الكتاب : السَّفِيْنَةُ المُنْجِيَةُ في مُسْتَخْلَصِ المرْفُوْعِ مِن الأَدْعِيَةِ المؤلف : الإمام الأواه، البائع نفسه من الله أحمد بن هاشم بن رسول الله |
السَّفِيْنَةُ المُنْجِيَةُ في مُسْتَخْلَصِ المرْفُوْعِ مِن الأَدْعِيَةِ
تأليف
الإمام الأواه، البائع نفسه من الله
أحمد بن هاشم بن رسول الله
بلَّ الله بوابل الرحمة مثواه، وجعل الجنة مأواه
بسم الله الرحمن الرحيم
قال والدنا ومولانا الإمام الحجة/
مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
هذا الكتاب العظيم (السّفِيْنَةُ المُنْجِيَةُ في مُسْتَخْلَصِ الْمَرْفُوْعِ مِن الأَدْعِيَةِ) تأليف الإمام الأوّاه، حجة الله على العباد، وخليفة نبيئه في البلاد، الإمام المنصور بالله أبو محمد أحمد بن هاشم بن المحسن بن القاسم بن إسماعيل بن الحسين بن عز الدين بن المهدي بن الناصر بن المحارس بن الناصر بن عبدالله بن حمزة بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن عبدالله بن يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليهم السلام-.
قيامه عليه السلام: سنة أربع وستين ومائتين وألف.
وله القدم الراسخ في جميع العلوم رضوان الله عليه.
خرج إلى جهات صعدة هو والإمام محمد بن عبدالله الوزير، وكان من أنصاره وأعوانه الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد، في جماعة من العلماء الأعلام وشيخهم القاضي شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي، فبينما هم ينظرون في من يُبَايع من الإمامين مع كمالهما اقتضى رأي الأعلام وفي مقدّمتهم شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي مبايعة الإمام أحمد بن هاشم(ع) لقضية لا يسع الحال لشرحها.
وخرج مع الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم(ع) مهاجراً إلى صعدة كما سبق: القاضي العلامة فخر الإسلام، وحافظ علوم أهل البيت الكرام شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي رضي الله عنه، المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين وألف، وكان من دعاته ومشائخه، واستقرّ بضحيان هو وأولاده.
ومن دعاة الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم عليه السلام: القاضي العلامة شيخ الإسلام أحمد بن إسماعيل العلفي القرشي المتوفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف.
وألحقه الله بسلفه سنة تسع وستين ومائتين وألف، ومشهده بدار أعلا من بلاد أرحب.
قال السيد العلامة المؤرخ محمد بن إسماعيل الكبسي رحمه الله في تتمة البسامة في ذكر الإمام أحمد بن هاشم:
وقامَ بالدعوة المنصور أحمدُ مَنْ .... حاز المعارف في فقه وفي أثرِ
فانقاد للأمرِ أهل الشام واحتملوا .... أمر الإمامة في بدو وفي حضرِ
وطاب في صعدة الفيحا القرار له .... في عصبة وزر ناهيك من وزرِ
ثم أفسد الناس مَنْ في قلبه مرض .... وقاد قوماً وأراداهم إلى سقرِ
إلى قوله:
فلم يطب للإمام المكث في بلد .... لا يفقهون حقوق السادة الطهرِ
فشمّر الساق مشتاقاً إلى اليمن الـ .... ـميمون في حلّة الإسعاد والظفرِ
فقابلته الملا بالرحب وانفرجت .... عنه الشدائد إذْ وافى إلى خمرِ
وانقاد للدعوة الغراء سادة أهـ .... ـل الحل والعقد في سهل وفي وعرِ
ومن شعر الإمام(ع) وقد سأله بعض الفقهاء عن الفرقة الناجية:
أمسك إذا شئت ترقى في الذين رقوا .... بعروة الله إن القوم قد سبقوا
إلى قوله:
أرقتُ لا أَرِقَتْ عيناكَ من خبر .... عن الرسول وفيه للنهى طرقُ
فقال إن أخي موسى يليه أخي .... عيسى لهم أمم تتلى قد افترقوا
وإن لي أمة ترقى إلى فرق .... نيف وسبعين هلكى ما به علق
وليس منها بناجٍ غير واحدةٍ .... ويح المضلّين هل من بعد ذا قلق
لقد تجمّع فيه الخوف لو عقلت .... لنا نفوس ولكن صدّها الحمق
إلى قوله:
في زمرة قادها طه وقام ليسـ .... قيها الوصي هنيئاً للذين سُقوا
إلى آخرها.
وعلى الجملة أن في تلك الأعصار تزاحم المجتهدين النظار، وما هي إلا من طبقات الأئمة المتقدمين، ولقد أحيا الله بهم ما انطمس من الدين، ونمت ببركاتهم علوم آل طه وياسين، وأخذوا قواعد الملة الحنيفة من المعين الصافي، وضربوا فيها بالحظ الأوفر الوافي {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل:16]، فهؤلاء ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، جعلنا اللَّه ممن استمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بالحبل المتين الأقوى، واقتفى سوِيَّ مناهجهم، ومشى على سنن أدراجهم، وهو دينه القويم، وصراطه المستقيم، إنه هو السميع العليم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي
غفر الله لهم وللمؤمنين
كتب بأمره ولده/ إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
وفقه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً - وبعد:
يسرّ مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية أن يقدم لك أخي المؤمن الكريم كتاب (السّفِينَةِ المُنْجِيَةِ في مُسْتَخْلَصِ المرْفُوْعِ مِن الأَدْعِيَةِ)، تأليف الإمام الأوّاه أحمد بن هاشم بن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- وذلك ضمن الدفعة الرابعة الصادرة عن المركز عام 1424هـ، 2004م.
وخلال ذلك نجدد العهد لله تعالى ولرسوله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- ولأئمة أهل البيت -صلوات الله عليهم - بمواصلة ما بدأناه، والسير قدماً في نشر عقائد أهل البيت(ع) ومذهبهم من خلال نشر تراثهم الفكري، وما خلّفوه من علوم جليلة أسهمت وتُسْهم في صلاح المجتمعات، والوصول بها إلى السعادة الأبديّة، دون أن نحاول صياغة عقائدهم حسب ما يروق لنا، ونجعلها سَلِسَة بِسَلاسَةِ عَصْرنا، بل نقدّمها كما قدّمها أئمة الآل، قفد كفوْنا المؤونة في ذلك، وما بقي إلا أن نغترف من مائهم الزلال، وما اهتمامنا بذلك إلا لما سبق وذكرناه من أمثال قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}[الأحزاب:33] وقوله تعالى: {إنما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة:55]، وقوله تعالى: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23].
وأمثال قول رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-:((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))، وقوله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-:((أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى))، وقوله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-:((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء))، وقوله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-: (( من سرّه أن يحيا حياتي؛ ويموت مماتي؛ ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي؛ فليتولّ علياً وذريته من بعدي؛ وليتولّ وليّه؛ وليقتدِ بأهل بيتي؛ فإنهم عترتي؛ خُلقوا من طينتي؛ ورُزقوا فهمي وعلمي.....)) الخبر- وقد بيّن -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم -أنهم علي؛ وفاطمة؛ والحسن والحسين وذريّتهما - عَلَيْهم السَّلام - عندما جلَّلهم -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- بكساءٍ وقال: ((اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وغيرها من النصوص الواضحة الجليّة الدالة على أنهم العروة الوثقى، والحبل المتين الأقوى، فمن اعتصم بهم نجا ومن تخلّف عنهم غرق وهوى.
* * * * * * * * * * * *
وقد صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية - بصعدة-:
1- مَحَاسِن الأَزْهَارِفي تَفْصِيْلِ مَنَاقِبِ العِتْرَةِ الأَطْهَاْرِ، شرح القصيدة التي نظمها الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة(ع)، تأليف/ الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي رحمه الله تعالى.
2- مجموع السيد حميدان، تأليف/ السيد العالم نور الدين أبي عبدالله حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي الحسني رضي الله تعالى عنه
3-السفينة المنجية في مستخلص المرفوع من الأدعية، تأليف/ الإمام أحمد بن هاشم(ع).
4- لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار، تأليف/ الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
5- مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي(ع)، تأليف/ الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
6- شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع).
7- صفوة الإختيار في أصول الفقه، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
8- المختار من صحيح الأحاديث والآثار من كتب الأئمة الأطهار وشيعتهم الأخيار، تأليف/ السيد العلامة محمد بن يحيى الحوثي حفظه الله.
9- هداية الراغبين إلى مذهب العترة الطاهرين، تأليف/ السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير(ع).
10- الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، تأليف/ الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني(ع).
11- المنير - على مذهب الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم -عَلَيْهمالسَّلام-، تأليف/ أحمد بن موسى الطبري رضي الله عنه.
12- نهاية التنويه في إزهاق التمويه، تأليف السيد الإمام / الهادي بن إبراهيم الوزير(ع).
13- تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، تأليف/ الحاكم الجشمي المحسن بن محمد بن كرامة رحمه الله تعالى.
14- عيون المختار من فنون الأشعار والآثار، تأليف الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
15- أخبار فخ وخبر يحيى بن عبدالله (ع) وأخيه إدريس بن عبدالله(ع)، تأليف/ أحمد بن سهل الرازي رحمه الله تعالى.
16- الوافد على العالم، تأليف/ الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم الرسي(ع).
17- الهجرة والوصية، تأليف/ الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي(ع).
18-الجامعة المهمة في أسانيد كتب الأئمة، تأليف/الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
19- المختصر المفيد فيما لا يجوز الإخلال به لكلّ مكلف من العبيد، تأليف/ القاضي العلامة أحمد بن إسماعيل العلفي رضي الله عنه.
20- خمسون خطبة للجمع والأعياد.
21- رسالة الثبات فيما على البنين والبنات، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع).
22-الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل، تأليف/ الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
23- إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة، تأليف/ الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
24- الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة، تأليف/الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي - أيده الله تعالى-.
25- النور الساطع، تأليف/ الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي رحمه الله تعالى.
26- سبيل الرشاد إلى معرفة ربّ العباد، تأليف/ السيد العلامة محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد(ع).
27- الجواب الكاشف للإلتباس عن مسائل الإفريقي إلياس - ويليه/ الجواب الراقي على مسائل العراقي، تأليف/ السيد العلامة الحسين بن يحيى الحوثي حفظه الله تعالى.
28- أصول الدين، تأليف/ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين(ع).
29- الرسالة البديعة المعلنة بفضائل الشيعة، تأليف/ القاضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي رحمه الله تعالى.
30- العقد الثمين في معرفة رب العالمين، تأليف الأمير الحسين بن بدرالدين محمد بن أحمد -عَلَيْهم السَّلام- .
كما شارك مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية -بصعدة- بالتعاون مع مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية في إخراج:
31- مجموع رسائل الإمام الهادي(ع)، تأليف/ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم(ع).
32- العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، تأليف/ الإمام الحجة عبدالله بن حمز(ع).
33- المصابيح وتتمته، تأليف/ السيد الإمام أبي العباس الحسني(ع)، والتتمة لعلي بن بلال رضي الله عنه.
34- الموعظة الحسنة، تأليف/ الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع).
ومع مكتبة التراث الإسلامي:
35- البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية، تأليف/ الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع).
وهناك الكثير الطيّب في طريقه للخروج إلى النور إنشاء الله تعالى، نسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق.
* * * * * * * * * * * *
ونتقدّم في هذه العجالة بالشكر الجزيل لكلّ من ساهم في إخراج هذا العمل الجليل إلى النور، ونسأل الله أن يكتب ذلك للجميع في ميزان الحسنات، وأن يجزل لهم الأجر والمثوبة.
وأخصّ بالذكر الإخوان الكرام:
عبدالرحيم بن يحيى المؤيدي، علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، هادي بن حسن بن هادي الحمزي، إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، صالح علي علي أبو زيد.
والذين كان لهم الدور الفاعل والبارز في جميع إصدارات المركز.
وختاماً نتشرّف بإهداء هذا العمل المتواضع إلى مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي -أيده الله تعالى وأدام في الداريْن علاه- باعث كنوز أهل البيت(ع) ومفاخرهم، وصاحب الفضل في نشر تراث أهل البيت(ع) وشيعتهم الأبرار رضي الله عنهم.
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مدير المركز/
إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
2 جماد الأول 1424هـ - 2/7/2003م
بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين
[ديباجة الكتاب، والسبب في تأليفه وذكر مصادره وتوثيقه]
الحمد لله باريء البرايا، وواسع المِنَا والعطايا، مجيب دعاء الداعين، وميسر السبيل للساعين، أحمده حمدَ من كان قصارى(1) حمده الاعتراف بالعجز عن القيام بأداء شكره لصغير من الآلاء، واستغرق فكره في تعرّف إدارك أياديه، عز وجل، على عبده الحقير، فأطرق إعظاماً وإجلالاً ، أنعم تفضلاً ، وأحسن تطولاً، وأوسع تنفلاً، وأوعد إكمالاً، له الثناء الجميل، والفضل الجزيل، والشكر الجليل تبارك وتعالى.
والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعباد على الإطلاق، ومتمماً لمكارم الأخلاق، محمد طيّب المحْتد ، وزاكي الأصول والأعراق، وعلى آله ناشري برود السعادة على أيدي الدهور، وناصبي أعلام السيادة، التي لا حود في عودها ولا قصور.
وبعد: فإن الله -تعالى؛ وله الحمد- خلق الخلق ليمتن عليهم بأنواع الامتنان، ودعاهم إلى ما يستحقون معه الخلود في غُرَف الجنان، ويسر لهم إلى نيل ذلك طريقين، بعد أن هداهم النجدين، وهما: العبادة بالأقوال والأفعال، فيعملون قليلاً، ويستريحون طويلاً.
__________
(1) يعني: غايته.
فأما العبادة الفعليَّة، فلا تحتاج إلى مقدمة ولا قضية، لأنها أركان الإسلام، وما يفرع منها ويتعلق بها.
وأما العبادة القوليَّة، فهي سائر الأذكار والأدعية، ولها نتعرض إن شاء الله تعالى.
وكون العبادة تنقسم إلى هذين الطرفين، وتتنوع إلى هذين النوعين، أمر بيِّن، قال تعالى في ذم المشركين في إشراكهم في أحد جزئي العبادة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ}..إلخ [الفرقان:60].
وقال في القسم الآخر: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ(65)} [العنكبوت].
وقال في حثّ المؤمنين: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}..إلخ [الكهف:110].
وقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر:14]، وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}..إلخ [غافر:60]، هذا باعتبار ظاهر الآيات في أحد الأمرين وإن حمل الكل على الكل غالباً لأن المرجع إلى مطلق الإقرار بالله تعالى بلوازمه، أو الإنكار بلوازمه، ثم جعل تعالى ركن الشهادة مهيمناً على النوعين، ومصدقا لما اندرج تحته من الطرفين فهما حقها والموجبان لصدقها، وجعل الإخلاص والتفكر وسائر مسبباتهما من الخشوع والخضوع ونحوهما كالماهيَّة لهما والملاك توجد حقيقتهُمَا بوجود ذلك، وتزول وإن بقت صور أفرادها بزواله.
روى السيد الإمام المرشد بالله في أماليه، من حديث عليٍّ عَليْه السَّلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((التوحيد ثمن الجنة، والحمد لله شكر كل نعمة، وخشية الله مفتاح كل حكمة، والإخلاص ملاك كل طاعة)).
والسبب الداعي للتعرض لآخر القسمين، أن الأئمة والعلماء -رحمهم الله تعالى- قد وضعوا في ذلك النصيب الوافر، والفضل المتكاثر، خلا أن ذلك مدرج في غصون تصانيفهم، وأعطاف تآليفهم، ولا يخفى ما قد عم وطم من القصور الظاهر في عالم العلماء، فضلاً عمن لا يعد من قبيل أولئك الكرماء، فربما مر الحريص على الفائدة في موضعها عند الاشتغال بغيرها كالدرس مثلاً فيترك تلك إشتغالاً أو تكاسلاً فيذهب كما قد جربت ذلك من نفسي مراراً من الأوقات وإرسالاً، ولم أحض بطائل أعماراً طوالاً، وأمَّا من لم يكن من ذلك القبيل، فإنه يمنعه بعد السفر عن الوصول إلى القليل، ولم يوجد شيء من المراد مجموعاً مقرباً للباحث والطالب، وإن وجد خارجاً فلم يقع الظفر به، ككتاب الذكر لمحمد بن منصور المرادي؛ وهو من أجل ما وضع في هذا الباب، وكتاب (عدة الحصن الحصين، وشرحه) لمحمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي رضي الله عنه، و (الأذكار) للنووي، و (سلاح المؤمن)، وغيرها فإن فيها كثيراً طيباً، وكذلك (الهدي النبوي) لابن القيم، و (منظومةٌ شرحها الهدي)، كلاهما للعلامة الحسن بن إسحاق -رحمه الله- فإن في ذلك كثيراً لاشتماله على هديه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وخلائقه كلها ذكر وهدياً وأمثال ذلك، لكنه عول على الحقير من لا يسعه مخالفته في مقصد صالح، ولا يستجيزها ومقصده أن يكون قطعة من الأدعية تختص بطرق الأئمة عَلَيْهم السَّلام وشيعتهم ا لكرام، مما صح لنا طريقه وروايته وإن كان في صحيفة إمام هذا الفن وسيّد أهل العبادة والزهادة زين العابدين علي بن الحسين عَلَيْهم السَّلام ما يشفي ويكفي، ولكن القصد الاقتصار على المرفوع من الأدعية النبوية، وربما تدرج شيء يسير من أدعية أمير
المؤمنين علي عَليْه السَّلام لسببين: كونه نفس الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وكون المنقول عنه غالبه الرفع حكماً كما ستقف عليه، ويكون ذلك مما طريقه متصلة بالأئمة عَلَيْهم السَّلام إلى جدهم المصطفى صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ليكون أقرب للناظر وأيسر للخاطر، وربما نذكرمن أدعية بعضهم نزراً يسيراً إحتياجاً أو إستحساناً وذلك لم يتعدَّ موضعين أو ثلاثة إلا ما ندر، وكل ذلك مذكور منسوب ليختار الناظر العمل به أو تركه، وقد ذكر لي بعض مشايخي، مد الله مدته، أن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم عَليْه السَّلام قد تعرض لأدعية الأئمة وهي مجموعة وسيسر الله الظفر بها لك إن شاء الله، فنظرت وإذا المعمول عليه لم يقم بالتعويل، إذ الخطب يسير والأمر جميل، لأن مطلوبه -عافاه الله- لم يكن من قبيل التصنيف ولا التأليف إنما هو جمع لمفترق أو تفريق لمجتمع، غير أني راجٍ من ذي الأياد والطول، والقوة والحول، أن يجعل لي من أجل البحث والتسويد من الأجر نصيباً، وأن يفرج به وينفع قلباً كئيباً، ففي الصحيح: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث))، حتى قال: ((أو علم ينتفع به بعد موته))، واندارج هذا تحت جملة العلم اندراج ما أشار إليه حديث: ((إن لله ملائكة يطوفون يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله جلسوا إليهم))، حتى قال: ((فيقولون إنَّ في فيهم فلاناً رآهم فجلس، فيقول الله تعالى: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم))، وهو متفق عليه، فجردت النفس لذلك المقصد مستعيناً بالله الواحد الصمد، قائلا:
يا من عليه المعتمد، ومن فيض سماحه مستمد، أمِدنا بنواصي بركات الإحسان، ومتعنا بلطفك العام التام الذي لا يختلجه منع ولا نقصان.
وينبغي قبل الشروع ذكر مقدمتين نافعتين إن شاء الله تعالى،
وترتيب المقدمة الأولى في صفة ما يكون عليه الملتمس شيئاً من الدعاء من الآداب.
ينبغي لمن أراد حضّه يتوسل بها من الدعاء أن يحسن الظن بالله تعالى ولا يستبعد الإجابة فإن الله تعالى لا يرد دعاء داعٍ إلا أن يقول: ((دعوتُ فلم أُجَب))، رواه الإمام زيد بن علي -عليهما السلام-، وأخرجه الشيخان، والنسائي، وابن ماجه، ولفظ البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، قالوا: وكيف يعجل ؟، قال: ((يقول دعوت الله فلم يستجب لي))، وفي حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((ما من مسلم دعا بدعوة ليس فيها قطيّعة رحم ولا إثم إلا كان له إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يوفر له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها))، قالوا: يا رسول الله أنكثر ؟ قال: ((فالله أكثر)) أخرجه الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام، ومعناه في المجموع: وأن يعرف قدر الدعاء وما يدعو به والمدعو تعالى، فإن أحد ركني العبادة الدعاء كما قدمنا، وإن شأنه عظيم كما سيأتي إن شاء الله، وأن يعرف أن الله تعالى أعظم من يُوقر ويتواضع له، فإذا كان الإنسان في الدعاء فهو بين يدي ملك الملوك، تبارك وتعالى، وليعلم أن الله يبغض الملحّ المُلْحِف إلا في دعائه وبيده الإيجاد والإعدام، ولا يمل فإن الله تعالى لا يمل حتى يمل العبد، ففي الحديث: ((الدعاء هو العبادة))، ((ليس شيء أكرم على الله من الدعاء))، ((وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء فإن الله تعالى يحب أن يُسأل، ومن لم يدع الله غضب الله عليه))، رواه أبو يعلي والحاكم والترمذي، وشاهده في
الأمالي، وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) عَليْه السَّلام: ما أعطي أحد أربع(1) فمنع أربعاً، ما أعطي أحد الدعاء فمنع الإجابة إن الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وما أعطي أحد الاستغفار فمنع المغفرة إن الله تعالى يقول: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود:90]، وما أعطي أحد التوبة فمنع القبول إن الله تعالى يقول: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى:25]، وما أعطي أحد الشكر فمنع من الزيادة إن الله تعالى يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، وليكن على هيئة طيبة من طهارة غالباً وخشوع وخضوع وانكسار خاطر فإن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم وطيب مكتسب وملبس ومأكل وإخلاص وما يناسب ذلك.
أخرج [في] أمالي الإمام أبي طالب(ع) عَليْه السَّلام من حديث علي عَليْه السَّلام: (من أحبّ أن تستجاب دعوته فليطب مكسبه وأن يكون مرضي العمل صالحه)، ففي شمس الأخبار من حديث علي عَليْه السَّلام أيضاً مرفوعاً: (( إن الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر))، ومن حديث الحسن -رحمه الله تعالى- مرفوعاً: ((إن الله تعالى لا يقبل دعاء عبد حتى يرضى عمله))، وأن يكون اعتقاده على الله تعالى قاطعاً علائق المخلوقين.
__________
(1) صوابه: أربعاً.
أخرج أبو طالب في أماليه من حديث أمير المؤمنين عَليْه السَّلام مرفوعاً: (إذا أراد أحدكم أن لا يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند الله تعالى، فإذا علم الله ذلك من قلبه لم يسأله شيئاً إلا أعطاه، ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإن في القيامة مواقفاً كل موقف مقام ألف سنة، ثم تلا هذه الآية: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ(4)} [المعارج])، وأن يبدأ الداعي أولاً بحمد الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لما رواه السيد المحقق العلامة النقاد أحمد بن محمد الشرفي -رحمه الله- في (ضياء ذوي الأبصار) من حديث فضالة بن عبيد قال: سمع رسولُ الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم رجلاً يدعوا في صلاته، لم يحمد الله تعالى، ولم يصل على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، فقال له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((عجل هذا))، فقال له أو لغيره: ((إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، ثم يدعوا بما شاء))، قال: رواه الترمذي والحاكم على شرطيهما.
وفي أمالي المرشد بالله وأمالي أبي طالب عَليْه السَّلام، واللفظ له قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من دعاء إلا وبينه وبين السماء حجاب حتى يصلي على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فإذا فعل ذلك انخرق الحجاب ودخل الدعاء، وإذا لم يفعل ذلك رجع الدعاء)).
وأخرج الطبراني في (الأوسط) عن علي عَليْه السَّلام بلفظ: (كل دعاء محجوب حتى يصلي على النبي وآله)، وأخرجه البهيقي أيضاً والرهاوي في (الأربعين) عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، ذكره السيوطي في (الجامع الكبير).
ويختم الدعاء بالصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال في أمالي أبي طالب عَليْه السَّلام من حديث علي عَليْه السَّلام: ((ما من دعاء إلا وصلاتكم عليّ جواز دعائكم ومرضات لربكم وزكوة لأعمالكم)).
وأخرج النسائي بسند صحيح قوي عن زيد بن خارجة قال: سألت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((صلّوا عليّ واجتهدوا في الدعاء، ثم قولوا: اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد)).
قال في (المقاصد) وهذا عند الطحاوي وأحمد والبغوي في (معجم الصحابة) وأبو نعيم والديلمي، قال الحافظ أبو الخير في (شرح الحصن): وأما الاقتصار على الصلاة عليه - يعني من دون آله - فلا أعلمه ورد في حديث مرفوع إلا في سنن النسائي في آخر دعاء القنوت، قال فيه: وصلى الله على النبي، ولم يقل فيه: وآله.
قلت: وحديث القنوت هو من رواية الحسن السبط عَليْه السَّلام ولم يذكر فيه الصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كما في كتب أهل البيت عَلَيْهم السَّلام حتى يرد ما قيل من التفرقة،ورواية النسائي هذه يردها تصيرحه هو بذكر الآل كما تقدم وندورها لما تظاهرت عليه الأخبار والحفاظ وأهل البيت عَلَيْهم السَّلام فهي ظاهرة النكارة، وتصريحه -صلَّى الله عَليْه وعلى آله وسلم- في كثير بقوله: ((وعلى آلي))، فقيل: حديث النسائي لا يعارض القول الصريح، والأمر الفصيح، مع تطرق الاحتمالات إليه لو فرض مساواته لما عارضه؛ والله أعلم، وليقل: اللهمَّ صل على محمد وآل محمد وأعطني كذا، فإن في الصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لا يُرد والله تعالى كريم وهو أكرم من أن يستجيب واحدة ويرد الأخرى، وهو معنى حديث في المجموع عن علي عَليْه السَّلام.
وأن لا يكون حاله كعبد السوء كما حكى الله، عز وجل، وهو أن يتضرع إلى الله يفزع إليه في الشدائد وينساه ويستغني عنه في السراء ونحوها، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]، وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من سرّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء))، رواه الترمذي والحاكم.
وأن يكون حاضر القلب، عارفاً بمصدر ما يدعو به وله ومورده، فإن التلفظ باللسان غير نافع، قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أفضل الدعاء ما خرج من القلب بجد واجتهاد))، فبذلك يسمع ويستجاب وإن قل، قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن الله لا يستجيب دعاء من قلب ساهٍ لاهٍ))، روي في أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام من حديث حنظلة: ((إن الله تعالى أوحى إلى موسى بن عمران عَليْه السَّلام: أن قومك زينوا مساجدهم، وأخربوا قلوبهم، وسمنوا كما تسمن الخنازير ليوم ذبحها، وإني نظرت إليهم فلا أستجيب لهم دعاءهم ولا أعطيهم مسائلهم))، وكفى بجوامع الكلم التي أعطيها نبيئنا صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم.
قال في أمالي الإمام أبي طالب(ع) عَليْه السَّلام والمرشد بالله عَليْه السَّلام من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((صلي صلاة مودع ترى أنك لا تصلي بعدها أبداً، إضرب ببصرك موضع سجودك حتى لا تعرف من عن يمينك ولا من عن يسارك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه))، فكفى بها كلمة لمن اعتمدها.
والدعاء والصلاة أخوان كما قدمنا، وأن لا يكون مصاحباً لشرهٍ ولا بطر واستهزاء، روى أبو طالب من حديث ابن مسعود مرفوعاً: ((من أحسن صلاته حيث يراها الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة يستهين بها ربه عز وجل)).
وقد روي عن علي عَليْه السَّلام أنه سمع رجلاً يستغفر الله وهو ضاحك لاهٍ فقال له عَليْه السَّلام: (إستغفارك يحتاج إلى استغفار)، فجعله ذنباً يحتاج إلى توبة.
وروى في الأمالي من حديث أنس مرفوعاً: ((العلم علمان: علم بالقلب فذالك العلم النافع، وعلم باللسان فذلك حجة الله على ابن آدم))، ومراده عَليْه السَّلام عدم مطابقة اللسان للقلب لا ذم ما جرى على اللسان مطلقاً، فإن الإفادة والاستفادة وأنواع العبادة واقع به.
ولا بأس بالتوسل إلى الله تعالى بعمل الإنسان نفسه وبالملائكة والأنبياء والصالحين وذلك شفاعة، قال تعالى حكاية عن المؤمنين: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(16)} [آل عمران]، وكقصّة أهل الغار الثلاثة وهي مروية مرفوعة في البخاري وغيره من حديث ابن عمر، ورواه أيضاً مسلم ويحسن ذلك عند الشدائد أخذاً من القصّة، وقد أجازه الجزري في (شرح العدة).
ومنع من التوسل بأحد إلى الله تعالى ابنُ القيِّم في (إغاثة اللهفان) أشد المنع وهو أن يقول: اللهمَّ بحق كذا، أو بحق فلان، أو بكذا فلا حق على الله، والصحيح جوازه لما رواه الطبراني في آخر دعاءٍ في الصباح: ((وأسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك))، ولما رواه المرشد بالله من حديث أبي سعيد قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا قضى صلاته قال: ((اللهمَّ إني أسألك بحق السائلين عليك فإن للسائلين عليك فيها حقاً))... إلخ الدعاء بما سيأتي،وهذا كافٍ، وثم روايات أخر تفيد هذا.
وأن يكون محسناً ظنه بالمؤمنين، مشركاً لهم في دعائه العام غالباً،فإن المؤمنين والصالحين سبب للقبول فكأنه صادر منهم سيما الغائبين، ففي الأمالي من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: ((إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين، ولك مثله)).
وأن يتخير لأدعيته -سيما المطلقة- الأوقات الفاضلات، والأماكن الطيبات، كشهر رمضان والجمعة والحرمين، وسيأتي لذلك باب خاصٌّ إن شاء الله فيطلب، وأماما قيد بوقت فلا يتركه في وقته فإن الشارع طبيب عارف ودليل على الخير، فالتنبيه منه على وقت قد ومكان قد علم أن له قدراً عظيماً في النفع.
وليكن على هيئَة تامَّة فلا يرفع يديه حتى تبدوا إبطاه إلا في نازلة وعند الجأر إلى الله تعالى إذ لم يفعله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إلا في الاستسقاء ويوم بدر، رواه في البحر، وقدر روي عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم رفع يديه إلى حذاء صدره وذلك في التضرع كدعائه يوم عرفة فإنه رفعهما إلى حذاء صدره، قال الراوي: حتى أن زمام ناقته جذبته أو استرسل عليه شككت أنا فذهب يرفعه بواحدة وبقت الأخرى حذاء صدره مع دعائه.
وليكن بباطن الكف لحديث مالك بن يسار السكوني قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا سألتم الله فسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهروها))، رواه في (الضياء)، وقال: هو عند أبي داوود، وهو أيضاً في (شمس الأخبار) من حديث جعفر بن محمد عَليْه السَّلام مرفوعاً بزيادة: ((وإذا استعذتموه فاستعيذوه بظاهرهما))، ومثله عن ابن عباس مرفوعاً بزيادة: ((وامسحوا بها وجوُهكم)).
وأخرجه البخاري عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا رفع يديه في الدعاء لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه)).
قال في (الضياء) رواية عن البحر والمنتخب: أن القاعد يبسط يديه على فخذيه، والتضرع رفعهما قليلاً، والإبتهال إلى حذاء الصدر .
وفي الأمالي: ((إن ربكم حيي كريم يستحي أن يمدّ أحدكم يده))، وفي رواية ((يديه فيردهما صفراوين))، وفي أخرى ((خائبتين))، قبلنا الله تفضلاً منه.
المقدمة الثانية: في بيان فضل الذكر والتنبيه على يسير من ذلك جملة لأنه سيأتي في أبوابه ما يتم المراد به
إعلم أن الدعاء شأنه عظيم كما قد أشرنا إليه، وهو قسمان: قسم بالقرآن الكريم، وقسم بأذكار خارجة عنه.
فأما القرآن الكريم: ففضله غير محتاج إلى بيان ولا إستظهار، وأجره مضاعف، وناهيك عن حال كتاب الله العزيز أنه إذا تلاه التالون مجرداً عن كل نية غير التعبُّد والاستملاح أعطي صاحبه بكل حرف عشر حسنات كما ثبت عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في غيرمحل أخرج معناه الترمذي، ويقال لقارئه: ((إقرأ ورقة(1) ورتِّل كما كنت ترتل فإن منزلك عند آخر آية تقرأوها))، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وحسَّنه. وكفى به، كونه كلام الله، فإن الناس يعظمون كلام الملوك لكونه كلامهم، وهذا كلام ملك الملوك.
روي في الأمالي من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه))، وسيأتي في بابه منه شيء من أدلة التفضيل.
والقسم الثاني: الدعاء بسائر الكلام المأثور النبوي: ولا يعدل عنه إلا لمن لا يحسنه ولا بأس لمن أمعن عن فيه وأبقى التصرف لمطابقة الحادثة من دون ترك لما يمكن، ففي الألفاظ النبوية مهما حفظت تراكيبها بركة وسر عظيم من دون توغل في التقطيع والتسجيع والتنطُّع والتصنع. ولا يقال تركه والاستغناء عنه بالقرآن أولى لما فيه من المغزى النافع والسر في الحاجات، ولكلٍ فضل وإلا لما احتيج إليه ولا حث الشارع عليه ولا دخل في صلب الصلاة وزاحم القرآن.
__________
(1) لعله: (وارقه).
وأما فضائله: فهي كثيرة؛ كبيرة جمَّة مستخرج من أبواب الذكر الآتية إن شاء الله، فذكرها هنا تكرير، ومنها في أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام بسنده: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فأتني بشيء أتشبث به قال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر ا لله تعالى))، وأخرجه في (الحفاظ(1)) مثل الترمذي والحاكم وغيرهما.
وفي (كنز الرشاد) للإمام الحافظ الزاهد عزالدين بن الحسن عَليْه السَّلام من حديث معاذ أنه قيل: يا رسول الله أوصني يا رسول الله، قال: ((عليك بتقوى الله ما استطعت، وذكر الله عند كل شجر وحجر، وما عملت من سوء فأحدث له توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية))، أخرجه أحمد وغيره.
وفي الأمالي من حديث أنس مرفوعاً: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا))، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة ؟، قال: ((حلق(2) الذكر))، وأخرجه أحمد أيضاً والتزمذي وغيرهما، وأمثال ذلك كثير كما سيأتي نصه.
__________
(1) قوله: في الحفاظ (في) بمعنى مِنْ.
(2) حِلَق -أولها حاء مهملة مكسورة-: جمع حلقة.
[معتمد الأخذ في هذا الكتاب كتب أهل البيت(ع) وشيعتهم رضي الله عنهم]
إعلم أنا قد بينا أن المعتمد في الأخذ عنه في مختصرنا هذا هم أهل البيت (عليهم السلام ورحمة الله وتحياته، ورضوانه وبركاته)، وعلى الجملة فمن جعلهم واسطة بينه وبين الله تعالى في عمله فقد تمسك بهم ولم يعرض عنهم كما أشار إلى الطرفين حديث: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي))...إلخ الحديث، فإنه دل على وجوب التمسك بهم من حيث التنبيه أن تركهم مظنة الضلال في قوله: ((لن تضلوا))، فالضال أتى من جهة نفسه بعد هذا الشأن، وقوله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أهل بيتي كسفينة نوح))... إلخ، ومؤداه نجاة وضلالاً(1) مؤدَّى الأول، ومن تصدى إليهما من شرحهما في كراريس، وأمثال ذلك كثير، فدينهم مستفاد من دين أبيهم الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا عرفت ذلك فسنبينه على أمهات هذا المختصر برمز باين لا يشتبه ميلٌ إلى الاختصار، واللائق بمن نَقَل منه أن يتحرى في رموز الكتب ويوضحها، فإن بعض شراح (عدة الحصن الحصين) حَمَلَهُ الخلط من النساخ في رموز (العدة) على أن شرحها شرحاً مستقلاً ليرفع الخلل فإن أمكن حفظ تلك الرموز بخط مخالف من حمرة أو خضرة مثلاً وإلا ذكر كل كتاب بإسمه ونسبه إلى صاحبه كما سنبينه هنا، والذي نريد له رمزاً هو ما سيتكرر ذكره في المختصر، وما كان نادراً أو قليلاً فسنذكره باسمه -إن شاء الله تعالى-.
__________
(1) أي مؤدى حديث التمسك وحديث السفينة واحد في نجاة المتمسك بأهل البيت -عليهم السلام- المتبع لهم الذي كالراكب في السفينة وفي ضلال التارك لأهل البيت -عليهم السلام- وهو الغارق الهاوي.
[مواضيع الكتاب وأبوابه (39) باباً وخاتمة]
وجملته تنحصر في تسعة وثلاثين باباً وخاتمة، وبالله الإعانة.
الباب الأول: في الإبتداء بشيء من القرآن تشرّفاً غير ما يأتي في بابه -إن شاء الله تعالى-، وكلمة الإخلاص.
الباب الثاني: في الصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وما يتصل بذلك.
الباب الثالث: في شيء مما رود عند الاستيقاظ من النوم وما يتصل بذلك.
الباب الرابع: مما ورد عند دخول الخلاء والخروج منه.
الباب الخامس: مما ورد عند الوضوء وما يتصل بذلك.
الباب السادس: مما ورد عند الخروج من المنزل وما يتصل بذلك.
الباب السابع: مما ورد عند دخول المسجد وما يتصل بذلك.
الباب الثامن: مما ورد في الأذان وما يتصل بذلك.
الباب التاسع: مما ورد بعد الفراغ من الصلاة فيها مطلقاً ومقيداً وما يتصل بذلك.
الباب العاشر: مما ورد في الإستسقاء وما يتصل بذلك.
الباب الحادي عشر: مما ورد عند الكسوف وهياج الريح وسائر النوازل وما يتصل بذلك.
الباب الثاني عشر: مما ورد عند الخروج من المسجد وما يتصل بذلك.
الباب الثالث عشر: مما ورد عند دخول المنزل وما يتصل بذلك.
الباب الرابع عشر: مما ورد عند أخذ المضجع وما يتصل بذلك.
الباب الخامس عشر: مما ورد عند القيام للتهجد والعود في النوم وما يتصل بذلك.
الباب السادس عشر: مما ورد في الصباح والمساء وما يتصل بذلك.
الباب السابع عشر: مما ورد عند رؤية الهلال وما يتصل بذلك.
الباب الثامن عشر: مما ورد عند الإفطار وما يتصل بذلك.
الباب التاسع عشر: مما ورد في السفر ودخول محلة وما يتصل بذلك.
الباب العشرون: مما ورد في الجهاد وما يتصل بذلك.
الباب الحادي والعشرون: مما ورد في التفرق من المجلس وما يتصل بذلك.
الباب الثاني والعشرون: مما ورد في الأكل والشرب وما يتصل بذلك.
الباب الثالث والعشرون: مما ورد في اللباس وما يتصل بذلك.
الباب الرابع والعشرون: مما ورد في النكاح وما يتصل بذلك.
الباب الخامس والعشرون: مما ورد عند ولادة المولود وما يتصل بذلك.
الباب السادس والعشرون: مما ورد في الأسواق وما يتصل بذلك.
الباب السابع والعشرون: مما ورد عند رؤية ما يسر وسماعه وضده وما يتصل بذلك، ومنه الرؤيا المنامية [ولسائر أحوال البدن(1)].
الباب الثامن والعشرون: مما ورد عند الهم والكرب وما يتصل بذلك.
الباب التاسع والعشرون: مما ورد عند خصاصة من فقر ودين وما يتصل بذلك.
الباب الثلاثون: مما ورد لحفظ القرآن وغيره وما يتصل بذلك.
الباب الحادي والثلاثون: مما ورد من الدعاء للمؤمن بظهر الغيب.
الباب الثاني والثلاثون: مما ورد عند خوف مخوف مطلقاً، وَدُخُول على سلطان، وذهاب ضالة، وشدة، وحاجة مطلقاً وما يتصل بذلك.
الباب الثالث والثلاثون: مما ورد في الأذكار العامة المطلقة القرآنية والنبوية من دون تقييد بوقت ولا مكان ولا شخص.
الباب الرابع والثلاثون: مما ورد مقيداً بوقت خاص، وفيه فصول ثلاثة: ما ذكر(2)، وما قيد بمكان، وما قيد بشخص.
__________
(1) ـ ما بين القوسين هنا زيادة على ما يأتي في الأصل، وهو ثابت في المخطوط، مع أن البناء هنا على الاختصار كما ترى.
ويعنى بهذا ما ذكره فيما سيأتي لاحقاً من قوله: وأما سائر الأفعال المتعقلة بالبدن..إلخ، وموضوع ذلك الابتداء بالتسمية وذكر الرقية والاستعاذة وما يقال عند التثاؤب والعطاس.
(2) يعني أن المقيد ثلاثة فصول: (1) ما ذكر –أي المقيد بوقت خاص. (2) ما قيد بمكان. (3) ما قيد بشخص.
الباب الخامس والثلاثون: مما ورد لأمراض عامة، أو خاصة.
الباب السادس والثلاثون: مما ورد في عيادة المرضى، وما يتصل بذلك.
الباب السابع والثلاثون: مما ورد في صلاة الجنازة، وما يتصل بذلك.
الباب الثامن والثلاثون: مما ورد في التعزية، وما يتصل بذلك.، وفيه فصل في دفع عذاب القبر.
الباب التاسع والثلاثون: في زيارة قبور الصالحين وما يتصل بذلك.
[الباب] الأربعون: الخاتمة في جملة من أحوال الآخرة كثيرة، ختم الله لنا بالحسنى، آمين.
[رموز أمهات هذا المختصر]
وهذه رموز أمهات هذا المختصر، الموعود بها أخرّتها أمام المطلوب حرصاً على حفظها وملاحظة لإتقانها عن الإلتباس لأن ثمرتها حينئذ معرفة الأمهات ليسكن الخاطر وليرجع إليها إذا أشكل في موضع شيء أو نقص فيبحث له، ولم يكن القصد في ذلك جميع ما وجد فيه الحديث من هذه الأمهات عند ذكره، بل يُستكفَى بذكر كتاب أو اثنين أو ما سنح لأن القصد بيان وجدان الحديث في أحدها لا الحصر، ولا بد إن شاء الله أن أجمع تخريجها من كتب الحديث ولحق بكل حديث ذكر من خرّجه بمعونة الله تعالى. تمت.
مجموع الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- (ج).
صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا عَليْه السَّلام (ص).
أمالي الإمام أحمد بن عيسى عَليْه السَّلام (سا).
أحكام الإمام الهادي عليه السلام (كا).
أمالي الإمام أبي طالب عَليْه السَّلام (ط).
أمالي الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام (لي).
ولما كان كتاب (شمس الأخبار) للعلامة التقي علي بن أحمد بن الوليد القرشي رحمه الله من أجلِّ كتب الشيعية، وأمهاته مصرّح بها في ديباجته كلها من كتب الأئمة وبعض شيعتهم الأكرمين؛ اعتمدنا النقل منه كون مرجعه كتب الأئمة؛ وهو من أصحّها؛ فإنه لمّا تمّ له تأليفه عرضه على الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عَليْه السَّلام فأعجب به إلى غاية، وحكم بصحته، وفرض على مؤلّفه أن يكون حصته من الجهاد تحصيل نسخة له عَليْه السَّلام، والقصة في مطلع البدور، فرمز ما أشرنا إليه (ش).
تخريج البحر لابن بهران رحمه الله (تج).
المقاصد الحسنة لأحمد بن عبدالله الوزير، إختصره عَليْه السَّلام؛ وأصله للسخاوي (صد).
الإعتصام للإمام القاسم بن محمد عَليْه السَّلام (م).
تتمة الأنوار للعلامة أحمد بن يوسف زبارة رحمه الله (ره).
ضياء ذوي الأبصار للعلامة المحقق شمس العترة أحمد بن محمد الشرفي رحمه الله (ضيا)(1).
هذا ما نكثر تكرره، وأما ما ندر كأمالي المؤيد بالله عَليْه السَّلام وغيره؛ أو عرض ذكره من غير كتبنا فيعزى إليه بإسمه، وكل هذه صحّت لنا طرقها جميعاً وربما نتعرض لذلك في بعض الأسانيد لحاجة أو نعرف بذلك صحة ما قلنا وقد اكتفيت عن ذكر الأسانيد بوجودها في الأمهات تركتها اختصاراً وسميته كتاب (السَّفِينَةُ المُنجِيَةُ في مُسْتَخْلَصِ المرْفُوْعِ من الأَدْعِيَةِ).
__________
(1) تقريباً للقارئ الكريم رأينا إثبات كلّ كتاب مما تقدّم باسمه؛ والاستغناء عن هذه الرموز.
هذا؛ ولم نأل جهداً في الاختصار، وطلب الوقوف على المراد والاقتصار، والمذكور في كل باب ما يحتاج إليه، وربما يعثر عاثر على زيادة لم نجدها عند التحصيل فقد أذنا له بإلحاقها مع ما عرفه من شرطنا كون الطريق لا تتعدى أهل البيت المطهرين، وكون المنقول منه مما صح للملحق فيه طريق صحيحة، والله تعالى المستعان، وأسأله تبارك وتعالى أن ينفع به ويجعله لمن اعتمده بركة ووقاية وكفاية وجالباً لخير الدارين، آمين آمين.
وهذا أوان الشروع في المقصود، طالباً من إخواني المؤمنين من فيض سماحتهم الدعاء لي في حياتي وبعد وفاتي، فقد قبلتُ ما وصلني به من وصل، والله يضاعف أجره، آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول: في التشرف بشيء من آي القرآن الكريم والتيمن بالإبتداء به؛ وكلمة الإخلاص
في أمالي أبي طالب من حديث أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقرأ: ((بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين))، حتى ذكر ((ولا الضالين))، قالت: سكت عند كل آية وهو يعدها حتى عدها سبعاً، قالت: فعد بسم الله الرحمن الرحيم آية.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي بن كعب عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أيما مسلم قرأ فاتحة القرآن فكأنما قرأ ثلثي القرآن وكأنما تصدق على كل مؤمن)).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أربع آيات نزلن من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهن: أم الكتاب فإنه يقول تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ(4)} [الزخرف]، وآية الكرسي، وخاتمة سورة البقرة، والكوثر)).
وفي المقاصد الحسنة من حديث أبي سعيد مرفوعاً: ((فاتحة الكتاب شفاء من السُّم)).
وفي حديث جابر: ((هي خير سورة وفيها شفاء من كل داء)).
وفي رواية: ((هي لِمَا قرأت))، لكن قال المصنف: لم يجد هذه الرواية بعينها؛ إنما الروايات الأولى وكلها عن جابر مرفوعاً ويشهد لها ما في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) ومن حديث علي عَليْه السَّلام قال: ((من قرأ فاتحة الكتاب ثم قال الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه صرف عنه سبعين نوعاً من البلاء أهونها الهم))، وهذا له حكم الرفع.
وفي الأمالي من حديث أبي أيضاً: ((من قرأ سورة قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وأعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من آمن بالله وملائكته ورسله، ويعطيه الله أجر مائة شهيد)).
وفيه من حديث علي –عليه السلام- عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يا علي؛ أكثِر من قراءة يس فإن في قراءة يس عشر بركات: ما قرأها جائع قط إلا شبع، ولا قرأها ضمآن إلا روي، ولا عارٍ إلا كسي، ولا مريض إلا بريء، ولا خائف إلا أمن، ولا مسجون إلا خرج، ولا عزب إلا تزوج، ولا مسافر إلا أُعين على سفره، ولا قرأها أحد ضلّت له ضالّة إلا وجدها، ولا قُرأت عند رأس ميت قد أحضر أجله إلا خفف الله عنه، من قرأها صباحاً كان في أمان حتى يمسي، ومن قرأها مساءً كان في أمان حتى يصبح)).
وفيه أيضاً من حديث عبدالله عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر)).
وعن عبدالله أيضاً قال: كنّا نسميها علىعهد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم المانعة، وأنها: في كتاب الله تعالى بسورة من قرأها في كل ليلة فقد أكثر وأطنب - يعني سورة الملك -، وفي رواية أبيّ: ((من قرأها فكأنما أحيى ليلة القدر)).
وفي شمس الأخبار من حديث أبي أُمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب له قنٌوت ليلة، ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين، ومن قرأ أربع مائة آية كُتِبَ من العابدين، ومن قرأ خمس مائة آية كتب من الحافظين، ومن قرأ ست مائة آية كتب من الخاشعين، ومن قرأ ثمان مائة آية كتب من المخبتين، ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار، والقنطار ألف ومائتا أوقية، الأوقية خير مما بين السماء والأرض))، أو قال: ((مما طلعت عليه الشمس، ومن قرأ ألفي آية كان من الموجبين))، - يعني ممن وجب له الغفران، أو وجب له الجنة، وسيأتي استيفاء ذلك في بابه إن شاء الله، وإنما هذا تبركاً، وهو الذي لا تنفد عجائبه، كما صح مرفوعاً، وكفى بها كلمة جامعة.
من فضل كلمة الإخلاص
ما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من أحبَّ أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتيه منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله)).
وفيه من حديث البراء بن عازب مرفوعاً أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((إن المسلم إذا سُئِلَ في قبره فشهد أن لا إله إلا الله فذلك قوله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا}..إلخ [إبراهيم:27]، وسيأتي في بابه إن شاء الله، زيادة.
الباب الثاني: في ذكر شيءٍ مما ورد في الصلاة على النبي(ص)
في ضياء ذوي الأبصار من حديث كعب ابن عجرة قال: خرج علينا النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصلي عليك ؟ قال: ((قولوا: اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).
وقال في الإعتصام ومثله من حديث أبي مسعود البدري، ومثله في أمالي الإمام أبي طالب(ع)، أمالي الإمام المرشد بالله (ع)، شمس الأخبار، تخريج البحر لابن بهران وغيرها مع زيادة ونقص(1)
__________
(1) وفي (محاسن الأزهار) روينا عن ابن عباس أنه قال: قال المؤمنون للنبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: كيف نصلي عليك ؟، فقال: ((قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، وبارك على محمد وعلىآل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إرفعوا أصواتكم بالصلاة عليَّ وعلى أهل بيتي فإنها تذهب بالنفاق))، وهو في (أمالي أبي طالب(ع).
وفيه من حديث، طويل، وفيه صفة الملك الموكل بالصلاة عليه، إلى أن قال: ((فإذا قال العبد: اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، لقطها من فيه كما يلقط الطائر الحب يرفرف على قبري ويقول: يا محمد؛ يا محمد؛ إن فلان بن فلان صلى عليك وأقرأك السلام، فتكتب له في ذلك اليوم في رق من نور بالمسك الأذفر فيُرفع له عشرون ألف درجة، ويكتب له عشرون ألف حسنة، ويغرس له عشرون ألف شجرة على شاطيء الكوثر، فهو مختوم بالمسك الأذفر في قبري عند رأسي)).
وساق حديثاً طويلاً فيه ذكر اللواء إلى أن قال: ((فإذا دُعي العبد الذي أكثر الصلاة علي للوزن فخف ميزانه فأقول للوزان: أرفق فإن له عندي وديعة وصنيعة، فيقول: يا محمد؛ أنت اليوم مطاع، فيكتب كتاب باسمه وباسم الله وحده فأضعه في كفة الميزان، فأدع الله أن يرجح ميزانه))، تمت من (محاسن الأزهار).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشر صلوات ومحا عنه عشر سيئات وأثبت له بها عشر حسنات واستبق ملكاه الموكلان به أيهما يبلغ روحي منه السلام))، ورواه محمد بن منصور.
وفيه أيضاً من حديث عبدالرحمن بن عوف حديث طويل مرفوعاً قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لقيت جبريل فقال: إني أبشرك أن الله تعالى يقول: من سلم عليك سلمت عليه، ومن صلى عليك صليت عليه)).
وفي شمس الأخبار من حديث أنس ابن مالك قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من صلى علي صلاةً تعظيماً لحقي جعل الله من تلك الكملة ملكاً له جناح في المشرق وجناح في المغرب ورجلاه في تخوم الأرض وعنقه ملتوية تحت العرش يقول الله تبارك وتعالى: صَلِّ على عبدي كما صلى على نبيي، فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة))، ورواه أيضاً محمد بن منصور في كتاب (الذكر).
وفيه من حديث أبي أمامة المكي: ((من قرأ في كل يوم مائة مرة قل هو الله أحد وصلى علي مائة مرة غفر الله له البتة))، ورواه محمد بن منصور.
وفيه من حديث أنس قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من أحد من أمتي يذكرني ثم يصلي علي إلا غفر الله له ذنوبه وإن كانت أكثر من رمل عالج)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((صلوا علي حيث ما كنتم فإن صلاتكم وتسليمكم يبلغني))، ومثله في أمالي الإمام المرشد بالله (ع).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عبدالله بن عامر عن أبيه أنه سمع النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((ما من مسلم يصلي عليَّ صلاةً إلا صلت عليه الملائكة ما صلى فَلْيُقِلّ عبد من ذلك أو لِيُكْثِر)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت على إبراهيم وعلى إبراهيم شَهِدَتْ له يومالقيامة شهادة وشَفَعَتْ له شفاعة)).
ومنه من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاةً)).
الباب الثالث: في ذكر شيءٍ مما ورد عند الإستيقاظ من النوم
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من انتبه من فراشه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت غفرت له ذنوبه)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من تعارَّ(1) من الليل على فراشه فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، اللهمَّ اغفر لي، إلا غفر الله له، فإن قام فتوضأ وصلى ركعتين ودعا الله، عز وجل، استجاب الله له)).
وفيه من حديث حذيفة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: إذا استيقظ قال: ((بسم الله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)).
__________
(1) أي: استيقظ.
وفي شمس الأخبار من حديث سالم بن عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أَحَبَّ شيءٍ يتكلم به العبد حين يستيقظ من منامه: سبحان الله الذي يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، فيقول الله سبحانه: صدق عبدي شكر نعمتي)).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال حين يصبح أول كلمة يتكلم بها: اللهمَّ لك الحمد لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، آمنت بك مخلصاً لك ديني، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، وأتوب إليك من سيئ علمي، وأستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها إلا أنت، قال يقسم بالله: ما قالها عبد حين يصبح فيدركه أجله في يومه ذلك إلا دخل الجنة، أو قالها حين يمسي فيدركه أجله في ليلته إلا دخل الجنة))، وسيأتي في قيام التهجد زيادة على ما ذكر، ومثله أيضاً في الأمالي.
الباب الرابع: في ذكر شيءٍ مما ورد عند دخول الخلاء وخروجه
ففي ضياء ذوي الأبصار كان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
وفيه أيضاً: ((إذا اتى أحدكم الخلاء فليقل))... إلخ، وفي الإعتصام من حديث عليٍّ عَليْه السَّلام مثله.
وإذا خرج قال: ((الحمد لله الذي أماط عني الأذى وكفاني المؤنة)).
وإذا فرغ من البول قال: ((الحمد لله الذي هنَّاني دخوله وسهل علي خروجه(1))).
__________
(1) وهو في (الجامع الكافي) عن علي عَليْه السَّلام.
وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) من حديث علي موقوفاً كان إذا دخل المخرج قال: (بسم الله؛ اللهمَّ إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث)، وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) مثله، وفي ضياء ذوي الأبصار بزيادة بعد المخبث: (الشيطان الرجيم).
وفي الجميع عن علي عَليْه السَّلام موقوفاً وهي في أحكام الإمام الهادي(ع) كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي عافاني في جسدي، الحمد لله الذي أماط عني الأذى)).
الباب الخامس: في ذكر شيءٍ مما ورد عند الوضوء قبله وخلاله وبعده
في ضياء ذوي الأبصار من حديث أنس مرفوعاً قال: دخلت على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وبين يديه إناء فيه ماء، فقال: ((يا أنس أُدْنُ مني أعلمك مقادير الوضوء))، فدنوت، لما أن غسل يديه قال: ((بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، فلما استنجى قال: ((اللهمَّ حصن فرجي ويسر أمري))، فلما تمضمض واستنشق قال: ((اللهمَّ لقني حجتي ولا تحرمني رائحة الجنة))، فلما أن غسل وجهه قال: ((اللهمَّ ببيض وجهي يوم تبيض الوجوه))، فلما أن غسل ذراعيه قال: ((اللهمَّ اعطني كتابي بيميني))، فلما أن مسح على رأسه قال: ((اللهمَّ غشنا برحمتك وجنبنا عذابك))، فلما أن غسل قدميه قال: ((اللهمَّ ثبت قدمي على صراطك المستقيم يوم تزل الأقدام))، ثم قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والذي بعثني بالحق نبياً ما من عبدٍ قالها عند وضوءه لم يقطر من خلل أصابعه قطرة إلا خلق الله ملكاً يسبح الله بسبعين لساناً يكون ثواب ذلك التسبيح له إلى يوم القيامة)).
وفي أمالي المؤيد بالله عَليْه السَّلام بسنده من حديث محمد بن الحنفيَّة رضي الله عنه قال: دخلت على والدي علي بن أبي طالب عَليْه السَّلام فإذا عن يمينه إناءٌ من ماءٍ فسمَّا، قال في الأحكام،: قال: (بسم الله وعلى ملَّة رسول الله، ثم سكب على يمينه، ثم استنجى فقال: اللهمَّ حصن فرجي واستر عورتي ولا تشمت بي الأعداء، ثم تمضمض واستنشق فقال: اللهمَّ لقني حجتي وأذقني عفوك ولا تحرمني رائحة الجنة، ثم غسل وجهه فقال: اللهمَّ بيض وجهي يوم تسود الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض الوجوه، ثم سكب على يمينه فقال: اللهمَّ اعطني كتابي بيميني والخلد بشمالي، ثم سكب على يساره فقال: اللهمَّ لا تؤتني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلا عنقي، ثم مسح رأسه فقال: اللهمَّ غشني برحمتك فإني أخشى عذابك، اللهمَّ لا تجمع بين نواصينا وأقدامنا، ثم مسح عنقه فقال: اللهمَّ نجنا من مقطعات النيران وأغلالها، ثم مسح قدميه فقال: اللهمَّ ثبت قدمي على الصراط يوم تزل الأقدام، ثم استوى قائماً فقال: اللهمَّ كما طهرتنا من النجس فطهرنا من الذنوب، ثم قال بيده هكذا فقطر الماء فقال نحواً مما ذكر في آخر حديث أنس المرفوع، ثم قال: يا بني؛ إنه من فعل كفعلي هذا تساقطت عنه الذنوب كما تساقط الورق من الشجر في اليوم العاصف)، وهذا له حكم الرفع، ومثله في أحكام الإمام الهادي(ع) والإعتصام وأمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) وشمس الأخبار و(جامع آل محمد عَلَيْهم السَّلام)، إلا أن في كلها: (غسل قدَمَيْه) بدل (مسح قدميه)، وفي بعضها اختلاف يسير زيادة ونقصان يسير.
فصل ومما ورد بعده
قد تقدم في آخر حديث أنس وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) وغيره من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من مسلم يتوضأ ويقول عند وضوءه: سُبْحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهمَّ اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين واغفر لي إنك على كل شيءٍ قدير، إلا كتب في رقٍ ثم ختم عليها، ثم وضعت تحت العرش حتى تدفع إليه بخاتمها يوم القيامة)).
الباب السادس: مما ورد في ذكر شيءٍ عند الخروج من المنزل
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: ما خرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من بيتي قط إلا وطرفه إلى السماء وقال: ((اللهمَّ إني أعوذ بك أن أزلّ أو أضلّ، أو أظلِم أو أُظلَم، أو أجهِل أو يُجْهَل عليَّ))، ومثله في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) بنقص يسير.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عباس، وإن كان أصله مطلقاً فموضعه هنا حسن: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يدعو فيقول: ((ربّ أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر لي الهدى وانصرني على من بغى عليَّ، اللهمَّ اجعلني لك شكاراً، ولك ذكاراً، ولك مطواعاً، ولك راهباً، إليك مخبتاً ولك أواهاً منيباً، اللهمَّ تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وثبت حجتي، وأجب دعوتي، وسدد لساني)).
الباب السابع: في ذكر شيءٍ مما ورد عند دخول المسجد
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث فاطمة الزهراء (صلاة الله عليها) قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا دخل المسجد قال: ((بسم الله والسلام على رسول الله؛ اللهمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك))، وإذا خرج قال: ((بسم الله والسلام على رسول الله؛ اللهمَّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)).
وفي الإعتصام من حديث علي عَليْه السَّلام: كان إذا دخل المسجد قال: ((بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي الكريم ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
الباب الثامن: في ذكر شيءٍ مما ورد عند سماع الأذان وإقام الصلاة
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث جابر مرفوعاً: ((من قال حين يسمع النداء: اللهمَّ ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت [سيدنا] محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إلا حلت له شفاعتي يوم القيامة)).
وفيه من حديث ابن مسعود: أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((ما من مسلم يقول حين يسمع النداء بالصلاة فيكبر ويشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدا ًرسول الله ثم يقول: اللهمَّ اعط محمداً الوسيلة واجعله في الأعلين درجة وفي المصطفين محبة وفي المقربين ذكره، إلا وجبت له الشفاعة يوم القيامة))، ومثل المتن الأول في شمس الأخبار.
وفيه من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من سمع المؤذن فالتفت إلى وجهه فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، رضينا بالله ربًّا وبالإسلام ديناً، غفرت خطاياه)).
وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) عن علي عَليْه السَّلام قال: (ثلاث لا يدعهن إلا عاجز: رجلٌ سمع مؤذناً لا يقول كما يقول، حتى قال: فإنه إذا فعل ذلك كان له أجران)، وهذا له حكم الرفع، وهو في المجموع من دون ذكر الزيادة من قوله: ((كان له أجران)) وهي التي قضت برفعه.
وفيه أيضاً من حديث أبي رافع مرفوعاً قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا سمع المؤذن قال كما يقول، فإذا بلغ حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله))، فإذا بلغ الإقامة قال: ((اللهمَّ لك الدعوة التامة والصلاة القائمة اعط محمداً سؤله يوم القيامة وبلغه الدرجة الوسيلة من الجنة وتقبل شفاعته في أمته)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عبدالله بن بُريْدَة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا بُريدة إذا كان حين تفتتح الصلاة فقل: سبحانك اللهمَّ وبحمدك لا حول ولا قوة إلا بك ولا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، تبارك إسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)).
وفي المقاصد الحسنة من حديث معاوية مرفوعاً: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا سمع المؤذن يقول: حيَّ على الفلاح، قال: ((اللهمَّ اجعلنا من المفلحين)).
الباب التاسع: في ذكر شيءٍ مما ورد عقيب الصلاة وهو مطلق ومقيَّد
فمن المطلق: ما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي فإنه لا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد))، ومثل ذلك في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) إلا أنه قال: ((من قرأها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)).
وفيه أيضاً من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: اللهمَّ أعني على أداء شكرك وذكرك وحسن عبادتك فقد اجتهد في الدعاء))، ومثله في أمالي الإمام المرشد بالله (ع).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا فرغ من صلاته مسح جبهته بيده ثم يقول: ((اللهمَّ لك الحمد لا إله إلا أنت عالم ا لغيب والشهادة، اللهمَّ اذهب عني الهم والحزن والفتن ما ظهر منها وما بطن))، وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما أحد من أمتي يقول ذلك إلا أعطاه الله ما سأل)).
أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أعلمك بكلمات تدرك بهن من كان قبلك وتسبق بهن من يكون بعدك ؟، إلا من قال مثل ما قلت أو زاد؛ تسبح الله بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمده ثلاثاً وثلاثين، وتكبره أربعاً وثلاثين)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس مرفوعاً: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا قضى صلاته مسح جبهته يقول: ((بسم الله الذي لا إله غيره الرحمن الرحيم، اللهمَّ اذهب عني الهم والحزن)).
وفيه من حديث زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يدعوا في دبر كل صلاة يقول: ((اللهمَّ ربنا وربّ كل شيءٍ أنا أشهد أنك أنت الربّ وحدك لا شريك لك، اللهمَّ ربنا وربّ كل شيءٍ اجعلني مخلصاً لك وأهلي في كل ساعة في الدنيا والآخرة، ذا الجلال والإكرام إسمع واستجب، الله أكبر الله أكبر نور السماوات والأرض الأكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل)).
وفيه من حديث أبي سعيد: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا قضى صلاته قال: ((اللهمَّ إني أسألك بحق السائلين عليك فإن للسائلين عليك فيها حقاً أيما عبد أو أمَة من أهل البّر والبحر تقبلت دعوتهم أن تشركنا في صالح دعاء ما يدعوا، وأن تعافينا وإياهم، وأن تقبل منا ومنهم، وأن تجاوز عنا وعنهم إنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين))، وكان يقول: ((ما تكلم بهذا الدعاء أحد من خليقة الله، عز وجل، إلا أشركه الله في دعوة أهل بحرهم وأهل برّهم فعمتهم وهو في مكانه)).
وفيه أيضاً من حديث أبي أمامة قال: ما دنوت من نبيئكم صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يدعوا بهؤلاء الكلمات لا يزيد فيهن ولا ينقص منهن: ((اللهمَّ اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهمَّ انعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت)).
وفي الإعتصام من حديث يرفعه: ((من أحبّ أن يزوجه الله من الحور العين فليقل خلف كل صلاة: قل هو الله أحد عشر مرات))، زاد في (الجامع الكافي): ((من قرأها عشراً دبر صلاة الفجر لم يلحقه في ذلك اليوم ذنب وإن جهد الشيطان)).
وفيه: كان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول خلف كل صلاة: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)) ثلاثين مرة، ويقرأ آية الكرسي خلف كل صلاة فريضة.
وفيه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن موسى ابن عمران لقي حبريل عَليْه السَّلام فقال له: ما لمن قرأ آية الكرسي كذا وكذا مرة؟ فذكر فيها من الأجر ما لم يقف عليه موسى عَليْه السَّلام، فسأل ربّه أن لا يضعفه عن ذلك، ثم أتى جبريل عَليْه السَّلام مرة أخرى فقال عَليْه السَّلام: إن ربّك يقول: من قال في دبر كل صلاة مكتوبة مرة واحدة: اللهمَّ إني أقدم إليك بين يدي كل نفسٍ ولمحة ولحظة وطرفة يطرف بها أهل السموات والأرض وكل شيءٍ هو في علمك كائن أو قد كان أقدم بين يدي ذلك كله الله لا إله إلا هو الحي القيوم - إلي قوله تعالى: وهو العلي العظيم، فإن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة إلا تصعد إليَّ منه فيها سبعون ألف ألف حسنة حتى ينفخ في الصور وتشتغل الملائكة)).
وفيه عن علي عَليْه السَّلام: (من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل إذا انصرف من صلاته: سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين)، فقد رواه في الأمالي من حديث أبي سعيد قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول قبل أن يسلم: ((سبحان ربّك ربّ العزة عمّا يصفون))...إلخ.
وفي ضياء ذوي الأبصار عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من سبَّح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وكبر ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وقال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي ويميت وهو على شيءٍ قدير، غفرت له ذنوبه)).
وفي شمس الأخبار من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال دبر كل صلاة مكتوبة مائة مرة: قل هو الله أحد، جاز الصراط يوم القيامة وعن يمينه ثمانية أذرع وعن شماله ثمانية أذرع وجبريل عَليْه السَّلام آخذ بحجزته))، وهو من رواية محمد بن منصور في كتاب (الذكر).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل، يسبح دبر كل صلاة عشراً ويحمد عشراً ويكبر عشراً فذلك خمسون ومائة(1) باللسان وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويسبح ثلاثاً وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان))، فلقد رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله كيف هُما يسير ومن يعمل بهما قليل ؟!، قال: ((يأتي أحدكم الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقولها، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجة قبل أن يقولها)).
__________
(1) وذلك بأن تحصل بعد كل فريضة ثلاثين، والفرائض خمس، يحصل الجميع مائة وخمسين فافهم.
وفيه من حديث ابن عباس: أن الفقراء أتوا النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقالوا: إن الأغنياء يصومون كما نصوم، ويصلون كما نصلي، ولهم أموال يتصدقون منها، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا صليتم فقولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين فإنكم ستدركون من سبقكم وتسبقون به من بعدكم)).
القسم الثاني: في المقيّد بشيء من الصلاة: في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام موقوفاً أنه كان يقول إذا انفجر الفجر؛ قال: (الحمد لله فالق الإصباح، سبحان الله ربّ الصباح وفالق الإصباح، اللهمَّ اغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين).
وفي الإعتصام رواية عنه أيضاً أنه كان يقول عند تسليمه من ركعتي الفجر: (إستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل الله المتين، أعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن، أعوذ بالله من شر فسقة العرب والعجم، حسبي الله، توكلت على الله، ألجأت ظهري إلى الله، طلبت حاجتي من الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهمَّ اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
ومما أرويه عن شيخنا العلامة القدوة العمدة التقي عبدالله بن علي الغالبي (عافاه الله) ووضعه لي في الإجازة وأظنه مرفوعاً والعهدة عليه وذلك عند التسليم من ركعتي الفجر: ((اللهمَّ اعمر لساني بذكرك وقلبي بخشيتك ووفقني لطاعتك)) خمساً وعشرين مرة .
(فصل) فيما يقال بعد صلاة الغداة والمغرب
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس مرفوعاً قال أنس: ((إن قبيصة بن المخارق قدم علي النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: يا نبي الله أفدني وإني شيخ سيئ - يعني الحفظ والفهم - ولا تكثر عليَّ، قال: ألا أعلمك دعاءً تدعو به كلما صليت الغداة؛ ثلاث مرات فيدفع الله عنك أربعة أنواع من البلاء: البرص، والجذام، والفالج، والعمى، ويفتح الله لك ثمانية أبواب من أبواب الجنة تدخل من أيها شئت تقول: سبحان الله العظيم وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله يفتح الله لك ثمانية أبواب من أبواب الجنة تدخل من أيها شئت، وتقول: اللهمَّ اهدني من عندك وأفض عليَّ من فضلك وأسبل عليَّ رحمتك وأنزل عليَّ بركتك، فيدفع الله عنك البرص والجذام والفالج والعمى والدنيا)).
وفيه من حديث أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا صلى الغداة قال: ((اللهمَّ إني أسألك رزقاً طيباً، وعلماً نافعاً، وعملاً متقبلاً)).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال في دبر صلاة الغداة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، مائة مرة قبل أن يثني رجله، كان يومئذٍ أفضل أهل الأرض إلا من قال مثل ما قال، أو زاد على ما قال)).
وفيه من حديث أبي رمل الجهني - يعني الضحاك، قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا صلى الصبح قال وهو ثانٍ رجله: ((سبحان الله وبحمده، أستغفر الله إنه كان تواباً)) سبعين مرة، ثم يقول: سبعين بسبع مائة لا خير فيمن كان ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة))، قال المرشد بالله عَليْه السَّلام وبقية الحديث في الروايات أنا اختصرته.
وفيه من حديث ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة: أن المغيرة كتب إلى معاوية أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان إذا فرغ من صلوته قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، اللهمَّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما امنعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد))، وهذا محمول على الصحة بصحة شواهده، وقد قبل الإمام المنصور بالله حديث معاوية في غير هذا وحمله على أنه قبل فسقه في حال ستره وكون باب فضائل الأعمال إذا قد وجد للحديث شاهد يقضي بصحة أخف حالاً من غيره.
وغيره وفي شمس الأخبار من حديث معاذ قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال حين يصلي صلاة الفجر قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات، أعطي بهنَّ سبعاً كتب له عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكنَّ له عدل عشر نسمات، وكن له حرزاً من الشيطان وحرزاً من المكروه، ولم يلحقه في ذلك اليوم ذنب إلا الشرك بالله تعالى، فإن قالهنَّ بعد صلاة المغرب كنَّ له من ليلته مثل ذلك)).
وفيه من حديث أبي أيوب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات، بعد صلاة الفجر كان كعدل أربع رقاب من ولد إسماعيل)).
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((كان يقول إذا انصرف من الفريضة في الفجر بعد ما يدعوا: اللهمَّ اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعلى لساني نوراً))، زاد أحمد بن عيسى عَليْه السَّلام في (العلوم) رواية عن علي عَليْه السَّلام بعد قوله: ((وعلى لساني نوراً)): ((وفي شعري نوراً، وفي بشري نوراً، وفي لحمي نوراً، وفي دمي نوراً، وفي عظامي نوراً، وفي عصبي نوراً))، إلى آخر ما في (المجموع) يتفقان في قوله: ((ومن بين يدي نوراً))... إلخ قوله: ((اللهمَّ أعظم لي النور يوم القيامة)) إلى آخره؛ فمما اختص به المجموع: ((ومن بين يدي نوراً، ومن خلفي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً ، اللهمَّ أعظم لي النور يوم القيامة، واجعل لي نوراً أمشي به في الناس، ولا تحرمني نوري يوم ألقاك، لا إله إلا أنت))، وينبغي أن يكون ما أثر بعد صلاة الغداة عقيب صلاة المغرب مما تقدم.
وفي الإعتصام يرفعه من طريق (الجامع الكافي): ((من استغفر بعد صلاة العصر سبعين مرة غفر الله له ذنوب سبعين عاماً)).
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث حديث علي عَليْه السَّلام أنه كان يقول حين يسلم من الوتر: (سبحاني ربّي الملك القدوس ربُّ الملائكة والروح العزيز الحكيم)، ثلاث مرات يرفع صوته في الثالثة .
هذا؛ وأما ما ورد في صلب الصلاة: فقد روي كثير في أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام ومرجعه إلى اختلاف المذهبين؛ فالهادي عَليْه السَّلام يمنع من ذلك ويجعله عقب الصلاة والمؤيد بالله وغيره ممن يرى جوازه يجعله في صُلبها، وبعد يجزي الأخذ بالأصلح، والأحوط يعمل به والله أعلم.
(فصل) في العيدين
وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) من حديث أبي خالد -رحمه الله- قال: خرجنا مع زيد بن علي عَليْه السَّلام يوم الفطر فخرج يمشي ونحن معه يُكبر ويقُولَ في تكبيره: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد على ما هدانا، حتى جلس ثم صلينا .
وفيه عن زيد بن علي عَليْه السَّلام قال أبو خالد: خرجنا مع زيد بن علي عَليْه السَّلام يوم أضحى فكبر ويقول في تكبيره: الله أكبر ... إلخ ما ذكر في الفطر إلا أنه زاد الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام من دون نقص شيءٍ مما تقدم، قال: وربما قطعها في خلال ذلك.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عباس مرفوعاً قال بعد أن وصف قصة ذبح رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وإضجاعه كبشه وفري أوداجه وتقييده ثلاث قوائم منه ويبقى له واحدة يركض بها فيقول عند أخذ الشفرة مستقبل القبلة للذبح: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً)) - إلىآخر الإستفتاح الأول - ثم يضع الشفرة ويقول: ((بسم الله، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهمَّ منك ولك، اللهمَّ تقبل من محمد وآل محمد إنك أنت السميع العليم، ويمر الشفرة إمراراً سريعاً لإراحة الأضحيَّة ثم يقول في الثاني كذلك إلا أنه يقول: تقبل من محمد ومن أمة محمد من لم يذبح، ثم يقول قائماً قبل ذبح الآخر: آمنا بالله وما أنزل إلينا))...إلخ الآيتين .
(فصل) في شيءٍ مما ورد في الاستخارة
في تخريج البحر لابن بهران من حديث جابر مرفوعاً: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعلمنا الاستخارة كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول بعد صلاة غير الفريضة: ((اللهمَّ أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنتَ علام الغيوب، اللهمَّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) - أو قال: ((عاجل أمري وآجله - فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهمَّ وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته)).
وفي أحكام الإمام الهادي(ع) رفعه: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((إذا أراد أحدكم أمراً فليسمّه وليقل: اللهمَّ إني أستخيرك فيه بعلمك، وأستقدرك فيه بقدرتك، فأنتَ تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغُيُوب، اللهمَّ ما كان خيراً لي من أمري هذا فارزقنيه ويسره لي وأعني عليه وحببه إليَّ ورضني به)) - وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع): ((وإِرضني به)) (بإثبات ألف الهمز ة، وهو عنده من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً) - ((وبارك لي فيه، وما كان شراً لي فاصرفه عني ويسر لي الخير حيث كان)).
قال عَليْه السَّلام: وبلغنا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال: ((من سعادة الرجل كثرة الاستخارة، ومن شقائه ترك الاستخارة))، فينبغي تقديمها في كل أمر يهمَّ به الإنسان وإن خف.
(فصل) في صلاة الحاجة
في الإعتصام من حديث عبدالله ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من كانت له حاجة من بني آدم فليتوضأ ثم ليصل ركعتين، ثم ليثني على الله، عز وجل، ويصلي على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم،سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، اللهمَّ إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، و الغنيمة من كل برّ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلا قضيتها))، ومثله في تخريج البحر لابن بهران.
(فصل) في السجدة عند ذكر الذنب والتوبة
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من أذنب ذنباً فقام في جوف الليل وصلى ما كتب الله ثم وضع جبهته على الأرض ثم قال: ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، غفر ا لله ما لم يكن مظلمة فيما بينه وبين عبد مؤمن فإن ذلك إلى المظلوم)).
وفي الإعتصام من حديث كعب بن عجرة أنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أمر كعب ابن مالك حين تاب الله عليه أن يصلي سجدتين فيكون ذلك عند البشارة شكراً ويدعو بما أحب سيّما ما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث طويل: ((اللهمَّ تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وثبت حاجتي، وأجب دعوتي، وسدد لساني))، وهو في حديث ابن عباس مرفوعاً، وقد ذكرناه مستوفى في موضعه.
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه، ثم تاب غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ورمل عالج))، قال الإمام أبو طالب: المراد أن يقول ذلك ويضم إليه عقد القلب في الندم على ما كان منه والعزم على ترك أمثاله لا يصح غيره.
وفيه من حديث أنس في قصة طويلة في رجل تاب فقال له النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((قل: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي ا لقيوم، قال: من قاله غفرت ذنوبه))، فقام إليه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله: ألهذا الرجل خاصة أم لأمتك عامَّة ؟!، فقال: ((هو لذلك الرجل خاصة ولأمتي عامَّة)).
وفي الإعتصام من حديث أبي بكر قلت: يا رسول الله عملني دعاء أدعو به في صلاتي قال: ((قل: اللهمَّ إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وأن تكثر من الدعاء في السجود فإنه موضع الإجابة))، - كما في حديث أبي هريرة قال: قال قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه تعالى وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء))، رواه المرشد بالله عَليْه السَّلام.
(فصل) في صلاة التسبيح
قال في (الجامع الكافي) قال محمد: صلاة التسبيح أربع موصولة لا يسلم إلا في آخرهن، وجايز أن يصليهنّ بالليل والنهار ما لم يكن وقت نهيٍ عن الصلاة، قال: روي عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال لعمه العباس ولجعفر ابن أبي طالب في صلاة التسبيح وهي أن يقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها وتسبح خمسة(1) عشر مرة (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ثم تركع وتسبح بهاعشراً، فإذا رفع رأسه من الركوع قالها عشراً، وإذا سجد عشراً، وإذا رفع رأسه من السجود عشراً، وإذا سجد الثانية عشراً، فإذا رفع رأسه من السجود عشراً، فيكون ذلك خمساً وسبعين، في كل ركعة))، قال: فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لو كان ذنوبك مثل عدد نجوم السماء وعدد قطر السماء وعدد أيام الدنيا وعدد رمل عالج لغفرها الله لك، صلها كل يوم مرة واحدة))، قال العباس: ومن يطيق ذلك يا رسول الله ؟!، قال: ((صلِّها كل يوم جمعة))، قال: ومن يطيق ذلك ؟!، قال: ((فصلها في كل شهر مرة))، قال: ومن يطيق ذلك يا رسول الله ؟!، - حتى قال:- ((فصلها في عمرك مرة واحدة))، وهي في كتاب (الذكر) لمحمد بن منصور (رحمه الله تعالى) وغيره مع اختلاف يسير.
__________
(1) صوابه: وتسبح خمس عشرة.
الباب العاشر: في شيءٍ مما ورد في الاستسقاء
في تخريج البحر لابن بهران من حديث جابر قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يواكي(1)، فقال: ((اللهمَّ اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً نافعاً غير ضارٍ عاجل غير آجل، قال: فأطبقت عليهم السماء))، وفيه رفعه: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا استسقى قال: ((اللهمَّ اسق بلادك، وارحم عبادك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت))، ثم ذكر نحو ما تقدم.
__________
(1) قوله يواكي: أي يتحامل إذا أراد رفع يده.
وفي شمس الأخبار من حديث جعفر ابن عمرو ابن أبي حريث عن أبيه عن جده مرفوعاً قال: خرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يستسقي فصلى ركعتين ثم قلب رداءه ورفع يده فقال: ((اللهمَّ صاخت جبالنا، وأغبرّت أرضنا، وهامت دوابنا، يا معطي الخيرات من أماثلها، ومنزل الرحمة من معادنها، ومجري ا لبركات على أهلها بالغيث المغيث أنت المُسْتَغْفَرُ الغفار فنستغفرك للخاصات من ذوبنا، ونتوب إليك من عظيم خطايانا، اللهمَّ فأرسل السماء علينا مدراراً، واصلاً بالغيث، واكفاً مغزاراً من تحت عرشك حيث يشفعنا وتعود علينا غيثاً مغيثاً عاماً مجلجلاً غدقاً خصيباً ذارعاً راتعاً، ممرغ النبات، كثير البركات، قليل الآفات، فإنك فتاح بالخيرات، اللهمَّ وإنك قلت: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(30)} [الأنبياء]، اللهمَّ ولا حياة لشيءٍ خُلِق من الماء إلا بالماء، اللهمَّ وقد قنط الناس أو من قنط منهم، وساءت ظنونهم، وتاهت ألبابهم، وتحيرت البهائم في مراتعها، وملت الدَّوران في مواطنها، وعجت عجيج الثكلى على أولادها إذ حبست قطر السماء فَرَقَّ لذلك عظمها، وذهب لحمهما، وذاب شحمها، اللهمَّ فارحم حنين الحانة وأنين الآنة، وارحم اللهمَّ بهائمنا الهائمة، والأنعام السائمة، اللهمَّ وقد برزنا إليك ياربّ نستغفرك لذنوبنا، ونستسقيك لعيالاتنا وبهائمنا، اللهمَّ اغفر إنك كنت غفاراً، وأرسل السماء علينا مدراراً، وزدنا قوة إلى قوتنا، وأعنا على الأعداء، ولا تقلبنا محرومين، آمين، اللهمَّ هذا الدعاء وعليك الإجابة لأنك لا تخلف الميعاد))، قال: فوالله ما رجعنا إلى منازلنا حتى أرسل الله علينا المطر ثلاثة أيام فجاء الناس يشكون إليه خراب
منازلهم، فرفع يده وقال: ((اللهمَّ هاهنا ولا هاهنا، اللهمَّ حوالينا ولا علينا))، وفيه: ((اللهمَّ لا تُطِع فينا مسافراً ولا تاجراً فإن المسافر يدعوا حتى لا تمطر وإن التاجر ينتظر شدة الزمن وغلاء السعر)).
وفي تخريج البحر لابن بهران دعاء علي عَليْه السَّلام كان يقول في دعاء الإستسقاء: ((اللهمَّ إنا خرجنا إليك من تحت الأكنان والأستار راغبين في رحمتك، وراجين فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك، اللهمَّ فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين ولا تهلكنا بالسنين ولا تؤاخذنا بالسفهاء يا أرحم الراحمين، اللهمَّ فإنا خرجنا نشكوا إليك من أحوالنا ما لا يخفى عليك منها حين الجأتنا المضايق الوعرة، وفاجاتنا المقاحط المجدبة، وأعيتنا المطالب العسرة، وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة، اللهمَّ إنا نسألك لا تردنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، اللهمَّ انشر علينا غيثك وبركتك ورزقك ورحمتك، واسقنا سقيا نافعة مروية تنبت بها ما قد فات وتحيي بها ما قد مات، كثيرة المجتنى، نافعة الحبا تروي بها القيعان، وتسيل بها البطنان، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار، إنك على ما تشاء قدير)).
وفيه دعاء الهادي عَليْه السَّلام: اللهمَّ اسقنا فإياك دعوناك، وإياك قصدناك، ومنك طلبنا، ولرحمتك تعرضنا، أنت إلهنا وسيدنا، وخالقنا وراحمنا، فلا يخيب عندك دعاءنا، ولا ينقطع عندك رجاءنا، يا أرحم الراحيمن، زاد في (الأحكام): وينصرف راجعاً، ويقرأ في طريقه يس حتى يختمها، ثم يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم، سبع مرات، ثم يقرأ آخر سورة البقرة .
وفيه دعاء الناصر عَليْه السَّلام: اللهمَّ اغفر لنا واسقنا، ثلاث مرات، ثم يقول: اللهمَّ اسقنا غيثاً مغيثاً، وجباً مخصباً، وجداًمريعاً(1)، طبقاً مغدقاً غدقاً، عامًّا هنيئاً مريئاً، دائماً درراً سكباً تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله للحاضر منا والباد، يا وهاب، اللهمَّ أنزل في أرضنا سكناها، اللهمَّ أنزل في أرضنا زينتها، اللهمَّ أنزل من السماء ماءً طهوراً تحيي به بلدةً ميتاً وتسقيه مما خلقت أنعاماً وأناسي كثيراً إنتهى [من تخريج ابن بهران].
وفيه رواية عن المُهَذَّب للإمام المنصور بالله عَليْه السَّلام: ويستحب أن يدعو في الخطبة الأولى فيقول: اللهمَّ اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً مريئاً مرتعاً، غدقاً مجلجلاً، طبقاً سبحّاً دائماً، اللهمَّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهمَّ إن بالعباد والبلاد من اللأوى والظنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهمَّ أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، اللهمَّ ارفع عنا الجهد والجوع، واكشف عنا ما لا يكشفه غيرك، اللهمَّ إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارً)).
__________
(1) روي بالياء المثناة من تحت: أي يمرع الأرض عليه، أي يخصب. وروي بالباء الموحدة: أي منبتاً للربيع.
وفيه عند نزول الغيث يرفعه من حديث المطلب بن حنطب أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يقول: ((سقيا رحمة ولا سقيا عذاب، ولا نستحق الهلاك، ولا بلاء ولا هدم، ولا غرق)) وفيه، وهو عند إطباق المطر متصلاً (بالمتن) قبل هذا من حديث المطلب: اللهمَّ على الضراب(1) ومنابت الشجر، اللهمَّ حوالينا ولا علينا . إنتهى [يعني من المهذب للمنصور بالله عبدالله بن حمزة –عليه السلام-].
الباب الحادي عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند هيجان الريح وصوت الرعد وسائر الأفزاع السماوية
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث ابن عباس مرفوعاً: ((إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله فإنه لا يصيب ذاكراً)).
وفي تخريج البحر لابن بهران من حديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: ((اللهمَّ لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)).
وفيه من حديث عائشة أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كان إذا رأى ناشياً في الأفق ترك العمل، وإن كان في صلاة خفف ثم يقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من شرها))، فإن مطرت قال: ((اللهمَّ سيباً هنيئاً)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((الريح من روح الله، وروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها واسألوا الله تعالى خيرها واستعيذوا به من شرها)).
وفيه من حديث ابن عباس عن كعب موقوفاً: من قال حين يسمع الرعد: سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، عوفي من ذلك الرعد .
__________
(1) هو بالضاد المعجمة، وهي الجبال الصغار.
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام أنه كان إذا رأى كوكباً منقضاً قال: (اللهمَّ صوبه وأصب به وقنا شر ما تريده).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً قال: سألت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم عن أفضل ما يكون من العمل في كسوف الشمس والقمر، قال: ((الصلاة والقرآن))، ومثله في أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) مرفوعاً قال: لما انكسف القمر قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لجبريل عَليْه السَّلام وكان عنده: ((ما هذا ؟، قال: هذه آية وعبرة، قال: فما ينبغي عنده وأفضل العمل ؟، قال: الصلاة وقراءة القرآن)).
الباب الثاني عشر: في ذكر شيءٍ مما يقال عند الخروج من المسجد
ففي الإعتصام عن (الجامع الكافي) رفعه، أو معناه إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يستحب لمن دخل المسجد أن يبدأ بإدخال رجله اليمنى ويؤخر اليسرى ويقول: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج من المسجد أخرج رجله اليسرى وأَخّر اليمنى وقال: بسم الله والسلام على رسول الله، اللهمَّ صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)).
الباب الثالث عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند دخول المنزل
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من من حديث خولة بنت حكيم قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من مسلم نزل منزلاً فيقول حين ينزل: أعوذ بكلمات الله التامَّة من شر ما خلق، ثلاثاً، إلا أعيذ من شر منزله حتى يظعن منه))، وهذا وإن كان عاماً فهو يحسن عند دخول المنزل والمكان أيضاً، وينبغي التسليم على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقراءة آية الكرسي والسلام على أهل البيت ففي شمس الأخبار وهو من أحاديث القُضَاعيْ صاحب الشهاب وهو من أهل الديانة مرفوعاً عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((سلم على أهل بيتك يزيد الله في خير بيتك)) والإستئذان بالسلام عند دخوله دار غيره فإن أذن له وإلا رجع ففي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً من حديث طويل أنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم مرّ مع جارية إلى أهلها ليشفع لها لما خافتهم لبطائها في حاجة، فوصل النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((السلام عليكم))، فلم يردوا شيئاً، وكان لا ينصرف حتى يؤذن ثلاثاً؛ ثم قال: ((السلام عليكم)) فلم يردوا شيئاً، فقال: ((السلام عليكم))، فقالوا: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله، فقال: ((ما منعكم أن تردوا عليَّ ؟!))، قالوا: أحببنا أن نستكثر من سلامك، وانتهى الحال إلى عتق الجارية.
الباب الرابع عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند أخذ المضجع للنوم
في (لي(1)) من حديث البراء قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوئك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل: اللهمَّ أسلمت وجهي إليك وفوضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة منك ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيئك الذي أرسلت، فإن مت مت على الفطرة، وجعلهن آخر ما يَقول))، قال البراء: فقلت وأنا أستذكرهن، وقلت: رسولك الذي أرسلت، قال: ((لا ونبيئك الذي أرسلت)).
وفيه من حديث أنس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا نام وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم قال: ((ربّ قني عذابك يوم تبعث عبادك)).
وفيه من حديث ابن عمر مرفوعاً أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يقول إذا تبوأ مضجعه: ((الحمد لله الذي كفاني وآواني وسقاني، الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ وأفضل، والذي أعطاني فأجزل، والحمد لله على كل حال، اللهمَّ ربّ كل شيءٍ ومالك كل شيءٍ وإله كل شيء، أعوذ بك من النار)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يقول عند مضجعه: ((اللهمَّ إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته أن تكشف المغرم والمأثم، اللهمَّ لا يُهزم جندك ولا يُخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك)).
__________
(1) أظن أن هذا الحديث من أمالي المرشد بالله على ما يحكيه في الحديث الذي يأتي قبل حديث آخر الباب هذا عن شمس الأخبار.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث حذيفة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا آواى إلى فراشه قال: ((اللهمَّ باسمك أحيى))، وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ماأماتنا وإليه النشور)).
وفيه من حديث حذيفة أيضاً مثله بزيادة: ((اللهمَّ باسمك أموت وأحيا))...إلخ.
وفيه من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل من أسلم إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال له: ((كيف أنت يا فلان ؟))، فقال: بخير يا رسول الله ما لقيت من عقرب أصابتني البارحة! فقال: ((أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضرك))، وهذا وإن كان في دُعاء الصباح والمساء إلا أنه يحسن إستعماله في البابين وهما محلاه أيضاً، وفي محل آخر من الكتاب زيادة ((شيءٍ)) بعد ((يضرك)).
وفيه من حديث عبدالله بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((كيف تقول يا حمزة إذا آويت إلى فراشك؟))، قال: أقول كذا وكذا، قال: ((فكيف تقول أنت يا علي؟))، قال: أقول كذا وكذا، قال: ((قل إذا آويت إلى فراشك: الحمد لله الذي من عليَّ ما أفضل، الحمد لله ربّ العالمين ربّ كل شيءٍ ومليكه أعوذ بك من النار)).
وفي شمس الأخبار من حديث أسيد بن حصين قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أدلك على شيءٍ تفعله إن أنت مت في ليلتك دخلت الجنة وإن عشت عشت بخير؟؛ إذا أنت نمت فاجعل يدك اليمنى تحت خدك الأيمن ثم قل: اللهمَّ إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك))...إلخ ما في الأمالي من حديث البراء بلفظه إلا أنه هنا بلفظ: ((ورسولك الذي أرسلت))، وهناك ((بنبيئك)) رواه من كتاب (الذكر).
وفيه من حديث أبي قرصافة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من آوى إلى فراشه ثم قرأ سورة تبارك، ثم قال: اللهمَّ ربّ الحل والحرم، وربّ البَلد الحرام، وربّ الركن والمقام، وربّ المشعر الحرام، وبحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان بلغ روح محمد مني تحيةً وسلاماً، أربع مرات، وكل الله به الملكين حتى يأتيا محمداً صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فيقولان له ذلك، فيقول صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: وعلى فلان بن فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته)).
الباب الخامس عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند الاستيقاظ للتهجد من الليل
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث ابن عباس يرفعه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا قام من الليل يتهجّد قال: ((اللهمَّ لك الحمد نور السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد أنت قيام السماوات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهنَّ، ولك الحمد أنت الحق وقولك الحق ولقاك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق ومحمد عَليْه السَّلام حق والنبيئون حق، اللهمَّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنيب، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلا أنت)).
وفيه من حديث حذيفة أنه صلى مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ذات ليلة فسمعه حين كبر قال: ((الله أكبر ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) _ إلى أخر حديث ابن عباس.
وفيه وفي شمس الأخبار واللفظ (لش) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من تعار من الليل على فراشه فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، اللهمَّ اغفر لي، إلا غفر الله له، فإن قام فتوضأ وصلى ركعتين ودعا الله عزّ وجل، استجاب الله تعالى له)).
وفي الأمالي من حديث ابن عباس قال: إن أباه بعثه إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في حاجة فوجدته جالساً مع أصحابه في المسجد فلم أستطع أن أكلمه، فلما صلى المغرب قام يركع حتى..................(1) وبات الناس ثم صلى الصلاة فقام يركع حتى انصرف من بقي في المسجد فانصرف إلى منزله فتبعته فلما سمع حِسي قال: ((من هذا ؟)) والتفت إليَّ فقلت: ابن عباس، فقال: ((ابن عم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ؟))، فقلت: ابن عم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، فقال: مرحباً بابن عم رسول الله؛ ما جاء بك ؟، فقلت: بعثني أبي بكذا وكذا، فقال: ((الساعة جئت؟)) قلت: لا، فقال: ((إذا لم تنصرف إلى ساعتك هذه فلست منصرفاً))، فدخل منزله ودخلت معه فقلت: لأنظرن صلوة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فنام حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فرمى ببصره إلى السماء وتلى هذه الآية التي في سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190]، الآيات الخمس حتى انتهى إلى: {إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ(194)} [آل عمران]، ثم قال: ((اللهمَّ اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن تحتي نوراً، واجعل لي عندك نوراً))، وإلى جانبه محصب برام مطبقُ وعليه سواك فاستن، ثم توضأ، ثم ركع ركعتين وعاد، ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فتلا الآيات، ثم دعا بالدعوات، ثم استن، ثم توضأ، ثم ركع ركعتين، ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم استيقظ فتلا الآيات، ثم دعا بالدعوات، ثم استن، ثم توضأ، ثم صلى صلاة عرفت أنه يوتر فيها فجئت إلى ركنه الأيسر فأخذ بإصبعه أذني فأقامني حتى أدارني إلى ركنه الأيمن، ثم ركع ركعتي
__________
(1) بياض في الأم.
الفجر، ثم خرج إلى الصلاة إنتهى [من أمالي المرشد بالله نقل الباب (15) كله. تمت س].
الباب السادس عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد في الصباح والمساء
وقد لمح إليه النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحبّ إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من بعد صلا ة العصر إلى أن تغرب الشمس أحبّ إليَّ من أن أعتق أربعة))، قال بعض شراح (عدة الحصن الحصين) مقرراً لكلام الشراح: (فصل) في أذكار الصباح والمساء وهما طرفا النهار ما بين الصبح وطلوع الشمس وما بين العصر وغروب الشمس، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(42)} [الأحزاب]، وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ(55)} [غافر]، {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف:205]، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]، وذكر معنى ذلك الجوهري؛ فيكون المراد من الأذكار المروية عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من قال كذا حين يصبح وحين يمسي، فهما هذان الوقتان.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي هريرة قال: قال أبو بكر: يا رسول الله أُؤمرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: ((قل: اللهمَّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ربّ كل شيءٍ ومالكه، أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، قلْها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)).
وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، جاء يوم القيامة بأفضل ما جاء به أحد إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد)).
وفيه من حديث أبي أمامة الباهلي قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول إذا أصبح أو أمسى دعا بهذه الدعوات: ((اللهمَّ أنت أحق من ذُكِرَ وأحق من عُبِدَ وانصر من ابتغى وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا يهلك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطع فتشكره(1)، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد وأدنى حفيظ حلت دون الثغور وأخذت بالنواصي وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مغضية والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت والأمر ما قضيت، الخلق خلقك والعبد عبدك، وأنت الله الرؤوف الرحيم أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض وبكل حق هو لك وبحق السائلين عليك أن تقيلني في هذه الغداة أو في هذه العشية، وأن تجيرني من النار بقدرتك)).
__________
(1) لعله: تطاع فتشكر.
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال حين يصبح ثلاث مرات: اللهمَّ لك الحمد لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك آمنت بك مخلصاً لك ديني، أصبحت على عهدك ووعدك ما استطعت، أتوب إليك من سيئ عملي وأستغفرك لذنوبي التي لا يغفرها إلا أنت، فإن مات في يومه ذلك دخل الجنة، وإن قال حين يمسي ثلاث مرات: اللهمَّ لك الحمد لا إله إلا أنت أنت ربي -... إلخ ما تقدم - فمات في تلك الليلة دخل الجنة))، قال: ثم كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: يحلف ما لا يحلف على غيره، ويقول: ((والله ما قالها عبد حين يصبح ثلاث مرات فيموت في ذلك اليوم إلا دخل الجنَّة، وإن قالها حين يمسي ثلاث مرات فمات في تلك الليلة إلا دخل الجنَّة)).
وفيه رواية عن موسى كليم الله -صلوات الله عليه- من حديث عبدالله بن هبيرة وله شاهد آخر من طريق قررها عبدالله بن سلام وغير بعيد أن يكونا مرفوعين قال: ((إن موسى النبي صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان إذا أصبح قال: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمدلله، وأعوذ بالذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر الشيطان وشركه، وإذا أمسى فمثل ذلك، فلم يكن يضره شيطان ولا إنس ولا سحر ولا سم ولا شيء كريه))، ثم ذكر قصة فرعون وساقيه وأمره له أن يسقيه السم فسقاه فلم يضره فلامَهُ فرعون، فقال الساقي قد فعلت ولكن حيل بيني وبينه وليس في أيدي العباد شيء)).
وفي شمس الأخبار من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لو أن أحدهم قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثم لسعته عقرب لم تضره)).
وفيه من حديث أبي أيُّوب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات، كتب الله له بكل و احدة قالها عشر حسنات وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكان كمن أعتق عشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره ولم يعمل يومئذٍ عملاً يقهرهنَّ، فإن قالها حين يمسي فمثل ذلك))، وقد ورد هذا مقيداً بعقيب الصلاة وعند دخول السوق ومطلقاً كما سيأتي، وقد اختلف قدر ثوابه باختلاف محالّه فيحمل على التعدد والاختلاف وإن اتحد لفظه.
وفيه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في قوله تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر:63]: ((إنها لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله الأول الآخر الظاهر الباطن بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، من قالها عشر مرات حين يصبح أو حين يمسي أعطي بها ست خصال أول خصلة: يحرس من إبليس وجنوده، والثانية: يكون له قنطار في الجنَّة، والثالثة: يرفع له درجة في الجنَّة، والرابعة: يُزوجه الله من الحور العين، ولخامسة: تحضرها اثني عشر ملكاً، والسادسة: له أجر من قرأ القرآن والتوارت والإنجيل، وله أيضاً أجر من حج واعتمر حجَّة متقبلة وعمرة متقبلة، فإن مات في يومه أو ليلته طُبع له طابع الشَهادة)).
الباب السابع عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند رؤية الهلال، وخصوص رؤية هلال رمضان والإفطار
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عبيد الزرقي عن أبيه وكان من أصحاب الشجرة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا رأى الهلال قال: ((اللهمَّ أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة، ربّنا وربّك الله عز وجل)).
وفيه من حديث طلحة بن عبيدالله أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان إذا رأى الهلال قال: ((اللهمَّ أهلَّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربّنا وربّك الله)) وهو في غيره.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) بزيادة بعد: ((الإسلام)) - والتوفيق لما تحب وترضى)).
وفيه من حديث أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول إذا دخل رجب: ((اللهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان))، ويحسن هذا في كل شهر بعد دعاء الهلال.
وفي شمس الأخبار من حديث علي عَليْه السَّلام موقوفاً: كان إذا رأى الهلال قال: (اللهمَّ إني أسألك خير هذا الشهر فتحه ونصره ونوره ورزقه، وأعوذ بك من شره وشر ما بعده).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث عبدالرحمن السلمي عن علي عَليْه السَّلام موقوفاً قال: سمعت علياً عَليْه السَّلام وقد نظر إلى هلال شهر رمضان يقول: (اللهمَّ ربّ شهر رمضان الذي أنزلت فيه القرآن وفرضت فيه الصيام حتى ينقضي وفضلته على ما سواه من الليالي والأيام أدخله علينا بسلام وإسلام وإيمان وصحة في الجسم وفراغٍ من الشغل أعنا فيه على الصلاة والصيام وتلاوة القرآن حتى ينقضي عنا وقد غفرت لنا ورضيت عنا)، ومثله في (الأحكام).
الباب الثامن عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند الإفطار
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا قرب إلى أحدكم طعام وهو صائم فليقل: بسم الله، والحمد لله، اللهمَّ لك صمت وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك تقبله مني إنك أنت السميع العليم)).
وفيه من حديث بقيه ابن الوليد عن الحرث قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن لكل صائم دعوة فإذا هو أراد أن يفطر قال عند أول لقمة: يا واسع المغفرة اغفر لي)).
وفي الإعتصام مرفوعاً: كان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أفطر قال: ((اللهمَّ لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منَّا))، ومثله في شمس الأخبار وهو من حديث حديث علي عَليْه السَّلام بزيادة: (ذهب الظمأ وامتلأت العروق وبقي الأجر إن شاء الله تعالى)، وهو في جميعه في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) إنتهى.
الباب التاسع عشر: في ذكر شيءٍ مما ورد عند السفر ودخول محلَّة وما يتصل بذلك
وينبغي ممن أراد السفر بتقديم الإستخارة والأسفار ثلاثة: واجب، ومباح، ومحرم، ويلحق المندوب بالواجب، والمكروه بالمحرم، وأشرف الأسفار وأقربها سفر الجهاد، والهجرة، ورد المظالم، والحج، ثم طلب العلم، ثم التكسب من الحلال، ثم زيارة قبر النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وأهل البيت، والفضلاء، والمشائخ، والإخوان، وما يتصل بكل ولا ينبغي لمن أخذ في سفر أن يخليه عن تحرير النية بما يطابقه فإنما الأعمال بالنيات.
وأما المباح فكالتنزه، وطلب الراحة، ولا ينبغي أن يكون ذلك خالياً من نية خير فإنه يلحق بالمندوب.
وأما السفر المحرم والمكروه فما تعلق بمعصية، نعوذ بالله من ذلك، أو مكروه ولا ينبغي لعاقل أن يخوض في شيءٍ من ذلك، و سنذكر ما يتعلق بأنواع السفر جملة وما يمكن تخصيصه بنوع تخصيص إلا سفر الحج فسنذكر منه يسيراً من مظانه وربما نعتمد شيئاً من (منسك العلامة ابن بهران، رضي الله عنه) فهو الإمام في الآثار، ونترك الكثير إعتماداً منا على ما قدحرره العلماء والفضلاء من المناسك الموجودة في أيدي الناس، وينبغي أن يكون السفر بكرة وبرفيق وبدفع الطيرة ففي المقاصد الحسنة من حديث صخر بن وداعة وعدد كثير من الصحابة مرفوعاً: ((اللهمَّ بارك لأمتي في بكورها))، وكان إذا بعثاً جيشاً أو سرية بعث أول النهار، وفي بعض طرقه بزيادة ((يوم خميسها)) وهو في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث سهل الساعدي، وهو في (صحيفة علي بن موسى عَليْه السَّلام) بزيادة ((ويوم سبتها))، هذا معناه، وفيها كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يسافر يوم الإثنين والخميس، ويقول: ((فيهما ترفع الأعمال، وفيهما تعقد الألوية)).
وفيه أيضاً من حديث رافع بن خديج وغيره قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إلتمسوا الرفيق قبل الطريق)).
وفيه من حديث عبدالله بن حمزة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله ما كفارة ذلك ؟!، قال: ((أن يقول أحدكم: اللهمَّ لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أنس مرفوعاً قال: لم يرد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم سفراً قط إلا قال حين ينهض من جلوسه: ((اللهمَّ بك انتشرت وإليك توجهت وبك إعتصمت، اللهمَّ أنت ثقتي وأنت رجائي، اللهمَّ اكفني ما أهمني وما لم أهم به وما أنت أعلم به مني، اللهمَّ زودني التقوى واغفر لي ذنوبي ووجهني للخيرة أينما توجهت))، ثم خرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وينبغي أن يضاف إلى هذا الباب ما تقدم في باب ما يقال عند الخروج من المنزل جملته من قوله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اللهمَّ إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضَل)...إلخ، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
وفي شمس الأخبار من حديث أنس مرفوعاً قال: ((من قال: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في اليوم عشر مرات وكل به ملكاً يذود عنه الشياطين كما يذاد غريبة الإبل))، ويكون للحاضر و المسافر.
(فصل) في توديع المسافر
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا بعث جيشاً من المسلمين قال: ((إنطلقوا ببسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، ثم يوصيهم بعهده المشهور... إلخ.
وفيه من حديث قزعة قال لي ابن عمر: ألا أودعك كما ودعني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ؟!: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتم عملك)).
وفي المقاصد الحسنة من حديث أنس مرفوعاً: ((اللهمَّ لا سهل إلا ما جعلته سهلاً والحزن إن شئت جعلته سهلاً)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أراد أن يخرج في سفره قال: ((اللهمَّ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهمَّ إني أعوذ بك من الفتنة في السفر والكآبة في المنقلب، اللهمَّ اقبض لنا الأرض وهون علينا السفر))، وإذا أراد الرجوع قال: ((آيبون تائبون عابدون حامدون))، فإذا دخل إلى أهله قال: ((أوْباً لربنا توبا لا تغادر علينا حوباً))، وإذا أصاب المسافر حَرٌّ فليقل: ((لا إله إلا الله ما أشد حر هذا اليوم، اللهمَّ أجرني من حر جهنم))، وإذا أصابه برد فليقل: ((لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهمَّ أجرني من برد زمهرير جهنم، فيقول الله تعالى في الطرفين: إن عبداً من عبيدي إستجارني من حرك أو بردك خطاباً لجهنم أشهدك أني قد أجرته)) رواه في شمس الأخبار وفي المقاصد الحسنة وهو مرفوع فيهما.
وفي أحكام الإمام الهادي(ع) يرفعه إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه كان إذا أراد السفر قال عند وضع رجله في الغرز: ((بسم الله، اللهمَّ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهمَّ أطوِ لنا الأرض وهون علينا السفر، اللهمَّ إني أعوذ بك من وعثاءِ السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال)). إنتهى.
(فصل) فإن أراد سفر الهجرة
خصه بدعوة نبوية وهي ما رواه في المقاصد الحسنة: ((اللهمَّ أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني أحب البقاع إليك فأسكنه الله المدينة))، قاله عند خروجه من مكة وهو من حديث أبي هريرة.
وفيه: ((اللهمَّ خِرْ لِي واخْتَر لي))، من حديث أبي بكر مرفوعاً.
(فصل) فإن أراد الحج
خصه بما روي عن علي عَليْه السَّلام قال: ((من السنة إذا أراد الرجل أن يسافر صلى في بيته ركعتين قبل أن يخرج، وإذا قدم صلى، قال: فإذا توجَّهت فقل: بسم الله وفي سبيل الله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله على ما أستقبل في سفري))، هذا رواه في تتمة الأنوار عن (الجامع الكافي) من حديث علي عَليْه السَّلام وظاهره العموم في جميع الأسفار.
قال ابن بهران في منسكه: يقول الخارج للسفر بعد أن ينويه ويصلي على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، فإذا أراد الحج فيقول: اللهمَّ إني أريد الحج عن كذا وكذا فيسره لي وتقبله مني واخلفني في أهلي وأولادي ومالي وردّني اللهمَّ سالماً بعد بلوغ آمالي بقدرتك إنك على كل شيءٍ قدير، ولا يخفى عليك أن ذلك وما بعده يحسن في جميع الأسفار، وإنما استحسناه لصحة تعلقه بسائر الأسفار، وأما خصوص الحج باعتماد المناسك يكفي كما أشرنا إلى ذلك، ثم يقول لمن يودعه من أهله وغيرهم: أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، فإذا خرج من منزله قال: بسم الله وبالله وتوكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا خرج من باب بلدِه قال: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمَّ بك أمنت وعليك توكلت وإليك توجهت وبك اعتصمت أنت ثقتي وأنت رجائي، اللهمَّ اكفني ما أهمني وما لم أهم به وما أنت أعلم به مني، عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، اللهمَّ أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، فإذا ركب راحلته قال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ(13)وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ(14)} [الزخرف]، ثم يحمد الله تعالى ثلاثاً،ويكبره ثلاثاً، ويقول:
سبحانك اللهمَّ وبحمدك، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهمَّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، ونعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد، وإذا على نشراً كبر، وإذا هبط وأدنى هلّل، وإذا خاف من شيءٍ قرأ سورة قريش فهي أمان من كل خوف بإذن الله تعالى، وإذا أمسى بأرض قال: يا أرض ربّنا وربّك الله تعالى؛ أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما يدب عليك، ومن شر أسد وأسود وحية وعقرب، ومن ساكن البلد ووالد وما ولد، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإذا ركب البحر قال عند ركوبه: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(41)} [هود]، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67)} [الزمر]، وإذا رأى بلداً يريدها قال: اللهمَّ ربّ السموات السبع وما أظللن، وربّ الأرضين السبع وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن، وربّ الرياح وما ذرين أسألك خير هذه البلدة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، ويقول: اللهمَّ ارزقنا حباها وجنبنا وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا، فإذا أراد النزول فيلقل عند نزوله منزلاً ما رواه [في] أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث خولة بنت حكيم، وقد سبق، قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من مسلم نزل منزلاً فيقول حين ينزل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاثاً، إلا أعيذ من شر
منزله حتى يظعن عنه))، وإذا أراد حسن حال ونُمو مال فليقرأ سورة الكافرين والإخلاص والمعوذتين لأحاديث وردت في ذلك.
وإذا وصل إلى الميقات ولما كان ما وراء هذا مواضع مخصوصة ليس لعموم السفر دخل فيها تركناه، ولا يخفى أن جميع ما ذكره ابن بهران لا يخلو وجدانه في السنة النبوية وربما نتصدى لتخريجه إن شاء الله تعالى. أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي بن ربيعة قال: شهدت علياً عَليْه السَّلام وقد أتى بدابة سير يركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: (بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله، ثم قال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ(13)وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ(14)} [الزخرف]، ثم قال: الحمد لله، ثلاث مرات، الله أكبر، ثلاث مرات، ثم قال: ربّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك فقلت: يا أمير المؤمنين من أي شيءٍ ضحكت ؟!، قال: رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يفعل مثل ما فعلت، ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيءٍ تضحك ؟!، فقال: ((إن ربّك، عز وجل، يعجبه من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي إنه لايغفر الذنوب إلا أنت، فيقول تعالى: علِم أنه لا يغفر الذنوب غيري))، وهو مرفوع كما ترى من قول أمير المؤمنين عَليْه السَّلام رأيت النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم... إلخ.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي موسى قال: كنا مع النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في سفر فرقينا عقبة أو ثنيَّة، قال: فكان الرجل منا إذا علاها قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إنكم لن تنادون أصم ولا غائباً)) ثم قال أبو موسى: ويا عبدالله ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة ؟!، فقلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
الباب العشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد في الجهاد
ففي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (دعا رسول الله يوم الأحزاب: ((اللهمَّ منزل الكتاب، ومنشيء السحاب، سريع الحساب، اللهمَّ اهزم الأحزاب وزلزلهم))، زاد في تخريج البحر لابن بهران(1)، مجموع الإمام زيد بن علي(ع)، الإعتصام، (د): ((وانصرنا عليهم)).
وفي شمس الأخبار من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يوم حنين: ((لا تمنّوا لقاء العدو فإنكم لاتدورن بم تبتلون منهم فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهمَّ أنت ربّنا وربّهم وقلوبهم بيدك، وإنما تقلبهم أنت، والزموا الأرض، فإذا غشوكم فثوروا عليهم وكبروا)).
__________
(1) يعني به البخاري، ومسلماً، وأبا داود، فلا يشكل. تمت هامش المخطوط.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يدعوا فيقول: ((ربّ أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليَّ، اللهمَّ اجعلني لك شكاراً، ولك ذكاراً - أو لك مطواعاً، ولك راهباً، وإليك مخبتاً، ولك أواهاً منيباً، اللهمَّ تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وثبت حجتي، وأجب دعوتي، وسدد لساني))، وقد تقدم وهو مستقيم في البابين للمناسبة.
وفي المقاصد الحسنة من حديث أبي سعيد قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيءٍ نقول به قد بلغت القلوب الحناجر ؟!، قال: ((نعم؛ اللهمَّ استر عوراتنا، وأمن روعاتنا)).
وفيه من طريق الحسن عَليْه السَّلام: ((اللهمَّ استر عورتي، وأقلني عَثرتي، وأمِّن رَوعتي، وانصرني على من بغى عليَّ، وأرني فيه ثاري)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أبي بردة أن أباه حدثه أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان إذا خاف قوماً قال: ((اللهمَّ إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم)).
وفيه من حديث عاصم ابن ضمرة قال: سمعت علياً عَليْه السَّلام يدعوا في خطبته: (اللهمَّ إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي، وأفضت القلوبُ، ودُعِيْتَ بالألسنة وتُحُوْكِمَ إليك في الأعمال، اللهمَّ افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، أشكوا إليك غيبة نبيئنا وقلة عددنا وكثرة عدونا، اللهمَّ أعنا على ذلك بفتح تعجله ونصر تقربه وسلطان حق تظهره).
وفي تخريج البحر لابن بهران من حديث أنس: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا غزا قال: ((اللهمَّ أنت عضدي ونصري، وبك أجول، بك أصول، وبك أقاتل))، فإذا فُتِحَ لهم أو دخلوا فليكبروا قاله فيه(1) الإعتصام، مجموع الإمام زيد بن علي(ع)، شمس الأخبار من حديث أنس فلما دخل القرية - يعني خيبر - كبَّر، وقال: ((الله أكبر خربت خيبر إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذَرين))، قالها ثلاثاً، وعلى الجملة فعند لقاء العدد وجرد السلاح من أفضل ساعة يقبل فيها الدعاء فيدعوا المرء بما أحب.
قال في تخريج البحر لابن بهران وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) و أمالي الإمام المرشد بالله (ع) وغيرهما: ((ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وقل داع يرد عليه دعوته: عند البدء للصلاة والصف في سبيل الله)).
__________
(1) كذا في المخطوط، ولعل الضمير للتخريج وعطف البواقي عليه.
ومنه ما رواه الإمام أبو العباس الحسني عَليْه السَّلام في (المصابيح) بسنده إلى عبدالله بن الحسن عَليْه السَّلام عن علي بن الحسين عَليْه السَّلام قال: صبّحتنا الخيل - يعني يوم الجمعة - في كربلاء فدعا الحسين بن علي عَليْه السَّلام بفرس رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم المرتجز فركبه ثم رفع يده فقال: اللهمَّ أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم هم يضعف به الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو فأنزلته بك وشكوته إليك رغبة فيك إليك عمن سواك ففرجته وكشفته، أنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة يا أرحم الراحمين، ثم عبأ أصحابه... إلخ، ثم قال عند أن ألجاؤه عن شريعة الفرات وقد كاد يلقي بنفسه على الماء عطشاً فرماه حصين بن تميم بسهم أصاب فمه الشريف فجعل يلقي الدم ويوميء به إلى السماء وذلك غير دم مولوده الذي كان يلقيه إلى السماء عند أن ذبح بسهم فقال: اللهمَّ احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على الأرض منهم أحداً .
وفيه بسنده إلى زيد بن علي عَليْه السَّلام قال: وذلك عند بروزه وخفق الراية على رأسه فقال: اللهمَّ لك خرجت، وإياك أردت، ورضوانك طلبت، ولعدوك نصبت، فانتصر لنفسك ودينك، وكتابك ونبيئك وأهل بيت نبيئك ولأوليائك المؤمنين، اللهمَّ هذا الجهد مني وأنت المستعان، نعم؛ ولا بأس بالسرور بالطاعة والتوسل بها فقد روى أبو العباس أيضاً إلى زيد بن علي عَليْه السَّلام أنه قال عند خفق الراية: الحمد لله الذي أكمل لي ديني؛ والله ما يسرني إن لقيت محمداً صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ولم آمر في أمته بمعروف ولم أنههم عن منكر... إلخ كلامه عَليْه السَّلام.
الباب الحادي والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد عندالتفرُّق من المجلس وما يتعلق به من السلام عند تلاقي المؤمنين
ففي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي برزة الأسلمي قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا جلس في المجلس وأراد أن يقوم قال: ((سبحانك اللهمَّ وبحمدك، وأشهد أن لا إله إلا أنت، وأستغفرك وأتوب إليك))، فقالوا: يا رسول الله إنك تقول الآن كلاماً ما كنت تقوله فيما خلى !!، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((هذه كفارة ما يكون في المجلس)).
وأفضلها ما اشتمل على الذكر واستقبل القبلة كما رواه في أمالي الإمام أبي طالب(ع) و شمس الأخبار من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن لكل شيءٍ شرفاً؛ وإن أشرف المجالس ما استقبل القبلة)).
وفيه أيضاً من حديث عبدالله قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعلمنا هذا الكلام: ((اللهمَّ أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبُل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهمَّ بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك منيبين بها، فأثبتها وأتمها وأكملها علينا)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: قام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يوماً فدعا بدعاء واستعاذ باستعاذة لم يستعذ الناس بها، قال: فقام بعض الناس فقال: كيف لنا أن نصنع بمثل ما صنعت ؟!، قال: ((قولوا: اللهمَّ نسألك بما(1) سألك به محمد عبدك ونبيئك، ونستعيذك مما استعاذك منه محمد عبدك ونبيئك ورسولك)).
__________
(1) مما رواه الإمام أبو طالب(ع).
ومن حقوق المجلس والأخوّة: التشميت عند العطاس بيرحمكم الله ونحوه، والتسليم على من بدأه أو يبدأ أخاه ونحو ذلك من الحقوق ففي شمس الأخبار من حديث أمير المؤمنين عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقاً، وعد منها ذلك ومن عطس فليحمد الله، ومن تثآءب فليستعذ من الشيطان واضعاً فاه على ظهر كفه الأيسر))، وكل ذلك مرفوع.
وفيه من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا لقي المؤمن المؤمن فقبض أحدهما على يد صاحبه تناثرت الخطايا منهما كما تتناثر ورق الشجر))، وفي حديث آخر: ((وتمام التحية بينكم المصافحة)).
وفيه من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((رأس التواضع ثلاثة:الإبتداء بالسلام على كل أحد، والرضى بالمجلس عن شرف المجلس))..إلخ.
وفيه من حديث أمير المؤمنين عَليْه السَّلام أنه قال: (السلام تحية لملتنا، وأمان لذمتنا)، وفيه: (من موجبات المغفرة السلام).
وفي المقاصد الحسنة من حديث أمير المؤمنين عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((من عطس عنده فسبق بالحمد لم يشتك خاصرته))، وفي لفظ: ((أمن من الشوص واللوص والعوص))، وقد نظمه بعضهم فقال:
من يبتديء عاطساً بالحمد يأمن من
عنيت بالشوص داء الرأس ثم بما
... ... شوص ولوص وعوص كما وردا
يليه للبطن والضرس اتبع رشداً(1)
__________
(1) وفي رواية للبيت الأخير هكذا:
عنيت بالشوص داء الضرس ثم بما
تمت هامش مخطوط.
يليه ذى الأذن والبطن اتبع رشداً
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا التقيا المؤمنان فتصافحا وحمدا لله واستغفراه غفر الله لهما)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس من آخر حديث: ((من دعا لأخيه بظهر الغيب كتب الله له عشر حسنات، ومن بدأه بالسلام كتب له عشر حسنات))، قال أنس: فإن كانت الشجرة تفرق بيننا في المسير ؟!، فنتلاقا بالسلام .
الباب الثاني والعشرون: في ذكر شيء مما ورد في الأكل والشرب وآدابهما
في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) بسنده قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أكل طعاماً قال: ((اللهمَّ بارك لنا فيه وارزقنا خيراً منه وارزقنا منه خيره))، أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث رجل من بني سليم وكانت له صحبة قال: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أكل فقضى أكله قال: ((اللهمَّ لك الحمد أطعمتَ وسقيت وأرويت فلك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنك))(1).
وفيه من حديث أنس قال: جاء النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة)).
__________
(1) وفي الاعتبار وسلوة العارفين متن الحديث: ((اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت وأسقيت فأرويت، فلك الحمد غير مودع ولا مكفور ولا مستغنى عنك)).
وفي تخريج البحر لابن بهران أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لم يكن صائماً فأفطر عنده، وليس سعد ابن معاذ كما في بعض نسخ (البحر) والصحيح ما هنا، قال: وقد ورد في الدعاء للمضيف كلمات أخر منها: ((اللهمَّ أطعم من أطعمني واسق من سقاني))، ومنها: ((اللهمَّ بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم)).
وفيه من حديث جابر أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في إجابة أبي الهيثم ابن التيهان فقال بعد أن أكل وأكلوا: ((أثيبوا صاحبكم))، قالوا: بماذا يا رسول الله؟، قال: ((إن الرجل إذا دُخِل بيته فأُكِل طعامه وشرابه فدعوا له فذلك إثابة)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).
وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعاً قال: دعا رجل من أهل قبا النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فانطلقنا معه، فلما طعم غسل يديه - أو قال: يده - وقال: ((الحمد لله الذي يُطعِم ولا يُطعَم منَّ علينا ربُّنا، فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاءٍ حسن أبلانا، الحمد لله غير مودع ربّي ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العرى وهدانا من الضلال وبصرنا من العما وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين)).
وفيه من حديث عبدالله بن أبي أوفا: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((اللهمَّ لك الحمد ملئُ السموات والأرض وملئُ ما شئت من شيءٍ بعد))، وقد ورد هذا الحديث مطلقاً ومقيداً في الصلاة وغيرها.
وفيه من حديث أنس: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا قرّب إليه الطعام قال عند بدئه: ((سبحانك اللهمَّ وبحمدك ما أكثر ما تُطعِمنا، سبحانك وبحمدك ما أعظم ما تعافينا، سبحانك وبحمدك ما تبلينا فأتمم علينا نعمتك ووسع علينا وعلى فقراء المسلمين))، قال: وكان إذا تناول الطعام يقول: ((بسم الله في أوله وآخره))، وكان يحمد الله بين كل لقمتين، وكان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يذكر الله تعالى بين كل خطوتين، قال: وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا رفع يده من الطعام قال: ((أطعمتَ ربّي فأشبعتَ فلك الحمد فهنِّه أكثر ربي وأطيب لك الحمد فزد)).
وفي أحكام الإمام الهادي(ع) قال الهادي عَليْه السَّلام: إذا وضع الطعام قال الآكلون: بسم الله والحمد لله على ما هيَّأ لنا من روقنا وأنعم به علينا من طعامنا، فإذا فرغوا من الطعام قالوا: الحمد لله على ذلك شكراً لا شريك له، ويأكل مما يليه إلا أن يكون تمراً فمن حيث أحب وبذلك جاءت السنة.
وفي ضياء ذوي الأبصار من حديث عائشة قالت: قال رسول الله: ((إذا أكل أحدكم طعاماً فليقل: بسم الله، فإن نسي في الأول فليقل في الآخر: بسم الله في أوله وآخره)). إنتهى.
(فصل) في ذكر شيءٍ مما ورد في الأشربة
يندب فيه من التسمية في أوله ما يندب في الأكل كما في حديث أمالي الإمام أبي طالب(ع) المرفوع، والحمد في آخره كذلك، وفي تتمة الأنوار من حديث أبي أيوب قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أكل أو شرب قال: ((الحمد لله الذي أطعم وسقا وسوغه وجعل له مخرجاً))، وكذا حديث أمالي الإمام المرشد بالله (ع) فإن فيه ((الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب))...إلخ، وفيه: ((أطعمنا وسقانا))...إلخ.
ومما يندب ما رواه في تخريج البحر لابن بهران من حديث عبدالله بن عكراش بن ذويب الجامع وفيه أنه دعا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بطعام فذهبت يد عكراش في الإناء تجُول فقبضها رسول الله وقال: ((يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد))، ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر أو الرطب - شك عبيدالله(1) - فأكلت من بين يدي فقال: ((يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد))، وذهبت يد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم تجول في الطبق، ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يده ومسح يبلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه وقال: ((يا عكراش هكذا الوضوء مما غيرت النار)).
وفيه من حديث أنس مجموع الإمام زيد بن علي(ع)، الإعتصام، (ت(2))،: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يتنفس ثلاثاً في شربه يحمد الله ويسمي بين كل نفس، وقال: ((أنه أروى وأمرأ وأبرأ))، هذا معناه.
__________
(1) تقدم أنه عبدالله بالتكبير فينظر.
(2) كذا في المخطوط (ت)، ولكن لم تتقدم الإشارة بهذا الرمز. أما معنى ((يسمي بين كل نفس)) فمعناه: بعد كل نفس.
وفي حديث جابر أنه سمع رسول الله يقول: ((إذا دخل الرجل منزله فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإن ذكر الله تعالى عند دخوله ولم يذكره عند عشائه قال -لعنه الله-: أدركتم العشاء ولا مبيت لكم، وإن لم يذكره تعالى عند دخوله ولا عند عشائه قال: أدركتم العشاء والمبيت)).
وفيه الأكل من الجوانب دون الوسط للبركة، دليله حديث حذيفة أنها حضرت جارية على طعام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فذهبت لتضع يدها في الطعام فقبضها صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقال: ((إن الشيطان جاء بهذه الجارية ليستحل بها الطعام إذا لم تذكر اسم الله عليه، والذي نفسي بيده إن يده مع يدها)).
والأكل بجميع الأصابع أو بعضها حسب الحاجة كما صححه الهادي عَليْه السَّلام في أحكام الإمام الهادي(ع) وابن بهران وأبطل حديث: ((الأكل بأصبع مقت وبأصبعين كبر وبثلاث سنة وبأربع شَرَه وبخمس سرف))، قال ليس له أصل.
والضيافة كما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث عمرو بن العاص: ((من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه حتى يرويه باعده الله من النار سبعة خنادق بين كل خندقين خمسمائة عام)).
وفي شمس الأخبار: ((من أطعم أخاه حلواً لم يذق مرارة يوم القيامة))، وهو من حديث أنس بلفظ: ((من لقم أخاه لقمة حلواً صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة)).
وكان له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قعدتان عند الطعام، الأولى: يجعل ظهر قدميه على الأرض ويجلس على بطونهما، الثانية: ينصب قدمه اليمنى ويفرش فخذه اليسرى، والمكروه متكأً ومستلقياً ومبتطحاً رواه في ضياء ذوي الأبصار من حديث ابن عباس، ويشرب من زمزم قائماً دل على صرف النهي عن التحريم إلا الكراهة كما في حديث مجموع الإمام زيد بن علي(ع) عن ابن عباس، ونهى عن الأكل بشمال(1) كما في حديث سلمة بن الأكوع فقال رجل: لا أستطيع، فلم يرفع يده إلى فيه وكان كبراً، ولذلك مواضع وإنما إستطردنا يسيراً حيث أشرنا عليه في الترجمة. إنتهى.
الباب الثالث والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد في اللباس وما يتعلق به
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس الجهني عن أبيه من تتمَّة حديث: ((ومن لبس ثوباً فليقل: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة)).
وفي تتمة الأنوار من حديث أنس أو غيره في (شمائل الترمذي) قال: كان رسول الله إذا استجد ثوباً سماه باسمه عمامة أو قميصاً أو رداء ثم يقول: ((اللهمَّ لك الحمد كما كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره ومن شر ما صنع له)).
وفيه كان أحب الثياب إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم الحبَرة والقميص، وندب فيه ما رواه في المقاصد الحسنة من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اطووا ثيابكم يرجع إليها أرواحها فإن الشيطان إذا وجد ثوباً مطوياً لم يلبسه وإن وجده منشوراً لبسه))، ومن طريق الديلمي فيه أيضاً: طيَّ القماش زيد في زيه.
__________
(1) بالشمال (ظ).
وفيه من طريق عائشة: طيُّ ثياب النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من الجمعة إلى الجمعة.، وفيهاطيها بالليل ومادته واسعة مختلفة.
الباب الرابع والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد في النكاح وما يتعلق به
في (مصابيح) أبي العبَّاس الحسني عَليْه السَّلام بسنده إلى زيد بن علي عَليْه السَّلام عن آبائه عَلَيْهم السَّلام قال: خطب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم حين زوج فاطمة (عليها السلام) فقال: ((الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع سلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في سمائه وأرضه))، ثم ذكر المهر وقال بعده عند أمره بانتهاب النثار: ((جمع الله شملكما وأسعد جدكما وأخرج منكما كثيراًطيباً))، وذكر فيه خطبة أبي طالب للنبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لخديجة (رحمها الله تعالى).
وفي تخريج البحر لابن بهران عند أن أشار الإمام في (البحر) أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لم يخطب في نكاح فاطمة وعائشة فروى ما في (الغيث) من صحة خطبة فاطمة (عليها السلام) لفظها: ((الحمد لله المحمود لنعمته، المعبود لقدرته، المتعالي لسلطانه، المنير لبرهانه، الحق لحقائق أدلته، المهيمن بسعة علمه، الجبار لجلاله، القهار لشدة محاله، العادل في أفعاله، الصادق في أقواله))...إلخ ما سبق.
وفيه من حديث الحسن البصري مرفوعاً قال: تزوج عقيل بن أبي طالب فقالوا له: بالرفاء والبنين، فقال: قولوا كما قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((بارك الله فيكم وبارك لكم))، وكان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أرفأ الإنسان إذا تزوج قال: ((بارك الله لك وبارك فيك وبارك عليك وجمع بينكما في خير)).
وفيه روايه تبريكة صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لعلي وفاطمة بلفظ: ((بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وأخرج منكما كثيراً طيباً)).
وفيه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا تزوج أحدكم إمرأة أو اشترى خادماً فليقل: اللهمَّ إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك)) وهو في تتمة الأنوار قال: والجبلة: هي الدين الحنيف، وفي الحديث مقال، وفي رواية: ((ثم ليأخذ بناصيتها وليدع بالبركة في المرأة والخادم)). إنتهى.
وفي تتمة الأنوار عن كتاب (العلوم) بسنده إلى عبدالله بن الحسن عَليْه السَّلام قال: خطب عبدالله ابن الحسن عَليْه السَّلام من رجل ابنته فقال بعد أن قال له: الحمد لله والواحد الله و(صلى الله عليه(1) وآله وسلم): إني في كهف حصين وشعب أمين، ثم ذكر المهر...إلخ.
وفي تخريج البحر لابن بهران قال: روي عن ابن عمر أنه قال: يقول الولي: بسم الله والحمد لله والصلوة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنكحتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ويقول الزوج: بسم الله والحمد لله والصلوة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أوصيكم بتقوى الله قبلت نكاحها منك، والظاهر من هذا الوقف ولا بأس به، ويكون تقديم الولي أولى في الخطاب.
__________
(1) على محمد (ظ).
وفيه من حديث ابن مسعود قال: أعطي رسول الله جوامع الكلم، علمنا خطبة الصلاة وذكرها، وخطبة الحاجة - أي النكاح - أن يقول: ((الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم تصل خطبتك بثلاث آيات من كتاب الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} الآية [آل عمران:102]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} الآية [النساء:1]، و{اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)} الآية [الأحزاب].
(فصل) في ذكر شيءٍ مما ورد عند الوقاع
وفيه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أما لو أن أحدكم قال إذا أراد أن يأتي أهله: بسم الله اللهمَّ جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك ولد لم يضره شيطان أبداً)).
الباب الخامس والعشرون: في ذكر شيءٍ مما يقال عند ولادة المولود
في ضياء ذوي الأبصار من حديث أبي رافع قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أذن في أذن الحسن بن علي عَليْه السَّلام حين ولدته فاطمة (عليها السلام) قال: وكان يصنعه عمر بن عبدالعزيز.
وفيه من حديث الحسن بن علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان))، وهي التابعة من الجن في (النهاية) التابعة من الجن جنية تتبع الرجل تجِنُّه، فيحمل حديث أبي رافع على أنه لم يسمع الإقامة وهي ثابتة فروى ما سمع.
وفي صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) من قصة ولادة الحسن عَليْه السَّلام ولما كان في القصة بيان وقوع التسمية عند الولادة أردت نقلها برمتها لمخالفتها ما في بعض كتب المذهب من أن التسمية تكون في السابع قال في (الصحيفة) وبالإسناد - يعني إلى محمد بن علي بن الحسين عَليْه السَّلام - قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: قبلت جدّتك فاطمة (عليها السلام) بالحسن والحسين (عليهما السلام) فلما ولد الحسن جاء النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((يا أسماء هاتي ابني))، فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((يا أسماء ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ؟))، فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم قال لعلي عَليْه السَّلام: ((بأي شيءٍ سميت ابني هذا ؟))، فقال عَليْه السَّلام: (ما كنت لأسبقك بإسمه يا رسول الله وقد كنت أحب أن أسميه حرباً)، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إني لا أسبق بإسمه ربّي عز وجل))، ثم هبط جبريل عَليْه السَّلام فقال: يا محمد؛ العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: علي منك بمنزلة هارون من موسى ولا نبي بعدك فسم ابنك باسم ابن هارون، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((وما اسم ابن هارون ؟))، فقال: شبر، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لساني عربي))، قال: سمِّه الحسن، قالت أسماء: فسماه الحسن فلما كان يوم سابعه عق عنه النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بكبشين أملحين فأعطى القابلة فخذ كبش، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق ثم قال: ((يا أسماء الدّم فعل الجاهلية))، قالت
أسماء: فلما كان بعد حول من مولد الحسن عَليْه السَّلام ولد الحسين عَليْه السَّلام،...إلخ القصة، قالت: وبكى عند ذلك وذكر مقتله عَليْه السَّلام .
قال في ضياء ذوي الأبصار: كان وزن الشعر درهماً أو بعض درهم، وقال: عق عن الحسنين بكبش كبش، رواه أبو داود من حديث ابن عباس، ورواه النسائي بكبشين كبشين .
والعقيقة: إسم لشعر المولود، واسم ما يذبح عقيقة بإسم سببه وهو الشعر المحلوق، قال: وذلك سنة عند العترة عَلَيْهم السَّلام والشافعي ومالك والأوزاعي لما روي عن سمرة بن جندب أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمّ))، قال ابن بهران هذه رواية الترمذي، ولأبي داود والنسائي نحوه.
قلت: فتحمل التسمية على من أخرها ولا يتعدى السابع لما سبق ويمكن حمله على غير هذا لكنا لا نستحسن مخالفة ما فعله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ولأن بقاء المولود سبعة أيام بغير تسمية إهمال وتقصير مع ما ورد من أن السقط إذا استهل سمي وورث ونحو ذلك لكن في موضع آخر من (صحيفة على بن موسى الرضا عَليْه السَّلام) بسنده إلى زين العابدين عَليْه السَّلام قال: سمي حسن حسناً يوم سابعه، واشتق من إسم الحسن الحسين، وذكر أنه لم يكن بينهما إلا الحمل فينظر. إنتهى.
اللهمَّ إلا أن يحمل ما في القصة الأولى على إدراج ذكر التسمية عند الولادة في وصفها وإن كانت متأخرة إلى السابع لموافقة الروايات الأخر، وأما المستسهل فيكون تخصيصاً لأنه لا يعيش، إلى السابع فيكون تقديم تسميته خاصاً به، والله أعلم.
الباب السادس والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد من الذكر في الأسواق
في (صحيفة علي بن موسى) مرفوعاً بسنده قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال حين يدخل السوق: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير أعطي من الأجر بعدد ما خلق الله إلى يوم القيامة)).
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (إذا دخلت السوق فقل: بسم الله وتوكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهمَّ إني أعوذ بك من يمين فاجرة وصفقة خاسرة ومن شر ما أحاطت به أوجاءت به السوق).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال في سوق من الأسواق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة وبنا له بيتاً في الجنة)). وفي شمس الأخبار من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((ذاكر الله في الغافلين مثل المقاتل عن الفارين، وذاكر الله في الغافلين مثل الشجرة في وسط الشجرة تحات عن القريب، وذاكر الله في الغافلين كالمصباح في البيت المظلم، وذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل أعجمي وفصيح، والأعجمي البهائم والفصيح بنو آدم، وذاكر الله في الغافلين يعرّفه الله مقعده في الجنة))، ولا يخفى أن المراد من الغافلين كل محل يصدق عليه هذا المعنى من المجالس وغيرها إلا أنه يدخل فيه السوق دخولاً أولياً.
وفيه من حديث ابن عمر مرفوعاً قال: لما قيل لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: يا رسول الله ما يقول الديك إذا صاح ؟، قال: ((يقول إذكروا الله يا غافلين)).
وفيه مما ذكره في الأسواق وإن احتمل غيره من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أدخلك على كنوز من كنوز الجنة ؟!، قلت: بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ من الله إلا إليه)).
الباب السابع والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد عند السرور بشيءٍ وعند المساءة
في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) بسنده إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من حديث طويل عند أن أرسل الحسنين إلى أمهما في ظلمة فقام ينظرهما ماشيين فبرقت برقة فاستمرت حتى وصلا فقال: ((الحمد لله الذي أكرمنا أهل البيت))، فالتحميد حينئذٍ من ذكر السرور.
وفيه بسنده قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من أنعم عليه بنعمة فليحمد الله، ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله، ومن أحزنه أمر فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (ماتت أمي فأتيت النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقلت: ماتت أمي، فقال: ((إنا لله وإنا إليه راجعون)).
وفي (نهج البلاغة) من دعاء أمير المؤمنين عَليْه السَّلام عند سماع ثناء على السامع: (اللهمَّ إنك أعلم بنفسي مني وإني أعلم بنفسي منهم فاغفر لي ما لا يعلمون واجعلني فوق ما يظنون).
وفي المقاصد الحسنة من حديث: ((العين حق))...إلخ، ((من رأى شيئاً فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره))، وفي حديث: ((فليدع بالبركة)).
قلت: والمروي في (شفاء الأوام) من قصة عامر ابن ربيعة فقال له النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((هلاَّ برَّكت عليه فلا يقتل أحدكم أخاه))، قال في (المقاصد) ومما ينفع العين مرفوعاً من حديث أنس قال: ((يقال على ماءٍ يضيف في إناء ويُسقاه المعُيون ويُغسّل منه ويُلقن عبس عابس بشهاب قابس ردت العين من المعين إليه وإلى أحب الناس إليه {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ(3)} إلخ الآية [الملك]، فيكون الدعاء الأول من العاين في دفع ضره والثاني هنا من المعيُون في رده)).
وفي الإعتصام من حديث أنس قال: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بشر بحاجة فخر لله ساجداً .
وفيه من حديث أبي بكرة قال: كان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا جاءه أمر بسرور أو بشر به خر ساجداً شكراً لله تعالى .
وفيه من حديث أبي بكرة نقيع(1) أبي الحارث أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان إذا جاءه أمر سر به خر ساجداً لله تعالى.
وفيه من حديث حُذيفة قال: رأيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ساجداً فوقفت أنظره فأطال فلما رفع رأسه قلت: لقد حسبت أن الله تعالى قبض روحك في سجودك!، قال: ((إن جبريل أخبرني أن الله تعالى قال: من صلّى عليك مرّة صليت عليه عشراً فسجدت شكراً لله تعالى على ذلك)).
__________
(1) نفيع (ظ).
وفيه سجود أمير المؤمنين عَليْه السَّلام لما وجد ذا الثديَّة، وفيه سجود أبي بكر لما جاءه خبر قتل مسيلمة، وفيه سجود النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لما جاءه كتاب علي عَليْه السَّلام من اليمن بإسلام قبائل همدان جميعاً من حديث البراء بن عازب، وفيه من حديث كعب بن مالك لما تاب الله عليه أمره صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أن يصلي سجدتين، وقد ورد عند نزول ما يسر السجود كسجوده وتضرعه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يوم بدر عند حشد المشركين؛ وأفعال الأئمة في مثل ذلك كثر، فيكون السجود مشتركاً يدعو الإنسان بما أحب مما يطابق مقامه مع السجود، وكذا لا حول ولا قوة إلا بالله، والإسترجاع فقد استرجع صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم عند أن طفيء مصباحه فقيل له: أمصيبة ذلك يا رسول الله ؟، قال: ((نعم؛ كل ما ساءك فهو مصيبة))، أو كما قال .
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) و شمس الأخبار من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من مصيبة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الإسترجاع إلا جدد الله تعالى ثوابها وأجرها)).
مجموع الإمام زيد بن علي(ع) عن علي عَليْه السَّلام أنه كان يقول إذا نظر في المرآة: ((الحمد لله الذي أحسن خلقي وصورتي وعافاني في جسدي)).
[في قصِّ الرؤيا وسماعها]
وفي قصّ الرؤيا وسماعها: قال في كتاب (البركة) للعلامة الوصابي يقول: من قُصت عليه رؤيا: خيراً رأيت وخيراً يكون وخيراً تلقاه وشراً توقاه وخيراً لنا وشراً لأعدائنا والحمد لله رب العالمين، ويبحث لتخريجه إذا كان مرفوعاً.
وقد روى الأمام الهادي عَليْه السَّلام في أحكام الإمام الهادي(ع): بلغنا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال: ((الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوءة))، وكان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث نفثات إذا استيقظ ثم ليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى))، وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لم يبق بعدي إلا الرؤيا الصالحة))...إلخ.
[سائر الأفعال المتعلِّقة بالبدن من حلق وقصِّ أظفار ونتف إبط ونحو ذلك]
وأما سائر الأفعال المتعلقة بالبدن من حلق وقص أظفار ونتف إبط ونحو ذلك: فينبغي التسمية في أوله الحديث: ((كل أمرٍ ذي بال))...إلخ، والحمد لله في آخره لأنه إذا زال منه فهو نعمة، وفي الثمرات يُرقى للمعيون بفاتحة الكتاب كما في حديث الملسوع وهو في غالب كتب المذهب مثل (الشفاء) وغيره، وكان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يُرقي الحسن والحسين (عليهما السلام) عند الخشية من العين فكان يقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامَّة))، وكان يقول: ((إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق))، قال: رواه البخاري.
ولا بأس بالتعويذة لكل أحد لصرف كل مستقبل مخوف من الشرور(1) واللآمَّة بتشديد أيضاً لما يصيب من العين فلما نزل المعوذتان فكان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعوذ بهما.
__________
(1) والهامَّة: بتشديد الميم، كل ذات سم كالحيَّة. صح أصلاً.
وفي (المجموع): ((إن التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، وإذا عطس أحدكم في الصلاة فليحمد الله تعالى في نفسه)). إنتهى.
الباب الثامن والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد عند حلول همِّ، أو غم، أو كرب، أو ورطة، أو نحو ذلك.
فعامًّا في أمالي الإمام أبي طالب(ع) وهو في غيره من حديث عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل في قضاءك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجاً))، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نعلمها ؟، قال: ((بل ينبغي لمن سمعها أن يعلمها)).
وفيه من حديث عبدالله بن جعفر قال: عملتني أمي أسماء بنت عميس شيئاً أمرها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول عند الكرب: ((الله ربّي لا أشرك به شيئاً)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي ألا أعلمك كلمة إذا أنت وقعت في ورطة فقلتها ؟!))، قلت: بلى؛ جعلني الله فداك فرب خير علمتنيه، قال: ((فإذا وقعت في ورطة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإن الله تعالى يصرف بها ما شاء من أنواع البلايا))، وفي هامشه بخط صحيح من (سلوة العارفين) للإمام الموفق بالله من قصة إمرأة هاجرت في بدء الإسلام من دار الشرك فمرض ولدها واحتضر فقالت: اللهمَّ لا صبر لي على مصيبتي هذه فلا تشمت بي عبدة الأوثان ولا تحملني من مصيبتي ما لا طاقة لي به، فما زالت تردد هذا الكلام فحرك الغلام رجله واستوى جالساً وعاش حتى دفن أمه، ولهذا الدعاء فضل مشاهدة النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فيقرب لحوقه بما نُريد.
وفيه من حديث عبدالقيس بسنده حكاية عن عبدالله بن محمد العنسي قال: سمعت شيخاً يقول: قال طاووس: دخلت الحجر أراه ليلاً فإذا علي بن الحسين عَليْه السَّلام قد دخله فقام يُصلي فصلى ما شاء الله ثم سجد فقلت: رجل صالح من أهل بيت الخير لأستمعنَّ الليلة إلى دعائه فسمعته يقول في سجوده: عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك، قال: فما دعوت به في كرب إلا فرج عني.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يدعوا عند الكرب: ((لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ العرش العظيم)).
وفيه من حديث عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز عن أبيه عن جده عن أسماء قالت: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]: ((هل في البيت إلا أنتم يابني عبدالمطلب ؟))، قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((إذا نزل بأحدكم هم أو غم أو سقم أو أزل أو لاوي)) قال: وذكر السادسة فنسيتها، ((فليقل: الله الله(1) ربّي لا أشرك به شيئاً)).
وفيه من حديث ابن عباس مرفوعاً: ((من قال لا إله إلا الله قبل كل شيءٍ، ولا إله إلا الله بعد كل شيءٍ، ولا إله إلا الله يبقى ربّنا ويفنى كل شيءٍ عوفي من الهم والحزن)).
وفي المقاصد الحسنة من حديث جعفر بن محمد عَليْه السَّلام عن أبيه عن جده مرفوعاً: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا أحزنه أمر دعا بهذا الدعاء: ((اللهمَّ أعني على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي)).
وفيه من حديث وهب بن منبه أظنه مرفوعاً قال: السيد هو في الحلية قال: ((لما أهبط الله آدم إلى الأرض استوحش لفقد أصوات الملائكة، فهبط جبريل فقال: يا آدم هل أعلمك شيئاً تنتفع به في الدنيا والآخرة ؟، قال: بلى، قال: قل: اللهمَّ أدم لي النعمة حتى تهنيني المعيشة، اللهمَّ اختم لي بخير حتى لا تضرني ذنوبي، اللهمَّ اكفني مؤنة الدنيا وكل هول في القيامة حتى تدخلني الجنة))، ومما قاله بعض السادات: ينفع في ذلك قول: يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت، أربعين مرة، وشاهد المتن في (أمالي المؤيد بالله عَليْه السَّلام) من حديث أنس: أن آدم لما أهبط وذكر معنى القصة أمره الله تعالى أن يقول: ((اللهمَّ إني أسألك إيماناً يباشر قلبي، ويقيناً حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتب علي، ورضى بما قسمت لي)).
__________
(1) كذا في الأصل بتكرير لفظ الجلالة.
ومن (الجوامع النوافع(1)) ما في أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) من حديث ابن عمر عن حذيفة ابن اليمان قال: جاء جبريل عَليْه السَّلام إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يا محمد ما بعثت إلى نبي قط أحب إليَّ منك ألا أعلمك أسماء من أسماء الله تعالى هي أحب أسمائه إليه أن يُدعي بها ؟، قل: يا نور السموات والأرض، ويا زين السموات والأرض، ويا جمال السموات والأرض، ويا عماد السموات والأرض، ويابديع السموات والأرض، ويا قيام السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا صريخ المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، ويا منتهى رغبة العابدين، المفرج عن المكروبين، والمروّح عن المغمومين، يا مجيب دعاء المضطرين، ويا إله العالمين، ويا أرحم الراحمين، أنا منزل بك كل حاجة)).
__________
(1) اسم كتاب؛ أو وصفين لهذا الحديث.
الباب التاسع والعشرون: في ذكر شيءٍ مما ورد عند نزول خصاصة من فقرٍ وحاجة ودين ونحوها، وفي الإستغناء عن الناس والإكتفاء بما رزق الله تعالى والشكر عليه
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث سويد بن غفلة قال: أصابت علياً عَليْه السَّلام خصاصة فقال لفاطمة (عليها السلام): (لو أتيتِ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وسألتيه، فأتته وكانت عنده أم أيمن فدقت الباب، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن هذا لدق فاطمة ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها فقومي فافتحي الباب))، ففتحت لها الباب، فقال: ((يا فاطمة لقد أتيتينا في ساعة ما عودتينا أن تأتينا في مثلها))، فقالت: يا رسول الله هذه الملائكة طعامها التسبيح والتهليل والتحميد والتمجيد فما طعامنا ؟، قال: ((والذي نفس محمد بيده ما اقتبس لآل محمد نار منذ ثلاثين يوماً وقد أتينا بأعنز فإن شئت فخمسة أعنز وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبريل -عليه السلام- قالت: بل علمني الخمس الكلمات التي علمكهن جبريل، قال: قولي: يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، ويا ذا القوة المتين، ويا رزاق المساكين، ويا أرحم الراحمين))، فانصرفت حتى دخلت على علي عَليْه السَّلام فقال: ما وراءك ؟، فقالت: ذهبت من عندك إلى الدنيا فأتيتك بالآخرة، قال: (خير أيامك خير أيامك).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من ظهرت نعمة من نعم الله عليه فليكثر ذكر الله، عز وجل، والحمد لله، ومن كثرت همومه فعليه بالإستغفار، ومن ألح عليه الفقر فليكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنه ينفي عنه الفقر))، وهذا بمعنى حديث (الصحيفة) المتقدم في الباب السابع والعشرين قال: وفقد النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم رجلاً من الأنصار فقال له: ((ما غيبك عنا؟))، قال: الفقر يا رسول الله وطول السقم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أعلمك كلمات إذا قلتها أذهب الله عنك الفقر والسقم ؟))، قال: بلى يا رسول الله، قال: ((فإذا أصبحت وأمسيت فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله، توكلت على الله الذي لا يموت، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك))، قال الرجل: فوالله ما قلتها إلا أياماً حتى أذهب الله عني الفقر والسقم، وهذا الحديث يحسن هنا لكونه في باب أدعية الفقر وإن ذكره غيرنا في الصباح والمساء فهو مستقيم في البابين.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث مُرَّة عن عبدالله قال: ضاف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ضيفاً فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاماً فلم يجد عند واحدة منهنَّ فقال: ((اللهمَّ إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت))، فأهديت له شاة مصليَّة - أي مشوية - فقال: ((هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة)).
وفيه من حديث أنس أن إمرأة أتت النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فشكت إليه الحاجة فقال: ((أدلك على خير من ذلك تهللين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتسبحينه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدينه أربعاً وثلاثين، فذلك خير من الدينا وما فيها)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمُامَة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة ؟))، فقال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله، عز وجل، همك وقضى دينك ؟))، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهمَّ إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال))، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني همي وقضى ديني .
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا يتمنينَّ أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل: اللهمَّ احيني ما كانت الحياة خيراً لي وأمتني إذا كانت الوفاة خيراً لي))، قلت: ويخصص بما إذا حمل الشخص على منكر لم يمكنه دفعه بوجه فيجوز تمني الموت كما في قوله تعالى حكاية عن مريم (صلوات الله عليها): {يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم:23]، لأنها وإن تيقنت براءتها فقد علمت أن قومها سيبهتونها بالفاحشة، وإذا جاز في مثل ذلك ففي غيره أولى، وفي السنة شواهد للآية كما ذلك مذكور في موضعه، والله أعلم.
وفيه من حديث ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يدعوا بهذا الدعاء: ((اللهمَّ اقنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير))، وكان ابن عباس لا يَدَعْ هذا الدعاء.
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((سلوا الله السداد فإن الرجل قد يعمل الدهر الطويل على الجادة من جواد الجنَّة فبينا هو كذلك دؤباً دؤباً إذا برت له الجادة من جواد النار فيعمل عليها ويتوجه إليها فلا يزال دؤباً دؤباً حتىيختم الله له بها، وإن الرجل قد يعمل الدهر الطويل على الجادة من جواد النار فبينا هو كذلك دؤباً دؤباً إذا برَّت له الجادة من جواد الجنَّة فيتوجه إليها ويعمل عليها فلا يزال دؤباً دؤباً عليهاحتى يختم الله له بها)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (أوصاني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((عليك يا علي باليأس مما في أيدي الناس فإنه الغناء الحاضر))، فقلت: زدني يا رسول الله، قال: ((إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك خيراً فامض فيه وإن يك غياً فدعه))، ثم قال: ((يا علي إن من اليقين أن لا ترضي أحداً بسخط الله، ولاتحمد أحداً على ما آتاك الله، ولاتذم أحداً على ما لم يؤتك الله فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يصرفه كراهة كاره وإن الله بحكمته وفضله جعل الروح والفرح في الرضاء واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط))، وهذا الحديث وإن كان خارجاً عن ما نحن فيه لعدم وجدان ذكر فيه لكن إستحسناه لما فيه من الحث على تشدد المؤمن بما يستنزل به الرزق الذي نحن فيه بالعمل لما فيه من الصفات ولنذكر له شاهداً؛ قال في (صحيفة علي بن موسى الرضا عَليْه السَّلام) بسنده مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يقول الله، عز وجل، مامن مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السموات والأرض من دونه، فإن سألني لم أعطه وإن دعاني لم أجبه، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضَمَّنت السماوات والأرض برزقه فإن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته، وإن استغفرني غفرت له))، فحدانا شدة شغف ابن آدم بالتمسك بأسباب الرزق واستنزاله وهذا من أعظمها على نقل هذين الحديثين هنا وإخراجه.
وفيه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من لزم الإستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب)).
وفي شمس الأخبار من حديث عبدالله بن عمرو: ((اللهمَّ لا تجعل لكافر ولا لفاجر عليَّ منَّة ترزقه من قلبي مودَّة)).
وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: أنهالما جاءت فاطمة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم تسأله أن يُخدِمها(1) وفي يدها أثر الرحى فقال لها: ((ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك ؟!، أن تقولي: اللهمَّ ربّ السموات السبع وربّ العرش العظيم ربّنا وربّ كل شيءٍ منزل التوراة والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيءٍ أنت آخذ بناصيته، اللهمَّ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيءٍ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيءٍ، وأنت الباطن فليس دونك شيءٍ إقض عني الدين واغننا(2) من الفقر)).
وفيه من حديث جعفر بن محمد عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اللهمَّ ارزق محمداً وآل محمد ومن أحب محمداً وآل محمد العفاف والكفاف، وارزق من أبغض محمداً وآل محمد كثرة المال والأولاد))، قال سيد المؤرخين، وقنطرة المحققين، أحمد بن صالح ابن أبي الرجال بعد تمام هذا الحديث: كفاهم بذلك أن يكثر مالهم فيطول حسابهم وأن يكثر عيالهم فتكثر شياطينهم، قال: أورده الديلمي. إنتهى من (مطلع البدور)، وفائدته تفسير معنى الحديث وإخراجه.
__________
(1) أي يجعل لها من يخدمها.
(2) كذا في الأم.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (قلت وأنا عند النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: اللهمَّ لا تحوجني إلى أحد من خلقك، فقال لي النبي) صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي لا تقول هكذا فإنه ليس أحد إلا وهو يحتاج إلى الناس))، قال: قلت: فكيف أقول يا رسول الله ؟، قال: ((قل: اللهمَّ لا تحوجني إلا شرار خلقك))، قال: قلت: يا رسول الله ومن شرار خلقه ؟، قال: ((الذين إذا أعطوا منّوا، وإذا مُنعوا عابوا)). إنتهى.
الباب الثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد في حفظ القرآن وعند ختمه، والمعونة على حفظه وسائر العلوم، والمعونة على كثرة الأعمال ومشاقها ونحو ذلك
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) و أمالي الإمام المرشد بالله (ع) وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: شكى علي بن أبي طالب عَليْه السَّلام إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم تفلت القرآن من صدره فأمره صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بهذا الدعاء: ((اللهمَّ ارحمني بترك معاصيك أبداً ما أبقيتني، وارحمني من تكلف ما لا يعينني، وارزقني حسن النظر فميا يرضيك عني، اللهمَّ نور بكتابك بصري، وأطلق به لساني، وأفرج به عن قلبي، واشرح به صدري، واستعمل به جسدي وقوني عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، زاد في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) في صدر الدعاء قال: فمسح بيده على صدري وقال: ((اللهمَّ أذهب الشيطان من صدره))، ثلاث مرات، ثم قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا خفت ذلك فقل: أعوذ بالله السميع العليم من ا لشيطان الرجيم ومن همزات الشياطين وأعوذ بك ربّ أن يحضرون إن الله هو السميع العليم))، ثم وصله بما في أمالي الإمام أبي طالب(ع): هذه رواية أبي طالب بلفظها. واقتصر عليه ولم يذكر فيه صلاة ولا زيادة.
ورواية أمالي الإمام المرشد بالله (ع) ما لفظه من حديث ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: بينا هو جالس إذ جاء علي بن أبي طالب قال: (بأبي وأمي أنت تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه)، فقال له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إِيْهٍ يا أبا الحسن ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهنَّ وينتفع من عملته ويثبت ما تعلمته في صدرك ؟))، فقال: (أجل؛ فعلمني يا رسول الله)، قال: ((إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في الثلث الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب، وهو قول أخي يعقوب لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف:98]، يقول حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع ففي أولها فصلِّ أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وحم الدخان، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وألم تنزيل السجدة، وفي الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل(1)، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله، عز وجل، وصلِّ عليَّ وأحسن، ثم قل في آخر ذلك: اللهمَّ ارحمني بترك المعاصي ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهمَّ بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا الله يا رحمن بجلالك ونور وجهك أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علمتنيه، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهمَّ بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام والعزة التي لا ترام أسألك يا رحمن بجلالك ونوروجهك أن تنور بكتابك بصري وأن تطلق به لساني وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تستعمل
__________
(1) يعني سورة الملك لا الفرقان.
به بدني فإنه لا يعين على الحق غيرك ولا يؤتيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن إِفعل ذلك ثلاث جُمع أو ستاً أو تسعاً يُجاب بإذن الله تعالى))، ولا يخفى ما في قوله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ويثبت ما تعلمت في صدرك))، من التنبيه على ما تعلمه الإنسان من قرآن وعلم ونحوهما.
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قالت فاطمة (عليها السلام): يا بن عم إشتد عليَّ العمل فكلم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، فقال لها: نعم، فأتاهما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من الغد وهما نائمان معاً في لحافٍ واحد فأدخل بينهما رجليه، فقالت له فاطمة: يا نبي الله شق عليَّ العمل فلو أمرت لي بخادم مما أفاء الله عليك، قال: ((أفلا أعلمك ما هو خير لك من خادم؟، أن تسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبري أربعاً وثلاثين فتلك مائة في اللسان وألف في الميزان))، وذلك أن الله تعالى يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160]، فالمائة بألف، ولا يخفى أن العلة الباعثة هنا هي الأعمال الشاقة فهو يحسن لأهل الأعمال الشاقة والمترادفة، والله أعلم.
وفيه من حديث أنس: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((اللهمَّ انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا،وزدنا علماً إلى علمنا)).
وفيه من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((سلوا الله علماً نافعاً واستعيذوا به من علمٍ لا ينفع)).
وفيه من حديث زر بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره في جامع الكوفة على علي بن أبي طالب عَليْه السَّلام فلما بلغت الحواميم قال أمير المؤمنين: (قد بلغت عرائس القرآن، فلما بلغت رأس العشرين: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ(22)} [الشورى]، بكى حتى ارتفع نحيبه ثم رفع يده إلى السماء، وقال لي: (يا زر أَمِّن على دعائي، ثم قال: اللهمَّ إني أسألك أخبات المخبتين، وإخلاص الموقنين، ومرافقة الأبرار، واستحقائق حقائق الإيمان، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ووجوب رحمتك، وعزائم مغفرتك، والفوز بالجنَّة، والنجاة من النار، يا زر؛ إذا ختمت فادع بهذه الدعوات فإن حبيبي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أمرني أن أدعوا بهنَّ عند ختم القرآن).
الباب الحادي والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد من الدعاء للمؤمن بظهر الغيب
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس بن مالك مرفوعاً أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من بدر أخاه بالسلام كتب الله له، عز وجل، عشر حسنات، ومن دعى له بظهر الغيب كتب الله له، عز وجل، عشر حسنات)).
وفيه من حديث أم كرز قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((دعوة الرجل لأخيه بظهر الغيب مستجابة وملك عند رأسه يقول: آمين ولك مثل ذلك))، وهذا وإن كان موضعه في الأذكار المطلقة لإطلاق وقته وعدم تعيين نوع من الدعاء له لكنه من أهم الأبواب فأفردنا له باباً للعناية به فيدعوا المؤمن لأخيه بما يدعو لنفسه مطلقاً لحديث: ((لا يكون المؤمن مؤمناً))...إلخ، والله تعالى أعلم. إنتهى.
الباب الثاني والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد لأمور عامة من خوف، أو شدة، أو دخول على سلطان، أو ذهاب ضالة، [أو غِيبة غائب مطلقاً(1)]، أو مرض، أو حاجة مطلقاً، وما يتصل بذلك
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث علي عَليْه السَّلام وقد تقدم بلفظه لنوع مما تضمنه وهو هنا أتم قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من تتمة حديث: ((يا علي أكثر من قراءة يس فإن في قراءة يس عشر بركات ما قرأها جائع قط إلا شبع، ولا قرأها ضمآن قط إلا روي، ولا عار إلا كسي، ولا مريض إلا بريء، ولا خائف إلا أمن، ولا مسجون إلا خرج، ولا عزب إلا زوج، ولا مسافر إلا أعين على سفره، ولا قرأها أحد ضلت عليه ضالة إلا وجدها، ولا قرئت عند رأس ميت قد أحضر أجله إلا خفف الله عنه، من قرأها صباحاً كان في أمان حتى يمسي، ومن قرأها مساءاً كان في أمان حتى يصبح)).
__________
(1) لم يذكر ما بين القوسين فيما تقدم ولا ذكر له هنا البتة.
وفي (مصابيح الإمام أبي العباس الحسني عَليْه السَّلام) بسنده قال: لما طمعت قريش في رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بعد موت أبي طالب خرج إلى الطائف يلتمس نصراً من ثقيف فأغروا به سفهائهم وعبيدهم حتى ألجأوه إلى حائط فقال: ((اللهمَّ إليك أشكوا ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت ربّ المستضعفين وأنت ربّي، إلى من تكلني ؟، إن لم يك بك إليَّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي بن موسى الرضا عَليْه السَّلام قال: أرسل أبو جعفر - يعني الدوانيقي - إلى جعفر بن محمد عَليْه السَّلام ليقتله وطُرِح سيف ونطع وقال: يا ربيع إذا كلمتك ثم ضربت بإحدى يدي على الأخرى فاضرب عنقه، فلما دخل جعفر بن محمد عَليْه السَّلام ونظر إليه من بعيد نزق أبو جعفر على فراشه، قال: - يعني تحرك - وقال: مرحباً بك وأهلاً يا أبا عبدالله ما أرسلنا إليك إلا رجاء أن نقضي ذمامك ونقضي دينك، ثم سأله مسألة لطيفة عن أهل بيته وقال: قد قضى الله دينك وأخرج جائزتك يا ربيع لا تمضي ثالثة ما قلته حتى يرجع جعفر إلى أهله، فلما خرج هو والربيع قال: يا أبا عبدالله رأيت السيف والنطع إنما كان وضع لك فأي شيءٍ رأيتك تحرك به شفتيك ؟، قال: نعم يا ربيع لما رأيت الشر في وجهه قلت: حسبي الخالق من المخلوقين، وحسبي الرزاق من المرزوقين، وحسبي الله رب العالمين، وحسبي من هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم .
ولما كانت قصة الصادق (صلوات الله عليه وعلى آبائه) من غرائب القصص وفيها تنويه شرف الدعاء وأنه يرد القضاء حقاً كما ورد فليعد القصة بجملتها من دون حذف شيءٍ منها بسندها التام إن شاء الله تعالى وتلذذاً بإعادتها وتشرفاً بذكر سندها من أسانيد هذه الكتب الشريفة ولنعرف قدر أهل بيت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقربهم من بارئهم، عز وجل، وعنايته بهم في إجابة دعائهم وعظم جاههم ولما في هذا السند من الانفراد بمتنه المستدعي على انفراده الإعادة لذكر جملة القصة وإن كان في الغالب نكتفي بما قد أشير إليه في أي الكتب ولما نراه من عظيم هذه الدعوات الفاضلات النافعات لمن اهتدى بهم وببركتهم (سلام الله عليهم) وإن كان حنسهم كالحنس الباني لنا وتبركاً بذكر الصالحين من أهل العلم وحافظي الأسانيد (رحمهم الله تعالى) وهو ما رواه السيد الإمام الداعي إلى الله المرشد بالله في أماليه وهو أبو الحسين يحيى بن الموفق بالله(1) بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن أبي جعفر ابن أبي محمد الحسن بن محمد بن أبي الحسين الرسي جعفر بن عبدالرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم) وهو لنا سماع لبعضه وأجازة لباقيه وهو ما روي في (أمالي أبي طالب عَليْه السَّلام)، وهو لنا سماع من فاتحته إلى خاتمته، وهو بهذا السند المتصل بالقاضي جعفر بن أحمد -رحمه الله- عن الكني عن شيخه أبي الحسين زيد بن الحسن البيهقي عن السيد الإمام أبي الحسين علي بن محمد بن جعفر النقيب عن والده، عن الإمام أبي طالب عَليْه السَّلام، وبهذين الطريقين نروي أمهات هذا المختصر فأقول مستعيناً بمن إليه كل كائن
__________
(1) وهو أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل..إلخ.
يؤُل، حدثني شيخنا الفاضل المبرز التقي عبدالله بن علي الغالبي -رحمه الله-، عن شيخه قطب العترة الطاهرة أحمد بن يوسف بن الحسين زبارة عن شيخه العلامة الحسين بن يوسف زبارة، عن أبيه يوسف ابن الحسين زبارة، عن أخيه العلامة أحمد بن عبدالرحمن الشامي، عن شيخه العلامة الحسين ابن أحمد زبارة، عن شيخه القاضي المحقق أحمد بن صالح بن أبي الرجال، عن القاضي الحافظ أحمد بن سعد الدين المسوري، قال: أخبرنا المؤيد بالله محمد بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد عَليْه السَّلام؛ ولشيخنا طرق أخر لا حاجة إلى إستيفائها رواية عن شيخه شيخ العترة العلامة أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخه العلامة محمد بن علي الشوكاني، عن شيخه العلامة عبدالقادر بن أحمد الكوكباني، عن مشائخه يرفعه إلى الإمام الأعظم القاسم بن محمد عَليْه السَّلام قال: أخبرنا السيدان العالمان أمير الدين بن عبدالله الهادي وإبراهيم بن المهدي الجحافي، عن العلامة أحمد بن عبدالله الوزير صاحب (التحرير) المشهور (بالمقاصد)، قال: أخبرنا الإمام الحافظ شرف الدين عَليْه السَّلام.
وللإمام شرف الدين طرق مختلفة واسعة. منها رواية عن شيخه سيد العترة وحافظهم إبراهيم بن محمد بن عبدالله الشهير بابن الوزير، عن شيخ العترة ومسندها ومفسرها ومحدثها السيد الصلاحي صلاح الدين بركة أهل البيت المطهرين أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي ابن القاسم الحسني المؤيدي، عن والده العالم التأله يحيى بن المهدي عن السيد الإمام الأكبر والواثق بالله المطهر ابن الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين محمد، عن والده المهدي المذكور، عن والده أمير المؤمنين المطهَّر بن يحيى، عن الفقيه العلامة المذاكر محمد بن أحمد ابن أبي الرجال، عن الإمام السعيد الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (سلام الله عليه)، عن الشيخ العالم المعروف شغله وهو أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، عن الإمام الأوَّاه الحافظ المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة عَليْه السَّلام، عن شيخه العلامة المبرز الحسن بن محمد الرصاص، عن القاضي الأجل شمس الدين جعفر ابن أحمد بن عبدالسلام ابن أبي يحيى (رضوان الله عليه) قراءة، قال: أخبرنا الشيخ الإمام شرف الفقهاء قطب الدين أبو الحسين أحمد بن الحسن الكني (طول الله عمره وأسعده)، قال: أخبرنا السيد الإمام نصر بن مهدي الوتكي -رحمه الله-، قال: أخبرنا السيد المرشد بالله رضي الله عنه قال: أخبرنا أبو محمد عبدالله بن عمر بن عبدالله بن رستد بن المهيار البغدادي بقرائتي عليه بأصفهان، قال: حدثنا أبو الطيب عبدالرحمن ابن محمد بن عبدالله بن شيبة العطار المقريء المعروف بالحريري إملاءً بالبصرة في سنة سبع وستين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن بسطام الزعفراني، قال: حدثني عمي محمد بن عبدالله بن بسطام قال: حدثنا
الحسين بن الفضل بن الربيع قال: حدثني أخي عبيدالله ابن الفضل ابن الربيع قال: حدثني أبي الفضل ابن الربيع قال: حدثنا أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين سنة سبع وأربعين ومائة قال: لما قدم المدينة قال لي: إبعث إلى جعفر بن محمد العلوي - يعني الصادق - من يأتيني به بعثاً، قال: فأمسكت عنه لكي ينساه، فقال: ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي ومن يأتيني به بعثاً ؟ قتلني الله إن لم أقتله فأمسكت عنه لكي ينساه فقال لي الثالثة وأغلظ لي: ألم آمرك أن تبعث إلى جعفر بن محمد العلوي من يأتيني به بعثاً قتلني الله إن لم أقتله(1)، فبعثت إليه فجاء فدخلت فقلت: يا أمير المؤمنين؛ جعفر بن محمد في الباب، فأذن له فدخل فلما دخل قال جعفر بن محمد عَليْه السَّلام: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال أبو جعفر: لا سلم الله عليك يا عدو الله؛ تلحد في سلطاني وتبغي الغوائل في ملكي، قتلني الله إن لم أقتلك، فقال له جعفر بن محمد عَليْه السَّلام: يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود أعطي فشكر، وإن أيوب أبتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت الصالح، فأطرق طويلاً فمد يده فصافحه فمد يده حتى أَجلَّه على مفرشة ثم قال: يا غُلام عليَّ بالمنحفة وهو مدهن كبير فيه غالية فغلف لحيته بيده حتى خلتُها قاطرة
__________
(1) (القائل: فبعثت، هو الربيع)، ولا تفاوت بن روايتي الإمامين إلا بزيادة الدعاء هذا، أو يمكن أنه اقتصر على البعض في أمالي الإمام أبي طالب(ع) عَليْه السَّلام، وهنا أتى بالجميع، أو خص ما قاله عند الدخول كما هو ظاهر رواية أبي طالب،وهنا على الإطلاق وذكر جميع الدعاء، والله أعلم. (فبعث إليه) صح أصل، ويمكن أن القصة وقعت مرتين. تمت هامش المخطوط..
ثم قال: لعلنا قد حبسناك؛ إذهب في حفظ الله وفي كلائته، يا ربيع إلحق أبا عبدالله جائزته وكسوته، فخرج وتبعته فقلت: يا أبا عبدالله قد رأيت من غضب أمير المؤمنين ما لم ير ورأيت من رضائه بعد ذلك ما قد رأيت ورأيتك تحرك شفتيك حتى دخلت بشيءٍ فما هو ؟ فعلمنيه، قال: نعم؛ أما إن لك مودة، أما أنت رجل منا أهل البيت، قلت: اللهمَّ احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بكنفك الذي لا يرام، واغفر لي بقدرتك عليَّ ولا أهلك وأنت رجائي، كم من نعمة أنعمت بها عليَّ قل لها عندك شكري، وكم من بلية ابتليتني بها قلّ لها عندك صبري، فيا من قل عنده شكري فلم يحرمني، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على الخطأ فلم يفضحني، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبداً أسألك أن تصلي وتسلم على محمد وعلى آل محمد وبك أدرأ في نحره وأستعيذك من شره، اللهم أعني على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي اللهمَّ احفظني ممَّا غيبت عنه فلا تكلني إلى نفسي فيما خطر به، يا من لا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة اغفر لي وأعطني مالم ينقصك، إنك أنت وهَّاب أسألك فرجاً قريباً وصبراً جميلاً ورزقاً واسعاً والعافية من جميع البلايا وشكر العافية .
وفي كتاب (أنوار اليقين) للإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين عَليْه السَّلام رواية عن الإمام الحافظ المرشد بالله في (جامعه الكبير للأمالي) ما لفظه قال: روينا عن كتاب (أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام) عن جعفر بن محمد الصاق عَليْه السَّلام قال: خرج علي بن أبي طالب عَليْه السَّلام المعسكر ليلة الأحزاب فشعر به النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((إلى أين يا أبا الحسن ؟))، فقال: (خرجت حارساً لله تعالى ورسوله)، فهما يتخاطبان إذ نزل جبريل عَليْه السَّلام فقال: ((يا محمد إن الله، جل ثناؤه وتقدست أسماؤه، يقرأ عليك السلام ويقول لك: قد أهديت إلى علي بن أبي طالب كلمات من كنوز العرش لا يضره معها كيد شيطان ولا سطوة سلطان ولا لسعة حية ولا عقرب ولا سبع ضار ولا جبار عات والكلمات هي: يا من ستر القبيح وأظهر الجميل ولم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني أسألك أن تبلغني ما أؤمله من أمر ديني ودنياي وآخرتي وأن تدخلني في حمايتك التي لا تستباح واحرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بكنفك الذي لا يرام وأدخلني في سلطانك الذي لا يظام وفي ذمتك التي لا تخفر، عز جارك ولا إله غيرك ولا معبُود سواك فصل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين، وعد على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي، وذلله لي كما ذللت الرياح لسليمان بن داود عَليْه السَّلام، وكفه عن إذيتي، واطمس بصره عن مشاهدتي، وأبدلني من غله وُدًّا ومن حقده عفواً ومن عداوته سلماً يا أرحم الراحمين)).
وفي غيره قال في قصة الحسن السبط (صلوات الله عليه) لما أرسل له معاوية والنفر الذي أرادوا سبه، قلت: (والقصة في كتب السير وكتب الطريقة وغيرها مشهورة)، فقال بدعاء عند نهوضه قال في (الحدائق الورديَّة) هو: اللهمَّ إني أدرأ بك في نحورهم، وأعوذ بك من شرورهم، وأستعين بك عليهم، فاكفنيهم بما شئت وكيف شئت وأنى شئت بحولك وقوتك يا رحمن . إنتهى.
الباب الثالث والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد من(1) الأذكار العامة المطلقة عن تقييد وقت ومكان
في (صحيفة علي بن موسى الرضا عَليْه السَّلام) بسنده الصحيح قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن لله عموداً من ياقوتة حمراء رأسه تحت العرش وأسفله على ظهر الحوت في الأرض السابعة السفلى فإذا قال العبد: لا إله إلا الله إهتز العرش فتحرك العمود وتحرك الحوت، فيقول الربّ عز وجل: أسكن عرشي، فيقول العرش: كيف أسكن ولم تغفر لقائلها ؟، فيقول الله عز وجل: أشهدوا سكان سمواتي أني قد غفرت لقائلها))، ولا يخفى ما في هذا من أمر التشبيه والتخييل البليغ.
__________
(1) في (نخ).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أبي الجوزاء قال: قلت للحسن بن علي عَلَيْهم السَّلام: ما الذي تحفظ من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: كان يعلمنا هذا الدعاء: ((اللهمَّ اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت))، وزاد في (المجموع): ((ولا يعز من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت))، زاد في (الجامع): ((سبحانك ربّ البيت))، وزيادة (المجموع) هي في (الأحكام) قال الهادي عَليْه السَّلام: وزاد فيها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اللهمَّ إني أسألك التقى والهدى والعفة والغناء، وأعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو))، قال: وهذا القنوت يقنت به بعد التسليم من الوتر، ثم روى قنوت أمير المؤمنين عَليْه السَّلام: (اللهمَّ إليك رُفعت الأبصار)...إلخ، قال: وهو بعد التسليم كان يقنت به، ولفظ (أمالي أحمد بن عيسى عَليْه السَّلام) أن الزيادة: ((اللهمَّ إني أسألك الهدى والتقى))، إلى أن قال: ((وغلبة العدو وبوار الأيم))، وفسره بكسادها.
قلت: رواية أبي طالب عَليْه السَّلام مُطلقة وقد روي هذا الدعاء في تعليم جبريل عَليْه السَّلام للنبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم القنوت في (مجموع [الإمام] زيد بن علي عَليْه السَّلام) باختلاف يسير فيؤخذ من هذا صحة الأمرين جعله في القنوت والدعاء به في سائر الأوقات، وقد كان يدعو به النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في سائر أوقاته، قال أبو الجوزى: ثم ساق باقي الرواية.
وفيه من حديث أنس قال: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يدعوا بهذه الدعوات: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع))، ثم يقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من هؤلاء الأربع)).
وفيه من حديث جابر قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لرجل من أصحابه: ((كيف تتشهد حين تفرغ من الصلاة ؟))، فأخبره، قال: ثم أقول: اللهمَّ إني أسألك الجنَّة وأعوذ بك من النار، ولست أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، فقال له النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((حولها ندندن))، ولا يخفى أن تقريره له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يؤخذ منه تعيين الوقت لذلك الدعاء وهو عقيب الصلاة فيكون من المقيد حينئذ.
وفيه من حديث أبي ذرٍّ قال: سئل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أي الكلام أفضل ؟، قال: ((ما اصطفاه الله تعالى لملائكته، أو قال لعباده: سبحان الله وبحمده))، وفيه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله –صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وهي كنز من كنوز الجنَّة)).
وفيه من حديث عبدالله بن عمر قال: علمنا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ست دعوات قال: ((علموهن أنفسكم وأزواجكم وأولادكم: أعوذ بالله من صاحب مُغوي، أو هوى يردي، أو عمل يخزي، أو فقر ينسي، أو غنى يطغي، أو جار يؤذي)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((قال موسى بن عمران عَليْه السَّلام: يا ربّ علمني شيئاً أذكرك به وأدعوك، قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولوا هذا، قال: قل لا إله إلا الله، قال لا إله إلا أنت أنا أريد شيئاً تختصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع وبحارهن والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفَّة مالت بهم لا إله إلا الله)).
وفيه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من دعى بدعوة ذي النون استجيب له، ثم قال: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)} [الأنبياء])).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن الله سبحانه ليلوم على العجز فأبل من نفسك الجُهد فإن غلبت فقل: توكلت على الله، أو حسبي الله ونعم الوكيل)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا سألتم الله تعالى فقولوا: ربّنا لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أعلمك كلمات تقولهنَّ تُغفر ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر ومثل عدد الذر مع أنه مغفور لك ؟، لا إله الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان ربّ السموات والسبع وربّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين)).
وفيه من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((اللهمَّ عافني في جسدي، اللهمَّ عافني في بصري واجعلهما الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم والحمد لله ربّ العالمين)).
وفيه من حديث أبي علقمة عن أبي هريرة: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((سبحان الله نصف الميزان، والحمد لله ملئ الميزان، والله أكبر ملئ السموات والأرض، ولا إله إلا الله ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلا ربّها)).
وفيه من حديث حذيفة قال: قلت يا رسول الله إن في لساني ذرباً على أهلي قد خشيت أن يدخلني ذلك النار، قال: ((فأين أنت عن الإستغفار ؟ ، إني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة)).
وفيه من حديث الحسن بن مالك قال: كنا مع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في سفر فقال لنا: ((إستغفروا الله))، فاستغفرنا، فقال لنا: ((أتموها سبعين مرة فما من عبد ولا أمَة إستغفر الله في كل يوم وليلة سبعين مرة إلا غفر الله له سبعمائة ذنب وقد خاب عبد أصاب في يوم وليلة سبعمائة ذنب))، ولا يخفى أن هذا من المطلق وإن قيده الراوي بذكر السفر فإنما أراده طرداً والله أعلم.
وفي كتاب (الزهد) من أحكام الإمام الهادي(ع) قال الهادي عَليْه السَّلام: بلغنا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من ختم يومه يقول عشر مرات: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهمَّ اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم، إلا غفر الله له ما كان في يومه، أو قالها في ليل إلا غفر الله له ما كان في ليلته))، قال يحيى بن الحسين (صلوات الله عليه): ذلك لمن كان تائباً منيباً مخلصاً توبته... إلخ في إشتراط التوبة وهو طويل.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) أيضاً من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعلم هذه الكلمات كما يعلم المكتب الكتابة: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أردّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر)).
وفيه من حديث بلال قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن اصطفاء أكرم الكلام لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، طوبى لمن وجد في صحيفته إستغفاراً كثيراً)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: علم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فاطمة (عليها السلام) أن تقول: ((أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأستنصره وأستعصمه وأتوب إليه وهو التواب الرحيم))، وقال لها: ((يا بُنيَّة من قالها مرة غفر الله له، ومن قالها مرتين غفر الله له ولوالديه، ومن قالها ثلاثاً غفر الله له ولوالديه ولقرابته، ومن قالها أربعاً غفر الله له ولوالديه ولقرابته ولأمة محمد)) صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم.
وفيه من حديث عبدالله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: إني لا أقرأ القرآن فعلمني شيئاً يجزيني من(1) القرآن قال: ((قل: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله))، قال: فقبض على يده وعد خمساً مع إبهامِه قال: هذا لله تعالى فما لي، قال: ((قل: اللهمَّ اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني))، فأمسك عليهن بيده الأخرى وعد خمساً مع إبهامه ثم أدبر فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ملأ يديه من الخير)).
وفيه من حديث أبي مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((رأيت إبراهيم صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقريء أمتك عني السلام وأخبرهم أن الجنَّة طيبة التربة عذبة الماء وإنها قيعان وغراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
__________
(1) عن (نخ).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال في كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الحق المبين، كان له أماناً من الفقر وأمن من وحشة القبر واستجلب به الغنا واستقرع بها باب الجنَّة))، ولفظه في (الجامع الكبير): ((من قال في كل يوم مائة مرة: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كان له أماناً من الفقر وأماناً من وحشة القبر واستجلب بها الغنى واستقرع بها باب الجنَّة))، رواه الشيرازي في (الألقاب) من طريق ذي النون المصري عن سليم، ورواه الخطيب والديلمي والرافع وابن النجار من طريق الفضل بن غانم عن مالك بن أنس عن حعفر بن محمد عَليْه السَّلام...إلخ ما في الكتاب، ورواه أبو نُعيم في (الحلية) من طريق ابن زريق عن سليم الخواص عن مالك. إنتهى.
قلت: وفائدته ذكر الزيادة في قوله في صدر المتن ((الملك)) فينبغي الزيادة لأنها مقبولة وهي غير مخلة ولا مانعة، قال الفضل بن علقم: لو رحل الإنسان في هذاالحديث إلى خراسان لكان قليلاً. إنتهى.
وفيه من حديث أبي أمامة قال: كان من دعاء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اللهمَّ اغفر لنا وارحمنا وارض عنا وأدخلنا الجنَّة ونجنا من النار وأصلح شأننا كله، فكأنا اشتهينا يزيدنا فقال: ((قد جمعت الأمرين)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: ما رأيت أحداً بعد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أكثر أن يقول: ((أستغفر الله وأتوب إليه))، من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم .
وفيه من حديث هانيء بن عثمان الجهني قال: أخبرتني حميصة بنت ياسر عن بشيرة أخبرتها أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أمرهن أن يراعين التسبيح والتهليل والتقديس ويعقدن الأنامل فإنهنَّ مسؤلات ومستنطقات .
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً صمداً فرداً وتراً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، إلا أعطاه الله تعالى في الجنَّة أربع مائة قصر من ياقوتة حمراء))، ثم قال: ((هذا القول على المؤمن خفيف وعلى المنافق ثقيل)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من هلل مائة مرة وكبر مائة مرة كانت خيراً له من عشر رقاب يعتقها ومن سبع بدنات ينحرها عند بيت الله الحرام)).
وفيه من حديث خالد بن عمران عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال: ((خذوا جُنّتكم))، قالوا: يا رسول الله من عدو حضر ؟، قال: ((لا؛ بل من النار))، قال: قلنا وما جنتنا من النار ؟، قال: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولاحول ولا قوة إلا بالله فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات وهنَّ الباقيات الصالحات))، وهو في غيره أيضاً.
وفيه من حديث ابن عمر قال: ((من قال سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر كتب الله له بكل واحدة منهن عشر حسنات ورفع له بهن عشر درجات، ومن زاد زاده الله ، ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله ضاد الله في أمره ، ومن خاصم خصومة باطل كان في سخط الله حتى ينزع ، ومن يغتب مؤمناً أو مؤمنة بغير علم حبسه الله يوم القيامة في ردعة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج))، وقد ذكرنا الحديث برمته وإن كان الثمرة في صدره لما فيه من الفائدة الجليلة فرب عامل بالصدر والعجز إن شاء الله تعالى ، وهذا الحديث وأمثاله مما فيه نوع من ذكر معين وإن كررنا فلمندوحة ما فيه من إختلاف يستدعي الذكر، والفائدة هنا ذكر الجزاء فيه غير ما تقدم فيتأمل فيما عرض من ذلك والله أعلم.
وفيه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله قبل كل أحد، ولا إله إلا الله بعد كل أحد، ولا إله إلا الله يبقى ربّنا ويفنى كل أحد أتاه حافظاه عند النشر فقالا: قم فإنك من الآمنين، ويؤتى بحلتين فيكساهما ومركب فيركبه فينظر إليه المؤمنون فيقولون: ملك مقرب، وينظر إليه الأنبياء فيقولون: نبي مرسل، حتى يقف تحت لواء الحمد)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، خرقت كل سقف من السماء فلا يلتأم خرقها حتى ينظر الله، عز وجل، إلى قائلها فحقاً على الله سبحانه أن لا ينظر إلى عبد فيعذبه أبداً))، وفيه من حديث راشد بن سعد مثله بنقص: ((وهو حي لا يموت بيده الخير))، وزيادة: ((في كل يوم مائة مرة))، واختلاف في الجزاء فهنا: ((أتى الله يوم القيامة ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر)).
وفيه من حديث أنس أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله غرست له شجرة في الجنَّة من ياقوتة حمراء منبتها من المسك فيها مثل ثدي الأبكار يعلق(1) عن سبعين حلة))، قال رجل: يا رسول الله أذاً نكثر من أن نقول: لا إله إلا الله ؟، قال رسول الله –صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((خير الله أكثر وأطيب)).
وفيه من حديث أنس أيضاً قال: يا رسول الله ما ثمن الجنَّة ؟، فقال: ((لا إله إلا الله، ومن قال: لا إله إلا الله، مائة مرة، في كل يوم وليلة إلا أتت على ما في صحيفته مرسية(2) فطمستها)).
__________
(1) تفلق (ظ).
(2) أي باقية لم تمح فطمستها أي محتها. أو يكون بدل (مرسية): (من سيئة) فهي قريبة.
وفيه من حديث حذيفة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا حذيفة ومن ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله يريد بها وجه الله أدخله الله الجنَّة، يا حذيفة من ختم له بإطعام مسكين يريد به وجه الله أدخله الله الجنَّة، يا حذيفة، من ختم له بصيام يوم يريد به وجه الله أدخله الله الجنة)) قال: قلت: يا رسول الله أسر هذا أم أعلنه؟ قال: ((بل أعلنه))، قال حذيفة: إنه لآخر شيءً سمعته من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم.
وفيه من حديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنَّة))، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والإخلاص بلا إله إلا الله أن تحجزك عما حرم الله عليك))، ولا يخفى ما في هذا الحديث من التقييد بالإخلاص، وتفسير الإخلاص بعدم العصيان من المحبطات وقد إستلزم إخلاص القلب، وأما إخلاص القلب منفرداً فغير نافع وقد ينازع فيه وردَّه ظاهر من الحديث وربما استكثر الناظر هذا الجزاء أو يتكل على العمل وجوابه في الحديث السابق قريباً من أن ((خير الله أطيب وأكثر))، وما في هذا أيضاً من أن المنتفع بها يسير من الناس بالنظر إلى التقييد مع تفسيره كما في حديث: ((المخلصون على خطر عظيم))، فنسأل الله التوفيق، وينبغي التدبر لجميع المعاني النبوية فكفى بصاحبها طبيباً ودليلاً على الخير، والله تعالى أعلم.
وفيه من حديث ابن عباس مرفوعاً من دعاء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وتضرعه قال في حجة الوداع: ((اللهمَّ إنك قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي ولا يخفى عليك شيء من أموري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل، المشفق المضرور، المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائفين دعاء من خضعت لك رقبته وفاضت إليك عيناه وذل خده ورغم لك أنفه، اللهمَّ لا تجعلني بدعائك شقياً، وكن بي رؤفاً رحيماً يا خير المسؤلين ويا خير المعطين)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال لي النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي إحفظ هؤلاء الكلمات فإنهن لا يقرّنّ في قلب منافق ولا يقولهن عبد ثلاث مرات إلا خرج من النفاق: اللهمَّ إني ضعيف فقو في رضاك ضعفي، وخذ إلى الخير بناصيتي، واجعل الإسلام منتهى رضاي، وبارك لي فيما قسمت لي، وبلغني برحمتك الذي أرجو من رحمتك، واجعل لي وداً في صدور المؤمنين، وعهداً عندك يا كريم)).
وفيه من حديث أم معبد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((اللهمَّ طهر لساني من الكذب، وقلبي من النفاق، وبصري من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)).
وفيه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إنه جاءني جبريل عَليْه السَّلام في أحسن صورة لم ينزل في مثلها قط ضاحكاً مستبشراً بهذا الدعاء فقال: السلام عليك يا محمد، قال: وعليك السلام يا جبريل))، ثم ساق شرح قصة بعث الله له إلى رسوله بالدعاء هذا، وعظّم من شأن هذا الدعاء تعظيماً لم يبلغ درجته شيءٍ وهو أن قال له (عليهما صلاة الله وسلامه): ((قل: اللهمَّ يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتديء بالنعم قبل استحقاقها، يا ربّنا ويا سيدنا(1) ويا غاية رغبتنا أسألك يا الله أن لا تشوه خلقي في النار))، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((وما ثواب هذه الكلمات ؟))، قال جبريل عَليْه السَّلام: لا يمكن حصر جزائها، ثم ساقها كلمة كلمة فقال: ((إذا قال: يا من أظهر الجميل وستر القبيح ستره الله في الدنيا والآخرة))...إلخ حذفناه إختصاراً، وعلى الجملة فهو من أعظم ما ورد فيه الجزاء على الإطلاق.
__________
(1) زاد في (شمس الأخبار): يا مولانا.
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) عن علي عَليْه السَّلام قال: دخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم على بعض أزواجه وعندها نوى العجوة تسبح به، قال: ((ما هذا؟))، قالت: أسبح بهذا كل يوم، فقال: ((لقد قلت في مقامي هذا أكثر من كل شيءٍ سبحت به في أيامك كلها))، قالت: وما هو يا رسول الله ؟، قال: ((قلت: سبحانك اللهمَّ عدد ما أحصى كتابك، وسبحانك زنة عرشك ومنتهى رضى نفسك)).
وفيه عنه عَليْه السَّلام قال: ((من سبح الله في كل يوم مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبره مائة مرة، وهلله مائة مرة وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة دفع عنه من البلاء سبعون نوعاً أدناها القتل، وكتب له من الحسنات عدد ما سبح سبعون ضعفاً، ومحى عنه من السيئات سبعون ضعفاً))، وهذا له حكم الرفع.
[فصل في حديث الصيحة وما فيها من العبرة]
ولنذكر في هذا الموضع ما ورد جامعاً بين الأخذ من الأذكار النبوية والقرآنية لتوسط هذا الفصل بينهما وفيه عبرة للمعتبرين وهو ما رواه الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يطلع كوكب في آخر الزمان من المشرق ويكون في ذلك العام صيحة في رمضان يموت فيها سبعون ألفاً، ويعمى ويتيه سبعون ألفاً، ويصم سبعون ألفاً، ويخرس سبعون ألفاً، وتنفتق سبعون ألف عذراء، ويصعق سبعون ألفاً))، قيل: يا رسول الله فما تأمرنا إن كان ذلك ؟
قال: ((عليكم بالصدقة والصلاة والتسبيح والتكبير وقراءة القرآن))، قيل: يا رسول الله وما علامة ذلك أن لا يكون في تلك السنة ؟
قال: ((إذا مضى النصف من رمضان ولم يكن فقد أمنت السنة)) وفي رواية أخرى: ((إذا كان ليلة النصف من الجمعة يكون صوت من السماء))، ثم ساق الحديث، ثم قال الراوي: فمن السالم من أمتك ؟
قال: ((من لزم بيته وتعوذ بالسجود وجهر بالتكبير لله تعالى، ثم يتبعه صوت آخر فالصوت الأول صوت جبريل عَليْه السَّلام، والثاني صوت الشيطان، والصوت في رمضان والمعمعة في شوال وتميز القبائل في القعدة ويُغار على الحاج في ذي الحجة وفي المحرم، وما المحرم ؟، أوله بلاء على أمتي وآخره فرج لأمتي الراحلة في ذلك الزمان بقتبها ينجو عليها المؤمن خير من دسكرة تغل مائة ألف)).
وفيه زيادة من حديث أبي هريرة بعد قوله: ((وتنتهك المحارم في المحرم ثم يكون صوت في صفر ثم ينازع القبائل في شهر ربيع ثم العجب كل العجب بين جمادي ورجب))، وقال في آخر حديث آخر ورواياته: ((فكان إذا جاوز النصف من رمضان ولم يكن يوم جمعة)) قال حسان أحد رجاله: أما عامكم فقد سلم .
قلت: وفيه رواية منقطعة لكنها لم ترفع؛ منها عن أبي قاذويه قال: آية الحديث بأن يكون نار في السماء شبيهة بأعناق البخت أو كأعمدة الحديد، فإذا رأيت ذلك فأعدّ لأهلك طعام سنة))، قال: وربما علامة الحديث عمود نار يطلع في السماء، وهذا كله في الأمالي مقطعاً في الحديث الرابع عشر في ذكر ليلة القدر والرواية عن ابن عباس - أعني كونه الراوي - ولفظ: ((كوكب)) لم أجده في تلك المواضع وربما هو في موضع آخر وهو من رواية أبي الوليد، وأما الحديث بجميع طرقه فهو فيه. إنتهى.
(فصل) في ذكر شيءٍ من الأذكار بآيات قرآنية وسور ورد بها الأثر مطلقة ومقيَّدة غير ما سبق
ولنبدأ بحديث يعم فضله، يغني عن غيره، ففي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يقول الله عز وجل: من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ثواب السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه))، وأمثال ذلك كثير، وبهذا الحديث يستأنس من جعل القرآن ذكره وورده في كل حين.
وفيه من حديث تميم الداري عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربّك: إقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه، ويقول ربّك للعبد: إقبض، فيقول العبد بيده: يا ربّ أنت أعلم، فيقول: بهذه الخلد وبهذه النعيم)).
وفيه من حديث أبي سعيد ابن المعلَّى قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فلم أجبه، فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، فقال: ((ألم يقل الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال:24]))، ثم قال: ((ألا أعلمك سورة هي أعظم سورة من القرآن ؟، فقال: الحمد لله ربّ العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))، وقد تقدم في صدر الكتاب ذكرها.
وفيه من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ألا أحدثكم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ الخمس الأواخر منها بعثته أي الليل شاء ؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: سورة الكهف)).
وفيه من حديث عبدالله بن عمرو قال: أتى رجل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إقرأ ثلاثاً من ذوات الراء))، فقال الرجل: كبرت سني واشتد قلبي وغلظ لساني، فأمره بثلاث من ذوات حم، فقال مثل قوله الأول، فأمره من المسبحات، فقال مثل ذلك، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إقرأ ولكن إقرأ سورة جامعة))، قال: فأقرأه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)}..إلخ [الزلزلة]، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق نبيئاً لا أزيد عليها أبداً، فلما أدبر الرجل قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أفلح الرويجل، أفلح الرويجل، أفلح الرويجل))، وذكره الحارث بتمامه وأما: ((إنها تعدل قراءة سورة البقرة وأجرها أجر ربع القرآن)) فقد تقدم.
وفيه من حديث أبي هريرة عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لأصحابها، أو لصاحبها، حتى غفر له {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1])).
وفيه من حديث عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر)).
وفيه من حديث عبدالله قال: كنا نسميها على عهد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم المانعة وإنها في كتاب الله سورة من قرأها في كل ليلة فقد أكثر وأطيب - يعني سورة الملك - .
وفيه من حديث جابر قال: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لا ينام حتى يقرأ ألم تنزيل، وتبارك، وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((وودت أنها في قلب كل إنسان من أمتي)) - يعني تبارك -.
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((تعلموا القرآن فإنه شافع لأصحابه يوم القيامة))، وقال لأصحابه: ((تعلموا البقرة وآل عمران تعملوا الزهراوين فإنهما يأتيان كأنهما يوم القيامة عمامتان، أو غيايتان(1)، أو كأنهما فِرْقان(2) من طير صواف يجادلان عن صاحبهما، وتعلموا البقرة فإن تعلمها بركة وإن تركها حسرة ولن يستطيعها البطلة –يعني السحرة-)).
وفيه من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ من آخر سورة البقرة في ليلته آيتان كفتاه)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام موقوفاً من رواية أبي أمامة عنه أنه كان يقول: (ما أرى رجلاً ولد في الإسلام وأدرك عقله في الإسلام يبيت أبداً حتى يقرأ هذه الآية: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، حتى يفرغ من آية الكرسي، ولو تعلمون ما هي ؟، إنما أعطيها نبيئكم صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من الكنز من تحت العرش، ثم قال: ما أتت عليَّ ليلة قط حتى أقرأها ثلاث مرات أقرأها في الركعتين بعد صلاة العشاء الأخيرة، وأقرأها في وتري، وأقرأها حين آخذ مضجعي من فراشي).
وفيه عن عبدالله موقوفاً من رواية مسروق وسقير بن شكل عنه قالا: أعظم آية في في القرآن: آية الكرسي، وأجمع آية في القرآن: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل:90]، وأكبر آية في القرآن فرجاً: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53].
__________
(1) كذا في الأم منقوطة.
(2) بكسر الفاء: أي جماعتان، وصواف جمع صافة: أي باسطات أجنحتها، ذكره في) النهاية).
وفيه من حديث أبي ذر، الطويل، قال: يا رسول الله وأي آية أنزلت عليك أفضل ؟ قال: ((آية الكرسي))، ثم قال: ((يا أبا ذر ما في السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) و (الرياض) للمظفر ابن عبدالرحيم الحمدوني من حديث أبي سعيد مرفوعاً قال: ((كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور واضعاً سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر)) فقالوا: يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: ((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل))، وقد ورد في هذه الآية ما لا مزيد عليه عند الشدائد وفي الصباح والمساء، وكفى لها فضلاً ما دل عليه قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}..إلخ الآية [آل عمران:173].
وفيه من حديث أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((بسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ(163)} [البقرة]، وفاتحة سورة آل عمران: {الم(1)اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ(2)} [آل عمران])).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مائتي مرة غفر له ذنوبه خمسين عاماً)).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: أتى جبريل عَليْه السَّلام النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بتبوك فقال: يا محمد أشهد جنازة معوية بن معوية المزني، قال: فخرج النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ونزل جبريل عَليْه السَّلام في سبعين ألفاً من الملائكة عَلَيْهم السَّلام فوضع جناحه الأيمن على الجبال ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت حتى نظر إلى مكة من المدينة وصلى عليه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وجبريل والملائكة عَلَيْهم السَّلام، فلما فرغ قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا جبريل بما بلغ معوية بن معوية هذه المنزلة ؟، قال: بقراءت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً))، وقوله ((أتى جبريل النبي بتبوك))، وقوله: ((حتى نظر إلى مكة من المدينة وصلى عليه))...إلخ يمكن الجمع بأن المدينة صارت من تبوك قبلة النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فيما بينه وبين مكة حتى جعلها وسطاً بينه وبين البيت والله تعالى أعلم.
وفي (أمالي المؤيد بالله عَليْه السَّلام) بسنده يرفعه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاثين مرة كتب الله له براءة من النار وأماناً يوم الفزع الأكبر))، والأحاديث في هذه السورة العظيمة واسعة؛ فلنقتصر على ما قد ذكرنا، ويدل على شرفها وعظمها: أنها دالة على لبِّ التوحيد بشرائف الذات والصفات، وقد روي أنها مما فيه الاسم الأعظم ينفع الله بها وبجميع كتابه وبجميع أسباب الخيرات من جميع المخلوقات، آمين.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لكل شيءٍ قلب وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب له بقراءته قراءة القرآن عشر مرات)).
وفيه من حديث أنس أيضاً بزيادة: ((كتب له بقراءته قراءة القرآن عشرين مرة)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ يس في ليلته إلتماس وجه الله تعالى غفر له)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إني فرضت على أمتي قراءة يس كل ليلة فمن دام على قراءته كل ليلة ثم مات مات شهيداً)).
وفيه من حديث أبي بكر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((سورة يس تدعى في التوراة المعمة، قال: تعم صاحبها خير الدنيا والآخرة وتكائد عنه بلوى الدنيا والآخرة وتدفع عنه أهاويل الآخرة، وتدعى المدافعة القاضية وتدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة، فمن قرأها عدلت عشرين حجة، ومن سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله، ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف بركة وألف رحمة، ونزعت عنه ألف وباء)).
وفي شمس الأخبار من حديث عبدالله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ كل ليلة، أو في كل ليلة، سورة الواقعة لم تصبه فاقة))، وكنا قد اقتصرنا على ما سبق من ذكر تلاوة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وجزائه ودعت الحاجة إلى إعادة شيءٍ من ذلك منقول جميعه من كتاب (الذكر) للحافظ لعلوم آل محمد محمد بن منصور (رحمه الله تعالى)، وتكريرها شفاء الصدور وأنيس القبور ونُعَنون له فصل(1) ليكون ختاماً وافياً وبدراً قافياً.
(فصل)
قال في شمس الأخبار راوياً عمن ذكرنا من حديث أبي أيوب عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فكأنما قرأ ثلث القرآن))، وقد تقدم.
__________
(1) صوابه: فصلاً بالنصب مفعولاً به لنعنون، وقد يكون على لغة ربيعة.
وفيه من حديث عمر بن حفص عن أبيه يرفعه إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرة واحدة محتسباً وكل الله به ألف ألف ملك يغرسون له النخل يغرس كل ملك منهم مائة ألف ألف ضعف من النخل، النخلة من ذهب أحمر وعراجينها من ياقوت أحمر وسعفها طرائف الحلل وسرهاً در أبيض في كل حلة مائة ألف ألف عذق في كل عذق مائة ألف ألف شمراخ في كل شمراخ عدد رمل عالج بسر كل بسرة مثل القلة من قلال هجر أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد))، قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يقول الله عز وجل للملائكة: إقرأوا على عبدي ما أعددت له في الجنَّة، فيفعلون، فتقول الملائكة: يا ربّ ما بال هؤلاء أشرف منازلاً وأرفع مكاناً من الذين كانوا يقرأون كتابك كله ؟، فيقول تبارك وتعالى: إن هؤلاء اختاروا نسي(1) من كتابي فكانوا إذا قرأوها أبكوا أعينهم وأشخصوا أبصارهم وأتعبوا أبدانهم في طلب مرضاتي وأنا أكرم الأكرمين فلزمني من حق هؤلاء وفضلهم علي من لم يكن يقرأها كقرائتهم ولكني أفضل هذا ممن قرأها خاصة الذين حفظوا وصيتي وابتغوا مسرتي، قال: فإذا قال ذلك تبارك وتعالى أقبلت الملائكة على العبد وقالوا: أبشر يا ولي الله إنك من الفائزين)).
__________
(1) نسبي (ظ).
وفيه من حديث الحسن -رحمه الله- قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مخلصاً حرمت عليه النار ووجبت له الحنَّة، ومن قرأها في صلاة تقبل الله منه، ومن قرأها في دعاء أستجيب له، ومن قرأها حين يدخل منزله نفت عنه الفقر ونفعت الجار، قال: ومن قرأها حين يأوي إلى فراشه وكل الله به سبعين ألف ملك يحفظونه إلى الصباح فإن عاش كان أجره مثل ليلة القدر، قال: ومن قرأها فكأنما عبد الله تعالى إلى يوم ينفخ في الصور، قال: ومن قرأها فقد آمن بكل كتاب أنزله الله تعالى وصدق بكل نبي بعثه الله تعالى، ومن قرأها وكل الله به ملائكة يكتبون ثوابها من حين قالها إلى يوم يموت فإذا مات فما بقي من ثوابها أكثر، قال: ومن قرأها أعطاه الله ثواب مائة ألف شهيد، قال: ومن قرأها بنى الله له ألف ألف قصر من ذهب وألف ألف قصر من فضة في كل قصر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال: ومن قرأها وكل الله بكل حرف منها ألف ألف ملك يبنون له قصوراً ويغرسون له أشجاراً في الجنَّة، قال: ومن قرأها أعطاه الله ألف ألف قِطْران، قيل: وما القُطْران ؟، قال: قطران الإبل ما بين المشرق إلى المغرب يحملون ديوان ثوابها في كتاب أدق من الشعرة، قال: وبها حملت الأرض على الماء، وبها حمل الماء على الهوى، وبها رفعت السماء بغير عمد، وبها استقل العرش والكرسي، وبها دعا إبراهيم عَليْه السَّلام ربه حين ألقي في النار فقال: يا أحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقيل: {يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)} [الأنبياء]، قال: ومن قرأها ألف مرة في صلوة ما بين المغرب والعشاء لم يمت حتى
يرى مقعده في الجنَّة أو تُرى له، قال: ومن قرأها في يوم الجمعة ألف مرة أوجب الله له الجنَّة)).
وفيه من حديث جابر يرفعه إلى نبي الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((من قرأ في ليله أربعين مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بنى الله له قصران(1) في الجنِّة على عمود من ياقوت فإذا أصبحت الملائكة قالوا: إنطلقوا بنا إلى قصري فلان الذين بنيا له الليلة في الجنَّة)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، من حديث طويل، قال: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بورك له))، إلى أن قال: ((ومن قرأها إثنتي عشر مرة فله كذا، ومن قرأها مائة مرة فله كذا وكذا، ومن قرأها مائتي مرة غفر له ذنوب خمسين سنة ما خلى الدماء والأموال، وإن قرأها أربع مائة مرة كان له أجر أربع مائة شهيد)).
وفيه من حديث أنس أيضاً قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عشر مرات بني له بيت في الجنَّة من لؤلؤة بيضاء على عمود من ياقوت أحمر فيه اثنتي عشر ألف غرفة، ومن قرأها خمسين مرة بنى الله منابر من نور ويمر على الصراط كالبرق اللامع وفتح الله له ثمانية أبواب الجنَّة يدخل من أيها شاء، ومن قرأها مائة مرة غفر الله له ذنوب ستين سنة، أو خمسين سنة)). إنتهى ما نريد تضمين هذا الفصل، وفيه من الفضل ما يشفي صدور المؤمنين، وغير بعيد جميع ما ذكر وأضعافه فإن الله سبحانه ذو فضل عظيم، وقد أشرنا إلى دفع الاستبعاد بما يكفي وتنبيهات الشرع كافية.
__________
(1) صوابه: قصرين مفعولى بنى، ولعله على لغة من يقصر المثنى ويعربه بالألف مطلقاً.
أيضاً فإن في هذا الفصل ما مر من قوله: ((إذا قرأوها أبكوا أعينهم وأشخصوا أبصارهم وأتعبوا أبدانهم في طلب مرضاتي))..إلخ فليس كل من قرأها أحرز ما ذكر حتى يكون ممن ذكر فالمحرز له النزر اليسير، نسأل الله التوفيق والقبول، وما عظم ذلك الجزاء في ذلك وأمثاله إلا أن حصوله على الوجه المرضي يسير فينبغي للعاقل التأمل والله أعلم.
بحث مفيد في تحقيق صحة الأحاديث في فضائل السور من القرآن
فائدة مهمة جداً: إعلم أنا قد ختمنا باب الذكر المطلق بشيءٍ من الأذكار القرآنية كما ترى وذلك غير ما قد ذكر في غضون مواضع خاصة مقيدة بأوقات وأزمان وغير ما في صدر هذا المختصر وإذا نظرت في الجميع وجدته نصيباً وافراً والمتروك أكثر، فكتاب الله لا تنفد عجائبه وكل ما ذكرناه في جميع المواضع بطرق وأسانيد مختلفة صحيحة تنتهي إلى رجال من الصحابة (رضي الله عنهم) مختلفين، ولم نذكر من أسانيد فضل القرآن المعروفة في (الكشاف) وسائر كتب التفسير، بل ولا ما في (أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام) من طريق أبي ابن كعب من حديثه المشهور في فضائل القرآن سورة سورة إلا حديثاً أو حديثين في ديباجة الكتاب المذكور تبركاً، والسبب أنه قد أشتهر بين المتأخرين عدم صحة ذلك وكل ذلك تقليد تلقاه خلف المتأخرين عن سلَفهم وميلاً إلى باطل ما رواه الشريف العلوي (رحمه الله تعالى) رواية عن محيي الدين النووي قال في شرحه على (الكشاف) ما لفظه: قال محيي الدين النووي صاحب (الروضة): من الموضوع الحديث المروي عن أبي ابن كعب سورة سورة، قال الصنعاني: وضعه رجل من عبادان، وقال: لما رأيت الناس اشتغلوا بالأشعار وفقه أبي حنيفة وغير ذلك نبذوا القرآن وراء ظهورهم أردت أن أضع لكل سورة فضيلة أرغب الناس
بها بما في قراءة القرآن، وقل تفسير خلى من هذه الفضائل إلا من عصمه الله تعالى، انتهى كلام العلوي.
قلت: وهذا باطل يجب طرحه والعمل بخلافه لأربعة وجوه:
الأول: أن قوله: وضعه رجل من عبادان،...الخ غير مصدق، وهل يأمن أن يكون فاسقاً من فساق الأمة أو ملحديها ؟!، قال ذلك غمضاً في جانب كتاب الله واستنقاصاً لقدره وتهويناً لما ورد فيه وأن فضائله موضوعة مكذوبة ليزهد في قدره الذي هو فوق ما روي من لا بصيرة له فأتى بما ظاهره حق عند الجهال، وأما الحذاق فليس له من الحق عندهم لا ذاتاً ولا صورة، وبين أن وضعه لذلك منقبة ترد الناس إلى القرآن مع الإقرار بكذب الحديث، فأي فائدة في فضيلة ظاهرها الصلاح من جذب الناس وباطنها الفساد؟!، ولبس الحق بالباطل هذا مع الجهل بحال الرجل ففيه ما ذكرنا.
الثاني: لو فرض العلم به والنقل إليه فهلا قد صرح أنه كذب على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ووجب طرح قوله وجرحه، وقد صح عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار؟!))، وهل العامل بقوله إلا مصدقاً له وقد كذب ومصدقه مكذب لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في قوله ؟!، فوجب حينئذ طرحه وتكذيب قوله وصدق ما قلنا.
فإن قيل: فما يُؤمنا أن يكون صادقاً في قوله فينكشف صحة وضع الحديث فيكون قد علمنا(1) بما هو موضوع كذب في نفس الأمر ؟.
فنقول: هذا نشأ من منازعة النفس وملاحظتها لقوله وقد وجب طرحه وكأن لم يكن ويرجع إلى النظر في طريق توصلنا إلى صحة الحديث وقد وجد فتأمل والله أعلم.
__________
(1) عملنا (ظ).
الثالث: أن الحديث قد رواه الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام في (أماليه الكبرى) الذي قال فيها الشيخ العلامة التقي الجامع لها محيي الدين القرشي -رحمه الله- في آخر الحديث الحادي عشر من ذلك الكتاب ما لفظه: ولقد جمع - يعني الإمام - في هذه الأمالي محاسن أخبار رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وعيونها، ورواها بأسانيد صحيحة عند علماء هذا الشأن، وقيد المواضع المشتبهة بتقييدات لا تكاد توجد في موضع، وذكر الحكم عليها بالصحة في مقدمتها، ويكفي ذلك الكتاب شرفاً تلقي العترة له بالقبول، وأيضاً فهو من أعظم معتمداتهم ومرجوعاتهم، ومن بحث وأخذ عرف ومن جهل شيئاً عاداه، فروى الإمام حديث أبي من طريقين صحيحين متصلين بأبي ابن كعب إجتماعهما في هارون بن كثير قال: حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبي ابن كعب، وذكر المتن بطوله مرتين سورة سورة وفضيلة فضيلة، ويرويه إلى الإمام بأسانيد مختلفة متصلة منها ما قد ذكرناه أولاً فكيف يكذب إمام من أئمة المسلمين؛ بل أئمة رجاله بتصديق كذاب قال: كذبت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ؟!!.
الرابع: أن جميع ما ذكرناه من الأذكار القرآنية هنا مختلفة الطرق بما ذكرنا ولم يرجع(1) منها إلى أبي بشيءٍ؛ بل تجنبنا طريقه لتكون تلك جميعها شاهدة بصحة حديث أبي، فإن المروج لقول رجل من عبادان –ما تستبعده الأذهان من جزيل تلك الفضائل- أو توهم الإتكال عليه وليس شيءٍ من ذلك كما تقدم، ونقطع أن في بعض هذه الروايات ما هو أعظم أجراً مما تضمنه مثل حديث أبي فإن كان المرجع الصحة فهذه طرقها تبحث الإيمان والقبور وإن كان المرجع قبُول الأذهان وشيوعها فيكذب هذه كما كذب حديث أبي ولم يبق للقرآن فضيلة والفرق تحكم وإلا وجب القبول سيما وطرقه موجودة ونكل الأمور على ذي الفضل الواسع والإحسان النافع؛ كيف وقد قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم للمستبعد لبعض الفضائل كما ذكرنا أولاً: ((خير الله أكثر وأطيب))، فنفى ما قر في ذهنه، وقال في وصف الجنَّة: ((فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))، من قلة ما اطلعتم عليه، فيجعل هذا من ذلك الذي لم تقبله عقولنا مع ما تعلق به من عوارض البشر الكثيرة المانعة من القبُول كما نبهنا عليه كثيراً والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الباب الرابع والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما رود من الدعاء مقيداً بوقت أو مكان أو شخص غير ما تقدَّم
(فصل) في الدعاء المقيَّد بوقت
في شمس الأخبار من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً أنه قال: ((أكثروا من الصلاة والصدقة يوم الجمعة والصلاة عليَّ فإنه يوم تضاعف فيه الأعمال)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يوم الجمعة حج المساكين)).
__________
(1) نرجع (ظ).
وفي الإعتصام يرفعه من حديث أبي هريرة: ((أكثروا من الصلاة عليَّ في الليلة الغراء واليوم الأزهر - يعني ليلة الجمعة -))، قال: وهو في (الجامع الصغير) وغيره.
وفيه من حديث أبي الدرداء: ((من صلى عليَّ حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (إن الله تعالى في آخر ساعة يبقى من الليل يفتح باباً من أبواب السماء فيفتح ثم ينادي ملك يسمع ما بين الخافقين إلا الجن والإنس ألا هل من مستغفر فيغفر له ؟، هل من تائب فيتاب عليه ؟، هل من داع بخير فيستجاب له ؟، هل من سائل يعطى سؤله ؟، هل من راغب يعطى رغبته ؟، يا صاحب الخير هلم ويا صاحب الشر أقصر، اللهمَّ أعط منفق مال خلفاً، اللهمَّ وأعط ممسك مال تلفاً، فإذا كان ليلة الجمعة فتح من أوله إلى آخره).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي عليك بصلاة السحر والإستغفار بالمغرب فإن الصلاة بالسحر والإستغفار بالمغرب شاهدان من شهود الربّ، عز وجل، على خلقه)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام في قصة إستخلافه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم له على المدينة في بعض مغازيه، فلما رجع فلقاه(1) عَليْه السَّلام فأخبره بحسن إستخلافه فقال: ((إحفظ مني خصلتين))، قلت: (فأخبرني بهما يا رسول الله)، قال: ((أكثر الصلاة بالسحر والإستغفار بالمغرب والصلاة على النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم والإستغفار لأصحابي، واعلم أن السحر))... إلخ الحديث الأول.
__________
(1) تلقاه (ظ).
وفيه من حديث عمرو بن عنبسة السلمي قال: قلت يا رسول الله أي الساعات أسمع للدعاء ؟، قال: ((جوف الليل الغابر))، وفي لفظ: ((الآخر))، ((وفي ذلك الوقت شيء واسع فهو محل لجميع الطاعات وقضاء الحاجات)).
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة))، والمراد من هذه المواطن: الأزمنة، وإن استلزمت المكان.
وفيه من حديث معاذ قال: قال: رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يطلع الله على خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)).
وفيه من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((ساعتان يفتح فيهما أبواب السماء وقل ما يرد فيهما دعوة: عند الأذان، وعند الصف في سيل الله)).
وفيه من حديث عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من عبد أو أمة دعى بهذا الدعاء ليلة عرفة كذا مرة - يعني عشراً - إلا لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه إلا قطيعة رحم أو مأثم: سبحان الذي في السماء عرشه، سبحان الذي في الأرض موطأه، سبحان الذي في البحر سبيله، سبحان الذي في النار سلطانه، سبحان الذي في الجنَّة رحمته، سبحان الذي في القبر قضاؤه، سبحان الذي في الهوى روحه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرض، سبحان الذي لا منجى منه إلا إليه)).
وفيه من حديث ابن عباس قال: كان من دعاء رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم عشية عرفة: ((اللهمَّ إنك ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك إبتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته وذل خده ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك شقياً وكن بي رؤفاً رحيماً يا خير المسؤلين ويا خير المعطين)).
وفيه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من أيام أحب إلى الله، عز وجل، فيهن العمل، أو قال: أفضل فيهن العمل، من أيام العشر))، قيل: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟!، قال: ((ولا الجهاد إلا رجل أخرج نفسه وماله فلا يرجع من ذلك بشيء))، ومثله من حديث ابن عباس، ومثله من حديث أبي هريرة بتعيين من عشر ذي الحجة، ومثله من حديث ابن عباس بسند آخر وزيادة: ((فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير)).
وفيه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من أيام أعظم عند الله، عز وجل، ولا العمل فيهن أحب إلى الله، عز وجل، من هذه الأيام فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد))، يعني أيام التشريق فيكون التفضيل نسبي.
وذكر: ((ولا الجهاد في سبيل الله)) في الأول، وزيادة الذكر أيضاً دون أيام التشريق يُنبيء عن أوليته(1) في الأفضلية ولأن فيها يوم عرفة، وقد خصه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بكثير. منها ما في حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أفضل أيام الدنيا أيام العشر عشر ذي الحجة))، قالوا: ولا مثلهن في سبيل الله ؟!، قال: ((ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه في التراب))، قال: وذكر يوم عرفة فقال: ((يوم مباهاة ينزل(2) الله إلى السماء الدنيا فيقول عبادي جاؤني شعثاً غبراً ضاجين من كل فج يسألون رحمتي ويستعيذوني من عذابي، فلم ير يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار منه))، وتفسير الهبوط ما في حديث علي عَليْه السَّلام فيه قال: (وقف رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بعرفة والناس مقبلون فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((مرحباً مرحباً بوفد الله الذي إذا سألوا أعطوا ويستجاب لهم دعاؤهم ويضعف للرجل نفقته بكل درهم ألف ألف))، ثم قال: (إذا كان هذه العشية هبط الله إلى السماء الدنيا ثم يقول وهو سبحانه أعظم من أن يزول من مكانه: إقباله على الشيء هو هبوطه إليه).
وفي تتمة الأنوار من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير)).
__________
(1) يعني أولولية أيام العشر فهي أفضل من أيام التشريق.
(2) إن صحّ الحديث فمعنى ينزل هنا ينزل الله رحمته لاستحالة النزول عليه سبحانه. وقد فسّره أمير المؤمنين –عليه السلام- في آخر الحديث.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أربع لياليهن كأيامهنَّ وأيامهن كلياليهنَّ يجزل الله فيها القسم ويعطي فيها الجزيل: ليلة الجمعة وصبيحتها، وليلة النصف من شعبان وصبيحتها، وليلة القدر وصبيحتها، وليلة عرفة وصبيحتها)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث الحسن: ((أربع ليال يفرغ الله الرحمة على عباده إفراغاً: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر والأضحى)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث لأنس أيضاً: ((إلتمسوا الساعة التي تتحرى يوم الجمعة من بعد العصر إلى أن تغيب الشمس)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام: ((والذي نفسي بيده لدعاء الرجل بعد صلوة الفجر إلى طلوع الشمس أنجح له في الحاجة من الضارب بماله في الأرض)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من قام ليلتي العيد إيماناً واحتساباً لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)).
وفيه من حديث عبدالله بن قرط قال:: ((أعظم الأيام عند الله: يوم النحر ويوم القر)).
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً من حديث طويل قال:: ((وأبواب السماء فيه مفتحة من أول ليلة منه إلى آخر ليلة ألا وإن الدعاء فيه مقبول))، يعني به شهر رمضان سيما عشره الأواخر فإن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم خطب في أول ليلة منه وذكر هذا الحديث،وخطب في أول عشره وذكره ثانياً وحرض على العمل فيها.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس مرفوعاً: ((عند كل ختمة دعوة مستجابة))، وكذا عند العمل الصالح كما في قصة إبراهيم وإسماعيل (صلى الله عليهما) {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة:127].
وفيه من حديث أبي سعيد: ((من صام يوماً من رجب كان له إذا أمسى عشر دعوات مستجابات، إذا دعى بشيءٍ في عاجل الدنيا أعطيه وإلا أدخر له أفضل مما دعا به داع من أولياء الله وأنبيائه)).
وفيه من حديث أبي سعيد أيضاً مرفوعاً فيمن صام شهر رجب كان له من الأجر كذا وسماه فمن لم يستطع تصدق كل يوم على المساكين برغيف، قيل: يا رسول الله فمن لم يقدر على هذه الصدقة يصنع ماذا لينال وصفته ؟، قال: ((يسبح الله كل يوم في رجب تمام ثلاثين يوماً، هذا التسبيح مائة مرة: سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له، سبحان الأعز الأكرم، سبحان من لبس العز وهو له أهل)).
(فصل) في الدعاء المقيَّد بمكان أو تنبيه على القبول فيه
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((المساجد سوق من أسواق الآخرة من دخلها كان ضيف الله، قِراه المغفرة وتحيته الكرامة، فعليكم بالرتاع))، قيل: يا رسول الله وما الرتاع ؟، قال: ((الدعاء والرغبة إلى الله عز وجل)).
وفي شمس الأخبار وهو في كتاب (الذكر) وغيره من حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أرتعوا في رياض الجنَّة))، قالوا: وما رياض الجنَّة يا رسول الله؟، قال: ((مجالس الذكر)).
وفيه وفي كتاب (الذكر) أيضاً من حديث أبي هريرة عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن لله ملائكة فضلاء عن(1) كتاب الناس يطوفون بالطريق يلتمسون الذكر فإذا وجدوا قوماً جاؤا فجلسوا إليهم فيعرفون ذلك كله، قال: فيسألهم وهو أعرف بحالهم ما صنعوا؟ قالوا: مررنا بهم وهم يذكرونك، قال: فأي شيءٍ يطلبون بذكري ؟، قالوا: يطلبون الجنَّة، قال: وهل رأوها ؟، قالوا: لا، قال: فاشهدوا أني قد أعطيتهم الجنَّة، قالوا: ويتعوذون من النار، قال: بأي شيءٍ ؟، قالوا: بك، قال: وهل رأوها ؟، قالوا: لا، قال: فاشهدوا أني قد أعطيتهم، قال: فيقولون: إن معهم غيرهم رآهم فجلس، فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)).
وفي الإعتصام من حديث أبي هريرة: ((من صلى عليَّ عند قبري سمعته)).
(فصل) في الدعاء المقيَّد بشخص
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: ((من أحب أن يستجاب له فليطب مكسبه)).
وفي المقاصد الحسنة من حديث أنس مرفوعاً: ((إتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))، وهو فيه من حديث ابن عباس مرفوعاً.
وفي مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: ((أربعة لا ترد لهم دعوة: الإمام العادل، والوالد، والمظلوم، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب))، ((والمريض وزوَّاره)) كما في حديث أم سلمة وهو في أمالي الإمام أبي طالب(ع) مرفوعاً: ((إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)).
__________
(1) يعني ملائكة غير الملائكة الكرام الكاتبين الحفظة.
وما أشار إليه حديث: ((يضحك الله إلى رجلين))...إلخ وهو في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عبدالله، الطويل، وله حكم الرفع لعدم مساغ الإجتهاد فيه قطعاً فقال في آخره: ((ألا أن الله يضحك إلى رجلين رجل قام في ليلة باردة من لحافه وفراشه ودثاره فتوضى فقام إلى الصلاة فيقول الله، عز وجل، لملائكته: ما حمل عبدي هذا على ما صنع ؟، فيقولون: ربّنا رجاء ما عندك وشفقة مما عندك، فيقول: فإني قد أعطيته ما رجى وأمنته مما خاف، ورجل كان في فيئة فانكشف فصبر وذكر ما له في القرآن وقاتل حتى قتل فيقول الله لملائكته))...إلخ ما سبق.
وضحك الله -تعالى وتنزه- هو حبه لفعل العبد وإقباله عليه ومباهات ملائكته به ولا يجوز غير ذلك.
وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) و ضياء ذوي الأبصار: ((لكل من أدى فريضة دعوة مستجابة))، وهو في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((خمس دعوات مستجابات: دعوة المظلوم حتى ينتصر، ودعوة الحاج حتى يصدر، ودعوة المجاهد حتى يقفل، ودعوة المريض حتى يبرأ، ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب، وأسرع هذه الدعوات إجابةً دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب)). إنتهى.
الباب الخامس والثلاثون: مما ورد لأوجاع وأمراض خاصة وعامة ومنه الصرع
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عثمان ابن أبي العاص أنه أتى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، قال عثمان: وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إمسحه بيمينك سبع مرات وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد))، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم .
وفيه من حديثه أيضاً: أنه شكى إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ألماً كان به فقال: ((أيكم وجد ألماً فليضع يده اليمنى وليذكر اسم الله ثلاث مرات وليقل: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، سبع مرات)).
(فصل) في ذكر الصرع
وفيه من حديث أبي ابن كعب قال: كنت عند النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله إن لي أخاً به وجع، فقال: ((وما وجعه ؟))، قال: به لمَمْ، قال: ((فأتني به))، فوضعه بين يديه فعوذه النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أول سورة البقرة(1)، وآية من آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران:18]، وآية من الأعراف {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} [الأعراف:54]، وآخر سورة المؤمنين {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:116]، وآية من سورة الجن {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن:3]، وعشر آيات من أول سورة الصافات إلى {لَازِبٍ(11)} [الصافات]، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر(2)، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والمعوذتين، فقام الرجل كأنه لم يشك شيئاً قط . إنتهى.
__________
(1) إلى {يُوقِنُونَ} [4:البقرة. أو {الْمُفْلِحُونَ} آية (5) منها.
(2) من قوله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ}..الآيات [الحشر:22، 23، 24].
الباب السادس والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد في عيادة المريض وتلقين المحتضر
(فصل): ينبغي لكل مؤمن أن ينزل نفسه في الموتى محتضراً متخيلاً حالاته المنفية إلى النقلة من هذه الدار إلى دار البقاء ليستفيد أمرين، أحدهما: أن ما لاقاه من المصائب دقت أو جلت هان. الثاني: يحمل نفسه على التخلص من الحقوق التي لا شك من أن يُسأل عنها يوم الحساب، ومهما غفل عما ذكرنا غلبته نفسه ودعته إلى طبعها من التساهل وكثير ممن هذا شأنه يموت غير مرضي الحال والعياذ بالله، ولو لم يكن مهل يترقبه الإنسان من الأمور المستقبلة إلا الموت لكفى به عضة باهرة وردعة قاهرة، فإن إنتقال الإنسان من الحيوانية إلى الجمادية يتعقل العاقل أن فيه من الشدة ما لا مزيد عليه، فإن الموت في اللغة: السكون، فيلحق الحي بالساكنات الجمادات لا قوة إلا بالله، وهذه النقلة من هذه الصفة إلى هذه الصفة لا يخفى بعد ما بينهما وعدم تلاؤمهما إلا بعذاب للبدن وتغيير إلا ما وقى الله، تعالى، ولطف، نسأل الله تعالى تيسير ذلك وتسهيله.
روى أبو عبدالله أحمد بن أبي بكر ابن فروخ القرظي الأنصاري في كتابه العظيم (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) بطريقه قال: ((إن الله سأل خليله إبراهيم (صلوات الله عليه وعلى نبينا وآله) بعد موته، فقال: يا خليلي كيف وجدت الموت ؟، فقال: كَسفُّود محمى جعل في صوف رطب ثم جذب، قال تعالى: أما إنا قد هونَّا عليك)).
وروي أن موسى (صلوات الله عليه) لما صار روحه إلى الله، تعالى، قال: ((كيف وجدت الموت ؟، قال: وجدت نفسي كالعصفور الحي حين يلقى في المقلى لا يموت فيستريح ولا ينجوا فيطير))، فانظر إلى شدة إنتهاب الروح وجَذبه من البدن، نسأل الله تعالى بمنّه ولطفه أن يهوّن تلك الكرب علينا ويسهل شدائد هول المطلع فهو كافينا وواقينا.
وقد روي قصة موت إبراهيم عَليْه السَّلام في (شمس الأخبار) عن (أمالي السمان) من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وما بالك بحاله كان يضع حبيب الله وخليله محمد صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم عندها يداً ويرفع أخرى لشدة هولها وكربها، ففي شمس الأخبار من حديث أنس في مسنده أيضاً حديث وفاة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، الطويل، ومنه: ((لما جعل ملك الموت يُعالج قبض روح محمد صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وهو يقبض بيده ويبسط أخرى والعرق ينحدر عن جبينه وهو يقول: ((يا جبريل يا حبيبي أين أنت ؟ أدن فادع ربّك أن يهون عليَّ قبض روحي، يا جبريل عند الشدائد خليتني، فقال له: يا حبيبي ولكن الله مشتاق إلى لقاك))، فلينظر الإنسان لنفسه ويعمل عساه يخفف عنه، لا قوة إلا بالله، فلا بد من الإفضاء إلى الفصل الحق والجزم بالعدل ففي أمالي الإمام أبي طالب(ع) بسنده إلى جابر ابن عبدالله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فابتعت بعيراً فشددت عليه رحلي فسرت إليه شهراً حتى قدمت الشام فإذا هو عبدالله ابن أنيس الأنصاري فأتيت منزله فأرسلت إليه أن جابراً على الباب فرجع الرسول إلى جابر فقال: جابر بن عبدالله ؟، فقلت: نعم، فخرج إليَّ فاعتنقني واعتنقته، قال: فقلت: حديث بلغني أنك سمعته عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في المظالم لم أسمعه، قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((يحشر الله، تعالى، العباد))، أو قال: ((الناس)) - شك همام، يعني الراوي، وأومأ بيده إلى الشام ((حفاة عراة بُهماً، فقلت: وما بهماً؟ قال: ليس عليهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من بعُد ويسمعه من قرب: أنا
الملك أنا الديَّان لا ينبغي لأحد من أهل الجنَّة أن يدخل الجنَّة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنَّة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة))، قلنا: يا رسول الله وكيف وإنما نأتي الله حفاة عراة غرلاً ؟ قال: ((الحسنات والسيئات)).
فانظر إلى عظم موضع هذا الحديث الذي ابتاع له جابر الراحلة وابتغى له زاداً وسافر له على مثال سفر الحج -رحمه الله-. ومن عرف الحقيقة صنع هذا الصنيع. وينبغي التوبة والصبر على الطاعات، وعدم فوات شيءٍ منها؛ فإن إبليس اللعين حريص إلى غاية في إبطال عمل الإنسان ويشتد حرصه على ذلك في مرض الإنسان للموت؛ فيتساهل في أمر الصلاة وأنواع الدين ويقبض على ذلك والعياذ بالله. وكذلك من حقوق المخلوقين كما قدمنا، وحتى الدَّين.
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا تموتن وعليكم دَين فإنه ليس ثَم ذهب ولا فضة وإنما هي الحسنات والسيئات جزاء بجزاء كما قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)} [الكهف]))، وإن كان لا ينبغي أن يكون حال المؤمن إلا واحداً في الرضاء والكره إلا أن المرض نذير ومؤذن بالنقلة فيتنبّه لذلك المعنى، وأما إذا كانت حالته بالعكس والعياذ بالله فهو عبد السوء، روى المرشد بالله عَليْه السَّلام في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي عبدالله الحسني ابن علي النمري أنشد لنفسه:
إذا مرضنا نوينا كل صالحة
نرضي الإله إذا خفنا ونسخطه
... ... وإن شفينا فمنّا الزيغ والزللُ
إذا أمنّا فما يزكوا لنا عمل
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث الحارث بن مالك الأنصاري أنه مر برسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: ((كيف أصبحت يا حارث ؟))، قال: أصبحت مؤمناً حقاً، فقال: ((أنظر ما تقول فإن لكل شيءٍ حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟))، قال: قد عزلت نفسي عن الدنيا وأسهرت لذلك ليلي وأظمأت نهاري فكأني أنظر إلى عرش بارز أو كأني أنظر إلى أهل الجنَّة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: ((يا حارث قد عرفت فالزم، ثلاثاً))، والله المستعان .
وينبغي الرضاء ببلاء الله والصبر عليه فإن في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أبي سعيد قال: وضعت يدي على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فوجدت الحمى عليه شديدة من فوق الثوب فقلت: يا رسول الله إنها عليك لشديدة، قال: ((إنا كذلك معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر))، فقلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء ؟، قال: ((الأنبياء))، قلت: ثم من ؟، قال: ((ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى حتى لا يجد إلا العباءة يحتزم عليها وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالعافية)).
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام في حديث طويل في هذا المعنى: ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يؤتى بالمجاهد يوم القيامة فيجلس للحساب، ويؤتى بالمصلي، ويؤتى بالمتصدق فيجلسون للحساب، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويساقون إلى الجنَّة بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية أن أجسادهم قد قرضت بالمقاريض في الدنيا)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس قال: عاد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم رجلاً من المسلمين فدخل عليه وهو كالفرخ المنتوف جهداً، فقال له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((هل كنت تدعو بشيءٍ أو تسأل ؟))، قال: نعم؛ كنت أقول: اللهمَّ ما كنت تعاقبني في الآخرة فعاقبني في الدنيا، فقال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا تستطيعه ولا تطيقه؛ فهلا قلت: اللهمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: مرضت فعادني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((قل: أسألك اللهمَّ تعجيل عافيتك، وصبراً على بلائك، وخروجاً إلى وجهك))، (فقلتها؛ فقمت فكأني نشطت من عقال)، ومثله في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) وفي المقاصد الحسنة من حديث ابن عباس مرفوعاً: ((من عاد مريضاً لم يحضر أجله، فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض))، وليس في (شمس الأخبار) زيادة: ((ويعافيك))، إلا أنه قال في رواية بدل: ((أن يشفيك)): ((أن يعافيك)) فقط، ومثله في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) و أمالي الإمام المرشد بالله (ع).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً: دخل عليه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وهو لايتقار على فراشه لشدة الحمّى، فقال له النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي إن أشد الناس بلاءً النبيون ثم الذين يلونهم؛ أبشر فإنها حظك من ثواب الله تعالى مع ما لك من الثواب والأجر؛ تحب أن يكشف الله ما بك؟، (قال: نعم)، قال: ((قل اللهمَّ ارحم عظمي الدقيق وجلدي الرقيق، وأعوذ بك من فورة الحريق، يا أم مُلدم إن كنت آمنت بالله واليوم الآخر فلا تأكلي اللحم، ولا تشربي الدم، ولا تفوري على الفم، وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله إلهاً آخر، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله))، قال علي عَليْه السَّلام: (فقلتها فعوفيت من ساعتي)، قال جعفر بن محمد راوي الحديث: ونحن أهل البيت نعلم بعضنا بعضاً حتى نسائنا وصبياننا فما يقولها أحد منا إلا عوفي إذا كان في أجله تأخير .
وفيه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من تمام عيادة المريض أن تضع يدك على يده أو على جبهته؛ ثم تسأله كيف أمسيت أو كيف أصبحت، والذي بعثني بالحق نيبئاً ما انطلق رجل مسلم عائداً لرجل مسلم لا يعنيه إلا ذلك إلا خاض في الرحمة حتى إذا دخل عليه فوضع يده - يعني على يده، أو قال: جبهته - ثم سأله كيف أصبحت أو كيف أمسيت إلا خاض الرحمة مقبلاً ومدبراً))، ثم وضع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يده على جبهته مقبلاً ومدبراً .
وفي (حديقة الحكمة) للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عَليْه السَّلام يرفعه قال: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بلغه أن عبدالله بن رواحة (رحمه الله تعالى) مكابد الموت، فزاره بمن معه فقال: ((اللهمَّ إن كان عبدك عبدالله قد انقطع من الدنيا رزقه وأجله وأثره فإلى رحمتك، وإن كان قد بقي في رزقه وأجله وأثره فعجل شفاه وعافيته)) ثم قام من عنده، قال الراوي: فما استكمل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم جلسته في المسجد حتى قيل: يا رسول الله هذا عبدالله قد أقبل...إلخ القصة وهي في أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع)، وفيه: لما وصل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال له صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((حدث يا عبدالله بما رأيت فقد رأيت عجباً))، قال: رأيت ملكاً من الملائكة بيده مقمعة من حديد تأجج ناراً كلما صرخت صارخة: يا جبلاه أهوى بها لِهامَتى: أنت جبلها؟، فأقول: بل الله فكيف بعد إهواء، إلى أن تم له القصة، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((صدق؛ فما بال موتاكم تبتلون بقول أحياكم))، وآخر الحديث معارض بغيره.
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أبي أمامة قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لرجل: ((قل: اللهمَّ ربّ أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك)).
وفيه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أنين المريض تسبيحه، وصياحه تهليله، ونفسه عبادته، وتقلبه كالمقاتل في سبيل الله عز وجل))، قلت: إلا أن يكون تضجراً وعدم رضى بقدر الله، تعالى، فهو وزر عظيم.
((وإن الغريب إذا مرض فينظر عن يمينه وعن شماله وعن أمامه وعن خلفه فلم يَرَ أحداً يعرفه غفر الله له ما تقدم من ذنبه))، وهو فيه من حديث ابن عباس: ((وينادي منادٍ لمن عاد مريضاً أو زار أخاً في الله أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت أو تبوأ في الجنَّة منزلاً)).
وسنة العيادة مرة والزيادة تطوع كما في حديث ابن عباس لكنه موقوف عليه.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)).
فإن شارف المريض الموت فيقال ما في أمالي الإمام أبي طالب(ع) و أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أم سلمة أيضاً قالت: لما احتضر أبو سلمة، أو قالت: مات، فقالت: يا رسول الله ما أقول ؟، قال: ((قولي: اللهمَّ اغفر له وعقبنا عقبي صالحة))، قالت: فأعقبني الله محمداً صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم .
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث أبي سعيد أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))، وفي رواية: ((فمن كانت آخر قوله دخل الجنَّة)).
وينبغي الوصية للأحياء، ولنذكر صفة الوصيَّة ليحافظ عليها إن ألجأت الضرورة وإلا فالواجب التخلص من دونها، وتكون مندوبة، ((فما حق امرءٍ مسلم يبيت إلا ووصيته عنده)) وهو من حديث ابن عمر رواه كثير وهو في (سلوة العارفين).
وفيها من حديث أنس قال: لما قيل لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه مات فلان: ((أليس كان آنفاً عندنا ؟))، قالوا: نعم، قال: ((كأنها أخذة على غضب))، أو قال: ((على أسف))، ثم قال: ((المحروم من حرم الوصية)).
وهما في شمس الأخبار قال أحكام الإمام الهادي(ع): ينبغي لمن حضرته الوفاة أن يوصي ويشهد على وصيته، ويكون أول ما يشهد عليه ويلفظ به ما يدين الله به من شهادة الحق.، قلت: وكيفية ذلك ما قاله في أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) قال: حدثنا محمد قال: حدثنا عباد بن يعقوب عن محمد بين سليمان عن قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي قال: ذكر عند علي عَليْه السَّلام مالك بن نباتة فقال: (أما أوصى ؟)، قالوا: إرشادك أردنا يا أمير المؤمنين، قال: (إذا أراد الرجل أن يوصي فليقل: بسم الله الرحمن الرحيم، شهادة من الله شهد بها فلان بن فلان {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)} [آل عمران]، اللهمَّ من عبدك وإليك في قبضتك ومنتهى قدرتك، يداك مبسوطتان تنفق كيف تشاء وأنت اللطيف الخبير، ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أرسله الله بالهدى ودين الحق لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، اللهمَّ إني أشهدك وكفى بك شهيداً وأشهد حملة عرشك وأهل سمواتك وأهل أرضك ومن ذريت وبريت وأنبت وأشجرت وفطرت بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، أقوله مع من يقول وأكفيه من أبى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهمَّ من شهد على مثل ما شهدت عليه فاكتب شهادته مع شهادتي، ومن أبى فاكتب شهادتي مكان شهادته واجعل لي به عهداً
توفنيه يوم ألقاك فرداً إنك لا تخلف الميعاد، قال: ثم يفرش فراشه مما يلي القبلة، ثم ليقل: على ملة رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وما أنا من المشركين، ثم ليوصي كما أمره الله تعالى - يعني يذكر ما له وعليه -، ومثل هذا ذكر الإمام الهادي عَليْه السَّلام في أحكام الإمام الهادي(ع) مع تغيير يسير وقال: هذا الكلام فهو شبيه بوصية أمير المؤمنين.
وندب للمحتضر توديع أهله والدعاء لهم وتطييب نفس كل منهم كما في قصة موت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فإنه أوصى نسائه واحدة واحدة مودعاً لكل ثم فاطمة (عليها السلام)، وآخر عهده به ممن ودعه الحسنان -عليهما السلام- فقال: ((اللهمَّ إني أستودعكهما وجميع المؤمنين من أمتي))، ثم لم يسمع منه بعدها غير قوله: ((اللَّهُمَّ الرفيق الأعلى والكأس الأوفى))، ثم غمض رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم ورزقنا(1) شفاعته، كل هذا في (مصابيح أبي العباس الحسني، رضي الله عنه)، وقريب منه في مجموع الإمام زيد بن علي(ع): ودخل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم على رجل من ولد عبدالمطلب وهو في السَّوق وقد وجه لغير القبلة فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((وجهوه للقبلة فإنكم إن فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل عليه الله بوجهه فلم يزل كذلك حتى يقبض))، رواه في أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع)، وقوله: ((بوجهه)) أي برحمته.
__________
(1) عطف على صلى.
الباب السابع والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد في الدعاء في الصلاة على الجنازة وعند حملها ونحوه
في الإعتصام ورواية (الجامع الكافي) يرفعها أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يقول: ((اللهمَّ اغفر لحينا وميتنا وذكرنا وأنثانا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا، اللهمَّ من أحييته منا فاحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان)).
وفيه منها(1) قال: وبلغنا عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه كان يقول على الميت: ((اللهمَّ هو عبدك وأنت خلقته، وأنت قبضته وأنت هديته للإسلام، وأنت أعلم بسره وعلانيته، وجئنا لنشفع له فاغفر له)).
وفيه منها قال: بلغنا عن علي عَليْه السَّلام أنه كان يقول إذا صلى على الميت قال: (اللهمَّ اغفر لأحيائنا وأمواتنا وألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واجعل قلوبنا على قلوب أخيارنا، اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه، اللهمَّ ارجعه إلى خير مما كان فيه، اللهمَّ عفوك عفوك)، ثم يكبر الخامسة ويسلم .
وفيه كان علي عَليْه السَّلام يصلي على الطفل ويقول: (اللهمَّ اجعله لنا سلفاً وفرطاً وأجراً)، وهو في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) و صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا علي إذا صليت على جنازة فقل: اللهمَّ هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك ماضٍ فيه حكمك ولم يكن شيئاً مذكوراً، زارك وأنت خير مزور، اللهمَّ لقنه حجته وألحقه بنبيئك، ونور له في قبره، ووسع له في مدخله، وثبته بالقول الثابت فإنه افتقر إليك واستغنيت عنه وكان يشهد أن لا إله إلا أنت فاغفر له، اللهمَّ لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
__________
(1) أي وفي الاعتصام من رواية الجامع الكافي.
يا علي إذا صليت على المرأة فقل: اللهمَّ أنت خلقتها وأنت أحييتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء لها فاغفر لها، اللهمَّ لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها.
يا علي إذا صليت على طفل فقل: اللهمَّ اجعله لأبويه سلفاً، واجعله لهما فرطاً، واجعله لهما نوراً ورشَدَا، وعقب والديه الجنَّة إنك على كل شيءٍ قدير)).
وفي تخريج البحر لابن بهران من حديث عوف بن مالك قال: صلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم على جنازة فحفظنا من دعائه: ((اللهمَّ اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم منزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما تنقي الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من روحه، وأدخله الجنَّة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار))، قال عوف: حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت .
ولنختم هذا الموضع بما في (الأحكام) عن الهادي(ع)
وهو في ضياء ذوي الأبصار لما فيه من فائدة التفريق مع كل تكبيرة حصة من الدعاء وهو أن قال عَليْه السَّلام: ليس نضيق على المصلي ما قال في صلاته ولا ما دعا به في تكبيره بعد أن صلى على الأنبياء والمرسلين ويدعوا للميت ويستغفر له، وقد يستحب له أن يقول في الأولى بعد تكبيره: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، ثم يقرأ الحمد، ثم يكبر الثانية، ثم يقول: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأخيار الطيبين الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، ثم يكبر الثالثة، ثم يقول: اللهمَّ صلِّ على ملائكتك المقربين، اللهمَّ شرف بنيانهم وعظم أمرهم، اللهمَّ صلِّ على أنبيائك المرسلين، اللهمَّ أحسن جزاءهم وأكرم عندك مثواهم وارفع عندك درجاتهم، اللهمَّ شفع محمداً في أمته واجعلنا ممن تشفعه فيه برحمتك اللهمَّ اجعلنا في زمرته وادخلنا في شفاعته، واجعل موئلنا إلى جنته، ثم يقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، ثم يكبر الرابعة، ثم يقول: سبحان من سبحت له السموات والأرض، سبحان ربّنا الأعلى سبحانه وتعالى، اللهمَّ إن هذا عبدك وابن عبديك وقد صار إليك وقد أتينا معه متشفعين له سائلين له المغفرة فاغفر له ذنوبه وتجاوز عن سيئاته وألحقه بنبيئه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، اللهمَّ وسع عليه قبره، وافسح له في أمره، وأذقه عفوك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، اللهمَّ ارزقنا حسن الإستعداد لمثل يومه ولا تفتنا بعده، واجعل خير أعمالنا
آخرها وخير أيامنا يوم نلقاك، ثم يكبِّر ويسلم ...إلخ.
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: (ماتت أمي)، ثم ذكر قصة منها بعد أن صلى عليها النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وكبر أربعين ونزل في قبرها ووضعها في اللحد، ثم قرأ آية الكرسي، ثم قال: ((اللهمَّ اجعل من بين يديها نوراً ومن خلفها نوراً وعن يمينها نوراً وعن شمالها نوراً، اللهمَّ إملأ قلبها نوراً)).
وفي ضياء ذوي الأبصار من حديث علي عَليْه السَّلام وهو في مجموع الإمام زيد بن علي(ع) و أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) أيضاً مرفوعاً قال: لما صلى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم على آخر جنازة رجل من بني عبدالمطلب جاء حتى جلس على شفير القبر، ثم أمر بالسرير فوضع من قبل رجلي اللحد، ثم أمر به فسل سلاً، ثم قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ضعوه في حفرته لجنبه الأيمن مستقبل القبلة وقولوا: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله [صلى الله عليه وآله وسلم]، لا تكبُّوه لوجهه ولا تلقوه لقفاه ثم قولوا: اللهمَّ لقنه حجته، وصعد بروحه ولقه منك رضواناً))، فلما ألقي عليه التراب قام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فحثى في قبره ثلاث حثيات ثم أمر بقبره فربع ورش عليه قربة من ماء ثم دعى بما شاء الله أن يدعو ثم قال: ((اللهمَّ جاف الأرض عن جسمه واصعد بروحه ولقه منك رضواناً)).
وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام مرفوعاً أنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لما دفن ولده إبراهيم عَليْه السَّلام فعند إنزاله حفرته بكى فبكت المسلمون حتى ارتفعت أصوات الرجال على أصوات النساء فنهاهم صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقال: ((تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ لولا أجل معدود ويوم موعود لاشتد حزننا عليك يا إبراهيم وإنا بك لصبون وإنا عليك لمحزنون)، ثم سوى قبره ووضع يده عند رأسه وغمرها حتى بلغت الكوع وقال: ((بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك))، ثم قال لي: ((يا علي إن كان إبراهيم لنبياً)).
وفي أحكام الإمام الهادي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام أنه كان يقول بعد دفن الميت إذا حثى التراب: (اللهمَّ إيماناً بك وتصديقاً برسلك وإيقاناً ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، ثم قال: من فعل ذلك كان له بكل ذرة حسنة)، وهو في ضياء ذوي الأبصار وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى(ع) وله حكم الرفع.
وندب كتب الإسم على حجر لئلا يلتبس
كما في رواية المطلب بن وداعة: لما مات عثمان بن مظعون -رحمه الله-، وهو أول مهاجري مات بالمدينة، أمر النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من يأتيه بحجر ضخم وقال: ((أعلم به قبر أخي(1) وادفن عنده من مات من أهلي))، رواه في ضياء ذوي الأبصار.
__________
(1) وهو أخو رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من الرضاعة.
وفي ضياء ذوي الأبصار أيضاً من رواية المسعودي: أن أبا عبدالله جعفر بن محمد عَليْه السَّلام دفن بالبقع إلى جانب أهله وعليهم رخام متكوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله مبتديء الأمم ومحيي الرمم، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم سيدة نساء العالمين، وقبر الحسن بن علي، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد (رضوان الله عليهم أجمعين).
الباب الثامن والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد في التعزية
في أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من عزَّى مصاباً كان له مثل أجره))، وفي رواية: ((من عزَّى ثكلى كسي بُرداً في الجنَّة))، وهو في حديث أبي بردة.
وفي الإعتصام: وعلى المعزي الحمد والإسترجاع فالأجر على قدر المصيبة، رواه في مجموع الإمام زيد بن علي(ع).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) و شمس الأخبار من حديث أنس مرفوعاً: ((ما من مصيبة وإن تقادم عهدها فيجدد لها العبد الإسترجاع إلا جدد الله له ثوابها وأجرها)).
وفي شمس الأخبار مجموع الإمام زيد بن علي(ع) من حديث علي عَليْه السَّلام قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((الموت فزع فإذا بلغ أحدكم موت أخيه فليقل كما أمر الله سبحانه: إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا إلى ربّنا لمنقلبون، اللهمَّ اكتبه عندك من المحسنين، واجعل مكانه في عليين، واخلف على عقبه في الآخرين، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث فاطمة (صلوات الله عليها) رواهُ عنها ابنها الحسين عَليْه السَّلام: كان صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إذا عزَّا أحداً قال: ((آجركم الله ورحمكم))، وإذا هنأ أحداً قال: ((بارك الله لكم وبارك عليكم)).
قال في الإعتصام:
(فصل) في تعزية الملائكة والخضر (ع)- يعني لرسول الله(ص)
قال: أخرج الحاكم في (المستدرك) عن جعفر الصادق عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال: لما توفي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم عزتهم الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص، فقالوا: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته؛ إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفاً من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجُوا فإنما المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد.، وهو في تخريج البحر لابن بهران بلفظه إلا: ((بيت النبوة)) بدل: ((أهل البيت)).
وقال: أخرج الحاكم في (المستدرك) قال: لما قبض رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أحدق به أصحابه فبكوا حوله واجتمعوا فدخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال: إن في الله عزاء من كل مصيبة وعوضاً من كل فائت وخلفاً من كل هالك فإلى الله فأنيبوا وإليه فارغبوا ونظره إليكم في البلاد فانظروا فإنما المصاب من لم يُجبر، وانصرف فقال بعضهم: تعرفون الرجل ؟، قال علي وأبو بكر: نعم؛ هذا أخو رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم الخضر عَليْه السَّلام، وهو في (مجمع الزوائد)، وهو في (الشفاء) و (البحر) تخريج البحر لابن بهران وغيرها، ولاطريق إلى معرفة الخضر عَليْه السَّلام إلا الوحي فيُحمل أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يسر إلى بعض أهله وأصحابه أنه سيأتي الخضر يعزيهم فيه ومن صفته كذا وكذا، والله أعلم.
وفيه من حديث علي عَليْه السَّلام أنه كتب إلى سلمان (رحمه الله تعالى) يعزيه في زوجته فقال: (أما بعد:- فقد بلغني مصيبتك أبا عبدالله فبلغت مني بحيث تجد لك، إعلم يا أخي أن مصيبة لك يبقى لك أجرها خير لك من نعمة يبقى عليك شكرها).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) و شمس الأخبار من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كتب إلى معاذ يعزيه في ابن له: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم إلى معاذ بن جبل، سلام الله عليك، فإني أحمدُ الله إليك، أما بعد:- فأعظم الله لك الأجر والهدى والصبر، ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله، عز وجل، الهنية وعواريه المستودعة يمتع فيها إلى أجل ويقبضها إلى وقت معلوم وإنا نسأله الشكر على ما أعطى والصبر إذا ابتلى، فكان ابنك من مواهب الله، عز وجل، الهنية وعواريه المستودعة، متعك به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجر كثير، الصلاة والرحمة والهدى والصبر ولا يُحبطها جزعك فتندم، واعلم أن الجزع لا يرد ميتاً ولا يدفع حزناً وهو نازل فكان قد، والسلام)).
وفي أمالي الإمام أبي طالب(ع) من حديث مشائخه عَليْه السَّلام قال: أنشدنا مشائخنا بطبرستان لزيد ابن الداعي، محمد بن زيد، مما قاله وهو محبوس ببخارى بعد قتل أبيه (صلى الله عليه):
إن يكن نابك الزمان ببلوى
وأتت بعدها نوازل أخرى
وتلتها قوارع ناكبات
فاصطبر وانتظر بلوغ مداها
... ... عظمت شدة عليك وجلت
خضعت عندها النفوس وذلت
سُئمت دونها الحياة ومُلّت
كشفت عنك جملة فتجلت
(فصل) في ذكر شيءٍ مما رود لدفع عذاب القبر وما يتعلق بذلك
في أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث سعد عن أبيه قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعلمه هذه الكلمات كما يعلم المكتب الكتابة: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر))، وفيه من حديث عمرو ابن ميمون قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم الغلمان الكتابة، ثم يقول: إن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يتعوذ بهن في دبر الصلاة وذكرهن:.
وفيه من حديث أنس أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم كان يقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من الكسل والعجز والجبن والهرم والبُخل،و أعوذ بك من عذاب القبر، قال: وذكر فتنة المحيا والممات)).
وفيه من حديث عائشة قالت: كان من عاء النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة البلاياء، ومن فتنة القبر، ومن شر فتنة الكفر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهمَّ اغسل خطاياي بالثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهمَّ إني أعوذ بك من الكسل والهرم)).
وفيه من حديث عمرو بن ميمون، مثل الأول إلا أنه قال: ((ومن فتنة الصدر وعذاب القبر)).
وفيه من حديث أم خالد بن سعيد بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يتعوذ من عذاب القبر .
وفيه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا قبر الميت أو أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان له: ماكنت تقول في هذا الرجل ؟، فيقول: ما كان يقول هو عبدالله ورسوله: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ذراعاً، ثم ينور له، ثم يقال له......، فيقول: إرجع أهلي فأخبرهم، فيقولان تم، فينام نوم العروس لا يوقضه إلا حب أهله إليه حتى يبعثه الله، عز وجل، من مضجعه ذلك)).
وإن كان منافقاً قال: لا أدري؛ سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت: لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض: إلتمي عليه، فتلتم، [فتختلف(1)] فيها أضلاعه فلا يزال مُعذباً حتى يبعثه الله، عز وجل، من مضجعه ذلك)).
__________
(1) زيادة مني لا لزوم لها.
الباب التاسع والثلاثون: في ذكر شيءٍ مما ورد من زيارة قبور الصالحين وما يتصل بذلك
وهي متفاضلة باعتبار عظم موقع المزار عند الله تعالى فأعلاها وأفضلها زيارة قبر نبينا خاتم النبيين (صلوات الله عليه وسلامه وعلى آله)، ثم سائر الأنبياء، ثم أمير المؤمنين وأخي رسول ربّ العالمين، وفاطمة بضعته، والحسنين سبطيه (صلوات الله عليهم أجمعين)، ثم صالحي ذرية رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من الأئمة والمقتصدين، ثم سائر أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم الأبرار الراشدين (رضي الله عنهم)، ثم الآباء والأمهات، ثم سائر المشائخ والفضلاء والعلماء والإخوان، والله يجزي الجميع الجزاء الوافر الكثير ويلحقنا بهم صالحين غير خزايا ولا نادمين إنه على ما يشاء قدير.
وفي تتمة الأنوار من حديث ابن عمر مرفوعاً: ((من زار قبري وجبت له شفاعتي)).
وفيه من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من زارني في المدينة كان في جواري وكنت له شفيعاً يوم القيامة)).
وفيه رواية عن (شفاء) عياض قال: قال ابن أبي حبيب ويقول: إذا دخل مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: بسم الله وسلام الله على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، السلام علينا من ربّنا وصلى الله وملائكته على محمد صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، قال: قلت: ولا يترك الصلاة والتسليم على الآل، اللهمَّ اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك وجنّتك، واحفظني من الشيطان .
وفيه رواية عن شفاء الأمير -عَلَيْه السَّلام- روى العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا(64)} [النساء]، وقد جئتك مستغفر لذنبي مستغيثاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دُفنت في التُّرْبِ أعْظُمُه .... فطاب من طينهنّ القاع والأكمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُه .... فيه العفاف وفيه الدين والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فحملتني عيني، فنمتُ، فرأيتُ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقال لي: ((إلحق الأعرابي فبشّره أن الله قد غفر له)).
وفيه من (تحفة الأبرار) للقاضي العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري -رحمه الله- من (جلاء الأبصار) للحاكم المحسن بن كرامة ما روي عن فاطمة (صلوات الله عليها وسلامه) عند زيارة قبر أبيها -صلوات الله عليه وسلامه- عند وفاته صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فقالت:
ما ضرَّ مَنْ قد شمّ تُرْبَةَ أحمدٍ .... أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا
صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنها .... صُبّت على الأيام عُدنَ لياليا
وقد رثاه أمير المؤمنين عَليْه السَّلام بقوله:
من بعد تكفيني النبي ودفنِه .... بانوا به آسى على ميت ثوى
لقد غاب في وقت الظلام لدينه .... على الناس من هو خير من وطيء الثرى
ولما دفن علي عَليْه السَّلام فاطمة (عليها السلام) قال مرثياً لها:
(لكل اجتماع من خليلين فرقة .... وكل الذي دون الممات قليل(1)
وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد .... دليل على أن لا يدوم خليل)
__________
(1) وروي هكذا:
وكل فراقٍ للمات دليل
وإن فراقي فاطماً...إلخ
وحفظت عن بعض شيوخي أنه قال علي عَليْه السَّلام:
نفسي على زفراتها محبوسة .... يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة فإنما .... أبكي مخافة أن تطول حياتي
رضي الله عن الجميع، وحشرنا في زمرتهم، آمين. تمت من هامش المخطوط.
ولما انصرف من دفنها زار رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقال: (إن الصبر لجميل إلا عنك، وإن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن المصاب فيك لجليل).
ثم أنشأ يقول:
(إنى أجلّ ثرى حللت به .... من أرى لسواه مكتئباً
ما غاض دمعي عند نازلةٍ .... إلا جعلتك للبكا سبباً
وإذا ذكرتك سامحتك به .... منى الجفون ففاض وانسكبا
وروى المنصور بالله عبدالله بن حمزة -سلام الله عليه- في (الشافي) في معرض ذكره للمتوكل العباسي لما كرب قبر الحسين بن علي عَليْه السَّلام فقال: روينا عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بالإسناد الموثوق به أن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم نظر إلى الحسين عَليْه السَّلام يلعب بين يديه فبكى بكاءاً شديداً فهابه أهله أن يسألوه فوثب الحسين عَليْه السَّلام فقال: ما يبكيك يا أبه ؟!، فقال: ((يا بني إني سررت بكم اليوم سروراً لم أسر قبله مثله فأتى جبريل فأخبرني أنكم قتلى ومصارعكم شتى))، قال: يا أبه من يزورنا على تباعد قبورنا ؟، قال: ((قوم من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي إذا جاء يوم القيامة أتيت حتى آخذ بأعضادهم وأخلصهم من أهوالها وشدائدها)).
وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عائشة قالت: قام رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم من فراشه في بعض الليل فظننت أنه يُريد بعض نسائه فاتبعتُه فأتى المقابر فقام عليها فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا بكم لاحقون))، ثم قال: ((اللهمَّ لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم))، ثم التفت فأبصرني فقال: ((لو تستطيعي(1) ما فعلت)).
__________
(1) في الأم: تستطيعى، بغير نقط.
وفي تخريج البحر لابن بهران من حديث عائشة قالت: كل ما كان ليلتي من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يخرج من آخر الليل إلى البقيع ويقول: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهمَّ اغفر لأهل البقيع الغرقد)).
وفيه من حديث بُريدة قال: كان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية)).
وفيه من حديث ابن عباس قال: مر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بقبور أهل المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: ((السلام عليكم يا أهل القبور ويغفر الله لنا ولكم، أنتم لنا سلف ونحن بالأثر)).
وفي تتمة الأنوار من حديث عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله - يعني إذا زارت القبور - ؟، قال: ((قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين)).
وقد ورد لعن زوَّارات القبور من حديث أبي هريرة مرفوعاً ويجمع بالنسخ كما في حديث: ((كنت نهيتكم))...إلخ، ولحديث عائشة المتقدم، وإذنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لفاطمة (عليها السلام) في زيارة الحمزة حتى قيل كانت تزوره كل جمعة رواه الحاكم، وهذا على فرض عدم دخول النساء في خطابه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور))...إلخ رواه زيد بن علي عَليْه السَّلام ورواه مسلم من حديث بريدة الأسلمي، ثم نسخه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بقوله: ((ألا فزوروها))، وإلا فما المانع من صلاحيته للجميع والنساء شقائق الرجال، ويبقى التحريم فيما إذا صحب خروجهن فتنة أو زينة ومنكر ؟! وقد كررنا الروايات واستوفيناها وإن كانت متقاربة لما فيها من الزيادات، فمن أراد تحصيلها إلى نمط واحد ودعاء مسترسل فعل.
وفي صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا(ع) بسنده قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من مر على المقابر وقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، أحد عشرة مرة، ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات)).
وفي الأمالي من حديث أبي بكر قال: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم يقول: ((من زار قبر والديه في كل جمعة أو أحدهما فقرأ عندهما أو عنده يس غفر له بعدد كل آية أو حرف)).
خاتمة في أحوال الآخرة
لما انتهى المراد من جمع ما أمكن من الأدعية ونرجوا الله تعالى النفاعة بذلك؛ وذكرنا حال الموت والقبر والزيارة وما يتصل بذلك فلنذكر شيئاً من أحوال الآخرة من عند الموت وما بعده يسيراً ترهيباً وترغيباً غير مقتصرين على الكتب السابقة ونختمها بالصلاة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم مما لم يذكر سابقاً والله ولي التوفيق والإعانة.
قال في شمس الأخبار أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد وإن من السعادة أن يطيل الله عمر العبد ويرزقه الإنابة)).
وفيهما من حديث عبدالله عن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((إن نفس المؤمن تخرج رشحاً وإن نفس الكافر تسيل كما تخرج نفس الحمار - يعني خروج نفسه من أشداقه - وإن المؤمن ليعمل الخطيئة فيشدَّ بها عليه عند الموت ليجزى بها)).
وفيه من حديث عثمان قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والله ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفضع منه)).
وفي أمالي قاضي القضاة عبدالجبار ابن أحمد رحمه الله تعالى من حديث عمر مرفوعاً قال: ((كيف أنت يا عمر إذا كنت من الأرض لأربعة أذرع في ذراعين ثم رأيت منكراً ونكيراً ؟))، قلت: يا نبي الله ما منكر ونكير ؟!، قال: ((فتانا القبر)).
ومن ذيل حديث طويل جداً خرج له شاهداً البخاري وعلى أطراف منه مُسلم وأبو داود وغيرهم من حديث أبي سعيد وغيره: ((أنهما(1) يفتحان لمن مات عاصياً باباً إلى الجنَّة فيهش إليها ويريد أن يقوم إليها فيقال له: لو كنت على غير هذا الذي جئت به عليه لكان هذا مصيرك، فيرجع إليه ثم يفتح باباً إلى النار فيصد عنها فيقال له: أما إذا جئت على ما جئت فإلى هذا تصير وإليه ترجع، ثم يضرب بمطرقة من حديد يسمعها كل شيءٍ خلقه الله إلا الثقلين، زاد البخاري: ((ثم يضرب بمطرقة حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)).
مما ورد في عرضة المحشر من حديث أسماء بنت يزيد من رواية محمد بن منصور (رحمه الله تعالى) في كتاب (الذكر) وهو شمس الأخبار قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يجمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد ينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء، قال: فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنَّة بغير حساب، قال: ثم يعود فينادي ليقوم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم بنفقون فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنَّة بغير حساب)).
وفيه(2) و (السلوة) من حديث جابر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((والذي نفسي بيده إن العار والتخزية لتبلغ من أهل القيامة في المقام بين يدي الله، عز وجل، ما يتمنون أنه صرف بهم إلى النار من ذلك المقام)).
__________
(1) أي الملكين منكر ونكير.
(2) لعله: وفيها.
وفيهما من حديث أبي أمامة أنه قال: ((تدنوا الشمس يوم القيامة على قيد ميل ويزاد في حرها كذا وكذا يغلي منها الهام كما يغلي القدر على الإناء فيعرقون منها على قدر خطاياهمم فمنهم من يبلغ كفيه ومنهم من يبلغ إلى ساقيه ومنهم من يبلغ إلى وسطه ومنهم من يلجمه العرق)).
وفي حديث آخر منه أيضاً: ((حتى لو جريت في السقى لجرت)).
وفيه و أمالي قاضي القضاة من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أول ما يتكلم على الإنسان يوم يختم على الأفواه الفخذ الشمال من الرجال)).
وفي حديث فيه أيضاً في قوله تعالى: (({يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)} [الزلزلة]، أي شهادتها بما عمل عليها كل أحد))، وهو من حديث أبي أمامة.
وفيهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى: ميزوا الكفار من المؤمنين، وميزوا أهل النفاق من أهل الإخلاص، وميزوا أهل الزهد من أهل الرغبة، وميزوا المخلصين من المرائين، وميزوا أهل الصدق من أهل الكذب))، فبكى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فرفع صوته وهو يقول: ((ماذا يلقى أمتي يوم القيامة حتى يميز بعضهم من بعض ثم يرجعون بعضهم إلى الجنَّة وبعضهم إلى النار))، ثم تلا هذه الآية: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ(32)} [يونس])).
ومما ورد من الترغيب وذلك ليس إلا مع الإخلاص والعمل مع كون العبد بين رجاء القبول وخوف الرد بما لا يخفى من الأحوال التي لا ينجو منها إلا من عصم الله تعالى نسأله العصمة والتوفيق والرضى والقبُول بحوله وقوّته.
روي في شمس الأخبار و أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث أنس، وقد روى له شاهداً أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم من حديث البراء بن عازب قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يقول الله، تبارك وتعالى، لملك الموت عَليْه السَّلام: إنطلق إلى وليي فأتني به فإني قد بلوته بالضراء والسراء فوجدته حيث أحب، قال: فيأتيه ملك الموت عَليْه السَّلام ومعه خمس مائة من الملائكة يحملون صبائر الريحان. معهم أصل الريحانة واحد في رأسها عشرون لوناً لكل لون ريح سوى صاحبه والحرير الأبيض فيه المسك فيأتيه ملك الموت عَليْه السَّلام فيجلس عند رأسه ويبسط ذلك الحرير والمسك تحت ذقنه ويفتح له باب إلى الجنة فإن نفسه لتغلغل(1) هنالك مرة بأرواجها ومرة بكسوتها ومرة بثمارها، قال: ويقول ملك الموت: أخرجي أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب، ولملك الموت أشد لطفاً من الوالدة بولدها فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين))، ثم ساق باقي الحديث في وصف حاله وما يلاقي، وهو طويل، ثم قال في آخره: ((إن الملكين بعد سؤله واحتواش أعماله الصالحة عليه يدافعان القبر من بين يديه أربعين ذراعاً ومن خلفه كذلك وعن يمينه كذلك وعن يساره كذلك ثم يقولان له: ولي الله نجوت آخر ما عليك، قال: والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً، ثم يقولان له: ولي الله انظر فوقك، فينظر فإذا باب مفتوح إلى الجنَّة، ثم يقولان له: ولي الله؛ هذا منزلك، قال: فوالذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا ترتد أبداً))، فقال يزيد الرفاشي، أحد رواته: وقالت عائشة: ((تفتح تسعة
__________
(1) كذا في المخطوط، ولعله: تعلعل، بالمهملتين.
وتسعون باباً من الجنَّة فيأتيه من روحها وبردها حتى يبعثه الله إليها)).
وكون الموت خير من الحياة: ما رواه ابن عمر مرفوعاً قال:: ((تحفة المؤمن الموت))، وهو عند الطبراني في (الكبير) والحاكم، وهو في (أمالي المرشد بالله) و (سلوة العارفين).
وأخرج الديلمي من حديث الحسين بن علي عَليْه السَّلام مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((الموت ريحانة المؤمن))، و: ((الموت غنيمة المؤمن))، من حديث عائشة عند الديلمي أيضاً.
من حديث محمود بن لبيد عنه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((يكره بن آدم الموت والموت خير له من الفتنة))، أخرجه أحمد في (مسنده).
ومن حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص: ((الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسِنَة))، رواه ابن المبارك في (الزهد) والطبراني في (الكبير) وقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((الدنيا سجن المؤمن فإذا مات يتخلى سربه يسرح حيث شاء)).
وفي (س) من حديث عمرو بن دينار قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في رجل مات قال: ((أصبح هذا قد خلى من الدنيا وتركها لأهلها فإن كان قد رضي لم يسره أن يرجع إلى الدنيا كما لا يسر أحدكم أن يرجع إلى بطن أمه)).
وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة عن الربيع بن خثيم: ((ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت)).
وأخرج أحمد في (الزهد) من حديث ابن مسعود قال:: ((ليس لمؤمن راحة دون لقاء الله تعالى)).
وأخرج عبدالرزاق في (تفسيره) وابن أبي شيبة والطبراني والحاكم من حديث ابن مسعود قال: ((ما من نفس برة ولا فاجرة إلى الموت خير لها من الحيوة، إن كان براً فقد قال تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ(198)} [آل عمران]، وإن كان فاجراً فقد قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ}...إلخ [آل عمران:178]))، وهو في (أمالي المرشد بالله عَليْه السَّلام).ولا تنافي بين الخبر وما يشابهه وبين حديث كثير ابن الحارث مرفوعاً قال: سمع رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم سعد بن أبي وقاص يتمنى الموت قال(1): ((لا تتمنَّ الموت؛ فإن كنت من أهل الجنَّة فالبقاء خير لك، وإن كنت من أهل النار فما يعجلك إليها))، رواه السيد الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني وغيره لاختلاف محل الخيرية، فإن الآخرة خير على الإطلاق، أما المؤمن فيستريح وأما الفاسق فيخفف عذابه لقلة ارتكابه القبيح وقطعه بالموت ومن حيث أن الدنيا محل لاكتساب الخير المفضي إلى تفاضل الدرج وتفاوت النعيم، فالبقاء خير من تلك الحيثية فإن عند أخذ أهل الجنَّة مواضع قرارهم فيها يأسف المقصر على تقصيره لما يراه صائر إليه السابقون كما دل على ذلك حديث الأمالي وهو ما رواه أبو هريرة مرفوعاً: ((ما من أحد يموت إلا ندم))، قالوا: وما ندامته يا رسول الله ؟، قال: ((إن كان محسناً ندم على أن لا يكون زاد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون نزع))، فالخيرية حينئذ مختلفة. وأما الفاسق فإن البقاء خير له على الإطلاق بالنظر إلى السلامة العاجلة، وإن مرور اليوم له في الدنيا خير له من الوقوع في العذاب من عند خروج
__________
(1) فقال (ظ).
روحه وإن كان بقاه يستدعي تكاثف العذاب لكثرة ما يجتنيه من العصيان، وقد نبه على شيءٍ من الجمع في الجملة حديث جابر السابق: ((لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد))، فلو لم يكن على المرء شدة إلا مقاساة الموت لكان كافياً، والله أعلم.
وللأصبهاني في الترغيب من حديث أنس قال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن حفظت وصيتي فلا يكون شيءٍ أحب إليك من الموت)).
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء أنه قيل له: ما تحب لمن تحب ؟، قال: الموت، وقال: ما أهدى إلى أخ هدية أحب من السلام ولا بلغني عنه خبر أعجب إليَّ من موته .
وأخرج النسائي من حديث عبادة ابن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم ولها نعيم الدنيا)).
وأخرج ابن جرير من حديث ابن جُريح قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم لعائشة: ((إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا ؟، فيقول: إلى دار الهُموم والأحزان قدّمان إلى الله تعالى)).
ومن حديث سلمان ما أخرجه ابن مندة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن أول ما يبشر به المؤمن عند الوفاة بروح وريحان وجنَّة نعيم، وإن أول ما يبشر به المؤمن في قبره أن يقال: أبشر برضاء الله، تعالى، والجنَّة قدمت خير مقدم قد غفر الله لمن شيعك إلى قبرك، وصدق من شهد لك، واستجيب من يستغفر لك)).
ومن حديث ابن مسعود عنه أيضاً قال: ((إذا أراد الله بقبض روح المؤمن أوحى الله إلى ملك الموت أن أقرئه مني السلام))، وهذا له حكم الرفع إذ لا يعرف من غير طريق النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وقد فسر به البراء ابن عازب قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} [الأحزاب:44]، رواه عنه الحاكم وابن أبي شيبة والبيهقي في (الشعب) ولم يذكروا رفعاً ولا وقفاً.
وروى ابن شيبة وابن مندة عن الضحاك: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:64]، قبل الموت.
ومما ورد في من تسليم الأعضاء بعضها على بعض وملاقاة الأرواح لروح المؤمن عند موته وتسليمها عليه
روي في شمس الأخبار عن أمالي الحافظ أبي سعيد بن إسماعيل بن علي السمان، وقد قيل إن هذا الشيخ أكثر أهل الأرض شيوخاً وكان زاهداً فاضلاً حافظاً من حديث أنس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض تقول: عليك السلام، تفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة)).
ومن حديث أبي أيوب الأنصاري ما رواه الطبراني في (الأوسط) قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يتلقون البشير من أهل الدنيا ويقولون: أنظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب وشدة، ثم يسألون ما فعل فلان وفلانة ؟ أتزوجت ؟!)).
وأخرج البزار من حديث أبي هريرة يرفعه: ((إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله يحب أن لقاءه وإن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الدنيا)).
وأخرج أحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً: ((أن روحي المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه)).
وفي رواية: ((أنهما يتعارفون كما يتعارف الطير على رؤوس الشجر)).
ومما رود في تخفيف ضمَّة القبر على المؤمن
أخرج البيهقي وابن مندة عن سعيد بن المسيب أن عائشة قالت: يا رسول الله إنك منذ حدثتني بصوت منكر ونكير وضغطت القبر ليس ينفعني شيء، قال: ((يا عائشة إن أصوات منكر ونكير في أسماع المؤمنين كالإثمد في العين وإن ضغطت القبر على المؤمن كالأم الشفيقة يشكو إليها ابنها الصداع فتغمز رأسه غمزاً رفيقاً، ولكن يا عائشة: ويل للمشركين بالله كيف يضغطون في قبورهم كضغطة الصخرة على البيضة)).
قلت: وبهذا يصح تأويل الحديث المشهور: ((إن للقبر ضغطة لو سلم منها أحد لسلم منها سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته))، فيحمل على ذلك بكونها حقاً لا بد منه كحديث سعد (رحمه الله تعالى) وخفيفة على المؤمن وشديدة على الفاجر لا بد منه كهذا وهو من تفسير الحديث بعضه ببعض وهو أقدم التفاسير، والله أعلم.
وقد روى السيوطي قال: أخرجه بن أبي الدنيا عن محمد التيمي: ((أن الدنيا تضم المطيع ضم الوالدة ولدها الغائب عنها كونه خلق منها برقة وشفقة، وتضم الفاجر بعنف كونه خالف مولاه وكله عن أمر الله تعالى لها))، وقال التيمي: إن هذا بين العلماء تأويل مشهور، والله أعلم .
قلت: لا بأس به وقد أشرنا إلى تأويل نبوي فيه لكنه بقي في النفس شيء من حديث سعد بن معاذ فإن النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أخرجه مخرج التخويف في قوله: ((لو سلم منها أحد لسلم سعد))، مع تفخيم شأنه وكونه اهتز له عرش الرحمن فالله تعالى أعلم بالغيُوب ونسأله السلامة من كل مرهوب؛ خلى أن المؤمن ليس عليه بعد الموت كربة ولا نوع من التعذيب كما ذلك مقرر في موضعه، وأحاديث هذه الخاتمة السابقة يدل على ذلك لو لم يكن إلا حديث أنس، الحديث الطويل فيها الذي رواه الإمام المرشد بالله عَليْه السَّلام وأحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم، وفائدة التخويف: في حديث سعد رضي الله عنه الحث على الأعمال الصالحة وتجنب القبائح، والله أعلم.
وأخرج الترمذي من حديث أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم قال: ((إذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحباً وسهلاً أما كنت لأحب من يمشي على ظهري إليَّ فإذا وليتك اليوم وصرت إلى فترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ويفتح له باب إلى الجنَّة))، وقال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إنما القبر روضة من رياض الجنَّة أو حفرة من حفر النيران)).
وروى الديلمي في (مسنده) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا مات العالم صوَّر الله عمله في قبره يؤنسه في قبره إلى يوم القيامة ويدرأ عنه هوام الأرض)).
قلت: والفائدة فيه كون العمل يدرأ عنه هوام الأرض وأما كون العمل يبرز في القبر لصاحبه فهو مشهور على جهة المجاز التمثيلي في حصول النعيم وضده، روى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عَليْه السَّلام في (الحديقة) من حديث عمران بن الحصين قال: سمعت قيس بن عاصم المنقري يقُول: قدمت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم في وفد من بني تميم فقال: ((إغتسل بماءٍ وسدرٍ))، ففعلت ثم عدت إليه فقلت: يا رسول الله عظنا موعظة ننتفع بها، فقال صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يا قيس إن مع العز ذلا، وإن مع الحيوة موتاً، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيءٍ حسيباً وعلى كل شيءٍ رقيباً، وإن لكل حسنة ثواباً ولكل سيئة عقاباً ولكل أجل كتاباً، إنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي وتدفن معه وأنت ميت فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه، ولا تسأل إلا عنه فلا تجعله إلا صالحاً فإنه إذا كان صالحاً لم تأنس إلا به وإن كان فاحشاً لم تستوحش إلا منه وهو فعلك))، وهو من أحاديث (الأربعين(1))، والله أعلم.
وكون لأرواحهم أو لهم عمل وكل ذلك إلى الله تعالى
__________
(1) هي الأربعين الحديث السيلقية التي شرحها المنصور بالله –عليه السلام- بكتابه المسمى بحديقة الحكمة.
وهو غير ممتنع، وأعمال الآخرة غير موقوف على حقائقها وغير معينة بالأمور المشاهدة الدنيوية؛ فأخرج الترمذي والبيهقي من حديث ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم خباه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فأخبره، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((هي المانعة، هي منجية من عذاب القبر))، قال السيوطي: وهو المعتمد في النقل.، قال أبو القاسم السعدي في كتاب (الإصباح): هذا تصديق من رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم بأن الميت يقرأ في قبره، فإن عبيدالله أخبره بذلك وصدقه صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وهو ظاهر.فأخرج ابن مندة عن طلحة بن عبدالله قال: أردت مالي بالغابة فآويت إلى قبر عبدالله بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة القرآن من القبر ما رأيت أحسن منها؛ فجئت إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فذكرت له ذلك فقال: ((ذلك عبدالله؛ ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ثم علقها وسط الجنَّة فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم فلا يزال كذلك حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه(1))).
__________
(1) قلت: وأخبرني الثقة محمد بن الهادي عن مولانا أمير المؤمنين الهادي لدين الله الحسن بن يحيى القاسمي رضي الله عنه أنه سمع تلاوة (يس) من قبر الإمام مجدالدين بن الحسن بن الإمام عز الدين بن الحسن بن علي بن المؤيد عَلَيْهم السَّلام، المقبور في الحرجة،وكان موضع القبر لا يعرف، وإنما أمر عَليْه السَّلام أن يحفر عليه بعد ما سمع التلاوة من القبر.
قلت: وهذان الإمامان لهما العبادة العظيمة، والفضل المشهور، والعلم، والزهادة، والورع، والسيرة العادلة.
ومما روي عن الإمام مجدالدين عَليْه السَّلام أنه اجتهد في عدم قبض الرهائن، فاطلق نحواً من أربعين رهينة من أهل بلاده، ولما خرج الإمام شرف الدين عليه ملك البلاد فانتقل إلى الحرجة، وكانت وفاته هنالك، ولما مات جعل وصيه الإمام شرف الدين وأرسل إليه بسجادته، فلما أن وصلت إلى الإمام شرف الدين بكى وقال: لو علم بحاله ما عارضه، أو هذا.
وأما الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي ففضله مشهور، وعلمه مأثور، وقد أصابه ما أصاب الإمام مجدالدين من الإضطرار إلى الانتقال إلى الحرجة في أيام خلافته، لكنه عاد إلى البلاد وتوفي بباقم وقبره فيه عَليْه السَّلام، نقلت هذه الكرامة تبركاً بفضلهم، وإن كان أشهر من أن يذكر، ولكن نرجوا الله أن يحشرنا في زمرتهم، وأن لا يحرمنا فضلهم، آمين. كتب يحيى محمد عبدالله الشاذلي.
قلت: وقد شوهد ذلك في عصرنا وهو ما نُقل نقلاً مستفيضاً مشهوراً لا يبعد تواتره وسمعته أنا ممن سمع ذلك واستثبت روايته وهو أن الشيخ الحافظ ملحق الأواخر بالأوائل واحد المحققين الأماثل الشهيد السعيد محمد بن صالح السماوي الشهير بحريوة (رحمه الله تعالى) بعد إستشهاده وتعليقه بقي أياماً فكان إذا جنّ من الليل يسمع الحاضرون دراسة سورة يس مستمراً حتى اشتهر فكان إذا جاء الليل خرج إليه أهل بندر الحديدة فيسمعون ذلك وذلك ليس إلا في الليل فهو معنى قول رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((إذا كان الليل ردت إليهم أراواحهم))، والله أعلم.
وكونهم يتزاورون
أخرج أبو الشيخ ابن حبان من حديث قيس بن قبيصة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى، قيل: يا رسول الله وهل يتكلم الموتى ؟، قال: نعم؛ ويتزاورون))، وأحاديث هذا المعنى كثيرة جداً.
وكذا معرفة زوَّارهم الأحياء
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب (المفتون) من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس إليه إلا استأنس حتى يقوم)).
وفيه وفي (الشُّعَب) من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((ما من رجل مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه إلا رد عليه السلام))، ومثله من حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة: ((آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبه في دار الدنيا)).
وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في أنهار الجنَّة حيث شاءت تم تأوي إلى قناديل تحت العرش))، ومثله في شهداء أحد من حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد والحاكم والبيهقي في (الشعب) والأحاديث التي جمعها السيوطي في هذا الباب قريبة من ثلاثين بطرقها ورواتها - أعني في مستقر الأرواح - قال: وإن اختلفت أقوال العلماء في مستقرها فعلى الجملة أنها متفاوتة الدرج والمقامات بحسب تفاوتها في الأعمال وذلك الإختلاف لا يؤدي إلى تعارض بين الأدلة وقد حققه ابن القيم، والله أعلم.
قال: وعلى كل تقدير فللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن يخاطب ويسلم عليها ويعرض عليها مقعدها وغير ذلك فيكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن، وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد.
قلت: وهذا حقّ وهو ما نعتمده ونعتقده وقد أشرنا إليه فيما سبق.
قال: وقد رأى النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم موسى عَليْه السَّلام ليلة الإسرى قائماً يصلي في قبره ورآه في السماء السادسة، فالروح كانت هناك في مثال البدن فلها إتصال بالبدن حيث يصلي في قبره ويرد على من يسلم عليه وهو في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين.
أقول: مرجع ذلك كله إلى القول بصحة عذاب القبر ونعيمه، ومذهب العترة عَلَيْهم السَّلام صحة ذلك فلا يمتنع ما روي ولا يبعد شيء مما ذكرنا فمرجعه إلى هذين الأصلين، وما روي من هذه الأفراد فهو تفصيل لما هو معلوم جملة، والله أعلم.
ولنختم القول في هذا المعنى؛ وهو إن شاء الله غير خال من فائدة واتعاظ
ويجب أن يعلم أن ثمَّ فرقاً بين الشهداء وغيرهم، فالشهداء حكمهم ما أخبرنا الله، تعالى سبحانه، في كتابه العزيز من أنهم أحياء لا كالأموات ويحكم بحيوتهم الحياة الكاملة، وأما غيرهم فكما قررنا هنا، والله أعلم. ونذيله بفصل يشير إلى يسير من ذكر النار والجنَّة وأهلهما وبه يتم الكتاب إن شاء الله تعالى.
[ذكر النار والجنة]
(فصل) فأما النار نعوذ بالله منها
فمن رواية قاضي القضاة في شمس الأخبار من حديث أبي الدرداء قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب فيستغيثون بالطعام فيغاثون بضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيستغيثون بالطعام فيغاثون بطعام ذي غصة، فيخبرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب، فيستغيثون بالشراب فيغاثون بالحميم وفي كلاليب الحديد فإذا دنت من وجوههم شوت وجوههم، فإذا دخلت بطونهم قطعت ما في بطونهم، فيقولون: ادعوا خزنة جهنم، فيدعون فيقولون: { ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ(49)} [غافر]، فقالوا: {أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الآية [غافر:50]، فيقولون: ندعوا مالك، فيقولون: {يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)} [الزخرف]، قال: فيقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)} الآية [المؤمنون]، قال: فيجيبهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ(108)} [المؤمنون]، قال: فعند ذلك ييأسون من كل خير وعند ذلك يأخذون في الزفير والحسرة والويل)).
وفيه من مسند أنس من حديث علي عَليْه السَّلام: (تعوذوا من وادي الحزن)، قيل: وما وادي الحزن ؟، قال: (وادي في جهنم إذا فتح استجارت منه سبعين مرة، أعده الله، تعالى، للقراء المرائين بأعمالهم، وإن من شرار القراء الذين يزورون الأمراء)، وهذا له حكم الرفع.
وفي أحكام الإمام الهادي(ع) قال الهادي عَليْه السَّلام في كتاب (الزهد): بلغنا عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أنه قال: ((من جبى درهماً لإمام جائر كبه الله على منخريه في النار)).
وبلغنا عن أبي جعفر محمد بن علي -رحمه الله- يرويه: أنه إذا كان يوم القيامة جعل الله سرادقاً من نار وجعل فيه أعوان الظالمين، ويجعل لهم أظافير حديد يحكون بها أبدانهم حتى تبدوا أفئدتهم فيقولون: ربَّنا ألم نكن نعبدك ؟، فيقال: بلى؛ ولكنكم كنتم أعواناً للظالمين، قال عَليْه السَّلام: وأقول: لا تجوز معاونة ظالم ولا معاضدته ولا منفعته ولا خدمته كائناً من كان من آل رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم أو من غيرهم، كل ظالم ملعون، وكل معين لظالم ملعون.
قلت: وهذا القدر يكفي ويغني عما وراءه، والأحاديث واسعة، وقد أحطنا الطرفين لأن إستحقاق النار بالتفريط بحق الله، تعالى، وقد أشرنا إليه بحديث القراء ومن عداهم داخل تحته قطعاً من العصاة، وحق المخلوق وهو الظلم وما يشابهه وهو الحديث الآخر، فإنه إذا كان ما ذكر في المعين للظلمة فما بالك بالمباشرة، وكل لاوٍ لحقٍ ظالم، حتى واضع الزكاة في غير موضعها ظالم، والله أعلم.
وأما الجنَّة ختم الله لنا بها
ففي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) من حديث عبدالله قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم: ((لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها، ولو قيل لأهل الجنَّة إنكم ماكثون في الجنَّة عدد كل حصاة [في الدنيا] لحزنوا، ولكن جعل الله لهم الأبد)).
وفيه من حديث أبي مسعود الغفاري قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وقد أهل شهر رمضان: ((إن الجنَّة لتزين لشهر رمضان من رأس الحول إلى رأس الحول، حتى إذا كان أول ليلة هبت ريح من تحت العرش فصفقت ورق شجر الجنَّة فنظر الحور العين إلى ذلك فقلن: يا ربّ اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجاً تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا، وما من عبد صام رمضان إلا زوّجه الله، تعالى، زوجة في كل يوم من الحور العين في خيمة من دُرة مجوّفة مما نعت الله به الحور المقصورات في الخيام، على كل إمرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون الأخرى، ويعطى سبعين لوناً من الطيب ليس منه لون يشبه الآخر، وكل امرأة منهن على سرير من ياقوت موشح بالدر على سبعين فراشاً بطائنها من إستبرق، وفوق السبعين فراشاً سبعُون أريكة، ولكل إمرأة منهنّ سبعون وصيفة لخدمتها وسبعون وصيفة للقياء زوجها، مع كل وصيفة صحنة من ذهب فيها لون من الطعام يجد لآخره من اللذة مثل ما يجد لأوله، ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوتة حمراء عليها سوار من ذهب موشح بالياقوت الأحمر))، هذا لكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات، وكفى بوعد الله، تعالى، وإخباره عن سرور أهل الجنَّة حيث قال تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ(55)}...إلخ الآيات [يس].
وقد ذكر الزمخشري في تفسيرها: ما يذهب بغيظ المؤمن، وفقنا لذلك إنه القادر عليه، ولنقتصر على ذلك وبالله الإعانة.
[الختم بالصلاة المصطفوية]
وهاك ما وعدنا به من الختم بصلاة من الصلوات المصطفوية مما لم يذكر فيما سلف لتكون مبدءًا وختاماً، وأبلغ اللهمَّ محمداً صلاة دائمة وسلاماً.
فأخرج الإمام أبو طالب عَليْه السَّلام في الأمالي؛ وذلك من رواية أبي خالد عن الإمام الشهيد زيد بن علي عَليْه السَّلام: ((اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وترحّم على محمد وعلى آل محمد؛ كما ترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وتحنّن على محمد وعلى آل محمد؛ كما تحنّنت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلّم على محمد وعلى آل محمد؛ كما سلّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).
وهذا الحديث- حديث الصلوات الخمس - من أشرف الأحاديث وأكملها وأوسعها طرقاً، وهو من المسلسلات بالعدّ في اليد، قال أبو طالب عَليْه السَّلام: قال أبو خالد: عدّهن في يدي زيد بن علي، قال زيد بن علي، عدّهن في يدي علي بن الحسين، وقال علي بن الحسين: عدّهن في يدي الحسين بن علي، وقال الحسين بن علي: عدّهن في يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقال علي عَليْه السَّلام: عدّهن في يدي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وقال رسول الله [صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم]: ((عدّهن في يدي جبريل عَليْه السَّلام، وقال جبريل عَليْه السَّلام: هكذا أنزلت بهنّ من عند ربّ العالمين)).
ولنا في هذه الصلوات طرق مسلسلة بهذا العدّ مع قبض الأصابع وكسرها إلى باطن الكف، واختلاف يسير من إثبات الجلالة فيها جميعاً وإثبات واو العطف أيضاً في الثلاث الأخر وحذفها مما قُبل برواية السيد العلامة المرحوم أحمد بن عبدالله، صاحب دار سنان، في داره؛ من طريقة جده أبي أمه السيد العلامة أحمد بن يوسف زبارة، من طريق القاضي الحافظ أحمد بن سعد الدين المسوري -رحمه الله تعالى- متصلة بزيد بن علي عَليْه السَّلام مسلسلة، والحمد لله ربّ العالمين.
وفي المرشد بالله، تفاؤلاً بختمه، أرشدنا الله إلى رضوانه وعميم إحسانه في الدارين، آمين، من حديث سلام الكندي، كتب الله لنا السلامة في الدارين، قال: كان علي بن أبي طالب عَليْه السَّلام يعلّم الناس الصلوة على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم فيقول: (قولوا: اللهمَّ داحي المدحوات، وباريء المسموكات، وجبّال القلوب على فطرتها، شقيّها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة محبتك، على الخليفة المعروف بحبيبك؛ محمد عبد ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، والدامغ جيشات الأباطيل، كما اضطلع بأمرك في طاعتك، واعياً لوحيك، حافظاً لعهدك، ماضياً على نفاذ أمرك، غير نكل في قدم، ولا وهن في عزم، حتى أورى قبساً لقابس إلى الله، يصل بأهله أسبابه، به هديت القلوب بعد خوضات الأباطيل، وأبهج موضحات الأعلام مسرات الإسلام وسائرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وصاحب علمك المخزون، وشهيدك يوم الدين، وبَعيثك نعمة، ورسولك رحمة، اللهمَّ أعل على بناء البانين بناه، وأكرم مثواه لديك، ونزله وأتمم له نوره، واجعله بابتغائك إياه مقبول الشهادة ومرضي المقالة، ذا منطق عدل، وخطة فصل، وحجة وبرهان عظيم، عظم الله لنا المبدأ والختم، واجعل قدومنا عليه خير مقدم، آمين، واجعل اللهمَّ تلك الصلوات كلها وأضعافها، وأبلغ منها وأشرف، وأزكى وأنمى وأطيب، وأكثر وأوفر، وأجل وأبجل، وأفضل وأكمل عدد ما أحصى كتابك وزنة عرشك، ورضاء نفسك في كل نفس ولمحة ولحظة، وطرفة من كل طارف، وعدد ما وسعه علمك، وعدد كل شيءٍ غير ذلك، وزنة كل شيءٍ، ومليء كل شيءٍ، على محمد وعلى آل محمد، يا أرحم الراحمين، آمين، آمين، آمين، واجعلها اللهمَّ وسيلة لي،
ومانحة، ونافعة، ومعينة في ديني ودنياي، وعند موتي، وفي قبري، وحشري، وآخرتي، وسبباً لقبول دعائي في كل حين، وجميع إخواني، آمين، واستقيلك اللهمَّ عثراتي، وأستطرحك ربّ خطياتي، وأستعطفك زلاتي، وأستنقذك فرطاتي، وأستطولك هفواتي، وأستسمحك تقصيري، وأسأله مسألة من رق عظمه من خوفك، وجل خوفه من عظمتك، واستوجب الإجابة لوعدك، ولم ينزل مسألته بغيرك أن ترزقني وإخواني المؤمنين أماناً ينشر علينا ظله لا يلقى معه سوء حتى ندخل جنَّتك، ونتفيا بفيئك، وتمنحنا لطفاً نفوز به وننجد حتى نقف بجوارك،وخلاصاً من كل حق حتى لا نسأل عن شيءٍ بين يديك، وعافية وعفواً وكرامة نفوز معها بكل خير في الدارين من عندك، ونسألك رزقاً طيباً، وعلماً نافعاً، وعملاً جارياً متقبلاً، وذريةً طيبةً، وحياةً طيبةً، وعيشةً طيبةً، وخاتمةً طيبةً، وآخرةً طيبةً، يا أرحم الراحمين، آمين، آمين، آمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله.
قال في (الأم): قال المؤلف المولى أمير المؤمنين أيده الله: إنتهى تحصيله قبيل الظهر يوم الثلاثاء لعله ثالث عشر خلت من شهر الله الحرام القعدة أحد شهور سنة سبع وستين ومائتين وألف، طالباً من المؤمنين الصفح والدعاء جعل الله لهم مثل ذلك، آمين، بهجرة دار أعلى، أعلى الله مقامنا في الدارين، آمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
وقال في (الأم): وقد تمّ نقلاً وقراءة على مؤلّفه المولى أمير المؤمنين المنصور بالله أحمد بن هاشم بن رسول الله -رحمه الله رحمة الأبرار- في شهر جمادى الأولى سنة (1318هـ) وقد أتى- أيّده الله- بما لم يسبق إليه من الاستيعاب وسلوك طريقة الأصحاب في تخريج الأحاديث وتصحيحها، ثم أكّد ذلك بتخريجها من كتب الحديث المشهورة، ثم التكلّم على مواضع الاشتباه وتحقيقها، بدقّة نظره الكريم وما يدل على جودة فهمه المستقيم، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، وأعظم له بذلك ثواباً وأجراً، آمين، آمين، وصلّ اللهم على سيّدنا محمد الأمين وآله(1)(2).
__________
(1) وقد تمّ لي نسخ هذه النسخة الشريفة بعون الله تعالى، فله الحمد، بعد العصر يوم الأحد لعله عشرين، أو اثنتين وعشرين، في شهر جمادى الأولى سنة (1318هـ)، وأنا الفقير إلى الله تعالى، الحقير محمد بن عبدالله بن علي بن أحمد الشاذلي الأنصاري الخزرجي وفّقه الله تعالى، وأنا أسأل الله الكريم، بحق أسمائه كلّها، وبحقّ السائلين له، وبما سألوه به، وبحقّ كل كلمة شريفة، وبما يحق أن يسأل به أن يجعلها لي ذخيرة نافعة عند كل شدة في الدنيا والآخرة، وأن يعافيني وأهلي وأحبائي وجميع المؤمنين والمؤمنات من كل بلاءٍ وشر، وأن يُقيِّض لي ولأهلي خاتمة خير نفوز معها برضاه وجنته ونعيهما، وأن يؤمِّنّا من أهوال الدنيا والآخرة إنه على كل شيءٍ قدير، آمين، آمين، آمين، اللهمَّ صلِّ على محمد وآله، وسلم تسليماً، آمين، ويتلوها إن شاء الله صحيفة علي بن موسى الرضا، نسأل الله الإعانة على التمام، وحوز الحظ الأوفر من العلم والعمل، آمين، آمين.
(2) في هامش الخطية قوله: الحمد لله تمّ لنا قراءة هذه النسخة الشريفة السفينة وقصاصة بقدر الإمكان على يدي سيدي العلامة شرف الدين حسن بن يحيى القاسمي عافاه الله تعالى في شهر شعبان سنة (1318هـ) محمد بن عبدالله الشاذلي وفقه الله.
الحمد لله في ليلة الثاني والعشرين خلت من شهر رمضان الكريم سنة (1419هـ) تمّ لنا مقابلة وقصاصة وإصلاح هذا الكتاب على التي صف بالكمبيوتر عليها أنا والأخ السيد الفاضل عبدالباسط بن يحيى مشكاع بمعاونة الأخ العزيز عبدالعزيز بن محمد الشاذلي في أوائلها وعناية مولانا وحجة عصرنا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، ونستمد الدعاء الصالح من الأخوة المطلعين، وكتبه محمد بن علي عيسى الحذيفي أمدّه الله بألطافه.