الكتاب : كتاب البيان والتبيين في معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن المؤلف : القاضي العلامة عبد الله بن محمد بن أبي النجم المحقق : الناشر : |
كتاب البيان والتبيين
في معرفة الناسخ والمنسوخ من القرآن
تأ ليف سيدنا القاضي العلامة الحبر الفهامة ناظورة العلماء ومعدن الحكماء ونبراس الكملاء الفخر المعلى والتاج المحلا فخر الملة والدين قدوة العلماء الراشدين حاكم المسلمين عبد الله بن محمد بن أبي النجم الحميري نسبا والعد لي معتقدا والزيدي مذهبا أسكنه الله بحبوح جنا نه بحق محمد وآله وصلى الله على سيدنا محمد وآله الانجبين والحمد لله رب العالمين
[خطبة الامؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلَى ا لله على سيدنا محمد وآله الأنجبين (1) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفرو بربهم يعدلون أحمده حمد مذعن له بالعبودية خاشع لعظمة الربوبية ولا إله إلا الله الذي قوله الحق ووعده الصدق الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي القرآن نوره وفي الجنة ثوابه وفي النار عقابه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ،وصلى الله على نبي الرحمة المخصوص بالقرآن والحكمة وعل آله الأئمة وسلم وكرم وشرف وعظم
__________
(1) - في نسخة الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . زيادة
أما بعد : فإنه لما كثر الاختلاف بين الطوائف وصارت كل طائفة تعظم ألموا لف (1) وتخطي (2) المخالف وكل فرقة تدعي التمسك بالكتاب المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فبعضهم جعل المحكم متشابها ، وبعضهم جعل المتشابه محكما وبعضهم جعل المنسوخ عاما وأجرى عليه الأدلة وأنكر جواز النسخ (3)رأساً وكان الخطر في الناسخ والمنسوخ كبيرا ورأيت الباحث عنه يسيراً ورأيت التصانيف المصنفة في هذا الشأن بعضها يختص بالأحكام على حسب ما نزل ونُسخ وبعضها على نسق المصحف الكريم غير أنها معراة عن ذكر شرائط النسخ وما يجوز نسخه وما لا يجوز وكل منهم يضع على قدر رأيه ومذهبه أحببت (4)أن أضع في هذا المختصر الآيات التي وقع الاختلاف في نسخها وأعين مذهب أئمتنا الأطهار مع الاجتهاد في الاختصار وتجنب الإكثار ليكون ذلك تعرضاً لشفاعة القرآن يوم العرض على الملك الديان والدخول في دعاء من ينتفع به من الإخوان وهذا حين ابتدائي في ذلك ومن الله استمد المعونة والثبات
فقد روي عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أنه سمع رجلاً يعظ الناس ويقص عليهم فقال له : ( هل علمت ناسخ القرآن ومنسوخه ؟ ) قال : لا. قال : ( هلكت وأهلكت )
وأجناس ذلك رويت عن غيره من السلف ( رضي الله عنهم )
__________
(1) - في نسخة زيادة لها
(2) - في نسخة تكفر
(3) ـ هو أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المعتزلي وكان من أعوان الداعي محمد بن زيد صنو الداعي الحسن بن زيد ، واستدل بقوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) وادعى بأنه لو نسخ بعض القرآن لتطرق إليه البطلان ، ويحجه أدلة كثيرة جداًّ ليس هنا موضعها
(4) ـ هذا جواب لما
[ مقدمة ]
فصل
اعلم أنه لابد لكل من أراد معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه من معرفة مقدمة تشتمل على مسائل في معنى النسخ وأحكامه وشرائطه وما يجوز النسخ له وبه ومالا يجوز فلنبدأ بذكر طرفٍ من ذلك ثم لنرجع إلى ذكر الآيات التي وقع الخلاف في نسخها
(مسألة)اعلم أن النسخ في اللغة : (عبارة عن النقل والإزالة) يقال : نسختُ هذا إذا أزلته،ونسخت الرياح الأثر،
ثم قد صار النسخ في الشرع : ( عبارة عن إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي(1) على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه) وإنما قلنا مثل الحكم الشرعي لأن نسخ نفس الحكم يكون بَدا قلنا بطريق ليدخل فيه الدلالة (2) والأمارة(3)لأن نسخ أخبار الآحاد في باب المعاملات يجوز بما هو من جنسها على ما يأتي بيانه(4) قلنا شرعي لأن النسخ بدلالة العقل لا يجوز قلنا مع تراخيه(5) لأن النسخ في الحال يكون بَدا (6) والبَدا لا يجوز على الله تعالى على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
__________
(1) ـ قوله بطريق شرعي لإخراج الطرق العقلية كالموت والنوم والغفلة والجنون فإن شيئا من ذلك لا يسمى ناسخا بالاصطلاح ، والطريق الشرعي يتناول الكتاب والسنة قولا وفعلا وتركا وتقريرا أما الإجماع والقياس فالناسخ في الإجماع سنده وفي القياس أصله الثابت بالدليل
(2) ـ الدليل هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بالغير
(3) ـ الأمارة هي : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيها إلى الظن
(4) ـ ص / 6 /
(5) ـ الأولى أن يقال : إن اعتبار التراخي لإخراج التخصيص إذ البدا قد خرج من قوله مثل الحكم الشرعي كما في المعيار .
(6) لأنه يقتضي تجدد علمه وهو محال لأنه عالم لذاته
(مسألة) حد الناسخ هو : (الطريق الشرعي الدال على زوال مثل الحكم الثابت أوَّلاً بدليلٍ شرعي على وجه لولاه لكان ثابتاً مع تراخيه عنه) والمنسوخ هو : ( الطريق الشرعي الموجب ثبوت الحكم على المكلف به ما لم يَرد عليه النسخ ) وهذه الحدود جامعة شاملة تطَّرِد وتنعكس وقد كثر الاختلاف في هذه الحدود وهذا هو اختيار المنصور بالله (عليه السلام) 0
(مسألة) ذهب الأكثر إلى جواز نسخ الشرائع وأنكرت اليهود ذلك وشرذمة من أهل الإسلام(1)
لنا أن الشرائع مصالح والمصالح يجوز اختلافها باختلاف الأزمنة والأمكنة والمكلفين ، وقد أجمعوا معنا أن قبلة إبراهيم عليه السلام كانت الكعبة ثُم نسخ ذلك في شريعة موسى[ عليه السلام ] فصارت القبلة إلى بيت المقدس وإذا جاز النسخ في شريعة إبراهيم جاز في شريعة موسى وقد صحت نبوة محمد صلى الله عليه وآله [ وسلم ] بما لا سبيل إلى دفعه من المعجزات وقد علمنا ضرورةً من شرعه أن دينه نسخ كل دين
__________
(1) -هو أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني المعتزلي وكان من أعوان الداعي محمد بن زيد صنو الداعي الحسن بن زيد ، واستدل بقوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) وادعى بأنه لو نسخ بعض القرآن لتطرق إليه البطلان ، ويحجه أدلة كثيرة جداًّ ليس هنا موضعها
(مسألة) اختلف العلماء في أنه هل يجوز وُرود النسخ على شيء لم يرد من الله سبحانه تنبيه ولا إشعار بنسخه أم لا يجوز إلا فيما علم وُرود التنبيه والإشعار على نسخه ؟ فذهب الأكثر إلى أنه يجوز نسخه وإن لم يكن ورد تنبيه ولا إشعار بنسخه لأن الأمر المطلوب (1) لا يتوهم استمراره لأنه يقع على قدر المصالح والمصالح تتغير بتغير الأوقات والأشخاص وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز النسخ إلا بتقديم الإشعار بالنسخ مثل قوله تعال?? { أ و يجعل الله لهن سبيلا } (2)وقوله تعالى { لعلَّ الله يُحدثُ بعد ذلك أمراً } (3)
(مسألة) الأمر المقيد بالتأبيد يجوز نسخه لأنه يجوز تخصيصه بالإجماع وما جاز تخصيصه جاز نسخه ولو صح ما روته اليهود عن موسى عليه السلام من قوله : ( تمسكوا بالسبت أبداً ) لجاز نسخه من حيث إنه يصح أن يقال : (تمسكوا به أبداً مادام واجبا) كما يقال : لازم الغريم أبدا فإنه يفيد ملازمته مادام غريما فقط
(مسألة) نسخ الأشق بالأخف جائز إجماعا ، وقد نسخ الله تعالى العدة من حول إلى أربعة أشهر وعشر ، ونسخ الأخف بالأشق جائز عندنا خلافا لبعضهم(4) وقد نسخ الله صيام عاشورا بشهر رمضان وهو أشق
(مسألة) يجوز النسخ إلى غير بدل كقوله تعالى { إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } (5)نُسخ حكمها إلى غير بدل
__________
(1) - في نسخة المطلق بدل المطلوب
(2) ـ النساء / 15
(3) ـ الطلاق / 1
(4) - وهم بعض الشافعية وبعض الظاهرية
(5) ـ المجادلة
(مسألة) يجوز نسخ الأخبار إذا كانت مما يجوز تغير مخبراتها كأن يكفر زيد مثلاً فيُعلمنا الله تعالى بكفره لتعلق المصلحة بالإعلام ثم يُؤمن فيعلمنا الله تعالى بإيمانه لتعلق المصلحة بالإعلام ، فأما ما لا يجوز تغير مخبَراته فلا يجوز ورود النسخ عليه كالإخبار بما يجب ثبوته لله ونفي ما يجب نفيه عنه(1)
(مسألة) ذكر الإمام المنصور بالله وأكثر مشائخه سلام الله عليه ورضي عنهم أن نسخ التلاوة دون الحكم جائز مثاله :
ما يروى أنه كان يتلى :( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالا من الله ) (2)
نسخت التلاوة والحكم باق وفي قراءة عبد الله بن مسعود { فصيام ثلاثة أيام متتابعات } نسخت التلاوة والحكم باق (3)، قالوا : وكذلك يجوز نسخ الحكم والتلاوة جميعا
مثل ما روي عن ابن مسعود :( أنزلت سورة كنا نشبهها بسورة التوبة ثم رفعت )
قال عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام وهذا القول قول بعيد مدحور فاسد لا أراه حقا ذكر ذلك في كتاب الناسخ والمنسوخ وأظنه مثل مذهب أخيه الهادي إلى الحق عليه السلام
__________
(1) ـ ما يجب ثبوته لله تعالى كالقدرة والعلم والحياة والوجود والقدم ، وما يجب نفيه عنه تعالى الرؤية والتشبيه والولد والظلم والجور
(2) ـ أخرجه جمع من المحدثين بألفاظ متقاربة بعضها كما في الأصل بزيادة البتة بعد فارجموهما وهذا في سنن البيهقي ج / 8 ص / 211 ، وبعضها بزيادة البتة وإبدال نكالا من الله ( بما قضيا من اللذة ) وهذه هي أغلب روايات الكتب التي أخرج فيها هذا الحديث التي منها : سنن الدارمي ، مسند أحمد بن حنبل صحيح ابن حبان ، المستدرك على الصحيحين السنن الكبرى ، سنن البيهقي الكبرى ، المعجم الكبير ، الآحاد والمثاني .
(3) ـ لم يذكر الأصوليون أن قراءة ابن مسعود نُسخت تلاوتها ولكنهم ذكروا بأنها من القراء ات الشاذة الآحادية في أنه يجب العمل بها كالأخبار الآحادية
(مسألة) يجوز نسخ الحكم دون التلاوة وهو إجماع العترة ومشائخ الأمة ، مثاله كثير تعداده كآية الصوم والوصية للوالدين والأقربين ، وآية العدة بالحول(1)
(مسألة)لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله عندنا لأنه يؤدي إلى إضافة القبيح إلى الله ولابد أن يكون أحدهما خطاء لا محالة(2)فأما نسخ الشيء قبل فعله وبعد مرور وقته فذلك جائز ولا يظهر فيه خلاف
__________
(1) ـ آية الصوم هي قوله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم .. كان الصوم على من قبلنا من العتمة إلى العتمة فنسخ بقوله تعالى : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم .. } الخ وآية الوصية هي قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدَكمُ الموتُ إن ترك خيرا الوصيَّةُ للوالدين والأَقْرَبين بالمعروف حقا على المتقين } نسخت بآية المواريث وآية العدة هي قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } نسخت بقوله تعالى { يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا }
(2) ـ لأنه إذا أمر بفعل ثم نهى عنه على الوجه المذكور لم يخل ذلك الفعل من أن يكون صلاحا في نفسه أو فسادا ، فإن كان صلاحا كان النهي عنه قبيحا ، وإن كان فسادا قبح الأمر به والله تعالى لا يفعل القبيح ولا يأمر به
(مسألة) قال الإمام ا لمنصور بالله (عليه السلام) الزيادة على النص :( إن وقعت شرعية بدليل منفصل شرعي وأزالت حكما شرعيا على شرائط النسخ فهي نسخ (1) وإن لم يكن على هذا الوجه لم يكن نسخا (2) فأما النقصان عن العبادة فلا خلاف أنه يكون نسخا لما أسقط (3) وإنما اختلفوا في المنقوص منه هل يكون منسوخا بما نقص منه أم لا ؟ فعندنا أنه إن أزال حكما شرعيا كان ثابتا (4)للجملة فلما دخله النقصان زال ذلك الحكم فهو نسخ إن كان النقصان وقع بدليل شرعي وذلك مثل الصلاة مثلاً وصيام اليوم الواحد فالنقصان منه نسخ لأنه يزيل حكما شرعيا وهو كونه مجزيا فيقضى بأنه نسخ
(مسألة) نسخ الكتاب بالكتاب جائز إجماعا وقد قال الله تعالى : { ما ننسخ من آيةٍ أََوْ نُنْسِها نأْت بخيرٍ منها أو مثلها } (5) وأمثاله كثير وهو المقصود بهذا الكتاب وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى
[ الفرق بين البدا والنسخ ]
والفرق بين النسخ والبدا أن البدا : ما جمع شروطا وهي : أن يكون الآمر الناهي واحدا ، والمأمور المنهي واحدا ، والوجه واحدا ، والوقت واحدا ، والمكان واحدا ،والفعل واحدا، فإذا اختل واحد منها فهو نسخ وقد أطبقت الأمة أن البدا لا يجوز على الله تعالى إلا الرافضة ولا يعتد بخلافهم
__________
(1) ـ كزيادة ركعة في الفجر
(2) ـ كزيادة عشرين جلدة في حد القذف
(3) ـ كنقصان ركعة من أربع
(4) - في نسخة باقيا
(5) ـ البقرة / 106
(مسألة) نسخ السنة بالسنة جائز إجماعا وهذا في السنة المعلومة ومثاله
قوله صلى الله عليه وآله وسلم (إني كنت أذنت لكم بالاستمتاع بهذه النساء ألا وإن الله قد حرمه إلى يوم القيامة ) (1)
وكذلك نسخ أخبار الآحاد بالبعض جائز بالإجماع
(مسألة) يجوز نسخ الكتاب بالسنة المتواترة عند الأكثر وهو الذي رجحه المنصور بالله عليه السلام والظاهر من مذهب الهادي وأخيه عبد الله خلافه وسيأتي مثاله في أثناء المسائل ويجوز نسخ أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بأقواله ، وأقوالِه بأفعاله ، ويجوز النسخ بتقريره كأن يأمر بصوم عاشورا ثم يفطرون بحضرته ولا ينكر عليهم فإن ذلك يدل على نسخه
__________
(1) ـ أخرج مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الإستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيمة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا ما آتيتموهن شيئا / صحيح مسلم ج /2 ص 1025 وأخرجه البخاري وأبو داود وأحمد بن حنبل وابن حبان والبيهقي وغيرهم كثير
(مسألة)ونسخ السنة بالكتاب جائزٌ خلافا لبعض أصحاب الشافعي
مثل ما روي عن علي (عليه السلام) ( نَسخ الكتابُ المسحَ على الخفين ) (1)
واستقبال بيت المقدس ثبت بالسنة ونسخ بالكتاب
(مسألة) ولا يجوز النسخ بالقياس ولا نسخه ، ولا يجوز نسخ الإجماع ولا النسخ به عند أئمتنا عليهم السلام ، ولا نسخ الكتاب ولا السنة المعلومة بأخبار الآحاد لأن جميع ذلك عدول من الأعلى إلى الأدنى كالعدول من العلم إلى الظن وستأتي أمثلة ذلك مستوفاة إن شاء الله تعالى
( فصل )
في الطريق التي يعلم بها الناسخ ناسخا والمنسوخ منسوخا
اعلم أن الذي يعرف به ذلك لا يعدو أحد وجهين :
إما أن يكون الثاني مُنْبِيًا على نسخ الأول لفظا أو يقتضي ذلك من جهة المعنى
__________
(1) ـ في المجموع حدثني زيد بن علي عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام أنه كان يقول : سبق الكتاب الخفين ، وروى المؤيد بالله عليه السلام من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال قال علي عليه السلام : سبق الكتاب الخفين ، وما في الأصل يخالف ما في المجموع ورواية المؤيد بالله ، وأقرب ما يشابه الأصل ما في مسند علي من جمع الجوامع : عن رجل من الموالي قال : سمعت منادي علي بن إبي طالب ينادي ياأيها الناس إن الكتاب قد سبق المسح على الخفين ثلاث مرات أخرجه ابن جرير ، وأخرج البخاري في صحيحه حديثا برقم 158 حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا *
فأما ما يقتضيه اللفظ فنحو: أن يرد الخطاب بأن الثاني قد نسخ الأول وذلك مثل
ما روي أن رمضان نسخ صوم عاشورا ، وأن الزكاة نسخت كل حق ، وأن الأضحية نسخت كل ذبح إلا أضحية المناسك (1)
__________
(1) - في البخاري برقم حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ وفي البخاري برقم حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ
وفي سنن الترمذي : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ فَقَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وَالْمُسْلِمُونَ فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْقِلُ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وسيأتي تخريج أشمل وأوسع من هذا ص 37
و من ذلك : أن يرد بلفظ التخفيف مثل قوله تعالى: { الآن خفَّف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } (1) نسخ ذلك وُجوب وقوف الواحد للعشرة ، ومن ذلك قوله تعالى { ء أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم } (2) فنبه بذلك على سقوط وجوب تلك الصدقة ، ومن ذلك
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع بهذه النساء ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ) (3)
__________
(1) ـ الأنفال / 66
(2) ـ المجادلة / 13
(3) ـ سبق تخريجه ص /4
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ) (1)
__________
(1) ـ أخرج نحوه مسلم في صحيحه 6 أحاديث ،منها 1623 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ نُمَيْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ وَهُوَ ضِرَارُ ابْنُ مُرَّةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ح و حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ مُحَارِبِ ابْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ح و حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ح و حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ * وأبو داود في سننه حديثين ،والترمذي في سننه 3أحاديث منها 974 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمِ النَّبِيلُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بَأْسًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ * ، وابن ماجة في سننه 5 أحاديث ، وأحمد بن حنبل في مسنده 17 حديثا وغيرهم كثير ولقد شمل فهرس تخريج الحديث 84 حديثا من كتب السنة
وكل دليل ورد وكان يقتضي زوال الحكم الثابت بنص متقدم عن نظائره على وجه لولاه لكان ثابتا بالأول فالثاني يجب أن يكون ناسخا له بأي عبارة كان ، وقد يعلم الحكم منسوخا بأن يوجب الله سبحانه شيئا يضاده ولا يصح اجتماعه معه وإن لم يذكر فيه نهيا ولا لفظ نسخ،وقد يعلم الناسخ ناسخا ببيان إذا لم يكن لفظه مبينا مثل ما رواه الهادي إلى الحق (عليه السلام) الوصية للوالدين والأقربين نسخت بآية المواريث وإن كان ليس في ظاهرها منافات توجب النسخ إلا أنا علمنا النسخ ببيان قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث) (1)
[ الطريق لمعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ ]
( فصل )
فأما الطريق التي بعلم بها تاريخ الناسخ والمنسوخ فهي تعرف بوجوه :
منها : أن يكون في لفظ الناسخ ما دل على أنه بعده نحو ما تقدم من الأمثلة(2)
ومنها : أن يكون الناسخ مضافا إلى وقت أو ما يجري مجراه يُعلم به أنه بعد وقت المنسوخ مثل
__________
(1) ـ أخرجه أبو داود في البيوع والترمذي في الوصاياوابن ماجة في الوصايا والدارمي في السير وأحمد في مسند الشاميين والبيهقي والدار قطني
(2) ـ كحديث المتعة والزيارة
ما روي : قري علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بأرض جُهينة قبل موته بشهر وروي بشهرين : ( ألا لا تنتفعوا من الميتة بشيء ) (1)
__________
(1) ـ أخرج نحوه أبو داود في سننه 3599 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ ابْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَنَاسٌ مَعَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ الْحَكَمُ فَدَخَلُوا وَقَعَدْتُ عَلَى الْبَابِ فَخَرَجُوا إِلَيَّ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ قَالَ أَبمو دَاومد قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَه إِهَابٌ إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً * والترمذي ،1651 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ قَالَ و سَمِعْت أَحْمَدَ ابْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ حَيْثُ رَوَى بَعْضُهُمْ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ * وأحمد بن حنبل 18029 حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَابْنُ جَعْفَرٍ قَالَا ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم وَنَحْنُ بِأَرْضِ جُهَيْنَةَ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ * ، والبيهقي وغير ذلك كثير
فكان هذا ناسخا لحديث سودة في طهارة جلود الميتة بالدبغ(1)
ومنها: أن يكون المعلوم من حال الراوي لأحدهما أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما صحبه الآخر ، وأن عند صحبته له انقطعت صحبة الأول ، أو يكون المعلوم من حال الحديث الأول أنه كان في وقت قبل صحبة الثاني ، مثال ذلك :
حديث قيس بن طلق أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يؤسس مسجد المدينة فسأله عن مس الذكر ،(2)
ثم روى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فيمن مس ذكره
والمعلوم من حال أبي هريرة أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعد فحديثه ناسخ
ومنها : أن يعلم التاريخ من قول الصحابي مثل ما روي عن عائشة :
__________
(1) ـ في المعجم الكبير ج/24 ص/36 عن عكرمة عن سودة بنت زمعة قالت : كانت لنا شاة ماتت فرمينابها فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ما فعلت شاتكم ؟ قلنا : ماتت فطرحناها فقال: أفلا انتفعتم بإهابها فقلت : هي ميتة فقرأ هذه الآية : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة } إنما حرم عليكم أن تطعموها فأرسلوا بإهابها فدبغوه فاتخذوه حتى كان عندهم شنا
(2) ـ أصل الحديث كما روي صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان \ 404/3 \ 1121 أخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري بمكة حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء حدثنا حسين بن الوليد عن عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة قال لا بأس به إنه لبعض جسدك أما قول المؤلف إنه روى أبوهرية حديثا في مس الذكر فلم أعثر عليه إنما الموجود حديث بسرة بنت صفوان
( كان مما أنزل الله عشر رضعات يحرمن ، فنسخن بخمس ) (1)
وسئل ابن مسعود عن التحيات الصلوات في التشهد فقال : ( كان ذلك ثم نسخ ) فنحن نقبل روايته في التاريخ وإن كنا لا نقلده في مذهبه أن ذلك منسوخ بل نطالب بالحجة على النسخ فإن اجتمعت شرائطه فهو نسخ
ومنها : أن يكون إحدى الآيتين ، أو الخبرين يقتضي حكما عقليا والآخر يقتضي حكما شرعيا فيجب العمل على الشرعي لأنه الطاري هذا إذا جهل التاريخ فإن علم فالحكم له وعند جهالة التاريخ يجب الجمع بين الآيات والأخبار ما أمكن فإن لم يمكن رجع إلى الترجيح ، فإن تعارض العمومات ولم يظهر بينهما ترجيح اطُّرِحا وسقط حكمهما ، وإنما يظهر الترجيح بين الخبرين بأن يكون راوي أحدهما أشد ورعا وتشددا في الرواية ، وأن يكون أحدهما أكثر رواة من الآخر ، أو بعمل الأكثر على أحدهما ، أو يكون مضبوط الإسناد والآخر مرسلا لا يعلم إسناده ، وتحرير ذلك وتفصيله يخرجنا إلى الإسهاب وموضعه كتب أصول الفقه البسيطة وفيما ذكرناه كفاية وتنبيه على مالم نذكره فلنرجع إلى ذكر السور على النسق إن شاء الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(سورة فاتحة الكتاب) نزلت بمكة وفي المدينة مرة أخرى
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ لأن أولها ثناء وآخرها دعاء
(سورة البقرة ) مَدَنِيَّةٌ إِجْمَاعًا
__________
(1) ـ أخرج في المجتبى من السنن لأحمد بن شعيب ج6 ص 100 [27145] أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا معن قال حدثنا مالك والحرث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن القاسم قال حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت كان فيما أنزل الله عز وجل وقال الحرث فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وهي مما يقرأ من القرآن
قوله تعالى : { ومما رزقناهم يُنْفِقُونَ } (1)
المراد بالنفقة هاهنا : الزكاة ، وقيل : كانت صدقة واجبة فنسخت بالزكاة والوجه هو الأول ، وليس في الآية نسخ
__________
(1) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون َالبقرة (3)) و قال في تفسير الشوكاني الجزء :1الصفحة :54
والرزق عند الجمهور ما صلح للانتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة. فقالوا: إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا. والإنفاق: إخراج المال من اليد، وفي المجيء بمن التبعضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله: "يقيمون الصلاة" قال: الصلوات الخمس "ومما رزقناهم ينفقون" قال: زكاة أموالهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها "ومما رزقناهم ينفقون" قال: أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله. وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ونحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: "ومما رزقناهم ينفقون" قال: هي نفقة الرجل على أهله. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات. واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات، وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل، وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم.
قوله تعالى :? { إنَّ الذينَ آمنوا والذين هادوا... } (1)
قيل (2)منسوخة بقوله تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (3)هكذا روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه ،وقال شيخنا الحاكم رحمة الله عليه : والأولى أنها غير منسوخة لأنه لا تنافي بين الآيتين ومن حق الناسخ وقوع التنافي بينهما (4)
قوله تعالى : { وقولُوا لِلنَّاسِ حسناً } (5)
قيل : خاصة في المؤمن ، وقيل : هي عامة في المؤمن والكافر عن محمد بن علي وأبي عبيد ، ثم اختلف من قال إنها عامة هل هي ثابتة أو منسوخة ؟ فقال ابن عباس وقتادة نسختها آية السيف ، وقال الأكثر : ليست منسوخة لأنه يمكن قتالهم مع حسن القول، ومن حسن القول معهم : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن قال : الآية خاصة ففيها حض على حسن الأخلاق
__________
(1) ـ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62) البقرة
(2) - في نسخة زيادة هي
(3) ـ الْخَاسِرِينَ(85) آل عمران
(4) ـ لأنه قال في الأولى : من آمن بالله واليوم الآخر ، والإيمان بالله يقتضي الإيمان بكتبه ورسله وفي جملتها القرآن ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم ويدخل فيه الإيمان بالإنجيل وعيسى ولا يدخل فيه من بدل من التوراة والإنجيل شيئا وهذا اختيار مولنا المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين
(5) ـ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ(83)البقرة
قوله تعال : { فاعفوا واصفحوا … } (1)
قيل هي: منسوخة بآية السيف (2) وقيل هي : ثابتة ، والمراد بالصفح الإعراض عنهم والصبر على أذاهم ، وفيه إشارة إلى حسن الأخلاق والأول هو : الوجه
قوله تعالى : { ولِلَّهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فأَيْنما تُوَلُّوا فَثَمَّ وجْهُ الله } (3)
قال السيد الإمام المقتصد العالم عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام :
لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أمره الله تعالى بالصلاة إلى بيت المقدس وأنزل عليه ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ،
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إليه لما أراد الله من تقريب أهل المدينة ومن حولها وذلك أن أكثرهم كانوا يهودا وكانوا يعظمون بيت المقدس فلما صلى إليه عظُم أمره عند اليهود ووقع ما يدعوا إليه في قلوبهم وقالت قريش : ما صرفه عن قبلة آبائه ؟
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب قبلة أبيه إبراهيم وذلك أنها كانت قبلة جميع الأنبياء عليهم السلام غير أنه لم يكن أحد أمره الله ببناء البيت ولا دله عليه إلا إبراهيم ، وأما الأنبياء فكانوا يُتعبدون بالصلاة إليه والقصد وكان عليه [ وآله أفضل الصلاة و] السلام يدعوا إلى الله في ذلك وينظر في السماء ويتلفت عند الصلاة إلى البيت العتيق فأنزل الله سبحانه { { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (4)
__________
(1) ـ تمامها حتى يأتي أمر الله إن الله على كل شيء قدير البقرة / 109
(2) ـ وهي قوله تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ولعل الصحيح أنها غير منسوخة لأنه لم يأمره بالعفو مطلقا بل إلى غاية
(3) ـ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(115) البقرة / 115
(4) ـ البقرة / 144
فنسخت هذه الآيةُ الآيةَ الأولى فاشتد ذلك على اليهود وقالوا : ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فقال تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } (1)ثم قال تقدس مخبرا عنهم : { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } (2)يعني بالسفهاء اليهود ومن قال بقولهم فلما نسخت القبلة وهي أول ما نسخ صعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فتلا هذه الآية ( قد نرى تقلب وجهك في السماء … ) (3)
[ تاريخ تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة]
ثم نزل فصلى بهم الظهر إلى الكعبة ، البيت العتيق في النصف من شعبان لثمانية عشر شهرا من مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، وصلى إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا
قوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم }
ذكر الكلبي وغيره من أهل التفسير أنها منسوخة بآية السيف ، قال شيخنا الإمام الحاكم : الأَوْلى أنها غير منسوخة لأن الآية لا تنافي الجهاد ولا تسقط وجوبه [ قال مولانا- عليه السلام - :وهو الوجه ](4)
قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدَكمُ الموتُ إن ترك خيرا الوصيَّةُ للوالدين والأَقْرَبين بالمعروف
حقا على المتقين } (5)
اختلف العلماء في هذه الآية على ثلاثة أوجه :
فمنهم من قال :منسوخة في الكل من الأقارب وعليه الأكثر
ومنهم من قال ثابتة في الكل
__________
(1) ـ البقرة / 143
(2) ـ البقرة / 142
(3) ـ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)البقرة / 144
(4) ـ ما بين المعكوفين زيادة في نسخة
(5) ـ البقرة / 180
ومنهم من قال ثابتة فيمن لا يرث ، منسوخة فيمن يرث ثم اختلفوا بأي دليل نسخ ، فقيل بآية المواريث وهو اختيار الهادي (عليه السلام) وقيل بالسنة
وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا وصية لوارث ) (1)
وهو اختيار الإمام المنصور بالله (عليه السلام) وقيل: بالإجماع عن أبي علي ، والنسخ بالإجماع لا يصح عند يحيى وعبد الله بن الحسين عليهم السلام ، وهو قول الأكثر
قوله تعالى { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } (2)
__________
(1) ـ سبق تخريجه ص/ 7 /
(2) ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)البقرة / 183
كان الصيام على الذين من قبلنا من العتمة إلى العتمة ، فمن نام لم يأكل ولم يشرب ولم يصب من أهله حتى يفطر من الغد حتى كان من أمر الأنصاري ما كان ، وهو رجل يقال له : أبو قيس (1)
__________
(1) ـ في البخاري برقم : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ
وفي فتح الباري شرح البخاري : قوله : ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي , وإسرإئيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق المذكور , وقد رواه الإسماعيلي من طريق يوسف بن موسى وغيره عن عبيد الله بن موسى شيخ البخاري فيه عن إسرائيل وزهير هو ابن معاوية كلاهما عن أبي إسحاق عن البراء زاد فيه ذكر زهير وساقه على لفظ إسرائيل , وقد رواه الدارمي وعبيد بن حميد في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى فلم يذكرا زهيرا , وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن زهير به . قوله : ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) أي في أول افتراض الصيام , وبين ذلك ابن جرير في روايته من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلا . قوله : ( فنام قبل أن يفطر إلخ ) في رواية زهير " كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئا ولا يشرب ليله ويومه حتى تغرب الشمس " ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق " كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئا من ذلك إلى مثلها " فاتفقت الروايات في حديث البراء على أن المنع من ذلك كان مقيدا بالنوم , وهذا هو المشهور في حديث غيره , وقيد المنع من ذلك في حديث ابن عباس بصلاة العتمة , أخرجه أبو داود بلفظ " كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة " ونحوه في حديث أبي هريرة كما سأذكره قريبا , وهذا أخص من حديث البراء من وجه آخر , ويحتمل أن يكون ذكر صلاة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالبا , والتقييد في الحقيقة إنما هو بالنوم كما في سائر الأحاديث , وبين السدي وغيره أن ذلك الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي ولفظه " كتب على النصارى الصيام , وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم , وكتب على المسلمين أولا مثل ذلك حتى أقبل رجل من الأنصار " فذكر القصة . ومن طريق إبراهيم التيمي " كان المسلمون في أول الإسلام يفعلون كما يفعل أهل الكتاب : إذا نام أحدهم لم يطعم حتى القابلة " ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص مرفوعا " فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر " . قوله : ( وإن قيس بن صرمة ) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء هكذا سمي في هذه الرواية , ولم يختلف على إسرائيل فيه إلا في رواية أبي أحمد الزبيري عنه فإنه قال " صرمة بن قيس " أخرجه أبو داود , ولأبي نعيم في " المعرفة " من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله , قال وكذا رواه أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس , ووقع عند أحمد والنسائي من طريق زهير عن أبي إسحاق أنه " أبو قيس ابن عمرو " وفي حديث السدي المذكور " حتى أقبل رجل من الأنصار يقال له أبو قيس بن صرمة " ولابن حرير من طريق ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح المهملة وبالموحدة الثقيلة مرسلا " صرمة بن أبي أنس " ولغير ابن جرير من هذا الوجه " صرمة بن قيس " كما قال أبو أحمد الزبيري , وللذهلي في " الزهريات " من مرسل القاسم بن محمد " صرمة بن أنس " ولابن جرير من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى " صرمة بن مالك " والجمع بين هذه الروايات أنه أبو قيس صرمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار , كذا نسبه ابن عبد البر وغيره , فمن قال قيس بن صرمة قلبه كما جزم الداودي والسهيلي وغيرهما بأنه وقع مقلوبا في رواية حديث الباب , ومن قال صرمة بن مالك نسبه إلى جده , ومن قال صرمة بن أنس حذف أداة الكنية من أبيه , ومن قال أبو قيس بن عمرو أصاب كنيته وأخطأ في اسم أبيه , وكذا من قال أبو قيس بن صرمة , وكأنه أراد أن يقول أبو قيس صرمة فزاد فيه ابن , وقد صحفه بعضهم فرويناه في " جزء إبراهيم بن أبي ثابت " من طريق عطاء عن أبي هريرة قال " كان المسلمون إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام والشراب والنساء , وأن ضمرة بن أنس الأنصاري غلبته عينه " الحديث . وقد استدرك ابن الأثير في الصحابة ضمرة بن أنس في حرف الضاد المعجمة على من تقدمه , وهو تصحيف وتحريف ولم يتنبه له والصواب صرمة بن أبي أنس كما تقدم , والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب . وصرمة بن أبي أنس مشهور في الصحابة يكنى أبا قيس . قال ابن إسحاق فيما أخرجه السراج في تاريخه من طريقه بإسناده إلى عويم بن ساعدة قال : قال صرمة بن أبي أنس وهو يذكر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : ثوى في قريش بضع عشرة حجة يذكر لو يلقى صديقا مؤاتيا الأبيات . قال ابن إسحاق : وصرمة هذا هو الذي نزل فيه ( كلوا واشربوا ) الآية . قال : وحدثني محمد ابن جعفر بن الزبير قال : كان أبو قيس ممن فارق الأوثان في الجاهلية , فلما قدم النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم المدينة أسلم وهو شيخ كبير , وهو القائل : يقول أبو قيس وأصبح غاديا ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا الأبيات . قوله : ( فقال لها أعندك ) بكسر الكاف ( طعام ؟ قالت لا , ولكن أنطلق أطلب لك ) ظاهره أنه لم يجئ معه بشيء , لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال : استبدلي به طحينا واجعليه سخينا , فإن التمر أحرق جوفي . وفيه : لعلي آكله سخنا , وأنها استبدلته له وصنعته . وفي مرسل ابن أبي ليلى : فقال لأهله أطعموني . فقالت : حتى أجعل لك شيئا سخينا . ووصله أبو داود من طريق ابن أبي ليلى فقال " حدثنا أصحاب محمد " فذكره مختصرا . قوله : ( وكان يومه ) بالنصب ( يعمل ) أي في أرضه , وصرح بها أبو داود في روايته . وفي مرسل السدي " كان يعمل في حيطان المدينة بالأجرة " فعلى هذا فقوله " في أرضه " إضافة اختصاص . قوله : ( فغلبته عيناه ) أي نام , وللكشميهني " عينه " بالإفراد . قوله : ( فقالت خيبة لك ) بالنصب وهو مفعول مطلق محذوف العامل , وقيل إذا كان بغير لام يجب نصبه وإلا جاز . والخيبة الحرمان يقال خاب يخيب إذا لم ينل ما طلب . قوله : ( فلما انتصف النهار غشي عليه ) في رواية أحمد " فأصبح صائما , فلما انتصف النهار " وفي رواية أبي داود " فلم ينتصف النهار حتى غشي عليه " فيحمل الأول على أن الغشي وقع في آخر النصف الأول من النهار , وفي رواية زهير عن أبي إسحاق " فلم يطعم شيئا وبات حتى أصبح صائما حتى انتصف النهار فغشي عليه " وفي مرسل السدي " فأيقظته , فكره أن يعصي الله وأبى أن يأكل " وفي مرسل محمد بن يحيى " فقالت له كل , فقال إني قد نمت . فقالت لم تنم . فأبى فأصبح جائعا مجهودا " . قوله : ( فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) زاد في رواية زكريا عند أبي الشيخ " وأتى عمر امرأته وقد نامت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم " . قوله : ( فنزلت هذه الآية ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) ففرحوا بها فرحا شديدا ونزلت ( وكلوا واشربوا ) كذا في هذه الرواية وشرح الكرماني على ظاهرها فقال : لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالا بعد أن كان حراما كان الأكل والشرب بطريق الأولى , فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة , هذا وجه مطابقة ذلك لقصة أبي قيس , قال : ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك ( وكلوا واشربوا ) ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم صريحا , ثم قال : أو المراد من الآية هي بتمامها . قلت : وهذا هو المعتمد , وبه جزم السهيلي وقال : إن الآية بتمامها نزلت في الأمرين معا وقدم ما يتعلق بعمر لفضله . قلت : وقد وقع في رواية أبي داود فنزلت ( أحل لكم ليلة الصيام ) إلى قوله : ( من الفجر ) فهذا يبين أن محل قوله " ففرحوا بها " بعد قوله : ( الخيط الأسود ) ووقع ذلك صريحا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه " فنزلت ( أحل لكم - إلى قوله - من الفجر ) ففرح المسلمون بذلك " وسيأتي بيان قصة عمر في تفسير سورة البقرة مع بقية تفسير الآية المذكورة إن شاء الله تعالى .
، واسمه : صرمة بن أنس فعمل في بعض حوائط المدينة فأصاب مدا من تمر فأتى به زوجته وهو صائم فأبدلته بمد دقيق فعصدته له فنام لِما به من الوهن والتعب قبل أن تفرغ امرأته من طعامه ثم جاءت به حين فرغت فأيقضته ليأكل فكره أن يعصيَ الله ورسوله فطوى تلك الليلة مع ما تقدم من يومه ثم أصبح صائما من غده فمرَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو طليح (1)
__________
(1) ـ الطليح : المُعْيِيْ والمهزول والمجهود فعيل بمعنى مفعول اهـ المعجم الوسيط ، أخرج نحوهذا البخاري في صحيحه ج2ص676برقم 1782 حَدَّثَنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) * والترمذي في سننه ج5ص210 برقم 2894 حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلَا يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِنَّ قَيْسَ ابْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ وَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) قَالَ أَبمو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ * والدارمي في سننه ج2ص10 وأحمد في سننه ج4 ص295 وابن حبان في صحيحه ج8ص240 وابن خزيمة في صحيحه ج3 ص200 والبيهقي في سننه الكبرى ج4ص201
مجهود
فقال له [ صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ] : ( لقد أصبحت يا أبا قيس طليحا ) فأخبره بما كان من خبره فسكت عنه صلى الله عليه وآله وسلم
وكان عمر بن الخطاب في رجال قد أصابوا نساءهم في شهر رمضان فخافوا أن يذكر أمر أبي قيس في شيء من القرآن فيذُكروا معه فقام عمر في أولئك الناس فقالوا : استغفر لنا يا رسول الله فإنا قد واقعنا النساء
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما كنت جديرا بذلك يا عمر ) فأنزل الله تعالى { أحلَّ لَكُمْ لَيْلَة الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } (1)
فنسخ ذلك من الصيام الأول فالحمد لله الذي رفع عنا الإصار(2)، وبقوله تعالى { كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } فقام إليه رجل فقال يا رسول الله : أرأيت الخيط الأبيض والأسود هما الخيطان ؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنك لعريض القفا إنما هو الليل والنهار ) (3)
وقد اختلف العلماء في هذه الإشارة على قولين :
الأول أنه غير رمضان عن معاذ وقتادة وعطاء وابن عباس ثم اختلف هؤلاء فقيل كان : صيام ثلاثة أيام في كل شهر ، وقيل : عاشورا ،
__________
(1) ـ البقرة 187
(2) ـ وهي الأثقال الشديدة المتعبة
(3) ـ أخرج البخاري في صحيحه ج4 ص 1640 عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قل قلت يا رسول الله ـ الخيط الأبيض من الخيط الأسود ـ أهما الخيطان ؟ قال :إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين ثم قال : لا بل هو سواد الليل وبياض النهار وقال في فتح الباري شرح البخاري : ج 4 ص 133 : والعرب تقول : فلان عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة
و [ الثاني ] قيل : هذه الإشارة بالمعدودات إلى شهر رمضان ، قيل : أوجب الله صيامه على كل أمة فكفرت به الأمم غير أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعليه الأكثر (1)، وقيل : أوجب الله الصيام أولا فأجمل ثم بين فقال : { شهر رمضان } قال القاضي وهو الأولى[ ومثله ذكر مولانا عليه السلام ]
قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين }
قيل : كان المكلف بالصيام مخيرا بين الصيام وبين الفدية فإن شاء صام وإن شاء أفطر وأفدى فعلى هذا : على من أطاق الصوم فأفطر الفديةُ ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فلما نزلت الآية لم يكن لأحد أن يفطر وهو يطيق الصوم في حضر ، وقيل نزلت الآية في الشيخ الهم الذي لا يطيق ، وليس فيها نسخ عن السدي وهو الأقرب إلى مذهب يحيى (عليه السلام) لأنه قال : معنى الآية : وعلى الذين لا يطيقونه ، فحذف لا وهو يريدها كما قال الشاعر
نزلتم منزل الأضياف منا_______ فعجلنا القرى أن تشتمونا(2)
وقد يذكر لا وهو لا يريدها كما قال تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } (3) معناه ليعلم أهل الكتاب
وقال الشاعر: بيوم جدود لا فضحتم أباكم ___ وسالمتوا والخيل تدمى شكيمها(4)
قوله تعال : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } (5)
__________
(1) ـ وذكلر الهادي عليه السلام في الأحكام أن الله أوجب صيام شهر رمضان في الإنجيل على بني إسرائيل فغيروا إللا غير رمضان من الأيام وزادوافيه عشرين كفارة فلعنهم الله وأخزاهم وذلك قول الله تعالى { كما كتب على الذين من قبلكم } يعني النصارى
(2) ـ أراد فعجلنا القرى أن لا تشتمونا أي لأن لا تشتمونا
(3) ـ الحديد 29
(4) ـ أراد فضحتم أباكم
(5) ـ البقرة 190
كان في ابتداء الإسلام لا يجوز قتال أحد من الكفار إلا من قاتل لقوله : { ولا تعتدوا } يعنى إلى قتال من لم يقاتل فنسخ ذلك بقوله تعالى ? { و قاتلوا لمشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } (1)وبقوله { اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم (2)وقيل : الآية محكمة عن ابن عباس ومجاهد ولا تعتدوا في قتال أهل مكة ، وقيل أيضا : ولا تعتدوا في قتال الصبيان والنساء والأول هو الوجه عن أبي علي والحسن
قوله تعالى : { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } (3)
قيل : الآية هذه منسوخة بآية السيف ، وبقوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } هذا قول أكثر العترة عليهم السلام وقيل غير منسوخة ، ولا يجوز عندهم ابتداء القتال في الحرم عن مجاهد ، والأول الوجه
قوله تعالى : { يسألونك ما ذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين
واليتامى والمساكين وابن السبيل } (4)
__________
(1) ـ التوبة 36 "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين"
(2) ـ التوبة 5
(3) ـ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ(191)البقرة
(4) ـ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَاْلأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(215)البقرة
قيل :هذه الآية وردت في التطوع ، ولا نسخ فيها ، وقيل :الآية وردت في الزكاة ثم نسخت ببيان مصارف الزكاة عن السدي ، وقيل في الزكاة المفروضة وفي التطوع ففي الوالدين تطوع وفريضة فيمن عداهما لأن دفع الزكاة إلى الآباء والأمهات والأولاد لا يجوز إجماعا .
قوله تعالى: ? { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل فيه قتال كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله } (1)
قيل : نزلت في قصة واقد بن عبد الله (2)
__________
(1) ـ البقرة 217
(2) ـ هو واقد بن عبد الله اليربوعي حليف عمر بن الخطاب قال في الإصابة : واقد بن عبد الله اليربوعي قال بن الأمين فرق بن منده بينه وبين واقد بن عبد الله الحنظلي وهما واحد وقال البغوي في تفسيره :
الجزء :1الصفحة :246"يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"
217. قوله تعالى.: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بعث عبد الله بن جحش، وهو ابن عمةالنبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أخت أبيه في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه إلى المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري و عكاشة بن محمص الأسدي و عتبة بن غزوان السلمي و أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة و سهيل بن بيضاء و عامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً وقال له: (( سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فإذا نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على السير معك )) فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منها بخبر، فلما نظر في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك، وقال إنه نهاني أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كره فليرجع، ثم مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد حتى كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له بحران آضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف.
فبينما هم كذلك إذ مرت عير لقريش تحمل زبيباً وادماً وتجارة والطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم، فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو من رجب فتشاور القوم وقالوا لئن تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فكان أول قتيل من المشركين[وهو أول قتيل في الهجرة وأدى النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم دية ابن الحضرمي إلى ورثته من قريش. قال مجاهد وغيره لأنه كان بين رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وبين قريش عهد، وادع أهل مكة سنين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه].
واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيرين في الإسلام وأفلت نوفل فأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ الحرائب وعير بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه!
وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم، وقالوا: يا رسول الله إنا قد قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى؟ وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيرهم فقال (( بل نقفهم حتى يقدم سعد وعقبة وإن لم يقدما قتلناهما بهما )) فلما قدما فاداهما، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً فقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول هذه الآية.
قوله تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام " يعني رجباً سمي بذلك لتحريم القتال فيه.
" قتال فيه " أي عن قتال فيه " قل " يا محمد " قتال فيه كبير " عظيم، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال " وصد عن سبيل الله " أي فصدكم المسلميين عن الإسلام " وكفر به " أي كفركم بالله " والمسجد الحرام " أي المسجد الحرام وقيل صدكم عن المسجد الحرام " وإخراج أهله " أي إخراج أهل المسجد " منه أكبر " وأعظم وزراً " عند الله والفتنة " أي الشرك الذي أنتم عليه " أكبر من القتل " أي من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن أنيس إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم من مكة ومنعهم المسلمين عن البيت الحرام، ثم قال: " ولا يزالون " يعني مشركي مكة، وهو فعل لا مصدر له مثل ما عسى " يقاتلونكم " يا معشر المؤمنين " حتى يردوكم " يصرفوكم " عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت " جزم بالنسق " وهو كافر فأولئك حبطت " بطلت " أعمالهم " حسناتهم " في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فقال أصحاب السرية يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا، وهل نطمع أن يكون سفرنا هذا غزواً؟
رجل من المسلمين حين قتل عمرو بن الحضرمي مشركا في أول رجب فعيرهم المشركون بأنهم استحلوا الشهر الحرام فنزلت الآية ، واختلفوا فقيل: هي منسوخة ،(1) ويجوز قتال الكفار في الشهر الحرام عن أبي علي والقاضي وهو إجماع العترة عليهم السلام ، وقيل : التحريم ثابت لم ينسخ عن جماعة والأول هو الوجه
قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر } (2) وقوله تعالى : [ في سورة النحل ]
{ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } (3)
هذه الآية منسوخة (4) بقوله تعالى { إنما الخمر والميسر والأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } (5) وبقوله تعالى : { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و [ الإثم ] } (6) والإثم : اسم للخمر قال الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقلي _____ كذاك الإثم يذهب بالعقول(7)
__________
(1) ـ بآية السيف
(2) ـ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)البقرة
(3) ـ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(67)النحل
(4) ـ لعل العبارة هاتان الآيتان منسوختان
(5) ـ المائدة 90
(6) ـ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)الأعراف
(7) ـ الخمر أصله الستر يقال : خمرت الإناء إذا غطيته ومنه خمار المرأة لأنه يستر رأسها والخمر ما خمر العقل وأفسده
وقد قال عز وجل عند مسألة الناس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير (1) ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ولا خلاف أن الخمر كانت حلالا ثم حرمت(2)واختلفوا بم حرمت فقيل : بهذه الآية ، وهو اختيار القاضي ، وقيل : بآية المائدة .
قوله تعالى : { ويسْألونكَ ماذا يُنْفِقُون قلِ العفْوَ }
قيل : الآية في التطوع ، والعفو هو : الفضل أخذا من عغو خطام الدابة ، وقيل في الفريضة وهي منسوخة بآية الزكاة وهو الوجه عند إمامنا المنصور بالله (عليه السلام)
قوله تعالى : { ولاَ تَنْكِحُوا المشْركات حَتَّى يُؤْمِنَّ ولأمةٌ مؤْمنةٌ خيرٌ منْ مشْركةٍ ولو أعجبتكم ولا تُنْكِحُوا المُشْركينَ حتَّى يُؤْمنوا ولَعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم .. } (3)
الآية تدل على تحريم نكاح المشركات ، واختلفوا فيه
فمنهم من قال : المراد به : الوثنية والمجوسية دون أهل الكتاب ، ولا نسخ ولا تخصيص في الآية ،
ومنهم من قال :إن الآية تناول كل الكفار لأن الشر ك من جهة الشرع يطلق على الكل ، ثم اختلف هؤلاء على ثلاثة أقوال :
[1] فزعم بعضهم أن الآية منسوخة في الكتابيات بالآية في المائدة (4)عن ابن عباس والحسن ومجاهد والربيع
[2] وزعم بعضهم أنها مخصوصة بها(5)عن سعيد بن جبير وقتادة
__________
(1) ـ في نسخة زيادة وقريء كثير
(2) ـ عند الهادي عليه السلام أن الخمر ما أحل في شريعة قط إذا فالخلاف موجود
(3) ـ البقرة 221
(4) ـ وهي قوله تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن . } المائدة / 5
(5) ـ أي بآية المائدة
[3] وزعم بعضهم أنها على ظاهرها في تحريم نكاح كل كافرة كتابية كانت أو مشركة روي ذلك عن ابن عمر ومحمد بن علي الباقر وهو مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام ، وتأول الهادي في الأحكام آية المائدة إذا أسلمت بعد أن كانت كتابية.(1)
__________
(1) ـ ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(22) وهل يعقل أن يتزوج المرء بامرأة كافرة يهودية أو نصرانية ويعيش معها وهو يكرهها وإن لم يكرهها فليس بمؤمن
قوله تعالى : { والمطلقات يتربَّصن بأنفسهنَّ ثلاثة قُروءٍ } (1)
قيل : كان في ابتداء الإسلام إذا طلق الرجل امرأته وهي حبلى فهو أحق برجعتها ما لم تضع ولدها سواء كان الطلاق ذلك ثلاثا أو أكثر أو أقل فنسخ الله ذلك بقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } (2)
__________
(1) ـ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228) البقرة قيل لفظ الآية عام خصص من عمومه الحامل والآيسة والصغيرة لا على وجه النسخ ، وقيل أراد به جميع المطلقات ثم نسخ منه الحبالى بقوله تعال : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ونسخ منه الآيسات من الحيض والأصاغر بقوله تعالى : { واللا ئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } وقد أجمعت الأمة على أن التي فارقها زوجها قبل الدخول لا عدة عليها لقوله تعالى: { ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها }
(2) ـ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(230)البقرة
قوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } الآية } (1)
قيل : إن آخر الآية منسوخ بقوله تعالى : { وإن أردتم استبدال مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. الآية } وأول الآية منسوخ بقوله تعالى : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } (2) { } الآية وقيل : ليست بمنسوخة وهو الوجه والاستثناء يخص إباحة الأخذ من المختلعة ،
وأول مختلعة كانت في الإسلام :جميلة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس
فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله لا أنا ولا ثابت فقال لها صلى الله عليه وآله وسلم: (أتردين عليه حديقته ) وكان تزوجها على حديقة نخل فقالت : نعم وأزيد فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أما الزيادة فلا ، فقال ثابت : هل يطيب ذلك يا رسول الله قال [(صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) ] : نعم فطلقها عليه .
قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم
__________
(1) ـالطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(229) البقرة
(2) ـ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا(4) النساء
متاعا إلى الحول غير إخراج } (1)
كانت المرأة إذا مات زوجها اعتدت سنة ولها النفقة في ماله والسكنى في منزله فنسخ الله المدة بقوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } (2) ونسخ الوصية التي فيها بآية المواريث عند الهادي عليه السلام ومن قال بقوله ، وقيل :
بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا وصية لوارث) (3) وعليه الأكثر
وهو اختيار الإمام المنصور بالله عليه السلام ونسخه للمدة لا يكون نسخا لوجوب النفقة لأن الآية إذا تضمنت حكمين فنسخ أحدهما لا يكون نسخا للآخر هذا مذهب الأكثر وعلى قول المؤيد بالله [ عليه السلام ] في ذلك نظر ، ورجح الحاكم أن الآية منسوخة على كل حال ولم يفصل
__________
(1) ـ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(240) البقرة
(2) ـ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(234) البقرة
فائدة : قال هبة الله بن سلامة إنه ليس في كتاب الله آية ناسخة في سورة إلا والمنسوخ قبلها إلا هذه الآية ةآية أخرى في الأحزاب وهي قوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } نسختها الآية التي فبلها يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزاجك
(3) ـ سبق تخريجه ص 7
قوله تعالى : { لا إكراه في الدين } (1)
نسخت بآية السيف ، ذكره الإمام المنصور بالله عليه السلام وهو قول السدي (2) وابن زيد وهبة الله أبي القاسم المفسر وقيل : ليست منسوخة والمراد بها أنه لا يصح الإكراه في الدين لأنه من قبيل الاعتقاد (3) واستدلوا به على أن طلاق المكره وعتاقه وبيعه لا يقع ، وقال عبد الله بن الحسين عليه السلام : نزلت في أهل الكتاب
__________
(1) ـ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)البقرة 256
(2) ـ هو الإمام المفسر الشيعي أوتي إسماعيل السدي حظا في علم القرآن ، اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الهاشمي كنيته أبو محمد ، السدي الكوفي الأعور أصله حجازي مولى زينب بنت قيس بن مخرمة وإنما قيل له السدي لأنه كان يقعدفي سدة الجامع قال يحيى القطان : ماسمعت أحدا يذكر السدي إلا بخير مات سنة 127 هـ وهذا هو السدي الكبير أما السدي الصغير فهو محمد بن مروان الكوفي وهو متروك تمت
(3) ـ قال الزمخشري في كشافه في فسير هذه الآية : أي لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، ولكن على التمكن والاختيار ونحوه قوله تعالى { ولوشاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ، أفأنت تكره الناس حتى يكونا مؤمنين }
قوله تعالى : { وأَشْهِدوا إذا تبا يعتم } (1)
قيل : إن الكتابة والإشهاد كانا واجبين فنسخ ذلك بقوله تعالى: { فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته } (2) وإذا نسخ الوجوب لم ينسخ الاستحباب ، وقيل : المراد بالإشهاد والكتابة : الندب ولا نسخ في الآية وهو الوجه
__________
(1) ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)البقرة 282
(2) ـ البقرة 283
قوله تعالى : { وإن تُبدوا ما في أنفُسِكم أو تُخفوه يُحاسِبْكم به الله } (1)(2) الآية
تدل على أن الله تعالى يؤاخذ بالظنون والعزوم
وذلك يوافق قوله صلى الله عليه وآله وسلم :( نية المؤمن خير من عمله ، ونية الفاسق شرمن عمله ) (3)
وذهب بعضهم إلى أنها منسوخة (4) وأن العبد لا يؤاخذ بالعزم وهذا لا يجوز لورود الدلالة على خلافه (5)
__________
(2) ـ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(284)البقرة
(3) ـ الموجود في كتب السنة بلفظ غير هذا ففي مسند الشهاب ج1 ص119 (نية المؤمن أبلغ من عمله )، ( نية المؤمن خير من عمله ونية الفاجر شر من عمله ) وفي المعجم الكبير ج6ص185 ( نية المؤمن خير من عمله وعمل المنافق خير من نيته وكل يعمل على نيته فإذ اعمل المؤمن عملا نار في قلبه نور)
(4) ـ نسخها قوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم
(5) - قال الشوكاني في تفسيره الجزء :1الصفحة :461"لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير"
. قوله: " وإن تبدوا ما في أنفسكم " إلى آخر الآية، ظاهره أن الله يحاسب العباد على ما أضمرته أنفسهم أو أظهرته من الأمور التي يحاسب عليها، فيغفر لمن يشاء منهم ما يغفره منها، ويعذب من يشاء منهم بما أسر أو أظهر منها، هذا معنى الآية على مقتضى اللغة العربية. وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية على أقوال: الأول أنها وإن كانت عامة، فهي مخصوصة بكتمان الشهادة، وأن الكاتم للشهادة يحاسب على كتمه سواء أظهر للناس أنه كاتم للشهادة أو لم يظهر. وقد روي هذا عن ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد، وهو مردود بما في الآية من عموم اللفظ، ولا يصلح ما تقدم قبل هذه الآية من النهي عن كتم الشهادة أن تكون مختصة به. والقول الثاني: أن ما في الآية مختص بما يطرأ على النفوس من الأمور التي هي بين الشك واليقين، قاله مجاهد، وهو أيضاً تخصيص بلا مخصص. والقول الثالث: أنها محكمة عامة، ولكن العذاب على ما في النفس يختص بالكفار والمنافقين. حكاه الطبري عن قوم، وهو أيضاً تخصيص بلا مخصص، فإن قوله: "يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" لا يختص ببعض معين إلا بدليل. والقول الرابع: أن هذه الآية منسوخة، قاله ابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة، وهو مروي عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين، وهذا هو الحق لما سيأتي من التصريح بنسخها، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: "إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها". قوله: "يحاسبكم به الله" قدم الجار والمجرور على الفاعل لإظهار العناية به، وقدم الإبداء على الإخفاء، لأن الأصل في الأمور التي يحاسب عليها هو الأعمال البادية، وأما تقديم الإخفاء في قوله سبحانه: "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله" فلكون العلم يتعلق بالأعمال الخافية والبادية على السوية، وقدم المغفرة على التعذيب لكون رحمته سبقت غضبه، وجملة قوله: "فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" مستأنفة: أي فهو يغفر وهي متضمنة لتفصيل ما أجمل في قوله: "يحاسبكم به الله" وهذا على قراءة ابن عامر وعاصم. وأما على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي بجزم الراء والباء، فالفاء عاطفة لما بعدها على المجزوم قبلها، وهو جواب الشرط: أعني قوله: "يحاسبكم به الله". وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو العالية وعاصم الجحدري بنصب الراء والباء في قوله: "فيغفر" "ويعذب" على إضمار أن عطفاً على المعنى. وقرأ طلحة بن مصرف يغفر بغير فاء على البدل، وبه قرأ الجعفي وخلاد.
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم" الآية، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ثم جثوا على الركب، فقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما اقترأها القوم وذلك بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" الآية، فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل " لا تكلف نفس إلا وسعها " إلى آخرها". وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعاً نحوه، وزاد فأنزل الله "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال: قد فعلت "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: قد فعلت "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا" الآية، قال: قد فعلت. وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من طرق. وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أحسبه ابن عمر "إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه" قال: نسختها الآية التي بعدها. وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود نحوه. وأخرج ابن جرير عن عائشة نحوه أيضاً.
وبمجموع ما تقدم يظهر لك ضعف ما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال: نزلت في كتمان الشهادة فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة. وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها، ومما يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن الأربع من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به". وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به حاسبه الله في الدنيا يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شيء كما هم بالسوء ولم يعمل منه بشيء. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عنها نحوه، والأحاديث المتقدمة المصرحة بالنسخ تدفعه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن الله يقول يوم القيامة: إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم فأغفر لمن شئت وأعذب من شئت، وهو مدفوع بما تقدم.
قوله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } (1)
ظاهر الآية يدل على أن العبد مكلف باستعمال جميع وسعه ، فنسخ ذلك بقوله تعالى { يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (2) ذكر ذلك هبة الله المفسر ، والأولى أنها غير منسوخة ، والمراد بالآية في الواجب
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) (3)
__________
(1) 5 ـ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ْ(286) البقرة 286
(2) ـ البقرة 185
(3) ـ في صحيح البخاري 6744 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَالَ دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ * و في صحيح مسلم ج4ص1830 ما نهيتكم فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم . وفي مسند أحمد بن حنبل ج2ص355 : ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم به فخذوا منه ما استطعتم . وفي صحيح ابن حبان ج1ص200 : ما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وما أمرتكم بالأمر فأتوا منه ما استطعتم
[ سورة آل عمران ] السورة التي يذكر فيها آل عمران مدنية إجماعا
قوله تعالى : { وإن تولَّوا فإنما عليك البلاغ } (1)
قيل : نسخت بآية السيف ، وقيل : نزلت في أهل الكتاب وليست منسوخة (2)
قوله تعالى : { إلاَّ أن تتقوا منهم تقاة } (3)
قال مجاهد : كانت التقية في أول الإسلام فأما بعد أن أعز الله دينه بوجود الناصر فلا ، وهي منسوخة بآية السيف ، وقيل : ليست بمنسوخة والعمل بالتقية جائز عند العجز عن الجهاد وعن الهجرة وهو الوج
قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته } (4)
__________
(1) ـ صدر الآية : فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(20) آل عمران كانت الآية في الأصل التي نسخت عليها فإن تولوا هكذا كانت في نسختين خطيتين ولم أر لها وجه في السبعية لهذا صححتها
(2) ـ قيل نزلت سكينة لجأشه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه كان يتعب نفسه في الحرص على إيمان قومه فقيل له إنما عليك البلاغ لا أن تسوق قلوبهم إلى الصلاح فالآية على هذا محكمة
(3) ـ لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(28)آل عمران
(4) ـ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) آل عمران
قيل : هي منسوخة بقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } (1)عن قتادة والربيع وابن زيدوا لسدي قال مقاتل : ليس في آل عمران منسوخ سواها وقال أبو علي : هذا خطاء لأن من اتقى جميع المعاصي فقد اتقى الله حق تقاته ،ومثل هذا لا يجوز نسخه لأنه إباحة لبعض المعاصي (2)
(سورة النساء) مدنية بالإجماع
قوله تعالى { وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } (3)
__________
(1) ـ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(16) التغابن
(2) - قال الشوكاني في تفسيره : الجزء :1الصفحة :554"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون"
قوله 102- "اتقوا الله حق تقاته" أي: التقوى التي تحق له، وهي أن لا يترك العبد شيئاً مما يلزمه فعله ولا يفعله شيئاً مما يلزمه تركه ويبذل في ذلك جهده ومستطاعه. قال القرطبي: ذكر المفسرون أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم ذلك، فأنزل الله "فاتقوا الله ما استطعتم" فنسخت هذه الآية. روي ذلك عن قتادة والربيع وابن زيد. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذا. وقيل إن قوله "اتقوا الله حق تقاته" مبين بقوله "فاتقوا الله ما استطعتم" والمعنى: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم. قال: وهذا أصوب، لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى. قوله "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي: لا تكونن على حال سوى حال الإسلام فالاستثناء مفرغ، ومحل الجملة: أعني قوله "وأنتم مسلمون" النصب على الحال، وقد تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية.
(3) ـوَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا(8) النساء
قيل : كانت الوصية للأقارب واجبة ثم نسخها الله تعالى بآية المواريث
وأكَّده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ( لا وصية لوارث ) (1)
__________
(1) ـ في سنن الترمذي 2046 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَهَنَّادٌ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا ثُمَّ قَالَ الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ قَالَ أَبمو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَرِوَايَةُ إِسْمَعِيلَ ابْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الْحِجَازِ لَيْسَ بِذَلِكَ فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُمْ مَنَاكِيرَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ أَصَحُّ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَعِيلَ قَال سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِسْمَعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ أَصْلَحُ حَدِيثًا مِنْ بَقِيَّةَ وَلِبَقِيَّةَ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ عَنِ الثِّقَاتِ و سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ يَقُولُ قَالَ أَبُو إِسْحَقَ الْفَزَارِيُّ خُذُوا عَنْ بَقِيَّةَ مَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ وَلَا تَأْخُذُوا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ وَلَا عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ * وفي البخاري بَاب لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ * بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا وَعُمَرَ ابْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ وَطَاوُسًا وَعَطَاءً وَابْنَ أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ وَقَالَ الْحَسَنُ أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْآخِرَةِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لَا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ جَازَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ فِيهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم * وقدسبق تخريجه
بيانا للآية ، وقيل : هو أمر ندب وهو ثابت لا نسخ فيه
قوله تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } (1)
قيل : لما أنزل الله تعالى هذه الآية تحرَّج الناس في مخالطة اليتامى حتى لحق بهم الضرر فنسخه الله تعالى بقوله :? { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم } (2) ثم قال : { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } (3) فرفع الحرج في مخالطة اليتامى وأباح الأكل للمحتاج ، قيل على وجه الإجارة ، وقيل : من زكاة مال اليتيم ، وقيل : الآية محكمة وليس فيها نسخ لأنه لا تنافي بين الآيتين لأنه في الأولى نهى عن أكل الظلم وفي الأخرى أباح الأكل بالمعروف على الوجه الشرعي من إجارة أو قرض أو غيرهما
قوله تعالى: { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
فإن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } (4)
قال السيد عبد الله بن الحسين عليه السلام : نسخ الله هذه الآية بالآية التي في النور وهي قوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدة منهما مائة جلدة } (5) وهو الظاهر من مذهب أخيه الهادي عليه السلام بناء على أصله أن الكتاب لا ينسخ بالسنة وذهب الأكثر إلى أنه نُسخ
__________
(1) ـ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(10)النساء
(2) ـ البقرة 220ومعنى لأعنتكم لضيق عليكم بتحريم المخالطة
(3) ـ النساء 6
(4) ـ النساء 15
(5) ـ النور 2
بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر :جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب :جلد مائة والرجم) (1)وصحح الإمام المنصور بالله أن الكتاب يُنسخ بالسنة كما تقدم بيانه.
قوله تعالى : { واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما } (2)
كان في ابتداء الإسلام حد الرجل : الإيذاء بالسب والتحشم ، ثم نسخ بالحبس ثم نسخ الحبس بالجلد في حق غير المحصن وبالرجم في حق المحصن.
قوله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِيْنَ يَعْمَلُوْنَ السَّوْء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوْبُوْنَ مِنْ قَرِيْبٍ } (3)
قيل : الآية منسوخة بقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء } (4)عن الربيع ، وقيل : هي محكمة ولا نسخ فيها وهو الوجه لأنه لا تنافي بين الآيتين .
قوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف .. الآية } (5)
اختلفوا في الآية ، قيل : هي منسوخة ، ومعنى الاستثناء ولا ما قد سلف ، وقيل : هي محكمة لا نسخ فيها ، ومعنى الاستثناء لكن من قد سلف وهو الوجه
قوله تعالى : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } (6)
__________
(1) ـ أخرجه مسلم في صحيحه ج3ص1690 ، وابن ماجة ج2ص852 ، وأحمد بن حنبل في مسنده ج3ص476 بتغيير كلمة عام إلى سنة ، وابن حبان في صحيحه والسنن الكبرى للبيهقي وسنن الترمذي والد ارمي والمعجم الأوسط والكبير
(2) ـ النساء 16
(3) ـ النساء 17
(4) ـ النساء 48
(5) ـ 22 النساء
(6) ـ 24 النساء
اختلفوا في الآية قيل : المراد بالاستمتاع : نكاح المتعة ونسخ بعد ذلك ، وهو قول جمهور الفقهاء ، ومنهم من قال : المراد بالاستمتاع : النكاح الصحيح عن الحسن وابن زيد وقد اختلف العلماء في نسخ هذه الآية ، قال عبد الله بن الحسين عليهم السلام : والقول عندنا أنها منسوخة نسخها الكتاب والسنة (1)أما الكتاب فقوله تعالى : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } (2) وأما السنة فنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة وعن كل شرط في النكاح وقد ورد من غير جهة أن المتعة إنما كانت ثلاثة أيام وأنها كانت ترويحا فنسخ الله تلك الشروط وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر فشكا إليه الناس العزبة
__________
(1) - كلام الهادي (عليه السلام) في الأحكام يدل على أنها محكمة فلقد قال في الجزء الأول من الأحكام ص 351 وأما من احتج بهذه الآية ممن استحل الفاحشة من الفرقة المارقة في قول الله عز وجل فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فالاستمتاع هو : الدخول بهن على وجه النكاح الصحيح وإيتاؤهن أجورهن فهو إعطاؤهن مهورهن إلا ما وهبن بطيب من أنفسهن والتراضي فهو التعاطي . تمت
(2) ـ المؤمنون 5
فقال [( صلى الله عليه وآله وسلم ) ]: ( استمتعوا من هذه النساء واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثا ) ثم خرج عليه السلام من الغد حتى وقف بين الركن والمقام فأسند ظهره إلى الكعبة ثم قال : ( أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن فليخل سبيلها ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، متعة النساء حرام مرتين أو ثلاثا ) (1)
ولم بقل بها بعد ذلك إلا ابن عباس فرجع عن ذلك وحرمها وكان قبل وفاته يقول : اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة ولم يبق بها قائل إلا الروافض الذين خلطوا على الشيعة أمرهم
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } (2)
__________
(1) ـ أخرج مسلم في صحيحه 2502 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا و حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَهُوَ يَقُولُ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ * وقدسبق تخريجه
(2) ـ 29 النساء
قال عبد الله بن الحسين : لما أنزل الله هذه الآية وقف المسلون عن أكل بعضهم عند بعض بغير عوض فنسخها الله تعالى وأنزل الرخصة بقوله : { ليس على الأعمى حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم } (1) فرخص الله تعالى بهذه الآية للمسلمين ما كانوا يتحرجون منه مع طيبة النفس فأما من لم تطب نفسه بشيء من ذلك فهو مخصوص
بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يحل مال امرِئٍ مسلمٍ إلا بطيبةٍ من نفسه) (2) وقيل : ليس في الآية نسخ ، والمراد بقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } أكلها في الخمر والرباء وأنواع المعاصي
قوله تعالى : { والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } (3) إلى آخر الآية
قيل : كان الجاهلية يعاقد بعضهم بعضا ويقول : دمي : دمك ، وسلمي : سلمك ، وحربي : حربك ، وترثني وأرثك ، وتعقل عني وأعقل عنك ثم نسخ ذلك بالمواخاة بين المهاجرين والأنصار فصاروا يتوارثون بالمواخاة والمحالفة ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : { وأولو ا الأرحام بعضهم أولى ببعض } (4)فبين الفرائض بهذه الآية
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } (5)
__________
(1) ـ 61 النور
(2) ـ أخرجه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام والمنتخب والإمام المؤيد بالله عليه السلام في شرح التجريد والقاضي جعفر رحمه الله في النكت وغير ذلك من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وأخرجه من أهل السنة البيهقي في سننه الكبرى ج6ص100 بلفظ إلا بطيبة نفس منه والدار قطني في سننه ج3ص26 بلفظ إلا بطيب نفسه وفي الآحاد والمثاني ج 3ص291بلفظ إلا عن طيبة نفس
(3) ـ النساء 33
(4) ـ الأنفال 75
(5) ـ النساء 43
اختلفوا في الآية ، فقيل : المراد بالسكر هاهنا : سكرالنوم عن الضحاك وهو الذي اختاره عبد الله بن الحسين عليه السلام (1) وقيل المراد بالسكر : سكر الشراب وهي منسوخة بقوله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب } (2) وغيرها من الآيات المحرمة للخمر (3) وعليه الأكثر
قوله تعالى : { فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا } (4)
قيل : الآية منسوخة بآية القتال ، وقيل : الآية ثابتة ومعنى الإعراض : الصفح وقبول الاعتذار (5)
قوله تعالى : { ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } (6)
__________
(1) ـ قال عليه السلام في كتابه الناسخ والمنسوخ : فاختلف الناس في تأويل هذه الآية فقال قوم يعني بالسكر سكر الخمر وقال آخرون إنه سكر النوم وهذا عندنا هو القول إهـ وهذا هو رأي الإمام الهادي عليه السلام في المجموعة الفاخرة
(2) ـ المائدة 090
(3) ـ آية في البقرة 219 وهي : يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219) وآيتان في المائدة هما : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91)
(4) ـ 63 النساء
(5) ـ قال المفسرون فيه تقديم وتأخير تقديره فعضهم فإن امتنعوا من الإجابة فأعرض عنهم وهذا كان قبل الأمر بالقتال
(6) ـ النساء 80
قيل : الآية منسوخة بآية السيف وعليه الأكثر ، وقيل : ليس في الآية نسخ ، والمراد : ما أرسلناك عليهم حفيظا في أعمالهم (1)
قوله تعالى : { فأعرض عنهم }
جميع ما في القرآن من هذا الجنس (2)منسوخ بآية السيف لأن المعنى أعرض عن عقوبتهم ، وقيل ليس في الآية نسخ ، والمراد بالآية في المنافقين
قوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } (3)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : المراد بها : المؤمنون وليس فيها نسخ ، وقيل : المراد أهل العهد ولا نسخ فيها .
قوله تعالى : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُريدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قومهم
__________
(1) ـ وقيل حفيظا أي رقيبا تؤخذ بهم عن ابن عباس
(2) ـ مثل هذه الآية { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } (63)النساء { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } (81) النساء { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } (68) السجدة { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ } (30)فصلت { فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } (29)النجم
(3) ـ النساء 90
كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فيها } (1)
قيل : نزلت في نُعيم بن مسعود الأشجعي (2)
__________
(1) ـ النساء 91ق.
(2) - قال الشوكاني في تفسيره الجزء :1الصفحة :749
"ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا"
91- "ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم" فيظهرون لكم الإسلام ويظهرون لقومهم الكفر ليأمنوا من كلا الطائفتين، وهم قوم من أهل تهامة طلبوا الأمان من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ليأمنوا عنده وعند قومهم وقيل: هي في قوم من أهل مكة، وقيل: في نعيم بن مسعود فإنه كان يأمن المسلمين والمشركين، وقيل: في قوم من المنافقين، وقيل: في أسد وغطفان " كل ما ردوا إلى الفتنة " أي دعاهم قومهم إليها وطلبوا منهم قتال المسلمين "أركسوا فيها" أي: قلبوا فيها فرجعوا إلى قومهم وقاتلوا المسلمين، ومعنى الارتكاس الانتكاس "فإن لم يعتزلوكم" يعني: هؤلاء الذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم "ويلقوا إليكم السلم" أي: يستسلمون لكم ويدخلون في عهدكم وصلحكم وينسلخون عن قومهم "ويكفوا أيديهم" عن قتالكم "فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم" أي: حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم "وأولئكم" الموصوفون بتلك الصفات "جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً" أي: حجة واضحة تتسلطون بها عليهم وتقهرونهم بها بسبب ما في قلوبهم من المرض وما في صدورهم من الدغل، وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل وأقل سعي.
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت "أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خرج إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول لا، فأنزل الله "فما لكم في المنافقين فئتين" الآية كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم: إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة". هذا أصح ماروي في سبب نزول الآية، وقد رويت أسباب غير ذلك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "والله أركسهم" يقول: أوقعهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال: ردهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق" قال: نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن مالك المدلجي، وفي بني خزيمة بن عامر بن عبد مناف. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عنه في قوله "إلا الذين يصلون" الآية، قال: نسختها براءة "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي "حصرت صدورهم" يقول: ضاقت صدورهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع "وألقوا إليكم السلم" قال: الصلح. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله "فإن اعتزلوكم" الآية، قال: نسختها "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم". وأخرج ابن جرير عن الحسن وعكرمة في هذه الآية قال: نسختها براءة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله "ستجدون آخرين" الآية، قال: ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قومهم فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ها هنا وها هنا، فامر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنهم ناس كانوا بتهامة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في نعيم بن مسعود.
ويقول أصحاب التاريخ والجرح والتعديل في نعيم بن مسعود :
الجرح والتعديل 459/8نعيم بن مسعود الأشجعي له صحبة سمع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وكان في حجر عمر يقال انه اسلم في الخندق وهو خذل بين الناس يومئذ وكان يسكن المدينة وولده من بعده وبقى الى زمان عثمان رضي الله تعالى عنه ومات في آخره روى عنه ابنه سلمة بن نعيم ومجاهد سمعت أبى يقول ذلك
الإصابة في تمييز الصحابة 461/6 نعيم بن مسعو بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع يكنى أبا سلمة الأشجعي صحابي مشهور له ذكر في البخاري أسلم ليالي الخندق وهو الذي أوقع الخلف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق فخالف بعضهم بعضا ورحلوا عن المدينة وله رواية عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم روى عنه ولداه سلمة وزينب وله حديث عند أحمد وغيره ومن طريق بن إسحاق حدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول لرسولي مسيلمة لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما قتل نعيم في أول خلافة علي قبل قدومه البصرة في وقعة الجمل وقيل مات في خلافة عثمان والله أعلم
تهذيب الكمال 491/29 د نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن سبيع بن بكر بن أشجع بن ريث بن غطفان أبو سلمة الغطفاني ثم الأشجعي له صحبة أسلم زمن الخندق وهو الذي خذل بين الأحزاب وكان يسكن المدينة وكذلك ولده من بعده روى عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم د روى عنه ابنه سلمة بن نعيم بن مسعود د وروى إبراهيم بن صابر ويقال بن هانئ الأشجعي عن أمه عن أبيها نعيم بن مسعود قال أبو عمر بن عبد البر هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأسلم في الخندق وهو الذي خذل المشركين وبني قريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم يرو وخبره في تخذيل بني قريظة والمشركين في السير خبر عجيب وقيل إنه الذي نزلت فيه { الذين قال لهم الناس } يعني نعيم بن مسعود وحده وقد قيل في تأويل الآية غير ذلك سكن المدينة ومات في خلافة عثمان وقيل بل قتل في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم بن جبلة العبدي وكان رسول رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إلى بن ذي اللحية روى له أبو داود حديثا أحدا وقد وقع لنا بعلو عنه أخبرنا أبو محمد عبد الواسع بن عبد الكافي الأبهري قال أنبأنا أبو محمد عبد المجيب بن أبي القاسم بن زهير الحربي قال أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عبد القادر بن يوسف قال أخبرنا أبو الحسين بن النقور قال أخبرنا أبو طاهر المخلص قال أخبرنا رضوان بن أحمد بن جالينوس الصيدلاني قال أخبرنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال فحدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه ورسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول لهما وأنتما تقولان مثل ما يقول فقالا نعم فقال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما رواه عن محمد بن عمرو الرازي عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق نحوه وهذه الرواية أتم وأبين
وكل من نقل الكلام بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الكفار ،وقيل هي منسوخة بآية السيف وأن من كان بهذه الصفة وجب حربه والبراءة منه وهذه طريقة المنافقين يظهرون الإيمان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولقومهم الكفر ، وقيل : ليست بمنسوخة عن أبي علي
( سُوْرَةُ الْمَائِدَة ) مدنيَّةٌ إجماعاً
اختلف العلماء هل وقع في المائدة نسخ أم لا ؟ فقال بعضهم : لا نسخ فيها(1) وقال بعضهم : نسخ فبها قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من الله ورضوانا .. الآية } (2) فنسخ قوله : { ولا آمين البيت الحرام } بقوله تعالى في المشركين: { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله } (3)وبقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } (4) وقيل : الآية محكمة والمراد بها المؤمنون والأول الوجه
قوله تعالى : { والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم
إذا آتيتموهن أجورهن } (5)
اختلف أهل العلم في هذه الآية
فمنهم من قال : هي ناسخة لقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات } (6) وأباح نكاح أهل الذمة بهذه الآية ،
__________
(1) ـ وزعم بعضهم أنه ليس فيها منسوخ وأن جميع ما فيها ناسخ وقيل آخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : المائدة آخر سورة نزلت في القرآن فأحلوا حلالها وحرموا حرامها
(2) ـالمائدة 5
(3) ـ التوبة 28
(4) ـ التوبة 5 فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(5)
(5) ـ المائدة 5
(6) ـ البقرة 221
ومنهم من قال : ليست بناسخة والآية الأولى عامة في كل مشرك من أهل الكتاب وغيرهم وهو اختيار الهادي عليه السلام (1)
ومنهم من قال : المراد بالمشركات : أهل الأوثان ولا نسخ في الآية .
قوله تعالى : { فاعف عنهم واصفح } (2)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : منسوخة بقوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } (3) عن أبي علي ، وقيل : الآية محكمة وليس فيها نسخ والمراد بالعفو(4) : الصبر على أذاهم وترك التعرض لهم .
قوله تعالى: { فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم } (5)
قيل : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } (6) فأوجب الله على رسوله الحكم بينهم ولم يبح أن يردهم إلى أحكامهم هذا مذهب أئمتنا عليهم السلام (7)
قوله تعالى : { ما على الرسول إلا البلاغ } (8)
__________
(1) ـ ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى : لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ(22) وهل يعقل أن يتزوج المرء بامرأة كافرة يهودية أو نصرانية ويعيش معها وهو يكرهها وإن لم يكرهها فليس بمؤمن
(2) ـ المائدة 13
(3) ـ الأنفال 58
(4) ـ في النسخة الأخرى والمراد بالصفح
(5) ـ 42 المائدة
(6) ـ المائدة 49
(7) ـ وقال قوم إنها محكمة وأن الإمام بالخيار إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم
(8) ـ المائدة 99
قيل : نُسخت هذه الآية بآية السيف(1)
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } (2)
قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف عند العترة عليهم السلام وقيل : هي محكمة والمراد بقوله { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } يعني أهل الكتاب ، وقيل : معناه لا يضركم ضلال غيركم إذا كنتم مهتدين ،
روى السيد محمد بن إبراهيم بن إسماعيل عليهم السلام أن المسلمين بمكة لما ذاقوا حلاوة الإسلام قالوا : يا رسول الله ألا نأخذ المعاول فنضرب بها هام المشركين فأنزل الله تعالى رحمة لهم ليكثروا وأبقىعليهم ليستوسق أمرهم : { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } (3)ثم نسخ ذلك بالهجرة والجهاد قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر } (4)بقول : أنتم خير أمة ما أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فإن لم تفعلوا فأنتم شر أمة
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية
اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم } الآية
__________
(1) ـ لأنها تتضمن الاقتصار على التبليغ دون الأمر بالقتال
(2) ـ المائدة 105
(3) ـ المائدة 105
(4) ـ آل عمران 110
قيل : نزلت في ثلاثة نفر خرجوا إلى الحبشة وهم : [1] عدي بن زيد(1) [2] وتميم بن أوس وهما نصرانيان [3] وبديل مولى العاص السهمي وكان مسلما ولما ركبوا البحر مرض بديل وكتب صحيفة فيها جميع ما معه وطرحها في وعائه ودفع متاعه إلى صاحبيه ليدفعاه إلى أهله إذا رجعا إليهم ، ومات بديل في البحر فأخذا إناءً من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال ولم يعلما بشأن الصحيفة فلما انصرفا إلى المدينة ودفعا المتاع إلى أهله فرأوا (2)الصحيفة وفقدوا الإناء ثم طالبوهما به قالوا : ما لنا بالإناء من علم فرفعوهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله هذه الآية قال أبو علي : كانت شهادة أهل الكتاب جائزة في ابتداء الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } (3)وقال شريح والأوزاعي : شهادتهم في السفر على الوصية جائزة على المسلمين ، وقال عبد الله بن الحسين عليه السلام : والقول عندنا في الآية أنها محكمة وليست بمنسوخة وهي في أهل الإسلام خاصة دون أهل الذمة ومعنى الآية : اثنان ذوا عدل منكم يعني من القبيلة أو من غيرهم من المسلمين إذا لم يكن فيمن حضر من قبيلتكم عدلان يوثق بهما على أداء الشهادة في غيرهما من قبائل المسلمين .
قوله تعالى : { فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذاً لمن الظالمين } (4)
قال عبد الله بن الحسين رضي الله عنه : الآية عندنا محكمة وليست بمنسوخة وعلى الأمة العمل بها إلى يوم القيامة وهو رأي الهادي إلى الحق عليه السلام ومروي عن الحسن ، وقيل : إنها منسوخة في استحلاف الشهود وقبول شهادة الذمي وهو قول ابن عباس وإبراهيم وأبي علي وقاضي القضاة رحمهم الله تعالى .
(سُوْرَةُ اْلأنْعَامِ) (مَكِّيَةٌ )
__________
(1) ـ في كتب الحديث عدي بن بداء
(2) ـ في نسخة قرأوا
(3) ـ الطلاق 2
(4) ـ المائدة 107
قوله تعالى: { قُل لَسْتُ عليكم بوكيل }
قيل : منسوخة بآية السيف ، وقيل : غير منسوخة والمراد بقوله تعالى : { لست عليكم بوكيل } أي بحافظ على أعمالكم(1)وهو الوجه
قوله تعالى : { وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون }
قيل : الآية منسوخة بقوله تعالى: { فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره } (2)عن ابن جريج والسدي وأبي القاسم هبة الله المفسر ، وقيل : ليست بمنسوخة وهو الوجه
قوله تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهْواً } الآية (3)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف عن قتادة وأبي القاسم ، وقيل : ليس فيها نسخ وإنما هو تهديد عن مجاهد وغيره .
قوله تعالى : { فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ }
قيل: نسخت بآية السيف وقيل : ليست بمنسوخة ، والمراد تأكيد ما بينا(4)
قوله تعالى : { وأعرض عن المشركين } (5)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف عن ابن عباس ، وقيل : ليست منسوخة والمراد بالإعراض الهجران وترك الموعظة .
قوله تعالى : { وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل } (6)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف وقيل : ليست بمنسوخة والمراد وما أنت بحافظ لأعمالهم .
قوله تعالى : { فذرهم وما يفترون } (7)
قيل : منسوخة بآية السيف وقيل : هو تهديد والآية محكمة وهو الوجه
قوله تعالى : { يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل …الآية } (8)
قيل : الآية منسوخة بآية السيف وقيل : هو تهديد والآية محكمة .
قوله تعالى : { قل انتظروا إنا منتظرون } (9)
__________
(1) ـ وإنما أطالبكم بالظواهر من الإقرار والعمل لا بالأسرار فعلى هذا الآية محكمة تمت
(2) ـالنساء 140
(3) ـ الأنعام 70
(4) ـ أي لست رقيبا عليكم أحصي أعمالكم فهي على هذا محكمة . تمت
(5) ـ 106 الأنعام
(6) ـ 107 الأنعام
(7) ـ 112 ،137 الأنعام
(8) ـ135 الأنعام
(9) ـ158 الأنعام
قيل : نسخت بآية السيف وقيل : هي تهديد فتكون محكمة .
قوله تعالى : { إنَّ الَّذين فرَّ قوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله } (1)
قيل : منسوخة بآية السيف وقيل : ليس لك من أمرهم شيء وإنما أمرهم في الجزاء إلى الله تعالى فعلى هذا تكون الآية محكمة .
[ حصر الآيات التي نسختها آية السيف ]
وقد نسخت آية السيف ( مائة وأربعا وعشرين آية ) (2)والأقرب أن الآية غير منسوخة
(سورة الأعراف )
مكية عن الأصم وذكر فيها إجماعا وقيل : مكية إلا قوله تعالى { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية .. } إلى قوله : { بعذاب بيس بما كانوا يفسقون } (3)فإنها نزلت بالمدينة عن قتادة .
قوله تعالى : { خذ العفو وامر بالعرف } (4)
قيل : العفو هاهنا ما فضل عن المال ومنه قوله تعالى : { يسألونك ما ذا ينفقون قل العفو } (5)ثم نسخ ذلك بآية الزكاة ذكره الإمام المنصور بالله عليه السلام وروي عن ابن عباس والسدي والضحاك والأصم.
قوله تعالى : { وأعرض عن الجاهلين } (6)
__________
(1) ـ 159 الأنعام
(2) ـ وقيل نسخت (خمسمائة آية)
(3) ـ 161 الأعراف وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(161)
(4) ـ 199 الأعراف قيل : لما نزل قوله تعالى : { خذ العفو وامر بالعرف } سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبريل عليه السلام عن معنى الآية فقال عليه السلام لا أدري حتى أسأل ثم رجع فقال يا محمد إن ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفوا عمن ظلمك ، وعن جعفر الصادق عليه السلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها تمت الكشاف
(5) ـ 215 البقرة
(6) ـ 199 الأعراف
منسوخة بآية السيف وهذه الآية من عجيب القرآن لأن أولها منسوخ وآخرها منسوخ وأوسطها محكم (1)وهذه الآية جمعت محاسن الأخلاق والآداب
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ( يا جبريل وما ذاك ؟ قال : أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك (2)
(سُوْرَة الأنْفَال ) مدنية بالإجماع
قوله تعالى : { يسألونك عن الأنفال } (3)
قيل : الأنفال الغنائم وإضافتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إضافة ولاية وقيل إضافة ملك وهو الذي رجحه الإمام المنصور بالله عليه السلام ، وقيل : الآية منسوخة بآية الغنيمة وهي قوله تعالى : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } ( (4) عن ابن عباس والسدي ومجاهد وعكرمة وعامر وأبي علي وأبي القاسم هبة الله المفسر ، وقيل ليس فيها نسخ (5)
قوله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } (6)
قيل : نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ولما خرج من بينهم وبقي معهم مؤمنون ثم خرج أولئك المؤمنون نزل قوله تعالى وما لهم ألا يعذبهم الله الآية فذكر أبو القاسم المفسر أنها منسوخة بها وروي ذلك عن الحسن وعكرمة قال الحاكم الإمام أبو سعيد رحمه الله : وليس بصحيح .
__________
(1) ـ وهو قوله تعالى وأمر بالعرف ، والعرف : المعروف فهذا محكم .
(2) ـ صدره إن جبريل أتاه فقال يا محمد إني قد جئتك بمكارم الأخلاق من ربك فقال : إلخ.. تمت أُخرج الحديث في الكتب التالية : صحيح البخاري وسنن أبي داود والمستدرك على الصحيحين والسنن الكبرى وسنن البيهقي والمعجم الأوسط ومكارم الأخلاق والأدب الفرد
(3) ـ 1 الأنفال
(4) ـ 41 الأنفال
(5) ـ قيل : بل الآية الأولى منسوخة لبيان من له الولاية والثانية لبيان المصرف أو أن المراد بالأنفال : مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب والغنايم بخلافها
(6) ـ 33 الأنفال
قوله تعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } (1)
قيل نزلت في يهود بني قريضة عن ابن عباس (2) وقيل : كان ذلك قبل نزول براءة ثم نسخ والأكثر على أنها غير منسوخة والموادعة جائزة عند ظهور الصلاح فيها .
قوله تعالى : { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } (3)
هذه منسوخة بالآية التي بعدها { الآن خفف الله عنكم } وكان في ابتداء الإسلام كل واحد من المسلمين لعشرة من الكفار لأمور :
[1] ـ منها النصرة
[2] ومنها الصبر
[3] ومنها القوة
[4] ومنها صدق النية
ثم بعد ذلك بزمان طويل نسخ لنقصان القوة وضعف النية , وبين نزول الآيتين مدة طويلة والمعتبر في الناسخ والمنسوخ بالنزول دون التلاوة .
قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولا يتهم من شيء حتى يهاجروا } (4)
__________
(1) ـ 61 الأنفال
(2) ـ وقيل : نزلت بالحيبية لما صد المشركون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن البيت
(3) ـ56 الأنفال
(4) ـ72 الأنفال قال الشوكاني في تفسيره : الجزء :2الصفحة :478
"إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير"
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم، لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله، وإجابة لداعيه "والذين آووا ونصروا" هم الأنصار والإشارة بقوله: "أولئك" إشارة إلى الموصول الأول والآخر، وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده، ويجوز أن يكون "بعضهم" بدلاً من اسم الإشارة، والخبر "أولياء بعض" أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة، وقيل المعنى: إن بعضهم أولياء بعض في الميراث. وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ". قوله: "والذين آمنوا" مبتدأ، وخبره "ما لكم من ولايتهم من شيء". قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة "من ولايتهم" بكسر الواو. وقرأ الباقون بفتحها: أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم، أو من ميراثهم، ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم "حتى يهاجروا" فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة "وإن استنصروكم" أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين "فعليكم النصر" أي فواجب عليكم النصر "إلا" أن يستنصروكم "على قوم بينكم وبينهم ميثاق" فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته. قال الزجاج: ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء.
قال عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام : أجمع الناس على أنه إذا كان الأخوان أحدهما مؤمن مهاجر والآخر مؤمن أعرابي أن لا توارث بينهما بهذه الآية حتى أباحه الله سبحانه بقوله { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (1) وهذه الآية نسخت ما كان عليه الناس في الجاهلية (2) من المعاقدة عند الحلف ترثني وأرثك ، والتبني وذلك أن الرجل كان يتبنا الرجل فيدعى ابنه وينسب إليه ويرثه كما كان تبني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة فنسخ ذلك بقوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } ونسخ النسب بقوله تعالى : { أُدعوهم لآبائهم } (3)
[ الهجرة ]
فأما وجوب الهجرة فهي واجبة لم تسقط من دار الكفر ودار الفسق على من تمكن منها هذا مذهب القاسم عليه السلام وجميع ولده
ومذهب الناصر وعند المؤيد بالله عليه السلام إذا كان المؤمن يتمكن من إظهار دينه لا يمنعه مانع فلا تجب عليه الهجرة وعليه أكثر فقهاء العامة ومشائخ المعتزلة قال الإمام المنصور بالله عليه السلام : وقد تسقط الهجرة إذا كان المكلف عالما أن لكلامه تأثيرا يمكنه أن يستنقذهم من الضلال إلى الهدى أو يكون في زمن إمام فيأمره بالوقوف هناك لضرب من المصلحة ، قال وقد يسقط وجوب الهجرة إذا استوت الديار حتى لا يتمكن من الانتقال إلا إلى ما هو من جنس وطنه فهنالك يسكن أينما غلب في ظنه أن دينه أوفر ، فأما غير ذلك
__________
(1) ـ 76 الأنفال
(2) ـ صوابه في بدء الإسلام لأن الأحكام الجاهلية ليست حكما شرعيا حتى يسمى رفعها نسخا لأن النسخ : رفع الأحكام الشرعية
(3) ـ 5 الأحزاب
فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل ) (1)وقال [ صلى الله عليه وآله وسلم ] : ( أنا بريء من مسلم سكن مع كافر ) (2)
__________
(1) ـ أخرجه الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام ج2 ص 540
(2) ـ أخرج نحوه أبو طالب (عليهِ السَّلامُ) يقول (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ )ما من رجل يجاور قوما فيعمل بين ظهرانيهم بالمعاصي فلا يأخذوا على يده إلا أوشك أن يعمهم الله بعقاب وأخرج الترمذي في سننه برقم 1530 حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى خَثْعَمٍ فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ فَأَسْرَعَ فِيهِمُ الْقَتْلَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ وَهَذَا أَصَحُّ وَفِي الْبَاب عَنْ سَمُرَةَ قَالَ أَبمو عِيسَى وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ جَرِيرٍ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ قَالَ و سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ الصَّحِيحُ حَدِيثُ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم مُرْسَلٌ وَرَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم قَالَ لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ * وأخرج النسائي في سننه برقم : 4698 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ فَاسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقُتِلُوا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم بِنِصْفِ الْعَقْلِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم أَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا *
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( المسلم والكافر لا تترآ نارهما ) (1)
وقد كان في الدولة الأموية والعباسية ملكت بلاد الإسلام ومن بقي من العترة تضرب إليهم الأعيان ومنهم من هرب إلى بلاد الشرك فردوه ففي مثل ذلك تسقط الهجرة .
(سُورَةُ التَّوْبَة ) مدنية بالإجماع
قوله تعالى : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } (2)
قال عبد الله بن الحسين عليه السلام : لم تدع براءة هدنة ولا موادعة ولا عهدا إلا نسخته ولم تدع حضا على الجهاد ولا ترغيبا إلا ذكرته ولها أسماء كثيرة منها الفاضحة ولقد بلغني من حيث أثق أن ابن عباس قال : مازالت براءة تَنْزِل ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم ، ومنهم حتى ظننا أنها لا تترك منا أحدا ، وجعل الله الأجل بينه وبين المشركين أربعة أشهر أولها يوم عرفة إلى عشر من ربيع الآخر
__________
(1) ـ أخرج النسائي في سننه في القسامة أن رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) قضى بنصف العقل وقال : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ثم قال رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) : ألا لا تراءى ناراهما وأ خرج حيث النسائي هذا الترمذي في السيرة وأبوداود في الجهاد
(2) ـ 1 التوبة
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها أبا بكر ثم أتبعه عليا عليه السلام فأخذها منه وقال : ( لا يؤديها إلا أنا أو رجل مني ) (1)فأمر عليه السلام في الحج مؤذنين يوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة
[ صيغة أذان البراءة في الحج الأكبر ]
ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد فأجله أربعة أشهر فإذا مضت فإن الله بريء من المشركين ورسوله .
[ آيَةُ السَّيف ]
قوله تعالى : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } (2)
قيل : هذه الآية نسخت من القرآن الكريم مائةً وأربعا وعشرين آيةً فلم تدع في القرآن شيئا من ذكر الإعراض والصفح إلا نسخته ، وقيل : هي منسوخة بقوله تعالى: { فإما منا بعد وإما فداء } (3)عن الضحاك والصحيح أنها ناسخة وليست بمنسوخة بإجماع العلماء من العترة [ عليهم السلام ]
قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } (4)
__________
(1) ـ أخرج أحمد في مسنده ج3 ص 283 عن أنس بن مالك قال : إن رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) بعث ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة قال ثم دعاه فبعث بها عليا قال : لا يبلغها إلا رجل من أهلي ، وأخرج أحمد بن شعيب في سننه الكبرى ج5 ص 129 عن عبد الله بن أرقم عن سعد قال بعث رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) أبابكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا فأخذها منه ثم سار بها فوجد أبو بكر في نفسه فقال : قال رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني ، وأخرج أحمد في مسنده ج4 ص 165 والترمذي في سننه ج5 ص636 وابن ماجة في سننه ج1 ص44 : علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أوعلي
(2) ـ 5 التوبة
(3) ـ 4 محمد
(4) ـ 34 التوبة
الآ ية والتي تليها (1)
قيل : نسختا بآية الزكاة
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما أُدِّيَتْ زكاتُه فليس بكَنْزٍ ) (2)
__________
(1) ـ وهي : "يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"35 "
(2) ـ في صحيح البخاري : بَاب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى اللهم عليه [وآله ] وسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ * وفي سنن أبي داود 1337 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا عَتَّابٌ يَعْنِي ابْنَ بَشِيرٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ * وأخرجه الإمام أبوطالب بطريق أبي داود ص 199
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ( نسخت الزكاة كل صدقة ونسخ الأضحى كل ذبح ونسخ رمضان كل صوم فكل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا وكل ما غُلَّت زكاته فهو كَنْز )(1)
قال :شيخنا الحاكم وهو إجماع
قوله تعالى : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم } (2)
__________
(1) ـ سنن البيهقي الكبرى \ 261/9 \ 18798أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن محمود الأصبهاني قدم علينا أنبأ أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد أنبأ محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ثنا علي بن سعيد يعني بن مسروق الكندي ثنا المسيب بن شريك عن عبيد المكتب ح وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر بن الحارث الأصبهاني قالا أنبأ علي بن عمر الحافظ ثنا محمد بن يوسف بن سليمان الخلال ثنا الهيثم بن سهل ثنا المسيب بن شريك ثنا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق عن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ الأضحى كل ذبح وصوم رمضان كل صوم والغسل من الجنابة كل غسل والزكاة كل صدقة قال علي خالفه المسيب بن واضح عن المسيب بن شريك وكلاهما ضعيف والمسيب بن شريك متروك
سنن البيهقي الكبرى \ 262/9 \ 18799أخبرنا أبو سعد الماليني أنبأ أبو أحمد بن عدي الحافظ أنبأ الحسن بن سفيان ثنا المسيب بن واضح ثنا المسيب بن شريك عن عتبة بن اليقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ غسل الجنابة كل غسل ونسخ صوم رمضان كل صوم ونسخ الأضحى كل ذبح
سنن الدارقطني \ 278/4 \ 37حدثنا أبي رحمه الله نا محمد بن حرب نا أبو كامل نا الحارث بن نبهان نا عتبة بن يقظان عن الشعبي عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محى ذبح الأضاحي كل ذبح كان قبله وذكر صوم رمضان والزكاة والغسل من الجنابة بمثل ذلك
(2) ـ 41 التوبة
قيل :الآية فيها نسخ قال عبد الله بن الحسين عليه السلام : هذا قول مدخول فاسد وهي ناسخة غير منسوخة (1)
__________
(1) - وقال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية الجزء :2الصفحة :527"انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون"
ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال: 41- "انفروا خفافاً وثقالاً" أي حال كونكم خفافاً وثقالاً، قيل المراد منفردين أو مجتمعين، وقيل نشاطاً وغير نشاط، وقيل فقراء وأغنياء، وقيل شباباً وشيوخاً، وقيل رجالاً وفرساناً، وقيل من لا عيال له ومن له عيال، وقيل من يسبق إلا الحرب كالطلائع، ومن يتأخر كالجيش، وقيل غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، لأن معنى الآية: انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى"، وقيل الناسخ لها قوله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" الآية، وقيل هي محكمة وليست بمنسوخة، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله: "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج" وإخراج الضعيف والمريض بقوله: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى" من باب التخصيص، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله: "خفافاً وثقالاً" والظاهر عدم دخولهم تحت العموم. قوله: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم. والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو وبدفعه، فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى ما تقدم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد "خير لكم" أي خير عظيم في نفسه، وخير من السكون والدعة "إن كنتم تعلمون" ذلك وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة.
والجهاد فرض واجب على الخفيف والثقيل ولما نزلت آية الجهاد قال الناس : إن فينا الضعيف والمحتاج والمشغول فأكد الله تعالى الفرض بقوله تعالى: { انفروا خفافا وثقالا }
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يرده جور جائر ولا عدل عادل ) (1)
قوله تعالى : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين } الآية
هذه الآية منسوخة بقوله { فانفروا ثبات أو انفروا جميعا } (2)ذكر ذلك عبد الله ابن الحسين عليه السلام(3) قال : والجهاد واجب إلا على من لم يقدر عليه لعلة مانعة والأقرب أنه إجماع أهل البيت عليهم السلام .
قوله تعالى : { لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا } (4)
قال عبد الله بن الحسين رضي الله عنه : لما نزلت هذه الآية ضاق الأمر على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنسخها الله تعالى بقوله : { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله } (5) فجاءت الرحمة بعد التغليظ وجعل الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالخيار فيهم قال الإمام المنصور بالله عليه السلام : فصار للإمام أن يأذن وذلك لا يسقط الفرض عن طالب الإذن إلا لعذر يعذره الله به .
قوله تعالى : { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار }
__________
(1) ـ أخرج أبوداود في سننه بإسناده إلى أنس بن مالك قال قال رسول الله (صلَى الله عليهِ وآلِه وسَلَّمَ ) ثلا ث من أصل الإيمان الكف عمن قال لاإله إلا الله ولا نكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والأيمان بالقدر وأُخرج نحو هذا باختلاف بسيط في سنن البيهقي
(2) ـ 71 النساء
(3) ـ وذلك أن الآية الأولى حرمت أن ينفروا الجميع والثانية خيرت بين أن ينفر البعض أو الكل
(4) ـ 44 التوبة
(5) ـ 62 النور
قال الحسن والأصم: نزلت الآية قبل أن يؤمر بقتال المشركين كافة وهي منسوخة بقوله تعالى : { و قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } (1) قال شيخنا أبو علي هذا لا وجه له لأن تلك الآية بيان لوجوب القتال وهذه الآية بيان لكيفية القتال ولا تنافي بينهما فلا نسخ .
(سورة يونس) عليه السلام مكية بالإجماع
قوله تعالى : { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } (2)
ذكر بعضهم أنها منسوخة بقوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } (3) والله اعلم
قوله تعالى: { وان كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم } (4)
الآية كلها نسخت بآية السيف عن مجاهد والكلبي
__________
(1) ـ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(36)36 التوبة وفي الأصل بدون واو هكذا قاتلوا وأثبتها هنا بواو على الصحيح
(2) ـ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)15 يونس
(3) ـ 1 الفتح
(4) ـ وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ(41)41 يونس
قوله تعالى: { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } (1)
وقوله تعالى : { فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل } (2)
وقوله تعالى : { واصبر حتى يحكم الله } (3)
ذكر أبو القسم هبة الله المفسر أن هذه الآيات نسخت بآية السيف ولم يذكر ذلك شيخنا الحاكم
(سورة هود )عليه السلام نزل أكثرها بمكة
قوله تعالى { وقل للذين لا يؤمنون اعملوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إنَّا عاملون } (4)
قيل نسخت بآية السيف ولم يذكر ذلك شيخنا الحاكم رحمه الله تعالى (5)
(سورة يوسف )
عليه السلام مكية
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ والله أعلم
(سورة الرعد ) مدنيه وقيل مكية
قوله تعالى : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } (6)
قيل نسخت بآية السيف ولم يذكر ذلك شيخنا الحاكم رحمه الله تعالى
(سورة إبراهيم )
عليه السلام مكية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ والله أعلم
( سورة الحجر )مكية
__________
(1) ـ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(99)99 يونس
(2) ـ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ(108)41 الزمر
(3) ـ 109وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(109) يونس
(4) ـ 121وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ(121) هود
(5) ـ وقال المحققون : هذا تهديد ووعيد معناه : فستعلمون عاقبة أمركم وهذا لا ينافي قتالهم فلا وجه للنسخ
(6) ـ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ(40)40 الرعد
قوله تعالى : { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل } (1)
قيل نسخت بآية القتال وقيل : هي تهديد وليس فيها نسخ
قوله تعالى : { فاصفح الصفح الجميل } (2)
قيل الآية منسوخة عن ابن عباس وقتاده ومجاهد والضحاك وقيل الآية ليست بمنسوخة والأمر بالصفح في موضعه وهو ممدوح في ساير الحالات وذلك لا ينسخ وقد يلزمنا الصفح مع التشديد في الجهاد
قوله تعالى : { واعرض عن المشركين } (3)
قيل أعرض عن قتالهم ثم نسخ بآية السيف عن ابن عباس والضحاك وقيل اعرض عن مجا وبتهم إذا آذوك عن أبي علي ولا نسخ فيه
( سورة النحل ) نزل بعضها بمكة وبعضها بالمدينة
وإذا لم يكن هناك نسخ لم يتشددوا في نقلها أمكية أم مدنيه ؟
قوله تعالى : { تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } (4)
قيل نسخت بالآية التي في سورة المائدة وهي قوله : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } (5)خلافا لبعضهم
قوله تعالى : { وجادلهم بالتي هي أحسن } (6)
__________
(1) ـ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(3) 3 الحجر
(2) ـ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ(85)85 الحجر
(3) ـ 94فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ(94) الحجر
(4) ـوَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(67) 67 النحل
(5) ـ 90 المائدة
(6) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(125)ـ 125 النحل
قيل الآية منسوخة بآية القتال وقيل غير منسوخة والمراد بالجدال الحسن الرفق واللطف وإقامة الحجة الواضحة
(سورة بني إسرائيل ) مكية
قوله تعالى : { وما أرسلناك عليهم وكيلا } (1)
قيل وكيلا تمنعهم من الكفر قهرا وقيل حفيظا وقيل هي منسوخة بآية القتال وكذلك ما جانس هذه الآية في جميع القرآن
( سورة الكهف ) مكية
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة مريم ) عليها السلام مكية
قوله تعالى : { فلا تعجل عليهم } (2)
قيل نسخت بآية السيف وقيل ليس فيها نسخ والمراد لا تعجل بالدعاء عليهم فتهلكهم وهو الوجه
( سورة طه ) مكية
قوله تعالى : { فاصبر علي ما يقولون } (3)
قيل نسخت بآية القتال وقيل لا نسخ فيها والمراد بالصبر الصبر على الأذى
(سورة الأنبياء ) عليهم السلام مكية
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة الحج )
وهي من أعاجيب سور القرآن لان فيها ليليا ونهاريا ومكيا ومدنيا وسفريا وحضريا وحربيا وسلميا وناسخا ومنسوخا ومحكما ومتشابها وقال القاضي المنقول أنها مدنيه
قوله تعالى : { وجاهدوا في الله حق جهاده } (4)
__________
(1) ـ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا(54) 54 الإسراء
(2) ـ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا(84) مريم
(3) ـ130 طه
(4) ـ 78 الحج
قيل نسخت بقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } (1)والله اعلم (2) والآية التي قبلها { فإن جادلوك فقل الله اعلم بما تعلمون } (3)قيل نسختها آية السيف (4) والله اعلم
(سورة المؤمنون )(5)
__________
(1) ـ 16 التغابن
(2) ـ وقيل : هي محكمة والمراد منها بذل الإمكان كما في قوله تعالى : { اتقوا الله حق تقاته }
(3) ـ 68 الحج
(4) ـ هذا على القول بأن المعني بالآية المشركون وأما على القول [ان المعني بها المنافقون لأنها كانت تظهر عنهم فلتات ويجادلون عنها فأمر أن يكل أمرهم إلى الله تعالى فالآية محكمة
(5) ـ في النسخ الخطية التي بأيدينا المؤمنين لهلها على الإضافة وقد أثنت ما في المصاحف
قال البغوي قي تفسيره الجزء :1الصفحة :407"قد أفلح المؤمنون"مكية، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن حماد ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا يونس بن سليمان ، أملى علي يونس صاحب أيلة، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: " كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة- وفي رواية: فنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة- فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا، ثم قال: لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، ثم قرأ " قد أفلح المؤمنون " إلى عشر آيات". ورواه أحمد بن حنبل ، و علي بن المديني ، وجماعة عن عبد الرزاق ، وقالوا: ((وأعطنا ولا تحرمنا وأرضنا وارض عنا)).
1. قوله تعالى: " قد أفلح المؤمنون "، ((قد)) حرف تأكيد، وقال المحققون: ((قد)) تقرب الماضي من الحال، يدل على أن الفلاح قد حصل لهم، وأنهم عليه في الحال، وهو أبلغ من تجريد ذكر الفعل، ((والفلاح)): النجاة والبقاء، قال ابن عباس: قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة.
نزلت بمكة
قوله تعالى : { فذرهم في غمرتهم حتى حين } (1)
قيل ذرهم إلى وقت الآجل وفي الآية تهديد وقيل نسخت بآية السيف
قوله تعالى : { ادفع بالتي هي أحسن } (2)
قيل نسختها آية السيف وقيل معناها أخر القتال حتى تبدأ بالموعظة وعلى الوجهين فالنسخ قريب
( سورة النور ) نزلت بالمدينة
قوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك
وحرم ذلك على المؤمنين }
قيل المراد بالنكاح هاهنا الوط ء (3) والمعنى الاشتراك في فعل الزنا عن ابن عباس وسعيد ابن جبير وحرم ذلك يعني الوطء على المؤمنين واعلم أن النكاح يشتمل على العقد والوطء فقصره على الوطء لا معنى له فذهب الأكثر أن المراد بالنكاح تحريم العقد فضلا عن الوطء فأما الوطء فلا خلاف ثم أختلف القائلون بهذه المقالة فذهب أكثرهم إلى أنها منسوخة لا يعمل بها نسخت بقوله تعالى : { وأنكحوا الأياما منكم } (4)واعتلوا بحديث ضعيف في تحريم نكاح الزانية والزاني فزعموا أن رجالا كانوا يزنون في الجاهلية بنساء كن عواهر فلما أن حرم الله الزنا أرادوا أن يتزوجوهن فحرم الله ذلك عليهم خاصة بقوله : { الزاني لا ينكح إلا زانية } الآية قال السيد الإمام العالم عبد الله بن الحسين بن القاسم عليهم السلام هذا حديث ضعيف لم يأت إلا من طريق واحدة ومن أهل هذا القول من قال أن التحريم كان عاما ثم نسخته الرخصة
__________
(1) ـ 54 المؤمنون
(2) ـ 96 المؤمنون
(3) ـ فعلى هذا تكون محكمة لا منسوخة
(4) ـ 32 النور قا ل في الكشاف : وقيل الإجماع أي الناسخ الإجماع
ورووا في ذلك حديثا ضعيفا كذبا لا يلتفت إليه زعموا أن رجلا قال للنبي أن امرأ ته لا ترد يد لامس فأمره عليه السلام أن يستمتع بها وهذا باطل كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعباء به غير أني أحببت ذكره كي لا يحتج به محتج فيظن أنه خبر صحيح (1)
__________
(1) ـ في سنن أبي داود برقم \ 220/2 \ 2049 قال أبو داود كتب إلي حسين بن حريث المروزي ثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها
المجتبى من السنن \ 169/6 \ 3464أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى قال حدثنا الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن بن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس فقال غربها إن شئت قال إني أخاف أن تتبعها نفسي قال استمتع بها
السنن الكبرى \ 270/3 \ 5340 أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية قال حدثنا يزيد يعني بن هارون قال حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن بن عباس عبد الكريم يرفعه إلى بن عباس وهارون لم يرفعه قالا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس قال طلقها قال لا أصبر عنها قال استمتع بها قال أبو عبد الرحمن هذا الحديث ليس بثابت وعبد الكريم ليس بالقوي وهارون بن رئاب أثبت منه وقد أرسل الحديث وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم إه وكل هذه الأحاديث يرويها عكرمة وعكرمة ضعيف يقول أهل الجرح والتعديل فيه
ضعفاء العقيلي \ 373/3 \ 1413 عكرمة مولى بن عباس وكنيته أبو مجلد حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب أكان عكرمة يتهم فسكت ساعة ثم قال أما أنا فلم أكن أتهمه حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا علي بن سهل قال حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب فذكرا عكرمة فقال يحيى بن سعيد كان كذابا وقال أيوب لم يكن بكذاب حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن أيوب قالا حدثنا يحيى بن المغيرة قال حدثنا جرير عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن الحارث قال دخلت على علي بن عبد الله بن عباس فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحسن فقلت له ألا تتقي الله قال فإن هذا الخبيث يكذب على أبي حدثنا روح بن الفرح أبو الزنباع قال حدثنا عمرو بن خلف قال حدثنا بن لهيعة عن هشام بن سعد عن عطاء الخراساني أنه قال لسعيد بن المسيب إن عكرمة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم فقال كذب مخبثان حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم قال حدثنا أبو عبيدة أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن سعيد أبو السفر قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سألت سعيد بن المسيب عن تفسير آية من كتاب الله فقال ما أنا بجريء عليه ولكن دونك من يزعم أنه لا يخفى عليه منه حرف يعرض بعكرمة حدثنا إبراهيم بن يوسف قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا الخصيب بن ناصح قال حدثنا خالد بن خداش قال شهدت حماد بن زيد في آخر يوم مات فيه فقال أحدثكم بحديث لم أحدث به قط وقال ما أحدثكم به إلا أكره أن ألقى الله ولم أحدث به سمعت أيوب يحدث عن عكرمة قال إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به وممن مدح عكرمة رضي الله تعالى عنه وأثنى عليه حدثنا عبد الله بن أحمد النيسابوري سنبر قال حدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا إسماعيل عن أيوب عن عمرو بن دينار قال رفع إلي جابر بن زيد مسائل سئل عنها عكرمة فجعل جابر بن يزيد يقول هذا مولى بن عباس هذا البحر فاسألوه حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن أعين قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل ح وحدثنا محمد بن عيسى قال إبراهيم بن سعد قالا حدثنا سفيان عن عمرو قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل فقال سل عنها عكرمة فجعلت كأني أتبطأ فانتزعها من يدي فقال هذا عكرمة مولى بن عباس هذا أعلم الناس حدثنا جعفر بن أحمد بن نعيم قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا ضماد بن عامر بن محمد القسملي قال حدثنا الفرزدق بن حواس الحماني قال كنا مع شهر بن حوشب بجرجان فقدم علينا عكرمة فقلت لشهر ألا تأتيه فقال ائتوه فإن لم يكن أمة إلا كان بها حبرا وإن مولى بن عباس حبر هذه الأمة حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا أبو معمر القطيعي قال حدثنا بن فضيل عن عثمان بن حكيم قال رأيت عكرمة جاء إلى أبي أمامة بن سهل بن حنيف فقال أنشدك بالله أما سمعت بن عباس يقول ما حدثكم عكرمة عني فهو حق فقال أبو أمامة بلى حدثنا محمد بن موسى قال حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق وحدثنا يحيى بن عثمان قال حدثنا نعيم قال حدثنا جرير عن مغيرة قال قيل لسعيد بن جبير هل تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة حدثنا بشر بن موسى قال حدثني الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت أيوب يقول لو قلت لك إن الحسن ترك كثيرا من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب أكان عكرمة يتهم قال أما أنا فلم أكن أتهمه حدثنا داود بن محمد قال حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة قال حدثني حرمي بن عمارة قال حدثنا عبد الرحمن بن حسان قال سمعت عكرمة يقول طلبت العلم أربعين سنة فكنت أفتي بالباب وابن عباس بالدار حدثنا محمد بن زريق المديني قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي قال سمعت بن أبي ذئب يقول كان عكرمة مولى بن عباس ثقة حدثنا على بن عبد العزيز قال حدثنا معلى بن أسد العمي قال حدثنا حاتم بن وردان قال حدثنا أيوب قال اجتمع حفاظ بن عباس على عكرمة فيهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح فجعلوا يسألونه عن حديث بن عباس فكلما حدثهم بحديث عقد سعيد بن جبير ثلاثين حتى سألوه عن الحوت فقال كان يسايرهم في ضحضاح قال سعيد أشهد على بن عباس أنه قال كان يحمله في مكتل قال أظن عطاء قال أراه كان يقول القولين جميعا حدثنا أحمد بن علي الأبار قال حدثنا الحسن بن علي حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني قال حدثنا عبد الصمد بن مغفل إن عكرمة قدم على طاوس اليمن فحمله على نجيب وأعطاه ثمانين دينارا فقيل لطاوس في ذلك فقال بل لا أشتري له علم عبد الله بن عباس لعبد الله بن طاوس بثمانين دينارا
والأولى أن الآية محكمة ثابتة محرمة و المراد بها أنه لا يحل لمؤمن أن ينكح زانية مقيمة على زناها ولا يحل لمؤمنة ان تنكح زانيا مقيما على زناه
ولقد بلغني من حيث أحب وأثق به عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن قوما اختصموا إليه في رجل تزوج امرأة فزنت قبل أن يدخل بها أنه فرق بينهما ولم يعطها صداقا ومما يقوي ذلك وقوع الفرقة بين المتلاعنين بالحكم لأجل التهم فاليقين أولى بذلك
وقد روى مرثد الغنوي قال قلت : يا رسول الله أنكح عناقا وكانت من بغى مكة فسكت عني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلت الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية } فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها (1)
وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ) (2)
فأما بعد التوبة فلا إشكال في جوازه وهذا هو الذي رجحه الإمام المنصور بالله عليه السلام وهو الظاهر من مذهب الهادي عليه السلام وكلام أبي العباس الحسني يقتضي موافقة أهل القول بالنسخ وعلى مثل ذلك يجري الخلاف في قوله تعالى : { الخبيثات للخبيثين } (3) وقد مضى التفصيل فلا وجه للتطويل
قوله تعالى : { يا أيها الذين أمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا و تسلموا على أهلها } (4)
هذا في النظم مقدم ومؤخر تقديره حتى تسلموا وتستأنسوا والإستينا س هاهنا الإذن بعد السلام قال أبو بكر: أرأيت الخانات والمساكن في الطرق ليس فيها ساكن فنزل قوله تعالى : { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم } (5)فكانت هذه ناسخة للآية الأولى في هذا القدر
__________
(1) ـ أخرجه أبو داود في سننه في الجهاد برقم 2140 والنسائي في سننه في النكاح برقم 3176 والترمذي في سننه في التفسير برقم 3101
(2) ـ أخرجه أبوداود في سننه في النكاح برقم 1756 وأحمد في مسنده في باقي مسند المكثرين برقم 7949
(3) ـ 26 النور
(4) ـ 27 النور
(5) ـ 29 النور
قوله تعالى : { ليستأذنكم الذين ملكت أيمناكم } (1)
قيل الاستئذان منسوخ وقيل هو ثابت عن الشعبي
( سورة الفرقان) قيل مكية وقيل مدنية غير آيتين
قوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إله أخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } (2)
إلى قوله تعالى : { إلا من تاب } روي عن جماعة من السلف كابن عباس وزيد بن ثابت(3) أن هذه الآية منسوخة في حق القاتل (4) وذكروا أن القاتل عمدا لا توبة له قالوا نسختها آية النساء { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } ألآية وقالوا آية الفرقان هذه مكية وآية النساء مدنية نزلت بعد سبعة اشهر أو ستة أشهر والعلماء اجمع على خلافه وقالوا المراد بآية النساء في من مات على غير توبة وقد انعقد الإجماع على صحة التوبة من كل ذنب سوى القتل العمد ففيه الخلاف والصحيح أن توبته مقبولة لان القتل لا يكون أعظم من الشرك والردة وقد قال سبحانه : { يا عبادي الذين أسرفوا لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا } (5) قال السيد العالم عبد الله بن الحسين بن القاسم عليه السلام ومن ذلك أن جماعة ممن كان اسلم ارتد ورجع إلى مكة منهم طعمه بن أبيرق والحار ث بن سويد ابن الصا مت ثم ندم الحارث وكتب إلى أخيه وكان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجلاس بن سويد أني قد ندمت وأني اشهد أن لآ إله إلا الله وان محمد ا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاسال رسول الله هل لي من توبة وإلا ذهبت في الأرض فنزل قوله تعالى : { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إ يما نهم } (6) الآية فكتب إليه أخوه لا توبة لك عند رسول الله فتب إلى الله يجعل لك مخرجا فانزل الله تعالى من بعد
__________
(1) ـ 58 النور
(2) ـ 68 الفرقان
(3) ـ وبذلك قال الناصر أبو الفتح الديلمي قال الإمام محمد وإجماع من تقدم من أهله يحجه
(4) ـ هكذا ظن في إحدى النسخ وفي أصل النسختين في حق التوبة
(5) ـ 53 الزمر
(6) ـ 86 آل عمران
ذلك { إلا الذين تابوا من بعد ذلك } (1) الآية وكتب إليه أخوه أن الله قد أنزل التوبة فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل منه فسمع ذلك أصحابه الذين كانوا ارتدوا معه فقالوا ما نحن إلا كالحارث نقيم بمكة ونتربص بمحمد ريب المنون فإن بدالنا رجعنا إليه وقبل منا كما قبل منه فأنزل الله تعالى { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا } (2) الآية فأقاموا على الكفر حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة فجاه من كان بقي منهم فأسلم فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه وكان قد مات بعضهم ففيهم نزل قوله تعالى : { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار } (3) الآية وقد أكد صلى الله عليه وآله وسلم تصحيح التوبة في خطبة الوداع حتى يغر غر بها العبد
ولقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إن الله تعالى فتح بابا للتوبة عرضه ما بين المشرق والمغرب لا يغلقه حتى تطلع الشمس من المغرب
( سورة الشعر ا ) مكية إلا آيتين في آخرها
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة النمل ) مكية
قوله تعالى : { و أن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ } (4)
قيل منسوخة بآية السيف والأولى أنه لا نسخ فيها إذ ليس بين الآيتن معارضة
( سورة القصص ) مكية
قيل قوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } (5)
منسوخة بآية السيف والأقرب أنها غير منسوخة لأنه لا تعارض بينهما
( سورة العنكبوت ) مكية
قوله تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا با لتي هي أحسن } (6)
__________
(1) ـ 5 النور
(2) ـ 90 آل عمران
(3) ـ61 البقرة
(4) ـ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ(92) النمل
(5) ـ 55 القصص
(6) ـ 46 العنكبوت
قيل نسخت بآية السيف عن قتادة ومقاتل (1)
(سورة الروم )
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة لقمان ) مكية إلا آية الصلاة
ليس فيها منسوخ إلا قوله تعالى : { ومن كفرا فلا يحزنك كفره } (2)
قيل نسخت بآية السيف ولم يذكره الحاكم رحمه الله
( سورة السجدة ) مكية
ليس فيها منسوخ إلا قوله تعالى : { فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون } (3) قيل نسخت بآية السيف ولم يذكره الحاكم رحمه الله
( سورة الأحزاب ) مدنيه
قيل نسخت آية القتال منها
قوله تعالى : { ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم } (4)
( سورة سبأ )
مكية
قوله تعالى : { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون } (5)
نسخت بآية السيف وقيل لا وجه للنسخ لأن الإنسان ن لا يسأل عن عمل غيره
( سورة الملائكة ) عليهم السلام مكية
وفيها من المنسوخ آية واحدة وهي:
قوله تعالى : { إن أنت إلا نذير } (6)
معناه ليس عليك غير ذلك قيل نسخت بآية السيف
( سورة يس ) مكية
لا منسوخ فيها
( سورة الصافات ) مكية
قوله تعالى : { فتول عنهم حتى حين } (7) وقوله { وتول عنهم حتى حين } (8)
قيل نسخ ذلك بآية السيف
( سورة ص ) مكية
ليس فيها ناسخ و لا منسوخ
( سورة الزمر ) مكية
قوله تعالى : { إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون } (9)
قيل نسخت بآية السيف ولم يذكره الحاكم رحمه الله
قوله تعالى: { إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } (10)
__________
(1) ـ وقيل : إنها ثابتة وأن من أدى الجزية منهم لم يقل له إلا الحسن
(2) ـ23 لقمان
(3) ـ 30 السجدة
(4) ـ 48 الأحزاب
(5) ـ 25 سباء
(6) ـ 23 فاطر
(7) ـ 174 الصافات
(8) ـ 178 الصافات
(9) ـ3 الزمر
(10) ـ 13 الزمر
قيل نسخت بقوله تعالى : { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } (1) وهذا فاسد لأن ذنوب الأنبياء تقع مكفرة (2)
قوله تعالى : { فاعبدوا ما شئتم من دونه } (3)
قيل نسخت بآية السيف وهذا ظاهر الفساد بل هو تهديد وكذلك قوله تعالى : { اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه } (4) قيل ذلك منسوخ وفيه بعد وكذلك قوله تعالى : { فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها } (5) قيل نسخت بآية السيف وكذلك قوله تعال { أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } (6) قيل نسخ ذلك بآية السيف والأقرب أنه لا نسخ فيه إذ لا تعارض بين الآيات فيجب النسخ
(سورة المؤمن ) (غافر) مكية
فيها آيتان
: { فاصبر إن وعد الله حق } (7) في موضعين
قيل نسخ ذلك بآية السيف وهو بعيد إذ ليس بين الآيتين تعارض
(سورة السجدة )[ فصلت ]مكية
قوله تعالى : { إدفع بالتي هي أحسن } (8)
قيل نسخت بآية السيف و الأقرب أنها غير منسوخة والدفع بالتي هي أحسن هو الواجب ثم الشدة ثم بالسيف على المراتب
(سورة الشورى) مكية
قوله تعالى : { وما أنت عليهم بوكيل } (9)
قيل نسخت بآية السيف
قوله تعالى : { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم } (10)
قيل نسخت بآية السيف
( سورة الزخرف ) مكية
قيل نسخت آية السيف منها آيتين وهما :
{ فذرهم يخوضوا ويلعبوا } [83 ] الزخرف
وقوله { فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون } [89 ] الزخرف
وقيل الآية الأولى تهديد وليس فيها نسخ
(سورة الدخان ) مكية
__________
(1) ـ 3 الفتح
(2) ـ لأنها صغائر والصغائر تذهبها الحسنات { إن الحسنات يذهبن السيئات } ومعلوم منهم سلام الله عليهم فعل الحسنات المتكررات
(3) ـ15 الزمر
(4) ـ 39 الزمر
(5) ـ 41 الزمر
(6) ـ 46 الزمر
(7) ـ55 ، 77 غافر
(8) ـ 34 فصلت أو السجدة
(9) ـ16 الشورى
قوله تعالى : { فارتقب إنهم مرتقبون } (1)
قيل ارتقب النصرة وقيل نسخت بآية السيف
(سورة الجاثية) مكية
قوله تعالى : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [14 الجاثية]
نسخت بآية القتال عن القرظى والسدي وغيرهما
( سورة الأحقاف ) مكية
قوله تعالى : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } [9]
قيل نسخت بآية الفتح وقيل : { ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } في أمر التعبد والناسخ والمنسوخ والتنقل في البلاد فأما في أمور الآخرة فهو عالم بحاله وحال من تبعه وعصاه صلى الله عليه وآله وسلم
( سورة محمد )صلى الله عليه وآله وسلم مدنية
والأقرب لا منسوخ فيها وقد قيل إن المن و الفدا نسخ بآية السيف
(سورة الفتح ) مدنية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ وقيل فيها ناسخ لقوله : { ما أدر ي ما يفعل بي ولا بكم } (2)
( سورة الحجرات ) مدنية
لانا سخ فيها ولا منسوخ
( سورة ق ) مكية
قوله تعالى : { وما أنت عليهم بجبار } [45]
قيل نسخ ذلك بآية السيف والجبار المسلط
( سورة الذاريات ) مكية
قوله تعالى : { فتول عنهم فما أنت بملوم [54] وذكر } [55]
قيل تول ساعة وذكر أخرى لأن كثرة التذكير و الإستدعا قد يكون مفسدة على بعض الوجوه والا قرب أنه لا نسخ في شي منها (3)
( سورة الطور ) مكية
قيل نسخ فيها قوله تعالى : { قل تربصوا } وآية الصبر(4) و { ذ ر هم حتى يلا قوا يومهم الذي فيه يصعقون } بآية السيف والأقرب أن لا نسخ في ذلك إذ لا تعارض بين الآيات
( سورة النجم ) مكية
__________
(1) ـ 59 الدخان
(2) ـ 9 الأحقاف
(3) ـومن قال بالنسخ اختلفوا فمنهم من جعل الناسخ قوله تعالى : { وذكر إن نفعت الذكرى } ومنهم من جعله آية السيف
(4) ـ وهي قوله تعالى : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } 48 الطور
قوله تعالى : { فأعرض عمن تولى عن ذكرنا } (1)
قيل الإعراض عن مكافأتهم بالسب وقيل نسخت بآية السيف
( سورة القمر )
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة الرحمن )
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة الواقعة ) مكية
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
(سورة الحديد )[ مدنية هكذا في تفسير البيان لعطية النجراني وفي الكشاف مكية]
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة المجادلة ) مدنية
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة }
نسخت بقوله تعالى : { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم }
ولما فرضت الصدقة أمتنع الناس من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا أمير المومنين علي بن أبي طالب عليه السلام
__________
(1) ـ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(29)ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اهْتَدَى(30)النجم
فروي انه لم يعمل بها أحد سواه سلام الله عليه ورضوانه (1)
__________
(1) ـ روي أن الكلمات التي ناجى بها علي عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي مانقله الإمام حسام الدين محمد بن عثمان بن محمد في تفسيره المسمى بكتاب مطالع المعاني قال : ـ إن الكلمات التي ناجى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدم قبلها عشر صدقات هي أنه عليه السلام سأله صلى الله عليه وآله وسلم أولا ما لوفاء ؟ قال : التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله ثم فال : ما الفساد ؟ قال الكفر والشرك بالله - عز وجل - ثم قال : ما الحق ؟ قال : الإسلام والقرآن والولاية ثم قال عليه السلام وما الحيلة ؟ قال: ترك الحيلة ُم قال وما عليَّ ؟ قال : طاعة الله ورسوله ثم قال كيف أدعو الله ؟ قال : الصدق واليقين ثم قال : وما ذا أسأل الله ؟ قال : العافية ُم قال وما ذا أصنع بنجاة نفسي ؟ قال : كل حلالاً وقل صدقاً ثم قال وما السرور ؟ قال : الجنة ثم قال : وما الراحة ؟ قال : لقاء الله تعالى فلما فرغ من نجواه نُسخ حكم الصدقة إهـ
وقال البغوي في تفسيره : الجزء :1الصفحة :60
"يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم"
قوله عز وجل 12- "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة"، أمام مناجاتكم، قال ابن عباس: وذلك أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وأكثروا حتى شقوا عليه، فأراد الله أن يخفف على نبيه ويثبطهم ويردعهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على المناجاة مع الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.وقال مقاتل بن حيان: نزلت في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم طول جلوسهم ومناجاتهم، فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئاً وأما أهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم، فنزلت الرخصة.قال مجاهد: نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي رضي الله عنه، تصدق بدينار وناجاه، ثم نزلت الرخصة فكان علي رضي الله عنه يقول: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية المناجاة.وروي عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال: أما ترى ديناراً؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: حبة أو شعيرة، قال: إنك لزهيد، فنزلت: "أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات"، قال علي رضي الله تعالى عنه: فبي قد خفف الله عن هذه الأمة."ذلك خير لكم"، يعني: تقديم الصدقة على المناجاة، "وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم"، يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به معفو عنهم.
( سورة الحشر )
لا ناسخ فيها ولا منسوخ (1)
( سورة الممتحنة ) مدنية
قيل ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية كان شرط ان من جاءه من عند قريش رده اليهم ومن جأهم من عنده لم يردوه إليه فلما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد بيعت الرضوان اذ بامرأة من قريش يقال لها سبيعة بنت الحرث تقول يا رسول الله قد جئتك مؤمنة بالله مصدقة لما جئت به
فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ما جئت به و نعم ما صدقت به فأنزل الله عز وجل
{ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن
فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن }
فكانت الآية ناسخة لرد النساء فامتحانهن باليمين ما خرجت غيرة من زوج ولا عداوة لبيت احما (2)ذكر ذلك علي بن موسى ألقمي عن ابن عباس وذكره هبة الله المفسر وقال شيخنا أبو علي رحمه الله الصلح كان على رد الرجال دون النساء
قوله تعالى : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم } (3)
وقوله تعالى : { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار } (4) الآية
أعلم أن الآية تشتمل على أحكام منسوخة
منها رد النساء على الكفار إذا وقع عليه الصلح فإن ذلك منسوخ في الرجال والنساء وقال أبو حنيفة : إذا جاءت امرأة مهاجرة وجاء زوجها وقد وقع الصلح على الرد لا ترد المرأة ولا مهرها وهو الذي رجحه أئمتنا عليهم السلام وقال الشافعي يرد مهرها
__________
(1) ـ وقال أبو القاسم المفسر : هبة الله بن سلامة إنها نزلت بالمدينة وفيها ناسخ وليس فيها منسوخ وهو قوله تعالى { ماأفاء الله على رسوله من أهل القرى .. الآية
(2) ـ الاحما هم أهل الزوج
(3) ـ 10 الممتحنة
(4) ـ11 الممتحنة
ومنها رد المهر كان ذلك ثم نسخ وكذلك قوله تعالى : { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } (1) فرد المهر من الجانبين منسوخ (2)
ومنها { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } الآية كان الواجب رد الصداق على الزوج من الغنيمة فنسخ بذلك وقيل ليس شيء من ذلك بنسخ لأنها أحكام كانت (3) مصلحة لهم وقت موادعة وعهد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين
قوله تعالى : { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } (4)
قيل نزلت الآية في عياض بن غنم وفي زوجته حيث ذهبت منه إلى الكفار فأمر الله المسلمين أن يغرموا له ما أنفق من الغنيمة ثم نسخ ذلك
( سورة الصف ) مدنية
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة الجمعة ) نزلت بالمدينة
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة المنافقون ) (5)مدنية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة التغابن )
لا منسوخ
(سورة الطلاق)
مدنية ولا منسوخ فيها
سورة التحريم ) مدنية
لا ناسخ ولا منسوخ
( سورة الملك ) [ مكية](6)
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة نون والحاقة ) مكيتان
ليس فيها ناسخ ولا منسوخ
( سورة المعارج ) مكية
وليس فيها نسخ
وقوله تعالى : { فدرهم يخوضوا ويلعبوا } (7)
قيل تهديد وقيل نسخ بآية السيف
(سورة نوح ) (عليه السلام) مكية
لاناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة الجن ) مكية محكمة
__________
(1) ـ 10 الممتحنة
(2) ـ نسخ ذلك كله بقوله تعالى { براءة من الله ورسوله }
(3) ـ المعنى أنها أحكام مؤقتة فبانقضاء الوقت يرتفع الحكم فلا نسخ والله أعلم
(4) ـ 11 الممتحنة
(5) ـ في الأصل المنافقين وقد سبق نظيرها في سورة المؤمنون وفيها ناسخ قوله تعالى { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } وفي نسخة سورة المنافقين والطلاق والتحريم نزلت بالمدينة لا ناسخ فيها ولا منسوخ
(6) ـ مابين القوسين المربعين زيادة في نسخة
(7) ـ { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ } 42 المعارج
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة المزمل ) نزل أكثرها بمكة
قوله تعالى : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليل نصفه أو انقص منه قليلا }
كان ذلك ثم نسخ بالصلوات الخمس
قوله تعالى : { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجر ا جميلا }
قيل نسخت بآية القتال وقيل بل هي [ محكمة والمعنى ] تلطف في الدعاء مع القتال و ليس بنسخ والهجر الجميل إظهار الجفوة من غير ترك الدعوة إلى الحق و ألمنا صحة
قوله تعالى : ? { فذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا } (1)
يعني المستهزئين من قريش وذلك تهديد قائم وقيل بل أمر ونسخ بآية السيف
( سورة المدثر ) مكية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
و قوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيدا } (2)
تهديد وليس بنسخ
( سورة القيامة ) مكية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة هل أتى على الإنسان ) (3)
الأقرب أنه لا ناسخ فيها ولا منسوخ
__________
(1) ـ 11 المزمل
(2) ـ 11 المدثر
(3) ـ وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه} الآية، قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.
و قال في أسباب النزول للواحدي النيسابوري { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } { 8 }الانسان قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا} قال عطاء، عن ابن عباس: وذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نوبة أجر نفسه، يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح وقبض الشعير وطحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له: الخزيرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين، فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم، فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه، أتى أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيه هذه الآية. وأما أهل البيت وشيعتهم فهم مجمعون على أن الضمير في يوفون ويطعمون يرجع إلى علي وفاطمة وابناهما وجاريتهما ( عليهم السَّلامُ )
( سورة المرسلات ) مكية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة النبأ والنازعات ) مكيتان
لا ناسخ فيهما ولا منسوخ
( سورة عبس ) (1) مختلف فيها (2)
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
( سورة التكوير ) مكية لا ناسخ فيها ولا منسوخ وكذلك
[ سورة ] ( الانفطار )[ مكية لا ناسخ فيها ولا منسوخ ]
و[ سورة ]( المطففين )[ مكية لا ناسخ فيها ولا منسوخ ]
و[ سورة] ( الانشقاق ) [ مكية لا ناسخ فيها ولا منسوخ ]
و[ سورة] ( البروج )[ مكية لا ناسخ فيها ولا منسوخ ]
( سورة الطارق ) مكية
قوله تعالى : { فمهل الكافرين أمهلهم رويدا } (3)
قيل نسخت بآية السيف
( سورة سبح )
لا منسوخ فيها
( سورة الغاشية ) مكية
قوله تعالى : { لست عليهم بمصيطر } (4)
قيل نسخت بآية السيف (5)
( سورة الفجر ) مكية
لا ناسخ فيها ولا منسوخ
وكذلك البلد وما بعدها إلى …. ( سورة قل يأيها الكافرون )
قوله تعالى : { لكم دينكم ولي دين }
قيل نسخت بآية السيف (6)
وما بعدها ليس فيه نسخ وقد أتينا على جملة ما ذكر فيه النسخ عند أئمتنا عليهم السلام وعند مشايخنا رضي الله عنهم والله الموفق لحفظ ذلك والعمل به والمخلص من تبعاته ونسأله تبارك وتعالى أن يجعله لنا نورا من بين أيدين ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمايلنا وأن يشركنا في ثواب قارية ومستمعيه والمنتفع به إنه عزيز حكيم
__________
(1) ـ هي أحد السور ال17 المختلف في تنز يلهن هل بمكة أو بالمدينة وهي محكمة
(2) وفي التهذيب هي مكية ومثله في الكشاف ]
(3) ـ17 الطارق
(4) ـ 22 الغاشية ـ أي بمتسلط كقوله تعالى { وما أنت عليهم بجبار }
(5) ـ وقال قوم معناها لست عليهم بمسلط فتكرههم على الإيمان فعلى هذا لا نسخ
(6) ـ هذا قول الأكثر ، وقيل إنها محكمة لأن النسخ إنما يصح إذا كان المعنى قد أقررتكم على دينكم وإذا لم يكن المفهوم هذا بعدُ النسخ
قال في إحدى النسخ التي اعتمد على النقل منها وتم ذلك بفضل الملك المعبود نحمده ونشكره بكرة وأصيلا و صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين الميامين ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال في الأم المنقول عنها :كان الفراغ من رقم هذا الكتاب المبارك لعله في يوم الجمعة بعد العصر 4 2 رجب الأصم أحد شهور سنة 1374هـ بقلم أسير ذنبه الراجي عفو ربه ومحو ذنبه العدلي معتقدا والزيدي مذهبا الفقير إلى كرم الله حمود بن محمد رزق رواس أحد طلبت العلم الشريف أعزه الله وصانه عن الزيغ والتحريف بحق محمد وآله الذين هم سفينة النجاة ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله وسلم
وقال في الأخرى وثلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وعلى آله الطاهرين وحسبنا الله ونعم الوكيل تمت النسخة المباركة بحمد الله سبحانه وذلك يوافي أربعة أيام في شهر شعبان الكريم الذي من شهور سنة 1034 هـ والحمد لله على كل حال والصلاة على محمد وآله خير آل
تم صفه وتصحيحه والحمد لله يوم الأحد 25 شهر الحجة سنة 1419 هـ
وصلى الله على محمد وآله وسلم
عبد الكريم عبد الله الضوء
فهارس