تكتب قال: فكتب والله ما يجد بدا من كتابتها ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا ويقول له انما أبايعك بها ديني فقال عتبة اثمن الرجل بدينه فأنه صاحب من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكتب عمرو إلى معاوية. معاوي لااعطيك ديني ولم انل * * به منك دنيا فأنظرن كيف تصنع وما الدين والدنيا سواء وانني * * لآخذ ما تعطث ورأسي مقنع فان تعطني مصرا فأربح صفقة * * اخذت به شيخا يضر وينفع (انتهى من العقد الفريد). قال الله تعالى: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون اولئك الذين ليس لهم في الآخرة الا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقد وبخ الامام علي عليه السلام عمرا على متابعته لمعاوية في باطله كما ذكر ذلك في نهج البلاغة قال: ومن كتاب له عليه السلام إلى عمرو بن العاص: فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه مهتوك ستره يشين الكريم بمجلسه ويسفه الحليم بخلطته فأتبعت اثره وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام يلوذ إلى مخالبه وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته فأذهبت دنياك وآخرتك ولو بالحق اخذت ادركت ما طلبت فان يمكن الله منك ومن ابن ابي سفيان اجز كما بما قدمتما وان تعجزا وتبقيا فما امامكما شر لكما (انتهى). (ومن) نهج البلاغة أيضا في موضع آخر في ذكر عمرو أيضا عجب لابن النابغة يزعم لاهل الشام ان في دعابة واني امرؤ تلعابة اعافس وامارس لقد قال: باطلا ونطق اثما اما وشد القول الكذب انه ليقول فيكذب ويعد فيخلف ويسأل فيلحف ويسئل فيبخل ويخون العهد ويقطع الال فإذا كان عند الحرب
---
[ 74 ] (1/74)
فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ السيوف مأخذها فإذا كان ذلك كان اكبر مكيدته ان يمنح القوم سبته اما والله انه ليمنعني من اللعب ذكر الموت وانه ليمنعه من قول الحق نسيان الآخرة انه لم يبايع معاوية حتى شرط له ان يؤتيه آتية ويرضخ له على ترك الدين رضيخة (انتهى) وقد اشار الامام علي عليه السلام بقوله يمنح القوم سبته إلى مكيدة عمرو بكشف عورته فرارا من القتل فقد ذكر المدائني وابن الكلبي وغيرهما من أهل السير ان عليا كرم الله وجهه حمل على عمرو في بعض ايام صفين فلما تصور انه قاتله القي بنفسه عن فرسه وكشف سوءته مواجها له عليه السلام فلما رأى ذلك منه غض بصره عنه وانصرف عمرو مكشوف العورة ونجا بذلك فصار مثلا لمن يدفع عن نفسه مكروها بارتكاب المذلة والعار وفيه يقول أبو فراس الفرزدق. ولا خير في رد الردى بمذلة * * كما ردها يوما بسوءته عمرو وروى مثل ذلك قصة بسر بن ارطاة معه كرم الله وجهه فأنه حمل على بسر فسقط بسر على قفاه ورفع رجليه فانكشف عورته فصرف علي عليه السلام وجهه عنه فلما قام سقطت البيضة عن رأسه فصاح اصحابه يا امير المؤمنين انه بسر بن ارطاة فقال ذروه لعنه الله فلقد كان معاوية اولى بذلك منه فضحك معاوية وقال: لا عليك يابسر ارفع طرفك ولا تستحي فلك بعمرو اسوة وقد أراك الله منه ما أراه منك فصاح فتى من أهل الشام اما تستحيون لقد علمكم عمرو كشف الاستأه ثم انشد: افي كل يوم فارس ذو كريهة * * له عورة وسط العجاجة باديه يكف لها عنه علي سنانه * * ويضحك منها في الخلاء معاوية بدأت أمس من عمرو فقنع رأسه * * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا * * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية ولا تحمدا الا الحيا وخصا كما * * هما كانتا والله للنفس واقيه
---
[ 75 ] (1/75)
ولو لا هما لم تنجوا من سنانه * * وتلك بما فيها عن العود ناهيه وكان بسر ممن يضحك من عمرو فصار هو ضحكة أيضا: (وولى) معاوية أيضا عمرو بن سعيد بن العاص المتكبر المشهور على مكة المشرفة وهو الجبار الذي رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن قتيبة وغيره فعن ابي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول ليرعفن على منبري هذا جبار من جبابرة بني امية فيسيل رعافه فحدثني من رأي عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر النبي صلى الله عليه وآله حتى سال رعافه على درج المنبر. (وذكر) أبو عبيدة في كتاب المثالب وابو جعفر في تاريخه ان عبيدالله بن زياد كتب إلى عمرو بن سعيد بن العاص وهو وال على المدينة الشريفة يبشره بقتل الحسين عليه السلام فقرأ كتابه على المنبر وانشد رجزا ثم اوما إلى القبر الشريف وقال: يا محمد يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوم من الانصار (انتهى). (قلت) وعمرو هذا هو الذي يقال له الاشدق وهو المدعو بلطيم الشيطان قتله عبدالملك غدرا بدمشق (وما ظالم الا سيبلى بظالم). (وولي) معاوية كذلك مروان ابن الحكم وهو ابن طريد النبي ولعينه وهو الفضض من لعنة الله تعالى كما اخبرته به عائشة رضى الله عنها وهو المزور على عثمان رضى الله عنه الكتاب الذي كان سببا لقتله وهو القاتل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم الجمل غيلة وهو القائل للحسين بن علي عليهما السلام انكم اهل بيت ملعونون وهو المشير أخيرا بقتل الحسين بن علي عليهما السلام صبرا حين دعاه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى منزله وهو إذ ذاك امير المدينة واخبره بموت معاوية وطلب منه ان يبايع ليزيد فأستمهله فقال مروان للوليد لا تدعه يخرج من هنا حتى يبايع ليزيد أو تقتله
---
[ 76 ] (1/76)
فأبي ذلك عليه اوليد واستعظمه ذكره البيهقي في المحاسن والمساوي. واخرجه الحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن عوف رضى الله عنه انه قال: كان لا يولد لاحد مولود الا اتى به النبي صلى الله عليه وآله فيدعو له فادخل عليه مروان بن الحكم فقال هذا الوزغ ابن الوزغ الملعون بن الملعون. (وولى) كذلك سمرة بن جندب محاباة وكان قد اعطاه من بيت المال اربعمائة الف على ان يخطب سمرة في أهل الشام بأن قوله تعالى: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام وإذا تولى سعي في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " انها نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فخطب بها فيهم وهو آخر الثلاثة موتا وقد قال: لهم النبي صلى الله عليه وآله أخركم موتا في النار وهو أحد العشرة الذين قال: لهم النبي صلى الله عليه وآله ضرس احدكم في النار مثل أحد وهو الذي عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله كما في الصحيح بدل نخلاته التي في حائط الانصاري قيمتها فأبى ثم نخلات بدلها فأبى ثم من الثواب ما هو كذا وكذا فأبي فقال له انما انت مضار وأمر بقطع نخلاته بلا ثمن وهو الذي كان يبيع الخمر وقد حرم الله ذلك. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان سمرة بن جندب باع خمرا قاتل الله سمرة الم يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها أي إذ ابوها فباعوها ذكره الزمخشري في الفائق وهو الذي أسرف في القتل على علم من معاوية. ذكر أبو جعفر الطبري رحمه الله قال: حدثني عمر قال: حدثني اسحق ابن أدريس قال حدثني محمد بن سليم قال: سألت انس بن سيرين هل كان سمرة قتل أحدا قال: هل يحصى من قتل سمرة بن جندب استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له هل تخاف
---
[ 77 ] (1/77)
ان تكون قتلت أحدا بريئا قال: لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت أو كما قاله وحدثني عمر قال: حدثني موسى بن اسمعيل قال: حدثنا نوح بن قيس عن اشعث الحلاني عن أبي سواد العدوي قال: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة واربعين رجل كلهم قد جمع القرآن وحدثني عمر قال: حدثني علي بن محمد عن جعفر الصدفي عن عون قال: اقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بني أسد خرج رجل من بعض ازقتهم ففجأ اوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم فأوجره الحربة قال: ثم مضت الخيل فاتى عليه سمرة ابن جندب وهو متشحط في دمه فقال ما هذا قيل اصابته اوائل خيل الامير قال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فأتقوا اسنتنا وقال في موضع آخر قال: عمر وبلغني عن جعفر بن سليمان الضبعي قال: اقر معاوية سمرة بعد زياد ستة اشهر ثم عزله فقال سمرة لعن الله معاوية والله لو اطعت الله كما اطعت معاوية ما عد بني أبدا وحدثني عمر قال: حدثني موسى بن اسمعيل قال حدثني سلمان بن مسلم العجلي قال: سمعت ابي يقول مررت بالمسجد فجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل فجعل يصلي في المسجد فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد وبدنه ناحية فمر أبو بكرة فقال: يقول الله سبحانه قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى قال: أبي فشهدت ذلك فما مات سمرة حتى اخذه الزمهرير فمات شر ميته قال: وشهدته واتى بناس كثير وأناس بين يديه فيقول للرجل ما دينك فيقول اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله واني برئ من الحرورية فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعة وعشرون. (وولى) كذلك بسر بن ارطاة وهو الحالف على منبر النبي صلى الله عليه وآله لولا انه منع لما ترك بالمدينة محتلما الا قتله وهو قاتل الصبيين عبدالرحمن وقتم ابني عبيد الله بن العباس في حجر امهما فجنت ووسوست وهو السابي
---
[ 78 ] (1/78)
النساء المسلمات من اليمن وبائعهن في السوق والفاعل الافعال القبيحة قال: ابو جعفر الطبري في تاريخه قال: عطاء بن أبي مروان اخبرني حنظلة بن علي الاسلمقال وجد بسر قوما من بني كعب وغلمانهم على بئرهم فالقاهم في البئر وقال: اقام بسر بن ارطاة بالمدينة شهرا يستعرض الناس ليس أحد ممن يقال هذا اعان على عثمان الا قتله. (وولى كذلك) شرحبيل بن السمط الكندي على حمص واعمالها وهو ناشر دعوة الطلب بدم عثمان تحت امرة معاوية (قال) ابن عبد البر لما قدم جرير على معاوية رسولا من عند علي رضي الله عنه حبسه شهرا يتحير ويتردد في أمره فقيل لمعاوية ان جرير قد ردد بصائر أهل الشام في ان عليا قتل عثمان ولابد لك من رجل يناقضه في ذلك ممن له صحبة ومنزلة ولا نعلمه الا شرحبيل بن السمط فأستقدمه معاوية فقدم عليه فهيأ له رجالا يشهدون عنده ان عليا قتل عثمان ومنهم بسر بن ارطاة ويزيد بن أسيد وابو الاعور السلمي وحابس بن سعد الطائي ومخارق بن الحرث الزبيدي وحمزة بن مالك الهمداني قد واطأهم معاوية على ذلك (أي على شهادة الزور) شهدوا عنده ان عليا قتل عثمان فلقى جريرا فناظره فابى ان يرجع وقال قد صح عندي ان عليا قتل عثمان ثم خرج إلى مدائن الشام يخبر بذلك ويندب إلى الطلب بدم عثمان قال: أبو عمر وهو معدود في طبقة بسر بن ارطاة وابي الاعور السلمي. (وولى) أيضا زياد بن سمية بعد ان السنغواه واستلحقة وهو الظالم الناكص على عقيبه كما قال تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فأنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين " عمل زياد لمعاوية وارتكب القبائح والآثام العظيمة بعد ان عمل لعمر ولعلي رضى الله عنها ثم رجع القهقرى واسترسل في اقتحام الجرائم حتى انه كتب إلى الحسن بن علي
---
[ 79 ] (1/79)
عليهما السلام وقد شفع إليه في رجل من شيعته من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة اما بعد فقد اتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وانت طالب حاجة وانا سلطان وانت سوقة كتبت الي في فاسق آويته اقامة منك على سوء الرأي ورضي منك بذلك وايم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك فان أحب لحم الي ان آكل منه للحم الذي انت منه فسلمه بجريرته إلى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم آكن شفعتك فيه وان قتلته لم أقتله الا لحبه اباك الفاسق والسلام ولما بلغ موته ابن عمر قال: يا ابن سمية لا الآخرة ادركت ولا الدنيا بقبيت عليك. (وولى) كذلك عبيدالله بن زياد بن سمية وظلمه وبغيه وفجوره مشهور وسيرته معلومة ولم يزل يرتع في المظالم حتى كلل اعماله القبيحة بقتل الحسين بن علي عليهما السلام. وقد ذكر ابن جرير في تاريخه والزمخشري في الفائق وغيرهما انه دخل عليه زيد بن ارقم وبين يديه رأس الحسين عليه السلام وهو ينكثه بقضيب معه فغشي عليه فلما افاق قال له مالك يا شيخ قال رأيتك تنكث شفتين طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلهما فقال ابن زياد لعنه الله أخرجوه فلما قام ليخرج قال: ان محمديكم هذا الدحداح وفيه يقول عدو الله يزيد بن معاوية لعنة الله عليهما: اسقني شربة تروي مشاشي * ثم قم واسق مثلها ابن زياد صاحب الود والامانة والتسديد مني ومغنمي وجهادي (وإذا) تتبعت سيرة معاوية وتأريخه وجدت كثيرا من عماله من هذا القبيل وكما قيل ان عمر رضي الله عنه وحسناته جميعها حسنة واحدة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه فكذلك ان يزيد وقبائحه وسيئاته كلها سيئة واحدة من سيئات معاوية وكل ما فعله عماله بسلطانه وتوليته من الظلم
---
[ 80 ] (1/80)
والجور فهو في عنقه كما جاءت به الاحاديث (فهؤلاء) هم الوزراء والاتباع ومعاوية هو الامام الذي دهورهم في ذلك الشقاء وسيعلم متبعوه ذل مقامهم يوم يدعى كل انسان بأمامهم ومن هذا حاله وهذه افعاله كيف لا يستحق اللعن وتستحقه الواثمة والمستوشمة وكيف لا يجوز لعن من نهب قناطير الذهب والفضة من أموال المسلمين ويجوز لعن السارق درهما واحدا لا والله بل الحق احق ان يتبع. (ومن موبقاته الشنيعة) استلحاقه زياد بن عبيد وجعله زياد بن أبي سفيان وهو اول استلحاق جاهلي عمل بن في الاسلام علنا واستنكره الصحابة وأهل الدين (اخرج) البخاري في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من ادعى إلى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه فالجنة عليه حرام فذكرته لابي بكرة فقال وانا سمعته اذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وآله (واخرج) فيه أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن ابيه فهو كفر (وفيه) من اثناء حديث طويل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن ابائكم فانه كفر بربكم ان ترغبوا عن آبائكم (وفيه) أيضا حديث واثلة ان من اعظم الفراء ان يدعى الرجل إلى غير ابيه. (وفي الصحيح) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من انتسب إلى غير ابيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلى يوم القيامة (واخرج) أبو داود وصححه عن أنس رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ادعى إلى غير ابيه أو انتهى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله المتتابعة إلى يوم القيامة فأنظر إلى هذا الوعيد الشديد الذي لم يبال به معاوية ولم يكترث بما يترتب على ذلك الاستلحاق من اختلاط الانساب وهتك الحرم سعيا وراء اغراض دنيوية
---
[ 81 ] (1/81)
سياسية وقد ذكر المحدثون والمؤرخون اسباب هذا الاستلحاق. (ولنذكر) ملخص ما ذكره العلامة ابن الاثير رحمه الله قال: لما ولي علي الخلافة استعمل زيادا على فارس فضبطها وحمى قلاعها واتصل الخبر بمعاوية فساءه ذلك وكتب إلى زياد يتهدده ويعرض له بولادة ابي سفيان اياه فلما قرأ زياد كتابه قام في الناس وقال: العجب كل العجب من ابن اكلة الاكباد وراس النفاق يخوفني بقصده اياي وبيني وبينه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله في المهاجرين والانصار اما والله لو اذن لي في لقائه لوجدني احمر مخشا ضرابا بالسيف وبلغ ذلك عليا فكتب إليه اني وليتك ما وليتك واني أراك له اهلا وقد كانت من ابي سفيان فلتة من اماني الباطل وكذب النفس لا توجب له ميراثا ولا تحل له نسبا وان معاوية يأتي الانسان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فأحذر ثم احذر والسلام فلما قتل علي عليه السلام وكان من امر زياد ومصالحة معاوية ما كان رأى معاوية ان يستميل زيادا ويستصفي مودته باستلحاقه فاتفقا على ذلك واحضر الناس وحضر من شهد لزياد وكان فيمن حضر خمار يقال له أبو مريم السلولي فقال له معاوية بم تشهد يا أبا مريم فقال أنا اشهد ان أبا سفيان حضر عندي وطلب مني بغيا فقلت له ليس عندي الاسمية فقال ائتني بها على قذرها ووضرها فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وان اسكتيها ليقطر ان منيا فقال له زياد مهلا أبا مريم انما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما فأستلحقه معاوية. (وكان) استلحاقه اول ما ردت به احكام الشريعة علانية فان رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بالولد للفراش وللعاهر الحجر وقضى معاوية بعكس ذلك طبقا لما كان العمل عليه قبل الاسلام يقول الله تعالى افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون. (وكتب) زياد إلى عائشة رضي الله عنها من زياد بن أبي سفيان وهو
---
[ 82 ] (1/82)
يريد ان تكتب له إلى زياد بن ابي سفيان ليحتج بذلك فكتبت إليه من عائشة ام المؤمنين إلى ابنها زياد وعظم ذلك على المسلمين عامة وعلى بني امية خاصة قال: وجرى بعد ذلك اقاصيص يطول بذكرها الكتاب فأعرضنا عنها ثم قال: قيل اراد زياد ان يحج بعد ان استلحقه معاوية فسمع أخوه ابو بكرة وكان مهاجرا له من حين خالفه في الشهادة بالزنا على المغيرة ابن شعبة فلما سمع بحجه جاء إلى بيته وأخذ ابنا له وقال: يا بني قل لابيك اني سمعت انك تريد الحج ولابد من قدومك إلى المدينة ولا شك انك تطلب الاجتماع بأم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وآله فان اذنت لك فاعظم به خزيا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وان منعتك فاعظم به فضيحة في الدنيا وتكذيبا لادعائك فترك زياد الحج وقال: جزاك الله خيرا فقد ابلغت في النصح (انتهى مع حذف). (وقد) لام معاوية على هذه الفعلة الشنيعة اهل الدين والفضل وغيره أهل الشعر والنقد وكتب إليه ابن مفرغ الحميري. الا ابلغ معاوية بن صخر * مغلغلة من الرجل اليماني اتغضب ان يقال ابوك عف * وترضى ان يقال أبوك زاني فأشهد ان رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الاتان (ومن بوائقه) الموجبة له غضب الله قتله حجر بن عدي واصحابه صبرا بمرج عذراء وهم من هم كأنه لم يقرأ قوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد لهم عذابا عظيما (قتل) معاوية حجرا وأصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي وصفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسى ومحرز بن شهاب السعدي التميمي وكدام بن حيان العنزي وعبد الرحمن بن حسان العنزي الذي دفنه زياد حياء (أخرج) يعقوب بن سفيان في تاريخه والبيهقي في الدلائل عن عبدالله بن
---
[ 83 ] (1/83)
زرير الغافقي قال سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول يا اهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل اصحاب الاخدود فقتل حجر واصحابه (قال) البيهقي لا يقول على مثل هذا الا ان يكون سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله (واخرج) ابن عساكر عن سعيد بن ابي هلال ان معاوية حج فدخل على عائشة فقالت يا معاوية قتلت حجر بن الادبر واصحابه اما والله لقد بلغني انه سيقتل بعذراء سبعة نفر يغضب الله لهم واهل السماء (واخرج) يعقوب بن سفيان وابن عساكر ايضا ان عائشة رضى الله عنها بعد ان انكرت على معاوية قتله حجرا واصحابه بعذراء قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول سيقتل بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء. (قال) العلامة ابن عبد البر في الاستيعاب كان حجر من فضلاء الصحابة وصغر سنه عن كبارهم وكان على كندة يوم صفين وعلى الميسرة يوم النهروان ولما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها واظهر من الغلظة وسوء السيرة ما اظهر خلعه حجر ولم يخلع معاوية وكتب فيه زياد إلى معاوية فأمر ان يبعث به إليه فبعثه إليه مع وائل بن حجر الحضرمي في اثني عشر رجلا كلهم في الحديد فقتل معاوية منهم ستة واستحي منهم ستة وكان حجر فيمن قتل (وقال) ابن الاثير بعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحصين بن عبدالله الكلابي وابا شريف البدري إلى حجر واصحابه ليقتلوا من امر بقتله منهم فأتوه عند المساء فلما رأي الخثعمي احدهم اعور قال: يقتل نصفنا ويترك نصفنا فتركوا ستة وقتلوا ثمانية وقالوا لهم قبل القتل انا قد امرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركنا كم وان ابيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فأمر فحفرت القبور واحضرت الاكفان وقام حجر واصحابه يصلون عامة الليل فلما كان الغد قدموهم ليقتلوهم فقال لهم حجر بن عدي اتركوني اتوضأ واصلي فاني ما توضأت الا صليت ولو لا ان
---
[ 84 ] (1/84)
تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت منها قال فقتلوه وقتلوا ستة فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي وكريم الخثعمي ابعثوا بنا إلى امير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فاستأذنو معاويه فيهما فأذن باحضارهما فلما دخلا عليه قال: الخثعمي الله الله يا معاوية فانك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسؤول عما اردت بسفك دمائنا فقال له ما تقول في علي قال: اقول فيه. قولك قال: اتبرأ من دين علي الذي يدين الله بن فسكت وقام شمر بن عبدالله بن بني قحافة ابن خثعم فأستوهبه فوهبه له على ان لا يدخل الكوفة فأختار الموصل ثم قال: لعبد الرحمن بن حسان يا اخا ربيعة ما تقول في علي قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك قال: والله لا ادعك قال: اشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس قال: فما قولك في عثمان قال هو اول من فتح أبواب الظلم واغلق أبواب الحق قال: قتلت نفسك قال بل اياك قتلت فرده معاوية إلى زياد وأمره ان يقتله شر قتلة فدفنه حيا (انتهى من الكامل). (واخرج) ابن عبد البر عن ابن سيرين ان معاوية لما اتى بحجر بن الادبر قال السلام عليك يا امير المؤمنين قال أو امير المؤمنين انا أضربوا عنقة قال: فلما قدم للقتل قال: دعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال لولا ان تظنوا بي غير الذي بي لاطلتهما والله لئن كان صلاتي لم تنفعني فيما مضى ماهما بنافعتي ثم قال: لمن حضر من اهله لا تطلقوا عني حديدا ولا تغسلوا عني دما فاني ملاق معاوية على الجادة واني مخاصمه. اخرجه ابن عساكر. (وجاء) في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وافضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تكلم عند سلطان
---
[ 85 ] (1/85)
جائر فامر به فقتل واخرج ابن أبي شيبه عن نافع قال: كان ابن عمر في السوق فنعى إليه حجر فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب. (ولما) بلغ الربيع بن زياد الحارثي وكان فاضلا جليلا وكان عاملا لمعاوية على خراسان فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي سخط ذلك وقال: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ولو نفرت عند قتله لم يقتل واحد منهم صبرا ولكنها اقرت فذلت ثم خرج يوم الجمعة فقال ايها الناس اني قد مللت الحياة واني داع فأمنوا ثم دعا الله عزوجل فقال اللهم ان كان للربيع عندك خير فأقبضه اليك وعجل فلم يبرح من مجلسه حتى مات يرحمه الله (وقال) ابن سيرين بلغنا ان معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول يومي منك يا حجر طويل (انتهى) قال الله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن (قال) ابن عبد البر ان معاوية اول من قتل مسلما صبرا حجرا واصحابه (قلت) فعليه اثمه واثم من قتل صبرا من المسلمين إلى يوم القيامة لانه اول من سن ذلك ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن مرة لا تقتل نفس الا كان على ابن آدم الاول كفل منها لانه اول من سن القتل واخرجه مسلم والترمذي أيضا (واخرج) الترمذي عن عائشة رضي الله عنها وصححه وابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والمكذب بقدر الله تعالى والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من اذل الله ويذل من اعز الله والمستحل لحرم الله المستحل من عترتي ما حرم الله والتارك لسنتي. (قلت) وليست هذه الفعلة الشنعاء بأكبر بوائق معاوية في القتل فانه قد ارتكب قبلها جريمة قتل الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام بالسم وهو خامس اهل الكساء وابن محمد المصطفى وابن علي المرتضي وابن فاطمة الزهراء وابن شجرة طوبى واحد ريحانتي النبي صلى الله عليه وآله من الدنيا واحد
---
[ 86 ] (1/86)
سيدي شباب اهل الجنة (قال) أبو الفرج مات الحسن عليه السلام شهيدا مسموما دس معاوية إليه والى سعد بن ابي وقاص حين اراد ان يعهد إلى يزيد ابنه بالامر سما فماتا في ايام متقاربة (انتهى) (ونقل) ابن عبد البر والمسعودي وغيرهما ان امرأة الحسن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم وقد كان معاوية دس إليها انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم وزوجتك يزيد فكان ذلك الذي بعثها على سمه فما مات وفى لها معاوية بالمال وارسل إليها انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه (قال) ابن عبد البر وذكر أبو زيد عمر بن شيبة وابو بكر بن خيثمة قالا حدثنا موسى بن اسمعيل قال: حدثنا أبو هلال عن قتادة قال: دخل الحسين على الحسن رضى الله عنهما فقال يا أخي اني سقيت السم ثلاث مرات ولم اسق مثل هذه المرة اني لاضع كبدي فقال الحسين من سقاك يا اخي قال: ما سؤلك عن هذا تريد ان تقاتلهم ؟ كلهم إلى الله فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من العسل بماء رومة فقضى نحبه. (وحدث) محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي ابن مجاهد عن محمد بن اسحق عن الفضل بن العباس بن ربيعة قال وفد عبدالله بن العباس على معاوية قال فوالله اني لفي المسجد اذكر بر معاوية في الخضراء فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء فخرجت فاخته بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت سرك الله يا امير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به قال: موت الحسن بن علي فقالت انا لله وانا إليه راجعون ثم بكت وقالت مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال معاوية نعما والله ما فعلت انه كان كذلك اهل ان يبكي عليه ثم بلغ الخبر ابن عباس رضى الله عنهما فراح
---
[ 87 ] (1/87)
فدخل على معاوية قال: علمت يا ابن عباس ان الحسن توفي قال الذلك كبرت قال نعم قال والله ما موته بالذي يؤخر اجلك ولا حفرته بسادة حفرتك ولئن أصبنا به فقد اصبنا بسيد المرسلين وامام المتقين ورسول رب العالمين ثم بعد بسيد الاوصياء فجبر الله تلك المصيبة ورفع تلك العبرة فقال يا ابن عباس ما كلمتك الا وجدتك معدا (انتهى). (سبحان الله) ما أجرأ معاوية على الله وعلى هتك محارم الله وما اعظم حلم الله تعالى عن الجبابرة من اعدائه واعداء نبيه عليه وآله الصلاة والسلام يقتلون سبط رسول الله ويكبرون فرحا بموته وشماتة ولم تنزل عليهم صاعقة من السماء تستأصل شأفتهم لا يسئل ربنا عما يفعل انما نملي لهم ليزدادوا انما ولهم عذاب اليم (أخرج) الديلمي عن ابي سعيد رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اشتد غضب الله على من اذاني في عترتي. (يقول) معاوية في بعض خطبه ان الله جنودا من عسل ولقد صدق فانه قبل ان يقتل الحسن بن علي عليهما السلام بالعسل قد قتل به مالك الاشتر رضي الله عنه (وكان) من خبره كما ذكره ابن الاثير وغيره ان الامام عليا كرم الله وجهه ارسل الاشتر عاملا على مصر فخرج إليها واتت معاوية عيونه فعظم عليه ذلك وكان قد طمع في مصر فبعث معاوية إلى المقدم على اهل الخراج بالقلزم وقال له ان الاشتر قد ولى مصر فان كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت وبقيت فلما انتهى الاشتر إلى القلزم استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول فنزل عنده فأتاه بشربة من عسل قد جعل فيه سما وكان الاشتر صائما فسقاه اياه فلما شربها مات واقبل معاوية يقول لاهل الشام ان عليا قد وجه الاشتر إلى مصر فأدعوا الله عليه واقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره بمسلك الاشتر فقام خطيبا ثم قال: اما بعد فانه كانت لعلي يمينان قطعت احداهما بصفين يعني عمار بن ياسر وقطعت الاخرى
---
[ 88 ] (1/88)
اليوم يعني الاشتر. أمر اهل الشام بالدعاء على الاشتر تغريرا لهم ليظنوا انه انا مات بأستجابة الله دعاءهم. (وبهذه الطريقة) نفسها قتل عبدالرحمن بن خالد بن الوليد قال: أبو جعفر الطبري وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر قال: حدثنا علي عن مسلمة بن محارب ان عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه عند اهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار ابيه ولعنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه خافه معاوية وخشي منه فأمر ابن اثال النصراني ان يحتال في قتله وضمن له ان يضع عنه خراجه ما عاش وان يوليه خراج حمص فلما قدم عبدالرحمن من الروم دس إليه ابن اثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص ووفى له معاوية بما ضمن له (انتهى) (قلت) انما اخذ عبدالرحمن بن خالد بما كسبت يداه فأنه كان مؤازرا لمعاوية وناصرا له وصديقا وخليلا قال الله تعالى: وهو اصدق القائلين الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين وقال رسول الله صلى الله عليه وآله من اعال ظالما على ظلمه سلطه الله عليه ولعل قتل بالسم كفارة بما سبق منه انشاء الله. (وقتل) عمرو بن العاص ومعاوية بن خديج محمد بن ابي بكر الصديق بعد فتحهم مصر لمعاوية وكيف قتلوه: منعوه الماء حتى اشتد عطشه ثم ادخلوه في جيفة حمار واحرقوه بالنار ولما بلغ معاوية قتله اظهر الفرح والسرور وبلغ عليا عليه السلام قتله وسرور معاوية فقال جزعنا عليه على قدر سرورهم لابل يزيد لبضعافا وقال الا ان مصر قد فتحها الفجرة اولوا الجور والظلمة الذين يصدون عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ولما بلغ ذلك عائشة رضى الله عنها جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو ولم تأكل من ذلك الوقت شواء حتى توفيت جازاهم الله بما يستحقون وما ربك بغافل عما يعملون وسيعلم الذين ظلموا اي
---
[ 89 ] (1/89)
منقلب ينقلبون. (جاء) في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه انواع من الوعيد الشديد على قتل النفس الواحدة بغير حق كقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا الآية السابقة وكقوله تعالى ان الذين يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم اولئك الذين حبطت اعمالهم في الدنيا والآخرة ومالهم من ناصرين وكقوله تعالى من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا وكقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا الا من تاب وامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما إلى غير ذلك (وورد) في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله اخبار كثيرة كقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما وكقوله صلى الله عليه وآله اكبر الكبائر الاشراك بالله وقتل النفس الحديث وقوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام لقتل المؤمن عند الله اعظم من زوال الدنيا (وفي البخاري) بسنده عن عبدالله بن عمران من ورطات الامور التي لا مخرج لمن اوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله (واخرج) ابن ماجة عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: من اعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله تعالى مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله إلى غير ذلك من الاحاديث وإذا كانت قد دخلت النار امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا وعطشا فرآها النبي صلى الله عليه وآله في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها فما بالك بعقوبة من قتل حجرا وامثال حجر بغير حق نعوذ بالله من موجبات
---
[ 90 ] (1/90)
غضبه وسخطه. (وهذا) كله في حق من قتل مؤمنا واحدا ولو لم يكن له من الفضل الا النطق بالشهادتين كقتيل محلم بن جثامة وقد علمت ان الارض لفظت القاتل حين دفن عظة للصحابة وان كانت لتقبل من هو شر منه وان النبي عليه وعلى آله السلام قال: حين سأله محلم ان يستغفر له اللهم لا تغفر لمحلم ثلاثا فكيف إذا كان المقتول الحسن بن علي وحجر بن عدي ومحمد بن ابي بكر وامثالهم من أجلة الصحابة ثم كيف إذا كانت القتلى الآفا مؤلفة ومنهم فضلاء المهاجرين واكابر الانصار واجلة الصحابة والتابعين فان الخطب جسيم جدا لا يدخل تحت التصور. (لاشك) ان قتلى الفريقين في صفين ومصر واليمن والحجاز في الحروب بين الامام علي عليه السلام وبين معاوية كلها في عنق معاوية يطالب كل فرد منهم بدمه يوم القيامة عند الحكم العدل اما فريق الامام علي عليه السلام فان قاتليهم اتباع معاوية وفئته الباغية وهو الامير عليهم والآمر لهم واما الفريق الذي في جانب معاوية فانه هو الذي غرهم واغراهم واغواهم واجري لهم الباطل في مجرى الحق وكذب عليهم واقام لهم شهود الزور حتى ظنوا - الا القليل منهم - انهم على حق وهدى فبذلوا ارواحهم وقتلوا مع علم معاوية ويقينه - كما اقربه في كثير من مكاتباته ومحاوراته - انه مبطل طالب للدنيا محارب للدين واهل الدين وان انكر ذلك متعصبوا اشياعه وانصاره: ثم بعد هؤلاء من قتلهم عماله بسلطانه بعد موت الامام علي عليه السلام كالمغيرة بن شعبة وزياد بن سمية وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص ومسلم ابن عقبة وعبد الله بن زياد وغيرهم فكم قتل هؤلاء العمال من المسلمين وكم اسالوا من دماء الموحدين ظلما وعدوانا فكانوا يقتلون المسلمين إذا لم يجيبوهم إلى لعن الامام علي بن ابي طالب وسبه والى البراءة من الدين الذي يدين الله
---
[ 91 ] (1/91)
به الذي هو دين الاسلام الحق جاء بهذا النقل المتواتر الذي لا يبقى معه لذي بصيرة شك في وقوعه من معاوية وعماله. ان من ينكر هذا ومثله من الوقائع المتواترة هو احد رجلين اما رجل مغفل بل مخلوع منه غريزة العقل لا يصدق بما عرفه العالم والجاهل وتناقلته الالوف عن الالوف وهذه هي اقصى درجات الغفلة والغباوة واما عاقل مصدق بقلبه منكر بلسانه خوفا ان ينسب إلى الرفض وينبز بمخالفة اهل السنة وهذه هي الداهية الكبرى والمصيبة العظمى والخلة الممقوتة عند الله تعالى وعند رسوله وغالب انصار معاوية والمدافعين عنه من هذا القبيل يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله اعلام الغيوب ايسوغ لصادق الايمان بعد ان عرف ما عرف من ارتكاب معاوية وعماله جرائم القتل التي قدمنا ذكرها وامثالها من الفواقر ان يصدق من يقول انه وعماله ماجورون عليها لانهم مجتهدون ! ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ؟ يقول انصار معاوية ان معاوية وفئته مثابون على قتل عمار الذي يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ان هذا لما تقشعر له الجلود ويذوب له الجلمود كبرت كلمه تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا اللهم ان هؤلاء قوم ضلوا عن الحق واضلوا كثيرا وتصف السنتهم الكذب ان لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار وانهم مفرطون ان النبي عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام بقول من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم اخرجه الطبراني في الكبير باسناد حسن عن حذيفة بن أسيد فإذا وجبت لعنة المسلمين على مؤذيهم في طرقهم كما أخبر الصادق المصدوق فكيف لا تجب لعنتهم على من آذاهم بسفك الدمائهم بغير حق بل وبانتهاك حرمات اعراض أئمتهم وهداتهم من اهل بيت نبيهم وغيرهم وباستئثاره باموالهم فضتها وذهبها وفيئها ومغنمها اللهم الهمهم رشدهم وانزع من صدورهم مودة ومحبة من
---
[ 92 ] (1/92)
حادك وعاداك وعادى نبيك واهل بيت نبيك وتب عليهم انك انت التواب الرحيم ومن بوائقه الشنيعة المهلكة عداوته وبغضه وسبه لاخي المصطفى وابن عمه ووصيه وباب مدينة علمه واول أصحابه اسلاما واولهم ورودا عليه الحوض واشجعهم واعلمهم وازهدهم واحبهم إلى الله ورسوله امير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورزقنا حبه وأتباعه غير مكترث ذلك الطاغية ولا مبال بما ورد عن الصادق المصدوق في خطارة بغضه وعداوته وسبه. تواترت عن معاوية تلك المهلكات ونقلها عنه ثقات الرواة وامتلات بما كتب منها بطون الاسفار ولزمت معاوية لزوم السواد للغراب ولم يكتف ذلك الطاغية بافعال نفسه وحده بل جمح به بغضه المتأصل في فؤاده وحقده الدفين في سويداء قلبه على ان دعا الناس إلى تلك الموبقات وحملهم عليها بالسيف والترغيب بالمال ليضم أوزارهم إلى اوزاره وذنوبهم إلى ذنوبه عاش مباشرا بنفسه تلك الفظائح إلى ان هلك واوصى بها من بعده من خلفائه واشياعه لم تنجح فيه عظات اكابر الصحابة ولم يؤثر فيه تخويفهم اياه ما ورد من الوعيد الشديد عن الله وعلى لسان رسول الله ران على قلبه ما ران فاستمر في غوايته وجرى على غلوائه حتى يبلغ إلى غايته. يا ناطح الجبل العالي ليكلمه * اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل ودونك اولا نموذجا مما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله في حق من سب أمير المؤمنين عليا عليه السلام أو عاداه ليعرف العاقل والغافل أي شناعة ارتكبها ذلك الطاغية وأي طريق اجتازها إلى امه الهاوية قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم مرجعه من حجة الوداع بعد ان جمع الصحابة وكرر عليهم الست اولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبون بالتصديق والاعتراف ثم رفع يد علي وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واحب من احبه وابغض من ابغضه وانصر من
---
[ 93 ] (1/93)
نصره وأخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار (اخرج) هذا الحديث جماعة منهم الترمذي والنسائي واحمد وصححوه قال احمد شهد به لعلي ثلاثون صحابيا (قلت) وعده الحافظ السيوطي في الاحاديث المتواترة (وأخرج) مسلم في صحيحه عن علي رضي الله عنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة انه لعهد النبي الامي الي انه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق (واخرج) الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنا نعرف المنافقين ببغضهم عليا (واخرج) احمد والحاكم وصححه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سب عليا فقد سبني (واخرج) ابن خالويه في كتاب الآل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي حبك ايمان وبغضك نفاق وأول من يدخل الجنة محبك واول من يدخل النار مبغضك (وفيه) عن عمار بن ياسر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن ابغضك وكذب فيك (وفيه) عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى علي ابن أبي طالب فقال انت سيد في الدنيا سيد في الآخرة من احبك فقد احبني ومن ابغضك فقد ابغضني وبغيضك بغيض الله فالويل كل الويل لمن ابغضك (واخرج) احمد في مسنده من عدة طرق ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا، أو نصرانيا (واخرج) أبو يعلي والبزار عن سعد بن ابي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله من آذى عليا فقد آذاني (واخرج) الطبراني بسند حسن عن ام سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال من احب عليا فقد احبني ومن احبني فقد احب الله ومن ابغض عليا فقد ابغضني ومن ابغضني فقد ابغض الله (واخرج) الخطيب عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله
---
[ 94 ] (1/94)
عليه وآله وسلم قال عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابي طالب (واخرج) البزار وابو يعلي والحاكم عن علي كرم الله وجهه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان فيك مثلا من عيسى ابغضته اليهود حتى بهتوا امه واحبته النصارى حتى انزلوه بالمنزل الذي ليس به. الا وانه يهلك في اثنان محب مفرط يقرظني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على ان يبهتني (وقال) ابن عبد البرفي الاستيعاب روي طائفة من الصحابة رضي الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لعلي رضي الله عنه لا يحبك الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق واخرجه مسلم في صحيحه (واخرج) الذهبي في التذكرة عن ابي الزبير سئل جابر عن علي فقال ما كنا نعرف منافقينا الا ببغض علي بن ابي طالب (واخرجه) ابن النجار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع وهو على ناقة فضرب على منكب علي وهو يقول اللهم اشهد اللهم قد بلغت هذا اخي وابن عمي وصهري وابو ولدي اللهم كب من عاداه في النار (واخرج) ابن عساكر في الفردوس بغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة وحب علي حسنة لا تضر معها سيئة (واخرج) الحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله عهد معهود ان الامة ستغدر بك وانت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من احبك احبني ومن ابغضك ابغضني وان هذه ستخضب من هذه يعني لحيته من رأسه (واخرج) البخاري في صحيحه عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة (انتهى) وعلي سيد الاولياء واعظم فيكون معاوية اكبر المحاربين لله واعظم وزرا (واخرج) الطبراني ان عليا اتى يوما بالبصرة بذهب وفضة فقال ابيضاء وصفراء غري غيري غري اهل الشام غدا إذا ظهروا عليك فشق قوله ذلك على الناس فذكروا
---
[ 95 ] (1/95)
ذلك له فأذن في الناس فدخلوا عليه فقال ان خليلي صلى الله عليه واله وسلم قال يا علي انك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه اعداؤك غضابا مقمحين ثم جمع يده على عنقه يريهم الاقماح (واخرج) ابن عساكر عن جابر و حسنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال علي امام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله (واخرج) الدار قطني في الافراد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال علي باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا (وفي نهج البلاغة قال علي عليه السلام: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على ان يبغضني ما ابغضني ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على ان يحبني ما احبني وذلك انه قضي فانقضى على لسان النبي الامي انه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق. (هذا بعض) ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله في شأن من عادى عليا كرم الله وجهه أو ابغضه أو سبه، فقد ثبت وحق على مبغض علي ومعاويه بدلالة هذه الاحاديث عداوة الله وعداوة رسوله والبغض لهما والنفاق والاذى لله ولرسوله والسب لهما وخذلان الله له والاكباب في النار وان لا تنفعه حسناته وان يرد على الله غاضبا مقمحا وقد لعن الله ورسوله في مواضع متعددة من قام به واحد من هذه الاوصاف فكيف لا يجوز لعن من قامت به كلها ان من يقول بعدم الجواز يكاد يكون مكذبا بهذه الاحاديث أو جاهلا بها أو مشاغبا لا يبالي بما يقول فيدعي باطلا ان لا عداوة ولا بغضاء بين علي عليه السلام وبين معاوية وانه لم يقع من معاوية لعن ولا سب لعلي كرم الله وجهه ويدع التواتر والنقل الصحيح وراء ظهره انتصارا بذلك لمن وحب خذلانه وحبا لمن وجب بغضه وانقيادا للتعصب المذموم وارضاء للشيطان المرجوم اولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم، فاعرض عنهم وعظهم وقل لهم
---
[ 96 ] (1/96)
في أنفسهم قولا بليغا. (ولنذكر) هنا طرفا مما صح ونقل عن معاوية واتباعه من هذا القبيل قدمر بك ان رسل معاوية إلى حجر بن عدي واصحابه قالوا لهم قبل القتل أنا قد أمرنا ان نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وان أبيتم قتلناكم فقالوا لسنا فاعلي ذلك فقتلوهم (اخرج) مسلم في صحيحه والترمذي والنسائي في الخصائص عن عامر بن سعد بن ابي وقاص قال أمر معاوية ابن ابي سفيان سعدا فقال ما يمنعك ان تسب أبا تراب فقال لا ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وآله فلن اسبه لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم وذكر قول النبي صلى الله عليه وآله انت مني بمنزلة هارون من موسى الحديث المشهور وزاد أبو يعلى عن سعد من وجه آخر قال لو وضع المنشار على مفرقي على ان اسب عليا ما سببته أبدا (ونقل ابن الاثير) ان معاوية كان إذا قنت سب عليا وابن عباس والحسن والحسين والاشتر (قال) ابن عبد ربه في العقد لما مات الحسن ابن علي حج معاوية فدخل المدينة واراد يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقيل له ان هاهنا سعد بن ابي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه فارسل إليه وذكر له ذلك فقال ان فعلت ذلك لاخرجن من المسجد ثم لااعود إليه فامسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله ان يلعنوه على المنابر ففعلوا فكتبت ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية انكم تلعنون الله ورسوله على منابركم وذلك انكم تلعنون علي بن ابي طالب ومن احبه وانا اشهد ان الله احبه ورسوله فلم يلتفت احد إلى كلامها مع علمهم بصحة روايتها وشرف مقامها. صم بكم عمي مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا. (ونقل أبو عثمان الجاحظ) في كتاب الرد على الامامية ان معاوية كان
---
[ 97 ] (1/97)
يقول في آخر خطبته اللهم ان ابا تراب الحد في دينك وصد عن سبيلك فالعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا اليما قال وكتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى ايام عمر بن عبد العزيز (وروى) فيه ايضا ان قوما من بني امية قالوا لمعاوية يا امير المؤمنين انك قد بلغت ما املت فلو كففت عن هذا الرجل فقال لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا (وروى) ابو الحسن المدائني في كتاب الاحداث قال كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بهامن شيعة علي عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام علي عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدرو اخافهم وقطع الايدي والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم (وكتب) معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي شهادة وكتب إليهم ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا الي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلاة والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجد امرؤ من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضباة أو منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا. (ثم كتب) إلى عماله ان الحديث في عثمان قد جهز وفشا في كل مصر
---
[ 98 ] (1/98)
وكل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا احب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب و شيعته واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت احاديث كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لاحقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاب فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. (ثم كتب) إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا واهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك بنسخة اخرى من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره فلم يكن البلاء اشد واكثر منه بالعراق ولاسيما بالكوفة حتى ان الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة وكان اعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقزبو في مجالسهم ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان فقبلوها ورووها وهم يظنون انها حق ولو علموا انها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها فلم يزل الامر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليهما السلام فأزداد البلاء والفتنة فلم يبق احد من هذا القبيل الا وهو خائف على دمه أو طريد على الارض
---
[ 99 ] (1/99)
ثم تفاقم الامر بعد قتل الحسين عليه السلام وولي عبدالملك بن مروان فاشتد الامر على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف فتقرب إليه اهل النسك والصلاح ببغض علي وموالاة اعدائه وموالاة من يدعي قوم من الناس انهم ايضا رؤه فاكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم واكثروا من الغض من علي كرم الله وجهه وعيبه والطعن فيه والشنآن له حتى ان انسانا وقف للحجاج ويقال انه جد الاصمعي عبدالملك بن قريب فصاح به أيها الامير ان اهلي عقوني فسموني عليا واني فقير بائس وانا إلى صلة الامير محتاج فتضاحك الحجاج وقال للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا (وقد روى) ابن عرفة المعروف بنفطويه وهومن اكابر المحدثين واعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال ان اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في ايام بني امية تقريبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به انوف بني هاشم (قلت) لا يلزم من هذا ان يكون علي عليه السلام يسوءه ان يذكر الصحابة والمتقدمون عليه بالخيرو الفضل الا ان معاوية وبني امية كانوا يبنون الامر من هذا على ما يظنونه في علي كرم الله وجهه من انه عدو من تقدم عليه ولم يكن الامر في الحقيقة كما يظنونه ولكن ربما كان يرى انه افضل منهم وانهم استأثروا عليه بالخلافة من غير تفسيق منه لهم ولا براءة منهم (انتهى) كلام المدائني. (قلت) لم يسكت المحدثون الراسخون في علم الحديث والعارفون باسماء رجاله وحالاتهم عن تمحيص هذه الاحاديث وفحصها بل امتحنوها وبينوا وضعها واسبابه وان بعض رواتها كذابون غير موثوق بهم كما بينوا ايضا كثيرا من الاحاديث الموضوعة في فضائل علي كرم الله وجهه فجزاهم الله عن نبيهم وامته خير الجزاء. (نعم) ان المحدثين انما يطعنون فيمن دون طبقة الصحابة ولا يتجاسرون
---
[ 100 ] (1/100)
على الطعن فيمن هو صحابي على اصطلاحهم وان كان غير مستقيم وسيأتي في بيان الشبه ما تعلم به سبب امتناعهم عن ذلك والله اعلم. (ولما) استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة دعاه وقال له اما بعد فان لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ولا يجزئ عنك الحليم بغير التعليم وقد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة انا تاركها اعتمادا على بصرك ولست تاركا ايصاءك بخصلة واحدة لا تترك شتم علي وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له والعيب لاصحاب علي والاقصاء لهم والاطراء لشيعة عثمان والادناء لهم فقال له المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذمني وستبلو فتحمد أو تذم فقال بل نحمد ان شاء الله فأقام المغيرة عاملا على الكوفة وهو احسن شئ سيرة غير انه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستفغار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل اياكم ذم الله ولعن انتهى من الكامل. (قلت) لم يزل المغيرة باقي ايامه عاملا بوصية طاغيته موصيها بها غير فقد قال: لصعصعة بن صوحان وهو من أصحاب علي عليه السلام لما بلغه انه يذكر عليا ويفضله: اياك ان يبلغني عنك انك تعيب عثمان واياك ان يبلغني انك تظهر شيئا من فضل على فأننا اعلم بذلك منك ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بأظهار عيبه للناس فنحن ندع شيئا كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لانجد منه بدأ ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا فان كنت ذاكرا فضله فأذكره بينك وبين اصحابك في منازلكم سرا واما علانية في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا (انتهى) من الكامل أيضا. (وأمر) يوما حجر بن عدي ان يقوم في الناس فيلعن عليا فأبى ذلك فتوعده فقام فقال أيها الناس ان اميركم امرني ان العن علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه الله فقال اهل الكوفة لعنه الله يعنون الامير قالوا وكان المغيرة صاحب دنيا يبيع دينه بالنزر القليل منها يرضي به معاوية حتى انه قال يوما في مجلس
---
[ 101 ] (1/101)
معاوية ان عليا لم ينكحه رسول الله صلى الله عليه وآله حبا له ولكن أراد ان يكافئ بذلك احسان ابي طالب. (واستعمل) معاوية على المدينة مروان بن الحكم وكان عاملا بأوامر معاوية فكان لا يدع سب علي عليه السلام على المنبر كل جمعة تنفيذا لاوامر اميره. (قال) ابن حجر المكي جاء بسند رواته ثقات ان مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب ثم اعيد مروان فعاد للسب وكان الحسن يعلم ذلك فسكت ولا يدخل المسجد الا عند الاقامة فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لابيه وله ومنه: ما وجدت مثلك الا مثل البغلة يقال لها من ابوك فتقول امي الفرس الخ (وفي صحيح) البخاري من اثناء حديث لابي سعيد رضى الله عنه قال: أبو سعيد خرجت مع مروان وهو امير المدينة في اضحى أو فطر فلما اتينا المصلي إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد ان يرتقيه قبل ان يصلي فجذبته بثوبه فجذبني فأرتفع فخطب قبل الصلاة فقلت له غير تم والله فقال يا أبا سعيد ذهب ما تعلم فقلت ما اعلم والله خير مما لا اعلم فقال ان الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. (قال) الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن المنذر اما مروان فراعي مصلحتهم في اسماعهم الخطبة لكن قيل انهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب (يعني عليا) والافراط في مدح بعض الناس (يعني عثمان) فعلي هذا انما راعي مصلحة نفسه (انتهى) وقد ذكر العلامة الحفظي في أرجوزته هذا الحديث فقال: وفي البخاري عن أبي سعيد * خطبة مروان بيوم العيد
---
[ 102 ] (1/102)
قبل الصلاة حين كان الناس * بعد الصلاة ينفر الجلاس لانه كما حكاه المنذري * يذكر فيها لمرتضى ويجتري سحقا له من وزغ ملعون * وكل من في صلبه يكون (قلت) الا الصالحين منهم وقليل ماهم. (ومر) ابن عباس رضي الله عنهما بقوم ينالون من علي ويسبونه فقال لقائده ادنني منهم فأدناه فقال ايكم الساب لله قالوا نعوذ بالله ان نسب الله فقال ايكم الساب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا نعوذ بالله ان نسب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ايكم الساب علي بن أبي طالب قالوا اما هذه فنعم قال: اشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من سبني فقد سب الله ومن سب علي بن أبي طالب فقد سبني فأطرقوا فلما ولى قال: لقائده كيف رأيتهم فقال: نظروا اليك باعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر قال زدني فداك ابي وامي فقال: خزر العيون منكسي اذقانهم * نظر الذليل إلى العزيز القاهر فقال زدني فداك ابي وامي قال ما عندي مزيد. قال ولكن عندي. احياؤهم عار على امواتهم * والميتون فضيحة للغابر (انتهي من مروج الذهب). (وولي) معاوية بسر بن ارطاة البصرة فكان يشتم عليا عليه السلام على المنبر قال أبو جعفر الطبري في تاريخه حدثنا عمر قال: حدثنا علي بن محمد قال خطب بسر على منبر البصرة فشتم عليا عليه السلام ثم قال: ناشدت الله رجلا علم أني صادق الا صدقني أو كاذب الا كذبني قال: فقال ابو بكرة اللهم انا لانعلمك الا كاذبا قال: فأمر به فخنق قال: فقام أبو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عليه فمنعه (انتهى). (واستعمل) معاوية زيادا فكان من أشد العمال حرصا ودعوة إلى
---
[ 103 ] (1/103)
لعن علي عليه السلام وسبه (قال) ابن الاثير بعث زياد ابن أبيه في طلب صيفي بن فسيل الشيباني فأتي به فقال له يا عدو الله ما تقول في ابي تراب فقال لا أعرفه فقال ما أعرفك به اتعرف علي بن أبي طالب قال: نعم قال: فذاك ابو تراب قال: كلا ذاك ابو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة يقول الامير هو ابو تراب وتقول لاقال فان كذب الامير اكذب انا وأشهد على باطل كما شهد ؟ فقال له زياد وهذا أيضا علي بالعصا فأتي بها فقال ما تقول في علي قال: احسن قول قال اضربوه فضربوه حتى لصق بالارض ثم قال: اقلعوا عنه ما قولك في علي قال والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت فيه الا ما سمعت مني قال: لتلعننه أو لاضربن عنقك قال لا أفعل فأوثقوه حديدا وحبسوه (قال) الحافظ الذهبي في التذكرة قتل زياد رشيدا الهجري لتشيعه فقطع لسانه وصلبه (انتهى). (قلت) وكان من قصته ما رواه اهل الاخبار قالوا روي عن الشعبي عن زياد ابن نصر الحارثي قال: كنت عند زياد وقد اتي برشيد الهجري وكان من خواص اصحاب علي عليه السلام فقال له زياد ما قال: خليلك لك أنا فأعلون بك قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني فقال زياد اما والله لاكذبن حديثه خلوا سبيله فلما أراد ان يخرج قال: ردوه لانجد شيئا اصلح مما قال لك صاحبك انك لن تزال تبغى لنا سوءا ان بقيت اقطعوا يديه ورجليه فقطعوها وهو يتكلم فقال اصلبوه خنقا في عنقه فقال رشيد قد بقي لي عندكم شئ ما أراكم فعلتموه فقال زياد اقطعوا لسانه فلما أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفسوا عني اتكلم كلمة واحدة فنفسوا عنه فقال هذه والله تصديق خبر امير المؤمنين اخبرني بقطع لساني فقطعوا لسانه وصلبوه. (وقال) المسعودي في المروج والبيهقي في المحاسن والمساوي قد كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرضهم على لعن علي عليه السلام
---
[ 104 ] (1/104)
فمن ابى ذلك عرضه على السيف فذكر عبدالرحمن بن السائب قال: احضرت فصرت إلى الرحبة ومعى جماعة من الانصار فرأيت شيئا في منامي وأنا جالس في الجماعة وقد خفقت وهواني رأيت شيئا طويلا قد أقبل فقلت ما هذا فقال انا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر فأنتبهت فزعا فما كان الا مقدار ساعة حتى خرج خارج من القصر فقال انصرفوا فان الامير عنكم مشغول وإذا به قد اصابه ما ذكرنا من البلاء يعني انها خرجت في كفه بثرة ثم حكها ثم سرت واسودت فصار اكلة سوداء فهلك بذلك وفي ذلك يقول عبدالله بن السائب من أبيات. ما كان منتهيا عما أراد بنا * حتى تأتي له النقاد ذو الرقبه فأسقط الشق منه ضربة ثبتت * لما تناول ظلما صاحب الرحبة يعني بصاحب الرحبة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. (قلت) انما ذكرنا هنا طرفا من بعض افعال عمال معاوية واكثر عماله من هذا القبيل والتواريخ والسير مشحونة بذكر ما يرتكبه اولئك الطغاة من سب علي عليه السلام ولعنه على المنابر وفي المحافل (تمادي) معاوية في نشر تلك البدعة الشنيعة القبيحة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله انها علامة النفاق وسب لله ولرسوله وحمل الناس عليها بالسيف والزم شرار العمال النداء بها على المنبر في سائر اقطار الاسلام حتى في المدينة النبوية تجاه القبر الشريف على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله غير مراع في ذلك خوف الله تعالى ولا حرمة رسوله عليه وآله الصلاة والسلام ثم جعلها سنة باقية لاتباعه وخلفائه ملوك الضلالة وأئمة الجور والظلم فهنج اولئك الجبابرة منهجه واقتفوا سبيله واعلنوا سب علي عليه السلام ولعنه نحوا من ستين سنة (ذكر) الحافظ السيوطي رحمه الله انه كان في أيام بني امية اكثر من سبعين الف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب عليه السلام بما سنه لهم معاوية من ذلك وفي ذلك
---
[ 105 ] (1/105)
يقول العلامة احمد الحفظي الشافعي في أرجوزته. وقد حكى الشيخ السيوطي انه * قد كان فيما جعلوه سنه سبعون الف منبر وعشره * من فوقهن يلعنون حيدره وهذه في جنبها العظائم * تصغر بل توجه اللوائم فهل ترى من سنها يعادي * ام لاوهل يستر ام يهادي أو عالم يقول عنه نسكت * اجب فأني للجواب منصت وليت شعري هل يقال اجتهدا * كقولهم في بغيه ام الحدا اليس ذا يؤذيه ام لا فأسمعن * ان الذي يؤذيه يؤذي من ومن بل جاء في حديث ام سلمة * هل فيكم الله يسب مه لمه عاون اخا العرفان بالجواب * وعاد من عادى ابا تراب (ومن) عجيب ما يحكى من ذلك ان الوليد بن عبدالملك كان لحانا وانه خطب في خلفته وذكر عليا فقال انه كان لص ابن لص (بالجر) فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه احد ومن نسبته عليا إلى اللصوصية وقالوا ما ندري ايهما اعجب. (واعجب) من هذا ما ذكره المبرد في الكامل قال: ان خالد بن عبدالله القسري لما كان امير العراق كان يلعن عليا عليه السلام على المنبر فيقول اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم صهر رسول الله صلى الله عليه وآله على ابنته وأبا الحسن والحسين ثم يقبل على الناس ويقول هل كنيت. (واغرب) من الكل ما ذكره ابن الكلبي في غرائبه عن عبدالرحمن بن السائب قال: قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانئ وهو رجل من بني اود (حي من قحطان) وكان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها وكان من أنصاره وشيعته والله ما كافأتك بعد ثم ارسل إلى الاسماء بن خارجه سيد بني فزتوة ان زوج عبدالله بن هاني بأبنتك فقال لا والله ولا
---
[ 106 ] (1/106)
كرامة فدعا له بالسياط فلما رأى الشر قال: نعم زوجه ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية ان زوج ابنتك من عبدالله بن هاني الاودي قال: ومن اود لا والله لا ازوجه ولا كرامة فقال علي بالسيف فقال دعني حتى اشاور اهلي فشاورهم فقالوا زوجه ولا تعرض نفسك لهذا الفاسق فزوجه فقال الحجاج لعبدالله قدزوجتك بنت سيد فزارة وبنت سيد همدان وعظيم كهلان وما اود هناك فقال لا تقل ذاك اصلح الله الامير فان لنا مناقب ليست لاحد من العرب قال: وما هي قال: ماسب امير المؤمنين عبدالملك في ناد لنا قط قال: منقبة والله قال: وشهد منا صفين مع امير المؤمنين معاوية سبعون رجلا وما شهد منا مع ابي تراب الا رجل واحد وكان والله ما علمته امرأ سوء قال: منقبة والله قال ومنا نسوة نذرن ان قتل الحسين بن علي ان تنحركل واحدة عشر قلائص ففعلن قال: منقبة والله قال: وما منا رجل عرض عليه شتم ابي تراب ولعنه الافعل وزاد ابنيه حسنا وحسينا وامهما فاطمة قال: منقبة والله قال: وما احد من العرب له من الصباحة والملاحة مالنا فضحك الحجاج وقال اما هذه يا ابا هاني فدعها وكان عبدالله دميما شديد الادمة مجدورا في رأسه عجر مائل الشدق احول قبيح الوجه شديد الحول (انتهى) وقال: ابو عثمان الجاحظ خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال تبا لهم انما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبدالملك الا يعلمون ان خليفة المرء خير من رسوله ؟ ! (انتهى) تأمل ايها المؤمن الصادق افعال هذه الفئة الضالة المضلة كيف ينافح عنهم كثير من اصحابنا اهل السنة ويتورعون عن الانتقاد عليهم ويحتالون لبراءتهم مما ارتكبوه بأي تأويل وجدوه وهم في الحقيقة اشر فعالا واسوء حالا من الخوارج الذين هم شر الامة. (ذكر العلامة) ياقوت الحموي في معجم البلدان في ذكر سجستان بعد
---
[ 107 ] (1/107)
ان ذكر من بهامن الخوارج وكثرتهم وتعصبهم في مذهبهم قال: قال محمد بن بحر الرهني واجل من هذا كله ان علي بن ابي طالب رضي الله عنه لعن على منابر الشرق والغرب ولم يلعن علي على منبرها (يعني سجستان) الامرة وامتنعوا على بني امية حتى زادوا في عهدهم وان لا يلعن على منبرهم احد ولا يصطادوا في بلدهم قنفذ (1) ولا سلحفاة قال: واي شرف اعظم من امتناعهم من لعن اخي رسول الله صلى الله عليه وآله على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة (اتنهى). ولم تزل هذه السنة السيئة معمولا بها في ايام بني امية في جميع الاقطار والامصار والقرى حيث نفذت أوامرهم واني بلغ ملكهم يوصون بها عمالهم ويجبرون عليها رعاياهم حتى ابطلها امام الهدى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وابدل مكانها من الخطبة قول الله تعالى ان الله يأمر بالعدل ولاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي الآية وفي ذلك يقول كثير بن عبدالرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السب. وليته فلم تشتم عليا ولم تخف * بريا ولم تقبل اساءة مجرم وقال الشريف ابو الحسن الرضي رحمه الله يرثي عمر رحمه الله. دير سمعان لاعدتك الغوادي * خير ميت من آل مروان ميتك دير سمعان فيك مأوى ابي حفص فودي لو انني آويتك يابن عبد العزيز لو بكت العين فتى من امية لبكيتك غير اني اقول انك قد طبت وان لم يطب ولم يزك بيتك انت نزهتنا عن السب واللعن فلو امكن الجزاء جزيتك وعجيب اني قليت بني مر * وان طراوانني ماقليتك
---
(1) انما منعوا صيد القنفذ لابن بلادهم كثيرة الافاعي والقنافذ تأكل الافاعي فما من بيت الا وفيه قنفذ. (*)
---
[ 108 ] (1/108)
ولو اني رأيت قبرك لا ستحييت من ان ارى وما حييتك ولو اني ملكت دفعا لما نا * لك من طارق الردى لقديتك (فأنظر) رحمك الله إلى جرأة هؤلاء الظلمة العتاة على الله تعالى وما قدموه لانفسهم من الكبائر والعظائم وما تعرضوا له من الوعيد الشديد من المنتقم الجبار الشديد العقاب على ان كان ما فعلوه من السب والشتم واللعن وان عم وطم وانتشر وتتابع منهم لا ينقص من مقام الامام علي عليه السلام مثقال ذرة ولا تلحقه بذلك غضاضة ولا معرة فان مقداره عند الله وجلالته في قلوب الصالحين من عباده اعظم واجل من ان يهتك حرمتها هذر معاوية واتباعه كما ان ضعة رتب معاوية واتباعه وحقارة شأنهم عند الله وسوء مواقعهم في قلوب المؤمنين المتقين اقل واحقر من ان يرفعها أو يؤثر فيها تعظيم هؤلاء المتعصبين لهم وتسويدهم قدر انملة جف القلم بما هو كائن وكل ميسر لما خلق له. ربما قيل ان لهؤلاء القوم صلوات وزكوات وشيئا من العبادات أو ما تراها مغنية عنهم شيئا يوم القيمة (قلت) لااخال انه ينفعهم شئ من ذلك ورسوله الله صلى الله عليه وآله يقول من اثناء حديث اخرجه الحاكم وصححه فلو ان رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو مبغض لاهل بيت محمد دخل النار وصح ايضا انه صلى الله عليه وآله قال: والذي نفسي بيده لا يبغضنا اهل البيت احد الا ادخله الله النار وورد ايضا من اثناء حديث صحيح قوله عليه الصلاة والسلام من آذاني في عترتي فقد اذى الله ان الله حرم الجنة من ظلم اهل بيتي أو قاتلهم أو اعان عليهم أو سبهم واخرج ابن عساكر في الفردوس بغض علي سيئة لا تنفع معها حسنة إلى غير ذلك من الاحاديث الكثيرة فبغض علي وعترته وعداوتهم من موجبات الضلال ومحبطات الاعمال وما احسن ما قاله الناصر العباسي في هذا المعنى اقتباسا
---
[ 109 ] (1/109)
من تلك الاحاديث شعرا. قسما بمكة والحطيم وزمزم * والراقصات وسعيهن إلى منى بغض الوصي علامة مكتوبة * كتبت على جبهات اولاد الزنا من لم يوال من البرية حيدرا * سيان عند الله صلى أو زنى (وله ايضا). لو ان عبدا اتى بالصالحات غدا * وود كل بني مرسل وولي وعاش ما عاش آلافا مؤلفة * خلوا من الذنب معصوما من الزلل وقام ما قام قواما بلا كسل * وصام ما صام صواما بلا ملل وطار في الجو لا يأوي إلى قلل * وغاص في البحر لا يخشى من البلل فليس ذلك يوم البعث ينفعه * الا بحب امير المؤمنين علي ثم انا نقول بعد هذا كما ان الله جل شأنه شديد العقاب فهو واسع المغفرة لمن تاب ومغفرته لمن لم يتب جائزة عند اهل السنة من باب خرق العوائد فليس لاحد ان يتألى عليه ان شاء تجاوز غنهم ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. (وهاهنا) اقول ليس ما اشتملت عليه جوانح معاوية من الحقد والحسد والبغضاء لجميع بني هاشم والعدواة لهم بل لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ولاهل بيته بغريب ولا مستنكر فان هذه العداوة قد ورثها من امه وابيه كما ورثها بعد بنيه وذويه وقد قال صلى الله عليه عليه وآله وسلم الود يورث والعداوة تورث. كان أبو سفيان في الجاهلية اشد قريش عداوة للنبي صلى الله عليه وآله واعظمهم حرصا على اطفاء نور الله وهو ممن انزل الله فيهم قوله تعالى: قاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم (1) ولم يزل ذلك دأبه وديدنه إلى ان ارغم الله انفه
---
(1) قال الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى ان الذين كفروا لن تغنى عنهم (*)
---
[ 110 ] (1/110)
بفتح مكة ودخل في الاسلام مكرها هو وبنوه وزوجته ثم حضر مع المؤلفة غزوة حنين وكانت الازلام في كنانته ولما انهزم المسلمون قال لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. والله قد غلبت هوازن فقال له صفوان بفيك الكثكث (اي الحجارة والتراب). قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وقد اختلف في حسن اسلامه (فطائفة) ترى انه لما اسلم حسن اسلامه قال: ونقل عن سعيد بن المسيب (وطائفة) ترى انه كان كهفا للمنافقين منذ اسلم وكان في الجاهلية زنديقا (ثم قال) وفي خبر ابن الزبير انه رآه يوم اليرمومك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال: ابو سفيان ايه بني الاصفر وإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان. وبنوا الاصفر الملوك ملوك الر * وم لم يبق منهم مذكور فحدث به ابن الزبير اباه لما فتح الله على المسلمين فقال الزبير قاتله الله يأبى الا نفاقا اولسنا خيرا له من بني الاصفر. وذكر ابن المبارك عن مالك بن مغول عن ابي ابجر قال: لما بويع لابي بكر الصديق رضي الله عنه جاء أبو سفيان إلى علي رضي الله عنه فقال اغلبكم على هذا الامر اقل بيت في قريش اما والله لاملانها خيلا ورجالا ان شئت فقال علي مازلت عدوا للاسلام واهله فما ضر ذلك الاسلام واهله شيئا انا رأينا ابا بكر لها اهلا (وروى) عن الحسن البصري ان ابا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال قد صارت اليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة واجعل اوتادها بني امية فأنما هو الملك ولا ادري ماجنة ولا نار فصاح به عثمان قم عني فعل الله بك وفعل (قال) وله اخبار نحو هذا
---
اموالهم ولا اولادهم من الله شيئا بعد كلام في من يعني بالذين كفروا فقال وقيل هم مشركوا قريش عامة وقيل بل هم أبو سفيان ورهطة خاصة وجهوه بما نقل من انفاق المال الكثير على المشركين يوم بدر ويدم احد. (*)
---
[ 111 ] (1/111)
ردية ذكرها اهل الاخبار لم اذكرها وفي بعضها ما يدل على انه لم يكن اسلامه سالما ولكن حديث سعيد بن المسيب يدل على صحة اسلامه والله اعلم (انتهى). وذكر أيضا في ترجمة سهيل بن عمرو انه لما ماج أهل مكة عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وارتد من ارتد من العرب قام سهيل بن عمرو خطيبا فقال والله اني لا اعلم ان هذا الدين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها فلا يغرنكم هذا من انفسكم يعني ابا سفيان فانه ليعلم من هذا الامر ما اعلم ولكنه قد ختم على قلبه حسد بني هاشم (انتهى) ومن هنا تعلم ان اعمال ابي سفيان كلها ناشئة عن ضغائن جاهلية واحقاد اموية واوتار شركيه ولقد صدق من قال: في هذا المعنى. آل حرب اوقدتمو نار حرب * ليس يخبو لها الزمان وقود فأبن حرب للمصطفى وابن هند * لعلي وللحسين يزيد الا ترى ان هذه العداوة الموروثة هي التي الجأت معاوية نفسه إلى ان استأذن عثمان ان يقتل علي بن ابي طالب والزبير وطلحة رضي الله عنهم (فقد) نقل المحدث ابن قتيبة رحمه الله في كتاب الامامة ان عثمان رضي الله عنه حين انكر عليه الناس ما انكروا قال لمعاوية ما ترى فان هؤلاء المهاجرين قد استعجلوا القدر ولا بد لهم مما في انفسهم فقال معاوية الرأي ان تأذن لي في ضرب اعناق هؤلاء القوم قال: من هم قال علي وطلحة والزبير قال: عثمان سبحان الله اقتل اصحاب رسول الله بلا حدث احدثوه ولاذنب ركبوه قال: معاوية فان لم تقتلهم فانهم سيقتلونك قال عثمان لا اكون اول من خلف رسول الله صلى الله عليه وآله في امته بأهراق الدماء قال: ثم قال معاوية فثانية. قال وما هي قال فرقهم عنك فلا يجتمع منهم اثنان في مصر واحد واضرب عليهم البعوث والندب حتى يكون دبر بعير كل واحد منهم اهم عليه من صلاته قال
---
[ 112 ] (1/112)
عثمان سبحان الله شيوخ المهاجرين وكبار اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وبقية الشورى اخرجهم من ديارهم وافرق بينهم وبين اهليهم وابنائهم لا افعل هذا (انتهى) ولقد صدق الامام عليه السلام حيث قال: في صفين والله يود معاوية انه ما بقى من بني هاشم نافخ ضرمة الا طعن في بطنه اطفاء لنور الله ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون. وكما ورث معاوية عداوة بني هاشم عن ابيه فقد ورث النصيب الآخر ايضا عن امه هند بنت عتبة بن ربيعة فقد كانت شديدة العداوة للنبي صلى الله عليه وآله بمكة ولما تجهز مشركوا قريش لغزوة احد خرجت معهم تحرض المشركين على القتال ولما مروا بالابواء حيث قبرت امن النبي صلى الله عليه وآله آمنة بنت وهب رضي الله عنها اشارت على المشركين بنبش قبرها وقالت لو نجثتم قبر ام محمد - وفي رواية بحثتم - فان اسرمنكم احد فديتم كل انسان بأرب من آرابها أي جزء من اجزائها فقال بعض قريش لا يفتح هذا الباب ولما التقى الناس بأحد قامت هند والنسوة اللاتي معها واخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويقلن. ويها بني عبدالدار * ويها حماة الادبار * ضربا بكل بتار قال ابو دجانة الانصاري سمعت انسانا يحمس الناس حمسا شديدا يوم احد فعمدت إليه فلما حملت عليه بالسيف ولول فعلمت انه امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ان اضرب به امرأة. ولما انتهت الواقعة في احد بقرت هند بطن سيدنا حمزة رضي الله عنه واخرجت كبده فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها ولما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وآله انها اخرجت كبد حمزة قال هل اكلت منها شيئا قالوا لا قال ان الله قدحرم على النار ان تذوق من لحم حمزة شيئا ابدا. وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه يهجوها وزوجها على مسمع من
---
[ 113 ] (1/113)
النبي صلى الله عليه وآله ومشهد من اصحابه رضي الله عنهم ويقذفها بما اتهمت به من الزنا ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وآله شيئا مما هجاهما به فمن ذلك قوله شعرا يذكر فيه خروجها إلى احد قال: اشرت لكاع وكان عادتها * لؤم إذا اشرت مع الكفر لعن الآله وزوجها معها * هند الهنود طويلة البظر اقبلت ثائرة مبادرة * بأبيك وابنك يوم ذي بدر وبعمك المسلوب بزته * واخيك منعفرين في الجفر ونسيت فاحشة اتيت بها * يا هند ويحك سبة الدهر فرجعت صاغرة بلا ترة * مما ظفرت به ولا وتر زعم الولائد انها ولدت * ابنا صغيرا كان من عهر (1) وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بقتلها يوم الفتح لما فعلت بحمزة ولما كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة فجاءت إليه مع النساء متخفية واسلمت.
---
(1) قال أبو الفرج الاصفهاني رحمه الله في كتاب الاغاني اخبرني احمد بن عبيدالله بن عمار قال: حدثني عمر بن محمد بن عبدالملك الزيات قال: حدثني ابن ابي سلمة بن هشام قال: ابن عمار وقد حدثناه ابن ابي سعد عن علي بن الصباح عن هشام قال: ابن عمار وحدثنيه علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه دخل حديث بعضهم في بعض: ان مسافر بن ابي عمرو بن امية كان من فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء قالوا فعشق هندا بنت عتبة بن ربيعة وعشقته فأتهم بها وحملت منه قال: بعض الرواة فقال معروف بن خربوذ فلما بأن حملها أو كاد قالت له اخرج فخرج حتى أتي الحيرة فأتي عمرو بن هند فكان ينادمه واقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها فلقى مسافرا فسأله عن حال قريش والناس فأخبره وقال له: فيما يقول وتزوجت هندا بنت عتبة فدخله من ذلك ما اعتل معه حتى استسقى بطنه قال ابن خربوذ فقال مسافر في ذلك. الا ان هندا أصبحت منك محرما * واصبحت من ادنى حموتها حما واصبحت كالمقمور جفن سلاحه * يقلب بالكفين قوسا واسهما قال وخرج يريد مكة فمات بموضع يقال له هبالة ودفن بها (انتهى). (*)
---
[ 114 ] (1/114)
(نعم) اقول ان معاوية وعمرا وزيادا ومروان امثالهم من السابين اللاعنين لعلي عليه السلام على المنابر يعلمون ويعتقدون ان عليا افضل اهل زمانه واحبهم إلى الله واحقهم بالامر والخلافة ولكنهم يخالفون ذلك فعلا حرصا على الرياسة ورفعا لراية البغي والفساد في الارض على انهم قد يقرون بذلك في مطاوي كلامهم واحتجاج بعضهم على بعض (الا ترى) ان عمرا كيف انشاء تلك الابيات في فضل علي وشأنه في حضرة معاوية ليأخذ عليها بدرة من المال (فقد ذكر) الهمداني رحمه الله في كتاب الاكليل المشهور قال: روي ان معاوية بن ابي سفيان قال: يوما لجلسائه من قال في علي ما فيه فله هذه البدرة فقال كل منهم كلاما غير موافق من شتم امير المؤمنين عليه السلام الا عمرو بن العاص فأنه قال: ابياتا اعتقدها وخالفها بفعاله. بآل محمد عرف الصواب * وفي ابياتهم نزل الكتاب وهم حجج الاله على البرايا * بهم وبجدهم لا يستراب ولاسيما ابو حسن علي * له في المجد مرتبة تهاب إذا طلبت صوارمه نفوسا * فليس لها سوى نعم جواب طعام حسامه مهج الاعادي * وفيض دم الرقاب لها شراب وضربته كبيعته بخم * معاقدها من الناس الرقاب إذا لم تبر من أعدا علي * فمالك في محبته ثواب هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك ان آن الضراب هو النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الجواب فأعطاه معاوية البدرة وحرم الآخرين (قلت) هذا كلام عمرو - والفضل ما شهدت به الاعداء. (وقد) اخرج الدارقطني عن مروان بن الحكم انه قال: ما كان احد ادفع عن عثمان من علي فقيل له مالكم تسبونه على المنابر قال: انه لا يستقيم
---
[ 115 ] (1/115)
لنا الامر الا بذلك (انتهى) وستري في مواضع متفرقة من هذه الرسالة مما مربك وما يأتي كثيرا من فلتات السنتهم من الثناء على علي عليه السلام والاعتراف بفضله ولكن ابت عليهم اطماعهم واغراضهم الا تماديا في الغي وتوغلا في الضلال. (واني) والله لا اعجب من معاوية واشياعه في تعنتهم وتوغلهم في المهالك بسبهم عليا واهل بيته لانهم فئة غلف القلوب قد حق عليهم ما حق وغلب عليهم حب المال والجاه للذين لا ينالو نهما الا بأقتراف تلك المآتم وتنفير الناس عن اهل البيت الطاهر عليهم السلام فباعوا دينهم بدنيا واسعة وجاه عريض وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة في الآخرة الامتاع ولكني اعجب من قوم لا يزالون إلى الآن يتولونهم ويناصرونهم ويعتذرون عن قبائحهم ومساويهم بالمعاذير المردودة وينكرون وقوع ما لم يقدروا على الاعتذار عنه من منكراتهم ولم يبق لهم من ذلك المال العريض نقير ولا فتيل ومع ذلك يدعون وينتحلون ويتظاهرون بحب النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته وربما اعتقدوا انهم من اخص الناس بهم واكثرهم اتباعا لهم وسلوكا لطريقتهم. هذه والله هي التجارة البائرة والصفقة الخاسرة. تود عدوي ثم تزعم انني * صديقك ليس النوك عنك بعازب ومن الحكم المأثورة عن الامام علي عليه السلام: اصدقاؤك ثلاثة واعداؤك ثلاثة فأصدقاؤك صديقك وصديق صديقك وعدو وعدوك واعداؤك عدوك وعدو صديقك وصديق عدوك (ونقل) عنه كرم الله وجهه انه قال: لا يجتمع حبي وحب معاوية في قلب مؤمن أبدا (وأخرج) ابن ماجة عن أبي امامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: من أشر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبداذهب آخرته بدنيا غيره (وسئل) ابو حازم رحمه الله اي المؤمنين اخسر قال: رجل اخطأ في هوى غير فباع اخرته
---
[ 116 ] (1/116)
بدنيا غيره. فهل للمغرورين المقلدين ان يرجعوا إلى الحق وينصروه فانه خير لهم من الاصرار على الباطل وأولى بهم من المكابرة فان تولوا فأعلم انما يريد الله ان يصيبهم ببعض ذنوبهم. (قلت) ان مما يفضي بالمؤمن إلى العجب ويذهب بالحكيم إلى الاستغراب هو محاولة معاوية وتطلبه من المؤمنين عامة ان يلعنوا ويسبوا عليا عليه السلام وبلوغه الجهد الجهيد في ذلك على علمه ان الله سبحانه وتعالى انما شرع له الاستغفار والحب من المؤمنين عامة حيث يقول جل وعلا: والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان " وعلي عليه السلام اول السابقين إلى الايمان فالاستغفار له من عموم المؤمنين هو اللازم كما في القرآن لا السب واللعن كما يرغب ابن ابي سفيان. على انه قد ضل بهذه البدعة الشنيعة التي انبتها معاوية بل انبت بها النفاق في القلوب خلق كثير واصيب بدائهاجم غفير فصارت منكرا مألوفا وعادة معتادة حتى ان عمر بن عبد العزيز رحمه الله نودي من جوانب المسجد يوم تركها من الخطبة السنة السنة يا امير المؤمنين تركت السنة وحتى اجمع اهل حمص في زمن ما على ان الجمعة لا تصح بغير لعن ابي تراب عليه السلام ولم يكن هذا الدعاء العضال والمنكر المألوف والسنة السيئة الذي اسسه ذلك الطاغية واتبعه فيه فراعنة بني امية مقصورا على ذوي الشوكة وعامة الناس فقط بل سرى سمه إلى كثير ممن يترسم بالعلم والدين وجرهم إلى الانحراف عن علي واهل بيته عليهم السلام ومن تظاهر بشئ من ذلك الانحراف قيل فيه انه صاحب سنة ومن أعل حديثا من احاديث فضلهم أو راويا من رواته أو دعى ولو بلا بينة ضعف الحديث أو وضعه قيل انه من انصر الناس للسنة. لقد رابني من عامر ان عامرا بعين الرضى يرنوالى من جفانيا
---
[ 117 ] (1/117)
وربما عكس ذلك فيمن ادته قوة ايمانه إلى التصريح ببعض ما علمه مما جاء في فضائل اهل البيت الطاهر عليهم السلام أو مثالب اعدائهم فقد عوقب كثير منهم على ذلك العمل المحمود وجرح كثير من رواة الحديث بتشيعه فقط مع الاقرار بماله من باقي الفضائل (الا ترى) ان من رواة الصحيح غير الذي عدوهم من الصحابة واصطلحوا على تعديلهم مروان بن الحكم القائل للحسن بن علي انكم اهل بيت ملعونون، وعمران بن حطان الخارجي القائل الابيات المشهورة يثنى بها على اشقى الآخرين ابن ملجم. يثلب الامام علي بن ابي طالب، وحريز بن عثمان الرحبي الذي نقل عنه صاحب التهذيب انه كان ينتقص عليا وينال منه وقال اسمعيل بن عياش عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه وقال: ايضا سمعت حريز بن عثمان يقول هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لعلي انت مني بمنزلة هارون من موسى حق ولكن اخطأ السامع قلت فما هو قال: انما هو انت مني بمنزلة قارون من موسى وذكر الازدي ان حريز بن عثمان روى ان النبي صلى الله عليه وآله لما أراد ان يركب جاء علي بن ابي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى الله عليه وآله وقيل ليحيى بن صالح لم لا تكتب عن حريز فقال كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة وقال: ابن حبان كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك فقال هو القاطع رؤوس آبائي وامثال هؤلاء الرواة كثيرون ولكن هؤلاء الثلاثة مروان وعمران وحريز عنوان ومثال لانهم من رواة صحيح البخاري الذي قالوا عنه انه اصح كتب الحديث وقال: الذهبي في ترجمة المصعبي انه انصر أهل زمانه للسنة وانه وانه ثم قال: ولكنه يضع الحديث وقال في ترجمة الجوزجاني انه من الحفاظ الثقات وكان يتحامل على علي وفيه انحراف فيه.
---
[ 118 ] (1/118)
أفهؤلاء من الثقات الذين يحتج بهم في دين الله ؟ ! لا والله ثم لا والله ثم انظر ضد هذا مع من يميل إلى علي عليه السلام واهل بيته فأنهم مع مالهم من الفضل نبزوا بالتشيع كأنه كبيرة من الكبائر وأوذوا بذلك وجرحت عدالتهم فقد علمت ما جرى للامام النسائي رحمه الله حيث جمع خصائص الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فأنه طولب في جامع دمشق ان يكتب مثلها في معاوية فقال لا اعرف فيه الا قول النبي صلى الله عليه وآله لااشبع الله بطنه فضرب بالنعال وعصرت خصيتاه ثم مات شهيدا رحمه الله (وقال) الذهبي في ترجمة السقا الواسطي بارك الله في سنه وعلمه واتفق انه املي حديث الطير فلم تحتمله عقولهم فوثبو به واقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته ولم يحدث احدا من الواسطيين (وذكر) أيضا في ترجمة الحافظ ابن عقدة انه مقت لتشيعه (وقال) ضرب الحجاج ابن ابي ليلى ليسب عليا (وقال) في ترجمة يحيى بن كثير انه امتحن وضرب وحلق لانه كان ينتقص بني امية (وذكر) أبو الفرج في خبر خندف ابن بدر الاسدي انه وقف بالموسم فقال - كما روى عمر بن شبة عنه في خبره - ايها الناس انكم على غير حق قد تركتم اهل بيت نبيكم والحق لهم وهم الائمة ولم يقل انه سب أحدا فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه (انتهى) (وقال الذهبي) ان عباد بن العوام كان يتشيع فحبسه الرشيد زمانا (ولقد) صدق الشاعر حيث قال: ان اليهود بحبها لنبيها * امنت مغرة دهرها الخوان وذو والصليب بحب عيسى اصبحوا * يمشون زهوا في قرى نجران والمؤمنون بحب آل محمد * يرمون في الآفاق بالنيران (واكبر) من هذا كله جرح بعضهم الامام جعفر الصادق على آبائه وعليه افضل الصلاة والسلام وتسورهم على سمي مقامه.
---
[ 119 ] (1/119)
ارادت عرارا بالهوان ومن يرد * عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم واليك بعض ما ذكروا عنه قال في تهذيب التهذيب قال ابن المديني سئل يحيى ابن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال في نفسي منه شئ ومجالد احب الي منه قال سعيد بن ابي مريم قيل لابي بكر بن عياش مالك لم تسمع من جعفر وقد ادركته قال سألته عما يحدث به من الاحاديث اشئ سمعته قال لا ولكنها رواية رويناها عن آبائنا وقال ابن سعد كان جعفر كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف سئل مرة هل سمعت هذه الاحاديث عن ابيك قال نعم وسئل مرة فقال انما وجدتها في كتبه قال الحافظ بن حجر يحتمل ان يكون السؤالان وقعا عن احاديث مختلفة فذكر فيما سمعه انه سمعه وفيما لم يسمعه انه وجده وهذا يدل على تثبته (انتهى). (قلت) احتج الستة في صحاحهم بجعفر الصادق الا البخاري فكأنه اغتر بما بلغه عن ابن سعد وابن عياش وابن القطان في حقه على انه احتج بمن قدمنا ذكرهم وهنا يتحير العاقل ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري رحمه الله وقد قيل في هذا المعنى شعرا. قضية اشبه بالمرزئة * هذا البخاري امام الفئة بالصادق الصديق ما احج في * صحيحه واحتج بالمرجئة ومثل عمران ابن حطان أو * مروان وابن المرأة المخطئة مشكلة ذات عوار إلى * حيرة ارباب النهى ملجئه وحق بيت يممته الورى * مغدة في السير أو مبطئه ان الامام الصادق المجتبى * بفضله الآي اتت منبئه اجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئه قلامة من ظفرا بهامه * تعادل من مثل البخاري مئة وقد انجربنا الكلام وطال ولكنه يعلم منه ما اصاب اهل البيب النبوي
---
[ 120 ] (1/120)
وشيعتهم بما اساسه واصله معاوية الطاغية وما بثه ونشره وايده بقوة السيف من سب علي واهل بيته وانتقاصهم ووبال ذلك كله عائد عليه في الآخرة يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه ابدا بعيدا. جاء في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبدالله: من سن في الاسلام سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة (واخرج) ابن ماجة عن انس وصححه ايما داع دعا إلى ضلالة فاتبع فان عليه مثل اوزار من تبعه ولا ينقص من اوزارهم شيئا وايماداع دعا إلى الهدى فاتبع فان له مثل اجور من اتبعه ولا ينقص من اجورهم شيئا. ومن بوائقه العظيمة استخفافه بمقام النبي صلى الله عليه وآله وباحكامه وبوصاياه باهل بيته وانصاره (وسنذكر) لك طرفا من محدثاته يدلك على انه غير مبال باحكام الله ولا بشريعته وان كانت كل احواله دالة على ذلك ولولا وجود من ينكر ذلك لا ستهتر فيه وخلع العذار. قال شيخ الاسلام ابن تيمية في كتاب الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول روى ابن وهب قال اخبرني سفيان بن عيينة عن عمر بن سعيد اخي سفيان بن سعيد الثوري عن ابيه عن عباية قال ذكر قتل ابن الاشرف عند معاوية فقال بنيامين النضري كان قتله غدرا فقال محمد بن مسلمة الانصاري ايغدر عندك يا رسول الله صلى الله عليه وآله ثم لا تنكروا الله لا يظلني واياك سقف بيت ابدا ولا يخلوا لي دم هذا الا قتلته (انتهى) (وروى) مالك رحمه الله في الموطاعن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار ان معاوية ابن ابي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق باكثر من وزنها فقال له ابو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل
---
[ 121 ] (1/121)
فقال معاوية ما ارى بمثل هذا باسا فقال ابو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا اخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله ويخبرني عن رأيه لا اساكنك بارض انت بها ثم قدم ابو الدرداء على عمربن الخطاب فذكر له ذلك فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية ابن لا يبيع مثل ذلك الا مثلا بمثل وزنا بوزن. قال الملاعلي القاري في شرح الموطا رواية الامام محمد عند قوله ما نرى به باسا هوما صدر عنه عن تكبر وعناد أو عن اجتهاد وقد اخطأ فيه لكن كان يجب عليه حينئذ ان يرحع بعد سماع الحديث لا سيما وهو موثوق به بلا خلاف (انتهى) (قلت) كيف يسوغ الاجتهاد بعد سماع النص الصريح الصحيح فلم يكن قوله ذلك الا عنادا وتكبرا واعجابا برأيه (1) والله اعلم. وذكر ابن عبدالبرفي قول ابي الدرداء لا اساكنك بارض انت بها كان ذلك منه انفة ان يرد عليه سنة علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم برأيه وصدور العلماء تضيق عند مشاهدة مثل ذلك وهو عندهم عظيم (قلت) قد ذكر اهل الحديث ان هذه القصة محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الزرقاني والاسناد صحيح وان لم يرومن وجه آخر فهو من الافراد الصحيحة قال ابو عمرو الطرق متواترة بذلك عنهما وقد رواهما النسائي قال والجمع ممكن: بانه عرض له ذلك مع عبادة وابى الدرداء (قلت) وسياق الحديثين يدل على التعدد فانهم قالوا في حديث عبادة بن الصامت انه غزا مع معاوية ارض الروم فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسر الذهب بالدنانير وكسر الفضة بالدراهم فقال يا أيها الناس انكم تأكلون الربا سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لا تبتاعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل لا زيادة بينهما ولا نظرة فقال له معاوية يا ابا الوليد لا ارى الربا
---
(1) ولولا ذلك لم يهجر البلاد التي هو بها ابو الدرداء. (*)
---
[ 122 ] (1/122)
في هذا الا ماكان عن نظرة فقال عبادة احدثك عن رسول الله صلى الله واله وسلم وتحدثني عن رأيك لئني اخرجني الله سبحانه لا اساكنك بارض لك فيها امرة فلما قفل لحق بالمدينة فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما اقدمك يا ابا الوليد فقص عليه القصة وما قال من مساكنته فقال ارجع يا ابا الوليد إلى ارضك فقبح الله ارضا ليس فيها امثالك وكتب إلى معاوية لا امرة لك عليه واحلل الناس على ما قال فانه هو الامين. ومن معارضاته السنة برأيه قوله في زكاة الفطراني ارى ان مدين من سمراء الشام يعدل صاعا من تمر. انكر ذلك عليه أبو سعيد الخدري وقال تلك قيمة معاوية لا اقبلها روى الستة عن ابي سعيد: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم زكاة الفطرة عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من اقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر وصاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس ان قال اني ارى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر الحديث وفيه قال أو سعيد اما انا فاني لا ازال اخرجه ابدا ما عشت ولما بلغ ابن الزبير رأى معاوية قال بئس الاسم الفسوق بعد الايمان صدقة الفطر صاع صاع (ومنها) تقبيله لليمانيين وقد انكر ذلك عليه ابن عباس لخلافه السنة. (ومنها) منعه الناس جبرا عن ان يأتوا بمتعة الحج وهو مذهب علي واكابر الصحابة (روى) الترمذي في جامعه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وابو بكر وعمر وعثمان واول من نهي عنه معاوية (انتهي) (واخرج) أبو داود واحمد والنسائي وابن عساكر عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام ابن معدي كرب وعمر بن الاسود ورجل من بني اسد من اهل قنسرين إلى معاوية فقال معاوية للمقدام اعلمت ان الحسن
---
[ 123 ] (1/123)
بن علي توفى فرجع المقدام فقال له فلان اتعدها مصيبة فقال لم لا اراها مصيبة وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله في حجره فقال هذا مني وحسين من علي فقال الاسدي جمرة اطفأها الله فقال المقدام اما انا فلا ابرح اليوم حتى اغيظك فأسمعك ما تكره ثم قال يا معاوية ان أنا صدقت فصدقني وان انا كذبت فكذبني قال افعل قال انشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ينهي عن لبس الحرير قال: نعم قال فأنشدك الله سمعت ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها قال: نعم قال فوالله لقد رأيت هذا كل في بيتك يا معاوية فقال معاوية قد علمت اني لن انجو منك يا مقدام (واخرج) ابن عساكر والحسن بن سفيان وابن مندة عن محمد بن كعب القرظي قال: غزا عبدالرحمن بن سهل الانصاري في زمن عثمان ومعاوية امير علي الشام فمرت به روايا خمر - لمن هي ؟ لمعاوية كما يدل عليه السياق وصرح به البعض تحمل فقام إليها عبدالرحمن برمحه فبقر كل راوية منها فناوشه غلمانه حتى بلغ شأنه معاوية فقال دعوه فانه شيخ قد ذهب عقله فقال كذب والله ما ذهب عقلي ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله نهانا ان ندخله بطوننا واسفيتنا واحلف بالله لئن بقيت حتى رى في معاوية ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله لابقرن بطنه أو لاموتن دونه. ومن اعظم ما يدل على استخافه بالنبي عليه وآله الصلاة والسلام ما جاء في مسلم ان النبي دعاه اولا وثانيا وهو يأكل ولم يجب حتى دعا صلى الله عليه وآله عليه بقوله لا اشبع الله بطعنه (1) (واخرج) الزبير بن بكار في الموفقيات عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال: دخلت مع ابي على معاوية فكان ابي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف الي ويذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتما فانتظرته ساعة
---
(1) فهم منه بعضهم انه لايدخل الجنة ابدا لان اهل الجنة لا يجوعون وهو لا يشبع (*)
---
[ 124 ] (1/124)
وظنت انه لامر حدث فينا فقلت مالي اراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عنداكفر الناس واخبثهم قلت وما ذاك قال: قلت له وقد خلوت به انك قد بلغت سنا يا امير المؤمنين فلو اظهرت عدلا وبسطت خيرا فقد كبرت ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت ارحامهم فوالله ما عندهم اليوم شئ تخافه وان ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه فقال هيهات هيهات أي ذكر ارجو بقاءه ملك اخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره الا ان يقول قائل ابو بكر. ثم ملك اخو عدي فأجتهد وشمر عشر سنين فما عدا ان هلك حتى هلك ذكره الا ان يقول قاتل عمر وان ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات اشهد ان محمدا رسول الله فأي عمل يبقى واي ذكر يدوم بعد هذا لا ابالك لا والله الا دفنا دفنا (انتهى). قلت: الزبير بن بكار هذا هو قاضي مكة وهو مشهور في المحدثين ومن رواة الصحيح وهو غير متهم على معاوية لعدالته وفضله مع ان في الزبير بين كما علمت بعض انحراف عن علي كرم الله وجهه لما عرف من الاسباب الا ترى ان عبدالله ابن الزبير على نسكه وعبادته كان منحرفا عن علي واهل بيته فقد روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السيرانه مكث يلام ادعائه الخلافة اربعين جمعة لا يصلي فيهما على النبي صلى الله عليه وآله وقال لا يمنعني من ذكره الا ان تشمخ رجال بآنافها (انتهى). ومما يدل على استخفاف معاوية بمقام النبوة ما نقله أبو جعفر الطبري بسنده قال: حدثني عبدالله بن احمد قال: حدثني ابي قال: حدثني سليمان قال: قرأت على عبدالله عن فليح قال اخبرت ان عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه اهل مصر فقال لهم عمرو وانظروا إذا دخلتم علي ابن هند فلا تسلموا عليه بالخلافة فأنه اعظم لكم في عينه وصغروه ما استطعتم فلما قدموا
---
[ 125 ] (1/125)
عليه قال: معاوية لحجابه كأني اعرف ابن النابغة وقد صغر امري عند القوم فانظروا إذا ادخل الوفد فتعتعوهم اشد تعتعة تقدرون عليها فلا يبلغني رجل منهم الا وقد همت نفسه بالتلف فكان اول من دخل عليه رجل من اهل مصر يقال له ابن الخياط وقد تعتع فقال السلام عليك يا رسول الله وتتابع القوم على ذلك فلما خرجوا قال لهم عمرو لعنكم الله نهيتكم ان تسلموا عليه بالامارة فسلمتم عليه بالنبوة (انتهى). فأنظر كيف لم ينكر عليهم معاوية تسليمهم عليه بالرسالة واقرهم على هذا الفعل الفظيع حبا في التعاظم واستخفافا بالرسول ومقامه (ومنه تعلم) ان معاوية وعمرا لادين لهما كما اخبر الصادق الخبير علي عليه السلام وان كلا منهما غادر كما جاء عن الصادق المصدق صلى الله عليه وآله فقد اخرج الطبراني في الكبير وابن عساكر عن اشداد بن أوس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص جميعا ففرقوا بينهما فوالله ما اجتمعنا الا على غدر (انتهى). واخرج الامام احمد في مسنده وابو يعلي كلاهما عن ابي برزة رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وآله فسمع صوت غناء فقال انظروا ما هذا فصعدت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وآله فقال اللهم اركسهما في الفتنة ركسا اللهم دعهما في النار دعا واخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما بمثل هذا. وروى ابن عبد البر ان معاوية لما قدم المدينة لقيه ابو قتادة الانصاري فقال له معاوية تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الانصار (والانصار يقولون عند الطمع) فما منعكم قال: لم تكن عندنا دواب قال: معاوية فأين النواضح (يعرض معاوية بالانصار انهم اكارون تحقيرا لهم) قال: ابو قتادة عقرناها يوم بدر قال: نعم يا ابا قتادة قال أبو قتادة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
---
[ 126 ] (1/126)
لنا ايكم سترون بعدي اثرة قال: معاوية فما امركم عند ذلك قال: أمرنا بالصبر قال: فأصبروا حتى تلقوه (انتهى) قال في الكشاف للزمخشري وفي الاسعاف وغيرهما ان عبدالرحمن بن حسان بن ثابت قال: في ذلك ابياتا منها. الا ابلغ معاوية بن حرب * امير الظالمين نثا كلامي معاوية بن هند وابن صخر * لحاك الله من مرء حرامي تجشمنا بأمرتك المنايا * وقد درج الكرام بنو الكرام امير المؤمنين ابو حسين * مفلق رأس جدك بالحسام وانا صابرون ومنتظروكم * إلى يوم التغابن والخصام (قلت) يشم من لم يصبه زكام التعصب من كلام معاوية تهكمه بالنبي صلى الله عليه وآله واستخفافه بوصاياه بالانصار نعوذ بالله من الخذلان وبغض معاوية للانصار ومعاكسته لمصالحهم امر مشهور تشهد به كتب السير والتأريخ لا يحتاج إلى تجشم الاستدلال عليه وقد قال عليه وآله الصلاة والسلام استوصوا بالانصار خيرا وقال أيضا حب الانصار ايمان وبغضهم نفاق وفي صحيح البخاري لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق. (وفي كتاب) المعمرين لابي حاتم السجستاني من اثناء محاورة ذكرها لمعاوية مع المعمر امد بن ابد الحضرمي قال: قال معاوية ارأيت هاشما قال نعم والله طوالا حسن الوجه يقال ان بين عينيه بركة قال: فهل رأيت امية قال: نعم رأيته رجلا قصيرا اعمى يقال ان في وجهه لشرا أو شئوما قال: افرأيت محمدا قال: ومن محمد قال رسول الله قال: افلا فخمته كما فخمه الله فقلت رسول الله (انتهى). (وكان) معاوية يتطيب وهو محرم لا يبالي بنهي الله ورسوله عن ذلك فقد روى ابن المبارك بسند قوي من اثر طويل ان معاوية قدم على عمر بن الخطاب مع جماعة فخرج معه إلى الحج ثم لما وصلا إلى ذي طوى اخرج
---
[ 127 ] (1/127)
معاوية حلة ريحها طيب فنقم عليه عمر وقال يخرج احدكم حاجا نقلا حتى إذا جاء اعظم بلدان الله حرمة اخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما فقال له معاوية انما لبستهما لا دخل بهما على عشيرتي. وقال في الفائق كان عمر رضي الله عنه بمكة فوجد طيب ريح فقال من قشبنا فقال معاوية يا امير المؤمنين دخلت على ام حبيبة فطيبتني وكستني هذه الحلة فقال عمر: ان اخا الحاج الاشعث الادفر الاشعر (انتهى) ثم قال القشب الاصابة بما يكره ويستقدر والذي استخبث به عمر تلك الرائحة الموجودة من معاوية بن ابي سفيان حتى سمى اصابتها قشبا مخالفته السنة وتطيبه وهو محرم (انتهى). ثم ان معاوية محدثات في الاسلام ومبتدعات في الدين ومخالفات للشرع كثيرة (فمن اوليائه) التي لم يسبق إليها ثم صارت بعده سننا متبعة انه اول من جعل ابنه ولي عهده (ومنها) انه اول من عهد وهو صحيح بالخلافة بعده وهو اول من اتخذ المقاصير في الجوامع واول من قتل مسلما صبرا واول من اقام على رأسه حرسا واول الملوك واول شرارهم واول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته واول من قيدت بين يديه الجنائب واول من أسقط الحد عمن يستحق اقامة الحد عليه قال: الشعبي اول من خطب الناس قاعدا معاوية وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. قال: الزهري اول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية وقال: سعيد بن المسيب اول من احدث الاذان في العيد معاوية وهو اول من ترك الجهر بالتسمية في الصلاة بالمدينة حتى انكر عليه المهاجرون والانصار وقالوا اسرقت التسمية يا معاوية. ومن فعلاته المنكرة اهانته لابي ذر الغفاري وجبهه وشتمه واشخاصه إلى المدينة على قتب يابس بغير وطاف معه خمسة من الصقالبة يطيرون به حتى اتوا به المدينة قد انهكه التعب واتعبته مواصلة الطرد قد تسلخت بواطن
---
[ 128 ] (1/128)
افخاذه وكاد ان يتلفت فقيل له انك تموت من ذلك فقال: هيهات لن اموت حتى انفي. ومن جرائره لبسه الحرير واستعماله آنية الذهب والفضة وقوله بعد سماع النهي في ذلك ما أرى بهذا باسا وضربه من لاحد عليه من المسلمين وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله وتطريقه لبني امية الوثوب على مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى خلافته فاجرا بعد فاجر حتى افضت إلى يزيد ابن عبدالملك صاحب سلامة وحبابه والى الوليد بن يزيد الزنديق رامي المصحف بالسهام والقائل في شعره. فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي إلى غير ذلك من اقواله المكفرة والعياذ بالله تعالى (وبالجملة) فبدع معاوية ومحدثاته ومخالفاته كثيرة لا سبيل إلى استقصائها وقد ذكر اهل السير والتأريخ منها شيئا كثيرا قال: عليه وعلى آله الصلاة والسلام شر الامور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار (1).
---
(1) (ومن مخزياته الفاضحة) تفريقه بالحيلة بين عبدالله بن سلام القرشي وزوجته ارينب بنت اسحاق حين تعشقها خميره يزيد ليزوجه بها معاونة له على الاثم والعدوان وقد روى القصة كلها ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتاب الامامة ورواها عبدالملك بن بدرون الحضرمي الاشبيلي في كتابه اطواق الحمامة بشرح البسامة وغيرهما. وخلاصة رواية ابن قتيبة رحمه الله هي هذه قال لما بلغ معاوية عشق يزيد وهيامه بارينب بنت اسحاق من وصيف له يقال له رفيق فقال له معاوية اكتم يا بني امرك واستعن بالصبر فان البوح غير نافع ولابد مما هو كائن وكانت ارينب مثلا في اهل زمانها جمالا وكمالا وكثرة مال وكانت تحت ابن عمها عبدالله ابن سلام القريشي وكان له منزلة عند معاوية وقد استعمله بالعراق وقد امتلا معاوية هما وغما بأمر يزيد فأخذ في الحيلة والنظر فيما يجمع بينهما حتى يرضى يزيد فأستدعى زوجها من العراق عجلا يبشره بأمر له فيه كامل الخط فلما انزله منزلا حسنا ثم دعا معاوية ابا هريرة وابا الدرداء رضى الله عنهما وكانا بالشام فقال لهما اني قد ؟ ؟ لي ابنة اردت نكاحها ليهتدي بي من بعدي = (*)
---
[ 129 ] (1/129)
(ومن بوائقه المهلكة) استئثاره بأموال المسلمين واكلها بالباطل وصرفها كما يشاء لا كما يجب عليه ومنعها مستحقيها من المسلمين وايثاره بها اعوانه وقراباته الذين لا استحقاق لهم ولا سابقة في الدين وقد قال تعالى ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل (واخرج الطبراني وحسنه عن عمرو بن شغوي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب عد عنهم المستأثر بالفئ والمتجبر بسلطانه ليعز من اذل الله ويذل من أعز الله، واخرج الديلمي في مسند
---
فأني اخاف ان يعضل الامراء بعدي نساءهم وقد رضيت لها عبدالله بن سلام لدينه وفضله وادبه فاذكرا ذلك عني واني كنت جعلت لها الشورى في نفسها غير اني ارجو ان لا تخرج من راي فخرجا إلى عبدالله بن سلام واعلماه بما قاله معاوية فسر به وفرح وحمد الله ودعا لمعاوية ثم بعثهما إلى معاوية خاطبين عليه فلما قدما قال لهما معاوية انكما تعلمان رضاي بذلك فأدخلا عليها واعرضا عليها ما رضيت لها فدخلا واعلماها بكل ما جرى وكان معاوية قد لقنها ما يريد ان تجيب به فقالت عبدالله بن سلام كفوء كريم وقريب حميم غير انه تحته ارينب بنت اسحق وانا خائفة ان تعرض لي غيرة النساء فأتولى منه ما يسخط الله ولست بفاعله حتى يفارقها فأخبرا عبدالله بن سلام بالامر ففارق زوجته واشهدهما على طلاقها فأظهر معاوية كراهيته طلاقها وقال لا استحسنه ولو صبرو لم يعجل كان امره إلى مصيره فأنصرفا في عافية ثم عودا لتأخذا رضاها ثم اخبر يزيد بما كان من طلاق ارينب ثم عادا إلى معاوية فأمرهما بالدخول إليها ليسألاها فدخلا عليها واعلماها بطلاق ارينب طلبا لمسرتها فقالت انه في قريش لرفيع وان الزواج هزله جد والاناة في الامور اوفق واني سائلة عنه حتى اعرف دخيلة خبره ومستخيرة فيه ومعلمتكما بخيرة الله ثم انصرفا واعلما عبد الله بن سلام فقال. فان يك صدر هذا اليوم ولي * فان غدا لناظره قريب ولم يشك الناس في غدر معاوية اياه وتحدثوا به ثم استحثهما عبدالله بن سلام وسألهما الفراغ من أمره فأتياها فقالت لهما اني سألت عن امره فوجدته غير ملائم لي ولا موافق لما اريد لنفسي فعلم عبدالله انه قد خدع فقال متعزيا ليس لامر الله راد ولام الناس معاوية على خديعته وجراته على الله ولما انقضت اقرؤها وجه معاوية ابا الدرداء إلى العراق خاطبا لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهما السلام فقدم ابو الدرداء زيارة الحسين والتسليم عليه على مهمته فرحب به الحسين واجله واخبر ابو الدرداء = (*)
---
[ 130 ] (1/130)
الفردوس عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من لم يبال من اين اكتسب المال لم يبال الله به من اين ادخله النار (واخرج) أبو داود من رواية القاسم بن مخيمرة مرسلا قال: قال عليه وآله الصلاة والسلام من اصاب مالا من مأثم ووصل به رحما أو تصدق به أو انفقه في سبيل الله جمع الله ذلك جميعا ثم قذف به في النار. قلت هذا الوعيد الشديد وكثير غيره وارد على من أكل أو استأثر من
---
بمهمته فقال الحسين لقد ذكرت نكاحها فلم يمنعني الا تخير مثلك فأخطبها علي وعليه واعطها من المهر ما اعطاها معاوية عن ابنه فلما دخل عليها ابو الدرداء قال: لها قد خطبك امير هذه الامة وابن الملك وولي عهده يزيد بن معاوية، وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله الحسين بن علي فأختاري ايهما شئت فسكتت طويلا ثم فوضت امرها إليه فقال أي بنية ابن بنت. رسول الله صلى الله عليه وآله احب الي وارضاهما عندي فتزوجها الحسين وساق لها مهرا عظيما وبلغ معاوية ما فعل ابو الدرداء فتعاظمه جدا وقال من يرسل ذابله وعمى يركب خلاف ما يهوى ورايي كان من رأيه اسوا ولقد كنا بالملامة اولى وكان عبدالله بن سلام قد استودعها قبل فراقه بدرات مملوءة درا هو اعظم ماله واحبه إليه وكان معاوية قد جفاه وقطع جميع روافده لتهمته اياه بالخديعة ولم يزل يقصيه حتى عيل صبره وقل ما في يده فخرج راجعا إلى العراق يذكر ماله الذي كان استودعه ارينب ولا يدري كيف يصنع ويتوقع جحودها لطلاقه اياها من غير شئ انكره ونقمه عليها ولما قدم لقى الحسين عليه السلام وسلم عليه وقال: قد علمت جعلت فداك ما كان من قضاء الله في طلاق ارينب وكنت استودعتها مالا عظيما درا فذكرها امري واحضضها على الرد فان الله يحسن عليك فلما انصرف الحسين إليها قال: لها قد قدم عبدالله بن سلام وهو يثني عليك ويذكر انه استودعك مالا فأدى إليه ماله فقالت صدق وانه لمطبوع عليه بطابعه ثم لقى ابن سلام افقال ما انكرت وزعمت انها لكما دفعتها لها بطابعك ثم دخل عليها وقال: الحسين هذا عبدالله يطلب وديعته فأديها إليه فأخرجت البدرات فوضعتها بين يديه فشكرها وحثالها من ذلك الدر حثوات واستعبرا جميعا فقال الحسين اشهد الله انها طالق ثلاثا اللهم انك تعلم اني لم اتزوجها المال ولا لجمال ولكن اردت حبسها لبعلها وأرجو ثوابك على ذلك فتزوجها عبدالله بن سلام وحرمها الله على يزيد (انتهى باختصار). (*)
---
[ 131 ] (1/131)
مال المسلمين بشئ من غير استحلال اما معاوية فمع اكله الاموال فقد استحلها وما أدراك ما عقوبة مستحل ما حرم الله انه والله سيندم اشد الندامة ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة. قال المسعودي رحمه الله حدثنا ابو الهيثم قال: حدثني ابو البشر محمد بن بشير الفزاري عن ابراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوما وعنده صعصعة بن صوحان وكان قدم عليه بكتاب من علي عليه السلام وعنده وجوه الناس الارض لله وانا خليفة الله فما اخذت من مال الله فهو لي وما تركنه كان جائزا لي فقال له صعصعة. تمنيك نفسك مالا يكو * ن جهلا معاوي لا تأثم وذكر ابن حجر انه جاء بسند رجاله ثقات ان معاوية خطب يوم جمعة فقال انما المال مالنا والفئ فيئنا فمن شئنا اعطيناه ومن شئنا منعناه في كلام طويل (واخرج) ابن عبد البر في الاستيعاب قال: حدثنا احمد بن ابي عبدالله قال: حدثنا بقى (كذا) قال حدثنا ابو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن علية بن هشام عن الحسن البصري قال: كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفاري وهو على خراسان ان امير المؤمنين كتب الي ان تصفى له البيضاء والصفراء فلا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة فكتب إليه الحكم بلغني ان امير المؤمنين كتب ان تصفى له البيضاء والصفراء واني وجدت كتاب الله قبل كتاب امير المؤمنين وانه والله لو ان السموات والارض كانتا رتقا على عبد ثم اتقى الله جعل له مخرجا والسلام عليكم ثم قال للناس اغدوا على مالكم فقسمه بينهم وقال: الحكم اللهم ان كان عندك لي خير فأقبضني اليك فمات بخراسان بمرو واستخلف لما حضرته الوفاة انس بن أبي اناس. قال وروى يزيد بن هارون قال: حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان فأصاب مغنما فكتب إليه زياد
---
[ 132 ] (1/132)
ان امير المؤمنين معاوية كتب الي وامرني ان اصفي له كل بيضاء وصفراء فإذا اتاك كتابي هذا فأنظر ما كان من ذهب وفضة فلا تقسمه واقسم ما سوى ذلك فكتب إليه الحكم كتبت الي تذكر ان امير المؤمنين كتب اليك يأمرك ان تصطفي له كل بيضاء وصفراء واني وجدت كتاب الله فذكر الحديث إلى اخوه سواء انتهى. وإذا كان خادم النبي عليه وآله الصلاة والسلام خاصة ومولاه وصاحبه استحق الجر إلى النار بسبب عباءة غلها من الغنيمة كما في صحيح البخاري وغيره لمتنع النبي عليه وآله الصلاة والسلام من الصلاة على احد المجاهدين معه لاخذه خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين كما رواه مالك والنسائي واحمد وابو داود وابن ماجة وكانت الشملة التي غلها من المغنم احد عبيده عليه السلام تلتهب عليه نارا كما في البخاري وقال: للذي اخذ شراكا أو شراكين من خيبر شراك أو شراكان من نار كما في الصحيحين بل اتى رسول لله صلى الله عليه وآله نفسه بنطع من الغنيمة ليستظل به من الشمس فقال تحبون ان يستظل نبيكم بظل من نار يوم القيمة كما رواه الطبراني في الاوسط فما بالك بعقوبة من استأثر بذهب المغنم وفضته واصطفاه لنفسه غير مبال ولا متهيب فليتأول ذلك لمعاوية انصاره بما شاءوا وليحلوا له كثير ما حرم الله قليله على رسوله واصحابه ومواليه بما يوحي به إليهم شيطان التعصب والهوى اجارنا الله تعالى واعاذنا مما ابتلاهم به آمين. وسأذكر هنا واقعة لشعبة بن غريض بن عاديا رضي الله عنه مع معاوية شافهه فيها بتساهله في تبذيره الاموال لاصحابه خاصة ولم ينكر ذلك معاوية بل صدقه. قال أبو الفرج الاصبهاني في كتاب الاغاني (وخبرني) احمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثني عمر بن شبة قال: حدثني احمد بن معاوية
---
[ 133 ] (1/133)
عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية حجتين في خلافته وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه قال: فحج في احداهما فرأي شخصا يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان ابيضان فقال من هذا قالوا شعبة بن غريض وكان من اليهود فأرسل إليه يدعوه فأتاه رسوله فقال اجب امير المؤمنين قال أو ليس قد مات امير المؤمنين قيل فأجب معاوية فأتاه فلم يسلم عليه بالخلافة فقال: له معاوية ما فعلت ارضك التي بتيماء قال: يكسي منها العاري ويرد فضلها على الجار قال: افتبيعها قال: نعم قال بكم قال بستين الف دينار ولولا خلة أصابت الحى لم ابعها قال: لقد اغليت قال: اما لو كانت لبعض اصحابك لاخذتها بستمائة الف دينار قال: اجل وإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي نفسه فقال قال أبي. ياليت شعري حين اندب هالكا * ماذا تؤبنني به انواحي ايقلن لا يبعد فرب كريهة * فرجتها ببشارة وسماح ولقد ضربت بفضل مالي حقه * عند الشتاء وهبة الارواح ولقد اخذت الحق غير مخاصم * ولقد رددت الحق غير ملاحي وإذا دعيت لصعبة سهلتها * ادعى بأفلح مرة ونجاح فقال انا كنت بهذا الشعر اولى من ابيك قال: كذبت ولؤمت قال اما كذبت فنعم وأما لؤمت فلم قال لانك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الاسلام اما في الجاهلية فقاتلت النبي صلى الله عليه وآله والوحي حتى جعل الله كيدك المردود واما في الاسلام فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وآله الخلافة وما انت وهي وانت طليق بن طليق فقال معاوية قد خرف الشيخ فأقيموه فأخذ بيده فأقيم. وفي ربيع الابرار قال: خطب معاوية فقال ان الله تعالى يقول وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم فعلى م تلومونني إذا
---
[ 134 ] (1/134)
قصرت في اعطائكم فقال الاحنف انا والله ما نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما انزله لنا من خزائنه فجعلته انت في خزائنك وحلت بيننا وبينه (انتهى). فأنظر ايها المنصف رحمك الله كيف قاتل الصديق الناس على الشاة والبعير يمنعها الرجل من مال المسلمين واستحل دماءهم بذلك وهذا ابن ابي سفيان اغتصب الكل واستأثر به ظلما وبغيا ثم قيل مع ذلك انه امام حق وخليفة صدق تناقلوا هذا وتهافتوا عليه واظهر كل ما عنده وبذل كل منهم جده في ذلك وجهده ويوم القيمة ترمى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة سبحانك هذا بهتان عظيم. وهنا نقبض القلم عن تعداد ما بقى من بوائقه وفظائعه إذ لا طمع في استقصائها فان المجال في ذلك فصيح جدا ومن ذا الذي يقدر على جمع بوائق جبار لبث بضعا واربعين سنة في الاسلام وهو يتمرغ في حمئة الجور والبغي والفساد والمحادة لله ورسوله (1) على ان الرواة قد سكتوا عن اكثرها خوف الفتنة ثم جاء بعدهم علماء من انصاره فطمسوا كثيرا مما نقله الرواة منها وليتهم اقتنعوا بما صنعوا لابل اكثروا اللوم وشددوا النكير على من نقل شيئا من قبائحه ولم يتأوله له أو يطعن في سنده وان كان بمنتهي مراتب الصحة وزعموا ان في ذلك فسادا عظيما لما فيه من الحط في مقدار كبار الصحابة الذين هم حملة الدين ونقلة القرآن حتى لام بعضهم العلامة المحدث ابن قتيبة على ذكره طرفا من ذلك في كتاب الامامة والسياسة وغيره وفي
---
(1) لطيفة ذكرت بهذا ما اتفق لبعض المجاذيب انه مر بحلقة قاص فسمعه يقول وزن النبي صلى الله عليه وآله فرجع بأمته كلها ثم وزن أبو بكر فرجح بها كذلك فقال ذلك المجذوب انكم تذكرون الذين رجحت حسناتهما بحسنات الامة فمالكم لا تذكرون الذين رجحت سيئاتهما بسيئات الامة فقيل له من هما عافاك الله قال هما الخبيثان معاوية وابنه يزيد. (*)
---
[ 135 ] (1/135)
هذا الكلام مشاغبة ومغالطة يكررها انصار معاوية ويلوذون عند العجز بها ليستروا قبائحه ويكتموا فضائحه ويوهموا بذلك الاغبياء انه من كبار الصحابة وحملة الدين. اما صحبته فستعلم مما يأتي انها صحبة سوء وانها عليه لاله واما دعوى حمله الدين فيالله العجب اي دين حمله معاوية إلى الامة ومن الذي يجيز قبول ما جاء به واي شخص - ولو عاميا - يخطر في باله ان معاوية من حملة الدين. اين معاوية من الدين وحملته ومعاوية هو الهادم اركان الدين ان الاحاديث القليلة التي نقلت عنه عرضا مطعون فيها بفسقه لا يجوز الاحتجاج بها في دين الله اتقبل احاديث من ارتكب الموبقات وسن البغي والظلم والغدر والجور والكذب ونقض العهود فهذا هو الدين الذي حمله معاوية واعوانه وبئس ما حملوا رب بما انعمت على فلن اكون ظهيرا للمجرمين اننا سننقل بوائقه ونعلنها على رؤس الاشهاد وننشرها للعام والخاص لتحذير الكل منه ومن الاغترار به لا نخاف في الحق لومة لائم وتعرف انه لا يلحق بكبار اصحاب محمد صلى الله عليه وآله ولا حملة دينه ادنى نقص بذلك فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه اولئك هم المفلحون واما من طغى وآثر الحياة الدنيا فان الجحيم هي المأوى. يقول اقوام ان الخوض في هذا المقام يوجب التفريق بين أهل القبلة ويورث الغداوة والبغضاء بينهم واقول ان التمويه والمغالطة بوضع الباطل موضع الحق هو الموجب للتفريق والانصاف والاذعان للحق بأدلته الواضحة هو من موجبات التوفيق فان كل مؤمن بل وكل عاقل يجب ان يكون ضالته الحق حيث كان انا لم نكتب ما كتبناه عن حالات معاوية واشياعه واتباعه في في هذه العجالة الا بيانا للحق وتذرعا إلى التوفيق بين الفرق المتضاغنة من الامة المحمدية المختلفة في المشرب والمذاهب بكل منها تعصبه لفرقته في البعد
---
[ 136 ] (1/136)
عن الاخرى شوطا بعيدا فإذا تقهقر اصحابنا اهل السنة عن مأتوغلوا فيه حتى تجاوزوا الحد من تعظيم من ليس حقه التعظيم وتبرئة من براءته من الفسق تكاد تكون كذبا صراحا وافتيانا على الله واظهار مودة من حاد الله ورسوله من المسيئين صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله والمحدثين الاحداث القبيحة بعده إلى الاعتراف بأنهم ظالمون فساق بغاة قاسطون كما ذكر الله يستحقون ما يستحقه الفسقة من الرفض والبعض والمقت وتقهقر غلاة الشيعة عن توغلهم وغلوهم في الطرف الآخر من ذم وسب من لا يستحق الا المدح والاجلال والتوقير والتعظيم من كبار اصحاب نبيهم صلى الله عليه وآله واعترفوا بسوابقهم الحسنة وفضائلهم لاتفقنا نحن واياهم في نقطة هي والله مركز الحق ومداره ونزع من الطائفتين وغر القلوب وغل الصدور وذهبت نزغات الشيطان من بينهم وتحققت فيهم بأكمل معانيها اخوة الايمان ولكن الآفة والمصيبة كل المصيبة هو التعصب المذهبي والتقليد الصرف فأنه هو الذي يعمى البصائر عن الاستضاءة بأنوار الادلة الواضحة ويصم الاذان عن استماعها فتجد الشخص المتعصب عندما تورد عليه دليلا مخالفا لمذهبه ومغائرا لمعتقده كالحائر المتخبط منتفخ الودجين محمر الانف من الغضب يتطلب ما يجرح به ذلك الدليل أو يعارضه فإذا لم يجد لجا إلى تفسيره أو تأويله بما يوافق هواه من التأويلات البعيدة أو تمسك في نقضه بما يشاكل نسج العنكبوت في الضعف فتراه يقول قال: فلان كذا وافتى فلان بكذا في مقابلة قول الله تعالى ورسوله عليه وآله الصلاة والسلام حبا في نصرة مذهبه وطمعا في ان يكون الحق تبعا لهواه مقتنعا بتزيين النفس الامارة له ذلك العمل السئ الذي هو اهدار قول الله تعالى أو قول رسوله صلى الله عليه وآله بتحكيم آراء الرجال واقوالهم وتخييلها له بأنه قائم بعمل عظيم ينصر به السنة ويعزز به الدين وانه ملتزم حسن الادب والتواضع مع العلماء إذ لم يقدر على رد شئ من أقوالهم ولم يتهم احدا منهم
---
[ 137 ] (1/137)
بخطأ في اجتهاد ولا هفوة في فتوى ولم يدر ذلك المسكين انها اجرت له الباطل في مجرى الحق وخدعته في دينه لان عمله هذا هو المرضي للشيطان المغضب للرحمن والمضعف لقوام الدين والمباين لعمل العلماء المتقين (1). وليت شعري اي عالم واي مجتهد يسره ان يتأدب له اتباعه ويتركوا قول الله تعالى وقول رسوله عليه وآله السلام لقوله كيلا يردونه عليه لا والله
---
(1) شافهني يوما احد المترسمين برسوم العلم وقد جرى في المجلس ذكر الخوارج وضلالهم فقال ان الرسالة التي سمعت انك جمعتها في التحذير من تولى معاوية لاشد من ضلال الخوارج فقلت هل رأيتها قال لا قلت فها هي عفا الله عنك بين يديك فقل في مسألة واحدة منها انها ضلال كي تتدبر البحث فيها حتى يظهر الحق من أي الطرفين فيعود كلانا إليه فأنه ضالة المؤمن فقال سبحان الله عنك بين يديك فقل في مسألة واحدة منها انها ضلال كي تتدبر البحث فيها فأرشدني إليه ارشدك الله ولو في موضوع واحد من مواضيع الرسالة وانا كفيل بأتباعك إذا هديتني إليه فقال ان الجدال معك لا يجوز فقلت إذا لم ترض النظر في هذه الرسالة فلنبحث في آية من كتاب الله تعالى أو حديث من احاديث رسوله عليه الصلاة والسلام مما تضمنته هذه الرسالة فقال ان العلماء منعوا من الخوض في هذه المسائل ولو كان في آية قرآنية أو حديث نبوي ثم قام من المجلس وذهب مغاضبا فأنظر ايها المؤمن بما جاء عن الله ورسوله كيف ذهب بهؤلاء تعصبهم وتقليدهم لعلمائهم حتى إلى رفض كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام فلا حول ولا قوة الا بالله وقال لي آخر ما كتبته وجمعته في هذه الرسالة حق ولكنك اخطأت من جهة مخالفتك لمن تقدمك فأنهم ذكروا ما ذكروا مفرقا ولم يعلقوا عليه شيئا وانت جمعت المتفرق ورتبت مقدماته واطلعت نتائجه واثبت براهينه فأعلنت بصنيعك ما اسروه وجمعت ما شتتوه واظهرت ما اخفوه فقلت له رحمك الله اترى اعلان الحق واقامة البرهان هنا من الخطأ وكتمه من الصواب قال نعم حيث لم يكن لك سلف في ذلك فقلت لعل من سكت من السلف معذورون في في سكوتهم بخوف الفتنة من امرائهم أو نحو ذلك وقد زال المانع اليوم وان القرآن كان متفرقا فجمع والحديث كذلك فقال ان آخر كلمة اقولها لك انه يجب عليك ان لا تفعل في هذا الباب الا ما فعلوا فان كان حقا فقد اصبته وان كان خطاء فالخطأ معهم اولى لك من الاصابة وحدك ثم قام عني. وقال لي ثالث ان الحق ما قلته في هذه المسائل اصدقه بقلبي ولا اقربه بلساني تحرجا من مخالفة من لم يقل من علمائنا بما قلته. انتهى جامعه. (*)
---
[ 138 ] (1/138)
لا يوجد احد من المجتهدين بهذه الصفة الا ان يكون معاوية كما قد دلت على ذلك سيرته وافعاله انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون قال موسى بن عمران اي رب اي عبادك اسعد قال من آثر هواي على هواه وغضب لي غضب النمر لنفسه (انتهى) من ربيع الابرار اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ولا تجعله مشتبها علينا فنتبع الهوى واجعل اللهم هوانا تبعا لما جاء به حبيبك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله.
---
[ 139 ] (1/139)
تكميل حيث ذكرنا من بوائق معاوية ما ذكرنا فلنذكر هنا طرفا من الاحاديث الدالة على سوء أحوال عشيرته وعداوتهم لله ولرسوله وانهم شركاؤه في تبديل أمر الامة وتغيير دين الله الا من شاء الله منهم وقليل ماهم وها نحن نسردها سردا لانتكلم على شئ من تفاصيل مقتضياتها خوفا من الاطالة بذلك واتكالا على ما في شروح الحديث والتواريخ من بيان ذلك وتحقيقه وتفصيله. أخرج ابن عساكر عن ابي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: إذا بلغت بنوامية اربعين رجلا اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دخلا وكتاب الله دغلا (وأخرج) ابن مندة وابو نعيم عن عمران بن جابر اليماني وابن قانع عن سالم الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ويل لبني امية ويل لبني امية ويل لبني امية (واخرج) ابن مردويه عن علي كرم الله وجهه قال: نزلت سورة محمد آية فينا وآية في بني امية (اقرأ السورة من اولها إلى آخرها). (وقال) النيسابوري في تفسير سورة القدر قال ذكر القاسم بن فضل عن عيسى بن مازن قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنه يا مسود وجوه المؤمنين عمدت إلى هذا الرجل فبايعته يعني معاوية فقال ان رسول الله صلى الله عليه وآله رأى في منامه بني امية يطؤون منبره واحدا بعد واحد وفي رواية ينزون على منبره نزوالقردة فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى انا انزلناه إلى قوله خير من الف شهر يعني ملك بني امية قال: القاسم فحسبنا ملك بني امية فإذا هو الف شهر لا يزيد ولا ينقص (اتنهى). وروى بسند حسن انه صلى الله عليه وآله قال: شر قبائل العرب بنو
---
[ 140 ] (1/140)
امية وبنو حنيفة وثقيف واخرج نعيم بن حماد في الفتن عن بجالة قال: قلت: لعمر ان بن حصين رضي الله تعالى عنه حدثني من ابغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: تكتم علي حتى أموت قلت: نعم قال: بنوامية وثقيف وبنو حنيفة واخرج نعيم بن حماد في الفتن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ان لكل دين آفة وآفة هذا الدين بنو امية واخرج أبو نعيم عن علي عليه السلام انه قال: لكل امة آفة وآفة هذه الامة بنو امية واخرج ايضا عنه عليه السلام انه قال: الا ان اخوف الفتن عندي فتنة بني امية انها فتنة عمياء مظلمة واخرج نعيم بن حماد والحاكم في المستدرك عن ابي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: ان اهل بيتي سيلقون بعدي من امتي قتلا وتشريدا وان اشد قومنا لنا بغضا بنو امية وبنو مخروم واخرج الحاكم وصححه على شرط الشيخين عن ابي برزة ان ابغض الاحياء أو الناس إلى رسول الله بنوامية واخرج الخطيب عن المسعد بن مخرمة قال: قال: عمر بن الخطاب لعبد الرحمن ابن عوف رضي عنهما الم يكن فيما تقرأ قاتلوا في الله في آخر مرة كما قاتلتم اول مرة قال: متى ذلك قال: إذا كانت بنو امية الامراء وبنو مخروم الوزراء. (واخرج) الطبراني في الكبير عن ابن مسعود واحمد في المسند وابو داود الطيالسي وابو يعلى وابن حبان وسعيد بن منصور والحاكم في المستدرك عن جرير عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال المهاجرون والانصار بعضهم اولياء بعض في الدنيا والآخرة والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم اولياء بعض في الدنيا والآخرة. (واخرج) أبو يعلى عن ابي عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: لا يزال أمر امتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يشمله رجل من بني امية. (واخرج) الترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة عن ابي ذر عن
---
[ 141 ] (1/141)
رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: اول من يبدل سنتي رجل من بني امية. (واخرج) الطبراني في الاوسط عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اكثر ما اتخوف على امتي من بعدي رجل يتأول القرآن يضعه على غير مواضعه ورجل يدعى انه احق بهذا الامر من غيره. قلت: اول من ينطبق عليه هذا الوصف معاوية. (واخرج) الديلمي عن عبدالله بن شبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم العن فلانا واجعل قلبه قلب سوء واملا جوفه من رضف جهنم. (واخرج) الطبراني عن ابي برزة عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال: ان بعدي أئمة ان اطعتموهم اكفروكم وان عصيتموهم قتلوكم أئمة الكفر ورؤوس الضلالة. (واخرج) الترمذي وحسنه عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله انما اخاف على امتي الائمة المضلين. (واخرج) الطبراني في الكبير عن سويد بن غفلة رضي الله عنه قال: سمعت أبا موسى الاشعري يقول قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيكون في هذه الامة حكمان ضالان ضال من اتبعهما فقلت يا أبا موسى انظر لا تكون احدهما قال فوالله ما مات حتى رأيته احدهما قال: وفي رواته مجهول. (واخرج) أبو داود الطيالسي وابن ابي شيبة واحمد والدارمي وابو يعلي والطبراني والبيهقي في دلائله بسند حسن عن ابي عبيدة ومعاذ معا رفعاه: هذا الامر بدأ نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم ملكا عضوضا ثم كائن جبرية وعتوا وفسادا في الارض يستحلون الحرير والفروج والخمور ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله. (واخرج) الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سيكون عليكم امراء من بعدي يأمرونكم بما لا تعرفون ويعملون بما تنكرون
---
[ 142 ] (1/142)
فليس اولئك عليكم بائمة حديث حسن. (واخرج) ايضا عن كعب بن عجرة رضي عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: انها ستكون عليكم امرآء بعدي يعظون بالحكمة على المنابر فإذا نزلوا اختلست منهم قلوبهم انتن من الجيف فمن صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه وسيرد علي الحوض. (واخرج) ابن ابي حاتم وابن مردوية والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيب قال: رأى النبي صلى الله عليه وآله بني امية على منابرهم فساءه ذلك فأوحى الله إليه انما هي دنيا اعطوها فقرت عينه وهو قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس. قال فخر الدين الرازي في تفسيره وهذا هو قول ابن عباس عن عطاء ثم قال: أيضا قال: ابن عباس الشجرة الملعونة في القرآن بنو امية يعني الحكم بن أبي العاص قال: ورأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ان ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على ابي بكر وعمر وقد خلا في بيته معهما فلما تفرقوا سمع رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم يخبر برؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله فأشتد ذلك عليه واتهم عمر في افشاء سره ثم ظهر ان الحكم كان يتسمع إليهم فنفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ذكر الشيخ بن حجر الهيثمي جملة احاديث في هذا المعنى في كتابه تطهير الجنان منها ما قال: جاء بسند رجاله رجال الصحيح عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه انه صلى الله عليه وآله قال: لميدخلن الساعة عليكم رجل لعين فوالله ما زلت أتشوف داخلا وخارجا حتى دخل فلان يعني الحكم كما صرحت به رواية احمد (وبسند) قال: الحافظ الهيثمي فيه من لم اعرفه ان الحكم مر على النبي صلى الله عليه وآله بالحجر فقال: ويل لامتي مما في صلب هذا ويسند فيه رجل قال: الحافظ الهيثمي لا اعرفه انه صلى الله عليه
---
[ 143 ] (1/143)
وآله وسلم قال: يكون خليفة هو وذريته من اهل النار وبسند فيه ضعيف انه صلى الله عليه واله وسلم سأل عليا ثم رفع رأسه كالفزع فقال قرع الخبيث الباب بسيفه فقال انطلق يا أبا الحسن فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها فذهب إليه واخذ باذنه ولهازمه جميعا حتى وقف بين يدي النبي صلى الله عليه وآله فلعنه نبي الله صلى الله عليه واله وسلم ثلاثا ثم قال لعلي اجلسه ناحية حتى راح إلى النبي صلى الله عليه وآله ناس من المهاجرين والانصار ثم دعا به صلى الله عليه واله وسلم فقال: ان هذا يخالف كتاب الله وسنة نبيه ويخرج من صلبه من يبلغ دخانه في الفتنة حتى توارث فقال رجل من المسلمين صدق الله ورسوله هو اقل من ان يكون منه ذلك قال بلى وبعضكم يومئذ ممن يتبعه (وبسند) فيه مستور وبقية رجاله ثقات ان الحكم استأذن على النبي صلى الله عليه وآله فعرفه فقال: ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا ويترذلون في الآخرة ذوو مكر وخديعة الا الصالحين منهم وقليل ماهم (وصح) انه صلى الله عليه واله وسلم قال: لكعب بن عجرة اعاذك الله ما امارة السفهاء قال امراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي الحديث (وصح) بلفظ هلاك امتي على يداغلمة من سفهاء قريش (وفي خبر) رواته ثقات الا لا يمنعن احدكم هيبة الناس ان يقول الحق إذا رآه وشهده فانه لا يقرب من اجل ولا يبعد من رزق قال أبو سعيد فحملني ذلك على ان ركبت إلى معاوية فملات اذنيه ثم رجعت والاحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيما اوردناه منها ما يعرف به حال القوم وعتوهم على الله وهدم اركان دينه ولكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وما اصدق في هذا المقام قول ابي عطاء السندي رحمه الله. ان الخيار من البرية هاشم * وبنو امية افجر الاشرار (1)
---
(1) لاشك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله من بيان النقائض والانذار بسوء (*)
---
[ 144 ] (1/144)
وبنو امية عودهم من خروع * ولها شم في المجد عود نضار اما الدعاة إلى الجنان فهاشم * وبنو امية من دعاة النار وبهاشم زكت البلاد واعشبت * وبنو امية كالسراب الجاري
---
مصير تلك الشجرة الاموية الا من صلح منهم وقليل ما هم كما اخبر وانهم لفئة سوء وفحش وخنافي الجاهلية ايضا فقد مربك في حديث سفينة رضي الله عنه قوله كذب بنو الرقاء يذمهم بذلك (اعلمت) من هذه الرقاء هي زوجة ابي العاص بن امية وام ولده الحكم بن ابي العاص وجده مروان الحكم لابيه قال ابن الاثير وغيره من اهل الاخبار هي الزرقاء بنت موهب كانت من البغايا ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء والفجور فلذلك يعير بها بنو مروان (ومر بك) ما نقل من زنا ابي سفيان تسمية واقراره واقامة معاوية السود على زنا ابيه ليستلحق زيادا بتلك الزنية المشومة (ومربك) ايضا ما ذكره حسان بن ثابت رضي الله عنه من حمل هند بنت عتبة ام معاوية وزوجة ابي سفيان من الزنا في قوله: ونسيت فاحشة اتيت بها * يا هند ويحك سبة الدهر زعم القوابل انها ولدت * ابنا صغيرا كان من عهر وما نقله أبو الفرج من عشقها المسافرين ابي عمرو وحملها منه وسفره بعد حملها إلى الحيرة خوفا من الفضيحة قال في ربيع الابرار للزمخشري قالوا انها كرهت ان تضعه في منزلها فخرجت إلى اجياد فوضعته هناك وفي هذا يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه ايضا. لمن الصبي بجانب البطحاء * في الترب ملقى غير ذي مهد نجلت به بيضاء آنسة * من عبد شمس صلبة الخد وقال فيه ايضا كان معاوية يعزى إلى اربعة وذكر منهم الصباح وهو مغن كان لعمارة بن الوليد وكان عسيفا لابي سفيان وكان أبو سفيان دميما قصيرا وكان الصباح شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها وقالوا ان عتبة ابن ابي سفيان من الصباح ايضا وذكر اهل الاخبار ان امية بن عبد شمس جد هذه الطائفة ذهب إلى الشام لما نافر عمه هاشما فاقام بصفورية وزنى باماء يهودية ولها زوج يهودي فولدت ولدا على فراش اليهودي فاستلحقه امية مع ان الولد للفراش وسماه ذكوان وكناه ابا عمرو وفده به مكة وابو عمرو هذا هو والد ابي معيط الذي هو والد عقبة المقتول ببدر صبرا ذكر ابن قتيبة وغيره انه صلى الله عليه واله وسلم لما امر بقتل عقبة قال له يا محمد ناشدتك الله (*)
---
[ 145 ] (1/145)
هذه ادلة جواز لعنه كما مرت بك واضحة متظافرة لا يبقى عند المؤمن المنصف ادنى ارتياب بعد سماعها واما من غلب عليه التعصب والتحمل وتقليد من لا يجديه تقليده فيما خالف الحق شيئا وتقديم قول فلان وفلان على قول الله ورسوله وكثير من اكابر الصحابة فلا كلام معه لان داءه داء عضال قل ان ينجو منه من ابتلى به انسأل الله العافية والسلامة. اما ادلة منع تسويده والترضي عنه تعظيما واجلالا له فكثيرة ولكنا نورد منها طرفا يرجع إليه طالب الحق ويطمئن إليه من دينه وديدنه الانصاف ولم يعم بصيرته التقليد والتعصب (اخرج) البيهقي في شعب الايمان وابن ابي الدنيا وابو يعلى عن انس وابن عدي عن بريدة ان النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا مدح الفاسق غضب الرب فاهتز لذلك العرش. حديث صحيح (وروى) ابو نصر السبخري في الابانة من حديث ابن عمروابن عباس رضي الله عنهم مرفوعا من وقر صاحب بدعة فقد اعان على هدم الايمان. واخرجه ابن عدي عن عائشة (واخرجه) أبو نعيم في الحلية والهروي في ذم الكلام من حديث
---
والرحم فقال له رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انما انت يهودي من اهل صفورية اي لارحم بيني وبينك (وقيل) كان ذكوان عبدا لامية فتبناه فلما مات امية خلفه على زوجته (قال الحلبي) في سيرته ويدل لهذا الثاني ما ذكر بعض المؤرخين ان معاوية سأل رجل من علماء النسب وفد عليه كم عمرك قال اربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان قال سنيات رخاء يهلك والد ويخلق مولود فلولا الهالك لامتلات الدنيا ولولا المولود لم يبق احد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم ادركته شيخا وسيما مقسما حسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال هل رأيا أمية بن عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته اخفش ازرق دميا يقوده عبده ذكوان قال ويحك كفه فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال انتم تقولون ذلك انتهى (وفي ذلك) يقول الفضل بن عباس جوابا على ابيات للوليد بن عقبة يحرض فيها اخاه عمارة علي الخذ بثار عثمان صلى الله عليه وآله انطلب ثارا الست منه ولاله * واين ابن ذكوان الصفوري من عمرو كما اتصلت بنت الحمار بامها * وتنسى اباها إذ تسامى اولو الفخر (*)
---
[ 146 ] (1/146)
ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال من نظر إلى صاحب بدعة بغضا له في الله ملا الله قلبه امنا وايمانا ومن انتهر صاحب بدعة امنه الله يوم الفزع الاكبر ومن الان له أو اكرمه أو لقيه ببشر فقد استخف بما انزل على محمد (واخرج) ابن ابي الدنيا في كتاب الصمت وابو نعيم في الحلية واورده الزمخشري في سورة هود من قول الحسن من دعا لظالم بالبقاء فقد احب ان يعصى الله في ارضه (قال) الغزالي: فان جاوز الدعاء إلى الثناء عليه فذكر ما ليس فيه كان كاذبا ومنافقا ومكرما للظالم وذكره في الاحياء عن النبي صلى الله عليه وآله (واخرج) الحاكم في المستدرك والبيهقي واحمد في المسند وابو داود والنسائي عن بريدة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لا تقولوا للمنافق سيدنا فانه ان يكن سيدكم فقد اسخطتم ربكم (واخرج) الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الايمان عن بريدة ايضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال إذا قال الرجل للمنافق يا سيدي فقد اغضب ربه (وجاء) عنه عليه واله الصلاة والسلام من مدح سلطانا جائرا واحتفى به وتواضع له طمعا فيه كان قرينه في النار قال الله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار. (وحيث) علمت ما ذكر تعلم ان تسويد معاوية والترضي عنه تعظيما له مغضب للرب كما في حديث انس وحديث بريدة واستخفاف بما انزل الله على محمد كما في حديث ابن عمر واعانة على هدم الاسلام كما في حديث ابن عباس ومسخط للرب كما في حديث بريدة ومحبة لعصيان الله كما جاء عن الحسن وكذب ونفاق واكرام للظالم كما زاده الغزالي والاحاديث في النهي عن توقير ارباب الظلم والنفاق والفسق كثيرة والاثار كذلك والاطالة بذكرها اسهاب وفيما ذكرناه اقوى زاجر لمزدجر. فان قلت: ان الوعيد الوارد في الاحاديث السابقة انما هو في مدح الفاسق وتوقير المبتدع واكرامه والدعاء للظالم وتسويد المنافق فمن اين لك
---
[ 147 ] (1/147)
قيام هذه الاوصاف بمعاوية حتى يكون توقيره وتسويده منهيا عنه (قلت) اما فسقه فظاهر لان الفاسق من ارتكب كبيرة أو اصر على صغيرة ومعاوية قد ارتكب كبائر الكبائر وجاهر بها واصر عليها وقد مر بك نقل كثير منها مما لا ينكره احد (واما) بدعته فكذلك فان المبتدع من احدث في الاسلام حدثاكما جاء عن رسول الله (ص) كل محدث بدعة ومعاوية رئيس المحدثين وكبير المبتدعين. ومن العجب ان الجم الغفير من الناس بل ومن العلماء المقلدين يرون ان من يمسح رجليه بدلا عن الغسل في الوضوء مبتدعا وكذلك من يقول ان الحسنة من الله والسيئة من نفسك ومن يدخل في الاذان حي على خير العمل ومن يقول ان عليا افضل من ابي بكر ومن لا يجوز التكليف بالمحال ومن يقول بما جاء في القرآن ان لله جل وعلا وجها ويدا وعينا مع تنزيهه تعالى عن الجسمية والمشابهة ومن يقول ان النار محرقة بقوة خلقها الله فيها وان السيف قاطع بقوة خلقها الله فيه ومن يقول بانتفاء الجواهر الفردة ومن يؤلف مثل هذا الكتاب هؤلاء كلهم مبتدعون ضالون عند الاكثر من علمائنا اهل السنة. (واما) من يقتل المسلمين صبرا ويسب عليا جهرا ويعيث في الارض فسادا ويحارب الله ورسوله عنادا ويصطفي البيضاء والصفراء من بيت اموال المسلمين ويتهكم باوامر سيد المرسلين فذلك عندهم عدل ثقة وصاحب سنة خليفة حق وامام صدق ذلك مبلغهم من العلم ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله و هو اعلم بمن اهتدى. وأما اتصافه بالنفاق فستعلمه مما يأتي ان لم تك قد علمته مما قد سبق ذكره ولتعلم اولا ان النفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فان كان في اعتقاد الايمان فهو نفاق الكفر و الا فهو نفاق العمل ومراتبه متفاوتة وشعبه كثيرة كما ان الايمان كذلك ولا طريق لنا إلى معرفة النفاق بنوعيه من الاشخاص
---
[ 148 ] (1/148)
الا بوحي الهي إذا امر الباطن لا يطلع عليه غير الله جل وعلا ولكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم اخبرنا عن بعض علاماته واماراته في المتصفين به فإذا تحققنا وجود واحدة من تلك العلامات في شخص من الاشخاص علمنا نفاقه. ثم لا ندري من أي النوعين نفاقه والنهي عن التعظيم للمنافق وعن تسويده وارد ب (ال) الجنسية الشاملة لانواعه كلها إذ لم يأتي مايعين نفاقا دون نفاق والعلامات الواردة في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله هي الكذب في الحديث والخيانة في الامانة والخلف في الوعد والغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة وهو الميل عن الحق والاحتيال لرده كما قاله شراح الحديث) وبغض علي ابن ابي طالب ومعاداته وبغض الانصار وغير ذلك وكل هذه الصفات موجودة في معاوية فان اكاذيبه قد امتلات بها الاسفار لاسيما ماكان منها في محاولته بيعة يزيد وقد مر بك فلا نطيل بأعادته. وأما خيانته للامانة فاشهر من نار على علم فهل ينكرها انصاره في دماء المسلمين وقد قتل منهم العدد الكثير بغير حق ام في اموالهم وقد استأثر بها واصطفى بيضاءهم وصفراءهم وصرفها في اغراضه الفاسدة وزخارفه وملاذه وشهواته ام في اعراضهم وقد سب اكابرهم على المنابر وفي المحافل. وأما خلفه بالوعد وغدره في معاهداته فغير مجهول ولو لم يكن منها الا غدره بالحسن عليه السلام حيث عاهده ان لا يبغي للحسن ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من شيعة علي غائلة سرا ولا جهرا وان يجعل الامر بعده شورى بين المسلمين لكفى فانه غدر بالحسن فقطع عطاءه ثم سمه وعهد بالامر بعده ليزيد وقتل حجرا واصحابه بعد تلك العهود والمواثيق. وأمها فجوره في خصوماته واحتياله في رد الحق فاشهر من ان يذكر إذ جل خصوماته إذا لم نقل كلها من هذا القبيل ولا داعي إلى ان نثبت
---
[ 149 ] (1/149)
معاداته وبغضه لعلي بن ابي طالب عليه السلام إذ لا ينكرهما احد وكتب السير طافحة بذلك وبغضه للانصار قد قدمنا ما يدل عليه في ذكر البوائق فارجع إليه. أفبعد صدور هذه الكبائر من معاوية وثبوتها عنه بالتواتر والنقل الصحيح وسماع ما جاء من الآيات والاحاديث في حق مرتكبها يسوغ لطالب الحق الاغضاء والتغافل والتصامم عنها ثم مجاوزة الحد إلى اهدار تلك الادلة باطرائه والترضي عنه وتسويده اعتمادا على ما تداولته السنة سابقيه من ان معاوية مجتهد متأول مأجور الله يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور كم طمست بهذه الكلمات اعلام من الحق وكم جحدت بها حقائق وكم رفعت بها الوية من الباطل وشيدت بها ابراج من المغالطة كلمات ربما كان اول من قالها قالها لقصد خاص فاتخذت بعد ذلك حجة لدى القوم يعارضون بها كل دليل ويردون بها النص الصريح وينسخون بها ما جاء عن الله ورسوله كأنه نزل بها كتاب من الله أو وحي إلى رسوله اطلعهم به على ضمير معاوية وحسن قصدة وصلاح نيته ثم تراهم مع ذلك يرعدون ويبرقون ويأخذهم المقيم المقعد من الغيظ وينذرون بكل طامة ولامة ويمثلون كل هاوية عميقة امام كل من ناقشهم في دعواهم الحساب أو طالبهم بدليل على ما اخترعوه واعتمدوا عليه من اثبات الاجتهاد والاجر ايضا على بغي ذلك الطاغية واعوانه. كان صالحوا اهل المصدر الاول يؤنبون معاوية ويعظونه ويواجهونه بتقريعه على سوء افعاله ومنهم من هجره في الله ومنهم من لعنه ودعا عليه ثم ذهب الصحابة واستفحل ملك بني امية وكثر تعديهم وطم جورهم فالتزم الكثير منهم السكوت عن ذكره خوفا من الفتنة ثم جاء اقوام من بعدهم فأتخذوا سكوت من قبلهم عن بيان فجوره واعلان فسقه وتجويز لعنه ذريعة إلى تبريره وتعذيله ثم ما لبثوا ان زادوا على ذلك انه امام حق وخليفة صدق
---
[ 150 ] (1/150)
وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم وقالوا سيدنا وترضوا عنه حيث ذكر كما يترضى عن الصالحين وما مثلهم في ذلك الا كمثل رجل ذي سلطان وجبروت رآه بعض اهل الصلاح خارجا من مأخور الخمار متمائلا تفوح من فيه وثيابه روائح الراح وكان مع ذلك الصالح تلامذة خاف عليهم فتنة ذلك الجبار واعوانه ان خاضوا في امر ذلك الجبار وبينوا سيرته للعامة فسكت ذلك الصالح وامرهم بالسكوت عن ذكر المخازي فما لبث اولئك التلامذة ان قالوا لم يأمرنا الاستاذ بالسكوت عن ذلك الا لما يعلمه من حال ذلك السلطان انه من اهل الدين والفضل لانه انما دخل المأخور لازالة المنكرات وتكسير آنية الخمر ووعظ اهل الحانة وزجرهم ولذلك تضمخت ثيابه بالخمر وفاحت رائحتها منه فهو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والقائمين بالقسط والعدل. (ما احمق) هؤلاء القوم يسارعون للذب عن هذا الطاغية فيتأولون له التأويلات البعيدة الفاسدة الضعيفة ويعمدون إلى سيئاته القبيحة المواضحة الفاضحة المتواترة فينكرون منها ما امكن انكاره ويبدلون الجانب الآخر بتلك التأويلات حسنات يمدحونه عليها ويطرونه بها ويفتاتون على الله تعالى في إثبات اثابته عليها ويظنون حينئذ انهم رتقوا بذلك فتقا في دين الله وانهم قد جمعوا الامة على الهدى وصانوا العامة عن الخوض فيما لا يجوز بزعمهم من ذكر مساوي ذلك الطاغية واعوانه انهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون انهم مهتدون تصرفوا كيف شاؤا وشوهوا وجوه المعاني تحاشيا عن ما يحط من مقدار ذلك الجبار في اعين المؤمنين كأنه لم يبلغهم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما اخرجه الطبراني قال: حتى متى ترعون عن ذكر الفاسق اهتكوه يحذره الناس. واورده السيد محمود الالوسي في الاجوبة العراقية بعد ان صححه بلفظ اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس ولم
---
[ 151 ] (1/151)
ينظروا إلى ما اخرجه ابن ابي الدنيا عن الحسن مرسلا: ثلاثة لا تحرم عليك اعراضهم المجاهر بالفسق والامام الجائر والمبتدع والى ما جاء في حديث انس وغيره انه صلى الله عليه وآله قال: عند ثنائهم بالخير والشر وجبت انتم شهداء الله في ارضه والى ما جاء من انه لاغيبة لفاسق وإلى ماصح بالتواتر والنقل الصحيح عن سيد الصادقين بعد الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وعلى الهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وغيره من اكابر الصحابة من هتكهم معاوية وبيان حاله وحال اعوانه من انهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وانهم شر اطفال وشر رجال (ولعمر الله) لو قام بهذه التأويلات والتعسفات العذر لمعاوية وأعوانه عند انصاره والمغفلين من اتباعهم فانه لا يقوم لهم بشئ من ذلك عذر عند الله تعالى وهو علام الخفيات والمطلع على السرائر ها انتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا. اليس من الهوس والا فتيات على الله قولهم ان الله سيثيب معاوية وأعوانه على بغيهم وقد ذم الله البغي وكرر الزجر عنه واوعد مرتكبيه بعذابه الاليم كيف يتولى هذا الباغي واعوانه من يقرأ قوله تعالى انهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وان الظالمين بعضهم اولياء بعض والله ولي المتقين لو ان هؤلاء القوم وقفوا قليلا وحاسبوا ضمائرهم واطرحوا التقليد والتعصب جانبا لادركوا انهم وقعوا في هوة عظيمة وخطة اثيمة. فان تنج منها تنج من ذي عظيمة * والا فاني لا اخالك ناجيا ولعمري ان من رسخ في قلبه الايمان وخامر قلبه حب الله ورسوله واتباع الحق لا يقتنع بهذه المعاذير الفاسدة ولايتجر بهذه البضاعة الكاسدة أيم الله ما كتب مؤمن من هذه السفسطة شيئا الا وضميره يؤنبه وايمانه يوبخه فتراه يتغافل عن ذلك ويلجأ إلى التأسي بمن تقدمه من المقلدين
---
[ 152 ] (1/152)
ويظن ذلك كافيا في العذر وهيهات هيهات امنية من وساوس النفس وضلة من اضاليل الاماني قد كان لسابقيه اعذار مقبولة ظاهرة فانهم يشاهدون الدماء مسفوحة والقبور مفتوحة والسبحون مشحونة بكل من نطق بكلمة حق في ذكر شئ من تلك الحقائق في ايام بني امية وكذلك في ايام بني العباس اما الآن وقد اذهب الله ريحهم واراح الاسلام من شرهم فلا يبقى عذر لمعتذر. روي ان ابا جعفر محمد الباقر رضي الله عنه قال: لعبض اصحابه يا فلان مالقينا من ظلم قريش ايانا وتظاهرهم علينا وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قبض وقد اخبر أنا اولى الناس به فتمالات علينا قريش حتى اخرجت الامر من معدنه واحتجت على الانصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت الينا فنكثت بيعتنا ولم يزل صاحب الامر في صعود كؤد حتى قتل فبويع ابنه الحسن وعوهد ثم غدر به واسلم ووثب عليه اهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعولجت خلاخيل امهات اولاده فوادع معاوية وحقن دمه ودماء اهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين من اهل العراق عشرون الفاثم غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في اعناقهم ثم لم نزل اهل البيت نستذل ونستضام ونقصي ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء اوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى اوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كل بلدة فحدثوهم بالاحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغضونا إلى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الايدي والارجل على الظنة وكان من يذكر بحبنا أو بالانقطاع الينا سجن أو نهب ماله وهدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمن عبيدالله بن زياد قاتل الحسين ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة واخذهم
---
[ 153 ] (1/153)
بكل ظنة وتهمة حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر احب إليه من ان يقال له شيعة علي وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ولعله يكون ورعا صدوقا يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب انها حق لكثرة من قد رواها ممن لا يعرف بكذب ولا بقلة ورع انتهى (1). وقال الشعبي مالقينا من علي بن أبي طالب ان احببناه قتلنا وان ابغضناه هلكنا وكان الامام أبو حنيفة يفتي سرا بوجوب نصرة زيد بن علي بن
---
(1) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: فان جماعة قد ادعوا ضعف الحديث الذي جاء في حق علي عليه السلام انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد العلم فليات الباب وافرط بعضهم فأدعي وضعه وفسر بعضهم قوله صلى الله عليه واله وسلم فيه وعلي بابها فقال اي مرتفع والحديث المذكور قد ورد بطرق كثيرة فقد اخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وصححه والطبراني وابن مردويه وابو نعيم والخطيب والعقيلي وابن عدي وابن حيان وغيرهم ثم جاؤا في مقابلته ايضا بحديث آخر منكر اسنادا ومتنا كما قاله ابن عساكر والحديث هو ما اخرجه ابن عساكر في تاريخه وغيره قال انبانا أبو الفرج غيث بن علي الخطيب قال: حدثني أبو الفرج الاسفرائيني قال: كان ابو سعد اسمعيل بن المثنى الاسترابادي يعظ بدمشق فقام إليه رجل فقال ايها الشيخ ما تقول في قول النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وعلي بابها قال: فأطرق لحظة ثم رفع رأسه وقال نعم لا يعرف هذا الحديث على التمام الا من كان صدرا في الاسلام انما قال النبي صلى الله عليه وآله انا مدينة العلم وابو بكر اساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلي بابها قال: فاستحسن الحاضرون ذلك وهو يردده ثم سألوه ان يخرج لهم اسناده فاغتم ولم يخرجه لهم انتهى (قلت) لعلك قد علمت ما ذكر هو في هذا الحديث من انه موضوع أو ضعيف ولكني اقول فيه من حيث المعنى انكاره من وجوه لم ار من تعرض لذكرها وهي (اولا) انه لا يستجاد من سيد الحكماء وامير الفصحاء ان يمثل في كلامه بسقف المدينة إذ لم توجد في الدنيا مدينة مسقوفة حتى يكون الحكيم ممثلا بها ولم نر ذلك في كلام احد من العرب اللهم الا ان يكون لخصوص البيوت (ثانيا) انه يقتضي تقديم ابي بكر على النبي صلى الله عليه واله وسلم حيث جعله اساسها والاساس مقدم على البنيان لانه اصله واقدم منه ولانه لولاه لما قام البناء (ثالثا) انه لو صح الحديث لاقتضى تمثيل عمر وعثمان رضى الله عنهما بالسقف والحيطان غاية القدح فيهما لان السقف (*)
---
[ 154 ] (1/154)
الحسين وحمل المال إليه والخروج معه على اللص المتغلب المسمى بالخليفة يعني هشام بن عبدالملك. وذكر زين الدين العراقي رحمه الله انه كان في بعض ايام بني امية إذا سمعوا بطفل سمي بعلي قتلوه فكان الناس يبدلون اسماء اولادهم (وكان) الحسن البصري يروي احاديثه التي عن علي عليه السلام مرسلة خوفا من بني امية وهكذا كان الامر في ايام بني العباس وقد اشار إلى هذا العلامة احمد الحفظي في ارجوزته حيث قال: والحسن البصري يروى عن علي * علومه وللسماع يجتلي لكنه لو قال هذا قتلا * فكان يروي للحديث مرسلا قال الامام احمد بن حنبل * لسائل عن فضل مولانا علي ماذا اقول بعد كتمان العدا * للنصف من فضل الولى حسدا ونصفه خوفا من القتل وذا * حقيقة يعرفها من احتذا واظهر الله من الكتمين (1) * ما ملا البرين والبحرين
---
والحيطان والسور كما في رواية اخرى انما هي حواجز قوية تمنع فيض نور العلم المديني إلى الخارج فكأنهما الكاتمين للعلم والمانعين عنه من اراد الوصول إليه وحاشاهما من ذلك ومن المضحك هنا قول بعض المؤلفين ان كلا من الاساس والحيطان والسقف اعلى من الباب لان ذلك قول من يقوده التعصب إلى ارسال الكلام على عواهنه من غير امعان نظر في المعاني (انتهى جامعه). (1) اقول لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال: فان جماعة قد ادعوا ابن يحيى العلوي رحمه الله ذكر قول بعضهم ان سبب كثرة الاحاديث الصحيحة الواردة في فضل الامام علي عليه السلام هو ما قام به اعداؤه من لعنه وسبه فحدث كل من الصحابة بما سمع من فضله لرده تلك البدعة والتحذير منها فقال الجد عبدالله رحمه الله ليس الامر كذلك لان الصحابة قد بلغوا جميع ما حفظوه عن نبيهم وبلغ التابعون جميع ما وعوا من اصحاب نبيهم وهكذا ولو وجدت احاديث في فضل غير علي من الصحابة كالتي جاءت في فضل علي لنقلت بطرق اكثر واشهر لعدم الخوف من عقاب الظالمين على روايتها ثم قرأ قوله تعالى ام يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (انتهى جامعه). (*)
---
[ 155 ] (1/155)
وهكذا ملك بني العباس * قد ضربوا الاخماس في الاسداس وما قضى المنصور ذو الدوانق * في حجج الله على الخلائق محمد ونفسه الزكية * والمحض عبدالله والذرية وحبسه الديباج حتى صارا * كالجيفة الملقاة لا توارى وفعل هرون بيحيى صدعا * صم الجبال والقلوب اوجعا وحمل موسى الكاظم السجاد * من طيبة الفيحا إلى بغداد مسلسلا عن اهله مطردا * ومات في سجن الغوى مقيدا والآن زال العذر والحق ظهر * فأستلم الركن وقبل الحجر وطلع النجم على الجهات * وامن الخلق من العاهات وجاء نصرالله والفتح فما * بعد الهدى الا الضلال والعمى نعم بقي حتى الآن لمعاوية انصار واذناب من العلماء الجامدين على ما في كتب المتأخرين ومن الغوغاء الذين لا يدرون الصواب من الخطاء ولا يفرقون بين الحق والباطل لا شوكة لهم ولا صولة ولكنهم يسلقون بالسنتهم كل من كشف غبار شبهة عن قبائح معاوية وينبزونه بالابتداع والرفض ويعربدون عليه عربدة السكارى جهلا منهم وحماقة وهذا هو غاية ما في استطاعتهم من اذية من صدع بالحق في هذا الباب ولا ارى في هذا عذرا كافيا للذين يريدون الله والدار الآخرة في كتم قبائح ذلك الطاغية والتملق بتعظيمه وتسويده وتوقيره والترضي عنه اجلالا له فان كل ذلك مغضب الله تعالى ومسخط له ومعين على هدم الاسلام كما مر بك قريبا في احاديث من لا ينطق عن الهوى وهي والله الجديرة بالاذعان لما فيها ورفض ما خالفها وماذا يضر الصادع بالحق والناطق بالصدق من سباب هؤلاء العصبة المتعصبين والطغام المتعنتين وماذا يلحقه من صخبهم واستطالتهم على عرضه إذا كان عند الله تعالى وعند رسوله عليه الصلاة والسلام وعند الصالحين من عباده محمودا مشكورا مبرورا.
---
[ 156 ] (1/156)
إذا رضيت عني كرام عشيرتي * فلا زال غضبانا علي لئامها واما الادلة على وجوب بغض معاوية في الله فكثيرة ايضا قال الله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وابناءهم أو اخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون. المحادة المغاضبة والمخالفة كما في القاموس وغيره (وقال) الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره المعنى انه لا يجتمع الايمان مع وداد اعداء الله تعالى وذلك لان من أحب احدا امتنع ان يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين احدهما انهما لا يجتمعان في القلب فإذا حصل في القلب وداد اعداء الله لم يحصل فيه الايمان فيكون صاحبه منافقا والثاني انهما يجتمعان ولكنها معصية وكبيرة وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافرا بسبب هذا الوداد بل كان عاصيا في الله انتهى ثم قال: فيه ايضا وبالجملة فالآية زاجرة عن التودد إلى الكفار والفساق ورد عن النبي صلى الله عليه وآله انه كان يقول اللهم لا تجعل لفاجر ولا فاسق عندي نعمة فاني وجدت فيما اوحيت لاتجد قوما يؤمنون بالله (الآية انتهى). قلت كما دلت الآية بمنطوقها على ان موادة من حاد الله ورسوله من الكفار والفساق مخطورة فكذلك تدل بمفهومها على ان بغض من حاد الله ورسوله مأمور به مطلوب. وقد أخرج أبو داود الطيالسي عن البراء ابن عازب رضى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اتدرون اي عرى الايمان اوثق قلنا الصلاة قال: الصلاة حسنة وليست بذلك قلنا الصيام فقال مثل ذلك حتى ذكرنا الجهاد فقال مثل ذلك قلنا اخبرنا يارسول الله قال: اوثق عرى الايمان الحب في الله
---
[ 157 ] (1/157)
والبغض فيه واخرجه حمد في المسند من حديثه. واخرج الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس رضي الله عنهما اوثق عرى الايمان الموالاة في الله والحب في الله والبغض في الله (وفي) قوت القلوب لابي طالب المكي وفي الاحياء ايضا يروى ان الله سبحانه وتعالى اوحي إلى عيسى عليه السلام لو انك عبدتني بعبادة اهل السموات والارض وحب في ليس وبغض في ليس ما اغني عنك ذلك شيئا (ومن) القوت ايضا قال روينا عن عمر بن الخطاب وابنه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: لو ان رجلا صام النهار لا يفطر وقام الليل لم ينم وجاهد ولم يحب في الله ويبغض في الله ما نفعه ذلك شيئا. واخرج احمد في المسند عن أبي ذر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله احب الاعمال إلى الله الحب في الله والبغض في الله (واخرج) في المسند ايضا عن عمرو بن الجموع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحق لعبد صريح الايمان حتى يحب في الله ويبغض في الله. وفي قوت القلوب والاحياء يروى ان الله تعالى اوحي إلى موسى عليه السلام هل عملت لي عملا قط فقال الهي اني صليت لك وصمت وتصدقت وزكيت فقال ان الصلاة لك برهان والصوم جنة والصدقة ظل والزكاة نور فأي عمل عملت لي قال: موسى الهي دلني على عمل هو لك قال يا موسى هل واليت لي وليا قط عاديت لي عدوا قط فعلم موسى ان افضل الاعمال الحب في الله والبغض في الله (وفيه) ايضا قال: الحسن البصري رحمه الله مصارمة الفاسق قربان إلى الله عزوجل. (وفي) كتاب مكارم الاخلاف للشيخ رضي الدين الطبرسي رحمه الله قال: قال عليه وآله الصلاة والسلام من تولى جائرا في جوره كان قرين
---
[ 158 ] (1/158)
هامان في جهنم إلى غير هذا مما جاء في هذا الباب. وقد سئل الامام احمد بن حنبل رحمه الله أيؤجر الرجل على بغض من خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اي والله بهذا يتضح لك ان بغض معاوية امر مشروع يلازم الايمان ويثاب عليه الانسان وان حبه وتوليه امر يسخط الرحمن ويباين الايمان وحقيق بالمؤمن الغيور على حرمات الله ان تهتك وعلى حدوده ان تتعدى وعلى الدين ان يبدل وعلى الشرع ان يستخف به إذا عرف ما ارتكبه معاوية من الموبقات واقترفه من المظالم المتعدي ضررها إلى الامة بأسرها وجرأته على الله عزوجل وتهاونه باوامره واستخفافه بزواجره ان يبغضه ويعاديه حتى يحق له صريح الايمان بمعادة من عادى الرحمن فان النبي صلى الله عليه وآله قال: في حق علي بن ابي طالب عليه السلام اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وقال: عليه وآله الصلاة والسلام عادى الله من عادى عليا وليس على ظهر الكرة الارضية اعدى لعلي من معاوية وقد صرح كرم الله وجهه بذلك في مواطن مذكورة في محالها من كتب السير. يقول انصار معاوية انما نحبه لصحبته رسول الله صلى الله عليه وآله ولا سلامه ونقول لهم فلم لا تبغضونه لاساءته الصحبة كما سترى ذلك فيما سيأتي ولارتكابه الجرائم التي قدمنا ذكرها ان الحب في الله والبغض في الله متلازمان فمن زعم انه يحب في الله وهو لا يبغض فيه فقد غره بالله الغرور افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب. ان مثل هؤلاء ومعاوية في ذلك كمثل رجل كان عدوا لدودا لمالك عظيم عادل فأظفر الله ذلك الملك بعدوه وانقاد له صاغرا راغم الانف وكان بعد ذلك ربما مشى في جند الملك وربما تألفه الملك بكلمات وربما حذر منه اتباعه ثم بعد مدة غير طويلة حكمت الاقدار على ذلك الملك العظيم بالذهاب إلى مملكة
---
[ 159 ] (1/159)
اخرى اعظم من هذه فرتب الملك امور هذه المملكة وجعل فيها نوابا من خاصته واهل بيته وسن لهم قوانين وحد لهم حدودا في جميع امورهم ووعدهم إذا قدموا عليه بالمكافاة الحسنة والمواهب الجسيمة لمن اتبع ما سنه لهم وبالعقاب الشديد والعذاب الاليم لمن خالفه ثم بعد غيبوبة الملك وذهاب بعض نوابه إليه انتهز ذلك العدو الفرصة وجمع رعاعا واوباشا وغرهم بالاكاذيب وخدعهم بالاماني ثم ثار بهم في وجه اخي الملك وهو إذ ذاك نائبه واظهر زورا ان أخا الملك قد اخطأ في أمر ما ليغر اتباعه بذلك ثم لم يزل يراوغ مرة ويحارب اخرى حتى ذهب اخو الملك إليه بداع دعاه فأستحفل ؟ ذلك العدو الباغي ووثب على المملكة ونحى عنها ولد الملك ثم قتله وابطل اكثر قوانين الملك وطرد خواصه والحق الذل بعشيرته ورهطه واهل مودته وسلط عليهم وعلى جميع الرعية رعاعه وسلفته واستصفى اموالهم ولم يأل جهدا في القتل والفساد والجور ثم تألفت بعد عصابة يتسابقون إلى المدح والثناء على ذلك الرجل الباغي جهارا ويتهافتون على تعظيمه وستر عيوبه وفواقره ونهى الناس عن ذكرها ويحثونهم على التكذيب بوقوعها مهما لكنهم ذلك ويختلفون له المعاذير الواهية. ويرغبون إلى الملك ان يسبغ عليه افضاله ويجازيه بأحسن الجزاء على ما ارتكب من الفظائع في بيت الملك وخاصته ورعيته لانه واحد من جنده واغتفروا له كل عظيمة في جنب هذه المقدمة العقيمة وتصامموا وتعاموا عن ما اصاب الملك من هتك في اولاده وذل في خاصته وافساد في رعيته ومجاهرة بعصيانه واهدار لاحكامه واهانة لشرفه ثم مع هذا يزعمون انهم صاروا بعملهم هذا اخص الناس بالملك واطوعهم له واقربهم منه والاحق بعنايته وحلول نظره عليهم لانهم التزموا الادب مع الملك في زعمهم بحفظهم حرمة جنده الذي ربما مشى في ركاب الملك أو قضى حاجة من طفيف حاجاته فهم
---
[ 160 ] (1/160)
لذلك يرجون من الملك الجوائز ويؤملون منه العطايا فهل ترى من عاقل على ظهر الارض لا يقطع بحماقة اولئك القوم أو بمراغمتهم للملك وكلا الامرين ضلال ووبال ولا حول ولا قوة الا بالله. والحاصل ان كثيرا من الامة قد اتخذوا معاوية حبيبا مودودا كما اتخذت بنو اسرائيل عجلا معبودا كتب عليه انه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير وسينكشف لهم الغطا ويتبين الصواب من الخطا وستغشاهم الندامة إذا حشروا معه يوم القيامة فان المرء يحشر مع من احب وكفى بالمسلم خسارة ان يأتي ربه في زمرة امامها معاوية الباغي ووزيرها عمرو الطاغي وينفصل عن عصابة قائدها محمد المصطفى ووزيرها علي المرتضى مثل الفريقين كالاعمى والاصم والسميع والبصير هل يستويان مثلا افلا تذكرون. (تذييل) وقفت قريبا على كتاب لاحد فضلاء العصر اسبغ الله عليه فضله في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم وقد ذكر فيه جملة صالحة مما ورد في فضلهم من الايات القرآنية والاحاديث النبوية الا انه عمم من ذلك ما كان خاصا واطلق من ذلك ما كان مقيدا تبعا لبعض من تقدمه من العلماء وتقليدا محضا لهم حتى انه اثبت لمعاوية وعمرو وامثالهم بذلك التعميم والاطلاق طرفا من الفضائل التي لا تدل تلك الآيات والاحاديث على شئ منها واعتذر عن بعض بوائقهم وفضائعهم بما اعتذر به عنها من قلدهم من دعوى الاجتهاد لهم واثبات الثواب على ما ارتكبوه من الكبائر والقبائح ولم يعط الادلة حقها من التخصيص والتقييد هيبة من الاقدام على مخالفة من قلدهم وتلك قضية انما يؤيدها الوهم ويهدمها البرهان إذ من البديهي ان اقدامنا على
---
[ 161 ] (1/161)
مخالفة الكتاب والحديث بعدم اعطائه حقه من الفحص والتحقيق اكبر واعظم من مخالفتنا العلماء في ذلك بل مخالفتنا لهم في ذلك انما تعد فضيلة واتباعا للرسول صلى الله عليه وآله ولهم ايضا وقد ضرب ذلك الفاضل مثلا لعلي عليه السلام ولمعاوية بقوله شعرا. كاشمس في الافق الاعلى ابو حسن * ومن معاوية في الارض قنديل واراه قد اخطأ في هذا التمثيل لانه لا يلائم الواقع ولا يطابقه اما تمثيله عليا بالشمس فحق وصواب لانه باب مدينة علم المصطفى والمهتدون به كالمهتدين بنور الشمس واما تمثيله معاوية بالقنديل بالنسبة إلى نور على فخطأ لان معاوية كان يعارض عليا ويسبه ويكذبه ويحاول اطفاء ذلك النور الذي مثله بالشمس ولا كذلك القنديل بالنسبة للشمس فان القنديل ليس له ادنى طمع ولا قوة في تقليل ضوء الشمس ولكنه ضعف نوره عن نورها فأختفى وهذا التمثيل يمكن ان يصح لعلي عليه السلام مع احد اعراب الصحابة وعوامهم اما معاوية فيصح تمثيله مع نور علي بدخان كثيف تصاعد من مزبلة وانتشر انتشارا عظيما فأصاب عيونا رمدا واعشاها عن الاهتداء بذلك النور ولم يؤثر تراكم ذلك الدخان على الاعين الصحيحة النظر ثم تمزق ذلك الدخان المتراكم وصار هباء منثورا ولكنه ابقى آثارا في تلك الاعين المريضة ولا حول ولا قوة الا بالله. قلت وهذا المؤلف الفاضل هو من محبي اهل البيت واني والله اتمنى له زوال تلك البقية الباقية في صدره من موالاة عدو الله وعدو رسوله واهل بيته وطرحه جانبا كما امر الله حتى يصفو له وداده للنبي عليه السلام ولاهل بيته وتخلص محبته لهم من شائبة محبة اعدائهم ويغسل قلبه من موالاة اولئك العتاه الفجر المحادين لله ورسوله فيكون حينئذ خالصا مخلصا محشورا ان شاء الله في حزب محمد وعلي واهل البيت بعيدا عن معاوية واحزابه والله
---
[ 162 ] (1/162)
يتولى الجميع بهداه. المقام الثاني في بيان فساد الشبه التي توقفت بسببها الفرقة الثانية عن استباحة لعنه واعلان بغضه وتحريم موالاته كما سترى جميع ذلك موضحا ان شاء الله تعالى. الشبهة الاولى وهي اعظم الشبه القائمة عند تلك الفرقة المتوقفة عن القول بجواز لعنه وسبه ووجوب بغضه وربما استحسنت بسببها تسويده والترضى عنه تعظيما له وهي الامر الذي دندن حوله انصار معاوية وبنوا عليه العلالي والقصور وزاد الطنبور نغمة والطين بلة اصلاح اكثر المحدثين والاصوليين على ان الصحابي هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله مؤمنا ومات على الايمان وقول الكثير منهم بعدالة من سموه بهذا المعنى صحابيا ولو شرب الخمر وقتل النفس وزنى وسرق واكل اموال الناس بالباطل وحاد الله ورسوله وعاث في الارض فسادا وارتكب كل كبيرة واوجبوا تأويل سيئاتهم وحملها على محمل حسن. إذا قلت فأعلم ما تقول ولا تكن * كحاطب ليل يجمع الدق والجز لا وها انا ابين لك معنى الصحبة لغة وعرفا واذكر ما يترتب عليها من فضل وحكم واقرر من كتاب الله تعالى وحديث نبيه عليه وآله الصلاة والسلام بطلان ما عللوا به تعديلهم من ارتكب الكبائر ممن سموه صحابيا واكشف لك الغطاء عما ستره الكثير من ان معاوية عار عن الفضائل الواردة عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله في فضل اصحاب محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام حتى يعرف الحق طالبه. فأقول الصحبة لغة هي المعاشرة قال: في القاموس صحبه كسمعه صحابة ويكسر وصحبة بالضم عاشره انتهى وتطلق على المعاشرة في الزمن القليل والكثير وقد يخصها العرف العام بمزيد الملازمة والنصرة والمؤازرة والاختصاص
---
[ 163 ] (1/163)
فالصاحب للنبي صلى الله عليه وآله ومثله غيره هو من عاشره سواء كان مسلما أو كافرا برا أو فاجرا تقيا أو فاسقا كما اقتضته لغة العرب وقامت عليه الشواهد من القرآن والحديث وكلام العرب لاكما اصطلح عليه المحدثون من تخصيص اسم الصاحب بالمسلم فقط ومن حيث ان صدق الصاحب على المعاشر المسلم لا نزاع فيه فلا حاجة إلى تجشم ايراده الادلة عليه. (ودونك) ادلة صدق اسم الصحبة بين المسلم والكافر فضلا عن الفاسق والمنافق قال الله تعالى مخاطبا لمشركي قريش ما ضل صاحبكم وما غوى (وقال) جل شأنه قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادي تتفكروا ما بصاحبكم من جنة (وقال) تعالى واملي لهم ان كيدي متين اولم يتفكر وما بصاحبهم من جنة (وقال) عز شأنه فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا (وقال) جل جلاله قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا وكان احدهما مؤمنا والآخر كافرا (وقال تعالى) كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران له اصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا (وقال) عزوجل وان جاهداك على ان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا وقال: النبي صلى الله عليه وآله حين سئل ان يقتل رأس المنافقين عبدالله بن ابي لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه وكذلك قال: في قصة الرجل الذي قال: لما قسم غنائم حنين ان هذه لقسمة ما اريد بها وجه الله فقال عمر دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق فقال معاذ الله ان يتحدث الناس اني اقتل اصحابي. (ويعلم) مما ذكرنا ان مجرد الصحبة لغة لا يختص بمسلم ولا بكافر وان الربح والخسران للمسلم في صحبة النبي صلى الله عليه وآله انما هو في احسان الصحبة واساءتها والصحبة النافعة ما قارنها التعظيم والانقياد له صلى الله عليه وآله وسلم والحب والاتباع كصحبة العشرة المبشرة والسابقين الاولين
---
[ 164 ] (1/164)
من المهاجرين والانصار وأهل بدر واهل بيعة الرضوان ومن احسن احسانهم وعمل كعملهم رضي الله عنهم اجمعين والصحبة الضارة ما قارنها الخداع والنفاق والعداء له عليه السلام ولاهل بيته وارتكاب المخالفات بعده واقتراف الكبائر كصحبة عبدالله بن ابي وثعلبة والحكم بن ابي العاص والوليد بن عقبة وحبيب بن مسلمة ومعاوية وعمرو بن العاص وسمرة بن جندب وبسر بن ارطاة وذي الثدية الخارجي والمغيرة بن شعبة وامثالهم (والثواب والعقاب) والاجر والاصر مرتب على تلك الافعال فمن احسن فله الحسنى ومن اساء فعلية ما اكتسب من الاثم ومن خلط واحسن واساء فله ثواب ما احسن فيه وعقاب ما اساء به والموازنة في ذلك بحسب عظم الفعل وصغره ونية فاعله وتوبته واصراره ومرجع ذلك كله إلى الله قال الله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قترو لاذلة اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة مالهم من الله من عاصم كأنما اغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون. (ويشهد) لذلك ما جاء في حق خيار الصحابة من المبشرات والفضائل العظيمة والوعد بالحسنى كما سيأتي كثير من ذلك وما جاء في حق المحدثين والمسيئين والمنافقين منهم خاصة من الوعيد الشديد. (فمن) ذلك ما اخرجه ابن عساكر عن ابي بكرة من حديث حدث به معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني فإذا رفعوا الي ورأيتهم اختلجوا دوني فأقول رب اصحابي وفي لفظ اصيحابي فيقال لا تدري ما احدثوا بعدك. (واخرج) البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: قال النبي (ص) انا فرطكم على الحوض ليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا اهويت لاناولهم
---
[ 165 ] (1/165)
اختلجوا دوني فأقول اي رب اصحابي فيقول لا تدري ما احدثوا بعدك (واخرج) في صحيحه ايضا عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول انا فرطكم على الحوض من ورد شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليردن على اقوام اعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم قال: ابو حازم فسمعني النعمان بن عياش وانا احدثهم هذا فقال هكذا سمعت سهلا فقلت نعم قال: وانا اشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال انهم مني فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي. واخرج ابن عساكر ويعقوب بن سفيان عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اني فرطكم على الحوض انظر من يرد علي منكم فلا القين ما توزعت في احدكم فأقول هذا مني وفي لفظ من امتي وفي لفظ من اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدث بعدك فقلت يارسول الله ادع الله ان لا يجعلني منهم فقال انك لست منهم. ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب واخرجه احمد في المسند عن ام سلمة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وآله ان من اصحابي من لا اراه ولا يراني بعد ان اموت أبدا قال فبلغ ذلك عمر فأتاها يشتد ويسرع فقال انشدك الله انا منهم قالت لا ولن ابرئ بعدك احدا (واخرج) احمد في المسند والطبراني في الكبير وبو نصر السبحزي في الابانة عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال انا آخذ بحجزكم اقول اتقوا النار واتقوا الحدود فإذا مت تركتكم وانا فرطكم على الحوض فمن ورد فقد افلح فيؤتى بأقوام فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب امتي فيقول انهم يزالوا بعدك يرتدون على اعقابهم (وفي) رواية للطبراني في الكبير بعد قوله يا رب امتي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك مرتدين على اعقابهم. واخرج أبو داود الطيالسي واحمد في المسند وعبد بن حميد وابو يعلي
---
[ 166 ] (1/166)
والحاكم في المستدرك وابن ابي شيبة عن ابي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال الا ما بال اقوام يزعمون ان رحمي لا تنفع والذي نفسي بيده ان رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة الا واني فرطكم ايها الناس على الحوض الا وسيجئ اقوام يوم القيامة فيقول القائم منهم انا فلان بن فلان فأقول اما النسب فقد عرفت ولكنكم ارتددتم بعدي ورجعتم القهقرى (واخرج) الديلمي عن انس رضي الله عنه اياك وصاحب السوء فأنه قطعة من النار لا ينفعك وده ولا يفي لك بعهده. اما ما ذكره اكثر المحدثين والاصوليين من اشتراط الايمان في اسم الصحابي وموته عليه فذاك اصطلاح خاص لهم ولا مشاحة في الاصطلاح فلا منازع لهم فيه وان نازع بعضهم بعضا إذ لا يترتب على تخصيصهم الصاحب بالمسلم امر محذور. واما تعديلهم كل من سموه بذلك الاصطلاح صحابيا وان فعل ما فعل من الكبائر ووجوب تأويلها له فغير مسلم إذ الصحبة مع الاسلام لا تقتضي العصمة اتفاقا حتى يثبت التعديل ويجب التأويل على انهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافا كثيرا والجمهور هم القائلون بالعدالة. قال في جمع الجوامع وشرحه والاكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة لانهم خير الامة قال صلى الله عليه وآله خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ومن طرأ له منهم قادح عمل بمقتضاه (وقيل) هم كغيرهم فيبحث عن العدالة فيهم الا من يكون ظاهر العدالة أو مقطوعها (وقيل) هم عدول إلى حين قتل عثمان ويبحث عن عدالتهم من حين قتله لوقوع الفتن بينهم حينئذ ومنهم الممسك عن خوضها (وقيل) هم عدول الا من قاتل عليا فهم فساق لخروجهم على الامام الحق (ورد) بأنهم مجتهدون في قتالهم له فلا يأثمون وان اخطأوا بل يؤجرون (انتهى بحروفه).
---
[ 167 ] (1/167)
وهل هذه الخيرية بحسب الافراد أو بحسب المجموع لحا الجمهور إلى الاول والآخرون إلى الثاني. قلت قد اعترض على استدلال الجمهور بهذا الحديث بأنه لا ينهض بمدعاهم لان الخيرية التي حاولوا بها اثبات عدالة كل الصحابة شاملة لمن كان في قرنه عليه السلام من المسلمين غير الصحابة فيلزمهم القول بعدالتهم كما قالوا بعدالة الصحابة وان كل فرد من اهل القرن الاول يكون اعدل وافضل من الحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وامثالهم من اهل القرن الثاني واللازم باطل فبطل الملزوم ويلزمهم ايضا تفضيل يزيد والحجاج واغيلمة قريش وابن زياد وامثالهم من فسقة القرن الثاني على اكابر اهل القرن الثالث كمالك والشافعي وسفيان وامثالهم وليس كذلك فتعين ان المراد في الحديث خيرية المجموع على المجموع وعليه لا ثبوت بالحديث المذكور لعدالة كل الصحابة بل يكونون كغيرهم فيبحث عن عدالتهم الا من كان ظاهر العدالة أو مقطوعها كالخلفاء الاربعة وغيرهم من الصحابة الذين لا مطعن فيهم ولهم السوابق والمشاهد مع النبي صلى الله عليه وآله على ان في صحة حديث خيرية القرون من حيث المعنى مقال مقبول الا ان تؤول الخيرية أو القرن بما يطابق المعنى لان الخمسين الاخيرة من سني اول القرون هي شر السنين على الاسلام والمسلمين إذ فيها كانت ولاية يزيد بن معاوية وقتل الحسين عليه السلام وعترته وخيار شيعته واستباحة المدينة الشريفة وهتك حرم ساكنيها وقتل اكابر الصحابة فيها ومحاصرة مكة ورمى الكعبة بالمنجنيق وفيها شرب خلفاء الاسلام الخمور وارتكبوا الفجور وقتلوا المسلمين وسبوا حريمهم ونقشوا على ايديهم كما نقش على ايدي سبي الروم وذلك في خلافة بني مروان وامرة الحجاج (قال المارزي) في شرح البرهان في الصحابة عدول وغير عدول ولا نقطع الا بعدالة الذين لازموه صلى الله عليه وآله ونصروه
---
[ 168 ] (1/168)
واتبعوا النور الذي انزل معه واما عدالة كل من رآه عليه الصلاة والسلام يوم ما اوزاره لما ما أو اجتمع به لغرض وانصرف فلا نقطع بها بل هي محتملة وجودا وعدما (انتهى) قال السيد الآلوسي وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (انتهى) وما رد به الجمهور على من قال بنفي عدالة من اقترف كبيرة كقتال علي مع الاصرار عليه بأنهم مجتهدون فيما شجر بينهم وغاية ذلك انهم اخظئوا فلهم اجر واحد مردود بما قدمناه في ابطال دعوى اجتهاد معاوية من ان الاجتهاد لا يصح في مقابلة المنصوص وبأنه لم يثبت ان الصحابة كلهم من اهل الاجتهاد بل الثابت ان منهم المجتهد ومنهم العامي فيكون حينئذ المجتهد منهم عدلا والعامي فأسقا وهو غير مرادهم. وقد احتج القائلون ومنهم ان عبد البر بأن افضلية القرن الاول على الثاني والثاني على الثالث انما هي بحسب المجموع لا بحسب الافراد بحيث يمكن ان يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو افضل من الصحابة كما صرح به القرطبي احتجوا بحديث مثل امتي كالمطر لا يدري اوله خيرا وآخره أو خرجه الترمذي وابن حبان وصححه وبحديث ابن ابي شيبة من حديث عبدالرحمن ابن جبير بأسناد حسن قال: قال رسول ا صلى الله عليه وآله ليدركن المسيح اقواما انهم لمثلكم أو خير ثلاثا ولن يخزي الله امة انا اولها والمسيخ آخرها وبما روى احمد والطبراني من حديث ابي جمعة الانصاري قال: قال أبو عبيدة يا رسول الله ااحد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني صححه الحاكم (واخرجه) البخاري في خلق افعال العباد من حديث ابي جمعة ايضا ولفظه كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة فقلنا يا رسول الله هل من احد اعظم منا اجرا آمنا بك واتبعناك قال وما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين اظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين فيؤمنون به
---
[ 169 ] (1/169)
ويعملون بما فيه اولئك اعظم منكم اجرا وبما اخرج الترمذي من حديث ابي ثعلبة رفعه تأتي ايام للعامل فيهن اجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وبحديث عمر مرفوعا قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اتدرون اي الخلق افضل ايمانا قلنا الملائكة قال: وحق لهم بل غيرهم قلنا الانبياء قال: وحق لهم غيرهم ثم. قال صلى الله عليه وآله افضل الخلق ايمانا قوم في اصلاب الرجال يؤمنونبي ولم يروني الحديث اخرجه الطيالسي وغيره وفي اسناده ضعف وبحديث امتي امة مباركة لا يدري اولها خير أو آخرها اخرجه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلا بسند حسن وبخبر طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبي لمن آمن بي ولم يرني. سبع مرات وبما روي ان عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة كتب إلى سالم بن عبدالله بن عمر رضي الله عنهم ان اكتب لي سيرة عمر بن الخطاب لاعمل بها فكتب إليه سالم ان عملت بسيرة عمر فأنت افضل من عمر لان زمانك ليس كزمان عمر ولا رجالك كرجال عمر وكتب إلى فقهاء زمانه فكلهم كتب بمثل قول سالم (قال) ابن عبد البر فهذه الاحاديث تقتضي مع تواتر طرقها وحسنها التسوية بين اول هذه الامة وآخرها في فضل العمل الا اهل بدر والحديبية (انتهى) وروى عن ابن سيرين بسند صحيح ان الامام المهدي يكون افضل من ابي بكر وعمر (انتهى). قلت وازيدك عمر مامران في القول بتعديل جميع الصحابة على اصطلاحهم معارضة للقرآن وللحديث فان الله سبحانه وتعالى سمى الوليد بن عقبة وهو صحابي فاسقا في موضعين من القرآن وأمر النبي والمؤمنين بالتشبث في قبول خبره فكيف ساغ للجمهور تسميته عدلا وقبول روايته قال: الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين (اخرج ابن جرير) في تفسيره عن ابن عباس
---
[ 170 ] (1/170)
رضي الله عنهما قال: كان رسول الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث الوليد بن عقبة ابن ابي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وانه لما اتاهم الخير فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وانه لما حدث الوليد انهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله ان بني المصطلق قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا فبينما هو يحدث نفسه ان يغزوهم اذاتاه الوفد فقالوا يا رسول الله ان رسولك رجع من نصف الطريق وانا خشينا ان يكون انما رده كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فانزل الله تعالى عذرهم في الكتاب فقال يا ايهاالذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة الآية. قال ابن عبد البر ولا خلاف بين اهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت ان قوله عزوجل ان جائكم فاسق بنبأ نزلت في الوليد بن عقبة (انتهى). واخرج ابن جرير ايضا عن عطاء بن يسار في تفسير قوله تعالى افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال: نزلت بالمدينة في علي بن أبي طالب عليه السلام والوليد بن عقبة بن ابي معيط كان بن الوليد وبين علي عليه السلام كلام فقال الوليد بن عقبة انا ابسط منك لسانا واحد منك سنانا وارد منك للكتيبة فقال علي اسكت فأنك فاسق فأنزل الله فيهما افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال: لا والله ما استويا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة (انتهى). قلت والوليد هذا هو اخو عثمان رضي الله عنه لامه وقد ولاه الكوفة وعزل عنها سعد بن ابي وقاص قال ابن عبد البر وله اخبار فيها نكارة وشناعة تدل على سوء حاله وقبيح افعاله وقال واخباره في شرب الخمر ومنادته ابا زبيد الطائي مشهورة كثيرة يسمج بنا ذكرها هنا قال وخبر
---
[ 171 ] (1/171)
صلاته باهل الكوفة وهو سكران وقوله ازيدكم بعد ان صلى الصبح اربعا مشهور من رواية الثقاة من نقل اهل الحديث واهل الاخبار وفيه يقول الحطيئة. تكلم في الصلاة وزاد فيها * علانية وجاهر بالنفاق ومج الخمر في سنن المصلى * ونادى والجميع إلى افتراق ازيدكم على ان تحمدوني * فمالكم ومالي من خلاق (انتهى) (1).
---
(1) ذكر في الاسعاف من اخبار الوليد ان امرأة الوليد جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكيه بأنه يضربها فقال لها ارجعي وقولي ان رسول الله قد اجارني فأنطلقت فمكثت ساعة ثم جاءت فقالت ما اقلع عني فقطع صلى الله عليه وآله وسلم هدية من ثوبه ثم قال: لها اذهبي بهذا وقولي ان رسول الله قد اجارني فمكثت ساعة ثم رجعت فقالت يا رسول الله ما زادني الا ضربا فرفع يديه وقال اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا قال: واقام بالكوفة اميرا من طرف عثمان وكان يدني الشعراء ويشرب الخمر ويجالس ابا زبيد الطائي النصراني وصلى الصبح بالناس في المسجد الجامع اربعا وهو سكران وقرا في صلاته. علق القلب ربابا * بعد ما شابت رشابا فلما سلم التفت الي الناس وقال: ازيدكم فأني اجد اليوم نشاطا فقال ابن مسعود رضي الله عنه وكان على بيت المال مازلنا معك في زيادة منذ اليوم ثم تقايأ في المحراب وفيه يقول الحطيئة. شهد الحطيئة يوم يلقى ربه * ان الوليد احق بالعذر نادى وقد تمت صلاتهم * أأزيدكم سكرا وما يدري فأبوا ابا وهب ولو اذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري قال: وروى عثمان رضي الله ضرب من اخبره يشرب الوليد الخمر فقال الناس عطلت الحدود وضربت الشهود وتسامع الناس في ذلك فجاؤا إلى عثمان فقالوا اتق الله ولا تعطل الحد واعزل اخاك عنهم فعزله وضربه الحد وحدث عمر بن شبة قال: لما قدم الوليد الكوفة وفد عليه ابو زبيد الطائي النصراني فأنزله الوليد دار عقيل ابن ابي طالب على باب المسجد فأستوهبها منه فوهبها له وكان اول الطعن عليه لان أبا زبيد كان يخرج من منزله يخترق المسجد إلى الوليد = (*)
---
[ 172 ] (1/172)
واما معارضته للاحاديث فقد قدمنا قريبا في تعريف الصحابي كثيرا منها تعرف منه وجوه المعارضة لما ذكروا فلا نطيل باعادته فارجع إليه وفقك الله على ان نقول لهم ان الصحابة انفسهم لا يدعون لانفسهم هذه المنزلة الني ادعاها بعض المحدثين لهم من العدالة العامة فيهم وهم اعرف بانفسهم وبمن عاصروه وعاشروه من هؤلاء الذين كادوا يتخذون الصحابة انبياء معصومين كيف وقد نقل عنهم وشاع وانتشر رد بعض منهم روايات البعض الآخر واتهامه في النقل وعدم قبول ما جاء به الا بعد تثبت شديد وتحر عظيم (وقد صح) عن علي كرم الله وجهه انه يقول ما حدثني احد بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله الا استحلفته وما استثنى احدا من المسلين الا ابا بكر. وقال كرم الله وجهه لعمر رضي الله عنه وقد افتاه الصحابة في مسألة واجمعوا عليها ان كانوا راقبوك فقد غشوك وان كان هذا جهد رأيهم فقد اخطأوا وقد صرح غير مرة بتكذيب ابي هريرة حتى قال مرة لا احد اكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال عمر رضي الله عنه لما استأذنه
---
= وهو سكران فيتخذه طريقا ويسمر عنده ويشرب معه وعن ابن الاعرابي قال: اعطي والوليد ابا زبيد الطائي ما بين القصور الحمر من الشام ان القصور الحمر من الحيرة وجعله له حمى فلما عزل الوليد وولي سعيد انتزعها منه واخرجها عنه قال: ولما قدم سعيد بن العاص الكوفة موضع الوليد قال اغسلوا هذا المنبر فان الوليد كان رجسا نجسا فلم يصعده حتى غسل ومات الوليد فوق الرقة وبهامات ابو زبيد الطائي ودفنا في موضع واحد فقال في ذلك اشجع السلمى وقد مر بقبرهما. مررت على عظام ابي زبيد * وقد لاحت ببلقعة صلود وكان له الوليد نديم صدق * فنادم قبره قبر الوليد قال المسعودي وخطب الناس يوما وهو سكران فحصبه الناس بحصباء المسجد فدخل قصره يترنح ويتمثل بأبيات لتأبط شرا. ولست بعيدا من مدام وقينة * ولا بصفا صلد عن الخير معزل ولكنني اروي من الخمر هامتي * وامشي الملا بالساحب المتسلسل (*)
---
[ 173 ] (1/173)
الزبير في الغزو اني ممسك بباب هذا الشعب ان تتفرق اصحاب محمد في الناس فيضلوهم وقال في سعد بن عبادة سيد الأنصار رضي الله عنه افتلوا سعدا اقتلوه فانه منافق وقال لقد اكثر علينا ابو هريرة وطعن في روايته وشتم خالد بن الوليد وحكم بفسقه وخون عمرو بن العاص ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفئ. وقال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ماكنت ارى اني اعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق وقال لو استقبلت من امرى ما استدبرت ما وليت عثمان شسع فعلي. وهذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها خرجت بقميص رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تقول ان هذا قميص رسول الله لم يبل وعثمان قد ابلى سنته وروى بعض الصحابة حديث الشؤم في ثلاثة فكذبته وروى بعضهم حديث التاجر فاجر فكذبته. وانكر العباس وعلى وفاطمة رضي الله عنهم حديث الصديق نحن معاشر الانبياء لا نورث وقالوا كيف كان النبي يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة واولى الناس بان يؤدي هذا الحكم إليه. ولم يقبل سعد بن عبادة وكثير من الانصار حديث الصديق رضي الله عنه الائمة من قريش. وقيل لابن عباس رضي الله عنهما ان عبدالله بن الزبير يزعم ان موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل فقال كذب عدو الله. وكذب عروة بن الزبير وهو تابعي بن عباس وهو صحابي حين اخبر ان ابن عباس يقول ان النبي صلى الله عليه وآله اقام بمكة بعد البعثة ثلاثة عشرة ستة فقال كذب ابن عباس. وقد جاء امثال هذا عن كثر من الصحابة رضي الله عنهم مما لا يمكننا
---
[ 174 ] (1/174)
الا طالة بذكره فلو كانوا يعتقدون عدالة الكل كما قال هؤلاء لما ساغ لاحد منهم رد رواية الآخر بل يجب عليه قبولها والاذعان بما فيها وبالجملة فالقول بعموم التعديل مردود مهدوم بما تقدم ولم يبق بعد هذه النقول والايرادات لدى انقائلين به من حجة يدافعون بها عن هذه القاعدة التي اصطلحوا عليها الا ان يقول هذا لا يصح وهذا لم يثبت وان كان ثابتا وصحيحا في نفس لامر والله اعلم. وقد اهمل كثير من اهل الحديث واجب لتثبت في الرواية كما امر الله من جانب وتجاوزوا القدر المطلوب من التثبت من جانب آخر فتراهم يصححون ويقبلون بلا ادنى توقف رواية من اخبر الله عنه في كتابه انه فاسق كالوليد بن عقبة ومن اخبر النبي انه وزغ ملعون كالحكم ومن اخبر عنه انه في النار كسمرة ومن اخبر النبي انه داع إلى النار كمعاوية وعمرو وامثالهم. ثم تراهم يضعفون رواية من يقول فيه يحيى بن معين أو ابو حاتم أو ابن القطان أو ابن ابي خيثمة أو العجلي أو امثالهم لااعرفه اولا أحب حديثه أو في نفسي منه شئ أو كان يتشيع أو ربما كان يهم وأمثال هذا مما لا يثبت به جرح ولم يقم عليه دليل ولو كان من قيل فيه ما قاله احدهم من اصدق الناس واتقاهم درج على هذه طائفة وقبيل بعد قبيل داء عضال لا علاج له الا الابتهال إلى الله تعالى ان يجعلنا على بصيرة من هذا الامر توفيقا منه واحسانا. اننا اهل السنة قدانكرنا على الشيعة دعواهم العصمة للائمة الاثنى عشر عليهم السلام وجاهرناهم بصيحات النكير وسفهنا بذلك احلامهم ورددنا ادلتهم بمارددنا افبعد ذلك يجمل بنا ان ندعي ان مائة وعشرين الفا حاضرهم وباديهم وعللهم وجاهلهم وذكرهم وانثاهم كلهم معصومون أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق ونجزم بعدالتهم اجمعين فنأخذ رواية كل فردمنهم قضية مسلمة نضلل من نازع في صحتها ونفسقه ونتصنامم عن كل
---
[ 175 ] (1/175)
ما ثبت وصح عندنا بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حق وشرب الخمر وغير ذلك مع الاصرار عليه لا ادري كيف تحل هذه المعضلة ولا اعرف تفسير هذه المشكلة. اليك فاني لست ممن إذا اتقى * عضاض الافاعي نام فوق العقارب أما الامر بحسن الظن فحسن ولكنه ليس في مقام بيان الحق وابطال الباطل والكلام على جرح أو تعديل ولو سوغنا هذا لتعطلت الاحكام وبطلت الحدود والشهادات وكبكب الشرع على ام رأسه اذلا وجه لتخصيص اشخاص دون آخرين بحسن الظن بهم في كل ما يفعلونه إذا ترتب على فعله حكم شرعي الا بمخصص شرعي واني بذلك ولو عممنا القول بذلك لكان حسن الظن حسنا بكل فرد من افراد المسلمين في كل ما يفعله كما يقول به بعض الصوفية فيتأول حينئذ لكل منهم ما ارتكبه من القبائح والبدع المضلة والكبائر ويحمل كل ذلك على محمل حسن وقصد صالح ويدخل في ذلك الخوارج وغلاة الرافضة فيما يرتكبونه من البدع والتفكير والسب وهلم جرا اللهم غفرانك ان بهذا يتعطل الشرع وتلتبس الامور ويختلط الحابل بالنابل بل الواجب اجرء كل شئ في مجراه عند ارادة ايضاح الحقائق وبيان المشروعات وبهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم وهكذا عمل جهابذة اصحاب الحديث في الجرح والتعديل في رواة الحديث الا فيمن له صحبة على حسب اصطلاحهم في تعريف الصاحب وهي نقطة الانتقاد عليهم ومحل الاشكال إذ كيف يمكن طالب الحق ان يعتمد ما قالوه ويجري على ماجروا عليه من التسوية صحة واحتجاجا بين روايات الحكم والوليد ومعاوية وعمرو واشباههم سبحان الله افمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله لا والله ثم لا والله ان الاذعان للحق شان المنصفين ولكن اكثرهم للحق كارهون.
---
[ 176 ] (1/176)
ودونك الآن - كما وعدنا - بعض ما جاء من الآيات والاحاديث الدالة على فضائل زمر من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ورضي عنهم يعرف بها علو مقدارهم عند الله وعظيم منزلتهم لديه مما يوجب علينا توقيرهم واحترامهم ومحبتهم واعتقاد حسن سلوكهم ومصيهم غير ان كثيرا من الناس يوردونها مغالطة في فضائل عموم كل من سمى باصطلاح المحدثين صحابيا ليدخلوا في تلك الفضائل معاوية واشباهه ولكن إذا تأملها المنصف المقيد نفسه باتباع الحق والاذعان له لم يجد لمعاوية وامثاله فيها ناقة ولا جملا وعرف ان بينه وبين تلك الفضائل بعد المشرقين (اما الآيات) فمنها قوله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون وتنهون عن المنكر الآية قال ابن عبد البر قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عزوجل كنتم خير امة اخرجت للناس هم الذين هاجروا مع محمد صلى الله عليه وآله. اثبت الله سبحانه وتعالى لهذه الامة الخيرية على سائر الامم ولا شئ يعدل شهادة الله بذلك ولا شك ان الصحابة رضوان الله عليهم هم المقصودون اولا بالخطاب وهم صدر الامة وخيرها وهذه الخيرية هي بحسب مجموع هذه الامة على مجموع غيرها لا بحسب افرادها على افراد الامم الاخرى إذ لو كان كذلك للزم ان يكون الفاسق من هذه الامة خيرا من حواريي عيسى عليه السلام وانبياء بني اسرائيل وهو باطل اجماعا وإذا كان بحسب المجموع حرج اهل الكبائر والبوائق من هذه الامة عن هذه الخيرية كمعاوية وابنه وكثيرين غيرهما على ان الله تعالى بين جهة الخيرية بقوله تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ومعاويد واعوانه بضد ذلك على خط مستقيم فانهم كما قدنا ذلك عنهم واثبتناه يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويدعون إلى النار قاتلهم الله انى يؤفكون. ومنها قوله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين
---
[ 177 ] (1/177)
انبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم اعد الله الجنات للسابقين الاولين من المهاجرين والانصار ورضى عنهم كما اخبر وللذين اتبعوهم باحسان اترى معاوية واتباعه من المتبعين بالاحسان لا والله بل سلكوا سبيلا معاكسا لما سلكه السابقون وركبوا متن طرق البغي والجور والضلالة. سارت مشرقة وسرت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب ومنها قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه هؤلاء هم اهل الصفة رضي الله عنهم وليس منهم ذلك الطاغية ولا احد من انصاره كما اجمع على ذلك اهل التفسير اخرج البيهقي في شعب الايمان وابن مردوية وابو نعيم في الحلية عن سلمان قال جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عيينة بن بدر والاقرع بن حابس فقالوا يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وارواح جبابهم يعنون سلمان وابا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك وحدثناك واخذنا عنك فانزل الله تعالى اتل ما اوحي اليك من كتاب ربك إلى قوله اعتدنا للظالمين نارا. يهددهم بالنار واخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عبدالرحمن بن سهل ابن حنيف قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في بعض ابياته واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله فيهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال الحمد لله الذي جعل في امتي من امرني ان أصبر نفسي معهم. (ومنها) قوله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الآية هؤلاء هم اهل بيعة الرضوان اختصهم الله تعالى برضاه حين بايعوا رسول الله تحت الشجرة على الموت في قتال ابي سفيان ومعاوية ومن
---
[ 178 ] (1/178)
معهما من كفار قريش وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال لايدخل النار احد بايع تحت الشجرة. (ومنها) قوله تعالى للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله اولئك هم الصادقون والذين تبؤوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما اوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولا خواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم. يشهد الله وملائكته والمؤمنون ان معاوية وانصاره ليسوا من الذين جاؤا من بعد يستغفرون لسابقيهم بل جاء معاوية بسب اول المهاجرين اسلاما واقربهم قرابة إلى النبي صلى الله عليه وآله ويلعنه واهل بيته على المنابر وقتاله وبغيه علي الله وعلى رسوله عاش هو وابوه وبنوه حربا لله تعالى ولرسوله واهل بيته عاملهم الله بما يستحقون. (ومنها) قوله تعالى محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيما هم في وجوههم من اثر السجود إلى ان قال جل وعلا وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجر عظيما وصف الله اصحاب رسوله بشدتهم على الكفار والتزاحم بينهم وبكثرة الركوع والسجود ابتغاء فضل الله ورضوانه ثم ودعهم إذ ذاك بالمغفرة والاجر العظيم وهذا كله فيمن اسلم قبل صلح الحديبية لان الآية نزلت عقيبة كما ذكره المفسرون ومعاوية وابوه وانصاره إذ ذاك يسجدون للات والعزى وهبل وهم الكفار الذين اغاظهم الله كما ذكر في الآية بأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وماذا يغني من اورد هذه الآية في فضائل كل
---
[ 179 ] (1/179)
من سماه المحدثون صحابيا مدعيا عموم قوله تعالى والذين معه حتى يدخل طاغية الاسلام وحزبه في هذا العموم وهيهات هيهات. (ومنها) قوله عزوجل لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في ساعة العسره من بعدما كاد تزبغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم انه بهم رؤف رحيم. ما ادعى أحد ان معاوية من المهاجرين ولامن الانصار فلا مدخل له في توبة الله عليهم وان كان من جيش العسرة فان التوبة وقعت للمهاجرين والانصار فحسب. (ومنها) قوله عزوجل لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير. كلا الطائفتين المقاتلتين موعود من الله بالحسنى ولا ريب في ان النار محرمة على كل من سبقت له لان الله جل جلاله يقول ان الذين سبقت لهم منا الحسنى اولئك عنها مبعدون ومعاوية لم يكن ممن انفق وقاتل لا قبل الفتح ولا بعده فلا نصيب له من ذلك الوعد بالحسنى وحضوره ان صح مع النبي في غزوة تبوك لا يفيد دخوله في الطائفة الثانية لانه لم يقع في تلك الغزوة قتال اصلا اما دعوى من ادعى ان التقييد بالانفاق والقتال في هذه الآية وتقييد الاتباع بأحسان في الاخرى لا مفهوم له ولا يخرج به من لم تكن له هذه الصفات فدعوى ساقطة وتلاعب بمعاني كلام الله ومكابرة وعناد للحق افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (واما) الاحاديث فمنها ما اخرجه الشيطان وغيرهما عن ابي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فقال النبي صلى الله عليه وآله لاتسبوا اصحابي فلو ان احدكم انفق مثل احد ذهبا ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه (قال) الحافظ بن حجر وغيره
---
[ 180 ] (1/180)
من شراح الحديث فيه اشعار بأن المراد بقوله اصحابي اصحاب مخصوصون لان الخطاب كان لخالد ومن معه من باقي الصحابة وقد قال لو ان احدكم انفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل (وبمثل) هذا اللفظ جاءت احاديث كثيرة وكلها تشير ان المراد منها اصحاب مخصوصون بل لا يمكن حملها على العموم والشمول فلا نطيل بذكرها ولاخفاء في ان الطاغية في معزل بعيد عن ما يترتب عليها من الفضل (1). (ومنها) ما اخرجه المحاملي. والطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وآله قال ان الله اختارني واختار لي اصحابا فجعل لي منهم وزراء وانصارا فمن سبهم فعلية لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا لاريب في ان الاصحاب والاصهار في الحديث إذا فرضت صحته هم اصحاب واصهار مخصوصون وليس المراد الصحبه بالمعنى اللغوى إذ لو كانت مرادة لدخل فيها كثير من المنافقين واهل الكبائر ولدخل في الاصهار حيي بن اخطب وغيرهم من المشركين والفسقة وانما المراد بالاصحاب كما في الاصحاب الاخرى من نصره ووازره وجاهد معه واتبعه باحسان كما ان
---
(1) مما يؤكد ان المقصود بالاصحاب حيث ذكروا في الاغلب الاحاديث هم الاصحاب مخصوصون كما اقتضاه العرف العام ما رواه ابن بابويه في كتاب عيون اخبار الامام علي الرضا بن موسى الكاظم رضي الله عنهما اخرج بأسناده احمد بن محمد الطالقاني قال: حدثني ابي قال حلف رجل في خراسان بالطلاق ان معاوية ليس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في ايام علي الرضا رضي الله عنه فافتى الفقهاء بطلاقها فسئل الرضا فافتى انها لا تطلق فكتب الفقهاء رقعة فانقذوها إليه وقالوا من اين قلت يابن رسول الله انها لم تطلق فوقع في رقعتهم قلت هذا من روايتكم عن ابي سعيد الخدري ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لمسلمة الفتح وقد كثروا عليه انتم خبرة واصحابي خبرة ولا هجرة بعد الفتح فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء اصحابا له قال: فرجعوا إلى قوله (انتهى). (*)
---
[ 181 ] (1/181)
المراد بالاصهار الخلفاء الاربعة ومن قاربهم لاحيي ومعاوية وابوه وزمعة ومن شاكلهم ولفظ الاختيار في الحديث في مشعر بهذا المعنى واول من يصدق وينطبق عليه وعيد هذا الحديث هو معاوية وعمرو واعوانهما لانهما اول من فتح باب السب واعلنه فقدسبا اول الاصحاب اسلاما واشرفهم مصاهرة واقواهم موازرة وسبا ايضا معه الحسن والحسين وابن عباس وعمارا وسعد وقيس بن سعد وغيرهم ومن سب أو لعن هؤلاء فعلية لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. ومنها ما اخرجه البزار عن سلام بن سليم قال: حدثنا الحرث بن غصين عن الاعمش عن ابي سفيان عن جابر قال: قال رسول صلى الله عليه وآله اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم (قال) ابن عبد البر هذا اسناد لا تقوم به حجة لان الحرث بن غصين مجهول وقال: ايضا عن محمد بن ايوب الرقى قال: قال لنا ابو بكر احمد بن عمر بن عبد الخالق البزار سألتهم عن ما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله مما في ايدي العامة يروونه عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: انما مثل اصحابي كمثل النجوم أو اصحابي كالنجوم فبأيها اقتدوا اهتدوا قالوا هذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وربما رواه عبدالرحيم عن ابيه عن ابن عمرو انما ضعف هذا الحديث من قبل عبدالرحيم بن زيد لان اهل العلم قد سكتوا عن الرواية لحديثه والكلام ايضا منكر عن النبي صلى الله عليه وآله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله بأسناد صحيح عيلكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (1) بعدي فعضوا عليها بالنواجذ وهذا الكلام يعارض حديث عبدالرحيم لو ثبت فكيف ولم يثبث والنبي صلى الله عليه وآله لا يبيح الاختلاف بين اصحابه والله اعلم قال ابن عبد البر هذا آخر كلام البزار ثم قال قد روى ابن شهاب الخياط عن
---
(1) كون علي عليه السلام احد الخلفاء الراشدين لا يمتري فيه عالم فالاخذ بسنته مأمور به ومن سنته لعن معاوية واشياعه. (*)
---
[ 182 ] (1/182)
حمزة الجزري عن نافع عن ابن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله انما اصحابي مثل النجوم فايهم اخذ تمبقوله اهتديتم وهذا لا يصح ولا يرويه عن نافع من يحتج به انتهى. قلت قد علمت ما في هذا الحديث من الضعف والنكارة وعلى فرض الصحة فلا يستقم الا إذا كان المراد بالاصحاب في هذا الحديث العلماء منهم فيما رووه وحملوه عن النبي صلى الله عليه وآله لا ماكان من قبيل الاجتهاد والرأي فانه صواب وخطأ ولا يشرع الاقتداء بالمخطئ قطعا ولا يأمر صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتداء بالجاهلين البته وكما قيل في حديث اني تارك فيكم لثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي ابدا قالو ان المراد من اهل البيت في هذا الحديث العلماء منهم فكذلك هنا ولادخل لمعاوية هنا لانه ليس من العلماء بالدين ولا بالمأمون على حمل شريعة سيد المرسلين (اخرج البخاري والترمذي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: ما اظن فلانا وفلانا يعلمان من ديننا شيئا وبالجملة يفكل ما جاء من هذا القبيل من الآيات التي سبق ذكرها ومن الاحاديث العامة المارة بك وما جرى مجراها كقول النبي عليه وآله الصلاة والسلام ان الله اطلع على اهل بدر ونحوه كل مشروط بسلامة العاقبة ومراعاة الاستقامة إذ لا يجوز ان يخبر الحكيم مكلفا غير معصوم انه لاعقاب عليه فليفعل ما شاء فليكن هذا من طالب الحق على بال. وإذا تتبعت ايها المنصف كل الفضائل التي استحق بها اصحاب النبي صلى الله عليه وآله الفضل والثواب والمنزلة الرفيعة وجدت معاوية واعوانه صفر الايدي عنها وبعيدين عنها بعدا شاسعا ووجدت عليا عليه السلام اوفرهم حظا واعظمهم قسما. ولنذكر لك ما قاله العلامة المسعودي في هذا المعني قال: رحمه الله
---
[ 183 ] (1/183)
والاشياء التي استحق بها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الفضل هي السبق إلى الايمان والهجرة والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وآله والقربى منه والقناعة وبذل النفس له والعلم بالكتاب والتنزيل والجهاد في سبيل الله والورع والزهد والقضاء والحلم والفقه والعلم وكل ذلك لعلي عليه السلام منه النصيب الاوفر والحظ الاكبر إلى ما يتفرد به من قول رسول الله صلى الله عليه وآله حين آخي بين اصحابه انت اخي وهو صلى الله عليه وآله لا ضد له ولا ند وقوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي وقوله عليه وآله الصلاة والسلام من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه ثم دعاؤه عليه الصلاة والسلام وعلى آله وقد قدم إليه انس الطائر اللهم ادخل الي احب خلقك اليك يأكل معي من هذا الطائر فدخل عليه علي إلى آخر الحديث فهذا وغيره من فضائله وما اجتمع فيه من الخصال مما تفرق في غيره ولكل فضائل ممن تقدم وتأخر وقبض النبي صلى الله عليه وآله وهو عنهم راض مخبر عن بواطنهم بموافقتها لظواهرهم بالايمان وبذلك نزل التنزيل وتولى بعضهم بعضا (اتنهى) بحروفه. وما احسن ما قاله خزيمة بن ثابت الانصاري ذو الشهادتين في الامام علي عليه السلام. كل خير يزينهم فهو فيه * وله دونهم خصال تزينه وقوله فيه ايضا صهر النبي وخير الناس كلهم * وكل من رامه بالفخر مفخور ونحا نحوه ابو الفتح كما ذكره في الاستيعاب من ابيات: من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن (1).
---
نسب البيضاوي هذا البيت لحسان بن ثابت ونسبه في المناقب = (*)
---
[ 184 ] (1/184)
وما احسن ما قاله فيه الصفى الحلي: انت نفس النبي والصنو وابن العم والصهر والاخ المستجاد لو رآى مثلك النبي الخا * ه والا فأخطأ الانتقاد وفي القصص الحق في مدح خير الخلق في هذا المعنى. وان يكن في فتى من صحبه شرف * سام فان عليا فيه ما فيه كم للقرابة من فضل ومن شرف * وللصحابة من نيل يدانيه كفاطم وسليليها كذاك بنا * ت الطهر طبن كما طابت ذراريه والطيبات نساء الطهر من رودت * فيهن آيات تشريف وتنزيه وحمزة ثم عباس وجعفرهم * وابنيهما وابي بكر وثانيه ومثل عثمان مع سعد سعيدهم * وطلحة وابن عوام حواريه وكأبن جراحهم جمت فضائلهم * ونسل عوف عديد العشر يوفيه وسعد بن معاذي الكرامة من * لموته اهتز عرش الله باريه كذاك باقي سعود النصر صار لهم * قرب من الله سامي القدر عاليه وكم همام من الاصحاب كان له * وصف النبيين لولا الختم حاميه كم موطن قد رأوا فيه ملائكة * مخاطبين وعونا في مغازيه وبعضهم كانت الاملاك تشبهه * وبعضهم كان نور السوط يهديه وبعضهم كانت الاملاك تقرئه السلام قبل التداوي إذ تناجيه
---
للعباس بن عبدالمطلب وذكر في الاصابة ان هذا البيت للفضل بن عباس اللهبي حين بويع بالخلافة لابي بكر رضي الله عنه من ابيات مطلعها. ماكنت احسب هذا الامر منصرفا * عن هاشم ثم منها عن ابي حسن من فيه ما فيهم من كل صالحة وليس في كلهم ما فيه من حسن اليس اول من صلى لقبلتكم * واعرف الناس بالقرآن والسنن واقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن ماذا عنه فنعرفه * ها ان بيعتكم من اول الفتن (*)
---
[ 185 ] (1/185)
سبحان ربي ما اوحى خروجهم * من الظلام إلى نور يجليه من نور من نوره هاد لامته * داباالى ان يجئ الحشر جائيه وكم ثناء لمن جاء الثناء لهم * في الذكر من غير فضل من مثانيه وكلهم عندنا عدل رضى ثقة * حتم محبته حتم توليه الا اناسا جرى من بعده لهم * أحداث سوء وماتوا في اثانيه من ردة ومروق والخروج عن الا * مر الالهي والقسط المنافية ما قلت الا الذي قد قال خالقنا * في ذكره أو رسول الله حاكيه فكل حادثة في الدين قد وردت * وفتنة وامتحان من اعاديه في محكم الذكر والنقل الصحيح عن * الرسول في لفظ تنصيص وتنبيه (وفي الآخر) نقول ان صحبته صلى الله عليه وآله شرف عظيم ومفخر جسيم ومرتبة سامية ومنزلة عالية واصحابه صلى الله عليه وآله متفاوتون في فضلها وشرفها بقدر ما احسنوا فيها وقد اوجب الله تعالى محبتهم وتوقيرهم اجلالا واكراما لرسوله صلى الله عليه وآله ولمقامه ولمحبته لهم ومحبتهم له ولاريب في ان محبتهم له ناشئة ومسببة عن هدايته لهم وانقاذه اياهم من الضلالة ومن البديهي ان محبة الله ومحبة رسوله لهم انما هي لطاعتهم وانقيادهم لاوامره ونواهيه وإذا عصى احد منهم وحاد الله ورسوله وارتكب الكبائر واصر على معصيته فقد ترك ما اوجب له المحبة من الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وآله إذ ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله محاباة ولا مداهنة في عداوة من حاد الله وعصاه ولو كان من عترته فضلا عن اصحابه ألم يرو عنه عليه وآله الصلاة والسلام انه قال: لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتها كما انه عليه السلام لا يألوا جهدا في محبة من والى الله تعالى واطاعة ولو كان من أبعد الناس نسبا منه الا ترى ايه كيف احب سلمان الفارسي وبلالا الحبشي وصهيبا الرومي وامثالهم. اما نحن فيجب علينا ان نحفظه عليه وآله الصلاة والسلام في حب من
---
[ 186 ] (1/186)
احبه وموالاة من والاه وتوقيره واحترامه ولا محيص لنا من ان نعدل عن التمسك بولاء من عادى الله ورسوله منهم ونتجنب حب من ابغضه الله ورسوله ونتبرأ منه ولو كان ابا أو اخا أو صديقا ولا نجعل للهوى والعصبية سلطانا على قلوبنا بمحبتهم وتواليهم حتى يحق لنا بذلك صريح الايمان كما جاء في الكتاب العزيز مكررا ووردت به الاحاديث الكثيرة ومن لم يكن كذلك فليتهم نفسه في ايمانه رنبا انك تعلم ما نخفي وما نعلن والله لو كان من حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله في اصحابه ومن رعاية عهده والادب معه ان نمسك عن عداوة وبغض من حاد الله ورسوله واحدث الاحداث السيئة بعده منهم لم نعاد احدا منهم ولم نبغضه ولو ضربت اعناقنا وقطعنا بالسيوف اربا اربا ولو كان التعامي والتغافل عن انكار مخالفات المحدثين منهم وتأويلنا بالالسن سيئاتهم مع علمنا بوقوعها منهم مجديا عند الله شيئا أو عاذرا لنا عنده لتأولنا كل سيئة صدرت عن احد منهم وصافحنا من يلتزم ذلك يدا بيد ولكن من الذي تجاسر على ذلك وآيات القرآن تزجره واحاديث الرسول تمنعه افمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا اهواءهم. ومن الغباوة ان لم نقل من العناد اهدار كل كبيرة وموبقة لدعوى حرمة الصحبة لاشك ان حرمة عظيمة للصحبة وشأنا فخيما نلتزمة ونعلمه ابناءنا ونساءنا ولكنه مقيد بما قدمناه الا تريان للكعبة وللمسجد ايضا حرمة ومن حرمتها احترام سدنتها وخدمها ومن هو داخلها لكن من دخلها منهم وبال فيها أو احدث عمدا أو دخل المسجد مؤذنه أو امامه فسرق امتعة المصلين وثيابهم لم يبق له من حرمتهما شئ البتة بل يجب طرده منهما واهانته داخلهما أو خارجهما ومن ظن انه يلزمنا احترامه لحرمتهما بعد ان جرى منه ما جرى فهو في اقصى درجات الغباوة أو في اشد مراتب العناد والمراغمة واتباع الهوى ومن اظلم ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين.
---
[ 187 ] (1/187)
تنبيه يجد القارئ في كثير من الكتب ولاسيما في مؤلفات الشيخ ابن حجر الهيثمي وعيدا شديدا وتهويلا عظيما وتهديدا مفزعا على كل من سب احدا من الصحابة أو ابغضه أو تنقصه وتجد في ضمن ذلك سردهم للآيات القرآنية والاحاديث النبوية والمقالات السلفية مما فيه ذكر فضل الصحابة رضي الله عنهم وبيان علو مقامهم يوهمون بذلك ان المراد بالصحابة في تلك الآيات والاحاديث هم من اجتمع بالنبي مؤمنا ومات على الايمان كما اصطلح عليه رواة الحديث ليدخلوا في تلك المرايا والفضائل من ليس من اهلها كمعاوية وعمرو وبسر والوليد والحكم واشباههم انتصارا لمذاهبهم وتبعا لمقلديهم ثم تراهم يرجمون كل من خالف ما قالوه واصطلحوا علية بالبدعة والضلالة والمروق من الدين وينذرونه بسوء العقبي ودعوى الويل والثبور شاع ذلك عنهم وكثر ودعوا إليه الناس ورغبوهم في الانضمام إليهم والاتباع لهم ظانين ان ذلك نصيحة في الدين وحرصا على حفظ حرمة سيد المرسلين. ونحن نقول سمعا سمعا لكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسول عليه افضل الصلاة والسلام وعن الاجلة من اصحابه وعلماء امته رضي الله عنهم من تعظيم اصحابه عليه وآله افضل الصلاة والسلام وتوقيرهم والاقرار بما لهم من الفضل ومعرفة مالهم من الحقوق على الامة في مؤازره الرسول صلى الله عليه وآله ونصرة الدين وتبليغه إلى من بعدهم من الامة غير انا لانكتال اقوال اولئك المؤلفين جزافا كما كالوا ولا نرسل الكلام على عواهنه كما ارسلوه ولا نسبك الطيب والخبيث في قالب واحد كما صنعوا ولا نخلط الحابل بالنابل كما فعلوا ولا نغرر الناس بأيراد الخاص من الادلة في موارد العام واجراء
---
[ 188 ] (1/188)
المقيد بمجرى المطلق فيمتزج الحق بالباطل والصحيح بالفاسد بل نعطي كل آية من كتاب الله تعالى وكل حديث من احاديث رسوله صلى الله عليه وآله حقه من الفحص في مدلولاته وبيان مجمله وتحقيق عمومه وخصوصه وتفسير ما مصاديقه وتتبع اسباب نزوله أو وروده ثم نعامل كلامن اصحابه عليه الصلاة والسلام بما حكمت تلك الدلائل من رفع أو خفض ومودة أو رفض اذعانا لحكم الله تعالى وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام فما ورد في حق واحد بعينه لانشرك فيه سواه وما ورد في حق المهاجرين والانصار لا نوجبه لغيرهم وما جاء في حق السابقين الاولين لا بحكم به للطلقاء وامثالهم وما بلغنا في حق المجاهدين لانثبته للقاعدين وما اختص به المنفقون لا يناله الممسكون وهلم جرا. على انا نعتقد ان للباقين منهم شرفا باهرا وشأنا عظيما برؤيته صلى الله عليه وآله وسلم ومجالسته والصلاة خلفه فكلهم نحترم وجميعهم نعظم لا نستثني منهم الا من استثناه الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام لارتكابه ما يحبط فضيلة الصحبه ويسقطه عن شرف تلك الرتبة كالردة والنفاق والمروق من الدين والقسط وارتكاب احداث السوء مع الاصرار على ما ارتكبوا ذلك بأنهم اتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط اعمالهم جاءتنا بذلك آيات واحاديث ظاهرة المعنى واضحة الدلالة ذكرنا منها جملة صالحة منتفرقة في هذه الرسالة نصدق الله تعالى فيها ونمتثل امره وننقاد صاغرين لحكمه لا نعارضه جل شأنه ولا نعترض علهى في شئ منها ولانشوه وجوه المعاني بالتأويلات البعيدة ولا نجنح إلى ما يوافق هو انا بتحويلها إلى ما يبعد احتماله يسمج تفسيره ولا تأخذنا لومة لائم في قول الحق. ولا ترعنا صيحة باطل عن الجهر بالصدق ولا يرهبنا غضب الحمقى من المتعصبين ولا يخيفنا قدح السفهاء من المقلدين أو ليس قد قيل لافضل من
---
[ 189 ] (1/189)
يتأسى به المؤمنون يا ايها الذين نزل عليه الذكر انك لمجنون. وههنا نقول لطالب الحق لا يروعنك ما تراه من التهويل والارعادو الابراق في كتب اولئك المؤلفين مادام الحكم بينك وبينهم كتاب الله تعالى وسنة نبيه الصادق الامين فمنهما تعرف اي الفريقين احق بالامن ومنهما تجزم بأن الهدى والضلالة والسنة والبدعة ليست موقوفة على اقوالهم ولا ملازمة لتأويلاتهم وتمحلاتهم التي ينصرون بها اقوال المقلديهم بل الهدى هدي محمد وآله والسنة ما هو عليه واصحابه والضلالة والبدعة ما خالف حكم الكتاب العزيز وعارض احاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وما احسن ماقاله شيخنا السيد ابن شهاب في المعنى. تباينت المذاهب واستطالت * بها الاهواء واحتدم النزاع وضلل بعضهم بعضا وكل * إلى تبديع غيرهم سراع قصارى القوم نصر مقلديم * ومحض الحق بينهم مضاع إلى التأويل والتحريف لاذوا * فذا كذب يريك وذا خداع وخالوا ان في التمويه فوزا * وان الحق يشرى أو يباع لئن كان اقتفاء كتاب ربي * وسنة مصطفاه والاتباع ضلالا وابتداعا ان ديني * وان رغموا ضلال وابتداع الشبهة الثانية صلح معاوية مع الامام الحسن بن علي عليهما السلام وبيعة الحسن له واجتماع الطائفتين على بيعته حتى ادعى انصاره انه صار بذلك الصلح وتلك البيعة خليفة حق وامام صدق وانه واجب الطاعة على الكافة وقد اطال الشيخ ابن حجر الهيثمي سامحه الله وتجاوز عنه بمثل هذا الهذر والاستدلال السقيم والاستنتاج العقيم على هذه الدعاوي في كتابيه السابق ذكرهما.
---
[ 190 ] (1/190)
والحق ان معاوية متغلب بالسيف على الشوكة والحكم فاسق بوثوبه على مالا حق له فيه جائر في احكامه مستحق بصنيعه المقت والعقاب الشديد كما وعد الله عزوجل وهو اول الملوك المتغلبين في الاسلام وان تسليم الحسن عليه السلام الامر إليه غير مبرر له لانه لم يسلمه الا مضطرا صونا لدماء المسلمين واخذا باخف الضررين واهون الشرين علما منه ان معاوية مصر على القتال وسفك الدماء فكان من رأيه تسليم الامر وحقن دماء المسلمين وتحقق بذلك قول جده صلى الله عليه واله وسلم ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فالحسن عليه السلام مثاب بهذا الصلح مصيب فيه ومعاوية مخطئ معاقب عليه ممقوت به ولاكرامه. اخرج احمد في مسنده وابو يعلى والترمذي وابن حبان وابو داود والحاكم عن سفينة وغيره حديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك واخرجه أبو نعيم في الفتن والبيهقي في الدلائل وكثيرون عن حذيفة وغيره ولفظه ثم يكون ملكا عضوضا قال العلماء انتهت الثلاثون سنة بعده صلى الله عليه واله وسلم بخلافة الحسن بن علي عليهما السلام والحديث صريح في الدلالة على الحكم بحقية الخلافة عنه صلى الله عليه واله وسلم في هذه المدة دون ما بعدها فانه ملك عضوض. فقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق في خلافة ابي بكر رضي الله عنه أي يصيب الناس فيه ظلم وعسف كأنهم يعضون عضا والعجب منه كيف ناقض نسه في خاتمة الكتاب بقوله ان معاوية خليفة حق وامام صدق مع اعترافه بالصواب اول الكتاب ولكنه الذهول والنسيان. واخرج ابن ابي شيبة عن سعد بن جمهان قال قلت لسفينة ان بني امية يزعمون ان الخلافة فيهم فقال كذب بنو الزقاء انهم ملوك من شر الملوك واول الملوك معاوية (واخرج) ابن سعيد عن عبدالرحمن بن ابرى عن عمر
---
[ 191 ] (1/191)
رضي الله عنه انه قال هذا الامر في اهل بدر ما بقي منهم احد ثم في اهل احد ما بقي منهم احد وفي كذا وكذا ليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ. افبعد هذا يقال ان معاوية خليفة حق وامام صدق لاحول ولا قوة الا بالله يكذب رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله ملكا عضوضا وانه من شر الملوك ويصدق انصار معاوية في قولهم خليفة حق وامام صدق الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لا يقولوا على الله الا الحق اللهم انا نبرأ اليك من صنيع كهذا ونسألك الثبات على تصديق ما جاء به نبيك ورسولك. وقد انكر بعض المشاغبين نسبة الحكم الواحد إلى حق وباطل وهما ضدان لا يجتمعان ولم يدر الغبي ان النسبتين مختلفتا الجهة فلا منع كيف ولهذا نظائر لاتخفى على من له يسير المام بسيرته عليه واله الصلاة والسلام فقد صالح صلى الله عليه واله وسلم كفار قريش يوم الحديبية على ان يرجع إلى المدينة هو واصحابه ولا حجة ولاعمرة وعلى ان يرد إلى الكفار من جاءه منهم مسلما وان لايدخل مكة في القابل الا ثلاثة ايام بسلاح المسافر فقط ولم يرضوا مع هذا بكتابة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله فمحاها من الكتاب بيده الشريفة وابدلت بمحمد بن عبدالله الم يكن هذا الصلح حقا من جانب النبي صلى الله عليه وآله وباطل من جهة كفار قريش. وكذلك صالح النبي صلى الله عليه وآله عيينة والاقرع على ان يعطيهما ثلث ثمار المدينة ان رجعا بمن معهما عن مساعدة ابي سفيان والاحزاب لو لا ان سعدا اشار على النبي صلى الله عليه وآله ان لا يبرمه ان لم يكن وحيا فاستحسن النبي رأيه ولم يبرمه اولم يكن هذا حقا من جهة النبي وباطلا من الجهة الاخرى فكذلك صلح الحسن عليه السلام فهو حق من جهته باطل من جهة معاوية فمعاوية مخطئ متغلب آثم بلا ريب ومع ذلك فانه نكث ونقض اكثر ما عاهد الله
---
[ 192 ] (1/192)
عليه في ذلك الصلح كما ستعرفه مما يأتي كأنه لم يسمع قول الله تعالى فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ولم يبال بقوله جل جلاله والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار. ولنسرد ملخص قضية الصلح من فتح الباري شرح صحيح البخاري ومن تاريخ ابي جعفر الطبري ومن الكامل لابن الاثير وغيرها لتعلم ما ألجأ الامام الحسن عليه السلام إلى ذلك الصلح وما نكث معاوية من عهوده. قالوا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام قد بايعه اربعون الفا من عسكره على الموت لما ظهر ماكان يخبرهم به عن اهل الشام فبينما هو يتجهز للمسير قتل عليه السلام وإذا اراد الله امرا فلا مرد له فلما قتل وبايع الناس الحسن ابن علي بلغه مسير معاوية في اهل الشام إليه فتجهز هو والجيش الذين كانوا بايعوا اباه وساروا من الكوفة إلى لقاء معاوية وجعل قيس بن سعد بن عبادة على مقدمته في اثنى عشر الفا فلما نزل الحسن المدائن نادى مناد في العسكر الا ان قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا بسرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى نازعوه بساطا كان تحته وطعن بخنجر في بطنه فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا ودخل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان الامير على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عنم المختار بن ابي عبيد فقال له المختار وهو شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال تستوثق من الحسن وتستأمن به إلى معاوية فقال له عمه عليك لعنة الله اثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله واوثقه بئس الرجل انت وعلم الحسن انه لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب اكثر الاخرى فكتب إلى معاوية يخبره انه يصير الامر إليه على شروط يشترطها فرضى معاوية بعد مراجعة في بعضها ثم تصالحا على ان تسلم إلى معاوية ولاية المسلمين على ان يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسيرة الخلفاء
---
[ 193 ] (1/193)
الراشدين المهديين وليس لمعاوية بن ابي سفيان ان يعهد الى احد من بعهده عهدا بل يكون الامر من بعده شورى بين المسلمين وعلى ان الناس آمنون حيث كانوا من ارض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم وحجازهم وعلى ان اصحاب علي وشيعته آمنون على انفسهم واموالهم واولادهم ونسائهم حيث كانوا لا يطلب احد منهم بشئ كان في ايام علي وان لا يبتغي للحسن ابن علي ولا لاخيه الحسين ولا لاحد من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله غائلة سرا ولا جهرا ولا يخيف احدا منهم في افق من الآفاق على معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وكفى بالله شهيدا وزاد ابن الاثير انه يعطيه ما في بيت مال الكوفة وخراج دارا بجرد من فارس ليرضى بذلك من لا يرضيه الا المال وان لا يشتم عليا فاجابه إلى ذلك كله الا شتم علي فانه التزم ان لا يشتمه والحسن يسمع والا انه قال اما عشرة انفس فلا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب إليه يقول اني قد آليت اني متى ظفرت بقيس بن سعد ان اقطع لسانه ويده فراجعه الحسن اني لاابايعك ابدا وانت تطلب قيسا أو غيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث إليه معاوية برق ابيض وقال اكتب ما شئت وانا التزمه ثم اعطاه معاوية عهدا بذلك واصطلحا (اتنهى) وتحقق بذلك الصلح قوله عليه واله الصلاة والسلام مما اخرجه الحاكم ما اختلفت امة بعد نبيها الاظهر باطلها على حقها قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ثم لم يف معاوية بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله ونقض الميثاق بانه لا يعهد إلى احد من بعده فعهد بالخلافة لابنه السكير الخمير ولم يترك شتم علي حتى والحسن والحسين وسلط عليهما عامله ومروان بالمدينة يجرعهما ما يجرعهما من الاذى وحتى قتل الحسن بالسم كما مر ذكره ولم يف له بخراج دارا بجرد فان اهل البصرة منعوه عنه وقالوا فيئنا ولا نعطيه احدا وكان منعهم بامر معاوية ايضا قال رسول الله صلى الله عليه وآله من اثناء حديث اخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله
---
[ 194 ] (1/194)
عنهما الا انه لا ايمان لمن لا امانة له ولادين لمن لا عهد له ومن نكث ذمة الله طلبه ومن نكث ذمتي خاصمته ومن خاصمته فلجت عليه ومن نكث ذمتي لم ينل شفاعتي ولم يرد علي الحوض وروى ابو الحسن المدائني قال: خرج على معاوية قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفة وصلح الحسن فأرسل إلى الحسن عليه السلام يسأله ان يخرج فيقاتل الخوارج فقال الحسن سبحان الله تركت قتالك وهو لي حلال لصلاح الامة والفتهم افتراني اقاتل معك فخطب معاوية اهل الكوفة يا اهل الكوفة اتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت انكم تصلون وتركزون وتحجون ولكني قاتلتكم لا أتأمر عليكم والي رقابكم وقد اتاني الله ذلك وانتم كارهون الا ان كل مال أو دم اصبت في هذه الفتنة مطلول وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ولا يصلح الناس إلى ثلاث اخراج العطاء عند محله واقفال الجنود لوقتها وغزو العدو في داره فان لم تغزوهم غزوكم ثم نزل. اتنهى. وزاد ابو اسحق السبيعي انه قال: في خطبته الا ان كل شئ اعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا افي به وكان عبدالرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول هذا والله هو التهتك. قالوا ولما تم الصلح وبايع اهل الكوفة معاوية التمس من الحسن ان يتكلم بجمع من الناس ويعلمهم انه قد بايع معاوية وسلم الامر إليه (فأجابه) إلى ذلى فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقال: يا أيها الناس ان اكيس الكيس التقى واحمق الحمق الفجور إلى أن قال وقد علمتم ان الله تعالى جل ذكره وعز اسمه هداكم بجدي وانقذكم به من الضلالة وخلصكم به من الجهالة واعزكم به بعد الذلة وكثركم به بعد القلة ان معاوية نازعني حقا هو لي دونه فنظرت اصلاح الامة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على ان تسألموا من سالمني وتحاربوا من حاربني فرأيت
---
[ 195 ] (1/195)
ان اسالم معاوية واضع الحرب بيني وبينه وقد بايعته ورأيت ان حقن الدماء خير من سفكها ولم ارد بذلك الا صلاحكم وبقاءكم وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين. وكتب الحسن عليه السلام إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثنى عشر الفا يأمره بالدخول في طاعة معاوية فقام قيس في الناس فقال ايها الناس اختار والدخول في طاعة امام ضلالة أو القتال من غير امام فقال بعضهم بل نختار الدخول في طاعة امام ضلالة فبايعوا معاوية ايضا وانصرف قيس فيمن تبعه وامروا قيسا وتعاقدوا على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان معه على دمائهم واموالهم فأعطاهم معاوية عهدا بذلك واصطلحوا ولما استقر الامر لمعاوية دخل عليه سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه فقال السلام عليك ايها الملك فضحك معاوية وقال ما كان عليك يا ابا اسحق لو قلت يا امير المؤمنين فقال اتقولها جذلان ضاحكا والله ما احب اني وليتها بما وليتها به. وبلغ المغيرة بن شعبة ان معين بن عبدالله يريد الخروج فأرسل إليه وعنده جماعة فأخذ وحبس وبعث المغيرة إلى معاوية يخبره بأمره فكتب إليه ان شهد اني خليفة فخل سبيله فأحضره المغيرة فقال اتشهد ان معاوية خليفة وانه امير المؤمنين فقال اشهد ان الله عزو جل حق وان الساعة آتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور فأمر بن فقتل (اتنهى من الكامل). واخرج ابن عبد البر عن عبدالرحمن بن ابي بكرة قال: وفدت مع ابي إلى معاوية اوفدنا إليه زياد فدخلنا على معاوية فقال حدثنا يا ابا بكرة فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الخلافة ثلاثون ثم يكون الملك قال: فأمر بنا فوجئ في اقفائنا حتى اخرجنا. هذا هو ملخص قصة صلح الحسن عليه السلام مع معاوية وبها يتضح انه امام ضلالة كما قال قيس بن سعد وانه
---
[ 196 ] (1/196)
ملك من شر الملوك كما قال: سعد وسفينة وانه محدث متغلب بالسيف لم يأخذها عن تشاور ورضا حتى تكون حقا بل كان لا يقبل صلحا الا ان يستحل شتم علي وقطع لسان قيس ويده وقتل فلان وفلان ثم احدث الا حداث وغير وبدل وكل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فأين الحقية التي يدعيها انصاره الذين لاغرض لهم الا نصرة مذهبهم وتعصبهم لاحزابهم ولو صدقوا لله لكان خبرا لهم اعاذنا الله تعالى مما ابتلاهم به وجعلنا ما عشنا من انصار الحق وحزبه امين. وزعم بعض انصار معاوية ان اجتماع الامة عليه بعد صلح الحسن عليه السلام اجماع منها والاجماع حجة وهذا مغالطة ومشاغبة فان الاجتماع غير الاجماع فالاجماع كما قال: الاصوليون هو اتفاق مجتهدي الامة جميعهم على أمر بدليل من الكتاب والسنة يستند المجموعون إليه فأي دليل هنا يوجد على حقية ولاية معاوية واي مجتهد صرح بها اللهم الا ان يكون عمرا والمغيرة وسمرة وزياد أو امثالهم ممن ليس لهم في الدين قدم ولاقدم اما اهل الفضل والعلم والدين فقد صرح اكثرهم كما قدمنا بأنه متغلب بالسيف واثب عليها بغير استحقاق وقد اكره كثير منهم على البيعة له وعذب من عذب وقتل من قتل على الامتناع عنها (واما) الاجتماع عليه بغير استحقاق فواقع وقد وعد به رسول الله صلى الله عليه وآله على جهة الاخبار بما سيصيب الامة من الفتنة (فقد اخرج) نعيم بن حماد في الفتن عن سفيان قال: اتيت الحسن بن علي بعد رجوعه إلى المدينة فقلت يا مذل المسلمين فكان مما احتج به علي ان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لا تذهب الايام والليالي حتى يجتمع امر هذه الامة على رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع وهو معاوية فقلت ان أمر الله واقع (واخرج) أبو نعيم عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: إذا رأيتم الشام اجتمع امرها على ابن ابي سفيان فألحقوا بمكة.
---
[ 197 ] (1/197)
ان اجتماع الناس عليه واكثرهم مكرهون لا يقيم له عذرا ولا يخفف عنه أصرا ولو سلمنا جدلا بما يزعمه بعض انصاره من انهم كلهم طائعون وانه قرشي جائز الامامة ظاهرا فأين الرحمة واين العدل واين الوفاء المشروطة في امامة القرشي في حديث الائمة من قريش حتى إذا اخل بواحد منها وجبت عليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لارحمة وهو يقتلهم تسميا وصبرا ويهدم ديار قوم وينفى آخرين ويولي عليهم الظلمة يسومونهم سوء العذاب ولاعدل وهو يقضي بلولد للزاني لا للفراش وقد استأثر بالبيضاء والصفراء وبذر اكثر اموال المسلمين كما تهوى نفسه يأخذ بغير الحق وينفق في غير حق لا وفاء وقد اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انه لا يجتمع مع عمرو الا على غدر وقد قال: علي كرم الله وجهه انه يغدر ويفجر ولو لم يصدر منه الا غدره فيما عاهد عليه الحسن بن علي عليهما السلام لكفي ودونك ايها الطالب الحق متن الحديث المذكور قال صلى الله عليه وآله وسلم: الائمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك فان استرحموا رحموا وان استحكموا عدلوا وان عاهدوا وفوا فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. ولهذا الحديث طرق جمعها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مؤلف سماه لذة العيش في طرق حديث الائمة من قريش. قال المسعودي رحمه الله حدث منصور بن وحشي عن ابي الفياض عبدالله بن محمد الهاشمي عن الوليد بن البحتري العبسي عن الحرث بن مسمار البهراني قال: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي وعبد الله بن الكواء اليشكري ورجالا من اصحاب علي مع رجال من قريش فدخل عليهم معاوية يوما فقال نشدتكم بالله الا ما قلتم حقا وصدقا اي الخلفاء رأيتموني فقال ابن الكواء لولا انك عزمت علينا ما قلنا لانك جبار عنيد لا تراقب الله
---
[ 198 ] (1/198)
في قتل الاخيار ولكنا نقول انك ما علمنا واسع الدنيا ضيق الاخرة قريب الثرى بعيد المرعى تجعل الظلمات نورا والنور ظلمات قال بعد مجاورة طويلة مع ابن الكواء ثم تكلم صعصعة فقال تكلمت يا ابن ابي سفيان فأبلغت ولم تقصر عما اردت وليس الامر على ما ذكرت انى يكون الخليفة من ملك الناس قهرا ودانهم كبرا واستولى بأسباب الباطل كذبا ومكرا اما والله مالك في يوم بدر مضرب ولا مرمى ولقد كنت انت وابوك في العير والنفير ممن اجلب على رسول الله صلى الله عليه وآله وانما انت طليق ابن طليق اطلقكما رسول الله صلى الله عليه وآله فانى تصلح الخلافة لطليق فقال معاوية لو لا اني ارجع إلى قول ابي طالب حيث يقول: قابلت جهلهم حلما ومغفرة * والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم (انتهى). (قلت) لم يكن امتناع هذا الطاغية عن قتل هؤلاء خوفا من المنتقم الجبارو لا فرقا من ورود النار بل امتنع عن ذلك كما صرح نفسه به طمعا في ان يقال انه حليم وكريم وقد قالها انصاره وزادوا عليها ما اقروا به عين الباطل وشوهوا به وجه الحق وقد جاؤا ظلما وزورا. (الشبهة الثالثة ما يزعمه انصار معاوية من الاحاديث في فضله) وسنقدم قبل ذكر شئ منها طرفا مما جاء عن الحفاظ على سبيل الاجمال في نفي صحتها واعلالها تعلم به حقيقة حالها (قال) الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله في كتابه اللالئ المصنوعة في الاحاديث الموضوعة بعد ان ذكر احاديث كثيرة في فضل معاوية كلها موضوعة لااصل لها ثم قال: قال الحاكم سمعت ابا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول سمعت ابي يقول سمعت اسحق بن ابراهيم الحنظلي يقول لا يصح في فضل معاوية حديث (انتهى). (ونقل) الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه على البخاري عن ابن
---
[ 199 ] (1/199)
الجوزي عن اسحق بن راهويه انه قال لم يصح في فضل معاوية شئ ثم قال اخرج ابن الجوزي ايضا من طريق عبدالله بن احمد بن حنبل سألت ابي ما تقول في علي ومعاوية فأطرق ثم قال أي شئ اقول فيهما اعلم ان عليا كان كثير الاعداء ففتش اعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي قال: فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لااصل له قال وقد ورد في فضل معاوية احاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الاسناد وبذلك جزم اسحق بن راهويه والنسائي وغيرهما والله اعلم (انتهى من فتح الباري). وروى محمد بن اسحق الاصبهاني بسنده عن مشايخه ان الامام النسائي رحمه الله خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية ما يروى من فضائله فقال اما يرضى معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما اعرف له فضيلة الا لا اشبع الله بطنه. (وقال) العلامة العيني في شرح البخاري فان قلت قد ورد في فضله - يعني معاوية - احاديث كثيرة قلت نعم ولكن ليس فيها حديث يصح من طرق الاسناد نص عليه اسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما فلذلك قال: يعني البخاري باب ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولا منقبة (انتهى) وقال خاتمة الحفاظ محمد بن علي الشوكاني في كتابه الفوائد المجموعة في الاحاديث الموضوعة اتفق الحفاظ على انه لم يصح في فضائل معاوية حديث (انتهى). اما الاحاديث الموضوعة في فضل معاوية فكثيرة وايرادها لغير بيان وضعها مما لا يجوز لانه كذب محض على النبي صلى الله عليه وآله وايراد الشيخ ابن حجر الهيثمي جانبا منها في كتابيه السابق ذكرهما في معرض الاحتجاج والاستدلال غير محمود والله يغفر لنا وله واما الاحاديث الضعاف في فضله فثلاثة أو اربعة ولا حجة بالضعيف كما علت وقول المحدثين والاصوليين
---
[ 200 ] (1/200)
ان الحديث الضعيف يؤخذ به في المناقب وفضائل الاعمال فذلك حيث كان لذكر منقبة مجردة لا يترتب عليه حكم ما فلا ينبني عليه تصويب ذي خطأ ولا تبرير ذي اثم ولا يعارض بها صحيح ولاحسن ونحوه ولا يخصص بها عام ولا يقيد بها مطلق فأحتجاج انصار معاوية بها نفخ في رماد. (نعم) جاء في حق معاوية حديث غريب اخرجه الترمذي في الجامع وحسنه عن عبدالرحمن بن ابي عميرة انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول وذكر معاوية اللهم اجعله هاديا مهدايا واهده واهدبه ومنتهى سندهذا الحديث عبدالرحمن بن ابي عميرة وقد قال ابن عبد البر حديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه ولا يصح مرفوعا عندهم (انتهى) وقال: سعيد بن عبد العزيز اختلط في آخر عمره. قلت قد علمت ما في هذا الحديث من الاعلان وان تحسين الترمذي انما هو تحسين الاسناد إلى عبدالرحمن بن ابي عميرة وهو كذلك لكن قد علمت ان سحبة عبدالرحمن لم تثبت فيكون الحديث حينئذ مرسلا وعلى التنزل وفرض رفعه وصحته فمحصل مفاده ان النبي دعا له ان يكون هاديا مهديا ونحن نقول ان دعاء النبي صلى الله عليه وآله مستجاب عند الله اللهم الا ما صرح أو اشار هو صلى الله عليه وآله بعدم استجابته كأستغفاره للمنافقين وغيره وهذا الدعاء من هذا القبيل إذ لم يظهر من افعال معاوية الا ما يدل على انه ضال مضل وليس هاديا مهديا كما تشهد به سيرته واعماله الفظيعة الواصلة الينا بالتواتر. وهاهنا دلالة على عدم استجابة الله هذه الدعوة لمعاوية لو فرضنا صحة الحديث من حديث صحيح اخرجه مسلم عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألت ربي ان لا يهلك امتي بالسنة فأعطانيها و سألته ان لا يهلك امتي بالغرق فأعطانيها وسألته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها تعرف بهذا الحديث وغيره شدة حرصه صلى الله عليه
---
[ 201 ] (1/201)
وآله وسلم على ان يكون السلم دالمابين امته فدعا الله تارة ان لا يكون بأس امته بينهم كما في حديث مسلم وتارة ان يجعل معاوية هاديا مهديا لانه بلا ريب يعلم ان معاوية اكبر من يبغي ويجعل بأس الامة بينها فمآل الدعوتين واحد وعدم الاجابة في حديث مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي والمناسبة بل التلازم بينهما واضح بين وفي معني حديث مسلم هذا جاءت احاديث كثيرة ومرجعها واحد. ومما ورد فيه من ضعاف الاحاديث ما اخرجه ابن ابي شيبة عن معاوية انه قال: ما زلت اطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ملكت فأحسن وقد عرفت ضعف هذا الحديث وعلى فرض صحته فلا منقبة فيه لمعاوية لان الله سبحانه وتعالى قد اطلع نبيه على ما سيجري بين امته من الفتن والحروب وقد اخبر عنها بما اخبر واشار إلى ما اشار وفي هذا الحديث اشارة إلى ان معاوية سيملك وقد صرح في احاديث صحيحة بأن ملكه ملك عضوض وقد امره بالاحسان إذا ملك حيث لا سامع ولا مؤتمر وليس ذلك من قبيل البشارة والغبطة بملكه بل من باب الاخبار بالمغيبات والانذار بالفتنة واقامة الحجة عليه بتبليغه. وهذا الاخبار لا يستلزم حقية فان النبي صلى الله عليه وآله قد اخبر عن امور كثيرة من هذا القبيل كفتن الخوارج وان بني مروان ينزون على منبره كما تنزوا القردة وقد اخبر موسى عليه والسلام بما ملك بختنصر الحبار الكافر وما سرتكبه من بني اسرائيل فيكون الاخبار بهذه الامور دليل على حقيتها لا يقول بهذا احد ولكن انصار معاوية يتشبثون في تزكيته بمثل خيوط العناكب ضعفا ويلوون رؤوسهم عما ثبت فيه من المثالب الا تراهم كيف تبجحون بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ان عكرمة اخبره ان معاوية يوتر بركعة فقال ابن عباس دعه فانه فقيه قالوا ان الفقيه في عرف ذلك الزمن
---
[ 202 ] (1/202)
هو المجتهد وشهادة ابن عباس قطعيه واطالوا في ذلك بما يضجر المطالع ويفسد ذهن السامع قبلوا شهادة ابن عباس لمعاوية ونعم الشاهد ولم يقبلوا شهادة مولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه حيث يقول لمعاوية كما في نهج البلاغة دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا واسقطوا شهادته (ع) فيما نقله الثقاة عنه انه قال ان معاوية وعمرا وابن ابي معيط وحبيبا وابن ابي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن انا اعرف بهم منكم قد صحبتهم اطفالا ثم رجالا فكانوا شر اطفال وشر رجال ونبذوا ايضا شهادة قيس بن سعد بن عبادة الانصاري في كتابه إلى معاوية يقول فيه انا انصار الدين الذي خرجت منه واعداء الدين الذي دخلت فيه وامثال هذه الشهادات على معاوية من كبار الصحابة كثيرة جدا لا يمكن حصرها. بماذا شهدابن عباس لمعاوية ؟ ! قال انه فقيه حيث اوتر بركعة، ان الفقه بهذه المسألة التي خالف بها عمل النبي واصحابه يكاد ان يكون من قبيل الحيل في دين الله ويوضحه قوله دعه فلو كان ذلك محمودا لامره بالاقتداء به (اخرج) الطبراني في الفردوس عن ابن عباس ايضا ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال آفة الدين ثلاثة فقيه فاجر وامام جائر ومجتهد جاهل. اما الحديث الذي اشار إليه الامام النسائي فهو ما رواه مسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما انه كان يلعب مع الصبيان فجاء له النبي صلى الله عليه وآله فهرب وتوارى فجاءه وضربه بين كتفيه ثم قال اذهب فأدع لي معاوية قال: فجئت فقلت هو يأكل ثم قال: اذهب فأدع لي معاوية قال: فجئت فقلت هو يأكل فقال لا اشبع الله بطنه انتهى روي انه كان يأكل إلى ان يمل فيقول ارفعوا فوالله ما شبعت ولكن مللت وتعبت كأن داء اصابه بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله قال الشاعر يصف رجلا اكولا.
---
[ 203 ] (1/203)
وصاحب لي بطنة كالهلوية * كأن في امعائه معاوية وقد ذكر المؤرخون ان معاوية يجمع على مائدته سبعين صنفا من الطعام يقول انصار معاوية ان معاوية لحليم حاذق وان الحلم لخلة شريفة ومنقبة عظيمة وان الحذق لسجية محمودة تناقلوا ذلك في اسفارهم وتمثلوا به في اخبارهم واشعارهم وربما جر بعضهم قصوره عن ادراك الحقائق إلى الزعم بأن معاوية كان اصح فكرا وابعد غورا وادق ادراكا من علي عليه السلام وربما ظن ذلك البعض بنفسه حيث عرف ذلك واستخرجه من ماجرياتهما وسببرتهما انه من الخاصة اهل التحقيق والانصاف والتمييز مع ان الامر بخلاف ذلك والقائل به عامي يقول ببادي الرأي ويستعجل في الحكم على القضايا قبل الفحص التام عن اسبابها وموانعها ومقتضياتها وتمحيصها للحكم عليها ولعمري انه لاجدر بما قيل. ما انت بالحكم الترضى حكومته * ولا الاصيل ولاذى الرأي والجدل ولو تتبع تلك القضايا وعرفها حق المعرفة لادرك ان حلم معاوية انما هو خبث وحيلة ونفاق ومراوغة وايضاح هذا الامر وبيانه يقتضي التمهيد له بذكر ما كان من التفاوت بين حال علي عليه السلام في سيرته وبين حال معاوية ومن يشاركه في ارائه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وذلك ان عليا كرم الله وجهه كان لا يستعمل في حروبه وسائر افعاله الا ما يوافق الكتاب والسنة ملازما في جميع حركاته قوانين الشريعة مدفوعا إلى اتباعها رافضا ما كان يستعمله المشركون في الجاهلية والبغاة القاسطون في الاسلام في حروبهم من المكر المحظو والخبث والدهاء والغدر والحيلة والتغرير بالاجتهاد في مقابلة المنصوص وتخصيص العمومات بالآراء لتوافق الهوى وغير ذلك مما لاترخص فيه الشريعة ولا يرضاه الله ولا رسوله فكان كرم الله وجهه يقول لاصحابه لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم ولا تفتحموا بابا
---
[ 204 ] (1/204)
مغلقا لانه كرم الله وجهه كان ملجما بلجام الورع عن جميع القول الا ما كان فيه لله رضى وممنوع اليدين عن كل بطش لا ما ارتضاه الكتاب والسنة ومنقطع عن كل تدبير الا ما اذن الله فيه فكان مجال التدبير عليه ضيقا ومن هذا التضييق وقعت امور كثيرة ينسب إليه القاصرون التقصير فيها كعدم اقراره معاوية على الولاية في اول خلافته ثم يعز له بعد ذلك لما يعلمه في تقريره من الظلم والجور وكعدم ارضاء طلحة والزبير بتوليتهما المصرين كما طلبا حتى فأرقاه وكمخاشنته في الله لبعض اصحابه كأخيه عقيل وشاعره النجاشي ومقصلة بن هبيرة حتى فارقوه إلى معاوية كما نسبوا الفاروق رضى الله عنه إلى قصور الرأي في تنفيره جبلة بن الايهم والتشديد عليه في طلب القصاص بلطمة لطمها رجلا وطئ ازاره حتى ارتد بسبب ذلك جبلة عن الاسلام وارتد بأرتداده الوف من اتباعه وفي امره بحرق مكتبة الاسكندرية واحراقه قصر سعد بن ابي وقاص بالكوفة ومشاطرته كثيرا من عماله اموالهم وامثال هذا ولا غروان من اقتصر على الكتاب والسنة فقد حجر على نفسه الواسع ومنع نفسه الطويل العريض وما لا يتناهى من المكائد ووجوه الفلج والظفر. وكان معاوية واصحابه غير متقيدين بدين ولا ملتزمين في الباطن لشريعة بل كانوا يستعملون المكر والخبث والغدر والكذب والتغرير والتأويل مما يستخرجون به وجوه مصالحهم سواء كان جائرا في الشرع أو محظورا وسواء اكان فيه سخط الله تعالى ام رضاه ومن المعلوم البديهي ان الصدق والكذب معا اوسع مجالا من الصدق وحده وان الحلال والحرام معا اكثر طرقا من الحلال وحده فأتسع بذلك لمعاوية واصحابه مجال التدبير من التفريق بين الناس بالكذب والغاء الكتب المزورة في العسكر بالسعايات ودس السموم في الاطمعة وبذل الرشوة يمن مال الله وامثال ذلك من المكائد الاثيمة وزخارف
---
[ 205 ] (1/205)
القول المفتعلة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم واكثرهم فاسقون افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون. ولما رأى قاصرو النظر نوادر معاوية وعمرو في المكائد وكثرة غرائبهم في الخديعة ولم يروا مثل ذلك من علي كرم الله وجهه توهموا ان ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي عليه السلام وجرهم ذلك إلى الحكم بما زعموا ثم إذا رميت بنظرك إلى خدائع معاوية وعمرو وجدت اكبرها رفع المصاحف ولم ينخدع بها علي كرم الله وجهه بل ادرك لاول وهلة انها مكيدة لطلب الخلاص والنجاة ونبه اصحابه عليها لولا ان بعض اصحابه لما فيهم من الغرارة والتسرع والطيش انخدعوا بذلك وآل بهم الامر الى التنازع فوافقهم الامام خشية الافتراق ومثلها صنعوا في تعيينهم ابا موسى الاشعري حكما من جانب علي عليه السلام واصرارهم وتصميمهم على ذلك وهو يعلم ما عند ابي موسى من الانحراف عنه والغبارة فيه الا انه كرم الله وجهه قيد امر انتحكيم بكتاب الله حتى لا يلزمه ما خالفه من فعل الحكمين قال: ابو الفرج بن يزيد الكلاعي قالوا لعلي كرم الله وجهه حكمت كافرا ومنافقا فقال ما حكمت مخلوقا ما حكمت الا القرآن (1) وقد اشار كرم الله وجهه إلى جميع ما قدمناه بكلمات وجيزة مذكورة في نهج البلاغة قال كرم الله وجهه والله ما معاوية باد هي مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهة الغدر لكنت من ادهى الناس ولكن لكل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة (انتهى). ويتمشدق بعض الطائشين ويتبجح بترديده على اللسان ان معاوية خال
---
(1) استدل اهل السنة بهذه المقالة عن علي كرم الله وجهه على ان القرآن ليس بمخلوق ولولا صحتها عندهم لما احتجوا بها في مسألة يطلب فيها اليقين والقطع (انتهي). (*)
---
[ 206 ] (1/206)
المؤمنين وقد اخذ هذه الخوؤلة من جهة كون معاوية اخا لام المؤمنين ام حبيبة رضي الله عنها واخو الام خال لغة ويظن الطائش ان بتلك الخؤولة التي زعمها لمعاوية شرفا ونسبا بينه وبين المؤمنين ومادري الغبي انه لا يمكن ولا يصح اطلاق لفظ الخال على احد من اخوان امهات المؤمنين رضي الله عنهن حقيقة لان الله سبحانه انما نزلهن منزلت الامهات للمؤمنين في التحريم واستحقاق التعظيم فقط لا منزلة الام بجميع معانيها فان الام الحقيقة هي الوالدة قال الله تعالى ان امهاتهم اللائي ولدنهم وانهم ليقولون منكرا من القول وزورا. وكما نزلت زوجات النبي عليه وآله الصلاة والسلام منزلة الام فيما مر فكذلك نزلت المرضعة مع قرابتها في منزلة الام الحقيقة في تحريم المناكحة فقط لا في كل معانيها من التوارث ووجوب الطاعة والنفقة وغيرها. ولو صح ان يقال ان معاوية خال المؤمنين لصح ان يقال ان حيي بن اخطب اليهودي جد المؤمنين فمن كان معاوية خاله فحيي جده ولكانت بنات ابي سفيان بل وبنات ابي بكر وعمر خالات المؤمنين كيف وهن متزوجات بأبناء اخواتهن ان هذا والله لهو التلاعب بكتاب الله واحكامه ماذا يقول الفقيه فيما لو علق رجل طلاق زوجته بقوله ان كان معاوية خالي اوحيي جدي فزوجته طالقة اتراه يمضيه ويفرق بينهما لااظن قاضيا يتجاسر على ذلك ولا حول ولا قوة الا بالله. اما كتابة معاويد للنبي صلى الله عليه وآله فصحيحة كما جاءت في صحيح مسلم وفي حديث اسناده حسن ان معاوية كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله قال المدائني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وآله فيما بينه وبين العرب (انتهى) وتلك فضيلة لا تنكر اما كتابة معاوية للوحي والتنزيل فلم تصح ومن ادعى ذلك فليثبت آية نزلت فكتبها معاوية
---
[ 207 ] (1/207)
اللهم الا ان يأتينا بالحديث الموضوع انه كتب آية الكرسي بقلم من ذهب جاء به جبريل هدية لمعاوية من فوق العرش نعوذ بالله من الفرية على الله وعلى امينه وعلى رسوله ذلك وايم الله العار والشنار قل افأنبئكم بشر من ذلكم النار. ثم ان معاوية بعد ان كتب للنبي صلى الله عليه وآله رجع ناكصا على عقبيه فكتب بيده المظالم والا وامر المحترمة بالسب والبغي والجرائم المحبطة للاعمال وقد كتب قبله للنبي صلى الله عليه وآله عبدالله بن خطل وقد كان يقول ان كان محمد نبيا فاني لا اكتب له الا ما اريد ثم ارتد ولحق بمكة مشركا فلما كان يوم الفتح ضرب عنقه ولم تعصمه الكتابة عما أراده الله له من سوء الخاتمة وشقاوة العقبى في الآخرة ذكر هذا ابن عدي وكتب ايضا قبله عبدالله بن ابي سرح بمكة ثم ارتد وصار يقول كنت اصرف محمدا حيث اريد كان يملي على عزيز حكيم فأقول أو عليم فيقول نعم كل صواب ونزل فيه فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا. واهدر النبي دمه يوم الفتح. (الشبهة الرابعة) تولية عمر بن الخطاب رضي الله عنه اياه دمشق الشام واعمالها وابقاؤه واليا عليها حتى قتل عمر رحمه الله وعمر رضي الله عنه من اهل الفراسة الصادقة والنظر الصائب قال انصار معاوية لو كان معاوية غير متأهل للولاية لما ولاه عمرو لو كان ممن يستحق العزل لعزله فدلت توليته وعدم عزله على رضا عمر عن افعاله ورضى عمر منقبة عظيمة (واقول) هذه الشبهة لا توجب توقفا عن سلوك طريق فرقة الحق القائلة بجواز لعنه ووجوب بغضه الثابتين بالادلة الصحيحة كما سبق بل هذه ليست شبهة اصلا فان عمر لا يعلم الغيب
---
[ 208 ] (1/208)
ولا يطلع على الضمائر حتى لا يولي الا تقيا و لا يستعمل الا نقيا ولا يلزم من مجرد اختياره ثبوت فضيلة ولانفي رذيلة هذا موسى كليم الله (ع) وهو بلا ريب افضل من عمر قد اختار قومه سبعين رجلا لميقات الله فما كان منهم الا ان قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة واخذتهم الرجفة على بوائق معاوية وجرائمه التي بسببها استجيز لعنه ووجب بغضه انما ظهرت بعد زمن عمر وكان معاوية ايام ولايته لعمر يخافه ويهابه وقد ضربه بالدرة على رأسه كما رواه ابن سعد حين دخل عليه في جبة خضراء معجبا بها لكي يضع من تكبره وعاتبه حين دخل الشام على اتخاذه الموكب العظيم واعرض عنه وتركه يمشي راجلا حتى اتعبه ثم سأله عن ذلك فخادعه معاوية بقوله انا في بلاد لا نمتنع فيها من جواسيس العدو فلا بدلهم مما يرهبهم من هيبة السلطان فان امرتني بذلك اقمت عليه وان نهيتني عنه انتهيت فقال عمر لئن كان الذي قلت حقا فانه رأى اريب ولئن كان باطلا فأنها خدعة اديب وقد كان عمر رضي الله عنه يقول من خدعنا في الله انخدعنا له الا ترى انه بلغه عن احد عمله انه يقول من ابيات له. اسقني شربة الذ عليها * واسق بالله مثلها ابن هشام فأستدعاه عمر إلى المدينة وعرف العامل السبب فتهيأ للخداع ولما حضر قال: له عمر رضي الله عنه هيه اأنت القائل اسقني شربة. البيت السابق قال: نعم يا امير المؤمنين وهل اسمعك الساعي ما بعده قال لا فما هو قال: عسلا باردا بماء قراح * انني لا احب شرب المدام قال إذا كان هكذا فأرجع إلى عملك وذكر أبو جعفر الطبري من حديث عبدالله بن محمد عن ابيه في ذكر مراجعة علي لعثمان رضي الله عنهما قال: قال عثمان انشدك الله يا علي هل تعلم ان المغيرة بن شعبة ليس هناك
---
[ 209 ] (1/209)
قال نعم قال فتعلم ان عمر ولاه قال نعم قال فلم تلومني ان وليت ابن عامر في رحمه وقرابته قال: علي سأخبرك ان عمر بن الخطاب كان كل من ولى فأنما يطأ على صماخه ان بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به اقصى الغاية وانت لا تفعل، ضعفت ورفقت على اقربائك قال: عثمان اقرباؤك ايضا فقال لعمري ان رحمي منهم لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال: عثمان هل تعلم ان عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال علي انشدك الله هل تعلم ان معاوية كان اخوف من عمر من يرفا غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية يقتطع الامور دونك وانت تعلمها فيقول للناس هذا امر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية (انتهى) واليك واقعة من وقائع عمر رضي الله عنه تدلك على انه لو كان عمر يعلم ادنى شئ مما يصير إليه معاوية من البغي والفساد وارتكاب الجرائم وتفريق الامة لما ولاه ساعة واحدة على شبر من الارض فيه مسلم واحد. قال ابن ابي شيبة حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب قال حدثني غير واحد ان قاضيا من قضاة الشام اتى عمر فقال يا امير المؤمنين رأيت رؤيا افظعتني قال: ماهي قال رأيت الشمس والقمر يقتتلان والنجوم معهما نصفين قال: فمع ايهما كنت قال: كنت مع القمر على الشمس فقرأ عمر وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة انت مع الآية الممحوة فأنطلق فوالله لاتعمل لي عملا أبدا قال عطاء فبلغني انه - يعني القاضي المعزول - قتل مع معاوية بصفين (انتهى) افترى عمر رضي الله عنه إذ لم يرض بأستعمال رجل دلت رؤياه على انه من حزب معاوية إذ هو الآية الممحوة كما ظهر بمقتل ذلك القاضي يرضى بأستعمال وتولية رئيس تلك الفئة الباغية وامامها ومغويها كلا والله غير ان الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم الغيب وحجبة عن عباده الا من شاء الله فيما شاءه جل شأنه.
---
[ 210 ] (1/210)
على انا نقول ان علم رضي الله عنه بفجور معاوية لو كان عالما به وهو مالا نظنه لا يكون ما نعا من توليته إذا رأى فيه نوع مصلحة عامة فقد عزل سعد بن ابي وقاص عن الكوفة ثم ولي عليها المغيرة بن شعبة وقد روي كما ذكره صاحب الفائق وغيره ان حذيفة قال لعمر رضي الله عنهما انك تستعين بالرجل الفاجر فقال اني استعمله لاستعين بقوته ثم اكون على قفاه وذكر ايضا ان عمر رضي الله عنه قال غلبتي اهل الكوفة استعمل عليهم المؤمن فيضعف واستعمل عليهم الفاجر فيفجر (انتهى). (الشبهة الخامسة) تتابع الاكثر من علماء اصحابنا الاشاعرة والما تريدية مددا طويلة ى القول بتعديل معاوية والسكوت عن ذكر مثالبه وتأويلها أو حملها علم المحامل الحسنة وانكار ما يمكن انكاره منها وهذه الشبهة انما هي عند المقلدين والعوام وهي النقطة السوداء في مذهب اهل السنة وهي اشد الشبه أضرارا بهم واستحكاما في عقائدهم وتمكنا منهم حتى صاروا يعتبرون من لعن معاوية أو ذكر شيئا من بوائقه مبتدعا وفاسقا لا يصغون إلى سماع دليل ولا يلتفتون إلى نقل وان كان صحيحا لا تظهر منهم لدى البحث الا بوادر الحفق وسورات الغضب. يا مرسل الريح جنوبا وصبا * ان غضبت قيس فزدها غضبا قصارى ما عند العالم منهم ان يقول لك عند البحث ان أيمة السنة وقادة الجماعة كابى الحسن الاشعري وابي منصور الما تريدي ومن بعدهما كالباقلاني والسبكي والغزالي والعضد والدواني والنسفي والنووي وهلم جرا كلهم من العلم والتحقيق وسعة الاطلاع بالمنزلة السامية وكل هؤلاء يستحسن تولي معاوية ويأمر بالسكوت عن ذكر مثالبه ويتأولها له وينهي عن لعنه وسبه ولو لم يكن لهم دليل على ذلك لما قالوه ولسنا باعلم منهم
---
[ 211 ] (1/211)
حتى نخالفهم ونصنع غير الذي صنعوا. والجواب عن هذا اننا لاننكر فضل هؤلاء الرجال وعلو مقامهم من العلم والتحقيق والديانة والورع نستمد من علومهم ونتبع آثارهم ونقتبس من انوارهم ونعتقد حسن نياتهم ونبل مقاصدهم ولكنا مع هذا نقول انهم ليسوا بمعصومين عن الهفوات فلا حجة في اقوالهم ولا نجاة باتباعهم الا فيما وافق الحق مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن اكابر اصحابه واما ما خالفوا باجتهادهم فيه الطائفة الاولى والنقل الصحيح من توليهم معاوية والترضي عنه ان صح عنهم وتعديله والتزام تأويل قبائحه فلا يلزمنا قبوله اذلا يسوغ لمن عرف الحق اتباعهم ولا تقليدهم في شئ من ذلك وقد مرت بك الادلة التي تشبثوا بها من الصحبة وغيرها في الشبه الاربع السابقة ومر بك ايضا بيان عدم نهوضها بمدعاهم في معارضة ادلة الفرقة الاولى في جواز لعنه ووجوب بغضه وبيان حاله للتحذير منه وقد مر في صدر هذه الرسالة ذكر كثير منهاكما رأيته من عمومات الاحاديث ومن لعن كثير من الصحابة له وسبهم اياه واعلان بغيه وفجوره وكيف يسوغ لطالب الحق ان يضرب صفحا عن تلك الادلة القوية ويتبع ماقاله المتأخرون وهو يعرف ان لامستند لهم فيما قالوا الامامر كما صرحوا بذلك (فان قيل) انك معترف بان هؤلاء لذين ذكرت اوسع منك علما واقوى منك ادراكا واكثر اطلاعات منك على الادلة واقدر منك على تأليف المقدمات واطلاع النتائج وهم اتقى الله منك فيكونون حينئذ اسرع منك اذعانا للحق واجدر باصابة الصواب ومع هذا فانهم لم يذكروا ما ذكرت ولم يصرحوا به كما صرحت فما هو السبب الذي قيدهم واطلقك واسكتهم وانطقك. قلت السبب هو حرية فكري في استنباط الحق وحرية قولي في اعلانه وسجنهم افكارهم واقوالهم وتقييدها بقيود التقليد وغلها باغلال الانتصار
---
[ 212 ] (1/212)
للمذهب ولا ريب ان احرار الفكر والقول قليلون جدا لان الانسان مهما كان ذكيا وعالما فضلا عن الجاهل والبليد لابد ان تطرق سمعه وتحتل ذهنه من حال صغره قضايا ومقدمات تؤثر في دهنه وتنطبع في وجدانه وترسخ فيه بتكرر تعاورها عليه فتجعل بينه وبين ما يخالفها غشاوة تحجب الفكر عن النظر فيه اصالة بل ربما صارت اعتقادا مظنون الصدق فلا يتجاوز الفكر ذلك الاعتقاد ولا يحكم الا بما يوافقه. ولا شك ان هؤلاء الافاضل قد اطلعوا على جميع ما ذكرت من الادلة القرآنية و النبوية ولكنهم لم يبيحوا لافكارهم الاستنتاج منها الا بالمقدار الذي يوافق عقائدهم الراسخة في اذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم الراسخة في اذهانهم مما تلقوه عن مقلديهم وتهيبوا مع ذلك عن مخالفتهم مع اتساع المجال لهم بالتأويل الذي سكنت إليه نفوسهم لمطابقته معتقداتهم ولو ان اولئك الفضلاء اطلقوا لافكارهم عنان الحرية واستنبطوا احكام القضايا التي ذكرناها من مصادرها الاولية من الآيات والاحاديث مع تخلية الذهن عما علق به من غيرها وتجريده عما رسخ فيه من اقوال من تقدمهم التي لاحجة بها ولا التفات إليها في مقابلة قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وآله لحكموا قبلي بما حكمت وقالوا كلهم بما قلت على اني لم آت بدعا من القول ولا جديدا من الاعتقاد بل انا مسبوق في كل ما قلته باقوال كثيرين هم اتقى لله واورع واجل وافضل واعلم من اولئك الذين سكتوا عما ذكرت ولم يصنعوا كما صنعت ولكل وجهة هو موليها. نعم ان كثيرامنهم قد آتاه الله حرية الفكر ولم تتغلب عليه تلك العوامل التي تغلبت على غيره ولكن لم يؤته الله حرية القول قتراه يسكت عن ما يراه صوابا ولا يستطيع الجهر به تهيبا من ذي شوكة أو مداراة للعامة ويتخذ حسن الظن بمن تقدمه عذرا له في سكوته بل قد صرح بعضهم بهذا فقال هكذا وجدنا اقوال كثير من السلف فاحسنا بهم الظن وقلنا كما قالوا ولعل
---
[ 213 ] (1/213)
لهم دليلا لم نطلع عليه فهذا هو السبب الذي قيدهم واطلقني واسكتهم وانطقني وآلافة كل الآفة هو التقليد الاعمى والله اعلم. قال شيخ الاسلام ابن تيمية في الصارم المسلول قال ابو طالب المشكاتي قيل للامام احمد ان قوما يدعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان قال اعجب لقوم اسمعوا الحديث وعرفوا الاسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره قال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم. وقال بعض العلماء لو اجتمع مجتهدوا الارض كلهم على قول وكان النبي يقتضى خلافه فالحق قول النبي عليه السلام واجماع المجتهدين في مقابله كضرطة بعير في فلاة. وقال السيد الآلوسي في جلاء العينين نقلا عن ابن تيمية قال قد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة فقال له قال ابو بكر قال عمر فقال ابن عباس يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء اقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وتقولون قال ابو بكر قال عمر (انتهى). قلت ولم يقل ابن عباس ان ابا بكر وعمر كانا اعلم مني وافضل ولو لم يكن لهما دليل على قولهما لما قال ثم قال ولو فتح هذا الباب لوجب ان يعرض عن امر الله تعالى وعن امر رسوله صلى الله عليه واله وسلم ويبقى كل امام في اتباعه بمنزلة النبي في امته وهذا تبديل للدين وشبيه بما عاب الله به النصارى في قوله: اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله (انتهى). ووجه المشابهة في هذا ظاهر إذ من المعلوم ان النصارى لم يعبدوا الاحبار ولا الرهبان وانما اتخذوا مجرد اقوالهم حجة يتدينون بها فعابهم الله بذلك الفعل وسماه عبادة. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في اعلام الموقعين ان فتاوى الصحابة
---
[ 214 ] (1/214)
اولى ان يؤخذ بها من فتاوى التابعين وفتاوى التابعين اولى من فتاوى تابعي التابعين وهلم جرا وكلما كان العهد بالرسول اقرب كان الصواب اغلب ثم قال ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند الله أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الائمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري واسحاق بن راهويه وعلي بن المديني وامثالهم بل لا يلتفت إلى قول ابن ابي ذئب والزهري والليث بن سعد وامثالهم بل لا يعد قول سعيد ابن المسيب والحسن وجعفر بن محمد والقاسم وسالم وعطاء وطاووس وامثالهم مما يسوغ الاخذ به بل يرى تقديم قول المتأخرين من اتباع من قلده على فتوى ابي بكر وعمر وعثمان وعلي وذكر عددا من الصحابة ثم قال فلا ندري ما عذره غدا إذا سوى بين اقوال اولئك وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها فكيف إذا عين الاخذ بها حكما وافتاء ومنع الاخذ بقول الصحابة واستجاز عقوبة من خالف المتأخرين لها وشهد عليه بالبدعة والضلالة ومخالفته اهل العلم وانه يكيد الاسلام تالله لقد اخذ بالمثل المشهور رمتني بدائها وانسلت (انتهى). أما قوله انا لسنا باعلم من اولئك العلماء حتى نخالفهم ونصنع غير ما صنعوا فقول لا يقبل ممن يمكنه البحث والنظر في الادلة ومواقع الصحة والضعف فيها وما ابعد هذا إذا اهمل ذلك عن مراتب الرجال وما اعجزه عن نيل صفة الكمال قال الشاعر: ولم ارى في عيوب الناس عيبا * كنقص القادرين على التمام بل هو قول العاجز الوكل والجاهل المقلد الواضع نفسه موضع الصبي لدي كافله والمرأة في قبضة وليها والاعمى في يد قائده على انا نلزمهم ايضا بانهم ومقلديهم ليسوا باعلم ممن لم يسكت عن معاوية بل اوجب بغضه واستجاز لعنه واعلن قبائحه وبين سوء سيرته فكيف خالفوهم وصنعوا غير
---
[ 215 ] (1/215)
الذي صنعوا ولو فرضنا ان الامر راجع إلى التقليد فقط فانا نقول لهم انكم لن تجدوا في جميع علمائكم الذين تقلدونهم من يداني أو يقارب امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه علما وعملا وورعا واحتياطا في الدين وحرصا على الحق وسابقة في الاسلام واقواله في معاوية وسبه ولعنه اياه وكشفه قبائحه وتحذيره من متابعة ضلاله مشهور متواتر وقد قدمنا طرفا من ذلك فهلا قلدتموه واتبعتم ما قاله اوليس هو اولى بالتقليد من اولئك العلماء الذين قلدتموهم واجدر بمعرفة الحق منهم ويحكم اتظنون اصابة مقلديكم وخطأ باب مدينة العلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وامثاله من كبار الصحابة وكبار التابعين ان هذا والله لهو الخبط والغباوة وخدع النفس والهوى اليس قد جاء عن المعصوم صلى الله عليه واله وسلم في حق علي عليه السلام ما يدل صريحا على انه لا يفارق الحق في اقواله وافعاله واعماله كلها حتى ادعى له العصمة بسبب ذلك جماعة من اهل البيت الطاهر ولنذكر طرفا منهما تقوم به الحجة على الخالفين وتطمئن إليه نفوس الموافقين. اخرج الحاكم والطبراني في الاوسط عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. واخرج الطبراني والحاكم وابو نعيم عن زيد بن ارقم من حديث وفيه: فانه - يعني عليا - لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلال واخرج ابو نعيم في الحلية عن حذيفة انه صلى الله عليه واله وسلم قال ان تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم واخرج الديلمي عن عمار بن ياسر وابي ايوب بلفظ: يا عمار ان رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فأسلك مع علي واخرج الحاكم عن ابي ذر انه صلى الله عليه واله وسلم قال من فأرق عليا فارقني ومن فارقني فقد فارق الله (واخرج) الديلمي عن ابي ذر انه صلى الله عليه واله وسلم قال يا علي انت تبين للناس
---
[ 216 ] (1/216)
ما اختلفوا فيه من بعدي (واخرج) الطبراني عن سلمان من حديث قال فيه صلى الله عليه واله وسلم هذا فاروق هذه الامة يفرق بين الحق والباطل يعني عليا (واخرج) نحوه الطبراني عن ابي ذر وابن عدي والعقيلي عن ابن عباس (واخرج) ابو يعلي وسعيد بن منصور عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الحق مع ذا الحق مع ذا يعني عليا (واخرج) الخطيب عن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله انا وهذا حجة على امتي يوم القيامة يعني عليا (واخرج) الحاكم في المستدرك عن علي ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان لله سيهدي قلبك ويثبت لسانك (واخرج) أبو نعيم في الحلية عن ابي بردة ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ان عليا راية الهدى وامام الاولياء ونحو هذه الاحاديث كثيرة وهي وان لم تقتض العصمة لعلي على قول الجمهور لكنها تدل دلالة قوية على انه لا يفارق الحق وعلى انه اعلم الصحابة حتى انه لم ينقل انه استفتى احدا من الصحابة في مسألة مامع ان رجوع اكابر الصحابة إلى اقواله في المشكلات مشهور ومستفيض إلى قول ابن عباس ان عليا احرز تسعة اعشار العلم ووالله لقد شاركنا في العاشر وإذا كان كذلك فلم لا يكون تقليده احق واصوب من تقليد فلان وفلان ولكن على من تقرأ زبورك يا داود انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا اولوا مدبرين وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع الا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون. ولربما يقول القائل انه نقل ايضا عن بعض السلف من اهل القرن الثاني والثالث القول بتعديل معاوية في الرواية وان السلامة متيقنة في السكوت عنه وهذا هو قول الاشعري والما تريدي. فنقول اما القول بتعديله فقد مر الجواب عنه في الشبهة الاولى واما القول بان السلامة متيقنة في السكوت عنه فليس مراد القائلين بذلك السكوت
---
[ 217 ] (1/217)
عن تخطئته وعن اثبات لغيه وتحقيق ظلمه وجوره فانهم انفسهم لم يسكتوا عن شئ من ذلك وهم الذين اجمعوا على تخطئته وبغيه وبينوا فضائحه وقبائحه وملاؤا بذلك مسنداتهم وشحنوا بها تواريخهم فلم يبق الا ان يكون مرادهم السكوت عن لعنه أو سبه أو عنهما معا. اما لعنه فقد قدمنا في صدر الرسالة بيان مشروعية لعن من استحق اللعن باحد مسوغاته مما تلبس معاوية بالاكثر منها فيكون لعنه مطلوبا تأسيا برسول الله وبملائكته وعملا بما جاء في كتابه تعالى من ذلك كيف وقد قال جل شأنه اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاغنون اليس هذا في حقنا خبرا بمعنى الامر كما في قوله عزوجل والمطلقات يتربصن ونحوه على ان التأسي وحده كاف في طلبه وحاشا من ذكرتم من السابقين ان ينهى عن امر شرعه الله تعالى وكرره في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله ولو سلمنا ان احدا منهم نهى عنه فلا اعتبار لكلام احد في مقابلة كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام فنحمل حينئذ اجلالا لمقامهم نهيهم عن ذلك على النهي عنه عند خوف الفتنة كما هو الغالب في الازمان السابقة أو على النهي عن لعن من لم يستحق اللعن اجمالا وهذا حق وصحيح فتعين كون مرادهم السكوت عن سبه لا تقرير قبائحه والرضا بها ونحن تنابعهم على ذلك ونعلم ان لا اثم فيه ولا فائدة إذا لم تدع إليه مصلحة وهي هنا موجودة (1) ولكنا لا نوافق من تجاوز ذلك من المتأخرين إلى ما لم يأمر به السلف من مدحه واطرائه بما ليس فيه والترضي عنه واعلان حبه والانكار على من اورد شيئا من مثالبه لاقامة حجة أو بيان محظور فمن مدحه أو ترضى عنه أو احبه وادعى انه متأس في ذلك بالسلف الاول فقد افترى عليهم (فقد) اورد ابن عبدالبرفي
---
(1) هي اولا امتثال قول الله تعالى ليبيننه للناس ولا يكتمونه ثانيا ارشاد جهلة المقلدين إلى الحق رجاء رجوعهم إليه ثالثا رفع التهمة التي يلصقها الخصم بنا من تقدبمنا اقوال علمائنا على النصوص الصريحة. (*)
---
[ 218 ] (1/218)
الاستيعاب بسند معتبر عن سفيان الثوري عن ابي قيس الاودي قال ادركنا الناس وهم ثلاث طبقات اهل دين يحبون عليا واهل دنيا يحبون معاوية والخوارج (انتهى). هكذا كان السلف فاين هي الطبقة الرابعة من السلف التي تحب عليا ومعاويا كليهما اننا لو فتشنا وتقصينا لم نجد واحدا من جلة الصحابة والتابعين يحب معاوية كما يحبه اليوم المنتسبون إلى الاشعري والما تريدي ويصوب افعاله كما صوبها هؤلاء أو يتأولها له كما تأولوا وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون. نسألك اللهم هداية وتوفيقا لنا ولهذه العصائب المتعصبة ليتهم حيث اطمأنت نفوسهم إلى معاوية استحسان مساوية وهشت افئدتهم إلى خلاف علي عليه السلام وحزبه سلكوا سبيلا من الانصاف ولو ضيقا فأن من المقرر الثابت في اصولهم انه لا يجوز الانكار على من ارتكب مختلفا فيه كما نص عليه القسطاني والاصوليون ثم انهم لم يجعلوا الخلاف امير المؤمنين عليه السلام واكابر الصحابة في هذه المسألة حظا من النظر في مقابلة قول الاشعري والما تريدي بل اسقطوا قوله وقول من موافقه عن درجة الاعتبار فلم يعدوا قوله خلافا اصلا وصاروا ينكرون اشد الانكار على من قال: بقوله وعمل بعمله في هذه المسألة وإذا قلت لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول لم يستحيوا ان يجيبوك بقولهم حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا افلا يتوبون إلى الله ويستغفرون والله غفور رحيم. وإذا البينات لم تغن شيئا * فالتماس الهدى بهن عياء وإذا ضلت القول على علم فماذا تقوله النصحاء يتجح اناس من انصار معاوية ويحتجون بأن القول بتعديله ووجوب تأويل قبائحه وجواز حبه وتسويده هو قول الجم الغفير من المحدثين ثم
---
[ 219 ] (1/219)
من اتباع الاشعري والماتريدي وان هؤلاء هم الجماعة والسواد الاعظم المأمور بلزومهما عند الاختلاف كما جاء في الحديث الشريف فأغتروا بذلك وظنوا الكثرة عاصمة عن الخطاء وملازمة للحق وان كانت ادلة الاقل اقوى وحجتهم اظهر واوضح وهيهات هيهات ان السواد الاعظم والجماعة هو من كان على الحق ولو واحدا كما قدمنا ذلك عن سفيان الثوري رحمه الله. قال ابن القيم رحمه الله في اغاثة اللهفان قال ابو محمد عبدالرحمن ابن اسماعيل المعروف بأبي شامة في كتاب الحوادث والبدع حيث جاء الامر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه وان كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا لان الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الاولى من عهد النبي صلى الله عليه وآله واصحابه ولا نظر إلى كثرة اهل الباطل بعدهم قال عمرو بن ميمون الاودى صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صحبت بعده افقه الناس عبدالله بن مسعود رضى الله عنه فسمعته يقول عليكم بالجماعة فان يد الله على الجماعة ثم سمعته يوما من الايام وهو يقول سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فأنها لكم نافلة قال قلت يا اصحاب محمد ما ادرى ما تحدثونا قال: وما ذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال يا عمرو بن ميمون قد كنت اظنك من افقه اهل هذه القرية. تدري ما الجماعة ؟ قلت لاقال: ان جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة. الجماعة ما وافق الحق وان كنت وحدك وفي طريق اخرى فضرب على فخذي وقال: ويحك ان جمهور الناس فارقوا الجماعة وان الجماعة ما وافق طاعة الله عزوجل قال نعيم بن حماد يعني إذ افسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل ان تفسد وان كنت وحدك فأنك انت الجماعة حينئذ ذكره البيهقي وغيره وقال فيه سئل
---
[ 220 ] (1/220)
بعض اهل العلم عن السواد الاعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الاعظم فقال محمد بن اسلم الطوسي هو السواد الاعظم قال: وصدق والله فان العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها فهو الحجة وهو الاجماع وهو السواد الاعظم وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا (انتهى). على اننا لا نسلم معاوية ما ادعوه من ان المحدثين والاشاعرة والماتريدية هم جمهور هذه الامة واكثرها بل ولانسلم لهم ان جميع من ذكروه قائل بما زعموه في حق معاوية معتقد صحته. اما المحدثون فانا لم نجد الا عن القليل منهم تصريحا بما زعم هؤلاء من تعديل معاوية وتأويل بعض قبائحه والآلاف المؤلفة منهم اما ناقمون عليه أو ساكتون عنه بسبب ما يقتضيه زمانهم وما اشتمل علهى من فتن بني امية ومظالهم. واما الاشاعرة والماتريدية فالكثير منهم بل الاكثر ناقمون في انفسهم على هذا التعديل والتأويل متأففون من هذه الاقوال متبرمون من هذه التحملات نافرة قلوبهم من ذلك الطاغية وموبقاته وجرائره معرضون عن ذكره جملة. أما الخاصة منهم فيما اطلعوا عليه من الدلائل القوية على بطلان ما حرره مقلدوهم وضعف ما استند إليه سابقوهم واما العامة منهم فيما دعتهم إليه الفطرة الايمانية وساقتهم نحوه الالهامات الربانية وهل بعد هذا يصح ان يقال ان السواد الاعظم هو القائل بتعديل معاوية وامثاله والموجب تأويل قبائحه والمثبت له أجر الاجتهاد على فعل المنكرات لابل السواد الاعظم والجماعة هم فئة الحق المفسقون له والمانعون من تعظيمه والقائلون بجواز لعنه بما اكتسب من موجبات اللعن والمصرحون بوجوب بغضه لمحادته لله
---
[ 221 ] (1/221)
ولرسوله وما ارتكبه من معاصيه وسينكشف الغطاء عن جميع ذلك يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها والخصوم إذ ذاك الآلاف المؤلفة من المسلمين والحكم إذ ذاك من لاتخفى عليه خافية فيومئذ لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه احد. ربما يقول قائل انت تطالب الناس اليوم ان يوافقوا الامام عليا ومن هو على طريقته من كبار الصحابة في شأن معاوية وبغضه واستباحة لعنه وهم نعم القدوة والاسوة كما ذكرت ولكنا وجدنا كثيرا من اهل القرون الاولى كالامام الشافعي ونظرائه قد اهملوا تلك الاقوال وسكتوا عنها فهل لا يسعنا ما وسع اولئك الائمة من السكوت والاعراض عن هذه المشاجرات وطرحها جانبا. فنقول له لا يسعكم ما وسعهم لانهم معذورون فيما سكتوا عنه ولا كذلك انتم. انهم وجدوا في زمان كانت الدولة والصولة والشوكة لبني امية وامرائهم العتاة الذين لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة فلا يتجاسر احد ان يعلن أو يصرح بما يعرفه ويعتقده من مثالب اسلافهم وتوغلهم في البغي والظلم ثم اتى زمان بني العباس فكانوا على بغضهم وعداوتهم لبني امية يضيقون ذرعا بكل فضيلة واتباع وانتماء إلى علي واهل بيته عليهم السلام وكان اهل البيت وشيعتهم في ايام تينك الدولتين بل وفي امرة ابن الزبير (1)
---
(1) نقل أبو الفرج عن المدائني عن ابي بكر الهذلي قال: كان عبدالله بن الزبير قد اغري ببني هاشم يتبعهم بكل مكروه ويغري بهم ويخطب بهم على المنابر ويصرح ويعرض بذكرهم فربما عارضه بن عباس وغيره منهم ثم بدا له فحبس ابن الحنفية في سجن عادم ثم جمعه وسائر من كان بحضرته من بني هاشم فجعلهم في محبس له وملاه حطبا واضرم فيه النار وقد كان بلغه ان ابا عبدالله الجدلي وسائر شيعة ابن الحنفية قد وافوا لنصرته ومحاربة ابن الزبير فكان ذلك سبب ايقاعه يبه وبلغ ابا عبدالله الخبر فوافى ساعة اضرمت النار عليهم فاطفأها واستنقذهم واخرج ابن الحنفية من جوار ابن الزبير من يومئذ انتهى وقد اشار في الكامل إلى القصة وذكرها اهل الاخبار.
---
[ 222 ] (1/222)
في غاية من الاضطهاد والتشريد والقتل والاذى طبق ما اخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فأنهم خرجوا من ظلم بني امية إلى ظلم بني العباس ولئن كان كان بنوا العباس اعداء لبني امية فأنهم كذلك اعداء الداء للعلويين كارهين ذكر كل ما فيه منقبة وفضل لبني علي عليه السلام حتى ان احد ملوكهم هدم قبر الحسين عليه السلام وزرع الارض فوقه وحكم بعضهم على العلويين ان لا يركبوا خيلا ولا يتخذوا خادما وان من كان بينه وبين احد من العلويين خصومة من سائر الناس قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة كما ذكر ذلك المقريزي في الخطط وغيره ومات كثير من اكابرهم في سجون بني العباس كما سبق ذكر شئ منه إلى غير ذلك مما كفتنا التواريخ مؤنة نقله فلا عجب مع هذا إذا اسكت اولئك الائمة عن الحث على الاقتداء بعلي عليه السلام في ذلك وان من الخطأ الواضح ان نجعل المعذور في سكوته عن بيان بوائق معاوية وامثاله اسوة وقدوة لنا في السكوت عنها ونحن غير مغذورين كيف وقد جاء في حديث انس وغيره انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: عند ثناء الصحابة على الاموات بالخير والشر وجبت انتم شهداء الله في ارضه فإذا سكت غير المعذور عن ذكر تلك الموبقات منه ومن اعوانه كان كاتما للشهادة المطلوبة منه وإذا اذكر ما يعلمه من موبقاته وجرائره كان شاهد بر وصدق وإذا مدحه واطراه وتأول له التأويلات كان شاهد زور والعياذ بالله تعالى على ان السابقين بينوا ما بينوا من قبائح ذلك الطاغية وسكتوا عن كثير منها ولكنهم حيث سكتوا لم يفعلوا ما فعله من قلدتموهم من اطراء معاوية وتبريره وتسويده والامر بحبه وحب اولئك البغاة المفسدين بل كانوا يشيرون إلى رفضهم وبغضهم والتحذير من توليهم ومحبتهم بما تجده في مطاوي كلامهم من المعاريض والاشارات إذا لم يقدروا على التصريح بشئ من ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله ان في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
---
[ 223 ] (1/223)
(واقدرهم) على سلوك هذا الطريق هو الامام الشافعي رحمه الله لما له من المعرفة بأساليب الكلام واقتداره على التوجيه والتورية بلفظ محتمل لمعنيين أو معان الا ترى انه حين كتب وصيته قال: فيها ما لفظه وافضل الخلق بعده صلى الله عليه وآله الخلفاء الاربعة ابو بكر وعمر وعثمان وعلي (عطف بعضهم على بعض بالواو والعطف به لا يقتضي ترتيبا فيحتمل ان يكون له قول في الترتيب يخالف ما عليه الجمهور) ثم قال اتولاهم واستغفر لهم ولاهل الجمل وصفين عطف على توليهم رضي الله عنهم الاستغفار لهم ليكون عطفه اهل الجمل وصفين عليهم في الاستغفار لهم حيث اعاد العاطف ولام التعدية لافي التولي إذ لفظ التولي متعد بنفسه وهذا من لطيف اشاراته رحمه الله. ومنها ما ذكره شارح المواقف وغيره انه رحمه الله سئل عن قتلى اهل الجمل وصفين فقال تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا نضمخ بها السنتنا اراد رحمه الله دماء اصحاب علي عليه السلام كدم عمار واخوانه الذين قاتلوا معاوية على تأويل القرآن كما قاتلوهم اولا على تنزيله ولا يمكن ن الشافعي رحمه الله على جلالة قدره يريد دماء اصحابه معاوية الذين يعتقد هو كغيره ان قتلهم من اعظم القربات المأمور بها في كتاب الله تعالى افيظن احد انه يعتقد ان الله طهر سيفه من دم اول ما تضمخ به سيف اخي النبي المصطفى ووصيه لا والله ولكن من لاخبرة له بأساليب الكلام ومن كان من اهل الاغراض يفسره بحمله على دماء الكل وحاشى الامام الشافعي رحمه الله من ذلك ومن فسره بذلك فقد افترى عليه كيف وهو رحمه الله القائل. ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في ابحر الغي والجهل ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم اهل بيت المصطفى خاتم الرسل وامسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد امرنا بالتمسك بالحبل
---
[ 224 ] (1/224)
وقد عزا بعضهم تلك المقالة إلى الحسن البصري وعزاها بعضهم إلى ميمون بن مهران وعلى كل الاقوال فمعناها ما ذكرناه والله اعلم. ولما كان الحديث شجون عن لي ان اذكر هنا استطرادا طرفا مما قاله الامام الشافعي رحمه الله من الابيات الدالة على شدة تمسكه بأهل البيت الطاهر ومزيد محبته لهم ورفضه لمن عاداهم أو آذاهم وفيها من الاشارات والمعاريض واستعمال التقية الجائزة ما يفهمه الفطن بعد التأمل قال رحمه الله. لو شق قلبي لذا وسطه * سطران قد خطا بلا كاتب الشرع والتوحيد في جانب * وحب اهل البيت في جانب ان كنت فيما قلته كاذبا * فلعنة الله على الكاذب وتمثل رحمه الله حين عوتب في عدم اكثاره من مدح الامام علي عليه السلام واعلان تشيعه له بقول نصيب. لقد طال كتمانيك حتى كأنني * برد جواب السائلي عنك اعجم لاسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي من الناس يسلم وقال رحمه الله يا اهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن انزله كفاكم من عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له وقال رضي الله عنه قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن توليت دون شك * خير امام وخير هادي ان كان حب الوصي رفضا * فأنني ارفض العباد وقال قدس الله سره في هذا المعنى يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بقاعد خيفها والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كملتطم الفرات الفائض
---
[ 225 ] (1/225)
ان كان رفضاحب آل محمد * فليشهد الثقلان اني رافضي وقال نفع الله بعلومه إذا نحن فضلنا عليا فأننا * روافض بالتفضيل عند دوي الجهل وفضل ابي بكر إذا ما ذكرته * رميت بنصب عند ذكري للفضل فلازلت ذا رفض ونصب كلاهما * بحبهما حتى اوسد في الرمل وقال رحمه الله آل النبي ذريعتي * وهم إليه وسيلتي ارجو بهم اعطي غدا * بيدي اليمين صيفتي وقال قدس سره إذا كان ذنبي حب آل محمد * فذلك ذنب لست عنه اتوب وقد نقل البيهقي عن الربيع بن سليمان احد اصحاب الشافعي رضى الله عنه قال قيل للشافعي رضى الله عنه ان اناسا لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لاهل البيت فإذا رأوا واحدا منا يذكرها يقولون هذا رافضي ويأخذون في كلام آخر فأنشأ الشافعي رضي الله عنه يقول: إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه وفاطمة الزكية واجري بعضهم ذكر سواهم * فايقن انه لسلقلقيه إذا ذكروا عليا مع بنيه * تشاغل بالروايات العليه وقال تجازوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية برئت إلى المهيمن من اناس * يرون الرفض حب الفاطمية على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية (1) * (هامش) (1) ورحم الله محمد بن وهيب حيث قال لما كثر تردده على يزيد بن هرون ورآه يتجنب ذكر فضائل علي عليه السلام. آتي يزيد بن هرون إذ الجه * في كل يوم ومالي وابن هرون فليت لي بيزيد حسين اشهده * راحا وقصفا وندمانا تسليني
---
[ 226 ] (1/226)
وهذا القدر كاف من كلام الشافعي رحمه الله. ومن حيث ان في بعضه اشارة إلى استعمال التقية في بعض الاحوال فلنذكر هنا نص ما ذكره الامام النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تنقوا منه تقاة ويحذركم الله نفسه. قال رحمه الله وللتقية عند العلماء احكام منها انه إذا كان الرجل في قوم كفار ويخاف منهم على نفسه جاز له ان يظهر المحبة والموالاة ولكن بشرط ان يضمر خلافه ويعرض في كل ما يقول ما امكن فان التقية تأثيرها في الظاهر لا في احوال القلب. ومنها انها رخصة فلو تركها كان افضل لما روى الحسن انه اخذ مسيلمة الكذاب رجلين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لاحدهما اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم قال اتشهد اني رسول الله قال نعم وكان مسيلمة يزعم انه رسول بني حنيفة ومحمدا رسول قريش فتركه ودعا الآخر وقال اتشهد ان محمدا رسول الله فقال نعم نعم نعم فقال اتشهد اني رسول الله فقال اني اصم ثلاثا فقدمه وقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال صلى الله عليه وآله وسلم اما هذا المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنيئا له واما الآخر فقبل رخصة الله فلا تبعة عليه ونظير هذه الآية الا من اكره وقلبه
---
= اغدو إلى عصبة صمت مسامعهم * عن الهدى بين زنديق ومافون لا يذكرون عليا في مشاهدهم * ولابنيه بني البيض الميامين اني لاعلم اني لا احبهم * كما هم بيقين لا يحبوني لو يستطيعون من ذكري ابا حسن * وفضله قطعوني بالسكاكين ولست اترك تفضيلي له ابدا * حتى الممات على رغم الملاعين وقريب من هذا قول المأمون الخليفة العباسي إذا ما المرء سرك ان تراه له * يموت لحينه من قبل موته فجدد عنده ذكرى علي * وصل على النبي واهل بيته (*)
---
[ 227 ] (1/227)
مطمئن بالايمان. ومنها انها انما تجوز فيما يتعلق بأظهار الدين فأما الذي يرجع ضرره كالقتل والزنا وغصب الاموال وشهادة الزو وقذف المحصنات واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز البتة (ومنها) ان الشافعي جوز التقية بين المسلمين كما جوزها بين الكافرين محاماة على النفس. ومنها انها جائزة لصون المال على الاصح كما انها جائزة لصون النفس لقوله صلى الله عليه وآله حرمة مال المسلم كحرمة دمه ومن قتل دون ماله فهو شهيد ولان الحاجة إلى المال شديدة ولهذا يسقط فرض الوضوء ويجوز الاقتصار على التيمم إذا بيع الماء بالغبن قال مجاهد كان هذا في اول الاسلام فقط لضعف المؤمنين وروى عوف عن الحسن انه قال التقية جائزة إلى يوم القيامة وهذا ارجح عند الائمة (انتهى حرفيا). قلت اتفق اصحابنا على جواز الكذب عند الضرورة بل وللمصلحة وهو عين التقية لكن ان عبرت عنه بلفظ التقية منعه كثير منهم لكونه من تعبيرات الشيعة فالخلاف فيما يظهر لفظي والله اعلم. (عظة وذكرى) اليك ايها القارئ نفثة مصدور مدادها الاسى ومرماها ترجي الخير بلعل وعسى. يدعي اقوام كثيرون حب اهل البيت عليهم وامتثال امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما اوصاهم به في حقهم ويتظاهرون بذلك وربما كتبوا فيه ما كتبوا ثم تراهم يتهافتون تهافت الفراش على استخراج وتأييد ما امكنهم ان يستنتجوا منه غمطا لفضيلة أو غضا من منقبة جاءت في حق
---
[ 228 ] (1/228)
احد من اهل البيت الطاهر اما بأنكار الصحة أو تأويل المعنى أو ادعاء وجود معارض أو ترجيح مرجوح أو دعوى اجماع لم يقع أو بلا مستند أو نحو ذلك تجد هذا كله في اكثر ما جاء في حقهم عليهم السلام. تأمل كل حديث ورد في فضل علي عليه السلام ولو كان في اعلى مراتب الصحة تجد التعليقات عليه والتأويلات لمعناه بما لا يطابق ظاهره في الغالب لكي يطابق ويوافق ما رسخ في اذهانهم مما اعتقدوه وجمدوا عليه هذا ان سلم من دعوى وضعه أو ضعفه ولا تجد شيئا من هذا في شئ من الاحاديث الواردة في حق غيره بل تجد الامر بالعكس مع انهم ان اولوا هذه فألى فوق ما يقتضيه ظاهر لفظها وان استنبطوا منها فالى افضل ما يستنبطه المستنبطون ومن تتبع الاحاديث وما علق عليها تحقق صحة ما قلناه. هاهم قد شحنوا كتبهم الكلامية بذكر طبقات الصحابة رضي الله عنهم وترتيبهم في الفضل فقالوا افضلهم بعد الخلفاء الاربعة باقي العشرة فأهل بدر فأحل احد فأهل بيعة الرضوان ثم عامة الصحابة ولم يذكر الا من ندر منهم الحسن ولا الحسين ولا حمزة ولا العباس ولا جعفر الطيار في هذا الترتيب ففي اي مرتبة نضعهم ؟ في عوام الصحابة واجلافهم ام كيف الحال ؟ ! نعم شكر الله سعي خطباء المنابر فأنهم لا يزالون يذكرونهم بعد ذكر الاربعة فجزاهم الله عن نبيهم واهل بيته خيرا. استطرد بعض اصحابنا بعد ذكر تفاضل الصحابة إلى ذكر تفاضل التابعين فقال بعضهم أفضل التابعين اويس القرنى وقال بعضهم الحسن البصري وقال آخرون هو سعيد بن المسيب ولم يقل احد بأفضلية الامام زين العابدين ابن الحسين عليهما السلام وهو والله افضلهم واعجب من هذا ان بعض علماء الشافعية افرد في مؤلف له فصلا في ذكر كبار التابعين وعد منهم نحو العشرة ولم يذكر فيهم زين العابدين ولا الحسن المثنى ولا محمد بن الحنفية ولا
---
[ 229 ] (1/229)
ادري ما الصادف له عن ذلك والحال انه من كبار العلماء المطلعين وتأليفه كان بعد انقضاء الدولتين الاموية والعباسية ان هذا والله لقريب من الجفاء ان لم يكن الجفاء بعينه. حاول البعض من اصحابنا وهم القليل تفضيل عائشة على خديجة رضى الله عنهما مع ان احاديث خيرية نساء الجنة شاهدة لخديجة بالفضل إذ لم تذكر عائشة رضي الله عنها في شئ من تلك الاحاديث ومع انه عليه السلام غضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب حين قالت له عائشة وقد ابدلك الله خيرا منها وقال لا والله ما ابدلني الله خيرا منها ومع ان خديجة أقرأها جبريل السلام عن ربها وعائشة اقرأها النبي السلام عن جبريل ومع ان خديجة اسبق جميع المسلمين إلى الاسلام إلى غير ذلك ولعائشة رضي الله عنها فضل لا ينكر من نشر العلم ومحبة النبي صلى الله عليه وآله لها وقوله عليه السلام فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام إلى غير ذلك وقد افرط الملا علي القاري واستدل بهذا الحديث على تفضيل عائشة مطلقا حتى على فاطمة رضي الله عنها وقارب الجمهور فقالوا عائشة افضل من فاطمة في بعض الخصال وليست الافضلية بهذا المعنى من موارد الخلاف اصلا ولسنا الآن في مجال بحث وتدقيق إذ الصبح مسفر لذي عينين ولكنا نبين لك تحامل البعض مهما امكنهم على اهل البيت عليهم السلام (1).
---
(1) ذهب اكثر فقهاء الشافعية إلى كراهة الصلاة على الال في التشهد الاول من الصلوات مع ان ترك الصلاة عليهم مع الصلاة عليه صلى الله عليه وآله منهي عنه بما صح من قوله صلى الله عليه وآله: لا تصلوا علي الصلاة البتراء الحديث وعللوا تلك الكراهة التي زعموها ببناء التشهد الاول على التخفيف وليت شعري اي اطالة تحصل بزيادة اربعة احرف أو سبعة نهى النبي عن تركها وإذا كانت علة الكراهة عندهم بناؤه على التخفيف فلم كرهوها للمأموم الذي فرغ من تشهده وجلس منتظرا لامامة فأنهم قالوا يدعوا بدعاء آخر أو يسكت ولا يصلي على الآل وليتهم وقفوا عند الكراهة فقط لابل قالوا بأستحباب سجود السهو في = (*)
---
[ 230 ] (1/230)
ثم لا اخالك تجهل ما وقع من الخلاف بين الصحابة ثم التابعين ثم من بعدهم في الافضلية بين ابي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله ولسنا لآن سواءا كان معتقدنا هذا ام ذاك بصدد تلك الاقوال أو نقدها ورد كل منها إلى دليله إذ المسألة ليست من فرائض الدين ولا مما يضل فيها المخالف عندنا كما ذكره اكثر الاصوليين مع ان حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله تعالى ولا يطلع على ذلك الا بالوحي ولكنا نذكرك بأن كثيرا من متأخري اهل السنة يفسقون ويبدعون من يقول بتفضيل علي كرم الله وجهه على ابي بكر وعمر رضى الله عنهما ويشددون النكير عليه مع ان للمفضلين مستندات ودلائل يرجعون إليها واقوالهم بذلك مسبوقة بأقوال كثير من
---
= آخر الصلاة ان اتى بها جبرا للخلل الواقع في صلاته بالاتيان بها. ويقابل هذا ما ذكره الشيخ بن حجر في شرح المنهاج في باب سجود السهو وكثير غيره قالوا يستحب للمصلي ان يسجد للسهو إذا ترك الصلاة على الصحب في القنوت جبرا للخلل الواقع في الصلاة بتركها واظن ان الشيخ كغيره لا يجهلون انه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله ولا عن احد من اصحابه رضي الله عنهم انه صلى على الصحب تبعا للصلاة عليه صلى الله عليه وآله أوامر بها لا في الصلاة ولا خارجها وانما قاسها من بعدهم على الصلاة على الآل والقياس الذي ذكروه فاسد لعدم الاطراد ولوجود الفارق ولنفرض صحة القياس وسنية الصلاة على الصحب لكن كيف يتصور اختلال صلاة تاركها حتى تجبر بسجود السهو مع خلو صلاة النبي صلى الله عليه وآله عنها إلى ان لقى الله تعالى فما لم يفعله النبي صلى الله عليه وآله ولو مرة قالوا بسنيته واستحبوا سجود السهو لتركه جبرا للخلل المزعوم وما نهى النبي صلى الله عليه وآله عن تركه كرهوا فعله واستحبوا السجود لمن اتى به جبرا للخلل كما قالوا فليمعن طالب الحق نظره في ذلك اما انا فأقطع ببراءة الامام الشافعي مما ذكروه إذ لم يرد عنه نص في شئ من ذلك ولا قاعدة يتخرج عليها ما زعموا بل هو القائل. يا اهل بيت رسول اله حبكم * فرض من الله في القرآن انزله يكفيكم من عظيم القدر انكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له واكاد اجزم بأن سجود السهو في كلتي المسألتين مبطل للصلاة لانه زيادة ركن غير مشروع. (*)
---
[ 231 ] (1/231)
ائمة اهل البيت ومن الصحابة رضوان الله عليهم كالمقداد وزيد بن ارقم وسلمان وابي ذر وخباب وجابر وابي سعيد الخدري وغيرهم كما نقله عنهم ابن عبد البر وكعمار وابي بن كعب وحذيفة وبريدة وابي ايوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وابي الهيثم ابن التيهان وخزيمة بن ثابت وابي الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبدالمطلب وبنيه وبني هاشم كافة وبني المطلب كافة كما نقل ذلك كثير من العلماء ومن التابعين ايضا كثير كاويس القرني وزيد بن صوحان واخيه صعصعة وجندب الخير وعطية بن سعيد العوفي (1) وعبيدة السلماني وبني هاشم كافة وكخالد بن سعيد بن العاص وعمر بن عبد العزيز من بني امية (2) وغير هؤلاء خلق كثير ولهؤلاء من الاحاديث الصحيحة ما يسوغ لهم الاستدلال بها على ما قالوه من تفضيل علي كرم الله وجهه كما ان لمفضلي ابي بكر رضي الله عنه مستندات وادلة كذلك. وحيث ثبت ان المسألة خلافية فهلا سكت اولئك المفسقون والمبدعون عن مخالفيهم في ذلك جريا على القاعدة المرعية عندهم انه لا يجوز الانكار على من ارتكب مختلفا فيه كما سكتوا في المسائل الاجتهادية عمن حرم ما احل
---
(1) قال الحافظ بن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب قال ابن سعد كتب الحجاج إلى محمد بن القاسم ابن يعرضه (يعني عطية بن سعيد) على سب علي فان لم يفعل فأضربه اربعمائة سوط واحلق لحيته فأستدعاه فأبى ان يسب فأمضى حكم الحجاج فيه قال وكان يقدم عليا على الكل. انتهى (2) ذكر ابن الكلبي في التاريخ واقعة نذكرها ملخصة. قال بينا عمر بن بعد العزيز جالس في مجلسه دخل حاجبه ومعه امرأة ادماء طويلة حسنة الجسم والقامة ومعها رجلان متعلقان بها ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر فدفعوا إليه الكتاب ففضه فإذا فيه بسم الله الرحمن إلى امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من ميمون بن مهران سلام عليك ورحمة الله وبركاته اما بعد فانه ورد علينا امر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الاوساع وهربنا بأنفسنا عنه ووكلناه إلى عالمه لقول الله عزوجل ولو ردوه إلى الرسول والى اولى الامر (*)
---
[ 232 ] (1/232)
الآخر وحلل ما حرم مع انهم اطبقوا الا الاشعري وحده على ان افضلية ابي بكر رضي الله عنه انما هي ظنية وقد ردوا كما يرد كل ذي خبرة وبصيرة دعوى البعض الاجماع على افضلية ابي بكر رضي الله عنه. وقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب ذكر عبد الرزاق عن معمر قال: لو ان رجلا قال عمر افضل من أبي بكر ما عنفته وكذلك لو قال علي عندي افضل من ابي بكر وعمر لم اعنفه إذا ذكر فضل الشيخين واحبهما واثني عليهما بما هو اهله فذكرت ذلك لوكيع فأحبه واشتهاه انتهى فلا يصنع اولئك المبدعون والمفسقون صنيع هذين الامامين على الاقل. فأنا نرى ان المتارك محسن * وان خليلا لا يضر وصول اننا اهل السنة نطالب غيرنا بالانصاف والمطالبة به من شأن طلاب الحق فينبغي لنا ان نتحلى به تماما حتى تقبل منا المطالبة به.
---
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وهذه المرأة والرجلان احدهما زوجها والاخر أبوها وان اباها يا امير المؤمنين زعم ان زوجها حلف بطلاقها ان علي بن ابي طالب خير هذه الامة واولاها برسول الله صلى الله عليه وآله وانه يزعم ان ابنته طلقت منه وانه لا يجوز له في دينه ان يتخذه صهرا وهو يعلم انها حرام عليه كامه وان الزوج يقول له كذبت واثمت لقد بر قسمي وصدق مقالي وانها امرأتي على رغم انفك وغيظ قلبك فأجتمعوا الي يختصمون في ذلك فسألت الرجل عن يمينه فقال نعم قد كان ذلك وقد حلفت بطلاقها ان عليا خير هذه الامة واولاها برسول الله صلى الله عليه وآله عرفه من عرفه وانكره من انكره فليغضب من غضب وليرض من رضى وتسامع الناس بذلك فأجتمعوا له وان كانت الالسن مجتمعة فالقلوب شتى وقد علمت يا امير المؤمنين اختلاف الناس في اهوائهم وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما اراك الله وانهما تعلقا بها واقسم ابوها ان لا يدعها معه واقسم زوجها ان لا يفارقها ولو ضربت عنقه الا ان يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه فرفعناهم اليك يا امير المؤمنين احسن الله توفيقك وارشدك قال: فجمع عمر بني هاشم وبني امية وافخاذ قريش ثم سأل ابا المراءة وزوجها عما قالا فأجاباه بمثل ما مر عنهما فأكب عمر مليا ينكت الارض بيده والقوم صامتون ينتظرون ما يقوله ثم رفع رأسه وقال: إذا ولى الحكومة بين قوم * اصاب الحق والتمس السدادا (*)
---
[ 233 ] (1/233)
ان بعض المؤلفين المتأخرين منا اهل السنة يقول في بعض كتبه انظر إلى انصافنا اهل السنة حيث لم نكفر من قال بأفضلية علي على ابي بكر (انتهى) كان هذا المؤلف - وامثاله كثيرون - يرى ان تفسيق وتبديع من فضل عليا من الانصاف المحمود لا ومن انزل الكتاب ان بين هذا القول وبين الانصاف مراحل مترامية المسافات ولو كنا في هذا من الانصاف في شئ لتركنا لكل قوله في هذه المسألة إذ هي اجتهادية محضة فللمجتهد فيها أجر ان اخطاء واجران ان اصاب إذا سلمنا انها من المسائل التكليفية والتوفيق بيد الله وحده. دع عنك مسألة التفضيل المطلق * وانظر إلى كتبهم وما حاولو غمطه فيها من فضائل علي الخاصة تجدهم انكروا علميته كرم الله وجهه وهو باب مدينة علم الرسول كما في الحديث الشريف وهو المؤتى تسعة اعشار الحكمة كما في حديث ابن مسعود والمؤتي تسعة اعشار العلم والمشارك في العاشر كما اقسم الحبر ابن عباس بذلك وهو الذي ما كان من الصحابة
---
وما خير الامام إذا تعدى * خلاف الحق واجتنب الرشادا ثم قال للقوم ما تقولون فسكتوا فقال سبحان الله قولوا وبعد اخذ ورد وكلام طويل استدل احد بني هاشم بحديث ذكره عن النبي صلى الله عليه وآله فقال عمر صدقت وبررت اشهد لقد سمعته ووعيته يارجل خذ بيد امرأتك فان عرض لك أبوها فاهشم انفه ثم قال يا بني عبد مناف والله ما نجهل ما يعلم غيرنا وما بنا عمى في ديننا ولكنا كما قال الاول. واعماهم حب الغنى واصمهم * فلم يدركوا الا الخسارة والوزرا تصيدت الدنيا رجالا بفخها * فلم يدركوا خيرا بل استحقبوا الشرا قيل فكأنما القم بني امية حجرا ومضى الرجل بأمرأته وكتب عمر إلى ميمون بن مهران عليك سلام فأني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو اما بعد فأني قد فهمت كتابك وورد الرجلان والمرأة وقد صدق الله يمين الزوج وابر قسمه فأثبته على نكاحه فاستيقن ذلك واعمل عليه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (انتهى). (*)
---
[ 234 ] (1/234)
من يقول سلوني غيره وهو الذي قال عمر فيه اعوذ بالله من معضلة ليس لها ابو الحسن وهو الذي لم ينقل انه استفتى احدا في مسألة دينية مع كثرة رجوع الصحابة إليه في المشكلات على ان خطبه ومواعظه وكلامه في العلوم الالهية بحر زاخر لا يقارب فيه ولا يدانى. استدلوا على انكار تلك الا علمية الباهرة بأثار يدل مجموعها على ان لابي بكر رضي الله عنه حظ عظيم من العلم وهو والله كذلك ولكن لا يدل شئ منها على انه اعلم من علي كرم الله وجهه كما يدعون. انكر معظمهم ايضا اشجعيته كرم الله وجهه التي ضربت بها الامثال ونقلت الرواة من اخبار وقائعه وخوضه معامع الحروب ومقارعته الابطال مع رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده ما شحنت به التواريخ وامتلات به الكتب وعلمه الخاص والعام واقربه العدو والصديق. قالوا ان ابا بكر رضي الله عنه اشجع منه واستدلوا على قولهم بمثل تصميمه رضى الله عنه على قتال اهل الردة ولو وحده وبقوله يوم الحديبية لسهيل بن عمرو امصص بظر اللات وبدفاعه عن النبي صلى الله عليه وآله في حرم مكة حين آذته قريش وامثال هذا وهذه لعمري دالة على شجاعة عظيمة في ابي بكر رضي الله عنه لكنها لا تماثل شجاعة علي كرم الله وجهه فضلا عن ان تفضلها ولا ينقص من مقداره رضي الله ان يكون علي اشجع منه. اننا اهل السنة بهذه الدعوى صرنا هزؤا لدى الشيعة بل وعند المطلعين من اهل الملل الاخرى على وقائع التأريخ وما جرياته وليسوا بملومين ومكابرة من يكابر في مثل هذا محض تعصب لا يرتاب فيه ذو تمييز. رأيت في غير واحد من كتب السير المتداولة بيننا ما صورته حرفيا قالوا: ومما استدل به على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وآله انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان إذا دخل الحرب
---
[ 235 ] (1/235)
ولاقي الخصم علم انه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما أبو بكر فلم يخبر بقاتله فكان إذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب مالا يقاسيه غيره (انتهى). واقول ما تهافت هؤلاء القوم على استنباط كل ما يتوصلون به إلى اهتضام حق لامير المؤمنين كرم الله وجهه في مقابلة من قبله وتسرعهم إلى تشويش كل منقبة خصه الله بها وتشبثهم بمثل هذه الاستدلالات العقيمة تأييدا منهم لما جمدوا عليه من معتقدهم وترويجا لما تمسكوا به من اقوال مقلديهم سيجر المتحرج عن الخوض فيما خاضوا فيه إلى تجشم البحث معهم مجبورا عليه وعلى الولوج معهم فيما يرى ولوجه غير مستحسن سعيا في حفظ قلوب القاصرين عن قبول ما روجوه وغالطوا به العامة مما يفسد عقيدتهم في كمال تلك المناقب الباهرة لعلي عليه السلام. وسعى الي بعيب عزة نسوة * جعل الاله خدودهن نعالها فنقول ان زعم المستدلين على نفي الاشجعية عن علي عليه السلام واثباتها لابي بكر رضي الله عنه بأن عليا انما يبارز الرجال ويقارع الابطال لا عن كمال شجاعة بل لان النبي عليه الصلاة والسلام اخبره بأنه لا يقتله الا ابن ملجم فهو مع مبارزه كالنائم على فراشه مردود مهدوم غير مستقيم لانه لا ملازمة ولا عناد بين علم الشخص انه لا يقتله الا فلان وبين الشجاعة أو عدمها إذ لا مانع من حصول العلم بذلك عن المعصوم لاشجع رجل في العالم أو لاجبن رجل فيه فلم اعرف حينئذ لاستدلالهم بما ذكر على جبن علي أو شجاعة ابي بكر وجها وغاية ما فيه احتمال ان عليا انما يقتحم الاهوال لا عن شجاعته بل لامنه من القتل والاحتمال انما يمنع قطعية دلالة آثار علي عليه السلام في الحروب على اشجعيته فقط لا ظنيتها الغالية ولا يثبت لغيره شجاعة كما زعموا ومع هذا فلا نسلك بهم الوعر بل نجاريهم فيما ذكروا ونقول لهم:
---
[ 236 ] (1/236)
اولا - ان الشجاعة ملكة نفسية والملكات النفسية انما تعرف بآثارها في الخارج وقد ظهرت آثار الشجاعة العظيمة من فعل علي كرم الله وجهه قبل ان يخبره النبي صلى الله عليه وآله بأن قاتله ابن ملجم كما ظهرت بعد ان اخبره ولم يظهر ما يماثلها من غيره. ثانيا - ماذا يؤمن عليا عليه السلام بعد ما اخبره النبي صلى الله عليه وآله بأنه لا يقتله الا ابن ملجم من اين يجرج من مبارزه أو تبتر يده أو رجله أو تفقأ عينه أو يؤسر فيعذب ثم يعيش بعاهته إلى ان يقتله ابن ملجم ولماذا كان يلبس البيضة والمغفر والدرع إذا كان مع خصمه كالنائم على فراشه كما زعموا. ثالثا - انهم بهذا الاستدلال خصوا ابا بكر رضي الله عنه فقط بأنه اشجع من علي ولا معنى للتخصيص الا حاجة في نفس يعقوب إذ يمكنهم ان يقولوا ان كل الصحابة اشجع من علي ودليلهم المزعوم يحتمله. رابعا - ان عليا وابا بكر رضي الله عنهما قد سمعا قول الله تعالى قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وقوله جل جلاله فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون وقوله عز من قائل وما كان لنفس ان تموت الا بأذن الله كتابا مؤجلا وكلاهما يعلم ان المقتول يموت بأجله كما هو مذهب اهل السنة فكل منهما يعتقد إذا برز للقتال انه ان كان هذا يوم انتهاء اجله فهو لا محالة ميت اما في المعركة أو على فراشه وان لم يكن يوم انتهاء اجله فلا يقدر جميع اهل الارض على قتله اللهم الا ان زعموا نقصا في يقين احد منهما وحاشاهما من ذلك كيف وكل مؤمن يوقن بذلك هذا. اعرابي يقول: يخوفني بالقتل قومي وانما * اموت إذا جاء الكتاب المؤجل وحيث كان الامر كذلك فلم خصوا عليا رضي الله عنه باطمئنان القلب
---
[ 237 ] (1/237)
إذا برز إلى القتال دون ابي بكر ثم عكسوا الاستدلال فجعلوا الاطمئنان الذي بحكم العقل والعرف بأنه دال على الشجاعة دليلا على نفيها وجعلوا عدمه دليلا على ثبوتها. خامسا - انه ورد ايضا في حق ابي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله ما يؤمنه من القتل فقد اخرج البخاري والترمذي واحمد من حديث انس قال صعد النبي صلى الله عليه وآله وابو بكر وعمر وعثمان احدا فرجف بهم فضربه النبي صلى الله عليه وآله وقال اثبت احد فأنما عليك نبي وصديق وشهيدان وهذا صريح في ان الصديق رضي الله عنه لا يستشهد واخرج الطبراني عن ابي الدرداء حديث اقتدوا بالذين بعدي ابي بكر وعمر الحديث وهذا يدل على انه لا يموت الا بعد النبي صلى الله عليه وآله فهو في مأمن من الموت مدة حياته عليه الصلاة والسلام وما لزم عليا عليه السلام فيما اخبر به يلزم ابا بكر رضي الله عنه فيما اخبر به كذلك فلم يبق لنا طريق إلى معرفة الاشجع منهما الا بما برز في الخارج من افعال كل منهما والمنصف يعرف. وكأن المستدلين بأمثال هذه الوساوس يظنون ان نقش الصحائف باقلام يمدها الوهم والتخيل يقلب لهم الحقائق أو يثبت منها ما لم يكن وهيهات هيهات ام حسب الذين في قلوبهم مرض ان لن يخرج الله اضغانهم. انكر الكثير ايضا اسبقية اسلامه كرم الله وجهه على اسلام كل الصحابة الا خديجة رضي الله عنها وجزموا بأسبقية اسلام ابي بكر رضي الله عنه مع ان الادلة الحديثية والمنقول عن كثير من اعلام الصحابة اقؤى بكثير جدا مما دل على تقدم اسلام ابي بكر رضي الله عنه ولو لم يكن منها الا حديث سلمان اولكم وردا على الحوض اولكم اسلاما علي بن ابي طالب وحديث علي نفسه صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله كذا وكذا لا يصلي معه غيري الا خديجة وحديث بن عباس رضي الله عنهما هو - يعني عليا - اول عربي
---
[ 238 ] (1/238)
وعجمي صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وحديث عفيف الكندي وقول العباس له فيه لم يتبعه فيما ادعى الا امراته وابن عمه هذا الغلام (1) وما صح عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه قال اسلم قبل ابي بكر اكثر من خمسة ولكنه كان خيرنا اسلاما وقوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة وانه اول اصحابي اسلاما واكثرهم علما واعظمهم حلما لكفى في ترجيح القول باسبقية اسلامه كرم الله وجهه مع ان الذين صرحوا من الصحابة والتابعين باسبقية اسلامه كرم الله وجهه كثير منهم سلمان وابوذر والمقداد بافضليته كما مر عن ابن عبد البر وابن عباس وابو الاسود ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن عياش بن ربيعة وعامة اهل البيت وخباب وجابر وابو سعيد الخدري وزيد بن ارقم وهؤلاء القائلون ومن لا يحصى عدا. واليك ادلتهم على اسبقية اسلام ابي بكر رضي الله عنه وذلك ما اخرج الترمذي وابن حبان في صحيحه عن ابي بكر انه قال الست احق الناس بها الست اول من اسلم وما اخرجه الطبراني في الكبير عن الشعبي قال سألت ابن عباس اي الناس كان اول اسلاما قال: ابو بكر الم نسمع قول حسان. واول الناس منهم صدق الرسلا وما ذكره بن عبد البر عن عمرو بن عبسة قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو نازل بعكاظ فقلت يا رسول الله من اتبعك على هذا الامر قال حرو عبد ابو بكر وبلال قال فاسلمت عند ذلك وما اخرجه أبو نعيم عن ميمون بن مهران
---
(1) قال الحافظ بن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب وقد - يعنى عفيف الكندي - على رسول الله صلى الله عليه وآله قال وقال العسكري ولما اسلم قال لو كان رزقني الله السبق إلى الاسلام فأكون ثانيا مع علي وكذا ذكره ابن سعد ثم قال وكان سيدا في الجاهلية والاسلام وكان عابدا (انتهى). (*)
---
[ 239 ] (1/239)
انه قال والله لقد آمن ابو بكر بالنبي صلى الله عليه وآله زمن بحيراء الراهب حين مر به ذلك قبل ان يولد علي قالوا ايضا وقال: به خلائق من الصحابة ولكنهم لم يسموا منهم غير من ذكر. هذه ادلتهم والى المنصف نكل فحصها والموازنة بينها وبين ما مر مع انا لا نرتاب في ان ابا بكر رضى الله عنه من السابقين الاولين إلى الاسلام والقائمين بالدعوة إليه رضي الله عنه وارضاه. يقول بعض المشاغبين من اصحابنا ان اسلام ابي بكر رضي الله عنه كان في سن الكمال كغيره من الصحابة وان اسلام علي كرم الله وجهه كان في حال صباه وهي حال قصور ونقول هذا من باب قلب الفضيلة جدلا إلى النقيصة اليس من القطعي انه عليه الصلاة والسلام لا يفعل شيئا من امور التبليغ الا بأمر امره الله به ثم ياترى اسلام علي كرم الله وجهه كان بالهام من الله ام بدعاية النبي عليه الصلاة والسلام إليه والاول لا يصح لانه يستلزم تقديمه على النبي صلى الله عليه وآله فانه لم يكن اسلامه الهاما ولم يكن يعرفه حتى جاءه جبريل به فتعين الثاني وفيه فضيلة لعلي خاصة حيث امر الله نبيه بدعائه بخصوصه إلى الاسلام من بين الصبيان ولم يدع غيره منهم ولو لم يمنحه الله في حال صباه من الاستعداد والاهلية ما منحه اهل الكمال لكان الامر بدعائه إلى الاسلام عبثا ينزه عنه الحكيم الخبير وفي هذا مشابهة لما منحه الله تعالى نبيه يحيى عليه السلام قال تعالى وآتيناه الحكم صبيا. ربما يقول قائل ان هذه المباحث لكما ذكرت ومن حيث انها متقضية لا تقضي بنا إلى كبير فائدة في المستقبل فلنتركها جانبا ونشتغل بالاهم (فنقول له) ان البحث عن الحقائق افضل ما يتوخاه الطالب ولكنا نرجع معك إلى الحال والاستقبال ونقول ها نحن قد امرنا بالتمسك بكتاب الله تعالى وبعترة نبينا محمد صلى الله عليه وآله واخبرنا عليه الصلاة والسلام بأنهما لم يفترقا حتى يردا عليه الحوض وبأن التمسك بهما لن يضل ابدا فماذا فعلنا وبمن من اهل
---
[ 240 ] (1/240)
بيته تمسكنا بعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه وقد سالمنا من حارب ووالينا من عادى واحببنا من ابغض وقلنا في حق اولئك القاسطين بغير ما يقول وعظمناهم كما يعظم السابقون الاولون واثبتنالهم الاجر والثواب على مناصبته وقتل اصحابه ومنازعته حقه ام تمسكنا باولاده من بعده ونحن قد اهملنا الرواية عنهم وانفنا من الاخذ منهم وهم من هم اللهم الا في احاديث قليلة جاءتنا عرضا فذكرناها واقوال وافقت مشربنا فنقلناها ان قلنا انهم لا يعلمون فقد كذبنا جدهم عليه الصلاة والسلام فيما قال إذ امره بالتمسك بهم يستلزم وجود العلماء منهم في كل زمان وان قلنا انهم مخطئون فيما علموا فالامر ادهى وامر والمصيبة اعظم واضر وان ادعينا وفاقهم وانتحلنا اتباعهم كذبتنا شواهد الاحوال هذه كتبنا صفر من ذكر اقوالهم خاوية على عروشها من فتاويهم لا نوليهم انصافا ولا نعتبر لهم خلافا. لا نقصد بهذا تنقيصا للمذاهب الموجودة المعمول بها بيننا ولا القدح فيها ولا في مجتهديها ولا الحط من مراتبهم فأنهم بحور العلم واطواد التحقيق والاجتهاد في الدين لا يختص بعالم دوم آخر ولا ينحصر في اهل البيت ولا في غيرهم كلهم على هدى ان شاء الله وكلها عندنا صحيحة ومقبولة اللهم الا مسائل قليلة لم يبق للقوس فيها منزع ولا للتقليد فيها مجال شأن اهل المذاهب واختلافهم على اننا نزداد اطمئنانا وسكونا فيما كان مستندهم فيه النقل عن اهل بيت نبيهم أو معتمدهم الوفاق لواحد منهم للضمان الوارد في الحديث بعدم الضلال والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. هذه حقائق تحوك في صدور المحبين المخلصين وتصغي إليها افئدة المؤمنين المتقيين صرحت فيها بمر الحق وتوخيت فيها محض الصدق ليعلم الكل ان في رجال اهل السنة من الانصاف شأنهم وقول الحق ديدنهم وقد ثبت في الافصاح بتلك الحقائق عن جمع كثير وجم غفير من اصحابنا اهل
---
[ 241 ] (1/241)
السنة الذين يتجنبون الاقدام على ذكرها تهيبا وفرقا من حداد السنة اولئك المدعين سمعة ورئاء حب اهل البيت عليهم السلام ولا تزال تطلع على خائنة منهم الا قليلا منهم وقد افتديت بنفسي اعراض اولئك المتخوفين ونصبت نفسي هدفا لسهام السنة المشاغبين والمعارضين ارجو بذلك الثواب الجزيل من الله واليد الببيضاء عند نبيه ومصطفاه والله موفق الكل إلى الصواب. تذييل قال لي بعض علماء حضرموت يوما بعد ان جرى البحث بيني وبينه في مسألة وجوب بغض معاوية وجواز لعنه ومنع الترضى عنه وتسويده ان اسلافك السادة العلويين الحسينيين كلهم سنيون اشعريون عقيدة شافعيون مذهبا وهم من العلم والعمل والزهد والورع بمقام سام ومرتبة عالية فكيف خالفتهم بأقوالك واعتقادك اترى انهم اخطأوا واصبت ام الامر بالعكس فأجبته ان السادة العلويين رضي الله عنهم لكما ذكرت من كمال العلم والمعرفة بالله وسلوك الطريق المستقيم وعقائدهم هي عقائد اجدادهم المطهرين واسلافهم المهتدين اخي النبي وابن عمه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وسبطي رسول الله وريحانتيه الحسن والحسين وزين العابدين والحسن المثنى ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي العريضي ومحمد بن علي وعيسى بن محمد والمهاجر إلى الله احمد بن عيسى ومن بعدهم من الائمة العظام على جدهم وعليهم افضل الصلاة والسلام لا يحيدون عن تلك الطريقة ولا يتحققون الا بتلك الحقيقة، قال القطب الحداد قدس سره العزيز. وانا على آثارهم وسبيلهم * وما نحن عن حق لهم بنيام وقد وافق اعتقادهم اكثر ما دونه ابو الحسن الاشعري في كتبه الكلامية
---
[ 242 ] (1/242)
فهم اشعريون بهذا المعنى وهم شافعيو المذهب في الفروع الفقهية الا ان لهم اختيارات وانظار خالفوا فيها الشافعية والاشعرية كقولهم بسنية الصلاة على الآل في التشهد الاول وترك الكثير التلفظ بالنية عند الاحرام وقول البعض بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر وكقولهم بعدم صحة تزويج الشريفة الحسنية أو الحسينية من غير بينهما وان رضيت ورضي وليها وعدم اعتبار خصال الكفاءة بينهم خاصة غير النسب وكقول الاكثر منهم بصحة بيع الوفا المعروف وكقولهم بجواز نقل الزكاة ودفعها إلى صنف واحد أو شخص واحد وبجواز المعاطاة في بعض البيوع و معاملة السفيه وكون الرشد اصلاح الدنيا فقط وكقولهم بجواز المزارعة والمخابرة والمناشرة ورد الباقي من التركه بعد ذوي الفروض عليهم غير الزوجين إذا لم ينتظم بيت المال فان فقدوا فلذوي الارحام وكقولهم بولاية الفاسق في النكاح والعمل بالقول القديم فيمن انقطع حيضها لغير علة بأن تتربص تسعة اشهر ثم تعتد بثلاثة اشهر والقول بجواز الفسخ لغائبة الزوج إذا تعذر تحصيل النفقة وكقولهم بصحة ايمان المقلد خلافا للاشعري ومخالفتهم له في قوله ان الوجود عين الذات وانكارهم عليه بعض مسائل التفضيل والقول بقطعيته وكقول الكثير منهم بأنتفاء عدالة معاوية واشباهه وبغضهم في الله ومنع تسويدهم والترضي عنهم (1) على انهم
---
(1) قال لي طالب علم من السادة العلوية يوما بعد ان اطلع على شئ من فصول هذه الرسالة ان القطب الحداد قدس سره يقول: وكن اشعريا في اعتقادك انه * هو المنهل الصافى عن الزيغ والكفر وهم نعم القدوة لنا فقلت له نعم وهل قرأت كتب الاشعري قال لا ولكني اسمع ان من مذهبه السكوت عن قبائح معاوية فقلت له ان الاشعري بكفر كل من لم يعرف وجود الله تعالى وجميع صفاته بدلائلها العقلية وايمان المقلدين عنده غير صحيح وانت واحد منهم فقال لعل هذه المسألة من مذهب الاشعري غير مرادة في كلام الحداد قلت له نعم وكما ان هذه غير مرادة في كلامه فكذلك مسألة تعديل معاوية والسكوت عن قبائحه فانها غير مقصودة في قوله رضي الله (*)
---
[ 243 ] (1/243)
لا يخوضون في هذه المسألة الا في مجالسهم الخاصة بهم ولقد ذاكرت منهم رجالا كثيرة من فضلاء من ادركناهم وتوفاهم الله إليه ومن الموجودين الآن فيما يقول الاشاعرة والماتريدية في هذه المسائل وكلهم يرفضه ويأباه ويشير إلى السكوت ان خيفت فتنة ولو كنت استأذنتهم لذكرت اسماءهم واحدا فواحدا فليس بيني وبينهم خلاف في العقيدة ولا افتراق في الطريقة وانما اسروا واعلنت واجملوا وبينت واشاروا واوضحوا وعرضوا وصرخت: وما انا الا من غزية ان غوت * غويت وان ترشد غزية ارشد (1) وعلى التنزيل والقول بأن الكثير منهم سكتوا عن ذكر موبقات معاوية وسيئاته فذلك اما لعذر ما أو لكونهم لم يسألوا عن ذلك ولم يناقشوا فيه ومع هذا فلا ينسب لساكت قول وقد سكتوا رضى الله عنهم ايضا عن امور كثيرة لقيام غيرهم بها كالرد على الخوارج والمعطلة والجهمية وغلاة الرافضة بل وسكتوا عن رد مفتريات اليهود والنصارى والدهرية واعداء الاسلام افيكون سكوتهم عن جميع ذلك تقريرا لهم ورضى بتلك البدع والمفتريات ونكون حينئذ ملزومين ان نسكت عنها كما سكتوا لا والله انهم انفسهم
---
عنه لانها ليست من عقائد الدين حتى يضل فيها المخالف ولانها مخالفة لاقوال آبائه واجداده العظام الذين اكثر رضي الله عنه من التحريض على سلوك طريقتهم والحث على اقتفاء آثارهم بل مخالفة لقول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام وانما اراد الحداد قدس سره من العقيدة الاشعرية معظمها واكثرها تحذيرا من وقوعنا وامثالنا في ضلالات القدرية أو الجهمية أو المرجئة أو الجبرية أو غلاة الشيعة أو الخوارج وامثالهم وهو اجل مقاما وارفع قدرا من ان يدعوا إلى خلاف ما عليه آباؤه واجداده المطهرون رضوان الله عليهم اجمعين. (1) حضرت يوما مجلس احد علماء السادة العلوية وفضلائهم وكان القارئ رجلا من اهل اليمن واظنه زيدي المذهب فجاء ذكر معاوية عرضا في الكتاب فلعنه القارئ المذكور فقيل لذلك الفاضل الا تزجر هذا عن ما يرتكبه من لعن معاوية وهو صحابي فأجاب نفع الله به متمثلا. لا اذود الطير عن شجر * قد بلوت المر من ثمره (*)
---
[ 244 ] (1/244)
لا يرضون هذا منا ولا من غيرنا. ثم انا إذا وجدنا فيهم من سكت عن معاوية وفضائحه فلا نجد من علمائهم وكبارهم من يطريه ويمدحه ويسيده ويترضى عنه ويتمحل لتبريره ويؤول خطاياه كما يفعل اكثر الاشاعرة والما تريدية اللهم الا افرادا نشأوا بغير بلادهم وتلقوا اكثر علومهم عن الغير فشذوا عن قومهم في هذه المسألة كصحاب المشرع الروي واحاد غيره ولا عبرة بالشاذ وانما العبرة بالغالب والسواد الاعظم من كان على الحق. اخبرني الثقة منهم ان الامام الشافعي رحمه الله اسر إلى الربيع انه لا يحتج في دين الله بواحد من هؤلاء الاربعة معاوية وعمروبن لعاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وانه لا يفضل على علي احد (1) (انتهى) فسادتنا
---
(1) من نظر بأمعان إلى غوامض كلام الامام الشافعي رحمه الله عرف منها مذهبه في تفضيل علي عليه السلام على جميع الصحابة رضى الله عنهم انظر إلى ابيانه التي يقول: إذا نحن فضلنا عليا فأننا * روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل وفضل ابي بكر إذا ما ذكرته * رميت بنصب عند ذكري للفضل فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما * بحبهما حتى اوسد في الرمل فانه اتى في ذكر تفضيله عليا (ع) بصيغة الزيادة والتكرار حيث قال إذا نحن فضلنا عليا أي حكمنا بزيادة فضل علي فاننا بذلك التفضيل روافض عند الجهال فقط ويفهم منه ان القول بتفضيل علي مطلقا ليس في شئ من الرفض عند العلماء ثم قال رحمه الله وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته البيت جاءهنا بمجرد ذكر الفضل لا بصيغة التفضيل كما جاء بها في البيت الاول فمعناه إذا ذكرت فضل ابي بكر رميت بالنصب عند ذكرى فضله ولم يكن تعبيره رحمه الله بالتفضيل في الاول وبمجرد ذكر الفضل في الثاني عفوا من غير قصد أو تفننا في العبارة أو مراعاة للوزن كما يظنه من ظنه لا بل صنع ذلك عمدا لغرض مقصود عنده وذلك انه سيقسم بعد ذلك انه لا يزال بهاتين الحالتين اللتين ذكرهما من تفضيل علي وذكر فضل ابي بكر إلى الموت حيث قال فلا زلت ذا رفض أي بتفضيلي عليا ونصب اي بذكري فضل أبي بكر حتى اوسد في الرمل وانظر أيضا إلى قوله رحمه الله في الابيات الاخرى: (*)
---
[ 245 ] (1/245)
المذكورون سينون بمعنى ان السنة ما كان عليه محمد صلى الله عليه وآله وجلة اصحابه واكابر تابعيهم بالاحسان اشعريون بمعنى ان عقيدتهم في الغالب موافقة لما قرره ابو الحسن الاشعري رحمه الله في كتبه الكلامية اللهم الا في مسائل قليلة وفي هنات جاءت عن الاشعري عفا الله عنه في حق علي ومعاوية وما هي ببدع من الاشعريين (1). وخلاصة القول ان مذهبهم وطريقتهم هو الكتاب والسنة كما صرح به القطب الحداد قدس سره العزيز بقوله. والمذهب المستقيم نذهبه * نص الكتاب وصرح الخبر ذكرت هنا والشئ بالشئ يذكر مالهج به بعض من الف في الانتصار لمعاوية واعوانه وكرره مرارا من دعوة خصوص اهل البيت الطاهر والنسب الباهر إلى سماع نصيحته والانضمام إلى اهل طريقته ظنا منه ان الشريف إذا احب وتولى معاوية فقد انتظم في سلك الفئة الناجية.
---
قالوا ترفضت قلت كلا * ما الرفض ديني ولا اعتقادي لكن توليت دون شك * خير امام وخير هادي ان كان حب الوصي رفضا فأني ارفض العباد فان قوله في البيت الثاني خير امام وخير هادي يدل على تفضيله عليا على الاطلاق إذ خير بمعنى اخير وله رحمه الله كثير من اشباه هذا في مطاوي نظمه ونثره ولم يرد عنه ما يدل على انه يفضل ابا بكر على علي رضي الله عنهما الا الرواية التي نقلها البيهقي عنه على ما فيها من الاحتمال والطعن. (1) قال في كتاب الغارات روي عبدالرحمن بن جندب قال ابو بردة بن ابي موسى الاشعري لزياد اشهد ان حجر بن عدي قد كفر بالله كفرة صلعاء قال عبدالرحمن انما عنى ابو بردة بذلك نسبة الكفر إلى علي بن ابي طالب لانه كان اصلع وروى أبو نعيم عن هشام بن المغيرة بن الغضبان بن يزيد قال رايت ابا بردة قال لابي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر مرحبا بأخي إلى هاهنا فأجلسه إلى جانبه قال وقد روى عبدالرحمن المسعودي عن ابن عباس المنتوف قال رأيت ابا بردة الاشعري قال لابي العادية الجهني قاتل عمار بن ياسر أأنت قتلت عمارا قال نعم قال ناولني يدك فقبلها وقال لا تمسك النار أبدا. (*)
---
[ 246 ] (1/246)
انعق بضانك ياجرير فأنما * منتك نفسك في الخلاء محالا ليت شعري ايدعو هذا المغرور عالم اهل البيت ليهديه وكا الاحق ان يستهديه أو يدعو جاهلهم ليستهويه وكان الواجب ان يرقب جده فيه اما والله ان علماءهم قادة الامم والشموس التي تنجاب بها الظلم وجها لهم سالكون يضعون القدم على القدم ومن يشابه ابه فما ظلم. ان عداهل التقى كانوا ائمتهم * أو قيل من خير اهل الارض قيل هم هم والله اهل السبق في كل فضل وكمال وهم الذين لاتلهيهم عن الله تجارة ولا مال الم يقل النبي عليه الصلاة والسلام تعلموا منهم ولا تعلموهم وانكم حزب ابليس إذا خالفتموهم اما جاء عنه ان المتمسك بهم لا يضل ابدا وانهم لن يدخلوكم باب ضلالة ولن يخرجوكم عن باب هدى الم يخبر انهم امان هذه الامة وان الله قد جعل فيهم الحكمة اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وجعل منهم سراجا وقمرا منيرا من ناواهم فهو عن دين الله مارق ومن أبغضهم فهو بالنص منافق لا صلاة لاحد الا بذكرهم ولا ورود على الحوض الا بأذنهم يتصل اسناد طرائقهم بجبريل ويشهد بصحة عقائدهم محكم التنزيل اخبر النبي عليه وعليهم الصلاة والسلام انهم لا يفارقون كتاب الله حتى يجمعهم شاطئ الحوض واياه. لا يسكن الحق الا حيث ما سكنوا * وليس يذهب الا حيث ما ذهبوا والله ما يدعوهم ذلك المغرور الا ليخرجهم إلى الظلمات من النور يعدهم ويمنيهم دخول الجنة إذا سلكوا طريق اهل السنة ان كانت السنة سنة رسول الله فهم والله ائمتها الهداة وإذا كانت سنة محاد الله ورسوله معاوية وطريقة من يبرر عمل تلك الفئة القاسطة الباغية فأنهم وايم الله براء من ذلك الحوب براءة الذئب من دم ابن يعقوب وما اصدق ما قاله العلامة الحفظي رحمه الله في هذا المعنى من ارجوزته الشهيرة.
---
[ 247 ] (1/247)
وانما الانصاف ما قد قرره * ائمة الذكر واهل التذكرة ان نعبد الله بما انزله * وسنة الهادي الذي ارسله وان اهل البيت والقرآن لن * يفترقا إلى ورود الحوض من ولن نضل في الذي سلكنا * إذا بكل منهما استمسكنا على العموم لم يخص مذهبا * عن مذهب أو اهل قطر اجتبى ولم تكن طائفة منهم احق * من غيرهم على الصحيح المتفق ولم يقل فلانا أو فلانا * الا الذي قد قارن القرآنا وان من نعمة ربي الكبرى * على جميع العالمين طرا انهم تفرقوا وانتشروا * في كل اقليم وقطر فطروا وملاوا الانجاد والاغوارا * وصيتهم بين العباد طارا وكل من في بلد فمذهبه * اصلا وفرعا معهم ومشربه ائمة الدليل والمدلول * وسادة الفروع والاصول وفي الترقي طبقا عن طبق * شهادة بالاجتهاد المطلق ان فسروا أو للحديث شرحوا * قالوا لمن قد قلدوا تفسحوا لم يجمعوا و الا على ما علما * من ديننا ضرورة فسلما أو يتواصوا كلهم بمذهب * معين الا الكتاب والنبي لا في مهمات الاصول فأعلم * ولا الفروع النادرات فأفهم والكل منهم قائل بانه * متبع في كل ما قد ظنه ومقتف آثار قوم قوما * من اهله سفن النجاة العظما اعني عليا والحسين والحسن * والشيخ زين العابدين المؤتمن وباقرا والحسن المثنى * والمحض والصادق من يكنى ولم يكن لهؤلاء الكبرا * مذاهبا كما ترى وما جرى ما ذهبوا الا على تنزيله * وظاهر الحديث لا تأويله
---
[ 248 ] (1/248)
وهكذا إلى الاخير فأحسب * الراسخون في مقامات النبي هم الذين اورثوا الكتابا * والتحقت ابناؤهم بالآبا اللهم انه بلغنا ما ورد عن حبيبك ورسولك الذي بعثته بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا انه قال اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين احدهما اعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي اهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وها نحن ولك الحمد والمنة قد صدقناه بقلوبنا واجبنا داعية فيما استطعنا ونتوسل اليك ان تمنحنا توفيقا تثبتنا به فيما بقي من اعمارنا على الانقياد لكتابك المبين والتمسك بأهل بيت نبيك الطاهرين تمسكا تعصمنا به من الضلالة وتحفظنا به من ورطات الزيغ والجهالة ونكون به ما عشنا حربا لمن حاربهم سلما لمن سالمهم حتى تجمعنا واياهم في مستقر رحمتك ومحل اوليائك مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا. خاتمة نذكر فيها قصيدتين من نظم الاستاذ العلامة شيخنا السيد ابن شهاب مد الله مدته يرثي في اولهما مولانا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ويرثي في الثانية مولانا ابا عبدالله الحسين الشهيد بن علي عليهما السلام وانما خصصتهما بالنقل لما فيهما من التصريح بالحق والانحاء على المداهنين المتملقين. القصيدة الاولى في رثاء الامام علي عليه السلام قفا وانثرا دمعا على التراب احمرا * وشقا لعظم الخطب اقبية الكرى
---
[ 249 ] (1/249)
ولا تجعلا غير السواد ولبسه * شعارا لتذكار المصاب الذي جرى ولا تألوا جهدا عن النوح والطما * صدورا بها الايمان اثرى واثمرا وما النوح مجد في الخطوب وانما * يخفف من نيرانها ما تسعرا وما كل خطب يخلق الدهر حزنه * وينسخه كر الجديدين مذعرى الم تريا ما في قلوب اولي التقي * لفقد وصي المصطفى سيد الورى إذا مضت العشرون من رمضانه * تصدع فيها كل قلب تذكرا مصاب الايمان اضحى مكبلا * وامسي به الاسلام منهدم الذرى بضربة اشقى الآخرين ابن ملجم * دم الرأس فوق العارضين تحدرا دم لو مزجت البحر منه بقطرة * لاصبح مسكا ذلك البحر اذفرا فياضربة اهوت بضاربها ومن * يواليه في الكفر الصريح إلى الثرى ويا ضربة عنها الامين ابن عمه * يصادق وحي الله نبا وخبرا فجاء لها ليث الكتائب موقنا * بها لم يشب ايقانه دونها امترا ولم تثنه عنها نوائح اوز * ليمضي امرا في الكتاب مقدرا هو الحين لكن حكمة الله اشقت المرادي وخصت بالشهادة حيدرا والا فما قدر الخبيث اللعين ان * يساور بازا أو يصاول قسورا بسبق القضا نالت يد الكلب هامة * تهاب شبا اسيافها اسد الشرى نآه على صنو النبي وصهره * وثانيه ايام التحنث في حرا واعلم اهل الارض بعد ابن عمه * واعظمهم جودا ومجدا ومفخرا واولهم من حوض الايمان مشربا * وارفعهم في محفل الزهد منبرا واضربهم للهام في حومة الوغى * إذا أز قدر الحرب كر وكبرا إذا قارع الابطال ظلت نفوسهم * تردد بين الاسر والقتل مهدرا الايا امير المؤمنين وسيد المنيبين ان * جن الدجى وتعكرا عليك سلام الله يامن بهديه * تبلجت الانوار والحق اسفرا
---
[ 250 ] (1/250)
وتبا لقوم خالفوك وزخرفوا * لاشياعهم زورا من القول منكرا وتبا لمن والاهم وارتضاهم * ائمته في الدين يا بئسما اشترى لئن ظفروا من هذه الدار بالذي * ارادوا فان المرء يحصد ماذرا وبعدك جاءت ذات ودقين يا ابا * تراب وجاءت بعد ام حبوكرى دماء بنيك الغر طلت وبدلت * حفيظة قرباهم عقوقا مكفرا لقد عم كرب الدين في كربلاء إذ * بتربتها امسى الحسين معفرا على حين قرب العهد بالوحي اصبحت * مواثيق طه فيه محلولة العرى ومن دونه العباس خر مجندلا * فيا لاخ والى فأودى فأعذرا ولابدع ان نالوا الشهادة بل لهم * بيحيى وعيسى اسوة في الذي جرى لتذكار ذاك اليوم فليبك كل ذي * فؤاد به خط السعادة سطرا فكم ماجد من آل بيت محمد * تحكم فيهم نابذو الدين بالعرا ومن ليس الاقينة أو حظية * قصاراه أو عودا وخمرا وميسرا ضغائن في سود الكلاب امية * اكنت بها من بدر ذا الغدر مضمرا مواليد سوء حاربوا الله عنوة * وفي الارض عاثوا مفسدين تجبرا على ظالمي اهل الرسول وهم هم * شآبيب لعن كلما بارق شرى وصب عليهم ربهم سوط نقمة * وجرعهم طين الخبال وثيرا الا يا ذوي المختار انا عصابة * نمت اليكم بالولادة والقرا نوالي مواليكم ونقلي عدوكم * ونجتث عرق النصب ممن به اجترى ويا ليتنا في يوم صفين والذي * يليه شهدنا كي نفوز ونظفرا ونشرب بالكأس الذي تشربونه * فأما واما ناو نموت فنعذرا بني المصطفى طبتم وطاب ثناءكم * رثاء ومدحا بالبديع محبرا فلا زلت مهما عشت ابكي عليكم * وانظم درا من ثناكم وجوهرا ودونكم عذراء نظم بكم زهت * يحق لها والله ان تتبخترا
---
[ 251 ] (1/251)
القصيدة الثانية في رثاء الامام ابي عبدالله الحسين عليه السلام برآة بر في براء (1) المحرم * عن اللهو والسلوان من كل مسلم فهل خامر الايمان قلب امرئ يرى * لتلك الليالي لاهيا ضاحك الفم ليال بها الخطب الجسيم الذي اكتى * به افق الجرباء (1) صبغة عندم (2) ليال بها ايدي اللئام تلاعبت * بها م بدور للمعالي وانجم ليال بها في الارض قامت وفي السما * مآتم اعلى الناس قدرا واعظم ليال بها نتني الخنازير أو لغوا * مدى (3) غيهم والبغي في طاهر الدم ليال بها ذبح ابن بنت محمد * وعترته رمز الكمال المترجم فأي جنان بين جنبي موحد * بنار الاسى والحزن لم يتضرم واي فؤاد دينه حب احمد * وقرباه لم يغضب ولم يتألم على دينه فليبك من لم يكن بكى * الرزء الحسين السيد الفارس الكمي همام رأى رايات ملة جده * منكسة والشرع غير محكم وسنة خير المرسلين تجذمت (4) عراها ودين الله بالجحد قد رمي
---
(1) البراء اول ليلة أو يوم في الشهر. (1) الجرباء السماء. (2) العندم نبت احمر معروف ويسمى دم الاخوين. (3) المدى بتثليث الميم جمع مديه وهي الشفرة وهي هنا بمعنى جانب النصل وحد السيف. (4) تجدمت اي تقطعت. (*)
---
[ 252 ] (1/252)
فأغضبه من ذاك ماسر اسرة * هواهم قنى 1 القينات أو شرب 2 حنتم 3 ويمم سكان العراق لينزعوا * شجاه 4 وهم والله شر ميمم توجه ذو الوجه الاغر مؤديا * لواجبه لم يلوه لحي 5 لوم يؤازره سبعون من اهل بيته * وشيعته من كل طلق 6 مقسم 7 فهاجت وجماهير الضلال واقبلت * بجيش لحرب ابن البتول عرموم 8 تألب 9 جمع من فراش 10 جهنم * غواة يرون الشر اكبر مغنم يقرون بالقرآن لكن لعله * لسخرية اقرارهم أو تهكم لتعزيز طاع جاءت ابنة بحدل 11 * به نابذ الدين الحنيفي مجرم وخذلان هاد اشرقت في جبينه * اشعة انوار الحبيب المعظم وحين استوى في كربلاء مخيما * بتربتها اكرم به من مخيم احاطت به تلك الاخابث مثل ما * يحيط سار من حديد بمعصم وصدوه عن ماء الفرات ليطردوا * عن الحوض حتى يقذفوا في جهنم
---
(1) قني القينات اقثناء الجواري المغنيات. (2) الشرب بالكسر المشروب. (3) الحنتم جرار تحمل فيها الخمر. (4) الشجا ما اعترض في الحلق من عظم أو نحوه تقول العرب نزع شجاه أي فرج كربه. (5) اللحى العذل. (6) طلق الوجه مشرقة وطلق اليدين سمحهما. (7) المقسم الجميل. (8) العرموم الجيش الكثير. (9) تالب القوم جاؤا من كل جانب. (10) الفراش الذبان المتهافتة في السراج. (11) ابنة بحدل هي ميسون بنت بحدل الكلابي ام عدوالله يزيد بن معاوية عليه اللعنة. (*)
---
[ 253 ] (1/253)
وساموه اعطاء الدنية عندما * رأوا منه سمت 1 الخادر 2 المتوسم 3 وهيهات ان يرضى ابن حيدرة الرضا * بخطة خسف أو بحال مذمم ابت نفسه الشماء الا كريهة * يموت بها موت العزيز المكرم هو الموت مر المجتنى غير انه * الذ واحلى من حياة التهضم فاذكى شواظ الحرب بالعسل الظما * وشب لظاها من شبا 4 كل مخدم 5 وقارع حتى لم يدع سيف باسل * بمعترك الهيجاء غير مثلم وصبحهم بالشوس 6 من صيد 7 قومه * نسور 8 الفيافي من فرادى وتوام على ضمر تأتم في حومة 9 الوغي 10 * بيحمومه 11 اوذي 12 النجاح المحوم يبيعون في الجلى نفائس انفس * لنصر الهدى لانيل جاه ودرهم ولما اراد الله ايقاف روحه * بمنظره الاعلى وقوف المسلم اتاح له نيل الشهادة راقيا * معارج مجد صعبة المتسنم قديتك بدرا برجه سرج سابح * هوى فانطوى سر العباء المطلسم خضيب دماء كالعروس يزف في * قباء بصبغ الارجوان 13 مرسم 14
---
(1) السمت الهيئة. (2) الخادر الاسد في اكمته (3) المتوسم المتفكر. (5) شبا السيف حده. (4) المخدم القاطع من السيوف. (6) الشوس جمع اشوس وهو الجرى على القتال الشديد. (7) الصيد جمع اصيد وهو الملك والاسد. (8) النسر الجارح المعروف. (9) الحومة اشد مواضع القتال. (10) الوغي غمغمة الابطال في الحرب. (11) اليحموم اسم فرس سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام. (12) الارجوان نبت احمر معروف. (13) ذي الجناح اسم فرس له ايضا. (14) مرسم مخطط. (*)
---
[ 254 ] (1/254)
معفرة بالترب اعضاء جسمه ال * كريم وهذا سر حل التيمم وما ضره ان اوطئوا حر صدره * سنابك ورد 15 ذي نعال وادهم ولكنها شنعاء توجب لعنهم * وتحسر عن وجه النفاق الملثم هي الفتنة الصماء لم يلف بعدها * منار من الايمان غير مهدم بنير دين الله سبط رسوله * وعترته خوص (16) المنية ترتمي كليث الشرى العباس والشبل قاسم * وعميه والفتاك عون ومسلم عرفنا بهم معنى إذا الشمس كورت * ورمز انكدار في النجوم مكتم بها اهتز عرش الله وارتجت السما * بأملاكها من هو لها المتجشم بها اسودت الدنيا أي وتهتكت * بها حرمة البيت العتيق وزمزم اولاك الكرام المبتغوا فضل ربهم * ورضوانه تحت العجاج المقتم سقى الله بالطف الشريف قبورهم * بوبل من الجود الالهي مثجم (17) وزادهم المولى على وكرامة * بأفضل تسليم عليهم وادوم وبعدا لقوم لم يقوموا لنصرهم * على قدرة منهم بعزم مصمم رأوا شيعة الرجس ابن سعد 18 وشمر 19 * تجاولهم وابن (20) الدعي الجهنمي ولم تتحرك للحفيظة (21) منهم * حفائظ تطغي منهم كل مرقم (22) ايزوى ابن طه عن منصة جده * ويرضى لها ترب الخلاعة عبشمي
---
(15) الورد والادهم من انواع الخيل بأعتبار اللون. 16) الخوص الركاب الضيقة العيون. (17) المنجم المطر الدائم السريع. (18) ابن سعد هو عمر بن سعد بن ابي وقاص عدوالله ورسوله. (19) شمر هوبن ذي الجوشن السكوني لعنه الله قاتل الحسين عليه السلام (20) ابن الدعي هو عدوالله عبيد الله بن زياد عليه اللعنة. (21) الحفيظة الاولى التمسك بالود والعهد والثانية الحمية. (22) المرقم كمنبر في الاصل القلم وتقول العرب للشديد الغضب طغى مرقم (*)
---
[ 255 ] (1/255)
كان الهدى من بيت صخر تفجرت * ينابيعه والوحي من ثم ينتمي فيا اسرة العصيان والزيغ من بني * امية من يستخصم الله يخصم هدمتم ذرى اركان بيت نبيكم * لتشييد بيت بالمظالم مظلم تداركتم في البغي ولدا ووالدم * وزخرفتم افك الحديث المرجم ولم تمح حتى الآن آثار زوركم * وتصديقه ممن عن الحق قد عمي فاصل الشقا انتم ومن يحذ حذوكم * له يسدى جلباب العذاب ويلحم فلا تكتمن الله ما في نفوسكم * لتخفى ومهما يتكم الله يعلم ولابدع ان حاربتم الله انها * لشنشنة من بعض اخلاق اخزم ونازعتم الجبار في جبروته * ولكنه من راغم الله يرغم ولم تحسبوا من طيشكم ان عنكم * عيون قصاص الغيب ليست بنوم ستجزون في الاخرى نكالا مؤبدا * على ما اقترفتم من عقوق وماثم غدرتم بسادات البرية غدرة اليهود بيحيى والمسيح بن مريم وانا وان كنا من الضيم والاسى * وفرط التلظي نمزج الدمع بالدم فلسنا الاولى ننحو بندب سراننا * نياح الغواني خفن سوء التأيم ولكننا غيظا نعض اكفنا * لما فاتنا من ثارنا المتقدم وما من بواء (1) في بني اللؤم تشتفي * به النفس من بلبالها والتذمم ولكن اغضاء (2) الجفون على القذى * وتمهيد عذر المعتدى شر ميسم ومن شوم سوء الحظ كان بروزنا * من الغيب بعد المشرب المتوخم ويا ليت انا والاماني عذبة * شهدنا وطيس الحرب بالطف إذ حمي لخضنا عباب الهول تشتد تحتنا * خماص الطوى من كل طام مطهم وقائدنا يوم الذمار ابن فاطم * كأشبال غاب امها خير ضيغم
---
(1) البواء الكف يقال دم فلان بواء لفلان اي كفؤ له. (2) الاغضاء والقذى معلومان والعرب تقول اغضى الجفن على القذى إذا احتمل الضيم. (*)
---
[ 256 ] (1/256)
لندرك احدى الحسنيين بنصره * منال الاماني أو منية مقدم اجل قدرة المولى تبارك انفذت * ارادته طبق القضاء المحتم لتبيض يوم الحشر بالبشر اوجه * وتسود اخرى لارتكاب المحرم نبي الورى بعد انتقالك كم جرى * ببيتك بيت المجد والمنصب السمي دهتهم ولما تمض خمسون حجة * خطوب متى يلممن بالطفل يهرم فكم كابد الكرار بعدك من قلى * وخلف إلى فتك الشقي ابن ملجم وصبت على ريحانتيك مصائب * شهيد المواضي والشهيد المسمم ضغائن ممن اعلن الدين مكرها * ولولا العوالي لم يوحد ويسلم اضاعوا مواثيق الوصية فيهم * ولم يرقبوا الا (3) ولا شكر منعم فسق غير مأمور إلى النار حزبهم * إذا قيل يوم الفصل ما شئت فأحكم حبيبي رسول الله انا عصابة * بمنصبك السامي نعز ونحتمي لنا منك اعلى نسبة بأتباعنا * لهديك في اقوى طريق واقوم ونسبة ميلاد فم الطعن دونها * على الرغم مغتص بصاب (4) وعلقم نعظم من عظمت ملا صدورنا * ونرفض رفض النعل من لم تعظم لدى الحق خشن لا نداجي طوائفا * لديهم دليل الوحي غى مسلم سراعا إلى التأويل وفق مرادهم * لرفع ظهور الحق بالمتوهم هل الدين بالقرآن والسنة التي * بها جئت ام احكامه بالتحكم ولكن عن التمويه ينكشف الغطا * لدي الملك الديان يوم التندم وازكى صلاة الله ماذر (5) بازغ * وما افتر ثغر البارق المتبسم على روحك المعنى الذي الفيض منه في * مجرد هذا الكون والمتجسم
---
(3) الال العهد والحلف. (4) الصاب نبت مر الطعم والعلقم الحنظل وكل شئ مر المذاق. (5) ذر النجم طلع والذر اول ساعة من الطلوع. (*)
---
[ 257 ] (1/257)
وعترتك المستودعي سر علمك المصون عن الاغيار عرب واعجم واصحابك المروين في نصرة الهدى * صدى 2 كل مشحوذ 3 الغرار 4 ولهذم صلاة كما احببت مشفوعة الادا * بنشر سلام بالعبير مختم (خاتمة اخرى) يقول جامع هذه الرسالة غفر الله ذنوبه وستر عيوبه قد انتهى ما يسر الله جمعه من هذه الرسالة وجف القلم عن زيادة الاسترسال فيه خوف الاطالة واشهد الله على نفسي اني ما كتبته الا غيرة على الدين ولا جمعته الا قياما ببعض اوامر سيد المرسلين اظهارا للحق المكتوم وتمييز للظالم من المظلوم واني اعرف انها ستسر رجالا نفوسهم بالانقياد إلى الحق مطمئنة وقلوبهم مذعنة لما جاء به الكتاب والسنة واكاد اجزم انها ستغضب اقواما آخرين وتحل بمنزلة السخط لدى كثيرين بل ربما حمل بعضهم الغيض على بغضي وعدل به التعصب الذميم عن تقريظي إلى قرضي. يشيرون بالايدي الي وقولهم * الاخاب هذا والمشيرون خيب على انني ما جئتم الا بالحق الصراح ولا ناديت في نواديهم الا بحي على الفلاح ولو انهم نظروا إلى ما كتبت بعين الانصاف وبنذوا عن كواهلهم اردية التعصب والاعتساف لعاد غضبهم مما ذكرت طمأنينة وانقلب سبهم لي حمدا واستحال بغضهم لي حبا ومع هذا فلا ابرئ نفسي من خطأ منشوءه
---
(2) الصدى العطش. (3) المشحوذ المسنون. (4) الغرار بكسر الغين حد السيف. (5) اللهذم القاطع من الاسنة. (*)
---
[ 258 ] (1/258)
قصور فهمي أو وجود معارض لم يبلغ إليه علمي فأستغفر الله تعالى من كل ما زل به القلم عن المنهج القويم واضرع إليه ان يهديني واياهم الصراط المستقيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وعلى اصحابه المجاهدين المتقين وعلى التابعين لهم بأحسان إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين وكان الفراغ من التحرير ليلة السبت لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر صفر عام 1326 بمدينة سنغافور بقلم العبد الضعيف محمد بن عقيل بن عبدالله بن يحيى عفا الله عنهم بمنه آمين. هذا نص الكتاب الذي كتبه المعتضد بالله الخليفة العباسي في أمر الامة بلعن معاوية وارشادهم إلى ما يجب عليهم من رفضه وبغضه منقولا بالحرف من تاريخ العلامة أبي جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلي العظيم الحليم الحكيم العزيز الرحيم المنفرد بالوحدانية الباهرة بقدرته الخالق بمشيته وحكمته الذي يعلم سوابق الصدور وضمائر القلوب لا يخفى عليه خافية ولا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات العلي ولا في الارضين السفلى قد احاط بكل شئ علما واحصى كل شئ عددا وضرب لكل شئ امدا وهو العليم الخبير والحمد لله الذي برأ خلقه لعبادته وخلق عباده لمعرفته على سابق علمه في طاعة مطيعهم وماضي امره في عصيان عاصيهم فبين لهم ما يأتون وما يتقون ونهج لهم سبل النجاة وحذرهم مسالك الهلكة وظاهر عليهم الحجة وقدم إليهم المعذرة واختار لهم دينه الذي ارتضى لهم واكرمهم به وجعل المعتصمين بحبله والمتمسكين بعروته اولياءه واهل طاعته والعاندين عنه والمخالفين له اعداءه واهل معصيته ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع عليم والحمد لله الذي اصطفى محمدا رسوله من جميع بريته واختاره لرسالته وابتعثه
---
[ 259 ] (1/259)
بالهدى والدين المرتضى إلى عباده اجمعين وانزل عليه الكتاب المبين المستبين وتأذن له بالنصر والتمكين وايده بالعز وبالبرهان المتبين فاهتدى به من اهتدى واستنقذ به من استجاب له من العمى واضل من ادبر وتولى حتى اظهر الله امره واعز نصره وقهر من خالفه وانجز له وعده وختم به رسله وقبضه مؤديا لا مره مبلغا لرسالته ناصحا لامته مرضيا مهتديا إلى اكرم مآب المنقلبين واعلى منازل انبيائه المرسلين وعباده الفائزين فصلى الله عليه افضل صلاة واتمها واجلها واعظمها وازكاها واطهرها وعلى آله الطيبين والحمد لله الذي جعل امير المؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين ورثة خاتم النبيين وسيد المرسلين والقائمين بالدين والمقومين لعباده المؤمنين والمستحفظين ودائع الحكمة ومواريث النبوة والمستخلفين في الامة والمنصورين بالعز والمنعة والتأييد والغلبة حتى يظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون وقد انتهى إلى امير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في اديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها اهواؤهم ونطقت بها السنتهم على غير معرفة ولا روية وقلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة وخالفوا السنن المتبعة إلى الاهواء المبتدعة قال الله عزوجل ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين خروجا عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة وايثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة واظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة وبتر منه العصمة واخرجه من الملة واوجب عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر الله حقه واوهن امره واضعف ركنه من بني امية الشجرة الملعونة ومخالفة لمن استنقدهم الله الهلكة واسبغ عليهم به النعمة من اهل بيت البركة والرحمة قال: الله عزوجل يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فأعظم امير المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك انكاره حرجا عليه في الدين وفسادا لمن قلده الله امره من المسلمين واهمالا لما اوجبه الله عليه من
---
[ 260 ] (1/260)
تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين واقامة الحجة على الشاكين وبسط اليد على العاندين وامير المؤمنين يرجع اليكم معشر الناس بأن الله عزوجل لما ابتعث محمدا بدينه وامره ان يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وانذرهم وبشرهم ونصح لهم وارشدهم فكان من استجاب له وصدق قوله واتبع امره نفر يسير من بني ابيه من بين مؤمن بما اتى به من ربه وبين ناصر له وان لم يتبع دينه اعزازا له واشفاقا عليه لماضي علم الله فيمن اختار منهم ونفذت مشيته فيما استودعه اياه من خلافته وارث نبيه فمؤمنهم مجاهد بنصرته وحميته يدفعون من نابذه وينهرون من عارضه وعانده ويتوثقون له ممن كاتفه وعاضده ويبايعون له من سمح بنصرته ويتجسون له اخبار اعدائه ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له براي العين حتى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله والايمان به بأثبت بصيرة واحسن هدى ورغبة فجعلهم الله اهل بيت الرحمة واهل بيت الدين اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ومعدن الحكمة ورثة النبوة وموضع الخلافة واوجب لهم الفضيلة والزم العباد لهم الطاعة وكان ممن عانده ونابذه وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الاكثر والسواد الاعظم يتلقونه با التكذيب والتثريب ويقصدونه بالاذية والتخويف ويبادونه بالعداوة وينصبون له المحاربة ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه واشدهم في ذلك عداوة واعظمهم له مخالفة واولهم في كل حرب ومناصبة لا يرفع على الاسلام راية الا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر واحد والخندق والفتح أبو سفيان بن حرب واشياعه من بني امية الملعونين في كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع لماضي علم الله فيهم وفي امرهم ونفاقهم وكفرا حلامهم فحارب مجاهدا ودافع مكابدا واقام منابذا حتى قهره السيف وعلا امر الله وهم كارهون فتقول بالاسلام
---
[ 261 ] (1/261)
غير منطو عليه واسر الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون وميز له المؤلفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه فما لعنهم الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وانزل به كتابا قوله والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما نزيدهم الا طغيانا كثيرا ولا اختلاف بين احد انه اراد بها بني امية ومنه قول الرسول عليه السلام وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به لعن الله القائد والراكب والسائق ومنه ما يرويه الرواة من قوله يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار وهذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من الله كما لحقت الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية احد بعد ذهاب بصره وقوله لقائده ههنا ذببنا محمدا واصحابه ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وآله فوجم لها فما رؤى ضاحكا بعدها فأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس فذكروا انه رأى نفرا من بني امية ينزون على منبره ومنه طرد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن ابى العاص لحكايته اياه والحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له كن كما انت فبقي على ذلك سائر عمره إلى ما كان من مروان في افتتاحه اول فتنة كانت في الاسلام واحتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو اريق بعدها ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر ليلة القدر خير من الف شهر من ملك بني امية ومنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال النبي لا اشبع الله بطنه فبقى لا يشبع ويقول والله ما اترك الطعام شبعا ولكن اعيا ومنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يطلع من هذا الفج رجل من امتي يحشر على غير ملتي فطلع معاوية ومنه ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال إذا رأيتم معاوية على منبري فأقتلوه ومنه الحديث المرفوع المشهور انه قال ان معاوية في تابوت من نار
---
[ 262 ] (1/262)
في اسفل درك منها ينادي يا حنان يا منان الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ومنه انبراؤه بالمحاربة لافضل المسلمين في الاسلام مكانا واقدمهم إليه سبقا واحسنهم فيه اثرا وذكرا علي بن ابي طالب ينازعه حقه بباطله ويجاهد انصاره بضلاله وغواته ويحاول ما لم يزل هو وابوه يحاولانه من اطفاء نور الله وجحود دينه ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره المشركون يستهوى اهل الغباوة ويموه على اهل الجهالة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله صلى الله عليه وآله الخبر عنهما فقال لعمار تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة كافرا بالاجلة خارجا من ربقة الاسلام مستحلا للدم الحرام حتى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته مالا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه مجاهدا لله مجتهدا في ان يعصى الله فلا يطاع وتبطل احكامه فلا تقام ويخالف دينه فلا يد ان وان تعلو كلمة الضلالة وترتفع دعوة الباطل وكلمة الله العليا ودينه المنصور وحكمه المتبع النافذ وامره الغالب وكيد من حاده المغلوب الداحض حتى احتمل أو زار تلك الحروب وما اتبعها أو تطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه اثمها واثم من عمل بها إلى يوم القيامة واباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق اهلها واغتره لاملاء واستدرجه والله له بالمرصاد ثم مما اوجب الله به اللعنة قتله من قتل صبرا من خيار الصحابة والتابعين واهل الفضل والذيانة مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فمن قتل امثالهم في ان يكون له العزة والملك والغلبة ولله العزة والملك والقدرة والله عزوجل يقول ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله ادعاؤه زياد بن سمية جراة على الله والله يقول ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول ملعون من ادعى إلى غير ابيه واتنمي إلى غير مواليه ويقول الولد
---
[ 263 ] (1/263)
للفراش وللعاهر الحجر فخالف حكم الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله جهار أو جعل الولد لغير الفراش والعاهر لا يضره عهره فأدخل بهذه الدعوى من محارم الله ومحارم رسوله في ام حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وفي غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله واثبت بها قربى قد باعدها الله واباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الاسلام خلل مثله ولم ينل الدين تبديل شبهه ومنه ايثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديوك والفهود والقرود واخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والاخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على خبثه ورهقه ويعاين سكرانه وفجوره وكفره فلما تمكن منه ما مكنه منه ووطأه له وعصى الله ورسوله فيه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام اشنع منها ولا افحش مما ارتكب من الصالحين فيها وشفي بذلك عند نفسه وغليله وظن ان قد انتقم من اولياء الله وبلغ النوى لاعداء الله فقال مجاهرا بكفره ومظهرا الشركة. ليت اشياحي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الاسل قد قتلنا القوم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فأعتدل فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لاتشل لست من خندف ان لم انتقم * من بني احمد ما كان فعل لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله ثم من اغلظ ما انتهك واعظم ما اجترم سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله مع موقعه من رسول الله صلعم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل وشهادة رسول الله صلى الله عليه وآله له ولاخيه بسيادة شباب اهل الجنة اجتراء
---
[ 264 ] (1/264)
على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته فكانما يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار اهل الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب منة سطوة فبتر الله عمره واجتث اصله وفرعه وسلبه ما تحت يده واعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل احكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم وهدم بيته واستحلال حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم اياه بالنيران لايألون له احراقا واخرابا ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكا ولمن لجا إليه قتلا وتنكيلا ولمن امنه الله به اخافة وتشريدا حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من الله الانتقام وملؤا الارض بالجور والعدوان وعموا عباد الله بالظلم والاقتسار وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من الله السطوة اتاح الله لهم من عترة نبيه واهل وراثته من استخلصهم منهم بخلافته مثل ما اتاح الله من اسلافهم المؤمنين وابائهم المجاهدين لاوائلهم الكافرين فسفك الله بهم دماءهم مرتدين كما سفك بابائهم دماء آباء الكفرة المشركين وقطع الله دابر القوم الظالمين والحمد لله رب العالمين ومكن الله المستضعفين ورد الله الحق إلى اهله المستحقين كما قال جل شأنه ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين واعلموا ايها الناس ان الله عزوجل انما امر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليقبل والزم الاخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وآله ليتبع وان كثيرا ممن ضل فالتوى وانتقل من اهله الجهالة والسفاه ممن اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله وقد قال الله عزوجل قاتلوا ائمة الكفر فأنتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم وارجعوا إلى ما يرضيه عنكم وارضوا من الله بما اختار لكم والزموا ما امركم به وجانبوا ما نهاكم عنه واتبعوا الصراط المستقيم والحجة البينة والسبل الواضحة وأهل بيت الرحمة الذين هداكم الله بهم بديئا وأستنقذكم بهم من الجور والعدوان اخيرا
---
[ 265 ] (1/265)
واصاركم إلى الخفض والامن والعز بدولتهم وشملكم الصلاح في اديانكم ومعايشكم في ايامهم والعنوا من لعنه الله ورسوله وفارقوا من لا تنالون القربة من الله الا بمفارقته اللهم العن ابا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده اللهم العن ائمة الكفر وقادة الضلالة واعداء الدين ومجاهدي الرسول ومغيري الاحكام ومبدلي الكتاب وسفاكي الدم الحرام اللهم انا نتبرأ اليك من موالاة اعدائك ومن الاغماض لاهل معصيتك كما قلت لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله يا ايها الناس اعرفوا الحق تعرفوا اهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فأنه انما يبين عن الناس اعمالهم ويلحقهم بالضلال والصلاح آباؤهم فلا يأخذكم في الله لومة لائم ولا يميلن بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم وطاعة من تخرجكم طاعته إلى معصية ربكم ايها الناس بنا هداكم الله ونحن المستحفظون فيكم امر الله ونحن ورثة رسول الله والقائمون بدين الله فقفوا عندما نقفكم عليه وانفذوا لما نأمركم به فانكم ما اطعتم خلفاء الله وائمة الهدى على سبيل الايمان والتقوى امير المؤمنين يستعصم الله لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إلى الله في هدايتكم لرشدكم في حفظ دينه عليكم حتى تلقوه به مستحقين طاعته مستحقبين لرحمته والله حسب امير المؤمنين فيكم وعليه توكله وبالله على ما قلده من اموركم استعانته ولاحول لامير المؤمنين ولاقوة الا بالله والسلام عليكم. تقاريض بسم الله جل جلاله وله الحمد والصلاة والسلام على اكرم رسول واشرف عبد وعلى آله واصحابه من بعده (اليك ايها الناظر) رسالة ناطقة بالصدق صادعة بالحق مستمدة من كتاب الله وحديث رسوله حاكمة على المدلول من
---
[ 266 ] (1/266)
صريح دليله ناظرة في الادلة نظر البصير الناقد قاطعة حبال التقليد الاعمى والتأويل الفاسد مرضية لارباب التقوى مغضبة لاصحاب الاهواء متجافية عن المغالطة والتعصب منزهة عن المداهنة والتذبذب معلنة فواقر الفئة الباغية كاشفة جرائر الطاغية معاوية مميزة للخبيث من الطيب فارقة بين المشرق والمغرب تظافر المحققون على تصديقها وتبادر المنصفون إلى ارتشاف رحيقها. يقولون لي صفها فأنت بوصفها * خبير نعم عندي بأوصافها علم رشاد ولاغي وصبح ولادجي * وصدق ولا افك وبر ولا اثم هي العلم قال الله قال رسوله * هي الحق والانصاف والفصل والحكم كيف لا وجامعها فرع الدوحة النبوية وعرابة راية العصابة العلوية اخونا الماجد الفضيل السيد محمد بن عقيل اعلى الله كعبه ونصر حزبه واجزل على صنيعه اجره ورفع بين الصالحين ذكره وقدره وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. كتبه العبد العاجز ابو بكر بن عبدالرحمن ابن شهاب الدين العلوي الحسيني عفى الله عنه آمين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الجاعل من افاضل اهل بيت نبيه الامين من ينفي عن دينه تحريف الغالين وانتحال المبطلين والصلاة والسلام على الصادق المعصوم من الخطأ والكذب سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب وعلي آله الوارثين اسراره المصونة عن الاغيار واصحابه الذين اغاظ الله بهم الكفار وعلى التابعين لهم بأحسان إلى يوم الدين اما بعد فأني وقفت على الرسالة الفريدة المسماة بالنصائح الكافية لمن يتولى معاوية التي الفها مولانا العلامة الفاضل السيد السند محمد بن عقيل بن يحيى
---
[ 267 ] (1/267)
العلوي الحضرمي متع الله بحياته وافاض علينا من بركاته وطالعتها بنظر الناقد المتبصر والباحث المتفكر فوجدته اطال الله بقاءه قد فض الاشكال وانى بفضل المقال بما اوضح به جادة الصواب ولم تبق معه شبهة لمرتاب ارتاد نفع الله به الحق فورده وتوخى الصواب فشد عليه يده ثم زفه إلى محبيه في ابهى حلله واجلي مظاهره شرح ذلك بعبارات وثيقة المباني صحيحة المعاني بين الحقيقة واشاد اركانها وسهل الطريق إليها ونصب اعلامها اعتمد على الكتاب والسنة واقتدى بأنصار الحق من الرعيل الاول خيار سلف الامة فالحق اقول ان من انكر شيئا مما اشتملت عليه هذه الرسالة اوشك فيما تضمنته هذه العجالة فهو احد رجلين اما مكابر جاحد للحقائق الثابتة بالادلة الصحيحة أو مغفل ظن انه متبعا لآبائه أو مقلديه وهو في الواقع مخالف لهم فيا خسارة مسعاه ومن اضل ممن اتخذ الهه هواه وسيتبرأ ويأبي منهم الآباء والصالحون وسوف يقولون كما قال المسيح عليه السلام سبحانك ما كان ينبغي لي ان اقول ما ليس لي بحق الآية. يحقق ذلك ان اكثر الامة انما يروي عنهم السكوت في هذه المسائل ولا قول لساكت على ان من اختار السكوت منهم فانما اختاره خوفا على نفسه وماله وعرضه حين جبروت معاوية ومن خلفه من جبابرة بني امية وظلمتهم ولم ينقض هذا الضغط بانقضاء دولة بني امية بل كل متغلب في الاسلام عرف انه لانتم له نواياه السيئة الا إذا جرى على سنن معاوية من استعباد الأمة وفطمها عن الحرية في القول والعمل واماتة شعورها وبالفعل جرى على الامة الاسلامية من ذلك اشده واشقه حتى اثر فيها اسوأ تأثير وقد ابى تحمل هذا الهوان بعض افراد فحاربوا هؤلاء الظلمة وأنكروا عليهم فقضى على كثير منهم بالشهادة والسعادة واضطر الاكثرون إلى السكوت وقد تنقل عن بعضهم اقوال متناقضة وكان الواجب تقديم اقوالهم في الجرح على اقوالهم في التعديل لان التعديل يمكن ان يكون تقية
---
[ 268 ] (1/268)
لكن كثيرا من لمتأخرين عكسوا القضية فقدموا التعديل على الجرح والنفي على الإثبات وفرضوا السكوت أيضا تعديلا فغلطوا وكان مذهبهم في هذه المسائل بناء على غير أساس وربما كان الحامل لبعضهم على ذلك التعديل حسن الظن أو ان التعديل احوط ولاعجب من هؤلاء فان بعضهم حظر جرح فرعون الذي اتبعه الله اللعنة وليس الامر كما يظنون لان المجاملة والتساهل لا يجوز في حقوق الله تعالى وقد اوضح جميع ذلك صاحب هذه الرسالة حفظه الله وشكر سعيه ووفاه اجره. (يقدر المخالف) ان يعترض على بعض مسائل الرسالة بكوها مخالفة لبعض اقوال فلان وفلان من العلماء ولكنه لا يقدر ان يعترض على شئ منها بكونه مخالفا لكتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وآله ونحن إذا صرحنا بموافقتنا لجامع هذه الرسالة فأنما نوافقه طاعة لله تعالى ولرسوله عليه الصلاة والسلام وكراهة للظلم واهله وغيرة على الامة بكراهة اعدالها المستبدين بالقهر والغضب والنهب لاسيما امامهم وقدوتهم معاوية الذي هو اول من شق عصا المسلمين وفرق جماعتهم وخضد شوكتهم واول من سن اغتصاب منصة الخلافة النبوية من اهلها ومستحقيها لمن ليس لها بأهل من الفسقة الفجرة عبيد اغراضهم الشيطانية واسراء شهواتهم البهيمية المفسدين امر هذه الامة وهو ايضا اول داع إلى النار في الاسلام واول ملك خالف السنة وهجر طريقة الخلفاء الراشدين وقاتل من امكنه قتاله منهم ولو انه سكت عن سب مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه لساغ لمحبيه من المقلدين والمغفلين دعوة الناس إلى السكوت عن ذكره وذكر فضائحه وهو اول من قيد افكار الاحرار واول من نشر بين الامة الجواسيس الاشرار واول من عادى اهل البيت الاطهار وسامهم سوء العذاب وأراد بهم الدمار واول من بدل مودتهم الواجبة عداوة وصلة رحمهم قطيعة واول من نفض يديه عن التمسك بأحد الثقلين يقول بعض
---
[ 269 ] (1/269)
المقلدين ان ترك الحوض في ما جريات معاوية وقبائحه وآفاته ومظالمه وهو الواجب وهذا خطأ واضح وغلط فاضح وقال بعضهم انه الاحوط والاسلم وهذا وان كان فاسدا الا انه اهون مما قبله ثم الطامة الكبرى ان بعضهم اثبت له أجرا وثوابا ولعل ذلك بسبب جده واجتهاده في قتال امير المؤمنين كرم الله وجهه وعدم توانيه وتقصيره في مناصبته وعداوته يقولون ذلك ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ان من ابعد البعيد دعوى اثابة الباغي وحصول الاجر للطاغي ومن السخافة ترشيح معاوية نفسه للاجتهاد كما يزعمون في تطلب حق يطمع ويزعم انه اولى به من علي كرم الله وجهه كيف وهو باب مدينة العلم وما كان من الصحابة من يقول سلوني غيره ولولا المجازفة وعدم وضع الاشياء في مواضعها لما دار ذلك في خلد بشر فأنا لله وانا إليه راجعون. ان ما يذكره بعض هؤلاء من الاعذار الباردة عن معاوية واعوانه هو الذي سبب استسلام المسلمين لكل قاهر غشوم ومستبد ظلوم وبالتقليد الاعمى تفرقوا شيعا ونبذوا كتاب الله فالاعتذار عن معاوية وعن كل ذي ملك عضوض هو في الحقيقة جناية على الاسلام وإذا شئت معرفة فساد كل شبهة يوردها عليك هؤلاء المقلدون فدونك هذه الرسالة فأنها قد شحنت بالحق الصراح وماذا بعد الحق الا الضلال واسأل الله التوفيق في القول والعمل وصلى الله على رسوله الامين وآله وصحبه والتابعين واخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين. قال ذلك وكتبه الحقير صالح بن علي بن ناصر بن علي جابر اليافعي عفى الله عنه آمين.