كتاب المنير تأليف  أحمد بن موسى الطبري رضي الله عنه من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. وبعد: فاستجابة لقول الله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال:24]ولقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، [آل عمران:104]ولقوله تعالى:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، ولقوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]ولقوله تعالى: {إنما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]. ولقول رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم :((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : ((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء))، ولقوله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم : (( من سرّه أن يحيا حياتي؛ ويموت مماتي؛ ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي؛ فليتول علياً وذريته من بعدي؛ وليتولّ وليه؛ وليقتد بأهل بيتي؛ فإنهم عترتي؛ خُلقوا من طينتي؛ ورُزقوا فهمي وعلمي )) الخبر- وقد بيّن صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم بأنهم علي؛ وفاطمة؛ والحسن والحسين وذريّتهما عليهم السلام، عندما جلَّلهم صلى اللّه عليه وآله وسلم بكساءٍ وقال: ((اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) - . استجابةً لذلك كله كان تأسيس مكتبة أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية. ففي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ ؛ التي يتلقى فيها مذهب أهل البيت(ع) مُمثلاً في الزيدية، أنواعَ الهجمات الشرسة من أعدائه الظاهرين ومن أدعيائه المندسين، رأينا المساهمة في نشر مذهب أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم عَبْر نَشْرِ ما خلّفه أئمتهم الأطهار عليهم السلام وشيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، على أن نقدمها للقارئ الكريم نقيّة خالصة من الشوائب، لتصل العقيدة الصافية إليه سليمةً خاليةً من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وما ذلك إلا لثِقَتِنا وقناعتنا بأن العقائد التي حملها أهل البيت(ع) هي مراد الله تعالى في أرضه، ودينه القويم، وصراطه المستقيم، وهي تُعبِّر عن نفسها عبر موافقتها للفطرة البشرية السليمة، ولما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. واستجابةً من أهل البيت صلوات الله عليهم لأوامر الله تعالى، وشفقة منهم بأمة جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، كان منهم تعميدُ هذه العقائد وترسيخها بدمائهم الزكية الطاهرة على مرور الأزمان، وفي كل مكان، ومن تأمّل التاريخ وجَدهم قد ضحّوا بكل غالٍ ونفيس في سبيل الدفاع عنها وتثبيتها، ثائرين على العقائد الهدَّامة، منادين بالتوحيد والعدالة، توحيد الله عز وجل وتنزيهه سبحانه وتعالى، والإيمان بصدق وعده ووعيده، والرضا بخيرته من خَلْقِه. ولأن مذهبهم صلوات الله عليهم دينُ الله تعالى وشرعه، ومرادُ رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم وإرثه، فهو باقٍ إلى أن يرث الله الأرض ومنْ عليها، وما ذلك إلا مصداق قول رسول الله صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم: ((إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)). "واعلم أن الله جل جلاله لم يرتض لعباده كما علمتَ إلا ديناً قويماً، وصراطاً مستقيماً، وسبيلاً واحداً، وطريقاً قاسطاً، وكفى بقوله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. وقد علمتَ أن دين الله لا يكون تابعاً للأهواء: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ}[المؤمنون:71]، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]، {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]. وقد خاطبَ سيد رسله صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم بقوله عز وجل: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ(113)} [هود:112ـ113]، مع أنه صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ومن معه من أهل بدر، فتدّبر واعتبر إن كنت من ذوي الاعتبار، فإذا أحطت علماً بذلك، وعقلت عن الله وعن رسوله ما ألزمك في تلك المسالك، علمتَ أنه يتحتم عليك عرفانُ الحق واتباعه، وموالاة أهله، والكون معهم، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ومفارقةُ الباطل وأتباعه، ومباينتهم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]،{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]، في آيات تتلى، وأخبار تملى، ولن تتمكن من معرفة الحق وأهله إلا بالاعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البيّنة اللائحة، التي هدى الخلق بها إلى الحق، غير معرّج على هوى، ولا ملتفت إلى جدال ولا مراء، ولا مبال بمذهب، ولا محام عن منصب، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135]"([1]). وهنا تتشرَّف مكتبة أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بتقديم مجموعة من كتب أهل البيت المطهرين عليهم السلام وكتب شيعتهم الأبرار رضي الله عنهم، ومنها هذا الكتاب الذي بين يديك. وأخيراً يتوجه العاملون بمكتبة أهل البيت(ع) والمنتسبون إليها بالشكر والعرفان لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل، وفي مقدّمتهم عالم العصر، شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي رضوان الله تعالى وسلامه عليهم، سائلين الله عز وجل أن يجعله من الأعمال الخالصة المقبولة لديه، وأن يثبّتنا على نهج محمد وآله محمد.  والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.                                 إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي                                     مكتبة أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية                          اليمن ـــــــــــــــــــــ   بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.                وبعد: فإن شرف كل كتاب يكون بشرف موضوعه وما يتكلّم عنه، ولما كان التكلم والاستدلال على العدل والتوحيد، وتفضيل أهل البيت الطاهرين عليهم السلام والدفاع عنهم، والقول بحقيّتهم، وأنهم تراجمة الكتاب، الوارثون فهمه، وأن النجاة في اتباعهم، وسلوك طريقهم، وأن الخيْبة والخسران في مخالفتهم فضلاً عن ظُلمهم، أشرف([2]) الموضوعات، وخصوصاً مع ما نراه من عدول أكثر الناس عن الحق، ومجانبتهم لأهل الصدق، واتباعهم لأهل الزيغ اللذين ينسبون إلى الله ما تقشعّر منه الأبدان، وينزه عنه الواحد الديان، من التجسيم والحلول في الأمكنة، وإثبات الأيدي والأرجل، وسائر الأعضاء لله عز وجل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بما يلزم عنه وصف الله عز وجل بغير صفات الإلهية والكمال التي تليق به، ووصفه بصفات النقص والحدوث والاحتياج، وغيرها من صفات الأجسام التي تقتضي تشبيه الله بخلقه، وينسبون إلى الله جميع أفعال العباد من خير وشرّ، بما في ذلك أقبح القبيح، من الشرك بالله، وقَتْل النفس بغير حق، وشرب الخمور، وإتيان الذكور، وغيرها من القبائح التي يبرّؤون منها أنفسهم، ويضيفونها إلى الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، مكابرين في ذلك لعقولهم، وفطرة الله التي فطر الناس عليها. ومع مانرى من انحراف أكثر هذه الأمة عن أهل بيت نبيها عليه وعليهم السلام، وظلمهم لهم بشتى الوسائل؛ من أخذ حقّهم، وصدّ الناس عن وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسفك دمائهم عليهم السلام، ودماء شيعتهم رضي الله عنهم، امتثالاً لأوامر المتسلطين من الأمويين والعباسيين من أمثال يزيد وهشام بن عبدالملك والمنصور الدوانيقي وغيرهم من حكّام الدولتين، ومطاردتهم في جميع بلاد الإسلام حتى اضطروا إلى الخروج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك هرباً من الظالمين، ومَنْ تمكنوا من أخذهم أخذوهم وخلّدوهم في السجون، أو قتلوهم فيها بأبشع وسائل القَتْل، ومن محاولة صرْف الناس عن اتّباعهم، والتنقيص من مكانتهم في أمة جدّهم؛ حتى نُصبت المحاريب في البيت الحرام للمذاهب الأربعة. وما ذلك إلا محاولة لمحو ذكر أهل البيت عليهم السلام، وليت شعري هل هذا جزاء المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على تبليغ الرسالة ؟! أمْ أنه نقيض المطلوب، كان([3]) هذا الكتاب الذي بين يديك حريّ بالإقبال عليه لما احتوى عليه من الإستدلال على العدل والتوحيد، وتنزيه الملك الحميد، ومن الإستدلال على وجوب تقديم أهل البيت عليهم السلام، وقد خَتَمه مؤلفه رضي الله عنه ببيان خطايا الأنبياء صلوات الله عليهم، وأنّها على جهة الخطأ والنسيان، وتنزيههم مما نسبَه إليهم العامة من تعمّد المعصية، استدلّ على ذلك كلّه بأسلوبٍ سهل اقتفى فيه ـ رضي الله عنه ـ أسلوب الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، في إشباع الموضوع، ووضوح الاستدلال، وقوة الحجة؛ ولا غرو فقد نهل من معينه الصافي؛ وصحبه منذ أن قدم من طبرستان إلى أن توفي الهادي عليه السلام، ثم صحب ابنيه المرتضى والناصر إلى أن توفيا عليهما السلام. نبذة من حياة المؤلف قال في ترجمته في مطلع البدور: "علامة الشيعة، الفقيه الرباني الراجح؛ أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري -رحمه الله- حافظ السنن، الماضي على أقوم سنن، شيخ الإسلام رضي الله عنه، كان له من العناية بإحياء الملة بعد موت ابني الهادي إلى الحق عليهما السلام أضعاف ما كان في حياتهم، وكان أحمد بن موسى من الطبريين القادمين إلى اليمن فقُتِل في سبيل الله منهم من قُتِل، ورجع منهم إلى طبرستان من رَجَع بعد سقوط فرْض الجهاد لفقد سادات الأمة في ذلك العصر من الأئمة عليهم السلام". وذكر له ترجمةً طويلة ذكر فيها تحلّيه بالخصال الحميدة من قوّة الاصطبار والحلم والسخاء وغيرها من مكارم الأخلاق، وذكر فيها توافره على القيام بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ مع قدرة عالية على المناظرة، وسيظهر لك هذا من تصفّحك لهذا الكتاب، فقد أَوْرد فيه عدداً من المناظرات التي جرت بينه وبين بعض العامة. وقد ذكر أيضاً في مطلع البدور أنه لما أراد الرحيل من اليمن إلى طبرستان بعد موت ابني الهادي عليهما السلام رأى في نومه الهادي إلى الحق عليه السلام قد وقف عليه وقال: "يا أبا الحسين، تَخْرج وتترك التعليم لأصول دين الله في اليمن ؟ اتق الله ودعْ عنك هذا"، فرجع عن رأيه ذلك، وثنى عنان العزْم، ولبث في صنعاء اليمن، وجاور ابن الضحاك، ومكّنه ابن الضحاك من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعاء إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام. وقال في طبقات الزيدية في ترجمته: "أحمد بن موسى الطبري أبو الحسين، يروي عن محمد بن يحيى عن أبيه الهادي أصول الدين، وعنه علي بن أبي الفوارس اللغوي وإبراهيم اليفرسي، قال مسلم اللحجي: وهو ممن بقي بعد موت الهادي وولديه محمد وأحمد، شيخ الإسلام، وعماد العدل والتوحيد، فإنه كان بعدهما معلّم الخير المشهور، وأقام بصنعاء يدرّس"، انتهى. هذا ولم أقف له على تاريخ ولادة ولا وفاة محققتين فيما لدي من مراجع، وقد ذكر له بعض المتأخرين تاريخ ولادة تقريبياً ووفاة كذلك فقط. ـــــــــــ عملي في هذه النسخة أولاً:  قابلتها على نسختين: إحداهما نسخة خطية مكتوبة بخط واضح قال في آخرها: تمّ بحمد الله المحمود بكل لسان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله من هم لأهل الأرض أمان. كان الفراغ من رقم هذا السفر الجليل، ليلة الخميس، المبارك الأنيس، من أيام شهر جمادى الآخرة، من شهور سنة ألف وثلامائة وأربع وخمسين (1354هـ)بعناية الوالد العلامة الحلاحل، قلادة جيد الدهر العاطل، وزينة الأواخر والأوائل، شحاك الناصبين، ورأس الشيعة المحقّين، ودرّة تاجهم الثمين، الشيعي حقاً، والزيدي صدقاً، من هو محب لآل محمد وموالٍ، القاضي صالح بن عبدالله الحمالي، جعله الله غرة في الزمن، وناشراً للعلوم الحاوية لكل فنّ، وأطال بعمره. ولا زالت الأيام عليه بطول عمره متوالية، وأنعُمُ الله عليه متراكمة، في صحة وسلامة وعافية، وبلّغه ما قصد، وحشره في زمرة علي ومحمد، بخط أحقر الورى، وأذلّ من مشى في الثرى، الراجي عفو الملك المتعالي، علي بن صالح بن عبدالله الحمالي، غفر الله له ولوالديه آمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين، انتهى.  وقد رمزت لها بــ(أ) وهي من مكتبة السيد العلامة/ يحيى بن محمد راويه الذماري رحمه الله تعالى. * والنسخة الثانية نسخة مصوّرة على نسخة مكتوبة بخط جميل وواضح قال في آخرها تمّ الكتاب والحمد لله ربّ الأرباب مسبب الأسباب؛ ضحى يوم الجمعة المباركة ثالث عشر من شهر الحجة الحرام سنة ألف وأربع وثمانين (1084) من هجرته صلى الله عليه وآله وسلم وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبيين، وعلى وصيه وابن عمّه أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، علي بن أبي طالب وآله الطاهرين وسلم. اللهم إنا نعوذ بك من قَسْوة القلوب، والإصرار على كبائر الذنوب، ونستغفرك من كل ذنب وخطيّة، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً، انتهى.  وقد رمزت لها بـ(ب). ـــــــــــــ     هذا ومكتوب على غلاف المخوطة: المنير أو الأنوار، في معرفة الله؛ ومعرفة رسله؛ وصحّة ما جاؤا به عليهم السلام على مذهب الهادي إلى الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل الحسني الرّسي سلام الله عليهم. ثانياً:  ما اختلفت فيه النسختان، اعتمدت فيه نسخة (أ)، وأثبته في الأصل لكونها أقل خطأً، وأسلم عبارةً، إلا أنها لم تخلُ من سَقْط لكن لم يثننا عن اعتمادها ؛ لأنه في مواضع محدودة، وقد نبّه عليه الكاتب بأن ترك له بياضاً فارغاً، وقد نبّهتُ عليه في موضعه. وجعلت المخالف لنسخة (أ) في الهامش، ما عدا قليل من الألفاظ التي لا يلتفت إلى الاختلاف فيها، فقد استغنيت بما في (أ)، وذلك كأن يقول في (ب): (الله) وفي (أ) (الله تعالى)، أويسقط من (ب) كلمة التنزيه، أو أن يكون في إحدى النسختين: (الله سبحانه)، وفي الأخرى (الله تعالى)، أو يسقط من (ب) الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم فنثبت ذلك من (أ)، من دون تنبيه على سقوطها من (ب). ثالثاً: جعلتُ بعض المواضيع القليلة التي كانت عبارة (ب) فيها أسلم  في الأصل، وجعلت لفظ(أ) في الهامش. وأما ذلك السقط الذي في (أ) فقد أثبت مكانه الذي في (ب). رابعاً: ترجمتُ لأكثر الأعلام الواردة أسماؤهم في هذا الكتاب.   خامساً: خرّجت أكثر الأحاديث الواردة في هذا الكتاب بحسب معرفتي القاصرة مع فقدان الخدمات العصرية الحديثة المستخدمة في هذا المجال المتوفّرة لدى كثير من المحققين في هذا العصر.  وقد أعانني في تحقيق هذا الكتاب مجموعة من الإخوان الزملاء آجرهم الله، وكثّر سوادهم، ونفع بهم العلم وأهله. ولم آلُ جهداً في تحقيق هذا الكتاب وإخراجه ليكون في متناول طلبة العلم، لكن بحسب معرفتي القاصرة. ـــــــــــــ هذا وأسأل الله العلي القدير، أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخراً لنا يوم القيامة، بعظيم جوده، وجسيم إكرامه، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى آله الطيبين الأطهار.                                            علي سراج الدين عدلان                                                 الأربعاء: 8/4/1420هـ                                       مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية                               اليمن ــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم([4]) وبه نستعين ربّ يسر وعن ياكريم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وسلم تسليماً. [أقسام الهدى] قال أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مصيره ومأواه، جزاء بما قدم وأبدى، وكافاه فيما علم وهدى: اعلموا معاشر الإخوان، وذوي البصائر والإيمان أن أول ما تعبد به العباد، وقصد بسببه الرشاد، توحيد الله ذي العزة والأياد، باني السماء بغير عمد وساطح الأرض ذات المهاد، فله الحمد فيما ألهم من معرفته، وقدم من هدايته، وأعلم من إرادته، بالهديين اللذين ركبهما، ابتدأ بهما جميع عباده، ليدركوا بهما جميع مراده،فالهدى الأول العقول، والرسل، والكتب (التي فيها التنزيل)([5]) فقد هدى الله سبحانه خلقه كلهم بإثبات الحجة، وإكمال النعمة عليهم. فمن اهتدى بالهدى الأول، زاده الهدى الثاني مكافأة على فعله، وجزاءً على عمله، كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] والهدى الثاني:هدى توفيق وتسديد، وعون وتأييد، قال الله سبحانه في الضال والمهتدي:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(125) صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:125،126]. فبين([6]) الله سبحانه في هذه الآية أنه هدى جميع خلقه، فمن اهتدى بهداه، شرح صدره للإسلام، ونوَّر قلبه بالهدى، وأعانه وأيده، ووفقه وسددَّه، ومن أدبر عن هداه، واتبع هواه([7])، وأعرض عن عبادة خالقه، أضله وجعل في قلبه الرجس وخذله من التوفيق والتسديد، والعون والتأييد؛ لقوله سبحانه:{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:125]([8]) {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا}[الأنعام:126] يعني سبحانه أنه هداهم إلى ما يرضيه من الصراط المستقيم، وإلى ما يردهم من الضلال، والكفر والجحدان، ثم قال سبحانه: {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون}[الأنعام:126] (يقول سبحانه وتعالى قد بينا لهم الهدى من الضلال بالعقول والكتب، والرسل من ذي الجلال كما قال([9])) سبحانه([10]): {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان:3] وقال: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3] وقال:{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12] وقال:{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:23]. وقال كليم الله موسى [صلى الله عليه وسلم] لفرعون اللعين: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 5] وقال سبحانه: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8] وقال:{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ}[عبس: 2]. [بيان المشيئة في الضال والمهتدي وأن الإضلال منه تعالى تسمية] ثم بين سبحانه مشيئته في الضال والمهتدي فقال:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]. وإنما الإضلال من الله عز وجل تسمية كما قال سبحانه: {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[المدثر: 31] وقال:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ(26)} [البقره: 26] إلى قوله: {أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة:27] وقال تعالى: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ(34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي ءَايَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} [غافر:34ـ 35] ثم قال تعالى:{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23] {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] وقال تعالى:{وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85)} [طه: 85] وقال تعالى حاكياً:{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99]وقال تعالى حاكياً:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67] وقال تعالى حاكياً:{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:29]. فليس تفسير قوله: وأضله الله على علم كتفسير قوله: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}[طه:79] وإن اشتبه الضلال فهو مختلف عند من تذكر واهتدى، وخاف ربه العلي الأعلى، ونفى عنه([11]) قول أهل الغي والردى؛ لأنه سبحانه أمر جميع خلقه بطاعته وطاعة رسله عليهم السلام، وفرعون وهامان وقارون والسامري والمجرمون، أمروا أتباعهم بمعصية الله، ومعصية رسله. وإنما بيان قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}[الجاثية:23] في أول([12]) الآية حين يقول سبحانه:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]. فلما أن اتخذ إلهه هواه، وأعرض([13]) عن عبادة مولاه، أوقع عليه اسم الضلال، وسماه به ذو الجلال؛ لاستحقاقه لذلك، ثم خذله من التوفيق، والتسديد، وأغفله من([14]) العون والتأييد، كما قال  سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًاً}[الكهف: 28] كذلك قال كليم الله عليه الصلاة والسلام لربه: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 55] قال عليه السلام: ماهي إلاّ فتنتك يقول: محنتك كما قال سبحانه:{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85)}[طه:85]؛ لأن بقاء السامري كان محنة لهارون عليه الصلاة والسلام وقومه، فنسب رب العزة تعالى هذه المحنة إلى نفسه، إذ كان قادراً على إهلاك السامري قبل أن يموه عليهم بذلك العجل، ويقول لهم هذا إلهكم وإله موسى، وأما الإضلال فكان من السامري ليس من الله، وكذلك قال لهم هارون عليه السلام {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي(90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى(91)} [طه].  وإنما قال موسى عليه السلام: {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}[الأعراف:155]، يعني أنك يارب توقع بعد هذه الفتنة اسم الضلال على من أعرض عن عبادتك وأقبل على عبادة العجل وتدعوه به، وتوقع اسم الهداية على من ثبت على عبادتك، وأعرض عن عبادة العجل، كقوله سبحانه في الفريقين:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] الآية، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41] يقول سبحانه: إنه يسميهم بأسمائهم التي يستحقون، بالهدى والضلال. [معاني الجعل من الله سبحانه]  لأن الجعل من الله على وجهين: جعل خلق: كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان: 62]. والجعل الثاني: حكم وتسمية كما قال سبحانه: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}[النحل: 57]، {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] وقال:{فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}[يونس:59]. [بيان أن الله عز وجل لا يضل أحداً بمعنى يخرجه من النور إلى الظلمات] فالله عز وجل لا يضل أحداً ولا يخرجه من النور إلى الظلمات، بل أخرج جميع خلقه من الظلمات إلى النور كما قال سبحانه: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 257]. فالله عز وجل خلق خلقه لعبادته، وابتدأهم بنعمته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، بعد أن ركَّب فيهم العقول، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وهداهم النجدين، ومكنهم من العملين، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في خطبته: (خلقنا ربنا عز وجل، ولم نك شيئاً، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنّا الأقلام، وأزال عنا الآثام، ولم يكلفنا معرفة حلال من حرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وأوضح لنا السبيل، ونصب لنا العَلَمَ والدليل، من سماء رفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها؛ فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، وأرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتاب، وبين لنا الحلال من الحرام، والحدود والأحكام؛ فلمَّا وصلت دعوته إلينا، وقامت حجته علينا، أمرنا ونهانا، وأنذرنا وأعذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاءً وافق أعمالهم، ونكالاً ساوى أفعالهم، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وماربك بظلام للعبيد) تم كلامه عليه السلام. أفلا ترى أن الله عز وجل بدأ([15]) خلقه برحمته كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سبقت رحمة الله غضبه))([16])، وتصديق ما قال النبي والوصي صلوات الله عليهما  وعلى آلهما وسلم: قول الله عز وجل يحكي قول أهل الجنة حين قالوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف: 43] فبين الله سبحانه أنه لا يصل أحد إلى معرفته ومعرفة رسله، وما جاءت به من الحلال والحرام إلاّ به عز وجل. [تقسيم العبادة إلى معقول ومسموع] ثم لم يستوجبوا ثوابه يوم القيامة بعد المعرفة إلاّ بأعمالهم؛ لأن الله سبحانه تعبد الخلق بمعقول ومسموع، فالمعقول ما أدرك بالعقل والنظر والتمييز، والمسموع لا يدرك بالعقل؛ لأن في المسموع الحلال والحرام، والأمر والنهي، فالأمر والنهي لايعلمه أحد إلاّ بمسمع مترجم، مبين معلم، من الله عز وجل، فالمسمع لايكون إلاّ ملكاً مقرباً أونبياً منتخباً أو إماماً مهتدياً؛ لأن الله عز وجل قذف في قلب الملك الأعلى جميع ما تعبد به خلقه من الحلال والحرام، فقرره في قلبه، فهذا الملك الأعلى أعطى هذا الوحي رسل الله الملائكة مثل: جبريل وميكائيل وملك الموت صلوات الله عليهم، وهبطت به رسل الملائكة إلى رسل الإنس وألقت الرسل إلى أممهم من الإنس والجن، لأن الجن ليس فيهم رسل منهم فرسولهم ورسول ولد آدم من الآدميين؛ فمن الجن من آمن بالله وبرسله، ومنهم من كفر كولد آدم، كما قالت الجن: {مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن:14]، لأن الجن يستمعون كتب الله كما تسمع الإنس. ثمّ علّم بعضهم بعضا ما سمعوا من رسل الإنس، كما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَءَامِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:29 ـ 32].  ثم قال سبحانه لرسوله أيضاً: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا *  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا * وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا * وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا * وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا * وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}[الجن:1ـ16]. ففي الجن من الموحد والمشبه، والمعدل والمجبر، مثل ما في الإنس، لقولهم: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن: 5]، قوله: وأنا ظننا يقولون: أيقنا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً، لأن لن هاهنا صلة وقولهم: إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يدل على أنهم آمنوا بموسى كما آمنوا بمحمد؛ وإيمانهم بهما كأيمانهم بآدم وجميع الأنبياء عليهم السلام. والدين الذي تعبد الله به خلقه هو الذي جاء به آدم عليه السلام؛ لأن الدين عند الله الإسلام ثم جاءت به الرسل؛ كما قال سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ}[الشورى: 13].  فمن آمن بمحمد من الجن والإنس فقد آمن بآدم وبجميع الأنبياء، ومن كفر بمحمد فقد كفر بآدم وجميع الأنبياء كما حكى الله سبحانه من تكبر إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه ظلماً وعدواناً، وذلك قول الله سبحانه:{قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34]. [نفي وجود الإناث في الجن] ثم قال سبحانه: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] يقول سبحانه: خرج عن طاعة ربه ليس يعني الفسق الذي هو عند الناس الزنا؛ لأن الزنا في ولد آدم، إذ ليس في الجن إناث([17]) على ما ذكرهم الله في كتابه حين يقول سبحانه:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] ثم قال سبحانه:{قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ} [النمل: 39]. لم يذكر سبحانه من أعدائه الأولين أنهم نسبوا الجن إلى الأناث، كما نسبوا الملائكة حين يقول سبحانه:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًاً} [الزخرف: 19]، فأكذبهم الله بقوله:{أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: آية 19] وقال سبحانه:{يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172]، ولو كانوا إناثاً لقال: ولا الملائكة المقربات.  وقد ذكر الله عز وجل ولد آدم أنهم ذكور وإناث وغيرهم ممن خلق من الحيوان، والجماد فقال، في النجوم:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] ذكره، ثم قال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}[الكهف: 17]، ثم قال: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ(1)} {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ(3)} [الإنشقاق: 1 ـ 3]، وقال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109]، وقال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّاً} [الأعراف: 143] وقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25]، وقال: {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: 7]،  ([18])   فذكر عز وجل أنهم ذكور لا إناث فيهم؛ وقال: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس: 36] فقال: مما تنبت الأرض؛ فالملائكة عليهم السلام سماويون، والجن هوائيون، والآدميون أرضيون، فليس خلقهم تشبيه([19]). [تفسير السجود لآدم] فلما أن خلق الله عز وجل آدم، وأبان فيه عجائب تدبيره، قال للملائكة والجن: اسجدوا لخالق هذا وأطيعوه واعبدوه حق عبادته، ولا تعصوه فيما يأمركم به من طاعته وطاعة رسله، فأطاعت الملائكة ربها فيما أمرهم به من السجود، وعصى إبليس ومن اتبعه من مردة الجن أمر خالقهم، وأطاع مؤمنوا الجن ربهم كما أطاعت الملائكة؛ فقال الجاهل: إن الله أمر إبليس بالسجود ولم يرد منه السجود، وقالوا: إن الله عز وجل عن قولهم يأمر بما لا يريد وينهى عمَّا يريد؛ وزعموا أن الله سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه ولم يرد ذبحه، ولم يميزوا في قول الله لإبراهيم عند ما وضع السكين على حلقه وعزم على ذبحه أنه قال: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105] أي: لم آمرك بأكثر من ذلك ولم أرد منك (إنفاذاً([20])؛ لأن قول إبراهيم لابنه: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] فقوله: أرى فعل مستقبل لم يقل له إني ذبحتك. ثم زعموا أن إبليس لما كره السجود، وأبى واستكبر وكفر ووافقت إرادته إرادة الله، لعنه([21])  وأخزاه، زعموا أنه لم يرد منه السجود كذباً على الله ورداً لكتاب الله عز وجل. وحمد سبحانه ملائكته إذ وافقت إرادتهم إرادته، وائتمروا بأمره، ولُعن إبليس عند ما خالفت إرادته، إرادته ولم يأتمر بأمره فقال: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:12]، فلو وافقت إرادته إرادة خالقه وائتمر بأمره، لحمده كما حمد الملائكة، وأثنى عليهم. [إبليس لم يدّع أن الله أراد منه العصيان] وإبليس أيضاً لم يقل لربه: إنك لم ترد مني السجود ولا أنك حلت بيني وبين السجود، بل قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، ثم يقول يوم القيامة لأتباعه: إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم أنا بالباطل فقبلتم باطلي وكرهتم أمر خالقكم؛ كما كرهت أنا قبلكم أمره، فبكراهيتنا لأمره استوجبنا منه العذاب، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل؛ لم يقل إن الله أشركني في عبادتكم كما زعمت القدرية حين خلقه. قالوا: إن الله خلق إبليس ليعبد من دونه، وأشركه في عبادة خلقه([22])؛ لأنهم زعموا أن عبادة من عبد إبليس بإرادته ومشيئته وقضائه وتقديره، خلافاً لقول الله([23]) سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ويقول:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ويقول سبحانه لهم يوم القيامة:{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:59ـ60] فذكر سبحانه معصية إبليس، ولم يذكر معصية من عصاه من الجن، كما ذكر عز وجل معصية آدم ولم يذكر معصية حوَّى، وكانت معصيتهما واحدة في أكل الشجرة؛ لقوله سبحانه:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}[الأعراف: 22] يعني سبحانه سوء فعلهما، ثم تابا فتاب الله عليهما، فذكر الله سبحانه توبة آدم ولم يذكر توبة حوَّى وكانت توبتهما واحدة، وذلك قول الله عز وجل:{فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]. فإن قلنا: إن أمنَّا حوَّى لم تتب كنا من الآثمين، وخالفنا كتاب ربنا إذ يقول سبحانه: الطيبات للطيبين وأمَّا قول الجهال إن الله فرق بين آدم وحوَّى، عليهم الصلاة والسلام فهذا قول فاسد؛ لقول الله سبحانه:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:22ـ23] كانا في الجنة مجتمعين، وكان خروجهما منها مجتمعين، وكذلك كانت معصيتهما واحدة، وتوبتهما واحدة، لأن الله عز وجل لم يذكر افتراقهما في شيء من([24])  ذلك وقوله:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}[الأعراف:22] فإنما كان من جهة ما أصابهما من حر الشمس بعد أن خرجا من الظل البارد، وليس كما قال الجاهل: إنه أعراهما عن لباسهما. وكذلك عصى ابن آدم ربه، وخالف أمر الله؛ إذ قتل أخاه كما قال سبحانه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 30] فهذان أول من عصيا([25]) خالقهما، إبليس من الجن وابن آدم من الإنس، فكل من عصى الله من الجن والإنس فهو تابع لهذين إلى آخر الدنيا وفيهما وفي من تبعهما يقول الله عز وجل:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130] ثم ذكرهما سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما أنزل عليه من كتابه في سورة الرحمن، حين يقول سبحانه:{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:14 ـ 16]، فذكرهما عز وجل بآلائه ونعمائه إلى آخرها. [الرسل إلى الثقلين من الإنس] وبين سبحانه أن رسله من الإنس إلى الإنس والجن؛ إلاّ أن الجن لا يراهم رسل الله ولا يسمعون كلامهم، والجن تسمع كلام رسل الله وأمرهم ونهيهم، فيأمر مؤمنوا الجن مردتهم بأمر الله وأمر رسله لإثبات الحجة عليهم كما قالوا: يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به؛ كما أمر معاذ بن جبل رسول رسول الله أهل اليمن بما كان يسمع من رسول الله من طاعة الله وطاعة رسله([26]) من الإنس؛ فمنهم من قبل قول معاذ، ومنهم من صدَّ عنه، وكذلك أرسل رسول الله رسله من الإنس إلى أهل اليمن وغيرهم من الناس كما أرسل رسله إلى الجن؛ فأرسل جعفر بن أبي طالب إلى بلد الحبش بمن كان معه من قبائل الناس كلهم من العرب والعجم مثل سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي وغيرهم من المسلمين عليه وعليهم السلام. ثم أعطى كل واحد من رسل الله هذا الوحي الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى جميع خلقه، وعلمهم وعرفهم فمنهم من أخذ منه هذا الوحي كله ووعاه وفهمه، مثل علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. [الحجج على الخلق] أقام جبريل ومحمد وعلي ثلاثاً وعشرين سنة حتى أبلغوا رسالة ربهم إلى المشرق والمغرب، من الجن والإنس؛ ومحمد ينظر جبريل ويسمع كلامه، وعلي ينظر شخص محمد، ويسمع كلامه، فكلما لقن جبريل محمداً من كتاب الله وسنته شيئاً، أملى محمدٌ علياً كل ذلك فكتبه علي بخطه، ثم علمهما الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك قال النبي: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))([27])،  فهؤلاء الثلاثة حجج الله على خلقه في تبليغ رسالاته إلى خلقه فافهمه.  فألَّف الله عز وجل بين هؤلاء الثلاثة، إذ إرادتهم في إنفاذ أمر الله واحدة ولذلك استوجبوا من الله التوفيق والتسديد، كما قال سبحانه: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16]، وكذلك ورث علي محمداً عندما أقامه الله في أمة محمد بعده مقامه كما أقام سليمان مقام أبيه في أمته بعده، إذ حكمهما واحدٌ في أحكام خالقهما، ليس كما قالت الحشوية: إنهما اختلفا في حكم الحرث، فالله عز وجل لم يذكر اختلافهما، بل قال إنهما حكما بحكمه حين يقول سبحانه في كتابه:{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء: 78 ـ 79]. ولم يذكر من هؤلاء الحشوية أحد هذا الإختلاف من الرسول أيضاً إلاّ من تلقاء أنفسهم بغير حجة من كتاب الله، ولا أثر من رسول الله؛ بل كتاب الله ينطق بخلاف قولهم، حين يقول عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: اختلاف أمتي رحمة، فإذا كان الاختلاف رحمة، فينبغي أن يكون الائتلاف نقمة، والله عز وجل يقول:{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 ـ 119] يقول: لا يزال أهل الباطل يخالفون([28])  أهل الحق إلاّ من رحم ربك إلاّ المؤمنين مؤتلفون غير مختلفين. ثم زعمت الحشوية في ألواح موسى عليه السلام أنه ذهب جزء منها ممَّا كان كتب له ربه عند ما ألقى الألواح؛ فكتاب الله يكذبهم حين يقول عز وجل:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] فكذبهم فيما جاء به موسى وداوود وسليمان، ككذبهم فيما جاء به محمدٌ إذ زعموا أنه ذهب جزء من القرآن. فالقوم قد زعموا ([29])  على إطفاء نور الله إلاّ أن الوصي لم يوسعهم([30]) إلى ذلك، ولا السبطين ولا الأئمة الهادين من ولد خاتم النبيين؛ إذ هم أمناء الله على خلقه، وخلفاؤه في الأرض، ولولاهم لمحى الظالمون دين الله إلاّ أنهم يحيون دين الله ويحيون به؛ فبهم ثبت الله دينه في خلقه، ولذلك([31]) قتلهم ظالموا أمة جدهم، كما قتل الفراعنة رسل الله عند ما أمروهم بطاعة الله، ونهوهم عن معصية الله، وذلك قول الله عز وجل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. وأما الحشوية والإمامية، فليس معهم من توفيق الله وتسديده شيء؛ إذ هم مدبرون عن الله وعن  رسله وأوليائه. ثم الحشوية بينهم اختلاف عظيم؛ أصحاب الحديث يكفرون أصحاب الرأي، وأصحاب الرأي يكفرون أصحاب الحديث، وكذلك الإمامية بين الموساي([32]) والإسماعيلي بلاء عظيم، فالقوم كما ذكر الله عن اليهود والنصارى حين يقول الله سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة:113]. فأمَّا الزيدية فلا اختلاف بينهم، وذلك أنهم اعتصموا بحبل الله جميعاً كما أمرهم الله ربهم، إذ يقول  الله عز وجل:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاً} [آل عمران: 103] وقال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: 63]. [أحوال الرواة] فعلي بن أبي طالب وعى كلام رسول الله، وحفظه وعمل بما أمره([33])، وعرفه به من حلال الله وحرامه. وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين كانوا في عهد رسول الله، فقد اجتهدوا في طاعة الله، وطاعة رسوله، وفي علم ما جاء به رسول الله، فمنهم من وعى جميع ما سمع من رسول الله، ومنهم من حرص ولم يدرك كما أدرك غيره، ومنهم من توانى عن ذلك، وغفل عنه، فذلك مأثوم عند الله عز وجل؛ لأن الله عز وجل قد ذكر ذلك في كتابه، حين يقول:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22]، فأما من حرص على التعلم وطلب الإحاطة بجميع ما أنزل الله على رسوله، ولم يدرك كما أدرك من هو أفضل منه، فذلك غير معاقب ولا مأثوم؛ لأنه قد حرص فلم يدرك، وذلك أنه لم يعط من الفهم كما أعطي هذا الفاضل الذي وعى جميع ما سمع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. [بحث في أن التفضيل من الله عز وجل] والتفضيل هو من الله عز وجل وقد ذكر ذلك في كتابه حين يقول:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253] ثم قال عز وجل:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا}[الإسراء: 55] ثم قال سبحانه لرسوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] ثم قال سبحانه في سورة جبريل عليه السلام:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(19)ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ(20)مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ(21)وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ(22)} [التكوير]. [الوصاية وأن حجج الله لا تنقطع] ثم إذا أراد الله عز وجل قبض رسول من رسله إليه، أمره أن يوصي بأمته إلى من يقوم فيهم مقامه، ويسير فيهم بسيرته، في جميع ما تعبد الله به خلقه؛ لأن الرسول يوجد ويعدم، والذي يقوم في خلقه مقام رسوله لا يعدم ولا يفقد كما قال سبحانه:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}([34]) [المائدة:19] لم يقل سبحانه على فترة من الحجة؛ لأن الحجة إذا عدمت، رفعت عنهم العبادة، والعبادة فلا ترفع عنهم في دار دنياهم؛ لأن دار الدنيا هي دار عمل وبلوى وعبادة وطاعة، والآخرة دار جزاء وثواب. ومن الحجة في أن حجج الله عز وجل لا تنقطع، أن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أدرك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، وسلمان على دين عيسى؛ ولذلك قال الله عز وجل لجميع المؤمنين:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] فأمرهم عز وجل بثلاث طاعات ترجع كلها إلى طاعة واحدة، وهي طاعة الله عز وجل. ثم قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   لجميع أمته:((أيها الناس إني مسائلكم غداً فمحف([35]) بكم في المسألة عن كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)) يعني عليه السلام حوضه يوم القيامة، الذي ذكره الله في كتابه حين يقول سبحانه:{إنَّا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1] فالكوثر نهر في الجنة، حبى الله به رسوله. ثم قال سبحانه: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: 6] فكما لا يجوز ترك التمسك بالكتاب، فكذلك لا يجوز ترك التمسك بالعترة؛ لأن الكتاب يدل على العترة، والعترة تدل على الكتاب، ولا يقوم واحد منهما إلاّ بصاحبه، لم يذكر الله سبحانه أنه أخلى أرضه من حجة، ولا رفع العبادة عن خلقه في دار دنياهم، بل الحجة ثابتة في الخلق من لدن آدم إلى وقتنا هذا؛ لأن الله عز وجل بعث الرسل مبشرين([36])، ومنذرين لخلقه، فكان آخر الأنبياء صلوات الله عليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما ختم الله عز وجل الأنبياء بمحمد، أقام أولاده الطاهرين في أمة جدهم مقام رسله في الأمم الخالية {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: 165]. فلما أراد الله قبض رسوله إليه أمره أن يأمر أمته باتباع وصيه علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، ثم علم عز وجل أنه يقبض علياً كما قبض رسوله عليهما السلام، فأمره أن يأمر أمته باتباع السبطين الحسن والحسين، ثم باتباع الأئمة الهادين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فدل صلى الله عليه وآله وسلم بقوله:((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي([37]))) وبقوله:((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله([38]))) ودلَّ صلى الله عليه وآله وسلم بهذا القول: بأن علياً هو أولى بإمته من بعده، ثم بين الأمر في الحسن والحسين، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما))([39])  وقال عليه السلام وآله لأمته:((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)([40])).  قال عز وجل يؤكد الأمر ويبين أن الأئمة الهادين من ولد رسول الله وأنه لا يسع أحداً خذلانهم ولا التخلف عنهم؛ لقوله عز وجل لرسوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}[الشورى:23]. [فائدة ظهور الإمام] فإذا ظهر إمام من ولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فسار بسيرة جده في أمته، وألزمهم المعرفة بالله، وبرسوله، وما جاء به، وجميع ما تعبد الله به خلقه من المعرفة به عز وجل، وإثبات وعده ووعيده، وتصديق رسله، ثم عرفهم بالصلاة والصيام والزكاة والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنعهم عن البدع التي يكونون عليها، وإظهار المنكرات، فهم كما قال الله عز وجل فيهم وفيمن كان قبلهم ممن يهدي إلى أمره وينهى عن نهيه:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]. مثل: الهادي إلى الحق عليه السلام؛ الذي أظهر صلاة جده في البلد الذي ملكها الله إياه، وأجاز حكمه على أهلها، وأزاح عنهم صلاة المبتدعين، وغيرها من البدع من التشبيه والتجوير، وإنكار الوعد والوعيد، وتكذيب الرسل، والطعن على أولياء الله، وأذاء الله ورسوله، والمؤمنين والمؤمنات، كما حكى الله عز وجل عنهم حين يقول سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى قوله:{فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب: 57 ـ 58]، منعهم عليه السلام عن هذا الطعن على الله ورسوله والمؤمنين وألزمهم كلمة([41])  التقوى، ونهاهم عن قول الفحش والردى، كما أمره به خالقه؛ إذ يقول سبحانه له ولغيره:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104]. وقال لجده عليه السلام:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] فالإنسان يذكر ـ في مخلاف([42])  الهادي عليه السلام ـ خالقه بما هو أهله، ورسله وأولياءه؛ ويذكر أعداء الله بأفعالهم القبيحة مجترياً، وفي غير مخلافه لا يقدر أحد أن يتكلم بالحق، ويكون كلامه فيما بينه وبين خالقه سراً بغير إعلان إلى المخلوقين؛ إلاّ أن إنكار المنكر باليد واللسان والقلب. وقال النبي عليه السلام:((من أحيا سنة من سنتي قد أميتت، فله أجر من عمل بها إلى يوم القيامة من الناس لا ينقص ذلك من أجور الناس شيئاً، ومن ابتدع بدعةً لا يرضاها الله كان عليه إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من إثم الناس شيئاً([43])))، فهنيئاً لابن رسول الله الهادي إلى الحق بما أحيا من سنة جده في أمته صلى الله عليه وآله وسلم. [فرية الحشوية والإمامية] قالت الحشوية الضالة: إن إبراهيم عليه السلام فتش بيوت الأنبياء عليهم السلام فوجد محمداً جالساً في بيته، وعن يمينه شيخ، وعن يساره كذلك، وبين يديه شاب، وعند ظهره كذلك، فزعموا أنه أبوبكر وعمر وعثمان وعلي قبل أن يخلقهم الله.  فقولهم هذا كقول الإمامية عندما زعموا أن الله خلق محمداً وعلياً قبل آدم بأربعة عشر ألف عام([44])،وكذلك قولهم في رؤية معبودهم، كقول الإمامية إلاّ أنهم قالوا: إن ذلك في الدنيا عندما زعموا أنه حل بمحمدٍ ثم  بعلي ثم بإمام بعد إمام من أئمتهم. وزعمت الحشوية أنه لم يره في الدنيا غير محمدٍ، وهم يرونه يوم القيامة. وقالت الحشوية: إن موسى أمر محمداً أن يرجع عند ربه([45]) عندما قال له: إن الله فرض عليه وعلى أمته خمسين ركعة من الصلاة في يوم وليلة([46])، يستحط منه، فلم يزل يتردد إليه حتى أمره بسبع عشرة ركعة. وقالت الإمامية: سبع عشرة في ثلاثة إحدى وخمسون ركعة، فالثلاثة هم بابٌ وإمام وحجة، يصلي إنسان للباب سبع عشرة حتى يوصله إلى الإمام، فطرح عنه الذي كان يصلي له وهي سبع عشرة ركعة، ثم أوصله الإمام إلى الحجة، فرفع عنه ما كان عليه له أيضاً، فإذا تمكن عند الحجة رفع عنه العبادة، فإذا به حر عتيق ليس عليه عبادة لأحد، وذلك قولهم: اعرف إمامك واعمل ما شئت غير معاقب ولا مأثوم. وكذلك الحشوية تقول: إذا صليت هذه التراويح الذي رسمها لهم عمر، فلا تبال بصلاة النبي، فهذه أفضل من صلاة النبي، ودليل ذلك أن من تنفل بنافلة النبي، ولم يصل بصلاة عمر فدمه عند الحشوية حلال، كما حل عند الإمامية دم من خالفهم في بدعهم، ولذلك قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (كل بدعة ضلالة، وما أحدث محدثٌ بدعة إلاّ ترك بها سنة). فنافلة النبي وسنته تصلي ركعتين وسلّم([47]) واحدة ليس في الجماعة كما قال له ربه: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] الآية، وبهذه السنة أخذت الزيدية، وساروا في جميع عبادتهم بعبادة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ هم يرجون شفاعته يوم القيامة([48])، ولم يرجوا شفاعة من خالفه عندما سمعوا خالقهم يقول لرسوله: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودً} [الإسراء: 79] وقال لهم:{وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]. ثم قال عز وجل، يخبر رسوله بما سيكون من أمره، فقال له:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30ـ31] أيقنوا أنَّ مخاصمهم بين يدي ربهم رسوله لا غيره فحذوا([49]) سنته عليه السلام. وأمَّا الهداية من الله عز وجل لجميع خلقه فقد سبقت منه إليهم؛ لأن الله عز وجل ابتدأ جميع خلقه بنعمتة، ثم كان الضلال والعصيان منهم لخالقهم، فلم يذكر عز وجل في شيء من كتابه أنه أضل مؤمناً قط، ولا خذل تائباً، ولا أغفل منيباً، ولا أذل مطيعاً، في كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولا أنه أعزَّ كافراً، ولا أيَّد فاسقاً، ولا نصر ظالماً، ولا هدى خائناً، كما قال عز وجل:{وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 80] {لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: 52] {لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]. [الإرادة] تفسير الإرادة في كتاب الله على وجهين: إرادة حتم وقسر، فهي إرادة الله في فعله كما قال الله سبحانه:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] يقول الله سبحانه إنه كونهما فكانتا بغير مخاطبة، ولا مؤامرة، ولا تقدم إرادة؛ لأن إرادته لا تسبق مراده، ولا فعله يسبق إرادته، بل إذا أراد إيجاد شيء أوجده، فإذا أوجده فقد أراده وكونه، لا فرق بين إرادته ومراده، كما قال سبحانه:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] المعنى فيه أنه إذا كونه فقد أراده وأوجده؛ لأنه عز وجل لم يخاطب أحداً من خلقه، إلاّ ثلاثة، الملائكة والجن والإنس، وذاك بعد أن أوجدهم، وأكمل لهم عقولهم، وأمرهم حينئذ ونهاهم. فأمَّا سائر خلقه فلم يخاطبهم من الأصل في دنياهم ولا آخرتهم؛ إذ ليس لهم عقول يميزون بها؛ لأن خلقه سبحانه على صنفين: حيوان وجماد، فالحيوان([50])   على صنفين: أهل العقول، والآخر لا عقل له، ولا عبادة عليه، والجماد لا روح فيه ولاعقل له، ولا هو مأمور ولا منهي فهو منشأ ومسخر ومسوق([51])ومصرف كما قال الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}[الأنعام:141] إلى قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}([52]) [الأنعام: 99] ثم قال سبحانه:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ} إلى قوله:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] وقال سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} إلى قوله:{كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58]. وإنما خلق الله عز وجل هذه الحيوان[53])  والجمادات منافعاً لولد آدم، ليشكروه على ما أنعم عليهم، وسخر لهم من الفلك والأنعام، وغير ذلك من نعمه، السابغة، الظاهرة والباطنة، كما قال سبحانه:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] وما كان من الحيوان من الإقبال والإدبار، والتعطف على الأولاد، فذلك من الله إلهام ألهمها إياه، وتسخير لمنفعة ولد آدم، كما قال الله سبحانه:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ(71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ(73)} [يس: 71ـ 73]، ثم قال سبحانه:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} إلى قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:69]. [تفسير تسبيح الجمادات وسجودها] وأمَّا تفسير قول الله عز وجل:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] وتفسير قوله:{وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] وما أشبه ذلك([54])، من ذكر السجود والتسبيح في كتاب الله الذي نسبه([55])  إلى هذه الجمادات والحيوان([56])،  يعني في كل ذلك تسبيح أهل العقول، وسجودهم؛ لأن العاقل إذا نظر إلى ما خلق الله من السماوات والأرض، وما بينهما من الخلق أجمعين من الدَّواب والجمادات يسجد لخالقها، وأقر له بالوحدانية والربوبية، وسبح له وعظمه، وخضع له وأطاعه، ووجب له حينئذ على خالقه الثواب، كما وجب لملائكته المقربين عندما سجدوا لخالقهم فيما رأوا  من تدبيره أمره في آدم عليه السلام، ومدحهم الله عز وجل وأثنى عليهم، وعرف بذلك آدم وذريته (بسجودهم له وطاعتهم إياه كما عرفنا بمعصية إبليس وذريته)([57])؛ لنقتدي بفعل الملائكة المقربين، ونتجنب فعل إبليس وأعوانه الغاوين. والإرادة الثانية من الله عز وجل: تخيير معها تمكين وتفويض، أراد الله سبحانه من الملائكة والجن والإنس الطاعة له إرادة تخيير لا إرادة جبر؛ إذ هم مخيرون غير مجبورين، أراد عز وجل كون الطاعة منهم غير مكره لهم عليها كما أراد ألاّ تكون منهم المعصية غير حائل بينهم وبينها بل بالطوع منهم أراد كونها، لا بالقسر منه والإجبار، ولذلك قال سبحانه لرسوله:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29] وقال سبحانه:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 37]، لم يقل سبحانه في شيء من القرآن فمن شاء فليحيا ومن شاء فليمت ([58])؛  بل قال سبحانه:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. قال الهادي إلى الحق عليه السلام: فكانت إرادته عز وجل في أفعال عباده، الأمر لهم بالمرضي من أعمالهم، فنفذت إرادته في الأمر لهم، كما ([59])   لو أراد أن يجبرهم على طاعته لجبرهم، ولو جبرهم على صنعهم، وفعالهم لكان العامل لما عملوه دونهم من أعمالهم([60])، ولو كان العامل لما عملوه، لكان الآمر لنفسه دونهم بما فعلوه، ولكان هو المشرك بنفسه لا هم، ولكان العابد لأصنامهم دونهم، ولو كان على ما يقولون؛ إذ هو الصانع لكل ما صنعوا، الممضي دونهم لكل ما أمضوا، ولكانوا هم من كل مذموم أبرياء، وفي الحق مطيعين أتقياء، وعند الله للثواب مستاهلين سعداء؛ إذ هم فيما صرفهم ربهم منصرفون، وفي قضائه ومشيئته ماضون، فتعالى الله الرحمن الرحيم عمَّا يقول فيه حزب الشيطان الرجيم، فلو أراد الله سبحانه منهم الطاعة، كما أراد خلقهم وموتهم، لكانوا كلهم مطيعين، كما كلهم يموتون، وذلك قوله سبحانه:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [الأنفال: 99] وقال:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: 35]، وقال:{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]يعني سبحانه في هذه وما أشبهها من الآيات: لو شاء لجبرهم على الهدى، كما جبرهم على الخلق والموت، فجعل منهم أبيض وأسود، وأحمر وأسمر وأصفر، وطويلاً وقصيراً، فلو أراد واحد ([61])  يخرج من الطاعة إلى المعصية، ومن المعصية إلى الطاعة، كما ذكر سبحانه عنهم حين يقول سبحانه:{الَّذِينَ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ءَامَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] ألاترى كيف ذكر الله سبحانه انتقالهم من الكفر إلى الإيمان مرةً، ثم من([62]) الإيمان إلى الكفر تارةً بعد أخرى، باختيارهم للكفر مرة وللإيمان أخرى([63])، وذلك بحلم الله عنهم، وإمهاله لهم، لا بجبرٍ جبرهم، ولا حتمٍ حتمَ عليهم، ولا بغلبة كانت منهم لخالقهم، إلاّ اختياراً منهم للإيمان والكفر، ودليل  ذلك أن([64]) الله سبحانه بدأ موسى وفرعون بالرحمة، إذ خلقهما طفلين، وجعل في قلوب أبائهما وأمهاتهما لهما الرحمة، حتى قاموا بهما، وأسبغ عليهما النعمة، وأكمل لهما العقول، ثم دعاهما إلى الإيمان به فآمن به موسى، وكفر به فرعون، ثم أرسل سبحانه إليه رسوليه بالآيات والمعجزات، فقال لهما: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] أي: يقدر أن يؤمن، إذ هو مخير ليس مجبوراً، ففعل رسولاه كما أمرهما، وهو يقول: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [النازعات: 24]، {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]، {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، {سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48]، {فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 39] ثم قال: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52]، {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51]،{فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} [طه: 56]، ويقول: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47]، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} [طه: 58]، {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى} [النازعات: 30 ـ 31]، {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [الإسراء: 103]، ويقول: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: 101]، {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38]، {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} [القصص: 39]، {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79]، ويقول: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} [غافر: 26] الآية، وقال:{سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]. وقال الله عز وجل يخبر عن فرعون ومعصيته حين يقول:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} [إلى قوله] {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4]، {كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان: 31]، {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83]، {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ} [يونس: 90]، قال ربه: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 9]. بين سبحانه بقوله: الآن وقد عصيت قبل، وأنه([65]) قادر على الإيمان من قبل الغرق، كقدرة من آمن به مع الملائكة والجن والإنس، وأنه قد ركب فيه استطاعة الفعلين، ومكنه من العملين، وهداه النجدين، كما هدى غيره، وأنه الذي تعدى وظلم نفسه، وخسر دنياه وأخراه([66]). وإنما ذكرت موسى وفرعون وخبرهما؛ لأن جل القرآن فيهما، ثم هما ليسا في عصر محمد، ولكن الله أراد أن يعرف رسوله بخبرهما، حتى يعتبر هو ومن معه فيتبعوا سيرة موسى، ويتجنبوا سيرة فرعون، ثم هو سبحانه يقول:{نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 3]. [تبرير فعل فرعون على رأي القدرية] فما آمنت القدرية المجبرة، الضالة الغوية بخالقهم، ولا صدقوه في شيء من عدله وتوحيده، بل نسبوا ظلم عبيده إليه وشبهوه بخلقه، وهم يتلون كتابه ليلهم، ونهارهم فهم كما قال الله سبحانه:{وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] وقال:{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة:18]،{فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[البقرة:171] وقال:{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الشعراء: 200 ـ 201].  فميز بين فعل الله وفعل خلقه، فالله يقول: فعل فرعون كان على وجه البغي والعدوان، والقدرية تقول: كان بقضاء  الله وتقديره، وإرادته ومشيئته، وإنه حال بينه وبين الدخول في الإيمان، وجبره على الكفر به([67])   والعصيان، كذباً على الله وعلى رسوله، فميز بين فعل الله وفعل خلقه، فعل خلقه الطاعة والمعصية.  فالله عز وجل لا يطيع ولا يعصي، بل يطاع ويعصى، ولكن لم يُطع مكرِهاً، ولم يُعص مغلوباً قط، وفعله سبحانه الخلق والرزق، والموت والحياة، كما قال عز وجل في كتابه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الروم: 40]، ثم قال سبحانه:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3]. [الملائكة والثقلان مخيّرون في أفعالهم] والملائكة والجن والإنس مخيرون في الطاعة والمعصية؛ فأمَّا الملائكة فقد اختاروا كلهم الطاعة على المعصية، رغبة منهم في ثواب خالقهم، وخشية من عذاب ربهم، كما قال سبحانه فيهم: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26)لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28)وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(29)} [الأنبياء].  بين سبحانه بقوله: ومن يقل منهم إني إله من دون الله([68]) أن الملائكة عليهم السلام مخيرون، وأنهم اختاروا الطاعة على المعصية، كما قال سبحانه فيهم: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، فليس في ملائكة الله عاصٍ من الأصل بل كلهم مطيع. [هاروت وماروت ليسا من الملائكة] وأمَّا قول الجهال في الملكين الذين ذكرهما الله في سورة البقرة حين يقول سبحانه:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102]، إنهما من الملائكة، فهذا قول فاسد مخالف لكتاب الله عز وجل، وطعن على ملائكة الله المقربين، هما رجلان من ولد آدم كانا في هاتين القريتين، في هاروت أحدهما والثاني في ماروت من أرض بابل، فتعلما السحر وعلماه الناس، كما حكى الله عز وجل عنهما حين يقول:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: 102]، يقول سبحانه: بعلم الله لا بأمره. وإنما الكفرة الذين كانوا قبل النبي عليه وعلى آله السلام كانوا يقولون: إن ملك سليمان عليه السلام كان يسحر به، وإن هذين الرجلين الذين علما السحر كانا من الملائكة، فأنزل الله على رسوله إنكاراً لقولهم ورداً عليهم، فقال سبحانه:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102]، وبين سبحانه أن السحر كان من مردة الشياطين من الجن والإنس، ولم يكن من سليمان ولا من الملائكة وإنما قوله: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} يعني: ليس بإيجاب وإنما نَسَقٌ([69])  على قوله: وما كفر سليمان، وما أنزل على الملكين. وتصديق ذلك  أنهما من ولد آدم قول([70]) الله لرسوله في الملائكة: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: 95]، ذكر عز وجل أن الملائكة لا يطأون الأرض، ولا يطمئنون إلى الناس، ولا يظهرون إليهم إلاّ عند الموت، كما قال سبحانه للذين قالوا: لو أنزل على رسول الله ملك: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ}[الأنعام:8]؛ لأن ولد آدم إذا أبصروا الملائكة عند سياق الموت لا يقدرون أن يكلموا أصحابهم بخبر الملائكة، ثم أكد ([71])   عز وجل نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم   في صدورهم، بما عاينوه من رسوله من الصدق والأمانة، والنقاء والنزاهة قبل مبعثه إليهم، وذلك قوله سبحانه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]. قال الله سبحانه: ولو جعلناه ملكاً ـ كما يسألوا ـ لجعلناه على هيئة رجل من بني آدم([72])،  فإذا جاءهم رسول أجنبي لم يعرفوه كان أشد للتلبيس عليهم؛ لأنهم أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد معرفتهم بصدقه، وأمانته وعدالته فيهم، وورعه ونزاهته من كل دنس وباطل، صلى الله عليه وآله وسلم. فالملائكة أفضل الخلق عند الله، وأقربهم إليه، وأفضلهم([73])  درجةً لديه، بطاعتهم له؛ لأن الفضل لا يكون إلاّ بالأعمال الصالحة، والعبادة الدائمة، فقد ذكرهم الله عز وجل، حين يقول فيهم: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 19 ـ 20]، ثم قال سبحانه فيهم: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}[الأنبياء:20]، ثم قال سبحانه فيهم: {الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206]، وقال عز وجل:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172]. [الملائكة أفضل الخلق] قد ثبت أن الملائكة هم أفضل الخلق، عندما اختاروا طاعة الله على معصيته، ثم الأنبياء من بعدهم؛ لأنهم اختاروا الطاعة على المعصية، وهم قادرون على المعصية، كما قال الله سبحانه لرسوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، ثم قال في جميع رسله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام: 88]([74])حاشا لأنبياء الله من الشرك إلاّ أن قوله سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88]، يدل على أنهم مخيرون في الطاعة والمعصية، فهذا عين العدل من الله عز وجل والإنصاف، إذا([75]) ساوى بين عباده، كل من تقرب منهم إليه بالطاعة قربه وأدناه، ورفع درجته([76]) في دنياه وأخراه([77])، كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. ومن تباعد منه بمعصيته أبعده وأخزاه، في دنياه وآخرته كما قال سبحانه فيهم: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114]، فالحمدلله المعز لأوليائه، المذل لأعدائه، المنصف لخلقه، كلفهم يسيراً، وأعطاهم على ذلك كثيراً. [تفسير آيات من المتشابه] * وأمَّا تفسير قوله سبحانه:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: 35]،  وقوله: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}[البقرة:272]،فتفسير ذلك ومعناه: أنه يخبر سبحانه أنه لم  يفترض عليه قسر قلوبهم على الهدى، وجبرها حتى تكون مخلصةً في أعمالها، كما افترض عليه قسر ألسنتهم على التكلم بالإيمان([78])،  والنطق به، وكما افترض عليه قسر جوارحهم على ظاهر أعمالهم في أداء فرائضهم كلها، ثم التكلم بالإسلام والإقرار به، واستعمال الجوارح، والصلاة والزكاة، والصيام والحج والجهاد، وما أشبه ذلك من ظاهر الأعمال، التي يحقنون بها دماءهم عن القتل، وحرمهم عن السبي، وأموالهم عن الأخذ، وأنه لم يفترض عليه ولم يكلفه صلاح قلوبهم وإيمانها، إذ هو عليه السلام غير قادر على ذلك، ولكنه سبحانه لو أراد لجبرهم على الهدى والإيمان، كما جبرهم على الخلق والموت ولكن لم يرد ذلك عز وجل. قال الله عز وجل{سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}الآية [الفتح: 16] اختلف الناس في أولي البأس الشديد.  فقال قوم: هم هوازن. وقال قوم: هم الروم. وقال قوم: هم بنو حنيفة. وقال قوم: هم فارس وخراسان. فالذي قال: بنو حنيفة يريد بذلك إثبات إمامة أبي بكر، ومن قال إنهم فارس يريد([79])  إثبات إمامة عمر، ومن قال إنهم خراسان أراد إثبات إمامة عثمان. فالآية تشهد لهوازن والروم، لأن الله عز وجل قال: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ}[الفتح:16] وإنما تولوا وأدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وقال سبحانه: وإن تتولوا من الرسول كما توليتم يوم أحد.  فهوازن حاربهم النبي يوم حنين، والروم حاربهم يوم مؤتة، ويوم حنين حضر هو بنفسه، وأدبر عنه في ذلك اليوم من أدبر من أصحابه، كما قال الله سبحانه: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}[التوبة: 25] الآية.  وأما مؤتة فكان متولي([80]) للأمر جعفر بن أبي طالب صلوات الله عليه، فقتل ثم ولي الأمر بعده زيد بن حارثة فقتل رحمة الله عليه، ثم عبدالله بن رواحة الأنصاري، فقتل أيضاً رحمة الله على جميعهم، ثم تولى أمر العسكر بعد هؤلاء خالد بن الوليد المخزومي. فكان الظفر للمسلمين كما قال الله عز وجل في ذلك: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4ـ5]، فالإمام المطاع في المواضع الثلاثة أحد وحنين ومؤته، فهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأمَّا بنو حنيفة فهم قوم مسلمون قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، لأنهم قالوا له: (كنَّا ندفع زكاة أموالنا (إلى رسول الله، وأنت لا تستحق مقام الرسول، فنحن نقسم زكاة أموالنا)([81])  على فقرائنا ومساكيننا). فالله يقول: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16]، فهؤلاء قوم مسلمون. وأمَّا فارس، فاستفتح بلدهم عمر، وأمَّا خراسان فاستفتحها عثمان. فقد صح أن أولي البأس الشديد هم هوازن، فالروم الذين حاربهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لقول الله سبحانه: {فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح: 16]، فحرب هوازن والروم كانت بعد أحد بإجماع الأمة لا يشك في ذلك أحدٌ فافهمه إن شاء الله. وأمَّا أبو بكر، فقد خَرَّج إليهم خالد بن الوليد، فحاربهم، وقتل منهم، وسبى أربع مائة نفس وكانت فيهم أم محمد الحنفية([82])، صارت في دار أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، فأرسل إلى أهلها وأسلمها إليهم، فقالت لهم: (اعرضوني على هذا الرجل)؛ فتزوجها عليه السلام، فمن هذه الجهة سأله أصحابه يوم الجمل أن يجيز لهم سبي نساء أهل البصرة، كما أجاز لهم أبو بكر، فكره ذلك، ثم قال لهم: أيكم يأخذ عائشة بسهمه ؟ قالوا: لا أينا، قال: فكيف وهي أعظم الناس جرماً؟فسكتوا حينئذ وسلموا الأمر إلى أمير المؤمنين.     وأمَّا خالد فقتل مالك بن نويرة([83]) في أول النهار، وأخذ زوجته وتقدم عليها في آخر النهار، وصرف عبدالله بن عمر إياه بذلك([84])  فسأل عمر أبابكر أن يغير على خالد فلم يفعل، فلمَّا أن مات أبو بكر رد عمر أولئك السبي إلى بلدهم.   ــــــــــــــ [تفسير العبادة في كتاب الله] [العبادة في كتاب الله]  على ثلاثة وجوه: * عبادة الله عز وجل، كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] يقول: أطيعوه. * وعبادة الصنم، كما قال إبراهيم الخليل لأبيه: {يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42]. * وعبادة الشيطان، كما قال إبراهيم الخليل عليه السلام أيضاً: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} [مريم: 44]، فلم يكن أبو إبراهيم يصلي للشيطان، ولا يصوم له ولا أحد من ولد آدم، إلاّ أنهم يسعون في مرضاته، فجعل فعلهم ذلك وسماه عبادة الشيطان، كما قال سبحانه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يس:60]. [شياطين الإنس أنكى في الإغواء من شياطين الجن] فالشياطين كثير، أولهم إبليس الذي أغوى أبا البشر آدم عليه السلام، ثم له أعوان من شياطين الإنس؛ لأنهم أشد بلاء، وأنكى في قلوب الآدميين من شياطين الجن، لأنهم من جنسهم، ومنهم وإليهم وإخوانهم وبني عمهم، ولذلك حذرنا الله منهم حين يقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}  [التغابن: 14]، وقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا ءَابَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23]، وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ}[الحشر: 22] إلى آخرها. فكل سلطان جائر فهو فرعون من فراعنة الآدميين، وكل عالم متمرد فهو إبليس من أبالسة الإنس، وكل إنسان عاصٍ فهو شيطان من شياطين الإنس، فمن أطاع واحداً من هؤلاء الثلاثة، فقد عبده من دون الله، كما قال الله سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31] الآية، قال الله عز وجل: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:22 ـ 23] يعني سبحانه بقوله وأزواجهم: أعوانهم من زراع وصانع وتاجر؛ لأن دولة الظالمين لا تقوم إلاّ بهؤلاء الثلاثة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله بعثني بالرحمة واللُّحمة([85])، وجعل رزقي في ظل رمحي، ولم يجعلني حراثاً ولا تاجراً، ألا إن من شرار عباد الله الحراثين والتجار إلاّ من أخذ الحق وأعطى الحق([86])))، ثم تلى هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9]. وقال عز وجل: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113] وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((ملعون ملعون من كثر سواد ظالم))، وقال: ((ملعون من رفع دواة ظالم))([87]).  فضرر عبادة شياطين الإنس أشد ضرراً على الإسلام والمسلمين من ضرر عبادة الصنم، وعبادة شياطين الجن، لأن الصنم جماد لا يأمر ولا ينهى، فضرر عبادته على عباده لا على غيره، وشياطين الجن ليس الآدميون يرونهم، ولا يسمعون كلامهم، وشياطين الإنس تأمر أصحابهم بسفك دماء المسلمين، وهتك حريمهم وأخذ أموالهم. والعالم المتمرد يأمر أشياعه بالقول على الله بالجبر والتشبيه، وإبطال الوعد والوعيد، وتكذيب الرسل والأنبياء والأئمة الهادين، والأولياء والصالحين([88])، كما حكى عنهم رب العالمين، حين يقول سبحانه:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ ءَايَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93] قولهم على الله غير الحق من تعليم علمائهم لهم، وتحريفهم لقول الله عز وجل، كما قال سبحانه فيهم: {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف: 169]، وقال سبحانه: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]، وقال سبحانه: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 101] وقال عز وجل: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا}[المائدة:41] الآية. فالحشوية والإمامية، يدينون في كثير من أديانهم بدين اليهود والنصارى، علماؤهم وأتباعهم، وهم لا يعلمون، لأنهم اتبعوا أهواءهم وأدبروا عن علماء آل رسولهم([89])،  فضلوا وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، فالنبي عليه السلام يقول لهم: ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يدخلوكم من باب ردى ولن يخرجوكم من باب هدى([90]))). قالوا هم: نحن نجد معرفة الكتاب والسنة مع غير أهل بيت النبي أوسع وأكثر، وأوكد وأبين، رداً على الله، وتكذيباً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.  فعداوة عالم السوء وضرره أشد من عداوة السلطان الجائر المعلن بالفسوق والفجور؛ لأن السلطان الجائر قد أظهر أمره للجاهل والعالم، فلا يتبعه (بعد إظهار جوره إلا ظالم مثله، لا يبالي بنفسه ولا بدينه، يريد الدنيا([91])) وزينتها، والذي لا يريد ([92])   لا يقاربه، وهذا السلطان وإن عادى أهل الحق وحاربهم، فهو مقر على نفسه بالظلم معترف بأن الذي يحاربه خير منه، وأقرب إلى الله. والعالم المموه يدخل على أشياعه التهمة بإظهاره لهم التنسك والورع، فالعابد الجاهل يسرع إلى قبول قوله، وإلى طاعته وأمره ونهيه، لأنه قلده دينه، واتبع هوى نفسه، وأشركه في عبادته، وآثر طاعته على طاعة خالقه. فمثل السلطان الجائر والعالم المموه، كمثل فرعون والسامري، لأن فرعون قال لهامان: ابن لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى، إذ كان عنده أن إله موسى ساكن في السماء وقارفيها. وقال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى فنسي، فأظهر إليهم العجل فقال لهم: نسي موسى أن إلهه حاضر هاهنا، وأنه ذهب يطلبه في جبل طور سيناء، أفلا ترى أن السامري ألطف مدخلاً من فرعون !. وكذلك من قال على الله عز وجل بالتشبيه اليوم فهو على سيرة فرعون والسامري، عليهما لعنة الله، وأنا أبين فساد قولهم في موضعه إن شاء الله تعالى. [ذم المستضعفين الذين يعينون الظالم بأموالهم] وقال زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب([93]) عليهم([94]) السلام في كلام طويل: (وقديماً([95]) اتخذت الجبابرة دين الله دغلاً([96])، وعباده خَوَلاً([97])، وأمواله دولاً([98])،فاستحلوا الخمر بالنبيذ، والمسكر بالركاة([99]) والسحت بالهدية، يجبونها من سخط الله، وينفقونها في معاصي الله، ووجدوا على ذلك من خونة أهل العلم والزراع والتجار والصناع، والمتأكلين بالدين أعواناً، فبتلك الأعوان خطبت أئمة الجور على المنابر، وبتلك الأعوان قامت راية الفسق في العساكر، وبهؤلاء الأعوان أخيف العالم، فلا ينطق، ولا يتعظ لذلك الجاهل فيسأل، وبتلك الأعوان مشى المؤمن في طبقاتهم بالتقية والكتمان، فهو كاليتيم المفرد يستذله من لا يتق الله تعالى والسلام). فلولا الأعوان ما ثبت لظالم دولة، (ولا لهم مقالة)([100])، ثم هؤلاء الزراعون والتجار والصناع يزعمون أنهم مستضعفون مقهورون مغلوبون فكأنهم لم يسمعوا قول ربهم عز وجل حين يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97]، فلم يقبل سبحانه عذرهم بل عذبهم على نصرهم للظالم بأبدانهم وأموالهم على الحق والمحقين، ثم قال سبحانه: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56]، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن ([101])   عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خياركم، فلا يستجاب لهم حتى إذا بلغ الكتاب أجله كان الله المنتصر لنفسه، فيقول: ما منعكم إذ رأيتموني أعصى أن لا تغضبوا لي([102])))، فبإعراضهم عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر سلط الله عليهم الظالمين، فلم يستجب دعاءهم على ظالميهم؛ لأن أكثرهم نسب ظلم ظالميهم إلى خالقهم، فيقول: إن ظلمه هذا بقضاء الله وقدره وإرادته ومشيئته عليهم، ثم هم في خلال ذلك يقولون: اللهم انصفنا من ظالمنا، فمن ينصفهم إذا كان بزعمهم أنه ـ عز وجل عن قولهم ـ الذي قضى عليهم بالظلم، فدعاؤهم على هذا الحال كما قال الله سبحانه فيهم، وفي إخوانهم حين يقول عز وجل: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:50]، وقال: {إِلَّا فِي تَبَابٍ}[غافر:37]([103])، وكذلك يوم القيامة لا يدرون ممن يطلبون النصفة على من ظلمهم إذا كان الله الذي قضى عليهم بزعمهم كل ظلم نزل بهم من الظالمين، فمن المنصف لهم على من ظلمهم وتعدى عليهم؟ غير أنهم لا يدرون مع ذلك أن الظالم الذي يُرحم([104])  يوم القيامة أو المظلوم، إذا كان اعتقادهم أن خالقهم قبض قبضة باليمين، فقال: هؤلاء من أهل الجنة ولا أبالي، ثم قبض قبضة بالشمال، فقال: هؤلاء من أهل النار ولا أبالي، فليس يدرون الظالم من القبضة اليمنى أو المظلوم.  ثم يزعمون مع ذلك أن ليس للإنسان استطاعة على العمل وأن الفعل كله لله لا يسأل عما يفعل، فقد بين سبحانه أن المعاصي من أفعالهم لا من فعله، ولذلك أقسم لرسوله وقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93)}[الحجر]. [القدرية مبطلون لوعيد الله عز وجل] فإن سلموا من الجبر والقدر، ونزَّهوا الله من التقدير عليهم بظلم ظالمهم، لم يسلموا من إبطال وعيد الله عندما زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:((ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))، فإذا كان النبي يشفع لظالمهم لم يصلوا إلى النصفة، لأن ظالمهم من أمته، لم يظلمهم المشرك الذي ينكر نبوة محمد عليه السلام فافهمه، فإن القوم في عشواء مظلمة هائلة منقلة([105])  لا يفيقون منها أبداً حتى يرون، كما قال الله سبحانه: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ(6)ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ(7)ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)} [التكاثر] وقال عز وجل: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]. فلو نسبوا ظلم ظالمهم هذا إلى الظالم، ونزهوا خالقهم من الجبر والتشبيه، لدفع عنهم ظلم الظالمين، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا} [الحج:38]، وقال:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]، ثم قال سبحانه لرسوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وقال سبحانه:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، فأي استكبار وتجبر أعظم من قول مجبر قدري، ضال غوي يقول:  إن المعاصي التي نفاها الله عن نفسه، ونسبها إلى ظلمة عبيده أن يقول: إنها من الله قضى بها وقدرها على خلقه؟! وهو يقول سبحانه: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا ءَابَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:128]، فأكذبهم الله سبحانه بقوله([106])  ونفى عن نفسه ما نسبوه إليه بظلمهم، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. قد ميز الله سبحانه بين تقديره وتقدير خلقه فقال سبحانه: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى}[الأعلى:3]، وقال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، ثم قال عز وجل: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19)ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)}[عبس]، وقال: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات:23]، وقال: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2]. ثم قال عز وجل: {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:17]، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ}[المؤمنون:18]، فهذا تقدير الله عز وجل، لم يذكر أنه قدر المعاصي ولا الطاعة، إلاّ أنه سبحانه أمر بالطاعة، ونهى عن المعصية([107]) ونسبها إلى المطيع والعاصي، ونفاهما عن نفسه، ونسب سبحانه تقدير المعاصي، كما قال في الوليد بن المغيرة المخزومي، اللعين حين يقول: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ(18)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(19)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(20)ثُمَّ نَظَرَ(21)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(22)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(23)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ(24)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ(25)}[المدثر]، وقال سبحانه فيه أيضاً: {إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين} [ن:15]، نسب سبحانه تقدير المعاصي كلها إلى فاعلها، وذكر أنها بعلمه، ليس بإرادته ولا بمشيئته، ولا بقضائه ولا بتقديره، ولا بأمره، ولا علمه الذي أدخلهم في المعاصي. [الرد على من قال أن السنة ليست من الله عز وجل] قالت الحشوية: إن السنَّة من رسول الله ليست من الله، تكذيباً لكتاب الله ورداً على الله، إذ يقول سبحانه لرسوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:86]، وقال عز وجل:{قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15] وقال: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الأحقاف:9]، وقال سبحانه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46)} [الحاقة]الآية. بين الله سبحانه في هذه الآية وما أشبهها من الآيات، أن جميع ما جاء به رسوله من الكتاب والسنة، أنه منه ليس من رسوله وأن رسوله مبلغ لرسالته إلى خلقه، وأنه مؤدٍ أمانته إلى عباده، وأن الكتاب والسنة أنزلهما عز وجل عليه، على يدي رسوله جبريل الروح الأمين، كما قال سبحانه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف:54]، وقال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4]، وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68]، الأمر كله لله. فرسله من الملائكة والإنس مأمورون، فالآمر خلاف المأمور، فرسله مأمورون كالملائكة، والجن والإنس، فإذا كان الله يأمر ويفرض، ويتعبد خلقه بما تعبدهم، لأنك تعلم أن الله فرض للبنت النصف، لقوله: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11]، ثم فرض لبنت الابن النصف بالسنة. فإذا قلت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم([108])  فرض لابنة الابن النصف بغير أمر من الله، فقد جعلته نداً لخالقه؛ إذا كان يفرض ويتعبد، كفرض خالقه وتعبده، فهذا معبود ثانٍ، فالرسول عابد، والمرسِل مُتَعَبّد، بإجماع أهل العقول فالعاقل لا يقول أبداً إلاّ أن العبادة من العابد، والعابد غير المعبود، فالرسول داخل في قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21]، وقال له ربه: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:14ـ15]. وأمَّا قول القائل: إنها سنة محمد، وكتاب محمد، فهو كقول الله عز وجل: {وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا} [هود:17]، ثم قال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد:38] كقوله لعيسى بن مريم{وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي}[المائدة110]، فالله عز وجل الذي أنطق الميت على يدي روحه عليه السلام، ليس نبيه ولذلك([109]) التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان، وجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله منه خلقها وأحدثها، وكونها عند إرادته عز وجل؛ لإنزالها على رسله، كما قال سبحانه: {يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}[الأنبياء:2]، وقال: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه:113].  قد بين سبحانه أن كتبه محدثة بإحداث الرسل، فالرسول محدث، وكتابه الذي جاء به لأمته محدثٌ أيضاً، فكلاهما محدثان ليسا قديمين، فالقديم الله عز وجل المحدث لهما ولغيرهما، وكلما نسب إليه من الحيوان والجماد، فهو مخلوق محدث مجعول؛ كوَّنه سبحانه بعد إذ لم يكن. فقول الحشوية في سنة الله كقول الإمامية في كتب الله؛ إذ زعموا أن التوراة تأليف موسى، والزبور تأليف داوود، والإنجيل تأليف عيسى، والقرآن تأليف محمد عليهم السلام سواء سواء، فالحشوية تنكر هذا القول على الإمامية، ثم هم في خلال ذلك يقولون في سنة الله، كما قالت الإمامية في كتب الله، فمثل الفريقين، كما قال الله  ([110])  حين يقول: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]، وقال سبحانه لرسوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}[الفرقان:44]. قالوا: يجب على الإنسان أن يأخذ بما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، كما أمر سبحانه جميع خلقه بذلك حين يقول سبحانه: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]. [تفسير القضاء في كتاب الله] [القضاء في كتاب الله] على ثلاثة أوجه: قضاء خلق، وقضاء أمر، وقضاء علم. * فقضاء خلق: كما قال سبحانه: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت:12]. * وقضاء أمر: قال الله سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23]. * وقضاء علم: قول الله سبحانه: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء:4]. يقول سبحانه: أعلمنا بني إسرائيل في الإنجيل أنهم سيختارون الفساد في أرضهم مرتين، ثم قال سبحانه:{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} [الحجر:66]، يقول: أعلمنا لوطاً عليه السلام أن دابر عصاة قومه مقطوعٌ مصبحين.  وفي ذلك ما يقول الشاعر: قضى قبل خلق الخلق ما هو كائن هواها ونجواها وموقع أمرها   خلائق لا تخفى عليه أمورها وقبل الهوى ما قد يجن ضميرها فالأشياء كلها بعلم الله، ألا يعلم مَنْ خَلَق وهو اللطيف الخبير، (فجميع ما كان من أفعال الآدميين وما سيكون منهم بقضاء الله، إنه سيكون ذلك منهم واختياراً من أنفسهم؛ لا اضطراراً من علم الله أنه يضطرهم إلى الطاعة والمعصية، وفي ذلك ما روي)([111]) عن زيد بن علي [عليه السلام] أنه قال: (اللهم إنا نعوذ بك أن نفتري عليك الكذب، أو نقول بخلاف ما أنزلت على رسولك (أو نزعم أن  الإيمان إقرار بلا عمل، أو نزعم أن من عصى الله ورسوله أولياء لك)([112])  أو نزعم أنك لم تكمل دينك، أو نزعم أن رسول الله عليه السلام قال بخلاف ما أنزلت عليه من حلال أو حرام).   [تفسير الكتاب في القرآن] [الكتاب في القرآن] على ثلاثة وجوه: * قال الله عز وجل لرسوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النساء:105]، يعني: القرآن. *  ثم قال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183]، يقول فرض عليكم. * والوجه الثالث: تفسير علم الله، كما قال سبحانه لرسوله في أصحابه يوم أحد عند ما قالوا: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]، يقول: لبرز الذين علم الله منهم أنهم سينفرون اختياراً من أنفسهم لطلب الشهادة في سبيل الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن أعداء الله سيختارون قتلهم لطلب الدنيا، فالبراز فعل للبارز، كما القتال فعل للقاتل، وعلم الله محيط بالبارز والقاتل، وأفعالهما، وليس علم الله الذي أدخلهما، وجبرهما على البراز والقتل؛ لأن البراز والقتل فعل لهما بالاختيار لا بالاضطرار، ولذلك أثاب الله البارز وعاقب الفار([113]). (وتصديق ما قلنا أن تفسير الكتاب هاهنا علم الله قول الله سبحانه في مواضع شتى من القرآن حين يقول عز وجل: {نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس:12]، وقال: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية:29]، وقال: {فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}[الأنبياء:94]، وقال: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:59]، وقال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا}[التوبة:51]، وقال: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ}[فاطر:11]، وقال: {كِرَامًا كَاتِبِينَ(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)}[الإنفطار]، وقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[المجادلة:21]. فتفسير هذه الآية وما أشبهها من الآيات: علم الله أنهم سيختارون من تلقاء أنفسهم الطاعة، والمعصية ولم يعلم أن علمه اضطرهم إلى الطاعة والمعصية {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18]،)([114])، لأن القتل على وجهين: * قتل في سبيل  الله، * وقتل في سبيل الطاغوت، كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} [النساء:76 ] الآية، فما كان في سبيل الله فهو بأمر الله أمر تخيير وحزم لا أمر حتم وجبر وقسر، وما كان في سبيل الطاغوت، فهو من المعتدي الظالم لا بأمر الله ولا مشيئته ولا تقديره، بل قد نهاه عز وجل عن ذلك كما قال سبحانه في ابن آدم: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:30]، فهذا أول من قتل مسلماً ظلماً وعدواناً في دار الإسلام، وهو الذي سن القتل في سبيل الطاغوت في جميع ولد آدم، وإنما قال الله عز وجل: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ}[آل عمران:154]، يقول: علم منهم؛ قامت على مقام من؛ إذ هما من حروف الصفات يخلف بعضها بعضاً، كما قال سبحانه: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}[الأنبياء:77]، يقول: على القوم الذين كذبوا بآياتنا، وقال فرعون اللعين ولأصلبنكم في جذوع النخل يعني على جذوع النخل.  وتصديق ما قلنا، أن تفسير الكتاب هاهنا علم الله([115])  قول الله سبحانه: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11]، يقول: في علمه([116]).  وقال سبحانه: {أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}[الحديد:22]، يقول: في علم الله من قبل أن يخلق الأنفس.  وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}[الأنبياء:94]، يقول سبحانه: عالمون. وقال سبحانه: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:75].  [تفسير الأذن في كتاب الله]  [الأذن] على وجهين: أذن أمر، وأذن علم، فأما أذن الأمر فقوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 145]، يقول بأمر الله كما قال سبحانه {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[التكوير:29]، صدق الله عز وجل لولا أنه شاء وأذن لنا الإيمان ما اهتدى واحد منا إلى الإيمان من تلقاء نفسه بغير هداية من الله، ولكن الله هدانا إلى الإيمان به بالعقول والرسل والكتب، فبه سبحانه هدايتنا إلى الإيمان لا بغيره. وأما الأذن في الثاني: فعلمه كما قال الله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[التغابن:11]، يقول: إلا بعلم الله، وقال سبحانه: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102]، يقول: بعلم الله. والوجه الثاني: قول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[يونس:100]، يقول: بأمر الله، صدق الله عز وجل، لولا أنه أراد وشاء إيماناً به لم يأمر بذلك، كما قال سبحانه: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير:29] الآية([117]) . لما ركب فينا العقول، وأرسل إلينا الرسل، وأنزل عز وجل علينا الكتب، وركب فينا استطاعة الإيمان به، قال حينئذ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [التغابن:8]. [تفسير الكفر في كتاب الله] [الكفر]  على وجهين: كفر جحود، وإنكار للبعث والنشور، كما حكى الله عز وجل عمن أنكر ذلك حين قالوا: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(16)أَوَءَابَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ(17)قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ(18)فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ(19)} [الصافات:16،19]. والوجه الثاني: كفر نعمة، كما قال الله عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، حكم الله عز وجل لشاكر النعمة بالزيادة، ولكافر النعمة بالعذاب الأليم، قال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. فكل من ارتكب معاصي الله، وخالف أمره، وضاد حكمه، فهو كافر لنعم الله معاند لله، قال الله سبحانه:{أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18].  وأما الله عز وجل فلا ينكره أحدٌ، بل كلهم مقرون به، كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [الزخرف:87]، ثم قال الله عز وجل: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[آل عمران:83]. أما الملائكة والأنبياء والمؤمنون، فقد أقروا لخالقهم بالوحدانية والربوبية طائعين، وأما الكفار فإقرارهم بالله عز وجل اضطرار، كما قال سبحانه فيهم: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر:8]، أصل كل كفر المعصية لله سبحانه من اليهودية والنصرانية والمجوسية والشرك والبغي؛ فمن عصى الله فقد استوجب منه العقوبة في دنياه وآخرته؛ لقوله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} إلى آخر الآية، ثم قال في آخرها: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33]. [تفسير الشرك في كتاب الله] [الشرك في كتاب الله] على أوجه: قال الله سبحانه:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121]، كل من أطاع عاصياً فيما يأمره وينهاه فقد أشركه في عبادة خالقه، كما قال سبحانه: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110]. و الوجه الثاني: أنه من غل زكاة ماله من أهلها، فقد استوجب اسم الشرك عند الله؛ سبحانه؛ لقوله:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}[فصلت:6ـ7]، فسماهم سبحانه مشركين بتركهم  لأداء زكاتهم، (وبرفض ما أمر الله تعالى بإخراجه من أموالهم)([118])،  ثم قال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينه:5]، وقال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الروم:31]، ومن ترك الصلاة وغلَّ الزكاة فهو خارج من دين الله (مستوجب لاسم الشرك، يريد بذلك إذا غل إنسان زكاة ماله من أهلها ثم تصدق بجميع ماله، لم يقبل الله منه تلك الصدقة، وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المعنى، كمثل رجل تطهر عند ارتفاع النهار للصلاة ثم توجه القبلة وصلى ركعتين ركعتين، حتى غربت الشمس، ولم يصل الظهر أربعاً والعصر أربعاً، وكذلك لم يصل العشاء ولا العتمة وصلى ركعتين حتى طلع الفجر؛ وصام أحد عشر شهراً إلى سنته ولم يصم شهر رمضان)([119]).. وقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم:((لا تقبل صلاة إلاّ بزكاة، كما لا تقبل صدقة من غلول([120])))، وقال عليه السلام: ((مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا والآخرة([121]))). والوجه الثالث: أنه من أربى في تجارته، فقد استوجب اسم الشرك عند خالقه؛ لقول الله سبحانه فيهم:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]، وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية أهونها إتيان الرجل أمه([122]))). والوجه الرابع: أنه من شرب الخمر، فقد استوجب اسم الشرك عند الله لقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90] فالخمر كل ما خامر العقل فأفسده؛ كان من عنب أو زبيب، أوتمرٍ، أو شعير أوبر أو ذرة أو عسلٍ، والميسر فهو القمار كله من نرد([123])  أو شطرنج([124]) أو غير ذلك، والأنصاب فهي أصنامهم التي كانوا ينصبونها ويعبدونها من دون الله، والأزلام فهو القداح([125])  التي كانوا يستقسمون بها في المراهنة وغيرها، كما قال الله سبحانه: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3]، قوله عز وجل: ذلكم فسق، يقول: خروج من الإيمان إلى الكفر، كما خرج إبليس إذ يقول فيه: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].  وكل رجس فهو محرم في كتاب الله عز وجل، كما قال سبحانه لرسوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}[الأنعام:145]، ثم قال سبحانه لرسوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219]، يعني سبحانه بقوله ومنافع للناس: في بيعهما وشرائهما، إذ كانوا يربحون فيهما، ليس يريد بذلك منفعة البدن؛ لأن الخمر يزيل العقل، والميسر فليس ينفع بدن الإنسان أبداً والإثم محرم في كتاب الله، كما قال سبحانه لرسوله: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33]، ثم قال عز وجل: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل:97].  فذمهم الله([126])  عندما غيروا ما رزقهم من الرزق الحسن، وأفسدوه كما قال: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا}[مريم:89]، ثم قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43]؛ لأنهم كانوا يصلون خلف النبي صلاة العشاء، ثم جلسوا ينتظرون العتمة، فيقوم النبي يصلي بهم صلى الله عليه وآله، وقاموا خلفه وقد أسكرهم النعاس وغلبهم فلا يعقلون بقراءة النبي ولابصلاته،  فقال لهم الرب: لا تقربوها وأنتم على الحال حتى تفيقوا من سكرة النوم، فلو كان الله عز وجل أراد سكر الخمر، لكان قد أوقع([127])  عليهم الصلاة في حال سكرهم، وهذا مخالف لكتاب الله عز وجل، ثم قال سبحانه في قوم كانوا قد شربوها قبل معرفتهم بتحريمها، فلما نزلت آية التحريم قالوا: يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها ؟ وكيف بصلاتنا ونحن نشربها ؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله فيهم: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَءَامَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:93]، فكانت هذه الآية معذرة للماضين وحجة على الباقين، فالخمر([128])  محرم على آدم وأولاده إلى آخر الدنيا. وقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((مدمن الخمر كعابد الوثن قيل: وما مدمنه يا رسول الله ؟ قال الذي كلما وجده شربه ولو كان في كل عام مرة([129])))، فجعل شارب الخمر كعابد الحجر([130]). وقال عليه السلام: ((([131])من ملأ جوفه في الدنيا خمراً لا بد أن يملأه في الآخرة جمراً إلاّ من تاب وآمن))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم([132]):((لا يسرق السارق وهو مؤمن ولا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب الخمر وهو مؤمن([133])))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم([134]):((ما أسكر كثيره فقليله حرام والذوق منه حرام([135]))). وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه([136]):(ثلاثة أشياء ما فعلتها ولا أفعلها أبداً، ما عبدت صنماً قط؛ لأني لم أكن لأعبد مالا ينفعني ولا يضرني، ولا زنيت قط؛ لأني أكره في حرمة غيري ما أكره في حرمتي، ولا شربت خمراً قط؛ لأني إلى ما يزيد في عقلي أحوج مني إلى ما ينقص منه)، ثم قال عليه السلام لأصحابه: (لا يكن مثلكم مثل رجل خيره سلطان جائر إحدى ثلاث خصال، القتل، أوالزنى، أو شرب الخمر، وأوعده بالقتل، إن لم يفعل فاستعظم القتل والزنا ورأى شرب الخمر أهون عليه، فلما سكر منها قتل وزنـا). وأمَّا قول الجاهل: إن الله لم يحرم الخمر عندما قال سبحانه: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]، لم يقل: إنها عليكم حرام فعلى هذا القياس ينبغي أن تكون عبادة الصنم غير حرام، إذ قال سبحانه فيهما:{فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة:90]، قال الله عز وجل:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:106] ذكر سبحانه الإيمان والشرك في آية واحدة، لأن الإنسان إذا قال لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فقد شمله اسم الإيمان وحكم الإيمان ينتظمه في حياته ومماته، لأنه لا يمنع من دخول المساجد، ويقبر في مقابر المسلمين، ويجري في ميراثه مجرى أهل الإسلام، ثم له أعمال من دون ذلك يستوجب بها اسم الشرك عند الله إذا فعل شيئاً منها، نحو ماذكرنا مثل: الجبر والتشبيه وإنكار البعث والنشور، وتكذيب الرسل وإباحة المحارم. وجوه الشرك في كتاب الله كثيرة، فقد بينت بعضها، وأنا أبين الباقي في آخر الكتاب فتفقدها، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ((الشرك يدب فيكم دبيب النمل فتفقدوه([137])))؛ ولذلك قال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم:((من قال لا إله إلاّ الله مخلصاً دخل الجنة([138])))، وقال صلى الله عليه وآله وسلم([139]): ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها حرموا عليَّ دماءهم وأموالهم، وحسابهم على الله([140])))، ثم قتل عليه السلام بعد هذا القول اليهود والنصارى، وأخذ أموالهم وسباهم، وهم يقولون: لا إله إلا الله، موسى وهارون وداوود وسليمان وعيسى رسل الله، والتوراة والإنجيل والزبور كتب الله، وكذلك قتل وصيه من بعده من الناكثين والقاسطين، والمارقين خلقاً كثيراً، وأخذ أموالهم، ولم يسبهم، وهم يقولون: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، ويقولون بنبوة من تقدم من الأنبياء قبلهم صلوات الله عليهم أجمعين.  فالواجب عليك يا أخي ـ أوجب الله لك المغفرة ـ أن تعلم أنهما مصيبين في جميع أفعالهما، وتسلِّم لأمر الله بعد البيان، كما قال الله عز وجل لرسوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، فاحذر التقليد واتباع الهوى، فإنه ما هلك من كان قبلك إلاّ بهذين المعنيين، وقد ذكرهما الله في كتابه، الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حين يقول: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]، ثم قال سبحانه في أصحاب التقليد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة:104]، {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف:23].  [ذكر افتراق الأمة وبيان الفرقة الناجية] ثم اعلم يا أخي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   قال: ((افترقت أمة موسى إحدى وسبعين فرقة كلها هالكة إلاَّ فرقة واحدة، وافترقت أمة عيسى اثنتين وسبعين فرقة كلها هالكة إلاّ فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلاّ فرقة واحدة؛ وإنه سيكذب عليَّ كما كذب على الأنبياء من قبلي، فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته، وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله([141])))، فقوله هذا يدل على أنه من أخذ بكتاب الله وسنته، فقد أخذ بالتوراة والإنجيل والزبور، ومن صدقه فقد صدق جميع رسل الله، ومن أنكر نبوته، فقد أنكر نبوة من كان قبله من الأنبياء، كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [النساء:150]، ثم قال سبحانه فيمن أقرَّ بنبوة محمد من أهل الكتاب وغيرهم: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:152].  ثم دل عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام أيضاً على الفرقة الناجية بقوله: ((الحق ما أجمعت عليه الأمة، ولم يختلفوا فيه وإن أمتي لا تجتمع على ضلالة أبداً))، فالواجب على الإنسان([142])  إذا اشتكل عليه أمر دينه من كثرة ما في أمة محمد من التخليط، أن يأخذ بما تجمع عليه الأمة من رسولها، في جميع ما تعبَّد الله به خلقه، ولا يخالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقول الله سبحانه حين يقول فيه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:115] الآية، بين سبحانه بقوله هذا: أن المؤمنين أخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع ما أمرهم به من الحلال والحرام، وذكر سبحانه أن سبيلهم وسبيل رسوله واحدة، كما قال لرسوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] الآية، قوله سبحانه هذا يبطل قول من زعم أن ثبات الحق من أربعة وجوهٍ: بالعقل، والرسول، والكتاب، وإجماع الأمة من غير الرسول، والكتاب، ولذلك قال سبحانه لجميع خلقه: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ}[الحشر:7] الآية.  فالله عز وجل لم يجز لأحد من رسل الملائكة والإنس أن يزيدوا على دينه الذي تعبدهم به من تلقاء أنفسهم شيئاً، فكيف يجوز لغيرهم ومنزلتهم عنده دون منزلة رسله ؟! ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين، ثم قال سبحانه لرسوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:112] وقال:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ(44)}[الزخرف]. ولو زاد الرسول والوصي، ومن تبعهما إلى آخر الدنيا على وحي الله لسألهم ربهم عنه، كما قال سبحانه في رسوله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45)} [الحاقة]. ثم زعمت الحشوية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم   لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: بم تحكم ؟ قال: بكتاب ربك. قال: وبم ؟ فقال: وبسنتك. قال: فإن نزل بك أمر ليس له نبأ في الكتاب والسنة ؟ قال: أحكم فيه برأي، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: الحمدلله الذي وفق رسول رسول الله عندما قال: إنه يحكم بغير ما أنزل الله عليه، قال الله سبحانه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة:49]، ثم قال في آخرها: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائده:50]، وفي قولهم هذا إبطال رسل الملائكة والإنس، فمن لم يحكم بما جاءت به الرسل فحكمه حكم أهل الجاهلية، فحكم الحشوية أكثره على هذا الحكم اليوم، فزعموا أنَّ بين أبي حنيفة اختلاف وبين الشافعي في أربعمائة مسألة في حلال الله وحرامه، وكل منهما مصيب عندهم غير جائر في حكمه، ولا متعدٍ في ظلمه، خلافاً لقول الله عز وجل حين يقول: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]. [إجماع الأمة عن رسولها على أصول الدين وأصول الشرائع] أجمعت الأمة يا أخي ـ جمع الله لك خير الدنيا والآخرة – عن رسولها أن الله واحدٌ ليس كمثله شيء، لا تدركه الأبصار، وأنه عدل في جميع أفعاله، غني عن ظلم عباده، وعلى أن وعده ووعيده حق، من أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار، وعلى أن محمد بن عبدالله([143])رسول الله إلى جميع خلقه، وعلى أن علياً بن أبي طالب كان مستحقاً للخلافة، موضعاً لها يوم قبض الله نبيه، وعلى أن الإمامة جائزة في آل محمد، وعلى أن الصلوات الخمس في يوم وليلة بأوقاتها، وأداء الزكاة عند وجوبها على ما شرعها الرسول، وصوم شهر رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجبٌ على الإنسان، وأن يحب الإنسان للناس، ـ كما قال الرسول ـ ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإذا فهم ذلك، وثبت عنده، واستقام([144])  عليه واجتنب المعاصي كلها، كان من أهل السنة والجماعة، ومن الذين وصفهم الله سبحانه حين يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13ـ14]، وكان من أتباع الشيعة، الذين ذكرهم الله في كتابه حين يقول {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ(79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ(82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)} [الصافات]، اختص الله  عز وجل خليله إبراهيم الأوَّاه الحليم بهذا الاسم، وشهره في كتابه الذي أنزله على رسوله في كتبه التي أنزلها على رسله، إذ يقول سبحانه لكليمه موسى: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]، فالأنبياء والمؤمنون كلهم من شيعة نوح، وإبراهيم، وموسى، ثم المسلمون من شيعة محمد وعلي إلى آخر الدنيا عليهم([145]) السلام. [تفرق الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ] وأنا أعرفك يا أخي بمن ثبت على هذا الإجماع، ومن خرج منه من جميع الفرق شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، حتى تعرف أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم صحيح؛ لأن النبي عليه السلام قال: ((ليس  الخبر كالمعاينة([146]))).  نقضت المشبهة قولها في الوحدانية؛ إذ شبهوا الله بخلقه، وزعموا أنه ساكن في السماء، وأنه ينزل ليلة القدر إلى الأرض، وليلة النصف من شعبان، ويوم الموقف بعرفة، وأن الأبصار تدركه يوم القيامة، وأن النبي أبصره في دنياه عندما أسري به إلى السماء السابعة، وتأولوا في جميع ذلك بالآيات المتشابهات، وبالروايات المهلكات، خلافاً لكتاب الله، وكذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله سبحانه لرسوله:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]،فالقرآن محكم ومتشابه، وتنزيل، وتأويل، فمحكمه كمتشابهه، وتنزيله كتأويله؛ لأنه ليس في القرآن اختلاف، ولا تناقض، كما قال الله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41)لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:41ـ42]، وقال عز وجل: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، وقال: {بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ(21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ(22)} [البروج]. [بيان المحكم والمتشابه]  وكيف يبطل أو يتناقض ما حفظه الواحد الكريم من كل دنسٍ أو باطل ذميم؟ إلا أن الله جعل المحكم إماماً للمتشابه، فالواجب على الإنسان أن يأخذ بالمحكم، لأن له في المحكم كفاية وشفاء،  ويسأل بعد ذلك عن المتشابه، العالم الذي عنده تفسير المتشابه، كما قال الله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]، وأهل الذكر، هم محمد وآله، الذين أنزل الله عليهم الكتاب، وهداية إلى القول بالصواب، فرفضوا الرسول  ظلماً وطغياناً، وأبدوا لله في ذلك خلافاً وعصياناً، وقالوا في كل نازلة نزلت، من حلال أو حرام بأهوائهم اجتراء على ذي الجلال والإكرام، وتعمداً في ذلك لخلاف آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم([147])، وجنبوا في كثير من أقاويلهم عن الكتاب والسنة والعقول، فتبارك الله ذو الجلال والطول، ثم لم يقتصروا على ذلك، حتى كفروا من لم يكن كذلك، فكلهم يدعو الجهال إليه، ويزعم الصواب في يديه، وهو متجنب([148])  عن الحق، حائر عن طريق الصدق، بعيد عن الحق والهدى، ويتبع الغي والردى، قد صدوا عن الله عباده، وأظهروا جهاراً عناده، وأزاحوا الحق في([149]) مغرسه، الذي اختاره الله عز وجل له، فجعله سبحانه وركبه؛ لعلمه به فيه، وبنى دعائم الدين عليه، وذلك قوله:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68]، ويقول عز وجل: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، ويقول سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}[فاطر:32]، فالله عز وجل جعل أمر القرآن والسنة إلى نبيه محمد وآله الطاهرين، كما قال سبحانه: {إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ(77)فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78)لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79)} [الواقعة]، والمطهرون فهم آل محمد، كما قال سبحانه فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]، فليس يوجد الجوهر إلاّ في معدنه. [كلام لزيد بن علي عليه السلام ] قال زيد بن علي عليه السلام: (أما بعد يا قارئ القرآن، إنك لن تتلوا القرآن حق تلاوته حتى تعرف الذي حرفه، ولن تمسك بالكتاب حتى تعرف الذي نقضه، ولن تعرف الهدى حتى تعرف الضلالة، ولن تعرف التقى حتى تعرف الذي تصدى، فإذا عرفت البدعة في الدين والتكلف، وعرفت الفرية على الله والتحريف، رأيت كيف اهتدى من هدى. واعلم أن القرآن ليس يعلمه إلاّ من ذاقه، فأبصر به عماه وأسمع به صممه، وحيي به إذا مات، ونجا به من الشبهات. واعلم يا قارئ القرآن أن العهد بالرسول قد طال، ولم يبق من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه ولا من الإيمان إلاّ ذكره، وأن الله عز وجل لم يجعل ما قسم بيننا نهبا ولا ليغلب قوينا ضعيفنا، ولا كثيرنا قليلنا، بل قسم برحمته علينا الأقسام والعطيات، فمن أجرأ على الله ممن زعم أن له أقساماً بين العباد، سوى ما حكم به في الكتاب ؟ فلو كانت الأحكام، كما حكم بها أهل الجور والآثام، لما كان بيننا اختلاف، ولا استعدينا إلى الحكام، كما لا يستعدي بعضنا على بعض في اللحا والألوان، ولا في تمام الخلق والنقصان، وقديماً اتخذت الجبابرة دين الله دغلاً، وعبادة خولاً، وأمواله دولاً([150]))، وقد ذكرت آخر هذا الكلام في أول الكتاب فاعلم ذلك. واعلم يا أخي أن القرآن محكمٌ ومتشابه، وتنزيل وتأويل، وناسخ ومنسوخ، وأمثال وإضمار، وقصص وأخبار، وحلال وحرام، وأمر ونهي، وخاص وعام، وتقديم وتأخير، ثم هو بلسان عربي مبين، فليس يحيط بجميعه ولا يفهمه إلاّ أهله، ومن تعلم من أهله، قال الشاعر: اطلب وجوه الخير من أهله لا تطلب الرمَّان من حنظل   يأتك ما تطلب من سهله فإنما الشيء على أصله المحكم والمتشابه، والتنزيل والتأويل، قد فسرت لك، وأنا أفسر لك سائر وجوه القرآن، إن شاء الله تعالى. ــــــــــــــــ   [تفسير الناسخ والمنسوخ] مثل قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ}[البقرة:240] الآية، فنسخها قوله([151]):{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}[النساء:12] الآية، فللمرأة في مال زوجها الربع، والثمن فهذا خير لها من نفقة السنة، كما قال الله سبحانه: {مَا نَنْسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِها}[البقره:106] (على التقديم والتأخير المعنى فيهما: ما ننسخ من آية نأت بخير منها)([152])   وننسها فلا ننسخها؛ ونسخ الآية فهو تفهيم من الله، وزيادة من غير نقص ولا إبطال في نفسها. ثم قال سبحانه: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء:15] الآية، نسخها قول الله عز وجل:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2]، فهذا إلى الإمام، فإذا عدم الإمام فصاحبها مخير فيها، إن شاء حبسها في البيت وإن شاء استتابها، وزوجها رجلاً، وليس للإنسان في آية المواريث خيار. والأمثال قول الله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ} [النساء:73]، الآية وقوله: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41]، وما أشبه هاتين. والإضمار، كقول الله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ} [الرعد:31] الآية،فمعناه مضمر، (وهو لو كان لكان هذا القرآن)([153]). ونسخ الآية فهو تفهم وزيادة، غير نقص. والحلال، كقول الله سبحانه: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة:1]، وما أحله الله في الكتاب الناطق، وعلى لسان رسوله الصادق، وكذلك الحرام على هذه الوجوه. والأمر كقول الله عز وجل([154]):{أَطِيعُوا اللَّهَ}[النور:54] {اعْبُدُوا اللَّهَ}[المؤمنون:32]، {اتَّقُوا اللَّهَ}[الحشر:7]. والنهي قول الله: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ}[النساء:171] {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل:15] {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36].  والخاص كقوله تعالى([155])  في علي عليه السلام: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائده:55]، وفي قوله لأبي بكر: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:40].  والعام {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وما أشبهها. والإخبار ما ذكر الله سبحانه في كتابه من أخبار الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل في كتابه، الذي أنزل([156])  على رسوله لرسوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)} [الإخلاص]، فهو الذي لا كفو له ولا نظير ولا شبيه، ولا  عديل، وقال سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وقال: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[إبراهيم:52]، وقال سبحانه: {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النحل:15]، وقال سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]. [تعلق المشبهة بالآيات المتشابهات وتركها للمحكمات] أنكرت المشبهة هذه وما أشبهها من الآيات المحكمات وتعلقت بالآيات المتشابهات، لطلب الفتنة والبلاء، وإنما قال سبحانه: {مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7]، فمحكم القرآن أمه ونوره وبيانه، ومتشابه القرآن داخل في محكمه غير خارج منها، ولا مخالف له، كالولد الذي هو تابع للأم غير خارج منها، ولا مخالف لها في شيء من الأشياء، لأنه من جنسها وشكلها ومنها وإليها. وإنما قالت المشبهة – عزَّ  الله عن قولهم وجل -: إنه ساكن في السماء؛ لقوله: {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:16]، إنما تأويلها أنه سبحانه إله فيها، ومالك لها، وعالم بها وبما فيها، كما قال عز وجل: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:3]، فكينونته في السماء ككينونته في الأرض، وكينونته فيهما ككينونته([157])فيما بينهما، وفوقهما وتحتهما لا تحيط به أقطار السماوات والأرضين، ثم قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:84] أحكمهما عز وجل، وقدرهما وأحسن تقديرهما، كما قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3)ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4)} [الملك:3ـ4].  واحتجت الحشوية بقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10]، فقالوا: إنه ساكن في السماء، تعالى الله عمَّا يقول المشبهون علواً كبيراً. وإنما تفسير قوله: {يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر:10] يريد بقوله: إليه: إلى الملك الأعلى الذي وكله الله سبحانه على جميع خلقه، وجعل أمره ونهيه إليه، وأمر رسل الملائكة بطاعته؛ ثم صرف عليه السلام كل قوم منهم في فنّ من عبادة خالقهم، كما أمره ربه، وكما حكى عنهم رب العالمين، إذ يقولون عليهم السلام: وما منا إلاّ له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون قوم منهم موكلون بنقل أخبار الأرض إلى السماء، وبنقل أخبار السماء إلى الأرض، فرأسهم جبريل الذي كان يأتي بوحي الله إلى آدم، وإلى محمد وإلى غيرهما، من الرسل على جميعهم السلام، كما قال سبحانه فيه وفي أصحابه من الملائكة: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}[المعارج:4]. كانوا يطلعون من عند رسل الإنس إلى الملك الأعلى بأخبار الأرض في يوم كان مقدار([158]) غيرهم في المسير ـ إن ساروا ـ مسيرة خمسين ألف سنة. وقوم منهم موكلون بحفظ أعمال الإنس والجن من تحت يد الملك الأعلى، حتى يعرفون([159]) بأعمالهم، كما قال سبحانه: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17)مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18)} [ق: 17ـ18]، ثم قال سبحانه فيهم: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11]، يقول: بأمر الله، قامت من مقام البا، وقال سبحانه فيهم: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10)كِرَامًا كَاتِبِينَ(11)يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)} [الإنفطار:10ـ12]، ثم قال سبحانه:{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[السجدة:5]. فهؤلاء الذين تقلدوا أمر الله وتقديره في خلقه  ([160])  وكذلك ينفذون أمره في عباده يوم القيامة، كما قال سبحانه فيهم: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(17)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة:17ـ18]، يعني: يحمل أنهم ينفذون أمره في أهل جنته وناره، كما قال سبحانه فيهم: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 21]، يسوقهم إلى النار، يقولون كما قال الله سبحانه {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8)قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك: 8ـ9] الآية، وشهيد يشهد لهم بالجنة ويقولون لهم: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}[الزمر:73] الآية، ثم قال في آخر السورة: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ}[الزمر:75]، يقول: محدقين من حول الجنة والنار؛ لأن العرش هو ملك الله سبحانه، وملكه يوم القيامة الجنة والنار وما فيهما، لأن ليس لله ثَمّ خلق غيرهما، كما قال: عرشه على الماء  إذا([161]) لم يكن خلق غيره. [تفصيل خلق الكون] لأنه سبحانه خلق الهوى، ثم خلق الماء فأسكنه في الهوى، ثم خلق الرياح فأنشأها في الماء، فاضطرب الماء وأزبد وماج، ثم خلق النار فأنشأها في ذلك الموج، فاحترق فصار دخاناً، فخلق الله من ذلك الدخان سبع سماوات طباقاً، وسطح من حراقته أرضاً، وذلك قول الله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30]، قوله سبحانه: كانتا رتقاً يعني: الموج فاحترق فصار([162])  دخاناً وحراقة خلق الله ([163])  هذه الأشياء الأربعة الهواء والماء والرياح والنار من غير شيء كان قبلها، ثم خلق الملائكة من الريح والهواء، فأسكنهم في السماء، وخلق الجن من مارج من نار فأسكنهم الهواء؛ وخلق آدم من الطين فأسكنه وذريته ([164])  الأرض.  ثم كان عرشه بعد الماء السماوات والأرض وما بينهما من الخلق أجمعين ثم قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(5)لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى(6)} [طه:5ـ6]، يقول سبحانه: بعد أمره وتدبيره ونهيه، فيما خلق وبرأ، لم يمتنع منه سبحانه شيء، ولم يغلبه غالب ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. الدنيا كلها في الهواء السماوات والأرض وما بينهما وما فوقهما وما تحتهما؛ لأن الأرض على الماء، والماء على الهواء، والشمس تسير بالنهار في الهواء ما بين السماء والأرض، وتسير بالليل تحت الماء في الهواء، وقوله سبحانه: {خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12]، يقول: مثلهن في العدد ليس في الصفة، لأن السماوات السبع طبق فوق طبق، وفي كل طبق سكان من الملائكة عليهم السلام.  والأرضون إنما هي سبع في العدد كالبحور، أرض ثم بحر سبعة أبحر، وسبع أرضين، كلها فوق الأرض ليس تحتها منهن شيء.   تفسير قول الله عز وجل {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] الحمل: هو تنفيذ أمر الله، والعرش ملك الله، وفوقهم يقول منهم، قامت فوق مقام من، المعنى فيه: ويحمل عرش ربك منهم يومئذٍ ثمانية، فالثمانية يمكن أن تكون ثمانية أصناف، أو ثمانية آلاف، أو ثمانية أملاك كل ذلك على الله يسير، قال الشاعر ([165]): حملت أمراً جليلاً فاصطنعت([166])  به   وقمت فيه بحق الله يا رجل وقال آخر ([167]): تداركتما عبساً وقد ثل عرشها   وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل فقال: وقد ثل عرشها، وإنما أراد ذهب ملكها، وانهدم عزها، وهذا موجود في لغة العرب، فهؤلاء  الملائكة الذين ينفذون أمر الله يوم القيامة في عباده، كما نفذوا أمره في هذه الدنيا؛ لأن الله عز وجل لا يشافهه أحدٌ، ولا يدرك ببصر أبداً؛ وقوم من الملائكة موكلون بقبض أرواح الآدميين، كما قال سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام: 61]، فرأسهم ملك الموت، كما قال سبحانه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة:11]، فهؤلاء كلهم يتصرفون من تحت يد الملك الأعلى بأمر الله، من عنده يهبطون وإليه يصعدون بأعمال الآدميين، كما قال سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10]. بين سبحانه أنه لا يقبل من أعمالهم إلاّ الطيب الصالح، وما كان سوى ذلك فهو يبور ويبطل.  قوله إليه يصعد الكلم الطيب وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [الأعراف: 206]، وقوله: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: 169]، كقوله سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادله: 7]، وقال سبحانه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4]، وقوله سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]، يعني سبحانه في هذه وما أشبهها من الآيات أن علمه سبحانه محيط بعباده وأعمالهم، وأنه لا يغبى عليه شيء من أمورهم.  [صفات الله هي ذاته] فعلمه سبحانه، ذاته وذاته علمه، والذات هو الله عز وجل، هو العالم بنفسه لا بعلم سواه، وكذلك قدرته ذاته وذاته قدرته، هو القادر بنفسه لا بقدرة سواه، علمه وقدرته ونفسه ووجهه ذاته، كما قال سبحانه:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقره:115]، أي الموجود في كل جهة الله، ثم قال سبحانه: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام:54]، الكاتب والمكتوب عليه شيء واحد، وهو الله الذي ليس كمثله شيء، وهو لا يشبهه شيء، لا كالأشياء بل هو منشىء([168])  ما يشاء من الأشياء، فسمى سبحانه نفسه شيئاً، لإثبات الوجود([169])، ونفي العدم المفقود، كما قال سبحانه لرسوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام:19]، فالله عز وجل بكل مكان، ولا يحويه مكان فإن قال المشبه: أيصعد الكلم من الله إلى الله؟ قيل له: يصعد الكلم الطيب من المكان الذي لا يخلو منه الله إلى السماء التي فيها الله عز وجل، والله على العرش استوى له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، فمن أنكر وزعم([170]) أن ربه في مكان دون مكان، سئل في أي مكان هو، فإن قال: على العرش.  قيل له: أو ليس العرش غير السماوات والأرض. فقوله: نعم فيقال: كيف قلت: هو في السماء وقد زعمت أنه على العرش، و العرش عندك ليس السماوات والأرض؟ وفي هذا رد لقول الله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3]، وإن قالوا: إن العرش ليس في السماوات، ولكن([171]) فوقها، عطلوا السماوات من العرش وفي تعطيلهم السماوات من العرش تعطيل ما قالوا هو العرش دون ما سواها([172])([173]). [بطلان جسم لا كالأجسام] فإن قال قائل: يقول إن الله جسم لا كالأجسام، قلنا له: هذا محال في الله عز وجل لايرى الجسم أبداً شيئاً مجسماً([174])، ولسنا نرى الأشياء كلها كائناً جسماً، فالشيء يعم الأشياء كلها، والجسم فإنما يقع على بعضها، فلذلك قلنا: إن كل جسم شيء، وأن ليس بجسم كل شيء، فلما أن خرج بعض الأشياء من أن ينتضمه([175])  اسم الجسم ولم يخرج الجسم من أن ينظمه اسم الشيء في الحكم.  قلنا: إن الله سبحانه شيء، ليس كالأشياء، وكذلك فعل المخلوقين شيء،  وليس جسماً، كما قال سبحانه: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر:52]، ففعل الخالق يعلم ويرى([176])،  وفعل المخلوق يعلم ولا يرى، لأنه عرض والعرض لا يقوم إلاّ بالجسم، والأجسام يكون منها الحركات بالقعود والقيام، وهي مجتمعة متلاحقة، وهي تسكن وتهدأ وهي قائمة بأعيانها، غير متصرفه([177])  والحركات غير متلاحقات ولامؤتلفة، بل هي متصرفة متباينة مختلفة، وبعضها لا يلحق بعضاً، ولا يعلم لها بعد خروجها طول ولا عرض، فهذا الفرق بين الأجسام والأفعال، ولو كان الله سبحانه كما يقول المبطلون: إنه صورة أو جسم من الأجسام، لكان مشابهاً لما خلق من الصور والأجسام، ولكان محتاجاً إلى المكان، ولو احتاج إلى المكان لما كان كما قال وذكر عن نفسه حين يقول سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ}[المجادلة:7] الآية، وقال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]. [شبهة للمشبهة وجوابها] واحتجت المشبهة في الرؤية بقول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}[الإنشقاق:6]، وبقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف:110]، وبقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22ـ23]، وبقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وبحديث رووه وأسندوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فزعموا أنه قال: ((إنكم ترون ربكم لا تضامون في رؤيته كالبدر إذا استدار)) خلافاً لقول الله سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وكذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: ((كل ما أسند إليَّ من الحديث بعدي وكان مخالفاً لكتاب ربي، فليس هو مني فلا تقبلوه ولا تأخذوا به)). فالله تبارك وتعالى ليس بشخص، فتجاهره الأبصار، ولا هو صوت فتوعيه الأسماع، ولا رائحة فتشمه المشام ولا حار ولا بارد، فتذوقه اللهوات، ولا لين ولا خشن فتلمسه الأيدي؛ لأنه سبحانه خلق الأبصار وما جاهرت والأسماع وما وعت، والمشام وما شمت، واللهوات وما ذاقت، والأيدي وما لمست، فهذه الخمس الحواس المدركات كلها مجعولات مصورات مقدرات ليس فيها شيء يشبه الله ولا الله يشبه شيئاً منها؛ لأن من وقع عليه البصر، فهو محدود تحيط به الجهات الست فوق، وتحت، ويمين وشمال وأمام وخلف، وأن الله لا يوصف بشيء من ذلك؛ لأنه غني قديم، وإن لم يكن الأمر كذلك([178])، لم يكن لقول الله سبحانه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:103][فائدة]. فهذه مدحة مدح الله بها نفسه لا يزيلها في([179])  نفسه في دنياه، ولا في آخرته، فعمل من قال بالرؤية باطل؛ لقول الله سبحانه حين يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا(21)يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا(22)وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)} [الفرقان:21 ـ23]، فسواء قال الإنسان: إن الأبصار تدرك خالقها في الدنيا أو في الآخرة فقد شبهه بخلقه. [تفسير قول الله عز وجل وجوه يومئذ ناظرة] وأمَّا تفسير قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:22]: يقول سبحانه: وجوه المؤمنين يوم القيامة مشرقة ناعمة، بهجة ناظرة إلى ثواب ربها منتظرة، خلاف وجوه المشركين الذين ذكرهم الله عز وجل حين يقول سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}[الزمر:60] الآية. وأمَّا قولهم في قول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ}[الكهف:110] إنه الرؤية فإذا كان اللقاء عندهم الرؤية، فما فضل ثواب النبي عندهم على نفاق المنافق؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة:77]، إنما تفسير اللقاء: أنهم يرون أعمالهم التي قدموها بين أيديهم يوم القيامة، كما قال سبحانه: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]، وقال سبحانه: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15]، ثم قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، يقال: إنَّ الكفار يوم القيامة عن ثواب ربهم لمبعدون، كما قال: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} [القيامة:24]، أي مبعدة. وأمَّا قول الله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]، قالت المشبهة: إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله، كذبوا في ذلك بل الزيادة في ثواب ربهم، كما قال الله سبحانه: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35]، وقال سبحانه: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:77]، ففي الحالة التي لا ينظر الله إليهم([180])    فهو يراهم إلاّ أنه لا ينظر إليهم كنظره إلى المؤمنين رحمةً، ونظره إلى الكفار نظر سخطة، كما قال لكليمه وأخيه: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]، يقول أحفظ وأرعى([181])،خلاف كونه سبحانه مع عدوهما فرعون اللعين؛ لأنه ينصرهما، ويخذل([182]) عدوهما؛ إذ كان عدوهما عدوه، كما قال سبحانه لأمهما: {عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه:39]. [كلام للقاسم عليه السلام في التوحيد] قال القاسم بن إبراهيم عليه السلام، في بعض كلامه في التوحيد: ولو أمد الله عز وجل الأبصار بالمعونة حتى تدرك أقل قليل، نقطة من القطر في مدلهم ليل عاتم، تحت الأرض السفلى، من أبعد غايات السموات العلى، ما أدركت الأبصار الله، وكذلك لو أمدت الحواس كلها بالمعونات، حتى تدرك كل عموس([183])  ما هجم منها شيء على الله سبحانه تبارك وتعالى علواً كبيراً. وقال القاسم عليه السلام: فكل من وصف الله بهيئة خلقه، أو شبهه بشيء من صفاتهم([184])  أو توهمه صورة، ما كان من الأصوار، أوجسماً ما كان من الأجسام، أو شبحاً، أوأنه في مكان دون مكان، أو أن الأقطار تحويه، أو أن الحجب تستره، أو أن الأبصار تدركه، أو أنه لم يخلق كلامه، وكتبه وأحكامه، أو أنه كشيء مما خلق،([185])  وذرأ وبرأ، وممَّا يخلق أبد الأبد فقد نفاه وكفر به، وأشرك به، وعبد غيره، فافهمه وفقنا الله وكل مؤمن لإصابة الحق، وبلوغ الصدق، إنه قريب مجيب. وكذلك قال القاسم عليه السلام: وكذلك قال الموحدون: إن الله واحد، يعنون أنه أول الأشياء، وبه كان كل شيء، وهو منشئها، ومدبرها بنفسه لا بغيره، وهو الواحد لا من عدد، ولا فيه عدد يجزأ، وليس شيء يقال: إنه واحد في الحقيقة غير الله، وكل واحد غير الله فهو ذو عدد([186])  مجزء، ومن عدد، وهو الواحد الذي لا أول له، ولا ثاني معه، وهو في كل شيء مدبر لا محوي، ومع كل شيء رقيب لا محاط به. والـ في ([187])، لها معانٍ، تختلف في اللغة ليس شيء في شيء، إلاّ وهو لا يخلو من أحد هذه المعاني، التي نحن ذاكروها إن شاء الله.  إمَّا أن يكون فيه بمعنى قول القائل: الناس في عامهم هذا مخصبون. أو يكون الشيء في الشيء محوياً، كاللبن في وعائه. ويكون الشيء في الشيء كالمرابط في رباطه، والباني في بنائه.  ويكون الشيء في الشيء كالحي في حياته.  ويكون الشيء في الشيء، كالبياض([188])  في بياضه. ويكون الشيء في الشيء، كالعبد في سلطان مولاه. وفي القرآن مثل ذلك قول الله سبحانه: {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف:38] أي مع أمم. ومعنى آخر: ولأصلبنكم في جذوع النخل، يعني: على.  ومعنى آخر: إلى، قال فتهاجروا فيها يعني: إليها.  ومعنى آخر: ومن كان في هذه أعمى يقول: عن هذه النعمة.  ومعنى آخر: وإنا لنراك فينا ضعيفاً أي: عندنا. والمعنى في ذلك كله على المشاهدة والتدبير لاعلى أنه في شيء يحويه، ولا على أنه مع شيء ملازق([189])   فافهمه. وإن قال قائل: ما الفرق بين شيء وشيء وخلق وخلق ؟. قيل له: إن ([190]) الخلق اسم له خلاف([191])؛ وخلافه خالق، ولو قال القائل: الخالق مخلوق كذب، ولو قال قائل: الخالق شيء لم يكذب، فقول الموحدين([192]):شيء إثبات شيء، لأن لا شيء عدم، ليس له خلاف ولا ند ولاضد ولا مثل. واعلم أن الضد هو غير الخلاف، وبيان ذلك أن كل ضد خلاف، وليس كل خلاف ضد، والضد هو المضاد، والمضاد هو الغير الذي [هو] مضاد([193])، وذلك أنك تقول هذا خلاف الله، ولا تقول هذا ضد الله. وقول المشبهة الحشوية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما زعموا أنهم يرون ربهم كالبدر ليلة التمام، والبدر فهو([194])  قرص محدود، أحاطت به الجهات الست: فوق وتحت، ويمين ويسار، وأمام وخلف، فقد وصفوه بالحدود، فإن زعموا أنهم ليس يرون كله، فقد بعضوه وجزؤوه. قولهم: إن الذي روى حديث الرؤية إنهم أربعة عشر رجلاً من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فليس ([195])   لنا أن نكذبهم، لأنا إذا([196])  أكذبناهم([197])  بطل كل ما في أيدينا، لأنا لم نأخذ دين الله الذي جاء به رسول الله إلاّ منهم. قلنا لهم: خيار أصحاب الرسول علي ومن تبعه من المهاجرين والأنصار، فعلي يكذب بهذا([198])الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،  وهو باب الرسول، فكيف يتهيأ لنا أن نتقول على الرسول، مع قول الله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103]، ومع إنكار الباب، والنبي يقول: ((من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من جهنم([199])))؟. وباب آخر أن هؤلاء الحشوية كذبوا على رب العالمين، وملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وأئمته الهادين، وأوليائه الصالحين، فكيف تقبل شهادتهم على أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟!. [بطلان قول الحشوية إن الله يقضي بالفواحش] وكذلك نقضت القدرية، المجبرة الضالة الغوية، قولها في عدل الله تبارك وتعالى، إذ قالوا: إن الله عز وجل عن قولهم يقضي بالفواحش، ويقدرها على فاعلها، خلافاً لقول الله، إذ يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النحل:90]، فمن زعم أن الله يقضي بالفواحش ويريدها ويشاها، فقد شبه([200])  بقوله هذا المشركين، الذين قال الله عز وجل فيهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا ءَابَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام:148]. وفيهم وفي إخوانهم المرجئة ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:((صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي، قد لعنوا على لسان سبعين نبياً: القدرية والمرجئة)).  قيل: وما القدرية ([201])   ؟. قال: ((أمَّا القدرية فهم الذين يعملون المعاصي، ويقولون إنها من الله قضى بها وقدرها علينا، وأمَّا المرجئة فهم الذين يقولون الإيمان قولٌ بلا عمل، ثم قال القدرية مجوس هذه الأمة، والمرجئة يهود القبلة))([202]). وإنما شبه صلى الله عليه وآله وسلم القدرية بالمجوس؛ لأن المجوسي يأتي أمه وابنته وأخته وعمته وخالته، فإذا نهاه إنسان عن هذا القبيح السمج، قال الملعون: الله الذي قضى بهذا الفعل وقدره عليَّ، وكذلك القدري يقول: إن الله الذي قضى وقدر على اليهودي باليهودية وعلى النصراني بالنصرانية وعلى المجوسي بالمجوسية سواءً سواء.  وشبه عليه السلام المرجئة باليهود؛ لأن اليهود قالوا لرسول الله: لن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودة، فالأيام المعدودة عندهم سبعة أيام، وذلك أن الدنيا بزعمهم سبعة ألف([203]) سنة، وأن الله يعذب مذنبيهم سبعة أيام مكان ألف سنة يوماً واحداً، ثم يخرجهم من النار إلى الجنة؛ لشفاعة نبيهم، فقال الله عز وجل لرسوله: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:80]. [بحث في خلود العاصين في النار وفي الشفاعة] ثم فسر سبحانه أنه يخلد أهل الطاعة في الجنة، وأهل المعصية في النار، فقال: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(81)وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(82)} [البقرة:81ـ82]. فلم تعتبر المرجئة بقول ربها عندما رد على اليهود بهذا المرد حتى جمعهم فقال سبحانه للفريقين: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}[النساء:123]، وذلك أن المرجئة يقولون: إن الله يعذب مذنبي أمة محمد يوم القيامة في النار على قدر ذنوبهم، ثم يخرجهم من النار إلى الجنة؛ لشفاعة النبي، ورووا في ذلك أحاديث أسندوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: إنه قال: ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، وزعموا أنه قال: يأتي وقت على جهنم لا يبقى فيها ممن يشهد ألاّ إله إلاّ الله أحدٌ، خلافاً لقول الله سبحانه وكذباً على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[طه:109]، وقال {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87]. هذا مع إجماع الأمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال لبني هاشم: ((كأني بالناس يأتونني يوم القيامة بأعمالهم، وتأتونني أنتم بأحسابكم))، ثم قال لابنته فاطمة عليها السلام([204]) (( اعملي لنفسك فإني لا أغني عنك من الله شيئاً)). وإنما شفاعة النبي تجب للمحسنين من أمته؛ لأن المحسن يستوجب دخول الجنة بعمله الصالح، كما قال سبحانه: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، ثم يزيدهم الله عز وجل درجة؛ لشفاعة الملائكة المقربين، وأنبيائه المرسلين، وأوليائه الصالحين، كما قال سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، فهذه الزيادة بعد الجزاء، لشفاعة من يشفع.  فالله عز وجل لا يبطل وعده ووعيده، ولا يصير المسيء مع المحسن، ولا المجرم مع المسلم، ولا المفسد مع المصلح، ولا الفاسق مع المؤمن في الجنة، وهو سبحانه يقول لرسوله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)} [القلم:35]، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ(28)كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ(29)} [ص:28ـ29]، وقال سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ(18)أَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19)وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ(20)}[السجدة:18ـ20]، وقال عز وجل: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(28)مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ(29)} [ق:28ـ29].  صدق الله عز وجل، ما هو بظلام للعبيد، فيبطل وعده ووعيده، ويجمع وليه وعدوه في جنته، ويبطل جهاد وليه لعدوه في طاعته، فليس هذا من العدل بل هذا ظلم خارج من النصفة، ثم قال سبحانه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37]، ففي كل ذلك يخبر عز وجل أنه من دخل النار، فهو مقيم فيها، ليس بخارج منها من بعد مصيره إليها. وقال سبحانه في الفريقين: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ(13)وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ(14)يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ(15)وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ(16)} [الإنفطار:13ـ16]. [نقض الحشوية والإمامية قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] وكذلك نقضت الحشوية والإمامية قولها في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن شهدوا له بالرسالة، أنه رسول الله إلى جميع خلقه([205])  من الجن والإنس، وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده، لا رسول سواه إلى آخر الدنيا، حتى زعمت الحشوية أنه خرج من الدنيا ولم يوص بأمته إلى أحد يقوم فيهم مقامه بعده إلاّ أنه تركهم مهملين.  وزعمت الإمامية أن إمامها يوحى إليه، وأنه يأتي بكتاب وشريعة بعد كتاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم:((افترقت أمة موسى إحدى وسبعين فرقة كلها هالكة إلاّ فرقة واحدة، وافترقت أمة عيسى اثنتين وسبعين فرقة كلها هالكة إلاّ فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلاّ فرقة واحدة، وإنه سيكذب عليَّ كما كذب على الأنبياء من قبلي، فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته، وما خالف كتاب الله فليس مني ولم أقله([206]))).  فقوله صلى الله عليه وآله وسلم  هذا يدل على أن اثنتين وسبعين فرقة عبدوا غير معبوده؛ لأنهم لو عبدوا معبوده لم يهلكوا، ونجوا كما نجت الفرقة الناجية، وكذلك من أمة موسى وعيسى عليهما السلام؛ لأن الفرقة الناجية من أمتهما وأمة محمد واحدة؛ ودليل ذلك أن أكثر ما في أيدي العامة والإمامية، مما يضاهي قول اليهود والنصارى في الجبر والتشبيه، وإنكار الوعد والوعيد، وتكذيب الرسل، ولولا أن الجميع كذبوا الرسل، وعبدوا غير معبودهم، لم يفرق معبود الرسل بينهم وبين الرسل يوم القيامة، ولم تبطل عبادتهم، كما قال سبحانه: {فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23]. لم يحصل مع الرسل من أممهم إلاّ الشرذمة القليلة، كما قال فرعون: إن هؤلاء لشرذمة قليلون، وقال الرب عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13].  فجميع هذه الفرق يزعمون أنهم على دين الرسل، وأنهم غير مخالفين لهم جملة، ثم إنهم في خلال ذلك لا يدرون من أي القبضتين: من اليمنى، أو من اليسرى، والحمدلله الذي هدانا لدينه، ومنَّ علينا بنبينا([207])  محمد وآله الصادقين، حتى أخرجنا من الظلمات إلى النور بهم عليهم السلام.  قولهم: بالقبضتين يوجب عليهم التشبيه والتجوير؛ لأنهم وصفوه بصفة المخلوق، إذ زعموا أنه قبض بيده اليمنى، ثم اليسرى([208])، فالله عز وجل عن قولهم ذكر قبضته على غير هذه الصفة، فقال عز وجل:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:76]، يريد سبحانه بقوله هذا: بقدرته([209])  وملكه ونفاذ أمره فيهما؛ إذ هو مبديهما ثم معيدهما، على ماكانتا، لا يغلبه من أمورها([210])  شيء، كما لا([211])  يغلبه عند ابتداء خلقهما، كما قال سبحانه لهما: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[فصلت:11]، يقول: كونهما فكانتا، وكذلك يبيدهما ثم يعيدهما، بغير مؤامرة، ولا مخاطبة ولا تقديم إرادة، كما قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، وفي التجوير يزعمون أنه حال بينهم وبين الدخول في الإيمان، وأدخلهم في الكفر، ثم يعذبهم على كفرهم. [تحريم مناكحة أهل الكتاب وأكل ذبائحهم]  وكذلك قالت الحشوية: بتزويج اليهوديات، والنصرانيات وأكل ذبائحهم، واحتجوا بقول الله ([212]): {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}، إلى قوله:{وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]، تفسير الآية معلوم، وما أنزل على رسوله مفهوم، عند أهل العلم، قال الله سبحانه: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة:5]، يعني: الذين آمنوا به وبرسوله، وما أنزل على رسوله، كما قال الله سبحانه: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: 199] إلى آخرها، أجاز سبحانه ذبيحة هؤلاء، والتزويج إليهم، لأنهم مسلمون ومصدقون لخالقهم في أمره ونهيه، سماهم أهل الكتاب، إذ آمنوا بكتابه الذي أنزله على موسى عليه السلام، كما قال سبحانه فيهم حين يقول: {الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}[البقرة:121].  ميز سبحانه بين الذين آمنوا بكتابه، وبين الذين كفروا بكتابه، قال سبحانه فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ}، إلى قوله{فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:5]، ثم قال عز وجل: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:159]، فهؤلاء الذين أجاز لرسوله وأوليائه ذبائحهم، ومناكحتهم، ليس الذين شبههم بالحمار؛ لأنه قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام:121]، وقال: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة:121] الآية، ثم قال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:118]، واليهودي يذكر على ذبيحته اسم الذي أولد عزيراً، والنصارى الذي أولد المسيح، كما حكى الله عنهم، لم يذكروا اسم خالقهم، والله يقول: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}، إلى قوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:30ـ33]. وأما المحصنات، اللواتي من أهل الكتاب، أجاز تزويجهن للمؤمنين، فهنَّ اللواتي آمنَّ بالله وبرسوله، فإذا أحصنت بدنها من الكفر بالإيمان، جاز تزويجها للمؤمن، كما قال سبحانه: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ}[النور:26]، كما أحصنت مريم عليها السلام بدنها بالإيمان، وتصديق الله في رسله وكتبه، كما قال الله سبحانه فيها: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12].  وأجمعت الأمة كلها، أن مسلماً لو قذف يهودية أن ليس عليه حد؛ لأن الحد الذي يلزم القاذف هو العذاب، كما قال سبحانه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}[النساء:25]، أزاح سبحانه عن قاذفها الحد، لقوله: المحصنات الغافلات المؤمنات، فهي غير مؤمنة؛ لقول الله سبحانه فيهم:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[التوبة:29]، ثم قال في آخرها: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}.  وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع الأمة: ((لا يتوارث أهل ملتين([213])))، فقوله هذا يبطل تزويجهن؛ لأن الله قال فيمن أجاز التزويج: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}[النساء:12] الآية، فأبطل صلى الله عليه وآله وسلم الموارثة بينهم، فإذا أبطل الموارثة، فقد أبطل التزويج، لأن التزويج والميراث شيء واحدٌ في حكم الله، فإذا بطل الميراث، بطل التزويج عند من أنصف عقله وتبع قول ربه، وسنة نبيه، مع قول الله: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة:28]، فاليهودية نجسة رجسة كافرة، وقال سبحانه: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10].  وأما في الذبيحة فقد أجمعت الأمة([214]) أن إنساناً إذا ذبح إلى غير القبلة أنها حرام، فاليهودي لا يذبح إلى القبلة، لقول الله سبحانه: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}[البقرة:145] إلى آخر الآية.  فمن زعم أن ذبيحة أهل الكتاب أكلها الرسول والمؤمنون، فقد زعم أن رسول الله تبع أهواء اليهود، والله عز وجل يقول: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:145]، فقول من قال بهذا القول فاسد غير ثابت، وأنا يا أخي أبين لك فساد قول الفريقين من كتاب ربك، ومن سنة نبيك شيئاً شيئاً، وحرفاً حرفاً، حتى تعرف كذبهم وزور قولهم، وعظيم بهتانهم على الله وعلى رسوله؛ لأن الحق أبلج، والباطل لجلج، كما قال الله سبحانه: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. يسأل هؤلاء الذين زعموا أن الإمام لا يكون([215])  إلاّ بالاختيار والاجتهاد في الرأي، وأن ذلك إليهم دون رسول الله إذا([216])  زعموا في مقالتهم أنهم يبينون في([217])  ذلك مالم يبينه رسول الله، وأن لهم من المعرفة في صلاح الدين وإقامة الأحكام وإثبات الإمامة ما لم يجعل الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم. يسأل الذين قوموا([218])  أبا بكر فيقال لهم: أخبرونا عن جميع ما جاء به محمد من عند الله سبحانه وأمرنا به من طاعته ما هو ؟ وهل يخلوا من ثلاثة أوجه:  إمَّا فريضة أوجبها عليهم عن الله عز وجل. وأما سنة سنها لهم. وإما تطوعاً أمرهم به على الترغيب فيه إن شاءوا فعلوه، وإن شاءوا تركوه ؟.  فمن قولهم: إنه لا يخلو من أحد الثلاثة الوجوه؛ ولا سبيل لهم إلى أكثر من ذلك.  يقال: فأخبرونا عن الفرائض التي أمرهم النبي بها عن الله معلومة معروفة، أو مجهولة غير معروفة ؟. فمن قولهم: معروفة غير مجهولة. فيقال لهم: مثل أي شيء ؟. فمن قولهم: مثل: صلاة الظهر أربع ركعات، والمغرب ثلاث ركعات، ومثل: الزكاة من مائتي درهم خمسة، ومثل: فريضة المواريث للبنت الواحدة النصف، ومثل هذا كثير في الفرائض. فيقال لهم: هل يجوز لأحد أن يحول هذه الفرائض، فيجعل الظهر ثلاث ركعات والمغرب أربع ركعات ويفرض للبنت الواحدة الثلث، ومن مائتي درهم ثلاثة دراهم ؟. فمن قولهم: هذا لا يجوز. فيقال لهم:  فأخبرونا عن السنن ما هي عندكم ؟. فمن قولهم: مثل: مواقيت صلاة الظهر إذا زالت الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، ومثل: الفطر([219])  يوم الفطر، والوتر بالليل.  فيقال لهم: هل يجوز لأحد أن يحول هذه السنن عن جهاتها فيجعل الوتر بالنهار ووقت الظهر لوقت المغرب، وصلاة النهار بالليل، وزكاة الفطر في الأضحى ؟.  فمن قولنا وقولهم: لا يجوز. فإذا أقروا أنه لا يجوز تغيير شيء من سنن الله، كما لا يجوز تغيير شيء من الفرائض التي ذكرنا، قلنا([220])  لهم: وكلنا نقول: إن هذا لا يجوز. قيل لهم: فما تقولون في التطوع؟. قالوا: الناس كلهم في التطوع مخيرون، إن شاءوا فعلوا، وإن شاءوا تركوا، وكذلك قال الله تبارك وتعالى:{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة:184]، وقال: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 158]. [بحث نفيس في الإمامية]  يقال لهم عند ذلك: ما تقولون في الإمامة أمن دين الله هي، أم من غير دينه؟. فإن قالوا: من غير دين الله، لزمهم في اجتماع من اجتمع في إمامة أبي بكر أنهم لم يكونوا على دين الله. وإن قالوا هي من دين الله، قيل: ومن أي دين الله هي ؟ أمن الفرائض هي، أم من السنة أم من التطوع ؟، فقد زعمتم أن الدين لا يخلوا من أحد هذه الثلاثة الوجوه. فإن قالوا: من الفرائض. قيل لهم: كيف فرض رسول الله الإمامة وأهمل الأمة، وقد زعمتم أن الإمامة معلومة مفهومة مفروضة ؟. وإن قالوا: إنه يجوز أن يخالفوا رسول الله في فريضة واحدة جاز أن يخالف في الفرائض كلها؛ لأن الإمامة أفرض الفرائض؛ لأن جميع الفرائض لا تقام إلاّ بها، ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجه من الوجوه. ودليل ذلك أن الإمامة موضع حاجة الخلق، وإذا بطلت الحاجة فسد التدبير، ودخل الوهن في التوحيد والرسالة؛ لأنه لا غنى بالناس عنها؛ لقول الله سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}([221])[النساء:59]، فأمر سبحانه بثلاث طاعات([222])        على الخلق ترجع إلى طاعة واحدة، وهي طاعة الله عز وجل، وأنه لا غنى بالناس بعد النبي من الإمام، وإلاّ سفكوا الدماء، وانتهكوا المحارم، وغلب القوي الضعيف، وبطلت الأحكام والحدود، وحقوق اليتامى والمساكين، ورجع الدين جاهلية. والإمامة لا تكون ولا توجد إلاّ في موضع معروف في أرفع المواضع، وهي معدن الرسالة؛ إذ هي مقرونة بالرسالة؛ لأن الإمامة إذا خرجت من معدن الرسالة انقطعت الحجة، وادعت كل فرقة من الأمة، ووقع الاختلاف، وفي الاختلاف إبطال الدين، فلذلك أجمعت الأمة كلها على إمامة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم([223])؛ لأن أهل الصلاة عندنا خمس فرق: الشيعة، والمعتزلة، والخوارج، والعامة، والمرجئة.  فقالت المعتزلة والخوارج: الإمامة جائزة في الناس([224])   ما صلحوا بأنفسهم، وكانوا عالمين بكتاب الله وسنة رسوله([225]). وقالت العامة والمرجئة: إن الإمامة جائزة في قريش.  وقالت الشيعة: هي جائزة في آل محمد محظورة عن غيرهم، وفي ذلك إجماع من الفرق، لأن من أجازها في الناس كلهم فقد أجازها في آل محمد؛ إذ هم أفضل الناس، وكذلك من أجازها في قريش فقد أجازها فيهم؛ إذ هم خيار قريش، وأوسطهم داراً، فالحق ما أجمعت عليه الأمة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأمَّا الإمامية فقد خالفوا الأمة كلها بإدعائهم النبوة بعد محمد خاتم النبيين؛ لأن هذا تكذيب لكتاب الله، وقول رسول الله مصرح، إذ يقول سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، وقال رسول الله بإجماع الأمة: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي))([226]). [إصطفاء الله لرسوله وأهل بيته قبل خلق آدم] إعلم يا أخي أرشدك الله وهداك، أن تثبيت الإمامة في الإمام من الله عز وجل، كتثبيت النبوة في النبي سواء سواء، وذلك لا يكون من الله عز وجل إليهم إلاّ باستحقاق منهم لذلك المقام؛ لعلمه به فيهم قبل خلقه إياهم، كما ذكر أنه سبحانه لما خلق آدم قال له قل: ((لا إله إلاّ الله محمد رسول الله)).  قال له آدم: من هذا يا رب ؟. قال: رجل من ولدك به أختم الأنبياء، فكان اسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مشهوراً عند الأنبياء، ومن تبعهم من المؤمنين إلى أن أظهره الله وبعثه، كما قال سبحانه فيه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:156ـ159].  فلما ظهر صلى الله عليه وآله وسلم دعا الناس كلهم إلى طاعة الله، آمن به قوم، وصدَّ عنه قوم، فكان ممن آمن به من قوم موسى عليه السلام، كما قال سبحانه: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:159]، تكذيباً لليهود عندما هم يزعمون أن محمداً لم يرسل إليهم ـ عليهم لعنة الله ـ.  ثم قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}...إلى قوله: {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:6ـ9]، وكذلك آمن به من قوم عيسى نفرٌ، وكرهه آخرون، بعد معرفتهم بأنه رسول الله إليهم، وإلى غيرهم من الناس. وكذلك عرَّف الله   ([227]) محمداً بأنه يظهر المهدي من ولده، وأنه يختم به الأئمة الطاهرين من ولده صلى الله عليه وآله وسلم، وكل ذلك لعلمه سبحانه أنهم سيبلغون رسالته إلى جميع خلقه، ويؤدون أمانته إلى عباده، فكانوا كما علمهم الله، ولذلك اصطفاهم، واختارهم واجتباهم، وقلدهم أمر عبيده، ومكنهم في أرضه، وأجاز لهم قبض خراج بلاده، وقسمه على أوليائه، كما ذكر الله في كتابه حين يقول لرسوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:103]، وقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، إلى قوله: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60]. الأمر كله لله عز وجل، كما قال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]، وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].  صدق الله عز وجل، لقد خاب، وخسر وكذب وافترى من اختار غير خيرته، واتبع غير صفوته، ومال عن طريق رشده، وحكم بغير حكمه، كما قال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]، قال الله تبارك وتعالى لرسوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]. ثم بين سبحانه هؤلاء الذين آتاهم الملك من هم ؟ والذين نزعه([228])  منهم مَنْ هم ؟ فقال سبحانه:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا(53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)} [النساء:53ـ54].  ذكر سبحانه أنه أعطى ملكه هذا خليله إبراهيم، وآله المصطفين، ونزعه من أعدائهم الفراعنة الجبَّارين، إذ لكل نبي فرعون يحاربه ويعاديه، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ}[الفرقان:31]، ومع كل فرعون سامريّ، يموه على أهل عصره أن الذي أوتي الملك هو صاحبه، وأنه العزيز القاهر، إذ قتل نبي الله وأتباعه فيجير([229])  عليهم كذبه، حتى يقع عندهم أنه صادق في قوله، مصيب في كلامه، وذلك لقلة تمييزهم، واتباع هوى أنفسهم، وتقليدهم إياه أديانهم، كأن لم يسمعوا قول الله([230]) حين يقول عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:8]. والمنافقون إلى وقتنا هذا يقولون بقول إخوانهم؛ إذ يزعمون ويموهون، ويقولون أن العزيز([231]) يسفك دماء المسلمين، ويهتك حريمهم، ويأخذ أموالهم، فهذا عند خالقهم ذليل، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة:20]. [العزة والغلبة لله ولرسوله]  ثم بين سبحانه [أن] العزة والغلبة له، ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والآخرة، وذلك قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]، فمن زعم أن رسل الله وأولياءه غُلِبوا في هذه الدنيا، فقد خالف الله في قوله، لأن أولياءه سبحانه لا يغلبون أبداً، كما لا يغلب هو أبداً، عز وجل، لأن الآية شهدت له ولرسوله بالغلبة والعزة والقهر، وشهدت على أعدائه وأعداء رسله بالذل والهوان، والخزي والخسران، كما قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]، {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]. وأما قول صفيِّه نوح عليه السلام حين قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، لم يقل إنهم أدحضوا حجته، ولا قدروا أن يزيلوا عليه([232])  نعمة الله، التي أنعم بها عليه، ولا أنهم أبطلوا نبوته، إنما قال لربه: إنهم يا رب أدبروا عني ولم يقبلوا قولي، كما قال: {وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7]، لا تذر([233]) يا رب منهم على الأرض ديَّاراً، فاستجاب الله عز وجل دعاءه وأغرق أعداءه، وأنجاه وأولياءه، وأورثه أرضه، وكذلك أعز الله نبيه يحيى عليه السلام، وإن قتلوه، فقد أخرجوه من دار التعب إلى دار الراحة والكرامة، فيحيى منصور من ربه([234]) مخذول من قومه، مخذول من قتله من أعداء الله، فنصر الله دائم لنبيه، وخذلان الناس له فقد تصرم ذلك وانقضى، ووبال ذلك عليهم لا على رسول الله:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(64)وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(65)} [يونس:62ـ65]. ميز يا أخي بين أولياء الله وأعدائه واعرفهم، فإنك إذا عرفتهم على الحقيقة، رغبت إلى أولياء الله وزهدت عن أعداء الله، واعتزلتهم، ثم علمت أنك إذا صرت في حزب خالقك، كانت الغلبة لك في دنياك وآخرتك. [الملك هو النبوءة والإمامة] وتصديق ما قلت لك أن الملك هو النبوة والإمامة، قول الله عز وجل لرسوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسرائيل مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:246]، قال لهم نبيهم عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:247].  بين سبحانه أن الملك هو العلم والبر، والتقى والقوة والأمانة، لا المال والخدم والحشم، ثم زاد بين رسوله لهم حقيقة الملك حين قال لهم: {إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وَءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:248].  ألا ترى أنه من قام مقام النبي في أمته، وسار فيهم بسيرته، وحكم بحكمه، وجب له من الملك والإمامة والأمر والنهي ما وجب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.  ثم قال سبحانه في آخر قصة طالوت عليه السلام: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} [البقرة:251]. ذكر سبحانه أن الملك الذي كان في طالوت آتاه خليفتة داود عليه السلام بعد طالوت، ثم قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:258]، يعني: إبراهيم، لقول الله سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام:83]، ليس نمرود بن كنعان، أخزاه الله.  ثم قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَءَاتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:20].  ثم قال سبحانه في وليّه ذي القرنين عليه السلام: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَءَاتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا(84)فَأَتْبَعَ سَبَبًا(85)} [الكهف:84ـ85]. أفضى هذا الملك من خليل الله إبراهيم عليه السلام الأواه الحليم، إلى ذبيحه إسماعيل الحليم، ثم إلى ابنه إسحاق العليم، ثم إلى صفيِّه يعقوب إسرائيل الله، ثم إلى نبيه يوسف الصديق، ثم إلى الأسباط، ثم إلى كليم الله موسى وأخيه هارون المصطفين. وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم:((أول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى بينهما ألف نبي على جميعهم السلام([235]))). ثم حول الله عز وجل هذا الملك إلى نبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، السراج المنير، فحسده إياه قوم من أهل الكتاب، فقالوا: كانت النبوة في ولد إسحاق، فكيف صارت إلى العرب، إلى ولد إسماعيل ؟لأن إسماعيل أول من نطق بالعربية، أنطقه الله بها، فمحمد نسبه إلى إسماعيل، ولذلك قال النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] لسلمان الفارسي([236])[رضي الله عنه]: ((أحبب العرب يا سلمان لثلاث: نبيك عربي، وكتاب ربي عربي، ولسانك  في الجنة عربي([237])))، وكذلك إذا أعجبه شيء  ([238])  يقول: أنا ابن الذبيح([239]) . فحسد أهل الكتاب لمحمدٍ، كحسد([240]) إبليس لأبيه آدم، إلاّ أن إبليس من غير جنس آدم، كما قال الملعون: أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين، فإسماعيل وإسحاق وأولادهما من جنس واحد، كما قال سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)} [الطارق:5ـ7]، ثم قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ(27)} [الحجر:26ـ27]، وقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1] الآية، فهذا نسب آدم وأولاده، لا فضل لواحد على الآخر، إلاّ بتقوى الله، كما قال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، ثم قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].  فأكثر ما مع هؤلاء الحشوية في مقالتهم، قول اليهود والنصارى في التشبيه والتجوير، وتكذيب الرسل فيما جاءت به، وذلك بإدبارهم عن الرسول وأهل بيته، ومعاداتهم، فسحقاً لهم. وقالت اليهود ـ عليهم لعنة الله ـ: إن محمداً هو ابن إسماعيل، وإسماعيل هو ابن جاريتنا هاجر، فصدقتهم الحشوية فيها، وفي أن الذبيح هو إسحاق. احتجاج اليهود في هاجر أنها أمة لسارة، أنهم زعموا أن نمرود أراد يأخذ سارة من إبراهيم، فابتلاه الله في بدنه، فتركها، ثم وهب لها ابنته هاجر. كلامهم هذا رجمٌ بالغيب، أرادوا بذلك إسقاط منزلة محمد الفاضل من آل إبراهيم. وأمَّا العارف البر التقي من الحيين، فهم كما ذكرهم الله أخوة رحماء بينهم، وكذلك الفارسي التقي ليس يأخذ من قول اليهود بشيء؛ بل يتبرأ إلى الله من قولهم وفعلهم، كما أمر الله حين يقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}، إلى قوله: {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}[المائدة:51ـ52].  أرادت اليهود بقولهم هذا، أن إسحاق أشرف من إسماعيل، فوافقتهم الحشوية، كما وافقتهم في الجبر والتشبيه، معارضة للنبي وآله عليهم السلام، فالمسلمون كلهم على سنة هاجر في الصفا والمروة وزمزم، على زعم اليهود، وكذلك عصبيتهم في أشياء كثيرة غير واحدة على ولد إسماعيل، كشبه ما بين قحطان وعدنان، لأن القحطاني الجاهل ينكر فضل النبي، فصدقتهم على هذا الكذب الحشوية، وخاصَّة من يدعي أنه من فارس؛ لأنهم يزعمون أن نسبهم ونسب اليهود واحدٌ. [ذكر بعض البدع والجواب عليها] ومن هنا قال الله عز وجل: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}[المائدة:58]، أكثر الناس اليوم على هذا المعنى، إنهم إذا سمعوا إنساناً يؤذن بأذان النبي أنكروا عليه بأيديهم أو بألسنتهم أو بقلوبهم، واتخذوا نداءه ذلك هزؤاً، وسموه مبتدعاً وضالاً، وهو نداء النبي، لأن الأمة أجمعت كلها عنه أنه: كان عليه السلام يؤذن، ويقيم مثنى مثنى، ويؤذن بحي على خير العمل إلى أن فارق الدنيا، وأنه ما صلى بأصحابه هذه التراويح قط، ولا أذن بالصلاة خير من النوم قط، وهم([241]) يعرفون ذلك، ثم لم يرضوا بذلك، حتى أظهروا هذه البدعة في جميع دار الإسلام، واتخذوها ديناً، وأمروا مؤذنيهم، وأئمتهم أن يشهدوا خالقهم، وملائكته، وأولوا العلم من الجن والإنس، أنهم خالفوا رسوله في كل يوم عشر مرات في الأذان والإقامة، وفي كل شهر رمضان، خلافاً له، إذ يقول سبحانه لهم: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7] الآية. فإذا نهاهم إنسان عن هذه البدعة، قالوا: هي بدعة حسنة.  كيف تكون البدعة حسنة ؟ وأمير المؤمنين علي عليه السلام، يقول: (ما أحدث محدث بدعة إلاّ ترك بها سنة)، صدق عليه السلام([242])؛ لأنه إذا اشتغل بهذه البدعة لم يصل بصلاة النبي، لأن صلاته عليه السلام في شهر رمضان ركعتين ركعتين، إلى أن ذكر أولوا العلم عنه أنه كان يحيي الليل في العشر الآواخر من رمضان. وأعجب من هذا كله أن هؤلاء الحشوية يزعمون أنه عليه السلام، تعلم الأذان من عبدالله بن زيد الأنصاري([243])، ومن بلال بن حمامة([244])، خلافاً لقول الله، وكذباً على رسول الله، إذ يقول سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة:9]، فالنِّداء مذكور في كتاب الله، فكتاب الله لم يأخذه رسول الله إلاّ من رسول الله جبريل عليه السلام، كما قال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192)نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193)عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ(194)} [الشعراء:192ـ194]، وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:97]، وقال سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:5]، يعني: جبريل عليه([245])  السلام. وزعموا أن حروفاً من القرآن تأليف بعض الناس، وذلك أنهم قالوا: إن رسول الله كان يملي القرآن على عبدالله بن سعيد بن أبي سرح فيقول: اكتب والله سميع عليم، اكتب والله غفور رحيم، فيكتب غفور؛ رحيم، وما أشبه هذا، فيقول له النبي: هو جيد. وزعموا أن رسول الله تعلم طهور الصلاة من قوم من الأنصار؛ لقوله فيهم: {رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}[التوبة:108]. وزعموا أن عمر قال: وافقني ربي في أربعة أشياء قال: قلت لرسول الله لو أظهرت مقام إبراهيم، وجعلته قبلة ومصلَّى، فأنزل الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، وقلت: لو كان بين المؤمنين، وبين نسائك حجاب، فأنزل الله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الأحزاب:53]، وقلت له يوم بدر: لا تأسر من المشركين أحداً، فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] إلى آخرها، قال: وتلى علينا رسول الله قول الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)}إلى قوله: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ}[المؤمنون:12ـ14]، فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين.  فزعموا أن عمر أراد الآخرة، والنبي أراد عرض الدنيا.  وزعموا أن النبي قال: أمرت أن أعرض القرآن على أبي بن كعبٍ([246]). وقال الله عز وجل تكذيباً لقولهم: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(16)} [يونس:15ـ16]. وقال عليه السلام:{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}[ص:86]{إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[الأنعام:50]، وقال سبحانه: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير:19]؛ يعني: جبريل عليه السلام. [تحويل القبلة] ثم قال الله سبحانه لرسوله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}[البقرة:144] إلى آخرها، وذلك أن اليهود قالوا له: أيَّ فضل لك علينا، وأنت تصلي إلى قبلتنا، فتمنى أن تكون قبلته([247])  قبلة أبيه إبراهيم، فاستشار في ذلك جبريل، فقال له جبريل: الأمر لربنا ليس لنا. فصعد جبريل إلى ربه، والنبي كان ينظر هبوطه، فقال له ربه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:144].  الرسولان لم يبتدعا من تلقاء أنفسهما شيئاً، إلاّ بأمر خالقهما، فكيف يجيز([248])  الله عز وجل لغيرهما([249])، أن يزيدوا في كتابه وسنته، أو ينقصوا منهما؟ هذا ما لا يكون أبداً؛ بل هو تنزيل منه سبحانه من أوله إلى آخره، على لسان رسوله([250])، إلى قلب نبيه عليهما([251])  السلام.  وأمَّا قوله: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ}[يونس:16] فهو تأكيد لنبوة رسوله، ورد على من زعم أنه ناقص، إذ هو أمي لا يعرف هجاء القرآن؛ لأنه أقام بينهم أربعين سنة لم يقرب كاتباً ولم يتعلم منهم، ثم جاءهم بشيء عجز الخلق كلهم أن يأتوا بمثله، كما قال سبحانه للذين أنكروا نبوته من اليهود وغيرهم من المشركين: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا}، إلى قوله:{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23ـ24]، وقال في سورة هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13]، وقال في سورة البقرة: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:23]، وقال في سورة هود: بعشر؛ لأن بين سورة البقرة وبين سورة هود عشر سور، ثم قال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]. [الرد على من قال إن علياً عليه السلام بايع الثلاثة] وأمَّا قول المعتزلة في أمير المؤمنين: إنَّه أفضل الثلاثة، وإنه بايعهم؛ إذ طاعتهم واجبة عليه، فهذا قول يبطله الكتاب والسنة، وينكره العقل؛ لأن الله عز وجل أوجب طاعة الفاضل على المفضول في كتابه المنزل، وعلى لسان نبيه المرسل؛ لقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]. ثم إنكار العقل أن يأتي الفاضل إلى المفضول، فيعقد في عنقه ببيعته على أنه يأتمر بأمره، وينتهي عن نهيه، وهو يعلم أنه جاهل بأمر الله ونهيه، فهذا محال. ودليل ذلك أن علياً لم يبايع غير رسول الله، إذ لم يزل في نصرته حتى دفنه عليهما السلام، ثم غمد سيفه، فلم يشهره حتى يوم الجمل، وأنه لم يقتل أحداً في عصر هؤلاء الثلاثة، ولم يبرح عن منزله.  وأبين من هذا كله أن عثمانَ عند إحصاره في داره في أربعين يوماً طلب النصرة على الذي حاصره من الناس كلهم، وعلي حاضر في القرية معهم، فلم ينصره، والله عز وجل يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]، فمن زعم أن علياً كان بايعه، فقد نسب إليه أنه ناكث خاذل، فعلي لا يستحق هذا من الاسمين([252])  أبداً عند الله، ولا عند أهل العلم، لمعرفته بحلال الله وحرامه، هذا مع قول أهل العلم أنه ما بايعهم، ولا اعتقد بصلاتهم عند ما سألوه بمنى في ولاية عثمان، أن يصلي بهم عندما لم يظهر عثمان. فقال لهم عليه السلام: إن أحببتم أن أصلي بكم بصلاة النبي فعلت، فأبوا عليه، فتركهم. فهذا يدل على أنه لم يأتمر بأمرهم قط، وأن حضوره معهم كان على وجه المتاقاة، كما قال ([253]) سبحانه: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران:28].  وعلى هذا النحو كان كلامه لعبد الرحمن بن عوف يوم الشورى عندما قال له: نبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر.  قال لهم: أبايعكم على أن أسير فيكم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأحكم([254])بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال لهم عثمان: أنا أسير فيكم بسيرتهما([255]).  فدل بقوله هذا عليه السلام أن سيرتهم خلاف الكتاب والسنة. وأمَّا قول العامة فيه: إنه قد رضي فعلهم، إذ سكت عنهم ولم يحاربهم فليس بإمساكه من حربهم يبطل حقه، ويستوجبون هم مقامه، لأنه مقام النبوة، فمقام النبوة تثبيت([256])  في القائم مقام النبي في أمته بعده، مِنْ خَالِقِه ليس من خَلْقه، كما قال سبحانه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]. فأكثر رسل الله يدعون عباد الله إلى عبادتهم له بألسنتهم، لا بالقتل والقتال، فلم يبطل ذلك نبوتهم عندما لم يحاربوا أعداء الله؛ فكذلك لا يبطل وصية وصي رسول الله، إذ غلب على أمره، كما لم تبطل نبوة صفي الله نوح عليه السلام عندما قال: فدعا ربه أني مغوب فانتصر، إذ الوصية مقرونة بالنبوة سواءً سواء، ليس بينهما فرق إلاّ مشافهة جبريل عليه السلام.  فليس مع القوم حجة أكثر من قولهم: إنهم يقولون نتبع الأكثر، الجمهور الأعظم؛ فحجتهم داحضة عند الله، كما قال الله سبحانه فيهم وفيمن تقدمهم من أشكالهم: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى:16] الآية. إذا قرر سبحانه معرفته في صدورهم، ثم أنكروه مكابرة لعقولهم، فليس بإنكارهم تبطل وحدانية الله وعدله. وكذلك لا تبطل النبوة والوصية من النبي والوصي، فإنكار من أنكرهما، كما قال سبحانه لرسوله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] الآية، وقال له: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الفرقان:44]، وقال: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:102]، وقال: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. ثم مدح سبحانه القليل، فقال: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص:24]،{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، وقال سبحانه: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:36]. فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبعوث إلى أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس، فلم يحصل معه في ثلاث وعشرين سنة إلاّ أهل المدينة، ومن داناها من البلدان، فقال الله عز وجل فيهم، وفيمن حولهم:{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}[التوبة:101]. وكذلك لم يحصل مع الوصي بعده إلاّ القليل منهم، وكذلك رفض أكثر الخلق سبطي نبي الهدى، والأئمة الصادقين من أولادهما، وتبعوا أئمة الجور والظلم. وليس بإدبار الظالمين عن صاحب الحق يَبْطُل حقُه الذي حكم الله به، كما قال موسى عليه السلام: إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد، لإنك تعلم أن أكثر ولد آدم ينكرون بألسنتهم عدل الله ووحدانيته، فليس إنكارهم يُبْطِلُ شهادة من يشهد له بالوحدانية، لأنه سبحانه لم ينظر إلى شهادة من حرف شهادته بعد الإتقان([257])، بل قبل شهادة ملائكته، وأولي العلم من خلقه، كما قال سبحانه:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]، فكذلك قال لنبيه في إثبات نبوته: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]، يعني: ملائكته وأولوا العلم من خلقه من الجن والإنس فافهمه.  والدليل أن علياً لم يبايع هؤلاء الثلاثة أنه لم يطلب قاتل عمر، بل طلب قاتل هرمز الفارسي، وهو عبيداللهبن عمر، حتى هرب منه إلى معاوية، فقتله علي يوم صفين. وذلك أن أبا لؤلؤة عندما قتل عمر قال عبيدالله: هذا لم يقتل أبي إلاّ بأمر مولاه هرمز. وهرمز هذا هو من ملوك فارس، وكان عمر قد عزم على قتله، فقال له هرمز: يأمر له بشربة ماء، فلما صار الكوز في يده، قال له: أنا في ذمة الله وذمتك حتى أشرب هذا الماء الذي في([258]) الكوز. قال له عمر: نعم. فضرب بالكوز الجدر، وكان الكوز زجاجاً فانكسر واستراق الماء . فعزم  عمر على قتله، فقال له أمير المؤمنين رضي الله عنه: لا يجب لك قتله؛ لأنك أمنته من القتل حتى يشرب الماء الذي كان في الكوز، فلم([259]) يشربه. فقال له عمر: خدعني. فقال له علي: كنت لا تنخدع له. فأسلم هرمز على يدي علي عليه السلام، فلزم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتكف فيه، وحسن إسلامه حتى قتله عبيدالله، رحمة الله عليه.  فلما قتله عبيدالله بلغ الخبر إلى علي، فأخذ السيف وخرج في طلب عبيدالله، فهرب منه إلى معاوية، فقتله علي يوم صفين.  ولم يطلب أبا لؤلؤة، كما لم يطلب قاتل عثمان، فقد بان أنه لم يبايعهما، كما يقول الجهال. وكذلك صحَّ أنه لم يبايع أبا بكر أيضاً، لإخفائه موت فاطمة عنه حتى لا يحضر جنازتها بإجماع الأمة، وذلك بأمر الله، فإذا كره الله منه حضور قبر أمة من إمائه، فكيف يرضى حكمه في خلقه ؟!  أعمى الله قلوب هؤلاء الحشوية، هم مجمعون أنها ماتت وهي غضبانة عليهما وأن خالقها يغضب لغضبها، فكيف يولي سبحانه على خلقه إنساناً يحكم فيهم برأيه وهو غضبان عليه. وروي عن أبي لؤلؤة أنه قيل له: لم قتلت عمر ؟.  قال: بأمره قتلته سمعته يقول: كانت بيعة أبي بكر فلته وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه. قالت الحشوية: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد لعشرة بالجنة: لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن وأبي عبيدة. قالت الشيعة: لا نقول بنبؤة من شهد لهؤلاء بالجنة، لأن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم وسفك بعضهم دماء بعض، ولكن نقول: بنبؤة من شهد لعشرة بالجنة: لعلي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة([260])وجعفر([261]) وسلمان وعمار([262]) والمقداد([263]) وأبي ذرٍ([264])، لأنهم ثبتوا على عهد رسول الله ومع وصيه حتى فارقوا الدنيا. قالت الحشوية: إن رسول الله قال: ((أُبي أقرؤكم وزيد([265]) أفرضكم، ومعاذ([266]) أعلمكم، وأبوبكر أرحمكم، وعمر أشدكم)). وقالت الشيعة: لا نقر بنبوءة من قال: إن هؤلاء أقرأ وأفرض وأعلم وأرحم وأشد في الحق من علي، لأن النبي قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))([267])، وقال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]. قالت الحشوية: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)). قالت الشيعة: على الائتلاف وليس على الاختلاف، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم شبَّه أولاده الهادين بالنجوم، وقرنهم بالكتاب عندما قال: ((إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، بين عليه السلام بقوله هذا أن ليس بين الأئمة الصادقين من أولاده اختلاف عند ما شبههم بالنجوم، كما ليس  بين النجوم اختلاف، كما قال الله سبحانه: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ(39)لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)} [يس:39ـ40]. فكذلك أصحاب رسول الله إذا وافق قولهم عن رسول الله قول وصي رسول الله، فقولهم مقبول صحيح، وهو سبيل المؤمنين، كما قال الله سبحانه لرسوله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:128]، وقال سبحانه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ}[هود:112]. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((الحق ما أجمعت عليه الأمة، والباطل ما اختلفت فيه الأمة)) اتباعاً لقول الله حين يقول سبحانه: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105]، وقال سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى:13].  بين سبحانه أن الاختلاف يكون بين المشركين وبين المسلمين.  وباب آخر، أنه لو علم أمير المؤمنين عليه السلام أن نصرة عثمان واجبةٌ عليه لنصره، كما نصر موسى عليه السلام وليه على عدوه، كما حكى الله عنه حين يقول سبحانه: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} [القصص:19]، فهذه الآية تدل على أن عثمان وقاتله لم يستوجبوا النصرة، فلذلك أرسل بعضهم على بعض وأمسك من الفريقين اتباعاً لقول الله حين يقول سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:83]، ولولا ذلك لنصر أحدهما كما نصر كليم الله ولي الله في اليومين معاً فافهمه. واعرف أن علياً مصيب في جميع أموره، لأنه أعلم بحلال الله وحرامه، وأمَّا قول من زعم أن علياً قتل عثمان، فالويل لعثمان إن قتله علي، لأن علياً لم يقتل مسلماً قط بإجماع الأمة. [لا رجاء للعاصي]  ثمَّ اعلم يا أخي - أرشدك الله بطاعته - أن الله عز وجل لعن إبليس، وأخزاه في دنياه وآخرته، عندما استكبر عن عبادته،  فإذا كان إبليس استوجب اللعن من ربّ العالمين، وملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين، وأوليائه الصالحين، إلى يوم الدين، وأخسر([268])  العالمين على معصية واحدة، مع إقراره بالله أنه خالقه وربه، كما حكى عنه ربه إذ يقول: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76]، وقال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[ص:79]. فكيف يكون حال من لا يترك معصيةً واحدة حتى يواقعها، من الجبر والتشبيه وإنكار البعث والنشور، وتكذيب الرسل والأئمة الصادقين من أهل بيت خاتم النبيين، مع سفك دماء المسلمين وهتك حريمهم، وأخذ أموالهم مع ترك الصلوات، وغلول الزكوات، ورفض صيام شهر رمضان، والحج إلى بيت الله الحرام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ثم هو مع ذلك يرجو رحمة ربه مع إصراره، كأن لم يسمع الله يقول: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].  أصحاب الرجاء والرحمة معروفون في كتاب الله عز وجل، قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218]، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا} الإيمان كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: (قول مقول؛ وعمل معمول؛ وعرفان بالعقول)، ثم قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} والهجرة كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله إلى أين الهجرة ؟ إليك فإذا مت انقطعت الهجرة؟. قال: ((فالهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن فإذا فعلت ذلك فأنت مهاجر ولو مت بالحظرة)).  ثم قال سبحانه: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}فالجهاد، كما قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]لأصحابه عندما انصرفوا من حرب بدر: ((إنكم قد انصرفتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)).  قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله، أليس قد قَتلنا وقُتلنا وجرحنا وجُرحنا؟. قال: ((جهاد الأنفس)). ثم قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف:156] إلى آخرها، لم يقل فسأكتبها للذين يفسقون، ويخالفون الرسول. وما مثل من وضع الرجاء في غير موضعه إلا كمثل رجل توجه طريق عدن يسلكها وهو يقول: أنا أبلغ مكة فهو كيف ما أمعن في السير، بعد من مكة. ثم قال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] الآية. [ثبوت الإمامة لمن استقام من ولد إبراهيم ومحمد(ص)]  ثم أمر الله رسوله أن يعلم أمته أن الإمامة ثابتة في ولد إبراهيم ومحمد عليهما السلام كما قال سبحانه لأبيهم إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:194]، ثم قال سبحانه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}[الزخرف:28]، يعني عز وجل: أنه جعل الإمامة في ولد إبراهيم عليه السلام. ثم قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ(35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(36)}[إبراهيم:35ـ36]. (فكل ساير بسيرة إبراهيم من ولده في جميع أموره وجب له ما وجب لأبيه كما قال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ})([269]). فمن هذه الجهة وجبت النبوة لمحمد، والوصية لعلي، والإمامة للحسن والحسين وأولادهما الصادقين إلى آخر الدنيا، عبدوا ربهم، واعتزلوا عبادة الصنم والشياطين، كما اعتزل أبوهم ذلك، ولم يكذبوا على الله، ولا كذبوا رسوله جبريل عندما جاءهم بالصدق، كما كذبه غيرهم، وذلك قول الله سبحانه: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(33)} [الزمر:32ـ33]. فالناس كلهم داخلون في التكذيب سوى النبي والوصي والسبطين، ومن قام من أولادهما الصادقين، ومن تبعهم من سائر المسلمين إلى آخر الدنيا؛ لأن النبي صدق جبريل عندما جاءه بالنور من عند خالقه، وكذلك الوصي صدق رسول الله عندما دعاه إلى تصديقه، وغيره صدق رسول الله بعد التكذيب، كذبه أولاً ثم صدقه بعد طوعاً وكرهاً، فمن صدقه طوعاً بعد الدعاء، فهو غير معذور عند خالقه، أولاً في التكذيب قبل دعاء الرسول له، ولا بعد الدعاء، لأن خالقه قد دعاه إلى عبادته بالعقل المنير المركب فيه، ونهاه عن عبادة غيره، كما قال سبحانه: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8]، ولولا ذلك لم يعذب المشركين بالنار يوم القيامة، والذين ماتوا على شركهم قبل الرسول؛ لأن حجته سبحانه على خلقه أولها العقل، ثم الرسول، يدعوهم إلى ما استحسنه العقل، ويزجرهم عمَّا يستقبحه العقل بالآيات والنذر، فمن أراد لنفسه الخير قبل من عقله، ثم من رسوله، ومن أراد هلاك نفسه لم يقبل من العقل ولا من الرسول، كما قال سبحانه: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس:19]، كفرعون اللعين عندما لم يقبل الحق الذي (دلّه عليه عقله، ولا الحق الذي)([270])   دلّه عليه رسولا رب العالمين عليهما السلام، كما قال سبحانه فيه: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى} [طه:56]، وقال سبحانه في إبليس: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقره:134]، وقال في جميع من أدبر عن عبادته: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقال فيمن أنكر البعث: {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات:18]، وكل أتوه داخرين فافهمه، لأن الله عز وجل لم يتعبد إلاّ بعد البيان، والحمدلله رب العالمين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين. وأمَّا قولهم: إن علياً عليه السلام أسلم وهو طفل، وقدموا عليه من أسلم بعد أن عبد الأصنام، وشرب الخمور، وارتكب الشرور([271])، ففي قولهم هذا طعن على الأنبياء ليس على الوصي وحده؛ لأن رسول الله أقام بينهم أربعين سنة، معتزلاً لأفعالهم، وكذلك أبوه خليل الله من قبل، ثم صديق الله يوسف، ثم كليم الله.  وإنما الذي اشترى يوسف قال لامرأته: أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، أراد أن يكون لهم مساعداً على شركهم، وكذلك أبقى فرعون موسى لهذا المعنى، فليس من لم يعبد الصنم كمن عبده، لأن الشاعر يقول في علي عليه الصلاة والسلام: هل كافرٌ بصنمٍ كمؤمن   بصنم ليس هذان يستويان([272]) لأنه من عبد الصنم والشيطان من ولد إبراهيم، فقد زالت عنه النبوة والوصية والإمامة، وإن تاب عن ذلك تاب الله عليه، وكان من سائر المسلمين، ليس من الأنبياء المرسلين، ولا من الأئمة الصادقين الذين يجب لهم ما يجب([273])، لأبيهم من الطاعة والولاية والأمر والنهي.  بيَّن سبحانه لجميع خلقه طاعة ولاة الأمر على لسان رسوله المصطفى، وقال: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، ثم قال سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء:8]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[النساء:64]، وقال: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الرعد:38]، ثم قال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(2) وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(3)}[الجمعه:2-3]. وقوله عز وجل: {وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم علم جميع أمته الحلال والحرام، والحدود والأحكام، الأولين والآخرين، بوصي بعد وصي، وإمام بعد إمام، وعالم بعد عالم، من أولاده الصادقين إلى آخر الدنيا صلى الله عليه وآله وسلم،  قال الله عز وجل فيهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32]، فورثة الكتاب محمد وعلي والحسن والحسين ومن تبعهم من أولادهم الطاهرين. [تفسير الظالم والمقتصد والسابق]  ثم قال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}[فاطر:32]، ففيهم من الظالم لنفسه مثل ما في الناس؛ إذ هم بشر كما قال سبحانه في ولد إبراهيم وإسحاق عليهم السلام: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:113]، وقال عز وجل لأبيهم إبراهيم الأواه الحليم: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، ثم قال سبحانه: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود:113]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ملعون ملعون من كثَّر سواد ظالم))، وقال: ((ملعون من رفع دواة ظالم))، وقال أمير المؤمنين عليه السلام([274]): (ليس بين الله سبحانه وبين أحد من خلقه قرابة، ولا بينه وبينهم هوادة، أكرمهم عند الله أتقاهم، وأهونهم عليه أرداهم، لا يخشاه من عباده إلاّ العلماء، ولا يهلك عنده إلاّ الجهلاء). وقال عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وقال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:212] الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله قد أذهب نخوه الجاهلية، وعتوها، والفخر بالآباء أنتم بنوا آدم([275])  وآدم خلق من خلق الله خلقه من تراب، ولا فضل لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلاّ بتقوى الله)).  وقال الهادي إلى الحق عليه السلام: (ما منـزلة الحسن بن زيد ومحمد بن زيد الحسنيين أميري طبرستان عند الله إلاّ كمنـزلة سابكين وكوبكين عبدين لبني العباس مملوكين من تحت أيديهم، بل هما أعظم جرماً عند الله لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)([276]) . ثم قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}[فاطر:32]، فالمقتصد منهم رجل عالم ورع تقي عارف بكتاب الله، وسنة رسوله خارج من الظلم، غير لاحق بالسابق منهم. ثم قال سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:32]، فالسابق من آل الرسول رجل عالم ورعٌ تقي، نقي، قويٌ في أمر الله مضطلع، أمين على أمة جده، شاهر لنفسه مجرد لسيفه، مباين الظالمين مؤمن المؤمنين، يأمر بالمعروف الأكبر، وينهى عن الفحشاء([277])  والمنكر، يأخذ الحق من أهله ويصرفه في أهله والقريب والبعيد، والشريف والدني عنده في الحق سواء، لا تأخذه في الله لومة لائم، فطاعة هذا واجبة على الناس كلهم كطاعة الله وطاعة رسوله، كما قال تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، فهذا من ولاة الأمر الذين أوجب الله طاعتهم على الخلق كلهم.  ثم قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ثم قال عز وجل في محمد وأولاده الصادقين: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج:78]. فهؤلاء المعصومون الذين عصمهم الله، واختارهم واصطفاهم، وأمر جميع خلقه بطاعتهم، والقيام معهم والقبول منهم في صلاتهم وزكاتهم وحجهم، كما قال سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:110]، ثم قال سبحانه فيهم: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}، إلى قوله: {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: 103ـ105]. ألا ترى أن الله عز وجل قد بين في هذه الآية وما أشبهها من الآيات، أنه دل جميع خلقه إلى دينه، الذي تعبد به إبراهيم ومحمد وآلهما الصادقين حين يقول سبحانه: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}[الحج:78]، وبقوله سبحانه: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(129)}[البقرة:127ـ129] يعني: محمداً يتلو عليهم آياتك. إلى قوله: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة:133]، لأن الأئمة الصادقين من ولد محمد شهداء على أمة جدهم([278])  وجدهم شهيد عليهم، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقره:143]. [بحث في أن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام كالأنبياء في الأمم السابقة] وإنما أنقذ الله عز وجل جميع خلقه من شفا حفرة من النار بمحمد وآله، إذ أقام الأئمة الصادقين في أمة جدهم مقام رسله في الأمم الخالية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجميع أمته: ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ردى))([279])، وقال سبحانه في جدهم المصطفى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا(46)} [الأحزاب:45]، ولذلك قال النبي لأمته: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إذ هما نور الله في خلقه وحجته على جميع عباده فمن اهتدى بهداهم نجا من غرق الدنيا وعذاب الآخرة)). ولذلك قال النبي: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى([280]))).  ألا ترى أنه من ركب سفينة نوح نجا من غرق الدنيا وعذاب الآخرة، ومن تخلف عنها لم يسلم من الغرق والعذاب الأليم، كما قال سبحانه فيهم: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح:25]؟. وكذلك من اعتصم بحبل آل محمد نجا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة قال الله عز وجل فيهم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:55]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه([281]))). وقال سبحانه فيهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]، وقال الرسول فيهم: ((ما دخل في دمائنا أهل البيت أحد من الناس بسهم ولا سيف ولا رمح ولا شطر كلمة إلاّ جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله)). وقال الله عز وجل فيهم لرسوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]. وقال الرسول فيهم: ((ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلاّ ثبته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة([282]))). وقال صلى الله عليه وآله وسلم:((المرء يحفظ في([283]) ولده))([284]). وقال الله سبحانه فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]، وقال عز وجل فيهم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا(5)}...إلى قوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا(22)} [الإنسان:5ـ22]. وقال الرسول فيهم: ((النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون([285]))).  [بحث في أن علياً عليه السلام أفضل أهل البيت وأكرمهم على الله وعلى رسوله] فأفضل أهل هذا البيت وأقربهم إلى الله عز وجل، وأكرمهم عليه وعلى رسوله، أخو رسول الله، ووزيره في حياته، ووصيه في مماته، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين، الذي مدحه الله في كتابه الناطق، وعلى لسان رسوله الصادق، صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله سبحانه في رسوله وفي وصيه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33]، جاء جبريل بالصدق وصدق به محمد، ثم علي، ثم المهاجرون والأنصار، ثم التابعون بإحسان إلى آخر الدنيا، لأن النبي عليه السلام بعث يوم الاثنين، فصدق به علي يوم الثلاثاء، وفي ذلك ما يقول السيد الحميري([286]): بعث النبي فما تخلف بعده   حتى تحنف غير يوم واحد قال الله سبحانه في رسوله ووصيه وفيمن آمن به: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح:29] إلى آخرها؛ لأن محمداً أول من آمن بالله، ثم وصيه ثم المؤمنون إلى آخر الدنيا، ذكر الله محمداً وعلياً وأتباعهما بهذه الصفة، ثم ذكر سبحانه أن هذه صفة رسوله وأوليائه في التوراة والإنجيل؛ لقوله: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ}[الفتح:29].  قولي في علي: إنه أسلم، على مجاز الكلام، وإنما يقال: آمن فلان وأسلم، إذا خرج  من الكفر إلى الإيمان، فعلي لم يكفر بالله قط، إنما إسلام علي كإسلام محمد، وإسلام محمد كإسلام أبيه إبراهيم، كما قال الله:{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)} [الصافات:83،84]، وقال سبحانه:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131].  وإيمان علي بمحمد كإيمان لوط بعمه إبراهيم، كما قال سبحانه فيه: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت:26]، هؤلاء لم يكفروا بالله قط على جميعهم السلام. قال أمير المؤمنين عندما بايع الناس لأبي بكر: (الحلم خير، والتقى زين، والمورد القيامة، والحجة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سدوا ـ رحمكم الله ـ متلاطمات أمواج بحار الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن سبيل المنافرة، وحطوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، واستسلم فأراح؛ ماء آجن، ولقمة تغص آكلها؛ ومجتني الثمرة في غير وقت نضاجها، كالزارع في غير أرضه، والله لو أقول ما أعلم، لتداخلت أضلاع قوم تداخل أسنان دوَّارة الرحى، وإن أسكت، يقولوا جزع ابن أبي طالب من الموت، هيهات هيهات، والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة، لعلي آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، ولكني اندمجت على مكنون علم لو بحت به، لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة)([287]). قال الله سبحانه في رسوله ووصيه: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17]، جاء محمد بالنور والبرهان، فنشره في أصحابه، ثم نشره وصيه بعده في أمته، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها([288]))). فمن أخذ بملة باب رسول الله، فهو في نور الله، كما قال الله عز وجل في كتابه: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ} [النور:35] الآية.  الله عز وجل بيَّن للعباد دلائله التي يهتدون بها إليه بالعقول والرسل والكتب، ثم قال: {مَثَلُ نُورِهِ} يعني: النبي عليه السلام {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}، فالمشكاة الكوة، كان مثل القوم الذين أرسل إليهم النبي، كمثل قوم كانوا في بيت مظلم حتى جاءهم رجل بمصباح، فوضعه في كوة البيت، فاستنار به أهل ذلك البيت واستضاؤا بضوء ذلك المصباح، ثم ذكر سبحانه زيت هذه الشجرة الذي منبتها في بارزة من الأرض تطلع عليها الشمس، وتغرب عنها لا يظلها شيء، فزيتها أودك([289]) وأصفى من دهن غيرها إذا صب في القنديل، ثم قال سبحانه: {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، أي مع نور {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. فمن تبع النبي والوصي، فهو داخل في نور الله عز وجل الذي ذكره في كتابه، ومن خالفهما، فهو خارج من هذا النور، وداخل في الظلمات، الذي ذكرها الله في كتابه حين يقول سبحانه في آخر آيات النور:{أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].  فمن أعرض عن وصي رسول الله، فقد أعرض عن الرسول، ومن أعرض عن الرسول فقد أعرض عن الله، (ومن أعرض عن الله)([290]) فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله أدخله النار([291]))). وقال: ((يا علي من أحب ولدك فقد أحبك، ومن أحبك، فقد أحبني، ومن أحبني، فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة، ومن أبغض ولدك، فقد أبغضك، ومن أبغضك، فقد أبغضني، ومن أبغضني، فقد أبغض الله، ومن أبغض الله أدخله النار([292]))). ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا وعلي كهاتين([293]))) فمدّ المسبحتن؛ يعني: أن علياً يسير بسيرته في أمته، ويحكم فيهم بحكمه سواء سواء. ثم قال لابنته فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة عندما زوجها إياه: ((أو ما ترضين أن يكون الله عز وجل اختار من جميع ولد آدم رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك([294]))). [بحث في ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ]  قال الله سبحانه في رسوله، وفي وصيه لجميع خلقه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55].  الله عز وجل أولى بخلقه من أنفسهم، ثم رسوله، ثم وصي رسوله بإجماع الأمة عن رسول الله أن الذي زكى وهو راكع علي بن أبي طالب، دون جميع المسلمين، إذ كان المتصدق في صلاته، المؤدي لما يقربه من ربه من زكاته. ثم قال سبحانه فيه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ(11)فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ(12)}[الواقعة:10ـ12]، فكان السابق إلى ربه غير مسبوق. ثم قال سبحانه: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس:35]. فكان الهادي إلى الحق غير مهدي، والداعي إلى الصراط السوي، والسالك طريق الرسول الزكي، ومن سبق إلى الله، وكان الهادي إلى غامض أحكام كتاب الله، فهو أحق بالإمامة، لأن أسبقهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وأتقاهم خيرهم، وخيرهم بكل خير أولاهم، وما جاء به من الذكر الجميل، في أوضح التنـزيل، فكثير غير قليل. وفيه أنزل الله بغدير خمٍ على رسوله:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]. فوقف صلى الله عليه وآله وسلم، وقطع سيره، ولم يستجز أن يتقدم([295])  حتى ينفذ ما عزم عليه في علي عليهما السلام، فنـزل صلى الله عليه وآله وسلم تحت الدوحة مكانه، وجمع الناس، ثم قال: ((أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((اللهم اشهد فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله([296])))، والخلق كلهم مجتمعون يسمعون كلام رسول الله، وهو رافع بيد علي حتى أبصر بياض آباطهما، وهو ينادي بهذا القول، فكان ذلك في شهر ذي الحجة منصرفه من مكة في حجة الوداع إلى المدينة، فأقام المحرم وصفراً، ومات في شهر ربيع الأول صلى الله عليه وآله وسلم تسلمياً. قوله عليه السلام: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يدل على أنه أراد الولاء الذي ذكره الله في كتابه حين يقول سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، فلما أن أقروا بذلك أنه أولى بهم من أنفسهم، وأشهد ربه عليهم، قال حينئذ: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).  بين لهم أن الله سبحانه أمره أن يُعْلِمهم أن الولاء الذي كان له عليهم أنه صيَّره إلى وصيه علي، ليعرفوا لوصيه ما عرفوا له، وعلى أنهم لا يخالفوا أمره، ولا يضادوا حكمه، ولا يتقدموه ولا يعصوه فيما يأمرهم وينهاهم. [فساد قول من قال: إن حديث الولاية كان من أجل زيد بن حارثة] وأمَّا قول الجاهل: إن ذلك كان من أجل زيد بن حارثة رحمه الله، فهو قول فاسد؛ إذ هو مخالف لقول الله، وقول رسوله، ولحجة العقل. وذلك أنهم زعموا أن علياً قال لزيد: أنت مولاي. قال زيد: أنا مولى رسول الله. فزعموا أن علياً شكاه إلى رسول الله، فقال رسول الله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)). فساد قولهم هذا بين من وجوه وذلك أن زيداً كان رجلاً عربياً من كليب، وكليب من قضاعة، وإنما كان النبي تبناه، فكان يدعى زيد بن محمد، كما ذكره الله في كتابه حين يقول فيه: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}[الأحزاب:5]، وذلك أنه لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش بعد أن طلقها زيد، قال قوم من المنافقين: محمد ينهانا عن تزويج حلائل أبنائنا، فقد تزوج هو حليلة ابنه زيد، فقال لهم ربهم: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ(4)ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا(5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا(6)}[الأحزاب:4ـ6].  ثم قال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:37]، ولم يقل سبحانه: في أزواج أبنائهم، ولا أزواج عبيدهم، أكذب الله عز وجل الفريقين الذين قالوا: إن زيداً ابناً([297]) لمحمد، والذين قالوا: إنه عبده. ثم قال سبحانه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:40]. وأمَّا قوله سبحانه: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا ءَابَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب:5]، يعني: بني عمكم، كقول زكريا النبي حين يقول عليه السلام لربه: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم:5]، يقول: أخاف يا رب إن بني([298])  عمي لا يقوموا مقامي في تبليغ رسالاتك إلى خلقك، وأداء أمانتك إلى عبيدك، {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6)}[مريم:6]، ليس العبد يطمع أن يكون وارثاً لنبوة يعقوب عليه السلام. ووجه آخر: إذا صحَّ أن زيداً كان مملوكاً للنبي محال أن يكون مملوكه مملوكاً لعلي بن أبي طالب، فكيف يقول علي له: إنه مملوكه وهو لغيره ؟.  وإن زعموا أنه أراد بقوله: إنه مملوك،  إذا مات النبي، فهم يزعمون أن النبي لا يورث، وإذا أقروا بأنه يورث، فوارثه غير علي، لأن علياً ابن العم، فابن العم لا يرث مع العم، فالعباس حينئذ أولى بولاء زيد من البنت؛ لأن الولاء للرجال دون النساء. وإنما زعموا أن زيداً مملوكاً([299])  للنبي، لأنهم رووا أنه اشتري لخديجة بنت خويلد من سوق عكاظ في الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن خديجة رضي الله عنها وهبته للنبي بعدما تزوجها، فإذا أصحوا هذا الخبر أنه سبي في الجاهلية، فليس يلزمه ذلك؛ لأن الله سبحانه قال للمؤمنين: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3]، كما قال لرسوله: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب:50]، وقال عز وجل:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141]. وباب آخر: أن زيداً قُتِل قبل كلام النبي في يوم الغدير بثلاث سنين في أرض الشام مع جعفر الطيَّار في الجنة ابن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة الأنصاري، وغيرهم من المسلمين عليهم رحمة الله أجمعين في بلد يقال له مؤتة بإجماع الناس لا يشك في ذلك أحد. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خرج إلى غزوة تبوك، وخلف علياً في المدينة: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي))، اتباعاً لقول الله إذ يحكي قول كليمه موسى عليه السلام لأخيه هارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} [الأعراف:142]، عندما مضى النبي إلى ميقات ربه إلى جبل طور سيناء. أراد عليه السلام أن يعلم أصحابه أن علياً منزلته منه كمنزلة هارون من موسى فإنه خليفته فيهم مستوجب لذلك، كما استوجب هارون مقام موسى بعده في قومه، ثم بين لهم أن النبوة انقطعت بعده؛ لقوله: ((إلاّ أنه لا نبي بعدي)). كذبت الإمامية والخوارج رسول الله في هذين الحديثين: في حديث غزوة تبوك، وحديث غدير خم؛ لأن الإمامَّية قالوا: النبوة لا تنقطع أبداً بعد محمد إلى آخر الدنيا، فالإمامية فرق كثيرة منهم القرامطة.                 وكذلك الخوارج كذبوا رسول الله في قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) إذ قالوا: إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير([300]) ومعاوية وذا الثدية أولى وأحق بمقام النبي من علي. ـــــــــــــ  [ذكر فرق الخوارج]  والخوارج فرق كثيرة وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين صلى الله عليه يوم النهروان مع ذي الثدية منهم: الإباضية والنجدية أجمعت كلها عن النبي أنه قال في وصيه علي: إنه سيقاتل([301]) الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فالناكثون طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم قتله([302])  يوم الجمل بالبصرة، والقاسطون معاوية وأصحابه (قتلهم يوم صفين في الشام، والمارقون ذو الثدية وأصحابه)([303])قتلهم يوم النهروان قرب بغداد، ولذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام:(مثلي في هذه الأمة كمثل المسيح في اليهود والنصارى،  أحبه قوم فقالوا: هو ابن الله، وأبغضه([304])  آخرون فرموا أمه بالبهتان). قال علي عليه السلام: (يهلك في رجلان: محبٌ مفرط، ومبغضٌ مفتري، عليكم بالنمط الأوسط يتلوه التالي ويرجع إليه الغالي)، فالمحب الغالي القرامطة، قالوا فيه بالغلو كقول النصارى في المسيح كما قال سبحانه لرسوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ}...إلى قوله: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:171ـ172]. وكذلك نسبت القرامطة إلى أمير المؤمنين مثل ما نسبت النصارى إلى عيسى عليه السلام، ومما برأهما الله عز وجل منه، وشهد لهما بالعبادة والإخلاص له، ونفي الجبر والتشبيه عنه، وأكذب الفريقين على لسان رسوله محمد، وبين عوارهم وكذبهم على المسيح والوصي. فنظير المسيح في أمة محمد علي؛ لقول الله سبحانه: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}، إلى قوله: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الزخرف:57إلى 62]. على النصارى والقرامطة لعنة الله، ولعنة اللاعنين، والملائكة والناس أجمعين.  قالت القرامطة: إن علياً يعلم الغيب. وقال بعضهم: إنه حي لم يمت، وزعموا أنه هو الخالق كقول النصارى في المسيح، والمسيح يقول لهم: اعبدوا الله ربي وربكم وهم يقولون له: أنت المعبود، وكذلك علي يقول لهم: أنا لا أعلم الغيب. والمبغض المفتري فهم الناكثون، والقاسطون، والمارقون، ومن قال بقولهم  الذين حاربوه، وقتلوه وأولاده إلى وقتنا هذا، ولعنوه على منابرهم. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: (اللَّهمَّ العن كل محب لنا غالٍ وكل مبغض لنا مفترٍ). والنمط الأوسط فهم الزيدية الذين قالوا: إن محمداً رسول الله وعلياً وصيه، وقالوا: فضل علي بطاعته لمحمد، وإن محمداً خاتم النبيين([305])، وإن علياً أولى بمقام النبي من الناس كلهم في أمته؛ لقول الله فيه وقول رسوله، مع إجماع الأمة على إمامته؛ لأن الأمة أجمعت كلها أنه لا يقوم مقام النبي في أمته إلاّ من كانت فيه أربع خصال: (القرابة من النبي، والعلم، والزهد، والشجاعة، فهذه خصال)([306])  كلها مجتمعة في علي، مفترقة في غيره؛ لأنهم شهدوا أنه كان أحد السابقين إلى الله وإلى رسوله، وأحد العلماء، وأحد الزهاد، وأحد الباذلين لمهجهم بين يدي رسول الله، ثم ابن عم محمد، وزوج ابنته البتول، وأبو سبطيه الحسن والحسين، فالحق كما قال النبي: ((ما أجمعت عليه الأمة)).  زيد بن علي عليه السلام أعلم بسيرة جدَّيه محمد وعلي، ولذلك أخذ المسلمون بقوله، ورفضوا قول من خالفه من الإمامية والحشوية. [بيان من أفضى إليهم الملك من أهل البيت عليهم السلام ] أفضى هذا الملك الذي ذكره الله في كتابه من نبيه المصطفى، إلى وصيه علي المرتضى، ثم إلى سبطي نبي الهدى، الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب عليهم السلام. قال الله عز وجل لرسوله، إذ أمره بالمباهلة للنصارى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61]، فحضر عليه السلام بعلي وفاطمة والحسن والحسين؛ فعلي نفس رسول الله، وفاطمة بضعة منه، والحسن والحسين ابناه وولداه([307])  بحكم الله عز وجل؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني أنثى ينتمون([308])  إلى أبيهم إلاّ ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما([309]))).  وتصديق ما قال الرسول أيضاً فيهما قول الله عز وجل في خليله إبراهيم وذريته حين يقول: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(84)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)} [الأنعام:84ـ85]. فذكر سبحانه أن عيسى من ذرية إبراهيم، كما موسى وهارون من ذريته، وإنما جعله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده سبحانه ولادة الابن وولادة البنت؛ إذ قد أجرى موسى وعيسى مجراً واحداً من إبراهيم عليه السلام.  وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((فاطمة سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خيرٌ منهما([310]))) عليهم السلام. ثم أفضى هذا الملك إلى علي بن الحسين سيد العابدين ابن علي بن أبي طالب؛ ثم إلى ابنه زيد بن علي، أكرم المستشهدين، ثم إلى ابنه يحيى بن زيد أفضل المجاهدين، ثم إلى النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم إلى أخيه إبراهيم بن عبدالله، ثم إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صاحب فخ، ثم إلى يحيى بن عبدالله أخى النفس الزكية، ثم إلى محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ثم إلى أخيه القاسم بن إبراهيم، ثم إلى ابنه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم، ثم إلى ابنه الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى بن رسول الله، صلوات الله عليهم أجمعين. فهؤلاء الأئمة الصادقون من آل محمد خاتم النبيين، الذين ساروا في أمة جدهم بسيرته، وأقاموا دار الهجرة، وباينوا الظالمين، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، حتى لقوا الله على ذلك، عليهم صلوات رب العالمين. ثم من بعد هؤلاء الأئمة([311])  مقتصدون، علموا أمة جدهم ما جاء به جدهم من الحلال والحرام، والحدود والأحكام، مثل: عبدالله بن الحسن، وابنه موسى. ومثل: محمد بن علي، وابنه جعفر. ومثل([312]): محمد والحسن والحسين أبناء إبراهيم. ومثل: أحمد بن عيسى، وغيرهم من الأئمة الصادقين صلوات الله عليهم. فهؤلاء كلهم كما ذكر الله من كان([313]) مثلهم من آبائهم في كتابه حين يقول: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:95]. [وجوب معرفة فضل أصحاب رسول الله الذين لم يغيروا] ثم يجب عليك أن تعرف فضل أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار الذين قاموا معه، ونصروه، وجاهدوا أعداء الله بين يديه حتى لقوا الله على ما عاهدوا عليه رسوله، ولم يغيروا ولم يبدلوا كما بدَّل المنافقون الذين ذكرهم الله لرسوله حين يقول: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:1].  فهؤلاء الذين خالفوا بعد رسول الله وصي رسول الله، وحاربوه، وناصبوه بالعداوة، وهم الذين أمر الله رسوله بجهادهم وقتالهم حين يقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]، وقال عز وجل للمؤمنين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا([314]) الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، كما أمر رسوله سواءً سواء. [بيان أن المسلمين لا يختلفون وأن من قاتلهم علي عليه السلام ليسوا بكؤمنين] فأمَّا المسلمون فليس يختلفون أبداً، ولا يقتل بعضهم بعضاً، فبهذا وصفهم ربهم حين يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(71)وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(72)}[التوبة:71ـ72]. ثم قال سبحانه في المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(67)وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ(68)}[التوبة:67ـ68].  ألا ترى كيف ميَّز الله سبحانه بين المؤمنين والمنافقين،ووصف المؤمن بالإيمان، والطاعة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ووصف سبحانه المنافقين بالأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وبترك الصلاة وغل الزكاة والإعراض عن طاعته وطاعة رسوله؟. فهؤلاء الذين اقتتلوا بعد رسول الله؛ فأمَّا مؤمنان فلا يقتتلان، وعالمان لا يختلفان.  وقوله سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ...} [الحجرات:9] إلى آخر الآية، يقول سبحانه: إن وقع بين مؤمنين اختلاف من([315])  شيء من الحلال والحرام فأصلحوا بينهما، وأعطوا كل واحد منهما ما يجب له من الحق، فإن قبل كل واحد منهما ما يجب له من الحق، فليس بينهما اختلاف([316])   وإن قبل أحدهما الحق، وكرهه الآخر فالذي كره الحق فقد خرج من الإيمان؛ ولذلك قال سبحانه لرسوله وللمؤمنين: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].  فالباغي لا يسمى مؤمناً، والرسول لا يأمر بحرب مؤمن أبداً؛ إنما يحارب رسول الله من كره صلحه وأمره ونهيه. إنما أنكر قتال([317])  أمير المؤمنين [عليه السلام] لأهل البغي من أهل الإسلام الجاهلُ الذي لا يفرق بين الحق والباطل، أما الذي يميز بين الحق والباطل فليس يخطئ أمير المؤمنين أصلاً؛ لما بيناه من خبره في أول الكتاب من شهادة الله له بالإيمان والفضل. فلو علم الله عز وجل أنه يقتل مؤمناً واحداً إلى آخر عمره لم يأمر رسوله أن يوصي بأمته إليه، ويعلمهم أنه يسير فيهم بسيرته، ويحكم بحكمه، ويوالي أولياءه، ويعادي أعداءه؛ لأن علمه بما سيكون من كل مُكَوَّن، كعلمه بما كان وظهر وتبين، لا يخفى عليه من أمور خلقه شيء كما قال سبحانه: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة:6]، وقال سبحانه:{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}[الأعراف:7]. فإذا قد صح أن علم الله محيط بعلي وأفعاله إلى آخر عمره، وصح أن رسول الله قد بلغ رسالته إلى جميع خلقه، فقد وجب على المسلم أن يقبل شهادة رسول الله لنفسه ولغيره، ولزمه أن يصدقه في جميع ما جاء به من عند الله، وليعلم حينئذ أن علياً لم يقتل مؤمناً قط؛ لقول الله سبحانه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93] وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لزوال الدنيا أهون على الله من إهراق دم مسلم([318]))). وكان أمير المؤمنين أعلم بما يقول الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ إنما أنكر على أمير المؤمنين عبدالله بن أباض قتل المارقين يوم النهروان، وشهد عليه بالكفر، وأخرجه من الإسلام([319])، وتبعه على ذلك جهلة أمة محمد، وساعدوه على ذلك بغير حجة من كتاب الله، ولا بيان من رسول الله، إلاّ على وجه التقليد واتباع الهوى؛ ورأوا أن تكذيب كتاب الله، وقول رسول الله في وصي رسول الله، أهون عليهم من تكذيب عبدالله بن أباض الذي أهلك نفسه، وخسر دنياه وآخرته، بطعنه على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأنا أبين لك كذبه وزوره، وبهتانه على أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، عليه صلوات رب العالمين. قال الله عز وجل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آل عمران:144] الآية. ثم قال سبحانه في هؤلاء خاصة، الذين ذكرهم الله أنهم ينقلبون بعد رسول الله ويرتدون على أدبارهم:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(86)أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(87)خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ(88)}، [آل عمران:86ـ88]. وقال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[آل عمران:106]. وقال سبحانه في هؤلاء: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ ءَايَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[الزمر:59].  فهؤلاء الذين خالفوا وصي رسول الله فمنهم من حاربه، ومنهم من خذله، ومنهم من أخذ حقه؛ وأمَّا أصحاب رسول الله الذين استقاموا على عهد رسول الله فلم يعصوه، ولم يخالفوه؛ بل ثبتوا على طاعته حتى لقوا الله، كما أمرهم الله رحمة الله عليهم أجمعين. [بيان من هم المارقون]  اعلم يا أخي أن هؤلاء المارقين، الذين قتلهم أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، يوم النهروان هم الذين نصروه على قتال الناكثين يوم الجمل، وعلى قتال القاسطين أيام صفين، فلما أن صلح الفريقان أيام صفين من القتال([320])،  أظهر([321])  أصحاب معاوية لعنه الله المصاحف على الرماح، وقالوا: نحن ندعوكم إلى ما في كتاب الله فعلام تقاتلوننا؟ ضعفت عزيمة من كان راغباً في البقاء، وكارهاً لقتال أعداء الله، فقالوا لأمير المؤمنين: قد حرموا هؤلاء القوم قتالهم علينا بقولهم هذا. قال لهم أمير المؤمنين: (إنما هي كلمة حق يراد بها باطل؛ فامضوا على([322])  قتال أعداء الله). فقالوا له: لا نقاتلهم أبداً. فلما رأى معاوية إدبار أصحاب علي عنه، سألهم التحكيم بينه وبينهم قال لهم علي: (أنا على يقين من أمري، وبينة من ربي).  قالوا له: إن حكمت بينك وبين معاوية كما سألك وإلاّ قتلناك([323])  كما قتلنا عثمان بن عفان. فلما أجمع أكثر رأى أصحابه على الحكومة، وغلب على رأيه، وقل أعوانه؛ قال لهم: (اشرطوا على الحكمين أن يحكما بكتاب الله، فإن هما حكما بالكتاب، فالكتاب يحكم لي على معاوية، فإن لم يحكما بالكتاب فأنا غير راض بما يكون منهما). فلما أن عزله أبوموسى، وأثبت عمرو معاوية، قال لهم: (هذان حكما بغير حكم الله، فلا أرضى بحكمهما فانصروني على أعداء الله). فلم ينصروه، وافترق الفريقان على هذا الوجه، ورجع بأصحابه إلى العراق، ومعاوية لعنه الله إلى الشام. ثم اعتزلت منه الفرقة المارقة؛ فقالوا: شككت في دينك وشككنا عندما حكمت بينك وبين معاوية، وكفرت وكفرنا، فتب ونتب. قال لهم: (لم أشك في ديني، وقلت لكم: إنها كلمة حق يراد بها باطل فعصيتموني، وأرسلتم أنتم أبا موسى ولم([324])  أرض أنا عندما أرسلتموه، ولا عندما حكم، فادخلوا في جملة المسلمين). فكرهوا ذلك، وأثبتوا عبدالله بن الكوى إماماً وشبث بن ربعي أميراً، فلزموا طرق المسلمين، ووضعوا أيديهم في أموال الناس، حتى أخذوا أموالهم وقتلوا منهم؛ ثم جاءهم أمير المؤمنين فقال لهم([325]): (ادخلوا في ديوان المسلمين، وردوا على الناس أموالهم، وأسلموا لي الذين قتلوا حتى أحكم فيهم بحكم الله). فقالوا: كلنا قتل وشرك، ولا نسلم إليك أحداً فافعل ما أردت.  فأشهد الله عليهم مرة بعد أخرى؛ فلما كرهوه أوضع فيهم سيف الله فقتلهم، وهو السيف الذي قتل به الناكثين، والقاسطين والمشركين، بين يدي رسول رب العالمين؛ فهم له أنصار على الناكثين والقاسطين. فليس يخلو هؤلاء بنصرتهم([326])  له على الناكثين والقاسطين من أحد معنيين: إمَّا أن يكونوا لحقوه لطلب الدين أو الدنيا، فليس يجب لمسلم أن يقبل شهادة هؤلاء على أمير المؤمنين، فإن كانوا نصروه للدين، ثم بدا لهم منه أمر يخرجه من الدين، ويبطل إمامته، فكان الواجب عليهم أن يبينوا ذلك للمسلمين، الذين كانوا معه؛ لأنه كان معه سبطا رسول الله، ومحمد بن علي، وعبدالله بن عباس([327])، وعبدالله بن جعفر([328])، وجماعة كثيرة  من المهاجرين، والأنصار وغيرهم، من التابعين بإحسان؛ فإذا جاءوا بحجة يبطلون بها إمامته، وبان ذلك لأصحابه أن الإمامة قد زالت عنه، نصروهم عليه، ولم ينصروه عليهم. وإن قالوا: إنه كفر ومن نصره على قتلهم، فليس أحد من أهل العقول يقبل قولهم على أمير المؤمنين، وسبطي رسول رب العالمين، ومن تبعهم من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ويبطل شهادة الله وشهادة رسوله لأمير المؤمنين، ويقبل قول([329])  المارقين، الذين مرقوا من([330]) الدين. وفي المارقين ماروت الأمة بأسرها عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه قال عليه السلام: ((إنهم شر الخليقة يقتلهم خير البرية([331]))). فلما قتلهم أمير المؤمنين قال لأصحابه: (اطلبوا فيهم رجلاً له ثدي كثدي المرأة، وشعرات كشعرات الخنزير). فطلبوه، فقالوا له: لم نجده. فقال لهم: (والله ما كذبت ولا كذبني رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم). فركب بغلة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم  الدلدل؛ فلم تزل البغلة تدور بين القتلى، حتى وقفت على حفرة كبيرة مملؤة بالقتلى، فوجدوه فيهم، فكبر الإمام والمسلمون، وازدادوا في إمامهم بصيرة. فالذين نازعوا أميرالمؤمنين وقالوا له: إنهم أولى بمقام النبي منه في أمته، فهم ثمانية: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعائشة، ومعاوية، وذو الثدية، فكان إنكار علي عليه السلام عليهم على قدر الطاقة: مرةً بلسانه، ومرةً باللسان واليد؛ لأن إنكار المنكر، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((باليد واللسان والقلب))، فقد أنكر على جميعهم بإجماع العلماء؛ لإثبات حجة الله عليهم. وفي المارقين ما روى أبو سعيد الخدري([332]) قال: بينا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم يقسم قسماً له، إذ جاء ابن أبي الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله. فقال: ويلك !فمن يعدل إذا لم أعدل؟. فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي حتى أضرب عنقه. فقال له: (دعه فإن له أصحاباً يحتقر أحدكم صلاته، إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فينظر في قدده([333]) فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في رصافه([334]) فلا يوجد فيه شيء([335])  زعيمهم رجل أسود على عضده مثل حلمة ثدي المرأة أو البضعة تدردر([336]) يخرجون على حين غفلة من الناس فيهم نزلت {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[التوبة:58]([337])).  قال أبو سعيد: فأشهد أنني سمعت هذا من رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم ]، وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه حتى جيء بالرجل على النعت الذي نعته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس أحد يخطئ أمير المؤمنين في (قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ بل كلهم يصوب أمير المؤمنين)([338])  في قتال هؤلاء بعد رسول الله، كما صوبه في قتال من قتل بين يدي رسول الله، من المشركين، واليهود، والنصارى، غير هؤلاء الإباضية عابوا عليه قتل المارقين، وصوبوه في قتل الناكثين والقاسطين.  والناكثون والقاسطون هم أقرب إلى الإيمان عند العامة من الفرقة المارقة؛ لأن في الناكثين طلحة والزبير. فطلحة رجل من المهاجرين هاجر إلى رسول رب العالمين، فكان يقاتل بين يدي رسول الله حتى شلت يده يوم أحدٍ، وذلك أن رجلاً من المشركين رمى رسول الله بسهم فتلقاه طلحة بيده فشلت. والزبير أيضاً هو من المهاجرين وهو ابن  عمة([339])  النبي والوصي صلى الله عليهما وعلى آلهما وهما من أصحاب الشورى. وعائشة ابنة أبي بكر زوجة النبي. ومن القاسطين: معاوية بن أبي سفيان وهو عندهم كاتب الوحي، ورديف الرسول، وصهر النبي، ومأمور عمر وعثمان على الشام. وعمرو بن العاص وهو رجل من المهاجرين، وكان النبي يؤمره على السرايا. وابنه عبدالله كان معه يقاتل علياً، والعامة يروون منه كثيراً من رواياتهم. وعبيدالله بن عمر بن الخطاب، قتل بين يدي معاوية. وغير هؤلاء ممَّن صاحب رسول الله. فليس أحد من العامة يخرج علياً من الإسلام، بل كلهم يشهد له بالطاعة لله ولرسوله إلى أن فارق الدنيا، ويختفلون فيمن حاربه من الناكثين، والقاسطين، فمنهم من يقول: إن شريعته في قتلهم، وقتل اليهود والنصارى والمشركين واحدة؛ لأنه قتل الكل بأمر الله وأمر رسوله، كما قال [صلوات الله عليه]([340]): (ما لي ولقريش قتلتهم كافرين واليوم أقتلهم مفتونين، فالشريعة فيهم واحدة). وكان إذا قتل رجلاً واحداً قال: (اللهم إنه قاتل مع عدوك ليطفئ نورك ويغير ما جاء به نبيك، اللهم فأصل وجهه النار). وفرقة من العامة يقولون: إن علياً مصيبٌ في قتلهم، وإنهم مخطئون في قتاله، إلاّ أن خطأهم هذا لا يخرجهم من الإيمان، فالله رؤف رحيم. ترجو لهم الرحمة، وأمَّا أن يفصحوا لهم بالرحمة فلا. وأمَّا المارقون فقولهم فيهم كقول المسلمين كما رووا عن النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] أنه قال: ((هم شر الخليقة يقتلهم خير البرية))، فالإباضية إنما طعنوا على أمير المؤمنين صلوات الله عليه في قتال المارقين؛ (لأنهم زعموا أنهم شهدوا بالشهادتين، وقالوا بالصلاة والصيام والحج فمن هذه الجهة عابوا عليه وهم في خلال ذلك يصوبونه في قتال الناكثين)([341])  والقاسطين فهذان عندهم ممن يشهد بالشهادتين، وقال بالصلاة والزكاة والصيام والحج، فما أعجب أمرهم في هذا المعنى، إذ ميزوا بين الناكثين والقاسطين، وبين المارقين، ألزموا الناكثين والقاسطين الكفر وسموهم به بحربهم لأمير المؤمنين لا بشيء غيره، وألزموا أمير المؤمنين([342])  الكفر لقتله المارقين. والناكثون والقاسطون، فالمارقون عندهم على شريعة واحدة ولمحاربتهم([343])  عندهم اسمان متضادان: الإيمان والكفر، سموه عند قتاله الناكثين والقاسطين إماماً مؤمناً ثابتاً على طاعة الله وطاعة رسوله، ونصروه على قتالهم، بأبدانهم، وأموالهم؛ وأخرجوه من الإسلام فسموه كافراً عند ما أحرب المارقين. فهذا أشد ما يكون من الكفر والجحدان، واتباع الهوى والتقليد والخروج من الإيمان، فسحقاً وبعداً للقوم الظالمين.  وأمَّا المؤمنون فشهادتهم لأمير المؤمنين كشهادة خالقه ورسوله أنه وصي رسول الله([344])  وأنه سار بسيرته في أمته سواءً سواء. وأمَّا قتاله لأهل لا إله إلاّ الله من أمة محمد فهو كقتاله لأمة موسى وعيسى، لا فرق بين الفئتين؛ لأن أمة محمد يجتمعون يوم الجمعة إلى مساجدهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم، ويجتمعون أمة موسى إلى كنائسهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم، ويجتمعون أمة عيسى يوم الأحد إلى بيعهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم([345]). ففي هؤلاء الفرق الثلاث من دان بدين الله وأخذ بما جاءت به رسل الله، فرسول الله لم يؤمر بقتالهم، ولا بأخذ الجزية منهم، بل صانهم الله من سخطه وعذابه في دنياهم، وآخرتهم؛ وإنما أمر الله سبحانه رسوله بقتال من خالفه من الفرق كلها، وأمَّا من صدقه منهم وائتمر بأمره فلم يقتلهم رسول الله، ولا وصيه في عصره ولا بعده بإجماع الأمة إلاّ من قاتل منهم مع الناكثين والقاسطين والمارقين، وكذلك الأئمة الصادقون من آل محمد من سبطي نبي الهدى، ومن تبعهما من أولادهما لم يحاربوا أحداً من أمة جدهم إلاّ من خرج من دين الله، وشاق رسول الله، وكفر نعمة الله، وخالف أمر الله وسفك دماء أمة محمد، وهتك حريمهم، وأخذ أموالهم؛ قال الله سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} [المائدة:33] الآية؛ لأن قول النبي يوم غدير خم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، كقول عيسى لبني إسرائيل في محمد، كما قال الله سبحانه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(7)يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9)} [الصف:6ـ9]. فنبيهم عيسى عليه السلام قال: يأتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنور والبرهان. قالوا هم: بل جاءنا محمد بالسحر والزور والبهتان؛ وتعاونوا كلهم على إطفاء نور الله، وإزالة رسول الله من الموضع الذي جعله الله فيه، وحكم له به، فلم يزل رسول الله يضربهم بالسيف حتى أظهر دين الله على رغم آنافهم وأبادهم، وسفك دماءهم، وأباح ديارهم، وسبى ذراريهم، كما قال الله سبحانه فيهم، وفي إخوانهم المشركين: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}، يعني: المشركين، الذين حاربوا رسول الله يوم الخندق، ثم قال سبحانه: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:25] بعلي بن أبي طالب؛ لأنه لما قتل عمرو بن عبدود انهزم جميع الأحزاب من المشركين واليهود، وانقلبوا خائبين، ثم وضع رسول الله السيف في اليهود حتى أذلهم وأخزاهم، وأوهن كيدهم، وأرداهم، كما قال سبحانه فيهم: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}، إلى قوله: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الأحزاب:26ـ27]. فقتل أمير المؤمنين هؤلاء المشركين، وأهل الكتاب بين يدي رسول الله بأمر الله؛ إذ وجب له ذلك عندما خالفوا قول رسول الله فيه، كما وجب لرسول الله قتل من خالف قول رسول الله عيسى فيه؛ إذ كلاهما لا ينطق ولا يتكلم إلاّ بأمر الله عز وجل. وأمَّا قول الناكثين والقاسطين والمارقين لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، فهو كقول اليهود والنصارى لا إله إلاّ الله موسى وعيسى وهارون وداوود وسليمان رسل الله؛ وتصديقهم بكتاب الله كتصديق أولئك بالتوارة والإنجيل والزبور والفرقان.  قول الجميع في ذلك كله كقول المجرمين، الذين ذكرهم الله في كتابه حين يقول سبحانه فيهم: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(34)إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ(36)بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ(37)}[الصافات:34ـ37].  ألا ترى أن اليهود، والنصارى، والناكثين، والقاسطين، والمارقين كذبوا رسول الله، كما كذبه المجرمون سواء سواء؟. فلو قالوا هؤلاء كلهم: (لا إله إلاّ الله) على الحقيقة، لم يقتلهم رسول الله ولا وصيه من بعده، ولا أحد من أولادهم الصادقين؛ لأن النبي قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله؛ فإذا قالوا حرمت عليَّ دماؤهم، وأموالهم، وحسابهم على الله)). ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من قال: لا إله إلاّ الله، مخلصاً دخل الجنة)). فالرسول، والوصي، وأولادهما الصادقون لم يقتلوا أحداً من أهل الجنة قط؛ بل كان رسول الله يستغفر لمن يقول([346]): لا إله إلاّ الله، مخلصاً، كما أمره الله، إذ يقول سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:19]. فليس من شبه الله بخلقه، ونسب إليه ظلم عباده، أو أبطل وعده ووعيده، أو كذب رسولاً من رسله، أو حارب ولياً من أوليائه، يقول في خالقه: لا إله إلاّ الله مخلصاً؛ ومن لم يخلص قوله في  الله، فصلاته وزكاته وصيامه وحجه باطل، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((كل صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بتلك الصلاة من الله إلاّ بعداً، ولم يزدد الله عليه إلاّ غضباً([347]))). وقال يحيى بن عبدالله الحضرمي في روايته: أخذ سلمان الفارسي بيدي ذات يوم، فانتهينا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فوجدناه جالساً في محرابه، فلما بصر بنا أقبل إلينا بوجهه، وحدثنا بحديث؛ ثم قال عليه السلام: (ألا أخبركم بالجاهل كل الجاهل حقيقة الجاهل ؟) قال: قلنا: بلى يا أمير المؤمنين.  قال: (من لهج بالصوم والصلاة على غير معرفة منه بربه وبدينه، قد أرخى ذقنه على صدره، وتماوت في منطقه، وقارب من خطوه، وأعجب بسجادته؛ ويل له ما يلقى من عذاب ربه!). وتصديق ما قال النبي والوصي عليهما السلام قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)}، إلى قوله: {نَارًا حَامِيَةً(4)}[الغاشية:2ـ4]. ثم قال: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23].  فأبطل الله عز وجل أعمالهم، وأحبطها؛ إذ كانت أعمالهم على تكذيب رسل الله، فمن كذب رسله، فقد كذبه الرسول من  المرُسِل. وكذلك أعمال الإباضية على هذا المعنى؛ لأنهم كذبوا الله، ورسوله في وصيه، وقد ذكر الله عز وجل  قوماً من أهل الكتاب بأعمالهم، فقال لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]. وقد يروى أن في شريعة عيسى عليه السلام مكتوباً: (إن من لطم خدك الأيمن، فأعطه خدك الأيسر، ومن يسخرك ميلاً، فامش معه ميلين، ومن غصبك ثوباً فأعطه ثوباً آخر، واستغفر لمن ظلمك، ولا تدع على من ظلمك). وليس في الإباضية من يفعل هذا الفعل؛ فلم يمنع رسول الله فعلهم هذا عن قتلهم، وقتالهم حتى قتلهم وأمر أمته بقتالهم إلى آخر الدنيا. [قتال المفسدين المتسمين بالإسلام مقدم على قتال المجاهرين بالكفر] فلو ظهر رسول الله، لبدأ بقتال من قرب من منزله منه من القرامطة والإباضية، ثم مضى إلى اليهود والنصارى والمشركين؛ لقول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:123]، يعني سبحانه: الذين بينكم كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم عند مبعثه، بدأ بعشيرته قريش، فإذا ظهر الإسلام منهم، نهض إلى غيرهم ممن أنكره كإنكارهم، وكذبه كتكذيبهم، قال الله سبحانه في ذلك لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214].  وأمَّا اليهود والنصارى والمجوس، الذين هم في دار الإسلام، إنما ترك رسول الله قتالهم عجزاً ليس من أجل الجزية التي تؤخذ منهم؛ لأنه إنما أجمع الناس على حربه، المشركون وأهل الكتاب، وضعف عن قتال الكل؛ أمر رب العزة أن يبدأ بالمشركين؛ إذ مع أهل الكتاب من كتب الله مثل ما معه، كما قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ}[المائدة:44] الآية، وقال: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ}[المائدة:43]، وقال سبحانه: {وَءَاتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة:46]. فنزل به صلَّى الله عليه وآله وسلم الموت قبل أن يفرغ من قتال المشركين. ثم اشتغل الوصي بعده بقتال الناكث والقاسط والمارق. وكذلك أولادهما الصادقون إلى وقتنا هذا، شغلهم ظلمة أمة محمد عن قتال غيرهم، فإلى الله في ذلك المفزع والمشتكى، وهو غاية المطلب والرجاء.  فإذا ظهر الإمام دعا اليهود والنصارى الذين هم في دار الإسلام إلى دين الله؛ فمن قبل منهم الإسلام كان له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، ومن كره الإسلام منهم، حاربه، كما يحارب ظالمي أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم؛ وتصديق ذلك قول الله فيهم حين يقول: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159]. ذكر الله عز وجل أن رسوله عيسى عليه السلام إذ([348]) أظهره في آخر الدنيا أن أهل الكتاب  الذين يكونون على وجه الأرض يؤمنون بعيسى، وينصرون المهدي عليهما السلام، وأن عيسى يكون يوم القيامة شهيداً على عصاة أهل الكتاب من حين رفعه الله إلى حين([349])  أهبطه إلى الأرض؛ لأنه كان أمرهم باتباع محمد عليهما السلام، كما قال سبحانه: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6]. قول الله: {إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ}، إلهاً لعيسى عليه السلام. وقوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}[الزخرف:61]، يقول عز وجل: ظهور عيسى يدل على قرب الساعة، {فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا}. [ذكر اختلاف الناس عند موت النبي(ص)] لأن الناس اختلفوا عند موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت الأنصار للمهاجرين عندما قالوا: نبايع أبا بكر؛ قالت لهم الأنصار: إذا عزمتم أن تخالفوا قول رسول الله في وصيه، ولا تطيعوا أمره، وتثبتوا مكانه غيره، فاجعلوا منَّا أميراً ومنكم أميراً. فأجابوهم إلى ما سألوا، فأثبتوا من المهاجرين أبا بكر، ومن الأنصار سعد بن عبادة، وعزموا على ذلك حتى قال لهم سالم مولى أبي حذيفة([350]): سمعت رسول الله يقول: (الأئمة من قريش).  فسلمت الأنصار بهذا القول إلى قريش الأمر، وعلي مشغول برسول الله، فلما فرغ من جهازه قال للفريقين: أنا أولى بمقام رسول الله منكم؛ لأن بيعتي في رقابكم جاءت من الله على لسان نبيكم. فاختلف عليه قولهم. فلما رأى اختلافهم، وقل أعوانه، وخاف الفتنة أشهد الله عليهم، ولزم منزله. (فأقام أبو بكر سنتين ونصفاً، فلما جاءه الموت أوصى بهم إلى عمر، ثم جمعهم أمير المؤمنين، فعرفهم بقول الله وقول رسوله فيه، فلما غلبوه أشهد الله عليهم، ولزم منزله)([351])  فلما طعن عمر جمع المهاجرين والأنصار، فقال لهم: إني أريد أن أجعل هذا الأمر بعدي بين ستة نفر؛ منهم: علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن بن عوف([352])، وسعد بن أبي وقاص([353])، فإنهم أخيار أصحاب رسول الله وخرج الرسول من الدنيا وهو راض عنهم، وولى عليهم صهيباً الرومي([354]) غلام النضر بن قاسط يصلي بهم وأنظرهم ثلاثة أيام، ثم قال للمهاجرين والأنصار: إن اتفقوا في هذه الأيام على إمامة رجل (فهو إمامكم، وإن لم يتفقوا واختلفوا، فاضربوا رقابهم، فهذا عبدالرحمن أميني عليهم. ثم قال لهم: إن اتفق أربعة منهم على إمامة رجل)([355])  منهم، وكره واحد فاقتلوه، وإن مال معه واحد فاقتلوه معه وإن افترقوا نصفين، فكونوا أنتم في الحزب الذي يكون فيه عبدالرحمن. وإنما أراد بقوله إن انفرد واحدٌ فاقتلوه يعني: علياً؛ لأنه علم أنه لا يساعدهم، وأراد بالثاني الزبير؛ إذ هو ابن عمته وأراد بالثالث طلحة؛ إذ كان صديقاً للزبير. وأمَّا عبدالرحمن، فقد علم أنه يميل مع عثمان؛ إذ هو صهره، ومع سعد؛ إذ هو([356])  ابن عمه فأدار بذلك رأيه في إزالة علي من الخلافة. وأعجب من هذا أن أصحابه سمعوا شهادته لهؤلاء الستة أنهم من أهل الجنة ! (أفلا يقولون)([357])  ألا تتقي الله يا إنسان ؟. بل أطرقوا وأهطعوا، أتباع كل ناعق وسيقة كل سائق. فحرص القوم على إزالة أمير المؤمنين وإسقاطه، فأبى الله إلاّ رفعته وعلوه؛ لأن بنيان رب العالمين لا يهدمه هادم، وأمره لا يعدوه أحد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فلما انقضت الأيام قال عبد الرحمن لعلي: أمدد يدك أبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر. قال علي: (أبايعكم على أن أحكم فيكم بكتاب الله وسنة رسوله). فأرسل عبد الرحمن يده، ثم قال لعثمان: امدد يدك نبايعك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر. قال: نعم. فبايعوه ([358])، فلما عزموا على ذلك قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على رجليه، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحتج عليهم بنيف وأربعين حجةً من كتاب الله وقول نبيه تثبت إمامته فيهم([359]). [ذكر احتجاج علي بن أبي طالب يوم الشورى] عن أبي الجارود بن عامر بن وائلة وغيره  قال: كنَّا عند الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات (فسمعنا([360])  علي بن أبي طالب يقول: (بايع الناس لأبي بكر، وأنا ـ والله ـ كنت أولى بها منه، وأحق بذلك؛ إن بيعتي في رقابكم جاءت من الله ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم، فنقضتم العهد والميثاق، والله بيني وبينكم.  ثم بايع الناس عمر، وأنا ـ والله ـ كنت أولى بها منه وأحق. ثم تريدون أن تبايعوا لعثمان، فالله بيني وبينكم يوم نلقاه. ثم قال: أما والله لأحتجن عليكم بحجج، لا يستطيع معاهد منكم، ولا مشرك، ولا مصل، يرد خصلة منها . ثم قال: أنشدكم الله أيها العصابة، وأنتم أيها الناس، أتعلمون أن فيكم من وحد الله قبلي ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من صلى القبلتين غيري؟. قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من اتخذه رسول الله أخاً لنفسه غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من قال فيه رسول الله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي)) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من له عم مثل عمي حمزة، أسد الله وأسد رسوله، وسيد الشهداء الذي غسلته الملائكة غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من له أخ مثل أخي جعفر، الذي له جناحان من جوهر، يطير مع الملائكة غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من له زوجة مثل زوجتي فاطمة، سيدة نساء العالمين غيري؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من له سبطان مثل سبطي: الحسن، والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من يجري له سهمان: سهم في الخاصة، وسهم في العامة غيري؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من كان له الخمسان غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قدم بين يدي نجواه صدقة غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من أعظم عناءً عن رسول الله حين اضطجعت في مضجعه، وبذلت له مهجة نفسي فأنزل الله فيَّ {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقره:207] غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من قتل يوم بدر ستة رجال في المبارزة غيري ؟. قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من كان أقتل لصناديد العرب عند كل شديدة تنزل برسول الله غيري ؟. قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من ثبت مع رسول الله يوم أحد، حين انهزمتم جميعاً، فأنزل الله فيَّ ما أنزل في كتابه حين يعيبكم بانهزامكم عن رسول الله، وسماني صابراً غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من قال جبريل يؤمئذ: ((يا محمد، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الرجل لك من ذي اليوم بنفسه !)) فقال رسول الله: ((إنه مني وأنا منه([361]))) فقال جبريل: وأنا منكما غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال له رسول الله مثل الذي قال لي، يوم الذي بعثني إلى ذي السلاسل، حيث بعث إليهم أبا بكر فانهزم، ثم بعث إليهم عمر فانهزم، ثم بعث إليهم عمرو بن العاص فانهزم، فقال رسول الله: ((لأبعثن عليهم رجلاً طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، لا ينهزم كما انهزمتم حتى يفتح الله عليه إن شاء الله )) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  ثم قال: أفيكم من قتل عمراً وأصحابه يوم الخندق غيري حتى أنزل الله فيَّ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[االأحزاب:25] غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  ثم قال: أفيكم من قتل مرحباً اليهودي وأخاه ياسرا غيري حتى قال النبي: ((يا علي لولا أن طوائفاً من أمتي يقولون فيك ما قالت النصارى في المسيح صلى الله عليه، لقلت فيك قولاً لا تمر بملاء إلاّ أخذوا من تراب قدمك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك([362])))، حتى تكلم قوم من أصحابه في ذلك اليوم، فأنزل الله عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ(57)وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ(58)إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ(59)وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ(60)}؟[الزخرف:57ـ60].  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من أمر رسول الله يباهل به غيري، وغير زوجتي وابني، حيث يقول الله لرسوله: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}؟[آل عمران:61]. قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من ترك بابه في المسجد بأمر الله غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من أحل له في مسجد رسول الله ما أحل لي غيري؟. قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من سمى الله عز وجل في كتابه مؤمناً، وسمى غيري فاسقاً، وهو الوليد بن عقبة بن أبي معيط غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من قال جبريل للنبي عليهما السلام عن الله عز وجل: ((لا يؤدي عنك سورة براءة إلا رجل منك وأنت منه)) قال رسول الله: ((يا جبريل من ذلك)) قال: علي بن أبي طالب))، فدفعها إليَّ رسول الله، وأمرني برد أبي بكر([363])؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من كان معه جبريل غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال له رسول الله: ((هذا أقدمكم سلماً ـ يعني: إسلاماً ـ وأعلمكم علماً، وأقرؤكم لكتاب الله، وأقضاكم لحكم الله)) غيري؟. قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال رسول الله: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال رسول الله: ((علي مع الحق والحق معه([364]))) غيري؟. قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من كان إذا قاتل، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله غيري ؟؟  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال الله عز وجل للمؤمنين: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55] غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من قال رسول الله، يوم غدير خم عن أمر الله ما قال: ((يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟)). قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((اللهم اشهد فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه)) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم أحد قال له رسول الله: ((لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه([365]))) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من قال رسول الله فيه: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)) غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من أغمض رسول الله غيري ؟.  قالوا: اللهم لا. قال: أفيكم من كان أقرب عهداً برسول الله مني، حين وضعته في قبره ؟.  قالوا: اللهم لا.  قال: أفيكم من كفن رسول الله، وغسله، وحنطه غيري ؟.  قالوا: اللهم لا.  ثمَّ قال: أنشدكم الله يا عثمان، وأنت يا طلحة، وأنت يا زبير، ويا عبدالرحمن بن عوف، وإنما كنتم عشرة رجال عند رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: أبوبكر وعمر، وأنتم أيها الأربعة، وسلمان وأبوذر، والمقداد بن الأسود، وبريدة بن الحصيب الأسلمي([366])، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: ((قم يا أبا بكر سلم على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب([367]))). فقال أبو بكر: من الله ومن رسوله ؟. قال: ((نعم)). ثم قال لعمر، فقال مثل مقالة أبي بكر من الله ومن رسوله. قال: ((نعم)). ثم قال: لك يا عثمان،  فقلت مثل مقالتهما؛ ثم قال لجميعكم، فلم تقولوا مثل ما قالوا، بل سلمتم، ورضيتم.  قالوا: اللهم نعم؛ قد كان ذلك أجمع، ما قلت كما قلت لا ينكر، ولا يجحد. ثم قال: الله بيني وبينكم. فكلما جاءهم بآية أو رواية قال لهم: أليس هذا صحيح عندكم ؟. فيقولون له كلهم: اللهم نعم. فلما استقررهم، وأشهدهم على أنفسهم، أشهد الله عليهم، ثم لزم منزله.  فأقاموا في طاعة عثمان اثني عشر سنة، ثم غضبوا عليه، فقالوا له: اعتزل من هذا الأمر.  قال لهم: هذا لباس ألبسنيه الله لا أخلعه أبداً. قالوا له: نحن ألبسناك، فإن اعتزلت وإلاّ قتلناك. فحاصروه في داره أربعين يوماً، ثم ضربوا رقبته وطرحوه على مزبلة، والصبيان يقولون: أبا عمرو أبا عمرو  فما ينفعك المال (ولقاك من النيران   رماك الله بالجمر إذا أُدليت في القبر مكاناً ضيق القعر)([368]) [ذكر بيعة أمير المؤمنين علي (ع) وما تلاها من الأحداث] ثم جاؤا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فسألوه البيعة فكره، فأقاموا ثلاثة أيام يطلبون إليه، حتى أخذ بيعتهم فما ثبتوا إلاّ أياماً([369])  يسيرة، حتى نكث بيعته طلحة والزبير ومن تبعهما من الناكثين، ثم أخذوا عائشة ابنة أبي بكر، فمضوا إلى البصرة، فقتلوا جماعة من المسلمين يقال لهم: السيابحة، عندما لم يريدوا يدخلوا معهم في قتال أمير المؤمنين، ثم خرج أمير المؤمنين بمن معه من المهاجرين والأنصار وسائر المسلمين طريق الكوفة؛ فخرج معه قوم من أهل الكوفة، فلما وصل إليهم دعاهم إلى الرجوع إلى طاعته، فأبوا عليه، فأشهد الله عليهم، ثم وضع السيف فيهم، فقتل منهم على – ما يتناقله الرواة – خمسة وعشرين ألفاً، وقتل فيهم طلحة وفرَّ الزبير، حتى بات عند رجل يقال له: عمير بن جرموز التميمي، فلما رقد حزَّ رأسه، وذهب به إلى علي بن أبي طالب. فلما بصر به علي قال: سمعت رسول الله يقول: ((بشر قاتل ابن صفية بالنار)). قال: يا علي إن قاتلناك([370])  فنحن في النار، وإن قتلنا عدوك فنحن في النار. فقتل يوم النهروان مع المارقين، وبقيت ذلك النهار عائشة وحدها، في هودجها على بعيرها، فقال لهم علي: اعقروا البعير. فلما عقروه حملت الخيل عليها، فقال علي للحسن بن علي([371]) ومحمد بن أبي بكر([372]) وعمار بن ياسر والأشتر النخعي([373]) وسعيد بن قيس الهمداني([374]): أدركوا حرمة رسول الله لا نفتضح بها.  وأصحابها يقولون: يا أمنا عائش لن([375]) تراعي   يقيك كل بطل شجاع وأصحاب علي يقولون: جزيت عنَّا أمَّنا عقوقا  قتلت من أمَّتنا فريقا     كما تنكبت بنا الطريقا ورمت أمراً نكداً سحيقا ويقولون فيها أيضاً: عائش يا قادمة المقدمات   إنَّ لنا سواك أمهات   في مسجد الرسول ثاويات   ثم وجه بها أمير المؤمنين إلى المدينة. فقول الحشوية: إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ثلث علمكم من عائشة))، فالله عز وجل يقول:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:81]. كما قلت لرجل نجدي عندما قال لي: توالي عائشة؟.  قلت: أوالي من حاربته عائشة. ثم قلت له: أراك تلح في  عائشة، ولم تذكر حفصة، فالله ذكرهما جميعاً؛ لقوله سبحانه: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم:4]، إلاّ أنني أظنك تفضلها؛ لقوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:95]، عندما حاربت أمير المؤمنين علياً، وسنت لأمة محمد قتال ولد النبي والوصي إلى آخر الدنيا؛ لأنها أول من حارب علياً، والحسن والحسين، ومن معهم من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، ولولا هي لم يقدم على حرب عليّ من هؤلاء أحدٌ؛ لأن الزبير ذهب منهم، وطلحة قتل في أول النهار؛ غير أن حفصة تغلبها؛ لقول الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] الآية، والله عز وجل لم يجز شهادة ألف امرأة في درهم واحد إلاّ برجل معهنَّ، فكيف يكلفها تبليغ معرفة الكتاب والسنة إلى خلقه ؟!. وأعجب من هذا كله أنهم يزعمون أنها قالت: كنت أحفظ للبيد وحده ألف بيت، وهم مجمعون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذها وهي ابنة تسع([376])  سنين في المدينة، والله يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69]، قال مرة:   * ويأتيك بالأخبار من لم تزود([377]) *   فأنكر عمر، فتبسم عليه صلوات الله ضاحكاً من قوله، عندما وقع عند عمر أنه أفصح من النبي.  ثم ولىَّ عبدالله بن عباس البصرة، وطلع الكوفة، ثم أرسل إلى معاوية يدعوه إلى طاعة الله فكره، فكان بينهما ما قد بلغك؛ فات بينهما على ما ذكروا سبعون ألف رجل: خمسة وأربعون من أصحاب معاوية، وخمسة وعشرون من أصحاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. ثم قتل المارقين على نحو ما ذكرت لك. ثم قتله عبدالرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله. ـــــــــــــــ [ذكر بيعة الحسن والحسين (ع) وما جرى بعدها] فلما قتل بايع الحسن بن علي من أصحاب علي أبيه مائة ألف فارس([378])   فأرسل إليهم معاوية الكتب، فلم يزل يعمل فيهم حتى دخلوا عليه، فطعنوا بطنه بخنجر، ونهبوا داره وعزموا على قتله، وقتل أخيه وأهل بيته؛ فلما بلغ الخبر إلى معاوية، أرسل إليه يسأله الصلح والموادعة له، والرجوع إلى المدينة، وعلى أنه يلزم منزله كما لزم أبوه في عصر أبي بكر وعمر وعثمان، فأجابه الحسن إلى ما سأل، وشرط عليه كما شرط أبوه على أبي بكر وعمر وعثمان، وأن يحكم في أمة محمد بكتاب الله، وسنة رسوله وعلى أن يدفع الخمس الذي أوجب الله لبني هاشم إليه، كما كان أولئك يدفعون إلى أبيه، فاتفقا على هذا الشرط، ورجع الحسن والحسين وأهل بيتهما إلى المدينة، ومعاوية بدمشق. فلم يزل معاوية يعمل في الحسن حتى قتل([379]) بالسم، وحرَّض في الحسين([380]) على أن يلحقه أخاه فلم يستمكن منه. ثم إن معاوية لعنه الله أوصى بالأمر إلى ابنه يزيد([381]). ثم استدعى الحسين قوم من أهل الكوفة، وبايعوه ووعدوه بالنصرة، فخرج إليهم بأهل بيته وحرمه، ووالي البلد عبيدالله بن زياد من تحت يد يزيد بن معاوية، فحاربه حتى قتله وقتل أهل بيته، ووجه بحرمه وأطفاله ورأسه إلى يزيد، وردهم يزيد إلى المدينة. [ذكر من قام بأمر الله من أهل البيت (ع) من بعد الحسنين] فأقاموا على ذلك حتى بلغ زيد بن علي بن الحسين مبلغ أبيه وجده في العلم والكمال، ثم خرج إلى العراق، ودعا الناس إلى طاعة الله كما دعاهم جده الحسين، فبايعه خلق كثير، وبلغ خبره إلى يوسف بن عمر، وهو وال البلد من تحت هشام بن عبدالملك بن مروان، فحاربه يوسف حتى قتله، ثم صلبه في الكوفة، وأقام مصلوباً سنتين، ثم أنزله فأحرقه ونسف رماده في الفرات، وخذله أهل بيعته كما خذلوا جده الحسين، وكان معه ابنه يحيى بن زيد([382])، فلما قتل أبوه هرب منهم؛ فلحقوه في أرض خراسان في بلد يقال له جوزجان، فقتلوه ومن معه، ثم وضعوه في المهراس فهرسوه([383])، وذلك في ولاية الوليد بن يزيد بن عبدالملك.  ثم كان سبب هلاك بني أمية قتل علي والحسن والحسين وزيد ويحيى، حتى أهلكهم الله ودمرهم، وصار الأمر إلى بني العبَّاس. ثم خرج محمد بن عبدالله النفس الزكية([384])، فدعا الناس إلى طاعة الله في مدينة الرسول، فخرَّج إليه أبو الدوانيق عسكره حتى قتله، وسال دمه إلى حجار الزيت.  وذلك أنهم رووا أن رسول الله خرج ذات يوم، فوقف في موضع من المدينة، ثم قال لأصحابه: ((ألا إنه سيقتل في هذا الموضع رجل من ولدي، اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي، يسيل دمه من هاهنا إلى أحجاز الزيت، على قاتله ثلث عذاب أهل النار))([385]). فقتله وأباه وإخوته وعمه، وجماعة من الحسنيين([386]). وفي النفس الزكية وفي المهدي ما روى الهادي إلى الحق عن آبائه عن زيد بن علي [عليهما السلام] أنه قال:(نحن الموتورون ونحن طلبة الدَّم، والنفس الزكية من ولد الحسن، والمنصور من ولد الحسن فكأني بشيبات النفس الزكية وهو خارج من المدينة يريد مكة، فإذا قتله القوم لم يبق لهم في الأرض ناصر ولا في السماء عاذر، فعند ذلك يقوم قائم آل محمد، ملجياً ظهره إلى الكعبة بين عينيه نور ساطع لا يعمى عنه إلاّ أعمى القلب في الدنيا والآخرة).  قال: فقال أبو هاشم بياع الرمان([387]): وما ذلك يا أبا الحسين ؟. قال: عدله فيكم، وحجته على الخلائق. ثم قال الهادي إلى الحق([388]) في المهدي على أثر ذلك: كريم هاشمي فا رؤوف أحمدي لا ترى أعداؤه منه شجاع يتلف الأروا رحيم بأخي التقوى حكيم أوتي التقوى بعدل القائم المهدي   طمي جامع القلب يهاب الموت في الحرب حذار الحتف في الكرب ح في الهيجاء بالضرب شديد بأخي الذنب وفصل الحكم والخطب غوث الشرق والغرب وقد بلغنا عن الهادي إلى الحق أنه قال: بينه وبين المهدي خمسة عشر إماماً، وإن المهدي آخر الأئمة. ثم خرج إبراهيم بن عبدالله([389]) أخي([390])  النفس الزكية ودعا الناس إلى طاعته([391]) بناحية البصرة، فخرَّج إليه أبو الدوانيق عسكره، فحاربه حتى قتله بباخمرى. ثم خرج الحسين([392]) بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بفخ في جانب مكَّة، وخرج أمير مكة بعسكره وبمن أجابه من الحاج، فحاربوه حتى قتلوه وجماعة من أهل بيته وغيرهم من المسلمين، فلم يجترئ أحد يدفنهم حتى أكلت السباع بعضهم. وبلغني عن الذي تولى قتل هذا الإمام، أنه لما جابَهَ([393])  الموتَ قيل له: قل: لا إله إلاّ الله فلم يفصح بها، وهو يقول: ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن   لقيت حسيناً يوم فخ ولا حسن فطفقت([394])  نفسه على هذا البيت، والذي جهز في قتاله موسى بن أبي الدوانيق. ثم خرج يحيى بن عبدالله([395]) أخو النفس الزكية بناحية طبرستان والديلم، ودعا الناس إلى طاعة الله، فلم يزل هارون بن موسى يتعمل فيه حتى وقع في يده ببغداد، فقتله وطُرح في بركة فيها السباع، فكفت عنه ودفن فيها، وبنيت عليه اسطوانة. ثم خرج في سواد الكوفة محمد بن إبراهيم ـ الذي صحبه أبو السرايا([396]) ـ في عصر المأمون ودعا الناس إلى طاعة الله، فأدركه الموت، فمات بعد أربعة أشهر. ثم خرج أخوه القاسم بن إبراهيم([397]) في غربي مصر، ودعا الناس إلى طاعة الله، فأجابه قوم منهم، فأقام فيهم ما أقام، فلما كان ذات يوم قال له بعضهم: ما تقول في أبي بكر وعمر ؟.  قال لهم: كانت لنا أم صِدِّيقة ابنة صِدِّيق ماتت، وهي عليهما غاضبة([398])، ونحن نغضب لغضبها؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة([399]))). فغضبوا من هذا القول وبان له منهم الإدبار، ثم انسل منهم، ولحق بالحجاز، ولزم جبلاً يقال له الرس، فأقبل على تعليم الناس، حتى أظهر دين جده، ووفد إليه خلق كثير من آفاق الدنيا، ثم مات. ثم لزم ابنه محمد بن القاسم مجلسه، وعلم الناس على رسم أبيه. ثم خرج ابن أخيه الهادي إلى الحق في اليمن، ودعا الناس إلى طاعة الله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأظهر العدل والتوحيد فيهم، وهاجر إليه خلق كثير من جميع البلدان أصحاب دين وفقهٍ وعلمٍ. وأكثر من جاءه من ناحية طبرستان فناصروه([400])  وقاموا معه، وجاهدوا بين يديه وولاهم أحكام الناس وصلاتهم وقبض زكاة أموالهم، وكانوا بطانته؛ وخاصته لما اختبره من نصيحتهم، وثقة خلصائهم، وقيامهم معه على كل من عاداه، من قريب أو بعيد، أو شريف أو دني، ونصره أهل اليمن، وقاموا معه غاية القيام، فأقام على ذلك خمس عشرة سنة، وأظهر من دين جده مالم يظهره أحدٌ، ممن كان قبله (من الأئمة الصادقين، وذلك لتمكنه ومقامه مالم يتمكن من كان قبله)([401])  من أشكاله. هذا وهو محاربٌ لأعداء الله، ولا([402])  وادع، ولا خافض يوماً واحداً من حربهم، وذلك أنهم أجمعوا عليه أولا([403]) بني العباس الذي([404]) كانوا في اليمن، حتى بلغ بعضهم العراق، يستنصر بهم عليه، فنصر الله عز وجل ابن نبيه، وأعانه على إظهار دينه على يديه، حتى استفاد منه أهل اليمن، والشام، ثم مات بصعدة وقبره بها صلوات الله عليه. ثم خرج ابناه محمد([405])، وأحمد([406])، فحاربا القرامطة بمن تبعهما من المسلمين، حتى أذلوهم، وأخزوهم، وأوهنوا كيدهم، ومزقوهم كل ممزق، فما زالا مجتَهِدَين في حربهم، حتى ماتا بصعدة.  وإنما نَسَقِي([407])  هذا لجميع من وصفتهم لك؛ لأن أعرفك بالنبي وأهل بيته الصادقين، ومن حاربهم من الفراعنة الجبارين، وكيف قتلوهم حين دعوهم إلى إحياء ما جاء به جدهم، ومن كان قبلهم من المرسلين، كما قتل الفراعنة الأولون رسل الله، عندما دعوهم إلى طاعة الله، ونهوهم عن معصية الله، وعمَّا نهوا أنفسهم عن سخط الله([408])، كما حكى الله عز وجل حين يقول فيهم: {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [البقرة:77] الآية. فما ضر فعلهم ذلك رسل الله ولا أولياءه؛ بل كانوا هم الخاسرين، ولعذاب الله وسخطه مستوجبين، وقد ذهب كلهم إلى رب العالمين،  ونفي([409])  الحساب بينهم، ووجدوا ما عملوا حاضراً، ولا يظلم ربك أحداً؛ فريق في الجنة، آدم ومن تبعه من الجن والإنس، وفريق في السعير إبليس ومن تبعه من الجن والإنس. [ذكر ما ابتلي به علي عليه السلام والرد على من قال: إن علياً عليه السلام أثار الفتنة] فابتلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين وعلى آله، كما قال في بعض كلامه: (بليت بأربعة لم يبل بهم أحدٌ غيري: بعائشة ابنة أبي بكر، أطوع الناس في الناس، وبطلحة بن عبيدالله، أنطق الناس في الناس، وبالزبير (أشجع الناس في الناس)([410])، وبيعلى بن منية التميمي، الذي يعين عليَّ بأصواع الدنانير والدراهم).  ذكر أنه وجد بصك ليعلى على طلحة باثنين وسبعين فرقاً دراهم([411])، ممَّا أعانه بها على حرب أمير المؤمنين عليه السلام. فقول الحشوية: إن الناس كانوا في خفض ودعةٍ، حتى أثار علي الفتنة بينهم. كان بدء الفتنة من الذي ادعى ما ليس له، ودفع صاحب الحق عن حقه بأعوانه الذين نصروه عليه، فما زالوا متعاونين عليه، حتى أغرى الله بينهم العدواة والبغضاء، كما قال الله سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129]، قصدوا الذي أقام يطعمهم من أموال الفقراء والمساكين اثنتي عشرة سنة فقتلوه، أجمعوا كلهم على قتله، كاجتماعهم([412])  على طاعته، في غير مرضاة الله، ثم خرجوا بفتنتهم إلى البصرة، حتى أثاروا الفتنة، وقتلوا من أهل الحق جماعة، ثم قام صاحب الحق في نصرة المظلومين، فأبعد الظالمين منهم. فالظالمون هم الذين أثاروا الفتنة، ليس الذي منعهم من ظلم المظلوم. وقال رجل ثقفي لأمير المؤمنين يوم الجمل: ما أعظم هذه الفتنة !.  قال عليه السلام: (وأي فتنة هذه وأنا قائدها وأميرها ؟!). وإنما بدء الفتنة من يوم السقيفة، ثم يوم الشورى، ويوم الدار، وأمَّا حرب الجمل وصفين والنهروان([413]) فهو كحرب بدرٍ وأحد وخيبر، المتولي لحربهم واحد بأمر الله، على لسان رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، بإجماع العلماء عن قول رسول الله، فليس يقال لهذه: فتنة؛ بل هذا هو الجهاد الأكبر، كما قال أمير المؤمنين حين يقول: (الشريعة فيهم واحدة). وكذلك قالت له عائشة يوم الجمل عندما جاء يعتب عليها: خل الأمر عن العتاب.  صدقت، إنما يعتب على المرأة إذا رفعت صوتها، وأبدت وجهها إلى غير محرم؛ وأمَّا امرأة تسير مسيرة شهر بالجنود والعساكر في سفك دماء المسلمين إلى ديارهم، فقد قصر العتب عنها([414]). ثمَّ ابتلي علي بعد هؤلاء بمعاوية بن أبي سفيان، الذي لم يكن في الفراعنة مثله إلاّ قليل، مع كمال عقله، وقرابته من آل رسول الله، فكان مكره وفعله وحيله، أعظم من مكر عبدة الأوثان([415])؛ لأن عبدة الصنم إذا خرجوا إلى قتال أنبياء الله مرَّوا على أصنامهم، فخرَّوا لها سجداً، وإذا راحوا، فكذلك على هذا الحال، وأصنامهم لا تعينهم بشيء؛ دوابهم وسلاحهم وأزوادهم من أموالهم، وليس لهم مع ذلك عند أصنامهم شكر ولارحمة([416]). فمعاوية جمع أهل الشام، ثم قال لهم: أنتم تعلمون أن عمر بن الخطاب ولاّني بلدكم هذه، وسرت فيكم بسيرته، سواء سواء، لم أغير ولم أبدل، حتى فارق الدنيا؛ ثم أثبتني فيكم بعده عثمان، فسرت فيكم أيضاً بسيرته، لم تنقموا عليَّ شيئاً أنتم ولا هما، حتى قتل عثمان؛ ثمَّ اعلموا أن علي بن أبي طالب قد صار إلى البصرة، فقتل رجالها، وأباح ديارها، وقطع خضراها، وهدم غبراها، وقتل طلحة والزبير، وهتك حجاب أم المؤمنين، عندما نقموا عليه وعلى أصحابه قتل عثمان، ثم قد توجه إليكم، وقد سألني القدوم إليه والبيعة له، والدخول في جملته فما قولكم ؟ فإن قلتم: أصير إليه؛ لأعود معه لخراب بلدكم، فذلك إليكم، وإن قلتم: إنكم تحامون على بلدكم، وتبعدونه من وطنكم، فقلدوا أمركم رجلاً منكم، يتولى أمركم ويدافع عن بلدانكم، فأنا رجل منكم، وأحدكم، وابن عمكم، وعشيرتكم. قالوا له: القول في علي، كما قلت ووصفت من سفك الدماء، وهتك الحريم، وأخذ الأموال، لا ينكر من ذلك شيء؛ وأمَّا قولك: يتولى هذا الأمر رجل منَّا يقوم فينا، فليس فينا من يقوم مقامك؛ بل أنت أقوم بهذا الأمر منَّا، وأشفق علينا من أنفسنا، فقم فنحن بين يديك، ننصرك بأموالنا، وأنفسنا، فلو علم الإمامان: عمر الفاروق، وعثمان ذو النورين أن فينا من يصلح لهذا الأمر لقلداه ذلك، وليس رأينا أصوب من رأيهما. فلما علم أن كلامه المحال، قد تمكن في قلوبهم، وحلا في صدورهم، كما حلا كلام فرعون في صدور أصحابه، حين يقول لهم: ذروني أقتل موسى وليدع ربه، إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد. قال له قومه: أتذر موسى وقومه؛ ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك؟. قال([417]) حينئذٍ: أنتم تعلمون أني ابن عم عثمان، المقتول ظلماً وعدواناً، فأنا أكتب إليه أسأله أن يسلم إليَّ قتلة عثمان، فإني ابن عمه؛ فإن أجابني إلى ذلك، كان لنا فيه رأيٌ.  فلما ورد عليه كتاب أمير المؤمنين يقول: (ذكرت أنك ابن عم عثمان، وسألتني أن أسلم إليك قتلته، فليس الحكم يوجب ذلك، ولكن تحضر أنت وأولاد عثمان؛ لأن أولاد عثمان أولى بدم أبيهم منك، فإن وكلوك، نظرت بينك وبينهم، فما وجب لك من الحق أوصلتك إليه؛ وأمَّا قولك: أوليك الشام كما ولاّك صاحباك، فاقدم إليَّ؛ لأرى فيما سألت رأياً). فأقرأ أهل الشام الكتاب، ثم قال لهم: لولا أنه رضي بقتل عثمان، لوجّه بقتلته إليَّ؛ وأمَّا قوله: أقدم إليه ليرى فيَّ رأيه؛ فمن أي جهة صار هو أحق بهذا الأمر مني ؟ هذه البلد صّيرها إليَّ الذي أسلم إليه أبوبكر([418])   أمر هذه الأمة بأسرها، وولاّه عليهم وعلى عليٍّ وغيره من بني هاشم؛ فإن قلتم: إن أبا بكر مصيب في فعله، فليس له عليَّ سبيل، وإن يقل: إنه ابن عم رسول الله وختنه، فأنا ابن عمه أيضاً وأختي زوجته؛ وإن يقل: إنه أسلم قبلي، فقد ادعى هذا السبب عند موت النبي على المهاجرين والأنصار، فلم يوجبوا له الإمامة والخلافة؛ بل قدموا عليه أبا بكر، ثم عمر، ثم  عثمان؛ وإن يقل: إن أعوانه أهل العراق، فليس أهل العراق أفضل من أهل الشام. ثم قال لهم: إن نصرتموني على عدوي وعدوكم، أبحت لكم دماء من خالفكم، ونساءهم وأموالهم. كما قال فرعون لقومه في بني إسرائيل: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}[الأعراف:127].  فصدقه طغام أهل الشام، كما صدقت القبط فرعون، إذ قالوا له: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ}[الأعراف:127].  ثم قال لهم: عليَّ أن أوسع عليكم من رغائب الدنيا وعطاياها، وأنا خير لكم من علي. كنحو ما قال فرعون لقومه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ(51)أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ(52)فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ(53)فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ(54)}[الزخرف:51-54]. وكذلك معاوية استخف أهل الشام، حتى نصروه على أمير المؤمنين، وعلى سبطي رسول رب العالمين: الحسن والحسين وسن فيهم القتل، فلم يزالوا يقتلونهم حتى كان آخرهم المختار، الذي قتله ولاة بني العباس، كما قال دعبل بن علي الخزاعي([419]) في فعلهم بآل رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: وليس حي من الأحياء يعلمه إلاّ وهم شركاء في دمائهم     من ذي يمان ولا بكر ولا مضر كما تشارك أنسار على جزر وقال أيضاً: قتلاً وأسراً وتشريداً ومنهبةً   فعل الغزاة بأهل الروم والجزر وقال السَّيِّد: وكأنما بك يا ابن بنت محمد ويكبرون بأن قتلت وإنما   قتلوا جهاراً عامدين رسولا قتلوا بك التكبير والتهليلا وقال الكميت بن زيد([420]) في الحسين بن علي: إذ أسرعت فيه الأسنة كبرت   عوابئهم([421])  من كل أوب وهللوا [كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجواب معاوية عليه] فلما عزم معاوية على قتال علي، كتب إليه محمد بن أبي بكر، ينهاه عن محاربة علي، ويعلمه أن علياً أحق بمقام رسول الله في أمته منه، ويحتج عليه بما بين الله عز وجل في فضل علي في كتابه، وعلى لسان رسوله.  فلما قرر محمد فضل علي في صدره، رد عليه جواب كتابه، ([422]) تمويهاً وتلبيساً على([423])  من معه، من طغام أهل الشام، قال له: أبوك يا محمد، مهد مهاداً، وثنى لملكه وسادا، ووازره على ذلك فاروقه، فإن يكُ ما نحن فيه حقاً، فأبوك شرعه وإن يك  باطلاً، فأبوك استنه([424])،  بهديه اهتدينا، وبفعله اقتدينا؛ فعب أباك أو دع، والسلام على من تاب عن عيب  أبيه ورجع.  فاحتذى في جوابه حذو قوم إبراهيم سواء سواء، عندما قال عليه السلام لقومه: {مَا تَعْبُدُونَ(70)قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ(71)قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ(72)أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ(73)قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(74)}[الشعراء:70-74].  كان جوابه أن يقولوا: نعم هم يسمعوننا إذا كلمناهم، أو ينفعوننا إذا عبدناهم، ويضروننا إذا أعرضنا عن عبادتهم ؟ أم يقولون له: ليس يسمعون كلامنا، ولا ينفعوننا إذا عبدناهم، ولا يضروننا إذا لم نعبدهم. لا بل أجابوه بخلاف ما سألهم، وكذلك كان الجواب على معاوية أن يقول لمحمد بن أبي بكر: إن كان أشكل عليه([425])  أمر علي أن يبين عليه ذلك؛ فلم يفعل إذ كان كلام محمد في علي عنده صحيحاً، فلو كتب إليه محمد يعلمه أن أباه ادعى ما ليس له وجلس في غير مجلسه، لم يقبل منه ذلك على وجه المكابرة؛ إذ هو موقن أن علياً أولى بمقام النبي في أمته بعده من جميع الناس، غير أنه كان يشنع على محمد عند أتباعه الطغام، وأجاز لمحمد الإمساك وعند خالقه([426])؛ لما تقرر في صدر معاوية من كتاب الله، وقول رسوله في علي ثلاثاً وعشرين سنة بمكة والمدينة، ومعاوية مقيم بالبلد، يحارب رسول الله مع أبيه وعشيرته قريش، بيده ولسانه، ليس هو مخرج من النجر([427]). [حوار مع أحد العامة]  قال أحمد بن موسى الطبري: قد كان رجل من العامة خاطبني فقال لي: اختلف المسلمون بعد النبي واقتتلوا.  قلت له: عالمان لا يختلفان، ومسلمان لا يقتتلان، لقول الله سبحانه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ(118)إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:119]، الاختلاف يكون بين المسلمين والكافرين، أو يكون بين الكافر والظالم، كما قال سبحانه فيهم: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، ثم قال: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، إلا المؤمنين هم مؤتلفون غير مختلفين، ثم قال: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}[الزخرف:67]، ثم قال: {إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. بين عز وجل أن المؤمنين أن لا يختلفون أبداً، لا في دنياهم ولا في آخرتهم. فقال: أليس قد اقتتل علي ومعاوية ؟.  قلت له: فمعاوية عندك مؤمن ؟!.  قال لي: أفهو كافر ؟!.  قلت: نعم؛ لأن الله عز وجل قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، فلو كان مؤمناً لم يقاتل مولاه؛ لأن علياً مولى المؤمنين؛ لقول رسول الله فيه: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه))، قال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، وكذلك علي أولى بأصحاب النبي في أنفسهم.  قال لي: فما تقول في عائشة ؟.  قلت: عائشة لم تؤمر بقتال، إنما أمرت بلزوم البيت، كما قال الله عز وجل فيها وفي صواحبها([428]):{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33] الآية، وعلي أمر بقتال من خالفه على لسان النبي حين يقول فيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)). قال: فطلحة ؟. قلت: عدو الله؛ لقول النبي في علي: ((وعاد من عاداه يا رب)). قال: فالزبير ؟.  قلت: مخذول؛ لقول  النبي في علي: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله))؛ وكذلك عبدالله بن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة؛ لأنهم خذلوا أمير المؤمنين، ولذلك قال أمير المؤمنين لعمار بن ياسر، عندما أوجب عليهم طاعة علي من كتاب الله وقول نبيهم: (دع يا أبا اليقضان هؤلاء، فإني أعرف بهم، أمَّا عبدالله بن عمر، فرجل ضعيف في دينه، وأمَّا سعد، فرجل حسود، وأمَّا محمد قد نبي إليه أني قتلت قاتل أخيه مرحباً يوم خيبر).  قال: أليس اختلف أصحاب رسول الله في المواريث وغيرها ؟.  قلت له: لا أقول أبداً: إنَّ العلماء يختلفون، ولا يتهيأ لي أن أصدقك على قوم لم أشاهدهم، ولا أسمع كلامهم، غير أني أقول: إنه من خالف وصي رسول الله فهو جاهل؛ لقول الرسول في علي: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))([429])، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم بإجماع الأمة:((علي أقضاكم)).  وقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم:(ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالتوراة، حتى تقول التوراة: اللهم إنه قد قضى بي؛ ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالإنجيل، حتى يقول الإنجيل: اللهم قد قضى بي؛ ولو أطعتموني، لقضيت بينكم بالقرآن، حتى يقول القرآن: اللهم قد قضى بي، ولكن والله لا تفعلون، ووالله لا تفعلون). [بيان أن من تقدم الوصي غير أهل للخلافة] واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، من كان إذا قضى بقضيةٍ، أو أحدث حدثاً، مما لم يأت عن الله، ولم يحكم به النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فراجعه فيه من هو أعلم به منه، رجع عن حكمه واعتذر، وكان عذره، يقول: إنَّ عليَّ شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتم مني ذلك، فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم. فمثل هذا لا يصلح للإمامة، ولا يقعد في مجلس رسول الله. ولا من إذا حكم بحكم، يقال له: أصبت يا أمير المؤمنين، فيعلو القائل بالدرة، ويقول: لا تزكونا في وجوهنا، فوالله لا أدري أصبت أم أخطأت ؟ وما هو إلاّ رأي رأيته من نفسي. فيخبر أنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وهم يشهدون له أن السكينة تنطوي على لسانه، فيخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه، ويجعلون له من التوفيق ما لا يجعلون لرسول الله. وإنما يصلح للإمامة، ويخلف رسول الله في أمته من بعده ومن أهل بيته، من كان إذا صعد المنبر قال: (سلوني من قبل أن تفقدوني، فإنَّ بين الجوانح علما جماً؛ سلوني فعندي علم الميثاق والقضايا، والوصايا وفصل الخطاب؛ والله لأنا أعلم بطرق السماء، أعلم من العالم منكم بطرق الأرض؛ والله، ما من آية نزلت في ليلٍ أو نهارٍ، أو جبلٍ أو سهلٍ، إلاّ وأنا أعلم فيمن نزلت، وفيم أنزلت؛ والله، لقد أسرَّ إليَّ رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، ألف بابٍ من مكنون علمه، يفتح كل باب منها ألف باب؛ نحن النجباء وأبناء النجباء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الباغية من حزب الشيطان؛ وإنَّ أفراطنا([430])  أفراط الأنبياء؛ فلا يقوم أحد يسأل شيئاً([431])،  إلاّ أخبرته عنه، غير متريث فيه). فمن خالف هذا لا يسمى عالماً، ولا يؤخذ بقوله، ولا يحكم به؛ لأنه مخالف لحكم الله، فحكم الله أحق أن يتبع. [ذكر مناظرة الزبيري والمريسي]  وإنما علي من جنس رسول الله، كما قال الزبيري للمريسي في مناظرة كانت بينهما، إذ قال له المريسي: أتقول إن علياً أفضل من أبي بكر ؟ قال: لا. قال: أفتقول: إن أبا بكر أفضل من علي ؟.  قال: لا. قال: أفتقول: إنهما في الفضل سواء ؟.  قال: لا. قال: فما تقول فيهما ؟. قال الزبيري: اعلم أن من نسب الجنس إلى غير جنسه، والشكل إلى غير شكله، نسب إلى الجهل، لا يقال: الليل أضوأ أم النهار؟ ولا يقال: السكر أحلى أم الصبر؟ ولكن يقال: الشمس أضوأ أم القمر ؟ فيقال: الشمس؛ ويقال: العسل أحلى أم  السكر ؟ فيقال: العسل؛ ويقال في هذا الفن: محمد أفضل أم علي ؟ فيقال: محمدٌ؛ ويقال: أبوبكر أفضل أم عمر ؟ فيقال: أبو بكر؛ وبذلك حكم رسول الله، عندما آخا بين (المهاجرين والأنصار، فآخا بين)([432])  أبي بكر وعمر، وقال لعلي: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة([433]))). ومن خالف حكم رسول الله، فقد خرج من دين الله؛ لقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. قال المريسي: قاتلهم الله أنى يؤفكون.  قال الزبيري: فبهت الذي كفر.  قال المريسي: أمَّا الكافر فمبهوت، وأمَّا أنا فمقر بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. [ذكر رجوع الثلاثة إلى علي عليه السلام وذكر حديث الاستخلاف] هذا هو إجماع الأمة: إنه متى اشتكل على أبي بكر وعمر وعثمان شيء، من التحليل والتحريم، وشاوروا علياً، وأشار عليهم، أخذوا بقوله، ورفضوا قول غيره، فلو أنهم أخذوا بقوله، في جميع أمورهم، لأصابوا الرشد ولم يضلوا، كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم. وفي ذلك ما حدثنا أبو الحسن، علي بن الحسن بن عبدالوارث الصنعاني، قال: حدثنا أحمد بن عبدالله قال: حدثنا ميمون بن الحكم الشيرازي، قال: أخبرنا محمد بن خلف، وأحمد بن داوود، قالا: أخبرنا عبدالرزاق([434])، قال: أخبرني أبي، عن مينا([435])، وأحمد بن عبدالرحمن بن عوف قالا([436]): قال عبدالله بن مسعود([437]): كنت مع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم ليلة وفد الجن فتنفس، فقلت([438]): ما شأنك يا رسول الله ؟. قال: ((نعيت إلى نفسي)). قال: قلت: استخلف. قال: ((من؟)). قلت: أبابكر. فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟.  قال: ((نعيت إلي نفسي)). قال: قلت: استخلف. قال: ((من؟)). قلت: عمر. فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟. قال: ((نعيت إلي نفسي)). فقلت: استخلف. قال: ((من؟)). قلت: عثمان وعبدالرحمن وطلحة والزبير. فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله ؟.  قال: ((نعيت إلي نفسي)). قلت: استخلف. قال: ((من؟)).  قلت: علي بن أبي طالب. قال: ((أما والذي بعثني بالحق نبياً، لئن أطاعوه، ليدخلن الجنة، أجمعين أكتعين([439]))).  قال ميمون السرادي([440]): (سألنا عبدالرزاق عن هذا الحديث، ومعنا ابن أخته أحمد بن داوود، قال: فقال: كُتِب إلي فيه من العراق، وفي حديث غدير خم أن لا أحدث بهما، فإن فيهما تكفير أصحاب محمد، ولكن قم يا أحمد فحدثهم به عني في الحجرة. قال أحمد بن موسى الطبري: هذا مذهب القوم، ورأيهم لأنفسهم؛ رد قول رسول الله أسهل عليهم من ذكر أصحاب محمد بأفعالهم. [العلامة بين أهل البيت (ع) وغيرهم وأن قول الزيدية في الصحابة هو الحق]  علامة ما بين أمير المؤمنين، وبين الناكثين والقاسطين والمارقين، الأذان بحي على خير العمل، والصلاة خير من النوم؛ فحي على خير العمل أذان النبي، وبه كان يؤذن أمير المؤمنين، والصلاة خير من النوم أذان عمر، وبه كانوا يؤذنون، خلاف أذان رسول الله؛ ولهذا المعنى حاربهم أمير المؤمنين، وجميع أولاده الصادقين، إلى أن يلقوا جدهم يوم القيامة، كما قال رب العالمين: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] الآية؛ لأن حجة الله بينه وبين خلقه، محمد بن عبدالله رسول الله، ليس عمر بن الخطاب - ولله الحمد -. وأمَّا من قال بالسنة والجماعة وهم الزيدية، فاتبعوا قول الله وسنة رسوله في جميع أمورهم، ثم ذكروا أصحاب رسول الله، كلا بفعله، لم يزيدوا على أفعالهم شيئاً، ولا([441])  يكتموا من أعمالهم خوفاً، بل قالوا: إن أبابكر وعمر وعثمان، جلسوا في مجلس رسول الله، وكان علي أحق بذلك المقام؛ لما ذكرنا فيهم من قول الله وقول الرسول.  قالوا: إن عثمان أقامه أصحابه ونصروه، ثم بدا لهم فقتلوه. ثم ذكروا الناكثين والقاسطين والمارقين بأفعالهم، وذكروا أمهات المؤمنين، وأجدادهم وأخوالهم، فقالوا: خرجت عائشة في قتال علي، ولزم سائر نساء رسول الله منازلهن.  وقالوا في الأخوال: نصر محمد بن أبي بكر أمير المؤمنين، حتى قتله عمرو بن العاص بمصر بأمر معاوية؛ وحاربه معاوية؛ وخذله عبدالله بن عمر، وحاربه عبيدالله [بن] عمر.  وأمَّا الاجداد، فزعم أبو بكر وعمر أنهما أولى بمقام النبي من علي؛ وأمسك أبوسفيان بن حرب، ولم يدع شيئاً. والحشوية هم الذين كذبوا على الله وعلى رسوله؛ لما ذكرنا من مقالتهم في كتابنا هذا؛ ثم ذكروا أصحاب رسول الله، صلَّى الله عليه وآله وسلم، بخلاف ما كانوا عليه من الاختلاف والتناقض والقتال؛ ثم لم يرضوا بذلك، حتى نسبوا أفعالهم إلى الله وإلى رسوله؛ لأنهم زعموا أنهم ممَّن رضي الله عنهم، وأن النبي شهد لهم بالجنة، خلافاً لقول الله، وكذباً على رسول الله، وكل هذا فعل قريش؛ لأن قريشاً هم الذين حاربوا الله ورسوله، وأخرجوه من مكَّة، كما قال سبحانه لرسوله عليه السلام: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13].  وقال النبي عليه السلام:((اللهم إن قريشاً أخرجتني من أحب البلاد إليَّ فأسكني أحب البلاد إليك))([442]). فأسكنه الله المدينة بين الأوس والخزرج، حتى نصروه وآووه، وجاهدوا معه أعداءه، بأموالهم وأنفسهم، حتى أخذ مكة وأهلها بالأنصار عزاً، وأدخلهم في الإسلام كرهاً. [تحيّل قريش لإبطال دين الله ولإزالة أولاد رسول الله عن مقامهم] فلما غلبهم ولم ينتصروا منه، جاءوا بحيلةٍ ليبطلوا بها دين الله، ويزيلوا أولاد رسول الله من  مقامهم، الذي جعله الله لهم، ورآهم لذلك أهلاً، فاختاروا من تلقاء أنفسهم ـ بغير أمر من الله ولا من رسوله ـ عشرة رجال، كلهم من قبائل قريش، لم يدخلوا معهم من الأنصار أحداً، حتى جعلوهم شرفاء، عند جهال هذه الأمة وإلى وقتنا هذا، وقالوا: أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن وأبو عبيدة. وقالوا: هؤلاء الذين رضي الله عنهم يوم بيعة الشجرة، والذين شهد لهم النبي بالجنَّة، فصاروا عند الناس شرفاء. ثم قالوا: إن النبي قال: ((الأئمة من قريش))، كذباً([443]) على رسول الله، يريدون إبطال ما جاء به رسول الله، وساعدهم على ذلك الأنصار. [ذكر استذلال قريش للأنصار وذكر يوم الحرة] فما برحوا على ذلك الحال، حتى رفعوا قريشاً، وأذلوا الأنصار، حتى كان من يزيد بن معاوية يوم الحرة أنه أباح الأنصار لعسكره ثلاثة أيام، يحكمون فيهم بحكم الجاهلية، مكافأة بزعمه لخزاعة، عندما أباح النبي قريشاً لخزاعة ثلاثة أيام، يوم فتح مكَّة؛ وذلك أن النبي دخل ذلك اليوم مكَّة بالمهاجرين والأنصار، ومن تبعه من سائر المسلمين، ورايته مع سعد بن عبادة الأنصاري([444])، وهو يقول: اليوم يوم الدمدمة، اليوم يوم الهمهمة، اليوم يذل الله قريشاً. فلما ولي الخلافة أبوبكر، قال عمر بن الخطاب: اقتلوا سعداً قتله الله. فهرب سعد من المدينة إلى الشام، حتى مات بها. فكذلك تمثل يزيد بن معاوية بأبيات ابن أبي الزبعر السهمي، وذكر الأوس والخزرج عندما وضع رأس سبط الرسول، الحسين، بين يديه، وهو ينكث ثناياه بقضيب في يده ـ [التي] طال ما قبَّلها رسول الله عليه السلام ـ، وهو يقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا لأ هلوا واستهلوا فرحاً لستُ من عتبة إن لم أنتقم   جزع الخزرج من وقع الأسلْ ولقالوا يا يزيد لا تشلْ من بني أحمد بما كان فعلْ عتبة هذا جده، أبو أم أبيه هند، قتله حمزة سيد الشهداء، يوم بدر، مبارزة، وقتل علي ابنه الوليد بن عتبة، ثم قتل علي وحمزة شيبة بن ربيعة، أخا عتبة؛ فيزيد يتمنى رجوع هؤلاء المشركين، وحضورهم، حتى يعلموا أنه قد قام بثأرهم، وأنه قتل الحسين بن أحمد، رسول الله؛ والأمة تشهد له أنه أمير المؤمنين، ثم تزعم أنها أمة مرحومة، خلاف ما قال الله إذ يقول سبحانه: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}) [الأعراف:56]، وقال رجلٌ (من الأنصار)([445]) عندما رأى الذل والهوان من قريش: فيا ضيعة الأنصار بعد نبيها   لقد لقيت بؤساً ولم تلق أنعما وذلك فعلهم بأنفسهم وتخاذلهم فيما بينهم، وإدبارهم عن وصي رسول الله، وقيامهم مع عدوه؛ فلو نصروه كما أمرهم رسول الله، لعزُّوا في دنياهم وآخرتهم؛ ولإدبارهم عن الوصي (قال لهم سلمان الفارسي: كرديد ونكرديد. يعني: علمتم ولم تعلموا، نصرتم النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] وخذلتم الوصي)([446]). [سب الحشوية أصحاب رسول الله وبيان بيعة الشجرة] الحشوية هي التي تسب أصحاب رسول الله، ليس الشيعة؛ إذ زعموا أن هؤلاء العشرة هم أصحاب الشجرة؛ إذ يقول سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] الآية، وأنا أبين لك هذه البيعة التي ذكرها الله في كتابه أين كانت؟ وكيف كانت ؟. اعلم أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة، يريد الحج إلى مكَّة، بجميع المهاجرين والأنصار، ومن أجابه من المسلمين؛ فلما صار إلى الحديبية قرب مكة، لقيه أبوسفيان صخر بن حرب، وسهيل بن عمر، بمشركي قريش، فقالوا له: يا محمد، لا ندعك تدخل بلدنا. فلما سمع أصحاب رسول الله قول قريش، جّددوا البيعة لرسول الله، تحت هذه الشجرة على نصرته. فلما رأت قريش القوة مع رسول الله، وأيقنت أنه يغلبهم، قالوا له: يا محمد، اقبل منَّا الهدنة هذا الوقت، وارجع من موضعك في سفرك هذا إلى منزلك، وتعود إلينا في السنة المقبلة، ونأذن لك في دخول بلدنا بغير سلاح، وعلى أنك ترد إلينا من خرج منَّا إليك، يريد الإسلام، ومن فرَّ منك إلينا فلا نرده إليك. فجاءه جبريل عليه السلام، فأمره أن يقبل منهم، ويجيبهم إلى ما سألوا؛ لقول الله سبحانه: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الفتح:25]. علم الله عز وجل أن رسوله إذا دخل مكَّة بعسكره، أنه ينال هؤلاء المؤمنين المحصورين بمكة من معرة العسكر ما ينال غيرهم من المشركين؛ وتصديق ذلك ما قاله عز وجل في آخر الآية، حين يقول: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح:25]. إنما أمر الله عز وجل رسوله بالرجوع من ذلك الموضع في ذلك السفر، شفقة منه على المؤمنين والمؤمنات، الذين كانوا بمكَّة، ولم يقدروا أن يخرجوا إلى النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم، فأجابهم إلى ذلك ورجع المدينة([447])، ففر أبوجندل بن سهيل([448]) من أبيه ولحق بالنبي، فرده على أبيه، فوضع أبوه في رجليه قيداً، وحبسه، حتى نقض المشركون العهد، الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأمر الله حينئذ نبيه بقتلهم وقتالهم، فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5] الآية. ثم قال سبحانه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقره:256]، أمره أن لا يكره أحداً على دين قريش، كما أكره أبا جندل، فإنه قد بين الرشد من الغي. فهذه البيعة، التي ذكرها الله([449]) هي بيعة الرضوان، فمن حضرها وبايع رسول الله تحتها، واستقام عليها، حتى لقي الله على ذلك، فرضاء الله عليه ثابت أبد الأبد؛ وإن نكث وحنث وأخلف، فقد أسخط الله بفعله على نفسه، وأزال الرضاء عنها، كما قال الله عز وجل، كما قال لرسوله في هذه البيعة بعينها:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:10].  فإذا قالت الحشوية: إنَّ الله لم يرض إلاّ على هؤلاء العشرة، فقد زعموا أنه سخط على من بايع رسول الله، عند هذه الشجرة، ([450])   وهم خلق كثير من المهاجرين والأنصار وغيرهم من المسلمين؛ لأن الله عز وجل قال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا(18)وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح:18ـ19]، فيقول: إن الله لم يثب (ولم يغنم إلا هؤلاء العشرة وهل كانت الدولة تثبت)([451])، وهم ثلاثون رجلاً من المسلمين، فأخرجتهم قريش؛ مع أن هذه العشرة اختلفوا فيما بينهم، وسفك بعضهم دماء بعض مشهورٌ ذلك عند الأمة؛ وقد ذكرنا أخبارهم في أوَّل الكتاب. عن عبدالله بن الحسن([452]) قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم:((التارك لولاية علي بن أبي طالب، المضاهي أعداءه يبعثه الله يوم القيامة على الجاهلية ويحاسبه بما عمل في الإسلام)). [رد قول الحشوية: إن رسول الله قال: ما نفعني مال إلا مال أبي بكر]   وقالت الحشوية: إن  النبي ([453])  قال: ما نفعني مال إلاّ مال أبي بكر، كذباً منهم؛ لأن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم عندما ولد أسلمه جده عبدالمطلب إلى حليمة السعدية، فأقام عندها خمس سنين ثم ردته إلى جده، ثم مضت به أمه آمنة بنت وهب، إلى أخواله، إلى الأبواء، إلى بني زهرة، فماتت أمه، ورد هو([454])  إلى جده إلى مكة، وهو ابن ست سنين، ثم مات جده، وهو ابن ثمان سنين، فأخذه عمه أبو طالب، فكان في الكفاية معه، حتى خطب له خديجة ابنة خويلد. فذكر أن أبا طالب حين خطب له خديجة، أخذ بعضادتي باب خويلد بن أسد بن عبدالعزى، فقال: الحمدلله الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذريَّة إسماعيل، وجعل له ([455])  بيتاً  ([456])  معموراً، وجعلنا الحكام على الناس.  ثم إن ابن أخي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، لا يقاس برجل من قريش، إلاّ عظم عنه، ولايوازن بسيد منهم، إلاّ رجح عليه، فإن كان في المال قلٌ، فإن المال زرق فاني ([457]) وظل زائل، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي، وله خطر عظيم، وشأن كائن جسيم، فزوجوه على اسم الله وبركته ويمنه، وسنة خليله إبراهيم، صلَّى الله عليه وآله وسلم. فكان في مالها إلى أن ماتت رضي الله عنها، ماتت بعد النبوة بتسع سنين، ومات أبو طالب، ثم صار في جوار مطعم بن عدي، فأقام عنده أربع سنين، ثم هاجر إلى يثرب فجرد السيف،  فأغنى كل من معه، فمتى أنفق عليه أبو بكر ماله؟ فكذبهم هذا ككذبهم في عمر، عندما زعموا أنه جرد السيف يوم الذي([458]) أسلم، فقال: لا نعبد الله سراً. فكان إسلامه بمكة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يؤمر بتجريد السيوف([459]) بمكة، فعندما جرد سيفه فيمن وضعه؟. فالأمة([460])  مجمعة بأسرها أن أبابكر وعمر وعثمان ما قتلوا أحداً قط. قالت الحشوية: إنهم قدموهم على علي؛ لأن علياً كان قد أكثر القتل في أهل الشرك والكفر وأهل الكتاب، فأخروه، رضاً لأولياء المشركين ومخافة من سخطهم، ولم يبالوا بسخط ربهم ولابرضائه، والله عز وجل يقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}. قال لي رجل إباضي: هما خارجان من هذا الأمر.  قلت له: فقد أخرجتهما من الإيمان؛ لأن الله عز وجل قال: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}.  افتخار الحشوية لهؤلاء الثلاثة بإمساكهم عن قتال المشركين بين يدي رسول رب العالمين؛ وكذبهم في معاوية عندما زعموا أنه كاتب الوحي، فمعاوية أدخل في الإسلام كرها، يوم فتح مكة قبل موت النبي بثمانية عشر شهراً؛ وإنما كاتب الوحي الذي أسلم يوم ثاني النبوة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين. وأعجب من هذا كله أنهم مجمعون أن رسول الله زوج عثمان ابنته([461])، ورد أبابكر وعمر، فالذي رده النبي تقدمونه على الذي قدمه وقربه، خلطوا في جميع أمورهم، ولبسوا على أتباعهم الجهال إلى آخر الدنيا. [إختلاف قول الحشوية والإمامية في سبطي رسول الله] اختلف  قول الحشوية والإمامية في سبطي رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.  قالت الإمامية: إن الحسن ركن إلى معاوية، ووقف عن حربه، وهو قادر على ذلك. ومعاوية عندهم ظالم، ففي قولهم([462])  هذا إبطال قول النبي؛ لأنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))([463])، فالنبي يشهد له بالجنة، والإمامية تشهد عليه بالنار، فالنبي أحق من([464])  يتبع؛ وفي قولهم هذا كسر على الحسين أيضاً؛ لأنه إذا صح قولهم إن الحسن كان معه أنصار، يضطلع بهم على حرب معاوية، فلم يفعل ووقف الحسين أيضاً مع الحسن، فقد ركنا كلاهما إلى ظالم. وإنما وقف الحسن والحسين عن حرب معاوية، كما وقف أبوهما عنه، ورجع من صفين إلى العراق، كما رجع جدهما من الحديبية إلى المدينة، على جميعهم السلام. وقالت الحشوية: إن الحسن مصيبٌ في صلحه لمعاوية؛ لأنه حقن دماء المسلمين؛ وإن الحسين خارجي؛ إذ خرج على يزيد بن معاوية. وقالت الزيدية: نحن نقول فيهما وفي أبيهما، بقول النبي حين يقول، صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خيرٌ منهما))([465])، (وهما)([466])  كما قال الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31]، الحسن من الصابرين، والحسين من المجاهدين؛ فلا فرق بين المنزلتين؛ لقول النبي حين يقول عليه السلام: ((المنتظر لقائمنا كالمتشحط بين سيفه وترسه بدمه في سبيل الله([467])))، فالحسن المنتظر، والحسين المتشحط عليهما السلام، مع أن الحسن ذهب مسموماً، فالمسموم شهيد كالمقتول سواء سواء. وأمَّا وقوف أمير المؤمنين، في المدينة فهو كوقوف النبي بمكة، وخروجه إلى البصرة، كخروج النبي إلى المدينة صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله عز وجل لرسوله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ(62)وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(63)} [الأنفال:63]. فليس النبي ولا الوصي ولا الإمام يحارب أعداء الله، إلاّ بالأنصار، كما قال الله لنبيه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}...إلى قوله: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. [بيان من هم الروافض] وأمَّا قول الحشوية للشيعة: إنهم روافض، [فهم] غير مصيبين في هذا القول؛ إنما الروافض هم الإمامية، رفضوا زيد بن علي عليه السلام، بعد البيعة له، عندما خافوا عقوبة هشام بن عبدالملك، فقال زيد حينئذ فيهم: (اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي من قبلي، ولعنتي  على هؤلاء الروافض الذين رفضوني، اللهم إني أستحل دماءهم، كما استحل أمير المؤمنين دماء الخوارج، الذين خرجوا عليه يوم النهروان). فالإمامية لا ينسبون إلى الشيعة، وإن تسموا بهذا الاسم، كما لا تنسب الحشوية إلى السنة والجماعة، وإن تسموا بها؛ لأن الشيعي [الذي] يأخذ بملة إبراهيم، والسني الذي يأخذ بسنة محمدٍ، والجماعي الذي يأخذ بما تجمع عليه الأمة عن النبي، فمن رغب عن ملة إبراهيم وسنة محمد([468]) فذلك لا يسمى شيعياً ولا سنياً، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة:130]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((ومن رغب عن سنتي فليس مني))([469]).  والإمامية فرق كثيرة، منهم: القرامطة؛ وكذلك الحشوية كثير منهم: المارقة، والإباضي منهم؛ فلو كانوا هؤلاء من أهل السنة والشيعة، لم يحاربوا آل رسول الله قديماً وحديثاً. [حرب المارقين لأهل البيت (ع)] فالمارقون حاربوا أمير ا لمؤمنين وسبطي رسول رب العالمين)([470])  ومن تبعهم من أولادهما الصادقين إلى وقتنا هذا؛  لأنهم([471])  لا يأخذون بقول آل رسول الله من معرفة الكتاب والسنَّة، ولا يدينون بدينهم، بل يشهدون على أمير المؤمنين، وسبطي رسول رب العالمين، وعلى من تبعهم من أولادهم الطاهرين، من الرجال والنساء بالكفر؛ حتى أنه من شدة استقصائهم في عداوتهم، زعموا أن هذه، الذي فرضها الله وأحلها لهم، أنها عليهم حرام، والله عز وجل يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ ءَامَنْتُمْ بِاللَّهِ}[الأنفال:41]، ثم قال سبحانه: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]. فالإباضي مجتهد في إبطال ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله، إذ يقول: إن هذا الذي رزق  الله رسوله وأهل بيته وذوي قرابته من الفيء والغنائم، وأحله لهم، حرام عليهم لا يجب لهم. ألا ترى أنه محارب لله ولرسوله، ومتعرض لنقم الله؛ إذ يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله؟ وهو كما قال الله سبحانه: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(7)يَسْمَعُ ءَايَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(8)وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(9)}، إلى قوله:{لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ(11)}. فهو عارف موقن أن الفيء والغنائم والأخماس لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لقرابتهم منه عليه وعليهم السلام؛ لقول الله وقول رسوله بإجماع الأمة أن رسول الله حرَّم على نفسه ([472]) وأهل بيته الصدقة وأحل لهم الفيء والأخماس عوضاً من الصدقة، إذ حرمها عليهم ولكنه يقول: لا يحل له أن يخالف إمامه عبدالله بن إباض؛ لأن  عبدالله بن إباض يقول: كل من رضي بفعل علي بن أبي طالب، في قتل ذي الثدية المارقي، من آل محمد ومن غيرهم من المسلمين، فهو خارج من دين الله (كما يقول ناحوم اليهودي  لأصحابه: إن علياً ابن أبي طالب خارج من دين الله)([473]) إذ([474])  قتل مرحباً اليهودي يوم خيبر وغيره، [و] أخذ كريمتنا صفية لابن عمه محمد، وخرب حصننا، وأصفى ضياعنا، وأباح ديارنا، وهتك أستارنا، وأذلنا إلى آخر الدنيا. فغيظ اليهود وحردهم([475]) على أميرالمؤمنين أشد من غيظ الإباضية؛ لأن  الإباضية لم ينقموا عليه إلاّ قتل المارقين، واليهود يقولون: إنه قتل من بني قريضة، وبني النظير، وخيبر، وبني قينقاع، وغيرهم من اليهود.  وكذلك ذرية المشركين الذين قتلهم ببدر وأحد وحنين وغيرها من المواطن كلها، يحقدون عليه ويطلبونه القصاص([476])  في أولاده إلي يومنا هذا؛ حتى رووا على رجل أنه قال لابن له: انهض يا بني إلى حرب بني المختار إلى صعدة، فإن جدك فلانا قتل يوم صفين مع معاوية، قتله علي بن أبي طالب. فذكر أنه مضى في عسكر بني العباس إلى صعدة، ليأخذ بثأر جده فقتل هنالك مع من قتل. فهذا  ـ لعمر بني إباض ـ أعذر منهم؛ لأنه قد صح له قتل جده يوم صفين، وبنو إباض ليس بينهم وبين ذي الثدية قرابةٌ ولا رحم، إلاّ على وجه التقليد، واتباع الهوى والحمية والعصبية. فهم ومن أشبههم ممَّن ذكرنا من أهل الكتاب وغيرهم من ذرية المقتولين، كما قال أمير المؤمنين في خطبته أيام صفين: (ألا إنه سيشرك في دمائنا من في أصلاب الرجال وأرحام النساء).  فقال له رجل من أصحابه: كيف ذلك يا أمير المؤمنين؛ قومٌ لم يخلقوا بعد ؟. قال: (يأتي بعدنا قوم فيرضون بفعلنا فيكونون منَّا، ويسخطون فعلنا فيكونون من عدونا). وتصديق ما قال أمير المؤمنين عليه السلام قول الله  عز وجل، في أهل الكتاب: {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:91]، فاليهود الذين كانوا في عصر النبي لم يقتلوا أحداً من الأنبياء، إلاّ أنهم رضوا بقتل من قتل الأنبياء من أسلافهم بدهر طويل؛ إذ صَّوَّبوهم في قتل أنبياء الله وحاربوا محمداً، وهو رسول من رسل الله، وقال سبحانه فيهم: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181].  وكذلك كل من أدبر اليوم عن إمام المسلمين من ذرية([477])  خاتم النبيين، ولم يأخذ بما جاء به من دين جده عليه السلام، فهو كمن أدبر عن خاتم النبيين، وأمير المؤمنين، وسبطي رسول رب العالمين، سواء سواء، وحذوا بغير حذوهم؛ إذ هم أمناء الله في خلقه، كما قال رسول الله فيهم: ((أهل بيتي أفضل الخلق وهم صفوة الله في خلقه وأمناؤه على عباده وبريته([478]))). [محاربة المارقين للهادي عليه السلام ] وكذلك من أدبر عن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين [عليه السلام]، ولم يأخذ من علمه، أو حاربه أوخذله، وهو كمن حارب جديه محمداً وعلياً، كما قال زيد بن علي[عليهما السلام]: (خاذلنا والمخذل عنَّا، والناقض عهده منَّا، والناصب لنا الحرب عندنا في منزلة واحدة). فالقرامطة ومن أشبههم من أعداء الله ممَّن قاتلهم([479])، والإباضية ومن ضاهاهم من أعدائهم وخذلوهم ورفضوهم. وحدثني رجلٌ أثق به قال: سمعت فلاناً ـ وسماه باسمه ـ يقول للذي حارب ولد الهادي: عداوتنا لعلي بن أبي طالب وأولاده قديمةٌ؛ لأنك تعلم أنَّ جدي وجدك كانا يحاربانه مع معاوية. فالقوم كلهم إلاّ قليل([480]) منهم، كما قال دعبل بن علي الخزاعي: وكيف يحبون النبي ورهطه إذا ذكروا قتلاً ببدر وخيبر   وهم تركوا أحشاهم وعرات؟ ويوم حنين أسبلوا العبرات وأعجب من هذا كله أنهم رفضوا الهادي إلى الحق، الذي أقرله أهل العلم والفضل بالعلم والورع والدين، والتقى والبر والإحسان، مع ثبات نسبه إلى خير خلق الله محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، وسبطي نبي الهدى ! وتبع بعضهم علي بن فضل الخلقاني، والحسن بن علي الكوفي النجار صاحب جبل مسور القرمطيين، اللذين أركبا الآباء البنات، والبنين الأمهات، والأخوة والأخوات([481])، وأهلكا الحرث والنسل، وساما عباد الله بالخسف والذل، ورسما في اليمن رسماً يعيرون به إلى آخر الدنيا؛ وقوم آخرون نصروا آل طريف وابن كالة عليه، فحاربوه وقاتلوه، وقتلوا خلقاً كثيراً من أهل بيت الطهارة، ومن تبعه من سائر المسلمين، الذين قاموا مع ابن رسول الله على أعداء  الله؛ لإظهار دين الله. فالله عز وجل لا يضيع لهم ذلك، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]، وقال عز وجل: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}[آل عمران:195].  والقرامطة وآل طريف يقولون لأصحابهم وأتباعهم: انصرونا على هذا  الغريب، نخرجه من وطننا وبلداننا إلى جبل الرس؛ وهم يسمعون المؤذن في كل قرية يقول: أشهد أن محمداً رسول الله؛ فابن محمد عندهم في دار جده غريبٌ، وهم زعموا أنهم أهل الدار، بتلبيسهم على من تبعهم من جهَّال الناس، ويقولون له: إلحق بجبل الرس ودع منك الطمع، فإن الطمع قد دفن بكربلاء والكناسة، وبفخ وببا خمرى وبجوزجان، اتباعاً لقول أبي الدوانيق حين يقول، عندما وضع رأس محمد بن عبدالله النفس الزكية بين يديه ـ الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:- تؤمل ليلى أن تعود وإنما   تقطع أعناق الرجال المطامع نسبوا الحسين بن علي عليهما السلام، وزيد بن علي، ويحيى بن زيد، والنفس الزكية، وأخاه، والحسين بن علي، الأئمة الصادقين من آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، إلى الطمع الذي هو الدنس، كما قال رسول الله: ((استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع([482])))، فهذا الاسم بهم أليق، وإليهم ألصق؛ لأن  الطمع، الذي يجوز أن ينسب إلى أئمة الهدى، هو الذي ذكره الله لجدهم المصطفى، حين يقول تبارك وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[السجده:16]؛ لأنهم بدلوا ما رزقهم الله من الأبدان الصحيحة، والوجوه الصبيحة؛ لطلب ما وعدهم ربهم من الثمن الربيح، حين يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:112]، إلى آخر الآية: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؛ فلهذا الطمع قاموا، وله بذلوا أنفسهم، لا([483]) لإلفة ليلى ولا معرفة هند، كما قال أبو الدوانيق؛ وقال الله سبحانه: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الأعراف:56]، هذا الطمع الذي طلبوا. عن سليمان الأعمش([484]) قال: كنت جالساً مع أبي جعفر، إذ مر علينا رجلٌ، فقام إليه، ثم قال: مالك لم تقم إلى هذا الرجل؟. قلت له: ومن هذا الرجل؟.  قال: هذا النفس الزكية، وفي قاتل هذا جاء الخبر عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم ((إن على قاتله ثلث عذاب أهل النار))([485]). فلما أن قتله أردت أن أذكره له، وأذكره بالحديث ثم خفته، فلما وضعوا رأس إبراهيم بن عبدالله أخي النفس الزكية بين يدي أبي الدوانيق، تمثَّل بهذه الأبيات: وبشرها فاستعجلت عن خمارها وخبَّرها الركبان أن ليس بينها فألقت عصاها واستقر بها النوى   وقد تستفز المعجلين البشائر وبين قرى مصرٍ ونجران كافر كما قر عيناً بالإياب المسافر اتباعاً لعائشة، إذ تمثلت بهذه الأبيات، عندما جاءها خبر أمير المؤمنين حين قتل، خرت ساجدة، وتمثلت بهذه الأبيات. وليس عصبيتهم واجتماعهم على إخراج الهادي إلى الحق من دار جده، بأعظم من قول فرعون لقومه في موسى وأصحابه، حين يقول: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ(54)وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ(55)وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(56)} [الشعراء:54ـ56]. ثم قال سبحانه في فرعون: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا(103)وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ} [الاسراء:103ـ104].  فهو قادر سبحانه على أن يسكن أولاد نبيه في دار جدهم، كما أسكن بني إسرائيل في دار نبيهم موسى عليه السلام؛ إذ إرادته([486])  للجميع في طاعة خالقهم واحدة، وإرادة من خالفهم في معصية بارئهم مستوية؛ لأنه ليس لقحطان، ولا لولد عدنان، ولا لفارس، في دار محمد حقٌ، إلاّ من دخل في جملة القائم من آل محمد، كما دخل المهاجرون والأنصار مع جدهم؛ لأن  الدار هي دار الإسلام، والإسلام جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل الإسلام هم أولى بدار الإسلام ممَّن خرج من الإسلام، وحارب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين جاءوا بالإسلام، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]؛ وفي ذلك ما يقول الكميت بن زيد: بك اجتمعت أنسابنا بعد فرقة لقد غيبوا براً وصدقاً ونائلاً      فنحن بنو الإسلام ندعا وننسب عشية واراك الصفيح المنصب لأن الدار دار الله، والعباد عباد الله، فأولاهم بدار الله من سعى في عبادة الله؛ فهذه الدار كانت في أيدي المشركين، فانتزعها من أيديهم النبي والوصي، ومن تبعهما من المسلمين؛، وكيف يكون أولاد محمد وعلي فيها غرباء، يستوجبون الطرد منها ؟! إذ ساروا في أمة جدهم بسيرته عليه وعليهم السلام. فقولهم في أولاد الرسول كقول شعرائهم في الأنبياء حين يقول ابن الصلح الشهابي: فإن تفخر بكعبتها قريش بغمدان المنيف وتبعيها   وأحمدها يفاخرها سباء وذي الأخلاد منها المرتجاء  وقال ابن يعقوب: وأنكحنا ببلقيس أخانا ولم نطلب بذي تبعٍ بديلا   وما كنَّا سواه منكحينا ولو أنَّا بتنزيلٍ أتينا فالقوم كلهم علماؤهم، وسلاطينهم، وشعراؤهم، كما وصفهم الله حين يقول: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]. فمخاطبتهم لنا في الهادي إلى الحق عليه السلام، كمخاطبة قوم نوح في نوح عليه السلام، حيث خاطبت أنا قاضياً من قضاتهم، بقول الهادي إلى الحق، مما جاء به جدهم عليه السلام، من معرفة الكتاب والسنة، فوضع أصبعيه في أذنيه، وغطى رأسه ووجهه، وقال لأصحابه: لا تسمعوا، ولا ترفضوا إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومعاوية. هذا كله من فعل قوم نوح، كما حكى عنهم رب العالمين، حين يقول سبحانه فيهم: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}، [إلى قوله]: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح:7ـ23]، وقالوا: إن هو إلاّ رجل به جِنَّة فتربصوا به حتى حين. وقال قوم محمد لأتباعهم، كما حكى الله عنهم سبحانه، حين يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت:26]. وقال: هو أبطل قول علمائنا، فنقول: ليس العلم إلاّ معه ونترك ؟!.  كما قال الأولون في جده نبي الله [و] في صالح وغيرهما من الأنبياء([487])، وقالوا: أبشر يهدوننا ؟ فكفروا، وتولوا وقالوا: أبشراً منا واحداً نتبعه ؟ إنَّا إذاً لفي ضلال وسعرٍ ءألقي الذكر عليه من بيننا؟ بل هو كذابٌ أشر ؟. وقالوا، لمحمد: أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ؟  ثم قالوا: أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟. فأنت تعلم: أن الله أقام الأئمة الهادين، من أولاد خاتم النبيين، في أمة جدهم مقام رسله في الأمم الخالية، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى))([488]). فالهادي إلى الحق في وقتنا هذا صاحب سفينة نوح، فمن تبعه فهو كمن تبع نوحاً، ومن أدبر عنه استوجب الغرق في دنياه، والنَّار في آخرته، كما قال سبحانه: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [نوح:25]. فالله عز وجل أظهر دينه، الذي تعبد به خلقه في أرضه على يد أبينا آدم عليه السلام، كما قال سبحانه:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران:96]، والبيت فهو دين الله؛ لأن  ليس تمام الحج إلى بيت الله إلاّ بمعرفة الله، ومعرفة رسله، وما جاءت به من أداء فرائض الله، واجتناب المحارم كلها؛ فإذا فعل ذلك الداخل في هذا البيت، أمن من العذاب في دنياه وآخرته. ودليل ذلك أن الله سمى هذا البيت مباركاً، كما سمى روحه عيسى بن مريم مباركاً، وكتابه الذي أنزل على محمد مباركاً؛ لما فيه لمن أخذ به من المنفعة والبركة في الدنيا والآخرة، وذلك قول عيسى صلوات الله عليه:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ}[مريم:31] الآية، وقال لصفيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. فمن اتبع عقله، وأحل ما أحل الكتاب، وحرم ما حرم الكتاب، فهو داخل في بيت الله الذي ذكره حين يقول: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا} [آل عمران:97]، وقال صفي الله نوح لخالقه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:28]. فهذا البيت مبارك كما ذكره الله سبحانه: {مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96)فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا} [آل عمران:96ـ97]، ثم قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97)} [آل عمران:97]. قوله: من كفر، يعني: من أعرض عن عبادته، فقد كفر بخالقه.  ثم قال سبحانه لخليله إبراهيم، الأوَّاه الحليم، ولابنه إسماعيل الذبيح عليهما السلام: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة:125]. أمرهما عز وجل أن يعلما جميع خلقه ما يقربهم إليه، من الدين والطهارة، ويباعدهم([489])  عن الكفر والنجاسة، كما قال سبحانه: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] الآية. بين سبحانه في آي كثيرة أن الطهارة للبيت هو التقرب إلى رب البيت، بما يرضيه من الأعمال الصالحة.  وكذلك قال سبحانه لإبراهيم([490]): {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}[هود:73]. وقال لكليمه وأخيه هارون: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس:87]. فدل بقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أن تمام الحج أداء جميع الفرائض، وأمرهما أن يعلما قومهما دين أهل القبلة؛ لقوله([491]): {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً}. وقال سبحانه لرسوله وأهل بيته: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33]. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجميع أمته:((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))([492]). بين صلى الله عليه وآله وسلم أن حبل الله الذي جاء به صفي الله آدم ممدود، في جميع أولاده إلى آخر الدنيا. وكذلك قال سبحانه في رسوله محمد، لجميع خلقه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران:103]. وذكر النبي أن هذا الحبل لا ينقطع حتى يردوا عليه حوضه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح))([493]). فعبادة الله على الآخرين، كعبادته على الأولين، بالرسل والكتب.       وكذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يختم الأئمة الهادين بالمهدي([494])))، فقوله هذا يدل على أن حبل المهدي موصول بحبل الله، فاعلم ذلك ([495])   علماً يقيناً. ــــــــــــــــ [ذكر فضائل الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين] عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: أخبرني أبي أميرالمؤمنين، قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال([496]): ((يخرج منَّا في آخر الزمان رجل يقال له: زيد، فينهب ملك السلطان، فيقتل، فإذا قتل صعد بروحه إلى السماء الدنيا، فيقول له النبيون: جزى الله عنا نبيك أفضل الجزاء، كما شهد لنا بالبلاغ، وأقول له أنا: أقررت عيني يابني، وأديت عني، ثم يشيعه أهل سماء إلى سماء، حتى ينتهى بروحه إلى الله عز وجل، ويأتي أصحابه يوم القيامة يتخللون رقاب الناس، بأيديهم أمثال الطوامير([497])، فيقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق إلى رب العالمين)). عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسين بن علي عليهما السلام: ((يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين، يدخلون الجنة أجمعين بغير حساب([498]))). عن أبي مخنف([499]) أن طائفة أتوا أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام، وهو يومئذٍ بالمدينة، وذلك قبل خروج أخيه زيد بن علي، فقالوا له: إن فينا أخاك زيداً فنبايعه ؟. قال: نعم فبايعوه إنه اليوم لأفضلنا. وقال: ما ولد فينا أشبه بعلي بن أبي طالب منه. عن الزهري قال: دخل زيد بن علي عليه السلام على هشام بن عبدالملك، فسلم عليه، فرد هشام ـ لعنه الله ـ عليه السلام، ورفع مجلسه، وأقبل عليه بوجهه، وتبسم إليه، فأقبل زيدٌ على هشام، فقال: اتق الله أيها المرء، فما أحد من خلق الله فوق أن يؤمر بتقوى الله، ولا أحدٌ دون أن يأمر بتقوى الله، كفاك كبيرة أن تكون من الذين إذا أمروا بتقوى الله، استفزهم الشيطان، وأخذتهم العزة بالإثم. فقال هشام: هذا تحقيق ما رفع إليَّ منك، ومن أمرك أن تضع نفسك في غير موضعها، وترفعها عن مكانها ؟ فاربع([500])  على نفسك، واعرف قدرك، ولا تشاورن([501])  سلطانك، ولا تخالفن على إمامك. فقال زيد: من وضع نفسه في غير موضعها، أثم بربه، ومن رفع نفسه عن مكانها، خسر نفسه، ومن لم يعرف قدر نفسه، ضل عن سبيل ربه، ومن شاور سلطانه وخالف إمامه، هلك؛ أفتدري من ذلك يا هشام ؟ ذلك من عصى ربه، وتكبر على خالقه، وتسمى باسم ليس له؛ وأمَّا الذي أمرك بتقوى الله، فقد أدَّى إلى الله النصيحة فيك، ودلك على رشدك. ثمَّ ولَّى خارجاً. فقال هشام: يقولون قد ذهب أهل هذا البيت؛ هيهات ما ذهبوا ما دام هذا فيهم([502]). عن أبي خالد([503]) قال: كنَّا عند زيد بن علي عليه السلام، فجاءه أبو الخطاب فكلمه، فقال له زيد: (اتق الله فإني قدمت إليكم([504])، وشيعتنا يتهافتون في النار تهافتاً؛ رسول الله جدنا، والمؤمن المهاجر معه أبونا، وزوجته خديجة ابنة خويلد جدتنا، وابنته فاطمة أمنا، فمن أهله إلاّ من نزل منه بمثل ما نزلنا؛ فالله بيننا وبين من غلا فينا، ووضعنا على غير حدنا، وقال فينا ما لا نقول في أنفسنا؛ المعصومون منَّا خمسة: رسول الله، وأمير المؤمنين علي، وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؛ وأمَّا سائرنا أهل البيت فيذنب كما يذنب الناس، ويحسن كما يحسن الناس؛ للمحسن([505])  منَّا ضعف الأجر، وللمسيء منَّا ضعف العقاب؛ لأن  الله سبحانه قال: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30] الآية؛ أفترون أن رجالنا ليسوا من نسائنا؟.  ألا إنَّا أهل البيت، ليس يخلو من أن يكون منَّا مأمونون على الكتاب والسنة؛ لأن  الله سبحانه قال:{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:28]. فإذا ضل الناس، لم يكن الهادي إلاّ منَّا؛ علمنا عِلْماً جهله من ([506])   دوننا، وعلم من هو فوقنا عِلْماً لم يبلغه علمنا، فلم يضر من هو دوننا ما فقهناه من علمنا، ولم يضرنا ما فاتنا فيه غيرنا، ممَّا لم يبلغه علمنا. كانت الجماعة أحبّ إلى أمير المؤمنين من الفرقة، ثم الجماعة بعد الفرقة على السيف، إلاّ أن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم جالت عليه جولة). عن سعيد بن خثيم قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: (اللهم لا تجعلني ممن تقدم فمرق، ولا ممن تأخر فمحق، واجعلني من النمط الأوسط، واجعلني حياً سعيداً، وميتاً شهيداً). قال: قلت: يا ابن رسول الله، من هذا الذي تقدم فمرق ؟.  قال: (هؤلاء الرَّافضة المتقدمة، حملوا الناس على رقابنا، وادعوا فينا ما ليس لنا، وزعموا أنا نعلم الغيب؛ اللهم إني أبرأ إليك منهم). قال: قلت: يا ابن رسول الله، من هذا الذي تأخر فمحق ؟.  قال: (هؤلاء المرجئة السامرية، هم أعدى([507]) لنا من اليهود).  قال: قلت: يا ابن رسول الله، فمن النمط الأوسط ؟. قال: (أصحاب عمي زيد؛ أنت يا شيخ وأصحابك قوم حملونا على حواجبهم ـ قال: وأشار بيده إلى حاجبه ـ وناشروا([508])  السيوف دوننا بجباههم، والقنا دوننا بنحورهم، أولئك في الرفيق الأعلى، من سمع منهم واعيتنا، وأجاب منهم داعينا، فاستشهد، فهو شهيد مع شهداء بدر، بحفظه لرسول الله فينا بعد موته، ومن كان يظهر فضلنا وينتظر أمرنا، ويوالي ولينا، ويعادي عدونا، فهو شهيد يمر على الأمر شهيداً، فإذا مات، كان مع الشهداء). قلت: يا ابن رسول الله، ما أحسن هذا الحديث !. عن محمد بن كثير، قال: قال عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: (علامة ما بيننا([509])  وبين الناس علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلامة ما بيننا وبين شيعتنا زيد بن علي عليه السلام؛ من تولى زيداً على صفته، توليناه؛ ومن بريء من زيد على صفته، برئنا منه؛ إن زيداً كان صحيحاً، إن زيداً كان صحيحاً). ثم قال: (اللهم إني أشهدك، وأشهد حملة عرشك، وملائكتك، ومن حضرني من خلقك، أني أتولى زيد بن علي، وأبرأ إليك ممن بريء منه، ومن أصحابه؛ مضى والله زيد ما خلف فينا لدين ولا لدنيا مثله؛ أضحى زيدٌ في العراق([510])  فأوضح للناس الطريق؛ أما والله إن أوثق خصال زيد عندي أنه ثبت الجنان، واللسان والأركان([511])؛ لما أوضح للناس من كتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم). ثم قال: (والله ما على ظهر الأرض رابطة غيركم معاشر الزيدية). عن سهل بن سليمان الرازي قال: حدثني أبي قال: شهدت زيد بن علي عليهما السلام، يوم خرج لمحاربة القوم بالكوفة، فلم أرى يوماً قط ([512])   أبهى ولا أكثر جموعاً، ولا أوفر سلاحاً، ولا أشد رجالاً، ولا أكثرقرآناً وفقهاً، من أصحاب زيد بن علي، فخرج عليهم زيد بن علي، على بغلةٍ شهباء، وعليه عمامة سوداء، وبين يدي قرموسه([513])  مصحف، فقال: (أيها الناس، أعينوني على أنباط أهل الشام، فوالله ما يعينني عليهم أحد، إلاّ رجوت له أن يجيء يوم القيامة، آمناً حتى يجوز الصراط، ويدخل الجنة؛ والله ما قمت هذا المقام، حتى علمت التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، وما بين الدفتين). ثم قال: (نحن ولاة أمر الله، وخزان  علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله؛ وشيعتنا ولاة الشمس والقمر، والله، لاتقبل التوبة إلاّ منهم، ولا يختص بالرحمة يوم القيامة سواهم). عن أبي خالد الواسطي قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام، اليوم الذي خرج [فيه] يقول: (اللهم انتقم لنفسك ولدينك، ولكتابك ولنبيك، ولأهل بيتك ولأوليائك من المؤمنين). قال: ولمَّا خفقت الراية على رأس زيد بن علي، قال: (اللهم مرضاتك طلبت، ولعدوك نصبت، وهذا الجهد مني وأنت المستعان). عن يحيى بن زيد قال: قال لي جعفر بن محمد، يوم ودَّعته: أقريء عمي زيداً مني السَّلام، وقل له: يا عم، أسأل الله أن ينصرك، وأن يعينك([514])  ولا يرينا مكروهاً فيك؛ يا عم، إن كنت أزعم أنني إمام عليك، فأنا مشرك. قال: ولمَّا بلغه قتل عمه زيد، تغرغرتا([515])  عيناه؛ ثم قال: ذهب ـ والله ـ عمي زيد وأصحابه، على ما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين، شهداء إلى الجنة؛ التابع لعمي زيد مؤمن، والشاك فيه ضال، والراد عليه كافر؛ أما والله ما من عمل ألقى الله به أحب إليَّ من العمل الذي لقي الله به زيد، وإنه لدين الله الذي أدينه؛ كان ـ والله ـ عمي زيدٌ أبذلنا لملكه، وأوصلنا لرحمه، كان ـ والله ـ عمي زيد ملي([516]) حلماً وعلماً، كان ـ والله ـ عمي زيد أرجلنا لدنيانا وآخرتنا؛ والله ما كان فينا زمان  عمي مثل عمي؛ ومضى ـ والله ـ عمي على ما مضى عليه آباؤه.  قال القاسم بن كثير: قلنا له: ما تقول يا ابن رسول الله، فيمن قُتِلَ مع عمك زيد ؟.  قال: من قتل مع([517])   زيد، كمن قتل مع الحسين، ومن قتل مع الحسين، كمن قتل مع علي، ومن قتل مع علي، كمن قتل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. حدثني علي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، قال: قلت لابن أخي الحسن بن عبدالله بن الحسين: اعلم أن أخي وابن أخي ماتا، وأنا صغير، فأيهما كان أفضل؟.  قال: أبي كان رجلاً فاضلاً؛ وأمَّا محمد بن الهادي فكان شبيه جبريل عليه السلام. وحدثني عمي أنَّ الهادي إلى الحق أمر جماعة من الطبريين، أن يصيروا إلى ابنه محمد، وكان معسكره في بلد، فقال لهم: (إنما أنتم تذهبون إلى رجل كنفسي). عليهما السلام. وحدثني قوم من الطبريين أثق بهم، أن الحسين بن عبدالله الطبري سأل الهادي إلى الحق، أن يريه كتاب الجفر؛ لينظر هل يجد فيه اسمه. قال له الهادي عليه السلام: اسمي يحيى ويحيى في الناس كثير، ولكن انظر إلى فعلي، فإن كان موافقاً للكتاب والسنة، فطاعتي واجبة عليك، وإن كان مخالفاً لهما، فلا سبيل لي عليك؛ وأمَّا كتاب الجفر فلا يحل لي أن أريكه ولا غيرك، فهؤلاء أهل بيتي أبي وأخي وأولادي وبنو عمي، ما رآه أحد منهم إلاّ ابني محمد، وقفته على شيء منه. ثم حدثوني ([518]) أن الإمام حدثهم عندما بنى المسجد فكتب فيه: هذا ممَّا أمر بعمله الإمام المرتضى.  قال لهم: الاسم الذي كتبته في قبلة المسجد وجدته في بعض الكتب؛ وهو يومي لهم إلى كتاب الجفر، على نحو ما سمعوا من الهادي عليه السلام. ورووه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال لابنته فاطمة: ((منَّا محمد المصطفى وهو أبوك، ومحمد المرتضى وهو ابنك، ومنَّا محمد المهدي وهو من أولادك، الذي يختم الله به الأئمة الهادين كما ختم([519])  الأنبياء بأبيك)). قال محمد بن الحسن بن القاسم في كتابه إلى الطبريين، فذكر فيه إمامة الإمام محمد بن الهادي عليه السلام، يقول فيه: إنه أكمل أولاد الرسول، وأحقهم بالإمامة، وأولاهم بمقام الرسول. قال الهادي إلى الحق في ابنه الإمام المرتضى لدين الله، عليهما السلام ([520]): ومن هو للإسلام ركنٌ معاضدٌ ومن هو بالمعروف يأمر جهده   ومن هو جاف للفسوق وللكفر وينهى عن الفحشاء والفسق والشر ولبعضهم في الإمام رضي الله عنه: هذا النقيب لآل أحمد كلهم   برح الخفاء ولات حين خفاء قال الإمام المرتضى لدين الله في أبيه  الهادي إلى الحق عليهما السلام: إن الهادي إلى الحق مما أخبرت به العلماء، وبشرت بقيامه الأنبياء. ـــــــــــــــ [ذكر خطايا الأنبياء صلوات الله عليهم] اعلم يا أخي، أني قد عرفتك بمعصية إبليس من الجن، وبمعصية ابن آدم من الإنس، الذي قتل أخاه، وأنهما تعمدا المعصية على وجه التجبر، والعتو والتكبر، كما قال الله سبحانه: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص:74]، وقال سبحانه في ابن آدم: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30]؛ فهذان أول من شرع المعصية في الجن والإنس، وابتدعا وأسساها من تلقاء أنفسهما، ورفضا رشد عقولهما؛لأن  العقل والهوى متضادان متباينان؛ والعقل يدعو إلى الخير والرشد والصلاح والسداد، والهوى يدعو إلى الظلم والجور والفساد؛ فمن تبع عقله أفلح، ومن تبع هواه خسر. تبع إبليس وابن آدم هوى أنفسهما، ثم أصرا على ذلك ولم يقلعا، فكل من عصا خالقه من الجن والإنس، فهو تابع لهما إلى آخر الدنيا؛ ولذلك أمر الله رسوله أن يتعوذ به عز وجل من شرهما ووسوستهما؛ إذ تبعا وسوسة أنفسهما، وابتدعاها في الثقلين ورسماها فيهم، كما قال لرسوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5)مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)} [الناس:1ـ6].  فقال: من شر الوسواس؛ والوسواس فهو الشيطان، والخنَّاس فهو الذي يخنس عن أعين الناس، فلا يرونه، فهذا إبليس وهو من الجن وهو الذي أغوى آدم، ثم قال سبحانه: {من الجِنَّة والناس} هم الإنس والجن([521]) فأمر الله نبيه أن يتعوذ من شر شياطين الجن والإنس، وفي ذلك ما يقول سبحانه: {عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112]. والشياطين من الإنس أقوى على الإنس وأشر عليهم من شياطين الجن؛ فعلى هذا الوجه نسب الله عز وجل كل وسوسةٍ تكون من الإنسان إلى آخر الدنيا، إلى شياطين الجن والإنس، كما قال سبحانه لصفيه آدم عليه السلام: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه:120]؛ فأصل هذه الوسوسة كانت من آدم، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16]، فآدم من الإنس بل هو أولهم. [ذكر وسوسة إبليس وما قصَّ الله سبحانه على رسوله في كتابه] منها إلى أبي البشر وإلى جميع أولاده من بر وفاجر؛ فتفسيره في وسوسته على وجه الإضمار، كما ذكر الله عز وجل في كتابه، ممَّا يشاكل هذا، كقول أولاد يعقوب لأبيهم: {واسئل القرية} [يوسف:82]، وقوله:{لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام:92]، وكقوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقره:93]، ثم قال يوسف عليه السلام: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100]، وقال أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:41]؛ ثم قال سبحانه لرسوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ(175)وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأعراف:175ـ176]، إلى آخر الدنيا. ألا ترى أن الله آتى هذا المذكور آياته، وبينها له، فانسلخ منها من تلقاء نفسه، ورضي الشيطان بفعله؛ إذ هو موافق له في معصية خالقهما؟. ثم قال: {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}، يعني: هذا الإنسان، ثم قال: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}، يقول سبحانه: رفعه بهذه الآيات وفضله بها، فلم يقبلها ولم يأخذ بها، بل أخلد إلى الأرض وركن إلى زينتها، واتبع هوى نفسه، وأعرض عن آيات ربه، التي رفعه بها في دنياه وآخرته. ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}[الأعراف:176]، يقول عز وجل: كل من كذب بآيته وأعرض عنها واتبع هوى نفسه، كان مثله كمثل هذا الذي ظلم نفسه وخسرها وأهلكها. وأمَّا قول الحشوية: إن هذه الآية في نبي من أنبياء الله، فقولهم فاسد؛ لأن  رسل الله صلوات الله عليهم أجمعين، لا يصرون على معصية الله؛ فهذا مصرهم([522]). ثم قال موسى عليه السلام عندما قتل القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}[القصص:15]، قال: من عمل الشيطان، لم يقل: إن الشيطان الذي قتله. والشيطان الذي عنى به موسى يمكن أن يكون أراد ابن آدم الذي قتل أخاه، وأراد إبليس، وكل ذلك جائز. فالإنسان إذا سلم([523]) من نفسه، فهو سالم من شياطين الجن والإنس، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201)وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ(202)} [الأعراف:201ـ202]، يعني سبحانه: أنَّ أولياءه([524]) المتقون، إذا حدثتهم أنفسهم بشيء من عمل الشيطان، تحصنوا بالله وآياته من عمل الشيطان، وتباعدوا؛ وأنَّ أعداءه إخوان الشياطين اتبعوه، وعملوا عمله، وتمادوا في الغي ولم يقصروا، ولم يقلعوا منه، ولم يتذكروا فيبعدوا الشيطان منهم، كما أبعده المتقون؛ لأن  الشيطان ليس له سلطان على من اعتصم بحبل الله وبه عز وجل، كما قال سبحانه لرسوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100)} [النحل:98ـ100].  ألا ترى أن الله قد بين لرسوله، أنه ليس لعدوه على رسوله ولا على من آمن به وبرسله سبيل ولا سلطان؛ إنما سلطانه على الذي يتولاه ويشركه في معصية خالقه، حتى يكونا شريكين في المعصية؟. ثم قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ(20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سبأ:20]؛ ثم قال سبحانه: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الاسراء:65]. وقوله سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ} كنحو قول الملعون إبليس لربه، إذ يقول له: أرأيتك هذا الذي كرمت عليَّ لئن  أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكنَّ ذريته إلاّ قليلاً؛ وقال: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين. ثم قال سبحانه: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22]. بين سبحانه في جميع ما ذكر من آياته لرسوله أن الإنسان لا يؤتى إلاّ من نفسه، وأن الشيطان ليس له عليه سبيل.  وأمَّا قوله سبحانه في إبليس وأعوانه، حين يقول: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}[الأعراف:27]؛ ليس هذه الآية توجب أن الجن يرون ولد آدم بأبصارهم. ويمكن أن يكون تفسير قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}، أنهم([525]) يعلمون من أفعالنا ما لا نعلم من أعمالهم، كالملائكة الذين هم يحيطون بأعمالنا، كما قال سبحانه فيهم: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10)كِرَامًا كَاتِبِينَ(11)يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)} [الإنفطار:10]؛لأن  الله عز وجل قال:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ}، كما قال لرسوله: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء:105]، يقول: بما علمك الله؛ وقال إبراهيم عليه السلام: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا}[البقره:128]، يقول: علمنا؛ لأن  العقل لا يستحسن أن يقدر الله عز وجل عدوه اللعين، وأتباعه من مردة الجن، إلى أن ينظروا عورات المسلمين والمسلمات من الآدميين؛ لأنه قال للمسلمين، في مخاطبة المسلمات: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}[الأحزاب:53]؛ ثم قال سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ .....، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30]. وإبليس فهو مجتهدٌ فيما يعم المسلمين بإقراره، إذ يقول الملعون: لأغوينهم أجمعين، لأحتنكن ذريته. ثم قال سبحانه: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221)تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(222)يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ(223)وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ(224)أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225)وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(226)} [الشعراء:221ـ226]. بين سبحانه أن من خالف قوله فعله فهو شيطان، وأن بعضهم أولياء بعض؛ فافهمه إن شاء الله. [التمييز بين معصية إبليس ومن تبعه وبين معصية آدم ومن تبعه] ميِّز يا أخي، بين المعصيتين: بين معصية إبليس ومن تبعه من مردة الجن والإنس، وبين معصية آدم ومن تبعه من المؤمنين؛ لأن الله عز وجل قد ذكرهما بالمعصية فقال: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121]. ثم ميَّز بين معصية إبليس، ومعصية آدم، فقال سبحانه لرسوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:115]، نسي آدم قول الله له في إبليس: إنه له عدوٌ؛ وعندما أشار عليه بأكل مانهاه الله عنه، وحلف له أنه له ناصح، كما حكى الله عنه، إذ يقول له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20)وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21)فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:20ـ22]. فلو ذكر عليه السلام، عند هذه المخاطبة، قول الله في الملعون لم يغتر بقوله، وعلم أنه يريد هلاكه، ولم يقرب الشجرة، كما نهاه الله عنها. ولعلم الله سبحانه أن إبليس يأمره بمعصية خالقه، قدم إليه خبره، وحذره منه، وقال له: {يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117]. فلما غفل عليه السلام وزلَّ وأخطأ، أزال الله نعمته منه، فلزمه الشقاء، والعمل في طلب المعيشة، وكان مكفياً في الجنَّة، غنياً عن العمل، كما قال سبحانه: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى(118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى(119)} [طه:119]، كان في ظل بارد([526])، ومعيشة رغدة، وسيمة، وسلامة، ونعمة سابغة؛ فلما عصى ربه، أخرجه منها، ثم سأله أن يعيد عليه تلك النعمة، فأبى عز وجل أن يردها، إلاّ أنه قد قبل توبته، وعفا عنه، وأقال ([527])  عثرته بفضله وامتنانه، إنه منانٌ كريم.  ثم اعلم أن نبياً من أنبياء الله ([528])،  لا يتعمد معصية خالقه أبداً؛ لأنه لو كان ذلك يكون عليهم السلام، كما قالت الحشوية، المجبرة القدرية، لكان في ذلك وهنٌ في التوحيد والرسالة؛ لأن  الذي اختصهم بالرسالة، وقلدهم الأمانة إلى جميع خلقه، عالم بعواقب أمورهم، وبصير بهم، وعلمه بما سيكون من أفعالهم، كعلمه بما كان وظهر منهم؛ لأنه عز وجل العالم بنفسه، كما قال سبحانه: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ(6)فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ(7)} [الأعراف:6ـ7]. فعلمه سبحانه بهم أنهم سيبلغون رسالته، ويؤدون أمانته، اختياراً منهم لرضى خالقهم، وتجنباً لسخطه، اصطفاهم واختارهم واجتباهم، كما قال سبحانه فيهم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33)ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)} [آل عمران:33ـ34]. فمن زعم([529]) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خان وتعدَّى، فقد طعن على المُرْسِل، وأنكر عليه علمه، فمن([530]) اصطفاه الله وقلده أداء أمانته إلى خلقه؛ فمن أنكر علم الله في رسله وفي غيرهم، فقد نسب إلى الله سبحانه ضد العلم، وضده الجهل، أو وصفه سبحانه بضد العدل، وهو الجور، فتعالى عز وجل عن الجهل والجور، وتقدس عن الجهل([531])  والعجز. فإذا صح أنه سبحانه لا يختار إلاّ أميناً، ولا يقلد أمته([532])  إلاّ مصطفىً قوياً، مستحقاً لما قلده ربه، فقد صح أن معاصي الأنبياء على وجه الغفلة والغلط، والنسيان والزلل، لا على وجه التمرد والطغيان، والاجتراء على الواحد المنَّان؛ ولذلك ميَّز بين صفيه أبي البشر، وبين عدوه إبليس اللعين، في الفعل والاسم، وسماهما إمامين، قال سبحانه فيهما، وفيمن تبعهما من الأبرار والفجار، فقال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ}، إلى قوله: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}([533])،  وقال في إبليس وشيعته: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}، [إلى قوله]: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص:41ـ42]. إبليس وأتباعه ملعونون في دنياهم، مقبوحون في آخرتهم، كما قال سبحانه فيهم: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقره:114]، ثم قال سبحانه لإبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:85].  وقال سبحانه في الفريقين: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]، آدم ومن تبعه في الجنة، وإبليس ومن تبعه في النار؛ هما حزبان: حزب الله وحزب الشيطان، فحزب الله هم الغالبون المفلحون في الدنيا والآخرة، وحزب الشيطان هم الخاسرون الملعونون في الدنيا والآخرة، كما قال سبحانه: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:21]؛ فكما لا يغلب عز وجل، فكذلك أولياؤه لا يغلبون ولا يخذلون، ولا يهابون في دنياهم وآخرتهم، فافهم إن شاء الله. [تفضيل الرسل بعضهم على بعض] ثم اعلم أن الله فضَّل رسله، بعضهم على بعض، كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الاسراء:55]، وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}[البقرة:253]. لم يسم الفاضل من المفضول، ولم يميَّز بينهما، فيعرف كل واحد منهما بفضله، إلاّ أنه أجمل الأمر في فضل جميعهم، وأمر خلقه بإقرار فضلهم والاقتداء بهم، كما قال سبحانه لرسوله، في خليله إبراهيم، الأوَّاه الحليم، وفي ذريته الأطيبين الكرام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(74)وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75)}[الأنعام:74ـ75]. ثم قال سبحانه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83)وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(84)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ(86)وَمِنْ ءَابَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(87)ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(88)أُولَئِكَ الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ(89)أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:83ـ90]. تفسير قوله: {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأنعام:89] يعني سبحانه: الأئمة الهادين الذين يخلفون جدهم في أمته بعده، عليه وعليهم السلام. بين سبحانه لرسوله أن هداه واحدٌ فيه وفيمن تقدمه من رسله، وذلك قوله: فبهداهم اقتده (إلى آخر الدنيا فقد بان. ثم اعلم أنَّ فضل من في يده شيء من التوراة كتاب ربه، مشهور، مثل: أصحاب التوراة والإنجيل، والزبور والفرقان، والصحف الأولى: صحف إبراهيم وموسى، وكذلك فضل أولي العلم من الرسل)([534]). وقال الإمام المرتضى لدين الله: (أولوا العزم هم خمسة: موسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد، صلوات الله عليهم أجمعين وعلى آل محمد). فالواجب على المسلم أن يعرف فضل جميع الرسل؛ لأن  هذا المفضول منهم ليس بناقص العقل، الذي يكون دون الآخر، وككتاب الله؛ لأن  العقل والرسول والكتاب حجج الله في خلقه، فحججه لا تكون ناقصة أبداً. وقالت العلماء: إن الله لا يعذب حججه من الرسل، في الدنيا ولا في الآخرة، فافهمه. وقال الإمام المرتضى لدين الله: إن أول من يدخل الجنة محمد بن عبدالله، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الله عز وجل: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(121)ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى(122)}[طه:121ـ122]، ثم قال سبحانه: {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:37].  وأمَّا قوله سبحانه لملائكته: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، يعني: هذه الأرض التي كان عليها آدم ومات فيها. [جنة آدم (ع) كانت في الأرض]  والجنَّة التي كان فيها آدم، فكانت في الأرض، وكانت من جنان الدنيا، ليست جنَّة المأوى، وقوله سبحانه له ولزوجته ولإبليس: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:38]، كقوله لبني إسرائيل: {اهْبِطُوا مِصْرًا}[البقرة:61]، فجنَّة الخلد لم يدخلها أحدٌ بعد، لا إدريس النبي، ولا حبيب النجار، ولا بلال بن حمامة، رحمة الله عليهم، كما قالت الحشوية؛ لأن  من دخل الجنَّة لم يخرج منها، وهو مخلد فيها، كما قال الله سبحانه في كتابه، الذي نزَّل على رسوله، في آي كثيرة. فأمَّا قول الملائكة عليهم السلام لخالقهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[البقرة:30]، إنما ذلك على وجه الاستفهام؛ لأنه سبحانه كان أعلمهم قبل هذه المخاطبة بمفسدي ولد آدم، فلمَّا أعاد عليهم القول في خلق آدم، خاطبوه بهذه المخاطبة، حتى قال لهم:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]، من بركته وبركة ذريته، من الأنبياء والمؤمنين، وفي ذريته من لولاه ما خلقت الدنيا ولا الآخرة، محمد المصطفى. فلما عرفهم عز وجل بذلك، قالوا له سبحانه: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة:32]، قالوا: إنما أعلمتنا بالمفسدين من أولاده، ولم تعلمنا بالصالح منهم. وأمَّا قوله سبحانه فيه وفي زوجته، حين يقول: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ(189)فَلَمَّا ءَاتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا ءَاتَاهُمَا} [الأعراف:189ـ190] الآية، كانا عليهما السلام قالا له: إن رزقتنا ولداً سوياً صحيحاً سالماً صالحاً، أفردناه في عبادتك، ولا نشغله بشيء من خدمتنا؛ فلما رزقهما كما سألاه، ألزماه الحرث والعمل، وشغلاه، فعاب عليهما ربهما ذلك؛ وكذلك سألت امرأة عمران ربها، إذ قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[آل عمران:35]، فلما وهب لها مريم، وفت لربها بما نذرت وعاهدت، فحمدها ربها، ولم يعتب عليها، كما عتب على أبويها عليهم السلام. وأمَّا قوله لصفيه نوح عليه السلام، عندما خاطبه في ابنه، حين يقول: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود:45]، وقول ربه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46]، قال له ربه: إني وعدتك أن أنجيك وأهل طاعتك من الغرق، فابنك ليس من أهل طاعتك؛ لأنه لو كان من أهل طاعتك لصدقك، ولم يكذبك عندما أمرته، وقلت له: كن ([535])  معنا، ولا تكن مع الكافرين، فلا تسألن ما ليس لك به علم؛ لأن  سؤالك هذا عمل غير صالح لك؛ فلما عرفه سبحانه بخطائه، تاب من آخر ساعته، وسأل ربه العفو والغفران، وقال: رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم، وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين.  وأمَّا قوله في زوجته وزوجة لوط، حين يقول: {فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:10]، كانت خيانتهما لخالقهما عن أزواجهما، فعاب عليهما ربهما ذلك، كما عاب على عائشة خروجها من بيت زوجها، في حرب وصي رسوله، بعد موت رسوله، فلم يكن لها خيانة غير ذلك؛ لأنهن أزواج الأطيبين، كما قال الله سبحانه:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26]. [تبرئة يوسف (ع) مما نسب إليه الحشوية]  وأمَّا قوله سبحانه في نبيه يوسف الصديق، عليه السلام، حين يقول: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]، أمَّا هي، فقد همت بالفسق؛ وهمه هو، هم الطباع، المركب فيه وفي غيره، تحركت نفسه عندما تعلقت به المرأة، فزجر نفسه عن هواها، وسكنها ببرهان ربه، بقوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}[الإسراء:32]، وسأل ربه أن يصرف عنه كيدها، واختار السجن والحبس، على ما سألت المرأة؛ لرضاء الله، ومخافة من سخطه؛ وأجابه ربه إلى ما سأل من العصمة والتسديد، فجعله في عباده المخلصين، ومكنه من أرضه، وملكه أمر عبيده، وآتاه ملك الدنيا والآخرة، واختصه برسالته، واصطفاه لنبوته، وأمر خلقه بطاعته، وقرن طاعته بطاعته، صلى الله عليه.  بين الله عز وجل ذلك لجميع رسله، الذين بعثهم بعده إلى خلقه، وأمرهم أن يعلموا أمتهم باستقامته على طاعته، وتجنبه عن معصيته؛ ليقتدوا بفعله، وذكر ذلك لرسوله المصطفى في كتابه، وعرفه([536])بخلصا([537]) نيته، وبين له برآءته، مما نسب إليه جهلة خلقه، على ألفاظ شتى؛ ليسلم أولياؤه من غيبة نبيه؛ قال الله سبحانه: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:24]، ثم قال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:28]؛ ([538]) قال سبحانه: {قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:51]، ثم قال سبحانه: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23]، ثم قال سبحانه: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف:35]، ثم قال سبحانه:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(33)فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(34)} [يوسف:33ـ34]، ثم قال سبحانه: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [يوسف:30]، ثم قال سبحانه: {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32].  أنكرت الحشوية هذه الشهادة من كتاب الله، ونسبت إلى رسول الله ما نفى عنه ربه، من الفعل القبيح، الذي لا يليق به، ولا يأتيه، اجتراء على الله، وتمرداً وطغياناً، وزوراً وبهتاناً.  فمن شدة استقصائهم في إنكار قول الله، وكذبهم على رسول الله، زعموا أنه رأى أباه يعقوب، مصوراً معه في جانب البيت، عاضاً على إصبعه، ينهاه عمَّا همَّ به من فسقه بامرأة العزيز، ولولا أبوه، لكان منه ما راودته المرأة من الفسق، وزعموا أن أباه أعظم عنده قدراً من خالقه، وأن عذابه أشد من عذاب ربه؛ أخرجوا صفي الله من إيمانه، إذ يقول سبحانه: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]. وأمَّا قوله عليه السلام للعزيز: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:55]، لم يسأله أن يكون له جابياً  ومكاساً([539])  من تحت يده؛ إنما قال له: الأمر الذي تقلدته، ودخلت فيه، لست تعرفه، ولا تقوم له؛ لأن  هذا باب النبوة، فأنا أبصر بهذا منك؛ لأني من أهل النبوة، كما قال عليه السلام للمسجونين: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ(37)وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ(38)} [يوسف:37ـ38]. قال له: أنت مشرك بالله، والمشرك لا يستوجب مقام الأنبياء، وأنا أبصر وأعرف بمقامهم منك، كما قال: إني حفيظ عليم. ودليل ذلك قول الله فيه إذ يقول سبحانه:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:56]. فلما عرفه بذلك، اعتزل الأمر، وأسلمه إليه، فصيره مكانه وصار الاسم الذي كان يدعى به ليوسف، كما قال له إخوته: {يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ} [يوسف:88]. فلوكان هذا الذي نسبه إليه الحشوية من الفسق والمكس، من فعله، لعاب ذلك عليه ربه، كما عاب عليه قوله في إخوته، إذ يقول: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف:70]. ألا ترى ما قال عز وجل، إذ يقول فيه: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ}[يوسف:76]، قال سبحانه: كدنا أن نبطش به ونعاقبه؛ إذ نسب إلى إخوته السرق، ولم يسرقوا، وانتزع أخاه منهم بهيبة الملك، فكره الله عز وجل ذلك لنبيه، فقال لرسوله محمد، صلى الله عليه وآله وسلم: {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:76]. قامت اللام، التي في قوله: (ليوسف) مقام الباء؛ المعنى فيه: كدنا بيوسف بالعقوبة؛ فهذه من زلـله([540])  عليه السلام. وكذلك بين سبحانه لرسوله خبر يوسف، أنه غير مملوك للذي اشتراه، في قوله: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:23]، وقال سبحانه: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25]، لم يقل سيده، كما قال: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[النساء:141]. [تفسير ما هو المراد بقول موسى: رب أرني انظر إليك، والرد على الحشوية] وأمَّا قوله سبحانه في كليمه موسى عليه السلام، حين يقول: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] الآية، لم يرد موسى النظر إلى ما ذهبت إليه الحشوية، عندما زعموا أنه سأله ينظره ويراه ببصره، جهرةً، محدوداً مصوراً، كما سأله قومه، إذ قالوا له: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153]. فكيف يجوز أن ينسب إلى كليم الله، ووجيهه وصفيه، موسى، هذا الشرك ؟! وهو ينهى قومه عن هذا القول بعينه، عندما قال لهم: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138]. ألا ترى أنه أخرجهم من المعرفة بالله؛ إذ سماهم جهَّالاً، ونفى عنهم العلم؛ فليس موسى يرضى لنفسه هذه المنزلة الدنية، وهو قد كررها ([541])  لقومه، ولم يكن ليأتي شيئاً، ينهى قومه عنه، كما قال شعيب عليه السلام([542]): {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ}، إلى قوله: {وإليه أنيب} [هود:88]. قال سبحانه لمن فعل مثل ما قالت الحشوية: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]. موسى أعلم الخلق بالله، أن يسأل ربه أن يراه ببصره، وهو يسمع قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]. وأعجب من هذا كله، أنهم زعموا أن موسى سأل ربه، أن ينظره، فلم يجبه إلى ذلك، وأن محمداً رآه ببصره، عندما أسري به إلى السماء السابعة!.  فمن أي جهةٍ ـ ليت شعري ـ فرقوا بينهما، وكلامهما ([543])  مكين، عند خالقه؟! لا محمد ـ ولله الحمد ـ رأى ربه ببصره، ولا موسى سأل  ([544]). فالله أبطل قولهم في ذلك كله، وبين كذبهم في كتابه، الذي أنزل على رسوله. إنما سأل موسى ربه  أن يريه آيةً من آيات يوم القيامة([545])، يحتج بها على قومه فقال له ربه: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف:143]. يقول: إنك لن ترى مني تلك الآية، ولا تقدر أنت على نظر هذه الآية؛ ولكن سأهبطها على هذا الجبل، فإن استقر الجبل مكانه، بعد أن تقع ([546])   الآية، فسوف تقدر على النظر إليها؛ فلما تجلى ربه للجبل، يقول: أظهر الآية على الجبل، تقطع الجبل، وساخ وذهب؛ فلما رأى موسى ما نزل بالجبل، من الأمر العظيم، والهول الجسيم، هاله الأمر وأفزعه، وخر صعقاً، فلما أفاق، قال له ربه: {يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا ءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144]. قال له: الآيات التي معك تكفيك، فلا تحتاج إلى غيرها، ففيهن الكفاية لمن أراد الإيمان، وكره الطغيان. وقوله عليه السلام لربه: تبت إليك، يقول: كان الواجب عليَّ أن لا أسألك إظهار شيء، لا تظهره في هذه الدنيا، وإنما التجلي يكون على وجوه: يقول القائل: قد تجلى هذا الشخص، يقول: إنه رآه ببصره. ثم يقول: تجلى لي هذا الأمر، وهذا الكلام، يقول: إنه سمعه بإذنه ([547]). وليس تجلي الخالق كتجلي المخلوق  ([548])، وقد تجلى لنا ([549])  بآياته ودلالاته، ووحيه وبرهانه، ولولا ذلك، لم نهتد إلى معرفته، بغير هداية منه، فبه سبحانه عرفناه، واهتدينا إلى ما هدانا إليه وأدركناه؛ لأن  الدرك دركان: درك بالقلب والعقل، ودرك بالبصر، فدرك القلب أوكد من درك العين؛ لأن  العين ربما رأت الشيء شيئين، إذا تباعد منها، كما قال الله سبحانه: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً}[النور:39] الآية؛ فدرك القلب لا يشبه خالقه بمخلوق، ولا ينسب ظلمهم إليه، ولا يستقبح أمره، ولا ينكره أبداً، (فافهم([550]) إن شاء الله. لأن درك العين قد استوى فيه أهل العقول وغيرهم من الحيوان؛ فأدرك أهل العقول بعقولهم وألبابهم وتمييزهم، ما لم يدرك الحيوان، ولذلك وجبت عليهم من معرفة خالقهم وعبادته، ما لم تجب على سائر الحيوان، فأدرك أهل العقول خالقهم، على غير تحديد، ولا إحاطة في ذلك([551])  نفوا عنه شبه خلقه، ووصفوه بصفته، التي وصف بها نفسه، من أنه واحدٌ أحدٌ، ليس كمثله شيء، لا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، وأنه عدل في جميع أفعاله؛ ثم عبدوه بعد هذه المعرفة حق عبادته، سبحانه وتعالى عمَّا يقول المشبهون فيه علواً كبيراً.  وإنما صرف الله عز وجل هذه الآية عن كليمه موسى إلى الجبل، شفقة منه على موسى؛ لعلمه بها أنها تدمر كل ما صادفت؛ إذ هي آية آخرية ليست دنيائةٍ ([552])، ودليل ذلك أن الدرك لا يكون إلاّ منها، كما قال سبحانه: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:14]، وقال سبحانه:{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا(21)وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)}) [الفجر:21ـ22]. وقول المشبهة: إن محمَّداً رأى ربه في دنياه؛ لقوله سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13]، إنما ذلك جبريل، رآه على صورته؛ وإنما كان يراه على صورة دحية الكلبي([553])، رجل من الأنصار، في طول ما أقام في نبوته؛ فما رآه على صورته إلاّ مرتين: مرةً في الأرض يوم أحد، ومرةً في السماء، كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}[النجم:13]؛ فأبطل الله سبحانه قول من قال: إنه رأى ربه مرتين، فدل سبحانه بقوله: نزلة أخرى، أنه رأى جبريل، مع ما بين في آخر آياته، حين يقول: {لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:18]، وآياته غيره تبارك وتعالى. ( ([554])  فليت شعري، ما تأويل قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:103] عند المشبهة! إذ يزعمون أن محمداً أبصره في هذه الدنيا، وهم يرونه في الآخرة بأبصارهم.  فقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:103] تحقيق الموحدين أن الأبصار لا تدركه في الدنيا ولا في الآخرة؛ لأن  أهل التوحيد أجمعوا كلهم على أن الأبصار ما أدركت خالقهم في الدنيا؛ ثم الآية تؤكد قولهم: لا يدرك ببصر في الآخرة؛ لأن قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:103] ينتظر ([555])  فعل الماضي، وفعل المستقبل، كما ينتظم قوله: {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص:3]، المعنيين كليهما، وقد ذكر الله أن قوماً قالوا في الدنيا: اتخذ الله ولداً؛ ولم يقل سبحانه: إن أحد([556]) من خلقه يقول إن خالقهم يولد فيما يستقبل من الآخرة. ومعنى قوله: {لَمْ يَلِدْ}، و{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} شيءٌ واحد، ينتظم الحرفان المعنيين جميعاً: معنى الدنيا والآخرة، فافهمه.  فسؤال موسى عليه السلام ربه في هذه الآية، كسؤال أبيه إبراهيم، إذ قال لربه: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقره:26]، فأراه ما سأل؛ إذ سأله إظهار ما يظهر في هذه الدنيا، ولم يعب عليه ربه، كما عاب على كليمه موسى عليهما السلام. روى الهادي إلى الحق أمير المؤمنين عن أبيه أمير المؤمنين [عليهما السلام] أنه قال: (أوحى الله إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك على الناس برسالتي، وكلمتك تكليماً ؟ قال: لم يا رب ؟ قال: لأني اطلعت على قلوب عبادي، فلم أجد فيهم أشد تواضعاً لي منك). فتقول المشبهة: إن علم الله بطل في كليمه، حتى جاء بخلاف ما علم الله منه، واصطفاه من شبهه بخلقه، عزالله وتعالى. زعمت المشبهة: أنَّ دكّ هذا الجبل من جهة معبودهم، عندما ظهر عليه، فما يؤمنهم أن يدكهم، عند ظهوره إليهم للنظر إليه، كما تدكك الجبل، عند نظره إليه، عندما زعموا أنه يظهر إليهم، ويرونه يوم القيامة، محاطاً محدوداً. وباب آخر: أنَّ الجبل ليس له عينان، يبصر بهما ما أراد، ولا له عقل يميز به بين الخالق والمخلوق، وتعالى الله عن قول المشبهين علواً كبيراً؛ وإنما هذه الآية يظهرها ربها في آخر الدنيا، قبل البعث والنشور، كما قال الله سبحانه لرسوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:105] الآية، وقال سبحانه:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف:47] الآية، وقال: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5]، وقال ذو القرنين رحمة الله عليه: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف:98]. فليس يظهر رب العالمين هذه الآية، إلاّ في آخر الدنيا، كما قال عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:68] الآية، عند إبادته للدنيا؛ ولذلك عاب على كليمه موسى، عندما سأله إظهارها قبل أوانها وحينها.  وقوله سبحانه: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143]، وقال:{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ}[النساء:153]، بين سبحانه بقوله: فأخذتهم الصاعقة بظلمهم، أنهم ظلموا أنفسهم، وتعدوا، وسألوا موسى أن يصف لهم خالقهم، بخلاف ما وصف به نفسه، إذ يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:103]. وأمَّا قوله سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]، {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143]،{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} [مريم:52]، فالله عز وجل خلق هذا الكلام، أسمعه نبيه، ففهم نبيه أن الكلام والنداء خلق من الله، والمنادي هو الله سبحانه، كما نادى أبويه من قبله حوَّى وآدم، وأباه إبراهيم من بعد، عليهم السلام، إذ يقول سبحانه لرسوله محمد: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف:22]،{وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ}).  وأمَّا قولهم: إنه لا يجوز أن نقول لأحد من المخلوقين: إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني، فجاز هذا القول لكل من يتلوا كتاب الله، إلاّ محمداً([557])؛ لأن  محمداً، ومن تبعه، يقول كل من قرأه: إني أنا الله لا إله إلاّ أنا فاعبدني، كما جاز له أن يقرأ: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم:19]، والمخاطب لمريم بهذه المخاطبة جبريل عليهما السلام، والواهب لها عيسى جالود([558]) جبريل، كذلك خاطب جبريل محمداً فقال له: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}[الزمر:41]؛ فالمنزل خالقه، والمخاطب لمحمد رسوله الأمين. [ذكر وجوه الوحي] وإنما الوحي الذي ذكره الله في كتابه هو على أربعة وجوه: كما قال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى:51] الآية.  بين سبحانه أنه كلم جميع رسله، مثل ما كلم موسى، ثم فسر كيف وصل كلامه إليهم ؟ فقال: إلاّ وحياً، مثل ما كان منه سبحانه إلى خليله إبراهيم، إذ يقول لابنه عليهما السلام: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] الآية. ثم قال سبحانه: {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى:51] (مثل ما كان إلى آدم وحوَّى، وإبراهيم وموسى، عليهما السلام.  وقال: أو من وراء حجاب)([559])، إنما كان الحجاب بينهم وبين موضع الكلام؛ لأن الله سبحانه لا يحجبه شيء، ولا يحويه شيء ولا يحيط به شيء، ولا يخلوا منه شيء، وهو أقرب إلى كل شيء من الشيء إلى نفسه، كما قال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]، يقول: إنما هو أعلم بهم من أنفسهم، كما قال سبحانه: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16]. ثم قال:{أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}[الشورى:51]؛ يعني: جبريل، فجبريل يسمع هذا الوحي، الذي أسمعه رسل الإنس من رسل الملائكة؛ فالرسول الملك الأعلى قد ثبت لك خبره، أنه يصل وحي الله إليه على وجه القذف في صدره، والتقرير في عقله، والترتيب في لبه، لا معاينةً بالبصر، ولا مسامعة بالأذان، ولا ملامسة باليد، إلاّ مقدراً مجعولاً، مركباً في قلبه من خالقه، العزيز القدير، المهيمن الحليم الجبَّار. والوحي الرابع فهو إلهام، كما قال سبحانه في النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل:68] الآية.  وأمَّا قول موسى:{إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}[يونس:88] الآية؛ لم يرد عليه السلام بقوله هذا أنه آتى فرعون الملك([560]) الذي ذكر سبحانه، أنه آتاه أنبياءه وأولياءه؛ إنما قال: وأموالاً، يعني: كل ما أنبتت الأرض من الذهب والفضة والحبوب، والثمار والدَّواب والأنعام؛ لأن  الملك لا يقوم إلاّ بهذه الأشياء، وجاز أن يقول: آتيت فرعون، على مجاز الكلام (([561]) إذ لم يحل بينه وبينها؛ بل أباح لهم وأغدق عليهم السماء، وأنبت لهم ما قامت به سلاطينهم، واستوت به أمورهم، وأمرهم أن يصرفوا هذه النعم كلها فيما يرضيه، فصرفوها فيما يسخطه، كما قال موسى: ربنا ليضلوا عن سبيلك؛ المعنى لئلا يضلوا، فقد ضلوا؛ ربنا اطمس على أموالهم، واشدد على قلوبهم، كما ضلوا وكفروا بنعمتك؛ فلا يؤمنوا، يقول: لأنهم لا يؤمنون بك، اختياراً منهم للكفر، لم يقل عليه السلام: حتى لا يؤمنوا؟ وكيف يقول: حتى لا يؤمنوا، وهو يدعوهم دائباً إلى الإيمان، كما قال له ربه:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى(19)}[النازعات:17ـ19]، ويقول له: أرسل معنا بني إسرائيل، ولا تعذبهم، ويقول لهم: ويلكم لا تفتروا على الله كذباً، فيسحتكم بعذاب، وقد خاب من افترى، وقد خاب من حمل ظلماً). [بيان أن خطيئة داوود (ع) كانت ذكراً في نفسه فقط] وأمَّا قوله سبحانه لرسوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص:21]، كان داوود صلى الله عليه، عندما وقع بصره على امرأة أوريا، رحمة الله عليه، كان يذكرها دائباً بينه وبين نفسه، فيقول له لو علمت أن هذه المرأة على هذه الصفة، لتزوجتها قبل أن يتزوجها أوريا. فلما كره الله ذلك لخليفته، بعث إليه ملكين ينهيانه عن هذه الخطية، ويعرفانه بغفلته، وأمرهما أن يحكماه في ذلك، وينسبا هذا الأمر إلى أنفسهما، ويكون هو الحاكم بينهما، بما يوجبه الحق من حجة العقل، بعلمه سبحانه بأن ذلك أنور في قلب نبيه؛ إذ النفس أمارة بالسوء، فلما دخلا عليه، فزع منهما، قالا له: لا تخف واطمئن، خصمان بغى بعضنا على بعضٍ، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط، يقولان: لا تمل مع أحدنا على الآخر، واهدنا إلى سواء الصراط، وهو يقول ([562]): إنهما رجلان من ولد آدم؛ قال لهما: اذكرا خبركما، قال له أوريا: إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدة، فقال: أكفلنيها وعزَّني في الخطاب. فكان مع داوود يومئذ تسع وتسعون زوجة، وليس مع أوريا غير زوجة واحدة؛ فقال: أكفلنيها وعزَّني في الخطاب، عندما كان يذكرها دائباً. فحكم داوود بينهما بما يوجبه الحق، ورجع إلى نفسه، فقال: إذا أخذ صاحب الجماعة من صاحب الواحدة هذه الشاة، وانتزعها من يده، قتله الجوع، فهذا ظلم بين، قال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24].  يقول: إلاّ من أنصف عقله؛ دله عقله أن هذا جور وظلم، فالذي يتبع عقله، ويأخذ بأمره قليل في الناس؛ بل أكثرهم يتبع هوى نفسه، الذي هو ضد لعقله. فلما فصل بينهما بالحق، تغيبا منه ولم ينظرهما ([563])،  عند دخولهما، ولا عند خروجهما؛ فرجع إلى عقله يستفتيه، ويطلب منه بيان ما نزل به، من أمر هذين الخصمين، فإذا عقله يقول له: هذا أنت ووليك أوريا؛ لأنك تعلم أنك إذا أخذت زوجته، ألزمته العنت؛ لأن فيه من شهوة النساء مثل ما فيك، وأنت فلم تنفعك هذه الجماعة، حتى تاقت نفسك إلى زوجته، فكيف يكون حاله بعدها عند فقده إياها ؟. فلما دله عقله على الحق المبين، استغفر ربه من خطيئته، فأقاله ربه من عثرته، وعفى عنه زلته، وذلك قوله:{وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ}...إلى قوله: {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص:24ـ26]. فداود لم يسل أوريا أن ينزله على زوجته؛ إنما كان يذكرها بينه وبين نفسه؛ فمن هذه الجهة حكى ربه عنه حين قال: {أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:23]. ونظير هذا في كتاب الله قول الله في صفيه آدم وعدوه إبليس حين يقول سبحانه: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21]؛ فآدم لم ير شخص إبليس ولم يسمع كلامه (ولكن لما أن قال له ربه ولزوجته: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [الأعراف:19]، داخلته الوسوسة، عندما نهاه ربه عن أكلها، فلم تزل الوسوسة تعمل فيه، حتى ألزمه أكل الشجرة، فلو أنه لم يأكل الشجرة، لم يغصبه إبليس على أكلها، ولم يقدر على إدخاله في المعصية جبراً، فافهم ذلك)([564]). فهذا العتب، الذي عتب الله عز وجل على داوود عليه السلام، وتعريف الله له بالحق، الذي كلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لزيد بن حارثة: إلزم زوجتك ولا تطلقها؛ وذلك قوله عز وجل:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب:37].  فعلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه إذا أخذ زوجه، وضمَّها إلى زوجاته، أنه يلزم وليه ([565]) العتب والعنت. فصيَّرت الحشوية قول رسول الله لزيد: أمسك عليك زوجك، تأديباً له؛ فهذا فخر لرسول الله وذخيرة له، عند ربه، إذ منع نفسه عن اتباع الهوى، وردها إلى النصفة والتقى، كما قال سبحانه:{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40]، فبقوله: أمسك عليك زوجك، كان ([566])   فضله على أخيه  داوود؛ لأن  داوود لم يقلع عن ذكرها إلاّ بعد تشبيه الله تعالى  له بدلاً له، غيره، مما يوافق العقل. ومحمد استدل على ما يوحيه الحق، بعقله، واستعمله عن فقد الدليل([567])، وعدم المعلم المبين، (([568])ولذلك قالت العلماء: إن أفضل الأنبياء إبراهيم، ومحمد على جميعهم السلام؛ لأن  محمداً عليه السلام خلفه في قوم، كانوا مقبلين على عبادة الأصنام، فنشأ فيهم؛ وهم أهل بيته: أعمامه وعماته، وأخواله وخالاته، وبنو عمه، وكل يقول بعبادة الأصنام، وشرب الخمور، وارتكاب الشرور، وهو ساكن معهم، ومجانب لأفعالهم، وماقتٌ لهم، وصائن لنفسه من جميع الدنس؛ فأقام على ذلك أربعين سنة؛ فلما علم عز وجل صبره على ما يرضيه، قلده تبليغ رسالته إلى جميع عباده؛ وكان القوم على صنفين: صنف منهم العرب، أصحاب كلام وبلاغة، وشعر وفصاحة.  والصنف الثاني أصحاب التوراة، والزبور، والإنجيل، كتب الله التي أنزلها على رسله، فيها النور والبرهان؛ غير أن أهل الكتاب حسدوه، وأنكروا ثبوته ([569])، مكابرة لعقولهم، وهم عارفون، وموقنون أنه رسول الله إليهم، كما قال عز وجل فيهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ  عَلَى الْكَافِرِينَ}، إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} [البقرة:89ـ90]. وقال سبحانه فيهم: {الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقره:146]. وكانت معاملة هؤلاء أشد عليه صلوات الله عليه من معاملة المشركين؛ لأن  المشركين أكبر ما معهم من الاحتجاج، ما ذكر الله عز وجل عنهم، إذ يقول سبحانه فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ءَابَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[المائده:104].  وقال عز وجل في أهل الكتاب: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة:146]، وقال عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ  عَلَى الْكَافِرِينَ}[البقرة:89]. ثم قال سبحانه لرسوله، عندما زعموا [أنه] ما أنزل الله على بشر من شيء: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا ءَابَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام:91]. قوله سبحانه تجعلونه قراطيس تبدونها، كانوا يأخذون من التوراة ما أرادوا من متشابهها ؛ ليموهوا به على جهلة أتباعهم، ويلبسوا عليهم، كما قال سبحانه لرسوله: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]. [مشابهة الحشوية لأهل الكتاب] وبسيرة هؤلاء أخذت الحشوية في فعلهم، بمتشابه القرآن، وجعلوه إماماً وأُماً للمحكم، خلاف ما يقول به سبحانه: {مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران:7]. فالله جعل المحكم إماماً للمتشابه، وجعلت الحشوية المتشابه إماماً للمحكم، اتباعاً لفعل اليهود، وحسداً لآل محمد، كحسد اليهود لمحمد سواء سواء، فكانت معاملة اليهود لمحمد هذه المعاملة، بعد معرفتهم أنه رسول الله إليهم، من قبل خالقهم على ما وجدوه في كتب الله، وسمعوه من رسل الله؛ فكان عز وجل يقويه عليهم بما أنزل([570]) عليه من النور والبرهان. فتلبيس هؤلاء أشد على جهَّال الناس من تلبيس المشركين؛ لأن  هؤلاء يقرؤن التوراة، والإنجيل، والزبور؛ ثم يجتمعون في كنائسهم، وبيعهم فلا يقدر أحد من المسلمين أن يمنعهم من قراءتها؛ لأنها كتب الله، بل كثير ممن يدعي الإسلام من الحشوية يأخذون بقولهم في أمور كثيرة من أهل التزويج والذبائح، فلا يقولون بتزويج المشركات، ولا بأكل ذبائحهم؛ ويرون تزويج اليهوديات والنصرانيات، فهم في خلال ذلك يرون قتلهم وسبيهم، ففعلهم كله تخليط، وتلبيسٌ، وتمويهٌ، لا يرون قتل من أقرَّ بنبوة محمد، ويرون التزويج إليهم، فرأيهم في تزويج اليهوديات، والنصرانيات، والمسلمات، واحد، وفي قتلهم وسبيهم مختلف؛ إنما هو إيمانٌ وكفرٌ، فليس بينهما شيء ثالثٌ، فمن دخل في الإيمان، فهو في عداد المؤمنين، يجب له ما يجب للمؤمنين، ويحرم عليه ما يحرم عليهم، ومن خرج من الإيمان، فهو داخل في الكفر، يحل للمؤمنين دماؤهم وأموالهم، كما قال الله عز وجل للمؤمنين: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد:4]، وقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} [التوبة:5]، وقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:132].  وإنما أصل كل كفر المعصية لله، وكذلك اليهود عصوا خالقهم في رسوله محمد، وهم به مقرون؛ فلما كذبوه في رسوله أنه ليس رسولاً إليهم، كما قال سبحانه: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}[الأعراف:158]، وجب قتلهم.  فمن أنكر قول رسول الله في شيء واحد مما جاء به، فقد حل دمه للمسلمين، وحرم عليهم نكاحه، وذبيحته، وتزويجه، وموالاته، كائناً من كان، يهودياً أو نصرانياً، أو مجوسياً أو مشركاً، أو معاهداً، فافهمه. فلم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجاهد هؤلاء كلهم، حتى أظهر دين الله عليهم، وأذلهم، وأخزاهم، فبهذه الخصال قالت العلماء: إنه أفضل الأنبياء.  ثم جاءت أخبار عنه عليه السلام، من جده عليه السلام الأوَّاه الحليم.  روى محمد بن القاسم بن إبراهيم، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه سئل عنه، وعن إبراهيم أيهما أفضل ؟ فقال صلوات الله عليهما: ((أنا حسنة من حسنات إبراهيم))، ثم قال محمد بن القاسم: لما نزلت([571]) هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56]، قالوا له أصحابه([572]): كيف نصلي عليك يا رسول الله؟.  قال: ((قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت، وباركت، على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد([573]))). قال لهم: قولوا كما صليت؛ لم يقل أفضل مما صليت؛ إلاّ قال: مثل ما صليت على إبراهيم. وروى([574]) رجل غيره، أن رجلاً قال لرسول الله: يا خير خلق الله. قال: ((ذلك إبراهيم خليل الله))؛ صلى الله عليهما. [رجوع إلى ذكر داوود (ع)] ثم نرجع إلى ذكر داوود، صلى الله عليه: فلما بان له أن ذكر هذه المرأة يغضب الله، أعرض عن ذكرها، وكان أوريا صاحب جيشه ([575])  على حرب المشركين؛ كعلي لمحمد، على جميعهم السلام؛ فأقاما ما شاء الله من ذلك، حتى قتل أوريا، قتله المشركون؛ فلما خرجت المرأة من عدتها، أذن الله لخليفته بتزويجها؛ كما أذن لمحمد بتزويج زينب، بعد خروجها من عدة زيد، سواء سواء؛ لم يكن من داوود في أوريا وزوجته، إلاّ ما ذكرت لك.  لا تلتفت إلى كلام الحشوية في خليفة الله، وصفيه داوود؛ لأنهم نسبوا إليه من الفعل القبيح ما لا يليق به، وكذلك جاء الخبر في امرأة العزيز: أن يوسف النبي صلى الله عليه تزوجها، بعد موت زوجها؛ لأنه روي أنها قالت: يا نبي الله، لي إليك ثلاث حوائج: تدعو الله لي يرد عليَّ بصري، ويردني شابةً بكراً، ويأذن لك الله بتزويجي؛ فأجابه الله إلى ما سألت، وما ذلك على الله بعزيز، فهو يعطي أولياءه ما سألوه بطاعتهم له؛ لأنه لم يخلق الدنيا والآخرة، وما فيها من النعم، إلاّ لأوليائه الصالحين، كما قال سبحانه لرسوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32]). [ذكر خطيئة سليمان عليه السلام ]  وأمَّا قوله سبحانه لرسوله، في صفيه سليمان بن داوود عليهما السلام، حين يقول: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص:34]، كان سليمان لما تزوج بلقيس، ملكة سبأ، وبنى بها، أقامت معه ما شاء الله من ذلك؛ فلما كان ذات يوم، قالت: يا نبي الله قد كنت أعظم هذا النهار، قبل دخولي في الإسلام، أفتأذن لي أن أذبح ثوراً، أوكبشاً، أو أنحر جملاً، لتعظيم هذا النهار ؟. فمنعها عن ذلك، فبينما هما كذلك في هذا الحديث، سقطت جرادة في حجرها، فأخذتها، فقلعت رأسها، فغفل عنها رسول الله، ولم يزجرها، ثم خرج منها إلى ساحل البحر، ليتطهر ([576])  للصلاة، فنزع خاتمه من يده، فوضعه جنبه، فخرج حوت من البحر، فالتقم الخاتم، ومرَّ به في البحر؛ فلما ذهب عنه الخاتم، أدبر عنه أهل طاعته، وبقي وحده، فلحق بالملاحين يعمل معهم في البحر، كل يوم بحوتين، فحوت يشتري به دقيقاً، وحوت يشويه ويأكله؛ فأقام على ذلك أياماً كثيرة، فلما كان ذات يوم، شق حوتاً ممَّا كان يأخذ في إجارته، فإذا بخاتمه فيه، فلما لبسه، وصار الخاتم في يده، أقبل إليه أهل طاعته، ومضى إلى منزله؛ فلما أوحشه([577]) الجسد الذي كان جلس على كرسيه، هرب منه؛ وهو صلى الله عليه، كان يستغفر الله في هذه الأيام، من خطيآته([578])، ويسأله قبول توبته، كما قال الله سبحانه:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ(35)فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ(36)}، إلى قوله: {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:35ـ40]. وأمَّا الجسد فالله أعلم ما كان، أمن الجن أم من الإنس ؟ غير أنه كان بينه وبين قوم سليمان حجاب؛ وهم يسمعون كلامه، ويحسبون أنه سليمان  ([579])، والإنس لا يسمعون كلام الجن. (([580])وأمَّا قوله سبحانه: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص:34]، نسب عز وجل إلى نفسه في قوله؛ إذ كان قادراً إلى أن يحول بينه، وبين الجلوس على كرسي سليمان؛ والكرسي فهو ملكه، وقوله وألقينا، كقوله: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة:14]، {أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ}[مريم:83]، وكقوله: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ} [فصلت:25]، و{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:5]، و{زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [النمل:4]، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:129].  يعني سبحانه في هذه الآيات وما أشبهها من الآيات: التخلية والإمهال، وتأخير العقوبة؛إذ هو قادر على إهلاكهم، كما قال سبحانه: {لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:58]. وأما قوله سبحانه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} [ص:34]، نسب فتنة سليمان إلى نفسه، وكانت من سليمان؛ فعل سليمان خلاف فعل خالقه. إنما نسبها عز وجل إلى نفسه؛ لأنه عز وجل الذي ركب حب امرأته في قلبه، بالشهوة التي ركبها فيه من شهوة النساء وحبهن، فتلك المحبة التي منعت سليمان عن زجره إياها؛ لأنه لو كان ذلك الفعل من غيرها، لفطن أن ذلك ممَّا يغضب الله، إلاّ أن المحبة التي منعته، فلم تطاوعه نفسه أن يعصيها؛ للوصلة والمحبة الذي بينه وبينها، ما ليس بينه وبين غيرها، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((حبك للشيء يعمي ويصم([581])))؛ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء:129]، ثم قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14]. حذرهم عز وجل من الزوجات والأولاد؛ لما ركب الله فيهم لهم من المحبة والمودة، ما لم يركب فيهم لغيرهم، كما قال سبحانه: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. فبهذه الذي تكون بين الرجل والمرأة [من] المحبة([582]) والرحمة، منعت امرأة فرعون زوجها فرعون من قتل موسى عليه السلام، وهو قد قتل جملاً كثيراً، مخافة من موسى أن يزيل ملكه؛ فلما وقع في يده الذي أخبره ثقاته؛ لأنهم أجمعوا على مقالة واحدة عند مولد موسى أنه قد ظهر، ولم يبينوا أنه هو بعينه؛ إلاّ أنهم قالوا: إنه قد خرج من بطن أمه، ولم يعرفوه ولا أمه بأعيانهما؛ فلما صح له أنه قد ظهر الذي كانوا يتوقعون ظهوره، ثم لمَّا صار إليه لم تدعه المحبة التي كانت في قلبه لامرأته، عندما قالت له: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص:9]؛ فترك موسى، مساعدة لها وإعظاماً لحقها؛ للمحبة الراسخة في قلبه لها؛ ولذلك قال الله سبحانه لأمه، حين يقول: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:7]؛ لأنه سبحانه علم أن امرأة فرعون، إذا وقع موسى في يد فرعون، أحبته؛ لقول الله عز وجل:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39]، وأنها لا تريد قتله، وأن فرعون ساعدها على تركه من القتل؛ فجاء الأمر منها ومن زوجها في كليمه موسى، على ما علم الله، وسلم من القتل ورد إلى أمه، كما قال عز وجل: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ}، فقالت أخت موسى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ(12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(13)} [القصص:11ـ13]؛ فبتوفيق الله وتسديده، وعونه، وتأييده، ولطفه، سلم موسى من القتل، على يدي أمةٍ طاهرة من إمائه، وأعرض عدوه عن قتله، اختياراً منه لمساعدته لزوجته، لا اضطراراً ولا جبراً من خالقه؛ فلم يكن من الله جبر في شيء من أمر نبيه موسى، إلاّ امتناع الرضاع؛ فإن ذلك كان خيراً، إذْ حال بينه وبين رضاع غير أمه، وذلك لما كان وعد أمه برده إليها، كما قال سبحانه: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}[القصص:7]، رحمةً منه بها وبولدها، وشفقة عليهما وقال: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:12]. كذلك فعل العزيز كفعل فرعون، سواء سواء؛ قالت امرأته: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25]، فحبسه رضاء لها، بعد أن بان له أنه بريء مما نسبت إليه زوجته، كما قال سبحانه: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف:35]؛ ثم قالت له عندما كرهت حبسه: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}[يوسف:51]. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:((هلاك أمتي في ثلاث: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه))([583])، ثم قال صلى الله عليه:((ثلاث من كن فيه فقد استكمل خصال الإيمان: الذي إذا قدر، لم يتعاط ما ليس له، وإذا رضي، لم يدخله رضاه في باطل، وإذا غضب، لم يخرجه غضبه من الحق)). فإذا سلم إنسان من هذه الثلاث، فهو سالم من آفات الدنيا، وعذاب الآخرة). [ذكر خطيئة نبي الله يونس (ع)]  وأمَّا قوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:37] الآية، كان يونس عليه السلام رسولاً إلى قومه، فأقام يدعوهم إلى طاعة الله؛ فلما عصوه، أمره الله عز وجل أن يخرج من بينهم؛ لينزل عليهم عذابه، فخرج منهم؛ فلما رأوا العذاب مقبلاً إليهم، تضرعوا إلى خالقهم، وسألوه الكشف عنهم وتابوا وأقلعوا عن المعاصي، فكشف عذابه عنهم، فقال ([584])  سبحانه: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98]. فلما رأى يونس عليه السلام سلامتهم من عذاب ربهم، مضى منهم غضباناً عليهم، وظن أن الله عز وجل لا يؤاخذه([585]) بذهابه عنهم، حتى ركب في السفينة مع قومٍ في البحر، فلما صاروا فيها وقفت فلم تسر، فقال أهلها: فينا ذو خطيئةٍ. فقال لهم يونس: أنا المخطئ المذنب. قالوا له: أنت رسول الله، والمخطيء غيرك.  قال لهم: تساهموا بنا.  فإذا بالسهم وقع عليه، فلفَّ رأسه في كسائه وطرح نفسه في البحر، فالتقمه الحوت([586])؛ فلما صار في بطنه نادى حينئذ في الظلمات: {أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87]؛ فأقام ما شاء الله من ذلك في بطنه، وهو يستغفر الله ويسأله قبول توبته، فاستجاب له ربه وأخرجه إلى ساحل البحر: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ(145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ(146)}[الصافات:145ـ146]، وهو الدبا.  فلما صح جسمه رده إلى قومه، كما قال: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:147]، يقول: يزيدون على مائة ألفٍ، ولولا أنه استغفر ربه، لتركه ربه في بطن الحوت إلى يوم الحشر، كما قال سبحانه: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ(143)لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(144)}، وقال: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} [القلم:149]، يعني العراء: [عراء] الآخرة، ليس عراء الدنيا.  وقوله سبحانه: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} [الأنبياء:87]، يقول: توهم وحسب أنا لا نأخذه بفعله هذا، عندما ذهب من قومه غضبان عليهم. وإنما كان يريد ربه منه الرجوع إلى قومه؛ فلما ذهب منهم عاقبه ثم رحمه عندما استرحمه، إنه بعباده رؤف رحيم. وأمَّا قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:41] الآية، كان أيوب صلى الله عليه رجلاً كريماً يطعم الطعام؛ فلما كان ذات يوم غاب من منزله فراح منزله ضيف، فقدمت امرأته إلى هذا الضيف طعاماً بلبن؛ فلما راح أخبرته أنها أطعمت ضيفه لبناً؛ فغضب عليها إذ لم تطعمه بلحم، فحلف ليضربنها مائة ضربة. (فلما سكن غضبه، ندم على يمينه، فوسوس إليه الشيطان، قال له: يا أيوب، أي نبي رأيته يحلف على شيء ليفعله ثم لم يفعله؟ فلما عزم على ضربها، قال له إبليس: ما فعلت هذه المسكينة الضعيفة، حتى تضربها مائة ضربة([587])) وهي لم تأت بفاحشة ولا بذنب ؟.  ثم رجع إلى عقله، فإذا به يقول: إنها لا تستوجب هذا الضرب، فلم تزل نفسه توسوسه، والشيطان يسول له، حتى سقم ومرض وتعب تعباً شديداً، وهو محتمل صبور؛ فلما طال مرضه رحمه ربه وأمره أن يركض برجله، فلما ركض انفجر من ذلك الموضع ماء، فغمره، فاماط عنه كل سقم ومرضٍ كان به، فشرب منه، فأخرج كل ما كان في جوفه.  ثم أمره ربه أن يأخذ ضغثاً من الحشيش، فيضربها به ضربةً واحدة؛ لأن  لا يحنث، كما قال سبحانه:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]. [خطايا الأنبياء عليهم السلام كلها على جهة الخطأ والنسيان] هذه خطايا الأنبياء التي ذكرها الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه الذي أنزله عليه، وعرّفه أن خطاياهم كانت على وجه الغفلة، والزلل والنسيان، لا على وجه الاعتماد والتمرد والطغيان، كمعصية إبليس ومن تبعه من الجن والإنس؛ ثم مع ذلك كانوا يتوبون  ([588]) ساعتهم إلى خالقهم، ويطلبون منه الإقالة والغفران، فيجيبهم إلى ذلك ويغتفر ([589]) ذنوبهم، ويردهم إلى مراتبهم ومنازلهم؛ لعلمه بإخلاصهم ورجوعهم إلى ما يرضيه، وتجنبهم عمَّا يسخطه، وكذلك فعله عز وجل لجميع من تاب إليه من عبيده، وأقلع عن معصيته، ورجع إلىطاعته، كما قال سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}[الأنبياء:88]، {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة:120]، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [آل عمران:222]. صيرت الحشوية معصية الأنبياء ومعصية إبليس ومعصية ابن آدم سواء، حتى موهوا على جهَّال الناس بذلك، كتمويه معاوية عندما ضربته رياح اللقوة في وجهه، قال لهم: إن ابن آدم عرض للبلاء، إما مبتلى فيؤجر، وإما معاقب فيزدجر، فإن ابتليت، فقد ابتلي الصالحون، من قبلي، وإني لأرجو أن أكون منهم، وإن عوقبت، فقد عوقب الخاطئون من قبلي، ولا آمن أكون منهم؛ فقدموه بقوله هذا على أتباعه، وهو موقنٌ أن هذا الذي نزل([590])، نقمةٌ من الله وسخط، وأنه لا يزيح عنه ربه ذلك، إلاّ بتوبة نصوح، والإقلاع والإخلاص، وقد أبدى بعض ذلك إلى رفيقه، مروان بن الحكم، عندما قال له: أراك تبكي. قال: فيَّ أحببتني([591]) فخفت أن تكون هذه عقوبة من ربي، ولولا هواي في يزيد، لقصدت قصدي.  وإنما خاطب بهذه المخاطبة....([592]) على وجه التمويه، فلما صارت المخاطبة..... ([593])عنده، ولم يرد أن يبين له أمره على الحقيقة، كما وصفهم ربهم، حين يقول سبحانه: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء:108] الآية، وقال سبحانه......([594]): {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:26]، {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. فقد وصفت لك في كتابي هذا خالقك وأولياءه، ممَّا وصف الله عز وجل نفسه وإياهم؛ لتسلم من بلائهم، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا(57)وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(58)}[الأحزاب:57، 58]. ـــــــــــــــــــ [خاتمة] قال أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري رحمة الله عليه: جميع ما في هذا الكتاب من أوله إلى آخره من مذهب الهادي إلى الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً طيباً([595]). ــــــــــــــــــــ     تم الكتاب والحمد لله المنعم الوهاب   ([1]) – التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية.  ([2]) قوله: (أشرف)؛ منصوب على أنه خبر كان في (لما كان التكلم). ([3]) هذه الجملة جواب (لما) التي في أول الكلام في قوله: (ولما كان التكلم) تمت.   ([4])- في (ب): بسم الله الرحمن الرحيم، قال أحمد بن محمد الطبري: الهدى من الله عز وجل هديان، أما الهدي الأول فالعقول.  ([5]) - ما بين القوسين سقط من (ب).  ([6]) - في (ب): قد بين.   ([7]) - في (ب): هوى غيره.   ([8]) - في (ب): ثم قال سبحانه.   ([9]) -ما بين القوسين ساقط من (ب). ([10]) - في (ب): ثم قال.   ([11]) - في (ب): سبحانه.   ([12])- في (ب): في أول القول، ثم قال سبحانه.  ([13])- في (ب): وأعرض عن ذكره.  ([14]) - في (ب): الثواب.   ([15])- في (ب):برأ.  ([16]) ـ أخرجه البخاري بلفظ: ((إن رحمتي سبقت غضبي)) 6/270 برقم 6986، ومسلم 4/2108 رقم 2751، والترمذي 5/549 رقم 3543 بلفظ ((تغلب))، وابن ماجه 1/67 رقم 189، وهو في مسند أحمد 2/242 رقم 7297، وفي صحيح ابن حبان 14/12 رقم 6143 بلفظ ((تغلب))، وفي المستدرك 4/277 رقم 7633 بلفظ ((وخلق رحمته تغلب غضبه))، والنسائي 4/417 رقم 7750 بلفظ((غلبت))، وذكره في كنز العمال 4/250 برقم 10385 بلفظ ((سبقت رحمتي غضبي))، وعزاه إلى مسلم عن أبي هريرة، وبرقم 10386 بلفظ((كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق: رحمتي سبقت عضبي))، وعزاه إلى ابن ماجه عن أبي هريرة. ([17])- هذا البحث لا يترتب على علمه أو جهله مسألة شرعية، ولا دليل منتهض، وأشف ما يؤخذ منه دلالة على النفي وإن لم تكن وافية هي قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْض}[يس:36] إذْ قال: خلق الأزواج كلها مع قوله تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}[الرحمن:15]، والنار ليست مما تنبت الأرض، ولقائل أن يقول: النار من الشجر، والشجر مما تنبت الأرض؛ مع القياس على سائر الحيوانات المادية، وهذا دليل على وجود الإناث فيهم. ([18]) - في (ب): ذكر سبحانه أن في كل ما خلق ذكوراً وإناثاً سوى الملائكة، والجن.   ([19])- كذا في (أ) و(ب)، ولعل الصواب: بشبيه. ([20])- ما بين القوسين سقط من (ب).  ([21]) - جملة لعنه جواب لما..   ([22])- في (ب): خالقه.  ([23]) - في (ب): حين يقول سبحانه.   ([24]) - في (ب): كتابه.   ([25])- في (ب):أول من عصى.  ([26])- في (ب): رسوله.  ([27]) - سيأتي تخريجه. ([28]) - الصواب والله أعلم: أن المعنى لا يزال أهل الباطل مختلفين فيما بينهم، لكن من رحم ربك لا يختلفون وقد أشار المؤلف رحمه الله بإستدلاله بهذه الآية إلى أن الرحمة جاءت في القسم المخرج من أهل الاختلاف فتأمله، محمد بن محمد بن إسماعيل مطهر،حاشية من (ب).   ([29]) - في (ب): كلهم.   ([30])- في (ب): لم يوسعهما.  ([31])- في (ب): وعلى ذلك.  ([32]) - كذا في (أ) و(ب) والصحيح (الموسوي) نسبة إلى موسى بن جعفر.   ([33]) - في (ب): رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.   ([34]) - سقط من (ب): {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}.  ([35]) - المحفي: هو الملازم في المسألة والمحفي في المسألة المردد للسؤال. أفاده القاموس.   ([36]) - في (ب): لعباده.   ([37])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 38، والإمام المنصور بالله في الشافي بلفظ: أنت 1/ 128، والإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام في أماليه ص35، ورواه في فرائد السمطين 1/ 122، وابن المغازلي في المناقب ص38، 157، وابن عساكر في الجزء الأول من فضائل علي ص125، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 1/ 39، 2/ 418. قال مولانا الإمام الحجة/ مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار: وقال الحاكم هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول خرجته بخمسة آلاف إسناد، انتهى. ورواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم [المختصر رقم 1639] من فوق سبع طرق، ورواه البخاري [4/ 207] في صحيحيهما، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه [1/ 43 برقم 115]، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار. انتهى بزيادة رقم الصفحة والجزء والحديث في مختصر مسلم والبخاري وابن ماجه، وذكره في شمس الأخبار بلفظ ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ولو كان لكنته))، ص38، وذكره بلفظه في كنز العمال 11/603 رقم 3291، وذكره فيه أيضاً باختلاف يسير تحت رقم 32881،32932،32934،32937. ([38])- حديث الغدير: رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 38، والإمام علي بن موسى الرضى عليه السلام، والإمام المؤيد بالله عليه السلام، والإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 149، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام في الشافي 1/ 111، وابن المغازلي في المناقب ص31، وأخرجه في فرائد السمطين 1/ 56، وأخرجه ابن عساكر عن أكثر من ثلاثة وعشرين صحابياً. قال المولى الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى: ومن العامة خصوصاً أحمد بن حنبل، والطبراني، وسعيد بن منصور عن علي عليه السلام، وزيد بن أرقم، وثلاثين رجلاً من الصحابة، وعن أبي أيوب وجمع من الصحابة، والحاكم في المستدرك عن علي عليه السلام. وقال المولى: واعلم أن هذا الخبر الشريف صدر في مقامات عديدة، وأوقات كثيرة، وأعظمها يوم الغدير، فانه حضره ألوف كما رواه الحاكم الجشمي عن جابر بلفظ: (قال جابر: وكنا اثني عشر ألفاً). وقال المقبلي في العلم الشامخ: فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم. ([39]) - سقط من (ب) من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((الحسن والحسين إلى قوله خير منهما)). والحديث رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 40، والإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام في المجموع بلفظ: ((سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وأبوهما خير منهما))، وأخرجه في فرائد السمطين 2/ 99. وذكره بلفظه في كنز العمال ج12/115 رقم 3425 وعزاه إلى النسائي والحاكم في مستدركه عن ابن عمر، وعزاه أيضاً إلى الطبراني في الكبير عن قذة وعن مالك بن حويرث ، وعزاه أيضاً إلى الحاكم في مستدركه عن ابن مسعود، وذكره أيضاً بزيادة ((ابناي هذان)) ...إلخ الحديث ج12/112 رقم 34247 وعزاه إلى ابن عساكر عن علي وعن ابن عمر، وذكره في شمس الأخبار بلفظه ص 43، وذكر نحوه بروايات متعددة وألفاظ متقاربة. ([40])- قال المولى الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في تخريج حديث الثقلين: أخرجه أعلام الأئمة، وحفاظ الأمة، فمن أئمة آل محمد صلوات الله عليهم: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وحفيده إمام اليمن الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين، والإمام الرضى علي بن موسى الكاظم، والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله، والإمام أبو طالب، والسيد الإمام أبو العباس، والإمام الموفق بالله، وولده المرشد بالله، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والسيد الإمام أبو عبدالله العلوي صاحب الجامع الكافي، والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين وأخوه الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن محمد، والإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، والإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وولده إمام التحقيق الحسين بن القاسم، وغيرهم من سلفهم وخلفهم سلام الله عليهم أجمعين. [وقد رواه من غير أهل البيت(ع) الجم الغفير فمنهم:مسلم 5/ 179، سنن الترمذي5/622 رقم 3788، سنن الدارمي 2/431، مسند أحمد 3/14،17،26،59، و 4/366،371، و 5/182،189، و 6/26، وخصائص النسائي ص 150 رقم 267، مستدرك الحاكم 3/109 رقم 148، 533، الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب في الباب الأول ص 11 في بيان صحة خطبته بماءٍ يُدعى خماً، قال بعد نقل الحديث: أخرجه مسلم في صحيحه، ورواه أبو داود وابن ماجه في كتابيهما، وأيضاً في الباب الحادي والستين ص 130، وابن خزيمة 4/62 رقم 2357، وفي الطبقات لمحمد بن سعد الزهري البصري 4/8، وفي الحلية لأبي نعيم 1/355، وفي أسد الغابة لابن الأثير 3/147، وفي العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي 2/346،158، وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 332، والدولابي في الذرية الطاهرة ص 166،288، وإنسان العيون لنور الدين الحلبي 3/308، وفي ذخائر العقبى لأحمد بن عبدالله الطبري ص 16، وفي الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 24، وفي نسيم الرياض لشهاب الدين الخفاجي 3/410، وفي الكشف والبيان للثعلبي ، وفي تفسير الرازي 3/18، وفي تفسير النظام النيسابوري 1/349، وفي تفسير الخازن 1/257، وهو أيضاً في تفسير آية المودة 4/94، وفيه وفي الثعلبي في تفسير آية {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ(31)}[الرحمن]، وفي تفسير ابن كثير 4/113 في تفسير آية المودة وفي تفسير آية التطهير 3/485، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6/130، وفي مدارج النبوة لعبد الحق الدهلوي ص 520، وفي المناقب المرتضوية لمحمد بن صالح الترمذي الكشفي ص 96،97،100،472، وفي مفتاح كنوز السنة ص 448، وأبو يعلى في المسند 2/197، وفي مصابيح السنة للبغوي 2/205، 206، وابن حجر في الصواعق ص 75،78،90،99، 136، وابن المغازلي في المناقب ص 234، 236، والبزار 3/89 برقم 864، وعبد بن حميد في المنتخب ص 107،108، وابن عساكر في تاريخه 5/369، والخطيب في تاريخه 8/442، وابن أبي شيبه في المصنف 7/418، والبيهقي 7/30، والطبراني في الصغير 1/131،135،226]. ومن أوليائهم: إمام الشيعة الأعلام قاضي إمام اليمن الهادي إلى الحق محمد بن سليمان رضي الله عنه رواه بإسناده عن أبي سعيد من ست طرق، وعن زيد بن أرقم من ثلاث، وعن حذيفة، وصاحب المحيط بالإمامة الشيخ العالم الحافظ أبو الحسن علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، والحافظ أبو العباس ابن عقدة، وأبو علي الصفار، وصاحب شمس الأخبار رضي الله عنهم، وعلى الجملة كل من ألّف من آل محمد عليهم السلام وأتباعهم رضي الله عنهم في هذا الشأن يرويه ويحتج به على مرور الأزمان. ومن العامة: أحمد بن حنبل في مسنده، وولده عبدالله، وابن أبي شيبة، والخطيب ابن المغازلي، والكنجي الشافعيان، والسمهودي الشافعي، والمفسر الثعلبي، ومسلم بن الحجاج القشيري في صحيحه رواه في خطبة الغدير، والنسائي، وأبو داود، والترمذي، وأبو يعلى، والطبراني في المثلاثه، والضيا في المختار، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد، وأبو موسى المدني في الصحابة، وأبو الفتوح العجلي في الموجز، وإسحاق بن راهويه، والدولابي في الذرية الطاهرة، والبزار، والزرندي الشافعي، وابن البطريق في العمدة، والجعابي في الطالبيين من حديث عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي، عن آبائه، عن علي عليه السلام، وغيرهم. انتهى من لوامع الأنوار بتصرف يسير. ([41]) - في (ب): الصدق.   ([42]) - المخلاف هو الكورة، ومنه مخاليف اليمن. تمت قاموس.   ([43])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 506، وذكره في تتمة الإعتصام 5/ 356 بغير لفظ: ومن ابتدع...إلخ.  ([44]) - قد ورد مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رواه جماعة من أهل البيت وشيعتهم فمنه ما رواه الحاكم في كتاب تنبيه الغافلين في تفسير قوله تعالى:{فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}[البقرة:38] روى السيد الإمام أبو طالب عليه السلام يحيى بن الحسين أجزل الله ثوابه بإسناده عن جبير عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما أمر الله آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه إلى السماء فرأى خمسة أشباح عن يمين العرش فقال إلهي خلقت خلقاً قبلي؟ فأوحى الله إليه إنما ينظر إلى هذه الأشباح قال بلى، قال تعالى هؤلاء الصفوة من نوري اشتقيت أسماءهم من اسمي فأنا الله المحمود وهذا محمد، وأنا العليُّ وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا ا لحسن، ولي الأسماء الحسنى وهذا الحسين، فقال آدم فبحقهم اغفر لي فغفر الله له. تمت (ح) من (ب). ومن ذلك مارواه الإمام المنصور بالله الحسن بن بدرالدين عليه السلام في شرح أرجوزة أنوار اليقين؛ قوله: وعن أبي ذر وجابر عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: ((خُلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد؛ قد سبّح الله يمْنة العرش قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه، ولقد همّ بالخطيئة ونحن في صلبه، ولقد قُذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا الله تعالى من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبدالمطلب؛ قسمنا نصفين وجعلني في صلب عبدالله وجعل علياً في صلب أبي طالب، وجعل فيّ النبوة والبركة، وجعل في علي الفصاحة والفروسية، وشقّ لنا اسمين من أسمائه، فذو العرش محمدود وأنا محمد، والله الأعلى وهذا علي))، وزاد جابر: ((فعلي شقيقي وأخي ووارثي وأبو ولدي، محبّه محبي ومبغضه مبغضي، ووليه وليي وعدوه عدوي، وناصره ناصري وخاذله خاذلي)). وقال عليه السلام: وفي ذلك ما رُوي من كتب العامة ورواياتهم ، فمن ذلك ما رويناه عن الإمام المنصور بالله [يعني الإمام عبدالله بن حمزة] عليه السلام ، فمن مسند ابن حنبل رفعه إلى سلمان الفارسي رحمه الله قال: سمعت حبيبي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول: ((كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما أن خلق الله تعالى آدم قسم ذلك النور جزئين، فجزء أنا وجزء علي))، وذكر مثل ذلك عن سلمان وعن أبي ذر وعن جابر بن عبدالله، وعزا رواياتهم إلى مناقب ابن المغازلي، وذكر أيضاً عن سلمان، وعزاه إلى ابن شيرويه الديلمي في كتابه الفردوس، ثم قال: تمت روايتنا عن المنصور بالله من كتب العامة ، وذكره أيضاً عن ابن عباس وعزاه إلى السيد أبي طالب عليه السلام.  وفي ذلك ما ذكره مولانا الإمام / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية؛ قوله: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أنزل قطعة من نور فأسكنها في صلب آدم ، فساقها حتى قسمها جزئين ، فجعل جزءاً في صلب عبدالله، وجزءاً في صلب أبي طالب، فأخرجني نبياً، وأخرج علياً وصياً))، وذكر له - عليه السلام -تخريجاً وأطنب فيه، فليراجع هناك. ([45])- في (ب): إلى ربه.  ([46])- في (ب): في يومه وليلته.  ([47])- في (ب): وتسلم وحدة.  ([48]) - في (ب): يوم المقام المحمود.   ([49])- في (ب):فأخذوا.  ([50]) - في (ب): أيضاً.   ([51]) - في (ب): مسوف.   ([52]) - الآية التي آخرها {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أولها:{وهو الذي أنزل من السماء ماءً}، والآية التي أولها {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ} آخرها {إنّه لا يحب المسرفين} وكلاهما في سورة الأنعام، وفيهما جميعاً دلالة على المقصود هنا، والله أعلم.   ([53]) - كذا في (أ) و (ب)، والظاهر: الحيوانات.   ([54]) - في (ب): هذا.   ([55]) - في (ب): الله.   ([56]) - في (ب): إنما.   ([57]) - ما بين القوسين سقط من (ب).   ([58]) - في (ب): ومن شاء أن يمت.   ([59]) - في (ب): أراد.   ([60])- في (ب): أعماله.  ([61]) - في (ب): منهم أن يخرج من صورته إلى صورة صاحبه ما قدر على ذلك كما يقدر أن يخرج من الطاعة. ([62])- في (ب): ثم انتقالهم.  ([63]) - في (ب): للإيمان مرة، وللكفر مرة.   ([64]) - في (أ) ذلك قوله عز وجل.  ([65]) - في (أ) و(ب): (وأنه)، وحذف الواو أولى ليستقيم الكلام؛ لأنه لم يسبق في الكلام ما يعطف عليه.   ([66])- في (ب): وآخرته.  ([67]) - في (ب): وأدخله في الظلم.   ([68]) - في (ب): من دونه.   ([69]) - في (ب): نسبوا.   ([70])- قوله: (قول الله) خبر المبتدأ الذي هو قوله: (تصديق) وجملة (أنهما من ولد آدم) مفسرة لاسم الإشارة. ([71]) - في (ب): الله.   ([72]) - في (ب): من ولد آدم.   ([73]) - في (ب): وأعظمهم.   ([74]) - سقط من (أ): حاشا لأنبياء الله من الشرك، إلاّ أن قوله سبحانه {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.   ([75]) - كذا في (أ)، و(ب) ولعل الصواب (إذ).   ([76]) - في (ب): منزلته.   ([77]) - في (ب): وآخرته.   ([78]) - في (ب): على التكلم على الإيمان.   ([79]) - في (ب): أراد.   ([80]) ـ كذا في (أ) و(ب)، والصواب: المتولي، أو: متولياً. ([81]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([82])- محمد بن الحنفية: هو محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو القاسم المعروف بابن الحنفية أخو السبطين عليهما السلام لأبيهما، ولد سنة (21هـ)، وأمه خولة بنت جعفر الحنفية، كان واسع العلم ورعاً أسود اللون، وأخبار قوته وشجاعته كثيرة إليه تنسب الكيسانية، توفي رحمه الله سنة (81هـ) في المدينة، وقيل: خرج إلى الطائف هارباً من ابن الزبير فمات هناك. ([83])- مالك بن نويرة: هو مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد اليربوعي التميمي أبو حنظلة فارس شاعر من أرداف الملوك يقال له فارس ذي الخمار، وذو الخمار فرسه أدرك الإسلام وأسلم وولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقات قومه، قتله خالد بن الوليد هو وقومه بعد أن شهد أبو قتادة أنه صلى وصلوا معه، وجرت جفوة بين خالد وأبي قتادة بسبب ذلك، وأقسم أبو قتادة أن لا يشهد مع خالد مشهداً قط، ويقال: إن خالد تزوج امرأة مالك ودخل بها وعلى ذلك أجمع أهل العلم، ذكره ابن أعثم في الفتوح في خلافة أبي بكر سنة (12هـ) . ([84]) - هكذا في النسختين، ولعل الصواب (فعرَّف عبدالله بن عمر أباه بذلك).   ([85])- اللحمة: وصل القرابة.  ([86])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 503، وهو في كنز العمال 4/ 282 برقم 10501- وعزاه إلى الدارقطني وإلى أبي نعيم في الحلية، وإلى ابن عساكر عن ابن عباس بنحو هذا اللفظ وبرقم 10500، وعزاه إلى أبي نعيم في الحلية عن ابن عباس بنحو هذا اللفظ، والمعنى واحد. ([87]) ـ في معنى هذان الحديثان ما ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص 672 بلفظ: ((من مشى مع ظالم فقد أجرم))، وعزاه إلى القضاعي والديلمي، وبلفظ: ((من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام))، وبلفظ: ((من كثّر سواد قوم فهو منهم))، وعزاه إلى أبي يعلى. ([88]) - في (ب): والكذب على الله.   ([89]) - في (ب): الرسول.   ([90])- ذكره المولى الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في اللوامع، وعزاه إلى الشافي، وفي الإعتصام عن إبراهيم بن أبي شيبة الأنصاري، قال: جلست إلى الاصبغ بن نباتة، فقال: ألا أقرئكم ما أملاه علي بن أبي طالب، فأخرج إليَّ صحيفة فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته وأمته بتقوى الله ولزوم طاعته، وأوصى أمته بلزوم طاعته، وأن أهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم، وأن شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة، وأنهم لن يدخلوكم باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى. وذكره في مقدمة المصابيح الساطعة الأنوار 1/ 68 بلفظ: ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة)). ([91]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([92]) - في (ب): إلا من أراد الدنيا وزينتها، والذي لا يريد الدين.   ([93])- زيد بن علي عليه السلام: هو فاتح باب الجهاد والاجتهاد، وخليفة الله في البلاد، وأمينه على العباد، والذي هو وشيعته على نجب من نور يوم يبعثون يوم التناد، أول مجدد بعد جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ولد في المدينة المنورة عام (75هـ)، ودعا إلى الله سراً، ثم أظهر دعوته في الكوفة، وخرج للجهاد وباشره يوم 23 من محرم عام (122هـ)، واستشهد صلوات الله عليه ليلة الجمعة 25 من محرم عام (122هـ) بعد قتاله لجنود الطاغية هشام بن عبد الملك لعنه الله، وليس له قبر، وفي ذلك ما يقول الشاعر الحسن بن علي بن جابر الهبل رحمه الله:  بأبي وبي بل بالخلائق كلها   من لا له قبر يزار ولا يرى    ([94]) - في (ب): عليه وعلى آبائه السلام.   ([95]) - في (ب): قد ربما.   ([96]) - الدغل: دَخَلٌ في الأمر مفسد. تمت قاموس. أي أدخلوا في الدين ما يفسده.   ([97]) - خَوَلاً: أي عبيداً وإماء. أفاده القاموس.   ([98]) - الدَّوْلَة: العقبة في المال ويضم. تمت قاموس.   ([99]) - في (ب): بالركوة، والركوة ما يجعل تحت المعصرة فيجتمع فيه عصير العنب ونحوه. تمت منجد.   ([100])- ما بين القوسين سقط من (أ).  ([101]) - في (ب): الله.   ([102])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام بهذا اللفظ، وأخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام بلفظ: ((لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن الله شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم))، وأخرجه الإمام أبو طالب في أماليه، وذكره في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 173، وهو في كنز العمال 3/ 66 رقم 5520، وعزاه إلى البزار وإلى الطبراني في الأوسط. ([103]) - في (أ) و(ب): وما دعاء الكافرين إلا في تباب، ولعله أراد قول الله عز وجل في سورة غافر: {وما كيد فرعون إلا في تباب} آية: 37، أو قوله عز وجل في سورة غافر أيضاً: {وما كيد الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} آية: 50، أما المذكور في الأصل فليس بآية، ولعل ذلك من تصحيف النساخ. ([104]) - في نسخة (أ) ترحم عليهم.  ([105]) - المنقلة كمرحلة: السفر وزناً ومعنى. تمت قاموس، وفي المنجد: المنقلة: المرحلة من مراحل السفر، وأرض منقلة ذات نقل، أي حجارة صغيرة، تمت منجد.   ([106]) - في (ب): في قوله.   ([107]) - في (ب): فأثاب المطيع على طاعته، وعاقب العاصي على معصيته.  ([108]) - في (ب): عليه السلام.  ([109])- كذا في (أ) و(ب)، والصواب: وكذلك.  ([110]) - في (ب): سبحانه.   ([111]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([112]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([113]) - في (ب): القاتل.   ([114]) - ما بين القوسين ساقط من (ب)، أولها من قوله: وتصديق ما قلنا.   ([115]) - في (ب): يعني العلم   ([116]) - في (ب): علم الله.   ([117]) - في (ب): إلا أنه.   ([118]) - ما بين القوسين سقط من (ب).   ([119]) - ما بين القوسين سقط من (ب).   ([120])- رواه الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام في المجموع باختلاف يسير، والإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 169، والإمام أحمد بن عيسى عليه السلام في أماليه 2/ 264.  ([121])- رواه الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام في المجموع ص 201، والإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 169، والإمام أحمد بن عيسى عليه السلام في أماليه 2/ 264.  ([122])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 37، وهو في كنز العمال 4/ 109 برقم 9780، بلفظ: ((لدرهم ربى أشد جرماً عند الله من سبعة وثلاثين زنية))، وعزاه إلى الحاكم في الكنى عن عائشة. ([123]) - النرد: معرب لعبة وضعها أحد ملوك الفرس وتعرفها العامة بلعبة الطاولة.   ([124]) - الشطرنج: لعبة مشهورة، معرب شَتَرنْك بالفارسية؛ أي ستة ألوان، وذلك لأن له ستة أصناف مع القطع التي يلعب بها فيه، وهي 1- الشاة 2- الفرزان، 3- الفيل، 4- الفرس، 5- الرخ، 6- البيذق، الجمع شطرنجات. تمت منجد.   ([125]) - القداح: جمع قدح، وهو السهم قبل أن يراش وينصل. أفاده القاموس.   ([126]) - في (ب): سبحانه.   ([127]) - في (ب): رفع.   ([128]) - في (ب): والخمر.   ([129])- أخرجه الإمام الناصر الأطروش عليه السلام في البساط، وابن ماجه عن أبي هريرة 2/ 1120 برقم 3375، وهو في الجامع الصغير للسيوطي باختلاف يسير 3/ 333، ذكره في كنز العمال ج5/352 رقم 13197 بلفظ: ((مدمن الخمر كعابد وثن))، وعزاه إلى البخاري في تاريخه ، وإلى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة . ([130]) - في (ب): وقال عليه السلام: ((جمعت الشرور في بيت واحد ثم كان مفتاحها الخمر))، ثم قال.   ([131]) - في (ب): حقيق على الله   ([132]) - في (ب): عليه السلام.   ([133])- أخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام بزيادة واختلاف يسير 1/ 30، 32، 36، والإمام الناطق بالحق أبو طالب، ومختصر مسلم رقم 43، والبخاري 8/ 13، وابن ماجه 2/ 1299 برقم 3936، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ص249 بلفظك ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))، قال: رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية أبي داود بعد قوله ((لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن))؛ ((ولكن التوبة معروضة بعد))، ورواه المنذري بألفاظ مختلفة ص 249، ص269، وذكره بنحوه في شمس الأخبار ص 245. ([134]) - في (ب): عليه السلام.   ([135])- رواه الإمام الهادي إلى الحق المبين عليه السلام في الأحكام 2/ 410، وهو في الجامع الكافي، والإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام في المجموع 338، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 233.  ([136]) - في (ب): عليه السلام.   ([137])- أخرجه الإمام الناصر الأطروش عليه السلام في البساط، وهو في كنز العمال عن أبي بكر بتفاوت يسير، وعزاه إلى الحكيم 3/ 481 برقم 7522، وعزاه في الإعتصام إلى الجامع الصغير للسيوطي.  ([138])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ: صادقاً، بدل مخلصاً.  ([139]) - في (ب): عليه السلام.   ([140])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام، والإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 15، 23، والنسائي 6/ 6، ومسلم 1/ 38.  ([141])- حديث الإفتراق: رواه من المحدثين بلفظ: ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، أبو داود في كتاب السنن المطبوع مع معالم السنن للخطابي 5/ 4 رقم 4566 من طريق أبي هريرة مرفوعاً قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((افترقت اليهود...إلخ))، قال المخرج: الحديث أخرجه الترمذي في الإيمان، وابن ماجه في الفتن، قال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن صحيح، ورواه الترمذي من طريق عبدالله بن عمر يرفعه: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل...إلى أن قال: وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة. قال: وفي الباب عن سعد، وعوف بن مالك، وعبدالله بن عمر، ورواه أبو داود بسند آخر عن معاوية أنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ((ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا...إلى أن قال: وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين إثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة))، ولم يطعن فيه الخطابي بل تلقاه بالقبول أ. هـ. ورواه ابن ماجه في سننه ج2 طبعة دار الفكر باب افتراق الأمم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((تفرقت اليهود...إلخ))، ورواه بسند آخر عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((افترقت اليهود...إلى أن قال: والذي نفس محمد بيده لتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار)). ورواه ابن ماجه عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن بني إسرائيل افترقت...إلى أن قال: وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. (قال في مجمع الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات) أ. هـ. والحديث أيضاً: رواه الخطيب البغدادي في كتابه الفرق بين الفِرَق من عدة طرق، ورواه الشهرستاني في املل والنحل، وأبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين، ومحمد بن نصر الخزاعي في كتاب السنة بنحو عشرين طريق، ورواه ابن عدي الحافظ في كتاب الكامل من طريق أنس 3/ 934، وعن عوف بن مالك ص 1264 بلفظ: تفترق هذه الأمة بضعاً وسبعين فرقة...إلخ، ورواه عن أنس بسند آخر 7/ 2642 بلفظ: تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة...إلخ)) طبعة دار الفكر إعداد وترتيب الأستاذ يوسف الشيخ البقاعي. ورواه عبد بن حميد في المنتخب، قال الشارح: الحديث ورد من طرق كثيرة مع اختلافات يسيرة في اللفظ، قال: فأخرجه أحمد 2/ 332، وأبو داود برقم 4596، والترمذي 5/ 25، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه رقم 3991، وابن حبان في صحيحه رقم 1834، والحاكم في المستدرك 1/ 128، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، ورواه في المستدرك أيضاً 1/ 6، قال: ورجاله يحتج بهم مسلم. وأخرجه ابن ماجه من حديث عوف بن مالك رقم 3992، ورواه أبو داود من طريق أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهلي، وبسند آخر رقم 4597، وأخرجه بطريق أخرى أحمد بن حنبل 4/ 102، والدارمي 2/ 241، والحاكم بسند آخر 1/ 128، وابن ماجه بسند آخر رقم 3993، وأبو بكر الخطيب في كتابه موضح أوهام الجمع والتفريق 2/ 190، وقد ذكر له تخريجاً ورداً على من أنكر لفظ ((كلها إلا فرقة)) مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في هامش الموعظة الحسنة ص45، قال فيه:  قال الإمام المهدي في الملل والنحل عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((ستفترق أمتي..)) الخ رواه ابن مسعود وأنس وابن عباس، قال الإمام يحيى: وتلقته الأمة بالقبول، انتهى.  وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام: والأمة مجمعة على صحة هذا الخبر، ورواه الحاكم عن عوف بن مالك، ورواه السيوطي عن أبي هريرة، وقال: أخرجه أبو يعلى في مسنده، وقال أيضاً: أخرجه الطبراني وابن عدي وابن عساكر والخطيب عن عوف بن مالك وعبد بن حميد عن سعد بن أبي وقاص وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة، قال في الإقبال: قال في الكشاف: وفي الحديث افترقت اليهود إحدى وسبعين فرقة.. الخ، وقال في الإقبال في أثناء ذكر حديث الافتراق: تلقته فرق الإسلام بالقبول على ماذكره الإمام يحيى وغيره من أهل البيت عليهم السلام، وهذا حق حتى أنه تلقاه من ينتحل الإسلام.. الخ؛ انتهى من تخريج الشافي، وذكر فيه ماكتبه القاضي شيخ الإسلام محمد بن عبداللّه الغالبي رضي اللّه عنهما، وهو مالفظه: حديث الافتراق رواه جماعة من الأئمة، وذكر قول الإمام يحيى والإمام المهدي السابقين هنا، ثم قال: نعم، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وعوف بن مالك وأنس وجابر وأبي أمامة وابن عمرو وابن مسعود وعلي عليه السلام وعمر وابن عوف وعويمر أبي الدرداء ومعاوية وواثلة، وفي جامع آل محمد قال محمد بن منصور: بلغنا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: قال: ((تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة..)) الخ، وكذلك رواه الشهرستاني في كتاب الملل، وكذلك العضد في المواقف وصاحب الكشاف والبيضاوي كلاهما في تفسير سورة الأنعام، وابن حجر في شرح الهمزية، وأما في كتب الحديث فابن كثير البغوي وفي تفسيرهما، والسخاوي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وأبو داود والترمذي والديبع في التيسير وعبدالعظيم المنذري والسيوطي في زيادة الجامع. فقول الإمام محمد بن إبراهيم الوزير أن زيادة قوله: ((كلها هالكة)) زيادة منكرة لا أصل له مع كثرة من رواها حتى قال الإمام يحيى: تلقته الأمة بالقبول، يُعْلم ذلك. كتب محمد بن عبداللّه الغالبي شهر ربيع سنة 1279 هـ انتهى، وكتب حسن بن حسين الحوثي شهر الحجة سنة 1358 هـ والحمدلله. نعم ثم اطلعت على مجموعة في هذا المقصد للعلامة محمد بن إبراهيم بن المفضل رحمه اللّه؛ وسماه بالإشارة المهمة إلى صحة حديث افتراق الأمة، فإذا ماكتبه القاضي محمد بن عبداللّه الغالبي رحمه اللّه مأخوذ منها، ثم ساق ماسبق إلى قوله: نعم الذي ذكره ابن الجوزي في الموضوعات هو الحديث بلفظ (كلها في الجنة إلا فرقة)، فذكر له ثلاث طرق عن أنس، وقال أهل الصناعة: وضعه الأبرد ولا أصل له بهذا اللفظ، انتهى المراد نقله واللّه ولي التوفيق. ([142]) - في (ب): المسلم.   ([143]) - في (ب): ابن عبدالمطلب.   ([144]) - في نسخة (أ) استناد. ([145]) - في (ب): جميعهم.   ([146])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 308، ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص 558؛ وعزاه إلى أحمد وابن منيع والطبراني والعسكري من قصة موسى عندما ألقى الألواح، وقال الفقيه العلامة الفاضل جمال الدين علي بن صلاح بن علي الطبري في كتابه شفاء غليل السائل بعد ذكره لهذا الحديث: رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح، والطبراني في الأوسط عن أنس، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة. ([147]) - في (ب): عليه السلام.   ([148]) - في (ب): مجنب.  ([149]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب عن مغرسه.   ([150]) - تقدم بيانها.   ([151]) - في (ب): قول الله.   ([152]) - ما بين القوسين ساقط من (أ)، وكأن المؤلف أراد بالتقديم والتأخير تقديم ما نسخ على ما أنسي؛ لأن ما أنسي ثابت؛ وما نسخ أتى الله بخير منه أو مثله؛ فالمنسوخ المتأخر.   ([153])- ما بين القوسين ساقط من (ب).  ([154]) - في (ب): سبحانه.   ([155]) - في (ب): كقول الله.  ([156]) - في (ب): أنزله.   ([157]) - في نسخة (أ) وكينونته فيما بينهما، وفوقهما وتحتهما.   ([158]) - في (أ): (مقداره غيرهم).   ([159]) - في (ب): يعرفوه.  ([160]) - في (ب): في دنياهم.   ([161]) - (أ) و (ب) (إذا)، والصواب إذ.   ([162]) - في (ب): فلما احترق صار.   ([163]) - في (ب): سبحانه.   ([164]) - في (ب): في.   ([165]) - في (ب): في الحمل.   ([166]) - في (ب): فاستطعت.   ([167]) - في (ب): في العرش.   ([168]) - في (ب): مشيء.   ([169]) - في (ب): الموجود.   ([170]) - في (ب): فزعم.   ([171])- في (ب): ولكنه.  ([172]) ـ لعل صوابه دون ما سواه، ويكون المعنى: في تعطيلهم السماوات من العرش تعطيل ـ أي إبطال- ما قالوه من أن مكان الله تعالى – بزعمهم – العرش، لا السماوات والأرض. ([173]) - في (أ) (وإن قالوا: إن العرش ليس في السماوات لكن فوقها عطلوا السماوات من العرش تعطيلاً ما قالوا هو العرش دون ما سواها). ([174])- في (أ) و(ب): لا يرى الجسم أبداً شيئاً مجسماً؛ ولا يستقيم الكلام إلا بزيادة (إلا) بعد أبداً.  ([175]) - في (ب): يتضمنه.   ([176]) - في (ب): لأنهم جسم مجسم.   ([177]) - في (ب): مفترقة.   ([178])- في (ب): ومن ذلك ولذلك وإن لم يكن الأمر كذلك.  ([179]) - في (ب): من.   ([180]) - في (ب): يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فهي الحالة التي لا ينظر الله إليهم.   ([181]) - في (ب): وانظر.   ([182])- في (ب): وخذل.  ([183]) - في (ب): محسوس، والعموس الأمر الذي لا يهتدى لوجهه، أفاده القاموس.   ([184]) - في (ب): صفاتهن.   ([185]) - في (ب): أو أن الأشياء من جميع خلائقه تدركه ممَّا خلق.   ([186]) - في (ب): أعداد.   ([187])- المراد بقوله: الـ (في) مسمى هذه اللفظة، وهو حرف الجر، ولذا دخلت عليه الألف واللام.  ([188]) - في (ب): كالأبيض.   ([189]) - في (ب): له.   ([190])- في (ب): هذا.   ([191]) - قوله:إن الخلق اسم له خلاف؛ أراد به أنه اسم له شيء يغايره وهو الخالق فإنه غير المخلوق والله أعلم. ([192]) - في (ب): لخالقهم.   ([193])- في (أ): الذي ليس بضاد، وفي (ب): الذي ليس بمضاد، والصواب ما أثبتناه؛ إذ هو تفسير للمضاد؛ فلا يستقيم أن يقال: هو الغير الذي ليس بمضاد، بل هو الغير الذي لا يضاد.  ([194]) - في (ب): هو.   ([195]) - في (ب): يتهيأ.   ([196]) - في (ب): إن.   ([197]) - في (ب): كذبناهم.   ([198]) - في (ب): هذا.   ([199])- أخرج نحوه الإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام في أماليه ص117، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 1/ 33، وهو في كنز العمال 3/ 626 برقم 8238.  ([200]) - في (ب): أشبه.   ([201]) - في (ب): يا رسول الله.   ([202]) - في نسخة (أ) (أما القدرية فهم الذين يعملون المعاصي وينسبون إلى الله تعالى، والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا عمل إلخ)، والحديث رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في رسائل العدل والتوحيد ص276، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 2/ 356 بلفظ: صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة: المرجئة، والقدرية. ([203])- الصواب: سبعة آلاف بالجمع.  ([204]) - في (ب): سيدة نساء أهل الجنة.   ([205]) - في (ب): خلق الله.   ([206])- حديث العرض، قال في تخريجه المولى الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في كتاب فصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب: أخرجه الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم الصلاة والتسليم في كتاب السنة، والإمام الناصر لدين الله أبو الفتح الديلمي في كتاب البرهان تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((سيكثر علي الكذابة فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله عز وجل فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه)). وأخرجه الطبراني في الكبير عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((اعرضوا حديثي على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته))، وذكره السيوطي في الجامع الصغير، وروى أيضاً في الكبير عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((سئلت اليهود عن موسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وسئلت النصارى عن عيسى فأكثروا فيه وزادوا ونقصوا حتى كفروا، وستنشأ عني أحاديث فما أتاكم من حديثي فأقروا كتاب الله واعتبروه، فما وافق كتاب الله فأنا قلته، وما لم يوافق كتاب الله فلم أقله)). انتهى. ([207]) - في (ب): بنبيه.   ([208]) - في (ب): باليسرى.   ([209]) - في (ب): قدرته.   ([210]) - في (ب): أمورهما.   ([211]) - في (ب): لم.   ([212]) - في (ب): حين يقول.   ([213])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 1/ 385، وأخرجه الإمام زيد بن علي عليهما السلام في المجموع ص 332، وذكره في الكنز بلفظه برقم 30430/11 ص 16، وعزاه إلى الترمذي عن جابر وإلى النسائي، والحاكم في مستدركه عن أسامة، وذكره فيه أيضاً بروايات متعددة متقاربة المعنى. ([214]) - في (ب): كلها.   ([215]) - في (ب): أن الإمامة لا تكون.   ([216]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب (إذ).   ([217]) - في (ب): من.   ([218]) - في (ب): قدموا.   ([219]) - في (ب): الفطرة.   ([220]) - في (ب): قيل.   ([221]) ـ قال الإمام نجم آل الرسول؛ وخيرة الخيرة من بني البتول؛ القاسم بن إبراهيم عليه السلام في كتابه تثبيت الإمامة ما لفظه: وأبين دليل، وأنور تنزيل في وجوب الإمامة وما يجب منها على الأمة قول الله تبارك وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} فأمر تبارك وتعالى بطاعة أولي الأمر مع ما أمر به من طاعته وطاعة الرسول، ولا يأمر تبارك وتعالى إلاّ بمعلوم غير مجهول، مع ما لا أعلم فيه بين الرواة فرقة ، وما لا أحسب كافراً ذامها بتفقه من حديث الرسول عليه السلام في أنّ من مات لا إمام له مات ميتة جاهليه......إلخ كلامه عليه السلام ص40. ([222]) - في (ب): معلومة، غير مجهولة، فأوجب سبحانه ثلاث طاعات.   ([223]) ـ قال مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في كتابه لوامع الأنوار 2/593 في سياق إيراده لكلام صاحب الفرائد؛ ما لفظه: ومن الأدلة أيضاً إجماع الأمة على جوازها فيهم، وكفاية القائم بالمقصود منه؛ لأن من يقول إنها في جميع الناس فهم سادتهم وأطهرهم، ومن يقول إنها في قريش فهم خيرتهم بالنص وساداتهم بالنصوص؛ بخلاف من عداهم ، فالحق ما أجمعت عليه الأمة. قلت: هذا الاستدلال غير كافٍ في الحصر إلا مع انظمام مقدمة أخرى وهي أنّ الإمامة مشتملة على ما لا يجوز تناوله إلا بدلالة قطعية، فلا بد في بيان منصبها من دلالة معلومة شرعية، والإجماع دليل على صحتها فيهم ولا دليل على صحتها في غيرهم؛ مع عدم الإعتداد بقول الإمامية وأهل الإرث من العباسية لما عُلم من بطلانه، وهذا الإستدلال بإجماع الأمة. ......إلى قوله: وأما إجماع العترة عليهم السلام فلا كلام؛ مع أنّ النصوص في بيان المنصب معلومة، انتهى من اللوامع. ([224]) - في (ب): كلهم.   ([225]) - في (ب): نبيه.   ([226]) - تقدم تخريجه. ([227]) - في (ب): عز وجل.   ([228]) - في (ب): ينزعه.   ([229]) - في (ب): فتحير.  ([230]) - في (ب): الله يقول.   ([231]) - في (ب): الذي.   ([232]) - في (ب): عنه.   ([233]) - التلاوة: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح:26] وبينها وبين قوله{وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً}.آيات كثيرة.   ([234]) - في (ب): من الله برحمته؛ مخذول من قتله. ([235])- أخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام في حديث طويل في أماليه 1/ 205.  ([236])- سلمان الفارسي: هو أبو عبدالله يقال له سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير أصله من رام هرمز، وقيل: من أصبهان خرج في طلب الإسلام إلى المدينة، وشهد مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عدة غزوات، وشهد فتوح العراق وولي المدائن، وكان يتصدق بعطائه، وقيل: إنه مات سنة (36هـ)، وقيل: سنة (32هـ)، أو (33هـ)، ولا خلاف أن عمره جاوز المائتين والخمسين عاماً، وإنما الخلاف في الزائد على ذلك. ([237])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ: ((أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي)) ، وذكره في كنز العمال 12/44 رقم 33922 بلفظ: ((أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي))، وعزاه إلى العقيلي في الضعفاء، وإلى الطبراني في الكبير، وإلى البيهقي في شعب الإيمان، وإلى الحاكم في مستدركه. ([238]) - في (ب): كان.   ([239]) - في (ب): عليهما السلام.   ([240]) - في نسخة (أ) كحسد أبيه آدم.   ([241]) - في (ب): علماؤهم.   ([242]) - سقط من نسخة(أ) من قوله عليه السلام إلى قوله في شهر رمضان.   ([243])- عبدالله بن زيد الأنصاري: هو أبو محمد الخزرجي شهد بدراً روى عنه ابنه محمد، وابن المسيب توفي سنة (32هـ)، أخرج له المؤيد بالله، والأربعة، وقيل: إنه استشهد بأحد. ([244])- بلال بن حمامة، حمامة: اسم أمه، واسم أبيه رباح، اشتراه أبو بكر وأعتقه، وكان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي سنة (20هـ) وعمره ثلاث وستون سنة، وقيل توفي سنة (21هـ) وعمره سبعون، روى عنه عبدالله بن عمر، وكعب بن عجرة، وكبار تابعي المدينة والشام والكوفة. ([245]) - في (ب): عليهما.   ([246])- أبي بن كعب: يكنى أبا الطفيل وأبا المنذر شهد العقبة الثانية واختلف في عام وفاته، فقيل: في خلافة عمر سنة (19هـ)، وقيل: سنة (20هـ)، وقيل: سنة (22هـ)، وقيل: في خلافة عثمان سنة (32هـ)، روى عنه عبادة بن الصامت، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن خباب، وابنه الطفيل بن أبي، وعمر بن الخطاب، وأبو أيوب، وسهل بن سعد، وأبو موسى، وأبو هريرة، وأنس، وسليمان بن صرد وغيرهم.  ([247]) - في (ب): إلى.   ([248]) - في (ب): يخبر.   ([249]) - في (ب): بغيرهما.   ([250]) - في (ب): رسول الله   ([251]) - في (ب): عليه.   ([252]) - في (ب): هذين الاسمين.   ([253]) - في (ب): الله.   ([254])- في (ب): فيكم.  ([255]) - في (ب): بسيرتيهما.   ([256]) - في (ب): تثبيته.   ([257]) - في (ب): الإيقان.   ([258])- في (ب): في هذا الكوز.  ([259])- في (ب): وهو فلم.  ([260])- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم: أبو عمارة وأبو يعلى أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عم الرسول وأخوه من الرضاعة أسلم بمكة، وشهد بدراً وأحداً وقتل بها قتله وحشي بعد أن قتل إحدى وثلاثين نفساً، وبقرت هند لعنها الله بطنه، وأخرجت كبده فلاكتها فلم تسغها، وكان في النصف من شوال سنة (3هـ) وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكبر عليه سبعين تكبيره، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، أخرج له أئمتنا الهادي إلى الحق عليه السلام وسائرهم. ([261])- جعفر بن أبي طالب: أبو عبدالله وأبو المساكين ذو الجناحين ولد بعد عقيل بعشر سنين وأمه فاطمة بنت أسد أسلم بمكة ثم هاجر إلى الحبشة واجتمع بالنجاشي وقرأ عليه سورة مريم فأسلم على يديه ثم رجع يوم فتح خيبر فالتزمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبله، وقال: ((ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أو قدوم جعفر؟))، وبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مؤتة واستشهد بها سنة (8هـ)، أخرج له أبو طالب، والقاضي زيد، وأبو داود صلاة التسبيح. ([262])- عمار بن ياسر: قال مولانا حجة الزمان، وبدر الأكوان / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله في لوامع الأنوار:  الطيب المطيب الموعود هو وأهل بيته بالجنة المملوء إيماناً، الدائر مع الحق أينما دار، علم ساداة السابقين المعذبين في الله، الشاهد جميع مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي صار استشهاده مع سيد الوصيين صلوات الله عليه من أعلام نبوة سيد المرسلين صلوات الله عليهم وإخباره عن الغيب بوحي رب العالمين رضوان الله عليه. ([263])- المقداد بن عمرو الكندي: أحد الرفقاء والنجباء والسابقين الأولين المبشرين المهاجرين الهجرتين الشاهد بدراً وما بعدها، وهو فارس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتوفى بالمدينة سنة (33هـ) رضوان الله عليه، روى عنه جبير بن نفيل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بن يزيد الليثي، وتوفي وعمره سبعون سنة. ([264])- أبو ذر الغفاري: جندب بن جنادة الغفاري السابق الصادق بشهادة سيد الخلائق، الصادع بالحق الذي لا تأخذه في الله لومة لائم المتوفى بالربذة عام (32هـ) رضوان الله عليه بعد أن نفاه عثمان بن عفان إليها. ([265])- زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي: أبو أسامة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مولى لخديجة بنت خويلد فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتبناه قبل النبوة، وهو ابن ثمان سنين، وزوجه أمته أم أيمن فولدت له أسامة، وكان يكنى به واستشهد رضي الله عنه بمؤتة في الأردن من بلاد الشام سنة ثمان من الهجرة.  ([266])- معاذ بن جبل بن عمرو الخزرجي السلمي: أبو عبد الرحمن أسلم وله ثمان عشرة سنة، شهد العقبة الأخيرة وبدراً وما بعدها، وبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن يعلم القرآن والأحكام، ولم يلق استجابة، ثم بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً إليهم فأسلموا على يديه وأسلمت همدان كلها في يوم واحد حتى سجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شكراً، توفي في طاعون عمواس بالأردن سنة (18هـ)، روى عنه أبو الطفيل، وأبو إدريس، وعبد الرحمن بن غنم، ومسروق، وكثير بن مرة، وغيرهم. أخرج له أئمتنا الخمسة، وأبو الغنائم، والنرسي، والجماعة. ([267]) - قد مرّ تخريجه. ([268]) - في (ب): وحشر.   ([269]) - سقط من نسخة (ب) ما بين القوسين. قال الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليه السلام في كتابه تثبيت الإمامة مالفظه: وقال سبحانه ما أنور بيانه فيما ترك من قصص خليله إبراهيم عليه السلام، وما خصّه الله به في الإمامة من التقديم وما كان من دعاء إبراهيم عليه السلام وطلبه لإبقائها من بعده في ذريته: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:194]، خبراً منه سبحانه أن عهده فيها إنما هو للمتقين منهم، فلم يزل ذلك مصرفاً بينهم لم يخرجه الله تعالى منهم بعد وضعه له فيهم، وإنعامه له عليهم حتى كان أسير مصيره في الرسالة ما صار إلى إمام الهدى محمد صلوات الله عليه وآله، فكان خاتم النبيين ومفتاح الأئمة الهادين ......إلخ كلامه عليه السلام ص39. ([270]) - مابين القوسين من (ب). ([271]) - في (ب): الشر.   ([272]) هل كافر يعبد أصنامه  حاشية من (أ، ب).   كمؤمن ما إن له من صنم   ([273]) - في (ب): وجب.   ([274]) - في (ب): علي بن أبي طالب.   ([275]) - في (أ): (أنتم بنوا آدم خلق من خلق).   ([276]) - الواقع أن هذا بسبب نقل وسائط السوء للإمام عليه السلام. تمت سماعاً من المولى الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.  ([277]) في (ب): التظالم.   ([278]) - في (ب): شهداء على أنه جدهم.   ([279]) - تقدم تخريجه. ([280])- هذا من أخبار السفينة، ومن ألفاظها: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق))، أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناده إلى أبي سعيد. وأخرج خبر السفينة أحمد عن عمار، وهو والترمذي عن أنس، والطبراني عن ابن عمر، والحاكم عن أبي ذر، وأبو نعيم عن أبي ذر وابن عباس، وابن الأثير، والخطيب، وأبو يعلى، والأسيوطي، والملاء، وابن أبي شيبة، والمحب الطبري وغيرهم وأكثرهم من طرق. وأخبار السفينة مشهورة. انظر الاعتصام، وتخريج الشافي، وشرح الغاية، ولوامع الأنوار.  قال ابن حجر في صفحة 143 من الصواعق: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهم وأخذ بهدى علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان، قال: وبباب حطة أن الله جعل دخول ذلك الباب هو باب أريحا أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة، وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سبباً لها. تمت من مولانا الإمام الحجة/ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى، انتهى من هامش الموعظة الحسنة. وذكره في كنز العمال 12/95 رقم 34151 بلفظ: ((مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق))، وعزاه إلى البزار عن ابن عباس وعن ابن الزبير، وعزاه أيضاً إلى الحاكم في مستدركه عن أبي ذر، وذكره تحت رقم 34144/12 ص 94، بلفظ: ((إن أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك))، وعزاه إلى الحاكم في مستدركه عن أبي ذر. ([281])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 505، وذكره في كنز العمال بلفظ: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر هو خليفة الله في الأرض وخليفة كتابه وخليفة رسوله))، نعم وقد أسقط من هذه الرواية لفظ: ((من ذريتي))، لكن لا يضير ذلك إذْ قد ثبتت رواية الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من طريق العامة ، ومن تأمّل هذه الرواية وجد فيها أثر الحذف إذ قد أسقط مع لفظ ((من ذريتي)) الفاء الرابطة للجواب، وهي لازمة؛ إذْ لا يصح هذا الجواب لأن يكون شرطاً، فهذا ينبهك على أنه قد وقع حذف في الحديث، مع أنها (أي: الفاء الرابطة) ولفظ: ((من ذريتي)) ثابتة في رواية الهادي عليه السلام وحسبك به، والزيادة من العدل مقبولة ولو لم يكن بهذه المرتبة، فكيف بالهادي عليه السلام ، فيقطع بأن ما حُذف ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وإنما هناك عوامل سببت لكتم كثير مما يتعلّق بأهل البيت(ع) إمّا خوفاً من أئمة الجور وإمّا اتباعاً للهوى ، والله ولي التوفيق. ([282])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 555. ([283])- في (ب): من ولده.  ([284]) ـ ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص 676 بلفظ: ((المؤمن محفوظ في ولده))، وعزاه إلى الدارقطني في الأفراد. ([285])- أخرج أخبار النجوم والأمان: أحمد بن حنبل في المناقب عن علي عليه السلام، ومسدد، وابن أبي شيبة، وأبو يعلى، والطبري، والحاكم في المستدرك، وفي ذخائر العقبى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان))، أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا صحيح الإسناد، وقد أخرجه وغيره أئمة العترة، ولكن ذكرنا رواية المحدثين لإقامة الحجة على المخالفين، وعدم اتساع المجال، ومن أراد الاستكمال فليرجع إلى البسائط التي سبقت الإشارة إليها، وقد جمعت في لوامع الأنوار ما فيه الكفاية، وفي هذا بلاغ لقوم عابدين. تمت من مولانا الإمام الحجة/ مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى، انتهى من هامش الموعظة الحسنة[مطبوع].  ([286])- السيد الحميري: هو إسماعيل بن محمد بن يزيد ولد بعمَّان سنة (105هـ) ونشأ في البصرة في حضانة والديه الإباضيين إلى أن عقل وشعر فهجرها وغادر إلى الكوفة، وأخذ الحديث فيها عن الأعمش وتنقل بين البصرة والكوفة، وكان شاعراً مجيداً له ديوان شعر مطبوع توفي سنة (173هـ). ([287]) - في (ب): الطي.  في النهج ما لفظه: (( أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة؛ وضعوا عن تيجان المفاخرة؛ أفلح من نهظ بجناح أو استسلم فأراح؛ هذا ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقل يقولوا حرص على الملك، وإن أسكت يقولوا جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة)).   ([288])- أخرجه ابن المغازلي في المناقب، وفرائد السمطين 1/ 98، وابن عساكر في تاريخه في الجزء الثاني من فضائل علي عليه السلام ص462، وفي تذكرة الخواص، وذكره أيضاً في كنز العمال باختلاف يسير 11ص 600 رقم 32890، وص 614 رقم 32978، رقم 032979، وذكره في شمس الأخبار بلفظ: ((فمن أراد الجنة))، ص 36. ([289]) - أي: أدسم. ([290])- ما بين القوسين ساقط من (أ).  ([291])- أخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 136، وفي فرائد السمطين 1/ 301، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 326، وهو في كنز العمال 11/ 602 برقم 32903 بغير لفظ: ((ومن سب الله أدخله النار))، وعزاه إلى أحمد في المسند، وإلى الحاكم في المستدرك عن أم سلمة، وابن عساكر في الحديث الـ65 من ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق بلفظ: ومن سب الله عذبه الله.  ([292])- رواه الإمام الهادي إلى الحق المبين عليه السلام في الأحكام.  ([293])- أخرجه ابن عساكر عن جابر بلفظ: ((أنا وهذا ـ يعني علي ـ نجيء يوم القيامة كهاتين))، وجمع بين السبابتين، 2/ 436.  ([294])- ذكر نحوه المولى الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار 1/ 59، وعزاه إلى الحافظ أبو علي الهمداني.  ([295]) - في (ب): خطوة واحدة.   ([296]) ـ تقدم تخريجه. ([297])- في (أ) و(ب): (ابناً) بالنصب، والصواب: (ابنٌ) بالرفع خبر إن.  ([298]) - في (أ): (إن بنو)، وأيضاً في (أ) و(ب): (لا يقوموا)، والصواب: (لا يقومون)، لأن لا نافية.   ([299]) - كذا في (أ) و(ب)، والصواب: (مملوك) بالرفع خبر (أن).   ([300])- الزبير بن العوام الأسدي: أمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلم بعد أبي بكر، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها، وحضر حرب الجمل، ولما ذكره علي عليه السلام الحديث: ((إنك ستقاتله وأنت ظالم له)) انصرف فلحقه ابن جرموز فقتله، وكانت حرب الجمل سنة (36هـ)، وللزبير 67سنة، روى عنه ابناه عبدالله وعروة، وأخرج له أبو طالب، والجرجاني، والجماعة. ([301]) - في (ب): سيقتل.   ([302]) - هكذا في (أ)، ولعل الصواب قتلهم.، وفي (ب) فالناكثون طلحة والزبير ومن تبعهما قتلها يوم الجمل بالبصرة.  ([303])- ما بين القوسين ساقط من (ب). ([304]) - في (أ) وأبغضوه آخرون.   ([305]) - في (ب): الأنبياء.   ([306]) - سقط من نسخة(أ) ما بين القوسين.   ([307]) - في (ب): وولده.   ([308]) - في (ب): ينسبون.   ([309])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في مقدمة الأحكام، وأخرجه في فرائد السمطين باختلاف يسير 2/ 77، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 79، وفي كنز العمال 12/ 114 برقم 34253 بلفظ: ((لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم))، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن فاطمة الزهراء، وذكره برقم 34254، بلفظ: ((لكل بني أم عصبة ينتمون إليهم إلا ابني فاطمة فأنا وليّهما وعصبتهما))، وعزاه إلى الحاكم في مستدركه عن جابر. ([310])- حديث: فاطمة سيدة نساء العالمين، أخرج نحوه في شمس الأخبار ص41، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 1/ 39، والبخاري 4/ 219، ومختصر صحيح مسلم ص 438 باختلاف يسير.  ([311]) - في (ب): أئمة.   ([312]) - في (أ) و(ب) (ومثل محمد والحسن والحسين أبناء إبراهيم) والذي يظهر أن في الكلام سقطاً وأن المقصودين أبناء القاسم بن إبراهيم عليهم السلام، إذ قد عدّ بني إبراهيم بن إسماعيل عند تعداده السابقين.   ([313]) - في (ب): قبلهم.   ([314])- في (أ): {اقتلوا الذين يلونكم}، وهي قراءة، روى الهادي عليه السلام عن جده عليه السلام: أنه وجدها في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام.  ([315]) - في (ب): في.   ([316]) - في (ب): وعادهما مؤمنين.   ([317]) - في (أ)، (ب) (فقال) والصواب ما أثبتناه.   ([318])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي باختلاف يسير 3/ 174.  ([319]) - في (ب): المسلمين.   ([320]) - في (ب): أصحاب علي وأصحاب معاوية.   ([321]) - في (ب): ورفع.    ([322]) - في (ب): فانظر إلى.   ([323]) - في (أ): قاتلناك.   ([324]) - في (ب): فلم.   ([325]) - سقط من نسخة (أ) جملة (فقال لهم).   ([326]) - في (ب): بنصرهم.   ([327])- عبدالله بن العباس: أبو العباس الهاشمي حبر الأمة، وترجمان القرآن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم رضي الله عنه، ولد قبل الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريقه ودعا له، ويسمى البحر لسعة علمه، وكان الموازر لسيد الوصيين أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه والمناصر له، توفي بالطائف سنة (70هـ)، وفي الإصابة والاستيعاب وغيرهما: سنة (68هـ)، وقال في طبقات الزيدية: بعد أن كف بصره، وفي الرواية: أنه من البكاء على الوصي (ع)، وقبره بالطائف جوار مسجد العباس. ([328])- عبدالله بن جعفر بن أبي طالب: أبو جعفر الهاشمي رضي الله عنه، أول مولود من المسلمين بالحبشة، وكان جواداً ممدحاً مثل أبيه، أمه أسماء بنت عميس، شهد فتوح الشام، وشهد مع الوصي عليه السلام مشاهد القتال، وكان سخياً شجاعاً، ولما سمع قول الشاعر:  إن الصنيعة لا تكون صنيعة    حتى يصاب بها طريق المصنع  قال: أما أنا فأقول:  يد المعروف غنم حيث كانت  فعند الصالحين لها جزاء   تلقاها كفور أو شكور وعند الله ما جحد الكفور   أخرج له الإمام أبو طالب، وله ذكر في المجموع في الوكالة والحجر، وروى له محمد عن علي عليه السلام، وعن أمه، وعنه هلال، وولده إسماعيل، وتوفي رحمه الله بالمدينة سنة (88هـ). ([329]) - في (ب): شهادة.   ([330]) - في (ب): عن.   ([331])- أخرجه ابن المغازلي في المناقب ص55، وهو في مسند أحمد بن حنبل عن عائشة، أفاده في شرح النهج.  ([332])- أبو سعيد الخدري: سعد بن مالك بن عبيد الأنصاري، صحابي، فاضل، من أجلاء الصحابة وفقهائهم، شهد ما بعد أحد، وكان يفضل علياً صلوات الله عليه على غيره، وشهد معه حروبه، مات بالمدينة سنة بضع وستين، وقيل: سنة أربع وستين رضي الله عنه.  ([333])- القد: السير يقد من جلد غير مدبوغ، القدة واحدة. تمت قاموس.  ([334]) - رصف السهم: شد على رعضه عقبة، تمت قاموس.  الرعض مدخل النصل في السهم، والعقب: العصب الذي تعمل منه الأوتار.   ([335]) - في (ب): زيادة ثم ينظر في لصاله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر في نصاله فلا يوجد فيه شيء.   ([336])- تدردرت اللحمة: اضطربت. تمت قاموس.  ([337])- ذكره في تتمة الاعتصام 5/ 515، وأخرجه مسلم 2/ 204 باختلاف يسير، والبخاري 6/ 115، وذكر نحوه في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 323.  ([338]) - ما بين القوسين سقط من نسخة (أ).   ([339]) - في (أ) وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وآله، صفية والوصي صلى الله عليهما وعلى آلهما.   ([340]) - في الأصل: (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقول لأمير المؤمنين عليه السلام. ([341]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([342]) - في (ب): علياً.  ([343]) - هكذا في (أ) و (ب)، ولعل الصواب ولمحاربيهم.   ([344]) - في (ب): رب العالمين.   ([345]) - في (ب): (ويجتمعون أمة موسى يوم الأحد إلى بيعهم للصلاة، ويتلون كتاب ربهم).   ([346]) - ذكره في كنز العمال عن ابن مسعود وعن ابن عمرو وعن أبي هريرة بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ص86 ج1 رقم 365، وص87 رقم 370، 371، وص 88 رقم 372، 373، وأخرجه البخاري 1/17 رقم 25، وأخرجه أحمد في مسنده 2/423 رقم 6469، وأخرجه الترمذي 5/3 رقم 2606، وأخرجه النسائي في الكبرى 2/8 رقم 2223، وأخرجه أبو يعلى في المسند 1/69 رقم 68، وأخرجه ابن راهويه في المسند 1/294 رقم 272، وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 1/71 رقم 2021. ([347])- أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام في أماليه ص160 باختلاف يسير.  ([348])- إذ: ظرف لما مضى من الزمان، غالباً، وقد تستعمل للمستقبل نحو {إذ الأغلال في أعناقهم} كما ذكره ابن هشام؛ فيمكن أن يحمل كلام المصنف على أن (إذ) للمستقبل، أو يكون من تصحيف النساخ، ويكون الأصل: (إذا). تمت. ([349]) - في (ب): أن.   ([350])- سالم مولى أبي حذيفة: هو ابن معقل، ويقال: أبو عبيد بن عتبة فارسي الأصل شهد بدراً وقتل يوم اليمامة.  ([351]) - ما بين القوسين سقط من (أ).   ([352])- عبد الرحمن بن عوف: أبو محمد القرشي الزهري، أسلم قديماً، وهاجر وشهد المشاهد، توفي سنة إحدى - أو ثلاث - وثلاثين، ودفن بالبقيع، روى عنه بنوه إبراهيم، ومحمد، ومصعب، وأبو مسلمة، أخرج له: المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله، والجماعة.  قال مولى المسلمين والإسلام، ورأس أهل البيت الكرام، زينة الأوائل والأواخر، والبحر الخضم الزاخر، ركن الدين المحمدي؛ مجد الدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار: قلت: وما وقع عنه يوم الشورى من ميله عن أمير المؤمنين، وعرضه عليه البيعة على أن يسير على كتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الشيخين وامتناعه عن ذلك، بل على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعدوله إلى عثمان، وقول أمير المؤمنين عليه السلام: (والله ما فعلتها إلا أنك رجوت منه ما رجى صاحبكما من صاحبه)، ودعى عليه وعلى عثمان، واستجاب الله دعوته ففسد الحال بينهما وتعاديا، فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن؛ كل ذلك مشهور، وعند جميع الطوائف على الصحائف مسطور، وإلى الله ترجع الأمور، انتهى. ([353])- سعد بن أبي وقاص: أبو إسحاق سعد بن مالك بن أهيب القرشي الزهري المكي، شهد بدراً وما بعدها، واعتزل بعد قتل عثمان، وروى من فضائل علي عليه السلام خبر المنزلة، والراية، وغيرهما. أخرج ذلك عنه أئمة العترة عليهم السلام، والعامة: البخاري، ومسلم، وغيرهما، توفي في العقيق على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها سنة (55)، أو (58) هـ، أخرج له أئمتنا الخمسة إلا محمد بن منصور، والجماعة، روى عنه سعيد بن المسيب، وابنته عائشة وغيرهما.  ([354])- صهيب الرومي: هو أبو يحيى النمري أحد مؤذني النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحابي مشهور شهد بدراً وغيرها توفي بالمدينة سنة (38هـ)، وقيل: سنة (39هـ)، ودفن بالبقيع. ([355]) - ما بين القوسين غير موجود في (أ).   ([356]) - في (ب): لأنه.   ([357]) - ما بين القوسين سقط من (أ).   ([358]) - في (ب): عثمان.   ([359]) - في (ب): عليهم.   ([360]) - بياض في نسخة (أ) من قوله فسمعنا إلى قوله فكلما جاءهم بآية. ([361])- رواه الإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 134، وأخرجه في فرائد السمطين 1/ 256، وابن المغازلي في المناقب ص 151، وهو في الجامع الصغير للسيوطي بلفظ: ((علي مني وأنا من علي)) 2/ 417، وهو في كنز العمال 11/ 603 برقم 32913، بلفظ: ((علي مني وأنا من علي، فقلا يؤدي عني إلا أنا أو علي))، وعزاه إلى أحمد والترمذي وإلى ابن ماجه عن حبشي بن جناده. ([362])- أخرجه الإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 133، وابن المغازلي في المناقب. قال المولى الإمام/ مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى:  قال أيده الله تعالى في تخريج الشافي بعد روايته لما تقدم: ورواه الإمام القاسم بن إبراهيم من طريقة عبد الرزاق بن همام بسنده إلى جابر، قال: لما قدم علي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بفتح خيبر قال له: ((لولا أن تقول فيك طوائف...إلخ))، ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى جابر بن عبدالله من طريقين، ورواه ابن المغازلي بإسناده عن جابر في مناقبه، ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع بسنده عن جابر، ورواه محمد بن منصور المرادي بسنده إلى جابر، ذكره الإمام أحمد بن سليمان، وقد روى هذا السيوطي في الجامع الكبير، وساق سنده من طريق ابن المغازلي عن جابر، ذكره محمد بن إسماعيل الأمير في شرح التحفة العلوية، وقال: وعلى فصوله شواهد، وأخرجه الخوارزمي عن علي، والكنجي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((لولا أن تقول فيك طوائف...إلى آخر ما هنا)) بيسير اختلاف، انتهى. ([363])- روى حديث عزل أبي بكر من تبليغ سورة براءة إلى المشركين وتولية علي عليه السلام محمد بن سليمان الكوفي، والنسائي في الخصائص، والكنجي، وأحمد بن حنبل، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وراه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل. أفاد هذا السيد الإمام الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله في التعليق الوافي في تخريج أحاديث الشافي. وأخرجه في فرائد السمطين 1/ 61، وابن حجر العسقلاني الشافعي في الإصابة 2/ 509، وذكره في كنز العمال، وعزاه إلى عبدالله بن أحمد بن حنبل، وإلى أبي الشيخ وابن مردويه عن علي عليه السلام2/422 برقم 4400.  ([364])- رواه الإمام أبو طالب عليه السلام بلفظ: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي))، وفي فرائد السمطين، وابن المغازلي في المناقب، ومحمد بن سليمان الكوفي في المحيط، وأخرجه ابن عساكر في التاريخ في الجزء الأول من فضائل علي بلفظ المؤلف ص51 عن علي عليه السلام، وعن أم سلمة بلفظ: ((علي مع الحق والحق مع علي)).  ([365])- ذكره في الحدائق الوردية، وأخرجه ابن المغازلي في المناقب ص130، وفي فرائد السمطين 1/ 253، والبخاري 4/ 207، ومختصر صحيح مسلم برقم 1640 باختلاف يسير.  قال مولانا الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى: وقد روى فتح خيبر حفاظ الأنام، وأئمة الإسلام، فمن آل محمد صلوات الله عليهم: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر للحق، والإمام أبو طالب عن جابر من طريقين، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن، وأخوه الأمير الحسين، وغيرهم من أعلام أهل البيت وشيعتهم والعامة. انتهى من لوامع الأنوار بتصرف يسير.  ([366])- بريدة بن الحصيب الأسلمي: أسلم رضي الله عنه قبل بدر، ولم يشهدها، وشهد الحديبية وبايع بيعة الرضوان، سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، وخرج غازياً منها إلى خراسان فمات بمرو في خلافة يزيد بن معاوية لعنه الله، وقال ابن السعد: مات سنة ثلاث وستين.  ([367])- روى أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه بالتسليم على علي عليه السلام بياأمير المؤمنين: الإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 141، وذكره الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي عليه السلام في الموعظة الحسنة، وعزاه إلى كتاب تنبيه الغافلين للحاكم الجشمي.  ([368]) - ما بين القوسين سقط من (ب)  ([369]) - في (ب): أشهراً.   ([370]) - في (ب): قتلناك.   ([371])- الحسن بن علي عليه السلام: هو سبط رسول الله الأكبر أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، ولد يوم 15/ رمضان عام (3هـ) تولى الخلافة بعد وفاة أبيه عام (40هـ)، وخذله أصحابه واستشهد بالسم عام (50هـ) سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بأمر معاوية بن أبي سفيان لعنهم الله، وكان عمره ستاً وأربعين سنة وثلاثة أشهر ودفن بالبقيع إلى جانب أمه فاطمة الزهراء عليها السلام. ([372])- محمد بن أبي بكر: ولد في طريق المدينة إلى مكة في حجة الوداع عام (10هـ) نشأ في حجر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أمه أسماء بنت عميس الخثعمية، روى عن أبيه مرسلاً، وعن أمه وغيرها قليلاً، وعنه ابنه القاسم، وشهد الجمل وصفين مع علي عليه السلام، وكان من أخلص شيعته، وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يفضله ويثني عليه، وكانت له عبادة واجتهاد، وقتل في صفر سنة (48هـ). ([373])- مالك الأشتر: هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي المعروف بالأشتر أمير من كبار الشجعان، كان رئيس قومه أدرك الجاهلية، سكن الكوفة، وله نسل فيها، وذهبت عينه في اليرموك، وكان ممن ألب على عثمان وحضر حصره وكان من أخلص أصحاب علي عليه السلام وكبار قواده، وشهد الجمل وصفين معه، وولاه علي عليه السلام مصر فمات رضي الله عنه في الطريق سنة (37هـ)، له شعر جيد، ويعد من الشجعان الأجواد العلماء الفصحاء. ([374])- سعيد بن قيس الهمداني: من بني زيد بن مَرِيب من همدان فارس من الدهاة الأجواد من سلالة ملوك همدان، كان خاصاً بالإمام علي عليه السلام، وقاتل معه يوم صفين، وكان إليه أمر همدان بالعراق، وإليه نسب الصعيديين في بيت زود في اليمن، توفي نحو سنة (50هـ). ([375])- في (ب): لا.  ([376]) - في (ب): سبع.   ([377]) - في (ب): من لم تزوده يأتيك بالأخبار.   ([378]) - في (ب): رجل.   ([379]) - في (ب): قتله.   ([380])- الحسين بن علي: السبط الأصغر أبو عبدالله الحسين المظلوم سيد الشهداء، وقتيل الأشقياء بأرض كربلاء، ولد عليه السلام يوم 6/ شهر شعبان عام (4هـ)، أظهر دعوته سنة (60هـ)، واستشهد يوم العاشر من محرم الحرام من عام (61هـ)، قتلته جنود الطاغية يزيد بن معاوية لعنهم الله، وعمره 56 سنة، ودفن بكربلاء، وحمل رأسه إلى الشام ومصر.  ([381]) - في (ب): ثم مات معاوية وصار الأمر إلى ابنه يزيد.   ([382])- يحيى بن زيد (ع): هو الإمام الثائر والمجاهد الصابر، يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ولد سنة (98هـ)، دعا إلى الله بعد قتل أبيه، وظهر ببيهق بخراسان سنة (125هـ) في زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك لعنهم الله طالباً بدم أبيه حتى استشهد يوم الجمعة في شهر رمضان سنة (126هـ) بخراسان، وصلب على باب مدينة الجوزجان وبقي حتى ظهر أبو مسلم الخراساني فأنزله، ودفن بنيبر، وعمره عليه السلام يوم استشهد 28 سنة. ([383]) ـ لم أر أحداً ذكر أن يحيى بن زيد هرس في المهراس فيما لدي من المراجع، و الذي في الشافي للمنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام، وفي الحدائق الوردية، وفي مقاتل الطالبيين، وفي الفتوح لابن أعثم، وفي الكامل لابن الأثير: أنه صلب وبقي مصلوباً إلى أن أنزله أبو مسلم الخراساني وصلى عليه وقبره بنبير. ([384])- محمد بن عبدالله النفس الزكية: الإمام المهدي لدين الله رب العالمين محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ولد سنة (93هـ) وبدأ الدعوة إلى الله في ولاية الوليد بن يزيد، وظهر يوم 18 / جمادي الأخرى سنة (145هـ) بالمدينة المنورة، واستشهد يوم 14 رمضان سنة (145هـ) زمن أبي جعفر الدوانيقي، وعمره اثنان وخمسون عاماً، ودفن في البقيع، وذكر في حاشية التحف أنه بباب المدينة حيث قتل. ([385]) ـ ذكره المولى الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في التحف شرح الزلف. ([386]) ـ في (ب): الحسينيين.  ([387])- أبو هاشم الرماني: صاحب الإمام زيد بن علي عليه السلام، روى عن الإمام زيد(ع)، وعن زاذان أبي عمرو، وأخرج له أئمتنا الأربعة عليهم السلام، وجماعة العامة إلا البخاري، توفي رحمه الله سنة (82هـ) . ([388])- الهادي إلى الحق (ع): هو الإمام الهادي إلى الحق المبين، والسائر على نهج النبي الأمين، والمنابذ لأعداء الدين، والداعي إلى الصراط القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم، ولد بالمدينة سنة (245هـ)، ودعا إلى الله دعوتين الأولى سنة (280هـ)، والثانية سنة (284هـ)، وقام بفرض الجهاد، وبسط العدل بين العباد في أرض اليمن الميمون والدر المكنون، وسكن صعدة، وتوفي بها مسموماً يوم 20 من ذي الحجة سنة (298هـ)، وعمره ثلاث وخمسون سنة أيام المعتضد العباسي، وقبره جنوبي مسجده المسمى باسمه بمدينة صعدة، وبقي المذهب الزيدي بعده في اليمن إلى اليوم، وسيبقى إلى أن تقوم الساعة إن شاء الله تعالى. ([389])- إبراهيم بن عبدالله (ع): هو الليث الهصور، والقائد المنصور إبراهيم بن عبدالله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ولد سنة (95هـ)، ودعا بعد قتل أخيه محمد بن عبدالله النفس الزكية أول يوم من شوال من عام (145هـ) بالبصرة واستشهد بباخمرى من قرى الكوفة في شهر ذي الحجة سنة (145هـ)، وعمره خمسون سنة، ودفن بها وذلك في خلافة أبي الدوانيق العباسي، ورأسه بمصر بمطرية تبعد عن القاهرة حوالي أربعين كيلو متراً، ويعرف باسم (سيدي إبراهيم). ([390]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب أخو بدل من إبراهيم أو عطف بيان عليه.   ([391]) - في (ب): طاعة الله.   ([392])- الحسين بن علي الفخي (ع): هو الإمام الحسين بن علي بن الحسن المثلث صلوات الله عليهم، ويعرف بالفخي، ولد عام (128هـ) ودعا إلى الله سراً ثم أظهر دعوته في المدينة المنورة يوم 19 من ذي القعدة سنة (169هـ) زمن موسى العباسي الملقب بالهادي، واستشهد وهو محرم يوم التروية سنة (169هـ) بفخ، ودفن بها عند بستان الديلمي في الزاهر، وعمره إحدى وأربعون سنة. ([393]) - في (ب): جاءه.   ([394]) - في (ب): فطفيت.   ([395])- يحيى بن عبدالله (ع): هو القائم المظلوم، والثائر المهضوم: يحيى بن عبدالله الكامل صلوات الله عليهم، دعا إلى الله بعد قتل الإمام الحسين بن علي الفخي صلوات الله عليه في بلاد الترك، وأظهر الدعوة في بلاد الديلم سنة (175هـ)، واحتال عليه هارون الغوي بالعهود المشددة، والمواثيق المؤكدة بعد أن خذله شيعته، وشهد عليه علماؤهم بأنه عبد مملوك لهارون، واستشهد صلوات الله عليه داخل السجن في ولاية هارون الغوي سنة (180هـ) كما في الأعلام للزركلي، وذكر الإمام المهدي أنه توفي سنة (175هـ)، وهناك اختلاف في كيفية استشهاده صلوات الله عليه. ([396])- أبو السرايا: السري بن منصور الشيباني، ثائر شجاع، خوطب بالأمير، وبايع الإمام محمد بن إبراهيم الخارج على بني العباس، وتولى قيادة جنده، واستوليا على الكوفة وسيرا الجيوش إلى البصرة ونواحيها، وامتلكا المدائن وواسط وأرسلا العمال إلى اليمن والحجاز وواسط والأهواز، توالت عليه جيوش العباسيين إلى أن قتله الحسن بن سهل، وبعث برأسه إلى المأمون، ونصبت جثته على جسر بغداد.  ([397])- القاسم بن إبراهيم: نجم آل الرسول، وإمام المعقول والمنقول، الإمام أبو محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهم، ولد سنة (170هـ)، وبدأ في الدعوة إلى الله أولاً لما علم بموت أخيه محمد بن إبراهيم، وهو بمصر سنة (199هـ)، ودعا ثانياً بالكوفة سنة (220هـ) زمن المأمون والمعتصم، وظل يدعو إلى الله ستاً وأربعين سنة حتى توفاه الله سنة (246هـ) في الرس، ودفن بهاواء جبل أسود بالقرب من ذي الحليفة. ([398]) - في (ب): غضبانة.   ([399])- أخرجه الإمام علي بن موسى الرضى عليه السلام، والإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه بسنده إلى الحسين بن زيد بن علي، وعلي بن عمر، وأخرجه الفقيه حميد الشهيد، بسنده إلى جعفر بن محمد، وأخرجه الكنجي عن الحسين بن علي، وأخرجه أبو سعيد، وأبو المثنى، والديلمي، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الفضائل، وابن عساكر، وصححه المحدث أحمد بن سليمان الأوزري، والشيخ الحافظ محمد بن عبد العزيز العنسي، وأخرجه ابن المغازلي في المناقب ص220، وفي فرائد السمطين 2/ 46، والصواعق المحرقة ص175، وهو في كنز العمال 12/ 111 برقم 34237. ([400]) - في (ب): فنصروه.   ([401]) - ما بين القوسين سقط من (أ).   ([402]) - في (ب): وهو غير.   ([403]) - كذا في (أ)، و(ب) ولعلها أولياء وهو المستقيم لجر ما بعده بالإضافة.   ([404]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب: الذين. ([405])- محمد بن الهادي (ع): هو الإمام المرتضى، والحسام المنتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم صلوات الله عليهم، ولد سنة (278هـ)، وقام بأمر الإمامة بعد وفاة أبيه سنة (298هـ) بمدينة صعدة، ثم تخلى عن أمر الإمامة سنة (301هـ)، وتوفي بصعدة سنة (310هـ) وعمره (32 سنة)، ومدة ولايته سنتين، ودفن بجانب أبيه. ([406])- أحمد بن الهادي (ع): هو الإمام الناصر، والسيف الباتر، أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم صلوات الله عليهم، قام بأمر الإمامة بعد تخلي أخيه محمد المرتضى سنة (301هـ) في زمن المقتدر العباسي، وجاهد القرامطة والباطنية، واستمر في الجهاد أكثر من عشرين سنة إلى أن قبضه الله إليه بصعدة عام (325هـ) في 18 من ذي الحجة، ودفن بجانب أبيه. ([407]) - قوله (وإنما نسقي) من النسق وهو العطف وفي (أ) نشفي ولعله تصحيف.   ([408]) ـ في (أ): وعما نهوا عنهم عن سخط الله. ([409]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب (بقي).   ([410]) - مابين القوسين سقط من (أ).   ([411]) - الفرق ويحرك: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع. تمت قاموس.   ([412]) - في (ب): كإجماعهم.   ([413]) - في (ب): والنهر.   ([414]) - في (ب): عن هذه.   ([415]) - في (ب): الأصنام.   ([416]) - في (ب): حمد.   ([417]) - في (ب): لهم.   ([418]) - في (ب): الصديق.   ([419])- دعبل بن علي الخزاعي: هو أبو علي ـ أبو جعفر ـ دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبدالله بن بديل بن ورقاء، وكان عبدالله بن بديل بطلاً عظيماً من فرسان جيش أمير المؤمنين عليه السلام، الشهداء بصفين، ولد دعبل سنة (148هـ)، واستشهد ظلماً وعدواناً وهو شيخ كبير سنة (246هـ)، وله سبع وتسعون سنة وشهور. ([420])- الكميت بن زيد: أبو المستهل الأسدي، ولد سنة (60هـ) شاعر الهاشميين من أهل الكوفة اشتهر في العصر الأموي، وكان عالماً بالأدب، واللغة، والأنساب، والأخبار، ثقة في علمه، وكان منحازاً إلى أهل البيت عليهم السلام كثير المدح لهم من أشهر شعره الهاشميات، ويقال: إن شعره أكثر من خمسة آلاف بيت كان خطيب بني أسد، وفقيه الشيعة، وكان فارساً شجاعاً سخياً رامياً، لم يكن في قومه أرمى منه، توفي سنة (126هـ). ([421]) - العياب: الصدور والقلوب، تمت قاموس، ولعل المراد: كبرت الجيوش المتعبئة لقتاله.   ([422]) - في (ب): كتاب تمويه وتلبيس. ([423]) - في (ب): عن.   ([424]) - في (ب): أسسه.   ([425]) - في (ب): عليك.   ([426]) ـ كذا في النسختين ولعله: وجاز لمحمد الإمساك عند خالقه.  ([427]) - هكذا في (أ) ولم نعرف معناها، وفي (ب): البحر.   ([428]) ـ في (ب): أصحابها.  ([429]) - تقدم تخريجه. ([430]) - الفرط: العلم المستقيم يُهتدى به جمعه أفرط وأفراط. تمت قاموس.  ([431]) - في (ب): عن شيء.   ([432]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([433])- أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام في أماليه، وأخرجه في فرائد السمطين 1/ 116، وابن المغازلي في المناقب ص43، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 416، وهو في كنز العمال 11/ 598 برقم 32879.  ([434])- عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني: كان من أعيان الشيعة وخيرة سلفهم الصالحين، وذكر ابن الأثير وفاته في آخر حوادث سنة (211هـ) من تاريخه الكامل، وقد أكثر ابن معين من الاحتجاج بعد الرزاق، كانت ولادته سنة (126هـ) أدرك من أيام الصادق (ع) اثنتين وعشرين سنة عاصره فيها، وله مصنف يسمى الجامع الكبير، وقد طبع في 11 مجلداً. ([435])- مينا بن أبي مينا الجزار: مولى عبد الرحمن بن عوف، روى عن مولاه، وعن عثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي هريرة، وعائشة، وروى عنه همام، والد عبد الرزاق، كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، ومن كبار تلاميذه معدود في رجال الشيعة، وقد نال منه الخصوم بسبب تشيعه.  ([436]) - في (أ،ب): قال.   ([437])- عبدالله بن مسعود بن غافلة: وغافلة بمعجمتين بينهما ألف، أبو عبد الرحمن الهذلي الزهري حلفاً، الكوفي، كان من أهل السوابق وهاجر قديماً، وشهد المشاهد كلها، وكان يسمى بابن أم عبد نسبة إلى أمه، قرأ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن، وأمر بأخذ القرآن عنه، توفي بالمدينة سنة (32هـ) أو (33هـ)، ودفن بالبقيع. أخرج له الإمام الناصر في البساط، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، والجماعة، روى عنه إبراهيم بن يزيد بن الأسود، والحسن البصري، وشقيق، وعلقمة، وعطاء بن يسار، وغيرهم. ([438]) ـ في (أ،ب): فقال.  ([439])- رواه في فرائد السمطين 1/ 267 باختلاف يسير في اللفظ، والمعنى واحد، ولم يذكر فيه: قلت: عثمان وعبد الرحمن، وطلحة، والزبير، فسكت، ثم تنفس، فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟  قال: ((نعيت إلي نفسي)). قلت: استخلف.  قال: ((من))؟.  قلت: علي بن أبي طالب. ([440]) - في نسخة (أ) بياض من قوله ميمون السرادي صفحتين إلى قوله وقال رجل عندما رأى الذل إلخ.  ([441]) - كذا في الأصل والصواب (لم) بدليل حذف النون.   ([442]) ـ رواه الإمام الهادي عليه السلام، ذكر ذلك في الأسانيد اليحيوية ص184 بلفظ ((اللهم إن قريشاً أخرجتني من أحب البلاد إليّ فاحللني في أحب البلاد إليك))، وذكره بلفظ((اللهم إنك أخرجتني من أحبّ البقاع إليّ فأسكني أحب البقاع إليك))؛ السخاوي في المقاصد الحسنة ص158 وعزاه إلى الحاكم في المستدرك، وأبو سعيد في شرف المصطفى. ([443]) - خبر الأئمة من قريش صحيح، فقد رواه الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام، وقد رواه في الجامع الكافي وفي نهج البلاغة، وهو متلقىً بالقبول، بل هو متواتر، وقد أوضحنا طرقه في كتابنا (مجمع الفوائد) ص277.  وقول عمر: (لو كان سالماً..إلخ) ليس بحجة، ولو كان حجة ـ من حيث أن عمر قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه فيصير إجماعاً ـ للزم منه بطلان القول بالنص على علي والحسنين صلوات اللّه عليهم، بل بطلان القول بالمنصب من أصله، وهذه اللوازم باطلة بأدلة قطعية لا يسع المقام إيرادها، والقول ببطلان الحديث من هذا الوجه ـ أي الإجماع على صحة قول عمر ـ أوقع في أعظم مما فرّوا منه وصار الحال كما قال: وكـنت كالآوي إلى مثـعب مـوائلاً من سبـل الراعد وقد عاد أصحابنا إلى تصحيحه بمثل ما قال الإمام المهدي عليه السلام في الموعظة الحسنة: وإن سلم فمجمل بينته الأدلة القاطعة...إلى آخر كلامه(ع).  فلا سبيل إلى تضعيف هذا الخبر، فهو من أقوى الأدلة على القول بالمنصب، واللّه ولي التوفيق.  تمت من مولانا الإمام الحجة/ مجد الدين بن محمد بن منصورالمؤيدي أيده اللّه تعالى ونفع بعلومه، كتبه بأمره ولده/ إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي. والحديث مروي من طرق أهل البيت(ع) في الشافي، وفي مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، وفي الجامع الكافي، وفي نهج البلاغة كما ذكر ذلك المولى الإمام الحجة/ مجدالدين المؤيدي أيده الله تعالى في مجمع الفوائد ص277، وذكره أيضاً في الكنز 14/81 رقم 37995 وعزاه لابن أبي شيبة بهذا اللفظ، وذكره أيضاً في الكنز 12/30 رقم 33831 وعزاه إلى ابن أبي شيبة، والبيهقي في سننه عن أنس وعزاه أيضاً إلى ابن أبي شيبة، والبيهقي في سننه عن علي عليه السلام، وذكره أيضاً تحت رقم 33832 بزيادةٍ وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن أبي برزة. ([444])- سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني: سيد الخزرج أسلم في بيعة العقبة الكبرى في السنة الثالثة في ذي الحجة، وجاء معه ثلاثة وسبعون من الأنصار، وجعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد النقباء، لم يبايع أبا بكر، ولا عمر، وتوفي سنة (16هـ) بالشام. ([445]) ـ ما بين القوسين سقط من (أ).  ([446]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([447]) - في (ب): إلى.   ([448])- أبو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري: قيل اسمه عبدالله، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب بسبب إسلامه، لحق بأبي بصير بساحل البحر، وانضم إليهما جماعة لا يدعون لقريش شيئاً إلا أخذوه حتى بعثت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه أن يضمهم إليه. ذكره أهل المغازي في من شهد بدراً، وكان أقبل مع المشركين فانحاز إلى المسلمين، ثم أسر بعد ذلك وعذب ليرجع عن دينه، فلما كان فتح مكة كان هو الذي استأمن لأبيه، واستشهد باليمامة، وله ثمان وثلاثون سنة.  ([449]) - في (ب): عز وجل تحت هذه الشجرة.   ([450]) - في (ب): فلم ؟.   ([451]) - ما بين القوسين ساقط من (ب).   ([452])- عبدالله بن الحسن الكامل: هو عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو محمد النفس الزكية عليه السلام، من التابعين كان ذا عارضة وهيبة ولسان وشرف، وكانت له منزلة عند عمر بن عبد العزيز حبسه المنصور الدوانيقي عدة سنوات من أجل ابنيه محمد وإبراهيم، ونقله إلى الكوفة فمات بها سجيناً سنة (145هـ)، وكان مولده عليه السلام سنة (70هـ). ([453]) - في (ب): رسول الله.   ([454]) - في (ب): وردوه.   ([455]) - في (ب): لنا.   ([456]) - في (ب): آمناً.   ([457]) - في (ب): درف حاي، وصوابه: (فانٍ) بتنوين بغير ياء. ([458]) - يعني اليوم الذي أسلم فيه. ([459]) - في (ب): السيف.   ([460]) - في (ب): والأمة.   ([461]) - في (ب): ابنتيه.   ([462]) - في (ب): قول.   ([463]) ـ ذكره في كنز العمال ج12 ص 112 رقم 34246 وعزاه إلى أحمد في مسنده وإلى الترمذي عن أبي سعيد ، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن عمرو عن علي، وعن جابر، وعن أبي هريرة ، وعزاه أيضاً إلى ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود، وذكره فيه بروايات متعددة متفقة المعنى رقم 34248، 34260،34285،34288،34289. ([464]) - في (ب): أن.   ([465]) -  تقدم تخريجه. ([466]) - ما بين القوسين سقط من (أ).   ([467])- رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام 2/ 502، وهو في الجامع الكافي.  ([468]) ـ سقط من (أ) من قوله: وسنة محمد...إلى قوله في الآية: عن ملة إبراهيم.  ([469]) ـ أخرجه البخاري ج5 رقم 4776، ومسلم ج2/1020 رقم 1401، وأحمد في المسند 2/158 رقم 6477، وابن حبان في صحيحه ج1/190 رقم 14، وابن خزيمة في صحيحه ج1/99 رقم 197، والبيهقي في سننه ج7/77 رقم 13226، والنسائي في السنن الكبرى ج3/264 رقم 5324. ([470]) - ما بين القوسين سقط من (ب).   ([471]) - في (أ): إلا أنهم.  ([472]) - في (ب): وعلى.   ([473]) ـ ما بين القوسين سقط من (أ).  ([474]) - في (ب): مذ.   ([475]) - الحرد: الغضب.  ([476]) - في (ب): القضاء.   ([477]) - في (ب): ولد.   ([478])- روى نحوه الإمام المرشد بالله عليه السلام في أماليه 1/ 154 عن علي عليه السلام. قال مولانا الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى: وروى الإمام المنصور بالله بسنده إلى الإمام المرشد بالله عليهما السلام يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((نحن شجرة النبوة، ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري))، وبمعناه: ((نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد))، أخرجه الملا والطبري، انتهى.  ([479]) - في (ب): قاتلوهم.   ([480]) - في (ب): القليل.   ([481]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب: والإخوة الأخوات.   ([482])- ذكره في كنز العمال 3/ 495 برقم 7576، وهو في الجامع الصغير للسيوطي 1/ 195، والطَبَع بفتح الطاء المهملة، والموحدة أي: يؤدي إلى دنس وشين وعيب.  ([483]) ـ في (ب): وليس لإلفة.  ([484])- سليمان الأعمش: هو سليمان بن مهران الأعمش، ولد سنة (61هـ)، أحد شيوخ الشيعة، وأثبات المحدثين، وعده في رجال الشيعة جماعة من أهل السنة كابن قتيبة في المعارف، والشهرستاني في الملل والنحل، وكان من بحار العلم، وسدنة الآثار النبوية، قال ابن خلكان: كان ثقة عالماً فاضلاً، واتفقت الكلمة على صدقه وعدالته وورعه، واحتج به أصحاب الصحاح الستة، وغيرهم، روى عن زيد بن وهب، وسعيد بن جبير، ومسلم البطين، والشعبي، ومجاهد، وأبي وائل، وإبراهيم النخعي، وأبي صالح ذكوان. وروى عنه شعبة، والثوري، وابن عيينة، وأبو معاوية محمد، وأبو عوانة، وجرير، وحفص بن غياث، توفي سنة (148هـ). ([485]) - تقدم تخريجه. ([486]) - كذا في (أ)، و(ب) والصواب إذ إرادة الجميع.   ([487]) - في (ب): أنبياء الله.   ([488]) - تقدم تخريجه. ([489]) - في (ب): وبتجنابهم.   ([490]) - في (ب): رحمة الله عليه.   ([491]) - في (ب): بقوله.   ([492]) - تقدم تخريجه. ([493]) - تقدم تخريجه. ([494])- في كنز العمال: ((كيف تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي من أهل بيتي في وسطها))، عن الحاكم في تاريخه، وابن عساكر عن ابن عباس 14/ 269 برقم 38682. قال مولانا الإمام الحجة / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في لوامع الأنوار: عن علي عليه السلام: ((المهدي منا يختم الدين بنا كما فتح بنا))، أخرجه الطبراني، ورفعه في السبل الأربعة عن السمهودي. ([495]) - في (ب): إن شاء الله.   ([496]) - كذا في (أ،ب).  ([497]) - قال في القاموس: الطامور والطومار: الصحيفة، الجمع طوامير.   ([498])- رواه الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين عليه السلام بسنده إلى محمد بن علي في كتابه أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين، وذكره الأميني صاحب الغدير 3/ 69 بلفظ: ((يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يدخلون الجنة بغير حساب، وعزاه في هامشه إلى كتاب عيون أخبار الرضى للشيخ الصدوق في الباب الـ25، وعزاه أيضاً إلى كفاية الأثر، وأخرجه الإمام الموفق بالله عليه السلام في كتاب الإعتبار وسلوة العارفين بدون لفظ "بغير حساب" في باب الجهاد. ([499])- أبو مخنف: لوط بن يحيى الأزدي من أقدم مؤرخي العرب ومحدثيهم توفي سنة (774م)، له رسائل عن حوادث القرن الأول الهجري حفظ الطبري الكثير منها في تاريخه. ([500]) - قال في القاموس: ربع: وقف وانتظر، وتحبس، ومنه قولهم: أَرْبَعْ عليك، أو على نفسك أو على ظَلْعِك.   ([501]) - في (ب): تشاور.   ([502]) - في (ب): فيهم هذا.   ([503])- أبو خالد الواسطي: من أعلام أشياع عترة سيد الأنام، احتج بروايته سادات الأئمة، وهداة الأمة: كالإمام أحمد بن عيسى، والإمام الهادي إلى الحق، والإمام الناصر للحق، والإمام المؤيد بالله، وأخيه الناطق بالحق أبي طالب عليهم السلام، وهو الذي روى مجموع الإمام زيد بن علي عليه السلام. قال الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع): والمجموع متلقى بالقبول عند أهل البيت عليهم السلام، وهو أول كتاب جمع في الفقه.  ([504]) ـ في (ب): عليكم.  ([505]) - في (ب): للمحسنين.   ([506]) - في (ب): هو.   ([507]) ـ يعني أشد عداوة.  ([508]) - في (ب): وباشروا.   ([509]) - سقط من (أ) قوله (علامة ما بيننا وبين الناس علي بن أبي طالب عليه السلام).   ([510]) - في (ب): بالعراق.   ([511]) - في (ب): يثيبه الله الجنان.   ([512]) - في (ب): كان.   ([513]) - كذا في (أ)، و(ب)، والصواب (قربوس) وهو حنو السرج أي: قسمه المقوس.   ([514]) - في (ب): يقيك.   ([515]) - صوابه (اغرورقت عيناه).   ([516]) - كذا في (أ) و(ب) والصواب (ملياً) خبر كان.   ([517]) - في (ب): عمي.   ([518]) - في (ب): حدثوا.   ([519]) - في (ب): يختم.   ([520]) - حاشية في (ب): عندما أسر رضوان الله عليهما.  ([521]) - في (ب): الجن والناس.   ([522]) ـ كذا في (أ،ب)، والصواب: مُصِرٌّ. ([523]) ـ في (أ،ب) أسلم، والصواب ما أثبتناه.  ([524]) - في (أ،ب) ((إنَّ أولياءه إلا المتقون إذا حدثتهم)) ولا يستقيم الكلام إلا بحذف إلا.   ([525]) ـ لاموجب لحمل الرؤية على العلم، والتعليل بأن العقل لايستحسن أن يُقْدِر الله عز وجل الجن أن ينظروا عورات المسلمين غير منتهض لأنهم إن كانوا مرتدين ثيابهم فلن ترى الشياطين عوراتهم، وإن خلعوها لأجل حاجتهم فقد سن لهم الشارع الاستعاذة من الشياطين الذين لا يغضون أبصارهم عن العورات امتثالاً لأمر الله.  ([526]) - في (أ): كان في ظل بارد ومعيشة رغدة، ونعمة وسلامة وسمة ونعمة سابغة.   ([527]) - في (ب): وأقاله.   ([528]) - في (ب): الأنبياء.   ([529])- في (ب): فزعم أن رسول الله.  ([530])- كذا في (أ، ب)، ولعل الصواب: فيمن اصطفاه الله. ([531]) - في (ب): الظلم.   ([532]) - في (ب): أمانته.   ([533]) - في (ب): الآيات من (73) إلى (91) من سورة الأنبياء.   ([534]) - ما بين القوسين غير موجود في نسخة (أ).   ([535]) - في (ب): اركب.   ([536]) ـ في (أ): وعرفهم. ([537]) ـ كذا في: (أ) و (ب). ([538]) -  في (ب): ثم.   ([539]) - المكس: النقص والظلم، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة والماكس آخذ المكس، تمت قاموس.   ([540])  - حكى في المصابيح الساطعة الأنوار للعلامة / عبدالله بن أحمد الشرفي في تفسير هذه الآية: عن الإمام الحسين بن القاسم العياني عليه السلام، ما يفيد هذا المعنى، الذي ذكره المصنف، وحكى عن الزمخشري والرازي ما معناه: وكذلك كدنا ليوسف، أي: مثل ذلك الكيد العظيم كدنا ليوسف، أي: علمناه وأوحينا به إليه؛ إذ لم يكن ليوسف أن يأخذ أخاه في دين الملك بل في دين إخوته. ([541]) - في (أ)، و(ب) كررها والصواب كرهها.   ([542]) ـ في (ب): عليه السلام لقومه.  ([543]) - في (أ) و(ب) وكلامهما، والصواب وكلاهما.   ([544]) - في (ب): كما زعموا.   ([545]) - في (أ): (إنما سأل موسى  ربه عن يوم القيامة أن يريه آية من آيات يوم القيامة).  ([546]) - في (ب): عليه.   ([547]) - في (ب): وقلبه وعقله.   ([548]) - في (ب): وأنه ليس كالمخلوق بل هو مباين لكل ما خلق وكذلك فعله مباين لفعل المخلوقين.   ([549]) - في (ب): أيضاً.   ([550]) ـ ما بين القوسين من قوله فافهم إن شاء الله إلى قوله:{وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا(22)}) [الفجر]، سقط من (أ).  ([551]) - كذا في (ب)، ولعل الصواب ولذلك. ([552]) - كذا في (ب) ولعل الصواب أخروية ليست دنيوية.   ([553])- دحية الكلبي: دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة الكلبي، صحابي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برسالته إلى قيصر يدعوه للإسلام، وحضر كثيراً من الوقائع، وكان يضرب به المثل في حسن الصورة، وشهد اليرموك، فكان على كردوس، ثم نزل دمشق، وسكن المزة وعاش إلى خلافة معاوية.  ([554]) - سقط من (أ) من قوله: فليت شعري ما تاويل قوله (لا تدركه الأبصار) إلى قوله وأما قولهم: إنه لا يجوز أن نقول لأحد من المخلوقين: إني أنا الله.   ([555]) - كذا في (ب) والصواب (ينتظم).   ([556])- كذا في (ب)، والصواب: (أحداً) بالنصب، إسم إنَّ. ([557])- كذا في (أ، ب)، والصواب: حذف قوله: (إلا محمداً)؛ ليستقيم المعنى؛ وقوله: (فجاز هذا القول)، بداية جواب قوله: (وأما قولهم). ([558]) ـ كذا في: (أ) و(ب)، وهذه لفظة مشكلة لم أعرف مامعناها. ([559]) - ما بين القوسين ساقط من (أ).   ([560]) ـ في (أ، وب): ملك الذي. ([561]) - من قوله: إذ لم يحل بينه وبينها إلى قوله: وأما قوله سبحانه لرسوله: وهل أتاك نبأ الخصم، سقط من (أ).   ([562]) - يقول هنا بمعنى يظن، وهو يستعمل بمعنى يظن.  ([563]) - في (ب): يبصرهما.   ([564]) - ما بين القوسين سقط من (أ).   ([565]) - العبارة في (أ) أنه يلزم وليه فصيرت الحشوية.   ([566]) - في (ب): بان.   ([567])- أي استعمل عقله عوضاً عن فقد الدليل، والمراد بالدليل الدليل السمعي.  ([568]) - ما بين القوسين ساقط من (أ) من قوله: ولذلك قالت العلماء، إلى قوله: وأما قوله سبحانه لرسوله في صفيه سليمان. قدر صفحتين في (ب).   ([569]) - كذا في الأصل والصواب نبوته.   ([570])-في الأصل: فكان عز وجل يقويه عليهم ما أنزل. ([571])- في (ب): كما نزلت.  ([572])- إثبات ضمير الجماعة مع وجود الفاعل الظاهر إما أن يكون غلطاً من الناسخ، وإما أن يكون على لغة: أكلوني البراغيث.  ([573])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي 3/ 61، 62، وأخرجه مسلم 2/ 36، والبخاري 2/ 234، والنسائي 3/ 47، وهو في كنز العمال 2/ 274 برقم 3993.  ([574]) ـ هذه الرواية تحمل على أنها من التواضع الذي هو أهم مكارم الأخلاق التي بُعث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتتميمها؛ وهو صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال ذلك فهو من تواضعه الذي يجب أن نتأسى به فيه وفي غيره من الأخلاق الكريمة، وإلا فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا سيد ولد آدم )). ([575]) - في (ب): صاحب حثيثه.   ([576]) - في (أ) لينتظر.   ([577]) ـ كذا في (أ، وب)، والصواب: (فلما أحسه). ([578]) - في (ب): خطيئته.   ([579]) - في (ب): والأمر ثابت من هذه الجهة.   ([580]) - ما بين القوسين سقط من (أ) من قوله: وأما قوله سبحانه  {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ} إلى قوله: وأما قوله: {وَذَا النُّونِ} قدر صفحة في (ب).  ([581])- ذكره في الجامع الصغير للسيوطي 2/ 203.  ([582]) ـ في الأصل: بين الرجل والمرأة والمحبة والرحمة.  ([583]) ـ ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص28 بلفظ "المهلكات ثلاث" وعزاه إلى العسكري. ([584]) - في (ب): وقال.   ([585]) - في (أ): لا نؤاخذهم، وفي (ب): لا يؤاخذهم.   ([586])- في (ب): حوت من الحياتان.  ([587]) - سقط ما بين القوسين من (أ)، من قوله: فلما سكن غضبه، إلى قوله: وهي لم تأت بفاحشة.   ([588]) - في (ب): من آخر.   ([589]) - في (ب): ويغفر.   ([590]) - في (ب): به.   ([591]) ـ هكذا في (أ، وب) (فيًَّ أحببتني)، ولم يظهر المراد منها، ولعل المصنف يريد أن معاوية أجاب على مروان أن بكاءه فيما أحبه مروان من أجله وهي الدنيا لكونه قد شعر بفواتها، فيكون صوابه: (فيما أحببتني).  ([592]) ـ بياض في (أ، وب).  ([593]) ـ بياض في (أ، وب).  ([594]) ـ بياض في (أ، وب).  ([595]) - تم لنا بحمد الله تعالى سماع هذا الكتاب الجليل على سيدنا ومولانا الإمام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه. علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، وكتب/ إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي وفقه الله تعالى.