الكتاب : الفـوائـد التـامة

الفوائد التامة
في علم أصول الفقه

للإمام الهادي لدين اللّه رب العالمين الحسن بن يحيى بن علي القاسمي رحمه الله آمين

الطبعة الأولى
1417هـ ـ 1996م
حقوق الطبع محفوظة للناشر

تم الصف والإخراج بمركز النور للدراسات والبحوث
اليمن ـ صعدة ص. ب (90238)

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله القائل في كتابه العزيز: {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم} والصلاة والسلام على القائل: <أنى يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة حتى صار في غير نبيكم} وعلى آله الأخيار والأئمة الأطهار رافعي راية علم الجهاد والاجتهاد، وبعد..
فلقد شاء اللّه نشر علوم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الأبرار بعد أن كانت مكدسة في الرفوف والخزائن فله الحمد أن سهل ذلك ويسر.
وبعد أن طلب مني بعض الإخوان أبقاهم اللّه الإشراف على مقابلة وفهرسة هذا الكتاب؛ كتاب الفوائد التامة في علم أصول الفقه، وبعد أن تم ذلك بعون اللّه وتوفيقه، أحببت أن أوجز ترجمة للمؤلف رحمه اللّه تعالى اختصرتها من ترجمة مبسطة قد كنت جعلتها له في كتابه المسائل النافعة بالبراهين القوية الصادعة، من مؤلفاته في الفروع.
فأقول: هو الإمام الأعظم والطود الشامخ الأشم نبراس المدارس ذو التصانيف الفاخرة والآراء الصائبة، إمام المعقول والمنقول والفارس في ميدان الفروع والأصول، من نعش اللّه به الدين وأحياه أمير المؤمنين الهادي لدين الله، الحسن بن يحيى بن علي القاسمي رضي اللّه عنه.
نسبه الشريف

(1/1)


الحسن بن يحيى بن علي بن أحمد الملقب القاسمي بن علي بن قاسم بن حسن بن علي بن محمد بن أحمد بن حسن بن زيد بن محمد بن أبي القاسم بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الإمام السبط الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وابن فاطمة بنت سيد المرسلين محمد بن عبد اللّه بن عبدالمطلب بن هاشم. نسب كما قيل:
نسب فوق السماء فخاره ... وترفعت فوق النجوم مناصبه
وتفرغت أغصانه في دوحة ... وأظل فوق العالمين ذوائبه
والدته عليها السلام
الحرة الطاهرة الفاضلة الشريفة الزاكية والعالمة الزاهرة سيد نساء قطرها نور بنت علي بن أحسن بن محمد بن صلاح الضحياني يتصل نسبها بالإمام علي بن المؤيد رضي اللّه عنه.
والده عليه السلام
السيد العالم الجهبذ الفطاحل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الورع الزاهد يحيى بن علي بن أحمد الملقب بالقاسمي رضي اللّه عنه.
مولده رضي اللّه عنه
ولد عليه السلام بهجرة ضحيان محافظة صعدة ليلة السبت خامس يوم في شهر ربيع الأول سنة ثمانين ومائتين وألف هجرية، تربى في حجر والديه ونشأ النشأة المرضية وتخلق بالأخلاق السنية وكان يعرف من أيام صباه بحسن الأدب والعفاف ولما أكمل القرآن على والديه شمر وكدح في تحصيل العلوم فحفظ منطوقها والمفهوم حتى صار إمام العلم والمرجع في كل فن ثم ألف أكثر من ثلاثين مؤلفاً في أغلب فنون العلم مع ديانة صادقة وورع كامل وهمة خارقة.
مشائخه رضي اللّه عنه

(1/2)


أخذ عن العلامة الحجة حاوي خصال الكمال حافظ علوم الآل وشيعتهم الكرام فخر الإسلام عبد اللّه بن أحمد العنثري المؤيدي رحمه الله، والقاضي العلامة المجتهد محمد بن عبد اللّه الغالبي رحمه اللّه تعالى وغيرهما من العلماء الأعلام، وهو أول من فتح في الزمان الأخير باب الجهاد والاجتهاد من علماء صعدة وصنف التصانيف العديدة ولقي بسبب ذلك الأود الشديد من المقلدة والحاسدين.
مؤلفاته رضي اللّه عنه
في أصول الدين: التحفة العسجدية فيما دار من الاختلاف بين العدلية والجبرية، والبحث السديد في الأسماء والصفات، ورد على الحشوية في مسألة الاستواء على العرش، ومختصر ينابيع النصيحة.
وفي الفروع: المسائل النافعة بالبراهين القوية الصادعة، من أول كتاب الطهارة إلى السير، ومنسك للحج كامل.
وفي علم الحديث: مجموع فيما وقف عليه من أخبار الانتصار، ومحاسن الأنظار فيما قيل في الأخبار، ومجموعين لطيفين في الرواة، وسبيل الرشاد في طرق الإسناد.
وفي علم النحو: التهذيب، ومنية الراغب في الحروف، وله حاشية على مقدمة ابن الحاجب في الصرف، وحاشية على التلخيص في المعاني والبيان، والأنوار الصادعة في علم الباطن والمعاملة، والنور الصادع ومختصر السفينة في الأدعية، وكتاب الإدراك في المنطق، والمنهل الصافي في العروض والقوافي، والروض المستطاب في الحكم.
والجوابات التهامية على ثلاثين سؤال، وله هذا الكتاب الذي بين يديك، المسمى بالفوائد التامة في أصول الفقه الهامة والذي احتوى على أحد عشر باباً وستة عشر فصلاً ومائة وستة وخمسين مسألة، أتى فيها بالعجب العجاب اختارها لنفسه وبنى عليها اختياراته في الفروع فلا غرو ذرية بعضها من بعض، مؤلفاته تراها منهجاً متكاملاً واضحاً قوياً.
تلامذته
وأما من أخذ عنه فجم غفير يصعب حصرهم ويشق ذكرهم إلا أنا نأتي ببعض من استفاد واجتهد من على يديه.

(1/3)


فمنهم العلامة الكبير والنحرير الخطير المجتهد حسن بن حسين عدلان رحمه اللّه تعالى، والعلامة سيبويه زمانه علي بن يحيى العجري رحمه الله، والعلامة الفهامة المحقق المجتهد يحيى بن حسن طيب، والعلامة الحبر الفهامة عبدالكريم بن عبد اللّه العنثري، وولده العلامة المجتهد الجهبذ عبد اللّه بن الإمام، وولده العلامة المجتهد المطلق أحمد بن الإمام، وولده العلامة محمد بن الإمام، وولده العلامة عبدالعظيم بن الإمام، وولده العلامة تاج الدين بن الإمام، وباقي أولاده العلماء الأعلام إلا من لم يبلغ به العمر للقراءة عليه، وهم: قاسم وعلي وصلاح وحسن التسعة الأولاد النجباء الحلماء العلماء الزهاد رحمهم اللّه وغيرهم، وقد أوضحهم في سيرة الإمام الذي صنفها عالم عصره ولده عبد اللّه بن الإمام رحمهم الله.
دعوته
كان ظهورها في سنة (1322 هـ) وقد أبلى بلاء شديداً وجاهد جهاداص مريراً مع سيرة حميدة وأخلاق حسنة صابراً حامداً شاكراً محتسباً كعادة آبائه.
وفاته
انتقل إلى جوار ربه ليلة الإثنين 5 جمادى الأولى عام (1343 هـ)، في مدينة باقم ودفن بساحة الجامع الكبير رحمه اللّه رحمة الأبرار وألحقه بآبائه في جنات تجري من تحتها الأنهار.
هذا ما تيسر بإيجاز وصلى اللّه على محمد وآله وسلم، 15/ شهر رجب/سنة 1417 هـ).
كتبه الفقير إلى اللّه
محمد بن أحمد حسن الهادي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي وسلم على محمد الأمين وآله الطاهرين آمين.
(أصول الفقه) القواعد الموصلة بذاتها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية وهي قطعية وظنية.
فالأولى ما كان النظر الصَّحيح في دليلها يوصل إلى العلم كالنص الصريح المتواتر.
والثانية: ما كان النظر الصَّحيح في دليلها يوصل إلى الظن كالآحاد.
باب الموضوعات اللغوية

(1/4)


مسألة طريق معرفتها التواتر والآحاد لا العقل مستقلاً ولا تثبت الأسماء اللغوية بالقياس كالنبيذ يسمى خمراً للتخمير، والنباش سارقاً للأخذ بخفيه، واللائط زاني(1) للإيلاج المحرم إلاَّ أن يثبت التعميم بالنقل سواء كان جامداً كرجل أو مشتقاً كعالم أو بالاستقراء كرفع الفاعل.
مسألة والمترادف وهو: اللفظ المتعدد لمعنى واحد واقع في اللغة كجلوس وقعود.
مسألة والمشترك وهو لفظ متحد دال على معان متعددة موضوع لكل واحد منها وضعاً مستقلاً واقع كالعين والقرء والجون وفي الكتاب العزيز والسنة.
مسألة وهو إن صح الجمع حقيقة في الكل من غير ظهور فيه لاحتمال أن يراد به واحد أو كل واحد فهو مجمل.
مسألة الحقيقة: اللفظ المستعمل فيما وضع له، والمجاز: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة عدم إرادته، والحقيقة (لغوية) إن كان واضعها واضع اللغة كأسد للسبع، (وعرفية)عامة لا يتعين ناقلها كالدابة لذوات الأربع بعد إن كانت لكل ما يدب أو خاصة يتعين ناقلها كمصطلحات أهل كل علم وصناعة، (وشرعية) دينية وهي المنقولة إلى أصول الدين كالإيمان؛ لأن المؤمن لغة المصدق وشرعاً المطيع، وأما الألفاظ المتداولة على لسان أهل الشرع المستعملة في غير معانيها اللغوية كالصلاة ونحوها فقد صارت حقائق لعدم احتياج فهم هذه المعاني الشرعية عند الإطلاق إلى قرينة في لسان أهل الشرع وعدم الاحتياج إلى القرينة محتمل أن يكون بسبب وضع الشارع إياها فتكون حقائق شرعية، وأن تكون بسبب غلبة استعمالها في تلك المعاني في لسان أهل الشرع حتى صارت حقائق عرفية خاصة لهم فتكون مجازات لغوية في كلام الشارع بمعونة القرائن، فإذا وقعت مجردة عن القرائن في كلام الشارع فمحتملة للشرعية واللغوية.
__________
(1) ـ زانياً.

(1/5)


مسألة والحقيقة إن تعددت لفظاً ومعنى (فمتباينة) كالإنسان والفرس، وإن تعددت لفظاً واتحدت معنىً (فمترادفة)كليث وأسد، وإن اتحدت لفظاً ومعنى فإن منع تصور معناه الشركة فيه (فجزئي) كزيد، وإن اشترك فيه كثير (فمتواطئ) إن استوت أفراده كالإنسان بالنسبة إلى أفراده فإنها كلها مستوية في الإنسانية وهو المشترك المعنوي، وأن لا تستوي (فمشكك) كالموجود للقديم والمحدث، وإن وضع اللفظ لكل من تلك المعاني التي يستعمل فيها وضعاً مستقلاً فهو (المشترك) اللفظي كعين للجارحة والجارية.
مسألة والمجاز واقع وفي الكتاب والسنة والعلاقة معتبرة لا آحاد المجاز فلا يجب نقله.
مسألة ويعرف المجاز بالنص عليه من أئمة اللغة إما بعينه أو بحد شامل أو بذكر خاصته نحو هذا لفظ مستعمل في كذا لعلاقة أو بالاستدلال إما بسبق غيره إلى الفهم راجحاً لولا القرينة، أو لاستحالة تعليقه بما علق به نحو نطقت الحال بكذا وكاليد والوجه إذا علقتا بالله تعالى ونحو ذلك كعدم اطراده نحو نخلة لطويل غير إنسان.
مسألة ولا مانع من إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معاً فيصح مجازاً ويراد المجموع الإفرادي الصادق على ما وضع له وما لم يوضع كالمس مثلاً في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}[البقرة: 237] فإنه حقيقة في اللمس باليد مجازاً في الوطء (فوجب المهر بالدخول وبالخلوة) (1).
__________
(1) ـ هكذا وجدت هذه الجملة التي بين القوسين في الأم.

(1/6)


مسألة وإذا دار اللفظ بين الاشتراك والمجاز فترجيح أحدهما على الآخر موكول إلى نظر الفقيه فيعمل بما هو الأرجح من حمله على المجاز أو الاشتراك وذلك كالنكاح مثلاً فإنَّه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازاً في العقد وأن يكون مشتركاً بينهما والمجاز أولى من النقل مثاله: لو أطلق الشارع الصيام على الإمساك المخصوص وترددنا في أنَّه وضعه له بحيث نطلقه عليه بلا قرينة أو لم يضعه له وإنما استعمله فيه مجازاً من قبيل إطلاق اسم الكل على البعض فالحمل على المجاز أولى.
مسألة الواو للجمع المطلق عن التقييد بترتيب أو معية.
باب الأحكام
مسألة الحاكم الشرع والعقل.
مسألة والحكم ما ثبت بخطاب الشارع أو بالعقل تعليقه بفعل المكلف اقتضاءاً(1) أو تخييراً أو وضعاً(2) (وهو تكليفي ووضعي) فالأول عام للشرعي والعقلي وهو خمسة أقسام؛ لأن معرف الحكم إن اقتضى الفعل حتماً فمعرف الوجوب أو غير حتم فمعرف الندب، وإن اقتضى الترك حتماً فمعرف الحظر أو غير حتم فمعرف الكراهية وإن خير فمعرف الإباحة، والواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور الفعل المتصف بذلك أي بالوجوب ونحوه.
مسألة والواجب ما توعد الشارع على تركه ويرادفه الفرض وينقسم إلى معين ومخير وإلى فرض عين وكفاية وإلى مضيق وموسع وأداء وإعادة وقضاء وإلى مطلق ومقيد.
مسألة والأداء ما فعل أولاً في وقته المطلوب، والإعادة ما فعل فيه ثانياً لخلل، والقضاء ما فعل بعده لترك أو خلل.
مسألة وما لا يتم المطلق إلى به وكان مقدوراً واجب بوجوبه إلاَّ الشرط الشرعي فبدليل منفصل.
مسألة المندوب ما أمر به صلى الله عليه وعلى آله وسلم ندباً، فإن واظب عليه فمسنون وإلا فلا.
مسألة والمحظور ما يذم فاعله ويرادفه القبيح والحرام.
__________
(1) ـ وهو الطلب أعني الأمر بالشيء.
(2) ـ هو عبارة عن جعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً.

(1/7)


مسألة والمكروه ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله وقد يطلق على الحرام كقول أصحابنا: يكره النفل(1) في الثلاثة الأوقات وعلى ترك الأولى كالمندوبات إذا تركت.
مسألة والمباح ما لا يمدح على فعله وتركه ويرادفه الطلق والحلال والجائز وقد يطلق الجائز على غيره.
مسألة والحكم الثابت على خلاف دليل الوجوب أو الحرمة لعذر رخصة وعليه عزيمة.
مسألة والمحكوم فيه الأفعال والمكلف به في النهي فعل هو الكف.
مسألة والمحكوم عليه المكلف، (والثاني) ـ أي الوضعي ـ خاص بالشرعي وهو ثلاثة أقسام لأنَّه إن حكم على الشيء باستلزام وجوده وجود حكم فالمسبب كالزنا فإنه حكم فيه بكونه سبباً لوجوب الجلد، وإن حكم على الشيء باستلزام وجوده عدم حكم أو سبب (فالمانع) كالأبوة في القصاص فإن كون الأب سبباً لوجود الابن يقتضي أن لا يكون الابن سبباً لعدمه وكالدين في الزكاة فإن السبب النصاب والحكمة سد خلة الأصناف (والمانع) وهو حكمة الدين التي هي براءة الذمة يخل بحكمه السبب وإن حكم على الشيء باستلزام عدمه عدم حكم أو سبب (فالشرط) كالحول في وجوب الزكاة فإنه الشرط والحكم وجوب الزكاة وحكمة الحكم مواساة الفقراء ووجوبها من دونه يؤدي إلى الإضرار بذي المال وكالإحصان في سببية الزنا للرجم فإن الحكمة في سببيته الزجر عن ارتكاب ما يوجب اختلاط الأنساب ولو اعتبرت من دون إحصان لأدى إلى كثرة إتلاف النفوس لقوة دواعي الشهوة من غير المحصن.
مسألة والحكم بالصحة والبطلان عقلي فيكونان حكمين عقليين والصحة ترتب الآثار والبطلان نقيضها (والأثر) موافقة الأمر عند المتكلمين وسقوط القضاء عند الفقهاء فالصلاة بظن الطهارة صحيحة على الأول لا الثاني وإلا جزاء كالصحة ولا يوصف به إلاَّ العبادات.
باب الأدلة الشرعية
الدليل ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
فصل
الكتاب هو المنزل للإعجاز وغيره، والإعجاز بسورة من جنسه.
__________
(1) ـ يظهر أن المذهب أن الكراهة للتنزيه فقط.

(1/8)


مسألة البسملة منه في أول كل سورة غير براءة.
مسألة القراءات السبع(1) متواترة أصلاً، وهو جوهر اللفظ كـ (مالك وملك) وهيئة كالتفخيم والترقيق وتخفيف الهمزة وأصل المد والإمالة لا التقدير(2).
مسألة والشاذ معمول به في الفروع كالآحاد ولا يحتمل أن يكون مذهباً لراويه الحقه به.
مسألة وفيه محكم ومتشابه فالأول ما أريد به ظاهره، والثاني مقابلة.
فصل
السنة هي ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير.
مسألة ما كان من أفعاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبلياً أو مختصاً به أو بياناً فواضح أن الأول مباح له ولأمته، والثاني لا يشاركه فيه أحد من أمته والثالث حكمه حكم المبيَّن وما عدا هذا فأمته مثله في جميع أفعاله فيما وضحت صفته بالنسبة إليه من وجوب أو ندب أو إباحة وفيما لم تعرف صفته بالنسبة إليه يكفي في وجوب الإتباع علينا مجرد الفعل.
مسألة الفعلان لا يتعارضان فإن وقع مع فعله قول يخالفه ففي ذلك أربعة أقسام:
__________
(1) ـ وقال بعضهم: إن القراءات كلها أحادية وليس المتواتر إلاَّ جوهر القراءات، وعد الإختلاف فيها إنَّما هو اختلاف في الصفة لا في الذات، وهذا الراجح وعليه جماعة من الآل أن الشرط صحة الرواية متواترة أو أحادية. تمت منه
(2) ـ كتطويل المد وتقصيره.

(1/9)


الأول: أن لا يدل دليل على تكرير الفعل ولا على تأسٍ لِلأمة به صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن كان القول خاصاً به وتأخر فلا تعارض؛ لأن الفعل لا حكم له بعد وقته لفرض عدم التكرار فإن تقدم فالفعل ناسخ مع التمكن وإلا امتنع فإن جهل التاريخ فالوقف إلى ظهور التاريخ(1)، وإن كان القول خاصاً بنا فلا تعارض إذ الفرض عدم وجوب التأسي وإن كان القول عاماً فبطريق التنصيص نحو أن يقول: يحرم عليّ وعليكم فكما تقدم في القول الخاص به وفي الخاص بأمته لا تعارض مطلقاً وبطريق الظهور نحو أن يقول: استقبال القبلة بالحاجة حرام فالفعل المتأخر بلا تراخ يخصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من العموم، ومع التراخي نسخ في حقه، وأما إذا تقدم الفعل فلا تعارض إذ الفرض عدم التكرار وإن جهل فالوقف إذ الفرض عدم وجوب التأسي.
والثاني: أن يدل دليل على التكرار في حقه وعلى تأسي الأمة به، كان يستقبل القبلة ويقول الإستقبال مباح متكرر في حقي فتأسوا بي فيه، فإن كان القول خاصاً به نحو أن يقول: الإستقبال محرم عليّ دونكم فلا تعارض في حقنا وفي حقه المتأخر ناسخ مع التمكن وإلا امتنع فإن جهل المتقدم فالوقف(2)، وإن كان القول خاصاً بنا كأن يقول الاستقبال محرم عليكم دوني فلا تعارض في حقه وفي حقنا المتأخر ناسخ مع التمكن وإلا امتنع فإن جهل فالوقف وإن كان القول عاماً فالمتأخر ناسخ مع التمكن سواء تناوله بطريق الظهور أو التنصيص فإن جهل فالوقف(3).
__________
(1) ـ قال في الفصول المختار القول. تمت
(2) ـ قال في الفصول المختار وفاقاً للجمهور العمل بالقول لاستقلاله. تمت
(3) ـ قال في الفصول: المختار القول. تمت

(1/10)


الثالث: أن يدل دليل على التكرار في حقه دون وجوب التأسي به نحو: أن يعلم أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقبل القبلة بالحاجة مراراً متكررة مختلفة الأوقات، فإن كان القول خاصاً بنا فلا تعارض لعدم تعلق الفعل بنا وإن كان خاصاً به أو عاماً له ولأمته نصاً فيه فلا تعارض في حقنا لعدم تعلق الفعل بنا وفي حقه المتأخر ناسخ مع التمكن وإلا امتنع، وإن جهل المتقدم فالوقف(1)، وإن كان القول عاماً له بطريق الظهور فلا تعارض بين القول والفعل في حق الأمة لعدم ثبوت حكم الفعل في حقهم وفي حقه الفعل مخصص للقول سواء تقدم أو تأخر أو جهل إلاَّ حيث تأخر الفعل عن وقت العمل فه ناسخ في حقه لا مخصص.
الرابع: أن يدل دليل على تأسي الأمة به دون التكرار نحو: أن يستقبل ويقول: لا حرج عليكم في أن تفعلوا كفعلي في هذه الحال فإن كان القول خاصاً به نحو الاستقبال محرم عليّ خاصة وتأخر فلا معارضة لعدم دليل التكرار وإن تقدم القول فالفعل ناسخ مع التمكن وإلا امتنع وإن جهل فالوقف(2)، وإن كان القول خاصاً بنا فلا تعارض في حقه مطلقاً، وإن كان عاماً فلا تعارض في حقه إن تأخر القول لأن الفرض عدم تكرير الفعل، وقد وقع وإن تقدم فالفعل ناسخ مع التمكن وإلا امتنع وحكم الخاص بنا والعام في حقنا أن المتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر مع التمكن وإلا امتنع، وهذا إنَّما يصح إذا كان المتأخر من قوله قبل صدور الفعل من الأمة وذلك بأن يكون الوقت موسعاً وأما بعد الفعل من الأمة فلا تعارض في حقهم؛ إذ التقدير عدم دليل التكرار فإن جهل التاريخ فالوقف.
__________
(1) ـ وفي الفصول المختار القول.
(2) ـ وفي الفصول المختار القول.

(1/11)


مسألة إذا علم صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمر صدر عن مكلف ولم يعلم إنكاره له من قبل فلم ينكره قادراً على إنكاره، فإنه يدل على جوازه فإن سبق تحريمه فنسخ إن لم يكن مخصصاً بأن تراخى عن وقت الحاجة، فإن لم يتراخى حمل على التخصيص، فإن استبشر به فأوضح من السكوت في الجواز.
فصل
وطريقنا إلى العلم بالسنة الإخبار.
مسألة الخبر مع قطع النظر عن المُخْبِر به صدق وكذب (فالصدق) مطابقة حكمه للواقع (والكذب) عدمها ويوصف بهما المخبِر فإن طابق خبره معتقده (فصادق) وإن لم يطابق (فكاذب) ومع عدم الاعتقاد كالساهي والشاك والنائم والمجنون لم يتصف بأيهما.
مسألة والمعلوم صدقه ما علم وجود مخبَرِه (ضرورة) كقولنا الواحد نصف الاثنين (أو نظراً) كخبر الله وخبر رسوله وخبر الأمة أو العترة، والخبر المحفوف بالقرائن المنفصلة الزائدة على مالا ينفك عنه الخبر عادة كخبر مِلك يموت ولده ولا مريض عنده سواه مع خروج النساء عل هيئة منكرة وخروج الملك وأكابر مملكته وراء الجنازة على نحو تلك الهيئة دن موت مثله(1)، والخبر المتواتر وهو خبر بلغت رواته عدداً لا يكذب عادة وهو ضروري.
مسألة وشرطه في كل مرتبة بلوغ المخبرين عدداً يمنع الاتفاق عادة مستندين إلى الحسن وضابط شرط التواتر حصول العلم بصدق الخبر فإذا علم ذلك علم وجود الشرائط ولا حصر لعدده بل هو ما أفاد العلم ويختلف باختلاف القرائن اللازمة للخبر التي لا تنفك عنه وهي اختلاف المخبر في التدين والحزم والتنزه عن الكذب وتباعد الديار وارتفاع تهم الأغراض وفي انتفائها واختلاف المخبر في تفرس آثار المصدق والإدراك والفطنة في انتفائها واختلاف المخبر عنه وهي الواقعة ككونها قريبة الوقوع فتحصل بإخبار عدد أقل أو بعيدة فتفتقر إلى أكثر.
مسألة وكل خبر من جماعة أفاد علماً بواقعة لا يجب أن يفيد العلم بغيرها إلاَّ إذا تساويا من كل وجه.
__________
(1) ـ في نسخة زيادة (فإنه يفيد العلم).

(1/12)


مسألة واختلاف الأخبار في الوقائع يفيد تواتر القدر المشترك كشجاعة علي وجود حاتم ومن المعلوم صدقه (المتلقى بالقبول) وهو ما كانت الأمة أو العترة بين عامل به ومتأول له ولم يقدح فيه، أما إذا تأوله مع القدح في الصحة فلا إجماع على الصحة، (وخبر الواحد) في مشهد جماعة لا يتعمد مثلها الكذب بما لو كان لعلموه كقتل خطيب على المنبر وعلم أنَّه لا مانع يصرفهم عن تكذيبه ولم يكذبوه ومتى كفت عن التكذيب وجدت من الكف ضرراً فتدفع الضرر بالتكذيب وعلم أنَّه لم يصرف صارف عن التكذيب يقاوم ضرر الكف (وما أخبر به) بحضرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكان المخبَر به دينياً نحو هذا واجب أو حرام ولم يعلم من الدين خلافه كأن يكون قد بين الحكم قبل ذلك والمخبر معاند لا ينفع فيه الإنكار أو علم خلافة ولكنه يجوز تغيره بأن لا يمنع من جواز نسخه ما نع أو كان المخبر به دنيوياً وعلمنا أنَّه لا يخف عليه صدق الخبر من كذبه كأن يقول: باع زيد داره ولم ينكره.
مسألة والمعلوم كذبه ما كذبه التنزيل أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو جمع يستحيل تواطئهم على الكذب عادة كان يقول الجمع: نحن حضرنا في الوقت الفلاني ولم يجيء من هذه الحكاية شيء، وما علم خلافه ضرورة كقول القائل: النار بادرة، أو نظراً كقول القائل: العالم قديم أو صادم قاطعاً وخبر الواحد المنفرد بما تتوفر الدواعي إلى نقله وشورك فيه بأن يطلع عليه الجم الغفير لو صح وجوده والتوفر إما لتعلقه بالدين كأصول الشريعة كصلاة سادسة أو لغرابته كقتل خطيب على منبر في المسجد الجامع يوم الجمعة أو لمجموع التعلق والغرابة كمعارضة القرآن.
مسألة وما لم يعلم صدقه ولا كذبه قد يظن صدقه كخبر العدل وكذبه كخبر الكذوب ويشك فيه كخبر المجهول.
مسألة والتعبد بخبر الواحد واقع.

(1/13)


مسألة وشرط المخبر التكليف وقت الأداء والعدالة وهي ملكة في النفس تمنعها عن اقتراف الكبائر والرذائل والإصرار على الصغائر، أما الرذائل فهي عدم المحافظة على المروة. والمروة هي أن يسير بسيرة أمثاله في زمنه ومكانه وتشمل الرذائل صغائر الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة من تمر أو نحوه، والمباحة كالبول في الطريق(1) وعشرة من لا يليق به عشرته ونحو ذلك، وأما الإصرار على الصغائر فهو أن يظهر منه أنَّه لا يبالي بفعلها ولا يتحرز عن وقوعها فمن لا تعرف عدالته ولا مقابلها بأن يكون مجهول الحال لا تقبل روايته.
مسألة ويثبت الجرح والتعديل بواحد في الرواية والشهادة.
مسألة ويكفي الإجمال فيها من عالم بأسباب الجرح والتعديل بصير لا يطلق في محل الخلاف.
مسألة وإنما يقبلان من عدل وإذا تعارضا فالجارح أولى وإن كثر المعدل إما أن عين الجارح السبب ونفاه المعدل يقيناً فالترجيح إن أمكن وإلا تساقطا.
تنبيه لو عين الجارح سبباً فقال المعدل: تاب عنه وحسنت توبته فيقدم التعديل هنا.
مسألة وللتعديل مراتب في القوة أولها: الحكم بالشهادة من الحاكم المعتبر الذي يرى العدالة شرطاً في قبول الشهادة وقول المعدل هو عدل لكذا ثُمَّ عمل عالم بروايته وهو لا يقبل المجهول بل يشترط العدالة المحققة ثُمَّ رواية من عرف من عادته أنَّه لا يروي إلاَّ عن عدل. وأما طرق الجرح فأعلاها التصريح مع ذكر السبب المقتضي له ثُمَّ التصريح به من دون السبب وليس منه ترك العمل بشهادته ولا ترك العمل بروايته ولا تدليس وقع من الراوي إذا لم يتضمن غشاً، وأما الحد(2) في شهادة الزنا لانخرام النصاب فإن تواطأ أربعة على الشهادة بعد الرؤية وجزم كل منهم في تلك الحال بأداء الشهادة لم يكن هذا جرحاً لأن الثلاثة غير ممنوعين من أدائها مع ظنهم لتأدية الرابع لها وإن شهد دون نصاب الشهادة من أول الأمر فجارح.
__________
(1) ـ أي في طرفها. تمت
(2) ـ أي حد القذف للشاهد. تمت

(1/14)


مسألة ويقبل فاسق التأويل وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الفسق غير متعمد كالباغة وكافر التأويل وهو من أتى من أهل القبلة بما يوجب الكفر غير متعمد كالمجبر والمشبه حيث صح كفرهم، وإنما تقبل رواية المتأول حيث كان محرم الكذب؛ لأن المعتبر في قبول الرواية هو الظن فتقبل روايته لحصول الظن بصدقه.
مسألة والصحابة كغيرهم من القرون فيهم العدل وغيره والصحابي من طالت مجالسته له صلى الله عليه وعلى آله وسلم متبعاً له وإن لم يرو وقد حصل في ماهيته عرف خاص من جهة العلماء بالحديث وهو إطلاق هذا الاسم فيكل من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه وإن قلت صحبته، وطريق معرفته التواتر أو الآحاد من عدل غيره أو منه ومن شرط المخبر أيضاً رجحان الضبط.

(1/15)


مسألة وفي لفظ الخبر مسائل منها ألفاظ الصحابي درجات أعلاها أن يقول سمعته أو حدثني أو أخبرني أو نبأني أو شافهني أو شاهدته يفعل وكل ما يدل على عدم الواسطة صريحاً، ثُمَّ قال: أو أخبر أو حدث ولم يضفه إلى نفسه، ثُمَّ أمر أو نهى ثُمَّ أمرنا أونهينا، ثُمَّ من السنة ثُمَّ عنه ص ثُمَّ كنا نفعل وكانوا يفعلون لظهور فعله في زمان عليه السلام وعلمه به (ما ذكره الصحابي) من الأحكام مما لا يمكن إثباته بالاجتهاد أو الاستنباط (فتوقيف) محمول على نص سمعه نحو أن يقول: من فعل كذا فله كذا وإلا الظاهر الاجتهاد منه أو أخذه عن بعض المجتهدين، ومنها رواية غير الصحابي مراتب أعلاها سماعه من الشيخ، ثُمَّ قراءته عليه أو قراءة غيره بمحضرة ثُمَّ كتابة الشيخ إليه سواء كان حاضراً أو غائباً ثُمَّ إجازته وأعلاها المناولة وصورتها أن يدفع إليه اصل سماعه أو فرعاً مقابلاً به، ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان أجزت لك روايته، ثُمَّ يبقيه في يده أو إلى أن ينسخه أو يجيء الطالب إلى الشيخ بكتاب من حديثه فيعرضه عليه فيتأمله الشيخ، ثُمَّ يعيده ويقول: أجزت لك روايته عني أو اروه عني ويسمى هذا عرض المناولة ثُمَّ الإجازة لمعين في معين نحو أجزت لك أن ترو عني الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه، ثُمَّ الإجازة لمعين في غيره معين نحو: أجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو مروياتي، ثُمَّ إجازة العموم في خاص كأجزت للمسلمين أو لكل أحد أو لمن أدرك زماني أن يروي عني الكتاب الفلاني، ثُمَّ العام في العام كأجزت للمسلمين أن يرووا عني جميع مسموعاتي، وإجازة العموم لم يستعملها أحد من الذين يقتدي بهم ولا يصح إجازة المعدوم ولو لنسل فلان أو من يوجد من بني فلان، ثُمَّ الوجادة وهي عن الخط فيقول الواقف على الخط وجدت وقرأت بخط فلان ويسوق الإسناد والمتن ويجوز الأخذ بما صنفه العالم، وإن لم تحصل تلك الطرق وله أن يرويه مذهباً له إن لم يظن أن له

(1/16)


قولاً غيره متأخراً، وله أن يقول: قال في كتابه الفلاني، ومنها (المرسل) وهو ما أسقط فيه راوي أو أكثر ويقبل مرسل من غلب على الظن أنَّه لا يرسل إلاَّ عن عدل، (والتدليس) يكون إما بتسمية الشيخ المروي عنه بغير المشهور من اسم أو كنية أو نحو ذلك أو بسبب إسقاط لبعض رجال السند فإن كان التدليس بالتسمية بغير المشهور(1) أو بالإسقاط لضعف فغش منه يجرح به وإلا فكالإرسال في عدم الجرح به وفي قبوله، ومنها النقل للحديث بالمعنى وهو جائز للعارف بمواقع الألفاظ، ومنها نسيان الأصل رواية الفرع بلا تكذيب غير قادح في ذلك الحديث فيعمل به، ومنها زيادة أحد الرواة وهي مقبولة إن تعدد المجلس أو جهل أو اتحد وجاز ذهول الآخرين وكذلك حكم الراوي الواحد إن زاد مرة أو مرات أو حذف الزيادة مرة أو مرات، وكذا يقبل ما أسنده الواحد والباقون أرسلوه أو رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والباقون وقفوه على الصحابي، وكذا ما أسنده واحد تارة وأرسله أخرى أو رفعة تارة ووقفه أخرى، وحذف بعض من الخبر لا يتعلق بالمذكور جائز من العارف بمواقع الألفاظ.
__________
(1) ـ في الأصل أو إلاَّ بالإسقاط ولعلها كما أثبتنا وهي في بعض النسخ. تمت

(1/17)


مسألة في مدلول الحديث، مسائل منها أنه يُرَد من أخبار الآحاد مخالفة الدليل القطعي إن لم يقبل التأويل ومخالف الصحابي غير الوصي عليه السلام للنص الذي يرويه وحمله للظاهر على خلافه لا يقدح ذلك فيهما بل يعمل بالنص وعلى الظاهر وإذا روي مجملاً وحمله على وجه من الوجوه المحملة له فالظاهر أن حمله على ذلك لقرينة معينة له فنحمله على ما حمله عليه إلاَّ أن يظهر وجه راجح يوجب تعيين غير ذلك الاحتمال فالواجب إتباعه، ومنها خبر الواحد إذا ورد فيما تعم به البلوى كالوضوء من مس الذكر فإنه مقبول، ومنها أن الأحادي(1) مقبول في الحدود والمقادير، ومنها أن مخالف القياس من كل وجه مقدم على القياس.
فصل
الإجماع عام وخاص، فالأول: اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عصر على أمر. والثاني الاتفاق من العترة كذلك.
مسألة(2) وهما حجة شرعية وإجماع من عداهما ليس بحجة.
مسألة وقول الوصي عليه السلام أو فعله حجة.
مسألة والتابعي معتبر مع الصحابة والقادر المجتهد كالتابعي معهم ولا يعتبر من سيوجد ولا غير المجتهد ويعتبر الفاسق وكافر التأويل إن صح ولا يختص الإجماع بالصحابة وحدهم ولا يشترط عدد التواتر فالواحد حيث لم يبق غيره من المجتهدين حجة لمضمون الدليل ولا يشترك انقراض الأصل.
مسألة إذا قال بعض وسكت بعض قبل تقرر المذاهب وانتشر فعرف به الباقون ولم ينكره أحد منهم فإن علم قطعاً أن سكوتهم عن رضا وذلك بأن يطلع على أحوال الساكتين وكون المخالف في المسألة آثم يجب إنكار قوله ونحو ذلك فإجماع، وإن لم يعلم فحجة ظنية؛ لبعد السكوت عادة مع المخالفة.
__________
(1) ـ ولصاحب الفصول كلام يجب أن يعرف.
(2) ـ وإجماع الصالحون حجة ظنية اهـ منه.

(1/18)


مسألة ويجب السند ولو قياساً أو اجتهاداً بالمعنى الأخص وهو مالا أصل له معين يرجع إليه فما أجمع على موجبه من الأدلة إن كان قطعياً عند أهل الإجماع ومن بعدهم فهو السند وإلا فإن علم أنهم أجمعوا لأجله بأن ينصوا على ذلك أو يتنازعوا أو توقفوا ثُمَّ انقطع التنازع أو التوقف عنه فهو السند أيضاً وإن لم يعلم فمحتمل.
مسألة واختلاف المجتهدين على قولين أو أقوال لا يمنع مَن بعدَهم من أحداث قول غير رافع لما سبق كالمذبوح بلا تسمية، قيل: يحل مطلقاً، وقيل: لا يحل مطلقاً، فالحل مع السهو والتحريم مع العمد غير رافع للقولين.
مسألة يجوز إحداث دليل أو تأويل لم يقولوا به أهل العصر الأول ولم ينصوا على بطلانه.
مسألة ويمتنع عدم علم الأمة براجح مع العمل بمقتضاه حيث كان مشهوراً وإلا جاز.
مسألة والاتفاق من أهل العصر الثاني على أحد قولي الأولين إجماع يجب إتباعه.
مسألة والاتفاق من أهل العصر عقيب خلافهم المستقر إجماع.
مسألة إذا لم تفصل الأمة بين مسألتين فإن صرح أهل الإجماع بعدم الفصل أو علم أن طريقة الحكم التي هي الدليل فيهما واحدة لم يجز الفصل، وذلك كالفصل بين الجماع ناسياً والأكل ناسياً بأن أحدهما يفطر دون الآخر والإجماع ممن تقدم أن لا فصل بينهما وإلا جازا كالفصل بين مسألة الزوج والأبوين، ومسألة الزوجة والأبوين بعد أن قال بعض السابقين: للأم ثلث الأصل قبل فرض الزوج والزوجة، والبعض الآخر: للأم ثلث الباقي بعد فرضهما.
مسألة ويمتنع إجماع أهل العصر الثاني على خلاف إجماع أهل العصر الأول.
مسألة ولا يصح ردة كل الأمة في عصر من الأعصار.

(1/19)


مسألة يجوز أن يتمسك بالإجماع فيما لا يترتب الإجماع عليه سواء كان عقلياً أو شرعياً أو لغوياً، وأما ما يتوقف العلم بكون الإجماع حجة على العلم به فلا يصح، فالأول كحدوث العالم، والثاني كوجود الباري وصحة النبوة، وأما الدنيوية فإن تعلق بها عمل واعتقاد فهو حجة فيها لرجوعه إلى الدين كأن يجمعوا على عدم جواز الحرب في موضع معين وإلا فلا كأن يجمعوا على أن التعريس في موضع معين.
مسألة والإجماع قطعي وظني فالقطعي ما نقل إلينا متواتراً، والظني ما نقله الآحاد والسكوتي الذي لم يعلم قطعاً أن سكوتهم عن رضا والقطعي لا يعارض وأما الظني إذا عارضه نص ظني فالجمع واجب إن أمكن وإلا فالترجيح.
مسألة الآخذ بأقل ما قيل في المسألة إذا لم يجد دليلاً على ما عداه آخذ بالإجماع والاقتصار على أقل ما قيل إنَّما هو لفقد الدليل بعد البحث عن مدارك الأحكام فالإثبات في البعض بالإجماع والنفي عن البعض الآخر لفقد الدليل أو بالاستصحاب.
فصل
القياس هو إلحاق معلوم بمعلوم في حكمه أو نقيضه.
للاشتراك في العلة أو للافتراق فيها.
مسألة من شروط حكم الأصل هنا شرعيته ومنها فرعيته إذ لو كان أصلاً لأدى إلى كون الحكم في الفرع كذلك ومنها بقاؤه ومنها ثبوته عند القائس ومنها انتفاء شمول دليله حكم الفرع إلاَّ أن لا ير الخصم الشامل حجة، ومنها أن لا يكون ثابتاً بقياس ومنها أن لا يكون معدولاً به عن سنن القياس وهو قسمان:
الأول مالا يعقل معناه وهو قسمان أيضاً، قسم أخرج عن قاعدة مقررة كشهادة خزيمة، وقسم لم يخرج عن قاعدة كمقادير العبادات.

(1/20)


الثاني: مالا نظير له وهو قسمان أيضاً قسم له معنى ظاهر كترخص المسافة إذ علته الضر وقسم ليس به معنى ظاهر كضرب الدية على العاقلة، وأما ذو النظير وهو الحكم الثابت بنص وارد بخلاف قياس الأصول مع كون المعنى فيه ظاهراً معقولاً فإنه يقاس عليه كرخصة العرايا ولا يشترط موافقة الخصم على علته ولا على وجودها فيه بل للقائس أن يثبت حكم الأصل بنص ثُمَّ يثبت العلة بمسلك من مسالكها.
مسألة ومن شروط الفرع مشاركة الأصل في عين العلة أو جنسها فالعين كالشدة المطربة في تحريم شرب النبيذ المشتركة بينه وبني الخمر، والجنس كالجناية في وجوب قصاص الأطراف المشتركة بين القطع والقتل ومنها مماثلة حكمه لحكم الأصل في عين الحكم أو جنسه فالعين كما قيس القصاص في القتل بالمثقل عليه في القتل بالمحدد فحكم الفرع بعينه حكم الأصل وهو وجوب القصاص والجنس كما قيس إثبات الولاية على الصغير في نكاحها على إثبات الولاية عليها في مالها فإن ولاية النكاح من جنس ولاية المال لأنها تسبب نفاذ التصرف وليست عينها لاختلاف التصرفين ومنها عدم النص بمخالفة التصرفين ومنها عدم النص بمخالف لا موافق فيجوز ومنها عدم تقدم حكمه لحكم أصله إلاَّ للإلزام لا عدم مخالفة الفرع الأصل تخفيفهاً أو تغليظاً فلا يشترط كأن يقال في مسح الرأس في الوضوء مسح فلا يسن فيه التثليث كالتيمم ولا يعتبر من الشروط غير ما سبق.

(1/21)


مسألة ومن شروط العلة شرعيتها بمعنى أن المنوط بها حكم شرعي ومنها انتفاء شمول دليلها حكم الفرع نحو ما روي: الطعام بالطعام مثلاً بالمثل، فإنه دال على علية الطعم فلا حاجة في إثبات ربوية الذرة مثلاً بقياسها على البر بجامع الطعم إلاَّ لفائدة تقتضيه كأن يكون النص مخصصاً والمستدل أو المعترض لا يراه حجة إلاَّ في أقل الجمع، ومنها كونها وصفاً ظابطاً لحكمة شرعية الحكم لا حكمة مجردة عن الضابط لأجل خفاها كالرضا في التجارة أو لعدم انضباطها كالمشقة في السفر فيعتبر المظنة كصيغ العقود والسفر إلاَّ أن توجد حكمة مجردة عن المظنة تكون ظاهرة منضبطة بنفسها بحيث يمكن اعتبارها ومعرفها كحفظ النفس والعقل فإنه يجوز اعتبارها، ومنها ألا تكون(1) المتعدية المحل أو جزئه لا القاصرة فيجوز والقاصرة صحيحة وذلك لظن كون الحكم لأجلها، ومنها أن لا تتأخر عن حكم الأصل إذا كانت بمعنى الباعث كما لو قيل فيما أصابه عرق الكلب أصابه عرق حيوان نجس يكون نجساً كلعابه فتمنع نجاسة اللعاب فيقال: أنَّه مستقذر؛ لأن الاستقذار هو مترتب على ثبوت نجاسته، أما إذا كانت أمارة معرفة للحكم لا باعثة عليه فكدليل ثاني بعد الأول فلا يضر تأخرها فإن الحادث يعرف القديم، ومنها أن لا تعود على الأصل بالإبطال مثاله قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أربعين شاة شاة، علله الحنفية بسد خلة المستحق فجوزوا قيمتها فعاد على أصله وهو إيجاب الشاة بالإبطال؛ لأنَّه يلزم منه أن لا تجب الشاة عيناً، ومنها أن لا تخالف نصاً ولا إجماعاً، ومنها أن لا تتضمن المستنبطة زيادة على النص منافية مطلقا أو غير منافية حيث كانت الزيادة ناسخة، مثال غير المنافية
__________
(1) ـ لعل العبارة ومنا ألا تكون المحل أو جزءه تمت مثال التعليل بالمحل أن يقال: الذهب ربوي لكونه ذهباً، ومثال التعليل (بجزء المحل)كقولك: الترياق نجس لدخول لحم الأفاعي فيه. تمت راجع الجزء الثاني من شرح الغاية صفحة 515.

(1/22)


نحو: لا تبيعوا الطعام بالطام إلاَّ سواء بسواء، فيعلل أن حرمة بيع الطعام بالطعام متفاضلاً لكونه ربوياً، فكونه ربوياً فيما يوزن يوجب اشتراط التقابض في المجلس في بيع الطعام بالطعام كما في النقدين وهذه زيادة على النص.
مسألة ويجوز كونها عدمية وإن كان الحكم ثبوتياً ويجوز أن يكون العدم جزء علة ولو في حكم ثُبوتي كالدوران(1).
__________
(1) ـ فإن الدوران علة لمعرفة كون المدار علة وهي وجودية والدوران مركب من وجودي وعدمي؛ لأنَّه عبارة عن الوجود مع الوجود والعدم مع العدم فأحد جزئيه عدمي فهو عدمي.

(1/23)


مسألة ولا يشترط اطرادها وهو كلما وجدت العلة وجد الحكم حيث كانت منصوصة مطلقاً، وإن كانت مستنبطة وتخلفت لمانع أو عدم شرط فكذلك أيضاً لا يشترك وإن تخلفت لا لأيهما بطلت ولا يضر العلة نقض حكمتها وذلك بأن توجد الحكمة في محل بدون العلة والحكم كالحدادة في الحضر فيصح قياس سفر المعصية على سفر الطاعة بجامع السفر لمناسبة السفر للترخيص بما فيه من المشقة، وإن تخلفت العلة والحكم عن الحكمة في الحدادة في الحضر إذ تخلفهما عن الحكمة لعدم تيقن القدر المعتبر من الحكمة في الحدادة إما لو تيقن مساواة حكمته لما يراد نقضه ولم يحصل معارض يجعل قدر الحكمة ناقضاً أبو باطلاً بطلت العلة ولا يضر العلة نقص بعض أوصافها بأن يكون ذلك البعض موجوداً مع الحكمة من دون حكم كان يقال في منع بيع الغائب: مبيع مجهول الصفة فلا يصح كبعتك عبداً فينتقض بما لو تزوج امرأة لم يرها فإنها مجهولة الصفة عند العقد وهو صحيح فحذف قيد كونه مبيعاً ونقض الباقي فلا يضر؛ لأن العلة المجموع إلاَّ أن يلغى البعض وهو كونه مبيعاً بطلت العلية ولا يضر العلة عدم انعكاسها وهو كلما عدم الوصف عدم الحكم ويجوز تعدد العلل فإن وجدت مترتبة فالحكم لأولها وقوعاً كما إذا دبر السيد عبده، ثُمَّ كاتبه فإنه يثبت العتق بالسابق من موت السيد وتأدية مال الكتابة، وإن وجدت دفعة كمن قتل وارتد وزنا محصناً في حالة واحدة فعلل مستقلة عند الإجتماع كاستقلالها عند الانفراد ولا يضر العلة كونها إمارة بأن لا يظهر اشتمالها على حكمة مقصودة للشارع من شرع الحكم وذلك كأن يثبت بالنص حرمة الخمر ويعلل بكونها مائعاً أحمراً يقذف بالزبد فإنه يكن أمارة على ثبوت الحرمة في كل ما يوجد فيه ذلك الوصف من أفراد الخمر.

(1/24)


مسألة ويجوز تعليل حكمين شرعيين بعلة واحدة سواء كانت أمارة أبو باعثة كالسرقة للقطع زجراً له ولغيره عن العود وللرد للقائم جبراً لصاحب المال، ويجوز كونها حكماً شرعياً ويجوز كونها مركبة من عدة أوصاف كالقتل العمد العدوان وتعليل تخلف الحكم بالمانع عنه أو بانتفاء الشرط لا يتوقف على وجود المقتضي للحكم كتعليل عدم صحة البيع بالجهل بالمبيع أو عدم وجوده في الملك فلا يتوقف التعليل بهما على وجود المقتضي وهو بيع من أهله في محله مثلاً وإلا فالعلة عدم المقتضى؛ إذ غاية ذلك أنها أمارات متعددة وذلك جائز.
فصل

(1/25)


وطرق العلة منها الإجماع كأن تجمع الأمة أو العترة على أن هذا الحكم علته كذا ومنها النص من الكتاب والسنة وهو صريح وغير صريح فالأول هو ما دل بوضعه (ومراتبه) أربع أقواها النص في العلية بحيث لا يحتمل غيره مثل لعلة لِسبب لِمؤثر لموجب لأجل كي لا يكون كذا، ثُمَّ الظاهر في التعليل ويحتمل غيره مع كون ذلك الغير مرجوحاً كلام التعليل وبالسببية و(إن) الداخلة على ما لم يبق للمسبب ما يتوقف عليه سواه نحو {وإن كنتم جنباً فاطهروا}، وإذاً نحو: {إذاً لأذقناك}، ومن نحو: {مما خطيئاتهم}، ومنه أنَّ بالفتح مخففاً ومثقلاً لتقدير اللام فإن التقدير كالتصريح نحو: {أن كان ذا مال وبنين}، ثُمَّ ما دخلت عليه الفاء على الوصف نحو: فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دماً، أو على الحكم نحو: فاقطعوا أيديهما في لفظه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثُمَّ ما دخلت فيه الفاء في لفظ الراوي نحو سهى فسجد. والثاني يسمى تنبيهاً وإيماءاً وهو الاقتران بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيداً، فمنه خبر المواقع في نهار رمضان، فإن حذف بعض الأوصاف في مثله وعلل بالباقي سمي تنقيح المناط وتهذيبه وتجريده، ومنه إنها من الطوافين عليكم ومنه خبر الخثعمية، وهو مثال النظير ويسمى تنبيهاً على أصل القياس، ومن الإيماء الفرق بين حكمين بصيغة صفة مع ذكر الوصفين نحو: للرجل سهم وللفارس سهمان أو ذكر أحدهما فقط نحو: القاتل لا يرث أو بصيغة استثناء نحو: {فنصف ما فرضتم إلاَّ أن يعفون} أو بصيغة غاية نحو: {لا تقربوهن حتى يطهرن} أو صيغة شرط نحو: إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد. أو بصيغة غيرها كالاستدراك نحو: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان} ومن الإيماء ذكر وصف مناسب مع الحكم نحو: لا يقض القاضي وهو غضبان، أو ذكر الوصف والحكم مستنبط: {وأحل الله البيع} فإن البيع وصف له قد ذكر فعلم منه حكمه وهو الصحة لا

(1/26)


حيث ذكر الحكم والوصف مستنبط نحو: حرمت الخمر فلا يكون إيماءاً. ومن طرق العلة التقسيم والسبر وهو حصر أوصاف الأصل الصالحة للعليّة في بادي الرأي ثُمَّ إبطال ما عدا الذي يدعى إنَّه علة كتعيين الكيل ثُمَّ إبطال علية القوت والطعم في قياس الذرة على البر، والإبطال إما لثبوت الحكم بالمستبقى في صورة مَّا ليعلم أن لا أثر لغيره نحو: إبطال الوقت؛ لأن الملح ربوي وليس بقوت أو بطردية الوصف المحذوف بأن يكون من جنس ما علم إلغاؤه من الشارع إما مطلقاً كالطول والقصر أو في ذلك الحكم، وإن اعتبر في غيره كالذكورة والأنوثة في أحكام العتق دون الشهادة وولاية النكاح أو بعدم ظهور مناسبته، ومن طرق العلة المناسبة وتسمى الإخالة وتخريج المناط وهي تعيين العلة بمجرد إبدا المناسبة بينها وبين الحكم كالإسكار في التحريم وتنخرم بلزوم مفسدة راجحة أو مساوية لا إذا كانت المصلحة راجحة والمناسب بمقتضى ما ذكر ما تعينت عليته بذلك وفي الإصلاح وصف ظاهر منضبط يحصل عقلاً من ترتب الحكم عليه ما يصلح عند العقلاء قصده، وذلك أن العاقل إذا خير اختار المصلحة ودفع المفسدة، فإن عدم أحدهما بأن كان الوصف خفياً كالرضا في المعاملات أو غير منضبط كالمشقة في ترخص المسافر اعتبر وصف ظاهر منضبط ويسمى مظنة كالإيجاب والقبول ونفس السفر يوجد الوصف المناسب بوجوده بحيث يكون ترتب الحكم عليه محصلاً للحكمة التي هي التخفيف في السفر ودفع الحاجة في المعاملات دائماً أو غالباً؛ إذ إطلاق الحكمة على المشقة والرضا مجاز.

(1/27)


تنبيه المناسب يطلق على الوصف الظاهر المنضبط المعتبر بنفسه بتحصيل المصلحة من ترتب الحكم عليه كالإسكار ويطلق على نفس الحكمة كحفظ النفس ويطلق على الوصف الظاهر المنضبط لكنه ليس معتبر بنفسه في تحصيل المصلحة من ترتب الحكم عليه كالسفر بل إنَّما اعتبر لملازمته في الأغلب وصف آخر هو المعتبر بنفسه كالمشقة التي هي المعتبرة لترتب الحكم وهو الترخص عليها تحصيلاً لمقصود التخفيف لكنها غير منضبطة، والمناسب باعتبار المقصود الذي هو الحكمة من شرع الحكم وباعتبار إفضاء الحكم إلى المقصود من شرعه وباعتبار اعتبار الشارع للوصف المناسب ثلاثة أقسام:
الأول: ينقسم إلى حقيقي عقلي، وخيالي إقناعي، فالحقيقي منه ضروري كحفظ الدين والنفس العقل والنسل والمال وذلك بالجهاد والقصاص والحدود، وقد يشرع حكم لتكميل الضروري كتحريم قليل المسكر والحد عليه لدعائه إلى الكثير ومنه حاجي في نفسه كالبيوع والإجارة وبعضه آكد من بعض بحسب اشتداد الحاجة وعدمه، وقد يكون ضرورياً كالإجارة في تربية الطفل الذي لا أم له وإطلاق الحاجي عليه باعتبار الأغلب ومكمل له كرعاية الكفاءة ومهر المثل في الصغيرة فإنه أشد إفضاء إلى دوام النكاح؛ لأنَّه إذا عقد بها غير أبيها بدون ذلك دعاها إلى الفسخ عند بلوغها، ومنه تحسيني وهو ما لا حاجة فيه ولكن فيه تحسين وسلوك المنهج الأحسن كإيجاب الشهادة في النكاح لما فيه من تمييز النكاح عن السفاح بالإظهار والإعلان والإقناعي هو المناسب في الوهم لا عند التأمل كنجاسة الخمر لبطلان بيعها فهي تناسب الإذلال والبيع الإعزاز، ومعنى النجاسة هو المنع من صحة الصلاة لا يناسب بطلان البيع وإلا لزم بطلان بيع الثوب المتنجس.

(1/28)


الثاني: قد يكون حصول المقصود من شرع الحكم يقيناً كالبيع للحل وكون الحل من المقاصد بناءاً على أنَّه وسيلة للذة التي هي الانتفاع وقد يكون حصوله ظناً كالقصاص للإنزجار وقد يستوي جنبنا حصوله وانتفائه كحد الخمر للإنزجار لتقارب عدد الممتنع والمقدم، وقد يكون حصوله مرجوحاً والعدم راجحاً كنكاح الآيسة لغرض التناسل فإن عدم النسل منهن أكثر، وهذا المثال يصح إن لم يكن المقصود فائت كلحوق نسب المشرقي بالمغربية، وقد يكون المقصود مقطوعاً بنفيه وهو غير معتبر وذلك كالنكاح جعل مظنة لسقوط النطفة في الرحم المترتب عليه ثبوت النسب فإذا تزوج مشرقي بمغربية وقد علم قطعاً عدم تلاقيهما فلا يعلل بمثل هذا.

(1/29)


الثالث: وهو الحاصل باعتبار اعتبار الشارع للوصف المناسب للحكم أربعة أقسام: مؤثر وملائم وغريب ومرسل؛ لأنَّه إن اعتبر عينه في عين الحكم بنص أو إجماع(1) فمؤثر، وإن اعترت عينه في عين الحكم بترتب الحكم على وفقه أي المناسب وهو ثبوت الحكم معه في محل الوصف فملائم لملائمته لجنس تصرف الشارع ولكنه لا يسمى ملائماً إلاَّ إن اعتبر بنص أو إجماع العين(2) في الجنس أو العكس أو الجنس في الجنس، وإن اعتبر عينه في عين الحم بمجرد ترتب الحكم على وفقه فقط فغريب وإن لم يعتبر العين في العين فمرسل وهو ثلاثة: ملائم، وغريب، وملغي؛ لأنَّه إن اعتبر عينه في جنس الحكم أو جنسه في عين الحكم أو جنسه ولم يصادم نصاً فهو الأول وهو المعروف بالمصالح المرسلة؛ لأنها لم ترد إلى أصل معين وهو مقبول، وإلا فإن ثبت إلغاؤه بأن صادم النص فالثالث وإلا في الثاني وهما مردودان. ومن طرق العلة (الشبه) وهو واسطة بين المناسب والطردي؛ لأن الوصف إن علمت مناسبته لذاته فمناسب وإلا فإن التفت إليه الشارع في بعض الأحكام فشبه وإلا فطردي، وعُرِّف مما يوهم المناسبة، والفرق بينه وبين الخيالي الإقناعي: أن الإقناعي يتخيل فيه المناسبة، ثُمَّ إذا حقق النظر فيه ظهر عدمها؛ لأنَّه طردي بخلاف الشبهي فإن إيهامه المناسبة أي ظنها فيه لا يفارقه في نظر المجتهد مثاله أن يقال: إزالة الخبث طهارة تراد للقربة فيتعين الماء لها كطهارة الحدث، فإن المناسب بين كونها طهارة تراد للقربة وبين تعيين
__________
(1) ـ كتعليل ولاية المال في حق الصغير بالصغر الثابت بالإجماع وتعليل وجوب الوضوء بالخارج من السبيلين الثابت بالنص. تمت
(2) ـ كاعتبار عين الصغر في جنس الولاية الشاملة للمال والنكاح؛ لأن الإجماع على اعتباره في ولاية المال النكاح إجماع على اعتباره في جنس الولاية محل اعتباره في عين ولاية النكاح فإنه إنَّما تثبت بمجرد ترتب الحكم على وفقة حيث ثبتت الولاية معه في الجملة. تمت

(1/30)


الماء غير ظاهرة، ولكن إذا تعين وصف من بين أوصاف لالتفات الشارع إليه دون غيره يتوهم أنَّه مناسب وقد اجتمع في إزالة الخبث كونه قلعاً وطهارة تراد للقربة والشارع اعتبر الثاني في تعيين الماء كما في الصلاة والطواف ومس المصحف اعتباراً في الجملة إذا كانت الطهارة للحدث ولم يعتبر الأول في شيء من الصور فكان الحكم بإلغاء غير المعتبر أنسب من الحكم بإلغاء المعتبر. والعلة الشبهية إذا ثبت بها قياس فإنه لا يعارض القياس الثابت بعلة تقدمت، ومن طريق العلة (الدوران) ويسمى الطرد والعكس وهو كون الوصف بحيث يوجد الحكم بوجوده ويعدم بعدمه، فإذا وجد ولا مانع للعلية حصل الظن بالعلية والمانع إما معية كما في المتضايفين فلا يثبت علية أحد المتضايفين للآخر مع أن الدوران ثابت فيهما كالأبوة لمانع المعية وتقدم العلة على المعلول بشرط أو تأخر كما في المعلول كالحمى المعلولة للتعفن فإنه وإن وجد فيه الدوران لكن فيه مانع التأخر عن علته وهي التعفن، وأما غيرهما كما في الشرط المساوى لمشروطه لمانع القطع بعدم تأثيره في الحكم بخلاف العلة فهي المؤثرة كالإحصان(1) فإن المؤثر في الرجم هو الزنا الذي هو العلة لكن بشرط الإحصان، وقيد بالمساوى ليتحقق أحد شقي الدوران أعني الطرق وجوداً نحو: إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود فإنه إنَّما يصدق في المساوى إذ مع الشرط الأعم كالإحصان لا يلزم وجود المشروط لوجود الشرط، ويشترط في الدوران إلتفات الشارع إليه في بعض المواد، وإلاَّ كان لاحقاً بالطردي فعلى هذا هو راجع إلى ضرب من الشبه.
فصل
__________
(1) ـ مثال للشرط.

(1/31)


الاستصحاب معناه بقاء التمسك بالدليل حتى يرد ما يغيره وقد يكون استصحاباً لحكم عقلي كاستصحاب البراءة الأصلية وقد يكون لشرعي كاستصحاب الملك والنكاح والطلاق وهو معمول به؛ لكنه مؤخر عن جميع الأدلة الشرعية فهو آخر قدم يخطو به المجتهد إلى تحصيل حكم الحادثة ولا يستصحب حكم الإجماع في محل الخلاف فلا يستصحب المتيمم بحال الإجماع على صحة صلاته إذا دخل فيها ثُمَّ رأى الماء فلا يمض فيها بل يخرج منها لمخالفة هذه الحالة الحالة الأولى، والإجماع مقيد بعدم الماء فإذا وجد فلا إجماع.
فصل
كان صلى الله عليه وآله وسلم متعبداً بما صح له وعلمه من شرائع من قبله بطريق الوحي أو التواتر(1).
فصل
الإستحسان ترك حكم طريق إلى حكم طريق أولى.
باب الأوامر والنواهي
فصل
لفظ الأمر حقيقة في القول الإنشائي الدال على طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء وهو مجاز فيما عداه.
مسألة والوضع كاف في تمييزه عن غيره.
مسألة ومسماة وهو أفعل وما يقوم مقامها للإيجاب حقيقة مجاز في غيره.
مسألة والأمر بالشيء بعد الحظر حكمه كما كان قبل(2) الحظر.
مسألة مطلق الأمر يدل بوضعه على طلب دخول المأمور به في الوجود من غير تعرض لقصره على مرة أو تكرار إلاَّ أنَّه لا يمكن إدخال المأمور به في الوجود بأقل من مرة فصارت المرة من ضرورة الإتيان بالمأمور به لا أن الأمر يدل عليها بذاته بل بطريق الالتزام.
مسألة والأمر المعلق على علة ثابتة عليتها بالدليل يتكرر بتكررها كالأمر بالجلد المعلق على الزنا وإن علق على صفة أو شرط وكان غير علة نحو: أعطه درهماً حال قيامه وإن دخلت السوق فاشتر لحماً لم يقتضي التكرار.
مسألة ولا يدل الأمر المطلق على الفور أو التراخي بل يفيد مطلق الفعل إلاَّ لقرينة تدل على أيهما.
__________
(1) ـ معناه قبل البعثة. تمت
(2) ـ فالشيء المأمور به بعد حضرة حكمه كما كان قبل الحضر من وجوب وغيره لاستقراء الكتاب والسنة فالأمر إنَّما رفع الحضر. تمت منه

(1/32)


مسألة والأمر بالشيء ليس نهياً عن ضده بل يستلزمه.
مسألة والقضاء إنَّما يجب بأمر جديد نحو قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}.
مسألة إذا أمر آمر مكلفاً أن يأمر غيره بشيء سواء كان بلفظ الأمر كما في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <مروهم بالصلاة لسبع> أو كان بصيغته نحو: الزم عبدك أن يتجر، فإنه ليس أمراً من الآمر لذلك الغير بذلك الشيء فلا أمر للصبي من قبل الشارع بالصلاة.
مسألة والأمران غير المتعاقبين اختلفا أو تماثلا غيران وكذا المتعاقبان المختلفان مع العطف نحو: صل وصم ومع عدمه، والمتعاقبان المتماثلان بعطف تأسيس وبغير عطف، الثاني: تأكيد سواء منع مانع من التكرار كالتعريف نحو: أعط زيداً درهماً أعط زيداً الدرهم، أو عادة كقول السيد لعبده: اسقني ماء اسقني ماء، أو كونه غير قابل للتكرار نحو: اقتل زيداً اقتل زيداً، أو لم يمنع مانع من التكرار نحو: صل ركعتين صل ركعتين فإن حصل قرينتا التغاير والإتحاد نحو صلِّ ركعتين وصلِّ الركعتين واسقني ماءاً أو اسقني ماءاً فالترجيح إن أمكن وإلا فالوقف.

فصل
النهي اقتضاء كف عن فعل على جهة الاستعلاء وهو حقيقة في التحريم ولو ورد بعد إيجاب مجاز في غيره، وحكمه الدوام والتكرار والفور.
مسألة وهو يدل على الفساد المرادف للبطلان شرعاً في العبادات والمعاملات إلاَّ لقرينة سواء، كان النهي عن الشيء راجع إلى نفس المنهي عنه كصلاة الحائض أو جزئه كالنهي عن بيع الملاقيح أي مافي البطون من الأجنة لانعدام المبيع وهو ركن من البيع، أو صفة كبيوع الربا لاشتمالها على الزيادة أو لغيره، وهو ما نهي عنه لأمر يقارنه في غير باب المعاملات نحو: الصلاة في الدار المغصوبة المنهي عنها لشغل حيز الغير الذي هو المنهي عنه حقيقة.
باب العموم والخصوص
فصل

(1/33)


العام الكلمة الدالة دفعة على جميع ما تصلح له بوضع واحد فيخرج نحو: زيد بما في لفظ جميع من التبعية على تعداد ما تطلق الكلمة عليه وتصلح له، ويخرج المعهودون وهؤلاء لما فيه من الإشعار بالشمول والإحاطة لما يصلح له ويخرج النكرات في الإثبات فإن رجلاً مثلاً يصلح لكل ذكر من بني آدم، لكنه لا يدل على كل ذكر دفعه بل على سبيل البدل، والمراد بالصلوح صلوح الكل للجزئيات فيخرج نحو مائة وعشرة لاستغراقه ما يصلح له صلوح الكل للأجزاء إذ لا يخرج عنه شيء من التعداد الذي يفيده مع أنَّه ليس بعام ويوجه صلوح الكل للجزئيات في الجمع المعرف نحو: الرجال على وجه لا يخرج من قولنا هو صلوح الكل للجزئيات؛ لأن عمومه باعتبار تناوله لكل جماعة فيوجه لأجل تناول كل فرد بأن يقال: المراد صلوح اللفظ لأن يراد به جميع جزئيات مسمى ما يشتمل عليه اللفظ تحقيقاً كالرجال، فإن أفراده هي الجزئيات لمسمى رجل المتضمن له لفظ رجال، أو تقديراً كالنساء؛ لأنَّه بمنزلة الجمع للفظ يراد به المرأة.

(1/34)


مسألة وللعموم حقيقة أسماء الشرط والاستفهام نحو: من وما وأي فيهما ومهما وأينما في الشرط والموصلات نحو: من وما وأي والذي والمراد ما كانت صلته مستقبلة عامة نحو: {واللذان يأتيانهما منكم} وكل ونحوها كجميع، أما كل فالمراد إذا كانت في الإثبات نحو: {كل من عليها فان} أو قدمت على النفي ولم تقع معمولة للفعل المنفي كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {كل ذلك لم يكن} أما إذا تقدم عليها النفي لفظاً نحو: ما كل ما يتمنى المرء يدركه أو تقديراً كما إذا تقدمت على العامل المنفي نحو كل الدراهم لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصة وأفاد ثبوت الحكم لبعض نحو ما كل سوداء تمرة، أو تعلقه به كالمثالين(1) السابقين فيفيد تعلق إدراك المرء لبعض متمنياته، وتعلق الأخذ ببعض الدراهم وهذا أكثري لا كلي لقوله تعالى: {والله لا يحب كل مختار فخور}، {والله لا يحب كل كفار}والنكرة في سياق النفي أو ما في معناه كالاستفهام والنهي نحو هل من أحد عندك {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} وكذا اسم الجنس دخلت عليه اللام مشاراً بها إلى الجنس نفسه من حيث الوجود على الإطلاق فخرج بقيد نفسه لام العهد الخارجي؛ لأن الإشارة بها إلى حصة معينة من الجنس، وبقيد الوجود لام الحقيقة؛ لأنها مشار بها إلى الماهية والماهية واحدة لا تتعدد، وبقيد الإطلاق لام العهد الذهني فإنها فيه مشاربها في إلى الجنس نفسه من حيث وجوده لا في ضمن أي فرد على الإطلاق بل في ضمن فرد غير معين والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية فالإستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج(2)
__________
(1) ـ حيث كانت مفعولاً لأن المفعول من متعلقات الفعل وشبهه.
(2) ـ قال في التلويح الأصل الراجح هو العهد الخارجي لأنَّه حقيقة التعيين وكمال التمييز ثُمَّ الإستغراق لأن الحكم على نفس الحقيقة بدون اعتار الأفراد قليل إلا لإستعمال جداً والعهد الذهني موقوف على وجود قرينة البعضية فالإستغراق هو المفهوم من الإطلاق حيث لا عهد في الخارج خصوصاً في الجمع فإن الجمعية قرينة القصد إلى الأفراد دون نفس الحقيقة من حيث هي هي هذا ما عليه المحققون. تمت.

(1/35)


، وكذا المضاف من اسم الجنس إلى المعرفة نحو: {أحل لكم ليلة الصيام} والحل ميتته وتمر العراق وماء المطر، وكذا الجمع المعرف باللام الموصوفة بالتقدم(1) أو الإضافة نحو: {قد أفلح المؤمنون}، {يوصيكم الله في أولادكم} ومثله اسم الجمع كأمرت أن أقاتل الناس {يا قومنا أجيبوا داعي الله} والمحلا بلام الاستغراق والمعرف بالإضافة من اسم الجنس والجمع سواء في شمول الأفراد كلها نحو: {والله يحب المحسنين} أي كل محسن، والنكرة في سياق النفي ونحوه ظاهرة في الاستغراق ويحتمل عدمه احتمالاً مرجوحاً مفتقراً إلى القرينة نحو ما جاءني رجل بل رجلان ولا رجل في الدار بل رجلان فإنه مع القرينة وهي بل رجلان يتحقق عدم الاستغراق، أما إذا كانت النكرة مع من ظاهرة نحو ما جاءني من رجل أو مقدرة وذلك حيث انتصب الاسم أو انفتح بعدها نحو لا رجل في الدار فهو نص في الاستغراق حتى لا يخرج عنه شيء من الآحاد بغير الاستثناء، وأما نصوصية الرجال فهي في استغراق أفراد مدلوله لا يخرج عنه شيء من الجماعات بغير الاستثناء وأما استغراقه للآحاد فيدل عليه بالظهور ولا عموم في الجمع المنكر كرجال ولا في اسم الجمع المنكر كرهط وأقل الجمع ثلاثة وهو في الاثنين مجاز. وأما المضمرات فإن كانت راجعة إلى ما قبلها فحكمها حكمه في العموم والخصوص وإن كانت على جهة المخاطبة فللعام عامه وللخاص خاصه.
مسألة مثل: {خذ من أموالهم صدقة} عام في كل نوع لأنَّه جمع مضاف فكأنه قال: خذ من كل مال صدقة.
مسألة الجواب إن لم يكمن مستقلاً بدون السؤال كان في عمومه وخصوصه تابعاً للسؤال وكذا إذا كان مستقلاً وهو مساوي، أما إذا كان أخص فلا يتعدى محل التنصيص، وورود العام على سبب خاص سواء كان ذلك السبب سؤالاً أو غيره لا يمنع عمومه.
__________
(1) ـ من قوله مشاراً بها إلى الجنس نفسه من حيث الوجود علىالأطلاق. تمت

(1/36)


مسألة وتضمين العام مدحاً أو ذماً لا يقدح في عمومه كقوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}(1)، {والذين يكنزون}(2).
مسألة وإذا حكى الصحابي العدل العارف حالاً بلفظ ظاهره العموم مثل: نهى صلى الله عليه وعلى آهل وسلم عن بيع الغرر وقضى بالشفعة بالجوار، فإن كان المحكي قولاً كالمثال الأول عم جميع أفراد الغرر، وإن كان المحكي فعلاً كالثاني فموضع اجتهاد إذ الفعل لا صيغة له.
مسألة وفعل المساواة الواقع في سياق النفي مثل قوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} وأصحاب الجنة يحتمل نفي الكل ونفي البعض فصار مجملاً(3) متردداً لا ظاهر له محتاجاً إلى البيان.
مسألة والمقتضي وهو مالا يستقيم كلاماً في الشرع والعقل إلاَّ بتقدير وثمة أمور صالحة لاستقامة الكلام لا عموم له في المقتضيات فلا تقدر كلها بل يقدر واحد منها بدليل وإلا كان مجملاً بينها ومثل بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <رفع عن أمتي الخطأ والنسيان> فإن تعين أحد المقتضيات بدليل فكالملفوظ إن عاماً فعام، وإن خاصاً فخاص، فالخاص نحو: {واسأل القرية}ويمكن أن يجعل مثال العام: رفع عن أمتي الخ بأن يقدر حكم الخطأ الخ ودليل تقديره أن اعتبار الشارع لأفعال المكلفين إنَّما هو فيما يتعلق بها من الأحكام، فالذي يثبته ويرفعه هو حكمها فكان هو المتبادر عند التقدير(4) ووجه عمومه أنه جنس مضاف.
__________
(1) ـ الإنفطار.
(2) ـ 34 التوبة.
(3) ـ قد نص الزمخشري أن الجمل نكرات فيكون الراجح أن ذلك للعموم. تمت منه
(4) ـ ويؤيد ذلك مفهوم قوله تعالى: {ومن قتل منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم} وقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا} الآية مع قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو} الآية، وفحوى قول علي عليه السلام: ثلاث خطؤهن وعمدهن سواء الطلاق والعتاق والنكاح.

(1/37)


مسألة الفعل المؤكد بالمصدق إذا وقع بعد نفي أو معناه عام في متعلقاته نحو: والله لا أكلت أكلاً وإن أكلت أكلاً فعبدي حر فيقبل التخصيص بالنية وكذا غير المؤكد نحو: والله لا أكلت وإن أكلت بالنسبة إلى المأكولات وإن صمت ولا أصوم بالنسبة إلى الأزمنة إن قعدت ولا أقعد بالنسبة إلى الأمكنة، فإذا نوى مأكولاً أو زماناً أو مكاناً معيناً صحت نيته؛ إذ هو محتمل لتقدير المتعلق في نظم الكلام فيكون كالمذكور، وملاحظته عند الذكر فيكون عام(1) لفظي فجاز أن يراد به بعض دون بعض، ومحتمل حذفه(2) فلا يلاحظ عند الذكر، وإنما سيق لنفي حقيقة الفعل فيكون عام(3) عقلي لا يتجزأ فعلى هذا يكون من قبيل الاشتراك فيقبل التخصيص بالنية ويكون ذلك قرينة لإرادة أحد المحتملين الذين هما تقدير المتعلق وحذفه، وأما التخصيص باللفظ فجائز بالأولى.
مسألة لا عموم لمثل صلى داخل الكعبة وكان يجمع بين الظهر والعصر في أقسامهما فلا يعم القول الفرض والنفل ولا الثاني جمع التقديم والتأخير، وشياع إفادة كان للتكرار والاستمرار فلا يعدل عنه من غير قرينة يفيد في المثال الثاني وقوع أحد(4) الجمعين مستمراً، إما التقديم أو التأخير ولا يقدح فيه كونه من لفظ الراوي؛ إذ الغرض أنَّه عدل عارف.
مسألة والمعلق على علة منصوصة مثل: حرمت الخمر لإسكارها يعم الحكم وهو الحرمة أينما وجدت العلة قياساً شرعياً لا لغة.
__________
(1) ـ هكذا في الأصل.
(2) ـ أما الحذف كما في قوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} وقولهم فلان يعطي ويمنع، وأما التقدير فكقوله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً} أي عملته.
(3) ـ هكذا في الأصل
(4) ـ الصواب: مطلق الجمع مستمراً من دون دلالة على أحدهما فقط أو عليهما جميعاً. تمت من خط المؤلف.

(1/38)


مسألة الخطاب الخاص بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو : {يا أيها الرسول} لا يتناول الأمة بعمومه ولا يتناولهم إلاَّ بدليل خارجي ونحوه خطاب الواحد.
مسألة والموضوع بحسب الصيغة للمذكر كالمسلمين وفعلوا لا يدخل فيها النساء ظاهراً بل يحتاج في دخولهن إلى القرينة بخلاف ما لا فرق فيه بين المذكر والمؤَّنث كمن وما والناس فيعم وإن ذكر العائد نحو: من دخل داري فهو حر فيقتضي عتق الإماء الداخلات.
مسألة والخطاب بما يتناول العبيد لغة مثل يا أيها الناس يعمهم شرعاً في حقوق الله وحقوق الآدميين.
مسألة المتكلم داخل في عموم خطابه خبراً مثل: {هو بكل شيء عليم} أو إنشاء: كبشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة، وهذا فيما لم يكن اللفظ خاصاً بالمخاطبين(1) مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط}.
مسألة ما ورد على لسانه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يتناوله لغة كيا عبادي. يا أيها الناس، شمله.
مسألة مثل يا أيها الناس لا يدخل فيه من سيوجد من جهة اللفظ وإنما يعمهم بدليل آخر وهو ما علم من عموم دينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يوم القيامة بالضرورة ونحوه.
مسألة والعام المخصص مجاز في الباقي.
مسألة والمخصص بمبين حجة في الباقي.
مسألة ولا يعمل بالعام قبل ظن عدم المخصص فيجب البحث عنه.
فصل
التخصيص قصر العام على بعض أفراده وهو متصل ومنفصل، فالمتصل الاستثناء المتصل والغاية والشرط والصفة وبدل البعض.
مسألة الاستثناء شرطه الاتصال بالمستثنى منه وهو أن يعد الكلام في العرف واحد غير منقطع وعدم الاستغراق.
__________
(1) ـ لأن ضمير المخاطبين لا يتناول المتكلمين لغة ومن حكى فيه خلافاً فقد شذ تمت من شرح عبد الرحمن.

(1/39)


مسألة وهو بعد جمل بالواو يعود إلى الأخيرة، وأما ما قبلها فيحتمل الأمرين فلا بد من القرينة على أحدهما(1).
مسألة وهو من الإثبات نفي وبالعكس.
مسألة وإذا توالى الاستثناء كجاءني المكيون إلاَّ قريشاً إلاَّ هاشماً إلاَّ عقيلاً، وعليَّ خمسة إلاَّ ثلاثة إلاَّ واحداً، فكل تالي مستثنى من متلوه إن أمكن وذلك بأن لا يستغرقه وكان غير متعاطفة، وإن كانت متعاطفة فمن الأول مع الإمكان وإلا بطل ما وقع به الاستغراق.
مسألة الغاية كـ {أتموا الصيام إلى الليل} وصيغتها إلى وحتى.
مسألة والشرط مثل {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً} وهو عقلي كالحياة للعلم، وشرعي كالطهارة للصلاة ولغوي وهو تعليق أمرٍ على أمر بأن أو أحد أخواتها نحو: {إن علمتم فيهم خيراً} وهو المراد هنا ويستعمل اللغوي في السبب نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو في شرط يشبهه وهو الشرط الذي لم يبق للمشروط أمر يتوقف عليه سواه فلذلك يخرج به ما لولاه لدخل لغة مثل: أكرم بني تميم إن دخلوا.
مسألة والصفة مثل في الغنم السائمة زكاة، والمراد بها ما أشعر بمعنى في الموصوف سواء كان نعتاً أو حالاً أو غيرهما وسواء كان مفرداً أو جملة أو شبهها نحو: لا زكاة في شاء تسام(2) أوفي الشاء سائمة أو عند سومها.
مسألة وبدل البعض مثل {ولله على الناس ج البيت من استطاع إليه سبيلاً} والغاية وما بعدها كالاستثناء بعد جمل بالواو.
والمنفصل فيه مسائل:
__________
(1) ـ نحو قوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة وأولائك هم الفاسقون إلاَّ الذين تابوا} فإن هذا الإستثناء وقع بعد ثلاث جمل الأولى أمره بجلدهم، والثانية نهيه عن قبول شهادتهم، والثالثة مخبرة بفسقهم فما ظهر للمجتهد عمل به وهو ظاهر اختيار شيخي ووالدي الهادي لدين الله أقام الله له الدين. تمت من جلاء الأبصار للوالد العلامةعبد الله بن الإمام الهادي.
(2) ـ مثال الجملة.

(1/40)


مسألة يجوز التخصيص بالعقل نحو: {الله خالق كل شيء}.
مسألة يجوز تخصيص الكتاب به كقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}، فإنه مخصص لعموم {والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء} وبالسنة المعلومة وبالظنية وبالإجماع كآية القذف فإن عموم الموصول فيها يوجب الثمانين للحر والعبد فخص بالإجماع على تنصيف الجلد في حق العبد كالأمة المنصوص عليها وهو لتضمن المخصص.
مسألة ويجوز تخصيص السنة بها وبالكتاب(1) وبالإجماع.
__________
(1) ـ كتخصيص خبر مسلم البكر بالبكر جلد مائة بقوله تعلى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}. تمت

(1/41)


مسألة ويجوز التخصيص بالمفهوم نحو في الأنعام زكاة، في السائمة زكاة. يجوز التخصيص بفعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما لو قال الاستقبال لقضاء الحاجة حرام على كل مسلم ثُمَّ فعل، أو صوم عاشوراء واجب على كل مسلم، ثُمَّ ترك، فإن ثبت اتباع الأمة له فيه بدليل خاص به كما لو قال أو لا حرام على كل مسلم الصلاة مكشوف الرأس، ثُمَّ صلى كذلك فنسخ للعام بشرطه لوجوب التأسي به فيه لأجل الخاص وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <صلوا كما رأيتموني أصلي>، وإن ثبت الإتباع بعام وهو دليل التأسي كان دليل التأسي مخصصاً بالعام الأول الذي هو حرام على كل مسلم الخ وإذا كان الخطاب. عاماً للأمة دونه ففعله لا يكون تخصيصاً، وأما بالنسبة إلى الأمة ففيه من التفصيل ما ذكر(1) من أنَّه إن ثبت إتباع الأمة له فيه إلى آخره ويجوز تخصيص العام بتقريره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن تعين معنىً هو العلة لتقريره الحق به مشاركة فيه نحو ما روي أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن قتل الهَرِمين، ثُمَّ لما بلغه قتل دريد ابن الصمة في أوطاس لم ينه عن قتله بل قرره، فكان تخصيصاً لمن كان هرماً ذا رأي، وإن لا يتبين معنىً هو العلة الحق به غيره؛ إذ لا دليل على الفرق ويكون العام منسوخاً بشرطه، وأما التخصيص بالقياس فمحل اجتهاد(2) يعمل بالأرجح من الظن الحاصل بالعام والحاصل بالقياس(3).
__________
(1) ـ سبق نسخ.
(2) ـ والراجح عدم جواز التخصيص للكتاب والسنة بالقياس لحديث معاذ بل ولقوله تعالى: {وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} ومن رد إلى الكتاب والسنة فوجد العموم فقد وجد الحكم فيهما فوجب عليه أحكامهما. تمت منه
(3) ـ فإن ثبت عليه العلة ينص أو إجماع جانباً لتخصيص به؛ لأن ذلك كالنص الخاص وإلا فلا. تمت

(1/42)


مسألة ولا يجوز التخصيص بمذهب الصحابي غير علي عليه السلام نحو ما روي أن ابن عباس روى عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <من بدل دينه فاقتلوه، وكان يذهب إلى أن المرتدة لا تقتل، ولا يجوز التخصيص بالعادة الجارية بترك بعض ما تناوله العام، كان يستمر منهم تناول البر دون سائر المطعومات، ثُمَّ يأتي النهي عن بيع الطعام بالطعام، وليس من ذلك ما نقله عرف اللغة إلى غير معناه الأصلي كأن يكون عرفهم إطلاق الطعام على البر مثلاً، ثُمَّ يأتي النهي المذكور فإنه مخصص، وإذا أفرد الشارع فرداً من أفراد العام بالذكر وحكم عليه بما حكم على العام لم يخصصه مثاله قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <إذا دبغ الإهاب فقد طهر> وما روي أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بشاة ميتة، فقال: <هلا استمتعتم بإهابها> فإن الثاني فيه ذكر بعض حكم العام وتعقيب العام بما يكون مختصاً ببعضه لا يقتضي(1) تخصيصه سواء كان ذلك ضميراً مثل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، ثم قال: {وبعلوتهم أحق بردهن} فالضمير في {بردهن} للرجعيات دون البوائن، أو استثناء مثل: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء..} إلى قوله: {إلا أن يعفون} فإن لفظ النساء يشمل الصغيرة والمجنونة، والعفو يختص المالكات لأمورهن أوامراً من الأمور مثل: {إذا طلقتم النساء فطلقوهن..} إلى قوله تعالى: {يحدث بعد ذلك أمراً} أي رغبة في مراجعتهن وذلك مختص بغير البوائن.
ولا يجوز التخصيص بمقدر مخصوص في المعطوف مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده> وذلك بأن يقدر في المعطوف بكافر، ثُمَّ يخص بأن يقدر بحربي فلا يلزم من تخصيصه تخصيص المعطوف عليه فلا يقتل المؤمن بالذمي.
__________
(1) ـ وقد يقال ظاهرالعموم الأول يقتضي الإستغراق وظاهر المختص ببعض يقتضي الرجوع إلى جميع ما تقدم فيكون ذلك محل اجتهاد. تمت

(1/43)


مسألة يبني العام على الخاص إن تقارنا(1) بأن يتصل أحدهما بالآخر أو تفارقا لمدة لا تتسع للعمل أو جهل التاريخ أو تقدم الخاص بمدة تتسع للعمل، فإن تأخر الخاص بمدة تتسع للعمل فناسخ.
فصل
ويلحق بالعام والخاص المطلق والمقيد، فالمطلق الدال على شائع في جنسه والمقيد المخرَج من شائع بوجه كرقبة مؤمنة، والتقييد كالتخصيص فيما ذكر.
مسألة وهما إن اتحد سببهما وحكمهما نحو: إن ظاهرت فاعتق رقبة، وفي موضع آخر: فاعتق رقب مؤمنة يكونا كبناء العام على الخاص بشروطه، وإن اختلفا حكماً نحو: اكس تميمياً وأطعم تميمياً عالماً لم يحمل المطلق على المقيد سواء اختلفا سبباً أو لا إلاَّ إذا استلزم حكم المطلق بالاقتضاء أمراً ينافيه حكم المقيد إلاَّ عند تقييده بضد قيده نحو: أعتق عني رقبة مع لا تملكني رقبة كافر، فإنه يجب تقييد المطلق حينئذ بضد قيد المقيد وهو الإيمان، وإن اختلفا سبباً لا حكماً كإطلاق الرقبة في كفارة الظهار واليمين وتأييدها بالمؤمنة في كفارة القتل فالحكم واحد وهو وجوب الإعتاق والسبب مختلف حمل المطلق عل المقيد إن قام دليل على الحمل من الأدلة المقتضية للحمل وإلا فلا ويكون تقييد المطلق بالقياس كتخصيص العام(2) بالقياس.
باب المجمل والمبين
المجمل: ما دلالته غير واضحة.
__________
(1) ـ وذلك صوناً للكلام الحكيم عن الإلغاء مع إمكان الجمع وتقدم الخاص قرينة فلا يضر تراخي التعميم ولأن دخول الخاص في العام ظنية ودلالة الخاص على ما دخل تحته قطعية فلا يبطل القطعي بالظني، وليس العمل بهما كتعارض العمومين أو الخصوين لتعذر الجمع في هذا. تمت
(2) ـ وقد مر في الحاشية ما هو الراجح في القياس في العموم عند ذكر التخصيص بالقياس. تمت ص: 5.

(1/44)


مسألة ولا إجمال في نحو: حرمت عليكم الميتة بما أضيف فيه التحليل والتحريم إلى الأعيان، ورفع عن أمتي بدلالة العرف على تعيين المحذوف كالأكل في المأكول والشرب في المشروب واللبس في الملبوس والوطء في الموطوء، ورفع حكم ما صدر عن الخطأ والنسيان، وهو في العرف المؤاخذة والعقاب ولم يسقط الضمان، أما أنَّه ليس بعقاب أو بخبر آخر مخصص لعموم هذا الخبر، ولا إجمال في نحو: لا صلاة إلاَّ بوضوء لا عمل إلاَّ بنية الأعمال بالنيات لحمله على الصحة؛ لأنَّه الأقرب إلى نفي الذات وهذا إن لم يثبت في مثله عرف، فإن ثبت عرف شرعي في إطلاق الصلاة ونحوها على الصَّحيح كان المعنى: لا صلاة صحيحة، وإن ثبت عرف فيه لغوي وهو أن مثله يقصد منه نفي الفائدة والجدوى، نحو: لا علم إلاَّ ما نفع ولا كلام إلاَّ ما أفاد تعين ولا في نحو: {امسحوا برؤوسكم} لظهور التعميم؛ لأن الرأس حقيقة في الكل ولا في آية السرقة لظهور اليد في الكل والقطع في الإبانة.
وأما اللفظ(1) المشترك بين معنيين فصاعداً كقرء وعين وماله محمل لغوي ومحمل في حكم شرعي نحو الطواف بالبيت صلاة فإنه يحتمل أن يسمى صلاة لغة ويحتمل أنَّه كالصلاة في اشتراط الطهارة، وماله مسمى لغوي ومسمى شرعي كنهيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صوم يوم النحر فإن حمل على الشرعي جازالإمساك من غير نية وإن حمل عل اللغوي لم يجز فمجمل.
فصل
البيان يقال عَلَى الفعل أي فعل المبيِّن وعلى الدليل وعلى المدلول، والمبين خلاف المجمل ويقع ابتداء كالسماء والأرض ومسبوقاً بالإجمال ويقع في الفعل مع وجود قرينة تعلقه بالمجمل حتى يكون بياناً كصلاته وحجة ومثله الترك والتقرير كتركه التشهد الأول بعد فعله أو تقرير تاركه فإنه يكون بياناً لكون غير واجب.
__________
(1) ـ مبتدأ خبره مجمل.تمت

(1/45)


مسألة وإذا ورد بعد المجمل قول وفعل وكل واحد منهما صالح للبيان متفقين(1) كان يطوف بعد نزول آية الحج طوافاً واحداً، ويأمر بواحد فالمتقدم البيان، وإن جهل فأحدهما، وإن وردا مختلفين فالقول سواء علم المتقدم أو جهل وفعله الثاني ندب في حقه وحقنا أو واجب يخصه وذلك كما روي أنَّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: <من قرن حجاً إلى عمرة فليطف لهما طواف(2) واحد>، وروى أنَّه قرن وطاف طوافين.
مسألة ولا يجوز أن يتأخر البيات عن وقت الحاجة وإليه جائز ويجوز تدريج البيان لوقوعه في قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} أخرج منه أهل الذمة أولاً، ثُمَّ العبد ثانياً، ثُمَّ المرأة ثالثاً ونحوه، ويجوز تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة، ويجب أن يكون البيان أوضح من المبين في الدلالة لا في القوة فيصح تبيين القطعي بالظني.
باب مفهومات الخطاب
__________
(1) ـ متَّفقان نسخة.
(2) ـ كذا طواف بالرفع.

(1/46)


المنطوق ما أفاده اللفظ من أحوال مذكور، فإن ذكرت الحال (فصريح) كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} فإنه دل فيه على حال مذكورة للصلاة وهي وجوب صلاة الظهر (وإلا فغيره) وهو المدلول عليه بالإلتزام، وينقسم إلى دلالة (اقتضاء) وهي ما قصد وتوقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه نحو: رفع عن أمتي واسأل القرية وأعتق عبدك عني على ألف، وتنبيه وإيماء إن لم يتوقف واقترن الملفوظ الذي هو مقصود المتكلم بوصف لو لم يكن ذلك الوصف لتعليل ذلك المقصود كان اقترانه به بعيداً كقصة الأعرابي المجامع أهله في نهار رمضان، فإنه اقترن الأمر بالإعتاق بالوقاع الذي لو لم يكن هو علة لوجوب الإعتاق لكان بعيداً، (وإشارة) إن لم يقصد بالأصالة وإنما قصد على جهة التبعية نحو: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} مع قوله تعالى في آية أخرى {وفصاله في عامين}، فإنه يعلم منهما أن أقل الحمل ستة أشهر، لكن المقصود الأهم في الأولى بيان حق الوالدة وما تقاسيه من التعب والمشقة في الحمل والفصال وفي الثانية بيان أكثر مدة الفصل، (والمنطوق) إن أفاد معنى لا يحتمل غيره (فنص) وإن احتمل فإن تساويا (فمجمل) وإلا فإن حمل على المعنى المرجوح بما يصيره من القرائن راجحاً عند الناظر (فمأول) (وإلا فظاهر)، (فالظاهر) هو اللفظ السابق إلى الفهم منه معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لم يحمل عليه، (والمأول) قريب يكفيه أدنى مرجح كتأويل الآيات والأحاديث بما يرفع وهم التشبيه لقيام الدليل على عدم إرادة ظاهرها، وكتأويل: استاكوا حيث حمل على أمر الندب بدليل: <..لأمرتهم بالسواك>، (وبعيد) يحتاج إلى المرجح الأقوى كتأويل الشافعية من ملك ذا رحم محرم فهو حر بالتخصيص لعمومه بالأصول والفروع لما تقرر من أنَّه لا عتق من دون إعتاق وخولفت هذه القاعدة بما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <لا يجزي ولد والده إلاَّ أن يجده مملوكاً فيشتريه> فيعتق أي بالشراء من غير حاجة إلى

(1/47)


صيغة الإعتاق، ووجه بعدِه ظهوره في كل ذي رحم محرم مع الإيماء إلى علة العتق الموجودة فيهم (ومتعذر) كتأويل البيت بالقلب وبكة بالصدر. (والمفهوم) ما أفاده اللفظ من أحوالٍ لأَمرٍ غير مذكور وهو نوعان:
الأول: موافق ويسمى مفهوم الموافقة (كفحوى) الخطاب وهو ما كان الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور كالضرب، فإنه أشد مناسبة للتحريم من التأفيف، (ولحن) الخطاب وهو ما كان حكم غير المذكورة مساوياً لحكم المذكور كمساواة إحراق مال اليتيم لتحريم أكله ومستند الحكم في المسكوت في الأولى هو فحوى الدلالة اللفظية لا الدلالة القياسية، وأما المساوى فمحتمل لِلأمرين، إلاَّ أنَّه يقول به نفاه(1) القياس ومفهوم الموافقة قد يكون قطعياً كما ذكر وظنياً كقول الشافعي قتل الخطأ يوجب الكفارة، فالعمد أولى لتجويز أن يكون المعنى في الخطأ هو التلافي لا الزجر الذي هو أشد مناسبة في العمد والثاني مخالف ويسمى دليل الخطاب ومفهوم المخالفة وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفاً للمذكور وهو أقسام: منها مفهوم (الصفة) وهو لفظ مقيد لآخر غير منفصل عنه ليس بشرط ولا استثناء ولا غاية ولا عدد لا النعت(2) فقط نحو: في كل إبل سائمة من كل أربعين ابنة لبون، ومنها مفهوم (الشرط) وهو ما علق من الحكم على شيء بأدات شرط كأن وإذا نحو: إن جاء زيد فأكرمه، ومنها مفهوم (الغاية) وهو ما يفهم من تقييد الحكم بأدات غاية كإلى وحتى كقوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} ومنها مفهوم
__________
(1) ـ وقد يقال إن قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين} معلوم أنَّه لا يراد منه خصوص وجوب ثبات العشرين للمأتين بل المراد منه تعميم وجوب ثبات الواحد للعشرة سوى كان في هذا العدد أو أقل أو أكثر، وإنه يفارق قول القائل: حرمت الخمر لإسكاره. تمت
(2) ـ فيدخل فيها العلة نحو: أعط السال لحاجته، والظرف نحو: سافر يوم الجمعة، والحال نحو: أحسن إلى العبد مطيعا. تمت غاية ص/382.

(1/48)


(العدد) وهو ما يستفاد من تعليق الحكم بعدد مخصوص نحو: فاجلدوهم ثمانين جلدة} وشرط العمل في الجميع أن لا تظهر فائدة سوى التخصيص للذكور في الحكم؛ إذ لو ظهرت تطرق الاحتمال فيصير الكلام مجملاً فيه وذلك كأن يكون المسكوت عنه أولى أو مساوياً نحو: {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} أو كان غالباً في العادة فيذكر لا للتخصيص نحو: {وربائبكم التي في حجوركم} أو كان المذكور موافقاً للواقع(1) نحو: {إن أردن تحصناً} أو كان جواب سؤال عن المذكور، أو في حادثة خاصة به نحو أن يسأل هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: في الغنم السائمة زكاة، أو يكون الغرض بياناً لمن هي له أو كان الحكم في المسكوت معلوماً وفي المذكور مجهولاً نحو: الصلاة المسنونة فروضها كذا، أو كان ذلك القيد لعهدتيه فيكون كاللقب المحتاج إليه في التعريف فلا يدل على نفي الحكم عما عداه، أو كان ذكره للامتنان على المسكوت نحو: لتأكلوا منه لحماً طرياً فلا يؤخذ منه منع القديم أو كان خارجاً مخرج التفخيم والتأكيد كحديث: <لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت..> الحديث، أو كان مجيء الصفة للتوضيح ومع احتمالها له وللتخصيص يجيء الإجمال نحو: عارية مضمونة، أو كان العدد للتكثير كالألف والسبعين ونحوهما مما يستعمل في لغة العرب للمبالغة.
مسألة ولا يعمل بالمفهوم اللقب وهو نفي الحكم عما لم يتناوله الاسم لحصول الفائدة بذكره.
__________
(1) ـ فلا يوجد للوصف مفهوم.

(1/49)


مسألة ويعمل بمفهوم الحصر مثل ما العالم إلاَّ زيد، ومثل إنَّما العالم زيد(1) ومثل العالم زيد وصديقي خالد مما عُرِفَ فيه المبتدأ بحيث يكون ظاهراً في العموم وعكسه كذلك نحو زيد العلام ومثل تقديم المعمول كقوله تعالى: {إياك نبعد وإياك نستعين}(2).
باب الناسخ والمنسوخ
النسخ بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ.
مسألة يمتنع النسخ قبل التمكن من فعل المنسوخ مثال التمكن: إن يمضي بعد وصول الأمر إلى المكلف زمان يسع الفعل من وقته المقدر له شرعاً فكل من النسخ قبل دخول وقته أو بعده قبل مضي ذلك القدر ممتنع.
__________
(1) ـ مالم تكن (أنَّ) عاملة، فعن الخبيصي أن ما تكون زائدة لا كافة فلا تكون حينئذٍ للحصروعملها هو على غير الأفصح كما وقع في بعض أشعارهم، وقال ابن هشام: إن الكافة هي الزائدة دون المصدرية أو الموصولة. تمت
(2) ـ ومفهوم الفصل فيفيد الحصر، قال في التلخيص: وأما فصله فلتخصيصه بالمسند. تمت يعني لقصر المسند على المسند إليه. تمت

(1/50)


مسألة ولا يثبت حكم الناسخ إذا ورد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل تبليغه كغيره من الأحكام المبتداة ويعرف الناسخ بعلم تأخره أو ظنه وذلك بضبط التاريخ وخبر الآحاد في ضبط التاريخ ونحوه معمول به في النسخ وإن كان المنسوخ قطعياً أو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما صريح نحو: هذا ناسخ وهذا منسوخ أو معنى نحو: كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها. أو إجماع كالإجماع على ترك قتل شارب الخمر في المرة الرابعة، أو كون الراوي أو العامل علي عليه السلام بخلاف الآخر؛ إذ لا يرو المنسوخ من دون أن يبينه ولا يعمل به، لا بقول صحابي بأن هذا ناسخ وهذا منسوخ إلاَّ علياً عليه السلام، ولا بحداثته أو تأخر إسلامه إلاَّ أن تنقطع صحبة الأول بموت أو غيره مما يعلم عدم إتقانه قبل إسلام الثاني ولا بترتبه في المصحف أو موافقته الأصل أو إخفية حكمه فإن عرف الناسخ بطريق من الطرق المعتبرة عمل به وإلا فالترجيح إن أمكن ثُمَّ الوقف.
مسألة في نسخ ما قيد بالتأبيد ثلاث صور: الأولى ما كان التأبيد قيداً للفعل نحو: صوموا أبداً. الثانية: ما كان اللفظ ظاهر في التأبيد وإن كان نصاً في تقييد الحكم نحو الصوم واجب في الأيام ففي هاتين الصورتين يصح النسخ. الثالثة: ما كان التأبيد قيداً للحكم نصاً فيه نحو: الصوم واجب مستمر أبداً، فهذه الصورة لا يصح النسخ فيها.
مسألة وكون محل التكليف خبراً كتكليف أحدنا بالأخبار بعقلي كوجود الباري أو عادي كإحراق النار أو شرعي كإيمان زيد لا ينافي نسخ التكليف بالأخبار به ولا يجوز أن ينسخه بأن يكلف أحدنا بالأخبار بالنقيض فيما لا يتغير مدلوله ولا ينسخ مدلول الخبر سواء كان متغيراً كإيمان زيد أو لا كحدوث العالم؛ إذ مدلول الخبر في إيمان زيد وكفره هو كونه مؤمناً وكونه كافراً، وهو ليس حكماً لا شرعياً ولا عقلياً.

(1/51)


مسألة ويجوز النسخ بغير بدل وبأثقل كنسخ وجوب الحبس في البيوت والأذى بالجلد أو به وبالرجم.
مسألة، ويجوز نسخ بعض القرآن حكماً وتلاوة معاً أو أحدهما.
مسألة ويجوز نسخ القرآن والمتواتر والآحاد كل بمثله، ويجوز نسخ الآحادي بالمتواتر ونسخ السنة مطلقاً بالكتاب ونسخ الكتاب بالمتواتر، ولا يجوز نسخ الكتاب والسنة المعلومة بالآحاد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آهل وسلم.
مسألة ولا ينسخ الإجماع ولا نسخ غيره وما وجد من إجماع على خلاف النص فلتضمنه الناسخ.
مسألة والقياس ينسخ ولا ينسخ به إلاَّ قياساً مرجوحاً(1).
مسألة ويجوز النسخ بفحوى الخطاب لا لحنه فمحتمل لاحتمال كونه قياساً، ويجوز نسخ مفهوم الموافقة مع أصله والمفهوم دون الأصل لا العكس إلاَّ بدليل آخر، ويجوز نسخ مفهوم المخالفة سواء نسخ مع أصله أو لم ينسخ فإن مفهوم قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <الماء من الماء> منسوخ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: <إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل> مع أن الأصل باق وهو وجوب الغسل بالإنزال ولا يجوز نسخ الأصل بدونه؛ إذ قد بطل القيد فبطل ما يترتب عليه كما لو قال في الغنم السائمة زكاة فيفهم منه أن لا شيء في المعلوفة مع نسخ أصله ويرتفع بارتفاعه ويرجع إلى حكم البراءة الأصلية، وأما النسخ بها فموضع اجتهاد مثاله أن يقول في الغنم السائمة وفي المعلوفة زكاة ثُمَّ يقول في الغنم السائمة زكاة.
مسألة نسخ حكم الأصل يزيل حكم الفرع لخروج العلة عن الإعتبار.
مسألة زيادة صلاة سادسة ليست نسخاً وإما زيادة شطر كزيادة ركعة في الفجر أو شرط كزيادة وصف الإيمان في إعتاق رقبة بالإطلاق أو رفع مفهوم مخالفة كإيجاب الزكاة في المعلوفة بعد نص السائمة فمحمل النظر في الجزئيات إن ثبت في أحدها انتهاء حكم شرعي فنسخ للمزيد عليه وإلا فلا ونقص شطر أو شرط نسخ له لا للباقي.
باب الاجتهاد والاستفتاء
__________
(1) ـ أو مساوياً. تمت

(1/52)


الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي فرعي عملي والفقيه المجتهد وهو من يتمكن من استنباط الأحكام الشرعية الظنية الفرعية العملية عن أدلتها التفصيلية، والمجتهد فيه حكم شرعي ظني فرعي عملي عليه دليل فخرج بالقيد الأول العقلي والحسي والإصطلاحي وبالثاني المسائل القطعية فرعية كانت أو أصولية وبالثالث الكلامية والأصولية، وبالرابع بعض مسائل الأصول، فإن فيها فرعية ظنية ككون دلالة العموم ظنية وكمسألة: هل العام بعد مخصصه حقيقة أو مجاز، فإنهما فرع ثبوت ألفاظ العموم في اللغة، والخامس يفيد أن ثبوت لا أدري لا ينافي الاجتهاد.
مسألة شرطه في المجتهد المطلق العلم بما يتم له نسبة الأحكام إلى الله تعالى من أصول الدين والعلم بمدارك الأحكام إلى الله تعالى من أصول الدين والعلم بمدارك الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما يتعلق بها من العلوم كعلم اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والأصول، وأن يكون متمكناً من الرجوع إلى النفي الأصلي، وأنه لا يغير إلاَّ بنص أو قياس، والمجتهد في مسألة أو مسائل مخصوصة يكفيه معرفة ما يتعلق بها ولا يضره جهل ما عداه.
مسألة يجوز تعبده صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاجتهاد في الشرعية ولا قطع بوقوع ولا انتفاء.
مسألة ويجوز الاجتهاد ممن عاصره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، الغائب مطلقاً والحاضر مع الأذن وهو واقع منهما مع الأذن.
مسألة المصيب في القطعيات كلامية كانت أو أصولية أو فقهية واحد، والنافي لما علم من ضرورة الدين كافر ولغيره من القطعيات آثم إن قصر، والمصيب في المسائل الاجتهادية واحد أيضاً والمخالف مخطئ ولا إثم ويؤجر على بذل الوسع.

(1/53)


مسألة ولا يجوز للمجتهد نقض حكم صدر منه أو من غيره ولم يخالف قطعياً ولا يجوز الحكم من مجتهد بخلاف الاجتهاد الحاصل منه ولو عن تقليد منه لمجتهد آخر، أما إذا خالف قاطعاً، فإنه ينقض ولا حكم لرجوع المجتهد فيما قد مضى من الأحكام التي لا يستمر حكمها وذلك كالحج لا يلزمه إعادة ما قد فعله في الاجتهاد الأول، ورجوعه فيما يستمر حكمه تحليلاً وتحريماً أو في واجب القضاء نقض للأول من حينه وذلك نحو إن يطلق زوجته ثلاثاً من دون تخلل رجعة وهو يرى أن الطلاق لا يتبع الطلاق فراجعها ثُمَّ تغير اجتهاده إلى أن الطلاق يتبع الطلاق فإنه يلزمه أن يفارقها، ونحو أن يسافر بريداً وهو يرى وجوب القصر فيه، ثُمَّ رأى بعد خروج الوقت وقبل فعلها أن ذلك لا يوجب القصر فإنه يلزمه أن يقضيها تماماً، وكذا يكون حكم المقلد حيث علم تغير اجتهاد إمامه أو اجتهد هو في نفسه ويصح حكم(1) المقلد.
مسألة المجتهد ممنوع عن التقليد إذا اجتهد فأداة اجتهاده إلى حكم، ويجوز تقليده لمجتهد آخر إذا كان مضيقاً بحيث يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد وإلا فلا يجوز.
مسألة وإذا تكررت الواقعة فإن لم يذكر اجتهاده الأول أو ذكره وتجدد له ما يحتمل أنَّه يقتضي الرجوع وجب عليه إعادة النظر، وإن ذكر الاجتهاد مع دليله أو بدونه ولم يتجدد له ما يحتمل الرجوع لم يلزمها الإعادة.
مسألة ويمتنع شرعاً خلو الزمان عن مجتهد.
فصل
التقليد قبول قول الغير بلا حجته، ويمتنع في العقليات من مسائل الكلام كوجود الباري وما يجب له ويمتنع من الصفات، ولازم لغير المجتهد في الأحكام الشرعية الفرعية العملية ولو كانت قطعية.
__________
(1) ـ حكومة نسخه لئلا تعطل الأحكام وتضيع الحقوق لقلة المجتهدين خصوصاً في زماننا؛ ولأنه يصح عود تعذر الإجتهاد. تمت منه بتصرف.

(1/54)


مسألة والمفتي الفقيه ولا بد من معرفة علمه وعدالته تصريحاً وتأويلاً ولو بانتصابه بلا قدح من يعتد به من أهل العلم والورع ولم يعارض قدحه خبر مثله فإن عارضه فالترجيح فلا يستفتى المجهول علمه وعدالته أو أحدهما، ويجوز إفتاء غير المجتهد إذا كان عارفاً بالفروع جامعاً لشروط الرواية حكاية لمذهب مجتهد.
ولا يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل لوجوب ابتاع الظن فيجب أن يتبع صاحب المنصب الشريف، ثُمَّ الأعلم ثُمَّ الأشد بحثاً وجوده في الخاطر ثُمَّ الأورع، وضابط الترجيح ما يحصل عنده الظن الأقوى بصحة قوله، فإن استووا فيتبع الأحوط فإن تساوت فالتخيير.
باب التعادل
هو استواء الأمارتين والترجيح وهو تقوية أحد الأمارتين على الأخرى؛ لاقترانها بسبب التقوية.
مسألة لا يعادل بين قطعيين ولا بين قطعي وظني ولا بين ظنيين في نفس الأمر لا في نظر المجتهد فجائز فيعمل بغيرهما من شرع أو عقل.

(1/55)


مسألة يطلب الترجيح إن تعذر الجمع، إما السند فمن وجوه الترجيح فيه رواة الأربعة(1) ومنها كثرة الرواة ومنها علم الفقه في أحد الراويين فيما يروي بالمعنى ومنها زيادة الورع والضبط والفطنة وحسن الاعتقاد، ومنها موافقة العمل ومنها مصاحبة القصة ومنها المشافهة ومنها كونه أقرب مكاناً من المروي عنه، ومنها التحمل بإلغاء في غير الحسنين وابن عباس، ومنها شهرة العدالة على من عرفت عدالته في التعديل، ومنها كثرة المزكين وأعدليتهم وأوثقيتهم بأن لا يكونوا متساهلين في رعاية دقائق التزكية، ومنها صريح التزكية على التزكية بالحكم والحكم على العمل بالرواية، ومنها الإتفاق على رفعه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المختلف في رفعه ووقفه، ومنها قراءة الشيخ والتلميذ يسمع، ومنها التصريح من الراوي بالسماع على المحتمل للسماع وغيره، ومنها السكوت من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عما وقع في زمنه حضوراً على ما وقع غيبة وسمع به إلاَّ أن يكون خطر ما جرى في غيبته آكد، ومنها اللفظ على المعنى ومنها القول فالفعل فالتقرير، ومنها عدم إنكار الأصل على الآخر.
__________
(1) ـ المراد أهل الكساء. تمت

(1/56)


مسألة وأما جهات الترجيح بحسب المتن فمنها النهي فالإباحة فالأمر ومنها الأقل احتمالاً على الأكثر ومنها الحقيقة العرفية فاللغوية فالمجاز، ويرجح من المجاز ما رجح دليله كأن يثبت بنص الواضع والآخر بعدم الاطراد أو شهرته أو قرب جهته إلى الحقيقة أو شهرة مصححة وهي العلاقة أو قوته أو قربه كالسبب الذي بلا واسطة كل على مقابلة، ومنها الأشهر استعمالاً في ذلك المعنى مطلقاً سواء كان حقيقيين أم مجازيين أم حقيقة ومجاز، ومنها مؤكد الدلالة كأن يدل على المطلوب من جهتين أو أكثر، وكأن يكون دلالة لفظ أحدهما مكرراً، وكأن يكون دلالة أحدهما بالمطابقة، وكأن يتأكد أحدهما بدلالة السياق كل على مقابله، ومنها أنَّه يرجح في الاقتضاء ضرورة الصدق على ضرورة وقوعه شرعاً، ومنها انتفاء العبث على غيره فيما إذا تعارضا إيماءان، ومنها تخصيص العام على تأويل الخاص ومنها الخاص ولو من وجه على العام، ومنها المقيد على المطلق ومنها الجمع المعرف باللام أبو بالإضافة والاسم الموصول والاستفهام فإنها تقدم على الجنس المعرف باللام أو بالإضافة ومنها الإجماع الظني على غيره من الأدلة الظنية.
مسألة، وأما جهات الترجيح بحسب المدلول فمنها الحضر فالوجوب فالكراهة فالندب فالإباحة والداري للحد على الموجب له والمثبت على المنافي.
مسألة وأما جهات الترجيح بحسب أمر خارج فمنها أنَّه يقدم الموافق لدليل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع، والموافق لفعل الوصي عليه السلام، والأمس بالمقصود والمفسر من جهة راوية بقول أو فعل وتأخر إسلام الراوي حيث علم موت متقدم الإسلام قبل إسلامه كل على مقابله، ومنها العام الوارد على سبب خاص فإنه يقدم على غيره في صورة السبب خاصة، وما لم يرد على سب يقدم على ذي السبب في غير السبب.

(1/57)


مسألة وأما الترجيح بين المعقولين فيكون إما بحسب العلة فيرجم الوصف الباعث على الأمارة المجردة والمنضبط والظاهر على مقابلها وجامع الحكمة مانعها فكلما وجد وجدت الحكمة وكلما انتفى انتفت على خلافة، والموافق لعمل الوصي عليه السلام على غيره الموافق وأما بحسب دليل الوصف المعلل به فيجرح الوصف الثابت بالإجماع فالنص الصريح على مراتبه الأربع فالإيماء ويقدم منه ما كان الإيماء إلى علية الوصف بعينه، ثُمَّ إلى النظير، ثُمَّ الفرق بين الحكمين، ثُمَّ مناسب مع ذكر الحكم فالسبر فالمناسبة فالدوران ويرجح الإيماء مع المناسبة على الإيماء وحده وإيماء الدليل القطعي على الظني والمناسبة مع السبر أو مع الدوران على المناسبة وحدها، والمناسبة مع الأقوى من المسالك على المناسبة مع الأضعف، وأما بحسب دليل كم الأصل فيرجح بقوة دليل كمهما في الأصل كأن يثبت في أحد الأصلين بالمنطوق والآخر بالمفهوم أو بجريه على سنن القياس والآخر معدولاً به عن السنن، وأما بحسب الفرع فيرجح أحد القياسين بالقطع بوجود العلة في الفرع وبكونه ثابتاً بالنص في الجملة وبمشاركته للأصل في عين الحكم وعين علته، فالمشاركة في عين العلة فقط فالمشاركة في عين الحكم فقط فالمشاركة في جنس العلة وجنس الحكم كل على مقابله.
مسألة وأما الترجيح بين المعقول والمنقول فيرجح المنقول الخاص الدال بمنطوقه على القياس وأما الخاص الدال بمفهومه فهو درجات متفاوتة قوة وضعفاً وتوسطاً، فالترجيح بينه وبين القياس على حسب ما يقع للناظر، وأما المنقول العام مع القياس فقد تقدم بيانه، وللترجيح طرق كثيرة ومدارها على غلبة الظن.

باب أحكام العقل
وهي الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة كقضاء الدين والظلم والإحسان وسوء الأخلاق كتقطيب الوجه وغيره والتصرف من المالك في الملك.

(1/58)


مسألة ومالا يدرك العقل فيه بخصوصه جهة محسنة أو مقبحة على جهة التفصيل، وأما على جهة الإجمال فإنه يوجد فيه ذلك كالتمشي بالبراري والتظلل بأشجارها والشرب من أنهارها فهو مباح.
مسألة وحكم العقل ينقسم إلى ضروري ونظري ومن الأول وجوب شكر المنعم فلا يحتاج إلى دليل.
مسألة ويجب على النافي لحكم عقلي أو شرعي غير ضروري الدليل كالمثبت لكونه يدعي حصول علم بنفي أمر غير ضروري وحصول علم نظري بلا دليل محال، ويصح الاستدلال على عدم الحكم بعدم الدليل بعد الفحص لإفادته ظن عدمه وهو يستلزم ظن عدم الحكم، والفحص إما بنقل أدلة الباحثين وإبطالها أو بحصر وجوه الأدلة ونفيها لعدم وجودها وكون الأصل عدمها واحتمال الوجود لا يدفع الظن مع البحث وبلوغ نهاية التحقيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قال في الأم: تم جمعه لنفسي ضحوة يوم الجمعة لعله تاسع عشر شهر ربيع آخر سنة سبعة وثلاثمائة وألف بقلم الحقير المستجير من عذاب السعير أحسن بن يحيى القاسمي وفقه الله أمين.

[تم الكتاب بحمد اللّه ]

فهرس الموضوعات
باب الموضوعات اللغوية ...
باب الأحكام ...
باب الأدلة الشرعية ...
باب الأوامر والنواهي ...
باب العموم والخصوص ...
باب المجمل والمبين ...
باب مفهومات الخطاب ...
باب الناسخ والمنسوخ ...
باب الاجتهاد والاستفتاء ...
باب التعادل ...
باب أحكام العقل ...

(1/59)