الكتاب : الإحتساب المؤلف : الإمام الناصرللحق الحسن بن علي الأطروش (المتوفى : 304هـ) . المحقق : عبدالكريم جدبان . www.al-majalis.com |
روائع تراث الزيدية
الإحتساب
تأليف
الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش
( 230 ـ 304هـ)
تحقيق
عبد الكريم أحمد جدبان
أعده إلكترونياً / فريق العمل بـ مجالس آل محمد (ع)
www.al-majalis.com
l
مقدمة
المؤلف :
من الجدير بالذكر أن لخراسان وما جاورها من المناطق صلة وثيقة، وقديمة بالتشيع لأهل البيت عليهم السلام عموما، ولأئمة الزيدية ودعاتها خصوصا، فالإمام يحيى بن زيد بن علي عليه السلام لاذ بخراسان، وفجر ثورته من هنالك، وأحبه الناس حتى أنه عام قتل واستشهد لم يولد ولد في خراسان إلا وسمي يحيى، ومشهده على مشارف الجوزجان مشهور مزور.
ومن بعده الإمام يحيى بن عبد الله، والذي توجه أيضا إلى خراسان، وكان الحسن بن زيد الملقب بالداعي الكبير مع يحيى بن عمر حين خرج إبان خلافة المتوكل والمستعين، ولما قتل يحيى، والذي سبق أن خرج إلى خراسان خرج الحسن هاربا وداعيا مع بعض أصحابه إلى الديلم، ثم إلى طبرستان حيث نشر دعوته، فبايعه أهلها عام (250هـ)، ثم غزا بعد ذلك الري ثم جرجان إلى أن توفي عام (270هـ).
ثم تولى بعده أخوه الإمام محمد بن زيد ولقب بالداعي الصغير، لأن بعض الزيدية لم يعدهما من الأئمة، بل من الدعاة، ولهذا لُقِّبا بالداعيين.
وخرج الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام إلى آمل قبل ظهوره في اليمن، فنزل مع أصحابه ومنهم أبوه، وبعض عمومته فندقا، فامتلأ الفندق بالناس حتى كاد السطح أن يسقط وعلا صيته في آمل، حتى خافه محمد بن زيد، فكتب إليه الحسن بن هشام،
وكان وزيرا لمحمد بن زيد بأن ما يجري يوحش ابن عمك. فقال: ما جئنا ننازعكم أمركم، ولكن ذكر لنا أن لنا في هذه البلدة شيعة وأهلا، فقلنا: عسى الله أن يفيدهم منا، وخرجوا مسرعين، وثيابهم عند الخياط لم يسترجعوها.
من هنا نرى أن طبرستان والأقاليم المجاورة لها كانت أرضا خصبة لتقبُّل الفكر الزيدي فليس غريبا أن تنشأ فيها الدولة الزيدية، والتي استمرت عدة قرون.
وممن هاجر إلى تلك البلاد الإمام الحسن بن علي، بن الحسن، بن عمر، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب عليهم السلام، أبو محمد الناصر للحق الأطروش.
أبوه
علي بن الحسن كان من المعدودين في فضلاء أهل البيت عليهم السلام وحفاظهم وفقهائهم.
قال في مطلع البدور: السيد الإمام الكبير المجتهد الحافظ، شيخ الشيوخ، علي بن الحسن - إلى آخر نسبه - والد الناصر الكبير، شيخ العترة، كان من المحدثين والفقهاء، روى عن أبيه، وعن إبراهيم بن رجاء الشيباني، وعلي بن جعفر العريضي، وأبي هاشم الحميدي، وأنس بن عياض، ويحيى بن هاشم وآخرين.
وعنه: محمد بن منصور المرادي، وولداه الناصر والحسين، وأحمد بن محمد بن جعفر العلوي.
كان شاعرا مجيدا، من شعره:
إن الكرام بني النبي محمد ... خير البرية رائح أو غادي
قوم هدى الله العباد بجدهم ... والمؤثرون الضيف بالأزواد
كانوا إذا نهل القنا بأكفهم ... سلبوا السيوف أعالي الأغماد
ولهم بجنب الطف أكرم موقف ... صبروا على الريب الفظيع العادي
حول الحسين مصرَّعين كأنما ... كانت مناياهم على ميعاد (1)
خرج له أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
أمه
اسمها: حبيب، أم ولد مجلوبة من خراسان.
ولادته
ولد الإمام الناصر للحق بالمدينة المنورة سنة (230هـ).
صفته
كان طويل القامة، يضرب إلى الأدمة، به طرش من ضربة أصابت أذنه أثناء جهاده.
نشأته
نشأ نشأة سلفه الأكرمين في طلب العلم والمعرفة، ولم يكتف بما حصل من علوم أهل المدينة حتى رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشائخها، وروى عنهم، كمحمد بن منصور المرادي، ولم تحدد
__________
(1) أعيان الشيعة 8/178.
المصادر الموجودة بين أيدينا تاريخ رحلته إلى الكوفة، إلا أننا نقدر أنه رحل ما بين الخمسين إلى الستين ومائتين ليكون عمره في الثلاثينات، العمر الذي يؤهله للترحال، والأخذ على مشائخ الكوفة.
وظل في الكوفة فترة لم تحددها المصادر التاريخية، ثم توجه بعد ذلك إلى طبرستان، أيام الداعي الحسن بن زيد، قبل سنة (270هـ) لأن الداعي توفي سنة (270هـ)، وقد أقام الإمام الناصر عنده إلى أن توفي، وولي أخوه محمد بن زيد، فأقام معه فترة، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن سيرتهما من كل وجه، وكان يعتقد أن أمورهما لا تجري على الإستواء والسداد ولا على وجه العدل (1)، (فلم يكن يتلبس لهما بعمل ولا يلي من جهتهما شيئا) (2).
حتى أن محمد بن زيد قلَّده القضاء، فأبى فأكرهه عليه فتقلده، فلما جلس أول يومه أبان محمد بن زيد إجلالا له، وتعظيما لشأنه، فأمر القائم على رأسه وهو في مجلس الحكم بأن يأخذ محمد فيقعده بين يديه، فقال محمد: لم آتك مخاصما، ولا لأحد قِبَلِي دعوى فما هذا ؟! قال: بلى، عليك دعاوى كثيرة، فإن كنت قلدتني القضاء، فإني أبدأ بإنصاف الناس منك، ثم أقضي بين الناس، فلما علم محمد منه الجد عزله. ثم لم يتقلد له عملا بعد ذلك (3).
__________
(1) تتمة المصابيح /148.
(2) الإفادة /148.
(3) تتمة المصابيح /148.
وكان يرى أنه أولى بالإمامة من محمد بن زيد، ويتحدث بذلك مع خواصه، حتى وصل خبره إلى محمد بن زيد فخاف منه وفزع لمعرفته بعلمه وفضله، وخاف إن هو دعا إلى نفسه، وظهر أمره للناس أن يستجيبوا له، وكان هناك جماعة من العلماء يذبون عن الناصر عند محمد بن زيد، في تكذيب من ينسب إليه طلبه الأمر، إلا أن الناصر كان مصرا على أمره مجدا في تحقيقه غير آبهٍ بما يؤول أمره إليه.
قال محمد بن علي العبدكي - وهو أحد أعلام الشيعة في جرجان -: سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد البلخي - وهو من أئمة المعتزلة - يقول: كنت في مجلس الداعي محمد بن زيد بجرجان، وأبو مسلم بن بحر حاضر - وهو معتزلي أيضا من كبارهم - وكنا جميعا ممن يذب عن الناصر الحسن بن علي في تكذيب من ينسب إليه طلبه الأمر، فدخل [الناصر] والتفت إلى أبي مسلم، وقال: يا أبا مسلم من القائل:
وفتيان صِدقٍ كالأَسِنَّة عرَّسُوا ... على مثلها والليل ترمي غَيَاهِبُه
لأمر عليهم أن تَتِمَّ صُدُورُه ... وليس عليهم أن تَتِمَّ عواقبه
قال: فعلم أبو مسلم أنه قد أخطأ في إنشاده ذلك، لأنه يستدل به على أنه معتقد للخروج وإظهار الدعوة، فأطرق كالخَجِل، وعلمت أنا مثل ما علمه، فأطرقت وفطن الناصر أيضا بخطئه فخجل، وأطرق ساعة وانصرف، فلما انصرف التفت الداعي محمد بن زيد إلى أبي مسلم فقال: يا أبا مسلم ما الذي أنشده أبو محمد ؟!
فقال أبو مسلم: أنشد أيها الداعي:
إذا نحن أُبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمرا فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة أنها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
فقال الداعي محمد بن زيد: أو غير ذلك؟ إنه تتنسم رائحة الخلافة من جبينه (1).
الإمام المجاهد
لقد رفع الإمام الناصر راية الجهاد، غير مبال ولا مكترث بما يناله من الأذى، ذلك لما يعرفه من أجر المجاهد الصابر، فما تعرض له من الأذى حين خرج إلى نيسابور، أو جرجان أيام السجستاني طامعا في أن يتمكن من الدعاء إلى نفسه فأجابه كثير من قواد السجستاني وغيرهم، ثم سعى به بعض من كان وقف على أمره، فأخذه واعتقله، وضربه بالسياط ضربا عظيما، قيل: ألف سوط، ووقع سوط في أذنه فأصابه منه طرش، ولذلك سمي الأطروش، واستقصى عليه أن يعترف بما كان منه ويعرفه أسامي أصحابه، فثبت على الإنكار وحبسه في بيت فيه خمور، نكاية به وتشديداً عليه، حتى قال الناصر: قويتُ برائحة تلك الخمور، فقيل له: لو أكرهت على شربها ما الذي كنت تصنع؟ فقال: كنت أنتفع بذلك، ويكون الوزر على المكرِه، وهذا من ملح نوادره ومزاحه الذي لا يجاوز الحق (2).
__________
(1) الإفادة /151.
(2) الإفادة /149.
الإمام الداعية
كان الإمام الناصر داعية من الطراز الأول، حدد أهداف دعوته قائلا في كتاب بعثه إلى بعضهم: (ولقد بلغك - أعزك الله - ما أدعو وأهدي إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إحياء لما أميت من كتاب الله تعالى، ودفن من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).
توجه إلى بلاد الديلم وأهلها مشركون ومجوس، فدعاهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسلموا على يديه، حتى بلغ من أسلم على يديه ألف ألف (مليون) نسمة، وتحولوا إلى مجاهدين زهاد عباد.
قال الناصر وقد دخل آمل، وازدحم عليه طبقات الرعية في مجلسه: (أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون، يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقا، ولا يدينون دينا، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف بهم حتى دخلوا فيه أرسالا، وأقبلوا إلي إقبالا، وظهر لهم الحق، واعترفوا بالتوحيد والعدل، فهدى الله بي منها زهاء مأتي ألف رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبات، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مزراقه
__________
(1) الحدائق الوردية 2/31.
(رمحه) ينشده في هواي، واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يولي أحد منهم عن عدوه ظهره، وإنما جراحاتهم في وجوههم وأقدامهم، يرون الفرار من الزحف إذا كانوا معي كفرا، والقتل شهادة وغنما) (1).
وهو يعد مثلا أعلى للعاملين في الحقل الإسلامي في عصرنا، فها هو يدعو مشركين عُبّاد الأحجار إلى الإسلام، ولا شك أنه تعلم اللغة الفارسية وأتقنها، وإلا فكيف يدعوهم؟! ثم يقيم بهم دولة الإسلام العادلة، في غضون بضع عشرة سنة. لهذا ينبغي لقادة الحركة الإسلامية أن يدرسوا سيرة وحياة هذا الداعية الحصيف.
الإمام العالم
لقد كان الإمام الناصر من أوعية العلم، وجبال المعرفة، ضرب في كل فن من فنون العلم بسهم وافر، واشتهر علمه وذاع، أخذ على آبائه، وأهل بيته في المدينة في ريعان شبابه، ثم رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشائخها وروى عنهم، وقرأ من كتب الله تعالى المنزلة على رسله ثلاثة عشر كتابا، وقيل: ستة عشر، منها: التوارة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وباقيها من الصحف (2). وكان مختصا بعلم القرآن واللغة، قال في رسالة له إلى بعض أصحابه: (بعد أن محصت آي التنزيل، عارفا بها، منها تفصيل وتوصيل، ومحكم
__________
(1) الحدائق الوردية 2/31.
(2) الشافي 1/309، والحدائق الوردية 2/30، وتتمة المصابيح /149.
ومتشابه، ووعد ووعيد، وقصص وأمثال، آخذا باللغة العربية التي بمعرفتها يكون الكمال، مستنبطاً للسنة من معادنها، مستخرجاً للكامنات من مكامنها، منيرا لما ادْلَهَمَّ من ظُلَمِها، معلنا لما كُتم من مستورها) (1).
وكان له مجلس لإملاء الحديث، يجتمع فيه فقهاء البلد، وأهل العلم كلهم (2).
ومن نظر في كتابه هذا وقف على علم غزير في علم القرآن، واللغة والحديث.
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الزيدية من ذكر أقواله في كل فن، وكتبه وما نقل عنه شاهد بذلك، وسيأتي ذكرها.
قال فيه الإمام الهادي عليه السلام: الناصر عالم آل محمد كبحر زاخر بعيد القعر.
وقال أبو طالب: كان جامعا لعلم القرآن والكلام والفقه، والحديث والأدب والأخبار واللغة، جيد الشعر، مليح النوادر، مفيد المجالس (3).
وقال الإمام عبد الله بن حمزة: لم يكن في عصره مثله شجاعة وعلما (4).
__________
(1) الحدائق الوردية 2/31.
(2) الإفادة /160، والشافي 1/309.
(3) الإفادة /147.
(4) الشافي 1/308.
وقال مؤرخ الزيدية الشهيد حميد المحلي: وبرز في فنون العلم حتى كان في كل واحد منها سابقا لا يجارى، وفاضلا لا يبارى.
وقال خير الله الزركلي: كان شيخ الطالبيين وعالمهم (1).
وكان أبو عبد الله الوليد القاضي يلزم مجلسه، ويعلق جميع ما سمع منه من أنواع الفوائد في فنون العلم، فجمع في ذلك كتابا سماه: ألفاظ الناصر (2).
وقال المحلي: كان جامعا لفنون العلم من أصول الدين، وفروعه، ومعقوله، ومسموعه، راوية للآثار، عارفا بالأخبار، ضاربا في علم الأدب بأقوى سبب (3).
وكان محدثا مسندا، وحسبك دليلا على ذلك أحاديث كتابه هذا المسند.
وكان خبيرا بالمناظرة، بصيرا بالجدل، يفحم خصومه مع أدب جم وتواضع، قال أبو بكر محمد بن موسى البخاري: (دخلت على الحسين بن علي الآملي المحدث، وكان في الوقت الذي كان الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام في بلاد الديلم، وقد [تجهز] لفتح آمل وورودها، والحسين بن علي هذا يفتي العوام بأنهم يلزمهم قتال الناصر للحق عليه السلام، ويستنفرهم لحربه، ومعاونة الخراسانية على قصده، وزعم أنه جهاد، ويأمر بالتجهيز وعقد المراكب كما
__________
(1) الأعلام 2/200.
(2) الشافي 1/309.
(3) الحدائق الوردية 2/30.
تفعل الغزاة، قال: فوجدته مغتما فقلت له: أيها الأستاذ ما لي أراك مغتما حزينا؟ فألقى إلي كتابا ورد عليه، وقال: اقرأه، فإذا هو كتاب الناصر للحق عليه السلام وفيه: يا أبا علي نحن وإياكم خلف السلف، ومن سبيل الخلف اتباع السلف، والإقتداء بهم، ومن سلفكم الذين تقتدون بهم من الصحابة عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وهم لم يقاتلوا معاوية مع علي بن أبي طالب عليه السلام مع تفضيلهم عليا، تأولا منهم أنهم لا يقاتلون أهل الشهادتين، فأنت يا أبا علي سبيلك أن تقتدي بهم ولا تخالفهم، وتنزلني منزلة معاوية على رأيك، وتنزل عدوي هذا ابن نوح منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام فلا تقاتلني، كما لم يقاتل سلفك معاوية وتخل بيني وبينه كما خلى سلفك بينهما، فتكف عن قتال أهل الشهادتين كما كف سلفك، وتجنب مخالفة أئمتك الذين تقتدي بهم، ولا سيما فيما يتعلق بإراقة الدماء، فافهم يا أبا علي ما ذكرت لك فإنه محض الإنصاف). قال: فقلت له: لقد أنصفك الرجل أيها الأستاذ فَلِمَ تكرهه ؟! فقال: نكرهه لأنه يحسن أن يورد مثل هذه الحجة، ولا يَرِدُ إلا متقلدا مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ))، فهذا كتاب الله أكبر الثقلين، وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله أحد الثقلين، ثم يفتي ويناظر، ولا يحتاج إلى أحد، أما سمعت ما قاله في قصيدة له قال: وأنشد هذا البيت:
تداعى لقتل بني المصطفى ... ذووا الحشو منها ومُرَّاقها (1)
وقال: فسلوني عن أمر دينكم، وما يعنيكم من العلم، وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته، وأولى الخلق به، وهو الذي قُرن بنا، وقُرَّنا به، فقال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي )) (2).
__________
(1) أمالي أبي طالب /103.
(2) الحدائق الوردية 2/31. هذا الحديث ورد بألفاظ متفاوتة، فممن أخرجه بلفظ: (( وعترتي )) الإمام زيد بن علي في المسند /404، والإمام علي بن موسى الرضا /464، والدولابي في الذرية الطاهرية /166(288)، والبزار 3/89 رقم (864) عن علي عليه السلام.
وأخرجه مسلم 5/179، والترمذي 5/622 رقم (3788)، وابن خزيمة 4/62 رقم (2357)، والطحاوي في مشكل الآثار 4/368 - 369، وابن أبي شيبة في المصنف 7/418، وابن عساكر في تاريخ دمشق 5/369 (تهذيب التاريخ)، والطبري في ذخائر العقبى /16، والبيهقي في السنن الكبرى 7/30، والطبراني في الكبير 5/166 رقم (4969)، والنسائي في الخصائص /150 رقم (276)، والدارمي 2/431، وابن المغازلي الشافعي في المناقب /234، 236، وأحمد في المسند /4367، وابن الأثير في أسد الغابة 2/12، والحاكم في المستدرك 3/148، وصححه وأقره الذهبي عن زيد بن أرقم.
وأخرجه عبد بن حميد /107، 108 (المنتخب)، وأحمد 5/182، 189، والطبراني في الكبير 5/166، وأورده السيوطي في الجامع الصغير /157 رقم (2631) ورمز له بالتحسين، وهو في كنز العمال 1/186 رقم (945)، وعزاه إلى ابن حميد، وابن الأنباري، عن زيد بن ثابت.
وأخرجه أبو يعلى في المسند 2/197، 376، وابن أبي شيبة في المصنف 7/177، والطبراني في الصغير 1/131، 135، 226، وأحمد في المسند 3/17، 6/26، وهو في كنز العمال 1/185 رقم (943)، وعزاه إلى البارودي، ورقم (944) وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وابن سعد، وأبي يعلى عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 8/442، وهو في كنز العمال 1/189، وعزاه إلى الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد.
وأخرجه الترمذي في السنن 5/621 رقم (3786)، وذكره في كنز العمال 1/117 رقم (951) وعزاه إلى ابن أبي شيبة، والخطيب في المتفق والمفترق، عن جابر بن عبد الله.
الإمام المؤلف
لم يكن الإمام الناصر بدعا من أئمة الزيدية، الذين لم يشغلهم الجهاد، وتجييش الجيوش، والنظر في أمور المسلمين، والدعوة إلى الله عن التأليف والكتابة، فرغم الحوادث التي أتت عليهم،والتي تذهب عندها الألباب، وتطير معها الحلوم، فقد خلفوا تراثا ملأ سمع الدنيا وبصرها، فهذا الإمام الناصر أَلَّف وصنَّف الكثير من الكتب، حتى قيل: إن مؤلفاته تزيد على ثلاثمائة (1).
فمن كتبه التي ذكرها المؤرخون:
__________
(1) التحف /72.
1_ البساط.
2_ الاحتساب، وهو هذا الذي بين يديك.
3_ الناصريات، كتاب في الفقه. شرحه الشريف المرتضى. طبع في إيران.
4_ التفسير، احتج فيه بألف بيت من الشعر من ألف قصيدة.
5_ الحجج الواضحة بالدلائل الراجحة في الإمامة.
6_ الأمالي في الحديث، وأكثره في فضائل العترة عليهم السلام.
7_ المغني.
8_ كتاب في أصول الدين ذكر فيه الإيمان، لا يعرف اسمه، ذكره هو ص (61) أو لعله كتاب في من الكتب المذكورة هنا.
9_ المسفر. (ذكرهما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في الشافي) (1).
10_ الصفي.
11_ فدك والخمس.
12_ الشهداء، وفضل أهل الفضل منهم.
13_ فصاحة أبي طالب.
14_ معاذير بني هاشم فيما نقم عليهم.
15_ أنساب الأئمة ومواليدهم.
__________
(1) الشافي 1/309.
16_ الظلامة الفاطمية (الخمسة الأخيرة ذكرها صاحب أعيان الشيعة) (1).
17- جوامع النصوص. ذكره في أول هذا الكتاب.
وقال: إن ابن النديم ذكر له مجموعة، وذكر في الحدائق الوردية أن عدد كتبه أربعة عشر كتابا (2).
وصنف العلماء في حياته، وبعد وفاته وجمعوا كتبا في فقهه وحديثه، فمن أولئك:
أبو عبد الله الوليد القاضي، كان يلزم مجلسه، ويعلق جميع ما سمع منه من أنواع الفوائد في فنون العلم، فجمع في ذلك كتابا سماه:
18_ ألفاظ الناصر.
19_ الباهر في الفقه، جمعه أحد علماء عصره.
20_ الحاصر لفقه الناصر، جمعه الإمام المؤيد بالله.
21_ الناظم، في فقه الناصر للسيد أبي طالب.
22_ الموجز في فقهه، للشيخ أبي القاسم البستي جعفر محمد بن يعقوب.
23_ الإبانة في فقهه، مشروحة بأربعة مجلدات كبار، للشيخ أبي جعفر الهوسمي.
__________
(1) أعيان الشيعة 5/179 - 184.
(2) الحدائق الوردية 2/30.
الإمام الشاعر
لقد كان الإمام الناصر عليه السلام شاعرا رقيقا، وحماسيا، وأديبا فذا، متبحرا في علوم اللغة، مطلعا على أشعار العرب، يحفظ منها الكثير، كتب في التفسير كتابا احتج فيه بألف بيت من الشعر (1).
قال الشعر في مواطن عديدة، ولم يحفظ لنا التاريخ إلا القليل من شعره، إلا أنه يدل على شاعرية مطبوعة، وأدب راقٍ، فمن شعره في بداية دعوته في مرحلة السر:
عهود الصبا سقيا لكن عهودا ... وإن كان إسعافي لكن زهيدا
لقد حل مغناكن حلم وشيبة ... يُرى هديها من عهدكن بعيدا
فتى غادرت منه الخطوب غشمها ... طبيبا لأدواء الخطوب جليدا
إذا ساورته الغانيات من الهوى ... تبلج غلابا لهن حميدا
ترى الناس يخفون الكلام تحفظا ... إذا ما رأوه أو يكون رشيدا
تباعد عنه المخلصون ذووا التقى ... وأصبح بين المفسدين فريدا
عجيب لمن كان النبي وصهره ... وفاطم آباءاً له وجدودا
يرى من خلاف الناس لله ما يرى ... فيغضي عليه أو يطيق قعودا
محلين لا يرعون لله حرمة ... صدودا ولا يخشون منه صدودا
لقد أُسمع الآي المفصل من له ... مسامع وعدا صادقا ووعيدا
أمخترمي ريب المنون ولم أَقُدْ ... خيولا إلى أعدئنا وجنودا
__________
(1) الحدائق الوردية 2/29.
ولم أخضب المران من قاني الكلى ... وأترك منه في القلوب قصيدا
بكل فتى بالسيف أخرق في العدى ... وإن كان في ذات الإله مجيدا
يرى الموت حتف الأنف عارا وسبة ... وفخرا وأجرا أن يموت شهيدا
إلى أن أرى إثر المحلِّين قد عفا ... وقائم زرع القاسطين حصيدا (1)
وقال في قصيدة طويلة لم يصلنا إلا هذه المقطوعة منها:
فاجهد لكل الذي يرضى الإله به ... وحبل عمرك بالآمال موصول
فأنت من دوحة زيتونة وقدت ... فيها لنور إله العرش تمثيل
نور إذا غشي الأبصار مشرقه ... أضحى له فيه تغسيق وتأفيل
نور يقل بهذا الناس عارفه ... له لدى علماء الحق تأويل
أتى بشعيانه في سفره وأتى ... بذكر أوصافه موسى وحزقيل
محمد وعلي والبتول ومن ... قد كان يأتيهمُ بالوحي جبريل
وعترة المصطفى بالرس عنصرنا ... الطاهرين المقاديس البهاليل
أشكو إلى الله أن الحق مُّترَك ... بين العباد وأن الشر مقبول
وأن حكم كتاب الله مطرح ... وحكم من خالف القرآن معمول
وأن ذا اليتم والمسكين بينهمُ ... بمزجر الكلب منهور ومقتول
وأن من ينصر الشيطان متبع ... وأن من ينصر الرحمن مخذول
وأن أمتنا أبدت عداوتنا ... أن خصنا من عطاء الله تفضيل
إذا ذكرنا بعلم أو بعارفة ... صاروا كأنهمُ من غيظهم حُولُ
__________
(1) الشافي 1/312.
وأنهم لا يعينونا لنصرتنا ... للحق حين أعان الديلم الجيل
يحرمون حلالا من تسفههم ... وفيهمُ لحرام الله تحليل
إن يعبدوا العجل فيما قد مضى فلهم ... معبودة وثن منهم عجاجيل
وأنه قلَّ من في الناس مؤتمن ... يبدي النصيحة إلا وهو مدخول
وأن عترة خير الخلق بينهمُ ... مُبَغَّضُون فمطرود ومقتول
في كل قوم لهم وتر ومظلمة ... وسافح من دماء الطهر مطلول
وأن طفل رسول الله مكتئب ... كأنه من دموع العين مجدول
وأن طفلهم جذلان في لعب ... مرجل الشعر بالأدهان مكحول
وأن بنت رسول الله الله مزعجة ... لها من الخوف تنزيل وترحيل
وبنت كل كفور منهم فلها ... في الخز والقز والترفيل ترفيل
وأن نسوانهم فرحى مزوجة ... وأن نسواننا ثكلى أراميل
فهل يكون رضى للمصطفين بذا ... أم هل يكونن منهم فيه تسهيل
حتى يُرى منهم في كل ناحية ... داعون للقسط فتاك عباهيل
فاجهد وجاهد ولاة الجور محتسبا ... فقد فشى الشر فيهم والأباطيل
بكل مضطلع فمحان ذي تلع ... تزينه غرة منه وتحجيل
وكل أبيض مثل النار ملتهبٍ ... في غَربه من قراع الهام تفليل
وكل لدن من الخطي معتدل ... كأن عامله بالليل قنديل
وكل معطوفة زوراء عاكفة ... لها حنين كما حن المطافيل
بكف كل نطاسي بشكته ... فيه لما اعوج تثقيف وتعديل
وكل ذي غضب لله ملتهب ... في روضه للعصاة الشُّمْسِ تذليل
في فتية قد شروا لله أنفسهم ... وكلما حملوا لله محمول
رأوا بعين الهدى ما قد يكون غدا ... فهمهم بوعيد الله مشغول
وأيقنوا أن من يعصي الإله له ... في جاحم النار تخليد وتغليل
فولوا السيف والقرآن حكمهم ... فما أتاهم به القرآن معمول
حتى يرى الحق قد قامت قوائمه ... لأهله فيه تكبير وتهليل
وقال متغزلا في سيفه وترسه، وآلة حربه، وممتدحا بمكارم الأخلاق التي جبل عليها:
حسبي من البيض الملاح ... عناق سيفي واحتضانه
عضبٌ إذا عدم الكمـ ... ـيُّ الريقَ ينقعني أمانه
وكأن جرى في جسمه ... من بعد تصفية دخانه
لدن يهز الكف مثـ ... ـل النون أسلمه مكانه
من غير ما خفر ولـ ... ـكن الشِّرَى هذا أوانه
فبمثله يأبى الكريـ ... ـم الشهم ما فيه هوانه
وأنا أمرؤ عند احتد ... ام الموت ينجيني جرانه
وإذا تداين معشر ... يجدونه وخما دِيَانُه
وإذا تكلم واعظا ... فكفاك من عظة بيانه
يلقي غواشيه إذا ... طرقوه منزعة جفانه
ما إن يفارق خيمه ... في كل ما أبلى زمانه
شهدت له أفعاله ... أن لم يقل كذبا لسانه
ذو منصب ناء عن الأ ... دناس يغنيني صيانه
ومؤمل ذي نخوة ... في الحرب جم خُنزُوانه
من شأنه قطع الكما ... ة لدى الوغى رعف سنانه
غادرته متجدلا ... ودماء مفرقه دهانه
بالله ربي ما استغثـ ... ت وما أنا لولا حنانه
وقال مرثيا محمد بن زيد بعد مقتله:
الدين والدنيا تظل تفجع ... أَمَ انْتَ على الداعي تبكي وتجزع
فقم فانعه للشرق والغرب معلنا ... فقد وقع الخطب الذي يتوقع
فلا رزء إلا رزؤه منه أفظع ... ولا يوم إلا يومه منه أشنع
أصيب به الإسلام فانهد عرشه ... وأضحت له أركانه تتضعضع
عفت سبل المعروف بعد محمد ... وغادر وهنا في العلى ليس يرفع
ومات فمات الحزم والبأس والندى ... ومن كان في الدنيا يضر وينفع
وكانا به حيين طول حياته ... فقد أصبحوا ماتوا جميعا وودعوا
فإن أبك لا أبكي عليه تكلفا ... وإن أصطبر عنه فللصبر أوجع
ففقدانه أنسى فؤادي عزاءه ... وعلمني من بعده كيف أجزع
لقد أَمِنت نفسي الرزايا فلا أرى ... وإن جل خطب بعده أتوجع
وزال لمثواه عنِ امِّة جده ... وعترته طود من العز أمنع
تحوطهمُ كف عليهم شفيقة ... وعين له إن يهجعوا ليس تهجع
تفرق من بعد التآلف شملهم ... وكان به شمل النبوة يجمع
تساوى الورى في هلكه بعد ملكه ... فكلهمُ فيه معزًّى مفجع
فلم أر إلا ضاحكا في حياته ... ومذ مات إلا باكيا يتوجع
فلا عذر إذ لم يدفع الموت دونه ... وكنا به ريب الحوادث ندفع
على أنه لو شاء نجاه سيفه ... وطِرفٌ كلمح البرق أو هو أسرع
ولكن أبى إلا التأسي بعصبة ... لآل رسول الله بالطف صُرَّع
ولما رأى أن الفرار خزاية ... وأن سبيل الموت للحر أوسع
فأرسى جنانا لا يهال إلى الردى ... ولا هو مما يفزع الناس يفزع
فما زال يحمي عرضه وذماره ... ويشرع في خوض المنايا ويكرع
تناهبه زرق الظبا حشاشة ... لها سائق منه إلى الموت أسرع
ولو لم يخنه سيفه بانقطاعه ... لظلت به أعداؤه تتقطع
فَخَرَّ ولم يدنس من العار وجهه ... كما لاح برق في دجى الليل يلمع
وما مات حتى مات من خوفه العدا ... وكانت به في نومها تتفزع
ولله ما ذا ضم حول ضريحه ... وأعجب منه كيف لا يتصدع
وكانت به الدنيا تضيق برحبها ... تظل وتمسي منه تخشى وتطمع
تروح المنايا والعطايا بكفه ... سجالا على الأدنى ومن هو أشسع
أظل الورى إنعامه وانتقامه ... يعز مواليه وعاصيه يقمع
ومنها:
فإن أفرح الأعداء مصرع موته ... فقد طال ما عاشوا وهم منه فجع
فقلت لهم لا تشمتوا بمصابه ... فما منكم إلا له الموت مشرع
فخير المنايا ميتة السيف في الوغى ... كما خير عيش ما عدا السيف يمنع
ومنها:
فبالسيف محيانا ومنه مماتنا ... كذا السيف بالأخيار ما زال يولع
لقد عاش في الدنيا جميلا ممنعا ... ومات كريما عن حمى الدين يمنع
فيا راكبا بلِّغ سلاما ورحمة ... بجرجان قبرا ظل للبر يجمع
بعقوته حل ابن زيد محمد ... فحل بلاء بالبرية مفظع
وأضحت بقاع الأرض فيه تنافست ... وودت جميعا أنها هي مضجع
فصلى عليه الله ما ذر شارق ... وناح حمام في ذرى الأيك يسجع
فأقسمت لا ينفك قلبي مفجعا ... عليه وعيني ما دجى الليل تدمع
وقد ذكرتها بطولها لبلاغتها، وحسن سبكها، وللتدليل على حسن المودة التي كانت بينهما، وتعظيم الناصر للداعي محمد بن زيد خلافا لما سبق وأوردناه من رواية الإفادة، سيما وأنه قد مدحه في حياته أيضا (1).
وقال مبديا أسباب قيامه ودعوته، وما كان عليه الناس قبل قيامه:
ولما رأيت اعتداء العباد ... وإظهارهم كل ما لا يحل
وعقد الإمامة للفاسقين ... وكل ظلوم ضلول مضل
وخمس ذوي الخمس ما بينهم ... لِلَهو له دولة مبتذل
وكال لهم علل من دِمَا ... بني المصطفى بعد ورد نهل
نهضت ولم أبتئس بالذي ... من الأهل أو غيرهم قد خذل
لتجديد دين الإله الذي ... أراه بجور الورى قد شمل
__________
(1) انظر الشافي 1/300.
على الله في كل ما قد أروم ... وأسعى لإصلاحه أتكل
وما الله عن خلقه غافل ... ولا الله عن خلقه قد غفل
وهي طويلة ... إلى أن قال فيها:
وجستان أعطى مواثيقه ... وأيمانه طائعا في الحفل
وليس يظن به في الأمور ... إلا الوفاء بما قد بذل
وإخوته وثَّقوا عهدهم ... وقواده رجل عن رجل
وما في مودتهم شبهة ... ولا في وفائهمُ من خلل
فمَن هَمَّ منهم بنقض العهود ... ففي عون ربك منه بدل
فقد يحمل المرء ما لا تطيق ... السماء احتمالا له والجبل
فإني لآمل بالديلمين ... حروبا كبدر ويوم الجمل
حروبا ترى عندها الوالدان ... بأولادهن سماحا ذهل
تشيب الغلام وتجلي الظلام ... وتبدي حجول ذوات الحجل
همُ الأسد حين تطير القلوب ... وتبدي نيوب حروب العضل
وقال في بعض معاركه راجزا:
شيخ شرى مهجته بالجنة ... واستن ما كان أبوه سنه
ولم يزل علم الكتاب فنه ... يقاتل الكفار والأظنه
بالمشرفيات وبالأسنة
وقال متحدثا عن يقينه وإيمانه:
أرتني أهوال المعاد بصيرتي ... وتصديق وعد الغيب رأي عيان
فأيقنت أني بالذي قد كسبته ... مدين فقلبي دائم الخفقان
وأن وعيد الله حق ووعده ... فمن موبق أو فائز بجنان
فأعلنت بالتوحيد والعدل قائلا ... وأظهرت أحكام الهدى ببيان
وقال:
فلا تكن الدنيا لهمك غاية ... تناول منها كل ما هو دان
ويكفيك قول الناس فيما ملكته ... لقد كان هذا مرة لفلان
وقال مبديا أسباب قيامه ودعوته:
فخشيت أن ألقى الإله وما ... أبليت في أعدائه عذري
أو أن أموت على الفراش ضنى ... موت النساء أجر في القبر
وعلمت أني لا أزاد بما ... آتي وينقص من مدى عمري
فشريت للرحمن محتسبا ... نفسا لدي عظيمة القدر
أجري إلى غايات كل علا ... مثلي إلى أمثالها يجري
لأنال رضوان الإله وما ... فيه الشفاء لعلة الصدر
في فتية باعوا نفوسهم ... لله بالباقي من الأجر
صبروا على عفر الخدود وما ... لاقوا من البأساء والضر
يا رب فاحشر أعظمي ودمي ... من بطن أم فراعل غبر
أو ثعلب أو جوف ثعلبة ... أو قضب ذيب أو معا نسر
وقال متوجعا لمصائب أهل البيت عليهم السلام:
وبي لأحوال بني المصطفى ... هم له شف وتبريح
عاداهم الخلق فذو نسكهم ... بالهم مغبوق ومصبوح
في كل أرض منهم طاهر ... له دم في الناس مسفوح
وميت في الحبس ذو حسرة ... وموثق بالقيد مذبوح
وهالك يندب في أهله ... أفلت منه وهو مجروح
لم ينقموا منهم سوى أنهم ... السادة الطهر المراجيح
دعوا إلى الله فنجواهم ... في الليل تقديس وتسبيح
وقال عند دخوله الديلم وشروعه في الدعوة:
ولما أصبنا بشيخ العشيرة ... وابن علاها ومنانها
وآسفنا مِلْعِدى مؤسف ... من أغتام علج خراسانها
نصبنا لهم مدرها في الخطوب ... طبا بها قبل حدثانها
حلاحله يستدبن الرجال ... ويقضي فوادح أديانها
فلما تبين أسبابه ... وأبصر فرصة إمكانها
نجا جبل الديلمين المنيف ... يدعو إلى الله رحمانها
فساعد منهم بها عصبة ... كأسد العرين بخفانها
ولا هرجات ومرقالها ... يزجي المنايا بفرسانها
وأقبل يرقل في جمعه ... بنخبة فتيان جيلانها
وليلى أجاب ولم ينتظر ... وثار بأصحاب نعمانها
ونلنا المنى بأبي جعفر ... وفارسها ليث شبانها
فسالت عساكرنا كالأتي ... يضيق بها رحب قيعانها
وقال متحدثا عن نفسه وما يعانيه:
لهفات جم وساوس الفكر ... بين الغياض فساحل البحر
يدعو العباد لرشدهم وكأن ... ضربوا على الآذان بالوقر
فترادف الأحزان ذو جزع ... مر مذاقتهن كالصبر
متنفس كالكير ألهبه ... نفخ العيون وواقد الجمر
أضحى العدو عليه مجتهدا ... ووليه متخاذل النصر
متبرم بحياته قلق ... قد مل صحبة أهل ذا الدهر
الإمام الفارس الشجاع
لا غرو من اقتحام الإمام الناصر لهوات الحرب، وميادين البطولة غير هياب ولا وجل، فتلك الشجاعة النادرة، والفروسية الباهرة، لم تأته من فراغ، فهو سليل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وفرسان الجهاد والبسالة، وابن صاحب ذي الفقار.
كان في الشجاعة وثبات القلب بحيث لا تهوله الجنود، ولا يفزعه العسكر المحشود، يخوض الغمرات، ويصرع الكماة، ويحطم الوشيح، ويثلم الصفائح، وكم له من مقامات مشهودة مشهورة، فاز فيها بالشرف الطائل، وكان يرد بين الصفين متقلدا مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ))، ثم يقول: فهذا كتاب الله، وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن أجاب إلى هذا وإلا فهذا (1).
__________
(1) الحدائق 2/32.
بلغ عدد القتلى في معركة من معاركه نحو عشرين ألفا (1).
الحاكم العادل
دخل الناصر الجيل والديلم، والناس يرزحون تحت حكم آل وهشوذان، يحكمونهم بالعسف والجور والإستعباد، فأزال تلك الرسوم الجائرة، واستنقذهم مما كانوا فيه من الضيم في الأنفس والأولاد والأموال، وحكم فيهم بالعدل والقسط.
قال في آخر خطبة له: (وأنتم أيضا معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بواب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا علي أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي، وشابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العلم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم) (2).
روي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر، حمل إليه ستمائة ألف درهم، فامتنع من أخذها، وأمر بإخراجها من البيت، فقال له الرافع: كان آل طاهر عدولا، والناس راضون بذلك فما عليك في أخذها ؟! فقال: أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لا ابن طاهر (3).
__________
(1) الإفادة /155.
(2) الحدائق 2/31.
(3) الحدائق 2/32.
ونادى غلاما له يسمى جبرا ثلاث مرات فلم يجبه، فلما أطال عليه قال مجيبا: (مره) أي: لا تعش، فقال الناصر: مسكين أضجرناه (1).
قال أبو طالب: وكان ينظر في الأمور بنفسه وبسط العدل، ورفع رسوم الجور (2).
قال ابن جرير الطبري: ولم ير الناس مثل عدل الأطروش، وحسن سيرته، وإقامته للحق (3).
وقال ابن الأثير: وكان الحسن بن علي حَسُن السيرة، عادلا، ولم ير الناس مثله في عدله، وحسن سيرته، وإقامته للحق (4).
وقال ابن حزم: وكان هذا الأطروش فاضلا، حسن المذهب، عدلا في أحكامه (5).
فأحبه الناس لذلك حتى أنه حين عودته من القلعة، ودخوله آمل استقبله أهل البلد، صغيرهم وكبيرهم وكان على بغلة، فكاد الناس يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له، وهو يدفع الناس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحا به، وتقبيلا لرجله، حتى كادوا يزيلونه عن المركوب يشير بها وينحيهم عنه (6).
__________
(1) الحدائق 2/31.
(2) الإفادة /157.
(3) تاريخ الطبري 10/149.
(4) الكامل 6/148. حوادث سنة اثنتين وثلاثمائة.
(5) جمهرة أنساب العرب /45.
(6) الإفادة /136.
وعندما حانت وفاته استؤمر في من يقيمونه مقامه إذا حدث به قضاء الله عز وجل، وسأله بعضهم أن يعهد إلى بعض أولاده، فقال: وددت أن يكون فيهم من يصلح لذلك، ولكن لا أستحل فيما بيني وبين الله عز وجل وجل أن أولي واحدا منهم أمر المسلمين. ثم قال: الحسن بن القاسم أحق بالقيام بهذا الأمر من أولادي، وأصلح له منهم (1).
الحكيم الواعظ
ليس بمستنكر على رجل مثل الناصر في علمه وزهده أن تفيض الحكمة على لسانه، ويتفجر العلم من نواجذه، وهو فرع الدوحة العلوية.
رسا أصله تحت الثرى وسما به ... إلى المجد فرع لا ينال طويل
وحسبنا للتدليل على تلك الحكمة مقتطفات يسيرة من حكمه ومواعظه، قال ذات مرة مخاطبا أصحابه: (أيها الناس اتقوا الله، وكونوا عليه قوامين بالقسط كما أمركم الله، وأْمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وجاهدوا رحمكم الله في الله حق جهاده، وعادوا الآباء والأبناء والإخوان في الله، فإن هذه الدار دار قلعة، ودار بلغة، ونحن سُفر، والدار التي خلقنا لها أمامنا، وكأن قد بلغنا إليها ووردناها، فتزودوا من العمل الصالح، فإن طريق الجنة خشن، وبالإجتهاد نبلغ إليها، إني لا أغر نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا
__________
(1) الإفادة /163.
أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن والأحكام، فنحن أولى الخلق باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والإقتداء به) (1).
الإمام الرياضي
لم يكن الإمام الناصر يعمل على إصلاح القلوب وهداية العقول فحسب، بل كان يرى أن بناء الأجسام ورياضتها، لتقوى على مقارعة الأقران، والدفاع عن الدين من الأهمية بمكان، فكان يلعب بالكرة معتليا صهوة جواده، قبل البدء في إملاء الحديث، والعلماء والفقهاء ينتظرونه، وقد جاوز السبعين عاما.
قال أبو طالب: وكان له مجلس للنظر، ومجلس لإملاء الحديث، وكان يركب إلى طرف البلد، ويضرب بالصولجان للرياضة (2) فإذا ركب اجتمع فقهاء البلد، وأهل العلم كلهم إلى المصلى، وجلسوا فيه، فإذا فرغ من ذلك عدل إليهم، وجلس وأملى الحديث (3).
__________
(1) الحدائق الوردية 2/32.
(2) الصولجان: عصا يعطف طرفها، يضرب بها الكرة على الدواب. انظر لسان العرب مادة: صلج. وتسمى بالإنجليزية: Sceptre.
(3) الإفادة /160.
جواز قيام إمامين في قطرين متباعدين
كان قيام الإمام الناصر بأمر الإمامة في الجيل والديلم، متزامنا مع قيام الإمام الهادي عليه السلام في اليمن، وهذا - أعني قيام إمامين في عصر - هو رأي بعض الزيدية إذا كانا في قطرين متباعدين، وكان بين الإمامين من المودة والإجلال والنصرة، والنصحية أمر عظيم.
وبويع الإمام الناصر سنة (287هـ) بعد قيام الإمام الهادي، وظهوره في اليمن بخمس سنين.
قال الإمام الناصر حاثا على نصرة الإمام الهادي: من يمكنه أن ينصره، وقرب منه فنصرته واجبة عليه، ومن تمكن من نصرتي، وقرب مني فلينصرني (1).
وكان للإمام الهادي مكانة كبيرة في نفس الإمام الناصر، وكان يحسبه من أئمة الهدى.
قال أبو طالب: حدثني رحمه الله - يعني أبا العباس الحسني - عن علي بن سليمان أنه قال: حضرنا إملاء الناصر الحسن بن علي عليه السلام في مصلى آمل، فجرى ذكر يحيى بن الحسين عليه السلام، فقال بعض أهل الرأي - وأكثر ظني أنه أبو عبد الله محمد بن عمرو الفقيه -: كان ذلك والله فقيها، قال: فضحك الناصر، وقال: كان ذاك من أئمة الهدى (2)!!
__________
(1) الإفادة /154.
(2) الإفادة /134.
وحدثني رحمه الله قال: سمعت أبا محمد الزركاني رحمه الله يقول: إنهم كانوا مع الناصر رضي الله عنه بالجيل قبل خروجه، فنعي إليه يحيى بن الحسين عليه السلام، فبكى بنحيب ونشيج، ثم قال: اليوم انهد ركن الإسلام، فقلت: ترى أنهما تلاقيا لما قدم يحيى بن الحسين طبرستان؟ قال: لا (1).
وأحفظ ولم أعد أذكر المصدر أن الإمام الهادي سئل عن الإمام الناصر للحق فقال: عالم آل محمد، كبحر زاخر بعيد القعر.
فكانا كفرسي رهان، يتسابقان على الخير والجهاد، وكان الناس ينظرون إليهما هذه النظرة، حتى قال أحدهم:
عرج على قبر بصعدة ... وابك مرموسا بآمل
واعلم بأن المقتدي بهما ... سيبلغ حيث يأمل
وفاته
وكان من آخر ما قاله الإمام الناصر عليه السلام من الشعر قصيدة أولها:
أناف على السبعين ذا الحول رابع ... ولا بد لي أني إلى الله راجع
وصرت إلى حد تقومني العصا ... أَدبُّ كأني كلما قمت راكع
توفي عليه السلام بآمل، وهو ساجد ليلة الجمعة (25) شعبان سنة (304هـ) وله (74) سنة، ودفن بآمل، وقبره مشهور مزور.
رثاه ولده أبو الحسن بقصيدة مطلعها:
__________
(1) الإفادة /134.
أيحسن بي أن لا أموت ولا أضنى ... وقد فقدت عيناي من حسن حسنا
وقصيدة أخرى مطلعها:
دم الجوف يجري في الحشا متصعدا ... فينهل دمعا صافيا متبددا
أولاده
أبو الحسن علي الأديب الشاعر أمه أم علي بنت عمه.
وأبو القاسم جعفر، وأبو الحسين أحمد، أمهما نقش، وكانت نقش هذه جارية أهدتها امرأة جستان إلى الناصر.
وأم الحسن، وهي فاطمة، وأم محمد، ومبارك، وأم إبراهيم، وميمونة.
الناصرية
والإمام الناصر عليه السلام أولا وأخيراً صاحب مدرسة فقهية متميزة بين مدارس الفقه الزيدي، وإمام مذهب تنسب إليه فرقة تسمى: (الناصرية) تضارع المدرسة (القاسمية) وهما أعظم مدرستين في المذهب الزيدي، والمدرسة الناصرية جديرة بدراسة ضافية، لإبراز جوانب العظمة فيها، أرجو أن يتيسر لي ذلك لاحقا إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
الكتاب
حصلت على نسخة مطبوعة عام (1953م) في إيطاليا. طبعها أحد المستشرقين الإيطاليين، من الأخ الباحث حسن أنصاري أحد أعضاء دائرة المعارف الإسلامية بإيران عام (1996م).
فريت إعادة طبعها لإحياء تراث الزيدية المطمور، وخاصة زيدية الجيل والديلم.
بَيدَ أني لم أحصل على نسخة أخرى، إلا أني اطمئننت لصحة النص، لأنه مطبوعة على نسخة مصححة للإمام يحيى حميد الدين كما هو موضح في نماذج النسخة المطبوع عليها.
والكتاب صورة واضحة عن المعاصر: البلدية والتموين، وشرطة الآداب العامة، أو هيئات الأمر بالمعروف والمنكر، وجميعات حماية المستهلك، وغيرها من الوظائف الاجتماعية التي تنظم الشئون المدنية، والكتاب بحاجة إلى دراسة مستفيضة أرجو أن يتيسر لي ذلك لاحقا. والحمد لله رب العالمين.واجبات الحاكم الدينية والاجتماعية في فطر الزيدية.
والحسبة توازي بمفهومنا
عبد الكريم أحمد جدبان
اليمن _ صعدة
9 / جمادى الأولى /1422هـ
الموافق 29 / 7 /2001م
- - -
l
[أهمية المحتسب]
قال الإمام الناصر عليه السلام في ( جوامع النصوص ) : إني تأملت ما يسأل السائل عنه من المسائل والمعاني التي يحتاج المحتسب أن يكون عالماًَ بها، وعرفت وجه الحاجة إلى تبصّرٍ مِن ولاة الحسبة، بالتقدم بعلم أو بحجة عن معرفة، فلعمري إن التبصر لواجب، وإن عمل الحسبة عمل دقيق، ومن يعنى بمعانيها وأخذها بحقها لقليل. فهي عندي تمام القضاء وأصل المعرفة، وعمادها المعرفة بالله سبحانه وتعالى، ونسأله المعونة على ما يرضيه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله الطاهرين وسلم.
وقد أجمع علماء أهل البيت عليهم السلام أنه لا بد من محتسب في كل مصر من أمصار المسلمين، وأنه لا يتولاها (1) إلا عالم مجرب. فإنه يقع في علمه من الأحكام التي يؤخذ بها الناس ما لا يقع في عمل الحكام.
وإنما يسمى المحتسب: محتسباً، لأنه محتسب في أموره ما يرضى به الله سبحانه وتعالى.
حدثني محمد بن منصور، عن عباد بن يعقوب، عن حسن بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام،
__________
(1) في الأصل: لا يوالاها. وما أثبت اجتهاد.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر )) (1).
[تشريعات للأسواق]
يجب أن يكون المحتسب متفقداً لأحوال السوق، فيغدو في كل غداة على جميع الأسواق، كما كان يفعل أمير المؤمنين علي عليه السلام، فإنه كان يجيء إلى البزازين فيقول: (( يا معشر التجار لا تنقصوا من ذراعكم، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تكذبوا (2) في شريتكم وبياعتكم، فمن فعل شيئا مما (3) نهي عنه عوقب على ذلك بحبس أو ضرب، بعد ما يؤخذ لصاحبه الحق )) (4). وكان علي بن
__________
(1) في الأصل: ((أمروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر بلى منكر فنحن )). لعلها زيادة تصحيف.
(2) في الأصل: تكدوا. وما أثبت اجتهاد.
(3) في الأصل: لما. وما أثبت اجتهاد.
(4) وكان علي عليه السلام بالكوفة يغتدي كل بكرة فيطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرة على عاتقه وكان لها طرفان وكانت تسمى: السبيبة. قال: فيقف على أهل كل سوق فيناديهم: يا معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، قال: فيطوف في جميع أسواق الكوفة ثم يرجع فيقعد للناس. من لا يحضره الفقيه 3/194.
وعن أبي جعفر قال: كان علي عليه السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفا، وكانت تسمى: السبيبة، فيقف على سوق سوق فينادي: يا معشر التجار قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة،و اقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن الكذب واليمين، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، يطوف في جميع أسواق الكوفة فيقول هذا، ثم يقول:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
الأمالي للصدوق /498.
وأخرج ابن عساكر: أن عليا كان يمشي في الأسواق وحده، وهو والٍ يرشد، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن، ويقرأ: { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا }. تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي 3/249(1267)، وهو في كنز العمال 15/159.
أبي طالب عليه السلام يأتي أصحاب الحبوب فيقول: (( لا تبخسوا مكاييلكم وأوزانكم ولا تغشوها )) (1). وكان عليه السلام يجيء إلى اللحامين فيقول: (( لا تنفحوا في اللحم فإنه ضار، ولا تشرخوه فإنه يرفع البركة، ولا تبيعوا لقمة الشيطان - يعني الطحال - )) (2).
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية.
(2) روى الإمام الهادي نحوه فيما يخص الطحال. الأحكام 2/ 403.
وعن الأصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع علي عليه السلام حتى أتينا التمَّارين فقال: لا تنصبوا قوصرة على قوصرة، ثم مضى حتى أتينا إلى اللحامين فقال: لا تنفخوا في اللحم، ثم مضى حتى أتى إلى سوق السمك فقال: لا تبيعوا الجري ولا المارماهي ولا الطافي، ثم مضى حتى أتى البزازين فساوم رجلا بثوبين ومعه قنبر فقال: بعني ثوبين. فقال الرجل: ما عندي يا أمير المؤمنين فانصرف حتى أتى غلاما فقال: بعني ثوبين فماكسه الغلام حتى اتفقا على سبعة دراهم، ثوب بأربعة دراهم وثوب بثلاثة دراهم، فقال لغلامه قنبر: اختر أحد الثوبين فاختار الذي بأربعة ولبس هو الذي بثلاثة دراهم، وقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في خلقه، ثم أتى المسجد الأكبر فكوم كومة من حصباء فاستلقى عليها فجاء أبو الغلام فقال: إن ابني لم يعرفك وهذان درهمان ربحهما عليك فخذهما، فقال علي عليه السلام: ما كنت لأفعل ماكسته وماكسني واتفقنا على رضى. بحار الأنوار 76/ 310.
وأجمع علماء آل الرسول عليه وعليهم السلام أنه كان (( نهى اللحامين عن بيع النخاع (1) والدم المسفوح والغدة الظاهرة والقضيب والخصي والمرارة والِمعَا )) (2). فهذا يجب أن يعرف به أهل
__________
(1) في الأصل: ال. ولعل ما أثبت هو الصواب، سيما مع ذكره في الرواية.
(2) عن أبي يحيى الواسطي قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع: الدم، والغدد، وآذان الفؤاد، والطحال، والنخاع، والخصي، والقضيب. فقال له بعض القصابين: يا أمير المؤمنين ما الكبد والطحال إلا سواء. فقال له: كذبت يا لكع ائتوني بتورين من ماء أنبئك بخلاف ما بينهما، فأتي بكبد وطحال وتورين من ماء، فقال عليه السلام: شقوا الطحال من وسطه وشقوا الكبد من وسطه، ثم أمر عليه السلام فمُرِسا في الماء جميعا فابيَّضت الكبد ولم ينقص شيء منه ولم يبيَّض الطحال، وخرج ما فيه كله وصار دما كله، حتى بقي جلد الطحال وعرقه، فقال له: هذا خلاف ما بينهما، هذا لحم وهذا دم. الكافي 6/254. وأخرج نحوه الطوسي في التهذيب9/74، والصدوق في الخصال2/34.
الأسواق لئلا يبيعوا شيئا من ذلك، وأن ينهوا أن يطرحوا في الطريق عظماً، أو يصبوا فيه دما، وأن لا يبيعوا إلا بالأرطال الحديدية. ويجب أن يقدم إليهم: [أن] يضجعوا الشاة والبقرة عند الذبح، وأن يوجهوا بها نحو القبلة، وأن لا يحددوا الشفرة عند رءوسها في وقت الذبح أو النحر، والبعير ينحر، إن شئت قائما، وإن شئت بَرَّكته وعقلته حتى لا يفلت فجائز، وينحر في اللبة من شقه (1) الأيمن، تحز السكين إلى رأس منكبه الأيمن. فهكذا ينحر البعير.
وأما البقرة والشاة فتذبحان ذبحاً.
وأجمع علماء آل الرسول صلى الله عليه وعليهم أن الذبح من أسفل الخرزة من الحلقوم إلى المنحر، وأن ذلك موضع الذبح. وعلى المحتسب أن يأخذهم بذلك.
__________
(1) في الأصل: شفير. وما أثبت اجتهاد.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه (( كان يأتي أصحاب الحيتان، فينهاهم عن بيع المارماهي والجري والطافي )) (1). وكذلك على المحتسب أن يأمرهم بذلك.
__________
(1) عن محمد بن مسلم قال: أقرأني أبو جعفر عليه السلام شيئا من كتاب علي عليه السلام، فإذا فيه: أنهاكم عن الجري والزمير والماماهي والطافي والطحال. قال: قلت: يا ابن رسول الله يرحمك الله إنا نؤتى بالسمك ليس له قشر. فقال: كل ما له قشر من السمك وما ليس له قشر فلا تأكله.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام كان يكره الجريث. وقال: لا تأكلوا من السمك إلا شيئا عليه فلوس، وكره المارماهي.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكل الجريث ولا المارماهي ولا طافيا ولا طحالا، لأنه بيت الدم ومضغة الشيطان. الكافي 6/220.
وروى عبد الرزاق عن علي عليه السلام أنه: كان يكره من الشاة الطحال، ومن السمك الجرِّي، ومن الطير كل ذي مخلب. المصنف 4/573.
وروى ابن أبي شيبة 1/268، وعبد الرزاق 4/506 و/532، والبيهقي في السنن 9/254، وابن حزم في المحلى 7/397، عن علي أنه قال: الجراد والحيتان ذكي كله، إلا ما مات في البحر فإنه ميتة.
وقال عليه السلام: ما طفا من صيد البحر فلا تأكله. المحلى 7/394. وهو في أمالي أحمد بن عيسى 3/1606(2682)، 3/1636(2734)، وذكره الإمام المهدي في البحر الزخار فقال: مسألة: المذهب ويحرم مستخبثه، وهو ما حرم شبهه في البر، كالجرِّي والمارماهي. البحر 5/302.
ورواه عنه عليه السلام الهادي في الأحكام 2/379.
وعلى المحتسب [أن] يأمر الروسيِّين والشوائين بغسل المذبح من الرءوس قبل أن يجز شعرها. فإنه إن لم يفعل ذلك يصير الدم على المذبح كاللحم، فإذا شوى وخلّي على الرءوس فلا تميّز بينه وبين اللحم ويباع معه. فينبغي أن ينقى بالغسل ويشوى أيضا. فيجب أن يؤمره بنضج (1) الشوى بعد أن ينقيه بالغسل.
ويجب على المحتسب أن يأخذ الخبازين بتنقية الحنطة، وتمييز المسكر منها، ويجعل في عجينه الخميرة، وينضج خبزه، وإن باعه فطيراً بغير خمير وعلم المشتري بذلك من غير أن يدلّسه الخباز فلا بأس. وكذلك خبز الأرز يؤمر أن ينضجه وينقيه.
ويجب أن يأخذ أن لا يبيعوا إلا بالأرطال أو الأمنان (2) الحديدية، وأن يوضع على موازينهم وسنجاتهم (3) الخواتيم المعروفة بالسقلات (4)، ويتعاهدهم المحتسب بذلك تعاهداً شافياً، وما مثل بهم من ذلك.
وكذلك يأمر بيّاعه بعيار القفزان، ويضع عليها الخواتيم.
ويجب فيما كان مكيلاً من ذلك أو موزوناًَ أو معدوداً من الدراهم والدنانير يوفى البائع.
وكذلك على المحتسب أن ينهى الطحانين أن يطحنوا الطعام إلا بأجر معلوم، لخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه (( نهى عن قفيز
__________
(1) في الأصل: بنصح. وما أثبت اجتهاد.
(2) الأمنان: جمع مَنَّ. كيل أو ميزان.
(3) السنجة: الصنحة. لغة فيها.
(4) لم أقف لها على معنى صحيح. ولعلها مصحفة.
الطحان )) (1). وصورته أن يكون للرجل عشرة أقفزة حنطة، فيقول للطحان: اطحنها بقفيز منها، فهذا لا يجوز، ولكن إن كان القفيز وحده ورفعه إليه، وقال: اطحن هذه التسعة الأقفزة بهذا القفيز المكيل، فإنه جائز.
وينهى الطحان عن مغشوش الطعام والشعير، وسائر البيوع من الأشياء، لخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تسعّروا )) (2)، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أن يستقبل الرجل السلعة من الطعام وغيره حتى تدخل البلد، إذ كان لأهل البلد حاجة )) (3).
وعلى المحتسب أن يأخذ بإظهار الطعام إذا كانوا محتاجين إليه.
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية.
(2) أخرجه الترمذي برقم (1235)، وأبو داود برقم (2994)، وابن ماجة برقم (2191)، وأحمد برقم (12131)، والدارمي برقم (2433) بلفظ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ.
(3) أخرجه البخاري برقم (2017)، ومسلم برقم (2790)، والترمذي برقم (1142)، والنسائي برقم (4411)، وأبو داود برقم (2980)، وابن ماجة برقم (2169)، وأحمد برقم (8854)، والدارمي برقم (2453) بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّلَقِّي لِلرُّكْبَانِ وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَأَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَعَنِ النَّجْشِ وَالتَّصْرِيَةِ وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ.
وعلى المحتسب أن ينهاهم عن التخالف وقت التبايع، وعن النداء على المبيع كما ينادي العَيَّارون (1) لترغيب الناس في الشراء، وأن يمدح السلعة، وكثرة النداء عليها، والقيام على رأسها، والتنابح كما ينبح الكلب.
ويجب عليه أن يأمر الناس بأن لا يبيع حاضر للبادي إلا بطلب (2) البادي لذلك.
ويجب على المحتسب أن يأمر السماسرة إذا اشتروا السلعة بدنانير، أن لا يدفعوا إلى البائع دراهم إلا برضاه على صرف يومه، ولا يزيدوا في المبيع على أمنانهم وأرطالهم. وإن أجرة السماسرة فاسدة، ولهم أجرة المثل فيما باعوه وفيما اشتروه (3).
وعلى المحتسب أن يمنع الناس من القصص إلا أن يكون فقيهاً (4)، لقول أمير المؤمنين عليه السلام لقاص رآه يقص: (( أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال: لا. فقال علي عليه السلام له: لذلك هلكت وأهلكت ))، ونهاه عن القصص وقال: (( لا يدع القصاص أن تحدث
__________
(1) العيارون: جمع عيار. وهو الذي يُعيِّر الأشياء. أي: يقدرها. وهو يشبه المزاد العلني في عرفنا المعاصر.
(2) في الأصل: باه. وما أثبت اجتهاد.
(3) في الأصل: اشتروا. وما أثبت اجتهاد.
(4) في الأصل: إلينا فقها. وما أثبت اجتهاد.
إلا بما جاء من الأخبار، وبما تلقته العلماء بالقبول )) (1). وكذلك من المفتي في الفُتَى.
وعلى المحتسب أن يجنبهم المساجد، وأن لا يدع الناس أن يجتمعوا عند القُصاص الجهال، ويمنع من البيع والشراء في المساجد، لخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( جنبوا مساجدكم البيوع والأشرية، ومجانينكم وصبيانكم )) (2)، وأن يقعدوا ويتحدثوا فيها في أمر الدنيا (3)، وأن يجعلوها طريقاً للمارة، أو يدخل الرجل جنبا، ويأمر أن لا يغلقوا أبواب المساجد، وأن لا يصوروا على المساجد التصاوير، ولا ينقشوها بالذهب، ولا يجعلوها كالبِيَع، ولا يعلق فيها الستور، ولا تزخرف ولا تجصص، فإن ذلك كله مكروه، وأن لا ترفع منارات المساجد فوق سطوحها، وما كان منها مرتفعاً فوق السطح فيأمر بستر الثُّلَم، التي تشرف على دور الناس. فقد روي عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((
__________
(1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام رأى قاصاً في المسجد فضربه بالدرة وطرده. وسائل الشيعة 5/245.
(2) أخرجه ابن ماجة برقم (742) بلفظ: عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَاتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ.
(3) في الأصل: الدين. وما أثبت اجتهاد.
لا ترفع منارة المسجد فوق جداره وعمارته، ما لصق معه بناها، مستوية مع سقف المسجد )) (1).
وعلى المحتسب أن يمنع المؤذنين من النخامة والرّيل (2) على باب المسجد، وأن يلقى بعيداً منه، وأن يمنع أن يتخذوا المقابر مساجد، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لعن الله اليهود فإنهم اتخذوا (3) قبور أنبيائهم مساجد )) (4)، وروي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قال: (( إذا رأيتم القُصاص في المساجد فعلى الإسلام السلام )) (5).
وأن يمنع أمام القبلة أن يبزق في المسجد وينخم، وأن يبول الإنسان أو يتغوط حول المسجد أو فوقه، أو يبنى فوق حجره، وأن لا يؤم
__________
(1) عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليه السلام: أن عليا عليه السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها، ثم قال: لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد. تهذيب الأحكام 3/257.
وأخرج أبو داود حديثا برقم (378) بلفظ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
(2) الريل: البصاق. والترويل: أن يبول بولا متقطعا. لسان العرب.
(3) في الأصل: يتخذوا. وما أثبت اجتهاد.
(4) أخرجه البخاري برقم (4087)، ومسلم برقم (826)، والنسائي برقم (696)، وأحمد برقم (1786)، والدارمي برقم (13067).
(5) لم أقف على هذه الرواية.
إمام إلا برضى المؤتمين، ويختار (1) للإمامة خير أهل المسجد وأفطنهم وأسنّهم، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تقدموا سفهاءكم في جنائزكم، ولا في طرقكم، فإنهم يقودونكم إلى ربكم )) (2)، ولا يدخل المساجد يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، وإن كان الحاكم فيها، وكذلك الحائض لا تدخلها، ولا يعزَّر فيها.
[شعار أهل البيت]
وعلى المحتسب يأخذ شعار أهل البيت عليهم السلام، فيأمر أهل ناحيته بالإقامة، وبالقول في آخر الأذان: لا إله إلا الله، مرتين، وفي الإقامة مرة واحدة، وترك قول (3): آمين، وبقول: حي على خير العمل، في الأذان والإقامة. ويأخذهم بالجهر بالبسملة، ويمنعهم من المسح على الخُفين، ويأمرهم أن يكبروا على الجنازة خمس تكبيرات.
[الملاهي]
وعلى المحتسب أن يمنع النجارين والخراطين من اتخاذ النرد والشطرنج والأربعة عشر، وهي الأزلام، وذكر عن أمير المؤمنين عليه السلام (( أنه كان يسلم على كل من مر به، حتى على الصبيان وعلى الحبشي
__________
(1) في الأصل: ويختاره. وما أثبت اجتهاد.
(2) عن علي صلوات الله عليه أنه قال: لا تقدموا سفهاءكم في صلاتكم، ولا على جنائزكم، فإنهم وفدكم إلى ربكم. مستدرك الوسائل 6/464، بحار الأنوار 85/10.
(3) في الأصل: القول. وما أثبت اجتهاد.
المطوَّق (1)، ولم يكن يسلم على صاحب النرد ولا على صاحب شطرنج، وأنه مر بقوم وهم يلعبون بالشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون. ثم أمرهم بكسر الشطرنج، وأحرق الرقعة التي يلعب عليها )) (2)، ويأمرهم بأن لا يتخذوا صنما ولا تمثالاً ولا اللعبة للصبيان، ويكسر ما وجد من ذلك. ولا يتخذوا الكبارات ولا المزمار ولا العود ولا الطنبور ولا المعزفة ولا العرطبة ولا شيئا من الملاهي، ومن اتخذ منهم شيئا من ذلك فإنه يكسر،
__________
(1) لعله يقصد: العبيد المماليك أصحاب أطواق يطوقون بها.
(2) أخرجه الإمام زيد بن علي في المسند /421 - 422، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد في الأمالي [رأب الصدع 3/1573 (2630)]، والهادي في الأحكام 2/553، والبيهقي باختلاف يسير.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن: يسلم على أربعة: على السكران في سكره، وعلى من يعمل التماثيل، وعلى من يلعب بالنرد، وعلى من يلعب بالأربعة عشر، وأنا أزيدكم الخامسة: أنهاكم أن تسلموا على أصحاب الشطرنج. وسائل الشيعة 12/50.
عن الأصبع بن نباتة عن علي عليه السلام في حديث قال: ستة لا ينبغي أن يسلم عليهم: اليهود، والنصارى، وأصحاب النرد والشطرنج، وأصحاب الخمر والبربط والطنبور، والمتفكهون بسب الأمهات، والشعراء. وسائل الشيعة 12/51.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر. وأخرج عبد بن حميد عن علي قال: الشطرنج ميسر العجم. الدر المنثور 3/168.
ويؤدب فاعله على ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (( إني بعثتك على ما بعثني الله عليه من كسر المزامير، وكسر العود، وتسوية القبور مربعة )) (1).
فيجب على المحتسب أن يأخذهم بذلك، وكذلك كل (2) شيء عليه تصاوير مثل الزجاج وغيره، ويأمر بحك التصاوير، فإن لم يمكن حكها إلا بكسرها كسرها، وكذلك ما كان على الأبواب والأكسية، فإنه يقطع رؤوس التصاوير، وكذلك يكسر من الدراهم والدنانير ما كان من ضرب الأعاجم عليه التصاوير.
__________
(1) عن أبي الربيع الشامي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخمر؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله عز وجل بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المعازف والمزامير وأمور الجاهلية والأوثان... الكافي 6/1396.
ورواه الطوسي في التهذيب 9/3، وفي الاستبصار 4/60. والحر العاملي في وسائل الشيعة 24/131، والمحدث النوري في مستدرك الوسائل 16/178.
وأخرج مسلم برقم (1609)، والترمذي برقم (970)، وأبو داود برقم (2801)، وأحمد برقم (703) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَلا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَيِتَهُ.
(2) في الأصل: وكل. وما أثبت اجتهاد.
[آداب الطريق]
وعلى المحتسب أن يمنع الرجال من الاختلاط بالنساء في الأسواق والطرق. قال: وإذا كان في السوق سعة مثل الميدان، أو كان شارعاً واسعاً، فلا بأس أن يقعد البياعين فيه من غير أن يكون في قعودهم ضيق على المارة. وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة (( أن من بَدَرَ إلى موضع من السوق فهو له يومه إلى العشي )) (1). وقد حكم أمير المؤمنين عليه السلام في الكوفة بمثل ذلك، وكذلك أقول.
ويجب على المحتسب أن ينهى أن يبنى على شارع السوق دكان، أو يرتب وتد أو يتحجر (2) على الموضع الذي يسبق إليه، ذميا كان أو مسلما، ولا يدعهم أن يربطوا الدواب في طريق المسلمين، إذا كان في ربطها ضرر بالمارة.
قال: وإذا جلس الرجل في السوق فله حريمه بمقدار ما يضع متاعه، ويمكنه الشراء والبيع.
ويجب على المحتسب أن لا يدع أحداً يبول في الماء، أو يطرح فيه القمامة، أو شيئا من القذارة (3) فيه. وقد جاء النهي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله (( أن يتغوط الرجل على شط نهر، وتحت شجرة مثمرة ))، ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أن يتغوط في
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية.
(2) في الأصل: يتحجز. وما أثبت اجتهاد.
(3) في الأصل: القذرة. وما أثبت اجتهاد.
الطريق، وقال: اتقوا الملاعن )) (1)، يعني بذلك: لعنة الناس لمن فعل ذلك. وقال صلى الله عليه وآله:(( إن من الإيمان أن ينحى الأذى عن الطريق )) (2).
[تشريعات للجنائز والمقابر]
ويجب على المحتسب أن يتعاهد المقبرة لئلا يربط فيها الدواب، وتجعل مرعى، ولا بأس بزيارة القبور، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( زورها ولا تقولوا هُجرا )) (3)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، وعن أكل لحوم الأضاحي فكلوها )) (4).
__________
(1) أخرجه أبو داود برقم (24) بلفظ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ.
(2) أخرجه مسلم برقم (51)، والترمذي برقم (2539)، والنسائي برقم (4919)، وأبو داود برقم (4056)، وابن ماجة برقم (56)، وأحمد برقم (8570). بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ .
(3) أخرجه أحمد برقم (21974).
(4) أخرجه مسلم برقم (1623)، والنسائي برقم (2005)، وأبو داود برقم (3212)، وأحمد برقم (2880).
وروي عن بريدة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( زار قبر أمه آمنة في ألف راكب ولم يدم ويستغفر )) (1).
وروي (( أن فاطمة عليها السلام استقبلت وهي راجعة من قبر حمزة بن عبد الملطب رضي الله عنه وفي يدها مكنسة، وقالت: كنست قبر حمزة )) (2).
__________
(1) أخرج الحاكم عن بريدة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريبا من ألف راكب فنزل بنا وصلى بنا ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تنزفان، فقام إليه عمر ففداه بالأم والأب، يقول: ما لك يا رسول الله؟ قال: إني استأذنت ربي في الإستغفار لأمي فلم يأذن لي، فدمعُ عيناي رحمة لها، واستأذنت ربي في زيارتها؟ فأذن لي، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وليزدكم زيارتها خيرا. المستدرك 1/ 376.
وأخرجه مسلم برقم (1622)، والنسائي برقم (2007)، وأبو داود برقم (2815)، وابن ماجة برقم (1561)، وأحمد برقم (9311) بلفظ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ.
(2) روى الحاكم عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي بن الحسين، عن أبيه: أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة، فتصلي وتبكي عنده. المستدرك 1/377، والبيهقي في السنن 4/78.
وكانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة فتترحم عليه وتستغفر له. تهذيب الأحكام 1/466.
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغر له. من لا يحضره الفقيه 1/181.
ويجب على المحتسب أن لا يترك النساء يجتمعن على المقابر للنوح، ولا في موضع من المواضع للنّوح والصياح، بالويل والثبور، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس منا من شق الجيوب، ونتف الشعور، وخدش الوجوه، ودعا بالويل والثبور )) (1).
وكذلك لا يترك النساء أن يصحبن الجنازة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين وفد على نساء وهن ينتظرن الجنازة فقال لهن: (( أتدفن كما ندفن، أو تدخلن القبر كما ندخل، أوتيهلن (2) التراب عليه، أو تصلين كما نصلي؟ فقلن: لا. فقال صلى الله عليه وآله: يا مفتنات الأحياء، ويا معذبات الأموات، ارجعن مأزورات غير مأجورات )) (3).
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (1212)، ومسلم برقم (148)، والترمذي برقم (920)، والنسائي برقم (1837)، وابن ماجة برقم (1573)، وأحمد برقم (3476) بلفظ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.
(2) في الأصل: تهلن. وما أثبت اجتهاد.
(3) أخرجه البخاري برقم (302)، ومسلم برقم (1555)، وابن ماجة برقم (1566)، وأحمد برقم (26040)، وفي رواية لابن ماجة برقم (1567) بلفظ: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ مَا يُجْلِسُكُنَّ قُلْنَ نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ قَالَ هَلْ تَغْسِلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تَحْمِلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي قُلْنَ لَا قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ.
وفي رواية أخرى: عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَلَا نَكْتَحِلَ وَلَا نَتَطَيَّبَ وَلَا نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ.
ويجب أن ينهى عن الصياح على الجنائز، بأن فلان ابن فلان مات، فيذكر [نهي] علماء أهل البيت عليهم السلام (1) عن رفع الصوت عند الجنازة، وعند قراءة القرآن، وعند الزحف إلى العدو، فإنه فشل، وأن يدخل بين عودي (2) الجنازة، وأن تتبع الجنازة بالمجامر، ويأخذ الناس بالمشي خلف الجنازة فإنه أفضل.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: (( إنما أنت تابع ولست بمتبوع )) (3)، وكذلك يأمر الحفارين بحفر القبور، وأن يجعلوا القبر لحداً، ولا
__________
(1) في الأصل: فيذكر علماء أهل البيت عليهم السلام ذلك عن. وما أثبت اجتهاد.
(2) في الأصل: عود. وما أثبت اجتهاد.
(3) رواه الإمام الهادي عن علي عليه السلام في الأحكام 1/155.
وأخرجه الترمذي برقم (932)، وأبو داود برقم (2769)، وابن ماجة برقم (1473)، وأحمد برقم (3547) بلفظ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّيْرِ بِالْجِنَازَةِ فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَابِعٍ.
يجعلوه ضريحا - يعني - يشق وسطه، إلا أن يكون رَخواً أو يكون بادياً، فقد روى أنه (( شق لأبي جعفر محمد بن (1) علي عليه السلام، وكان بادياً )). وينبغي أن يجعل فيه اللبن والخشب، ولا يجعل فيه الآجر والقصب.
ويجب أن ينهى أن يحفر مقدار القامة، أو إلى الصدر فعلا (2)، وإن لم يمكن حَفَرَ ما نهي عنه.
[صلاة الجمعة والعيد]
ويجب على المحتسب أن يحشر الناس إلى الأعياد، (( وكان لعلي عليه السلام حشار يحشر الناس إلى الجمعة )) (3) . ولا يجب أن يحشر الدواب والبغال، تحمل المنبر إلى الميدان، ولا الناس.
ويجب على الإمام ألا يأمر بإخراج المنبر، فإن أول من أخرج المنبر مروان بن الحكم في إمارة معاوية لعنهما الله (4)، فلا يقتدى به، ولا
__________
(1) في الأصل: لأبي جعفر بن محمد علي. والصواب ما أثبت.
(2) كذا في الأصل. ولعله أراد إلى الصدر أو أعلى.
(3) روى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: على الإمام أن يخرج المحبوسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة، ويوم العيد إلى العيد، فيرسل معهم فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن. من لا يحضره الفقيه 3/32.
(4) أخرجه مسلم برقم (70)، والترمذي برقم (2098)، وأبو داود برقم (963)، وابن ماجة برقم (1265)، وأحمد برقم (10651) بلفظ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ بِهِ وَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا قَالَ فَقَامَ رَجُلٍ فَقَالَ يَا مَرْوَانُ خَالَفْتَ السُّنَّةَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ عِيدٍ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ بِهِ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا قَالَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَنْ هَذَا قَالُوا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيَفْعَلْ وَقَالَ مَرَّةً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ.
يستن بسنته. ويجب إذا ينحر من البدن في الميدان عند المنبر، أن ينهاهم أن يقطعوه قبل أن يبرد.
ويجب على المحتسب أن يقدم للقصابين في يوم الأضحى أن لا يأخذوا بأجرة الذبح والسلخ جلود الأضاحي ولا بعض لحومها، ولا سنامها ولا جلالها (1)، وكذلك نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (2).
وأن يمنع الناس أن يخرجوا من المصلى قبل أن يخطب الإمام، ونهاهم عن الكلام والإمام يخطب يوم الجمعة والعيدين، وأن يترك السُّؤَّال يتكلمون والإمام يخطب. ويأمرهم بتسوية الصفوف، وأن لا يتركوا
__________
(1) الجلال: جل الدابة ما تُلَبَّس لتصان به، نحو الحجلة. لسان العرب.
(2) أخرجه البخاري برقم (1602)، ومسلم برقم (2320)، وأبو داود برقم (1506)، وابن ماجة برقم (3090)، والدارمي برقم (1859). وأحمد أيضا برقم (559) بلفظ: عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْه قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُقَسِّمَ بُدْنَهُ أَقُومُ عَلَيْهَا وَأَنْ أُقَسِّمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا.
فرجة بين الصفين، لئلا يمر بها المار، وإنهم إن تركوها تسللت، فجعلت طريقاً لمن يمر طرقهم، وكذلك إن كان بين الصفين نهر جارٍ، ولا يترك أحدا (1) يقوم أمام الإمام فيصلي بصلاة الإمام، فإن ذلك لا يجزي (2)، ولا يصلي خلف الصف وحده.
ويجب على المحتسب أن يأمر الناس بتكبير التشريق في دبر الصلوات المفروضة، ولا يكبر في دبر صلاة العيد، ولا في شيء من التطوع، وتكبيرات التشريق من يوم عرفة من صلاة الفجر إلى آخر أيام التشريق إلى صلاة العصر، ثم يقطع عقيب صلاة المغرب وهي ثلاث وعشرون صلاة، وينهاهم عن التكبير إذا كان الخطيب على المنبر، ويكبر في الفطر من صلاة العشاء ليلة الفطر إلى صلاة العصر من يومه.
[توجيهات في الحرير والذهب والفضة]
ويجب على المحتسب أن يأمر السرَّاجين (3) والدباغين بترك جلود الميتة وجلود ما لا يؤكل لحمه، ويأمر السراجين بأن لا يستعملوا شيئا من جلد الحمار، ولا من جلود النمر ولا البغال ولا ميثرة (4) الديباج. وروي (( أن أمير المؤمنين عليه السلام قام ليلة في حرب
__________
(1) في الأصل: أحد. وما أثبت اجتهاد.
(2) في الأصل: يجرى. وما أثبت اجتهاد.
(3) السراجين: جمع سرَّاج، وهو بائع السروج وصانعها. والسرج: رحل الدابة.
(4) الميثرة: وطاء يوضع على السرج.
صفين، فعرقبت دابته، فسقط وانكشف عليها الناس، فجاء ابنه محمد بن الحنفية فقال: أتنام في مثل هذا الوقت، وجاء بدابته عليها ميثرة من ديباج لبعض الجند، فلم يركبها. فقال له ابنه: في مثل هذا الوقت تمتنع. فقال: يطاع الله في كل وقت، فلم يركبه. ثم أتى بدابة أخرى عليها ميثرة من غير الديباج )) (1).
وينهى الرجال عن لبس الحرير والديباج.
وعلى المحتسب أن يأمر الصناع بما أجمع عليه أهل البيت عليهم السلام وسائر العلماء. فإن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يتزين بزي المشركين، ومن اتخاذ أواني الذهب والفضة والطسانين (2) والأباريق والأقداح والكوز وما أشبه (3) ذلك لمسلم (4)، ويكسر
__________
(1) عن عمرو بن نعجة السكوني قال: أُتي علي عليه السلام بدابة دهقان ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله فلما وضع يده على القربوس ضلت يده من الضفة فقال: أديباج هي. قال: نعم، فلم يركب. مستدرك الوسائل 3/326.
(2) الطسانين: جمع طاس. والطاس: إناء يشرب به. انظر لسان العرب مادة: طوس.
وقال الإمام الهادي: لا يجوز مكوك طيساني بمكوك ونصف خطة بيضاء. الأحكام 2/63.
(3) في الأصل: أشباه. وما أثبت اجتهاد.
(4) أخرجه البخاري برقم (2501)، ومسلم برقم (3849)، والترمذي برقم (1799)، والنسائي برقم (5206)، وأبو داود برقم (3235)، وابن ماجة برقم (3405)، وأحمد برقم (22182)، والدارمي برقم (2037) بلفظ: عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ.
ذلك، وينهون أن يتخذوا الحلي من الذهب والفضة من الثُغر واللبب (1) على المقدار الذي يجب في مثله الزكاة، وكذلك حلية السيف لا تنبغي على المقدار الذي يجب فيه الزكاة. وروي عن جعفر بن محمد عليهما السلام (( أن قبضة سيف أمير المؤمنين عليه السلام كانت من فضة )) (2)، ولا بأس يكون جُرُبّان (3) الدرع مرصعا بالجواهر والفضة، لإجماع هل البيت عليهم السلام على ذلك.
[توجيهات بشأن المماليك]
ويجب على المحتسب أن يمنع النخاسين عن بيع المغني والمغنية، وأن يأخذ بضرر العبيد والقيان وإخداعهم (4)، ونهى عن تفريقهم (5)،
__________
(1) الثغر: جمع ثغرة، وهي نقرة النحر.
واللبب: جمع لَبَّة، وهو موضع المنحر من كل شيء. لسان العرب.
(2) عن صفوان بن يحيى قال: سألت ابا الحسن عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: نزل به جبرئيل من السماء وكانت حلقته فضة. وسائل الشيعة 3/512.
(3) الجربان: جيب القميص.
(4) في هذه الجملة خلل.
(5) أخرج أحمد برقم (22413)، والترمذي برقم (1204)، والحاكم في المستدرك 2/55، بلفظ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وعليه أن يأخذ النخاسين بأن لا يغيروا شيئا بها، ولا يحصُّوا (1) شعورها، ولا يُجلسوها إذا رَكَّبوها عند العرض، ولا يربطوها في السوق حيث تضر بالمارة (2).
وعلى المحتسب أن ينفي المخنثين من البلد، لإجماع أهل البيت عليهم السلام على ذلك، مع الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نفى مخنثا (3) مع الحكم بن أبي العاص (4). وكذلك ينفى المغني والمغنية إلا أن يتوبوا، ويوقف منهم على صحة التوبة.
__________
(1) الحص: حلق الشعر.
(2) لعل موضع هذه الجملة في البحث السابق عند ذكر الدواب.
(3) المخنث: ـ بكسر النون وبفتحها ـ من يشبه النساء في حركاته وكلامه. والمشار إليه: اسمه هيت وكان من سبب نفيه ما روي أنه كان يدخل على نساء النبي (ص) فدخل يوماً دار أم سلمة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندها، فأقبل على أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وقال: إن فتح الله عليك بالطائف غداً فعليك ببادية بنت غيلان بن معتب فإنها مبتلة هيفاء، شموع نجلاء، إن قامت تثنت، وإن قعدت تبنت، وإن تكلمت تغنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، مع ثغر كالأقحوان، وثدي كالرمان، أعلاها قضيب، وأسفلها كثيب، وبين رجليها كالقعب المكبوب، فهي كما قال قيس ابن الحطيم:
تغترق الطرف وهي لاهية ... كأنما شف وجهها نزف
بين شكول النساء خلقتها ... قَصدٌ فلا جبلة ولا قضف
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله حين سمع كلامه: لقد غلغلت النظر، ما كنت أحسبك إلا من غير أولي الإربة، وكان رسول الله (ص) يضحك من كلامه ويظن ذلك نقصاً من عقله، فلما سمع منه ما سمع، قال لنسائه: لا يدخل هيت عليكن. وأمر أن يسير إلى خارج. فبقي هنالك حتى قبض رسول الله (ص)، فلما ولي أبو بكر كُلم فيه فأبى أن يرده، فلما ولي عمر كُلم فيه فأبى أن يرده، فقيل له: إنه قد كبر وضعف واحتاج، فأذن أن يدخل كل جمعة. قيل: ويرجع إلى مكانه.
أخرجه البخاري فتح الباري 9/274، وأبو داود 2/700 (4949).
(4) الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان ووالد مروان.
قال ابن سعد: أسلم يوم الفتح وسكن المدينة، ثم نفاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف ثم أعيد إلى المدينة في خلاقة عثمان ومات بها.
وروى الفاكهي من طريق حماد بن سلمة: حدثنا أبو سنان عن الزهري وعطاء الخراساني: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص فقالوا: يا رسول الله ما له؟ قال: (( دخل عليَّ شق الجدار وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي. فقالوا: أفلا نلعنه نحن؟ قال: لا، كأني أنظر إلى بنيه يصعدون منبري وينزلونه. فقالوا: يا رسول الله ألا نأخذهم؟ قال: لا ))، ونفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى الطبراني من حديث حذيفة قال: لما ولى أبو بكر كلم في الحكم أن يرده إلى المدينة، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: كن كذلك، فما زال يختلج حتى مات.
وأخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه.
وأخرج أيضا من طريق مالك بن دينار: حدثني هند بن خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصبعه، فالتفت فرآه فقال: (( اللهم أجعله وزغا ))، فزحف مكانه.
وقال الهيثم بن عدي عن صالح بن حسان قال: قال الأحنف لمعاوية: ما هذا الخضوع لمروان؟ قال: إن الحكم كان ممن قدم مع أختي أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يتولى نعلها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحد النظر إلى الحكم، فلما خرج من عنده قيل له: يا رسول الله أحددت النظر إلى الحكم. فقال ابن المخزومية: ذاك رجل إذا بلغ ولده ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر.
وروينا في جزء ابن نجيب من طريق زهير بن محمد عن صالح بن أبي صالح، حدثني نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ويل لأمتي مما في صلب هذا )).
وروى ابن أبي خيثمة من حديث عائشة أنها قالت لمروان في قصة أخيها عبد الرحمن لما امتنع من اليبعة ليزيد بن معاوية: أما أنت يا مروان فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أباك وأنت في صلبه. الإصابة 1/344 - 345.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر، كأنهم قردة). وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلى فتنة للناس، والشجرة الملعونة). يعنى الحكم وولده. الدر المنثور5/309
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لأبيك وجدك (إنكم الشجرة الملعونة في القرآن).الدر المنثور5/310
وعن الأسود، قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد الخلافة؟ قالت: وما يعجب؟! هو سلطان الله، يؤتيه البر، والفاجر، قد ملك فرعون مصر. سير أعلام النبلاء 3/95.
وعن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/479. وذكره في كنز العمال 6/39، وقال: ومال الله دخلا، وقال: أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ بن الوزغ الملعون ابن الملعون. أخرجه الحاكم في المستدرك4/479 قال: هذا حديث صحيح الاسناد.
وعن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال: أنزل الله فيك (والذي قال لوالديه أُف لكما). الآية. قال: فبلغ عائشة فقالت: كذب والله ما هو به ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه. فمروان قصص من لعنة الله عز وجل. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/481. قال هذا حديث صحيح. وعن زهير بن الأرقم قال: كان الحكم بن أبي العاص يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وينقل حديثه إلى قريش فلعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما يخرج من صلبه إلى يوم القيامة. كنز العمال 6/90. قال: أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر: ورب هذا البيت الحرام والبلد الحرام إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم. كنز العمال 6/90. قال: أخرجه ابن عساكر.
وعن ابن الزبير أنه قال وهو يطوف بالكعبة: ورب هذه البينة لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وما ولد. كنز العمال6/90. قال أخرجه ابن عساكر.
وعن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني فقال ونحن عنده: ليدخلن عليكم رجل لعين، فوالله ما زلت وجلاً خارجاً وداخلاً حتى دخل فلان ـ يعني الحكم ـ. الهيثمي في مجمعه1/112. قال: رواه أحمد.
وعن حلام بن جذل الغفاري قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. قال حلام فأنكر ذلك على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب عليه السلام، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله. أخرجه الحاكم في المستدرك 4/479. قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وفي كنز العمال 6/39: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء، وبعضكم يومئذ شيعته ـ يعني الحكم بن أبي العاص ـ قال: أخرجه الدار قطني، في الأفراد عن ابن عمر. وذكره في ص 40. وقال: أخرجه الطبراني عن ابن عمر.
وفي ص 90 بنحو أبسط، فقال: عن ابن عمر قال: هجرت الرواح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء أبو الحسن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أُدن فلم يزل يدنيه حتى التقم أُذنيه فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسآرّه إذ رفع رأسه كالفزع. قال فدعّ الحكم بسيفه الباب فقال لعلي عليه السلام: اذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حبالها، فإذا علي عليه السلام يدخل الحكم بن أبي العاص آخذاً بإذنه له زنمة حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلعنه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا ثم قال: أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين ثم دعا به فلعنه ثم قال: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء. فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه! فقال: بلى وبعضكم يؤمئذ شيعته. قال أخرجه الدار قطني في الأفراد، وابن عساكر.
وعن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمر بن سعيد، قال: أخبرني جدي، قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ومعنا مروان، قال: أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش، فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم، قلنا: أنت أعلم. صحيح البخاري6/2589(6649).
ويجب على المحتسب أن يأمر القاسمين بأن لا يبيعوا الجارية من السبي حتى يستبرئها مولاها، ويعلم حالها وقت السبي حتى تُستبرأ، هل هي منتهبة أو كانت مسلمة في دار الحرب قبل السبي؟ وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه (( نهى عن وطئ الحائل من السبي حتى يستبرئها )) (1). ومن باع منهم جارية فلا يبيعها إلا بعد أن يستبرئها بحيضة، إن كانت من ذوات الحيض، وإن لم تكن من ذوات الحيض
__________
(1) أخرجه مسلم برقم (2643)، والترمذي برقم (1051)، والنسائي برقم (3281)، وأحمد برقم (11370)، والدارمي برقم (2193) بلفظ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ قَالَ أَسْوَدُ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً قَالَ يَحْيَى أَوْ تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ.
لِكَبَرها فإن أهلنا مختلفون فيها، فمنهم من قال: تستبرئ بشهر (1)، ومنهم من قال: تستبرئ بخمسة وأربعين يوماً (2).
وعلى المشتري إذا اشتراها أن يستبرئها بمثل ذلك، ولا يُقِّبلها ولا يباشرها دون الفرج، ويتقدم بالنهي (3) بأن لا يَصِلْنَ شعورهن، فإن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الوصال (4).
ويجب على المحتسب (5) أن لا يدع بائعي الرقيق أن يفرقوا بين الولد والوالد أو أحدهما إذا كان الولد صغيرا في البيع، وحد الصغير ما دام
__________
(1) قال أبو خالد الواسطي: سألت زيد ابن علي عليه السلام عن الأمة إذا كانت لا تحيض بكم يستبرئها؟ فقال عليه السلام: بشهر. المسند /273.
وقال الإمام الهادي عليه السلام: يجب على من باع أمة أن يستبرئها قبل بيعها بحيضة، وكذلك يجب على المشتري أن يستبرئها من قبل وطئها بحيضة، فإن كانت صغيرة أو كبيرة قد يئست من الحيض إستبرأها بشهر قبل بيعها. الأحكام 1/397.
(2) أخرج الإمام أحمد بن عيسى عن علي عليهم السلام قال: تستبرأ الأمة إذا استبريت بحيضة، فإذا كانت لا تحيض فبخمس وأربعين ليلة. الأمالي [رأب الصدع 2/1140 (1921].
(3) في الأصل: النهي. وما أثبت اجتهاد.
(4) أخرجه البخاري برقم (5478)، ومسلم برقم (3963)، والنسائي برقم (5010)، وأحمد برقم (23659) بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
(5) في الأصل: وعلى المحتسب يجب. وما أثبت اجتهاد.
في حجر والدته، ولا يقدر أن يأكل ويشرب وحده ويلبس وحده. وإذا صار على حد بأن يأكل وحده، ويستغني عن والدته، فلا بأس أن يفرق بينهما (1). وكل ذي رحم محرم مثل ذلك، إذا كان أحدهما صغيراً والآخر كبيرا. وروي لنا عن عبد الله بن الحسن (2) عليهما السلام (( أن زيد بن حارثة قدم من بعض غزواته ومعه رقيق من السبي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما لي أرى هذين كئيبين حزينين من بين الرقيق؟ فقال زيد: احتجنا إلى النفقة على
__________
(1) أخرج الحاكم عن عبادة بن الصامت قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين الأم وولدها. فقيل: يا رسول الله إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية. المستدرك 2/55.
وأخرج الترمذي برقم (1204)، وأحمد برقم (22401)، والدارمي برقم (2368) بلفظ: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(2) في الأصل: عبد الله بن الحسين. ولعل الصواب ما أثبت.
قال السياغي: قلت في هامش نسخة السماع ما لفظه: روى عبد الله بن الحسن المثنى عن أمه فاطمة بنت الحسين عليهم السلام قال: (( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين فأصاب سبياً من أهل ميناء وهو السواحل، وفيها جماع من الناس فبيعوا ففرق بينهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يبكون، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ما لهم؟ فقيل: فرق بينهم، فقال: لا تبيعوهم إلا جميعا )). يعني: الأولاد وأمهاتهم. الروض النضير 3/563.
الرقيق فبعنا ولدهما. فقال: ارجع واسترجع ولدهما ورده عليهما )) (1).
وبلغنا عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام أنه قال: البيع يفسخ إن بيع أحدهما.
وبلغنا أنه قال: إن كان الذي باعهما عارفاً بالنهي عن بيعهما أُدِّب بائعهما ومشتريهما، وهكذا مذهبه عليه السلام.
[النهي عن الخمر والربا والغش]
ويجب على المحتسب أن ينهى الخمارين عن بيع الخمور، ويؤدب بائعها، وكذلك بائع المسكر، وإن لم ينزجر (2) الخمارون عن بيع الخمور أحرق عليهم دورهم، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام بسواد الكوفة، فإن كان موضع الخمار إذا أحرق عليه داره يحترق غيره، هدم عليه منزله ولم يحرق. وكذلك من هرب من إمام عادل، فعلى المحتسب أن يهدم داره، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام بدار مصقلة بن هبيرة، حين توارى من ناحيته فارًّا عنهم، ثم لحق بمعاوية لعنه الله (3). فأما المربي فأهلنا مختلفون فيه.
__________
(1) أخرجه الإمام زيد بن علي في المسند /272.
(2) في الأصل: لم ينزجروا على ذلك الخمارون. وما أثبت اجتهاد.
(3) قال أبو مخنف: حدثني أبو الصلت الأعور، عن ذهل ابن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاءه فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه. فقلت: والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال. فقال: والله ما كنت لأُحمّلها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد، ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة ؟!! فقلت له: إن هذا لا يرى هذا الرأي، لا والله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته. قال ذهل: فسكت ساعة وسكت عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له برحه الله فعل فِعلَ السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر !! أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه. نهج البلاغة ،المختار من كلامه (44) وتاريخ الطبري 4/100، ومثله في الكامل لابن الأثير 3/186، ورواه أيضا في ترجمة مصقلة من تاريخ دمشق 55/821.
عن أبي الطفيل أن من بني ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف، وكانوا قوماً يدعون في قريش نسباً، وكانوا نصارى فأسلوا ثم رجعوا عن الإسلام، فبعث أمير المؤمنين عليه السلام معقل بن قيس التميمي فخرجنا معه فلما انتهينا إلى القوم جعل بيننا وبينه أمارة فقال: إذا وضعت يدي على رأس فضعوا فيهم السلاح فأتاهم فقال: ما أنتم عليه، فخرجت طائفة فقالوا: نحن نصارى، لا نعلم ديناً خيرا من ديننا فنحن عليه، قال: فعزلهم، قال: ثم قالت طائفة منهم: نحن كنا نصارى فأسلمنا فنحن مسلمون لا نعلم ديناً خيراً من ديننا فنحن عليه، وقالت طائفة: نحن كنا نصارى ثم أسلمنا ثم عرفنا أنه لا خير من الدين الذي كنا عليه فرجعنا إليه، فدعاهم إلى الإسلام ثلاث مرات فأبوا، فوضع يده على رأسه. قال: فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم. قال: فأتى بهم عليا عليه السلام فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم، وحمل إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام خمسين ألفا فأبى أن يقبلها. قال: فخرج بها فدفنها في داره ولحق بمعاوية لعنه الله. قال: فأخرب أمير المؤمنين داره وأجاز عتقهم. تهذيب الأحكام 10/ 140.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (( أنه أحرق على المربي ماله )) (1)، ومنهم من جعل مال المربي فيئًا إذا لم يعرف أصحابه، ويترك رأس ماله له، وإن عرف أصحابه رد عليهم.
ويجب على المحتسب أن يأخذ الجلابين وأهل كل سوق، إذا باع المنادي منهم سلعة بالنداء وزادوا في ثمنه، ألا ينقصوا ما زادوا في ثمنها، فإنه يقع في ذلك غرر وفساد على ثمن المتاع، ولا بأس بشراء من يزيد في الأشياء كلها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باع متاع رجل حُجر عليه بالزيادة.
وعلى المحتسب أن يأمر الصيارفة بتسوية الموازين والصنجات، وينهى عن أن يكلحوا الدنانير، ولا يتخذوا المزبقة والزيوف (2)، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( ليس منا من غش )) (3)، ويجب عليه أن يأمرهم بأن لا يبيعوا الذهب بالفضة، ولا الفضة بالذهب، إلا يداً بيد، والذهب بالذهب، إلا مثلا بمثل. ولا بأس أن يباع الذهب بالفضة بعشرة أضعافه وأكثر، يداً بيد. ولا يجوز أن يباع الخاتم مع الفضة إلا بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء. ولا
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية.
(2) الزيوف: المغشوشة. والمزبقة: المطلية بالزئبق.
(3) أخرجه مسلم برقم (147)، والترمذي برقم (1236)، وابن ماجة برقم (2215)، وأحمد برقم (6991).
بأس أن يباع حلي الفضة بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء، وإن باعه بالذهب فهو أفضل.
وكذلك جميع الحلي من الثغر واللبب واللُّجم (1)، وجميع الأشياء التي عليها الحلي، وكلما كان من الفضة فلا يباع إلا بمثل ما فيه من الفضة وزيادة شيء يكون له قيمة، وإن باعه بالذهب هو أفضل.
ويجب على المحتسب أن يأمر الصاغة بأن لا يبيعوا ترابهم، إلا بعد أن يُعلم ما فيه من الذهب أو الفضة، ويميز ما فيه، فإن باعه قبل أن يميز فالبيع باطل.
ويجب على المحتسب أن يمنع العطارين أن يجعلوا الرصاص في المسك، وأن لا يبيعوا إلا بعد التنقية، وأن لا يغشوا الزعفران، ولا سائر ما يبيعون من أمتعتهم، ولا بأس ببيع النطامة (2)، لأنها معروفة بالغش.
__________
(1) الثغر: جمع ثغرة، وهي نقرة النحر. وقد تكون الثفر، وهو السير الذي في مؤخر السّرج ويوضع تحت ذنب الدابة يشد به.
اللبب: جمع لِبَّة، وهو موضع المنحر من كل شيء. وقد يكون اللبب الذي يشد على صدر الدابة يشد به السرج.
اللُّجم: في الأصل: اللحم. ولم أقف لها على معنى يتناسب مع السياق. فلعلها تصحفت، ويؤكده قرنه بالثفر واللبب. واللُّجُم: جمع لجام، وهو حبل أو عصا تدخل في فم الدابة.
(2) لم أقف على النطامة في معاجم اللغة. ولعلها نوع من الطيب.
[قوانين طبية]
ويجب على المحتسب أن يمنع الصيادلة من التطبب (1)، إلا أن يكونوا يعرفون الطب (2)، وينهون عن السمومات إلا من طبيب (3)، فإنه يجعل فيه الأدوية مقدار ما لا (4) يضره، وينهون عن بيعه من سائر الناس، ولا بأس ببيع حبة منه يسير، وأن يعالج به خاصة. وحُدِّثت بذلك عن القاسم بن إبراهيم عليهما السلام.
ويجب على المحتسب أن ينهى عن بيع المرارة، ولا بأس بالانتفاع بمرارة ما لا يؤكل لحمه، ولا يبع شيئا من الحرام ولا يتداوَ به، مثل شحم الذيب والخنزير وغيرهما.
ولا يمنع الأساكفة (5) أن يخرزوا شعر الخنزير إذا كان مدبوغاً، ولا يبله بريقه، ولا يأخذه بيده، بصبعه (6) رطبةً. وينهون عن بيع الخُرَّم
__________
(1) في الأصل: الصنادلة من المتطيب. وما أثبت اجتهاد.
(2) في الأصل: الطيب. وما أثبت اجتهاد.
(3) في الأصل: المشمومات إلا من طيب. وأشار في الأصل إلى نسخة بـ (السمومات) ولعله الصواب. وأبدلت كلمة (طبيب) بدل (طيب) إجتهادا.
(4) في الأصل: ملأ يضره. وما أثبت اجتهاد.
(5) الأساكفة: جمع إسكاف، وهو الصانع. وقيل: صانع الأحذية خاصة.
(6) في الأصل: بصيغة. وما أثبت اجتهاد.
(1) للصبيان فإنه سُم، ويؤخد المتطبب بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (( ليتق الله كل طبيب من عربي وعجمي إذا عالج )) (2)، وَلْيأخذ المحتسب أن يعالج العين إلا من يعرف طباقها، ويكون عارفا بذلك الفن.
وكذلك الفصَّاد، ويجب أن يكون عارفاً بالعروق، وأن لا يفصد إلا في وقت يأمر طبيب بذلك، وكذلك البياطرة، ولا يُستعمل إلا عالم بصناعته.
وعلى المحتسب أن ينهى من لم يكن حاذقاً من الحجامين عن الحجامة، وكان بعض الحجامين يمتحن الحاذق فيأمره بشرط الورقة، فإن شرطها ولم ينفذ المشرط إلى خارج الورقة، حكم بحذقه. ويجب مع ذلك أن يكون بصيرا بإخراج الدم، يخرجه على حسب قوة الرجل وضعفه.
__________
(1) في الأصل: المحترم. لعلها مصحفة. وما أثبت اجتهاد. والخُرَّم: نبات الشجر. لسان العرب. فلعله نوع من السموم.
(2) قال علي عليه السلام: من كان متطببا فعالج أحدا فليبتدأ مما أتى فيه على يده، ويشهد شهودا على براءته ثم ليعالج وليجتهد ولينصح وليتق الله ربه فيمن يعالجه. الأحكام للإمام الهادي 2/309.
[آداب عامة]
ويتقدم إليه (1) بأن لا يأخذ من اللحية أحدكم كما يفعله السفلان، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه رسل كسرى وعليهم الشوارب وقد حلقوا لحاهم، قال: (( فمن أمركم بهذا؟ قالوا: كسرى أمرنا به. فقال صلى الله عليه وآله وسلم لما رآهم: أعرض عنهم بوجهه وقال: شاهت الوجوه، ما هؤلاء ؟! قالوا: رسل كسرى. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ولكنا أمرنا بإعفاء اللحى وقص الشوارب )) (2)، وذكر في الخبر أيضا: (( أن الملائكة يتباهون بلحى بني آدم )) (3)، وينهاهم عن شعور الناس، ويؤمر بدفن الدم والشعر، ويتقدم أن لا يختن إلا بعد أن يكون عالماً بالختان والعلاج.
وأما الخُنثى المشكل أن تختن فإن كان له مال كُلِّف أن يشتري له مملوكة لختانه حتى تختنه، فإن لم يكن له مال اشتري له من بيت المال وتوهب له.
__________
(1) قال في هامش الأصل: إنه كتب هاهنا: لعله سقط من هاهنا قدر ورقة والله أعلم.
(2) أخرجه البخاري برقم (5442)، ومسلم برقم (380)، والترمذي برقم (2687)، والنسائي برقم (15)، وأبو داود برقم (3667)، وأحمد برقم (4425).
(3) لم أقف على هذه الرواية. ...
ويجب على المحتسب أن يأمر الحمامي أن لا يدع أحداً يدخل الحمام إلا بمئزر، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ستفتح عليكم أرض فيها بيوت تسمى الحمامات، لا يدخلها من يؤمن بالله واليوم الآخر إلا بالمئزر )) (1)، وأن لا يطلى المتنوِّر بالنورة، إلا من أسفل الركبة، فأما فوق الركبة فيطلى المتنور نفسه، ليكون أستر للعورة، وينهى النساء عن دخول الحمام إلا من علة.
ويجب على المحتسب أن يأخذ أصحاب النشا بأن لا يدوسوه بالأرجل، فإنه طعام، فإنهم يتقدمون في الهرس (2) الذي يتخذونه إلى مقدار العورة، ويأمر باتخاذه بالأيدي.
[قوانين عسكرية]
وعلى المحتسب أن يمنع حمل السلاح والحديد والإبرة بما فوقها - مصنوعاً كان أو غير مصنوع - إلى دار الحرب أو إلى عسكر أهل البغي، وعليه أن يمنع من بيع السلاح والكراع إلى من يستعمله في حرب المسلمين، وعليه أن يمنع الحربي إذا دخل إلى دار الإسلام، أن يشري عبدا مسلماً أو كافراً، فيرده إلى دار الحرب.
__________
(1) أخرجه الترمذي برقم (2725)، وأبو داود برقم (3494)، وأحمد برقم (14124)، وابن ماجة برقم (3738)، والنسائي برقم (398) بلفظ: عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ.
(2) الهرس: الدق في المهراس. والمهراس: حجر مستطيل منقور تهرس فيه الحبوب.
ومن حمل شيئا مما ذكرناه إلى دار الحرب، أُعنِتَ عليه وأُدِّب وحُبس، ولا يُحرق عليه، والحربي إذا دخل إلينا بأمان ومعه سيف وسلاح، فإن أراد الخروج فلا يعترض عليه، وعلى ما معه من السلاح الذي دخل به، وإن باع ما معه وأراد أن يشتري غيره لم يترك، وإن عارض سيفه بخير منه فلا يترك، وإن كان ذلك ردئاً تُرك، وإن دخل حربي إلينا بعبيد وإماء، وأراد الخروج بهم معه، لم يمنع من إخراجهم، فإن باعهم أو عارضهم بعبيد فليس له أن يخرجهم، سواء كان العبيد كفاراً أو مسلمين، وعليه أن يمنع من الخروج (1) بهم إلى دار الحرب.
[نظم في الإدارة المحلية والبلدية]
وعلى المحتسب أن يمنع من حمل أمير من بلد إلى بلد، وكان بأهل البلد الذي حمل منه حاجة بالذي يحمل إليهم، ولا بأس أن يطلق لهم مقدار حاجتهم، ويواسيهم بمقدار ما لا يضر ضرراً فاحشاً بأهل البلد الذي حمل منه.
وعلى المحتسب أن يمنع الناس من حفر البير على طريق المسلمين، أو يتخذوا مسجدا إلا بإذن الإمام، إذا كان شارعاً واسعاً، ولم يكن في حفرها وبنائه ضرر على المارة والمسلمين، وكذلك يمنع من اتخاذ ساقية.
__________
(1) في الأصل: الإخراج. وما أثبت اجتهاد.
وعلى المحتسب أن يتعاهد المساجد والقناطر والطريق، فما (1) رأى فيها من هدم أو ضرر فعليه أن يرفعه إلى القاضي، فإن كان لها وقف أنفق عليها منه، وإن لم يكن لها وقف رفع أمرها إلى الإمام، وإن كان في بيت المال سعة أنفق عليها منه، وإن لم يكن فعلى المسلمين، يعين بعضهم بعضا.
وعلى المحتسب أن ينهى المسلمين من أعياد المشركين، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من سار في أرض الأعاجم ينورز نواريزهم، ويمهرج بمهرجانهم، حشر معهم )) (2)، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (( أنه قَبِلَ منهم الهدية ))، وروي عنه أيضا (( أنه لم يقبلها )). والخبر الذي ذكر قبولها فيه ما فيه، وهو أنه كسر الجامات بينه وبين أصحابه، وحسبها عليهم من الجزية (3).
وعلى المحتسب أن لا يدعُ المسلمين والمشركين إلى الاستسقاء، فإن جاءوا معهم أمرهم ألا يختلطوا بالمسلمين، فإن اللعنة تشملهم، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (4).
__________
(1) في الأصل: فإن. وما أثبت اجتهاد.
(2) لم أقف على هذه الرواية.
(3) قال أبو حرير: إن المجوس أهدوا إليه - الإمام علي - يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر، فقسم السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم. بحار الأنوار41/119.
(4) لم أقف على رواية بهذا المعنى.
وعلى المحتسب أن يأمر أصحاب الآجُر بنضجه، وأن يتخذوه بقالب معروف، وكذلك بياعة النورة يبيعها بقفيز البلد، ويكون الكيل الذي يبيع به كيل أهل البلدان، وأن يُحمِّلوا الدواب إلا ما تطيقه، فإن في حمل ذلك فساداً ومشقة عليها.
[آداب الطريق2]
وعلى المحتسب أن يمنع الصبيان عن المحاربة على الطريق ورمي الحجارة ونحو ذلك، ولعله يتولد من ذلك كسر رأس وذهاب عين. وكذلك لسائر المسلمين أن يمنعهم، وإن لم يكن محتسباً.
وعلى المحتسب أن يمنع الحاوي (1) من اتخاذ الحيات، فإن وجد معهم منها شيئا قتلها، ويمنع من الجلوس على الطريق، وكذلك يمنع المشعبذين (2) من الشعبذة واجتماع الناس، أن (3) يقدم إليه يترك ذلك، فإن عاد بعد ما نهى عنه أُدّب وحبس، وهكذا لسائر المسلمين المنع من ذلك. وكذلك يمنع العوام الذين يجلسون على الطريق، ويخبرون بأسامي الناس، فإن في ذلك فساداً هو منهي عنه.
__________
(1) الحاوي: منسوب إلى الحية، وهو من يجمع الحيات. لسان العرب.
(2) المشعبذين: المشعوذين. والشعوذة: خفة في اليد وأخذ كالسحر يُري الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين. لسان العرب.
(3) في الأصل: فإن. وما أثبت اجتهاد.
[نُظُم وحقوق وواجبات الأقليات في دار الإسلام]
وعلى المحتسب أن يأمر أهل الذمة بأن لا يظهروا شيئا من الشرك، ولا سب (1) الأنبياء عليهم السلام، ويؤخذون بلبس الزنار، وإن ركبوا الدواب لم يركبوها مسروجة، وركبوها بركاب من خشب، وأن لا يُظهروا في أسواق المسلمين صلباناً ولا صنماً، ويأمر المشركات بزي يعرفن به من الزنانير، ويؤخذون بأن لا يدخلوا شيئا من الخمر والخنازير والميتة إلى أمصار المسلمين، ومن أدخل منهم عصيراً فجعله خمراً في داره، لم يعترض له في ذلك، ومن خرج من داره صوتُ منكر من غناء وما يشبهه، فإنه يعاقب على ذلك، ومن أخرج مسكراً فإنه يُحدّ، وكذلك إذا سكر في بيت مسلم أو مشرك، وإنما أعطي الذمة في داره. ومن قذف منهم أقيم عليه الحد، والمسلم إذا قذف أحداً منهم عُزّر على قذفه.
ومن شهد عليه من أهل الذمة أنه سب نبياً من أنبياء الله عليهم السلام فإنه يقتل، إلا أن يسلم، وأحكامهم مثل أحكامنا، يجوز عليهم الطلاق، ويفسد من أحكامهم ما يفسد من أحكامنا، غير ألا تكون شفعة لهم على أحد من المسلمين منهم بالجوار ولا غيره، ما دام واحد من المسلمين يطلب ذلك.
وليس لأحد يظلمهم ولا يتسخّر بهم، ولا يردهم إلى ضيق المواضع، وليس لهم أن يزيدوا شيئا في كتبهم ومتعبداتهم التي صولحوا عليها في
__________
(1) في الأصل: اسم. وما أثبت اجتهاد.
أصل العقد، ولا يُجدِّون شيئا من المتعبدات بعد الصلح الواقع، ولا يمنعون من بنْي ما هدم من ذلك، إذا كان داخلاً فيما صولحوا عليه.
فإذا أربوا فيما بينهم على المسلمين منعوا من ذلك، وأُدبوا عليه، وتقبل شهادة المسلمين عليهم، ولا تقبل شهادة أحد من أهل الكفر على المسلمين، لا في وصية ولا غيرها، وشهادة أهل الكفر تقبل كل صنف منهم على أهل صنفه، كشهادة اليهودي على اليهودي، ولا تقبل شهادة اليهودي على النصراني والعكس، والنصارى تقبل شهادتهم على نصارى مثلهم، والمجوسي على المجوسي، وهو قول القاسم بن إبراهيم عليهم السلام. وليس لهم أن يستعبدوا عبداً مسلماً ولا أمة مسلمة، ومن أسلم من عَبيدهم (1) وإمائهم أمروا ببيعه.
[نظم المستشفيات]
ويجب على المحتسب أن يتفقد أحوال دار المرضى، ويتعاهد أسبابهم، ومن مات منهم كفن من ماله، ومن لم يكن له مال أعلم الإمام ليكفنه من بيت المال، إن كان في بيت المال سعة، وإلا فعلى جميع المسلمين أكفانه. ويجب أن يكون في دار المرضى طبيب حاذق، وتكون (2) نفقته من بيت المال إن كان فيه سعة.
__________
(1) في الأصل: وعبديهم. وما أثبت اجتهاد.
(2) في الأصل: ويكون. وما أثبت اجتهاد.
[رعاية أسر الشهداء]
ويجب على المحتسب أن يتعاهد أبناء الجند الذين قتل آباؤهم في سبيل الله وأهاليهم، وينظر في حالهم ومعايشهم، فإن كان فيهم حاجة إلى الطعام والثياب أعلم الإمام بحالهم ليسدّ خلتهم.
[نظم محلية وبلدية]
وعلى المحتسب إذا لم يكن في البلد قاسم، أن يعلم القاضي يتخذ لهم قاسماً (( كما اتخذ أمير المؤمنين عليه السلام قاسماً )) (1)، وجعل رزقه مائة درهم في كل شهر من بيت المال، فإن لم يكن في بيت المال سعة فليستأجر الناس لأنفسهم وقت الحاجة.
ويجب على المحتسب أن يمنع القصارين من أن يدقوا الثياب دقاً فاحشاً، فإن في ذلك فساد الثياب وبخساً على من يريد شِراها، ويمنعهم من أن يتخذوها بالكبريت إلا بالمقدار الذي يعلم أنه لا يضر ذلك بالثياب، وعليه أن يمنع من أن يطلى على الأكسية الدواء
__________
(1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: لا بد من قاضٍ ورزقٍ للقاضي، ولا بد من قاسمٍ ورزقٍ للقاسم، ولا بد من حاسبٍ ورزقٍ للحاسب.
وزاد في نسخة الشهيد: ولا بد من أمينٍ ورزقٍ للأمين.
وعنه عليه السلام أنه قال: لا بد من قاضٍ ورزقٍ للقاضي، ولا بد من قاسم ورزق للقاسم، ولا بد من حاسب. مستدرك الوسائل 17/408.
الذي يجعل في الأكسية والمقانع، فإن في ذلك غشاً، ويطلق لهم المقدار اليسير من ذلك الذي لا يفسد الثياب والمقانع.
ويجب على المحتسب أن يمنع الحَوكَة من نسج الثوب بثلث قيمة الثوب أو الربع، فإن فعل ذلك فله أجرة المثل فيما عمل، لأن هذه إجارة فاسدة.
وعلى المحتسب أن يمنع الصباغين عن صبغ الثياب بالزعفران، للرجال خاصة، فإن لبسه حرام عليهم، لنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لبس المزعفر للرجال (1).
سئل القاسم بن إبراهيم عليه السلام عن الصَّبَّاغ الذي يجعل الدم في الصبغ؟ فقال: أكره ذلك به، فإن فعل فلا بأس إذا غسل بعد الصبع، فإنه ليس بأكثر من دم يصيب الثوب (2)، فيغسل فيبقى أثره. وهو عندنا كذلك. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (( أنه خرج يوماً وفي إحدى يديه ديباج، وفي الأخرى ذهب. فقال: هذان
__________
(1) أخرج البخاري برقم (5398) بلفظ: عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.
وأخرج مسلم برقم (3923)، والترمذي برقم (2740)، والنسائي برقم (2658)، وأبو داود برقم (3647).
وأخرج أحمد برقم (12474) بلفظ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ عَنِ الْمُزَعْفَرِ.
(2) في الأصل: يصيب في الثوب. وما أثبت اجتهاد.
محرمان على ذكور أمتي، وعلى إناثها حلال، وهما للكفار في الدنيا ولنا في الآخرة )) (1).
وعلى المحتسب أن يمنع القصارين والصباغين من صب الغسلان في النهر وفي الطريق، فإن ذلك فساد، وعليه أن يمنع جميع الناس عن إلقاء القمامة وكل قَذَر في الطريق والمحال.
وعلى المحتسب أن يحفظ الضالة، ويجب أن يكون للإمام حظيرة يمنع فيها الضوال، كما فعل أمير المؤمنين علي عليه السلام (2)، وتخرج
__________
(1) أخرجه البخاري برقم (5006)، ومسلم برقم (3849)، والترمذي برقم (1642)، والنسائي برقم (5057)، وأبو داود برقم (3535)، وابن ماجة برقم (3587)، وأحمد برقم (711) عن عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ لَوْلَا أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَمْ أَفْعَلْ هَذَا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ.
وفي لفظ ابن ماجة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي إِحْدَى يَدَيْهِ ثَوْبٌ مِنْ حَرِيرٍ وَفِي الْأُخْرَى ذَهَبٌ فَقَالَ إِنَّ هَذَيْنِ مُحَرَّمٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ.
(2) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه: كان بنى للضوال مربداً فكان يعلفها لئلا يتعرضوا لها، لا يُسمنها ولا يهزلها، ويعلفها من بيت المال، فكانت تُشرف بأعناقها فمن أقام بينة على شيء منها أخذه وإلا أقرها على حالها لا يبيعها. مستدرك الوسائل 17/135.
وعن سعيد بن المسيب: رأيت عليا بنى للضوال مربداً، فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال، فمن أقام عليها بينة أخذه وإلا أقرها على حالها. بحار الأنوار41/118. ورواه نعمان التميمي في دعائم الإسلام2/498.
رءوسها إلى الشارع حتى يعرفها أصحابها، وتعلف الضوال من بيت مال الصدقة، فإن لم يكن في بيت مال الصدقة وُسعةٌ، وكان في بيت مال الخراج سعة أنفقوا عليها، فإن خيف عليها تتلف من موت رفع المحتسب أمرها إلى قاضي مصره، يجنبها القاضي ويبيعها، ويجعل ثمنها في بيت مال الصدقة. وللإمام أن يجعل ثمنها رزقاً لمن يستحقه، فإن جاء صاحبها رده عليه من بيت المال.
ويجب على المحتسب أن يأخذ اللقيط إذا وضع أو علم به، وأن يعلم القاضي ليكتب حِليَته ويسلمه إلى ثقة، وتخرج نفقته من بيت المال، ويدفعها إلى من يجعله في حجره ويأمره بالنفقة عليه، وإن لم يكن في بيت المال سعة، فإن نفقته على جميع المسلمين، ولا يبيع اللقيط فإن اللقيط حرٌّ، إنه قضى به أمير المؤمنين عليه السلام (1).
- - -
__________
(1) أخرج الإمام زيد بن علي: أن عليا عليهما السلام قال: اللقيط حر. المسند /289.
الفهرس
مقدمة ... 3
أبوه ... 4
أمه ... 5
ولادته ... 5
صفته ... 5
نشأته ... 5
الإمام المجاهد ... 8
الإمام الداعية ... 9
الإمام العالم ... 10
الإمام المؤلف ... 15
الإمام الشاعر ... 18
الإمام الفارس الشجاع ... 28
الحاكم العادل ... 29
الحكيم الواعظ ... 31
الإمام الرياضي ... 32
جواز قيام إمامين في قطرين متباعدين ... 33
وفاته ... 34
أولاده ... 35
الناصرية ... 35
الكتاب ... 36
[أهمية المحتسب] ... 42
[تشريعات للأسواق] ... 43
[شعار أهل البيت] ... 53
[الملاهي] ... 53
[آداب الطريق] ... 56
[تشريعات للجنائز والمقابر] ... 57
[صلاة الجمعة والعيد] ... 61
[توجيهات في الحرير والذهب والفضة] ... 63
[توجيهات بشأن المماليك] ... 65
[النهي عن الخمر والربا والغش] ... 75
[قوانين طبية] ... 79
[آداب عامة] ... 81
[قوانين عسكرية] ... 82
[نظم في الإدارة المحلية والبلدية] ... 83
[آداب الطريق] ... 85
[نُظُم وحقوق وواجبات الأقليات في دار الإسلام] ... 86
[نظم المستشفيات] ... 87
[رعاية أسر الشهداء] ... 88
[نظم محلية وبلدية] ... 88
الفهرس ... 92
- - -