أنـــوار اليقــــين

 في

 إمامة أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين

علي بن أبي طالب عليه السلام

تأليــف

الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن المختار بن الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) (...-....)

 

دراسة وتحقيق وتعليق

عبد الله عبد الله أحمد الحوثي

 

[الجزء الأول]


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه أستعين، والحمد لله رب العالمين الحمد لله الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة معرباً عن حالها، بعجز العباد كافة، عن أمثالها؛ بل علموا أن لو تعاونوا، وتظاهروا، وتعاضدوا، وتوازروا لما استطاعوا بأن يأتوا بأمثالها، ولا أن ينسجوا على منوالها {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:73-74] {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:67].

فوا عجباً مِن عَجَزَة مستحقَرين أذلة، مستصغرين لا يقدرون على خلق جسم صغير، ولا يستطيعون إيجاد جوهر فرد حقير تحزبوا في جحدان الله أحزاباً، واتخذوا من دون الله أرباباً، فمن جاحد لربه، مفترٍ يسير مرحاً في حلبة عُجْبه، ومن جاعل للنور والظلمات فأعلن للخيرات والشرور رافض لعقله الذي جعل عليه دليلاً متنكب عن سواء الصراط فمن يهتدي إليه سبيلاً، ومن مشرك للشيطان مع الرحمن قائل.......... ويزدان إن لم يميز بين الحسن، والقبيح مماثل، بين السقيم والصحيح، ومن قائل بالأقانيم الثلاثة، مشرك مع الله تعالى، ما ابتدع إحداثه، ومن عابد للوثن، والصليب، والحجر، وعاكف للنار، والشمس والقمر، ومن قائل بالعقول، والعلل مبطل للأديان، والملل، ومن مثبت قدماً مع الله أربعين مرخٍ زمامه في كف إبليس اللعين،، ومن خاضع للجثة الطويلة العريضة العميقة دهره، توجه للعبادة، بزعمه إلى فاعل القبائح عمره هذا، وهو لا يدري بزعمه في أي القبضتين يصير، ولَعَمْرُ اللهِ لهو على جميع حالاته حسير إلى غير ذلك من جهالات العبيد، وتعذبهم على الحميد المجيد نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة والأولاد مع ما أشركوا معه من الأنداد، {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}[الرعد:16].

هذا وقد حكمت عليهم عقولهم وان لم يسمعوها، وشهدت عليهم أفئدتهم وإن لم يفهموها بأن هذا العالم بأسره وما فيه من نفعه وضره، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه مع ما شفع ذلك من اختلاف صوره وهيأته، ونموه وثباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمته وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، وذهابه وفوته؛ فإن ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر، عليم لأن هذا الإختلاف بعد الإشتراك إن حصل بذوات العالمين، وجب كون ذواته على صورة واحدة أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة، هذا مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدِث سِواها وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة أو مادة أو عقل أو طبيعة أو غير ذلك من أنواع التـُرَّهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديماً أو معدوماً أدى ذلك إلى قدم العالم، وهو محال وإن كان محدَثاً احتاج إلى محدِث، ثم الكلام فيه كالكلام فيها فيتسلسل ذلك إلى ما لا يتنهى أو ينتهي إلى فاعل لا يحتاج إلى فاعل، وجب القول به {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[غافر:64]القائل وقوله الحق المبين{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:12-14] نحمده حمداً يطاول الأمد، ويستغرق العدد، ونصلي على صفيه البشير النذير محمد بن عبد الله السراج المنير وعلى أخيه وابن عمه، وباب مدينة علمه، وعلى سيدة النساء وخامسة أهل الكساء وعلى ابنيهم المطهرين سيدي شباب أهل الجنة رضيعي الكتاب والسنة، وعلى آلهم الطيبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً أما بعـــد:

 أيها الإخوان، والأولياء كثركم الله في طاعته، وجعل لكم الحظ الأوفر، من ولاية محمد وشفاعته فإني لما رأيت ميل أكثر الناس عن أهل البيت المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين وما هم عليه من جحدان وراثة -أمير المؤمنين- نبيه وكونه وليه ووصيه وأولى الناس من بعده بالإمامة، وأحقهم بالزعامة دعاني ذلك إلى تأليف كتاب يشتمل على بيان هذا الباب فإياكم أن يعنتكم عن هذا المذهب الشريف، والدين الحنيف تحريف الضالين، وانتحال المبطلين؛ فإنما أنتم النمرقة الوسطى الذين حَمَلَهم آل محمد صلوات الله عليه وآله على المحجة البيضاء، أما علمتم أنكم أتباع الثقلين، وشيعة الأخوين جمعتم من الدين ما فرقه الناس، ولم يختم على قلوبكم الشك والإلتباس بل حفظتم رسول الله في عترته واستمسكتم بالوثقى من عروته، ولم تفصلوا بينه وبين أخيه ووصيه، ومنجز وعده، وقاضي دينه، ووليه، لم تجذبكم الأهواء المضلة عن الصواب، ولا خالطكم ما خالط الفرقَ من الشك والإرتياب فأنتم حماة الدين وأنصار الحق المبين { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الحديد:21]، فإياكم رحمكم الله أن تصغوا إلى القول بالإعتزال فتشركوا قريشاً في وراثة الآل فشتان والله بين القوم. وكم بين اليقضة والنوم أين الثريا من الثرى، وأين المنسم من القرى أين العجز من الإستطاعة، بل أين المعصية من الطاعة، كم بين السعود والنحوس، وشتان بين الظلم والشموس، أين الغرق من النجاة، وأين المضلون من الهداة، وأين البدعة من السنة، بل أين النار من الجنة، أترضون بدلاً عن آل محمد النبي بتيم وأميه وعدي في أي مذهب صحيح، وأي بيع ربيح إذاً تطَّرحونه بين آل محمد الطيبين ذلك هو الخسران المبين هيهات أن تجدوا بهم بديلاً، ولن تلقوا أهدى من سبيلهم سبيلاً وفي ذلك أقول:

لم ينجُ في الكهف سوى عصبة
ولا
نجى في قوم نوح سوى
ألم
يكن في المغرقين ابنه

 

فرت عن الدار وأربابها
سفينة
الله وأصحابها
إذ
غاب عن حوزهِ رُكَّابها

وهل نجى بالسلم إلا الأولى
أو
أدرك الغفران من لم يلج
أعيذكم
بالله أن تجمحوا

 

رقوا إلى السلم باسبابها
بالأمس
في الحطة من بابها
عن
عترة الحق وأحزابها

وما قصدنا بهذا أيها الإخوان والأولياء رحمكم الله إلا التذكير الذي ندب الله إليه، وأن نبين طرفاً من المنوال الذي نسجنا عليه وإن كانت بحمد الله شموسه طالعة غير آفلة، وحججه عالية غير سافلة إذ قد صنف أباؤنا الأطهار، ومتكلموا الزيدية الأخيار في ذلك التصانيف الجمة، وكشفوا غياهب الشك المذهلة إلا أنَّا أحببنا أن ننتظم في جماعتهم وأن نذُب عن حمى حوزتهم، وقصدنا بجمع هذا الكتاب التعرض لما [ ] روينا عن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله جعل لأخي علي فضائل لا تحصى كثرة فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائلهم لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالإستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر؛ ثم قال: النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة فلا يقبل الله إيمانَ عبد إلا بولايته والبراءة من أعدائه)) ؛ فالثواب لنا على ذلك بمشيئة الله عظيم، وفيه للملتزم بحبل أهل البيت صراط مستقيم، وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم. فابتداءنا بعد الإستعانة بالله تعالى والتوكل عليه وتفويض أمورنا كلها إليه بإنشاء هذه الأرجوزة المسماة: [بأنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين]، وما درج في خلال مناقبه من إمامة الحسن والحسين وأبنائهما الطيبين، وبيان ما اشتملت عليه أبياتها بما هو كالشرح لها لتفصيل مجملها، ونفتح مقفلها، وهذا أوان الإبتداء سائلين الله التوفيق فيه وفي الانتهاء بمنه ولطفه إنه جواد كريم.

الحمد للمهيمن الجبار
ومنشئ
الغمام والأمطار
ثم
صلاة الله خصت أحمدا

 

مكور الليل على النهار
على
جميع النعم الغزار
أبا
البتول وأخاه السيدا

وفاطماً وابنيهما سم العدا
يا
سائلي عمن له الإمامة
ومن
أقام بعده مُقامه

 

وآلهم سفن النجاة والهدا
بعد
رسول الله والزعامة
ومن
له الأمر إلى القيامة

خذ نفثاتٍ عن فؤادٍ منصدع
لحادث
بعد النبي متسِع
الأمر
من بعد النبي المرسل

 

يكاد من بث وحزن ينقطع
شتت
شمل المسلمين المجتمع
من
غير فصل لابن عمه علي

هذا بنص الواحد الفرد العلي
والأمر
فيه ظاهر مشهور
وكيف
يخفي من صباح نور

 

وحكمه على العدو والولي
في
الناس لا مُلغى ولا مستور
لكن
نزل الخطل المخسور

ما قبض الله النبي المصطفى
وحسبهم
أخو الرسول وكفى
فذاك
قولي وهو قول الآل

 

حتى أراهم الوصي خُلفاً
لكن
أرادوا ان يسموا خلفاً
وهم
أمان السهل والجبال

وشهداء الله ذي الجلال
وقال
قوم إنما الخلافة
مقالة
تعزي إلى خرافة

 

وقول كل الشيعة العمال
من
قبله لابن ابي قحافة
كم
بين سبل الأمن والمخافة

وجعل الأمر عتيق لعمر
ثمت
ألقاه تراثاً لنفر


 

من بعده كما استفاض واشتهر
فخف
عثمان إليها ونفر


اعلم أرشدك الله أن الكلام في هذه الأرجوزة، وشرحها ينطوي على أربع مواضع:

 أحـدها: في حكاية المذهب، وذكر الخلاف في الإمام بعد رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم.

والثــاني: في حكاية طرف من أحوال أمير المؤمنين -عليه السلام- وأحوال أبي بكر، وعمر وعثمان في ابتداء الأمر، وانتهائه من كل وأحد منهم، وما حدث من التنارع في الإمامة بعد الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم.

 والثـالث: في ذكر طرف من شرف أمير المؤمنين ومناقبه وبيان ما به يشرف على القوم، ويكون لمكانه أولى بالتقديم عليهم.

وهذا الموضع الثالث اشتمل على ثلاثة أركان:

 أحــدها: بيان طرف من التنبيه على وجوه الأدلة فقط.

والثــاني: على تحرير الأدلة على استحقاقه لهذه الرتبة، وكونه أولى بها منهم مع بعض بسط في الأدلة وإدحاض ما يعترض به عليها.

والثـالث: الدلالة على إمامة الحسن والحسين بعده وحصر الإمامة في أبنائهما الطيبين عند ذكر شرفه بأولاده عليهم جميعاً سلام الله ورضوانه، ويدخل في هذا الركن الثالث ما نظفر به من أقوال الأئمة في علي -عليه السلام-، وفي الثلاثة القائمين بالأمر قبله، وما يتعلق بذلك من ذكر أهل البيت وكونهم على الحق وأن اْتباعهم هم الأولى.

والـرابع: من المواضع في إبطال شُبهة المخالفين على إمامة القوم وإفساد ما يظنونه دلالة على حسب الإيجاز والإختصار، ثم تختم هذا الكتاب بزُبد من كلام أمير المؤمنين -عليه السلام- في الخطبة الزهراء ونبذٍ من ذكر أتباعه وأتباع أهل البيت -عليهم السلام- وأنهم الزيدية دون الفرق، وأنهم الناجون غداً دون غيرهم بمشيئة الله تعالى، ونحن نذكر هاهنا الموضع الأول، وهو في حكاية المذهب والخلاف في الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونأتي على جميع المواضع في مواضعها إن شاء الله، اختلف الناس في الإمام بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت الزيدية الجارودية، والإمامية إلى أن الإمام بعده بلا فصل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأنَّ طريق إمامته النص.

ثم اختلف هؤلاء فقالت الإمامية إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص عليه نصاً جلياً يعلم كل أحد ممن سمعه قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ضرورةً، وقالت الزيدية الجارودية بأن النص على إمامته عليه السلام مما يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل ونظر، وما هذه حاله فقد يجوز أن يُخطئ فيه البعض، ويصيب البعض، ويجوز أن يكون بعضهم قد اضطر إلى قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، ولم يضطر الباقون، ومن اضطُر منهم كتم بعضهم وسكت بعضهم، ومن لم يضطر منهم يجوز أن يكون قد استدل بعضهم على قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وبعضهم قد أخل بما يجب عليه من النظر والإستدلال فجعل مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فلهذا لا يقطع على فسق من هذه حاله ما لم يظهر من بعضهم ما يوجب الفسق هذا هو ظاهر مذهب الزيدية الجارودية، وأنه كان يوجد في كلام أمير المؤمنين وكلام غيره من الأئمة عليهم السلام من التوجع، والتألم على المشائخ الثلاثة ما سيأتي ذكر بعضٍ منه فيما بعد إن شاء الله تعالى وفيه ما فيه فنسأل الله تعالى الثبات على ما يرضيه، وذهبت المعتزلة ومن طابقها من الزيدية الصالحية، والخوارج، وأصحاب الحديث إلى أن الإمام بعد الرسول عليه السلام هو أبو بكر، واختلفوا في طريق إمامته فالمحصلون منهم: يقولون طريقها العقد، والاختيار، والآخرون يقولون طريقها النص من النبي صلى الله عليه وسلم على إمامته وهم في النص على قولين مثل ما مضى في النص على إمامة أمير المؤمنين، والخلاف في كونه جلياً أو خفياً، فهذا هو الكلام في الموضع الأول.

وسوف يبدوا لك وجه الحُجج
لكن
تعاموا عن ضياء المنهج
لما
قضى المختار فيهم نحبه

 

يسطع نوراً كالصباح الأبلج
وكم
وكم بين خلي وشجي
وهجمت
على أخيه الكرُبه

 وقام في جهازه والأُهبه
نادى
أبا بكر إلى الأمر عمر
وغادراه
ميتاً خير البشر


 

ولم يُضِع أُخوةً وصحبه
فجد
واستقلق فيه واستشر
وكان
أولى عند هذا بالنظر[5-ج]


فقصدا سقيفه الأنصار
وقيل
بالعقد والإختيار
واشتعلت
هنالك المنازعة


 

وأظهرا شراً من الأشرار
فهاج
شر كوقود النار
وانتضيت تلك السيوف القاطعة


وجا عتيقاً بعضهم فبايعه
وقيل
بالأمير والأمير
إذ
بايعوا غير أبي شبير


 

ولم تكن بيعه حق جامعه
ودان
بعض القوم بالنكير
فهاج
ماهاج من الشرور


فكسروا سيف الزبير كسرا
ووجاؤ وسلمان أيضاً قسراً
وقيل
بايع يا أخا النبي


 

وضربوا عمار ضرباً جهراً
وأقبلت
تلك الخطوب تترا
فقال
إن لم تك من علي


قالوا فضرب عنق الوصي
فامسك
الصديق خوفاً للفتن
ولم
يكن بالجبن عن حربٍ يُزن


 

ميلاً عن الولي والمُولى
من
مبغض الإسلام أرباب الإحن
بل
كان معروفاً بها أبو الحسن


وانتهبوا جهالة تراثه
وكم
دعاه الأمر واستغاثه

 

وأظهر الدهر له أحداثه
لولا
الخطوب لم يدع ميراثه

نحن نتكلم هاهنا فيما وعدنا به من الموضع الثاني، وهو في حكاية طرفٍ من أحوال أمير المؤمنين -عليه السلام- وأحوال أبي بكر، وعمر، وعثمان في ابتداء الأمر وانتهائه، ويدخل في ذلك بيان شئ من التنازع والتشاجر الواقع بين الصحابة لنبين طرفاً مما أجملناه في الأبيات المقدم ذكرها الآن اعلم أرشدك الله تعالى أنه لا خلاف في وقوع التنازع والتشاجر بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة فيما بلغَنا عن الصحابة والتابعين والناقلين عنهم إلى يومنا هذا، وسبب ذلك صَرْفُهم الأمرَ عن مكانه، وإخراجهم له عن معدنه فإن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان قد وجه بعث أسامة وحرضهم وحرض الناس على التقدم معه، وجعل أبا بكر، وعمر وأبا عبيده، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم من المهاجرين والأنصار تحت رايته، ولم يرخص لهم بالمقام في المدينة، وكان-عليه السلام -في حال مرضه يحرض الناس على ذلك أشد التحريض، ويضيق عليهم، ولم يرخص لأسامة في المُقام بالمدينة؛ لما هُمْ بانتظار أمر الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم، وما يصير إليه من مرضه عند شدة المرض به؛ بل لم يدعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفيهم أبو بكر، وعمر، وهو يقول انفذوا في جيش أسامة وفي بعض الأخبار انفذوا جيش أسامه لا يتخلف عن بعثه إلا عاصي لله ولرسوله فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثقيل مغمى عليه، فدخل أسامة وعيناه تهملان، وعنده العباس، والناس حوله فتطأطا عليه أسامة والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يده إلى السماء ثم ينصبهما.

 قال أسامة: فعرفت أنه يدعو[6-ج] لي فرجعت إلى معسكري؛ فلما كان يوم الإثنين جاء أسامة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بركة الله فودعه أسامة وصاح أسامة بأصحابه، فأمرهم باللحوق بالمعسكر والرحيل، ومات رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم، واشتغل أمير المؤمنين وأهل بيته بجهازه، وفي خلال ذلك جاء عمر بن الخطاب يحث أبا بكر على التقدم معه إلى سقيفة بني ساعده، وعلى القيام بالأمر، وكان سبب ذلك مارويناه عن الإمام المنصور بالله –عليه السلام في: (الشافي) عن المغيرة بن شعبة أنه قال: أنا أول من صرف هذا الأمر عن أهل هذا البيت، وذلك أني أتيت يوم وفاة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو بكر لازم للباب.

فقلت: ما وقوفك هاهنا.

قال: أنتظر علي بن أبي طالب يخرج فنبايعه، فقد سمعنا فيه من الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعنا.

فقلت: أنشُدك الله في الإسلام وأهله، والله لإن فعلتم ذلك لتكونن قيصرية وكسروية ولينتظرن بها الجنين في بطن المرأة، فلم يقبل قولي فذهبت إلى عمر فلقيته فقلت: الله الله في الإسلام أني لقيت أبا بكر فهو ينتظر علياً، وقال كذا، وقلت كذا، والله لئن فعلتم هذا لينتظرن بها الجنين في بطن المرأة، ولتكونن كسروية، وقيصرية.

قال: وخف معي عمر، وكان أبو بكر لا يكاد يخالفه فما زال ينقله على الذروة والغارب، حتى أخذ بيده وسار إلى سقيفة بني ساعدة، وكان ما علمه الناس تمت روايته عليه السلام، وروينا عن غير المنصور بالله عليه السلام من الأئمة -عليهم السلام- أن عمر لما أتى إلى أبي بكر قال له: ما دعاك إلى ما يقول المغيرة انظر يا أبا بكر لا تُطمِع في هذا الأمر بني هاشم فإنا إن فعلنا ذلك ذهبت الإمرة من قريش آخر أيام الدنيا؛ وفي بعض روياتهم -عليهم السلام -بإسناده عن: عروة بن المغيرة بن شعبة قال: سمعت أبي يقول: إن أول من أخرج هذا الأمر من آل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أنا.

فقلت: وكيف ذلك يا أبتي.

قال: انطلقت يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى باب حجرته، وقد اجتمع كثير من الناس فيهم أبو بكر.

فقلت: ما حبسك هاهنا.

قال: أنتظر أن يخرج علي بن أبي طالب فنبايعه، فإنه أولى بالقيام في أمر أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -لسابقته، وقرابته، مع علمه لمعرفته بالكتاب، وشرائع الإسلام، وقد عهد إلينا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته.

 فقلت: يا أبا بكر لو فعلمتوها لتكونن هرقلية، وقيصرية ينتظر بهذا الأمر الجنينُ في بطن أمه من أهل هذا البيت حتى يضع.

قال: فألقيتها في قلبه، ثم أتيت عمر بن الخطاب

فقلت: أدرك.

 فقال: وما ذاك.

 قلت: إن أبا بكر جالس على باب حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر خروج علي بن أبي طالب ليبايعه، ولعمري إن فعلتموها لتكونن هرقلية، وقيصرية، وينتظر بها الجنين في بطن أمه ما في بطنها، حتى تضع؛ فقام سريعاً واحمرت عيناه غاضباً، حتى أتا أبا بكر؛ وقال: ما دعاك إلى ما يقول المغيرة انظر يا أبا بكر لا تطمع بني هاشم في هذا الأمر، فإنا إن فعلنا ذلك ذهبت الإمرة من قريش آخر أيام الدنيا؛ ولما تقدما إلى سقيفة بني ساعدة، ووقعت المنازعة بينهم و بين الأنصار ؛وقال عمر: بايعوا أبا بكر وقال أبو بكر بايعوا أحد هذين إن شئتم يعني عمر وأبا عبيدة.

فقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، وكان من قولهم الإسلام عزبنا، والدار دارنا.

 فقال عمر: سيفان في غمد لا يصلح، منا الأمراء، ومنكم الوزراء؛ فلما كثر التشاجرمد عمر يده إلى أبي بكر، فبايعه، وتبعه بعضهم فبايعه، وامتنع سعد بن عبادة عن البيعة، وجرى بينه وبين عمر كلام، وتشاجر، وقال سعد خلصني الله من جوارك، فبئس الجار أنت، وكان من كلام عمر: اقتلوا سعداً قتله الله، وقال: هممت أن أطأ بطنه، فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر وقال: والله لو فعلته ما رجعَت وفي فيك واضحة، ولما ظهر ما ظهر من بيعة أبي بكر تخلف عنها الجماعة المهتدون، وامتنعوا عن بيعته لمِا سمعوه في أمير المؤمنين من رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وأرادوا البيعة لعلي –عليه السلام – فغلَّظ عليهم عمر، وجماعته، وحملوا من استطاعوا حمله على البيعة كرهاً، وجرى بين الزبير، وعمر ما جرى، حتى جروه وكسروا سيفه.

وجاء العباس فاظهرهم في ذلك، وقال لهم: أما أنتم يا قريش وقربكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو شجره نحن أغصانها، وأنتم جيرانها، وروينا من كتاب:(نهج البلاغة) لما انتهت إلى أمير المؤمنبن -عليه السلام - أنباء السقيفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم [7-ج]قال علي -عليه السلام-: ما قالت الأنصار.

قالوا: قالت: منا أمير، ومنكم أمير.

قال -عليه السلام-: فهلا احتججتم بأن رسول -صلى الله عليه وآله وسلم -وصى بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم.

 قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم.

 فقال -عليه السلام -: لو كانت الإمارة فيهم لم تكن الوصية بهم

ثم قال: فماذا قالت قريش.

قالوا: احتجت بأنها شجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال -عليه السلام-: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة.

وقال -عليه السلام -في (نهج البلاغة) أيضاً فواعجباه أن تكون الخلافة بالصحابة، ولا تكون بالقرابة والصحابة؛ وكان من قوله -عليه السلام –في هذا الكتاب:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم
وإن
كنت بالقربى حججت خصيمهم

 

فكيف تليها والمشيرون غيب
فغيرك
أولى بالنبي وأقرب

ومن قوله فيه أيضاً -عليه السلام -أن الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا يصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم، ومنه أيضاً في هذا المعنى: ((اللهم إني أستعديك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي وأكفئوا إناي، واجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري؛ وقالوا: ألا إن في الحق أن نأخذه وفي الحق أن نمنعه فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً، فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب، ولا مساعد إلا أهل بيتي فظننت بهم عن المنية فأغضيت على القذا، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم المغيظا على أمَر من العلقم، وألم للقلب من حز الشِفار.

ومنه أيضاً، وقال قائل: إيه يا ابن أبي طالب إنك على هذا الأمر لحريص؛ فقلت: بل أنتم والله أحرص مني وأبعد وأنا أخص وأقرب، وإنما طلبت حقاً لي، وأنتم تحْولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه؛ فلما قرعته بالحجة في ملاء من الحاضرين بُهِت لا يرى ما يجيبني به.

 ومنه أيضاً حتى إذا قبض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -رجع قوم على الأعقاب وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا النسب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رض أساسه فبنوه في غير موضعه.

ومنه أيضاً بعد ذكره للمواطن التي فرَّ عنها أبو بكر، وعمر، واعلموا رحمكم الله أن مَن أخفى الغدر، وطلب الحق من غير أهله ارتطم في بحر الهلاك، وصار بجهله أقرب إلى الشك والإشراك، والله يقول سبحانه: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الأنفال:15-16]. فاغضبوا رحمكم الله على من غضب الله عليه.

وقال -عليه السلام-: فنقضوا عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وخالفوا إلى غير فعله في أخذهم فَدَكاً من يد ابنته، وتأولوا ما لم يعلموا معرفة حُكمِه، وقال كذب المفترون وضل الكاذبون على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضلالاً بعيداً بل الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخير من دونه، وهو اعلم حيث يجعل رسالاته ويهدي لنوره من يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لأمره ؛ وقد اختار الله طالوتاً واصطفاه ووكله بأمره، فمن أطاعه ظفر ومن عصاه كفر فاعتبروا به فلكم فيه معتبر.

وقال عليه السلام: عندما بايع الناس لأبي بكر، الحلمُ خير والتقي ذين [بياض ص8]والمورد القيامة، والحجة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -شقوا رحمكم الله متلاطمات أمواج بحار الفتن بسفن النجاة وعرجوا عن سبل المنافرة، وحطوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ماءٌ أجِنُ، ولقمة يغص أكِلُها ومجتنى الثمرة في غير وقت نضاجها كزارع في غير أرضه، والله لو أقول ما اعلم لتداخلت أضلاع قوم تداخل أسنان دواره الرخا وإن أسكت يقولوا جزع ابن أبي طالب من الموت هيهات هيهات، والذي فلق الحبة، وبرأ النَسمة لعلي سر بالموت من الطفل لثدي أمه ولاكني اندمجت على مكنون علم، لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة رواه أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري؛ ولما أنكر عليهم عمار بن ياسر رحمه الله ضربوه وأنكر سلمان الفارسي رحمه الله فوجؤا عنقه حتى خفض إلى الأرض فخرج سعد بن عبادة غاضباً إلى الشام بعد أن عوفي من مرضه الذي كان به في حال بيعتهم لأبي بكر حتى كان من أمره ما كان، وهرب بلال بن حَمامة، حتى مات بالشام، والذين كرهوا بيعة أبي بكر وأنكروها غير بني هاشم فيما بلغنا من المهاجرين والأنصار هم خالد بن سعيد بن العاص، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبو بريدة الأسلمي، وعمار بن ياسر وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد بن عبادة، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبو الهيثم بن التيهان، وسهيل بن حنيف، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري وهو خالد بن زيد صاحب منـزل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –وقيل كان فيمن تخلف عبد الله بن مسعود وحذيفة، وتخلف علي –عليه السلام –عن البيعة ولم يروا عن أحد من بني هاشم أنه حضر السقيفة أو بايع، وهؤلاء المتخلفون هم خيار أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم.

 وروينا عن أبي القاسم من كتابه (المعتمد) عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول خرجت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على علي -عليه السلام -في بيت فاطمة - عليها السلام -وعنده المهاجرون.

قلت: ما تقول يا علي.

 قال: أقول خيراً نحن أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما ترك.

قلت: ما الذي يجيء.

قال: نعم

قلت: والذي بعدك.

قال: نعم.

قلت: كلا والذي نفسي بيده حتى تجزوا رقابنا بالمناشير؛ وروى زيد بن أسلم أيضاً أنه بويع أبو بكر بعد النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – وكان علي، والزبير، والمقداد يدخلون على فاطمة بنت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ويتشاورون في أمرهم؛ فلما بلغ ذلك عمر خرج حتى دخل عليها.

فقال: يا بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وعليك ما من الخلق أحب إلينا منك وأيم الله ما ذلك بمانعى إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرهم أن يحرق عليك البيت الخبر؛وفي بعض الأخبار أن أهدم فلما دخل جاءوها فقالت أتعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم الله ليمضين على ما حلف عليه فانصرفوا وراكم.

وروى السيد العباس بن أحمد بن إبراهيم في كتاب المصابيح ما رويناه عنه قال اخبرنا الرواة عن جعفر بن محمد عليه السلام قال لما بويع أبو بكر قعد عنه علي -عليه السلام- فلم يبايعه وفرَّ إليه طلحة، والزبير، فصارا معه في بيت فاطمة – عليها السلام، وأبيا البيعة لأبي بكر، وقال كثير المهاجرين والأنصار إن هذا الأمر لا يصلح إلا لبني هاشم، وأولاهم به بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب لسابقته، وعلمه، وقرابته إلا الطلقاء، وأشباههم، فإنهم كرهوه لما في صدورهم، فجاء عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة إلى باب فاطمة عليها السلام، فقالوا والله ليخرجن للبيعة أو لنحرقن عليكم البيت، فصاحت فاطمة با رسول الله ما لقينا بعدك، فخرج عليهم الزبير مصلتاً بالسيف فحمل عليهم فلما بَصُر به عياش قال لعمر: اتق الكلب وألقى عليه عياش كساءً له حتى احتضنه وانتزع السيف من يده فضرب به حجراً فكسره.

قال أبو العباس رحمه الله عن أخبار الرواة قال قالوا: لأبي بكر قد بايعك الناس كلهم إلا هذان الرجلان علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فأرسل إليهما فأتي بهما، وعليهما سيفاهما، فأمر بسيفيهما فأخذا ثم قيل للزبير بايع قال لا أبايع حتى يبايع علي فقيل لعلي بايع قال فإن لم أفعل فمه، فقيل يضرب الذي فيه عيناك، فمدوا يده فقبض أصابعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم اشهد، فمسحوا يده على يد أبي بكر، فأما سيف الزبير فإنهم كسروه بين حجرين، وأما سيف علي فردوه عليه.

وروى السيد أبو العباس رحمه الله قال: أخبرنا الرواة عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنت فيمن حمل الحطب إلى باب علي –عليه السلام –فقال عمر والله لئن لم تخرج يا علي بن أبي طالب لأحرقن البيت بمن فيه.

 قال رحمه الله: وعن بن عباس عن أبيه قال شهدت عمر بن الخطاب يوم أراد أن يحرق على فاطمة بيتها فقال إن أبو أن يخرجوا فيبايعوا أبا بكر أحرقت عليهم البيوت فقلت لعمر: إن في البيت فاطمة أفتحرقها.

قال سألتقي أنا وفاطمة. تمت رواية أبي العباس عليه السلام.

ولعل قائلاً يقول إن أبا العباس كان إمامياً والجواب إن صاحب الإعتراض لا يمكنه مثل هذه الدعوى الكاذبة في سادات أهل البيت، وأئمتهم والسيد العباس وأحد منهم، وسنريه أقواله منقولة من كتبهم[9-ج] المشهورة في مواضعها إن شاء الله تعالى فيظهر له أن السيد أبو العباس لم يرووا الإمارة في هذا الباب وأنه لأمطعن علينا في ذلك، وهو عليه السلام منزه عن هذه المقالة القبيحة، والمذهب الردئ.

وكان من قول عمر في بيعة أبي بكر كانت بيعة أبي بكر فلته وقى الله شرها فمن عاد لمثلها فاقتلوه؛ ولعمري إن الأمر كما ذكر، فإنها كانت فلتة إذ كان علي –عليه السلام –وبنو هاشم مشغولين بأمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –واغتنم القوم فرصتهم واشتغالهم بأمر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حتى استحكم أمرهم، واشتدت شوكتهم، وحاذر علي عليه السلام دخول أعداء الدين فيه وتشتت كلمة المسلمين، ولذلك قال له عمه العباس امدد يدك أبايعك فيقال عم رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم بايع- ابن أخيه فلا يختلف عليك اثنان فقال علي عليه السلام كيف؟ لو كانوا عمي حمزة حياً، وأخي جعفر باقياً؛ ومما وجد له عليه السلام في كتاب رأس اليهود، وهو مشهور بين الزيدية غير منكور تذكر شيئاً من أمرهم بعد الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- قال في كلامه: ثم أمر الله ورسوله بتوجيه الجيش الذي وجه مع أسامة عند الذي حدث به من المرض الذي توفاه الله فيه؛ فلم يدع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم أحداً من قريش، ولا الأوس والخزرج، وغيرهم من سائر العرب ممكن يخاف على بغضه، أو منازعته ورده ولا أحداً ممن يرى بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمة إلا وجهه في جيش أسامة لا من المهاجرين ولا من الأنصار، وغيرهم من المؤلفة قلوبهم، والمنافقين لتصفوا قلوب من يبقى بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه في جواره ولا يدفعني دافع عن الولاية أو القيام بأمور رعيته وأمته من بعده ثم كان آخر ما تكلم به رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم الله-في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة، وأن لا يتخلف أحد ممن أنهض معه فتقدم في ذلك أشد التقدمة، وأوعز في ذلك أبلغ الإيعاز والإنذار([1])، وأكد في ذلك أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم إلا برجال من بعث أسامة، وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – فيما أنهضهم وأمرهم به، وقدم إليهم من ملازمة أميرهم والمسير معه، وتحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي وجهه، وخلفوا أميرهم ومقيماً في عسكره وأقبلوا يتبادلون على الخيل ركضاً، إلى عهد عهده الله تعالى لي ولرسوله في أعناقهم، فنكثوه وعقدوا لأنفسهم عقد أضجر به أصواتهم واختصت به أراؤهم، من غير مناظرة أحد منا بني عبد المطلب، ولا مشاركة في رأي واستقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وبتجهيزه مشغول عن سائر الأشياء لأنه كان أحقها وأهم ما يبدأ به منها فكانت هذه يا أخا يهود من أفدح ما ترد على القلوب مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا يخلف إلا الله منه فصبرت عليها.

 وقال عليه السلام في موضع آخر من مخاطبته لرأس اليهود فنزل بي من وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ما لم أكن أظن أن الجبال تنهض به فرأيت الناس من أهل بيتي بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط لنفسه، ولا يقوى على حمل قادح، ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره ودَلِه عقلهُ، وحال بينه وبين الفهم والأفهام، وبين القول والإستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معزاً بالصبر([2]) عند وفاته، ولزوم الصمت، والأخذ بما أمرني به من تجهيزه وغسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ووضعه في حفرته، وجميع أمانة الله، وكتابه، وعهده الذي حملناه إلى خلقه، واستودعناه فيهم، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هياج زفرة، ولا حُرْقةٍ ولا جليل مصيبة، حتى أديت الحق الواجب لله ولرسوله علي، وبلغت منه الذي أمرني رسول الله -صلى عليه وآله وسلم-، تم كلامه عليه السلام.

وبلغنا أن علياً عليه السلام لما امتنع من بيعة أبي بكر هموا بقتله حتى روى أن أبا بكر قال في الصلاة لا يفعلن خالدٌ ما أمرته به وكان قد أمره بقتل أمير المؤمنين حتى التفت أمير المؤمنين عليه السلام، وقال لخالد أكنت تفعل ذلك قال: نعم فقال له عمر: خفت من بني هاشم على نفسك قبل الفراغ من صلاتك، فقلت يا خالد: لا تفعل ما أمرتك، وروي لا يفعلن خالد ما أمرته وهكذا في كتاب:(المعتمد) في الإمامة لأبي القاسم [10-ج ] البستي ونحن نرويه عنه.

وروى صاحب المحيط بالإمامة، ونحن نرويه عنه بإسناد إلى أبي جعفر عن أبيه عن جده الحسين بن علي عليهما السلام قال: قال أبو بكر لخالد بن الوليد إذا صليت الصبح وسلمت فاقتل علياً.

فلما فرغ من صلاته سلم في نفسه، وصاح لا تفعل يا خالد ما أمرتك.

فقال علي عليه السلام: هو والله أضيق حَلَقَة من أن يفعل ما أمرته، ووالله لو فعل ما خرجت أنت وأصحابك إلا مقتولين، وروى أيضاً بإسناده إلى ابن عباس قال أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يشتمل على سيف، ويصلي إلى جنب علي بن أبي طالب فإذا سلم فإن هو بايع وإلا علاه بالسيف، ثم إنه بدى لأبي بكر في ذلك فقال: قبل أن يسلم لا يفعل خالد ما أمرته به.

 قال وبإسناده إلى محمد بن سالم الخياط قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول إن أبا بكر أمر خالد بن الوليد الحديث، وروى الجاحظ هذا الخبر في الزيدية الكبرى عن جماعة من أصحاب الحديث فيهم الزهري تمت رواية صاحب المحيط، وروى السيد أبو العباس في ذلك ما رويناه عنه عن جعفر بن محمد عليهما السلام عن جده الحسين بن علي عليهما السلام قال قال أبو بكر لخالد بن الوليد إذا صليت الصبح وسلمت فاقتل علياً فلما فرغ من صلاته وسلم في نفسه وصاح لا تفعل ما أمرتك، فقال: هو والله أضيق حَلَقَه من أن يفعل ما أمرته، والله لو فعل ما خرجت أنت وأصحابك إلا مقتولين.

 وعنه عليه السلام قال: أخبرنا الرواة عن ابن عباس قال: أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يشتمل على سيف، ويصلي إلى جنب علي بن أبي طالب، فإذا هو سلم فإن بايع وإلا اضربه ثم إنه بدى لأبي بكر في ذلك فقال قبل أن يسلم لا يفعل خالد ما أمرته، وربما استبعد كثيرٌ من الناس مثل هذه الروايات إلا أنا موردون في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى من أقوال أهل البيت عليهم السلام، ورواياتهم، وكذلك في أجوبة شبه المخالفين في آخر الكتاب بمشيئة الله تعالى ما لا يستبعد ذلك معه، وإن لم تقع القطع على صحبته عند بعض دون بعض، وهو من لم يبلغ ذلك عنده حد التواتر، ثم استمر بعد ذلك الأمر لأبي بكر، وفي قلب أمير المؤمنين عليه السلام، وقلوب المتبعين له على الحق ما فيها إلى أن انقضت أيامه:

ثم ارتداها من أبي بكر عمر
بل
أنكروا الأمر عليه إذ أمر

 

ولم يكن أولى بها ممن حضر
فلم
يُبَلْ عن قولهم ولا اْعتذر

ولما هجم مرض الموت على أبي بكر دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر، وكذلك دعا عثمان، فقال له مثل ذلك فكلاهما قال فيه غلظة، وقال أبو بكر لعثمان لو تركته ما عدتك، ولا أدري لعلي تاركه والخيرة لله أن لا يلي أمركم ولوَددَتُ أني كنت خِلْواً من أمركم، وإني كنت فيما مضى من سلفكم؛ فلما كان بعد ذلك استخلفه، ولما استخلفه دخل عليه طلحة بن عبيد الله فقال له استخلفت على الناس عمر، ولقد رأيت ما يلق بالناس منه، وأنت معه فكيف إذا خلى بهم، وأنت لاق ربك، فسيسألك فقال أبو بكر بالله تخوفوني إذا لقيت ربي فيسألني.

 قلت: استخلفتُ على أهلك خير أهلك.

وروى الشعبي أن طلحة والزبير، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف كانوا جلوساً عند أبي بكر في مرضه يعودونه، فقال أبو بكر ابعثوا إلى عمر فلما دخلوا عليه حست نفوسهم أنه اختاره فتفرقوا عنه فخرجوا فجلسوا في المسجد، وأرسلوا إلى علي عليه السلام ونفر معه فوجدوا علياً في حائط من الحيطان التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصدق به، فوافوا إليه واجتمعوا، وقالوا يا علي، ويا فلان إن أبا بكر مستخلف عمر، وقد علم وعلم الناس أن إسلامنا قبل إسلام عمر وفي عمر باقية [11-ج ] التسليط، ولا سلطان له فادخلوا بنا عليه نسأله فإن استخلف عمر كلمناه، فيه وأخبرناه عنه ففعلوا فقال أبو بكر اجمعوا لي الناس حتى أخبركم من اخترت لكم، فخرجوا فجمعوا الناس في المسجد فأمر من يحمله إليهم حتى وضعوه على المنبر فقام باختيار عمر عليهم، ثم دخل فاستأذنوا عليه فأذن لهم، فقالوا ماذا تقول لربك، وقد استخلفت علينا عمر فقال أقول قد استخلفت عليهم خير أهلك.

واتفقت الرواية على أن أبا بكر عند انتها أمره، ونزول الموت به قال لأصحابه: انظروا كم أنفقت منذ وليت بيت المال فاقضوه فوجدوه ثمانمائة ألف في ولايته، هذه رواية الطبري في تاريخه وفي غيره روى أبو الحسن البصري قال: لما حضرت أبو بكر الوفاة قال انظروا كم أنفقت من مال الله فوجدوه قد انفق في سنتين ونصف ثمانمائة ألف درهم قال اقضوها علي فقضوها عنه، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال؛ وقيل وعشرين يوماً، وقيل أربعة أشهر إلا أربع ليال. وهو ابن ثلاث وستين سنة.

 وهــو: أبو بكر عتيق بن أبي قحافة، واسم أبيه أيضاً عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، ولم يعلم من أحد من أئمة الهدى أنه أوصى أن تقضى عنه جميع ما تصرف فيه بحكم الإمامة في أيامه، وما يفعل هذا إلا من هو شاك في أمره، وقاطع على أن أمره غير صحيح إذ لا شك فيما يفعل بحكم الله تعالى فاعرف هذا النكتة ففيها ما فيها.

وروى الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال أبو بكر في مرضه الذي مات فيه ما آسى على شيء فعلته إلا على ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن ليتني كنت تركتهن ليتني كنت، تركت بيت فاطمة لم أكشفه، وإن كان قد أُغْلِقَ على الحرب، وليتني ليلة ضلت بنو ساعدة ضربت على أحد الرجلين فكان هو الأمير وأنا الوزير.

وليتني كنت حين أتيت بفجاة السلمى أسيراً كنت قتلته، أو أطلقته سريحاً، ولم أكن قد أحرقته بالنار. تمت رواية الطبري.

 ولما ثقل أبو بكر في مرضه أوصى كما رواه جماعة، والحديث معروف أنه لما أوصى أبو بكر إلى عمر قال إني لآسا من الدنيا إلى على ثلاث: وددت إني تركتهن، وثلث تركتهن، وددت إني فعلتهن، وثلاث: وددت إني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهن، وأما اللاتي وددت إني تركتهن: فوددت إني لم أكشف بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كانوا أغلقوه على الحرب.

ووددت أني لم أكن أحرقت الفجاة السلمي بالنار؛ وكان يفعل به، وودت أني يوم سقيفة بني ساعدة قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر بن الخطاب أو أبي عبيدة بن الجراح؛ وكان أحدهما أميراً، وكنت وزيراً، وأما اللاتي وددت أني فعلتهن: فوددت أني حين أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه.

وودت حين وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن انهزموا كنت لهم رداءً.

وودت حين وجهت خالد بن الوليد إلى الشام أني سيرت عمر إلى أهل العراق.

وأما الثلاث اللاتي وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهن: فوددت أني سألته عن هذا الأمر فلا ينازعه أحد.

وودت أني سالت هل للأنصار فيه نصيب، وودت أني سألته عن ميراث بنت الأخ والعم فإن في نفسي منهما شيئاً، وهذا على خلاف ما يقوله المخالفون، فإنه فيه أن أبا بكر غير واثق ولا مُدَّعِ أن الأئمة من قريش فيعارض ما يرونه وما يروونه من النص عليه فإنه لا يصح أن يكون منصوصاً عليه بشيئ جلي، وهو لا يعلمه.

وفي الخبر دلالة على أنه كان يعد في نفسه أنه قليل المعرفة، حتى في المواريث، وأنه على شك فيما فعل، فيعارض جميع ما يروى في هذا الباب إذ لا أوثق عليه من نفسه؛ ولما ولي عمر بن الخطاب الأمر، ثم علي عليه السلام، هو وخاصته على ما كانوا عليه من التخلف عن عمر كما كانوا في أبي بكر والكراهة لإمارته، ولذلك روى الليث بن سعد عن الزهري قال: لما بويع عمر تخلف علي عليه السلام عن البيعة، فجلس رجلاً لعذره قال: عمر أين علي فقال رجل ذهب في بعض حاجته، والله ليجيئن رقصاً أو لأضربن عنقه فذهب الرجل فأخبره فأقبل علي عليه السلام فمر بمجلس من مجالس الأنصار، ثم قال ينذر دمي إن تخلفت في حاجة لي، وذلك مذكور في كتاب (المعتمد) في الإمامة، ولم يبايعه خالد بن الوليد.

ولا سماه بإمير المؤمنين، وروى أبو الأسود الدؤلي عن بن عباس قال: كنت أماشي عمر بن الخطاب في بعض سكك المدينة، يده في يدي، إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوماً، يعني علياً عليه السلام فقلت في نفسي والله لا يسبقني بها فقلت: يا أمير المؤمنين رد إليه ظلامته، فانتزع يده ثم مضى، وهو يهمهم، ثم وقف فلحقته فقال: يا ابن عباس ما أظن القوم منعهم من صاحبك إلا أنهم استصغروه، فقلت في نفسي: هذه شر من الأولى.

فقلت يا أمير المؤمنين: ما استصغره الله حين أمر بأخذ سورة براءة من أبي بكر فيؤدبها فسكت وهذا أيضاً في كتاب المعتمد.

وروي الطبري في تاريخه: عمن أثبت اسمه في كتابه عن ابن عباس قال: بينا عمر بن الخطاب، وبعض أصحابه يتذاكرون الشعر فقال بعضهم: فلان أشعر، وقال بعضهم: بل فلان أشعر، فأقبلت فقال عمر: من أشعر العرب قلت: زهير فقال عمر هل من شعره ما يستدل به على ما ذكرت فقلت: امتدح قوماً من بني عبد الله بن غطفان فقال:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم
قوم
أبوهم نان حين تنسبهم
أنس
إذا أمنوا جنٌّ إذا فزعوا
محسدون
على ما كان من نعم

 

قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
طابوا
وطاب من الأولاد ما ولدوا
مرزؤون
بهاليل إذا احتشدوا
لا
ينزع الله عنهم ما له حسدوا

وقد رويت هذه الأبيات، والقصة فيها زيادة عن محمد بن عثمان عن أبي مسمع عن بن دأب فقال كان عمر بن الخطاب جالساً في قومه يتذاكرون الشعر فيقول بعضهم فلان أشعر ويقول الآخر فلان أشعر فقيل بن عباس بالباب فقال عمر بن الخطاب قد أتاكم ابن بجدتها وأعلم الناس بهذا فلما جلس قال له عمر من أشعر الناس يا ابن عباس قال زهير يا أمير المؤمنين بقوله:

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم
لو
كان يقعد فوق الشمس من أحد
أو
كان يخلد أقوام بفظلهم
أو
يعدلون بوزن أو مكايلة
أنس
إذا أمنوا جن إذا فزعوا
محسدون
على ما كان من نعم

 

طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
قوم
بأولهم أو مجدهم قعدوا
أوما
تسلف من آبائهم خلدوا
ما
لوا برضوى ولم يعد لهم أحد
مرزؤن
نها ليل إذا جهدوا
لا
ينزع الله عنهم ما به حسدوا

أنس إذا أمنوا جنٌّ إذا فزعوا
محسدون
على ما كان من نعمٍ

 

مرزؤن بهاليل إذا جهدوا
لا
ينزع الله عنهم ما به حسدوا

 -فقال عمر: أحسن، وما أعلم أحداً أولى بهذا الشعر من الحي من بني هاشم بفضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتهم منه.

 -قال بن عباس: فقلت وفقت يا أمير المؤمنين، ولم تنزل موقفاً، فقال: يابن عباس: أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد، فكرهت أن أجيبه فقلت: إن لم أكن أدري فقال يا أمير المؤمنين يدري.

فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة، والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاـ فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.

فقلت: يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في الكلام، وتُمظْي عني الغضب تكلمت.

قال: تكلم يا بن عباس.

فقلت: أما قولك اختارت قريش لأنفسها، فأصابت ووفقت، فلو أن قريشاً اختارت لنفسها حيث اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ومحسود.

وأما قولك: إنهم كرهوا أن يكون لنا النبوة والخلافة فان الله عز وجل وصف قوماً بالكراهة فقال في ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد: 9].

فقال عمر: هيهات والله يا بن عباس فقد كان يبلغني عنك أشياءً كنت أكره أن أقرك عليها[13-ج] بتنـزيل منزلتك مني.

 فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين، وإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.

فقال عمر: بلغني أنك تقول إنما صرفها عنه حسداً وظلماً.

فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم.

وأما قولك حسداً فإن إبليس حسد آدم فنحن المحسودون.

فقال عمر: هيهات هيهات أبت والله قلوبكم إلا حسداً ما يحول، وظغناً وغشاً ما يزول.

فقلت: مهلاً يا أمير المؤمنين لا تصف قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش، فإن قلب يا رسول الله -صلى عليه وآله وسلم- من قلوب القوم.

فقال عمر: إليك عني يا بن عباس.

فقلت: افعل، فلما ذهبت لأقوم استحيى مني فقال: يا بن عباس مكانك فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك.

فقلت: يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقاً، وعلى كل مسلم فمن حفظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ، ثم قامومضىوكانعمريخلطكلامهفيهذاالأمرويلونه،وذلكلعلمهبماهوعليه.

فروىالطبريفيتأريخهعنشهربنحوشبإنعمرلمادوَّنالدواوينبدأبالحسنوالحسينعليهماالسلاموأقعدهماعلىحجرِهِفقبلعينيهمافقالعبداللهبنعمرقدمتهماعليَّوَلِيَالصحبة،فقالعمراُسكتلاأمَّلكأبوهماخيرمنأبيك،وأمهماخيرمنأمكفياعجباًمابالهيتقدمعلىمنهومعترفبأنهخيرمنه،وروينامنكتابالمعتمدفيالإمامةماروىعبداللهبنعباسالهمدانيعنسعيدبنجبيرانهقالذكرأبوبكر،وعمرعندعبداللهبنعمرفقالرجلمنالقومكاناواللهشمسيهذهالأمةونورها،فقالابنعمربلاختلفالوكنتمتعلمون،وأشهدأنيكنتعندأبييوماً،وقدأمرنيأنأزاهيأحْلاسنا،وأصلحمنها،إذاستئاذنعبدالرحمنبنأبيبكرفقالعمردويبة،وهوخيرمنأبيهفأوحشنيذلكفقلت:ياأبةعبدالرحمنخيرمنأبيهفقالومنليسبخيرمنأبيهلاأملك،وأذنلعبدالرحمنفدخلفكلمهفيأمرالخطبةأنيرضىعنه،وقدحبسهفيشعرٍقاله،فقالعمرإنفيهتأديباًفدعنيأقومهبطولالسجنفألحعليهعبدالرحمنفأبىفخرجعبدالرحمن،فأقبلعليّعمر،وقالوفيغفلةأنتإلىهذااليومعماكانمنأفججبنيتيمبنمرة،وتعديهعليَّوظلمهليفقلتياأبةأفلايحكيفعالهبمقامفيالناسنبينذلكعنه.

لاعلمليبذلكولابشيءمنهقاليابنيوماعسيتأنتعلم،فقلتواللهلهوأحبإلىالناسمنضياءأبصارهمقال:إنذلكلكماوصفت،علىرغمأبيكوسخطهقلت:ياأبةأفلاتحكيأفعالهبمقامفيالناستبينذلكعنه،قال:وكيفليبذلكمعماذكرتهأنهأحبإلىالناسمنضياءأنصارهمإنترضخهامةأبيكبالجندلقالثمتجاسرفجسر،فمادارتالجمعةحتىقامبهفيالناسفقال:معاشرالناسكانتبيعةأبيبكرفلتةوقىاللهشرهافمنعادلمثلهافاقتلوه.

وكانالذيجرئعمرعلىذلكمعماكانفيصدرهأنبلغهعنقومأنهمهموابأفاعيلكانتهيالتيتهيجمنعمر،فإنهبابفتحهعمرمنالسخطعلىأبيبكر.

ثمت ألقاها إلى جماعة
وهل
له بعد الممات طاعة
ففوض
الأمر إلى عثمان

 

شورى لهم يا بئس ما أذاعه
بل
لرسول الله لو أطاعه
بعض
فلبا مسرعاً جذلانا

قالوا تدين بالذي قد دانا

 

قال أجل فكان ما قد كانا

ولما طعن عمر وحضرته الوفاة جعل الأمر شورى بين ستة من أصحاب رسول الله -صلى عليه وآله وسلم -قال لهم بقية العشرة، وهم خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم علي عليه السلام، وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص وجعل الإختيار فيهم إلى عبد الرحمن بن عوف وولىَّ صُهَيْباً الصلاة بالناس وهو عبد رومي.

وروينا من كتاب المعتمد في الإمامة ما روى عن عمر أنه لما حضرته الوفاة قال لابنه حين أنفذه إلى عائشة يسألها الموضع في جوار[14-ج] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجرتها أذهب إلى أم المؤمنين فقل عمر يقرئ عليك السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير وهذا يدل على أنه خلع نفسه وانعزل عن الإمامة عند الموت، ومن تاريخ ابن واضح وغيره لما حضرت عمر الوفاة قال لعبد الله بن عمر إني قد أكلت من مال الله بضعاً وثمانين ألفاً فتحملها عليَّ في ذمتك وقد برئت ذمتي منها.

قال عبد الله: فقلت نعم، قال وقد حملتها وبرئت منها ذمة عمر.

قلت: نعم.

قال يا عبد الله فإن عجزت فأسال في قرابتك فإن عجزت فاسأل في بني عدي بن كعب فإن عجزت فاسأل في إفناء قريش حتى تؤدى عني.

فأوصى لما تصرف فيه كما فعل أبو بكر، وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر، وقيل وأربعة أيام، وقيل مات وهو بن خمس وخمسين سنة، وقيل ابن ثلاث وخمسين سنة، وقيل ابن ستين سنة، وقيل بن ثلاث وستين سنة.

وهـــو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رباح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب.

فأَمَّ صهيب الناس يصلي بهم بتولية عمر له، وكان هنالك أمير المؤمنين سيد الوصيين، وغيره من كبار الصحابة وعلمائها، فكيف يقدم عليهم عبداً رومياً يصلي بهم وقد وردت السنة الشريفة إليه بتقديم الأفقه.

فوقف أهل الشورى ثلاثة أيام وعلي عليه السلام يعرفهم بأمره ويذكرهم بما كان من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وجعل عمر عبد الله بن عمر حاضراً مع أهل الشورى، ولا أمر له فيهما وعهد بأن القوم إن لم يجمعوا على أحدهم لثلاثة أيام وأهملوا الأمر ضربت أعناقهم، وإن اختلفوا ضربت أعناق المخالفين الذين ليس فيهم عبد الرحمن.

وحَكَم عمر هاهنا بما لم يعلمْ من حكم الله، ولا حكم رسوله، وكيف يأمر بضرب أعناق قوم هم عنده بزعمه خير أهل الأرض.

ثم أرسل عبد الرحمن لعلي بن أبي طالب ولعثمان فقال إني سائل عنكما وعن غيركما فلم أجد الناس يعدلون بكما هل أنت يا علي مبايعي على كتاب الله تعالى وسنة نبيه وعلى سيرة الشيخين.

فقال علي عليه السلام أبايعك على كتاب الله تعالى وسنة نبيه وأجتهد رأيي.

فقال لعثمان مثل الذي قال لعلي فقال اللهم نعم، فبايعه عبد الرحمن وترك علياً [ ]، وروى الطبري في تاريخه عن عمرو بن ميمون الأزدي أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له يا أمير المؤمنين لو استخلفت قال من أستخلف لو كان أبا عبيدة بن الجراح حيا لأَستخلفته، فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك صلى الله عليه وآله وسم يقول إنه أمين هذه الأمة.

ولو كان سالمٌ مولى أبي حذيفة حياً استخلفته فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيك يقول سالماً شديد الحب لي.

فقال رجل أدلك عليه عبد الله بن عمر، فقال قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا وَيَحَك كيف استخلف رجلاً عجز عن طلاق امراته لا إرب لنا في أُموركم ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي إن كان خيراً فقد أصبنا منه و إن كان شرّاً فحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل وأحد، ويسأل عن أمر أمة محمد، فأنظر أيها المسترشد كيف معه الشك في نفسه، حيث قال إن كان خيراً وإِن كان شراً.

واْعجب لتوجعه لموت أبي عبيدة بن الجراح، وسالم مولى حذيفة وأمير المؤمنين حاضر وهو السابق إلى غايات المجد، والمبرز في خلال الكمال فالله المستعان، ونحن نذكر حديث الشورى، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الموضع ليزداد الحق وضوحاً كطالبة وهو ما ذكروا أن علياً عليه السلام وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، دخلوا بيتاً.

قال علي عليه السلام: فدخلت معهم البيت، وقد كان عمر بن الخطاب أمرهم أن يدخلوا بيتاً ويغلقوا عليهم باباً وأجَّل لهم ثلاثة أيام، فإن اتفق خمسة نفر على قول، وخالف رجل قتل ذلك الرجل.

وإن اتفق أربعة وخالف اثنان قتل الإثنان.

فلما اتفقوا جميعاً قال لهم علي بن أبي طالب إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول لكم فإن يكن ما أقول لكم حقاً فاقبلوه، و إن يك باطلاً فاتركوا ما كان باطلاً فأناشدكم الله الذي يعلم صدقكم إن صدقتم، ويعلم كذبكم إن كذبتم، هل فيكم أحد صلى إلى القبالتين كلتيهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد بايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح وبيعة الرضوان غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أخوه يطير بجناحين في الجنة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نصر أبوه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشرك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد عمه سيد الشهداء غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد زوجه سيدة نساء أهل الجنة غيري؟

قال: اللهم لا.

قال: فهل فيكم اعرف بالناسخ والمنسوخ مني؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أذهب الله عنه الرجس وأهل بيته وطهرهم تطهيراً غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد عاين جبريل بمثال دحية الكَلْبي غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أدى الزكاة وهو راكع غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد مسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر وأعطاه الراية فلم يجد حراً ولا برداً غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد لقبه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم بإذن الله فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من وآلاه وعاد من عاداه))غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد بارزه عمر بن عبد ود فقتله يوم الخندق غيري؟ قالوا اللهم لا؟

قال: فهل فيكم أحد صاحبُ راية رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم في المواطن كلها غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال فهل فيكم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أَقَرَّ بابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد حين سَدَّ أبواب المهاجرين بأمر الله غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد سماه الله سبحانه في عشر آيات من القرآن مؤمناً غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السفر والحضر ورفيقه غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد ناوله رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - قبضة من تراب فرمى بها في وجوه المشركين فانهزموا غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد وقعت معه الملائكة يوم حنين حين ذهب عنه -صلى الله عليه وآله وسلم– الناس غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد ورث سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته غيري.؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أقرب عهد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أمره رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أن يغسله غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قضى دين رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم –غيري؟

قالوا: اللهم لا.


 قال: فهل فيكم أحد شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد اشتاقت إليه الجنة وإلى رؤيته غيري؟

قالوا اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر نسائه في يده غيري؟

قال: فهل فيكم أحدٌ كفَّن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل في قبره غيري؟ فقالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد حمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ظهره حتى كسر الصنم الذي كان على ظهر الكعبة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نام هو ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -في لحاف واحد غيري؟

قالوا اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نودي يوم بدر لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أكل من الطير الذي أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أنت صاحب رايتي في الدنيا، وصاحب لوائي في الأخرة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قدم بين يدي نجواه صدقة غيري؟

قالوا اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم((أنا أخوك وأنت أخي))غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدخل علي أحب خلقك كلهم إليك وأقومهم بالحق غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد كان يخصف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد استقىء مائة دلو بمائة تمرة كل دلو بثمرة ثم جاء بالتمر حتى أطعمه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم وهو جائع غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد سلَّم عليه جبريل وميكائيل وإسرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة صلوات الله عليهم يوم بدر غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد غمض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد وحد الله قبلي؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أول داخل وآخر خارج على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد خلفه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم ليتعاهد أهله ويحملهم غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل الله فيه سبحانه هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55]غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أنزل الله فيه وفي ولده: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً}[الإنسان: 8-9]غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ}[التوبة:19] غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألف كلمة كل كلمة ألف كلمة غيري؟

قالوا اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد انتجبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الطائف فقال. فقال: أبو بكر وعمر انتخب علياً دوننا فقال: ما انتخبته ولكن الله انتجبه غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد سقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ماء مهراس غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم إني أقول كما قال عبدك موسى رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي)) ([3])غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أدنى الخلائق من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أنت وشيعتك الفائزون يوم القيامة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل الله بشفاعتك الجنة مثل ربيعة، ومضر، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - تكسى حين أكسى يوم القيامة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد رُدَّت له الشمس حتى صليت فرائضي ونوافلي غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد هو خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذب الذين يزعمون أنهم يحبوني ويبغضونك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

 قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحب شعراتي هذه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله. فقيل له وما شعراتك يا رسول الله قال: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم أنت أفضل الخلائق عملاً يوم القيامة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد طرح رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم كساه عليه وعلى أهل بيته، ثم قال: ((اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار غيري))؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -من مات منكم فلا يمت يهودياً ولا نصرانياً غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعام وهو في الغار ويخبره بخبر القوم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أملى عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -الوحي الذي كان ينزل به جبريل عليه السلام غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ((من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاك فقد عصاني ومن عصاني فقد عصى الله)) غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم –لا سِرَّ دونك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -­صلى الله عليه وآله وسلم - أنت أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قتل مرحباً فارس اليهود غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد عرض عليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم_ الإسلام فقال له أنظرني ليلة حتى ألقى أبي فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنها عندك أمانة، فقال له علي إن كانت عندي أمانة فقد أسلمت، غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتح ثم سار به ساعة ثم عالجه بعد ذلك أربعون رجلاً فلم يطيقوه غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلي مواجه منزلك في الجنة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتل الله من قاتلك وعادى من عاداك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد أن يسير من مكة فوقاه بنفسه حين أرادوا قتله غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت أولى الناس بأمتي من بعدي غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: قال فهل فيكم أحد صلَّى قبل الناس بسبع سنين وأشهر غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله- صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم- أنت يوم القيامة على يمين العرش وإن الله سيكسوك بردين أحدهما أخضر والآخر وَرْدِيٌّ غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت ممسكٌ بحجزتي وأهل بيتي ممسكون بحجزتك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم اجعل لي عضداً وغضباً وناصراً)) غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصف رمانة، وقال هذه من ثمار الجنة لا ينبغي أن يأكلها إلا نبي أو وصيٌ لنبي غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد كان يجعل الليل ثلاثة أثلاث ثلث يمرض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثلث يصلي لربه، وثلث يدعو فيه، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت أقومهم بأمر الله وأوفاهم بعهد الله وأعلمهم بالقضية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله منزلة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله- ­صلى الله عليه وآله وسلم- فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على سائر الكواكب غيري؟

قالوا اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد رضى الله عنه في آيتين من القرآن غيري.؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -ولأهل بيته ((اللهم إني أحبهم فأحبهم اللهم إني أستودعكهم))، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -بك يتحاج الناس تحججهم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، والقسم بالسوية غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنت ولي الحوض والذاب عنه مَنْ جَاَنَبَكَ يوم القيامة، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد وجد ديناراً فاشترى به طعاماً فرد عليه صاحب الطعام الدينار فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما الدينار فليس من دنانير هذه الدنيا، وأما الرجل فليس من أهل الأرض، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد افتتح الحصن وسبى ابنة حيي بن أخطب غيري، فأهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم ((أنت قسيم النار تخرج منها من زكى وترد فيها من كفر)) غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أخذ بيده صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطه ثم قال ألا إن هذا ابن عمي ووزيري، فوازروه، وناصحوه، وصدقوه فإنه وليكم من بعدي غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد بارزه شيبة، والوليد فقتلهما غيري.

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قتل عتبة بن ربيعة غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم: أحد عنده علم الكتاب، غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد نزل في فضله تفسير القرابة في القرآن غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد تصدق بماله ليلاً ونهاراً سرا وعلانية غيري ؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال للعين انفجري فانفجرت فشرب وشرب خيلهُ وسقو دوابهم غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -حنوطاً من حنوط الجنة فقال اقسمه ثلاثة أثلاث: ثلث حنطني به إذا أنا مت، وثلث لابنتي وثلث لك غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال: فهل فيكم أحد قال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أنا أفخر بك يوم القيامة إذا تفاخر الأنبياء بالأوصياء غيري؟

قالوا: اللهم لا.

قال علي صلوات الله عليه وعلى روحه: إذاً أقررتم واستأثرتم على آل نبيكم صلوات الله عليه فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له إنه نهاكم عن سخطه، ولا تعصوا أمره، ورُدُّوا الحقَّ إلى أهله، واتبعوا سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم فإنكم إن خالفتموني خالفتم نبيكم فادفعوها إلى من هو أهل لها وهي أهل لهم، فتآمروا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا قد فَضَّله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفنا أنه أحق الناس بها، ولكن علىٌّ رجلٌ لا يفضل أحداً، ولا أخاه، ولا يجعلكم إن وليتموها إياه وأقصى الناس إلا سواء، ولكن ولُّوها عثمان، فإنه أيسر بكم ويهوى الذين تهوون وتشتهون، فدفعوعها إلى عثمان بن عفان والله المنتقم ممن ظلم، وكفى به حسيباً، وكان من قول عثمان لعلي عليه السلام هنالك ما ذنبي إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم ثمانين كأنهم شنوف الذهب تشرب القوم، وذلك من أعظم الحامد له عليه السلام، ولكن القوم حسدوه، وأَعملوا الجيل في صرف الأمر عنه بغياً، وخلافاً لله تعالى، ولرسوله عليه السلام، وقد روى حديث الشورى بروايات أخرى، ونحن نورد منها بعضاً عند الكلام في شبه المخالفين إن شاء الله تعالى، ومن تأمل ما أورده أمير المؤمنين عليه السلام على القوم في هذا الحديث، وسلوكهم غير سبيل الصواب علم أن أمرهم مبني على محبة الدنيا والتنافس فيها؛ وروى الطبري في تاريخه أن عبد الرحمن دعا علياً فقال عهد الله عليك وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة الخليفتين أرجوا أن أفعل فأكمل مبلغ علمي وطاقتي، ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي عليه السلام فقال: نعم فبايعه فقال علي عليه السلام حياة([4]) حييت دهراً، وليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون.

والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر عليك، والله كل يوم في شان، فقال عبد الرحمن: يا علي لا تجعلن على نفسك سبيلاً فإني قد نظرت، وشاورت الناس، وإذا هم لا يعدلون بعثمان فخرج علي وهو يقول سيبلغ الكتاب أجله قال المقداد: وما رأيت مثل ما أتى أهل هذا البيت بعد نبيهم وإني لأعجب من قريش أنهم تركوا رجالاً ما أقول أن أحد أعلم ولا أقضي منه بالعدل، أما والله لو أجد عليه أعواناً.

 فقال رجل للمقداد رحمك الله من أهل البيت هذا، ومن هذا الرجل، فقال أهل بيت بنو عبد المطلب، والرجل علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال علي عليه السلام فقال علي إن الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر بينها فيقولون: إن --- عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً وما كان في غيرهم من قريش تداولتموها بينكم، ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب رأس اليهود في ذكر عمر أنه قال فكان من فعله أنه ختم أمره أن سمى قوماً أنا سادسهم لم يستوي بي وبهم حالٌ قط، ولم يكن لرجل منهم أثر في وراثة الرسول، ولا قرباه ولا نسبه، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، ولا أثر من آثاري، ولا حق من استحقاقي فصيرها شورى بيننا وصير ابنه فيها حاكماً علينا، وأمره بضرب أعناق الستة النفر الذي صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره، إلى أن قال عليه السلام مكث القوم إيامهم كلها حتى أن كلاً ليخطبها لنفسه، وأنا ممسك فإذا سألوني عن أمري، وناظرتهم في أيامي، وإياهم وأوضحت لهم ما لم يجعلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكرتهم عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، وتأكيدهم ما أكَّد لي من البيعة في أعناقهم دعاهم الإمارة، وبسط الأيدي والألسن والأمر والنهي والركون إلى الدنيا إلى الإقتداء بالماضين قبلهم، وتناول ما لم يجعل الله لهم، فإذا خلوتُ بالواحد منهم بعد الواحد فذكرته أيام الله وحذته ما هو قادم عليه، وصائر إليه التمس مني شرطاً بطائفة من الدنيا أصيرها له، فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم ووصيته وإعطاء كل أمرءٍ ما جعل الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له انتبذ من القوم منتبذٌ فأزالها إلى ابن عفان طمعاً في التبجح معه فيها، حتى قال عليه السلام: ثم لم أعلم القوم أمسوا في يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم وحال بعضهم على بعض يلوم نفسه ويلوم أصحابه، حتى قال عليه السلام: فوالله يا أخا اليهود ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها، ورأيت الإبقاء على ما بقى من الطائفة أنهج لي، وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت إني إن حملتها على ركوب الموت ركبته إلى آخر كلامه عليه السلام.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: ما رويناه عنه، ولقد قال عليه السلام يوم الشورى: ما رويناه عنه، بالإسناد إليه لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق في صلة رحم، أو عائدة كرم فاسمعوا قولي، وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم فيه تنتضى فيه السيوف، وتخان فيه العهود، حتى يكون بعضهم أئمةً لأهل الضلالة، وشيعة لأهل الجهالة.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: و فكان ذلك، كما قال عليه السلام: بغير زيادة، ولا نقصان، ولو لم يتقلد الأمر أبو بكر، ما تأهل له عمر، ولو لم يتقلده عمر ما طمع فيه عثمان، ولو لم يتقلده عثمان ما طمع فيه معاوية، ومن تبعه من جبابرة بني أمية، ولولا أخذه جبابرة بني أمية، ما تقلده بنو العباس (تم كلامه عليه السلام):

فلبس الحرير مستجيداً
وصب في إخوانه الوعيدا
فنهدت
لقتله الأبطال

 

جهلاً وآوى عنده الطريدا
ولم
يكن في رأيه رشيدا
وأثبتته
الخيل والرجال

وشمرت عن ساقها النزال
فحكموا
فيه السيوف القاطعة
ونحروه
كالجزور الجامعة

 

فجد منه العمر والآمال
ورشقوه
بالسهام الشارعة
ونزلت
بالدار منهم قارعة

ولما ولي عثمان بن عفان، حدثت من حوادثٌ، أنكرها الصحابة منها لبس الحرير، وتقريب طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإيثار بني أمية بأموال الله، واختصاصهم بها إلى غير ذلك من الحوادث التي أنكرها المسلمون فقتلوه حيث لم يتب منها.

ونحن نذكر من حوادثه هاهنا طرفاً فمنها: أنه روى أن أول ما عاب عليه المسلمون أنهم كلموه في إنفاذ وصية عمر في عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمزان، وصاحبه متهماً بأن أبا لؤلؤة خادم المغيرة قتل أباه عمر عن رأيهما، وقال إنه رأى الخنجر الذي طعن به عمر مع الهرمزان قبل قتلة، فأوصى عمر أيهم ولي أمر الناس بعده أن ينظر عبيد الله، فإنه قتل رجلين من المسلمين فإن هو أقام بينة عادلة أنهما هما اللذان أمرا بقتلي خلي سبيله، فاستشار عثمان جماعة من المهاجرين في أمر عبيد الله، لما ولي الأمر فقال أشيروا علي في هذه الذي فتق في الإسلام ما فتق فقال علي عليه السلام أرى أن نقتله قال الراوي: فجعل عثمان يُعَلِّل الناس إذا كلموه في أمره، ثم زعم أنه عفا عن عبد الله فقال المسلمون: ليس لك العفو عنه، فقال: بلى، وأنا والي المسلمين، وقال علي عليه السلام: ليس كما تقول أنت بمنزلة أقصى المسلمين رجلاً، لا يسعك العفو عنه فإنما قتلهما في ولاية غيرك، ولو كان في ولايتك ما كان لك، فلما رأى أن المسلمين أبوا عليه أمره، فدخل الكوفة، وأقطعه بها داراً وأرضاً من السواد، ومنها أنه عَمَدَ إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على منبره، فجلس، وقال سلمان اليوم ولد الشر، وقد كان أبو بكر قام أسفل منه، وعمر أسفل من مقام أبي بكر، ومنها أنه عَمَدّ إلى عمال عمر، فعزلهم، واستعمل الوليد بن عقبة على الكوفة، وكان أخاه لأمه، وهو الذي أنزل الله تعالى فيه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات: 6] الآية، واستعمل عبد الله بن عامر على البصرة، وكان بن خاله، وكان صبيّاً سفيهاً لا دين له، وعبد الله بن سعد بن أبي سراج على مصر، وكان -من أشد المنافقين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شركاً، وعدواناً ومن أخبث المنافقين بعد إقراره وهو الذي قال الله فيه: {وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}[الأنعام:93]، واستعمل يعَلى بن مُنَبَّه التميمي على اليمن في أشباهٍ فساق وجفاة، ومنها أنه عمد إلى طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحكم بن أبي العاص، وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه من المدينة وأعطاه عثمان ثلاثمائة ألف درهم من خمس.

واستسلف من مال الله مالاً عظيماً فأتاه عبد الله بن أرقم، وكان على الفيء، والخمس، والمال على عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم [21-ج ]وأبي بكر وعمر يتقاضاه، فقال مالك ولهذا والله لا أقضي منه شيئاً أبداً ما بقيت، ومنها [ ] روى الطبري في تاريخه والواقدي، وعامة رواة الأحاديث أن الحكم بن العاص كان سبب طرده وولده مروان حين طردهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم أن الحكم اطلَّع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً في داره من وراء الجدار، وكان من سعف، فدعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوس ليرميه فهرب، وفي رواية أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في قسمة خيبر اتق الله يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعنك الله ولعن ما في صلبك تأمرني بالتقوي، وأنا جئت بها من الله تعالى، فلا تجاورني فلم يزالا إلا طريدين حتى ملك عثمان فأدخلهما ومنها ما روى الطبري في تاريخه أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح أهل إفريقية على ثلاثمائة قنطار من ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم، ومنها أنه روى بعض أهل العلم من أهل البيت عليهم السلام أنه لبس العقبان، وهو الشريف الداعي أبو الحسن، ذكر ذلك في أرجوزته، حيث قال في عثمان فلبس العقيان والحريرا، ومنها ما روى أنه لبس الحرير فأنكروا عليه فقال إني كنت استأذنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم في لبسه-، لأني كثير القمل، أو كما قال هذا هو المعنى أو اللفظ والمعنى، ومنها أنه قدم عليه مال من العراق فطفق يقسمه بين بناته، وأهله في الصحاف، وأفاض المال، على ولده، واشتروا الأرضين بمال الله، وقد قال الله تعالى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}[الحشر: 7]، ومنها أنه منع الأعراب الجهاد مخافة أن يشركهم في الفي، وقد دعاهم الله ورسوله إلى الجهاد، ومنها أنه أخرج أبا ذر الغفاري إلى الربذة، وآذاه، وقد كان أبو ذر رحمه الله بالشام، فرجع يذكر أحداثه، فقال له معاوية: لا تعوْدَنَّ إلى شيئ من هذه الأحاديث، وكتب إلى عثمان فكتب إليه أن احمله على ناب صعبة واجعل وطأه قتباً، فلم يقلع أبو ذر عن غيبته، فقال معاوية ألم أنهك فأبيت قد خرفت، وذهب عقلك فقال: فقد بقي من عقلي ما أشهد به على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه حدثني أن أحدنا يموت كافراً إما أنا، وإما أنت يا معاوية، فارتحل أبو ذر حتى قدم المدينة، وقد سقط لحم اليته، وفخذيه، ومرض مرضاً شديداً، وبلغ عثمان فحجبه عشرين ليلة فلما دخل عليه، قال:

لا أنعم الله لعمروٍ عينا

 

تحية السخط إذا التقينا
-+\.

فقال أبو ذر ما سماني الله عمراً ولا أبي ولا وأمي وإني لعلى الهدى الذي فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما غيرت وما بدلت.

فقال عثمان يا غلام ناد في قريش، فلما دخلوا عليه قال دعوتكم لهذا الشيخ الذي كذب على نبينا، وفارق ديننا، ثم قال إني رأيت أن أقتله وأصلبهُ أو أنفيه فقال بعضهم: رأينا لرأيك تبع، وقال بعضهم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشيخ من المسلمين العفو عنه أفضل.

وجاء علي عليه السلام فقال ينزلونه منزلة مؤمن آل فرعون، فإن يك كاذباً فعليه كذبه، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم، فقال عثمان بفيك التراب، وسيكون به، وقال عثمان: قوموا، وأمر مناديَه فنادى في الناس برئت الذمة ممن كلم أبا ذر أبا أبو ذر أن يكف عنهم؛ وقال إني بايعت خليلي –صلى الله عليه وآله وسلم على- أن لا تأخذني في الله لومة لائم.

فيصيره إلى أرض الربذة حتى مات بها، وروى أنه لما أخرج إلى الربذة اتبعه عمار بن ياسر، وصهيب الرومي، وأبو رافع، وجابر، وسلمان، يشيعونه واتبعه علي بن أبي طالب عليه السلام، ومعه شيئ من السويق، والكعك، والتمر والزبيب فقال أترضى بهذا يا أبا الحسن، فقال أقول كما قال المظلوم لوط صلوات الله عليه لو أن لي بكم قوةً أو آوي إلى ركن شديد وأنا استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، ولا يخيب سائله، ثم وَدَّعوه وانصرفوا راجعين، وروينا من كتاب نهج البلاغة قال عليه السلام: لأبي ذر لمَّا خرج إلى الربذة يا أبا ذر إنك غضبت لله فارْج من غضت له فإن القوم خافوك على دنياهم، وأنت على دينك فأترك في أيدهم ما خافوك عليه وأهرب منهم مما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وأغناك مما منعوك، وسيعلم من الرابح غداً والاكثر حسداً.

ولو أن السماوات والأرض كانتا رتقاً على عبد ثم اتقى الله لجعل له منهما مخرجاً، لا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشك إلى الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك، ولو قَرَضْت منها لأمنوك، تم كلامه عليه السلام.

وروى الطبري في تاريخه عن الواقدي عن فلان عن فلان قال: سمعت ابن عباس يقول إن أول ما تكلم الناس في عثمان ظاهراً أنه صلَّى بمنى في وِلايته ركعتين، حتى إذا كانت السنة السادسة أتمها فعاب ذلك عليه غير واحد من أصحاب رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال حتى جاءه علي فيمن جاءه فقال له والله ما حدث أمر، ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك -?صلى الله عليه وآله وسلم -يصلي ركعتين، ثم أبا بكر وعمر، وأنت صدر من ولايتك فما درى ما يرجع.

وروى الواقدي أيضاً عن فلان عن فلان قال: صلى عثمان بالناس أربعاً فأنى آت عبد الرحمن بن عوف فقال هلك في أخيك قد صلى بالناس أربعاً قال قد صلى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين ثم خرج حتى دخل على عثمان فقال له ألم تصلي في هذا المكان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين قال: بلى.

 قال: فاسمع مني أبا محمد أني أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي إن الصلاةَ للمقيم ركعتين هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين، وقد اتخذت بمكة أهلاً فرأيت أن أصلي أربعاً تخوفاً على الناس، وأخرى قد اتخذت بها زوجة ولي بالطائف مال فربما أطلعته فأقمت فيه بعد الصدور.

فقال عبد الرحمن بن عوف ما من هذا شيئ لك فيه عذرٌ وأما قولك اتخذت أهلاً فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت، وتقدم بها إذا شئت إنما تسكن بسكناك.

وأما قولك لي بالطائف مال فان مسيرة ثلاث ليال وأنت لست من أهل الطائف.

وأما قولك يرجع من حج من أهل اليمن، وغيرهم فيقولون هذا إمامكم يصلي ركعتين وهو مقيم فقد كان -صلى الله عليه وآله وسلم -ينزل عليه الوحي والناس يومئذٍ الإسلام فهيم قليل وأبو بكر مثل ذلك، ثم عمر فضرب الإسلام يجرانه فصلى بهم عمر حتى مات ركعتين.

فقال عثمان هذا رأئي رأيته، ولما كثرت الأحداث كان أول من كلمه فيما روي علي بن أبي طالب عليه السلام وأغلظ له في المسجد حتى حصب كل واحد منهما صاحبه، ثم إنهم اجتمعوا في منزل الزبير فقام عبد الرحمن بن عوف وذكر عثمان فشتمه، ثم أخذ نعله بيده، وقال: قد خلعته كما خلعت نعلي هذا، وقال الزبير مثل ذلك فيبلغ عثمان فصعد المنبر فشتمهم، وذكر عبد الرحمن بن عوف وقال: إن عدو الله قد نافق واتخذ عبيداً من النوبة والسودان، وأبناء فارس فإذا كلمه أحد ضربوه وكلمه عمار بن ياسر فضرب حتى غشي عليه، فلم يصل ولم يعقل يوماً وليلة، ولم يقلع عنه حتى ناداه أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم لتخلين سبيله أو لنخرجن، وأنكر عليه بعض أفعاله أبي بن كعب وقال له: يا ابن الهاوية يا ابن الهاوية يا ابن النار الحامية قد فعلتها.

وجاء رجل إلى أبي في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال ما تقول في عثمان فسكت فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد شراً شهدتم الوحي وغيباً تكموننا فقال: أبي عند ذلك هلك أصحاب العُقَد وربِّ الكعبة، أما والله إن أبقاني الله إلى يوم الجمعة قلت إذا استحييت فمات قبل الجمعة.

وبلغ عثمان أن ابن مسعود أظهر البراءة منه بالكوفة فأمر فأخرج إليه فلمَّا قدم المدينة يوم الجمعة قام عثمان على المنبر يذكر ابن مسعود ويشتمه وابن مسعود[23-ج] قائم في المسجد، فقام إليه فكلمه على رؤوس الناس، وذكره الله فأمر عبداً أسود فوطئه حتى كسر أضلاعه، ثم قال ابن مسعود: أمر بي الكافر عثمان غلامه ابن زمعة فكسر أضلاعي، وخرج أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضربن أبياتهن حوله يمرضنه، حتى مات وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، فدفن بغير علمه، وقتل الوليد بن عقبة رجلاً بالكوفة يقال له دينار، فأبى عثمان أن يقتله به.

وشرب الوليد الخمر بالكوفة فشهدوا عليه أنه يصلي بالناس سكران فلم يعزله، ولم يضربه حتى أخرجه أهل الكوفة، ولما رأى المسلمون تعطيل الحدود، والأحكام ساروا إليه من الآفاق يستتيبونه وأتوه إليه إلى لمدينة فأرسل إليهم أبو أيوب الأنصاري إني أتوب رد المظالم إلى أهلها وأقيم الحدود وانصف وأعزل عمالي، فلما سمعوا ذلك قبلوا ورضوا ورجعوا إلى أمصارهم فلما انصرف الناس طلب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -من عثمان الوفاء بما أعطاهم من نفسه فأبى وزعم أنه لا يطيق ضرب الوليد بن عقبة، وقال دونكم فاضربوه فضربه علي عليه السلام بيده.

وسألوه أن يقيد بدينار فأبى وزعم أنه إلى أولى به وأنه عفا عنه فقال الزبير: والله لتقيدن بدينار أو لنقتلن دنانير كثيرة.

فأبى وكتب إلى معاوية أن أهل المدينة قد كفروا وخالفوا الطاعة، فأرسل إلي أهل الشام على كل صعب، وذلول، وكتب إلى أهل الشام فنفروا إليه حتى إذا كانوا بوادي القرى بلغهم قتله.

ولما انصرف المسلمون المضربون لحقهم رسولٌ بكتاب من عثمان إلى عبد الله بن سعد بن أبي السرح، عامله على مصر وانظر فلاناً وفلاناً لرجال من خيار المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من التابعين فإذا قدموا عليك فاقتل فلاناً، واصلب فلاناً، واقطع يد فلاناً، ومنهم من أمر بحلق لحيته فلقوا رسوله فأخذوه فسألوه أين يريد فقال: مصر قالوا هل معك كتاب فقال لا ففتشوه فإذا معه الكتاب فيه ضربهُم وقتلهم، فرجعوا إلى المدينة ونزلوا بذي خشب فلما رأى عثمان أنهم نزلوا به أرسل إلى علي عليه السلام يناشده الله لما كفهم عنه، ولم يزل يطلب إليه فإنه يتوب في ثلاثة أيام من كل ذنب، ويقيم كل حد فإن لم يفعل فدمه مباح، وكتب علي عليه السلام كتاباً بذلك، وأجله القوم ثلاثاً فلم يصْغ شيئاً، وسار عمرو بن حزم الأنصاري إلى ذي خشب فأخبرهم أنه لم يصنع شيئاً فقدموا فأرسلوا إليه، ألم تزعم لنا أنك تتوب، قال: بلى.

قالوا: فما هذا الكتاب الذي كتبته فينا.

 قال: لا علم لي به.

قالوا: بريدك وجملك، وكتاب كاتبك.

 قال: الجمل مسروق والخط قد يشبه الخط، والختم قد ينقش عليه، قالوا: لا نأخذ به إن أقمت الحدود، ورددت المظالم، وعزلت المنافقين، فأبى، قالوا: فاعتزلنا فإن أمرنا ليس بميراث ورثته عن آباءك، فقال: ما أنا بالذي أنزع سربالاً كسانيه الله، فأبى فمحصوره أربعين ليلة رجاء توبته.

وروينا من كتاب نهج البلاغة أن علياً عليه السلام قال لعبد الله بن عباس وقد جاءه برسالة من عثمان بن عفان، وهو محصور سأل فيها الخروج إلى ماله ينبع ليقل: هتف الناس باسمه بالخلافة بعد أن كان سأله قبل ذلك.

 فقال: يا ابن عباس ما يريد عثمان أن يجعلني جملاً ناضحاً بالغرب - أقبل وأدبر بعث إلي أن قدم بما بعث إلى أن أخرج ثم هو إلى أن يبعث إلى أن أخرج، والله لقد دفعت عنه حتى لقد خشيت أن أكون آثماً (تم كلامه عليه السلام ).

ثم قتله المسلمون بعد ذلك، ولهم أحاديث لا يحتمله هذا الموضع، وكانت ولايته اثنا عشر سنة إلا ثمانية [24-ج ]أيام، وقيل هي كاملة، وقيل قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: خمس وسبعين وقيل ابن ثلاث وستون، وقيل ابن ست وثمانون.

وهــو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.

تمت يُنادي القوم بعده يا علي
 إن لم نقم تقل كهذا والعلى
فقام
مولاهم أخو المختار

 

قم مسرعاً فإنك المولى الوصي
كأنهم
لم يسمعوا قول النبي
قسيمة
في منتهى الأنوار

وهو قسيم جنة ونار
عن
كبد مجروحة مريضة
وقوة
بظلمهم مهيضة
فهذه
قضية الخلاف

 

وأكرم الإخوان والأنصار
ومقلة
عن جفنها غضيضة
وفتنة
طويلة عريضة
فانظر
إليها نظر الإنصاف

فهذه قضية الخلاف

 

فانظر إليها نظر الإنصاف

 وأنح عن التقليد للأسلاف

 

واسمع إلى حقيقة الأوصاف

ولما قتل عثمان بن عفان صار الناس حيارى مختلفين في أمورهم وآرائهم.

وَرَوى الطبري في تاريخه بعد قتل عثمان اختلف الناس في المدينة، ولما اجتمع أهل المدينة قال لهم أهل مصر: أنتم أهل الشورى وأنتم تقودون الإمامة، وأمركم جائز على الأمة، فانظروا رجلاً تنصبونه ونحن لكم تَبَعٌ، فقال الجمهور: علي بن أبي طالب نحن به راضون، ثم ذكر عن محمد، وطلحة قالا: فقالوا لهم: دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومكم، فوالله لئن لم يقزعوا ليقتلن غداً علياً، وطلحة، والزبير وأناساً كثيراً.

 فغشي الناس علياً فقالوا: نبايعك، وقد ترى ما نزل بالإسلام، وما ابتلينا به من بين القرى فطاوعهم عليه السلام فبايعه الناس.

وروى الأسود بن بريد قال لما بويع علي عليه السلام على المنبر منبر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وقف خزيمة بن ثابت الأنصاري بين يدي المنبر وقال:

إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا
 وجدناه أولى بالناس إنه
فان
قريشاً ما يشق غباره

 

أبو حسن مما نخاف من الفتن
أطب
قريش بالكتاب وبالسنن
إذا
ما جرى يوماً على الضَّمُر البدُن

وفيه الذي فيهم من الخير كله

 

وما فيهم كل الذي فيه من حسن

وقال خزيمة بن ثابت أيضاً عند اختلاف الناس على علي عليه السلام بعد البيعة:

ويلكم إنه الدليل على الله
وابن
عم النبي قد علم الناس
كم
خير يزينهم هو فيه

 

وداعية للهدى وأمينه
جميعاً
وصنوه وخدينه
وله
دونهم خصال تزينه

ثم ويل لمن يبارزُ في الروع
ثم
نادى أبو الحسن القرم

 

إذا ضمت الحسام يمينه
فلا
بد أن يطيح قرينه

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فيما رويناه عنه عليه السلام في كتاب الشافي، وإنما يعجب من نزاع أبي بكر وعمر وعثمان له، مع علمهم بقرابته، وسابقته، وعنايته في الإسلام، وصهره وذريته وقول الله تعالى فيه وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما روته العامة الخاصة، وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرض في أمره فكان ما حكاه عليه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية بعد حمد الله والثناء عليه: أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل، ولا يرتقى إلى الطير، فسدلت دونها [25- ج ]ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتأي أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخيه عمياً، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير تفسير قوله عليه السلام أرتأي أي أدير و أجيل رأيي واليد الجذاء المقطوعة، والطخية الظلمة، وقال عمياً للمبالغة أي لا يبصر فيها شيئ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجا فصيرت وفي العين قذى، وفي الحلق أرى تراثي نهباً حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده ثم تمثل عليه السلام بهذا البيت للأعشى.

شئتان ما يومي على كورها

 

ويوم حيان أخي جابر

فبا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها، لآخر بعد وفاته، لشَدَّ ما تشطرا ضرعيها فصيرها في حوزة خشنا بغلط كُلاهما ويخشن مسها ويكثر العثار والإعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها حرم وإن أسلس لها تقحم.

تفسير قوله عليه السلام: (تشطر ضرعيها شطر الشيئ نصفه يقال في المثل أحلب حلباً لك شطره، والحوزة الناحية، والصعبة الناقة إن أشتق لها أي شد عليها في جذب الزمام خرم أنفها وأن أرخى لها تقحمت به فلم يملكها فمني الناس لعمر الله يخبط وشماس، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها لجماعة زعم أني أحدهم، فيا لله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسَفُّوا، وطرت إذا طاروا فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره مع هن، وهن).

تفسير قوله عليه السلام: (فمن الناس أي ابتلي والخبط السير على غير جادة، وشماس من شمس الفرس إذا منع ظهره، والإعتراض: العدول عن الجادة، والذهاب في عرض الطريق، وقوله: أسففت إذ أسفوا من قوله أسف الطاير إذا أدنى من الأرض في طيرانه وقوله صغى: أي مال يعني صغى: سعد لحقده، ومال عبد الرحمن إلى عثمان بمصاهرة بينهما وهن كلمة كناية معناه شيئ، وأصله هَنَوء إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله، ومعتلفة وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى إن اُنتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله وكبتت به مطيتهُ مما راعني إلا والناس إلي كعرف الضبع إليه ينثالون من كل وجهةٍ حتى لقد وطي الحسان وشق عطافى مجتمعين حولي كريضة الغنم يقولون البيعة البيعة.

 تفسير قوله عليه السلام: ( نافخاً حضنيه نشيله، ومعتلفه يقال نفج ثدي المراءة قميصها أي رفعه، والحضن ما دون الإبط، إلى الكشح، والنثيل الروث والخضم الأكل بجميع الفم، وقوله: انتكث عليه فتله أي انتقض، وأجهز عليه عمله يقال أجهز على الجرح أي أسرع قتله، وقوله ينثالون أي ينصبو، ن والعطاف الردا والربيضة مأوى الغنم.

فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وفسق آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:83] بلى، والله لقد سمعوها، ووعوها، لكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة لوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء من الميثاق أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سعب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد عندي من عفطة عنز.

تفسير قوله: (حليت أي زينت وراقهم أعجبهم والزيرجد الزينة، وحضور الحاضر وجود الأنصار بعد [26-ج، ]وكان قبل عادماً لهم ولكظة: التهمة من كثرة الأكل.

قالوا: فقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه عليه السلام إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتاباً فأقبل ينظر فيه، فلما فرغ من قراءته قال له بن عباس: يا أمير المؤمنين لو أطرت مقالتك من حيث أفضت فقال: هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرَّت.

قال بن عباس: فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على ذلك الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بَلَغَ منه حيث أراد.

 قال المنصور بالله عليه السلام: فهذا كما ترى يختص بأبي بكر، وعمر وعثمان، وإيضاح الأمر بأنه عليه السلام أولى بالأمر منهم، وأنهم نهبوا تراثه وأنه أغضى كارهاً مغلوباً وأنه سيَّرها في حوزة خشناء من قريش، وكذلك كانت القضية

وروينا من كتاب نهج البلاغة من كتاب أمير المؤمنين عليه السلام كتبه إلى مصر، وبعث به إلى الأشتر أما بعد فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم نذيراً للعالمين، ومهيمناً على المرسلين، فلما مضى صلى الله عليه وآله وسلم تنازع المسلمون الأمر بعده صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته فوالله ما كان يُلْقَى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تزعج هذا الأمر بعده -صلى الله عليه وآله وسلم -عن أهل بيته، ولا أنهم يمنحونه غيري من بعده، فما راعني إلا إنثيال الناس على فلان - يبايعونه فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعت الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم –فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيهم ثُلْماً أو هدماً تكون المصيبة به علَّي أعظم من فوت ولايتكم التي هي متاع أيام قلائل يزول منها ما زال، كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل، وزهق واطمأن الدين وتنهنه (تم كلامه عليه السلام).

قال المنصور بالله عليه السلام: وهذه أمنا فاطمة بصفة النبوة وسيدة نساء أهل الجنة تقول ما رواه السيد أبو العباس الحسني قال حدثنا: محمد بن بهار الكوفي عن عبد الرحيمعن محمد بن علي الهاشمي عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: لما حضرت فاطمةالوفاة قالت لعلي عليه السلام: اتنفذ وصيتي وعهدي أو والله لأعهدن إلى غيرك ثم سرد حديث الوصية وهلي معلومة عند الذرية الزكية، قال فلما اشتدت علتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار ذا صباح فقلن: كيف أصبحت يا ابنة رسول الله من علتك قالت: أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، شنتيهم بعد أن سبرتهم، ولفظتهم بعد إذا عجمتهم فقبحاً لقلول الجد وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون، ويحهم لقد زحرجوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الروح الأمين، والطيبين لأهل الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا والله من أبي حسن نقموا نكير سيفه، ونكال، وقعته وشدة وطأته وتنمره في ذات الله، والله لو تكافوا على زمام نبذهُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقله، ولسار بهم سيراً سجحاً لا ينكلم خشاشة، ولا يتتعتع راكبه، ولأوردهم مورداً نميراً، تمير ضفَّتاه، ولأصدرهم بطاناً اقد تخيرهم الري غير متحلي منه بطائل، إلا بغمزة الناهر، وردعة سورة الساغب [تفسير الغمرة الكثير من الماء، والنهز الضرب يقال نهز الدلو --- إذا ضرب بها الماء يمتلي والردعة الرجل الشديد، وسورة الساغب هاهنا العطشان]، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا وسيعذبهم الله بما كانوا يكسبون إلا هلمنَّ فاسمعنَّ، وما عشتن أراكنَّ الدهر عجباً، إلى أي ركن لجاؤا، وبأي عروة تمسكوا، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئسٍ للظالمين بدلاً استدلوا والله الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل[27-ج] وبعداً وسحقاً لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.

قال عليه السلام فهذا قول فاطمة عليها السلام التي لقيت عليه الله سبحانه وتعالى، ولما استقر الأمر لعلي عليه السلام انتصب للخلافة اللعين ابن اللعين بن آكلة الأكباد معاوية لعنه الله، ولبَّس على العوام أنه يريد أن يأخذ بثأر عثمان، وكاتب عليّاً عليه السلام بكتاب يقول فيه: أما بعد فإن الله اصطفى محمداً وجعله الأمين على وحيه، والرسول إلى خلقه واختار له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الإسلام، وأنصحهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخليفة وخليفة الخليفة والخليفة الثالث فكلهم حسدَّتَّ وعلى كلهم بغيت، عرفنا ذلك في نظرك الشزر، وتنفسك الصعدا وإبطائك عن الخلفاء، وأنت في ذلك تُقَادُ كما يُقَاُد الجمل المخشوش، حتى تبايع كارهاً، ولم تكن لأحد منهم بأشد حسداً منك لابن عمك عثمان، وكان أحقَّهم أن لا يفعل به ذلك في قرابته وصهره، فقطعت رحمه وقبَّحت محاسنه، وألبَّت عليه الناس حتى ضربت عليه آباط الإبل، وشهر عليه السلاح في حرم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فقتل معك في المحلة، وأنت تسمع الهايعة في داره لا تؤدي عن نفسك في أمره بقول ولا فعل، فاقسم قسماً صادقاً لو قمت في أمره مقاماً واحداً انتهى الناس عنه، ما عدل بك من قبلنا من الناس أحد ولمحى ذلك عنك ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه، وأخرى أنت بها عند أولياء عثمان ظنين، أبو إيواءك قتلته فهم بطانتك، وعضدك وأنصارك، وقد بلغني أنك تنتفي من دمه، فإن كان ذلك حقاً فأدفع إلينا قتلته نقتلهم، ثم نحن أسرع الناس إليك، وإلا فليس لك ولا لأصحابك عندنا إلا السيف، والذي نفس معاوية بيده لأطلبن قتلة عثمان في الجبال، والرمال والبر والبحر حتى أقتلهم، أو ألحق روحي بالله فأجابه عليه السلام بجواب فيه:

أما بعد فإن أخا خولان قدم عليَّ بكتاب منك تذكر فيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وما أنعم عليه به من الهدى والوحي فالحمد لله الذي صدقه الوعد، وتمم له النصر، وبسط له في البلاد وأظهره على الأعاد من قومه الذين أظهروا له التكذيب ونادوه بالعداوة، وظاهروا على إخراجه وإخراج أصحابه وألبَّوا عليه العرب، وحزَّبوا عليه الأحزاب، حتى جاء الحق، وظهر أمر الله وهم كارهون وذكرت أن الله اختار له من المسلمين أعواناً أيده الله بهم، وكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم بزعمك في الإسلام، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة والخليفة الثالث.

ولعَمْري إن مكانهم في الإسلام لعظيم، وذكرت أن عثمان في الفضل كان الثالث فإن كان محسناً فسيلقى رباً شكوراً يضعف له الحسنات، ويجزيه الثواب العظيم وإن يك مسيئاً فسيلقى رباً غفوراً لا يتعاظمه ذنب يغفره.

ولعمري إني لأرجو الله إذا تعالى إذا أعطي الله الناس على قدر عنايتهم في الإسلام أن يكون سهمنا أهل البيت أوفر نصيب أهل البيت من المسلمين، ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد كان أنصح لله في طاعة رسول الله، ولا أنصح لرسول الله في طاعة الله، ولا أصبر على البلاء، وأركب في مواطن الخوف من هؤلاء النفر من أهل بيته عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، ومن المهاجرين خير كبير جزاهم الله تعالى بأحسن أعمالهم، وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إياهم والبغي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون [28 -ج].

وأما الكراهة لهم فوالله ما أعتذرُ إلي الناس من ذلك.

وذكرت بغي على عثمان، وقطعي رحمه فقد عمل عثمان ما عملت، وعمل الناس ما بلغك، وقد علمت أني كنت من أمره في عزلة، إلا أن تجنا فتجنى ما شئت؛ وأما ذكرك لقتلة عثمان وما سألت من دفعهم إليك فإني نظرت في هذا الأمر فضربت أنفعه وعينيه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عما قليل يطلبونك فلا يكلفونك تطلبهم في سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر، وقد كان أبوك أبو سفيان أتاني حين قبض رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم -: وقال أبسط يدك أبايعك فأنت أحق الناس بهذا الأمر، فكرهت ذلك عليه مخافة الفرقة بين المسلمين لقرب عهد الناس بالكفر، فأبوك كان أعلم الناس بحقي منك فإن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك وإلا فإني أستعين الله عليك والسلام.

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: أما بعد.

فقد أتاني كتابك تذكر اصطفاء الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم لدينه وتأييده بمن أيده من أصحابه، فلقد خبَّاء لنا الدهر منك عجباً، إذا طفقت تخبرنا بابتلاء الله عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر، وداعي مسددة إلى النضال، وزعمت أن أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمراً إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم يلحقك ثلمهُ، وما أنت والفاضل والمفضول، والسايس والمسوس، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم هيهات لقد حنَّ قِدْح ليس منها، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلا تربع أيها الإنسان على طلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر، فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر، وإنك لذهَّاب في التيه، ورواغ عن القصد ألا ترى غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث أن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين، ولكلٍ فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء، وخصه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعين تكبيرة عند صلواته عليه ألا ترى أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكلٍ فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة، وذو الجناحين، ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء لنفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزنا، وعادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء، ولستم هنالك، وأنا يكون ذلك كذلك، ومنَّا النبي ومنكم المكذب ومنا أسد الله، ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيدا شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنَّا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم، فإسلامنا ما قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع، وكتاب الله يجمع لنا ما شذ عنَّا وهو قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال: 75].

وقوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:68]، فنحن مرةً أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة.

ولما احتج المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَلَجوا عليهم، فإن يكن الفلج به فالحق لنا دونكم وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم.

وزعمت أني لكل الخلفاء حسدت، وعلى كلهم بغيت فإن يك ذلك كذلك فليس الجناية عليك، فيكون العذر إليك، وتلك شَكَاةٌ ظاهرٌ عنك عارها، وقلت إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المحشوش حتى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه [29 - ج ] ولا مرتاباً بيقينه؛ وهذه حجتي إلى غيرك قصدها، ولكني أطلقت لك بقدر ما سنح من ذكرها، ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدا له، وأهدى إلى مقاتله من بذل له نصرته فاستقعده واستكفه من استنصره فتراخى عنه، وبث المنون إليه حتى أتا القدر عليه، كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا، وما كنت لأعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثاً، فإن كان الذنب إليه إرشادي له، وهداتي له فرب ملوم لا ذنب له، وقد يستفيد الظنة المستنصح، وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

وذكرت أني ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار متى ألفيث بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكلين وبالسيوف محفوفين شعراً: لَبِّثْ قليل يلحق الهيجاء جمل.

فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، شديد زحامهم ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لقاربهم، قد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نضالها في أخيك، وخالك، وجدك وأهلك وما هي من الظالمين ببعيد.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وكان من أمره فيه عليه السلام كما قال: والله ما أمرت ولا نهيت، ولا كرهت، ولا رضيت، ولا سرني، ولا سائني.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وفي هذه الألفاظ العلمية العظيمة لأهل العلم مجال وسيع، وشرح بليغ، لا يحتمله المكان (تم كلامه عليه السلام).

وأما قولنا: في الأرجوزة قسيمة في منتهى الأنوار، وهو قسيم جنة ونار، فسيأتي ذكره إنشاء الله تعالى.

وأما قولنا عن كبد مجروحة مريضة، ومقلة عن حقها غضيضة، وقوة بظلمهم مهيضة، فقد أسمعناك ذلك من كلامه عليه السلام.

وأما قولنا: وفتنة طويلة عريضة فنريد بذلك ما نبه عليه عليه السلام في كلامه الذي رويناه عنه ولاشك أن إزالتهم للأمر على معدنه وإخراجهم له عن أهله كان سبب فتنة الأموي، والعباسي إلى انقطاع أمرهم، وهو ظلم أسسه القوم بظلمهم لسيد البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين، وسيد الوصيين سلام الله عليه، ورضوانه.

وكان أمير المؤمنين عليه السلام ينفذ أحكامه، وآرأه على الكتاب، والسنة قاطعاً غير مشك بل كان من قوله عليه السلام لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، واستشهد عليه السلام، ولم يوص بقضاءجميع الذي تصرف فيه في ولايته من بيت المال كما فعل غيره لكونه عاملاً على اليقين إذ هو أهل الحق، ومعدنه لم يختلجه الريب، ولم يعتريه الشك سلام الله عليه.

وكانت خلافته عليه السلام: التي ظهر فيه أمره خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وقيل: إلا شهرين في رواية أبي العباس رحمه الله.

وقيل أربع سنين وتسعة أشهر واستشهد عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقيل: ابن خمس وستين وقيل: ابن ثلاث وستين.

قال الراوي: وهو أصح ما قيل فيه، وهذا القول منقول من تاريخ الطبري، فأما نسبه عليه السلام فمما لا يحتاج إلى شرح لشهرته غير أنا نذكره ما ذكرنا نسب غيره.

هو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو: شيبة بن هاشم، وهو: عمرو بن عبد مناف. ولنعد إلى ما نحن بصدده مما وعدنا ببيانه، وذكره في هذا الأرجوزة وشرحها فإن استيفاء قيامه وجهاده بعد إقبال الناس عليه، وذكر ما آل أمره إليه من تفصيل قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين وغيرهم من أعداء الله لا يتسع له هذا الموضع بل يخرجنا عن الغرض، ولا بد من ذكر نبذة من ذلك في موضعها إن شاء الله تعالى، وحسبنا الله ونعم الوكيل:

ألم يكن أولهم إسلاما
لكنه
عن فطرة تساما

 

ولم يك الكفر له إماما
 والقوم قبل عبدوا الأصناما

اعلم أرشك الله أيها الطالب للنجاة، والناظر بعين بصيرته والمؤثر لفكاك رهنة أما موردون الآن ما وعدنا به من الموضع الثالث.

وهو في ذكر زبد من شرف أمير المؤمنين عليه السلام وبيان جمل من مناقبه، وبيان ما به تشرف على القوم، ويكون مقامه أولى بالتقدم، مع بيان وجوده الدلالة حيث لاحت على الحد الذي ذكرناه أولاً في الأركان الثلاثة من غير تعيين الأركان بذكرٍ فيما يأتي بل على وجه الإجمال، وأنت إذا تأملتها، وقفت على حقيقة الأمر، وعلمت أن القوم لا يدانون منزلته، وأنه نسيج وحده، وأولى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الأمر من بعده فابتدأنا بذكر إسلامه عليه السلام إذ لا رجل أسلم قبله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وصدق وآمن به، وعلى ذلك إجماع العترة عليهم السلام، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي أعلمكم علماً وأقدمكم سلما))([5]) رويناه في حديث آخر: ((أنت أول من آمن بي وأول من صلى معي))([6]).

 وفي حديث آخر عنه -صلى الله عليه وآله وسلم: ((صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين وذلك أنه لم يصل معي أحد غيره))([7]) وفي حديث آخر ((إن أول الناس ورداً على الحوض أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب عليه السلام))([8])، ورويناه عن بن عمر قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم ((علي مني كاللسان من الفم، علي مني كالرأس من الجسد، علي جلدة أنفي فمن نكأها فقد نكأني، وإن أول من آمن بي وصدقني: خديجة وقت الظهر، وآمن بي وصدقني علي وقت العصر، فلم يزل سبع سنين يصليّ خفياً ما على الأرض أحد يضع جبهته لله غيرنا ثلاثة نفر نصلي خفياً))([9])، وفي حديث آخر: ((لو وزن إيمان علي بإيمان أهل الأرض لرجح ))، وروينا من مناقب بن المغازلي ما رفعه إلى عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لو أن السماوات والأرضين وضعتا في كفه وإيمان علي في كفة لرجح إيمان علي)).

-وفي حديث آخر عن أبي ذر أنه سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -يقول لعلي عليه السلام: ((أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكافرين)) كل ذلك رويناه وفي ذلك قوله عليه السلام:

سبقتكم إلى الإسلام طراً

 

غلاماً ما بلغت أوان حلمي

وروينا عن ابن عباس قال: كان لعلي بن أبي طالب خصال ليست لأحد غيره، كان أول عربي وعجمي صلى مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -وهو الذي كان لوائه معه في كل زحف،، وهو الذي صبر معه يوم المهراس، وانهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره المهراس: ماءٌ بأحد قتل إلى جنبه حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه، وعن أنس بن مالك: بعث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين، وأسلم علي عليه السلام يوم الثلاثاء، وكذلك الرواية عن الهادي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث يوم الإثنين وصدقه علي يوم الثلاثاء، وفي ذلك يقول السيد الحميري:

بعث النبي فما تخلف بعده

 

حتى تحنف غير يوم واحد

وروى عن: الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: من جانب المسائل التي سأله عنها محمد بن عباد قال عليه السلام: سألت عن أول من آمن بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم -بعد خديجة، وعلي فإنه جعفر بن أبي طالب لم يتخلف عن علي، ولم يكونوا قبل كفاراً فيؤمنوا، ولكنهم كانوا مقرين بالله تعالى، وبالموت، وبالبعث وآمنوا كما آمنت خديجة، أولم تسمع حجتنا في جعفر حين قال أبو طالب لابنيه في شعر:

لا تخذلا وانصرا ابن عمكم
ا

 

أخي لأمي من بينهم لأبي([10])

وروى عليه السلام تقدم إيمان جعفر على أبي بكر، وغيره مع علي عليهما السلام.

قال الشيخ أبو عبد الله: قد كان علي عليه السلام يكرر في خطبة، ومقاماته أنه أول من أسلم ما كذب به أحدٌ أبداً.

نحن نروي في هذا المعنى من كتب العامة ما رويناه عن الإمام المنصور بالله يرويه عليه السلام عنها فمن مسند بن حنبل يرويه بالإسناد عن ابن عباس: أن علياً عليه السلام أول من أسلم، والإسناد عن قتادة عن الحسن، وغيره أن علياً عليه السلام أول من أسلم بعد خديجة، وبالإسناد عن سلمة بن كهيل قال سمعت حَبَّة العرني يقول: سمعت علياً عليه السلام يقول: إن أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالإسناد عن زيد بن أرقم قال: أنا أول من صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب عليه السلام، وبالإسناد عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا حمزة يقول: سمعت زيد بن أرقم يقول: أول من صلى مع النبي صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم- علي بن أبي طالب عليه السلام بالإسناد عن عبد الله بن يحيى عن علي عليه السلام قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين قبل أن يصلي معه أحد، بالإسناد عن عبد الله بن يحيى مثل الخبر الأول إلا أنه زاد فيه: أحد من الناس، وبالإسناد عن حبة العرني([11]) قال: رأيت علياً عليه السلام يضحك يوماً ضحكاً لم أره ضحك أكثر منه حتى بدت نواجذه.

قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر الحديث، ثم قال: ((اللهم إني لا أعترف أن عبداً لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك صلى الله عليه وآله وسلم قال: ذلك ثلاث مرات، ثم قال: لقد صلينا قبل أن يصلي أحد سبعاً.

ومن تفسير الثعلبي: من سورة براءة قوله سبحانه وتعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}[التوبة:100] وبالإسناد قال: اختلف أهل لعلم في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد امرأته خديجة بنت خويلد مع اتفاقهم على أنها أول من آمن بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وصدقه فقال: بعضهم أول ذكر آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب، وهو قول ابن عباس رضى الله عنه، وجابر، وزيد بن أرقم، ومحمد بن المنكدر، وربيعة الرأي، وأبي حيان، والمزني قال الكلبي: أسلم علي وهو ابن تسع سنين وقال: مجاهد، وابن إسحاق: أسلم علي وهو ابن عشر سنين.

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن نجيح، عن مجاهد قال: كان من نعمة الله تعالى على علي بن أبي طالب، وما صنع الله له وأراده من الخيرا))([12]) أن قريشاً أصابتهم شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم يا عباس أخوك أبو طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا فلتخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلاً وتأخذ من بنيه رجلاً فنَكفلهما عنه.

فقال العباس رضى الله عنه: نعم فانطلقنا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيهم. فقال لهما أبو طالب: إن تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - علياً فضمه إليه، وأخذ العباس جعفر فضمه إليه، ولم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعثه الله تعالى نبياً فاتبعه علي فآمن به، وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه))([13]).

قال وروى إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جده عفيف قال: كنت امراءً تاجراً فقدمت مكة أيام الحج فنزلت على العباس بن عبد المطلب، وكان العباس لي صديقاً، وكان يختلف إلى اليمن يشتري العطر فيبيعه أيام الموسم، فبينا أنا والعباس بمنى إذ جاء رجل شاب حين حلَّقت الشمس في السماء فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه فلم يلبث أن جاءت امرأة فقامت خلفه فركع الشاب وركع الغلام والمرأة، وخر الشاب ساجداً فسجد معه فرفع الشاب فرفع معه الغلام والمرأة.

 فقلت: يا عباس أمر عظيم.

 فقال: أمر عظيم.

 فقلت: ويحك ما هذا؟ فقال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يزعم أن الله بعثه رسولاً و أن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذا الغلام ابن أخي علي بن أبي طالب، وهذه خديجة بنت خويلد زوجته تابعاه على دينه وايم الله ما ظهر على وجه الأرض أحد على هذا الدين غير هؤلاء.

قال عفيف الكندي: بعد ما أسلم رسخ الإسلام في قلبه غيرهم يا ليتني، كنت رابعاً.

وروي أن أبا طالب قال لعلي أي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه.

 قال: يا أبت آمنت بالله تعالى وبرسوله، وصدقته فيما جاء به وصليت معه لله تعالى.

فقال له: أما إن محمداً لا يدعو إلا إلى خير فالزمه.

قال: وروى عبيد الله بن محمد عن العلاء عن المنهال عن عمرو بن عبادة عن عبد الله قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين.

وروينا من مناقب الفقيه بن المغازلي الواسطي في قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}[التوبة: 100] بالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ} قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق مؤمن آل فرعون وصاحب ياسين وشمعون إلى عيسى، وسبق علي إلى محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.

وبالإسناد عن عبد الرحمن بن سعد مولى أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم-: ((صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، وذلك أنه له يصلي معي أحد غيره))، وبالإسناد عن سعد بن صالح المروزي قال سمعت أبا معمر عباد بن عبد الصمد يقول: سمعت أنس ين مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((صلت الملائكة علي وعلى علي سبعاً، وذلك أنه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله إلا مني ومنه))([14])، وبالإسناد عن سلمان قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أول الناس علي ورداً الحوض أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب)) ([15]) تمت روايتنا من كتب العامة عن المنصور بالله عليه السلام في الموضع.

والسبق في الإسلام غاية الفضل في الصحابة كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}[الواقعة: 10-11]، ولهذا روى عن أبي بكر أنه قال: يا لهفي على ساعة يقدمني فيها بن أبي طالب فلو سبقته لكان لي سابقة الإسلام.

ومن خلال الفضل في إسلامه عليه السلام أنه كان عن فطرة، وإسلام القوم عن كفر، وشتان ما بين ذلك فإن من لم يشرك بالله غيره طرفة عين، ولم يعبد سواه ليس كمن عكف على الأصنام واستقسم بالأزلام، واثبت مع الله شريكاً، ومثل هذا لا يخفى على ذي بصيرة [33 -ج ] فإن قيل إن إسلامه كان إسلام الصبيان، وإسلام أبي بكر عن بصيرة، فالجواب عن ذلك أن هذا سؤال جاهل متجاهل كيف يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي أولكم سلماً )) ما دحا له بذلك، وهو على ما ذكره السائل، وكيف يفتخر عليه السلام به فيقول ((سبقتكم إلى الإسلام طراً)) وهو كذلك بل لو كان إسلامه تقليداً لما صح هذا، وبعد فلو دعاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو صبي غير كامل العقل لكان هذا طعناً في نبوته إذ كان للكفاران يقولوا بدأ بامرأة وبصبي من أهل بيته لا خيرة له فكان ذلك يقدح في حاله فعلمنا أنه دعاه، وله من العقل ما يميز به بين المعجز والحيلة والتوحيد والشرك.

وقد اختلفت الرواية في سنه عليه السلام، وقت إسلامه فقيل: خمس عشرة سنة عن الحسن وقيل: اثنتي عشر سنة عن أبي الأسود الدؤلي.

قال السيد أبو طالب: وهو الأصح وقيل: احدى عشرة سنة عن شريك.

وقيل: عشر سنين عن مجاهد، وعن الصادق عليه السلام: اثنتي عشر سنة وستة أشهر، وعن غيره عشر سنين وستة أشهر.

وليس بعجيب أن يكون متقدماً في العلم في مثل هذا السن، فإن الأولاد من يكمل على هذا السن، والنساء يبلغن في مثل هذا الأوان، فكيف يكون صغره طعناً على أنه لو أسلم وهو صغير لقضينا بأن الله تعالى أكمل له عقله في ذلك السن معجزة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكرامة لأمير المؤمنين لئلا يكون ذلك قادحاً فيما تقدم ذكره، وإن كان الأولى ما تقدم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أنه أول من أسلم وهو أعلم بمن يعتد بإسلامه.

وأيضاً فالمنقول في التواريخ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: دعا علياً إلى الإسلام فقال: حتى أشاور والدي ثم خطا خطوات، ثم انصرف وأسلم وقال إن الله تعالى بعثك ولم تشاور والدك، وكانت تلك الخُطأ أوقات المهلة للنظر لأنه لو لم يكن مكلفاً ما جاز أن يدعوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما لم يدع سائر الصبيان.

فإذا كان عليه السلام أول من أسلم، وكان إسلامه عن فطرة لم يتقدمه شرك كما بينا فقد جمع الفضل في ذلك بتقدمه على القوم على هذا الوجه، يزيد ذلك بياناً ما روى عن الإمام ترجمان الدين، خالص اليقين: القاسم بن إبراهيم عليه السلام أنه أسلم اثنان وثلاثون رجلاً، ثم أسلم أبو بكر وكان علي عليه السلام يقول: أسلمت قبل أن يسلم الناس، وقبل أبي بكر بسبع سنين ينوه بذلك على رؤوس الأشهاد.

وروينا من كتاب: ( سلوة العارفين) للإمام الموفق بالله عليه السلام: يحيى بن المحسن حدثني الحسن بن علي الحلواني حدثنا: يزيد بن هارون حدثنا: نوح بن قيس حدثنا: سليمان بن عبد الله أبو فاطمة عن معاذة العدوية قالت: سمعت عليّاً على المنبر وهو يقول: أنا الصديق الأكبر أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر، فثبت ما قلناه بحمد الله ومنه:

لو كان بعد المصطفى رسول
إذ كفرهم كما ترى مفعول
كمثل ذا قال النبي نكته

 

لما قضت منهم به العقول
إذاً هو الوصي لا تحويل
لصنوه لو كان ذا لكنته

فاستغرق القول بذا ما تحته

 

لولا انتهاب الأمر عنه بغته

ومن خلال الفضل في إسلامه عليه السلام أنه يصلح للنبوة من حيث كان عن فطرة وإسلام القوم لا يصلح لذلك لتقدم الكفر، إذ لا خلاف بين أهل العدل في أن النبي لا يجوز[34-ج] أن يفعل شيئاً من الكبائر قبل البعثة، ولا بعدها يؤكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((أنه لا نبي بعدي، ولو كان لكنته))، فلا يصح مثل هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في واحد منهم بل لو رواه راوي، كما قد روا بعض المخالفين يزعمه مثل ذلك في عمر لعلمنا من جهة العقل كذبه لتقدم الكفر لإسلامهم، وهو مانع من ذلك.

ومن خلال الفضل في إسلامه عليه السلام أنه مقطوع على باطنه يعلم أنه ولي الله، وإسلام القوم على الظاهر، وبين هذا تباين عظيم فهل ترى أيها المنصف نفسه، والمتبع رشده أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -يقول له في النبوة، ولو كان لكنته، وهي المنزلة العالية، والدرجة الرفيعة، وتكون المنـزلة التي جعلت بدلاً عنها، وهي الإمامة لغيره حاشا وكلا بل في ذلك من التنبيه على أمره، والإشارة إلى كونه أولى بالإمامة ما لا خفا به {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[يونس:108] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت: 46]، ونريد بانتهاب الأمر عنه بغتة ما حدث يوم السقيفة مع اشتغاله بجهاز رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم -ولذلك قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة:

  ألم يكن حقاً لقاح الشجرة
وجملة الأنوار منه منتشره



 

قسيمه في نوره للذكره
فهل لهم كنوزه فنخبره


أما كونه عليه السلام لقاح الشجرة ففي ذلك ما رويناه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا علي خلقنا نحن من شجرة واحدة أنا أصلها، وأنت لقاحها، وفاطمة فرعها، والحسن والحسين ثمرها وشيعتنا ورقها يا علي: لو أن رجلاً عبد الله ألف سنة حتى صار كالأوتار من صومه، وكالحنايا من صلاته ثم لقي الله وفي قلبه مثقال ذرة من بغضك لكبه الله على منخريه في النار))، قيل، وروى هذا الحديث بمشهد سيف الدولة فضحك أبو القاسم الطبري فقال له سيف الدولة: ما الذي يضحكك.

 قال: أنشدني أبو يعقوب النصراني في هذا المعنى.

 قال: ما الذي أنشدك.

 قال: أنشدني:

يا حبذا دوحةٌ في الخلد نابتة
المصطفى أصلها والفرع فاطمة
والهاشميان سبطاه لها ثمر

 

ما مثلها نبتت في الأرض من شجر
ثم اللقاح على سيد البشر
والشيعة الورق المتلف بالشجر

هذا مقال رسول الله جاء به
إني بحبهم أرجو النجاة غداً

 

أهل الرواية في العالي من الخبر
والفوز مع زمرة من أفضل الزمر

قال سيف الدولة: اتق الله ولا تقل نصراني فإنه مسلم.

 قال: قلت: كذا يقال.

وروينا عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((قال لي ربي ليلة أسري بي من خلفت على أمتك يا محمد.

قال قلت: أنت يا رب أعلم.

 قال يا محمد: إني انتخبتك برسالتي واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي، وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك السيدين الشهيدين الطاهرين المطهرين سيدا شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين أنت شجرة وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها خلقها)) وفي رواية: ((خلقتكم من شجرة عليين، وخلقت شيعتكم منكم إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف لم يزدادوا لكم إلا حباً.

قال قلت: يا رب، ومن الصديق الأكبر.

 قال: أخوك علي بن أبي طالب.

 قال: بشرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها أبنائي الحسن والحسين منها، وذلك قبل الهجرة بثلاث أحوال.

وروى أبو أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة فأنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن نجا ومن زاغ هوى ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا أهل البيت كبه الله على منخريه في النار، ثم قرأ: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى: 23].

وفي ذلك أيضاً ما ورد في تفسير قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}[إبراهيم:24] عن عبد الرحمن بن عوف: خذوا عني حديثاً من قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنات عدن، وسائر ذلك في سائر الجنة)).

وروينا عن ابن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأذناي وإلا فصمتا وهو يقول: ((أنا شجرة وفاطمة حملها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، والمحبون لأهل البيت ورقها من الجنة حقاً حقاً)).

ومما يضاهي قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}[الرعد:29] طوبى شجرة في الجنة أصلها في داري، وفرعها في الجنة، وسئل عنها مرة أخرى قال: ((شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة)).

 فقيل: له في ذلك.

 فقال: ((داري ودار علي واحدة)).

وروينا من تفسير الثعلبي بالإسناد قال: روى معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده، ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء ستور الجنة)).

قال عبد الله بن عمر: هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي كل دار وغرفة غصن منها، لم يخلق الله تعالى لوناً ولا زهرة إلا وفيها منها إلا السواد، ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها، ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل، وبه قال مقاتل، ورقه تظل أمة، عليها مَلك يسبح بأنواع التسبيح، ومنه أيضاً رفعه إلى بن عباس طوبى لهم.

 قال: شجرة أصلها في دار علي في الجنة، وفي دار كل مؤمن، منها غصن يقال له طوبى، وحسن مآب، حسن مرجع، ومنه أيضاً رفعه إلى جعفر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}[الرعد:29] قال: شجرة في الجنة أصلها في داري، وفرعها على أهل الجنة.

فقيل له: يا رسول الله سألناك عنها فقلت: شجرة في الجنة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة، ثم سألناك عنها فقلت شجرة في الجنة أصلها، تمت أصل في دار علي وفرعها على أهل الجنة.

فقال: ((إن داري ودار علي غداً واحدة في مكان واحد)).

وروينا عن جابر بن عبد الله: عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال لعلي عليه السلام: ((ضع خمسك في خمسي فجعل كفه في كفه، فقال: يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة واحدة أنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسين أغصانها، فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة، يا علي لو أن أمتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا، وصلوا حتى يكونوا كالأوتار وأبغضوك لأكبهم الله في النار)).

وروينا من مناقب بن المغازي رفعه بالإسناد إلى جابر بن عبد الله قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم بعرفات، وعلي تجاهه إذ قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادن مني يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة واحدة صيغ جسمك من جسمي، خلقت أنا وأنت من شجرة واحدة أنا أصلها، وأنت فرعها، والحسن والحسن أغصانها، فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة)).

فانظر رحمك الله تعالى إلى هذا الشرف العظيم، والفضل الجسيم الذي ليس للقوم مثله، وأما كونه قسيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نوره ففي ذلك ما روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((يا علي خلق الله تعالى نوراً فجزأه خلق العرش من جزء، والكرسي من جزء، والجنة من جزء، والكواكب من جزء، والملائكة من جزء، وسدرة المنتهى من جزء، والشمس والقمر من جزء، وأمسك جزءاً تحت بطنان العرش حتى خلق الله آدم فأودع الله ذلك الجزء في جبينه، فكان ينتقل ذلك من أب إلى أب إلى عبد المطلب، ثم صار نصفين فنقل جزء إلى عبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصفها إلى أبي طالب [36 - ج]، وخلقت أنا من جزءٍ وأنت من جزءٍ، والأنوار كلها من نوري ونورك يا علي)).

وعن أبي ذر، وجابر عن: النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد قد سبح الله يمنة العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، فلما أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه، ولقد سكن الجنة، ونحن في صلبه.

ولقد همَّ بالخطيئة، ونحن في صلبه، ونحن في صلبه، ولقد ركب نوح السفينة، ونحن في صلبه، ولقد قذف بإبراهيم في النار، فلم يزل ينقلنا الله تعالى من أصلاب طاهرة أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب، فقسمنا نصفين، وجعلني في صلب عبد الله، وجعل علي في صلب أبي طالب وجعل فيَّ النبوة والبركة، وجعل في علي الفصاحة والفروسية، وشق لنا اسمين من أسمائه فذو العرش محمود، وأنا محمد والله الأعلى وهذا علي، وزاد جابر: فعلي شقيقي وأخي ووارثي، وأبو ولدي، مُحِبُّه مُحبي، ومبغضهُ مبغضي، ووليهُ وليِّ، وعدوه عدوي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي)).

 وفي ذلك ما روى من كتب العامة وروايتهم فمن ذلك ما رويناه عن الإمام المنصور بالله عليه السلام.

فمن مسند بن حنبل رفعه إلى سلمان الفارسي رحمه الله قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((كنت أنا وعليٌّ نوراً بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزئين فجزءٌ أنا وجزءٌ علي)).

ومن مناقب بن المغازي بإسناده عن سلمان قال: سمعت حبيبي محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل، يسبح الله ذلك النور، ويقدسه قبل أن يخلق الله آدم بألف عام، فلما خلق الله تعالى آدم ركب الله ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب))، ففيَّ النبوة، وفي علي الخلافة، ومنه أيضاً بالإسناد إلى أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: كنت أنا وعلي نوراً عن يمين العرش، يسبح الله ذلك النور، ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ولم أزل أنا وعلي في شيء واحدٍ حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ومنه أيضاً بالإسناد إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أنزل الله قطعةً من نور فأسكنها في صلب آدم فساقها حتى قسَّمها جزئين، فجعل جزءاً في صلب عبد الله، وجزءاً في صلب أبي طالب فأخرجني نبياً، وأخرج علياً وصياً)).

ومن كتاب الفردوس لابن شيرويه الديلمي في باب (الخا) بإسناده عن سلمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم بأربعة آلاف عام، فلما خلق الله آدم ركب ذلك الله ذلك النور في صلبه، فلم يزل في شيئ واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ففيَّ: النبوة وفي علي: الخلافة)) تمت روايتنا عن المنصور بالله من كتب العامة في هذا الموضع.

فتأمل أرشدك الله، إكرامهما من الله تعالى بهذا وكون أصلهما أصل كل نور، وكيف كان نورهما شيئاً واحداً حيث أودعه الله تعالى إلى أوان قسمته بين أبويهما، وفي ذلك لطيفة وهي: حديث المؤاخاة ولمثل هذا قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((حسبك أنك مني وأنا منك لحمك من لحمي وجلدك من جلدي وعظمك من عظمي ودمك من دمي والإيمان مخالط للحمك وجلدك وعظمك ودمك)).

ومثل ذلك ما روى إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث رحمه الله في كتاب: ( الحياة) من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((يا علي والذي بعث محمداً بالنبوة وأكرمه بالرسالة ما خلق الله سبحانه خلقاً أكرم عليه مني وخلقني وخلقك من الطينة التي خلقني منها، يا علي: من لم يعرف حرمتي وحرمتك، وحرمة أهل بيتي فهو على غير الفطرة التي جئت بها من عند ربي هذا وخصال الفضل، والكمال إنما تكون بالقرابة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبه فخرت العرب على العجم، وفخرت قريش على سائر العرب لقرابتها منه فإذاً أهله بهذا الفخر أولى[37 -ج ]، ثم علي عليه السلام بإجماعهم وإجماع المحققين من العلماء أفضل الكل، فهل ترى أيها الطالب نجاة نفسه من هو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منه على مثل هذه الحالة أولى بالأمة بعده، أو من لاحظ له في ذلك مع أن في بعض هذه الأخبار التصريح بالنبوة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالخلافة لأمير المؤمنين عليه السلام:

هل كان في كتابه الأسماء
من فوق ساق العرش ذي السناء
بهم دعاء آدم رب الناس


 

مشارك الخمسة في الكساء
 لاحظ للكافر في الثناء
حيث رأى النور على الأساس

يعفوا له عن طاعة الوسواس

 

فهل لهم في القوم من قياس

روينا أن الله تعالى قبل أن خلق آدم كتب على ساق العرش: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، فلما خلق الله آدم عليه السلام رأى تلك الأسماء تتلألأ فقال: يا رب من هؤلاء.

 فقال: هم من ذريتك آخر نبي من أولادك، أكرم الخلق عليَّ فلما وقع منه ما وقع قال: بحق الخمسة إلا غفرت لي.

وروينا أيضاً ((أنه كتب على ساق العرش محمد رسول الله أيدته بعلي))، وروينا عن سعيد بن جبير عن أبي الحمراء خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((رأيت ليلة أسري بي على ساق العرش مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به)).

وروينا عن السيد أبي طالب بإسناده إلى ابن عباس عن النبي -صلى الله صلى عليه وآله وسلم- قال: ((لما أمر الله تعالى آدم بالخروج من الجنة رفع طرفه إلى السماء فرأى خمسة أشباح على يمين العرش.

 فقال: ((إلهي خلقت خلقاً قبلي، فأوحى الله تعالى إليه أما تنظر إلى هذه الأشباح.

قال: بلى.

 قال: هؤلاء الصفوة من نوري اشتتقت أسماؤهم من اسمي فأنا الله المحمود، وهذا محمد، وأنا العلي، وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، ولي الأسماء الحسنى، وهذا الحسين.

 فقال: آدم عليه السلام: فبحقهم اغفر لي، فأوحى الله تعالى إليه قد غفرت)).

وروينا عن جعفر بن محمد الصادق: ((أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه هي هذه الأسماء الخمسة استشفع بهم إلى الله حتى غفر له))، وروينا من مناقب الفقيه بن المغازي ما رفعه إلى ابن عباس رضى الله عنه قال: ((سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه: قال سأله بحق محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين إلا تبت عليَّ فتاب عليه)).

وروينا عن: سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن الله تعالي خلق روحي وروح علي قبل أن خلق آدم بما شاء الله فلما أن خلق آدم أودع أرواحنا صلبه فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر، لم يصبها دنس الشرك، ولا عهر الجاهلية، حتى أقرها الله في صلب عبد المطلب، ثم أخرجها من صلبه فقسمها نصفين: فجعل روحي في صلب عبد الله، وروح علي في صلب أبي طالب؛ فعلي مني وأنا من علي نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتي، لا يحبني من يبغضه، ولا يبغضني من يحبه)).

وروينا من مناقب الفقيه بن المغازي بإسناده إلى أبي الحمراء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لما أسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش الأيمن أنا الله وحدي لا إله غيري، غرست جنة عدن بيدي محمد صفوتي، أيدته بعلي))، وربما روى من لا يعتد به أن المشائخ مكتوبون على ساق العرش مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا ساقط كيف يكتب الله تعالى هنالك من هو ساجد للصنم مشرك بالله إذاً يكون في ذلك تنفير عظيم للملائكة عليهم السلام لأن كتابتهم هنالك تعظيم لهم، وتعظيم الكافر على هذا الحد قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، وإنما تصح كتابة المعصومين عليهم السلام[38 - ج ]، وكذلك قلنا لاحظ للكافر في الثناء فهل ترى القوم مشاركين له في هذه الجلالة، أو أولى منه بهذه المنزلة التي هي الرياسة العامة في الدين والدنيا:

وكان في البيت العتيق مولده
وإنما إلهه مؤيده

 

وأمهُ إذا دخلت لا تقصده
فمن قلاه فالجحيم موعده

فيما ذكرناه في ذلك ما هو الصحيح من الرواية عند أهل البيت عليهم السلام، وهو أن فاطمة بنت أسد رحمها الله تعالى أُمَّهُ عليه السلام. قالت: لما قرب وقت ولادتي لعلي كانت العادة في نساء بني هاشم يدخلن البيت، ويمسحن بطونهن بحيطانه، فيخف عليهن الوضع، فخرجت مع حفدتي، وقضيت حاجتي من البيت؛ فلما أردت أن أخرج وإذا بعلي كأنه عمود من حديد لم ينته حتى وضعته من ساعتي في زاوية البيت من ناحية اليمن، وليس في الموضع أشرف من هذا.

وروينا في حديث آخر عن فاطمة بنت أسد رحمها الله تعالى أنها قالت: أخذني الطلق قمت فأتيت المسجد فطفت بالبيت فاستقبلني محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يا أماه ما لي أرى وجهك متغيراً.

 قلت: أخذني الطلق.

 فقال: ادخلي الكعبة في ستر الله فدخلت فولدت علياً.

وروينا من مناقب بن المغازلي حديثاً مسنداً إلى زين العابدين عليه السلام، ثم إلى أم عمارة وهي ما روت، أنها كانت في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً.

 فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب.

 فقال: إن فاطمة بنت أسد في شدة المخاض، ثم وضع يده على وجهه فبينما هو كذلك إذ أقبل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما شأنك يا عم.

 فقال: إن فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض فأخذ بيده وجاء وقمت معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة ثم قال: اجلسي على اسم الله.

قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظفاً لم أر كحسن وجهه فسماه أبو طالب علياً، وحمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أداه إلى منزلها.

 قال علي بن الحسين عليه السلام: فو الله ما سمعت بشيئ قط إلا وهذا أحسن منه، فأمير المؤمنين عليه السلام، ولد طاهراً من نسل طاهر، وضع في أشرف البقاع وأفضلها فهذا في نهاية الفضل، ولا شركة للقوم فيه أليس أشرف البقاع الحرم، وأشرف الحرم المسجد، وأشرف بقاع المسجد الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس طهره الله للطائفين والعاكفين، وهو للعرب فخر، وللعرب والعجم قبله قاسه جبريل وبناه إبراهيم صلى الله عليه، وأدى إليه إسماعيل عليه السلام فولد عليه السلام في الكعبة كما قدمنا سنة ثلاثين من عام الفيل، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت الحرام سواه فضلاً من الله، وشرفاً له عليه السلام.

وقيل: لما خاف آدم عليه الصلاة والسلام الشيطان استعاذ بالله تعالى فبعث الله تعالى ملائكة حفوا بمكة من كل جانب فوقفوا من جوانبها، فأوقف الله تعالى الحرم من حيث كانت الملائكة وقفت؛ وعن وهب بن منبه: أن آدم عليه السلام بكى واشتد حزنه فبعث الله تعالى بخيمة من خيام الجنة وضعها له بمكة في موضع الكعبة، وهي ياقوتة حمراء فالركن يومئذٍ نجم من نجومه، فكان ضوء ذلك النور ينتهي إلى مواضع الحرم.

وقيل: لما فرغ آدم عليه السلام من المناسك جاء جبريل عليه السلام بياقوتة حمراء، وحلق شعره فطار شعره حتى بلغ أطراف الحرم، وجال حولها فجعل الله تعالى ذلك القدر حرماً فمن يكون ذلك مسقط رأسه في أشرف المواضع كلها مع اختيار الله تعالى لذلك، وكونه[39 - ج] سقط فيه عن غير اختيار من أمه رحمة الله عليها، كيف لا يكون في غاية الشرف والفضل:

ثم أبوه كافل الرسول
في قول أهل العلم والتحصيل

 

ومؤمن بالله والتنزيل
فهات في آبائهم كقيلي

أبوه عليه السلام أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وهو الذي كفل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، صغيراً، ونصره كبيراً لأن أباه عبد الله مات، وهو حمل، أوله أربعةُ أشهر ثم ماتت أمه وله: أربع سنين ثم مات جده عبد المطلب، وله: ست سنين، وكان عبد الله، وأبو طالب أخوين من أم واحدة؛ فأخذه أبو طالب، وربته امرأته [فاطمة بنت أسد رحمها الله]، وكان يقول لأولاده في اللبن الذي كانوا يشربون لا تشربوا حتى يشرب محمد أولاً، فكان إذا شرب قبلهم كفاهم ما بقى وإذا لم يشرب لم يكفهم وكذلك في الطعام.

وروينا عن السيد أبي طالب رفعه إلى الحسن بن الحسن عن آبائه عليهم السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخذ مضجعه، وعرف مكانه تركه أبو طالب فإذا نامت العيون جاء إليه، وأنهضه من فراشه، وأضجع علياً مكانه فقال علي: يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة فقال أبو طالب:

اصطبر يا علي فالصبر أحجى
قد بلوناك والبلا يسير
لفدا الأغر ذي النسب الثا

 

كل حي مصيره لشعوب
لفدا النبي وابن النجيب
قب ذي الباع والرضي الحسيب

إن تصبك المنون عنه فأحرى
كل حين وإن تملا عيشا

 

فمصيب منها وغير مصيب
آخذ من سهامه بنصيب

وهو الذي منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قريش ونصره، ولما تذامرت([16]) قريش على من في القبائل من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -الذين أسلموا معه فوثب كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، منع الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم منهم بعمه أبو طالب.

ولما رأى أبو طالب قريشاً يصنعون ما يصنعون: قام في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام دونه؛ فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه إلا ما كان من أبي لهب عدو الله.

فلما رأى أبو طالب من قومه ما سره من جدهم وحد بهم عليه جعل يمدحهم، ويذكر قديم فعلهم، ويذكر فضل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم –فيهم، ومكانه منهم ليشد لهم رأيهم وليحيدبوا معه على أمره وقال:

إذا اجتمعت يوماً قريشاً لمفخر
فإن حصلت أشراف عبد منافها
فإن فخرت يوماً فإن محمداً

 

فعبد مناف سرها وصميمها
ففي هاشم أشرافها وقديمها
هو المصطفى من سرها وكريمها

تداعت قريش غثها وسمينها
وكنا قديماً لا نقر ظلامة
ونحمي حماها كل يوم كريهة

 

علينا فلم تظفر وطاشت حلومها[40-أ]
 إذا ما ثنوا صعر الحدود نقيمها
ونمنع عن أحجارها من يرومها

بنا انتعش العود لدوا وإنما

 

بأكنافنا تندا وتنمى أرومها

ومن قصيدة له أخرى طويلة:

كذبتم وبيت الله نبزي محمد
ونسلمه حتى نصرع حوله
وننهض قوماً في الحديد إليكم

 

ولما نطاعن دونه وتناضل
 وتذهل عن أبنائنا والحلائل
نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل

لقد علموا أن ابننا لا مكذب
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
يلوذ به الهلاك من آل هاشم

 

ولا هو معنى بقول الأباطل
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فهم عنده في نعمة وفواضل

وقد ذكر مقاتل في تفسيره في تفسير سورة الأنعام: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ}[الأنعام:26].

قال مقاتل: بإسناده إلى بن عباس رضى الله عنه: إن قريشاً اجتمعت إلى أبي طالب، وقالوا: يا أبا طالب سلم إلينا محمداً فإنه قد أفسد أدياننا، وسب آبائنا لنقتله، وهذه أبناؤنا بين يديك تبني بأيهم شئت، ثم دعوا بعمار بن الوليد، وكان مستحسناً فقال: هل رأيتم ناقة حنَّت إلى غير فصيلها لا كان ذلك أبداً، ثم نهض عنهم فدخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرآه كئيباً، وقد علم مقالة قريش له فقال: يا محمد لا تحزن ثم قال:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي
وذكرت ديناً قد علمت بأنه

 

حتى أوسد في التراب دفينا
أبشر وقر بذاك منك عيونا
ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
من خير أديان البرية دينا

 وقد اتفق على هذه الأبيات مقاتل، والثعلبي، وابن عباس، والقاسم بن مخيصرة، وعطاء بن دينار، ومن قوله أيضاً:

أذوبُّ وأحمي رسول المليك
منعنا الرسول رسول المليك

 

حماية حام عليه شفيق
ببيض تلألأ كلمع البروق

وقال أيضاً:

ألا أبلغا عني على ذات بيننا
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً
وأن عليه في العباد محبة

 

لؤياً وخصا من لؤي بني كعب
نبياً كموسى خط في أول الكتب
ولا خير ممن خصه الله بالحب

وأن الذي لصقتم من كتابكم
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفروا الثرا
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا

 

لكم كائن نحسا كراعية السقب
ويصبح من لم يجن ذنباً كذا الذنب
أوامرنا بعد المودة والقرب

ويستجلبوا حرباً عواناً وربما
فلسنا وربِّ البيت لنسلم أحمدا
ولما تبين منا ومنكم سوالف

 

أمر على من ذاقه حلب الحرب
لِعَزَّا من عض الزمان ولا كرب
وأيد أثرت بالقساسية الشهب

بمعركة ضيق ترى كسر القنا
كان مجال الخيل في حجراته
أليس أبونا هاشم شد أزره

 

به والنسور الضخم يعكفن كالسرب
ومعمعة الأبطال معركة الحرب
وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

ولسنا نمل الحرب حتى تملنا
ولكننا أهل الحفائظ والنهى

 

ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
إذا طار أرواح الكماة من الرعب

وأراد بالكتاب الذي لصقوه ما بلغهم أنهم اجتمعوا، واتمروا أن يكتبوا كتاباً يتعاقدون فيه على بني هاشم، وبني المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم، ولا يبيعونهم شيئاً؛ فلما اجتمعوا على ذلك كتبوا صحيفة وتعاهدوا وتواثققوا، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة، توكيداً على أنفسهم ومن قول أبي طالب أيضاً فيما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام وروينا عنه:

ألم تعلموا يا قوم أن محمداً

 

نبي كموسى والمسيح بن مريم

وروى عن المنصور بالله أيضاً قوله:

وبالغيب آمنا وقد كان قومنا

 

يصلون للأوثان قبل محمد

وروي أن أبا طالب فقد يوماً صلى الله عليه وآله وسلم فظن أنه قد قتل فدعى فتيان بني هاشم وبني المطلب، وقال لهم: ما أرى قريشاً، إلا قد قتلت محمداً فليأخذ كل رجل منكم سكيناً، ويجلس إلى عظيم من عظما قريش، فاذهب فاطلبه فإذا دخلت المسجد، وقلت: أَنْعي محمداً فليبقر كل واحد منكم بطن صاحبه، بما في يده، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت عند الصفا فجاءه فلما رآه أبو طالب قام إليه وأعتنقه، وأخذ بيده حتى قام على أندية قريش وقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به وقص القصة وقال لفتيانه: والذي نفسن أبي طالب بيده لو قتلتموه ما بقى منا رجل حي في الأرض حتى نتفانا.

وقال أبو طالب في ذلك أشعاراً عرضنا عنها في هذا الموضع طلباً للإختصار، وحاصرت قريش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبني المطلب على ما روى جماعة منهم: الإمام الناصر عليه السلام ثلاث سنين في شعب بني المطلب حتى أكلوا القد، والجلد، وفي الشعب أطعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القوم ما لا يشبع أحدهم، وسقاهم جميعاً ما لا يروي أحدهم فشبعوا والطعام باقي ثم دعاهم إلى دين الله، فقال أبا لهب: لشدَّ ما سحركم ابن أبي كبشة، ولا أبي طالب، ولا قريش في شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يتسع هذا الموضع لذكره؛ ولما تقارب من أبي طالب الموت، قال الراوي في سيرة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- لقنه الشهادة ولم يسمعها منه.

قال نظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه قال: فأصغى إليه بأذنه قال: فقال يا ابن أخي والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها فشهد العباس بإسلامه وأقسم بالله لقد قالها أبو طالب، وهذا هو الصحيح يؤيد ذلك قوله:

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

 

نبياً كموسى خط في أول الكتب

 وقولـه:

ألم تعلموا يا قوم أن محمداً

 

نبي كموسى والمسيح بن مريم

وقول أكثر أهل البيت عليهم السلام أن أبا طالب أسلم ومات مسلماً.

وربما ادعى بعضهم الإجماع على ذلك من أهل البيت عليهم السلام، إلا أنه قد روي عن واحد منهم أو اثنين خلاف هذا القول.

ومما يدل على إسلامه ما رويناه عن ابن عمر قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -يوم فتح مكة فقال النبي: ((ألا تركت الشيخ فأتيه قال أبو بكر: أردت أن يأجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً بإسلام أبي التمس بذلك قرة عينك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: صدقت صدقت)).

وقد ثبت أنه إذا روي الإسلام والكفر فإن الإسلام يقدم، ويكون أولى، ولذلك قدمت شهادة الإسلام على شهادة الكفر، وإلى الكفر طريق معلوم والإسلام طريقهُ الظن، فإذا نقل الإسلام وجب الحكم بإسلامه؛ فهذا أبوه عليه السلام كهف رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وناصره وعاضده، والباذل نفسه، وأهله، وولده، وماله دونه، وقوله: يشهد له بحسن الإسلام والتصديق بنبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وليس على هذا كله مزيد في صحة إسلامه وحسن جهاده بل بدون هذا يظهر حكم الإسلام [42 -ج].

وأمه ربت أخاه أحمدا
وكم دعاها أمه عند الندا
ألبسها قميصه إكراماً

 

واْتَّبعته إذا دعا إلى الهدا
وقام في جهازها ممجدا
وقام في حضيرها إعظاما

ومد للملائك القياما

 

حتى قضوا صلاتها تماما

وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كفله أبو طالب ربته فاطمة بنت أسد، وكانت تحن عليه ما لا تحن على أولادها، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((هذه أمي بعد أمي)).

وروينا عن جعفر بن محمد الصادق في حديث فاطمة بنت أسد قال أن فاطمة بنت أسد أول من هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت أبرَّ الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إن الناس يحشرون يوم القيامة عراةً كما ولدوا فقالت: وآسوأتها.

فقال لها: فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية، وسمعته يذكر ضغطة القبر فقالت: وآظغطتاه فقال لها: ((فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك)).

وروينا عن جابر قال: لما توفيت فاطمة بنت أسد حزن عليها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -حزناً شديداً، ثم قال ((يرحمك الله يا أماه لقد كنت تشبعيني وتجوعين عيالك عليّاً، وجعفراً، وعقيلاً، يرحمك الله يا أماه لقد كنت تؤثريني على نفسك وولدك)).

وروينا عن الزبير بن العوام قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعوا النساء إلى البيعة حين نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}[الممتحنة:12] فكانت أول امرأة بايعت فاطمة بنت أسد.

ولما ماتت فاطمة كفنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قميصه، ونزل في قبرها وتمرغ في لحدها، فقيل له في ذلك.

 فقال: ((إن أبي هلك وأنا صغير فأخذتني هي وزوجها فكانا يوسعان عليَّ ويؤثراني على أولادهما فأحببت أن يوسع الله عليها في قبرها)).

 وروينا عن أبي عبد الله أنه قال: لما توفيت فاطمة بنت أسد أوصت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقبل وصيتها ونزع قميصه، وقال كفونها فيه؛ واضطجع في لحدها.

وقال: أما قميصي فأمان لها يوم القيامة، وأما اضطجاعي في لحدها فليوسع الله عليها.

وروينا أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى عليها فكبر أربعين تكبيرة.

 فقيل له في ذلك فقال: حضرني من الملائكة أربعون صفاً فكبرت لكل صف تكبيرة ؛ فجرى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- مجرى الأخ لعلي عليه السلام لتربية أمه له، ولغير ذلك مما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وفاطمة بنت أسد بن هاشم رحمة الله عليها ورضوانه هي: أول هاشمية ولدت هاشمياً.

وهو الذي الذي كان أخاً للمصطفى
واقتسما نورهما المشرفا

 

بحكم رب العالمين وكفى
فاعدد لهم كمثل هذا شرفا

هو: عليه السلام أخو الرسول صلوات الله عليه وعلى آله من وجوه.

أحـدها: أنه قسيمه في نورهما فأصلها واحد فيه كما تقدم.

والثـاني: من جهة التربية كما قدمنا فإن أم علي أمه وكذلك فأبوه أبوه.

الثـالث: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما آخا بين أصحابه بأمر الله تعالى اختار علياً عليه السلام، أخاً له دونهم، وكان ذلك بحكم الله تعالى مع ذلك، فإنه صلى الله عليه وآله وسلم ربا علياً، وكفله، وذلك أنه اتفق بمكة مجاعة، وضعف حال أبي طالب، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج بخديجة مع غناها فقال لعميه الحمزة، والعباس قوما بنا ندخل إلى أبي طالب، فقد ضعفت حالته، حتى نخفف من عياله، فدخلوا عليه، وخاطبوه بذلك.

 فقال: إذا تركتم لي عقيلاً، فافعلوا ما شئتم فخلوا معه عقيلاً؛ فبقى معه إلى أن مات أبو طالب، ثم بقى وحده إلى يوم بدر، ثم أسره [ 43-ج]النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وخلى عنه، وكان يقول –صلى الله عليه وآله وسلم- بعد كونه معه: ((إني أحبك حبين حب لك، وحب لحب أبي طالب لك)).

وأخذ حمزة جعفراً فلم يزل عنده إلى أن قتل حمزة بأحد، وأخذ العباس طالباً، وكان معه يوم بدر، ثم فقد، فلم يوقف له على خبر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً، وله ست سنين كسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أخذه أبو طالب فرباه المصطفى وخديجة الكبرى، إلى أن جاء الإسلام، وتربيتهما له نهاية الشرف في هذا الباب فما ظنك بمن رباه سيد الأولين والآخرين، وخديجة سيدة نساء العالمين التي بشرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأمر جبريل عن الله تعالى بعد أمره له بالسلام عليها عن الله تعالى ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب))، ولم تزل معه عليه السلام إلى أن قبضه الله إليه يكتسب من خلقه وأدبه، وعلمه، وعفته، وحيائه، وكرمه، وفي ذكر الأخوة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام ما رويناه عن قوله خير إخواني علي، وقوله لعلي عليه السلام: أنت أخي في الدنيا والآخرة)).

وروينا بإسناده إلى بن عمر قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المؤمنين فقام علي عليه السلام فقال: يا رسول الله كلهم يرجع إلى أخ غيري.

 قال: أما ترضى أن تكون أخي.

 قال: بلى.

 قال: فأنا أخوك في الدنيا والآخرة.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما آخا بين أصحابه قال: علي يا رسول الله لقد ذهب روحي، وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى والكرامة.

 فقال: صلى الله عليه وآله وسلم والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي. الخبر إلى قوله: معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي، ورفيقي، ثم تلا {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجر: 47].

 وروينا عن علي عليه السلام أنه قال: أنا عبد الله وأخو رسوه لا يقولها بعدي إلا كذَّاب.

وعنه عليه السلام أنه قال: آخا رسول الله بين الناس وآخا بيني وبينه.

وروينا عن أبي ذر رحمه الله أنه أسند ظهره إلى الكعبة وقال: أيها الناس هلموا أحدثكم عن نبيكم يقول لعلي ثلاثاً لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا وما فيها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام ((اللهم أعنه واستعن به اللهم انصره واستنصر به فإنه عبدك وأخو رسولك.

وروينا عن علي عليه السلام أنه قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ليلة يطلبني.

 قال: يا أم أيمن أين أخي.

 قالت: أم أيمن من أخوك يا رسول الله.

 قال: علي.

 قالت: هو أخوك وزوجته ابنتك.

 قال: نعم والله يا أيمن لقد زوجت كفؤاً، شريفاً، وجيهاً في الدنيا والآخرة.

وروى قاضي القضاة عن ابن عمر قال: حين آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه جاء علي عليه السلام تدمع عيناه فقال: ما لي لم توآخ بيني وبين أحدٍ من إخواني قال: أنت أخي في الدنيا والآخرة.

وروى الناصر للحق عليه السلام بإسناده إلى حكيم بن سعد قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقلها أحدقبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب، فقال رجل أنا أقول كما قال هذا الكذاب أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله [44-ج] عليه وآله وسلم فضرب به جنون وعنه عليه السلام أنه قال: آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس وآخا بيني وبينه.

 وعن زيد بن وهب وهو أبو سليمان الجهني قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفتر فقالها رجل: أنا عبد الله وأخو رسوله فخنق واحتمل. فقيل لي ما أصابه هذا قبل يومئذٍ.

وروينا من مسند ابن حنبل بإسناده عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخا بين الناس، وترك علياً حتى بقى آخرهم لا يرى له أخاً.

فقال: يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني.

 قال: ولمن تراني تركتك إنما تركتك لنفسي أنت أنت أخي وأنا أخوك فإن ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب.

وروينا من مناقب الفقيه ابن المغازلي بالإسناد عن أنس قال: لما كان يوم المباهلة وآخا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار وعلي واقف يراه، ويعرف مكانه لم يؤاخ بينه وبين أحد فانصرف علي عليه السلام باكي العين فافتقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما فعل أبو الحسن قالوا: انصرف باكي العين يا رسول الله قال: يا بلال اذهب فأتني به فمضى بلال إلى علي عليه السلام، وقد دخل منزله باكي العين.

 فقالت فاطمة: ما يبكيك لا أبكى الله عينك.

قال: يا فاطمة آخا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -بين المهاجرين والأنصار، وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يؤاخ بيني وبين أحد.

قالت: لا يحزنك الله، لعله إنما دخرك لنفسه.

 فقال بلال: يا علي أجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتى عليٌّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما يبكيك يا أبا الحسن.

 قال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني، ولم تؤاخ بيني وبين أحد.

 فقال: إنما دخرتك لنفسي ألا يسرك أن تكون أخا نبيك.

 قال: بلى يا رسول الله أنى لي بذلك فأخذه بيده، فأرقاه المنبر وقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه ألا إنه بمنزلة هارون من موسى ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

قال: فانصرف علي قرير العين فأتبعه عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.

ومنه أيضاً بالإسناد عن زيد بن أرقم قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إني مؤاخ بينكم كما آخا الله بين الملائكة، ثم قال لعلي: أنت أخي ورفيقي ثم تلا هذه الآية: {إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ}[الحجرات:47] الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض.

وروينا من الجمع بين الصحاح الستة، بالإسناد عن ابن عمر قال: لما آخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه جاءه علي عليه السلام تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تؤاخ بيني وبين أحد.

 قال: فسمعت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة)).

وروى ابن حنبل في مسنده ما رويناه عنه رفعه إلى جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول....((مكتوب على باب الجنة قبل أن تخلق السماوات والأرض بألفي عام محمد رسول الله وعلي أخوه)) إلى غير ذلك مما يطول تعداده من الأخبار الواردة بلفظ الأخوة، وسيأتي فيها مزيد إيضاح إن شاء الله تعالى.

أفترى أيها المسترشد أن أخا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يوجد له نظير سواه من حيث أنه نضيره في الأصل، ونضيره في العصمة، ونظيره في أنه ولي الأمة، ونظيره في الأداء والتبليغ في سورة براءة وغيرها.

ونظيره في مماثلة نفسيهما، ونظيره في أنه مولى الأمة، ونظيره فيما أباح الله لهما في المسجد، ونظيره في استحقاق الإمامة بالطريق التي بها استحق النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - النبوة سوى إلى غير ذلك مما يطول ذكره، يكون تابعاً لمن لم يعط هذا الحظ، أو متبوعاً، كلا وحاشا بل لن يكون إلا المتبوع إذ كان سيد الوصيين وأخا سيد النبيين لكن عميت أعين البصائر، وأظهرت ضعائن الظمائر فالله المستعان[45-ج].

وزوجهُ سيدة النساء
أُنْكِحَها الصديق في السماء
الله في إنكاحها هو الولي

 

خامسة الخمسة في الكساء
فهل لهم كهذه العلياء
وجبريل مستناب عن علي

والشهداء حامل العرش العلي
حوريَّة إنسية سياحة
وأكرم الأصل بها لقاحه

 

فهل لهم كمثل ذا فاقصصه لي
خلقها الله من التفاحة
فهل ترى إنكاحهم إنكاحه

أما شرفه صلوات الله عليه بإنكاح فاطمة عليها السلام فلكونها بالمنزلة التي ليست لامرأة إلا لها إذا كانت سيدة نساء العالمين وابنة سيد العالمين.

ورُوِيْنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه))، ولم يرد هذا في بنت من بنات أحد سواها وهي عليها السلام من أهل الكساء الذين وردت فيهم آية التطهير وافتخر جبريل عليه السلام بكونه منهم

وروينا أنها لما نزلت آية التطهير دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة وهم نيام فانزعجوا لدخوله؛ وقال ((كما أنتم وجاء النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وادخل رجله بين صدر علي وفاطمة فأخذ رأس علي والحسن على يمينه، ورأس فاطمة والحسين على شماله صلوات الله عليهم أجمعين، ورفعها إلى السماء وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم هؤلاء أحق.

فقالت أم سلمة: وأنا أيضاً منكم أيضاً يا رسول الله قال: أنت إلى خير)).

وفي بعض الأخبار: لست منهم وإنك لعلى خير، فسميت لذلك أم سلمت الخير.

وقال: جبريل عليه السلام وقد ادخل رجليه تحت العباء: وأنا منكم يا رسول الله فقال: وأنت منا، فصعد إلى السماء يفتخر ويقول: من مثلي وأنا من أهل بيت محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -أي ليس في الملائكة لي نظير في هذا المعنى، وهذا الخبر يدل على عصمتهم، وعلى جلالة قدرهم لكون نبي الأنبياء ورسول الرسل يزداد بهم فخراً.

فهي عليها السلام: خامسة المعصومين وهي أم الأئمة إلى يوم الدين بعد زوجها عليه السلام.

وكيف لا يشرف بنكاح امرأة ينادى يوم القيامة لها يا أهل الموقف غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة عليها السلام.

وروينا أيضاً في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ((إذا كان يوم القيامة نادى منادي من تحت الحجب يا أهل الجمع غضو أبصاركم ونكسوا رؤسكم هذه فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم تريد أن تمر على الصراط.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام: ((إن الله عز وجل يغضب لغضبك ويرضى لرضاك))، وكل ذلك وما أشبهه من الأخبار الواردة فيها يقضي بشرف زوجها على من ليس له زوجة مثلها.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((فاطمة حصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار)) يعني من ولدته بنفسها.

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله تعالى فطمها وفطم محبها من النار)).

وروينا عن علي عليه السلام أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -إذا خرج كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أول عهده بفاطمة.

وروينا عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -قال: ((كأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب من نور عن يمينها سبعة آلاف ملك، وعن يسارها سبعة آلاف ملك وبين يديها كذلك، وخلفها كذلك تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة)).

 وروينا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها)).

وروينا من الجزء الرابع من صحيح مسلم رفعه إلى المسور بن مخرمة أنه حدث  أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -على المنبر وهو يقول: ((إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب علي بن أبي طالب أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم، فإن ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها)).

فأما ما ذكرناه من إنكاحها في السماء، وما يتعلق به؛ فقد علمنا أنه كان لها في ذلك ما ليس لأحد من نساء في الأولين والآخرين، وذلك أنه تواتر الخبر أن الصحابة اجتمعت، وقالوا: إن قلب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- مشغول بفاطمة فلا أم لها ولا مشفق، فلو أزلنا عن قلبه هذا الشغل فقالوا لأبي بكر: اخطبها، فجاء إلى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وقص عليه وخطبها.

 فقال: ((إن أمرها إلى الله تعالى.

فقيل: لعمر فكان هذا جواب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم

 فقيل لعثمان فقال: تزوجت باثنتين، ومضتا وكلتاهما تحتي وأنا أستحي أن أخطبها.

فجاءوا إلى أمير المؤمنين، وهو في بستان يستقي ليهودي الماء كل دلو بتمرة، وفي البلد قحط فنزع خمسة وعشرين دلوا، فخاطبوه بذلك، وسألوه أن يخطبها.

فقال: حباً وكرامة، ومشى معهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، ودخل ووضع التمرات بين يديه، ووقف كالمريب مطرق مستحيي لا ينظر إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: ما وراءك يا أبا الحسن ؟ فأطرق رأسه وقال: غلبني الحياء، جئت أخطب فاطمة؛فأطرق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكلمه، وإذا بجبريل عليه السلام قد نزل، وقال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إن العلي الأعلى يقرئك السلام، ويعرفك أنه أمر راحيل أن يخطب، وهو أفصح ملك في السماء، وجعلني قابلاً للنكاح عن علي، وكان الله تعالى وليها، وأحضر حملة العرش للشهادة، وأمر رضوان أن ينثر من شجرة طوبى زمرداً، ولؤلؤا، وزبرجداً، وتنثر الحور العين، وأمرك أن تزوجها منه؛ فرفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه إلى علي. فقال: ((ما الذي معك ؟ قال: درعي.

قال: كم يساوي.

 قال: طلب مني بأربعمائة درهم، فدعا الناس، وزوجها منه على ذلك، وأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - بإحضار طبق من تمر وقال: ((انتهبوا النثار((، ثم أمر علياً ببيع الدرع، ويشتري لها قميصاً، وسراويل، ومقنعة، ووقاية، وعبا، وفروة، ومخدتين، ويصرف الثاني إلى عطر، فمر علي في ذلك، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -بغسل رأسها، وألبسها ما حمل علي، وأطعم الهاشميات، والأقارب، ثم قال لهم: انصرفوا إلى أسماء بنت عميس (امرأة جعفر الطيار)، وكانت هي التي ربت فاطمة فوقفت([17])، فقال لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لم لَمْ تلحقي بأهلك.

قالت: يا رسول الله إن النساء لا بد لهن من امرأة في مثل هذه الليلة يكشفن إليهن أسرارهن وأنا ربيتها، فلا يطيب لي تركها وحدها، فدعا لها ثم خلط الطيب، ودعا فاطمة، وطيب فرقها، وعنقها وبين ثديها.

وقال: على بركة الله تعالى ؛ فلما دخل البيت دعا بعلي واستعمل باقي الطيب فيه، ووضع يده على ظهره، وقال: على بركة الله، فدخل علي عليها، ولم ينظر إلى جانبها حتى صلى ركعتين وسجد لله وشكر على رزقه إياه مثلها.

وروينا من كتاب بن المغازلي ما رفعه إلى أنس أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يرد إليه جواباً، ثم عمر فلم يرد عليه جواباً، ثم جمعهم فزوجها علي بن أبي طالب؛ وقيل: أقبل على أبي بكر، وعمر فقال: إن الله عز وجل أمرني أن أزوجها من علي، ولم يأذن لي في إفشائه إلا هذا الوقت، ولم أكن لأفشي ما أمر الله عز وجل به.

وروينا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم –[47-ج] في حديث آخر أنه قال لما زوج الله تبارك وتعالى فاطمة من علي عليه السلام: أمر الملائكة المقربين أن يحدقوا بالعرش، وفيهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل؛ فأحدقوا بالعرش، وأمر الحور العين أن تتزين، وأمر الجنات أن تزخرف، وكان الخاطب الله تبارك وتعالى، والشهود الملائكة، ثم أمر الله شجرة طوبى أن تنثر عليهم فنثرت اللؤلؤ الرطب، مع الدر الأخضر، مع الياقوت الأحمر، مع الدر الأبيض، فتبادرن الحور يلتقطن من الحلى والحلل، ويقلن هذا من نثار فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وروينا عنه: - صلى الله عليه وآله وسلم- في حديث آخر: ((أنه هبط إليه ملك يقال له محمود قال: هذا جبريل، وإسرافيل، وإسماعيل صاحب سماء الدنيا، وسبعون ألف ملك من الملائكة قد حضروا فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي قد زوجتك على ما زوجك الله تعالى.

وروينا بالإسناد الموثوق به إلى أنس بن مالك قال: [  ] قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كنت ذات يوم في المسجد أصلي، إذ هبط علي ملك له عشرون رأساً، فوثبت لأقبل رأسه فقال: مه يا محمد أنت أكرم على الله تعالى من أهل السماوات وأهل الأرض أجمعين، وقبل رأسي، ويدي.

 فقلت: حبيبي جبريل ما هذه الصورة التي لم تهبط عليَّ بمثلها قط قال: ما أنا جبريل ولكن أنا ملك يقال لي محمود بين كتفي مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله، بعثني الله أزوج النور بالنور. قلت: من النور.

 قال: فاطمة من علي، وهذا جبريل وإسرافيل، وإسماعيل صاحب سماء الدنيا وسبعون ألف ملك من الملائكة قد حضروا.

 فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي قد زوجتك على ما زوجك الله تعالى من فوق سبع سماوات ثم التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى محمود فقال: مذ كم كتب هذا بين كتفيك.

 فقال: من قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وناوله جبريل قدحاً فيه خلوق من الجنة؛ وقال: حبيبي مر فاطمة تلطخ رأسها وبدنها من هذا الخلوق؛ فكانت فاطمة إذا حكت رأسها شم أهل المدينة رائحة الخلوق))([18]).

وفي حديث آخر روينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم ((أنه قال للملائكة ما الذي أحْدَرَكم.

 فقالوا: جئنا لنزف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زوجها علي بن أبي طالب؛ فكبر جبريل، وكبر الملائكة، وكبر ميكائيل، وكبر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة )).

ومن حديث آخر رويناه [  ] عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لما كان ليلة الزفاف أتا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: اركبي وأمر سلمان أن يقودها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسوقها، فبينما هو في بعض الطريق، إذ سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجية فإذا هو بجبريل صلوات الله عليه في سبعين ألفاً، وميكائيل صلى الله عليه في سبعين ألفاً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما الذي أهبطكما إلى الأرض.

 قالوا: جئنا نزف فاطمة إلى زوجها علي بن أبي طالب؛ فكبر جبريل؛ وكبر ميكائيل؛ وكبرت الملائكة ؛ وكبر محمد -صلى الله عليه وآله وسلم - فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.

وروينا عنه في حديث آخر [  ] أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن خطب الخطبة المعروفة في نكاح فاطمة قال في آخرها: ثم إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من علي، فقد زوجته على أربعمائة مثقال من فضة إن رضى بذلك علي، ثم دعا بطبق بسر.

 فقال: انتهبوا فبينا نحن ننتهب، إذ دخل علي عليه السلام.

 فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي اعلمت أن الله أمرني أن أزوجك فاطمة فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت بذلك.

 فقال علي: رضيت بذلك عن الله وعن رسوله.

 فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع الله شملكما، وأسعد جدكما، وأخرج منكما كثيراً طيباً.

وروينا عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً}[الفرقان:54] يرفعه إلى أبي قتيبة التميمي قال: سمعت ابن سيرين في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً}[الفرقان:54] قال: نزلت في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام حال تزوج فاطمة {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}[الفرقان: 54].

وروينا عن أنس بن مالك قال لما زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي عليه السلام.

قال: يا أم أيمن زفي بنتي إلى علي ومريه أن لا يعجل حتى آتيها؛ فلما صلى العشاء أقبل بركوة فيها ماء فتفل فيها ما شاء الله، وقال اشرب يا علي، وتوضاء، واشربي يا فاطمة وتوضائي، ثم رد عليهما الباب، فبكت فاطمة فقال: ما يبكيك يابنية قد زوجتك أقدمهم [48 –ج] إسلاماً، وأحسنهم خلقاً، وأعلمهم بالله علماً.

وروينا: أنه لما وقع التزوج بين فاطمة، وعلي دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي باكية.

 فقال: لم تبكين لا بكت عيناك.

 فقالت: عيرتني نساء من قريش، وقلن: أبوك زوجك من أنزع بطين مصفار كبير الرأس دقيق الساقين، فقير فأضجرتني أقاويلهن.

 فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أما ترضين أن الله تعالى نظر إلى الخلق نظر الرحمة؛ فاختار منهم رجلاً فجعله أباك، ثم نظر ثانياً نظرة الرحمة، فاختار آخر جعله زوجك.

 يا فاطمة إن كبر رأسه لرزانة عقله، وصفرة لونه من خشية الله تعالى، وعظم بطنه لأن فيه خزانة العلم، ودقة الساق من كثرة العبادة.

فقالت: رضيت يا رسول الله رضيت، رضيت.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام في حديث طويل ((أما ترضين أن ربي عز وجل زوجك أتم الناس سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً، وأعفهم ديناً، وأوسعهم فضلاً.

 قالت: بلى قد رضيت يا رسول الله.

 فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((فإنه كذلك )).

وروى أبو عبد الله البصري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قد زوجتك أحلمهم حلماً، وأعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً))، وفي هذه الأخبار عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم التصريح بأن علياً عليه السلام خيرة الله من الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأنه الأحلم والأعلم، والأعف، والأفضل، والمتقدم في الإسلام، وأنه أحسنهم خلقاً فماذا بعد الحق إلا الضلال.

فواعجاباه ممن اختار غير ما اختاره الله تعالى، ننسأل الله أن لا يسلبنا التوفيق أبداً فهل علمت أيها المستبصر؟ أنه كان في نكاح أحد من القوم العاقد الله، والقابل جبريل عليه السلام، والخاطب راحيل، والشهود حملة العرش، ورضوان صاحب النثار، وطبق النثار شجرة طوبى، والنثار الدر، واللؤلؤ، والزمرد، والزبرجد، والعاقد الثاني: الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- وهو الماشطة، والملائكة عليهم السلام الزافُّون والمكبرون، وهذا النكاح أيضاً ولده الأئمة إلى يوم القيامة.

أم هل علمت أن الله تعالى نظر الرحمة بعد الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- فاختار واحداً منهم قبل أمير المؤمنين، أو بعده هيهات أنى يكون مثل هذا لتيم، وعدي، وأمية، ولكن ضلت العلوم، وطاشت الحلوم، واختار القوم غير ما اختار الحي القيوم.

وأما قولنا في فاطمة عليها السلام: حورية وأن الله تعالى خلقها من التفاحة فلما روينا ((أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المعراج ناوله رضوان تفاحة، فتناولها وخلقت منها فاطمة، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((إذا اشتقت إلى رائح الجنة قبلت شفتيها، فأجد منها رائحة الجنة، فهي حورية أنيسة)).

وروينا عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -جالساً مع عائشة؛ فدخلت فاطمة فعناقها النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وقبلها، وشم شفتيها.

 فقالت: عائشة: ما أكثر ما يقبل فاطمة.

 قال: يا حميرا أتدرين لماذا أقبلها.

قالت: لا.

قال: لما أسري بي جبريل إلى السماء، وأدخلني الجنة فرأيت على بابها شجرة يقال لها طوبى حملها أصفر من الرمان، وأكبر من التفاح، وأحلى من العسل، وأبيض من اللبن وألين من الزبد وأعذب من الشهد ليس له عجم؛ فناولني جبريل واحدة منها فأكلتها.

فإذا عند أصل الشجرة عين يقال لها: سلسبيل، أبيض من اللبن، وأضواء من الشمس؛ فسقاني جبريل من ذلك الماء؛ فشربت ؛ فلما نزلت إلى الأرض اشتهيت خديجة فواقعتها؛ فحملت بفاطمة عليها فهي حورا أنيسة ليس يخرج منها، ما يخرج من النساء عند الحيض، وإذا اشتهيت رائحة الجنة قبلتها، وشميت منها رائحة الجنة))([19]).

وأما قولنا وأكرم الأصل بها لقاحه فقد تقدم ذكر الأصل، واللقاح في خبر الشجرة.

 وروينا عن علي عليه السلام أنه قال قال: رسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم، وأزوجكم إلا فاطمة؛ فإنه نزل تزويجها من السماء)).

وروينا عن الصادق عليه السلام لفاطمة عليها السلام ثمانية أسماء: الصديقة، والزهراء، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، والبتول، وفاطمة.

وروينا عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: ((أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك)).

فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال علي عليه السلام: هذا أحد ركني الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما ماتت فاطمة عليها السلام قال علي عليه السلام: هذا الركن الثاني([20]) الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وروينا من مسند بن حنبل، ما رفعه إلى ابن أبي رافع عن أبيه عن أمه سلمى قالت: اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمرضنها فأصبحت يوماً كأمثل ما كانت ؛فخرج علي بن أبي طالب عليه السلام.

 فقالت فاطمة: يا أمتاه اُسكبي لي ماءً غسلاً فسكبت لها؛ فقامت فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل؛ ثم قالت: هات ثيابي الجدد، فأعطيتها فلبست ثم جاءت إلى البيت الذي كانت فيه فقالت: قدمي الفراش إلى وسط البيت، فقدمته، واضطجعت، واستقبلت القبلة.

 فقالت لها: يا أمتاه إني مقبوضة الآن، وإني قد اغتسلت فلا يكشفني أحد، وقبضت مكانها، فجاء علي بن أبي طالب فأخبرته، فقال عليه السلام: لا والله لا يكشفها أحد، ثم حملها بغسلها ذلك ودفنها.

وابناه منها سيد الشباب
مرتضعاً السنة والكتاب
هما إمامان بنص أحمدا

 

وأبنا رسول الله عن صواب
فهل لهم كهذه الأنساب
إذا قال قاما هكذا أو قعدا

وخص في نسلهما أهل الهدى

 

أئمة الحق إلى يوم الندا

أما شرفه بهما، وشرفهما به عليه السلام، فذلك مما لا إنكار فيه ونحن ننبه على بعض منه.

روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منها)).

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني)).

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الحسن والحسين من أحبهما أحببته ومن أبغضهما أبغضته ومن أحببته أحبه الله [تعالى] ومن أحبه الله [تعالى] أدخله الجنة جنة النعيم ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته ومن أبغضته أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم خالداً فيها وله عذاب مقيم((.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لعلي، وفاطمة، والحسن والحسين: أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم.

وروينا عن علي عليه السلام: أنه قال: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه، والبيت غاص بمن فيه قال: ادعوا لي الحسن والحسين فجعل يلثمهما حتى أغمي عليه.

 قال: فجعل عليٌّ يرفعهما عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ففتح عينيه فقال: دعهما يتمتعان مني وأتمتع منهما، فإنه سيصيبهما بعدي أثَرَة، ثم قال: يا أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله، وسنتي، وعترتي أهل بيتي فالمضيع لكتاب الله؛ كالمضيع لسنتي والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، أما إن ذلك لن يفترق حتى ألقاه على الحوض))([21]).

وروينا عن ابن عباس قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يُعَوِّذُ الحسن والحسين يقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وعين لامة؛ ثم يقول: كان أبوكم إبراهيم يعوذ بها إسماعيل، وإسحاق)).

وروينا: أنهما خرجا عليهما السلام إلى بستان وأظلم الليل عليهما فجاء البرق كأنه شمعة يجري معهما إلى أن وصلا إلى البيت في ضيائه.

ومثل ذلك أيضاً أنهما عليهما السلام باتا في بستان، ولم يوجدا؛ فاشتغل قلب فاطمة عليها السلام؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة في طلبهما فوجداهما معتنقين نائمين، وحية قد جعلت نفسها كحلقة حولهما، وفي يدها([22]) ريحانة تذب عنهما الذباب؛ فلما رأت التنينُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: يا رسول الله قد سلمتهما منك، وأمرت بحفظهما.

فقال الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم: هذا ملك أمر بحفظهما وتسليمهما مني)).

وروينا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يأخذ بيد الحسن والحسين ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم ((أنه كان جالساً إذ أقبل الحسن والحسين فلما رأهما قام لهما واستبطأ بلوغهما فاستقبلهما وحملهما على كتفيه وقال: نعم المطي مطيكما ونعم الراكبان أنتما وأبوكما خير منكما)).

وعن سلمان مرج البحرين: علي، وفاطمة بينهما برزخ: هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين.

وروينا من مناقب بن المغازلي في قوله تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور:35] بإسناد رفعه إلى علي بن جعفر قال: سألت الحسن عن قوله تعالى: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور:35] قال: [51-ج] المشكاة: فاطمة عليها السلام، والمصباح: الحسن والحسين، {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}[النور:35] قال: كانت فاطمة عليها السلام كوكباً درياً من نساء العالمين{يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ}الشجرة المباركة: إبراهيم{لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ}: لا يهودية ولا نصرانية {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} قال: يكاد العلم أن ينطق منها{وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} قال: فيها إمام بعد إمام{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} قال: يهدي الله عز وجل لولايتنا من يشاء.

وروينا من مسند ابن حنبل ما رفعه إلى علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد الحسن والحسين عليهما السلام وقال: ((من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في الجنة في درجتي يوم القيامة)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يا علي إذا كان يوم القيامة كنت وولداك على خيل بلق متوجٌ بالدر والياقوت فيأمر الله تعالى بكم إلى الجنة والناس ينظرون)).

وروينا عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أن الولد ريحانةٌ من الله وإن ريحانتي من الدنيا الحسن والحسين)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((كل بنى اثنين ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)).

وروينا عن علي السلام قال: كنت رجلاً أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً فسماه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن.

فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً فسماه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: الحسين وقال: ((إنما سميتهما باسم ولدي هارون شبراً وشبيراً)).

وروينا عن جابر بن عبد الله قال: لما ولدت فاطمة الحسن رضي الله عنهما قلت لعلي رضي الله عنهما: سمه. قال علي: وكنت رجلاً مُحْرِباً أحب أن أسميه حرباً، ثم قال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل له سمه. فقال: وما كنت لأسبق باسمه ربي جل وعز، فأوحى الله إلى جبريل أنه ولد لمحمد ابن فأهبط فأقرئه السلام، وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، فقال: وما كان اسمه؟

قال: شَبَّراً.

قال: لسان عربي.

فقال: سمه الحسن.

قال: فسماه الحسن.

فلما ولد الحسين أوحى الله تعالى إلى جبريل عليه السلام: أنه ولد لمحمد ابن فاهبط إليه وهنئه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون؛ فلما نزل جبريل عليه السلام وهنائه وبلغه الرسالة.

قال: وما كان اسم ابن هارون؟

قال: شبيراً.

قال: لساني عربي.

قال: فسمه الحسين.

قال: فسماه الحسين.

وروينا عن أ بي هريرة قال: كان الحسن والحسين عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وكان يحبهم حباً شديداً.

 فقال: اذهب إلى أمك.

 فقلت: أذهب معه.

فقال: لا فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوءها حتى بلغ([23]).

وروينا عن علي عليه السلام أنه قال: اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إيه حسن فخذ حسيناً فقالت فاطمة: اتستنهض الكبير على الصغير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا جبريل يقول: إيه حسين خذ الحسن فاصطرعا فلم يصرع واحد منهما صاحبه)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا وقد شد يداه ورجلاه بسلاسل من نار منكوس في النار حتى يقع في قعر جهنم، وله ريح يتعوذ أهل النار إلى ربهم عز وجل من شدة ريح نتنه، وهو فيها خالد ذائق العذاب الأليم لا يفتر عنه ساعة ويسقى من حميم جهنم الويل لهم من عذاب الله عز وجل)).

وروينا عن النبي -صلى الله صلى عليه وآله وسلم- أنه قال: ((يقتل ابني الحسين بظهر الكوفة الويل لقاتله وخاذله ومن ترك نصرته)).

وروينا عن الرضى عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم((يا علي إن موسى سأل ربه فقال: رب إن أخي هارون مات فاغفر له.

 فقال: يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك إليه خلا قاتل الحسين بن علي فإني أنتقم من قاتله.

وروينا من صحيح أبي داود، وهو السنن، وصحيح الترمذي عن عمارة بن عمير قال: لما كان بعد كان عام من مقتل الحسين عليه السلام، جيء برأس ابن زياد لعنه الله وصاحبه إلى حيث جيء برأس الحسين صلوات الله عليه قال عماره: فجئت حتى انتهيت سمعتهم يقولون: جاءت جاءت فإذا حية تجيء وتخلل الرؤس، حتى تدخل في منخر عبيد الله بن زياد لعنه الله إلى دماغه، ومكثت فيه ساعة، ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا: قد جاءت، ثم لم تزل تفعل ذلك حتى رُفِعَ أبعده الله من رحمته.

وروينا من صحيح مسلم في تفسيره قوله سبحانه وتعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ}[الدخان:29] الآية، وبالإسناد عن السدي قال: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكت السماء، وبكاؤها حمرتها.

وروينا من تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ}[الدخان:29].

قال: وقال[52-ج] السدي: لما قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها، ومنه أيضاً بالإسناد عن محمد بن سيرين قال: أخبرونا أن الحمرة التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين بن علي صلى الله عليه))([24]).

وروينا من كتاب: (السفينة) في آخر حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الا وإن جبريل أخبرني أن أمتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء ألا ولعنة الله على قاتله وخاذله أبد الدهر أبد الدهر))، ثم نزل يعني من المنبر ولم يبق أحد إلا وتيقن أن الحسين مقتول؛ فلما كان أيام عمر، أسلم كعب الأحبار، وقدم المدينة، وجعل الناس يسألونه عن الملاحم، وهو يحدثهم قال كعب: نعم وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبداً، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب، وذكر في كتابكم.

 فقال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الروم:41] الآيات، وإنما فتح بقتل هابيل، وختم بقتل الحسين بن علي.

قال كعب: ولعلكم تهونون قتل الحسين أولا تعلمون أنه يفتح يوم قتله أبواب السماوات كلها، ويؤذن للسماء بالبكاء فتبكي دماً فإذا رأيتم الحمرة قد ارتفعت من جنباتها شرقياً وغربياً فاعلموا أنها تبكي حسيناً، والذي نفس كعب بيده، لتبكين زمرة من الملائكة في السماوات لا يقطعون بكاؤهم آخر الدهر، وإن البقعة التي يدفن فيها خير البقاع بعد بيت مكة والمدينة، وبيت المقدس ما من نبي إلا وقد كان زارها، وبكى عليها، ولها في كل يوم زيارة من الملائكة ؛ فإذا كانت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة نزل إليها ألف ملك يبكونه ويذكرون فضله ومنزله عندهم، وأنه يسمى في التوراة حسين المذبوح، وفي الأرضين أبا عبد الله المقتول، وفي البحار الفرخ الأزهر المظلوم.

وروينا عن علي عليه السلام عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -أنه قال: ((تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدمٍ فتعلق بقائمة من قوائم العرش وتقول: يا عدل يا جبار أُحكم بيني وبين قاتل ولدي قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: فيحكم لابنتي فاطمة([25]) ورب الكعبة)).

ولنقتصر على هذا القدر من فضائلهما عليهما السلام فإن إحصاؤها في مثل هذا الموضع يتعذر فهل تعلم للقوم أيها المسترشد أو لأحد من أولادهم كهذا الحظوظ هيهات هيهات ما أبعد المدى وأوضح سبيل الهدى.

فأما الكلام في إمامتهما عليهما السلام، وكون الإمامة محصورة في بنيهما الكرام فسيأتي بيان ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى [32 ب - أ].

ثم أخوه جعفر الطيار
وعمه المرابط الصبار

 

إخوانه الملائك الأبرار
حمزة سيف الملة البتار

وروينا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((في قول الله عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33] فأنا وأهل بيتي من المطهرين من الذنوب، ألا وإن الله تبارك وتعالى اختارني من ثلاثة من أهل بيتي، وأنا سيد الثلاثة، وسيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر.

 قال أهل السنة([26]): يا رسول الله سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم فبسط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفهُ الطيبة المباركة، ثم حلَّق بيده.

 فقال: اختارني وعلي وحمزة وجعفر الطيار عليهما السلام كُنَّا رقوداً بالأبطح ليس مِنَّا إلا مسجى بثوبه علي عن يميني، وجعفر عن شمالي، وحمزة عند رجلي فما نبهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة عليهم السلام وبرد ذراع علي عليه السلام تحت خدي فانتبهت من رقدتي، وجبريل عليه السلام في ثلاثة أملاك؛ فقال له بعض الأملاك الثلاثة: يا جبريل إلى أي هؤلاء أرسلت.

 فحركني برجله؛ وقال: إلى هذا، وهو سيد ولد آدم([27])، وهذا علي خير الوصيين، وهذا حمزة سيد الشهداء، وهذا جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة حيث يشاء.

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن آل عبد المطلب من شجرة واحدة وأنا وجعفر من غصن من أغصانهم فاشبه خُلقه خُلقي وخَلقة خَلقي)).

وروينا من صحيح البخاري عن البراء في حديث طويل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهى فيه إلى قوله: وقال لعلي: ((أنت مني وأنا منك وقال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي)).

ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي رفعه إلى ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال: إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.

قال ابن عمر: وكنت معهم في تلك الغزاة فالتمسنا جعفراً فوجدناه في القتلى ووجدنا فيما أقبل من جسده بضعاً وسبعين من طعنة ورمية.

وأخرج البخاري أيضاً من حديث سعيد بن أبي هلال عن نافع طرفاً منه عن ابن عمر أنه وقف على جعفر يومئذٍ وهو قتيل. قال: فعددت فيه خمسين ما بين طعنة وضربة ليس منها شيئ في دبره((.

ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدلي، وبالإسناد قال: عن أبي هريرة أنه كان يقول: ما احتذا النعال، ولا ركب المطايا بعد رسول الله -صلى اله عليه وآله وسلم- أكرم من جعفر بن أبي طالب؛ ولقد كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – يكنيه أبا المساكين.

ومنه أيضاً بالإسناد عن إلى هريرة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((رأيت جعفراً يطير في الجنة مع الملائكة)).

وروينا من كتاب:(سلوة العارفين)، عن يحيى بن الحسين (الحسن) عن داود بن القاسم الجعفري، حدثني عنه واحد قال: مر أبو طالب ومعه جعفر بن أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي عليه السلام قائمان وهما يصليان، فقال أبو طالب لجعفر: صل جناح بن عمك فجاء جعفر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي وجعفر، وكانت أول صلاة جماعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة، وكان مهاجراً بها يوم فتح خيبر قام إليه رسول صلى الله عليه وآله وسلم وقبل بين عينيه، ثم قال: ما أدري بأيهما أسر بقدوم جعفر أو بفتح خيبر، وقيل: وهو ابن ثلاثين سنة، وقيل: ابن خمس وعشرين سنة والأول أصح.

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة مخضب الجناحين بالدم بيض القوادم)).

وروينا عن بن حنبل ما روى في مسنده، ورفعه إلى عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((قال لي جبريل عليه السلام يا محمد قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد إنساناً خيراً من بني هاشم)).

وروى عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس ونحن حوله إذ ضحك فقيل له: ما أضحكك زادك الله سروراً.

 قال: إن جبريل أتاني فبشرني ببشارة لم يبشرني بمثلها فيما مضى أخبرين أن منا يا بني هاشم سبعة لم يخلق الله مثلهم فيما مضى، ولم يخلق مثلهم فيما بقي أنا محمد رسول الله: سيد النبيين، وعلي ابن عمي: سيد الوصيين، وحمزة عمي: سيد الشهداء، وجعفر ابن عمي الطيار: في الجنة، وابني الحسن والحسين: سيدا شباب أهل الجنة، ومنا القائم المهدي لدين الله الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم، ثم هو من ذرية ابني الحسين.

وروي عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: من أكرم خلق الله على الله سبحانه سبعة، كلهم من ولد عبد المطلب.

فقال عمار بن ياسر: سمهم يا أمير المؤمنين.

قال نعم.نبيكم خير النبيين، ووصيكم خير الوصيين، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار في الجنة، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ورجل منا يخرج في آخر الزمان يقال له: المهدي.

وعن عوف بن رجاء العطارديقال: لما بايع الناس لأبي بكر، دخل أبو ذر المسجد، فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: يا معشر من حضر من عرفني منكم فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته باسمي: أنا جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري، أنا رابع أربعة؛ ممن أسلم مع رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- سمعت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((لما نزلت هذه{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران: 33،34] يقول: النطفة: من آدم، والسلالة من نوح والسلالة: من إسماعيل والعترة: الهادية من محمد ؛ فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي وصي الأوصياء؛ فعنده علم الأوصياء، وميراثهم الذي ورثوه من أنبيائهم الخبر)).[54-ج].

ومن كتاب: (الكامل المنير) عن أبي أيوب الأنصاري [ ] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرض مرضاً شديداً، فاشتد مرضه فدخلت عليه ابنته فاطمة عليها السلام تعوده، وقد كان نَاقِهاً من مرضه، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجهد خنقتها العبرة، حتى جرت دمعتها على خدها.

فقال لها: يا فاطمة أما علمت أن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة واحدة فاختار منهم أباك فجعله نبياً [25 أ - ب]، ثم اطلع الثانية فاختار منهم بعلك وأوحى إليَّ أن أنكحه، واتخذه وصياً.

 أما علمت يا فاطمة أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، فسرت بذلك، واستبشرت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأراد أن يزيدها من مزيد الخير كله الذي قسمه الله عز وجل لمحمد وأهل بيته فقال لها: يا فاطمة لعلي ثمانية أضراس ثواقب إيمانه بالله ورسوله، وعلمه، وحكمته، وزوجته فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر يا فاطمة: إنا أهل بيت أعطانا الله سبحانه سبع خصال لم يعطها أحد من الأولين، ولم يدركها أحد من الآخرين غيرنا، نبينا خير الأنبياء، وهو: أبوك، ووصينا خير الأوصياء، وهو: بعلك، وشهيدنا خير الشهداء: وهو: حمزة عمك ومنا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو: جعفر بن أبي طالب ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة: وهما ابناك الحسن والحسين، ومنا والذي نفس محمد بيده مهدي هذه الأمة)).

وقد روى ابن المغازي في مناقبه هذا الحديث بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري سواءً سواءً لم يختلفا إلا فيما لا يعتد يه، ورويناه عنه.

وروينا أن حمزة، وعلياً، وعبيدة بن الحارث أول من بارز يوم بدر برزوا لعتبة، وشيبة والوليد بن عتبة فقتلوهم، فله عليه السلام بمن ذكرنا ممن تقدم من أقاربه، وأهله ولهم به من الشرف والفضل ما لا يوجد لغيرهم، وإنما ذكرنا ذلك لنريك أيها الناظر بعين البصيرة أن أسباب الشرف والفضل، والرفعة، والمجد قد أحاطت به عليه السلام إحاطة إلهالة له بالقمر والأكمام بالثمر أصلاً وفرعاً، وقولاً وفعلاً، واختياراً من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واقتباساً للخير وطرقه، ولك فيما مضى وفيما يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب مسرح خصيب، ومسلك رحيب.

وروينا أن معاوية لعنه لله كتب إلى علي عليه السلام:أني سيد قريش في الجاهلية، وملك في الإسلام، وخال المؤمنين، وكاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن مثلي، وكنت كاتباً وهذه حالي.

فلما قرأ الكتاب قال لابن عباس يفاخرني ابن آكلة الأكباد اللعين بن اللعين أبو اللعين فاكتب فكتب:

محمد النبي أخي وصهري
وجعفر الذي يضحي ويمسي
وبنت محمد سكني وعرسي

 

وحمزة سيد الشهداء عمي
يطير مع الملائكة ابن أمي
منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ابنايا منها
سبقتكمُ إلى الإسلام طراً

 

فمن منكم له سهم كسهمي
غلاماً ما بلغت أوان حلمي

وقد ذكر عليه السلام في يوم الشورى سبقه إلى الإسلام، وأتى بهذه الأبيات، وزاد فيها بيتين لم يذكر في هذه الرواية وهما.

وأوجب بالولاية لي عليكم
فويل ثم ويل ثم ويل

 

رسول الله يوم غدير خم
لمن يلق الإله غداً بظلمي

فلما ورد الكتاب إلى معاوية لعنه الله قال: يا غلام اكتم هذا فإن أهل الشام إن عرفوا هذا قتلوني بالجنادل، ولا شك أن معاوية لعنه الله انقطع ها هنا وسقط ما عنده لأنه لا سبيل له إلى مثل هذا الشرف [ٍ55-ج].

 وروينا أن معاوية لعنه الله خرج يوماً والحسن بن علي عنده فقال: أنا ابن بطحاء مكة، أنا ابن أغزرها جوداً، وأكرمها جدوداً، أنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً.

فقال الحسن بن علي عليه السلام: عليَّ تفخر يا معاوية أنا ابن عروق الثراء، أنا ابن مأوى التقى، أنا ابن من جاء بالهدى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق، والجود الرائق، والحسب الفائق، أنا بن من طاعته طاعة الله، ومعصيته معصية الله، فهل لك أب كأبي تباهيني به، وقديم كقديمي تساميني به قل: نعم أو لا، فقال معاوية: بل أقول لا وهي لك تصديق.

 فقال الحسن:

الحق أبلج ما يحيل([28]) سبيله

 

والحق يعرفه ذووا الألباب

ويروى عن يونس بن عبيد أن أبا أمامة الباهلي، وهو: الصُدر بن عجلان: دخل على معاوية فألطفه، وأدناه، ثم دعا بغداء، فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيباً بيده، ثم أمر ببدرة دنانير فأتى بها فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة سألتك بالله: أنا خير أم علي بن أبي طالب. فقال أيو أمامة: والله لا كذبت ولا بغير الله سألتني لصدقت: علي بن أبي طالب، والله خير منك وأكرم، وأقدم هجرة، وأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرابة، وأشد في المشركين نكاية، وأعظم على المسلمين مِنَّة وأعظم غناءً عن الأمة منك يا معاوية أتدري ويلك من علي بن أبي طالب عليه السلام. علي ابن عم محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، وزوج ابنته فاطمة: سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين: سيدا شباب أهل الجنة، وابن أخي حمزة: سيد الشهداء، وأخو جعفر: ذو الجناحين الطيار مع الملائكة في الجنة [25 ب-ب] فأين تقع أنت يا معاوية من هذا، ويل أفظننت أني سأخيرك على علي بن أبي طالب بإلطافك وإطعامك ومالك فادخل عليك مؤمناً، وأخرج منك كافراً بئس ما سوَّلت لك نفسك يا معاوية، ثم نفض ثوبه وخرج من عنده فأتبعه معاوية بالمال فقال: لا والله ولا أواري منه ديناراً أبداً.

وروينا عن زيد بن علي عليه السلام: أنه قال كنت أماري هشام بن عبد الملك، وأكابره في قريش فدخلت عليه يوماً فذكر بني أمية فقال: هم أشد قريش أركاناً وأشد قريش مكاناً، وأشد قريش سلطاناً، وأكثر قريش أعواناً، وكانوا رؤس قريش في جاهليتها وملوكها في إسلامها.

 فقلت: على من تفخر؟ على هاشم أول من أطعم الطعام، وضرب الهام، وخضعت له قريش بإرغام أم على عبد المطلب سيد مضر جميعاً فإن قلت معدٍ كلها صدقت، إذا ركب مشوا، وإذا انتعل [34 ب - أ ] احتفوا وإذا تكلم سكتوا.

وكان يطعم الوحش في رؤوس الجبال، والطير والسباع، والإنس في السهل، حافر زمزم، وساقي الحجيج، وربيع العمرتين أم على بنيه أشرف رجال، أم على سيد ولد آدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمله الله تعالى على البراق، وجعل الجنة بيمينه والنار بشماله، فمن تبعه دخل الجنة، ومن تأخر عنه دخل النار، أم على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين علي بن أبي طالب أخي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه المُفرِّج الكرب عنه، وأول من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لم يبارزه فارس قط إلا قتله؛ وقال فيه رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم يقله لأحد من أصحابه، ولا لأحد من أهل بيته قال: فأحمر وجهه وبهت.

وروينا عن السيد أبي العباس الحسني رحمه الله تعالى أنه قال: قال رجل لأبي جعفر عليه السلام بماذا تفتخرون علينا.

قال: نفتخر عليكم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أبونا، وكنا نفتخر عليكم قبل الإسلام بأبينا عبد المطلب المطعم الناس في السهل، والمطعم الوحش في رؤس الجبال، فهاتوا مثل أبينا في الجاهلية ومثل أبينا في الإسلام؛ فأما أبونا عبد المطلب فكنتم له شبيهاً بالعبيد، يجل من يشاء ويرذل من يشاء، ويحل ما شاء فيكم، ويحرم ما شاء ويستعبد من يشاء.

وأما أبونا صلى الله عليه وآله وسلم فبعثه الله تعالى لجميع خلقه، ثم أيده بملائكته ومن أراد من عباده.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن عبد المطلب سن خمساً من السنن أجراها الله عز وجل في الإسلام: حرم نساء الأباء على الأبناء، فأنزل الله سبحانه قرآناً{وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}[النساء:22]، وسن الدية في القتل مائة من الإبل فجرت في الإسلام، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط؛ ثم يقف على باب الكعبة ويحمد الله تعالى [56-ج] عز وجل ويثني عليه.

وكانت قريش تطوف ما شاءت قَلَّ أو أكثر فسن عبد المطلب سبعة سبعة، فجرى ذلك في الإسلام، ولما حفر زمزم سماه سقاية الحاج فأنزل الله في ذلك{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[التوبة: 19].

قال السيد أبو العباس([29]) أخبرنا الرواة عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يبعث عبد المطلب يوم القيامة أمة واحدة، كان يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام ويقول: أنا على دين إبراهيم عليه السلام)).

قال السيد أبو العباس رحمه الله تعالى: أخبرنا الرواة عن محمد بن جعفر قال: قال علي عليه السلام: ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط.

قيل: فما كانوا يعبدون.

 قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم الخليل مستمسكين به.

وأما هاشم بن عبد مناف، واسمه: عمرو، وهو أول من أطعم الطعام، وهشم الثريد، ولذلك سمي هاشماً، وكانت مائدته منصوبة لا ترفع لكل وارد وصادر، وكان يكسو ويحمل مَنْ طَرَقه وينصر المظلوم، ويؤوي الخائف ولذلك قيل:

ياأيها الضيف المحول رحله
هبلتك أمك لو حللت بدارهم
كانت قريش بيضة فتفلقت

 

هلاً حللت بآل عبد مناف
منعوك من جوع ومن أقراف
[35أ-أ]
فالمخ خالصها لعبد مناف

عمرو والذي هشم الثريد لقومه
الرائشون وليس يوجد رائش
والخالطون فقيرهم بغنيهم

 

ورجال مكة مسنتون عجاف
والقائلون هلم للأضياف
حتى يعود فقيرهم كالكاف

نسبت إليه الرحلتان كلاهما

 

سفر الشتاء ورحلة الأصياف[26أب]

وعبد مناف اسمه: المغيرة ومنه قيل:

إن المغيرت وأبناؤهم
أخلصهم عبد مناف فهم

 

من خير أحياءٍ وأموات
من لَوِم من لام بمنجات

وروينا ما روى ابن حنبل في مسنده، ورفعه إلى عبد الله بن حنظب عن أبيه قال:خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة فقال: ((قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا منها ولا تعلموها، ولقوة رجل من قريش تعدل قوة رجلين من غيرهم، وأمانة رجل من قريش تعدل أمانة رجلين من غيرهم.

 يا أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرنيها: أخي وابن عمي علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق؛ من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذبه الله عز وجل)).

وروينا من مناقب الفقيه ابن المغازي ما رفعه إلى سالم بن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((لما خلق الله الخلق اختار العرب واختار قريشاً، واختار بني هاشم من قريش، فأنا خيرة من خيرة ألا فأحبوا قريشاً ولا تبغضوها فتهلكوا، ألا كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة م خلا نسبي وسببي، ألا وإن علي بن أبي طالب من سببي ونسبي، فمن أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني)).

وروينا عن زيد بن علي عليه السلام قال: اجتمع نفر من قريش منهم: علي بن أبي طالب عليه السلام فتفاخروا، فقالوا شيئاً من الشعر حتى انتهوا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا: يا أبا الحسن قل. فقد قال أصحابك فقال عليه السلام:

الله أكرمنا بنصر نبيه
وبنا أعز نبيه وكتابه
في كل معترك تطير سيوفنا

 

وبنا أقام دعائم الإسلام
وأعزه بالنصر والإقدام
 فيها الجماجم من فراخ الهام[57ج]

ينتابنا جبريل في أبياتنا
فيكون أول مستحل حله
نحن الخيار من البرية كلها

 

بفرائض الإسلام والأحكام
ومحرم لله كل حرام
ونظامها وزمام كل زمام

الخائضوا غمرات كل كريهة
والمبرمون قوى الأمور بعزمهم
سائل أبا كرب وسائل تُبَّعاً

 

والضامنون حوادث الأيام
والناقضون مرائر الإبرام
عنها وأهل العير والأزلام

أنا لمنمنع من أردْنا منعه
وترد غادية الخميس سيوفنا

 

ونجود بالمعروف والإنعام
ونُقيم رأس الأصيد الصمصام

ولنقصر على هذا القدر من ذكر شرفه عليه السلام بأنسابه ويكفيك أن الذين اكتنفوه في نسبه هم خير خلق الله تعالى دنيا وآخره.

وروينا عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا، وعلي، وجعفر، وحمزة، والحسن، والحسين، والمهدي)).

وروينا عن جعفر الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((زار قنابيل من الملائكة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجده نائماً فقال: دعوه فلتنم عيناه، ولتسمع أذناه وليعي قلبه.

 قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: فنامت عيناي، وسمعت أذناي ووعى قلبي.

قال: اضربوا له مثلاً: سيداً اتخذ مائدة وبعث داعياً واتخذ داراً، بشروه بأنه سيد النبيين، ووصيهُ: سيد الوصين، وسبطاه: سيدا الأسباط، وبنته: سيدة نساء أهل الجنة.

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: السيد الله، والمائدة الجنة، والداعي أنا والدار الإسلام.

قال جعفر: سئل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما القنابل فقال: عظماء الملائكة )).

وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((قال لي جبريل عليه السلام يا محمد قلبت الأرض مشارقها ومغاربها؛ فلم أجد ولد أب خير من بني هاشم)).

وعنه –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال لعلي عليه السلام: يا علي لك أشياء ليست لي منها إن لك زوجة مثل فاطمة، وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك مثل الحسن والحسين وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة أم أهلك وليس لي مثلها حماةً، ولك صهر مثلي، وليس لي صهر مثلي، ولك أخ وليس مثلي وليس لي أخ مثلي، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك أم مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية، وليس لي أم مثلها ؛ فمثل هذه الوصلة والقرابة والنسب؛ لم يشارك أمير المؤمنين عليه السلام فيها أحد من المشائخ ولا من غيرهم وفي ذلك أقول:

هذا هو الفضل الذي دونه
ليس لهم فيه نصيب وهل
وإنما الفضل شهيٌ وهل

 

هام الثريا ومحل السهى
ينكر هذا أهل الفضل أهل النهى
ينال بالأمنية المشتهى

ما بعد هذا الفخر فخرٌ لمن
وربنا شق اسمه من اسمه
وهو اختيار الله دون خصْمه

 

فاخر يوماً بل هو المنتهى
فمن له سهم كمثل سهمه
وهو أَذان ربنا في حكمه

بلَّغ عن رب السماء براءة
وكان للإسلام كالمراءة
اختار ذو العرش عليّاً نفسه

 

واختير للتبليغ والقراءة
فاجعل هديت خصمه وراءه
جهراً وخلى جنه وانسه [58 -ج]

فرفضوا اختياره لا لبسه

 

وبدلوه باختيار خمسه

أما كون اسمه عليه السلام مشتقاً من اسم الله تعالى ففي ذلك.

ما روى عن فاطمة بنت أسد [36 أ - أ ] رحمها الله تعالى قالت: ((لما حملت بعلي هتف بي هاتف يا فاطمة: إذا ولدتيه سميه علياً فهو العلي، وأنا الأعلى خلقته بقدرتي وشققت اسمه من اسمي)).

وفي خبر محمد بن علي عن فاطمة الذي ذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادخلي الكعبة فهي ستر الله تعالى قالت: فدخلت فولدت علياً، فحملته إلى منزلي، وجعلته في المهد الذي ربي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتيته لأرضعه فخمش في وجهي فسميته حيدرة، وأتى أبوه فسماه زيداً، ونحن كذلك، إذ أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستقبلته جاريتنا برة، وقالت: أقر عينك بالمولود الذي ولد.

 قال: وما هو: قالت: ذكر.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحمد لله الذي أتم لي الوعد، وجعله لي سندا وأخاً وعضداً ما سميتموه قالت: أمه سميته حيدرة، وسماه أبوه زيد.

 فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا تسموه بذلك، وسموه علياً.

 قالت فاطمة: فذكرت الهاتف وقوله: ((إذا ولدتيه فسميه علياً))([30]).

وروى أنه لما ولد علي خرج أبو طالب إلى الأبطح ثم نادى بأعلى صوته وأنشأ يقول:

يا رب هذا الغسق الدجي
ماذا ترى في اسم ذا الصبي

 

والفلق المبتلج المضيء
أنزل لنا من حلمك المرضي

 فهتف به هاتف:

خاطبتنا في الولد الزكي

 

والطاهر المنتجب الرضي

علي اشتق من العلي

 

وروينا أيضاً: أن أبا طالب لما طاف به هتف به هاتف أن سميه علياً؛ وقد ذكرنا في اشتقاق اسمه من اسم الله تعالى من الأخبار ما تقدم ذكره فيه، وفي الخمسة جميعاً –صلوات الله عليهم أجمعين-.

فهو عليه السلام له علوٌ في كل شيء إذ هو علي في التسمية؛ بسبب الإشتقاق والإختيار من الله تعالى لتسميته، وهو علي النسب، وعلي: الإسلام، وعلي: العلم، وعلي: الزهد، وعلي: السخا، وعلي: الشرف، وعلي: الفصاحة، وعلي: في أقاربه، وعلي: في أولاده، وعلي: في أهله، وعلي: في كل وصف، يعلو به؛ كما قال الصاحب الكافي:

علي عليٌ في المواقف كلها
تجمع فيه ما تفرق في الورى

 

ولكنهم قد خانهم فيه مولد
فمن لم يعدده فإني معدد

والذي يدل على صدق هذا؛ إنك لا تقدر على ذكر عُلو في الدين والإسلام، ألا وهو فيه علي، وأعلى من غيره؛ فكأنه لا سهم لأحدٍ كسهمه في ذلك بعد الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما قولنا أنه اختيار الله تعالى دون خصمه، وما يتعلق بذلك من تبليغ سورة براءة، وأنه أذان الله دون خصمه؛ فنريد بذلك قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ}[التوبة:3].

قال عليه السلام في بعض خطبه: أنا أذان الله تعالى في الدنيا، والسبب في ذلك أن الله تعالى عزل أبا بكر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسله فجاء جبريل عليه السلام بأن الله تعالى يقول لك: لا يؤديها إلا أنت، أو رجل منك؛ فكتب لعلي عليه السلام، وولاه ذلك وعزل أبا بكر.

ومن كتاب الحياة لإسحاق بن أحمد بن عبد الباعث رحمه الله تعالى قال: وأنزل الله تعالى سورة براءة، وأمر رسوله أن ينفذ بها إلى مكة، فأرسل بها أبا بكر، فلما فصل من المدينة بها نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: لا يودي عنك سورة براءة إلا رجل منك، وأنت منه فقال له: ومن ذلك.

قال: علي عليه السلام.

وروينا بالإسناد الموثوق به: أن سورة براءة لما نزلت في سنة تسع أمر [59 - ج ] رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر إلى مكة ليحج بالناس، ودفعها إليه ليقرأها عليهم؛ فلما مضى بها أبو بكر وبلغ ذا الحليفة، نزل جبريل إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم-: وأمره أن يدفع براءة إلى علي عليه السلام، ليقرأها على الناس؛ فخرج علي عليه السلام على ناقة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر بذي حليفة، فأخذها منه فرجع أبو بكر.

فقال: يا رسول الله هل نزل فيَّ شيء.

 قال: لا، ولكن لا يبلغ عني غيري أو رجل مني.

فسار أبو بكر مع علي؛ فلما كان يوم النحر، قام علي عليه السلام، فأذن بالناس، وقرأ سورة براءة، وقيل قراءها يوم عرفه؛ وكان ينادي: ((لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فعهده أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك.

 فقالت قريش: نبراء من عهدك وعهد بن عمك.

وهذه روايتنا من كتاب: (التهذيب) في التفسير، وصاحبه كان وقت تأليفه: معتزلياً، لا زيدياً.

وقد روى حديث براءة في مسند ابن حنبل، وفي صحيح البخاري، وفي تفسير الثعلبي، وفي الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدلي، وهو مما ظهر واشتهر بين الأمة، ونحن نروي ذلك عن هذه الكتب، فهو عليه السلام اختيار الله تعالى أولاً، واختيار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثانياً.

فهل ترى من عزله الله تعالى، ولم يقمه مقام أمير المؤمنين عليه السلام بالقيام بأداء آيات قليلة يكون أولى بالإمامة، ممن اختاره الله تعالى ورسوله، وقدمه الله عليه ورسوله، ويكون -باختيار خمسة بل أقل- قائماً مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب الله تعالى، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم - وفي القيام بأمر الأمة كافة، معاذَ الله ما كان لهم أن يختاروا غير من اختاره الله تعالى، فيؤخروا ما قدَّم الله تعالى، ويقدمو ما أخر الله تعالى، وهو يقول عز من قائل: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}[القصص:68].

وهو الولي يا هذا السامع
والشاهد التالي فأين الجامع

 

مؤتي الزكاة المرء وهو راكع
للقوم هل ثم دليل قاطع

أما قولنا هو الولي: فنريد بذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]، فإن الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام فسماه الله تعالى فيها بأسماء، وهو أنه ولي المؤمنين، ومؤمن على القطع، ومصل ومزك على القطع، ومزك في حال الركوع؛ هذا على القطع فيه من غير شرط، وغيره إذا جرى عليه ذلك فعلى ظاهر الإسلام، ونحن نتكلم من هذه الآية والإستدلال بها على إمامته عليه السلام في أربعة مواضع:

 أحـدها: أن علياً عليه السلام المراد بها دون غيره.

والثـاني: أن الولاية التي أثبت له الله فيها هي ملك التصرف

والثـالث: أن ذلك هو معنى الإمامة

والرابـع: في بيان الإعتراضات الواردة هاهنا، والأجوبة عنها، وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أما الموضع الأول: وهو أن علياً عليه السلام المراد بها دون غيره فالذي يدل على ذلك وجوه ثلاثة:

أحـدها: إجماع العترة عليهم السلام على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المراد بها دون غيره، وإجماعهم على ذلك معلوم وإجماعهم حجة، والذي يدل على أن إجماعهم حجة وجهان:

 أحدهما: من الكتاب

والثاني: من السنة.

أما الكتاب فآيتان أحدهما: قول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج:78].

ووجه الإستدلال بهذه الآية أن الله تعالى اختارهم له شهداء، لأن الإجتباء هو الإختيار، وهو تعالى لا يختار للشهادة إلا العدول، وظاهر الآية، وإن تناول جميع ولد إبراهيم عليه السلام فإنا أخرجنا مَنْ عدا العترة الذين هم علي وفاطمة والحسن والحسين، واولادهما عليهم السلام في كل عصر بالإجماع على أن قول من عداهم ليس بحجة.

ولو أخرجنا العترة عن ذلك مع وقوع الخلاف في أن إجماعهم ليس بحجة لخرجت الاية عن الإفادة، وذلك لا يجوز في خطاب الحكيم؛ بل يكون إلحاقاً له بالهذر والعبث، وهو لا يجوز، وإذا كان أهل البيت عليهم السلام شهدا الله على الأمة وجب أن يكونوا عدولاً لأن شهادة من ليس بعدل لا تصح.

وإذا كانوا عدولاً بحكم الله تعالى كان إجماعهم حجة لأنا لا نعني بقولنا: أن إجماعهم حجة إلا أنه يجب الإنقياد لهم فيما حكموا به قولاً وفعلاً أو رضى، ولا شك أنه يجب الإنقياد للعدل المرضي في ذلك، فإذا كانوا عدولاً باطناً وظاهراً بشهادة الله تعالى لهم بذلك وجب الإنقياد لهم وإلا عاد ذلك على عدالتهم بالنقض والإبطال، وذلك لا يجوز وفي ذلك كون إجماعهم حجة.

والآية الثانية: قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]، ووجه الإستدلال بهذه الآية أن الله تعالى أخبر أنه قد أراد إذهاب الرجس من أهل البيت عليهم السلام، وما أراده الله من فعله فلا بد من كونه وفعله لأن إرادة العزم عليه تعالى محال فمن قال: أن الإرادة هي فعله، فلا شك أنه ما أراد إلا ما فعل، ومن قال: إرادته إرادة قصد فلا بد أن يكون قد فعل ما قصد، وإلا كانت إرادته عزماً، لا قصداً، وذلك لا يجوز عليه تعالى.

فإذا كان قد أذهب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام، فالرجس الذي أذهب إنما هو المعاصي لا غير ذلك من الأنجاس فإنما ينجس من غيرهم فإنه ينجس منهم بلا شك فإذاً أراد بتطهيرهم التطهير من المعاصي، وبإذهاب الرجس عنهم إذهاب المعاصي فقط ولا يجوز إذهابها منهم إلا بالألطاف، والتوفيق مع بقاء الإختيار لوجهين:

 أحدهما: أن الآية ورادة مورد المدح والتعظيم والتشريف ومن كان مضطراً مجبوراً، فإنه لا يستحق ذلك على الفعل

- والثاني: أنه لو أذهب الله المعاصي عنهم بالإكراه لما استحقوا على الطاعات مدحاً ولا ثواباً ولزال عنهم اسم التكليف، وذلك خلاف الإجماع؛ فبقى أنما أذهب عنهم الرجس وطهرهم إلا بالتوفيق والعصمة، وذلك لا يجوز في آحادهم لأنا نعلم بالضرورة وقوع المعاصي من آحادهم فبقي ذلك أن ما أذهبه الله وطهرهم فيما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، فإنه غير مقطوع عليه بل هو موقوف على الدليل فبان أن إجماعهم حق لا باطل فيه.

وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة هم أولاده وأولاد أولاده لأن القائل إذا قال: أهل بيت فلان أهل طهارة وعلم فإنه لا يسبق إلى الإفهام منه إلا أولاده وأولاد أولاده والسبق إلى الإفهام وهو الذي تنفصل به الحقيقة من المجاز.

فيجب أن يكون المراد بالذين إجماعهم حجة أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس أولاد ه إلا فاطمة وأولادها وأولادها الحسن والحسين وأولادهما في كل زمان لأنه لا نسل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من سوى ذلك.

وقد خالفت في ذلك النواصب، وعلى الحقيقة أن لا اعتبار بخلافهم لأنهم خارجون عن الإسلام بذلك، والذي يدل على صحة هذا القول اللغة والكتاب، والإجماع؛ أما اللغة: فهو أنه لا شبهة أن القائل إذا أشار إلى اثنين فقال هذان ولداي أو أبنائي أو أحدهما ابن ابني والثاني ابن بنتي فإن أهل اللغة لا يعدون هذا الكلام في أحدهما مجاز بل ما عقلوه من تناول اسم الولد لأحدهما فإنهم يعقلون تناوله الآخر على حد واحد.

يبين ذلك أن الولد كما يصح أن ينسب إلى الأب فيقال ابن فلان يصح أن ينسب إلى الأم وإلى الجد فيقال: هو ابن فلانة بنت فلان، ولهذا قيل، ولهذا قيل: محمد بن الحنفية، وقيل: ابن أم مكتوم.

وقد روي أن الأولاد في الآخرة ينسبون إلى الأم، وأما الكتاب فقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}[الأنعام:84،85].

فحكم الله تعالى بأن عيسى من ذرية إبراهيم عليهما السلام، ومعلوم أنه من البنت السفلى، وبهذا احتج زيد بن علي عليه السلام على بعض المخالفين. فقبل محمد بن المنكدر بين عينيه، وقال لا يزال الناس بخير ما دام فيهم مثلك، ويدل على ذلك من الكتاب أيضاً ما احتج به زيد بن علي عليه السلام والناصر للحق عليه السلام، وهو قول الله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}[آل عمران: 61].

فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي وفاطمة، والحسن والحسين، وقال: هؤلاء أبناؤنا ونساءنا، وأنفسنا في قصة [38 أ -أ ] المباهلة وهي متواترة؛ وأيضاً فليس علي وفاطمة ابنين لرسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وإنما ابناه الحسن والحسين وإلا بطل معنى الآية، ومما يدل على ذلك أيضاً ما احتج به الحسن السبط بن علي صلوات الله عليهما فإنه لما توفي أمير المؤمنين عليه السلام، صعد الحسن عليه السلام المنبر فحمد الله تعالى وأثناء عليه ثم قال: ((أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- فالجد في كتاب الله تعالى الأب قال تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38] فأنا بن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، ونحن أهل البيت الذي؛ كان جبريل عليه السلام فيهم ينزل، ومنهم يصعد، ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا فقال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] الخبر بطوله.

وأما السنة فمن ما يدل على أن أهل البيت عليهم السلام الذين ذكرهم الله تعالى في الآية ما رواه أبو سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]، في نبي الله- صلى الله عليه وآله وسلم، وفي علي، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام؛ فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قال وأم سلمة على باب البيت قالت: يا رسول الله وأنا. قال: أنت إلى خير)).

وعن أم سلمة قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً في بيتي إذا قالت الجارية: علي وفاطمة بالسدة. فقال: تنحى عن أهلي. فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين صبيان صغيران فقبلهما وأجلسهما في حجرة، وأخذ علياً بإحدى يديه وفاطمة عليها السلام باليد الأخرى فقبلها وقبلهُ وأغدف عليهم خميصة كانت عليه وقال: إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي، قالت: قلت: وأنا، قال: وأنت فعطفها على أهل البيت فدل ذلك على أنها ليست منهم([31]).

وبإسناد آخر عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

قالت: وفي البيت سبعة جبريل وميكائيل عليهما السلام، ورسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام وأنا على باب البيت جالسة.

 فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت قال: إنك لعلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال إني من أهل البيت قال: إنك لعلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما قال إني من أهل البيت)).

وهذه الأخبار وغيرها من أخبار آية التطهير سنوردها في أول الكلام في أهل البيت عليهم السلام وفضلهم عند الكلام في شرف أمير المؤمنين عليه السلام بأولاده، وكونهم خيرة الناس بعده، ونذكر هنالك ما رواه في آية التطهير أهل مذهبنا، وما رواه مخالفونا في ذلك، وكلما نذكره في هذا الباب في هذا الموضع وفي ذلك الموضع إن شاء الله تعالى؛ فإنه يدل على أن أزواج النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وإن كان في أول الآية ذكرهن فإنهن لسن بمرادات بها، يؤكد ذلك أن لفظة إنما تقع في ابتداء الكلام، ولهذا يسبق إلى الفهم عند التلاوة أنه ابتداء كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7] {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النساء:171]، {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[الكهف:110] {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}[آل عمران: 175]، {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}[الأحزاب:33].

إنما هو ابتداء كلام ولا يجب أن يلحق ما تقدم، والإبتداء في اللغة العربية بإنما ظاهر معروف وقد قال بعض العلماء: ولو حملت الآية على أولاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أزواجه جميعاً لكانت حجة على ما قلناه من أن إجماعهم حجة وأكثر ما في هذا أن لا يكون قولهم ذلك الزمان حجة، وهناك من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الورع والعلم منهن من يخالف في المسألة فهذا لا يؤثر فيما ذهبنا إليه من أن إجماعهم وحدهم بعد ذلك حجة.

والإحتجاج بهذه الآية على أن إجماعهم حجة مروي عن محمد بن عبد الله النفس الزكية عليه السلام احتج بها على المنصور في رسالته إليه وقد قال أبو علي الحبائي أن هذه الآية تدل على إجماعهم حجة، وإن لم تدل على الإمامة وقال أبو عبد الله البصري إنها تدل على أن إجماعهم حجة إلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحب أن يكنَّ معهم وقد بينا أن ذلك غير ضار في الإحتجاج بها وإن كان الصحيح أنهن غير مرادات بها، لما بينا من التخصيص وصحة استقلال الكلام بنفسه، ونبين ذلك يوضحه أن المخاطبة لو كانت لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذكرهن بالتأنيث كما ذكرهن أولاً فقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزاب:33].

فلما بلغ موضع التطهير ذكرهم وأذهب عنهم التأنيث فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33]، مع شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال نزلت هذه الآية في خمسة فيَّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}[الأحزاب: 33] الآية.

وأما الإجماع فلا خلاف بين الصحابة والتابعين أن ابني فاطمة وأولادهما في كل وقت هم أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما حكى الخلاف فيه في زمن التابعين إلا من الحجاج اللعين، وقد اْحتج عليه الحسن البصري بمثل ما رويناه عن زيد بن علي عليه السلام وأيضاً فإن ما قدمنا من قول الحسن بن علي عليه السلام على المنبر (فأنا الحسن بن محمد فالجد في كتاب الله الأب) إلى آخر كلامه.

فإنه كان بمحضر من الصحابة والتابعين، والعارفين بالشريعة والملة، واللغة العربية، فأقروه على ذلك فلولا أنه قال الحق لغة وشرعاً ما أقروه على ذلك وأما ما اعترضوا به من قول الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}[الأحزاب:40]؛ فإن من الظاهر الجلي أنها نزلت في شأن زيد بن حارثة فإنه كان تُبُنِّيَ للنبي –صلى الله عليه وآله وسلم –فبين الله تعالى أنه ليس بابنه بل يجوز له أن ينكح امرأته ونكحها رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-.

كما قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا}[الأحزاب:37] الآية، وكان عند نزولها الحسن والحسين صغيران لا ينطلق عليهما اسم الرجال، فأما قولهم لو كان ابن البنت ابناً لورث بالتعصيب فإن هذا تحكم [39 أ- أ ] على الشرع الشريف فإن الإبن قد لا يرث في الحال نحو أن يكون مملوكاً أو كافراً، ولا يخرجه ذلك من أن يكون ابناً فليس الميراث من حقيقة البنوة فبطل ما قالوه وصح بذلك أن أهل البيت المذكورين في آية التطهير هم أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فثبت الوجه الأول.

وأما الوجه الثاني: وهو من السنة فهو قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).

وهذا الخبر مما ظهر بين الأمة واشتهر وتلقته بالقبول وأجمعوا على روايته بالألفاظ المختلفة المفيدة لمعنى واحد.

ووجه الإستدلال به على أن إجماعهم حجة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمَّنَنَا من الخطاء إذا تمسكنا بالعترة عليهم السلام كما أمَّنَنَا من الخطأ إذا تمسكنا بالقرآن، فلو جاز أن يجمعوا على الخطأ لما أمننا من ذلك لأنه يكون تلبيساً وتغريراً وذلك لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا لم يجز الخطأ عليه في إجماعهم كان إجماعهم حجة لوجهين:

أحـدهما: أنهم قد أجمعوا على أن إجماعهم حجة بعد قيام الدلالة التي قدمنا من الكتاب على أن إجماعهم حجة فلا يكون هذا خطأ بل يكون مذهباً صحيحاً

- والثـاني: أنا لا نعني بوجوب إجماعهم وكونه حجة إلا وجوب اتباعهم عند الإجتماع، وإذا كان يجب اتباعهم في أقوالهم وأفعالهم، ورضائهم فقد ثبت بأن إجماع بالمعنى الذي أردناه حجة، وأعلم أرشدك الله أن هذا الخبر يدل على أن إجماع العترة عليهم السلام حجة من وجوه سبعة:

أحـدها: أنه بين أن العترة والقرآن لا يفترقان فالتابع للعترة تابع للقرآن، وقد تقرر أن تابع القرآن تابع للحجة، فكذلك تابع العترة من حيث هو تابع للقرآن وإلا أداء إلى أنهما قد افترقا وهو محال.

الثـاني: أنه لا معنى لجمعه بين الكتاب والعترة في وجوب التمسك بهما إلا أن أحدهما كالآخر في أنه حجة كما لا معنى لقوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ}[آل عمران:32]، ألا أن والطاعة للرسول طاعة لله.

الثالث: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفرد كل واحد من الكتاب والعترة بالذكر وسماهما الثقلين وهو اسم واحد، وذلك يدل على اشتراكهما في أن أحدهما كالآخر.

والرابع: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالتمسك بالعترة كما أمر بالتمسك بالكتاب فكما أن القرآن حجة، كذلك العترة وإلا لم يكن في إجراء العترة مجرى القرآن فائدة،.

والخامس: أنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم بأن المتمسك بهما لا يضل وذلك يدل على أنه إنما لا يضل إذا جمع بينهما في التمسك، وإلا لم يكن فائدة [64-ج]في أمره بالتمسك بهما جميعاً وضمان انتفأء الضلال بذلك فلو كان إجماعهم ليس بحجة لجاز أن يُتَمَسَّك بالكتاب دونهم، ويكون مهتدياً فلا يكون لقوله: ((ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)). فائدة بل يجري مجرى قوله كتاب الله والصبيان وسائر الناس، وذلك محال

-والسادس: أنه بظاهر الخبر قد أمننا من الضلال إذا تمسكنا بالعترة فلو جاز أن يُجمعوا على ضلال لكان تلبيساً وتعمية للمراد، وذلك لا يجوز، وإذا لم يكونوا على ضلال فهم على الحق كما قال الله سبحانه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس:32] فأحدهما في مقابلة الآخر، وقد أمر سبحانه ألا يقولوا على الله إلا الحق بقوله: {لاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[النساء:171]؛ فإذا كان قولهم هو الحق وجب أن نقول به وهو معنى قولنا إن إجماعهم حجة.

والسابع: قوله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم))، ولا يكون فائدة في تركه العترة فينا إلا متى كان قولهم وإجماعهم حجة لنا وعلينا، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان هو الحجة في حياته فلا يفهم من قوله ((تارك فيكم)) إلا ما يكون بدلاً منه فيما كان كافياً فيه، ويكون المتروك بدلاً عنه فبذلك ثبت أن إجماعهم حجة.

وقد أكد ذلك وزاد بياناً قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق))، وفي بعض سماعنا غرق وهوى، وهذا يقتضي أن النجاة بمتابعتهم فيما أجمعوا عليه كما أن من تبع نوحاً عليه السلام فركب معه في السفينة حصلت له النجاة من الغرق، ويكون مخالفتهم في ذلك كمخالفته عليه السلام، فكما أن ابن نوح وغيره كان من المغرقين لمخالفة أبيه باطراح السفينة كذلك من خالفهم عليهم السلام فهو من المغرقين بعذاب الله الهالكين بمخالفتهم.

يزيد ذلك تأييداً ما روى الحاكم رحمه الله عن ابن مسعود: أن لأمة محمد فرقة وجماعة فجامعوها إن اجتمعت؛ فإذا افترقت فكونوا في النمط([32]) الأوسط، ثم ارقبوا أهل بيت نبيكم فإن حاربوا فحاربوا، وإن سالموا فسالموا فإن زالوا فزولوا معهم حيث زالوا، فإنهم مع الحق لن يفارقهم ولن يفارقوه.

ومتى قيل إن في أهل البيت عليهم السلام عصاة لا يجوز اتباعهم ولا تسع موالاتهم بخلاف القرآن فإنه حجة كله.

قلنا إنه كما أن في القرآن متشابهاً حكى الله تعالى أنه يتبعه أهل الزيغ، ومنسوخاً ساقط الحكم به لا ينبغي العمل عليه، وكذلك أحد حروفه لا يكون حجة فكذلك فيهم عصاة لا حرمة لهم ولا يسع اتباعهم، ألا ترى أن فرضنا أن يرد المتشابه إلى المحكم وأن لا يعمل بالمنسوخ كذلك الفرض في أهل البيت اتباع المطهرين منهم الذين أوجب الله اتباعهم وافترض مودتهم فإن الإجماع فيهم وحدهم وفي الأمة كافة إنما يعتبر بإجماع المؤمنين في كل عصر على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

ألا تسمع إلى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:26] فلم يسقط فسق الفاسق منهم وجوب اتباع المؤمن المهتدي ولا أخرجه من وراثة الكتاب فثبت بهذه الجملة الوجه الأول.

الوجه الثاني: أن الله تعالى وصف المؤمنين المذكورين في الآية بصفة لم توجد إلا في علي عليه السلام وهي إيتاء الزكاة في حال الركوع والذي يدل على ذلك وجهان:

أحدهما: إجماع العترة وهو حجة كما تقدم على أنه عليه السلام آتى الزكاة في حال الركوع وهي الخاتم الذي أعطاه السائل وهو راكع وهو خاتمه عليه السلام وأن الآية نزلت فيه لذلك والأخبار متفقة من روايتنا ورواية أكثر مخالفينا على ذلك وشاهدة به.

أما ما يرويه أهل المذهب الشريف في ذلك فلو قصدنا شرحه وتفصيله هاهنا لطال الكلام ولكنهم يكفيك أنهم يجتمعون إلى معنى واحد في أخبارهم ورواياتهم في أن علياً عليه السلام هو المؤتي الزكاة، وهو راكع تصدق بخاتمه على السائل وهو يصلي فنزلت الآية فإن النقل منهم مستفيض بأن سائلاً اعترض يسأل الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعطه أحد شيئاً فأشار علي عليه السلام بخاتمه وهو راكع ليأخذه السائل فأخذه فنزلت الآية.

قال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام: وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: تصدقت بنيف وعشرين صدقة وأنا راكع لعله أن ينزل في مثل ما نزل في علي عليه السلام فلم ينزل فيَّ شيئ.

وروينا عن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني سلام الله عليه في كتابه: (سلوة العارفين ) ما هو عن يحيى بن الحسن حدثنا أبو يزيد أحمد بن يزيد حدثنا: عبد الوهاب بن دارم بن حماد عن أبي مخلد عن الحسين بن المبارك عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: أخرجت مالي صدقة يتصدق بها عني وأنا راكع أربع وعشرين مرة على أن ينزل فيَّ شيء مثل ما نزل في علي بن أبي طالب فما نزل.

وأما ما يرويه مخالفون فقد ذكر الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة النافعة زيداً مما رواه فقهاء العامة في هذه الآية، ونزولها وجعل ذلك عليه السلام استظهاراً على المخالف وحجة عليه لكونه من باب إقرار الخصم لخصمه ونحن نذكر هاهنا ما ذكره عليه السلام ورواه عنهم منقولاً بلفظه من غير زيادة ولا نقصان، ونحن نرويه عنه.

قال عليه السلام: ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري في تفسير سورة المائدة من صحيح النسائي عن بن سلام قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا إن قومنا حادونا، ولما صدقنا الله ورسوله وأقسموا أن لا يكلموننا فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]، ثم أذن بلال لصلاة الظهر، فقام الناس يصلون فمن بين راكع وساجد، وإذا بسائل يسال فأعطاه علي خاتمه، وهو راكع فأخبر السائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآية، قال المنصور عليه السلام فهذا بينه كما ترى في بقراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآية عقيب حكايتهم له إعطاء علي عليه السلام بأن علياً عليه السلام هو الولي للمؤمنين وهذه قرينة حال قابلتها قرينة مقال.

 قال: قال عليه السلام: ومن مناقب ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55].

ما رفعناه إليه ورفعه بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضى الله عنه: قال نزلت في علي عليه السلام، وبالإسناد من طريق أخرى من كتابه رفعه إلى محمد بن الحسن عن أبيه عن جده في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:55] قال الذين آمنوا: علي بن أبي طالب.

 وفي كتابه بإسناده رفعه إلى إلى أبي عيسى رفعه بن عباس رضى الله عنه قال: مر سائل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده خاتم. فقال: من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذلك الراكع وكان علي يصلي: فقال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: ((الحمد لله الذي جعلها فيَّ وفي أهل بيتي {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} وتلا الآية.

قال عليه السلام: وهذا كما ترى تصريح يعني كما تقدم في الأول من معنى الإشارة، وكان نقش خاتمة الذي تصدق به سبحان من فخري بأني له عبد.

قال عليه السلام: وفي كتاب رفعه إلى علي بن عباس وأبي مريم قالا: دخلنا على عبد الله بن عطاء قال أبو مريم: حدث علينا بالحديث الذي حدثني عن أبي جعفر.

قال: كنت عند أبي جعفر حال ذا أمر عليه بن عبد الله بن سلام.

قلت: جعلت فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب.

قال: لا؛ ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}[الرعد:43] {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ}[محمد:14] {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17]، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}... الآية.

وفي تفسير الثعلبي رفعه إلى ابن أبي حكيم عتبة والسدي، وغالب بن عبد الله، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55] علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه.

وبإسناده رفعه إلى عبد الله بن عباس قال: بينما عبد الله بن عباس رضى الله عنه جالس على شفير زمزم يقول: قال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذ أقبل رجل معتم بعمامة فجعل ابن عباس رضى الله عنه يقول: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقال: الرجل.

 قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له ابن عباس: سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه وقال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا فصمتا ورايته بهاتين وإلا فعميتا يقول: ((علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله)) أما أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر([33]) فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال اللهم: اشهد أني سألت في مسجد رسولك صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعطني أحد شيئاً، وكان علي راكعاً فأومى بخنصره اليمنى، وكان يتختم بها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: ((اللهم إن موسى سألك: فقال رب اشرح لي صدري، ويَسِّرْ لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اْشدد به أزري وأشركه في أمري)) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا}[القصص:35].

اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم: فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به أزري.

 قال أبو ذر: فما استتم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكلمة حتى نزل جبريل عليه السلام من عند الله تعالى.

 فقال: يا محمد اقر قال وما أقر قال اقرأ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55].

 قال المنصور بالله عليه السلام: فهذه نبذة من الآثار المتفق عليها جعلتها تذكرة للمنتهى وتبصرة، للمبتدا أو تنكبنا رواية الشيعة على اتساع نطاقها، وثبوت ساقها ليعلم المستبصرون أن طريق الحق واضح المنهاج ومضىء السراج.

وهو كما ذكر عليه السلام أنه اعتمد في روايته عن المخالفين وهو مطابق لما نرويه نحن وقد أريناك أيها المسترشد هاهنا تطابق الأدلة من أقوال المخالف والمؤالف وفي هذا بلاغ، وكفاية.

( تمت روايتنا عن المنصور بالله عليه السلام في هذا الموضع).

وفي رواية أخرى في ذلك عن عبد الله بن العباس رحمه الله أنه قال: وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل أعرابي، فلما توسط المسجد أقبل يتخطا رقاب الناس وهو يقول: أيها الناس أيكم محمد رسول الله، فوثب إليه جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله وهو يقول: يا أخا العرب أما تنظر إلى صاحب الوجه الأقمر والخد الأنور والجبين الأزهر والتاج المنبر والقضيب والمغفر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعند ذلك أنشد الأعرابي وهو يقول:

أتيتك والعذراء تبكي برنة
 وخلفت شيخاً لي وأما كبيره
وليس لنا شيئ يكون طعامنا

 

وقد ذهبت أم الصبي عن الطفل
وقد كدت من فقر خالط في عقلي سوى الفضة(
[34])الجوفاء والحنظل العسلي

ولا ملتجى إلا إليك فزارنا

 

وأين مفر الناس إلا إلى الرسل

قال: فغشي على رسول الله-صلى الله عليه آله وسلم- فلما أفاق من غشيته قال: معاشر الناس قد أقبل إلينا وإليكم غُرُفات تشابه غرافاتِ إبراهيم الخليل في الجنة صلوات الله عليه؛ فهل من راحم هل من مطعم هل من مواس هل من مؤاثر على نفسه هل من جائد في لله عز وجل قبل حلول رمسه، ودروس رسمه ونسيان اسمه، وذهاب يومه وأمسه، وكان علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في ناحية المسجد يصلي ركعتان، بين الظهر والعصر، ما كان تعرفها لأحد قبله فأومى الناس إلى الأعرابي ودلوه إلى أمير المؤمنين فمضى الأعرابي حتى وقف بإزاء أمير المؤمنين فلما نظر إليه أمير المؤمنين أشار إليه بخاتمه وهو راكع في صلاته فأخذه الأعرابي ثم أنشأ يقول [41 ب – أ ].

يا أول المؤمنين كلهم
قد فزت بالنيل يا أبا الحسن
فالجود فرع وأنت نائله

 

وسيد الأوصياء من آدم
إذا جادت الكفُّ منك بالخاتم
[67ج]
 وأنتم القوم سادت العالم

قال: ثم قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: أين أخي وابن عمي علي بن أبي طالب.

قالوا: يا رسول الله تصدق على الأعرابي بخاتمه؛ فقال النبي –صلى الله عليه وأليه وسلم – وجبت الغرفات لعلي بن أبي طالب، قالها ثلاثاً، فعند ذلك هبط الروح الأمين جبريل صلوات الله عليه، وهو يقول يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول لك: يا محمد اقرأ.

قال: وما اقرأ يا حبيبي يا جبريل؟

قال: قل: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة:55،56].

 وفي رواية أخرى عن أبي ذر رحمه الله مثل الحديث الذي قبل هذا في سرد الخبر إلى قوله: ((اللهم أن أخي موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرناً ناطقاً{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}[القصص:35] اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أخي اشدد به أزري)).

ثم سرد الخبر بحيث لم يختلف هو والرواية الأولى إلا في اليسير إلى أنه قال {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55].

 فقال حسان فيه:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي
أيذهب مدحي والمخبر ضائعاً
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

 

وكل بطيئ في الهدى ومسارع
وما المدح في جنب الإله بضائع
زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل الله فيك خيرَ ولايةٍ
 

 

فبينها في بيِّنات الشرائع

وقال فيه أيضاً:

أوفى الصلاة مع الزكاة فقامها([35])
من ذا بخاتمه تصدق راكعاً
من كان بات على فراش محمد

 

والله يرحم عبده الصبارا
وأسره في نفسه إسرارا
ومحمد أسرى يريد الغارا

من كان جبريل يقوم يمينه
من كان في القرآن سمى مؤمنا

 

فيها وميكائيل منه يسارا
في تسع آيات جعلن كبارا

وعن عبد الرزاق بن همام: بإسناده قال: أخبرنا معمر بن السائب، عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة: 55] قال: نزلت في علي عليه السلام.

قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائل يسأل في المسجد، وعلي عليه السلام راكع فأعطى علي عليه السلام السائل خاتمه وهو راكع.

فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: هل فيكم أحد أعطى هذا السائل شيئاً فقال علي عليه السلام: نعم أنا أعطيته خاتمي. فأنزل الله عز وجل{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55]، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((هذا وليكم من بعدي وأخذ بيد علي بن أبي طالب)).

فانظر أيها المسترشد تطابق هذه الآثار النبوية على ما ذكرناه، وبذلك ثبت الوجه الأول، وبثبوته ثبت الوجه الثاني من الدلالة على أن علياً عليه السلام المراد بها دون غيره.

الوجه الثالث: أن الله تعالى أثبت الولاية لنفسه ولرسوله ولموصوف بصفة لا تصح إلا في أمير المؤمنين علي عليه السلام؛ فيجب أن يكون ولياً على المؤمنين، كولاية الله ورسوله.

أما أن الله تعالى أثبت الولاية له، ولرسوله فظاهر الآية تتناول ذلك، وإما أنه أثبتها لموصوف بصفة لا تتم إلا في أمير المؤمنين عليه السلام، فالذي يدل على ذلك أنه تعالى أثبتها لمن آتا الزكاة في حال الركوع، وهذه الصفة لا تأتي إلا في أمير المؤمنين عليه السلام لوجه منها: أنه أثبت الولاية للمؤمنين ولا يجوز أن يريد بها أنها لجميعهم، وإلا كانوا أولياء على أنفسهم فإن الخطاب في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} للمؤمنين، فلو حملنا قوله على عمومه لكان بمنزلة قوله: ((إنما وليكم أيها المؤمنون على أنفسكم والقائم عليكم بأموركم الله ورسوله وأنتم، وذلك يقتضي أن الولي هو: المولى عليه، والقائم هو: الذي يقام عليه، والمطاع هو: المطيع، والآمر هو: المأمور نفسه لا غيره، وذلك محال فيجب أن يكون تعالى أراد بالولاية بعضاً مخصوصاً، ولا بد أن يبينه تعالى لنا إما بإشارة وإما بالاسم، وإما بالصفة، وإلا كان أمره لنا بأن نعرفه ونعطيه ونأتمر بأمره وننتهي بنهيه تكليفاً بما لا يُعلم فإن قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} معناه: اعلموا ذلك ولا شك أن وصفه تعالى للمؤمن الذي هو ولي بأنه الذي يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، وهو راكع صالحٌ أن يكون للبيان، فيجب حمله على ذلك لأنه إذا وجب البيان، وصلح ما هو متصل بالكلام أن يكون هو البيان وجب الحمل عليه لأنه أحسن نظماً وفصاحة وأولى في قضية العقل لئلا يكون معرضاً لإعتقاد الجهل وهو أن يعتقد بعد الإخبار بالولي، فيمن هو وليّ أنه ليس بولي، ولا شك أنه لم يؤت الزكاة في حال الركوع إلى أمير المؤمنين عليه السلام على ما تقدم بيانه من إجماع أهل البيت عليهم السلام وإجماع أهل النقل على الحقيقة.

 فإن إجماع أهل النقل على ذلك كاف وفي هذا الشأن لأنهم الذين يرجع إليهم في ذلك دون المتكلمين لأن هذا هو فيهم دون المتكلمين، كما أن المرجع في اللغة إلى أقوال أهلها.

وفي الإعراب إلى أقوال أهله، وفي الفقه إلى أقوال الفقهاء يُبين ذلك ويزيده تأكيداً أن الأمة مجمعة أن الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، لأن منهم من قال هي فيه خاصة دون غيره وهم الشيعة على طبقاتهم، وبعض المخالفين من المعتزلة.

 ومنهم من قال: أنها نازلة فيه، وفي سائر المؤمنين وهو الباقون، وقد وقع الإجماع على أنها نالة فيه عليه السلام، ووقع الخلاف في غيره، فالحق ما وقع الإجماع عليه.

يزيد ذلك وضوحاً أن علياً عليه السلام ادعى نزولها فيه بمحضر من الصحابة فأقروه على ذلك، ولم يقولوا (لا، بل هي نازلة فينا وفيك)، وذلك يدل على أنها خاصة فيه دون غيره.

وبعد أنا سنبين أن الولاية تقتضي الإمامة، فلو حملت الآية على عموم المؤمنين، لكان يجب أن يكونوا جميعاً أئمة، وذلك لا يجوز، فإذا ثبت بما تقدم كله كان عليه السلام هو المراد بالآية وجب أن يكون ولياً على المؤمنين، كولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن واو العطف في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:55] تقتضي الإشتراك في هذه الولاية وتفيد أنما حصل لواحد مما وقع العطف عليه حصل للآخر، وإلا بطلت فائدة واو العطف؛ لأنها للجمع بين الشيئين، ألا ترى أن القائل إذا قال جاء زيد وعمرو سبق إلى الفهم الإشتراك في المجيء، وكذلك سائر أنواع العطف بالواو، فإذا كان الله تعالى ولياً على المؤمنين، وكذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك من عطف به بعد الرسول وهو علي عليه السلام فيجب أن يكون ولياً على المؤمنين، فثبت بهذا كله أن علياً عليه السلام هو المراد بها دون غيره.

وأما الموضع الثاني: وهو أن الولاية التي أثبتها الله تعالى له فيها هي ملك التصرف فالذي يدل على ذلك وجهان:

أحـدهما: أن السابق إلى الأفهام من لفظة: ولي أنه المالك للتصرف، كما يقال هذا ولي المرأة وولي اليتيم، وولي القوم للذي يملك التصرف عليهم، وإن كانت مستعملة في معان نحو النصرة، والمودة؛ والملك للتصرف إلا أن الملك للتصرف قد صار غالباً عليها بعرف الإستعمال، ولهذا كان السابق منها إلى الأفهام، فلما كان الله تعالى مالكاً للتصرف في عباده، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجب ذلك لعلي عليه السلام بحكم الله تعالى بمقتضى هذه الآية.

الوجه الثـاني: أن لفظة ولي وإن كانت باقية على الإشتراك، وكانت هذه المعاني متساوية فيها فإنه يجب حملها على جميع المعاني قضاءً بحق الإشتراك؛ لأنه لا مانع يمنع من حملها عليها وهي صالحة لأفاد جميعها، ولا وجه يقتضي تخصيص بعضها دون البعض.

فإما أن نحملها على جميعها، فهو الذي نقول، وإما أن لا نحملها على شيئ من هذه المعاني فيكون إلحاقاً لها الهذر والعبث الذي لا فائدة فيه، وكلام الحكيم منـزه على ذلك.

وإما أن لا نحملها على البعض منها دون البعض من دون دلالة، فذلك لا يجوز، فلذلك يجب حملها على جميع المعاني وهنالك يدخل ملك التصرف، وهو الذي أردناه فثبت: الموضع الثاني، وهو أن الولاية التي أثبتها الله له هي ملك التصرف، وأما الموضع الثالث: هو أن ذلك معنى الإمامة فلأنا لا ما نريد بقولنا فلان إمام إلا أنه يملك التصرف على الكافة في أمور مخصوصة وتنفيذ أحكام معلومة، وذلك داخل تحت كونه مالكاً للتصرف على الإطلاق، فثبت بذلك إمامته عليه السلام وبذلك يتم الكلام في الموضع الثالث.

وأما الموضع الرابع: وهو في بيان الإعتراضات الواردة هاهنا والأجوبة عنها فاعلم أن الذي يمكن أن يعترض به المخالف هاهنا وجوه من الشُبه وهي على ضربين منها ما تقدم.

الجواب: عنه في عرض الإحتجاج، ومنها ما لم يتقدم عنه جواب، ونحن نوردها، وننبه عن إبطالها بمشيئة الله تعالى فمنها قول المخالفات الآية عامة في جمبع المؤمنين فما الذي خصص بها رجلاً بعينه وهو علي.

والجواب على ذلك: قد تقدم بإجماع العترة، وبما تقدم في الكلام في الصفة وبما حكيناه من أطباق أهل النقل من موالف ومخالف على أن الآية نزلت فيه عليه السلام، وبما تلخصانه من إجماع الأمة كما تقدم، فكان ذلك له دون غيره، وخرج منه من عداه ممن لم يؤت الزكاة، وهو راكع، ومنها قول المخالف أنكم احتججتم أنه أتى الزكاة في حال الركوع بخبر واحد.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحـدهما: ما قدمناه الآن من إجماع العترة وإجماع أهل النقل كذلك من موالف ومخالف.

والثـاني: أن هذا الخبر مستفيض على حد استفاضة الأخبار المتعلقة بأصول الشريعة نحو أخبار الزكاة وخبر الإجماع، وغير ذلك.

ومنها قول المخالف ما أنكرتم أن يكون لا فرق بين من يعطي الزكاة في حال الركوع، وبين من يكون معتقداً لوجوبها فاعلاً لها قبل الصلاة وبعدها ويجري ذلك مجرى النعت والصفة لهم.

والجواب عن ذلك: أن الذي قدمناه من الأدلة يسقط هذا السؤال على أنا قد اتفقنا نحن والمخالف على أن قوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} حقيقة فيمن أتى الزكاة وهو راكع واختلفنا في أنها هل تكون حقيقة فيمن أتى الزكاة لا في حال الركوع أم لا فوجب صرف الآية إلى الموضع الذي اتفقنا عليه دون الذي اختلفنا فيه.

ومنها: قول المخالف إنما عنى بالآية من كان يؤتي الزكاة وهو راكع في ذلك من المسلمين فقد رُوى أنها نزلت والناس بين ساجد وراكع.

 والجواب عن ذلك: أن هذه تعسف في التأويل وخروج عن الإجماع لأن من الأمة من قال: هي عامة في جميع المؤمنين، ومنهم من قال: هي خاصة في أمير المؤمنين ولأن الذين كانوا راكعين في تلك الحالة لا يختصون بأنهم أولياء بالنصرة، ولا بغيرها ولا يصح أن يكونوا أولياء كلهم بمعنى الولاية إذ لا يصح كون جميعهم أئمة فبطل ما ذكره المخالف.

ومنها: قول المخالف أن الواو في قوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} ليست واو الحال بل هي بمنزلة قوله: فلان يؤيدني وينصرني وهو يبني الدار فانه لا يفهم منه النصرة والمحاربة حالة بناء الدار.

والجواب عن ذلك: أن ذلك لقرينة الحال والعادة ولا قرينة هاهنا ثم أكثر ما يلزم أنها تستعمل في معنيين:

 أحـدهما: الحال من غير تنافٍ فتحمل عليها جميعاً.

ومنها: قول المخالف أنا نحمل الزكاة على الخضوع لئلا يجب التكرار، ولا يجب ما ذكرتم.

والجواب عن ذلك: أن الركوع شرعاً هو الإنحناء والحمل على المعنى الشرعي أولى من اللغوي، ولا سيما إذا صار مجازاً فلم يصح قول المخالف.

ومنها: قول المخالف هب أن سلمنا لكم أن الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام خاصة وأن الصفة ما وجدت إلا فيه فمن أين لكم أن لفظة الولي يقتضي الإمامة، وما أنكرتم أن يكون معنى الولي هو من يتولى أمراً من الأمور ثم صار في الشرع فيمن يتولى إعظامه ونصرته ولهذا فإن الولاية الثابتة في الآية لله تعالى ليست الإمامة، فكذلك ولاية من عطف عليه ليست الإمامة أيضاً لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه.

والجواب عن ذلك: أنا قد بينا معاني لفظة الولي وأن المراد بالولاية فيها ملك التصرف، وذلك ثابت لله تعالى ولرسوله، وكذلك لمن عطف به في الآية وهو علي عليه السلام لما ذكره صاحب الإعتراض من اشتراك المعطوف، والمعطوف عليه في الحكم وذلك يقتضي ثبوت الإمامة من هذا الوجه فإنا لا نعني بقولنا: فلان إمام إلا ما تقدم من أنه يملك التصرف على الكافة فيما تقدم.

فأما ما فسر به الولي من أنه: المتولي فهو تفسير محتاج إلى تفسير لأن من أشكل عليه معنى الولي فإنه يشكل عليه أيضاً معنى المتولي فإنه شبيه بمن يفسر العالم بالشيء بأنه الذي يعلمه، وذلك لا يصح.

فأما قوله: أنه صار في الشرع فيمن يتولى إعظامه ونصرته فقد أريناه قيام الدلالة على ملك التصرف سواءً كانت اللفظة باقية على الإشتراك بين تلك المعاني أو كان السابق منها إلى الأفهام ملك التصرف وحده.

ومنها: قول المخالف أن الولي: بمعنى النصرة والمحبة.

 والجواب عن ذلك: مثل ما تقدم وهو أنه إن صح ما ذكره وجب أن يحمل على المعنيين جميعاً من حيث لا تنافي بينهما، وأيضاً فقد بينا أن الخطاب متوجه إلى بعض المؤمنين، وهو: علي عليه السلام [32 أ - ب ] والنصرة والمودة والمحبة لا تخصه دون غيره يبين ذلك أنه تعالى أخبرنا بلفظة إنما، وهي: إنما تفيد إثبات ما دخلت عليه لمن جعل له ونفيه عمن عداه في اللغة العربية كقول القائل: إنما الثوب لزيد، وإنما العبد لخالد، فإنه يفيد أن غير زيد ليس له الثوب وأن غير خالد ليس له العبد، ولهذا قال الأعشى: إنما العزة للكاثر أراد نفي العزة عمن ليس بكاثر، وأحسن منه قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النساء:171] أراد أنه لا إله واحد إلا هو تعالى، فأما قول القائل: إنما الناس أهل العلم، فإنه أراد أن غيرهم بمنزلة من ليس من الناس بجهلة، وهو تَجوُّزٌ فيها في ذلك لما كانت تستعمل حقيقة في هذا المعنى، وذلك يقتضي، أن معنى الآية أن الولاية لا تثبت عليكم أيها المؤمنون إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، الذين يعطون الزكاة في حالة الركوع دون غيرهم من الناس وإلا بطل إفادتها لنفي ما عدا ما دخلت عليه، وهذا يقتضي أنَّه لا يجوز أن يُحمل الولي على النصرة والمحبة لأن المؤمنين أنصار وأهل محبة سوى الله ورسوله وسواء المؤمن الموصوف والمؤمن المطلق أيضاً.

ومنها: قول المخالف فإن الله لا يوصف بأنه وليَّنا بمعنى أنه إمامنا فكذلك ما عطف عليه وقد تقدم جنس هذا الإعتراض، إلا أنا نكرر لتأكيد بيان الحق. فنقول:

الجواب عن ذلك: أنا لم نقل الولي بمعنى الإمامة أصلاً، وإنما قلنا هو بمعنى: الأحق بالقيام، والتدبير، والتصرف في الأمر إذ ذلك مضمون قولنا معناه ملك التصرف.

وهذا يشترك فيه الله، والرسول، والمؤمن الموصوف، ثم نقول: وكل من هو مختص بأنه الأحق بالقيام على المؤمنين، والتصرف على المسلمين فهو الإمام للدلالة التي دلت على انه ليس لأحد ولاية عامة بعد الله ورسوله، والإمام، فلهذا قلنا: أنها تفيد الإمامة فقط، ولو صح ما ذكره المخالف للزمه ذلك في المودة والنصرة لأن المحبة من الله تعالى هي: إرادة الثواب والتعظيم والنصرة منه هي: تقوية القلب، وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وهذا المعنى لا يثبت في الرسول ولا في المؤمنين الذين ذكرهم الله تعالى في الآية، فكان يلزمه ما ألزَمنا.

ومنها: قول المخالف أن قوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المائدة:56]، الآية تدل على أنه أراد بالولاية أولاً: النصرة، ولهذا ذكر العلة.

والجواب عن ذلك: أنا نقول أنه يمكن أن تكون هذه الآية منفصلة عن الأولى لأن الأولى ثابتة لله.

والثانية: إثباتها لغير الله تعالى فمن يتولى الله ليس المتولي هو المولى عند أحد من العقلاء، ويمكن أن يكون أخبر أن من تولى الله ورسوله، ومن الولاية له من أئمة الهدى كان غالباً وكان من حزب الله.

ومنها: قول المخالف أن أمير المؤمنين لم يدخر من المال ما يجب فيه زكاة.

والجواب عن ذلك من وجوه:

أحدها: أن هذا الأمر مجوز ولا مانع منه بل يجوز أن يكون قد ادخر ذلك.

الثاني: أن الآية قد صرحت بأنه أتى الزكاة فدل ذلك على وجوبها عليه، ولزومها له فالقول بغير ذلك تعسف لأن الله تعالى إذا أخبر بذلك فخبره أولى على أنه عليه السلام قد كان يحصل له من الغنائم ما يزيد على مائتي درهم أو عشرين مثقالاً فلا يمتنع أن يكون قدم الزكاة في أول الحول كما هو قول كثير من العلماء.

الثالث: أنه لو صح أنه لم يدخر من المال ما يجب فيه الزكاة فإنه يجوز أن تلزمه زكاة من دون أن يدخر ما لا يجب فيه الزكاة كزكاة الفطر فإنها تجب وإن لم يكن هناك مال مدخور.

ومنها: قول المخالف إن إخراج الزكاة فعل يفتقر إلى النية، فكيف تدخل في الصلاة، وربما قال لا يجوز أن تحمل الآية على ما ذكرتم لأن فيه إضافة القبيح إلى علي عليه السلام، وهو الفعل في الصلاة.

 والجواب عن ذلك: أنه لا خلاف أن الفعل في الصلاة كان في أول الإسلام، ولم يكن قبيحاً، ثم نسخ وبعد فإنه فعل يسير، وقد وقع الإجماع على جواز الأفعال اليسيرة فيها على أن مدح الله تعالى على ذلك دليل على جوازه وفضيلته فلا معنى للقول بأن ذلك معصية.

وأيضاً فقد قيل أن الله تعالى خص بذلك أمير المؤمنين، وهو إيتاء الزكاة في حال الركوع لتكون دلالة على إمامته لنزول الآية في ذلك، وحرمة على غيره؛ كما خصه الله تعالى بدخول المسجد وهو جنب، وغير ذلك فبطل ما يتعرض به المخالف من كل وجهٍ بمنِّ الله تعالى وحمده، وثبت الكلام في دلالة الآية على إمامته عليه السلام.

وأما قولنا والشاهد التالي فأين الجامعُ: فنريد بذلك قول الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17] فإن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام فتضمنت أنه تالي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه شاهد منه.

روينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خُطبته على المنبر: والله وما نزلت من آية في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل، ولا سفر ولا حضر، إلا عرفت متى نزلت، وفيمن نزلت، وعرفت ناسخها ومنسوخها، ومحكمها، ومتشابهها ومجملها ومفصلها، وما من أحد من قريش إلا نزلت فيه آية أو آيتان إما بمدح وإما بذم.

 فقال له رجل: أنت أحد قريش فما الذي نزل فيك؟ فقال: أما تقرأ سورة هود {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود: 17]، فكان الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- على بينة من ربه وأنا الشاهد منه، فاحتملت الآية أن يكون عليه السلام ثانياً للرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- في كونه على بينة وأن يكون تالياً له في الدعاء إلى الله والقيام مقامه؛ فلما احتملت هذين الوجهين حملناها على جميعهما على مثل ما تقدم في لفظة: الولي لعدم التنافي وعلى أن ثم قرينة تدل على أن المراد بالآية هو علي عليه السلام وهي قوله تعالى: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}، لما روينا من قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني وأنا منه)).

وقوله يوم أحد كذلك، وقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فاستُرْجِعت سورة براءة من أبي بكر وأداها رجل منه، وهو علي عليه السلام.

وكذلك قال جبريل عليه السلام: فيما أفسد خالد وأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرج من يُصْلِح أنه لا يصلح لها إلا أنت أو رجل منك فأمر علياً عليه السلام فتبين بذلك أنه المراد بالآية لا غيره وهو التالي له في وجوب الطاعة إذ لا أحد غيره تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو منه سواه بل من وُلِّي أمر الأمة غيره، وهو أبو بكر ليس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث عَزَله عن تبليغ السورة بعلي عليه السلام الذي هو منه، ولهذا المعنى قلنا فأين الجامع للقوم[72-ج] هل ثمَّ دليل قاطع؟

وهو ولي الحل والإبرام
بحكم ذي الجلال والإكرام

 

والأمر والنهي عن الأنام
وما قضاه في أولي الأرحام

المراد بذلك: ما احتج به أئمتنا عليهم السلام، وذكره الإمام الناصر للحق عليه السلام هو قول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ}[الأحزاب:6].

ووجه الإحتجاج بالآية: أن الله تعالى حكم بأن أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من غير تخصيص فيما يكونون أولى من غيرهم من مال القريب، أو مقامه أو ولايته، أو ما ملكه في حياته، أو بعد موته متى كان من المؤمنين والمهاجرين، فيجب أن يحمل على العموم إلا ما خصته دلالة فتدخل في ذلك أن القريب أولى من غير القريب بمقامه وولايته التي تكون له.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما ذكره في أول الآية.

وثبت أن أقرب الأرحام إليه العباس بن عبد المطلب، وعلي عليه السلام، وثبت أن العباس لم يكن من المهاجرين، فبقى الأقرب إليه من المهاجرين المؤمنين هو: علي عليه السلام، فيجب أن يكون هو أولى بمقامه وولايته التي كانت له من أبي بكر وعمر وغيرهما.

فإذا كان كذلك كان هو الإمام دون غيره إذ لا نعني بالإمام إلا الأولى بمقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبإنفاذ ما كان له إنفاذه، فلا يصح أن يدعي مثل ذلك في أبي بكر، وعمر فيقال هما: من رحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك من الغلط الفاحش لبعدهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يُعدَّ أن من رحمه إلا كما يعد غيرهما من الناس فإن الرحم في اللغة: من جمعهم رحم واحد يدنوه منهم نحو الجدة أم الأب، أو أم الأم، ولهذا لما أوجب الله تعالى صلة الرحم، لم يجب علينا بذلك صلة من يعد بعدهما من الناس.

 وقد ثبت أن بينهما وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعداً كثيراً إلا أن أبا بكر لا يلقى نسب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا إلى مرة بن كعب وعمر لا يلقاه بنسبه إلا إلى كعب بن لؤيوهو وعلي عليه السلام يلتقيان إلى عبد المطلب، وهو الجد الأول.

ولهذا لما أنزل الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني هاشم لأنهم القربى دون غيرهم، ولمثل ذا قال أئمتنا عليهم السلام إن القريب هو: الذي يُنسب إلى الأب الثالث فقط.

فقضت اللغة والأخبار والشرع بأن القوم خارجون عن قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعن ذوي أرحامه، ولم يبق أحد أولى بمقامه من علي عليه السلام، فإن قيل أن الآية مجملة قلنا: إنه يصح التعلق بظاهرها على الميراث لماله ولمقامه، ولغير ذلك، فلا تكون مجمله، فإن قالوا: كونه أولى لا يقتضي أن غيره لا يكون مشاركاً له.

 قلنا: هذا غلط فاحش فإنه إذا قيل فلان أولى بكذا اقتضى أن غيره لا يشاركه كما يقال: الأب أولى بتزويج ابنته من غيره، ولا مشاركة هناك، وكذلك في لفظه أولى على الإطلاق، فإن قيل: إن هذه الآية عامة، ونحن نخصصها بالإجماع.

 قلنا: ليس في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع ما يقتضي تخصيص هذه بأن يخرج أمير المؤمنين عليه السلام من أن يكون أولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما يأتي بيانه من بطلان ما بنى عليه المخالف من الإجماع الفاسد:

وآية قاضية بالطاعة
ثم أولي الأمر من الجماعة

 

لله والرسول ذي الشفاعة[73ج]
فهي له فليزة من أطاعه

الآية هي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59] احتج بها أئمتنا عليهم السلام على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، ووجه الإستلال بها أنه لا خلاف أنها خطاب لمن كان حاضراً من المؤمنين حالة نزولها، وقد أمرهم الله فيها بطاعة الله وطاعة رسوله، وعطف بطاعة أولي الأمر منهم وذلك يقتضي أن أولى الأمر منهم غير الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم - لأن العطف يقتضي غير المعطوف عليه وقد أخبر الله تعالى بأن الذي أمر بطاعته من أولي الأمر هو: منهم في تلك الحال، وحاصل الكلام أنه لا يصح أن يقال: أطيعوا العلماء منكم إلا وهم حاضرون فيهم، وذلك يقتضي وجوب طاعة أولي الأمر منهم من المسلمين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلا أحد قال بأنه كان فيهم أولي الأمر إلا أنه قال: بأنه أمير المؤمنين عليه السلام، فيجب حمل الآية على ذلك، ولا سيما مع القرائن الكثيرة في الحث على اتباعه، وأنه على الحق، وأنه بمنزلة هارون وأن موالاته واجبة باطناً وظاهراً وأن محبته واجبة، وأنه لم يؤمر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحد إلى غير ذلك مما قد تقدم بيان بعض منه ومما يأتي منه كثير لا يخفى إلى على من اتبع هواه وآثر العصبية والحمية والمذهب على الحجة، وإذا كانت طاعته عليه السلام واجبة كان هو الإمام ولأن المفتي لا تجب طاعته في كل شيء إلا إذا رضى باستفتائه، والقاضي لا يجب طاعته إلا مسنده إلى طاعة الرسول، والإمام وكذلك الأمير. فإن قيل: إن الآية مجملة تحتاج إلى بيان.

 قلنا: إن كانت مجملة فلا بد أن يكون قد وقع البيان لأنه حتم الطاعة لأولي الأمر منهم، وقد كان بعضهم يأمر بعضاً لا محالة، فلا بد أن يبين لهم من تجب طاعته ممن لا تجب طاعته في أمره، وإلا كان تكليفاً لما لا يعلم، وذلك لا يجوز على الله تعالى، ولا شك أن البيان حاصل لأنه لا أحد قال بأنها فيمن شهد نزولها إلا قال هو أمير المؤمنين عليه السلام ولأن ما أورده صلى الله عليه وآله وسلم في نصه عليه السلام قد بين المجمل وكشف الملتبس هذا إن قلنا إنها مجملة.

 وإن قلنا: بأنها ليست بمجملة لم يلزم ما ذكره المخالف:

والمصطفى المنذر وهو الهادي
في ليلة الغار من الأعادي

 

وهو له الفادي ونعم الفادي
تحت ظلال القُضُب الحداد

يرمونه في الليل بالحجارة
فاتخذ الصبر لهم دثاره

 

لعلها تبدوا لهم أمارة
والموت إذ ذاك يشب ناره

وقام فيهم ضيغماً مسارعاً
حتى بدا وجه الصباح طالعا


 

وانهزموا يمعن كل راجعا
فاستقبل الأزواج والودائعا

فأنزل الرحمن بشرى نفسه
أما يزال مثل هذا ألُّبْسَه

 

لما ابتغى رضاه وقُدْسَه
وقد أراه جِنَّة وأنسه

كم بينه وبين رب الحزن
يقول لا تحزن وليس يُغني

 

في الغار مع نبيه في الأمن
شتان بين قوة ووهن

 ما قولنا: والمصطفى المنذر وهو الهادي: فنريد بذلك قول الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد:7]، فإن المروي في تفسيرها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: ((أنا المنذر وأنت الهادي لكل قوم)).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ليلة أسري بي ما سألت ربي شيئاً إلا أعطاني هو وسمعت منادياً من خلفي: يا محمد إنما أنت منذر ولكل قوم هاد. قلت: أنا المنذر فمن الهادي. قال: علي بن أبي طالب الهادي، والمهتدي القائد أمتك إلى جنتي غراً محجلين برحمتي)).

وفي ذلك دلالة على عصمته وأن باطنه كظاهره وأن موالاته لازمه ظاهراً وباطناً، كما يلزم ذلك في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يبين ذلك أنه الهادي وأنه لا يَضِل عن الحق ولا يُضِل عنه.

وذكر بن جرير الطبري في تفسيره عن بن عباس في قوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صدره فقال: ((أنا المنذر ولكل قوم هاد وأومى بيده إلى علي عليه السلام فقال: أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي)).

 وفي هذه لطيفة وهي: أنه عليه الصلاة والسلام المنذر فلا منذر معه في وقته، وكذلك علي هو الهادي فلا هادي معه في وقته فهو: الإمام وحده إذ كانت الإمامة ليست إلا له في وقته، فأما الهداية بغير ذلك فهي ممكنة، وأما قولنا: وهو له الفادي إلى آخر ما ذكرناه في ليلة الغار: فنريد بذلك ليلة خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهاجراً بعد أن أحكمت قريش المشورة في قتله تلك الليلة، ونزل جبريل عليه السلام بالخبر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بالخروج فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف علياً عليه السلام على ودائعه، وحمل أزواجه إليه، فبات علي عليه السلام على فراش رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فادياً له بنفسه، باذلاً هنالك مهجته، بائعاً لها من الله تعالى بما عنده تحت ظلال أربع مائة سيف تبايعوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أربعمائة قبيلة ليصير دمه هدراً؛ فكانوا وقوفاً على رأسه إلى الصباح يختلفون في أنه هل هو رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أو لا.

فقال قائلهم: نحتاج إلى أن نرميه بالحجارة فإن كان محمداً فإنه يدفع بسحره عن نفسه الحجر، وإن كان غيره قام فرأيناه، فكان يرمى بالحجارة، وهو يصبر ولا يتحرك فقال قائل: هو محمد، وقال قائل: ليس بمحمد؛ لأنه يتضور ومحمد لا يتضور، يعني يتحرك على نفسه، ويجمع أطرافه لألم الحجر، فقام فرائه والعبا على كتفه، فهربوا منه مخافة أن يراهم فيعرفهم.

ومن كتاب:(الحياة) روى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع أصحابه بمكة حرسها الله يوم أراد الخروج إلى الغار، ثم قال: أيكم ينام على فراشي الليلة، وأضمن له على الله الجنة فأحجم أصحابه ولم يجبه منهم أحد فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أنا يا رسول الله أنام على فراشك، فنام علي عليه السلام، وأقدم على ما تأخر عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو القتل فأنزل الله فيه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ}[البقرة:207].

وفي الحديث: ((أن الله تعالى أوحى إلى جبريل وميكائيل، وقال: إني آخيت بينكما وزدت في عمر أحدكما فمن منكما يهب لأخيه زيادة عمره)).

 قال: فكلهما تفكر في إيثار الحياة، وفي زيادة العبادة فأوحى الله تعالى إليهما: أني آخيت بين محمد وعلي، وقد زدت في عمر علي على عمر محمد، وقد بذل مهجته له وبات على فراشه ليقتل بدله فالحقا به واحفظاه إلى الصباح فنزلا ووقف أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، وهما يقولان: بخ بخ يا علي من مثلك والله يباهي بك الملائكة)).

فلما انقضى هذا أنزل الله فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207].

قال بن عباس: نزلت هذه الآية في علي حين بات على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا المعنى الذي أردنا بقولنا فأنزل الرحمن: {يَشْرِي نَفْسَهُ}.

وأما قولنا: فاستقبل الأزواج والودائعا: [75 -ج ] فلأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخلفه في أشياء منها رد ودائع الناس، ومنها حمل نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أمره بذلك بعد ثلاثة أيام، فرد الودائع وحمل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلعلي عليه السلام سَبْقُ الهجرة، ولا اعتبار بتخلفه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه من السابقين [34 أ-ب].

وروينا عن أبي رافع قال: كان علي عليه السلام يجهز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كان في الغار يأتيه بالطعام والشراب واستأجر ثلاث رواحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولأبي بكر ولدليلهما، وخلفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليخرِج إليه أهله وأمره أن يؤدي عنه أماناته كلها وأمره أن يضطجع على فراشه ليلة خرج.

وقال: إن قريشاً لن يفقدوني ما داموا يرونك، فاضطجع على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعلت قريش تطلع عليه، فإذا رأوه قالوا: هو ذا نائم، فلما أصبحوا ورأوا علياً عليه السلام قالوا: لو خرج محمد لخرج بعلي، ثم خرج عليه السلام من مكة ليس معه مؤنس إلا الله تعالى، وهو يخشى المشركين، وتعب حتى انتفخت رجله؛ فلما بلغ النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- خبر قدومه قال: ادعوا لي علياً قالوا: يا نبي الله لا يقدر أن يمشي على قدميه من الورم، وأنهما يتفطران دماً، فاتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأه اعتنقه وبكى رحمةً له لما رأى ما بقدمه من الورم وأنهما يقطران دماً، وتفل رسول الله صلى الله عليه وآله في يده فمسحهما به ودعا له بالعافية، فما اشتكاهما حتى استشهد عليه السلام، فإن قال قائل: أبو بكر هو السابق في الهجرة.

 قلنا: إن رمت بذلك أريناك التفرقة من وجوه. منها: أن ما ذكرته لو صح لكان يجب في عامر بن فهيرة أن يكون مساوياً لأبي بكر في الفضل من حيث هو معه، وأن يكون عامراً أفضل من علي عليه السلام، والإجماع يكذب ذلك.

ومنها: أنه لو صح ما قلت من أنَّ سَبق الهجرة لمن تقدم دونه عليه السلام لكان السابق إلى الهجرة هو جعفر بن أبي طالب وأصحابه بخروجهم إلى الحبشة مهاجرين بأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

ومنها: أن أبا بكر لما أخبره علي عليه السلام بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بئر ميمون تبعه أبو بكر، فصار معه في الغار وبات علي عليه السلام على فراشه باذلاً بمهجته، وكان بذل النفس أعظم عند الله وعند رسوله من الإبقاء على النفس.

ومنها: أنه كان مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوي قلبه، ولم يك مع علي عليه السلام من يقوي قلبه.

ومنها: أن علياً عليه السلام كان يُرمى بالحجارة كما سلف وأبو بكر لا وجع به.

ومنها: أن أبا بكر في الغار لا يراه الكفار، وعلي على الفراش يراه من أحب، فله في بدء الهجرة بهذه الخصال المزية على أبي بكر، وعلى غيره، ومع ذلك فله المنة على أبي بكر بحفظ عائشة وكلايتها وسلامتها إذ كانت من جملة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللواتي حُملن إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن عجيب الأمر في تلك الليلة مبيت أبي بكر حزيناً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكروباً، حتى كان الرسول يقول له: لا تحزن، وعلي عليه السلام صابر محتسب باذل نفسه الكريمة للسيوف الحداد، ورضخ الجنادل في فداء رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام: في جواب الشرفاء من بني سليمان، وقد ذكر الله أبا بكر في القرآن في موضعين فلم يذكره إلا بنهي، وذلك قوله عز وجل فيما حكى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة:40]، فنهى عن الحزن في هذا الموضع.

والموضع الثاني: حيث ذكره عز من قائل: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النور:22].

وذلك أنه لما تكلم مسطح في أمر صفوان بن المعطل على عائشة بما تكلم، وكان قريباً لأبي بكر من قبل النساء، وكان فقيراً قد عوده الإحسان إليه فآلى أبو بكر إن زاد لا أحسن إليه فنهاه الله تعالى عن ذلك، وكان كثير السعة والمال، ثم سرد عليه السلام حكاية قصة الإفك وأهله وهذا المعنى هو الذي أردنا بقولنا: كم بينه وبين رب الحُزن، إلى قولنا: شتان بين قوة ووهن فإن في ذلك فرقاً ظاهراً يعلمه كل عاقل وسيأتي بيان شاف لذلك في بيان التفرقة، وذكر طرف من شجاعته، وثبات قلبه، وفي مبيت أمير المؤمنين عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أمير المؤمنين عليه السلام:

وقيت بنفسي خيرَ من وطئ الحصى
رسول الله خاف أن يمكروا به
وبات رسول الله في الغار آمناً

 

ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
فنجاه ذو الطول الإله من المكر
موقاً وفي حفظ الإله وفي سِتر

وبت أراعيهم وما يثبتونني
وهو الذي أهلك يوم بدر
وفاز في حومته بالأجر

 

وقد وطَّنتُ نفسي على القتل والأسر
سبعين دمرا من رجال الصبر
فمن له منكم كهذا النصر

واذكر هناك خبر السطيعة
من بئر بدر إن ترد مديحه

 

وملاها في العصبة المشيحة
جأت بها الرواية الصحيحه

هو عليه السلام: أول مبارز ذلك اليوم هو وعمه حمزة وابن عمه عبيدة بن الحارث برزوا لعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وهما الخصمان الذين اختصموا في ربهم.

روينا عن قيس بن عبادة قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه ورحمه يُقْسِم قَسَماً أن هذان خصمان في ربهم نزلت في الذين برزوا يوم بدر علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، وفي عتبة، وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة، وقتل عليه السلام في ذلك اليوم بيده من صناديد قريش سبعين رجلاً من رؤساء قريش.

روينا من كتاب (المراتب): وليس في العادة أن يصبر الرجل على ضرب رقاب سبعين شاة فضلاً عن صناديد قريش من أقاربه ومعارفه، بل هذا خروج من العادة والذين قتلهم عليه السلام، وشارك في قتلهم ذلك اليوم من السبعين رجلاً ممن ذكر باسمه منهم هوم: عتبة بن ربيعة جد معاوية قتله وقتل الوليد بن عتبة خال معاوية، و شارك عمه حمزة في قتل شيبة بن ربيعة، وقتلبن خويلد، وهو أحد شياطين قريش، وقتل حنظلة بن أبي سفيان أخا معاوية، وقتل العاص بن سعيد شجاع بني أمية، وقتل الحارث بن زمعة بن الأسود، وقتل عمرو بن عثمان ويقال عمير، وقتل حرملة بن عمرو بن أبي عتبة، وقتل أبا قيس بن الوليد بن المغيرة أخا خالد بن الوليد، وقتل مسعود بن أمية بن المغيرة، وقتل عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة، وقتل جابر بن السائب بن عويمر المخزومي وقتل أوس بن المغيرة بن الوذان، وقتل نُبَيه بن الحجاج السهمي، وقتل العاص بن منبه بن الحجاج، وقتل زيد بن مليص، وقتل عثمان، ومالكاً ابني عبد الله أخوي طلحة، ويقال إنه قتل سعيد بن خثمة، ويقال قتل هشام بن أبي أمية، ويقال: إنه قتل عمرو بن الحضرمي، وأسر عمرو بن أبي سفيان أخا معاوية، وضرب عنق عتبة بن أبي معيط صبراً، وضرب عنق النظر بن الحارث صبراً بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، وكان هذا أول جهاد يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، وفرق الله تعالى به بين الحق والباطل.

وروينا من مناقب بن المغازلي ما رفعه إلى أبي جعفر محمد بن علي قال: نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان: ((لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)).

وفي كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه عليه السلام قتل أقل من سبعين، وذكر الناصر للحق عليه السلام: أنه رواة المغازي ذكروا أن عدد من قتل من المشركين يوم بدر خمسة وأربعون رجلاً، وقال بعظهم: كانوا سبعين رجلاً أو ما يقارب ذلك، وسمعنا في كتاب: (المراتب) أنهم سبعون كما تقدم ذكره، ولأمير المؤمنين عليه السلام يوم بدر خبر السطيعة، وهو ما رواه الخلق أنه لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهب علياً عليه السلام إلى البئر، ونزلها والكفار حولها، وملا السطيعة مرتين ووضعها على رأس البئر، فسمع حشحشة([36]) وجلبة فنـزل إلى البئر فلما سكن رأى السطيعة قد صب ماؤها، ولم يرا أحد، حتى إذا كان في الثالثة ملا السطيعة وعلقها في منكبه، ووضع التُرس على رأسه، وصعد فلم ير أحداً من الرجال فجاء إلى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((أنت تحدثني بما جرى عليك أو أنا.

 فقال: بل أنت يا رسول الله فقص عليه، وقال ذلك جبريل عليه السلام يرى الملائكة قوة قلبك وشجاعتك ويباهي بك)).

وروينا عن ابن حنبل من مسنده رفعه إلى الحارث عن علي عليه السلام قال: لما كانت ليلة بدر قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من يستقي لنا من الماء فأحجم الناس فقام علي عليه السلام، واختضن قربه، ثم أتى بئراً بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى الله عز وجل إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام وإسرافيل عليه السلام أن تأبهوا لنصرة محمد عليه الصلاة السلام وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من سمعه، فلما جاء البئر سلموا على علي عليه السلام من عند ربهم من أخرهم إكراماً وتبجيلاً)).

وروينا عن: الأعمش عن الحكم، عن مصعب بن سعيد، عن أبيه قال: قال لي معاوية أتحب علياً.

 قال: قلت: وكيف لا أحبه، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي))، ولقد رأيته بارز يوم بدر وهو يحمحم الفرس وهو يقول:

يا زاعمين حديث سني

 

سنحنح[37] الليل كأني جنى

ثم قال: لمثل هذا ولدتني أمي، فما رجع حتى خضب سيفه دماً.

وروى في حديث آخر: أنه قال هذه الأبيات عليه السلام يوم فتح خيبر، وقتل: مرحب، ولعله قال ذلك في الموضعين جميعاً.

وروينا بالإسناد: أنه قال أسد بن إياس بن زنيم بن عبد بن عدي بن الدَّئُل، وهو يحرض مشركي قريش على قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، ويعزيهم بذلك:

في كل مجمع غاية أخزاكم
لله دركم ألمَّا تنكروا
هذا بن فاطمة الذي أخزاكم

 

جذع أبر على المذاكي القرح
قد ينكر الحر الكريم ويستحي
ذبحاً وقتله قصعةً لم تذبح

اعطوه خرجاً واتقوا بضريبه
أين الكهول وأين كل دعامة
أفناهم ضرباً وطعناً يفتلي

 

فعل الذليل وبيعه لم تربح
في المعضلات وأين زين الأبطح
بالسيف يعمل حده لم يصفح

وهو الذي دهده يوم أحد
يوم مواسة النبي المهدي
وفيه قيل ذلك القول الجلي

 

سبعاً من الرايات بين الأسد
وجاءه بذي الفقار المُهدي
في يوم أحد لا فتى إلا علي

هل الذي ناداه بالمدح العلي
ولا خلاف أن عثمان هرب
وفي أبي بكر خلاف هل ذهب

 

عندك موليٌ عليه أو ولي
وعمر أنضاف إلى أهل الهَرب
فيمن تولى هارباً أو لم يهب

ولم يقل من قال كان حاضراً
بل قيل لم يخدش بخدش كافراً
كم بين من أفنا الصفوف المعلمه

 

بانه أعثر منهم عاثراً
فأيهم كان الشجاع الصابرا
طعناً وضرباً في الحروب المضرمه

وبين من لم يفن قطُ نسمه
لمثل ذا قلنا الإمام حيدره
يكيلهم بالسيف كيل السندره

 

ولا أهراق من عدو محجمه
غشمشم يفني رؤس الكفره
كأنه ليث رهيص قسوره[78-ج]

 أما قولنا في السبع الروايات يوم أحد: فمرادنا بذلك قتله عليه السلام لسبعة من بيت واحد يوم أحد، أصحاب الرايات، وهم بنو طلحة، رواه الناصر الكبير عليه السلام في ذلك اليوم من الثبات والصبر ما يقصر عنه الرجال، وتبعد عنه الآمال، وفي ذلك اليوم ظهر، له ذوالفقار، وقد قيل جاء من السماء، وقيل غير ذلك، وكذلك معنى قولنا: وجاء بذي الفقار المهدي، ومن قول الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان عليه السلام في علي عليه السلام، وفي سيفه ذي الفقار هذان البيتان:

ورأه النبي من أفضل الناس
فتوفى به ثمانين ألفا

 

فأعطاه سيفه ذي الفقار
من أضر البغاة والكفار

أما قولنا يوم مواسه النبي المهدي: فنريد بذلك قول جبريل عليه السلام ذلك اليوم: أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إلى علي وهو يحامي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باذلاً بمهجته قال: من هذا. قال: هو علي. قال جبريل عليه السلام: هذا هو المواساة فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: من أولى بها منه؟ وهو مني وأنا منه؟ وإنه بمنزلة هارون من موسى اللهم اشدد أزري بعلي كما شددت أزر موسى بهارون.

ففي هذا الخبر أنه المواسي، وأنه شاد لأزر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأنه بمنزلة هارون من موسى، وهارون كان خليفة موسى فعلي خليفة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.

وروينا من مناقب الفقيه بن المغازلي ما رفعه إلى أبي رافع قال: نادى المنادي يوم أحد لا سيف إلا ذا الفقار ولا فتى إلا علي.

 وروى الإمام المتوكل على الله عليه السلام عن جابر بن عبد الله قال: جاء علي بن أبي طالب عليه السلام إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -يوم أحد فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((اذهب فقال لا، والله لا اذهب، وادعك فقال جبريل عليه السلام: هذه والله المواساةُ يا محمد.

 فقال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: إنه مني وأنا منه فقال جبريل عليه السلام: وأنا منكما، وفي ذلك اليوم جاء النداء من السماء: لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار، وهذا معلوم ضرورة أن هذا القول ورد فيه لأن الناس يومئذٍ سمعوا صوت جبريل عليه السلام يقول: لا سيف إلا ذو الفقارولا فتى إلا علي، وقد نَظَمَه فيما ذُكر حسان بن ثابت فقال في بعض أشعاره:

ولقد سمعت منادياً من قومنا
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى

 

نادى فأسمع كل أهل المحفل
في الناس طراً كلهم إلا علي

وكان عليه السلام صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي نشرت يوم أحد.

ورواه الناصر للحق عليه السلام، ولا إشكال أن عمر وعثمان انهزما يوم أحد وتركا رسول الله -صلى الله عل يه وآله وسلم- ونكثا بيعة الرضو ان.

وإنما الأشكال في أبي بكر هل ثبت إلى وقت الفرج أو كان من المنهزمين عند شدة القتال، فأما علي عليه السلام: فإنه قتل سبعة في المصاف من بني طلحة وهم: أهل الرايات، كما قدمنا سوى من قتلهم بعد الهزيمة.

وقال الناصر للحق عليه السلام: بإسناده عن محمد بن عبد الله بن علي بن أبي رافع قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد مع علي بن أبي طالب عليه السلام.

وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة عبد الدار فقال له علي عليه السلام: أنا القضم([38]) وحمل عليه فقتله، ووقعت الراية على الأرض، فأخذها أخوه سعيد بن أبي طلحة، فنصب الراية وقال: هل لك يا قضم في المبارزة، فحمل عليه عليه السلام فقتله، ووقعت الراية على الأرض فأخذها طلحة بن عبد الله، فحمل عليه علي فتله، ووقعت الراية على الأرض، فأخذها عثمان بن عبيد الله، فحمل علي عليه السلام فقتله، ووقفت الراية على الأرض فأخذها مسافع بن طلحة فحمل علي عليه السلام فقتله، وأوقفت الراية على الأرض فأخذها مولى لهم يقال له: صواب فرفعها ونصبها لقومه فحمل عليه علي عليه السلام فضرب يده اليمنى فطرحها، ووقعت الراية على الأرض، فأخذها صواب بشماله، فضربه علي عليه السلام فطرح شماله، ووقعت الراية على الأرض، فأخذها بذراعيه فنصبها إلى صدره، فحمل عليه علي عليه السلام فقتله.

فهذه ست رايات في هذه الرواية، وعن الناصر عليه السلام في غير هذا الموضع أنها سبع رايات، وصبر علي عليه السلام هنالك صبراً عظيماً.

وروينا عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قا ل: كُسِرت زند علي عليه السلام يوم أحد، وفي يده لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتحاماه المسلمون أن يأخذوه فقال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ضعوه في يده الشمال، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة)).

وروينا عن معمر بن المثنى: كان لوا المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي، فقتله علي بن أبي طالب عليه السلام.

وفي ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي:

لله أي مُذبب عن حرمة
جادت يداك له بعاجل طعنة

وعللتَ سيفك بالدماء ولم يكن

 

أعني بن فاطمة المعم المخولا
تركت طليحت للجبين مجدلا
لترده حَران حتى ينهلا

وروينا من كتاب: (سلوة العارفين)، عن سعيد بن المسيب قال: لقد أصابت علياً عليه السلام يوم أحد ستة عشر ضربة كل ضربة تلزمه الأرض، فما كان يرفعه إلا جبريل عليه السلام.

ولا خلاف أن أبا بكر لم يقاتل بنفسه ذلك اليوم عند من قال: بأنه لم يهرب، وأنه لم يخدش كافراً.

فكيف يقاس من كان هذا حاله، وهولم يصب محجمه دم من كافر في جهاد، ولا في جاهلية أو إسلام، ولا له مقام ولا بروز بل ليس إلا حضور من الجهاد على من بارز الأقران ودمر الشجعان، وأباد كل مذكور في الحرب، وهذه الخصلة من أعظم خصال الإمامة لافتقار حفظ بيضة الإسلام إليها والثبات في الحروب.

وهذا الذي أردنا بقولنا: ولم يقل من قال كان حاضراً إلى آخر ما ذكرناه من الفرق بين من هذه حالة وبين علي عليه السلام ؟ أم أين يكون منه عمرـ وهو الذي ناداه سعيد بن العاص يوم بدر للمبارزة فلم يبرز إليه.

وكذلك ما روى: أن ضرار بن الخطاب الفهري لحق عمر بن الخطاب، وهو منهزم في بعض غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل ينقب رأسه بالرمح وهو يقول: من أنت إني الليث إلا أقتل قرشياً، فقال: أنا عمر بن الخطاب.

 فقال: اشكرها لي.

فهذا وإن كان ممن جاهد وحارب في بعض المواقف، لا يقاس بقاتل الأقران ومعز الإسلام أمير المؤمنين عليه السلام فقتل أمير المؤمنين سعيد بن العاص بعد ذلك فيمن قتل من قريش يوم بدر.

ومتى قيل هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رأس المجاهدين، ولم يقتل أحداً ولا قاتل بنفسه.

فالجواب عن ذلك من وجوه:

 أحـدها: أنه كان صاحب الأمر والجهاد، وصدر منه فحاله بخلاف غيره، والقوم مأمور عليه فما بالهم لم يفعلوا فعل علي عليه السلام.

الثـاني: أن فضل النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- لأجل النبوة سوى جاهد بنفسه أولم يجاهد.

الثـالث: أنه كان يقاتل بنفسه دليله قول علي عليه السلام كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فكان أقرب الناس إلى العدو.

الرابع: أنه ثبت بنفسه في جميع المشاهد التي انهزموا فيها.

الخامس: أنه قتل أبي بن خلف يوم أحد فإن قيل: إنهم وإن لم يجاهدوا بأنفسهم فقد جاهدوا بآرائهم.

قلنا: إن كان الجهاد بالرأي: فقد جاهد به علي عليه السلام مع سيفه، وبعد فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يشاورهم تطييباً لنفوسهم، وإلا فقد كان بالوحي غنيا عن ذلك.

وبعد فاختصاص علي عليه السلام بالرأي وحسن التدبير أظهر من ان يخفي فإن أولي الأحلام والرأي من الصحابة كانوا إذا اشتبهت عليهم الأمور رجعوا إليه ولهذا فإن الردة لما عمت بعد رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم- رجع أبو بكر إلى رايه علي عليه السلام فاستشاره في أمر أهل الردة فقال: عليه السلام: إن الله جمع بين الصلاة والزكاة فلا تُفَرِق بينهما، فأخذها عنه، وعند ذلك قال أبو بكر: والله لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقتالهم عليه، وفيه دلالة على افتقار أبي بكر إليه في العلم، والرأي، وقال عمر بن الخطاب: هاهنا رجل كنا قد أُمرنا إذا اختلفنا في شيئ أن نرجع إليه، ولما رجع إليه عمر في قتال فارس أشار عليه السلام بذلك، واستشاره في الخروج بنفسه، فأشار عليه بألا يخرج، وكانا لا يزالان يستشيرانه في الحروب فيكون رأيه هو الصواب.

وعن بن عباس قال: كان علي عليه السلام للداء إذا عضل، وللرأي إذا أشكل، وللحرب إذا توقدت نيرانها.

قال علي عليه السلام: لولا خشية الله لكنت أدهى العرب، وهذا قليل من كثير من هذا الباب وهو أظهر من أن يَخفى فأما قولنا: لمثل ذا قلنا الإمام حيدره: فنريد بذلك قوله عليه السلام: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.

قال عليه السلام: يوم خيبر، وقد تقدم ذكر السبب في تسميتها له، وكذلك قولنا يكيلهم بالسيف كيل السندره: فإنه قال ذلك اليوم أكليكم بالسيف كيل السندره، أما حيدره فهو من أسما الأسد، وقيل: أنه الأسد الضرغام، القوي، الذي يخاف منه كل السباع، وكل الحيوان، وأما السندرة: فهي شجرة يعمل منها القسي والنبل، والسندره: ضرب من المكايل، وهو الذي يوافق المعنى هاهنا في قوله عليه السلام كيل السندره.

ويوم الأحزاب كريه الخد
بقتله عمرو بن عبد ود

 

كفى به الله قتال الضد
دون الكهول منهم والمرد

ولأمير المؤمنين عليه السلام المقام المحمود، يوم الأحزاب عند شدة الأمر كما قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}[الأحزاب:10،11]، وكفى الله المؤمنين القتال بقتله عليه السلام عمرو بن عبد ود.

 قال الصادق عليه السلام: كان والله قد أُنزل على الرسول {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}[الأحزاب:25] بعلي بن أبي طالب؛ وقيل: أنه لم يكن في العرب أشجع من عمرو بن عبد ود ولا أكبر منه جثة؛ فكان منه أنه يومئذٍ طفر الخندق بفرسه فجعل ينادي للبِراز عمر بن الخطاب، وغيره من الصحابة أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فجعل عمر يلوذ برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- من عمر بن عبد ود فعند ذلك الخطب العظيم الذي يهز المسلمين قال: رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من يخرج إلى عمرو بن عبد ود وأنا ضامن له الجنة))، فخرج علي، وحَمَل الضمان بالجنة، وبرز له عليه السلام، فكان بينهما يوم عصبصبا، وقتال عظيم؛ كانت فيه الدائرة على عدو الله بعد أن ضرب علياً عليه السلام على رأسه فشجه شجة منكَرة، وضربه علي عليه السلام ضربة فطرح رجليه بضربة واحدة، وثبت إليه اثنتي عشر قدماً ممتد وانصرف عشرين فوق ثبتته، ثم جز علي عليه السلام رأسه، وقتل ولده، وهاجت الرياح، وانهزمت الكفار، وفي ذلك اليوم لما ضربه عمرو على رأسه نفث عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى برئ من الضربة، وقال: أين أكون إذا خُضبت هذه بهذا.

وفي ذلك اليوم قال أمير المؤمنين عليه السلام: لما قتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق.

أَعَليَّ تقتحم الفوارس هكذا
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي
ألا بن عبد حين شد أليَّه

 

عني وعنهم أخبِروا أصحابي
ومصمم في الهام ليس بنابي
وحلفت فاستمعوا من الكذاب

ألا يصد ولا يهلهل فالتقى
فصددت حين رأيته متقطراً
وعففت عن أثوابه ولو أنني

 

رجلان يضطربان أي ضراب
كالجذع بين دكادك وروابي
كنت المقطر بزَني أثوابي

وروينا: أن عمرو لما خرج معلِماً ليرى مكانه، ولما وقف وخيله.

قال: من يبارز فبرز علي بن أبي طالب.

فقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خِلَّتين إلا أخذتها قبله.

فقال له: أجل.

فقال علي عليه السلام: إني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام.

قال: لا حاجة لي بذلك.

فقال: فإني أدعوك إلى البراز.

فقال: يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك.

فقال له علي: ولكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي، وخرجت خيل عمرو منهزمة هاربة.

فقال علي عليه السلام:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه
فصددت حين رأيته متجندلاً
وعففت عن أثوابه ولو أنني

 

ونصرت رب محمد بصواب
كالجذع بين دكادك وروابي
كنت المقطر بزني أثوابي

لا تحسبن الله خاذل دينه

 

ونبيه يا معشر الأحزاب

وروى: أن عمراً لما ضربه علي سبه فولَّي عنه علي حين برد غيظه، ثم قتله فنزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك، وقال: لو وزن بها إيمان العالمين لرجح يعني بها ثواب علي عليه السلام.

وعن: النبي -صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لقتال علي عليه السلام عمرو بن ود أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)). رواه أهل التفسير.

وروينا عن عبد الله قال: دخل علي بن أبي طالب يوم قتل عمرو بن عبد ود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيفه يقطر دماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم أتحف علياً بتحفة لم يُتحف بها أحدٌ قبله، ولا يتحف بها أحد بعده))، قال: فهبط جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأتْرُجة فإذا فيها مكتوب سطرين (هدية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب).

وفي ذلك قالت أم كلثوم: -أخت عمرو بن عبد ود -ترثيه وتذكر قتل علي عليه السلام:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله
لكن قاتله من لا يعاب به
يا أم كلثوم بكيه ولا تسمي

 

بكيته ما أقام الروح في جسدي
وكان يدعى قديماً بيضة البلد
بكاء معولة حَرَاَ على ولد[82-ج]

مشى إليه علي يوم قاتله
فحلل الرأس منه يوم قاتله


 

مشي الهلوك بنصل غير متئدي
صافي الجديدة غضباً غير ذي أودي


وروينا من كتاب: أمالي المرشد بالله عن: جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: خرج علي بن أبي طالب عليه السلام يعس العسكر ليلة الأحزاب فشعر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم  فقال: إلى أين يا أبا الحسن. فقال: خرجت حارساً لله تعالى، ورسوله فهما يتخاطبان إذ نزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد الله عز وجل وتقدس أسماؤه يقرئ عليك السلام، ويقول لك: قد أهديت إلى علي بن أبي طالب كلمات من كنوز العرش لا يضره معها كيد شيطان، ولا سطوة سلطان، ولا لسع حية، ولا عقرب، ولا سبع ضار، ولا جبار عات، والكلمات((يا من ستر القبيح وأظهر الجميل ولم يؤاخذ بالجريرة ولم يهتك الستر ويا من رأني عن المعاصي فلم يفضحني أسألك أن تبلغني ما أومله من أمر ديني ودنياي وآخرتي وأن تدخلني في حماتك التي لا تستباح وتحرسني بعينك التي لا تنام وتكنفني بكنفك الذي لا يرام وأن تدخلني في سطانك الذي لا يضام وفي ذمتك التي لا تخفى عز جارك ولا إله غيرك ولا معبود سواك فصلي على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وعد على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي، وذلـله لي كما ذللت الرياح لسليمان بن داود عليه السلام وكفه عن أذيتي واطمس بصره عن مشاهدتي وأبدلني من غله وداً ومن حقده عفواً ومن عداوته سلِماً يا أرحم الراحمين)).

فانظر أرشدك الله إلى هذا الشرف العظيم، كيف أنزل الله فيه أنه كفى المؤمنين القتال به، وكيف اختصه الله عز وجل بهذه الكلمات التي أهداها إليه من كنوز عرشه تعالى، واعترف له بالفضل العدو والولي، وانظر إلى افتخار أم كلثوم بأن أخاها لا يعاب بقتل علي عليه السلام له مع كون عمرو من الشجاعة بالرتبة العالية فهل ترى للقوم مثل هذا؟ معاذ الله:

وهو مبيدُ مرة وعنتر
إذ قده بالمشرفي الأبتر
فأمسك الباب على يديه

 

ومرحب المشهور يوم خيبر
واقتلع الباب كما الغضنفر
وعبروا الحصن معاً عليه

وكل طرف شاخص إليه
وخصه محمد بالراية
على الذي جاءت به الرواية

 

فهل لديهم مثل ما لديه
تكرمه بهذه الولاية
فظهرت بالباب تلك الآية

وروينا عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عليه السلام قال: حدثنا جابر بن عبد الله قال: شق على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعلى أصحابه ما يقولون من أهل خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأبعثن بالراية أو باللواء رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله قال: لا أدري بأيهما بدأ قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام وإنه يومئذٍ لأرمد فتفل في عينيه، وأعطاه اللواء أو الراية وقال: مر ففتح الله عليه قبل أن يتتام آخرنا حتى ألجائهم إلى قصر.

 قال: فجعل المسلمون لا يدرون كيف يأتونهم.

قال: فنزع علي عليه السلام الباب فوضعه على عاتقه، ثم أسنده لهم فصعدوا عليه حتى مروا، وفتحها الله تعالى عليه، وقال: ونظروا بعد ذلك إلى الباب فما حمله دون أربعين رجلاً.

ولعلي عليه السلام يوم خيبر قتل: مرة، وعنتر، ومرحب قَدَّة من قرنه إلى قربوس سرجه بضربة واحدة رواه أبو سعيد الخدري، وقلع الباب من حصن خيبر حتى قالت صفية: كنت قد أُجلست على طاق كما يجلس العروس فوقعت على وجهي فظننت الزلزلة، فقيل لي لا، هذا علي هز الحصن يريد أن يقلع الباب ثم قلع الباب الحديد بطوله وثقله وتترس به.

وروى بعض العلماء: أنه رمى بالباب أربعين باعاً، ويروى أيضاً أن أهل خيبر كانوا خمسة مراكز في كل مركز أربعة عشر ألفاً.

وفي كتاب: (المراتب): أنه ضرب الكافر على دماغه فقطع الخوصة، والرأس، والحلق وما عليه من الجوشن من قدام، وخلف إلى أن قده نصفين، وليس هذا بالمعتاد من قوى البشر، ولهذا قال عليه السلام: ما قلعت باب بخيبر بقوة غذائية واستطاعة جسدانية، لكن بنفسٍ بنور بارئها مضيه ولم يقوى على حمل الباب ثمانون من أقوياء الصحابة مذكور في كتاب: (المراتب)، وفي ذلك اليوم عممه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده وألبسه ثيابه وأركبه بغلته، ثم قال: امض يا علي، وجبريل عن يمينك، وميكائيل عن يسارك، وعزرائيل أمامك، وإسرافيل، ونصرة الله تعالى فوقك ودعائي خلفك.

فإذا كان عليه السلام بهذه الصفة لم يجرأ أن يصبر عدو الله أبداً بل هل الولي حقاً، إلى غير ذلك من الأخبار التي رواها في ذلك اليوم، آبائنا عليهم السلام وشيعهم رضوان الله عليهم.

ومن ذلك ما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام: من كتب المخالفين لنا، ونحن نرويه عنه مناولة.

 قال عليه السلام: وحديث الراية يوم خيبر رواه ابن حنبل في مسنده، رواه بالإسناد إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي عليه السلام، وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف؛ فقيل: لو سألته عن هذا فسألته عن هذا، فقال صدق رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: بعثَ إلي وأنا أرمد يوم خيبر فقلت: يا رسول الله إني أرمد فتفل في عيني وقال: ((اللهم أذهب عنه الحر والبرد والقُر))، هكذا في الحديث فكان القر معظم البرد أو أعاد ذكره للتأكيد قال عليه السلام: فما وجدت حراً ولا برداً، قال وقال: لأبعثن رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله ليس بفرار قال: فتشوق لها الناس فبعث الله علياً عليه السلام))، ورفعه بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري إلا أنه قال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية فهزها فقال: من يأخذها بحقها فجاء فلان فقال: امض، ثم جاء فلان آخر، فقال: امض. ثم قال: والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلاً، ثم سرد الحديث بغير زيادة.

ورفعه بإسناده إلى عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة، وذكر طرفاً: من حديث خيبر إلا أنه قال: أعطاء اللواء أبا بكر، فانصرف، ولم يفتح، وأصاب الناس يومئذٍ شدة وجهد فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: ثم ذكر الخبر بطوله وزاد فيه.

وقال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها يعني الراية، ورفعه بإسناده إلى أبي هريرة فذكر الحديث من أوله كما ذكرنا، إلا أنه قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذٍ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها إليَّ، فلما كان الغد دعا علياً فدفعها إليه وزاد فيه؛ فقال له: ((قاتل ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك)).

ورواه بطريق أخرى عن أبي بريدة وزاد في حدرثه هذا: قتال علي، ومرحب، وارتجازه، وقتل علي إياه.

ورواه بإسناد إلى سهل بن سعيد عن أبيه، وذكر الحديث بطوله، إلا أنه زاد فيه قول علي عليه السلامظك يا رسول الله: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ ورفعه بإسناده من طريق أخرى إلى أبي هريرة، وذكر وزاد في اللفظ ما لا يخرجه عن المعنى الأول ورفعه من طريق أخرى أبي سعيد الخدري، إلا أنه جعل مكان أمط امض.

ورفعه بإسناده من طريق أخرى إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى، وذكر الحديث ولم يخالف في ألفاظه خلافاً يوجب إفراده بالذكر؛ إلا أنه قال: ((اللهم اكفه أذى الحر والبرد)).

ورفعه بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص وذكر: عطاه الراية في أربع خلال ذكر منها سفيان ثلاثاُ ونسي واحدةً. ذكر فيها حديث الغدير والمنزلة والراية يوم خيبر، ورفعه بإسناده إلى أبي هريرة بطريق أخرى ووسع في لفظ الخبر.

ومن صحيح البخاري في آخر الجزء الثالث منه، رفعه بإسناده إلى سلمة بن الأكوع قال: قال علي عليه السلام تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر وكان به رمد، فقال: أتخلف عن رسول صلى الله عليه وآله وسلم فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان مساء تلك الليلة التي فتحها في صباحها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((لأعطين الراية أو ليأخذن الراية رجل يحبه الله ورسوله أو قال: يحب الله ورسوله يفتح الله تعالى على يده)) فإذا نحن بعلي وما نرجوه.

 فقال: هذا علي فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففتح الله عليه.

ومن الجزء المذكور أيضاً بالإسناد المقدم رفعه إلى سهل وزاد فيه بعد قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم –يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فبات الناس يدوكون دوكاً معناه: يختلطون اختلاطاً، ذكره بن فارس في المُجمل ليلتهم أيهم يعطى فغدوا كلهم يرجوه.

فقال: أين علي.

فقالوا: يشتكي عينيه فدعى له وبرئ، كأن لم يكن به وجع.

فقال: قاتلهم حتى يكونوا مثلنا ثم سرد الحكاية وقص الخبر.

ومن الجزء الرابع أيضاً في ثلثه الأخير في باب: مناقب علي بن أبي طالب بالإسناد المقدم وذكر الخبر، وزاد فيه قال: قال عمر: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنه راض، وقال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)).

ورفعه بإسناده إلى سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلهم يرجوا أن يعطاها.

فقال: أين علي بن أبي طالب.

فقالوا: أشتكى عينيه يا رسول الله.

قال: فأرسلوا إليه فأتي به فلما جاء بصق في عينيه، ودعى له فبرئ كان لم يكن به وجع في عينيه وجع فأعطاه الراية.

فقال: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا.

قال: انفذ على رسلك حتى تنـزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فاخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم)).

وبإسناده المتقدم رفعه بطريق أخرى إلى سلمة بن الكوع([39])، ثم ذكر الخبر بطوله، ومن الجزء الخامس من صحيح البخاري بإسانده رفعه إلى سلمة، ثم سرد الخبر ورفعه إلى سهل بن سعد، وذكر الحديث بطوله.

ومن صحيح مسلم من الجزء الرابع بإسناده إلى عمر بن الخطاب بعد قتل عامر قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب وهو أرمد، وقال: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)).

 قال: فأتيت علياً فجئت به أقوده وهو أرمد حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبصق في عينيه فبرئ وأعطاه الراية.

وخرج مرحب فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب

 

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

 

فقال علي عليه السلام:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

 

كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالسيف كيل السندرة

 

فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.

وبإسناده إلى عكرمة بن عمار وذكر الحديث بطوله، ورفعه إلى بن عباس والخبر طويل، وفي كراس من الجزء المذكور أيضاً من صحيح مسلم بالإسناد المذكور المقدم، ورفعه إلى أبي هريرة وذكر الحديث بطوله إلا أنه قال: سار علي ووقف فلم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فإذا فعلوا كذلك فقد منعو منك دماؤهم، وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.

ومثله رفعه أيضاً بطريقة أخرى وذكر الحديث بطوله، ولم يذكر اختلاف لفظ مخل بالمعنى، ورفعه إلى سلمة بن الأكوع وروى نحواً من ما تقدم.

ومن تفسير الثعلبي في معنى قوله: {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}[الفتح:20] قال: وذلك في فتح خيبر، ورفعه بإسنادٍ قال: حاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر حتى أصابتنا مخمصة شديدة [85-ج] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطا اللواء عمر بن الخطاب فنهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر، فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجبنه أصحابه وبجبنهم.

 وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى الناس، وأخذ أبو بكر راية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -ثم نهض يقاتل، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أما والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة وليس ثمة([40]) علي.

فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر ورجال من قريش رجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك؛ فأرسل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –سلمة بن الأكوع إلى علي عليه السلام فدعاه فجاءه على بعير له، حتى أناخ بالقرب من رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وهو أرمد،، وقد عصب عينيه بشقة برد أفِطْري.

 قال سلمة: فجئت أقوده، وهذا الحديث يدل على أن عمر قاده بعض المسافة وسلمة بعضها. قال: فأتيت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -: مالك.

قال: رمدت.

قال: ادن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما اشتكى وجعها([41]) حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بالراية، وعليه خلعة أرجوان حمراء، وقد أخرج كميها فأتى مدينة خيبر، فخرج مرحب وعليه مغفر مصفر وحجر، قد نقبه مثل البيضة وهو يرتجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب

 

شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحياناً وحيناً أضرب

 

إذا الحروب أقبلت تلهب

إن حماي للحمى لا يقرب

 

فبرز عليه رضوان الله عليه وقال:

أنا الذي سمتني أمي حيدره

 

كليث غابات شديد قسورة

أكيلهم بالسيف كيل السندرة

 

فاختلفا ضربتين فبادره علي عليه السلام بضربة فقد الحجر والمغفر وفلق رأسه، حتى أخذ السيف في الأضراس وأخذ المدينة وكان الفتح على يديه.

وقد روى([42]) ابن المغازلي، الفقيه الشافعي في مناقبه بأسانيد كثيرة وطرق جمة، وقال في بعض ذلك: لما ولدت فاطمة بنت أسد رحمة الله عليها علياً عليه السلام سمته أسد باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب كره ذلك وسماه علياً، فلما ارتجز علي عليه السلام ذكر ما سمته أمه به، وحيدره: من أسماء الأسد والسندرة: شجر يعمل منه القسى يحتمل أن يعمل منها مكاييل جائزة أو تكون السندرة: أمرأة تكيل كيلاً وافياً فمثل به.

وقد قيل نشارة العيدان، وكرره في مناقبه بزيادات مفيدة وهي: بحمد الله لمن طلبها موجودة وميلنا إلى الإختصار.

ومن الجمع بين الصحاح الستة لأبي الحسن بن رُزين من الجزء الثالث في ذكر غزوة خيبر من صحيح الترمذي رفعه بإسناده إلى سلمة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي عليه السلام وهو أرمد فقال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وتلا الخبر بطوله، وفيه بالإسناد المتقدم رفعه إلى سهل بن سعد عن أبيه، وذكر الخبر.

وروينا من مناقب ابن المغازلي، وليس من روايتنا عن: المنصور بالله عليه السلام، رَفْعُه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان أرسل عمر بن الخطاب إلى خيبر هو ومن معه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبات تلك الليلة ومعه([43]) من الغم غير قليل.


 فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال: ((لأعطين الراية اليوم رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله غير فرار فتعرض لها جميع المهاجرين والأنصار، فقال: رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: أين علي.

 فقالوا: يا رسول الله هو أرمد فأرسل إليه أبا ذر وسلمان، فجاء وهو يقاد لا يقدر أن يفتح عينيه ثم قال: ((اللهم اذهب عنه الرمد، والحر والبرد، وانصره على عدوه، وافتح عليه فإنه عبدك ويحبك ويحب رسولك غير فرار، ثم دفع الراية إليه فأستأذنه حسان بن ثابت على أن يقول فيه شعراً فقال: قل، فأنشأ يقول:

وكان علي أرمد العين يبتغي
شفاه رسول الله منه بتفلة
وقال سأعطي الراية اليوم صارماً

 

دواءً فلما لم يحس مداويا
فبورك مرقياً وبورك راقيا
كميئاً محباً للرسول مواليا

فأصفى بها دين البرية كلها
يحب إلهي والإله يحبه

 

علياً وسماه الوزير المؤاخيا
به يفتح الله الحصون اللوابيا

ولنرجع إلى قول المنصور بالله عليه السلام.

 قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فقد رأيت هذه الآثار وما فيها من الدلالة القوية، والفضيلة العظيمة، التي تميز بها عن([44]) الصحابة رضى الله عنهم، وهم خير الأمة.

فكان خيار الخيار؛ وفي الخبر دلالة على العصمة والقطع على المغيب، وأن الباطن منه عليه السلام مثل الظاهر، وأنه الآخذ صفوة الفوز العظيم، لأنه تعالى ذكر في آخر سورة([45]) البشرى {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:111]، فما بعد ذلك من ملتمس، وقد نطق القرآن بلفظ المحبة. –فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف:4]؛ وكان أثبت البنيان قياماً، وأصدق الفرسان صداماً، ثم ذكره تعالى بصيغة أخرى في قوم نكلوا عن الجهاد، أو خيف منهم ذلك: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:54].

ثم ذكر([46]) ذلك في تمام الآية بقوله تعالى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54].

قال عليه السلام: فإذا تقرر ذلك، وقد علمنا أن أحداً لا يبلغ إلى منزلته في الجهاد ولا كاد -فلو لم يكن قد ورد نص في تفضيله والثنناء عليه من الله تعالى ورسوله مصرحاً لاستدلالنا على فضله وتقديمه على الجميع بتقدمه في الجهاد، وعنايته في الدين -كيف وقد صرح رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم بمحبته ومحبة الله تعالى له، تم كلامه عليه السلام

وقد دخل تحت هذه الجملة المتقدمة كلها ما تضمنته أبيات الأرجوزة المتقدمة في قصة خيبر؛ فتأمل أيها الطالب للنجاة هذا الموقف المشهور بالفضل والكرامة تصب رشدك إن شاء الله تعالى.

وهاك في يوم حنين معرفة
عشرين مع أربعة مؤلفه
حتى أتاهم مدد السماء

 

قاتل بالقوم([47]) الوفاء مردفه
وانهزم القوم فصفهم بالصفة
وكان يوماً عسيراً اللقاء

والقوم قد ولوا عن البوءساء
هناك زاغت منهم(
[48]) الأبصار
فيما قط كأنه نيار

 

لما رأوا من نجدة الأعداء
ومنحت يوم الوغاء الأدبار
تُجذ من أعدائه الأعمار

أما صبره عليه السلام يوم حنين: فإنه عليه السلام لما انهزم القوم([49]) المسلمون، وقف في وسط الكفار يحمي على زبير ويحمل عليهم، ويقاتل أربعة وعشرين ألفاً إلى أن نزل الملائكة عليهم السلام مدداً وهزم القوم.

وروينا عن الناصر للحق عليه السلام رفعه إلى المعلى عن: المنتجع بن قارظ النهدي أن أباه حدثه وكان جاهلياً، قال: شهدت هوازن يوم حنين، وكنت أمراً ندباً يسودني قومي، ولقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت في عسكره رجلا لا يلقاه قِرن إلا دهداه، ولا يبرز له شجاع إلا أراده؛ فصمد له وبرز له الجلمود بن قريع، وكان والله ما علمته جؤشي القلب، شديد الضرب فأهوى له الرجل بسيفه فأجتلى قحف رأسه فجذب عن أم دماغة؛ فحدث عنه وجعلت أرمقه وهو لا يقصد دكاكة، ولا يؤم إلا صناديد الرجال، لا يدنوا من رجل إلا قتله، وكانت الدائرة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم علينا فأسلمت بعد ذلك فعرفت الرجل فإذا هو: علي بن أبي طالب؛ وتالله لقد رأيت زنده فخلته أربع أصابع وإن خنصره كآخر مفصل من مرفقة.

وفي ذلك اليوم انهزم المشائخ وولوا الأدبار، وعصوا الله ورسوله ؛ وفي ذلك اليوم يقول العباس بن عبد المطلب في شعره:

نصرنا رسول الله في الحرب سبعة
وثامننا لاقى الحمام بسيفه

 

وقد فر من فر منهم فأقشعوا
بما ناله في الله لا يتوجع

وذكر أهل العلم أن السبعة: علي بن أبي طالب، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.

هؤلاء يضربون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس آخذان بشكيمة بغلته.

 هؤلاء هم السبعة، والثامن الملاقي الحمام بسيفه هو ابن أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو: أيمن بن عبيد الله أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستشهد في ذلك اليوم فيما روى فكان أبو بكر، وعمر، وعثمان فيمن أسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجا بنفسه فأنزل الله فيهم:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة:25،26]؛ فنزلت السكينة على المؤمنين دون من أسلم رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- لعدوه ونجا منه فكيف تكون الخلافة لمن هذه حاله؟ حاش لله بل بنو هاشم أهل الصبر والنجدة أولى بها من تيم وعدي وأمية؛ وقد روى أنه صبر مع الثمانية غيرهم من بني هاشم، ولم يذكر العباس إلا الثمانية، وعلى كل حال فالصابرون المذكورون من بني هاشم بلى أنه قد روى أن فيهم الزبير، وأرجوزة أبي سفيان بن الحارث في ذلك، تدل على أنهم من بني هاشم لا غير وهي أرجوزة طويلة منها:

إن ابن عم المرء من أعمامه
بنو أبيه قوة من قدامه
وإن هذا اليوم من أيامه

 

والعم كالوالد في اهتمامه
ومن مواليه ومن إهظامه(
[50])
والقوم لا يعذر في إسلامه

أخي الذي قد ذب عن مقامه
وإنما النجدة في أقدامه

 

حافظ ذا العهد على ذمامه
والعار والسبة في إسلامه

 والموت خير للفتى من ذامه

 

وكلما قال كلمة بُلغوها منه وضاربوا من دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان الفتح فانظر أرشدك الله بعين الإنصاف، أي مساواة أو مشاركة بين القوم متى كان للريب في ذلك معمل أو للشك مدخل.

وهو الذي رمى به الأبطال
حصناً به سلاسل ثقال
فجذ بالسيف وتين السلسلة

 

بالمنجنيق حيث لا اتصال
وقُضُبٌ بيض لها اشتعال
بضربه واحدة هيهات له[88-ج]

والمرهفات كالنيار المشعله

 

والموت مُلقى في المواضي المعملة

نريد بذلك ما روينا أنه عليه السلام: رمى به أصحابه إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق، ونزل على حائط الحصن، وكان الحصن قد شد على حيطانه سلاسل فيها غرائر من تبن وقطن حتى، لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمى إليها الحجر؛ فمر في الهواء عليه السلام والترس تحت قدميه، ونزل على الحائط، وضرب السلسلة ضربة واحدة فقطعها وسقط الغرائر وفتح الحصن، حتى يقول قصاص الشيعة أنه عليه السلام شارك إبراهيم صلوات الله عليه في الرمي به في المنجنيق ورمي بإبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو مشدود مكره وعلي مختار وإبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى النار، وعلي إلى السيوف وسلمهما الله تعالى جميعاً، وليس للقوم مثل هذا ولا ما يدانيه، ولا خلاف في ذلك.

واسمع حديث أسد الأبطال
وهو يجيل فرس القتال
فأوجب الرسول ذو العلامة

 

حيث دعا في الجيش للنزال
بين الصفوف ويدير العال(
[51])
من بعده الجنة والإمامة

لمن يسوق نحوه حِمَامه
فأحجم الأبطال والأقران
وغردت عن بأسه الشجعان

 

مبارز يسلبه أيامه
وكاع عن لقائه الفرسان
حتى كانهم(
[52]) كلهم جبان

وبرز بن عمه ضمأنا
فضرب الرأس فما استكانا
وطار لب بأسه والفتك

 

إلى البراز سغباً جذلانا
بل بلغ السرج به عيَانا
وانهزمت جموع أهل الشرك

وفاز بالموعود ربُ السفك

 

وارتفعت ثمة وجوه الشك

أما ما ذكرناه هاهنا من حديث أسد وقتله؛ فذلك لما روى الناصر عليه السلام بإسناده إلى عبد الله بن أنيس قال: برز يوم الصوح أسد بن غويلم فاتك العرب بحبل فرسه ويدير رمحه وهو يقول:

وجرد سعال
وسمر عوال
كأساد ديس

 

وزغف مدال
بأيدي رجال
وأشبال خيس

غداة الخميس
يجيد الضراب
أمام العقاب

 

ببيض صقال
وحز الرقاب
غداة النزال

يكيد الكذوب
وتروى الكعوب

 

وتجري الهبوب
دماً غير آل

ثم سأل البزار فأحجم الناس معاً فقال رسول الله -­صلى الله عليه وآله وسلم: ((من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة والإمامة من بعدي، فأحجم الناس؛ وقام علي تهزه العروى.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ذا القبقب مالك.

قال: ضمأن إلى البراز سغب إلى القتال.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نحن بنو هاشم جود مجد لا نجبن، ولا نغدر، وأنا وعلي من شجرة واحدة لا يختلف ورقها، اخرج إليه ولك الإمامة من بعدي؛فخرج وضربه في مفرق رأسه والناس ينظرون فبلغ سيفه إلى السرج وحز نصفين، وانهزم المشركون وآب عليه السلام يهز سيفه وهو يقول[89-ج]:

ضربته بالسيف وسط الهامة
فبتكت من جسمه عظامه
 أنا علي صاحب الصمامة

 

بشفرة صارمة خذامه
وبينت من أنفه إرغامه
وصاحب الحوض لدى القيامة

أخو نبي الله ذي العلامة
أنت الذي بعدي له الإمامة

 

قد قال إذ عممني العمامة
أنت أخي ومعدن الكرامة

وفي حديث عبد الله بن أنيس قال شهد: بالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بالصوح وقد برز أسد بن غويلم فاتك العرب، ثم سرد الخبر حتى قال: فخرج علي بن أبي طالب نحوه؛ فأتبعه الناس بأبصارهم، حتى ضربه بالسيف في مفرق رأسه فمر السيف في المفرق والقمة وطرف الفودين إلى القمحدؤه والبقرة([53])، والجبهة على الإستواء في الأسارير إلى فرق الحاجبين مع قصبة الأنف، والمأرن، والحاجز، والشفه العلياء، وفرق الثنيتين، والرباعيتين، والشفه السفلى مع الذقن، جارية في الفهاق، والعنق قاطعة الحلقوم، واللبة واقعة في الترائب، والحقا، فاصله لعرق النياط، قاطعة الحناجر، والحشوة إلى مقدم السرج ومؤخرته، فخر نصفين فكأنما([54]) خطفه الطير وهوت([55]) به الريح، وهز عليه السلام سيفه وحمل على المشركين فأنهزموا وآب راجعاً وهو يقول: ضربته بالسيف وسط الهامه ثم سرد الأبيات.

فلينظر العاقل إلى هذه الشجاعة العظمى والإقدام الباهر والفعل الحسن، والنص الصريح بالإمامة له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وكم كمي مستميت أسره
وهو مسمى في الكتاب قسوره

 

وكم وكم مبارز قد أعثره
والظالمون حمر مستنفره

مثل ابن معد كرب الزبيدي
وخدعة يوم الوغى وكيد

 

وكان ذا بسالة وأيدي
أسره الصديق أسر الصيد

ومثل ما حل يبرز كأنه
فهل تراهم بلغوا مكانه

 

أسره من بعد أن أهانه
أين السماء من رافع بنانه

أما ما أجملناه هاهنا من شجاعته عليه السلام، وذكر من أسره من الشجعان وأعثره من الأقران فهو ما ظهر واشتهر، ولم ينكره أحد بل شهد به البعيد والقريب، واشتهر([56]) به البغيض، والحبيب، ولا يمكن إحصاؤه في مثل هذا الموضع.

 وأما أسر عمرو بن معدي كرب الزبيدي.

ففي ذلك ما روى الناصر للحق عليه السلام في الإمامة قال: وهو الذي أسر عمرو بن معدي كرب الزبيدي فارتك([57]) العرب غير مدافع وأتى به –عليه السلام-([58]) وعمامته في عنقه، ثم خلى عنه فأسلم بعد ذلك يوم ذات الأباطل، وكذلك أسر برز كأنه أشجع العرب.

ومن مقاماته عليه السلام: قتل عامر بن الطفيل أحد شياطين الإنس وأدرك منه ثأر المسلمين. رواه الحاكم رحمه الله.

ولو رمنا إحصاء ما يتعلق بهذا الباب لتعذر علينا، وإنما اعتمدنا ذكر طرف من ما اشتهر خبره من المواقف المشهورة والمقامات المأثورة التي كان بها الفوز العظيم والثواب الجسيم.

وأما قولنا: وهو المسمى في الكتاب قسورة فذلك لما روى من سابقته في الجهاد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج من بيته وأحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتى أورموا قدميه وكعبيه وعرقوبيه؛ فخرج عليهم علي عليه السلام كالأسد وطردهم.

قال الراوي: سألنا: من هذا وهؤلاء، وهذا الفتى؟

 فقالوا: هذا محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- يدعي النبوة، وهؤلاء أحداث قريش يؤذونه.، وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام بن عمه يحامي عنه، ويقاتل دونه فأنزل الله تعالى [90-ج]فيه وفيهم: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}[المدثر:50،51] شبهه تعالى بالأسد، وشبههم بحمر الوحش.

ألم يقل فيه النبي المنتجب
وكم وكم جلى به الله الكرب

 

قولاً صريحاً أنت فارس العرب
فاعجب ومهما عشت عانيت العجب

وروينا عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يا علي أنت فارس العرب، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين وأنت أخي ومولى كل مؤمن ومؤمنة وأنت سيف الله الذي لا يخطئ وأنت رفيقي في الجنة)) فما تقول أيها الطالب المماثلة بينه وبين القوم، والمفاضلة فيمن شهد له الرسول بأنه فارس العرب وأنه سيف الله الذي لا يخطئ!

هل له في القوم مشارك في ذلك أو مقاسم فيما هنالك؟

إن في هذا وأمثاله لبلاغاً لمن آثر الأخرة، وأطرح الحاظرة فلم يكن من أرباب الصفة الخاسرة:

وأسمع أحاديث بلفظ الباب
ولا تلمني بعد في الإطناب

 

في العلم والحكمة والصواب
في حب مولاي أبي تراب

أما الأحاديث التي جاءت بلفظ الباب، فمن ذلك ما روى عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -أنه قال: ((من سره أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنة بغير حساب فليتول وليي ووصيي وصاحبي وخليفتي على أهلي: علي بن أبي طالب، ومن سره أن لا يلج الجنة فليترك ولايته فوعزة ربي وجلاله أنه لباب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وأنه الصراط المستقيم، وأنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة.

ومن ذلك ما روينا بإسناده إلى ابن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنا مدينة الجنة وعلي بابها فمن أراد الجنة فليأتها من بابها)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب)).

وفي حديث آخر: ((أنا مدينة الحكمة وعلي بابها)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإسناد آخر أنه قال: ((يا علي أنا مدينة العلم وأنت الباب كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من قبل الباب))

وروينا عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أنا دار الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت بابها))

وروينا عن ابن المغازلي، الشافعي بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري

 قال: سمعت رسول- الله صلى الله عليه وآله وسلم- يقول وقد مد صوته: [ ]((أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي- إلى ما رفعه إلى حذيفة- عن: علي عليه السلام

قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: [ ]((أنا مدينة العلم وعل بابها ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها)).

ومنه أيضاً رفعه إلى الحسين بن علي عن: (علي عليهما السلام)([59]) قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: [ ]((أنا مدينة العلم وأنت الباب كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من الباب))؛واعلم أرشدك الله أن الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- ما قال في أحد من الصحابة مثل هذا فإذا كان أمير المؤمنين –عليه السلام- باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وباب الجنة وباب العلم والحكمة؛ وقد نهانا الله أن نأتي البيوت من ظهورها، فقال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}[البقرة:189]، وقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من قبل الباب))، علمت أنه لا سبيل لأحد منهم وممن بعدهم إلى السلامة إلا من دخل من هذا الباب الذي أغلقه الناس، وقالوا: بتقديم غيره، إلا من أخذ الله بضبعة إلى التوفيق، وقليل ما هم، فإن في ذلك إشارة إلى أنه الإمام بلا فصل.

وأما تسميته عليه السلام بأبي تراب: فهو لقب مكرمةٍ، ونحن نروي في سببه وجوهاً

أحدها: أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان في القوم فنزل الناس ونزل علي عليه السلام وعمار تحت شجرة وباتا على التعب([60]) ورؤوسهما على الدرق؛ فلما جاء وقت الصلاة تقدم الرسول إليه وإلى عمار وهو يقول: الصلاة فانتبه عمار.

فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: يا عمار أتحب هذا.

قال قلت: نعم هو أحب إلى من نفسي.

فقال: أين تكون يا عمار إذا أخظبت هذه من هذا وأشار إلى رأسه ولحيته؛ فلما فرغ وقد تترب وجهه قال –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((قم يا أبا تراب)) فصار لقباً والأعداء طلبوا من ألقابه وأساميه ما غمض ليلقبوه عليه بذلك فلم يجدوا غير هذا.

والثـاني: ما روى أنه سئل الحسن بن علي عليهما السلام: لم سمي أمير المؤمنين عليه السلام أبا تراب وكنى به.

 فقال: علي الخبير والله سقطت كان أمير المؤمنين يصلي على كثيب من الرمل وهو يعفر خديه فرأه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن الله تعالى يباهي -من يصنع كصنعه- الملائكة عليهم السلام والبقاع تشهد له؛ فكان أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذا لا يتركه في سفر ولا حضر بل يفعله عند كل صلاة من، نفل وفرض وتطوع واستسقاء وعيد وكسوف([61]) وخوف، وكان يعفر خديه ويطلب الفريب من البقاع لتشهد له يوم القيامة؛ فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأه والتراب في وجهه يقول: يا أبا تراب افعل كذا ويخاطبه بما يريد.

والثـالث: ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى سهل بن سعد قال جرى بين علي وفاطمة عليهما السلام كلام، فخرج علي عليه السلام فألقى نفسه على التراب فسألها النبي –صلى الله عليه وآله وسلم –فقالت: كان بيني وبينه شيئ فخرج رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فوجده نائماً على التراب فأيقظه وجعل يمسح التراب عن وجهه([62]) ويقول: إنما أنت أبو تراب.

 قال سهل: فكنا نمدحه بهذا فإذا ناس يعيبونه.

قال السيد الإمام أبو طالب رضى الله عنه: سمعت كافي الكفاة: إسماعيل بن عباد نفعه الله تعالى بصالح عمله غير مرة إذا جرى ذكر هذا الخبر ينشد للسوسي الشاعر، ويترحم عليه، ويقول لم يخرج هذا الكلام إلا من قلب مخلص في مولاة أمير المؤمنين عليه السلام:

أنا وجميع من فوق التراب

 

فداء تراب نعل أبي تراب

والقصيدة طويلة وهذا أولها: وقال أيضاً فيه:

أقضاكم علي
ومثله غيبة علمي والغيلي

 

ومثله أعلمكم عن النبي
أنى يكون هكذا غير الوصي

روينا عن بن عباس عن النبي -صلى الله عليه وله وسلم- أنه قال: ((أقضى أمتي بكتاب الله علي من أحبني فليحبه فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي عليه السلام)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: في آخر حديث في أصحابه: ((وأقضاكم علي وقال مرة: إني أقراؤكم وعلي أقضاكم).

فانظر كيف ذكره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ القضاء الذي يشتمل على العلوم كلها، ليتم فيه كونه أقضا إذ لا يكون المرء قاضياً إلا وهو من أهل الإجتهاد عالماً بأصول الدين وما يقاس عليه، وما لا يقاس، وعالماً بالنصوص، فإذا كان عليه السلام أقضا الأمة فهو أعلم الأمة.

قال قاضي القضاة: وقد جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخبر لعلي ما فرقه في الصحابة من حيث أن القضاء يشتمل على معرفة الفرائض التي جعل زيداً هو الأفضل فيها وعلى معرفة الحلال والحرام الذي جعل معاذاً هو المتقدم([63]) فيها.

وذكر أبو هاشم: أنهم لا يدافعون أن علياً أعلم القوم حين ذكر هذا الخبر وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((علي أقضاكم)).

وروينا من مناقب بن المغازلي الفقيه، الشافعي ما رفعه إلى علقمة عن عبد الله: قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسئل عن علي عليه السلام فقال: ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى علي تسعة أجزاء والناس جزءً واحد)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((علي أعلمكم علماً)).

وروينا عن أبي ذر رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((وصيي وأعلم من أخلف من بعدي علي بن أبي طالب)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((علي غيبة علمي)).

وجاء بهذا اللفظ في أحاديث كثيرة منها ما يأتي بعد إن شاء الله تعالى.

ومن كتاب: (الحياة) لإسحاق بن أحمد بن عبد الباعث رحمه الله، مارواه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -في بعض خطبه من قوله: ((يا أيها الناس إن أعلم الناس بالقضاء والسنة بعدي علي بن أبي طالب فأكرموه لكرامتي وأحبوه لحبي فإنه وصيي وقاضي ديني وخير من أترك بعدي في أهلي))؛ وعن بن عباس قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام ينشد كثيراً.

إذا المشكلات تصدين لي
ولست بامعة في الرجال
ولكنني مدرة الأصفرين

 

كشفت حقائقها بالنظر
أسائل هذا وذا ما الخبر
أقيس بما قد أتى ما عبر

ألم يكن دون الرجال حجة
وعلمهم في علمه كالمجة
أحاط بالتوراة والإنجيل

 

نيره واضحة المحجة
فما تكون مجه في لجه
وبالزبور يا ذوي التفصيل

علماً وبالقرآن ذي التنـزيل
بل أيهم قال له الحق معه
هل جمع القوم الذي قد جمعه

 

في قوله المصدق المقبول
وهو مع الحق الذي قد شرعه
من علمه بخ له ما أوسعه

أما قولنا: أنه عليه السلام حجة وأن أعلمهم في علمه كالمجة: فاعلم أرشدك الله أن العترة مجمعة على أنه عليه السلام كان أعلم الصحابة، وإجماعهم حجة كما تقدم بيانه، ولا أشكال أيضاً في كونه أعلم بلا إشكال في أنهم لا يدانوه في ذلك لأنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد، وكان يكتب وحيه ومسائله ويسمع فتاويه، ويسأله ويأخذ عنه.

 وروينا عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد رأى علياً مقبلاً فقال: ((أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة)).

وروينا من مناقب الفقيه ابن المغازلي ما رفعه إلى أنس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرأى علياً مقبلاً فقال: ((أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة)).

فأما قولنا: أحاط بالتوراة والإنجيل إلى آخر البيت، ففي ذلك ما رويناه عنه عليه السلام أنه قال على رأس المنبر، بحضرة المهاجرين والأنصار، وأشار إلى بطنه كيف مُلئ علماً لو وجدت له طالباً فوالله لو كسرت أو قال: ثنيت لي وسادة لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، حتى ينادي كل كتاب هذا حكم الله في)).

وروى الناصر للحق عليه السلام بإسناده عن زاذان عن بن عمر عن علي عليه السلام أنه قال: والله لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة يتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتى يذهبوا إلى الله تعالى، وما من آية نزلت في بر ولا بحر، ولا سهل ولا جبل، ولا سماء ولا أرض، ولا ليل ولا نهار، إلا وأنا اعلم فيمن نزلت وفي أي شيء نزلت، وما من رجل من قريش إلا جرن([64]) عليه المواشي إلا وأنا أعلم أي آية نزلت فيه تسوقه إلى جنة أو إلى نار؛ وهذا الخبر مشهور عند أهل النقل، وقد طعن فيه أبو هاشم بأنه لا يصح الحكم بغير القرآن، وهذا حيف من أبي هاشم، وميل عن علي أمير المؤمنين، وتعصب وحمية على المذهب الفاسد، وإلا فالله سبحانه وتعالى قد رد قوله قال عز وجل: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:43،44].

فالله تعالى أوجب أن يحكم بالتوراة، وإنما لا نرجع إليها؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم قد حرفوا فيها فلا يمتنع أن علياً عليه السلام إنما قال ذلك لأجل أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أعلمه بما غيروا وما لم يغيروا.

وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: دعاني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ليبعثني إلى اليمن قاضياً.

 فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم ذوي أسنان وأنا شاب حدث لا علم لي بالقضاء قال: ثم وضع يده على صدري ثم قال: إن الله عز وجل مثبت لسانك وهادي قلبك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي للأول حتى تسمع قصة الآخر فما شككت في قضاء بعد ذلك.

وهذا الخبر مشهور وفيه دلالة على أنه أعلم الصحابة لأن دعاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم – مستجاب.

 وروينا [ ] عنه عليه السلام بإسناده إلى إسماعيل بن أبي خالد ذكر مرة عن قيس ومرة عن عامر الشعبي قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن بن مسعود.

 فقال: قرأ القرآن ووقف عنده وأحل حلاله وحرم حرامه، وسئل عن حذيفة، فقال: أسر إليه علم المنافقين طلب علما فأدركه، وسئل عن أبي ذر، فقال: وعاءً مُلئ علماً وقد ضيعه الناس، وسئل عن عمار، فقال: مؤمن ينسى وإذا ذكر تذكر قد ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، وسئل عن سلمان، فقال: أدرك العلم الأول والآخر، وهو بحر لا ينزح، وهو منا أهل البيت، وسئل عن نفسه، فقال: إياها أردتم كنت إذا سكت أبتديت، وإذا سئلت([65]) أعطيت وإن بين هاتين الدفتين([66]) يعني اللحيتين([67]) لعلماً جما)).

وأما قولنا: بل أيهم قال له الحق معه……إلى آخر ذلك، ففي ذلك ما روينا عن [ ] شهر بن حوشب قال: كنت عند أم سلمة إذ استأذن رجل فقيل له من أنت.

قال: أنا أبو ثابت مولى علي.

فقالت أم سلمة: مرحباً بك يا أبا ثابت ادخل فدخل فرحبت به، ثم قالت له: يا أبا ثابت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها.

قال: تبع([68]) علي بن أبي طالب.

فقالت: وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((علي مع الحق والقرآن والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا على الحوض)).

وروينا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((علي مع الحق والحق مع علي، وقال: ((إذا اختلفتم في شيئ فكونوا مع علي بن أبي طالب، وقال: ((إنه هادي مهتدي)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ألا أخبركم بمن إذا اتبعتموه لم([69]) تهلكوا، ولم تضلوا.

قالوا: بلى.

قال: علي بن أبي طالب - وعلي عليه السلام إلى جانبه- فقال: وازروه وناصحوه وصدقوه، ثم قال جبريل عليه السلام: أمرني بالذي قلت لكم)).

وروينا عن سلمان أنه قال: قَلَّ ما اطلعت على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وعنده علي عليه السلام إلا ضرب بين كتفيه؛ فقال يا سلمان: هذا وحزبه هم المفلحون.

وروينا عن أبي سعيد الخدري عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: أنه رأى علياً عليه السلام فقال: ((الحق مع ذا، الحق مع ذا)).

وروينا عن علقمة بن قيس، والأسود بن بريد قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري.

فقلنا: يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنبيه إذا أوحى إلى راحلته فبركت على بابك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضيفاً لك فضيلة من الله فضلك بها، فأخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب.

 قال أبو أيوب: إني أقسم لكما لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معي في هذا البيت الذي أنتما فيه، وما في البيت غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي جالس عن يمينه، وأنا جالس عن يساره، وأنس بن مالك قائم بين يديه، إذ تحرك الباب فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - يا أنس انظر بالباب، فخرج أنس ونظر فقال: يا رسول الله هذا عمار، فقال -صلى الله عليه وآله وسلم: افتح لعمار الطيب المطيب.

ففتح أنس الباب، فدخل عمار، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحب به ثم قال: يا عمار إنه سيكون من بعدي في أمتي هنات حتى يختلف السيف بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا، وحتى يتبراء بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني يعني: علي بن أبي طالب.، فإذا سلك وادياً وسلك الناس وادياً، فاسلك وادي علي، وخل عن الناس يا عمار، ثم إن علياً لا يردك عن هداً، ولا يدلك على رداً، يا عمار: طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله عز وجل.

فإذا كان الحق أيها المسترشد معه والقرآن، وهو معهما، وكانت طاعته طاعة الله عز وجل، وقد علمنا أنه تخلف عن بيعة([70]) القوم، وكان سباقاً إلى الخيرات كانت إمامتهم غير صحيحة، ولا اعتداد بقول من يقول أنه أقام مدة، ثم بايع لأبي بكر لأن الذين رووا بيعته لأبي بكر وعمر قرنوا ذلك بالإكراه، والوعيد فلا اعتبار به إن صح، ولا بد من القول بما ذكرنا أو القول بكذب رسول الله -- صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر به، ولن يكون ذلك مع صحة نبؤته، وصدقه في ادعائه لذلك.

هذا وقد علمنا أنه ليس في الأمة من قوله حجة كقول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم –وفعله وتركه، كما يكون فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى علي عليه السلام

؛وربما قيل أن الرسول لا يجوز أن يخطيء فيما طريقه الدين، ولا يسهوا ولا يرتكب الصغيرة والصغيرة تجوز على أمير المؤمنين، وهذا ليس بمعتمد فإن العترة مجمعة على أنه عليه السلام حجة في الدين كله وإجماعهم حجة على ما تقدم، وقد أكد ذلك قول الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم –((علي مع الحق والحق معه)).

وقوله: ((إذا اختلفتم في شيئ فكونوا مع علي بن أبي طالب، وقوله: ((إنه هادي مهتدي)). إلى ما أشبه ذلك من الأحاديث الدالة على أنه عليه السلام: لا يخطئ وأنَّ قوله حجة، وآية التطهير قاضية بذلك، وإذا كان تعالى قد طهره من الرجس؛ فالرجس يقع على الكبيرة والصغيرة، فيجب أن يكون كله قد ذهب عنه وذلك يقتضي أن يكون قوله حجة.

ويدل عليه أيضاً: خبر المنزلة فإن من منازل هارون من موسى عليه السلام أن قوله حجة، ويدل عليه أنه قد ثبت عصمته فيجب أن يكون قوله حجة.

 فأما الإجتهاديات المتعلقة بالرأي لا في الدين فإنه يجوز خلاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيها، وخلاف علي عليه السلام جميعاً.

 دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد النزول يوم بدر دون الماء في بطن الوادي قال له أصحابه: ((إن كان نزولك هذا عن وحي نزل فالسمع والطاعة، وإن كان عن رأي رايته فليس هذا منزل مكيدة، فقام وارتحل وترك اجتهاد نفسه)).

وقال أصحابنا: إن اجتهد النبي في الدين لم يسع مخالفته، كذلك إذا اجتهد أمير المؤمنين عليه السلام في الدين، لم يُسوغ خلافه، كان ذلك حجة، وإذا لم يقطع بأنه دين وسوغ الخلاف لمن خالفه فإنه يسمع خلافة، لأنه سوغه، وهو حجة فتحريم المخالفة وتحليلها فيما يفتي به في الدين موقوف عليه:

وهل علمت مثله خطيباً
أو بادياً في العلم أو مجيباً
وهو يقول عَلِمَ التنـزيلا

 

منهم وإلا ناظماً غريبا
أو واعظاً عن خشية منيبا
متى وفيمن نزلت نزولا

آياته إذ فصلت تفصيلا
وعلم المجمل والمفصلا
وما تشابه وكيف أولا

 

يا حبذا سبيله سبيلا
ومحكم الآيات حيث نزلا
وناسخاً منها ومنسوخا خلا(
[71])

أما قولنا: وهل علمت مثله خطيبا، وقولنا: واعظاً منيبا، فله عليه السلام في ذلك ما ليس للقوم إذ هو من الفصاحة بالمحل الأعلى، وله في ذلك كتاب: (نهج البلاغة)، وغيره فإن فيه من الخطب الغريبة، والرسائل العجيبة، والمواعظ الحسنة، والآداب البديعة ما يشفي غليل الصدور، ويوضح ملبسات الأمور فمن، أحب الوقوف على حقيقة الأمر فليقف عليه فليس الخبر كالمعاينة وله عليه السلام من مقامات الوعظ والتذكير ما هو غير مدفوع ولا مجحود.

ولولا خشية الإطالة لفتحنا لك من هذا الباب العجب العجاب، ولكن ميلنا إلى الإختصار خاصة مع كون ذلك معلوماً من حاله عليه السلام.

وأما قولنا: علم التنـزيلا إلى آخر ما ذكرناه في هذا الموضع، فقد قدمنا في ذلك ما رويناه عنه عليه السلام من قوله على المنبر: والله ما نزلت آية في ليل ولا([72]) نهار ولا سهل ولا جبل ولا سفر ولا حضر إلا عرفت متى نزلت وفيمن نزلت وعرفت ناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها ومجملها ومفصلها، إلى آخر الأخبار التي رويناها في هذا الباب.

وروينا في هذا المعنى أيضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والله ما كذبت ولا كذبت ولا نسيت ما عهد إليَّ وأني على بينة من ربي بيَّنها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وإني لعلى الطريق الواضح القطها لقطاً.

وروينا عنه عليه السلام أنه قال: ما نزلت من آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت. إن ربي وهب لي لساناً طلقاً وقلباً عقولا.

وروينا عن أبي الطفيل قال: خطب علي ثم قال: سلوني فوالله لا تسألوني عن شيئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله تعالى ما منه آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبل، فقام بن الكوا فقال: فما الذاريات والحاملات والجاريات والمقسمات؟.

فقال: ويلك تسئل تفقهاً لا تعنتاً: الذاريات: الرياح، والحاملات: السحاب، والجاريات: السفن، والمقسمات: الملائكة عليهم السلام.

قال فما السواد الذي في القمر ما هو؟.

- قال: أعمى سأل عن عميا. أما سمعت الله يقول: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}[الإسراء: 12].

 قال: أرأيت ذا القرنين أكان نبياً أم ملكاً ؟

 قال: لا واحداً منهما، ولكن كان عبداً صالحاً

 فقال: أفرأيت البيت المعمور ما هو؟

قال: ذلك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا([73]) يعودون فيه إلى يوم القيامة

 قال: فمن الذين بدلوا نعمة الله كفراً ؟

 قال: قريش كفيتهم يوم بدر.

 قال: فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ؟

 قال: كان أهل حرور منهم.

وروينا برواية أخرى من كتاب: (سلوة العارفين) في سؤال عبد الله بن الكواله عليه السلام قريباً فما في هذه الرواية إلا أن فيها زوائد فوائد في بعض ذلك منها بعد قوله في الآية: {مبصرة فمحونا آية الليل} بالظلمة التي جعلها في القمر لميز النهار من الليل، ولولا ذلك لما فصل بينهما إذ كانا نورين انفصلا من عند الله.

ومنها: في ذي القرنين لم يكن نبياً ولا ملكاً، ولكن كان عبداً لله أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه، بعثه إلى قوم يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيمن، ثم مكث ما شاء الله، ثم بعثه يدعوهم إلى الهدى، فضربوه على قرنه الأيسر، ولم يكن له قرنان كقرني الثور.

ومنها: أنه زاد فيه فقال: ما هذه القوس التي تظهر في السماء؟

 - قال: هي علامة بين نوح عليه السلام وبين ربه تعالى وهي أمان من الغرق.

وفي هذا الكتاب أيضاً: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لابن الكوا حين سأله عن قوله {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}[الكهف:104]أنت يا ابن الكوا وأصحابك، وذلك أن عبد الله هذا كان متهماً ببغض أمير المؤمنين، إلا أنه يميل إليه لعلمه.

وروينا عن بن المغازلي في مناقبه ما رفعه إلى بن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((أتاني جبريل عليه السلام بدرنورك من الجنة فجلست عليه، فلما صرت بين يدي ربي تعالى كلمني ربي وناجاني فما علمت شيئاً إلا علمته علياً، فهو باب علم مدينتي ثم دعا إليه.

 فقال: يا علي سلمك سلمى وحربك حربى وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي)).

وهو الذي نأمن منه الباطنا
وغيره لا تأمن البواطنا

 

فما يعد في الأمور خائنا
منه بحال فانظر التباينا

قد ورد فيه عليه السلام مما يدل على أن باطنه كظاهره من الآيات والآثار شيئ كثير، ونحن نذكر طرفاً منها هاهنا، وقد تقدم ذكر شيئ منها فيما تقدم من هذا الكتاب، وسيأتي ذكر شيئ منها بعد إن شاء الله تعالى-نحو حديث المنـزلة –وحديث مولى مما يأتي بيانه فمن ذلك قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – لعلي عليه السلام: ((أنت أخي في الدنيا والآخرة )).

وقوله((أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة ))، وقوله((أول الناس وروداً على الحوض الخبر))، وقوله: ((ومنزلك حذى منزلي كمنزل الأخوين)).

وقوله في الحسن والحسين: ((أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)).

وقوله: ((علي مع الحق والحق مع علي)).

وقوله: ((كل حسب ونسب منقطع إلا نسبي وحسبي))، فأخبر أن نسبه وحسبه مع فاطمة عليها السلام لا ينقطع، ولا خلاف أن علياً عليه السلام أفضل منها وخبر الجواز أيضاً.

وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق: ((من يخرج إلى عمرو بن عبد ود وأنا ضامن له الجنة فخرج علي وحمل الضمان بالجنة له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم)).

 وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الصوح في أسد بن غويلم: ((من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنة والإمامة بعدي))، فخرج علي عليه السلام فقتله.

ومثل ما ورد في أخبار الراية وغيرها بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

ومثل قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ}[الأعراف:44]، وقوله: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}[الإنسان:11،12]، وقوله{وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}[الإنسان:21]، وقوله {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ}[الإنسان:21]، وقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} إلى قوله: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}[الإنسان:20-22] على ما يأتي بيانه، ومثل ذلك ما رواه جابر بن عبد الله قال: كنا نقيل في المسجد ومعنا علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عسيب رطب فضربنا به فجفلنا وانجفل علي بن أبي طالب معنا فأدركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ بثوبه، وقال: إنك لست كهيئتهم إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، كأني بك على الحوض بيدك عصاً من عوسج تذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادي عن الماء يقتلك أشقا هذه الأمة كما قتل ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود)).

ومثل ذلك أن الله تعالى أقسم أن لا يعذب. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((قال جبريل: لقد آلا ربنا على نفسه أن لا يعذب علياً بالنار ولا شيعته ولا أحباءه أبداً))، ومثل ذلك قوله -صلى الله عليه وآله وسلم [لعلي عليه السلام]: ((أنت الطريق الواضح وأنت الصراط المستقيم.وأنت يعسوب المؤمنين)) ونحو ما روينا عن بن المغازلي في مناقبه وهو ما روى بالإسناد عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي أنت ذو قرينها وإن لك كنزاً في الجنة فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة )).

فأخبر بأن له كنـزاً في الجنة، وذكر العلماء في قوله: ((ذو قرينها)) ما روى عن علي عليه السلام أنه قال: في ذي القرنين كان رجلاً صالحاً ناصح الله عز وجل فدعى قومه إلى الله فضربوه على قرنه، ثم دعاهم إلى الله فضربوه على قرنه فمات.

فقال بعض العلماء معنى الحديث: أنَّ علياً عليه السلام دعا الناس إلى الله فضربوه على رأسه، فكان بمنزلة ذي القرنين.

 وقال بعضهم قوله: أنت ذو قرينها يعني الجنة أنت فيها بمنزلة ذلك.

وروى في مناقبه أيضاً ابن المغازلي ورويناه عنه ما رفعه إلى ابن عباس قال: نظر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -إلى علي عليه السلام فقال: ((أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني وحبيبي حبيب الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله عز وجل ويل لمن أبغضك)).

إلى غير ذلك مما يأتي من الأخبار الدالة على ذلك فإن إحصأها يتعذر وكلها تدل على القطع على مغيبه وإن باطنه كظاهره ولاحظ للقوم في هذا الباب لأن ذلك يدل على أنه معصوم من الكبائر مقطوع على باطنه، وأنه مع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -دنيا وآخره ولا اعتبار فيهم بما يأتي من الأخبار في مثل هذا المعنى مثل ما قالوا: عشره في الجنة؛ بل قد حمله المعتزلة على أنه خبر عن الحال لأنه قد وجد من طلحه والزبير البغي والفسق وانهزم عمر وعثمان يوم أحد وتركا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وكذلك انهزموا يوم حنين وفيهم المشائخ الثلاثة، ونكثوا بيعة رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم. فإن قيل هو خبر عن العاقبة.

-قلنا ليس في ظاهره هذا بل الظاهر أنه خبر عن الحال أي هم الآن من أهل الجنة، ولا اعتبار أيضاً بقولهم في أبي بكر وعمر أن الرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - قال فيهما: أنهما سيدا كهول أهل الجنة، لأنه ليس في الجنة كهل بل هم جرد مرد، ولا يصح الخبر لمخالفته ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وآله- في هذا، وإن صح فهو خبر عن الحال أي هما الآن سيدا كل كهل يستحق الجنة فلا يدخل في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام لأنه كان أصغر منهم سناً، ولا يدخل الحسن والحسين عليه السلام لكونهما صغيرين فانظر كيف تفرد عليه السلام بهذه المنازل العلية دونهم:[97-ج]:

وناظر الملحد حتى أفحمه
وأضجع الباطل حيث قومه
واذكر من العلم الذي قد جمعا
إذ قال عن بديه فأسرعا

 

وبين الحق له وفهمه
ونوَّر الحق وجلى بهمه
مسألة المنبر فيما سمعا
للمرء صار الثُمن منها تُسعا

أما مناظرته عليه السلام للملحد فهي مذكورة في كتب العلماء، ولم أظفر بتفصيل لها وقت تأليف هذا الكتاب.

وأما المنبرية فقصتها مشهورة وذلك أنه عليه السلام سأله سائل، وهو يخطب على المنبر إذا كان لرجل امرأة وأبوان وابنتان فأجاب عليه السلام: على البديهة فقال: صار ثمنها تسعاً يريد علياً عليه السلام أن يكون للأبوين السدسان، وللإبنتين الثلثان، وللمرأة الثمن عالت الفريضة، وكان للمرأة ثلاثة من أربعة وعشرين وهو الثمن، فلما عالت إلى سبعة وعشرين صار ثمنها تسعاً فإن ثلاثة من سبعة وعشرين هي تسعها وتبقى أربعة وعشرين للإبنتين ستة عشر وثمانية للأبوين، وسوى قيل: أنه قال هذا على وجه الإستفهام أم على قولكم صار ثمنها تسعاً، أو قال: على مذهب نفسه، أو بيَّن كيف يجيئ الحكم على مذهب من يقول بالعول، فإنه يحتاج إلى تبحر في علم الفرائض حتى عرف الجواب والحساب والقسمة، وهذا شيئ لا يأتي القوم بمثله:

أما أبو بكر فهذا قوله
ومثله أي سما تظله
وفي حديث الجاثليق العجب

 

إذ قال أي بلد تقله
 إن(
[74]) كان فيه رأيه وفعله
حل به يوم له عصبصب

وخبر البطريق حيث عطبوا
وعمراً سمع قوله فقد سلك
ألم يقل لولا علي لهلك

 

لولا الذي به تحل([75]) الكرب
طريقه واضحة لنا ولك
هل تستوي سفن النجاة والهلك

عاد إليه خاطياً إذ جعله
أيهما في الفضل حاز أوله
واسمع إلى قضية الأحبار

 

في نحو عشرين ونيف مسألة
بل أي هذين يعد الفضل له
من اليهود فهي في الأخبار

مشهورة من أعجب الآثار
لولا الوصي كان ثمة حاضرا
وأسلموا وكان كل كافرا

 

إذ سألوه وهو غير داري
فصير المشكل صبحاً ظاهراً
بعلمه بورك علماً وافرا

فهل تراهم كالإمام المرتضى
وهو الذي ما شك قط في قضا

 

زوج البتول والحسام المنتضى
من دون تقديمي له(
[76]) جم الغضا

أما ما رويناه عن أبي بكر ها هنا فأردنا بذلك ما روى عنه أنه قال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأئي، وقد علمنا أن المجتهد يلزمه أن يقول في القرآن عند التعارض والتشابه برأيه ورواية الموالف والمخالف عند قوله: اللهم إني أقول في الجد برأيي، فإن أخطأت فمن نفسي وإن أصبت فبتوفيقك، هل يستوي هذا ومن يقول سلوني قبل أن[98-ج] تفقدوني على المنبر فأين يكون هذا من أمير المؤمنين مع علمه بالتوراة والإنجيل والزبور، والفرقان، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه والمجمل والمفصل، وفيمن نزل ذلك وكم ذا يُعَدُ من علمه عليه السلام ومعرفته وفهمه.

وقد روى بعض أهل العلم أن أبا بكر ما كان يحفظ القرآن والله تعالى قد جعل الأحكام فيه. قال: يدل على ذلك قول أبي بكر لما قتل القراء من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حيث قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب والله القرآن وحملته، وأمر الناس فكان ينشد على باب المسجد، كما ينشد ضَوالّ الإبل، فيقال: الله شهد على من سمع آية من كتاب الله تعالى إلا جاء بها فكان يجيء كل واحد بما سمعه فإن جاء ببينة شاهدين ألحقت في المصحف

قال: فجمع عثمان منه ما جمع، وجمع زيد بن ثابت منه ما جمع، وجمع عبد الله بن مسعود منه ما جمع. واستعانوا على جمعه بما أمكنهم.

 قال الراوي: يدل على ذلك أن سورتي المعوذتين لم تثبتا في بعض المصاحف وجمعه علي صلوات الله عليه من غير أن استعان على جمعه بأحد لأن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فهمه وحفظه إياه بقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: نعيت إلى نفسي وذلك أن جبريل عليه السلام كان يعرض عليَّ القرآن في كل سنة مرة وعرضه عليَّ هذه السنة مرتين وأن علياً عليه السلام خرج من منزله وهو حامله متأبطه في ردائه وعن علي بن رباح.

قال: جمع القرآن على عهد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-علي وأُبيّ وعن عبد خير، عن علي أنه رأى من الناس صرة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقسم أن لا يضع على ظهره رداء حتى يجمع القرآن؛ فجلس في بيته حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن جمعه من قلبه.

وكان عند آل جعفر وقد روت العامة أن الأحاديث التي رواها أبو بكر عن الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- إحدى وعشرين حديثاً، وذكروها مفصلة، ولولا خشية التطويل لاثبتناها هنا. فأين يكون هذا من أمير المؤمنين عليه السلام! و عن عطا بن أبي رباح وقد سئل أكان في أصحاب محمد أعلم من علي قال: لا والله ما أعلمه

وعن محمد بن الفضيل قال: سمعت أبي يقول: ما كان أحد يصعد المنبر ويقول: سلوني عما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب، وهكذا قاله بن شبرمة [ ] وهو مروي عن جماعة، ونحن نروي ما رواه ابن حنبل في مسنده بإسناده عن ابن عباس أنه ذُكر عنده علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: إنكم لتذكرون رجلاً كان يسمع وطىء جبريل عليه فوق بيته، وعن بن عباس رحمه الله تعالى قال: لقد كان لعلي خمسة عشر منقبة لو كانت واحدة منهن لرجل من هذه الأمة لنجا بها ولقد كانت له اثنتي عشر منقبة ما كانت لأحدٍ من هذه الأمة.

وعن مجاهد وهو من كبار التابعين وعلما المفسرين قال: إن لعلي عليه السلام سبعين منقبة ما كان لأحد من أصحاب محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- مثلها، وما من شيئ من مناقبهم إلا وقد شاركهم فيها.

وعن محمد بن المعتمر عن أبيه عن جده: قال: كان لعلي عشرون ومائة منقبة لم يشترك فيها أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اشترك في مناقب الناس، وعن أبي الفضيل قال كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لقد كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام من السوابق ما لو أن سابقة منها قسمت بين الخلائق لأوسعتهم خيرا.

وهكذا عن بن عباس مثله، وعن أبي هارون العبدي قال: كنت جالساً مع بن عمر إذ جاء نافع بن الأزرق فقال: والله أني لأبغض علياً فقال: أبغضك الله تبغض رجلاً سابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها، وعن عكرمة قال إني لأعلم أن لعلي منقبة لو حدثت بها لنفذت أقطار السماوات والأرض أو قال: أقطار الأرض.

وعن أحمد بن حنبل وهو من المخالفين أنه قال: ما لأحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم[99-ج] من الفضائل أكثر مما جاء لعلي بن أبي طالب.

وروينا أنه لا يروي لأحد عن أحد منهم ما يروي عنه عليه السلام في القراءة وقراءة عاصم ترجع إليه.

وعن عبد الرحمن السلمي أنه قال: ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب، واعلم والمذكور في القراءة قراءة عبد الله بن مسعود وروى عنه: أنه قال: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتممت على خير الناس بعده علي بن أبي طالب، وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: أفرض أهل المدينة وأقرأها علي بن أبي طالب.

وعن ابن مسعود أنه قال: ما بالمدينة أعلم بالفرائض من علي بن أبي طالب. تمت.

وعن الشعبي ما أحد أعلم بما بين اللوحين من كتاب الله جل وعلا بعد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - من علي بن أبي طالب.

وروينا عن عائشة قالت: علي أعلم الناس بالسنة، وروينا من كتاب بن المغازلي بالإسناد عن بن خالد عن قيس قال: سأل رجل معاوية عن مسألة

فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم.

قال: يا أمير المؤمنين قولك فيها أحب إليَّ من قول علي.

فقال: بئس ما قلت، ولوم ما جئت به لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعزة عزا.

ولقد قال له: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه، ولقد شهدت عمراً إذا أشكل عليه شيئ قال: هاهنا علي قم لا أقام الله رجليك ومحى اسمه من الديوان.

ولله القائل:

ومناقب شهد العدو بفضلها

 

والفضل ما شهدت به الأعداء

وأما حديث الجاثليق فهو هذا قال: سلمان الفارسي رحمه الله تعالى كان من البلاء العظيم الذي ابتلى الله به قريشاً بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم ليعرفها أنفسها، ويخرج شهادتها عليها فيما أدعت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفعهم إمامة وليه وميراثه كتاب الله فيهم ما عظم خطبه عليهم وشملتهم فضيحته، وواضح الله هدايته من أهل دعوته وورثه نبيه وأنار به قلوب أوليائه فيهم وعرفهم بحقهم وأضاء لهم برهانه.

قال: كان من ملك الروم لما بلغه وفاة رسول صلى الله عليه وآله وسلم وخبر أمته من بعده واختلافهم في الإختيار لأنفسهم، وتركهم سنن هدايتهم، وادعائهم على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -أنه مات ولم يوصي إلى أحد بعينه وأنه أهملهم يختارون لأنفسهم وتوليهم الأمر.

قال: فتقدم الجاثليق إلى ملك الروم فباحثه في هذا الأمر فأمره الملك أن يختار معه من أهل مملكته من أحب.

 قال: فاختار الجاثليق منهم مائة رجل من علمائهم وتوجه إلى مدينة الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- للمناظرة والإحتجاج عليهم، فلما قدم هو ومن معه نحو المدينة، وقد أقروا له أصحابه بالفضل والعلم مجترياً([77]) في علمه يخرج الكلام على معانية ويورده على تأويله، ويصدره بعد إيراده، ويرد كل فرع إلى أصله ليس بالحرق، ولا بالنزق، ولا الرعديد، ولا الوكل، ولا الفشل يصمت، لمن تكلم، ويجيب إذا سُئل يحكم من حجته ينصف إذا سمع، ويصبر إذا اسمع، فلما قدموا بحثوا وسألوا من قام مقام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -فأرشدوهم إلى المسجد فدخولوا فدلو على أبي بكر، وهو جالس في حشد من قريش منهم: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح [62 أ -أ] وعبد الله بن الوليد، وعثمان بن عفان، فسلموا، ثم قال الجاثليق: أرشدونا إلى القائم بعد نبيكم فإنا قوم قدمنا لنسترشد عن دين محمد، فإن كان على حقيقة النبوة تبعنا دينه فإنا قوم على دين المسيح فقدمنا لما سمعنا بوفاة نبيكم ولنسترشد لديننا ونستعرض دينكم. فإن كان أفضل من ديننا دخلنا فيه سلماً وقبلنا منكم الرشد وأجبناكم على دعوة نبيكم وإن يكن على خلاف ما جاءت به الرسل رجعنا إلى دين المسيح، فإن عندنا عهد من ربنا وأنبيائه ورسله ودلالة، وهداية، ونوراً واضحاً فأيكم صاحب الأمر من بعد نبيكم.

فقال عمر بن الخطاب: هذا صاحبنا وولي الأمر بعد نبينا وأشار بيده إلى أبي بكر.

فقال الجاثليق: أيها الشيخ أنت الوصي القائم لمحمد في أمته؟ وأنت العالم المكتفى بعلمك مما علمك به نبيك عن الرعية وهي المحتاجة إليك؟

فقال: أبو بكر: لا ما أنا بوصي.

قال الجاثليق: فما أنت؟

قال عمر: هذا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الجاثليق: فأنت خليفة نبيك استخلفك على أمته؟

قال أبو بكر: لا.

قال الجاثليق: فما هذا الإسم الذي ادعيتموه بعد نبيكم فأنا قد قرأنا سنن الأنبياء وعندنا سننهم فلما بلغنا وفاة نبيكم قدمنا مسترشدين نسأل عن صحة نبوة محمد؛ فإن كان خلف فيكم كتاباً ووصياً كما خلفت الأنبياء عرفنا ذلك[100 – ج ] وأراكم ليس عندكم أثر ذلك.

ثم قال: الجاثليق: يا شيخ أما أنت فقد أقررت أن محمد لم يوصي إليك، ولم يستخلفك وإنما تراضى الناس بك ولو رضى الله جل وعلا برضى الخلق واتباعهم أهوائهم واختيارهم لأنفسهم ما بعث [45 أ - ب] إليهم النبيين مبشرين ومنذرين ومبرهنين لما فيه يختلفون فقد زعم أن نبيكم لم يحتذ بسنن الأنبياء الذي كانوا قبله، ولم يأتكم ببرهان ولا دليل بعده وأنه خان الله فيك، ومضى على غير وصية بعده ولا عهد ولم يمض بعد([78]) نبي قط إلا حتى يقيم وصية ودلالة بعده لأمته علما وهدى لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل دفعتم نبيكم عن رسالته وأبطلتم سنته واستغنيتم بالجهل من اختيار الناس عن اختيار الله تعالى فأراكم تعظمون الفرية على الله وعلى نبيكم، ولا ترضون إلا أن تسموا بعد ذلك بالخلافة وهذا الإسم لا يصلح ولا يحل إلا لنبي من أنبياء الله تعالى لأن الله تعالى جعل آدم خليفة في الأرض وفرض طاعته على أهل السماوات والأرض، ونوه باسم داود فقال: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ}[ص:26]، فأنت يا شيخ خليفة الله.

قال أبو بكر: لا ولكن تراضى الناس بي فولوني واستخلفوني.

قال الجاثليق: فأنت إذا خليفة قومك لا خليفة ربك ولا خليفة نبيك وقد قلت إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوصي إليك.

وقد وجدنا في سنن الأنبيا صلوات الله عليهم أن الله جل وعلا لم يبعث نبياً إلا وله وصي يوصي إليه ويحتاج الناس كلهم إليه وهو مستغني عنهم، فقد زعمتم أنه لم يوصي كما أوصت الأنبياء وادعيت إسماً لست له بأهل، فما أراكم إلا وقد دفعتم بنبوة محمد وأبطلتم سنن الأنبياء في أممهم.

قال: ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه؛ فقال: إن هؤلاء ليقولون إن محمداً لم يكن له نبوة وإنما كان أمره بالغلبة عليهم فقهرهم وملكهم بغلبته ومضى وتركهم يحذون مثاله فيهم فمن قوى منهم غلب قومه وملكهم؛ ثم قال: لا بد لنا أن نحتج عليكم فيما ادعيتم حتى نعرف سبيل ما تدعون ونعرف الحق بعد نبيكم وفعلكم أبعلمٍ هو أم يجهل أم بكفر، ثم قال: يا شيخ أجب، فالتفت إلى أبي عبيدة ليجيب عنه فلم يجد جواباً، ثم التفت إلى عمر ليجيب عنه فكذلك، فالتفت الجاثليق إلى أصحابه فقال: بنى القوم على غير أساس ولا حجة لرشاد! أسمعتم؟

قالوا: نعم.

ثم قال لأبي بكر: يا شيخ أسائلك؟

قال: سل.

قال اخبرني عني وعنك ما أنت عند الله وما أنا عند الله؟

قال أبو بكر: أما أنا فعند نفسي مؤمن، وما أدري ما أنا عند الله، و ما أنت فعندي كافر، وما أدري ما أنت عند الله !

قال الجاثليق: أما أنت فقد منيت نفسك الكفر بعد الإيمان، وجهلت مقامك في إيمانك أمحق أنت فيه أم مبطل! وأما أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر فما أحسن حالي عند الله، وما أسوأ حالك عند نفسك! إذ كنت لا توقن بمالك عند الله فقد شهدت لنفسك بالكفر والضلال([79]).

قال أبو عبيدة: فوالله لقد شملنا من الذل والصغار، وانقطاع الحجة ما لا يقدر منا أحد يرفع رأسه، ولا أِكال جواباً.

قال: ثم التفت إلى أصحابه؛ فقال: طيبوا نفوساً فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر ولنفسه وأصحابه بالكفر بعد الإيمان، ثم التفت إلى أبي بكر فقال: يا شيخ أين مكانك من الجنة ومكاني من النار؛ فالتفت أبو بكر إلى أبي عبيدة مرة وإلى عمر مرة ليجيبا عنه؛ فلم ينطق واحد منهما؛ فقال أبو بكر: ما أدري أين مكاني من الجنة، ولا أين مكانك من النار

قال الجاثليق: يا هذا كيف استخرت أن يجلس مجلسك هذا وأنت تحتاج إلى علم غيرك! فهل في أمة نبيك من هو أعلم منك؟

قال: نعم.

قال: فما أظنك وإياهم إلا وقد حملوك أمراً عظيماً، وشقوا بتقديمهم إياك على من هو أعلم منك فإن كان من هو أعلم منك يعجز عما سألتك عنه كعجزك فأمركم واحد في دعواكم، وإن نبيكم إن كان نبياً فقد ضيع علم الله، وعهده وميثاقه الذي أخذه على النبيين قبله فيكم من إقامة الأوصياء في أممهم ليفزعوا إليهم [101 -ج ] فيما تنازعوا فيه من أمر دينهم ودنياهم ؛ فدلوني على هذا الذي زعمتم أنه أعلم منك ؛ فعسى أن يكون عنده جواب وبيان، وما نحتاج إليه ومعرفة سنن الأنبياء فلقد ظلمتم أنفسكم.

قال سلمان الفارسي- رحمه الله: فلما رأيت ما نزل بالقوم من الحيرة والذل والصغار وما نزل بدين محمد- صلى الله عليه وآله وسلم - نهضت لا أعقل أين أضع قدمي في الأرض حتى أتيت منزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فقرعت الباب؛ فخرج إليَّ؛ فسلم علي

ثم قال: ما وراءك يا سلمان؟

فقلت: ذهب دين محمد-صلى الله عليه وآله وسلم - وهلك الإسلام بعده، وظهر أهل الكفر على أهل دينه فتلاف دين محمد يا أمير المؤمنين، وأوضح الحجة على أهل الخلاف ودل على وصي محمد –صلى الله عليه وآله وسلم – فإن القوم قد ورد عليهم مالا طاقة لهم به ولا يد ولا حيلة فأنت مفرج كربتها وكاشف ظلمتها وسراج حندسها ومفتاح تاجها

فقال: وما ذاك يا سليمان ؟

قال: ورد من عند ملك الروم مائه رجل من أشرافهم وعلمائهم يقدمهم جاثليق [63أ –أ ] لهم لم أر مثله يورد الكلام على معاينة ويصدره على تأويله لم أسمع بمثل مكنون علمه فأتى أبا بكر وهو في جماعة من أصحابه فسأله عن مقامه ووصية رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –إليهم فلم يجد عنده جواباً فكفرهم وأبطل دعواهم وعابهم بادعائهم الخلافة بجهلهم وأورد عليهم مسألة أخرجهم بها من الإيمان وألزمهم الكفر والشك في دينه فعليهم الذلة والخضوع والخزية فأدْرِك دين محمد –صلى الله عليه وآله وسلم.

 قال: فنهض معي أمير المؤمنين -عليه السلام -حتى أتينا إلى القوم فسلم ثم جلس.

فقال: يا نصراني أقبل إلي بوجهك واقصدني بمسألتك وبالله التوفيق

قال: فتحول إليه الجاثليق، وقال: يا شاب إنا وجدنا في كتب الأنبياء أن الله لم يبعث نبياً قط إلا وله وصي يقوم مقامه، وبلغنا اختلاف أمة محمد بعده في مقام نبيها وادعى قريش على الأنصار وادعى الأنصار على قريش، واختيارهم لأنفسهم؛ فبعثنا ملكنا لنبحث عن دين محمد ونعرف سنن الأنبياء فيه والإستماع لقومه الذين ادعوا مقامه أبحق ذلك أم بباطل أم كذبوا عليه كما كذبت الأمم على أنبيائها ؛ فلما قدمنا أرشدنا إلى هذا الشيخ؛ فسألته عن الوصية إليه من نبيه فلم يعرفها، وسألته عن قرابته إن كانت من ولد إبراهيم –صلوات الله عليه لإنها ذرية بعضها من بعض لا ينالها إلا مطهر مصطفى من قرابته على ما جاءت به سنن الأنبياء فان وجدنا لهذا الرسول وصياً قائماً بعده وعنده ما يحتاج الناس كلهم إليه يجيب بجواب بيِّن ويخبر عن أسباب المنايا والبلايا وفصل الخطاب وما يهبط به من العلم في ليلة القدر في كل سنة وما تنـزل به الملائكة والروح –صدَّقْنا بنبوته وأجبنا دعوته وأقتدينا بوصيه وآمنا به وبكتابه وبما جاء به الرسل من قبله، و إن كان على خلاف ما جاءت به الرسل رجعنا إلى ديننا وعلمنا أن محمداً لم يبعث بعد وقد سألنا هذا الشيخ فلم نجد عنده تصحيحا لنبوة محمد ووجدنا محمداً غلب على قومه فملكهم بالقهر لهم ولم يكن عنده أثر النبوة ولا معرفة ما جاءت به الرسل والأنبياء وأنه مضى وتركهم مهملين يغلب بعضهم بعضا وردها جاهلية جهلاء مثل ما كان يختارون لأنفسهم برأيهم أي دين أحبوا وأي ملك أرادوا وأخرجوه من سنن الأنبياء وجهلوه في رسالته ودفعوا وصيته وزعموا إن الجاهل يقوم مقام العالم وفي ذلك هلاك الحرث والنسل والفساد في البر والبحر وحاش لله أن يبعث الله نبياً إلا مطهراً موفقاً مسدداً مصطفى على العالم فإن العالم أمين على الجهل أبدا إلى يوم القيامة وسألته عن اسمه فقال الذي إلى جنبه: خليفة رسول الله ؛فقلت: إن هذا الاسم لا نعرفه إلا لنبي – إلا أن يكون يعد من لغات العرب؛ فأما خليفة فإنا لا نعرف ذلك إلا لأدم –عليه السلام- وداود والسنة لأنبيائنا والأوصياء فانتفى من العلم واعتذر من الإسم وقال: بهذا الاسم تراضى الناس بي فسموني به وفي الأمة من [102-ج] هو أعلم مني فأكتنيته حكم على نفسه، وعلى من اختاره وإنما قدمت مسترشداً وباحثا عن الحق فإن وضح اتبعته ولم تأخذني في الله لومة لائم، فهل عندك أيها الشاب ضياء وشفاء لما في الصدور [46أ-ب] –قال علي عليه السلام: عندي شفاء وضياء لما في [63ب-أ] قلوبكم وشرح لما أنتم عليه وبيان لأهل الحق واختيار وبرهان ودليل. فأقبل عليَّ بوجهك وافرغ لي مسامع قلبك واحضر لي ذهنك وعى ما أقول لك إن الله تعالى بمنة وطوله وله الحمد كثيراً دائماً قد صدق وعده، وأعز جنده، ونصر محمداً عبده، وهزم الأحزاب وحده فله الحمد وله الملك يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير اختص محمداً واصطفاه وطهره وهداه، واختاره واجتباه، فانتخبه لرسالته واجتباه برحمته وفرض طاعته على الخلق وجعله إماماً لمن قبله من الرسل، وخاتماً لمن بعده فورَّثه الأرض وأعطاه مقاليد الدنيا والآخرة وجعله نبيا ورسولاً ومولاً وولياً نزَّل علامته وأبان ولايته وأخذ ميثاقهم {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}[آل عمران:81] وقال تعالى: {يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:157] وما مضى -صلى الله عليه وآله وسلم -حتى أتم مقامه وأعطاه الله وسيلته ورفع ذكره وقرن طاعته بطاعته فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء:80]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:7] فبلغ عن الله رسالته وأوضح برهانه ودلالته وشرع شرائعه وأحكامه ودله على سبيل نجاته وباب مدينته علمه، وكذلك سيرة النبيين قبله؛ فقال –صلى الله عليه وآله وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلا تقدموهم فتمرقوا ولا تأخروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم بالعلم أعلم منكم)) وأنا وصية والقائم بأمره وولي كتابه والعارف بحلاله وحرامه ومحكمة ومتشابهه وناسخة ومنسوخه وأمثاله وعبره وعندي علم المنايا والبلايا، وفصل الخطاب فاسألوني عما كان على عهد كل نبي بعثه الله تعالى وعن كل فتنة وعن سائقيها وناعقها وقائديها إلى يوم القيامة وعن كل آية نزلت من كتاب الله في ليل أنزلت أو في نهار، وعن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فإنه –صلى الله عليه وسلم-لم يكتمني شيئاً علمه ولا شيء تحتاج الأمة إليه والمختلفون في الأديان إذ كان رسول صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين ووارثهم وإليه صارت رسالتهم وكتبهم، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليضيع عهد الله في عبادة وبلادة ويترك الأمة مهملين بعده، وكيف يكون ذلك منه وقد وصفه الله بالرأفة والرحمة لهم، فأنا أخوة ووصية وأنا وسيلته فيما بينه وبين أمته والشاهد منه عليهم بعده فأنا وولدي ذريته وأنا وإياهم كسفينة نوح في قومه وأنا منه بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وبفرض طاعته تبراء إليه أهل الإيمان من أهل النفاق فمن أحبني كان مؤمنا ومن أبغضني كافراً والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي وإني على بينة من ربي؛ فاسألوني عما كان وما يكون إلى يوم القيامة.

قال فالتفت الجاثليق إلى أصحابه وقال: والله هذا الناطق بعلم وقدرة وارجوا [64أ-أ ] أن نكون قد أصبنا حظنا ونور هدايتنا وهي [46ب-ب] والله حجج الأنبياء على أممهم

قال: ثم التفت الجاثليق إلى علي عليه السلام فقال كيف عدل بك القوم عن قصدهم فأزاحوا ما أنت أولى به منهم وما أرى القوم إلا قد وقع القول عليهم بظلمهم أنفسهم وما ضروك بذلك مع ما أغناك الله به من العلم فأخبرني أيها العالم عني وعنك ما أنت عند الله وما أنا عند الله.

فقال علي عليه السلام: أما أنا عند الله فمؤمن وعند نفسي مؤمن مستيقن بفضل الله ورحمته وهدايته ونعمته لا شك عندي في ذلك ولا ارتياب لأن الشك شرك، وأما أنت عند الله فكافر بجحودك الميثاق والإقرار الذي أخذ الله عليك ببلوغك العقل ومعرفة التمييز للجيد والرديء والخير والشر وإقرارك بالرسل وجحودك لما أنزل الله في الإنجيل فإن مت على هذه كنت من أهل النار([80]) لا محالة.

قال: فاخبرني عن مكاني من النار ومكانك من الجنة.

فقال علي عليه السلام: أما الجنة والنار فلم ادخلهما فاعرف مكانك من النار ومكاني من الجنة، ولكني أعرفك بذلك من كتاب الله تعالى [ ]إن الله بعث محمدا بالحق وانزل عليه كتابا عزيزا [103-ج]: {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:42] فيه جميع علمه وأخبر رسوله من الجنة ودرجاتها ومنازلها، وقسم الجنان بين خلقه فجعل لكل عامل منهم ثوابا وأجراً حسناً وأحلهم فيها على قدر فضائلهم في الأعمال فهم درجات عند الله ووصف المنازل على قدر درجات الفضل في الإيمان والأعمال فصدقنا الله وعرفنا منازل الأبرار، وكذلك منازل الكفار وما أعد الله لهم في النار من العذاب فقال: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر:44]، وكذلك قال تبارك وتعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}[الحجر:75]، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتوسم يعرف كل الخلق وأنا بعده المتوسم وذريتي والأئمة من ذريتي هم المتوسمون إلى يوم القيامة، لأن الله عز وجل عرفنا قصص الأمم وهلاكهم وما يأتون من عمل السيئات والظلم والكفر والعدوان هلكوا، فالتفت الجاثليق إلى أصحابه وقال: قد أصبنا حظنا وما أردنا إلا أنه قد بقى لنا بقية مسائل فإن أجابنا بها نظرنا في أمرنا وقبلنا الحق.

فقال علي عليه السلام: فإن أجبتك عما تسألني ببيانٍ وبرهانٍ واضحٍ لا تجد له مدفعاً أتدخل في ديننا أنت وأصحابك.

 فقال: لك الله عليَّ كفيل إنني أفعل ذلك

فقال علي عليه السلام: فخذ على أصحابك (بالعهد والوفاء)([81]).

قال: فأخذ الجاثليق على أصحابه عهداً بالوفاء، ثم قال علي: سل عما شئت.

قال الجاثليق: أخبرني عن العرش أهو الحامل لله أم (الله هو الحامل العرش)([82])؟

قال علي عليه السلام: الله حامل العرش والسماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}[الحاقة:17] فكيف ذلك وقد قلت أنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال عليه السلام: إن العرش خلقه الله تعالى من أربعة أنوار نور أحمرت منه الحمرة، ونور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أبيض ابيضت منه البياض، وهو العلم الذي حمَّله الله [64ب–أ] الحملة، وذلك نور من نور عظمته فبعظمته، ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، ولعظمته عاد الجاهلون، وبعظمته ابتغي من في السماوات ومن في الأرض من خلقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان الشتى فكل محمول بحياة الله وعظمته ونوره وقدرته لا يستطيع أحد لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكل محمول فالله تعالى الممسك له والمحيط به وبما فيه من شيئ وهو حياة كل شيئ سبحانه وتعالى علواً كبيراً.

قال: فأخبرني عن الله سبحانه فأين هو؟

فقال عليه السلام: هو هاهنا وهاهنا وهاهنا فوقنا وتحتنا ومحيط بنا وهو معنا لا يزول وذلك قوله جل وعلا: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:7] وهو أقرب من حبل الوريد، والعرش محيط بالسماوات والأرض والله محيط بذلك كله تبارك وتعالى مِن غير مماسة: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103] {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة:255].

فالذين يحملون العرش هم العلماء حملهم الله علمه وليتم([83]) هذه الأنوار الجارية في ملكوته والملكوت الذي آتاه الله أنبياءه، فقال: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}[الأنعام:75]، فكيف يحمل الله العرش وبحياته حيت قلوبهم وبصفاء([84]) نوره اهتدوا إلى معرفته.

قال: فالتفت الجاثليق إلى أصحابه فقال: هذا والله الحق في دين الله على لسان المسيح، ثم التفت إلى علي عليه السلام، فقال: أخبرني عن الجنة أهي في الدنيا أم في الآخرة، وعن الآخرة أين هي من الدنيا.

فقال عليه السلام: الدنيا في الآخرة والآخرة في الدنيا إذا كانت النقْلة من الحياة إلى الموت ظاهرة في الدنيا وكانت الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون، فالدنيا رسم الآخرة، والآخرة رسم الدنيا، وليست الآخرة الدنيا ولا الدنيا الآخرة، فإذا فارق الروح الجسد رجع كل واحد منهما إلى ما منه خلق، وكذلك الجنة والنار موجودة في الدنيا موجودة في الآخرة؛ لأن العبد إذا مات صار إلى بقعة من الأرض إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وروحه إلى إحدى الدارين إما نعيم مقيم لا يموت فيه أبدا، وإما عذاب دائم لا يموت فيه أبدا، والرسم لمن عقل موجود واضح وقد قال جل وعلا: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِين، لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ، ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التكاثر:3-8]؛ فعين الجاهل جهله وكفره، فقال جل وعلا: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً}[الكهف:101].

 ولو علم الإنسان علم ما هو فيه لمات خوفاً من الموت والوجل، وما نجا بسبق فضل اليقين [104 - ج]. قال: فاخبرني عن قول الله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر:67] فإذا طويت السماوات[85] وقبضت الأرض أين تكون الجنة والنار وما فيهما؟

قال: فدعا علي عليه السلام بدواة وقرطاس فكتب فيه آية الجنة وآية النار، ثم أدرجه ودفعه إلى الجاثليق، ثم قال: أليس قد طويت هذا القرطاس [65 أ –أ ] أنا؟

قال: بلى أراه مطوياً.

قال: فافتح ففتحه، وقال: هل ترى آية الجنة والنار محاها طي هذا الكتاب.

قال: لا.

فقال عليه السلام: فكذلك قدرة الله عز وجل إذا طوى السماوات والأرض لم تبطل الجنة ولا النار.

قال: فاخبرني عن قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}[القصص:88]، فما هذا الوجه وكيف هو؟

فقال علي عليه السلام: عليَّ بحطب ونار وأن تضرم النار فلما أوقدت واشتعلت.

قال: يا نصراني هل ترى لهذه النار وجه ؟

قال: بل هي من أين أتيتها فهي وجه.

فقال علي عليه السلام: فإذا كانت هذه النار المخلوقة الضعيفة المدبرة لا يوجد لها وجه ولا يعرف لها حد لا تقصد بوجه معلوم موصوف، فكيف بمن خلقها وجميع ما في مملكته من شيئ وأحاط بكل شيئ علمه حاشا لله تبارك وتعالى أن يوصف أو يحد أو يدركه بصر أو يُتَوهم وليس كمثله شيئ.

قال الجاثليق: صدقت أيها العالم الوصي البر الرحيم. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأنك وصيه، وصديقه، ووليه، وموضع سره، وأمينه على أمته، ولي المؤمنين من بعده من أحبك وتولاك هديته ونورت قلبه، ومن تولى عنك وصد عن سبيلك غبن حظه واتبع هواه بغير هداً من الله ولا من رسوله وكفى بهداتيك([86]) نوراً هادياً وشافياً.

قال: ثم التفت الجاثليق إلى أبي بكر وأصحابه فقال: يا هؤلاء إنكم قد عميتم من رشدكم وأخطأتم سنن نبيكم فاتبعوه تهتدوا وترشدوا؛ فما دعاكم إلى ما فعلتم لا([87]) أعرف لكم عذراً بعد ثبات الحجة عليكم؛ فأشهد أنها سنة الله [47ب–ب] في الذين خلوا من قبل.

ولقد أمر الله بطاعة الأوصياء بعد الأنبياء فما هذه القلوب القاسية والحسد الظاهر الظغن الموثق.

قال: وأسلم الجاثليق وجميع أصحابه وشهدوا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة وأنه النبي المبعوث الموصوف في التوراة والإنجيل، وأقروا لعلي عليه السلام بالوصية.

قال: فتباشر القوم بحجج علي عليه السلام وبيان ما أوضح وانكشف عنهم الذلة والصغار، وقالوا: أحسن الله جزاك يا أمير المؤمنين في قيامك بحق نبيك والذب عن دينه وأبقاك فينا بخير، ثم افترق القوم الذين استحوذ عليهم الشيطان كأنهم لم يسمعوا شيئاً مما فهمه الجاثليق وأصحابه.

قال سلمان: فلمَّا خرج الناس من المسجد وأراد الجاثليق وأصحابه الرحلة إلى بلادهم عادوا إلى أمير المؤمنين مودعين فاستأذنوا فخرج إليهم فجلسوا معه.

وقال الجاثليق: يا وصي رسول الله وأبا ذريته ما ترى هذه الأمة الهالكة هلاك من مضى من الأمم وإنا وجدنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وقد أرانا الله وعد الصادقين بمعرفة هلاك هؤلاء القوم فبين لنا سبلك وسبلهم وبصرنا ما أعماهم عنك، ونحن أولياؤك وعلى دينك فأْمُرنا ؛ فإن أحببت أقمنا معك ونصرناك على عدوك وإن أمرتنا بالمسير سرنا وإلى ما صرفتنا انصرفنا فقد نرى صبرك على ما ارتكب منك والله وليك وكذلك سيماء الأوصياء بعد أنبيائهم، فهل عندك من نبيك –صلى الله عليه وآله وسلم- عهد فيما أنت وهم فيه.

فقال علي عليه السلام: نعم والله عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ((عهد بما هم عاملون وإليه صائرون، وكيف يخفي عليَّ أمر أمته ومنزلتي منه كمنزلة هارون من موسى وشمعون من عيسى وإني لعلى بينة من ربي ونبيي، وعالم بما يصير إليه القوم ولهم مدة وأجل معلوم لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}[الأنبياء:111]، وقد عفا عن هؤلاء القوم في بعض أحكامه وهو بالغ أمره قال جل وعلا: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}[التوبة:66]؛ فقد عفا الله عن هؤلاء([88]) ووعدني رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أن أظهر على أهل الفئة الباغية، ويرجع الأمر إليَّ وعندي من رسول الله كتاب كتبته بخطي وأملاه عليَّ في المصالحة والمهادنة على أن لا يحدثوا حدثاً فلهم الوفاء ما وفوا، ولهم الذمة والعهد ما أقاموا على الوفاء بعهدهم وعلينا مثل ذلك.

وليس هذا أوان نصره بسل سيف، ولا قيام عليهم ما لم يقبلوا إليَّ ويطيعوني طاعة فريضة من الله ورسوله؛ كحكم الفرائض التي فرضها الله تعالى عليهم ورسوله مثل الصلاة، والزكاة، والصيام والحج، فما تمام هذه الفروض والحدود إلا بعالم([89]) والعالم القائم بها أفضل منها، إن كان هو الذي يهدي إلى الحق وهو أحق أن يتبع، ولقد أنزل الله في ذلك آية محكمة قوله عز وجل: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس:35].

فأنا رحمكم الله فريضة من الله ورسوله؛ بل أفضل الفريضة([90]) وأعلاها وأجمعها للخيرات كلها وأحكمها لدعائم الإيمان وشرائع الإسلام، ولما يحتاج إليه الخلائق لصلاحهم وفسادهم في أمر دينهم ودنياهم.

فقد تولوا عني ودفعوا فضلي وإمامتي فاستغنوا بالجهل عن العلم، وقد رأيتم ما شملهم من الذل والصغار، ودفع الحجة، وكيف تبينت لله الحجة عليهم في قدومكم، وكيف نسوا ما ذكروا به في عهد نبيهم ما ذكر([91]) عليهم من طاعتي، وأخبرهم به من مقامي فكيف آسى على من صد عن الحق بعدما تبين واتخذ إلهه هواه وهما سبيلان: سبيل الجنة، وسبيل النار؛ فمن استحق العذاب عذب به، ومن استحق الكرامة أكرمه الله.

فعليكم بالتمسك بحبل الله وعروته وكونوا في حزب الله ورسوله [105 -ج] فإن الإسلام بداء غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، فكونوا غرباء في ملتكم كأصحاب الكهف، وإياكم أن تفشوا أسراركم إلى ولد ولا إلى والد ولا إلى حميم ولا قريب فإني أخاف عليكم قومكم فإن أصبتم من الملك فرصة ألقيتم إليه بعدما ترون من قبوله، فإنه باب الله لا يدخله إلا من أخذ الله ورسوله ميثاقه في قلبه [48أ-ب] وإيمانه على نفسه.

فانصرِفوا إلى بلادكم على عهدكم الذي عاهدتموني عليه فإنه سيأتي على الناس برهة من دهرهم([92]) من ملوك بعدي، وبعد هؤلاء يغيرون دين الله، ويحرفون كلام الله، ويقتلون أولياء الله، ويعزون أعداء الله، يكثرون البدع، وتدرس السنن حتى تملأ الأرض جوراً، وعدواناً، ثم يكشفها الله تعالى بنا أهل البيت برجل مني يملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً.

وقد عهد إليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الأمر صائر إلي بعد خمس وعشرين سنة من وفاته.

وأمرني بقتال الناكثين، والمارقين، والقاسطين؛ فمن أدرك منكم ذلك العصر، وأحب([93]) أن يأخذ بحظه من الجهاد معي فليفعل فإنه والله الجهاد الصافي على كتاب الله وسنة رسوله.

 فكونوا رحمكم الله أحلاس بيوتكم إلى ظهور أمرنا؛ فمن مات منكم كان مرابطاً، وإني أخبركم أنكم ستحملون على خطر وسينقمون عليكم عهد نبينا لقلة علمهم فيما يأتون ويذرون، وسيكون فيكم ملوك يندرس عنهم الأمر وينسون ما ذكروا به، ويحل بهم ما حل بالأمم وذلك لطول المدة، وشدة المحنة يذر فيها الصغيرة، ويهزم الكبيرة واهاً للفراخ فراخ آل محمد سيقتل خلَفي وخلَف الخلف ((اللهم لا تخل أرضك من قائم بحجة ظاهرة أو باطنة، ولا تبطل حجج أنبيائك والعاملين بمعرفة دينك، هيهات بل أوليك، وكم أولئك أولئك الأقلون عدداً الأعظمون عند الله أخطاراً، بهم يحفظ الله علمه في خدمته حتى يودوا ما في صدورهم على حقيقته فاستروحوا لذلك روح اليقين، وأنسوا به إذا استوحش منه الجاهلون فاستباحوا ما استوغره المترفون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى.

(جعلنا الله وإياكم في دار النعيم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم)، ثم بكى أمير المؤمنين عليه السلام، وبكى القوم جميعاً، وودعوه وقالوا: نشهد لك بالوصية والإمامة وإن عندنا لصفتك، وصورتك، ونعتك وسيقدم، وفد بعد هذا الرجل من قريش عن الملك، ولنخرجن لهم سورة الأنبياء، وسورة نبيك، وسورة ولدك: الحسن والحسين، وسورة زوجتك فاطمة سيدة نساء العالمين، وإن ذلك لعندنا مأثور مسطور، ونحن راجعون إلى الملك ومخبروه بما أودعتنا من هدايتك، ونورك، وبرهانك، وكرمك، وصبرك على ما أنت فيه، ونحن المرابطون بك ولك.

فما أطول هذه المدة ونحن نسأل الله التوفيق للأمر، والثبات على الرشد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم ركبوا وانصرفوا إلى بلادهم.

وأما حديث البطريق فهو بطريق جاء رسولاً من ملك الروم، ومعه مسائل وهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات فأتى[ ] أبا بكر فقال له: إن ملك الروم قد أمرني أن أسال صاحبكم عن هذه المسائل التي معي فإن فسرها أعطيته ما معي من الهدية وإلا فلا أعطيه شيئاً.

فسأل منها فلم يفهم أبو بكر تأويلها وهالته المسائل واستعظمها.

فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: لو أرسلتم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام لأخبركم بها ؛ فأرسلوا إليه فخرج إليهم والقلم خلف أذنه.

فقال: ما شأنكم يا أبا عبد الله يعني سلمان فإني كنت أجمع كتاب الله المنزل، فأخبره بخبر البطريق والمسائل فأتى علي بتفسيرها وأخذ الهدية فقسمها حيث شاء.

وهذه مسائل الرومي لأمير المؤمنين عليه السلام، سأله عن رجل لا أبا له، وعن رجل لا عشيرة له، وعن شيئ، وعن لا شيئ، وعن نصف الشيئ، وعن بعض الشيئ، وعن الشيئ كله، وعن نفس في جوف نفس تتكلم ليس بينهما نسب ولا قرابة ما هو؟، وعن نفس تتنفس ليس له لحم ولا دم، وعن نفس حيه إن ماتت أعاشت نفساً أخرى، وعن نفس تتكلم ليس لها لحم ولا دم، وعن طير [48 ب-ب] لم يبيضه طير، ولم يحضن عليه طير ما هو ؟ وعن شيئ قليله حلال، وكثيره حرام ما هو ؟، وعن رجل كان جالساً عند امرأته وهي له حلال فلما قام حرمت عليه وحلت له بعد جلوسه ما هو؟، وعن رسول بعثه الله: ليس من الجن ولا من الإنس، ولا من الملائكة المقربين ذكره الله في القرآن ما هو ؟، وعن نذير أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة عليهم السلام من هو؟ وعن قوم أحياهم الله ثلاث مرات وأماتهم مرتين ما هم ؟، وعن أول هجرة وأول مهاجر ما هو؟، وعن طير ذكره الله في القرآن ؟، وعن شيئ كذب عليه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ما هو ؟، وعن أول فزعة يفزعها أهل الجنة، ثم لا يفزعون بعدها أبداً ما هي؟، وعن قول الله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة:37] ما الكلمات؟، وعن عملٍ إن عملته عصيت وإن تركته عصيت ما هو ؟ وعن شئ أوحى الله إليه ليس من الإنس ولا من الجن ولا من الملائكة ذكره الله في القرآن ما هو ؟، وعن شيئ يؤكل ليس له لحم ولا دم ما هو ؟ وعن خمسة لم يخلقهم الله في الأرحام ما هم وعن رجل أماته الله مائة عام ثم [106 – ج ] بعثه {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[البقرة:259] من هو؟، وعن قوم شهدوا شهادة حق وهم عند الله من الكاذبين ذكرهم الله في القرآن من هم؟ وعن موضع لم تطلع عليه الشمس إلا مرة (واحدة) ما هو؟ وعن قوم كانوا أول النهار من أهل النار وآخر النهار من أهل الجنة من هم؟

 وعن رجلين أصابا خمراً فشربا منها (منه) فوجب على أحدهما الحد، ولم يجب على الآخر وهما يشهدان شهادة الحق ؟، وعن رجل خنثى أتنـزله بمنزلة المرأة أم بمنزلة الرجل؟، وأخبرني عن دابة كان في بطنها سائق وشهيد ذكره الله في القرآن من هي ؟، وعن امرأة عدتها ثلاثة عشر شهراً ؟، وعن رجلين لأب وأم أحدهما أقرب إليك من الآخر؟، وعن رجل حلف بطلاق امرأته ثلاثاً أن لا يصوم شهور([94]) رمضان كيف يصنع؟، وعن رجل حلف أن لا يصلي في اليوم والليلة من الفريضة إلا إحدى عشر ركعة؟، وعن رجل مات وترك ابنتين فورثت إحداهما ثلثا ماله والآخر[95] ثلثي ماله من هما ؟ وعن رجل من أهل الجنة قال الله عز وجل لنبيه: لا تعمل بعمله.

هذا جملة السؤال.

الجواب: فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: خذها ولا فخر:

أما الرجل الذي لا أب له: فعيسى بن مريم عليه السلام.

وأما الذي لا عشيرة له: فآدم عليه السلام.

 وأما الشيئ فالماء قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء:30].

وأما لا شيئ: فالكافر.

وأما نصف الشيئ: فإن الله تعالى خلق سبع سماوات وسبع أرضين فنصف الشيء الأرضون.

وأما بعض الشيئ: فالمنافق.

وأما نفسٌ في جوف نفسٍ ليس بينهما نسب ولا قرابة: فهو يونس بن متى عليه السلام {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87].

 وأما نفس تتنفس وليس له لحم ولا دم فهو: الصبح، قال الله عز وجل {وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ}[التكوير:17،18].

 وأما النفس التي إن ماتت أعاشت مكانها نفساً أخرى: فهي البقرة التي ذكرها الله في القرآن{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[البقرة: 73].

وأما نفس تتكلم ليس لها لحم ولا دم: فهي النار يقول الله عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق:30].

وأما الطير الذي لم يبضه طير ولم يحضن عليه طير: فهو طير عيسى عليه السلام إذ قال الله عز وجل {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ}[آل عمران: 49].

وأما شيئ قليله حلال وكثيره حرام: فهو نهر طالوت إذ قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ}[البقرة:249].

وأما الرجل الذي كان جالساً عند امرأته وهي له حلال فلما استوى قائماً حرمت عليه وحلت له قبل جلوسه: فرجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي فحرمت عليه أن يمسها فقام فندم قبل جلوسه فأعتق نسمة فحلَّت له قبل جلوسه.

وأما رسولٌ بعثه الله ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة: فالغراب الذي قال الله عز وجل: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ}[المائدة: 31].

وأما النذير الذي أنذر قومه( ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة)[96]: فهي النملة قال الله عز وجل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}[النمل:18].

 وأما قوم أحياهم الله ثلاث مرات وأماتهم مرتين: فهو قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}[البقرة: 243] فأماتهم مرتين وأحياهم ثلاث مرات.

وأما الهجرة: فهجرة إبراهيم عليه السلام وأول مهاجرٍ يقول الله عز وجل في القرآن {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}[العنكبوت:26].

وأما الطيور التي ذكرها الله في القرآن: فالغراب، والهدهد، والفراش، والنحل، والذباب، والبعوض، والجراد، والقمل، والطير الأبابيل.

وأما شيئاً كُذِب عليه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة ذكره الله في القرآن فالذئب كَذب عليه بنو يعقوب عليهم السلام قوله تعالى: {فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ}[يوسف:17] إخباراً عنهم.

وأما أول فزعة يفزعها أهل الجنة ثم لا يفزعون بعدها أبداً فذلك الصور قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ}[النمل:87].

 وأما الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: فهي قول الله عز وجل: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23].

ثم نظر إلى العرش وعليه هذه الأسماء مكتوبة قال: بحق محمد وعلي وأشار إلى صدره وفاطمة والحسن والحسين تقبل توبتي فاستجاب الله تعالى توبته.

وأما العمل الذي إن عملته عصيت وإن تركته عصيت فإن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}[النساء:43].

وأما شيئ أوحى الله تعالى إليه ليس من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة: فالنحل قال الله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}[النحل:68].

وأما شيئ يأكل ليس له لحم ولا دم: فعصا موسى قال الله عز وجل: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}[الشعراء: 45].

وأما رجل مات مائة عام ثم بعثه الله فعزير عليه السلام إذ قال الله عز وجل: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ}[البقرة:259].

وأما قوم شهدوا شهادة حق وهم عند الله من الكاذبين: فهم المنافقون قال الله عز وجل: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1].

 وأما موضع لم تطلع عليه الشمس إلا ساعة واحدة: فهو البحر قال الله عز وجل: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ}[الشعراء:63]. الآية.

 وأما القوم الذين كانوا أول النهار من أهل النار وآخر النهار من أهل الجنة: فسحرة فرعون {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}[الأعراف:121،122].

وأما الخمسة الذين لم يخلقوا في الأرحام: فآدم، وحوى، وكبش إبراهيم، وناقة صالح، وعصا موسى.

وأما صاحبا الخمر الذين شرباها فوجب على أحدهما الحد ولم يجب على الآخر وهما يشهدان شهادة الحق فهما رجلان في فلاة مع أحدهما ماء والآخر لا ماء له، وهو يموت من العطش فأحل الله للمضطر شربها وحرم على الذي معه ماء ووجب في شربها الحد.

وأما رجل خنثى كيف يقسم له الميراث: فإني أنظر إلى مباله فإن كان يبول من مبال الرجال فإن له ميراث الرجل، وإن كان يبول من مبال النساء فإن له ميراث النساء.

وأما الدابة التي كان في بطنها سائق وشهيد ذكره الله في القرآن: فهو الحوت حيث([97]) كان في بطنه يونس بن متى عليه السلام.

وأما المرأة التي عدتها ثلاثة عشر شهراً: فتلك امرأة مات عنها زوجها فاعتدت أربعة شهور فلما انقضت عدتها استبان حملها فكان عدتها ثلاثة عشر شهراً.

وأما رجلان لأب وأم أحدهما أقرب إليك من الآخر فإنهما أبوك وعمك هما لأب وأم فأبوك أقرب إليك من عمك.

وأما الرجل الذي قد حلف بطلاق امرأته لا يصوم شهر رمضان فإنه يسافر في ذلك الشهر، وكذلك الرجل يحلف أن لا يصلي إلا إحدى عشرة ركعة فيسافر أيضاً فيصلي الفجر ركعتين والظهر ركعتين والعصر ركعتين والمغرب ثلاث ركعات والعشاء([98]) ركعتين.

وأما الرجل الذي مات وترك ابنتين فورثت إحداهما ثلث ماله والأخرى ثلثي([99]) ماله فإن هذا رجل كان له مملوك وله ابنتان فاشترته إحداهما واعتقته فلما توفي ورثت [49 ب-ب ] إحداهما ثلث ماله بحقها وورثت الأخرى وهي التي أعتقته الثلث بحقها والثلث بحق المولى([100]).

وأما الرجل الذي هو من أهل الجنة وأمر الله نبيه عليه السلام أن لا يعمل بعمله فهو يونس بن متى عليه السلام يقول الله عز وجل: {وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}[القلم:48].

فهذه هي المسائل وأجوبتها؛ ولمّا أن أجاب ابن الجلندي كتاب رسول الله جاءت هديته وصدقته، وقد مات رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- وأخذ أبو بكر الهدية والصدقة فبلغ ذلك علياً عليه السلام فاتاه فقال: يا أبا بكر هذه هدية بن الجلندي ليس لك قَبْضُها فقسِّمها بين فاطمة والعباس وإلا حاكمتك السيف فقسمها([101]) عليهما، ولم يلتفت عليه السلام إلى ما روى أبو بكر عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث))، لعلمه بأن ذلك غير صحيح.

ويدل على فساده أنه معارض لكلام الله تعالى من حيث قال: معاشر الأنبياء ففيه دلالة على أن الأنبياء لا تورث فعارض قول الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}[النمل:16]، وقوله تعالى حاكياً عن زكريا عليه السلام: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[مريم:6]؛ فصار مما لا يعتمد عليه، ومتى قيل أفلستم رويتم أن علياً عليه السلام وارث للرسول بالأخبار الواردة بذكر الوراثة كما ذهب إليه بعض الأئمة عليهم السلام فما باله قسم الهدية بين فاطمة وبين العباس.

قلت([102]): لا اعتراض بذلك على قول من قال به لأن الحق له عليه السلام، وله أن يصريه حيث شاء فسقط الإعتراض.

وأما ما روينا عن عمر [ ]من قوله: لولا علي لهلك عمر، ورجوعه إليه في كثير من المسائل ففي ذلك ما روينا أن عمر [ ] رجع إليه عليه السلام في ثلاث وعشرين حكومة فأخذ بقوله فيها، وقال عمر فيه: لولا علي لهلك عمر، وقال: لا أبقاني([103]) الله لمعضلة في الدين لا يكون فيها علي بجنبي.

وروى عنه أيضاً لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيه أبو الحسن، وقوله[104]: امضوا بنا إلى علمائنا يعني علياً عليه السلام.

وكان من قول عمر على المنبر: ألا لا يتزوجن أحد منكم على أكثر من أربعمائة درهم فأعاقبه على ذلك، فقالت له امرأة من الناس: الله أعدل منك يا عمر إذ يقول تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً}[النساء:20]، والقنطار: أكثر من أربعمائة، فقال لنفسه: كلٌ أفقه منك يا عمر، وفي رواية أخرى: أنه خطب الناس في دولته وقال:أيها الناس من تزوج بغير الفريضة وهي الدينار فإن الله قد أحل دمه وماله، فقامت إليه امرأة من الأنصار فقالت: يا عمر إن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه بغير([105]) ما أخبرت وحكم لنا بغير ما حكمت فقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}[النساء:20] فالدينار أكثر أم القنطار ؟ فنزل من المنبر وهو يقول: تعس عمر حتى النساء أفقه منه.

ولما وضعت امرأة لستة أشهر أراد عمر رجمها.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ترجمها يا عمر فإن عذرها في كتاب الله تعالى، فسأله في أي كتاب الله تعالى.

فقال: في قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة:233]، وقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً}[الأحقاف:15].

فقال عمر: عند ذلك ما رويناه من قوله: لولا علي لهلك عمر.

وروي أن امرأة أتت حاجةً إلى بيت الله الحرام، فلما دخلت مكة حاضت فأتت إليه فقالت: يا أمير المؤمنين أتيت حاجةً إلى بيت الله الحرام، فلما وصلت رأيت ما يرين النساء.

فقال: بطل حجك وعليك الحج من قابل.

 قالت: هيهات ما([106]) جنيت ولا اعتمدت ما كان الله ليبطل سعيي والله إن لله ديناً (هو)([107]) غير هذا فدلوني على من يعرفني به فدلوها على علي بن أبي طالب عليه السلام فقصت عليه الخبر.

فقال: تقضين كل المناسك وتؤخرين الطواف بالبيت حتى تطهرين وقد تم حجك.

قالت: نعم هذا دين الله.

وروى عنه [ ] أنه طاف المدينة ذات ليلة فرأى ضوءاً في دار فتسورها فإذا امرأة في منزلها على سريرٍ لها وعندها ابن لها في المهد وهي تقول:

ألا ما لهذا الليل قد طال جانبه
فلولا اتقا الله لا شيئ غيره
لقطعت هذا الليل عرضاً وطوله

 

وليس معي فيه خليل ألاعبه
وإجلال بعلي(
[108]) أن تعرى مراكبه
وزعزع من هذا السرير جوانبه

فقال: أتقولين هذا([109]) يا عدوة الله وعدوة رسوله.

فقالت: بل أنت عدو الله وعدو رسوله إن الله تعالى أمر في كتابه أزواجنا أن لا يقفوا منا فوق أربعة أشهر، وأنت أخرجت زوجي إلى الشام له أربع سنين فأنت عدو الله وعدو رسوله.

فقال: إيذني لي أخرج.

فقالت: لم تستأذني في الدخول فآذن لك في الخروج.

قال: فافتحي لي الباب اخرج منه.

قالت: اخرج من حيث دخلت، فخرج فلما أصبح أمر أصحابه أن لا يقفوا في غزواتهم فوق([110]) أربعة أشهر، وفي هذا وأمثاله من أقواله وأفعاله أمور عجيبة([111]).

ومن قول عمر أيضاً ثلاث لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينها لنا ولو بينها لكانت أحب إليَّ من الدنيا وما فيها: الخلافة، والكلالة، والربا.

وفي جهل هذه الخصال الثلاث ممن ينسب إلى الإمامة هدم قواعد الدين؛ فما باله جعل الإمامة في قريش وهو يقول هكذا فأين يكون هذا من أمير المؤمنين عالم الغوامض، ومبين المشكلات عليه السلام.

وأما قضية أحبار اليهود مع عمر، فهو ما روى [ ] عن أبي يعقوب إسحاق([112]) بمدينة دمشق قال: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن مكرم بن عيسى السمسار في صفر سنة أربع وعشرين ومائتين.

قال: حدثنا زياد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبيه إسحاق، عن عكرمة عن بن عباس، قال: لما ولي عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من اليهود.

فقالوا: أنت ولي الأمر من بعد محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: نعم.

قالوا: نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام وعلمنا أن الدين حق، وإن لم تعلمنا بها علمنا أن الدين باطل وأن محمداً لم يكن نبياً -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: سلوا عما بدا لكم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قالوا: أخبرنا عن أقفال السماء، وعن مفاتيحها، وعن قبر سار بصاحبه، وعن من أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس، وعن خمسة مشوا في الأرض لم يخلقوا في الأرحام وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه، وما يقول الديك في صقيعه([113])، وما يقول الفرس في صهيله، وما يقول الحمار في نهيقه، وما يقول الضفدع في نقيقه، وما يقول القنبر في أنينه، وعن اثنين قائمين، واثنين ساعين، واثنين مختلفين، وأخبرنا عن اثنين متباغضين، واثنين مشتركين وعن واحد ليس له اثنان، وعن الإثنين، وعن الثلاثة، والأربعة، والخمسة، والستة، والسبعة، والثمانية، والتسعة، والعشرة، وعن الأحد عشر، وأخبرنا ما دون([114])، وما فوقه وما تحته، وعن أول حجر نزلت، وعن أول عين، وعن أول شجرة نبتت، وعن سفينة نوح كم كان طولها [69 أ - أ ] وعرضها.

وكيف يعرف الليل من النهار والنهار من الليل، وعن شيئ خلقه الله وسأل عنه، وعن بقعة لم ترى الشمس إلا مرة واحدة، وعن أول دم وقع على الأرض، وعن الجنة أفي الدنيا أم في الآخرة، وأين الآخرة من الدنيا.

فقال عمر: هلكت ونكس رأسه إلى الأرض، ثم رفع رأسه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: يا أبا الحسن ما أرى جوابهم إلا عندك [50 ب-ب].

قال علي: سلوا عما بدا لكم ولكن لي عليكم شريطة.

قالوا: وما شريطتك علينا.

قال: إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا.

قالوا: نعم يا أبا الحسن.

 قال: سلوا عن خصلة خصلة.

 قالوا: أخبرنا عن أقفال السماوات وما هي.

قال عليه السلام: أقفال السماوات الشرك بالله لأن العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرفع لهما عمل.

قالوا([115]): فما مفاتيح هذه الأقفال.

قال: مفاتيحها [109 -ج ] شهادة أن لا إله إلا الله، و أن محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قالوا: أخبرنا عن قبر سار بصاحبه.

 قال: ذلك الحوت حين التقم يونس بن متى فسار به في البحار السبعة.

قالوا: فأخبرنا عمن أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس.

قال: تلك النملة نملة سليمان بن داود عليهم السلام حين قالت: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}[النمل:18].

قالوا: فأخبرنا عن خمسة مشوا في الأرض لم يخلقوا في الأرحام.

قال: ذلك آدم، وحوى، وناقة صالح، وكبش إبراهيم، وعصا موسى.

قالوا: فأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه.

قال: يقول: الرحمن على العرش استوى.

قالوا: فما يقول الديك في صعيقه؟.

قال: يقول اذكروا الله يا غافلين.

قالوا: فما يقول الفرس في صهيله ؟.

قال: يقول اللهم انصر عبادك المؤمنين على الكافرين.

قالوا: فما يقول الحمار في نهيقه ؟.

قال: الحمار يلعن العشار وينهق في عين الشيطان.

قالوا: فما يقول الضفدع في نقيقه ؟.

 قال: يقول اللهم العن من عصى محمداً ومن عصى آل محمد.

 وفي رواية أخرى: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار، ثم قال رضى الله عنه: وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما المختلفان فالليل والنهار، وأما الساعيان، فالشمس والقمر، وأما المتباغضان، فالموت والحياة، وأما المشتركان فالليل والنهار الليل يأخذ من النهار والنهار يأخذ من الليل، وذلك قول الله عز وجل: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}[الزمر:5] وأما الواحد: فالله الذي لا إله إلا هو الفرد الصمد لم يتخذ صاحبة ولا ولد.والإثنان: الجنة والنار، والثلاثة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، والأربعة: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، والخمسة: خمس صلوات، والستة: فخلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، والسبعة: فسبع سماوات، والثمانية: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، والتسعة: فالتسع الآيات التي آتاهن الله موسى بن عمران، والعشرة فقول الله عز وجل: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ}[الأعراف:142]، والأحد عشر: فرؤيا يوسف عليه السلام.

 وأما قولكم: مادونِ، وما فوقِ، وما تحتِ: فالله دونه وفوقه وتحته والله قريب هاهنا وفي كل مكان، وذلك قول الله عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:7].

وأما أول حجر نزلت: فقد أجمعتم([116]) أنها الصخرة المعلقة في بيت المقدس وكذبتم إنما هي([117]) الركن هبط به آدم صلوات الله عليه من الجنة، وأما العين: فإنكم تقولون إنها العين التي تحت الصخرة وكذبتم إنما هي عين الحيوان، وأما الشجرة: فقد أجمعتم أنها شجرة الزيتون، وكذبتم إنما هي الشجرة التي أنبتها الله على يونس بن متى عليه السلام وهي: الدبا، والنخلة التي نزلت على مريم وهي القضيب الذي هبط به آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة فجميع الثمار منه.

وأما سفينة نوح: فكان عرضها ثمانمائة ذراع، وكان فيها ثلاثة سقوف ما بين كل سقفين عشرة أذرع، وكان أعلاها طبقاً([118]) من ساج، وكان في أعلاها الناس وفي وسطها الطعام، وفي أسفلها البهائم والطيور والسباع والهوام، ومعه ذرتان: ذرة الليل، وذرة النهار، ويعرف بهما ذلك.

وأما شيئ خلقه الله تعالى وسأل عنه: فعصى موسى، وأما البقعة التي لم تر الشمس فيها إلا مرة واحدة: فالبحر حين فرقه الله تعالى لموسى بن عمران عليه السلام حتى بان قعره، وأما أول دم وقع في الأرض فحيضة حوى، وأما قولكم في الجنة أهي في الدنيا أم في الآخرة، وأين الآخرة من الدنيا، وأين الدنيا من الآخرة، فإن الدنيا في الآخرة والآخرة مختلطة بالدنيا، إذ كانت النقلة من الحياة إلى الموت ظاهرة في الدنيا كانت الآخرة هي دار القرار لو كانوا يعلمون، والدنيا رسم الآخرة والآخرة رسم الدنيا، و إن الدنيا والآخرة إذا فارق الروح الجسد يرجع([119]) كل واحد منهما إلى ما منه خلق ومنه بدأ [51أ-ب] فكذلك الجنة والنار.

قال وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان فقالا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ووثب الآخر فقال: يا علي قد وقع في قلبي مثل ما وقع في قلوب صاحبي، ولكن بقيت لي خصلة أسألك عنها.

قال علي عليه السلام: سل.

قال: أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان ماتوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين ثم أحياهم الله تعالى.

قال: فابتدأ علي بن أبي طالب عليه السلام فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف:1] (أراد أن يقرأ سورة الكهف)([120]).

قال اليهودي: ما قل ما سمعنا قرآنكم فإن تكن عالماً فأخبرني بقصة هؤلاء القوم، وبأسمائهم، وعددهم، واسم كلبهم، واسم كهفهم [ 110-ج ]، واسم ملكهم، واسم مدينتهم.

-قال علي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أخا اليهود حدثني حبيبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه كان في أرض الروم مدينة يقال لها أقسوس، وكان لهم ملك صالح فمات فتشتت شملهم، وأمرهم واختلفت كلمتهم؛ فسمع بهم ملك يقال له: دقيانوس؛ فأقبل حتى ملك المدينة، ومعه مائتا ألف حصان، واتخذها دار مملكته، واتخذ فيها قصراً طوله: فرسخ، وعرضه: فرسخ، واتخذ في ذلك القصر مجلساً طوله: ألف ذراع، وعرضه مثل ذلك من الزجاج الممرد، واتخذ في ذلك المجلس (ألف)([121]) أسطوانة من الذهب، وألف قنديل من الذهب سلاسلها من اللجين تسرج بطيب الأدهان، وجعل في شرقي المجلس ثمانين مشكاة فكانت الشمس تدور في المجلس كيفما كانت، واتخذ له فيه سريراً من الذهب له قوائم من الفضة مرصعة بالجواهر، وأعلاه النمارق، وجعل على يمين السرير ثمانين كرسياً [70 أ- أ ] من الذهب مرصعة بالزبرجد الأخضر وأجلس عليه بطارقته، وجعل على يسار السرير ثمانين كرسياً من الفضة مرصعة بالياقوت الأحمر، وأجلس عليها هراً قتله، ثم جلس على السرير، ووضع التاج على رأسه؛ فوثب اليهودي وقال: يا أمير المؤمنين فما كان تاجه؟

قال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم: يا أخا اليهود، وكان تاجه من الذهب المشبك الأربعة الأركان على كل ركن درة بيضاء تضيئ كما يضئ المصباح في الليلة الظلماء، واتخذ خمسين غلاماً من أولاد الهراقلة فقرطهم بأقراط الذهب الأحمر، وألبسهم الديباج الأحمر وسرولهم سراويلات الفرند، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم، وأعطاهم الأعمدة من الذهب، وأرفعهم على كراسيه، واتخذ سته أغلمة، وجعلهم وزراءه، وجعل([122]) ثلاثة عن يمينه، وثلاثة عن يساره؛ فوثب اليهودي فقال: يا علي فما كان أسماء الثلاثة الذين كانوا عن يمينه ؟، وما أسماء الثلاثة الذين كانوا عن يساره ؟

فقال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله يا أخا اليهود

أما الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكان أسماؤهم: يمليخا، ومكسلمينا، ومكشطيسا، وكان أسماء الثلاثة الذين كانوا عن يساره: مرنوش، ودبرنوش، وشادرنوس؛ فكان يستشيرهم في جميع أموره، وكان يجلس كل يوم في صحن داره البطارقة عن يمينه، والهراقلة عن شماله، وكان له: ثلاثة غلمان في يد أحدهم: جام من الذهب مملوء ماء الورد، وفي يد الآخر: جام من الفضة مملوء مسكاً، وفي يد الآخر: طائر أبيض له منقار أحمر قد أدب ذلك الطائر؛ فإذا نظر إليه الملك، وصفر له طار حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ في جام الماء فيه فيحتمل ما كان في الجام بريشه وبجناحه، ثم يصفر له الثانية: فيطير الطائر حتى يقع على جام المسك [أب-ب] فينفض ما في ريشه وجناحيه على رأس الملك؛ فلما نظر إلى ذلك الملك عتا وتجبر وادعى الربوبية من دون الله، ودعا إلى ذلك قومه، فكان من أجابه: أعطاه وحباه وكساه، وكل من لم يتبعه: قتله فأجابوه بأجمعهم، واتخذ لهم عيداً في كل سنة مرة واحدة؛ فلما كان ذات يوم، والبطارقة عن يمينه، والهراقلة عن يساره؛ إذ أتاه بطريق فأعلمه بعساكر الفرس أنها قد غشيته فاغتم لذلك غماً شديداً، حتى سقط التاج عن رأسه؛ فنظر إليه الفتية الذين كانوا عن يمينه، وكان يقال له: تمليخا، وكان عاقلاً فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلهاً كما يزعم إذاً ما كان يغتم، ولا يفرح، ولا يتغيظ، ولا ينام ولا يستيقظ، وليس هذا من أفعال الآلهة.

وكان الفتية الستة يكونون كل يوم عند واحد منهم؛ فلما كان يوم تمليخا أعد لهم من أطيب الطعام، وأعذب الشراب؛ فطعموا، وشربوا، ثم قال لهم: يا إخوتاه قد وقع في قلبي شيئ منعني من الطعام والشراب والمنام

قالوا: وما ذلك يا تمليخا ؟

قال: إني أطلت فكري في هذه السماوات فقلت: من رفع سقفها محفوظاً بلا علاقة من، فوقها ولا دعامة، من تحتها، ومن أجرى فيها شمساً وقمراً[70 ب-أ] آيتان مضيئتان ومن زينها بالنجوم! وأطلت الفكرة في هذه الأرض؛ فقلت من سطحها على صمم اليم الزاخر، ومن حبسها بالجبال أن تميد، وأطلت فكري في نفسي، فقلت: من أخرجني من بطن أمي! ومن غذاني ورباني! إن لهذا صانعاً ومدبراً سوى دقيانوس، وما هو إلا ملك الملوك وجبار السماوات قال: فانكب الفتية على رجليه يقبلونهما ويقولون: هدانا الله بك من الضلالة إلى الهدى فأشر علينا يا تمليخا.

قال: فوثب تمليخا فباع ثمرة من حائط بثلاثة دراهم، وعقدها في دابة وركبوا على خيولهم، وخرجوا من المدينة؛فلما صاروا ثلاثة أميال.

قال تمليخا: يا إخوتاه قد جاءت سكينة الآخرة، وذهب [111-ج] ملك الدنيا انزلوا عن خيولكم، وامشوا على أقدامكم لعل الله أن يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً؛ فنزلوا عن خيولهم، ومشوا على أقدامهم تسعة فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دماً فاستقبلهم راعي

فقالوا: أيها الرجل هل إلى شربه من ماء أو لبن

فقال الراعي: عندي ما تحبون، ولكني أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنكم هربتم إلا من دقيانوس الملك.

قالوا: أيها الراعي لا يحل لنا الكذب أفتجيبنا الصدق، فأخبروه بقصتهم فانكب الراعي على أرجلهم يقبلها وقال: يا قوم لقد وقع في قلبي مثل ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتى أؤدي هذه الغنم إلى أهلها فراح بها إلى أهلها وأقبل يسعى فتبعه كلب له.

قال: فوثب اليهودي.

فقال: يا علي فما كان اسم الكلب؟ وما كان لونه ؟.

فقال علي: لا حول ولا قوة إلا بالله يا أخا اليهود أما لون الكلب: فكان أبلق أسود، وأما اسمه: فقطمير؛ فلما نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض: إنا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه فألحوا عليه بالحجارة ليطردوه فأقعى عن ذنبه وتمطى ونطق بلسان طلق خلق وهو يقول: لِمَ تطردوني وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ فذروني حتى أحرسكم من عدوكم؛ فجعلوا يبتدرون إليه وحملوه على أعناقهم؛ فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علا بهم على جبل يقال له: الخلوص، وانحط بهم على كهف يقال له: الوصيد فإذا بفناء الكهف عين غزيرة، وأشجار مثمرة، فأكلوا من الثمرة، وشربوا من الماء، وجنَّهم الليل؛ فآووا إلى الكهف؛ فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت يقبض أرواحهم ووكل الله بكل رجل منهم ملكين يقلبانه من ذات اليمين إلى ذات الشمال، ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين، وأوحى الله إلى خزان الشمس؛ فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال، ثم إن دقيانوس سأل عن الفتية فأخبر أنهم خرجوا هاربين فركب في مائتين ألف حصان؛ فلم يزل يقفو آثارهم حتى علا الجبل وانحط على الكهف؛ فلما نظر إليهم رآهم نياماً فقال: لو أردت أن أعاقبهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم ولكن على بالبنائين؛ فسدوا الكهف بالطين والحجارة، ثم قال لأصحابه: قولوا لهم يقولوا لإلههم الذي في السماء أن يملكهم إن كانوا صادقين وأن يخرجهم من هذا الموضع.

قال علي عليه السلام: يا أخا اليهود فمكثوا ثلاثمائة سنين وتسع سنين ؛فلما أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ فيهم الروح، فنفخ فيهم الروح فقاموا من رقدتهم، فلما بزغت الشمس قال بعضهم لبعض: لقد غفلنا [71 أ–أ] عن عبادة رب السماوات في هذه الليلة فقاموا: فإذا العين قد غادرت والأشجار قد جفت فقال بعضهم لبعض: إن في أمرنا لعجباً مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة، والأشجار قد جفت ومسهم الجوع.

فقالوا: {ابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً}[الكهف:19،20].

قال لهم تمليخا: لا يذهب في حاجتكم غيري، ولكن أدفع إلي أيها الراعي ثيابك فدفع إليه الراعي ثيابه وجعل يوم المدينة، وجعل ينظر مواضع لا يعرفها، وطريقاً ينكرها حتى أتى باب المدينة فإذا فيه علم أخضر مكتوب بالصفرة لا إله إلا الله عيسى روح الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قال: فجعل ينظر إلى العلم ويمسح عينيه، وجعل يداني بابها فدخل المدينة حتى أتى السوق فإذا رجل خباز:

فقال: أيها الخباز ما اسم هذه المدينة.

قال: أقسوس.

قال: فما اسم ملكهم.

قال: عبد الرحمن.

قال: يا هذا أتراني تائهاً.

قال الخباز: أتهزأ بي تكلمني وتقول تراني تائهاً.

قال تمليخا للخباز: ادفع إلي بهذه الدراهم طعاماً.

قال: فجعل الخباز يتعجب من ثقل الدراهم وكبرها.

قال: فوثب اليهودي وقال: فكم وزن كل درهم منها ؟.

قال علي عليه السلام: لا حول ولا قوة إلا بالله يا أخا اليهود كان وزن كل درهم منها عشرة دراهم وثلثي درهم.

قال له الخباز: أيها الرجل أصبت كنزاً.

قال تمليخا: ما أصبت كنزاً وما هذه إلا من ثمن ثمرة بعتها منذ ثلاثة أيام، وخرجت من هذه المدينة وتركت الناس يعبدون دقيانوس الملك، فغضب الخباز وقال: أصبت كنزاً ولا تعطي بعضه وتذكر رجلاً جباراً كان يدعي الربوبية منذ أكثر من ثلاثمائة سنة، وجعل الخباز يلب تمليخا، حتى أدخله على الملك

فقال الملك: ما شأن هذا الفتى؟

قال الخباز: هذا رجل أصاب كنزاً.

قال له الملك: يا فتى لا تخف إن نبينا عيسى عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها، فادفع خمسها وانصرف سالماً.

قال تمليخا: أيها الملك انظر في حالي؛ فإني ما أصبت كنزاً، وما هذه إلا من ثمن ثمرة بعتها، وأنا رجل من هذه المدينة.

فقال له الملك: أنت من أهلها!

قال: نعم.

قال: فهل تعرف أحد؟

قال: نعم:

قال: سم فسمى نحواً من ألف رجل فلم يعرف منهم رجل واحد.

قال: ما هذه الأسماء

قال: أسماء أهل زماننا

قال الملك: فهل في هذه المدينة لك دار

قال: نعم أركب معي أيها الملك

قال: فركب الملك والناس معه فأتى بهم أرفع دار في المدينة.

فقال: هذا الدار داري.

قال: فقرع الباب فخرج عليهم شيخ كبير قد سقط حاجباه على عينيه [112-ج] من الكبر.

فقال: ما شأنكم قال له الملك: أتيتك بالعجب العجاب زعم هذا أن هذه الدار داره.

فقال له الشيخ: من أنت؟

قال: أنا تمليخا بن قسطنطين.

قال: فأنكب الشيخ على قدميه يقبلها ويقول: جدي ورب الكعبة، وقال: هؤلاء الفتية الذين خرجوا من دقيانوس الملك فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه وجعل الناس يقبلون يديه ورجليه.

قال الملك يا تمليخا: ما فعل أصحابك فأخبره أنهم في الكهف، وكان وليهم يومئذ ملكان ملك مسلم، وملك نصراني؛ فركبوا معهم في أصحابهم؛ فلما كانوا قريباً من الكهف.

فقال لهم تمليخا: يا قوم إني أخاف أن يسمع أصحابي أصواتكم وحوافير خيلكم فيظنون أن دقيانوس قد جاء في طلبهم ولكن امهلوني حتى أقدم إليهم فأخبرهم فوقف الناس وتقدم تمليخا حتى دخل الكهف فلما نظر إليه أصحابه اعتنقوه.

وقالوا: الحمد لله الذي نجاك من دقيانوس.

فقال لهم تمليخا: دعوني عنكم وعن دقيانوس كم لبثتم.

قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم.

قال لهم تمليخا: بل لبثتم ثلاثمائة سنين وتسع سنين، وقد مات دقيانوس وقرن بعد قرن، وقد بعث الله نبياً يقال له عيسى بن مريم، ورفعه الله تعالى إليه، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه.

قالوا يا تمليخا: أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين.

قال: فما تريدون؟

قالوا: ندعو الله وتدعوا معنا أن يقبض أرواحنا وأن يجعل عشاءنا عنده في الجنة؛ فرفعوا أيديهم إلى السماء وقالوا: ياإلهنا بحق من أنشأ من التراب بشراً أمنن علينا بقبض أرواحنا؛ فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم، وطمس الله ذلك الكهف على الناس فأقبل الملكان يطوفان بباب الكهف سبعة أيام لا يجدون للكهف باباً فقال الملك المسلم: ماتوا على ديني أبني عليهم مسجدا، وقال النصراني: ماتوا على ديني ابني عليهم دارا فاقتتلا فقتله المسلم وبنى عليهم مسجدا؛ ثم قال علي عليه السلام: يا أخا اليهود [52 ب-ب] سألناك بالله أيوافق هذا ما في توراتكم، وقال اليهودي: والله ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفا وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده رسوله -صلى الله عليه- وعلى أهل بيته وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلم، وارحم، وكرم.

وروى بن حنبل، ونحن نرويه عنه في مسنده، ورفعه بإسناده إلى قتادة عن الحسن: أن عمر بن الخطاب أراد أن يرجم مجنونة، فقال علي عليه السلام: مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يبرا أو يعقل، وعن الطفل حتى يحتلم فدرا عنها عمر.

ومثل ذلك روي أن رجلاً دخل على عمر بن الخطاب في خلافته وعنده أمير المؤمنين عليه السلام

فقال له: يا أمير المؤمنين هل للصلاة تأويل سوى التعبد، فسكت عمر ولم يرد جواباً، ثم التفت الرجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فقال له يا أمير المؤمنين: للصلاة تأويل سوى التعبد!

فقال له: نعم، وفي الصلاة تأويل يدل على التوحيد.

قال: فما تأويل تكبيرة الإحرام؟

قال: تأويلها الله أكبر أنْ يحس بالحواس الخمس، أو تمس بالأجناس المتناقضه.

قال: صدقت يا أمير المؤمنين.

قال: فما تأويل الركوع؟

قال: آمنت بالله ومددت له عنقي فلو ضربت لم أرجع عن ذلك أبداً.

قال: صدقت يا أمير المؤمنين، فما تأويل السجود قال تأويل السجدة الأولى: اللهم منها خلقتني يعني الأرض والثانية إن فيها تعيدني، والجلوس ما بين ذلك أن منها تخرجني تارة أخرى.

قال: صدقت يا أمير المؤمنين.

قال: فما تأويل رفع الرجل اليمنى ووضع اليسرى؟

قال: تأويلها اللهم ارفع الحق وضع الباطل.

قال: أنت أمير المؤمنين حقاً.

ومثل ذلك ما رواه في فتوح عمر أن قواده وجدوا خزانة من خزائن كسرى مقفلة، وأرادوا فتحها، فضجت فارس من ذلك، فلم يزالوا حتى فتحوها؛ فوجدوا فيها رجلاً ميتاً طول أنفه شبر؛ فلم يدروا ما شأنه وكتبوا إلى عمر، فلم يجد عمر علمه عند رجل([123]) من أصحاب رسول الله -صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم- حتى أرسل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله فاخبره بما كتب إليه أبو موسى الأشعري من جهة الميت.

فقال علي صلوات الله عليه لعمر: وما عرفت الرجل أنت ولا من معك من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

فقال عمر: ما عرفته وهم هؤلاء ما عرفوه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: هذا نبي من الأنبياء صلوات الله عليه يقال له دانيال.

فقال: من أعلمك بهذا ؟

قال: أعلمني به رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فكتب عمر إلى أبي موسى بخبره فأرسل أبو موسى بكتاب عمر إليهم فقالوا: صدقتم أنتم أصحاب نبي وصاحبكم وصي نبي، فلما وصل كتاب أبو موسى بذلك إلى عمر قرأه على أصحابه، ثم قال: لعلي عليه السلام ما أعلمك يا أبا الحسن وأجلك وأنبلك.

فهذه المسائل المتقدمة كلها، وما شاكلها من ما هو مذكور في غير هذا الموضع استخلص فيها أمير المؤمنين أبا بكر، وعمر، وأيد الله به دينه، وقمع الباطل وشياطينه، واظهر عليه السلام في تلك المواقف مكنون العلم لكونه هو الوصي، والمطلع على أسرار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمستودع مكنونات العلم.

وقد قيل في قول الله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران:7]، أنه علي بن أبي طالب عليه السلام يؤيد بذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا مدينة العلم وعلي بابها، وما أشبه ذلك مما قدمناه.

وروي بإسناده إلى أبي الدرداء قال: العلماء ثلاثة: رجل بالشام يعني نفسه ورجل بالكوفة يعني ابن مسعود ورجل بالمدينة يعني علياً عليه السلام والذي بالشام يسأل الذي بالكوفية، والذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة، والذي بالمدينة لا يسأل أحداً.

فأي هؤلاء يعد الفضل له أيها المسترشد؟

قد روى أنه كان لأبي بكر سبعون قضية في الجد والجدة، ثم قال: يا ليتني سألت رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- عن حكم الجدة.

رواه أبو القاسم البستي في كتاب: (المراتب)، ونحن نرويه عنه، وقال الإمام المنصور: بالله عليه السلام في كتاب (الشافي): إن أبا بكر لما عظم عليه الخطب في سهم الجدة رجع إلى خبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة بعدما قال: لا أجد لها في كتاب الله شيئاً، وسأسأل المسلمين عنه، ثم أخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض لها السدس أين هؤلاء ممن أخرجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن.

فقال عليه السلام: تخرجني إلى قوم هم أسن مني وكيف اقضي بينهم؟.

قال: فضرب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يده على صدره وقال: ((اللهم ثبته وسدده ولقنه فصل الحكم)).

قال عليه السلام: فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك اليوم.

وهذا هو الذي أردناه بقولنا: وهو الذي ما شك قط في قضاء، ونحن نروي عن ابن حنبل هذا الحديث [ ] في مسنده رفعه إلى سماك عن حسن عن علي عليه السلام، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قاضياً.

 فقلت: تبعثني إلى قوم ذوي أسنان، وأنا حدث السن لا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري، وقال: ثبتك الله، وسددك، إذا جاءك خصمان، فلا تقضي للأول حتى تسمع من الآخر فإنه أجدر أن يتبين لك القضاء، قال فما زلت قاضياً.

ورفعه إلى المعتمر عن علي وحكى قول علي بما يقرب من الأول [76 ب - أ ] قال: فدعا لي بدعوات يعني بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعه إلى حارثه، وحكى قول علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو مثل الأول فقال: اذهب فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك.

ورفعه إلى أبي البحتري عن علي عليه السلام وذكر قوله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ادن مني فدنوت منه فضرب بيده على صدري فقال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه)).

قال: فما شككت في قضاء بين اثنين.

وروى ابن حنبل فيه أيضاً، ورفعه إلى عبد الله بن يزيد أنه ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضاء قضا به علي بن أبي طالب فأعجب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: الحمد الله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.

وروى أيضاً فيه ورفعه إلى سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها([124]) أبو الحسن عليه السلام، وليس هذا إلا له في باب العلم،أين هؤلاء من باب العلم وباب الحكمة بنص الرسول عليه السلام([125]) الذي لا نوع من العلم في الصدر الأول يعد أربابه إلا ويعد أولهم وأعلمهم.

وفيه قال محمد بن الحسن الفقيه: لولا علي لما عرفنا أحكام أهل البغي، وله كتاب يشتمل على خمسة آلاف مسألة في قتال أهل البغي بناءً على فعل أمير المؤمنين، وأهل الفقه في سير أهل البغي يرجعون إليه في القول، والفعل كما يرجعون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سير الكفار.

ثم فيه إجماع العترة عليهم السلام على أنه أعلم الأمة، وإجماعهم حجة على ما تقدم، وقد انتسب إليه أهل النحو في نحوهم وقالوا: بأنه سماه نحواً، وأمر أبا الأسود الدؤلي أن ينحوا لهم نحواً وذلك أن أبا الأسود الدؤلي كان له صبي يقودة، وكان يمشي في الرمل الحامي، فتحترق رجله فقال: ما اشدُ الحر بضم الدال فقال له أبو الأسود: حر تهامة، والصبي يريد ما أشد الحر الذي يحرق رجلي فلما كرر الصبي، وكرر عليه أبو الأسود بكى الصبي فعلم أبو الأسود ما أراده فجاء إلى أمير المؤمنين ووصف له فقال: فسد لسان أهلنا لاختلاطهم بالعجم، فلو عملت في الإعراب شيئاً يعلمه([126]) أولادنا فعمل وجمل([127]) إليه ما أحسن ما نحوت هذا النحو فسمي النحو نحواً وهو الأصل فيه.

وروى أيضاً أنه عليه السلام سمع رجلاً يقول: قتل الناس عثمان، ولم يعرب فقال له عليه السلام: ارفع الفاعل، وانصب، المفعول رض الله فاك ثم قال: يا أبا الأسود انح لهم نحوا فإن الكلام كله ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف جاء لمعنى، والفاعل: مرفوع أبدا، والمفعول به: منصوب أبدا ونون الإثنين مكسورة أبدا، ونون الجمع مفتوحة أبداً فكان عليه السلام الأصل في ذلك.

وعنه عليه السلام: أخذ بن عباس التفسير وهو أكبر المفسرين، ولهذا قال ابن عباس: العلم ستة أسداس: فلعلي خمسة أسداس خاصة، وقد شاركنا في السادس حتى زاد علينا.

ولما مات علي عليه السلام [ ]قال بن عباس: مات رباني هذه الأمة يعني: علياً عليه السلام.

وهو عليه السلام الذي خطب بالتوحيد وأدلته، وعنه: أخذ في ذلك كثير من العلماء.

فأما مواعظه، وأسجاعه، وآدابه فمنها يقتبس البلغاء، وبها يحتج الفصحاء، وعليها يسجع الأدباء

وقد روى أن له خمسمائة خطبة أو أزيد من هذا كلها بالغة من الفصاحة النهاية القصوى بعد كلام الله جل جلاله وكلام رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم.

فأما الحكم فهو الذي ينتهي إليه الحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يؤثر([128]) عن أحد من الصحابة ببعض ما يروى عنه [114 - ج ].

 وروي عن الجاحظ أنه قال ما وجدت كلمة إلا وجدت لها نظيراً إلا تسع كلمات قالهن فيلسوف العرب: علي بن أبي طالب وهو قوله: أحسن إلى من شئت تكن أميره، واحتج إلى ما شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، والناس أبناء ما يحسنون ما هلك امرء عرف قدره، ما هلك امرء بعد المشورة سل الله قدره([129])، قيمة كل امرء ما يحسنه بقية عمر المرء لا قيمة له يدرك بها ما فات ويحيى بها ما أماته.

وروينا من [ ] كتاب: (جلاء الأبصار) عن الحاكم رحمه الله باسناده إلى أبي الفضل: أحمد بن أبي طاهر صاحب أبي عثمان الجاحظ قال: كان الجاحظ يقول لنا [ 53 ب -ب ] زماناً إن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مائة كلمة كل كلمة منها تفي بألف كلمة من محاسن كلام العرب قال: وكنت أسأله دهراً بعيداً أن يجمعها أو يمليها علي، وكان يعدني بها ويتغافل عنها ضناً بها قال: فلما كان آخر عمره أخرج يوماً (جملة)([130]) من مسوادت مصنفاته؛ فجمع تلك الكلمات وأخرجها إلي بخطه، فكانت الكلمات المائة هذه لو كشف الغطا ما ازددت يقيناً، الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

الناس في زمانهم أشبه منهم بآبائهم ما هلك امرء عرف قدره، قيمة كل امرء ما يحسنه، ومن عرف نفسه([131]) عرف ربه، المرء مخبوء تحت لسانه من عذب لسانه كثر إخوانه، بالبر يستعبد الحر بشر مال البخيل بحادث أو وارث، لا تنظر إلى من قال ولكن انظر إلى ما قاب الجزع عند البلاء تمام المحبة لا ثناء مع الكبر لا بر مع شح، لا صحة مع النهم، لا شرف مع سوء أدب، لا إجتناب محرم مع حرص، لا راحة حسود مع حسود، لا سؤدد مع انتقام، لا محبة مع مراء، لا ظفر مع البغي، لا زيادة([132]) مع عازة، لا صواب مع ترك المشورة، لا مرؤة لكذوب، لا وفاء لملول، لا كرم أعز من التقى، لا شرف أعلى من الإسلام، لا معقل أحرز من الورع، لا شفيع انجح من التوبة، لا لباس أجود من السلام لا داء أعياء من الجهل، لا مرض أضنى من قلة العقل، لسانك يقتضيك ما عودته. المرء عدوا، ما جهله رحم الله امرء عرف قدره، ولم يتعد طوره إعادة الإعتذار تذكير للذنب، النصح بين الملأ تقريع، إذا تم العقل نقص الكلام، الشفيع جناح الطالب، نفاق المرء ذلة، نعمة الجاهل كروضة على مزبله. الجزع أتعب من الصبر، المسؤل حر حتى يعد أكبر، الأعداء أخفاهم مكيدة، من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه، السامع للغيبة أحد المغتابين، الذل مع الطمع، الراحة مع اليأس، الحرمان مع الحرص، من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه، [73 ب-أ]، واستخفاف به عبد الشهوة أذل من عبد الرق، الحاسد مغتاض، من لا ذنب له كفى بالظفر شفيعاً للمذنب، رب (ساعٍ)([133]) فيما يضره، لا تتكل على المنى فإنها بضائع النوكى، اليأس حر والرجا عبد، ظن العاقل كهانة، من نظر اعتبر، العداوة شغل القلب، القلب إذا أكره عمى، الأدب صورة العقل، لا حياء لحريص، من لانت أسافله صُلبت أعاليه، من أتى في عجابه قل حياؤه وبذل لسانه، السعيد من وعظ بغيره، الحكمة ضالة المؤمن، الشر جامع لمساوئ العيوب، كثرة الوفاق نفاق، وكثرة الخلاف شقاق، رب أمل خائب ورب رجاء يؤدي إلى الحرمان، رب أرباح تؤدي إلى الخسران، رب طمع كاذب، البغي سابق إلى الجبن، في كل جرعة شرقه، ومع كل أكلة غصة من كثر فكره في العواقب لم يشجع. إذا حلت المقادير ضلت التدابير، إذا حل المقدور بطل التدبير، إذا حل القدر بطل الحذر، الإحسان يقطع اللسان، الشرف العقل والأدب، لا الأصل والحسب، أكرم الحسب حسن الخلق، أكرم النسب حسن الأدب، أفقر الفقر الحمَق، أوحش الوحشة العجب، أغنى الغنى العقل، الطامع في وثاق الذل، احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود، أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع، من أيدا([134]) صفحته للحق([135]) هلك، إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة، من لان عوده كثف([136]) أغصانه، قلب الأحمق في فيه، ولسان العاقل في قلبه، من جرى في عنان أمله عثر بأجله، إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر، إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً لقدره عليه، ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر منه في فلتات لسانه وصفحات وجهه. اللهم اغفر رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ وشهوات([137]) الجنان وهفوات اللسان.

 البخيل مستعجل بالفقر، يعيش في الدنيا عيش الفقرا، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.

لسان العاقل ورأ قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه.

قال الجاحظ: معناه أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مراجعة فكره ومفاحصة رأيه فكان لسان العاقل تابع لرأيه، وكان قلب الأحمق وراء[54أ -ب] لسانه، وأهل الكلام ينسبون مذاهبهم إليه؛ فالزيدية ترجع إلى الإمام أبي الحسين زيد بن علي عليه السلام، وهو يرجع إلى أبيه وإلى الباقر وهم يرجعون إلى علي عليه السلام.

والإمامية تنسب مذهبها إلى الصادق، والصادق يأخذ عن الباقر والباقر [ب11 -ج] يأخذ عن زين العابدين، وزين العابدين يأخذ عن الحسين بن علي، وهو يأخذ عن علي عليه السلام، وكذلك المعتزلة يقولون بأن قاضي القضاة أخذ الأصول عن الشيخ أبي عبد الله، وأبو عبد الله أخذ عن أبي هاشم وأبو هاشم أخذ عن أبي علي، وأبو علي أخذ عن أبي يعقوب الشحام، وأبو يعقوب أخذ عن أبي الهذيل، وأبو الهذيل أخذ عن أبو عثمان الطويل، وأبو عثمان أخذ عن: واصل بن عطاء، وأخذ واصل بن عطا عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيه، وأخذ أبو هاشم عن أبيه محمد بن علي الملقب: بابن الحنفية ومحمد أخذ عن أبيه أمير المؤمنين.

هكذا يقول هؤلاء كلهم في انتسابهم إليه عليه السلام، والحق من ذلك كله ما قامت عليه الدلالة([138]) [74أ-أ] الواضحة.

لكن أردنا أن نريك كيف عده الكل قدوة، وهو عليه السلام أهل ذلك وموضعه، وليس واحد من الأمة غيره يعد حجة، وقدوة؛ بل يجوز عليهم الخطأ، والسهو، والعمد إذا([139]) لم تدل الدلالة على باطنهم.

وإذا كان الأمر في أمير المؤمنين عليه السلام كما روينا في هذا الموضع وفي غيره في علمه كان من هو يعلم ما كان، وما يكون بإخبار الغيب التي خصت([140]) بها، وغيرها من العلوم أولى بموضع الإقتداء من غيره كما فضل الله تعالى من يعلم على من ليس يعلم([141]) كذلك كقوله تعالى: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}[الزمر:9].

وقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11]، وقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28].{ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ}[العنكبوت:43].

إلى غير ذلك، والعجب ممن قال إن أبا بكر عرَّف علياً موضع قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وروي: أن الأنبياء يدفنون في حيث يموتون، وهذا القول محال؛ لأن السيد أبا طالب عليه السلام روى في شرح التحرير أن علياً عليه السلام روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الأنبياء يدفنون حيث يموتون)).

ومن المعلوم الظاهر أنه عليه السلام كان يخبرهم بما هو أغمظ من هذا وأعجب من علم الغيب الذي اختصه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يخفى عليه مثل هذا!

وعن أبي الطفيل: شهدت علياً وهو يخطب ويقول: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيئ يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به.

وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: علي يعلم الناس من بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون؛ فكيف يستحل المخالف أن يتوهم أو يوهم غيره أن غيره عليه السلام أعلم منه وقدر روى عن النبي –صلى الله عليه وآله ­وسلم- أنه قال: إن الله تعالى عرف علياً وزوجته، وابنيه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اهتدوا بالشمس فإن غابت الشمس فاهتدوا بالقمر فإن غاب([142]) القمر فاهتدوا بالزهرة فإن غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين، قيل يا رسول الله: وما الشمس وما القمر وما الزهرة، وما الفرقدان.

قال الشمس: أنا، والقمر: علي، والزهرة: فاطمة، والفرقدان: الحسن والحسين عليهما السلام.

فكيف يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهتدى بمن غيره حاضر معه هو اعلم منه بزعم مخالف وإن كان هذا القول مما يظهر سقوطه، وينهدم أساسه، وهل هو إلا كمن يقول الليل أضواء من النهار:

وفيه في غزوة([143]) تبوك أثر
جاء به من ذي الجلال الخبر

 

فضيلةٌ ومعجزٌ مشتهروا
فعرس القوم له وانتظروا

وخصه باسمه([144]) جبريل
هل مثل هذا في الرجال قبل

 

كما بهذا نطق الرسول
كلا ولكن ضلت العقول

أردنا بذلك ما روينا عن[ ] أنس بن مالك: قال لما خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك استخلف علياً عليه السلام على المدينة وما هنالك.

 فقال المنافقون عند ذلك إن محمداً قد شنا بن عمه، ومن له فبلغ ذلك علياً فشد رحله، وخرج من ساعته فهبط جبريل عليه السلام على رسول الله -صلى اله عليه وآله وسلم- فخبره بقول المنافقين في علي عليه السلام، وخرج علي للحاق به فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منادياً فنادى بالتعريس في مكانهم ففعلوا ثم جاؤا إليه [54 ب - ب ] يسألونه عن نزوله في غير وقت التعريس؛ فأخبرهم بما أتاه جبريل عن الله وأخبرهم أن الله عز وجل أمره أن يستخلف علياً في المدينة، ثم قال فركب قوم من أصحاب النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ليتلقوه فما راموا مواضعهم إلا وقد طلع علي عليه السلام مقبلاً قال: فتلقاه رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ماشياً وتبعه الناس فعانقه رجل رجل، ثم جلس رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- لعلي ما أقبل بك إلينا يا ابن أبي طالب فقص عليه القصة من قول المنافقين فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يا علي ما خلفتك إلا بأمر الله ما([145]) كان يصلح لما هنالك غيري وغيرك أما ترضى يا ابن أبي طالب أن أكون استخلفتك كما استخلف موسى هارون، والله إنك مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

 قال: فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم للناس فدفع إلى علي بن أبي طالب سهمين فأنكر ذلك قوم فقال صلى الله عليه وآله وسلم أيها الناس هل أحد أصدق مني قالوا: لا يا رسول الله قال: أيها الناس أما رأيتم صاحب الفرس الأبلق أمام عسكرنا في الميمنة مرة وفي الميسرة مرة قالوا: رأيناه يا رسول الله فماذا هو قال ذاك جبريل عليه السلام قال لي: يا محمد أن لي سهماً مما فتح الله عليك وقد جعلته لابن عمك علي بن أبي طالب فسلمه إليه قال أنس: فكنت فيمن بشر علياً عليه السلام بقول رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وفي هذا معجزة([146]) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أعلمهم بما كان من علي عليه السلام ومن المنافقين [116-ج].

وقدوم علي عليه السلام فكان كما ذكروا فيه فضل عظيم لعلي عليه السلام إذ نزل الوحي بقدومه فعرس النبي صلى الله عليه وآله وسلم لانتظاره في غير وقت التعريس.

وليس([147]) يفعل إلا ما أمره الله به في ذلك، ثم في أعطاء جبريل علياً عليه السلام واختصاصه له فذلك نهاية الفضل وأنَّا يوجد للقوم مثل هذا لكن طاشت الحلوم، وزالت العقول والله المستعان.

وسنتكلم في أحاديث المنزلة بما يدخل فيه تمام الخبر عند الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى:

ومثل هذا خبر السفرجله
فضل من البر الرحيم أنزله

 

وخبر اللوزة أيضاً فهو له
خوَّله آخره وأوله

وخبر التفاح فيه فضل
وجاء في الرمان فضل يعلوا

 

وشرف يجار فيه العقل
فهل لهم منه سواه أهل

وفي حديث الطير والبساط
في أمره ويدحظ التعاطي

 

والسطل ما يوهي ذوي الفلاط
فنج ودع مداحظ الأخلاط

أم حديث السفرجلة ففي ذلك ما روينا عن عكرمة عن بن عباس: قال: نزل جبريل في بعض [75 أ - أ ] الحروب فناول علياً سفرجلة ففتقها فإذا في وسطها حريرة خضرا مكتوب عليها تحية الغالب الطالب علي بن أبي طالب.

وأما حديث اللوزة فهو ما روينا عن:أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاع جوعاً شديداً؛ فهبط جبريل عليه السلام بلوزة خضرا من الجنة فقال له: افككها ففكها، فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته به.

وروينا من مناقب بن المغازلي ما رفعه إلى بن عباس رضى الله عنه قال: جاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جوعاً شديداً فأتى الكعبة فأخذ بأستارها وقال: اللهم لا يجع محمد أكثر مما أجعته فهبط جبريل عليه السلام ومعه لوزة فقال: إن الله تبارك وتعالى يقرئ عليك السلام ويقول لك: فك عنها فإذ ا فيها ورقة خضرا مكتوب فيها: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته ما أنصف الله من نفسه من اتهمه في قضائه واستبطاه في رزقه)).

وأما حديث التفاح فهو ما رواه سادات بني أبي طالب، وروينا عنهم أنه دخل موسى على أبيه الحسين بن علي عليهم السلام كل ذلك يروي خبر التفاح والضحك من أبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنه ناول علياً تفاحاً سقط من يده وصار نصفين، وخرج من وسطه (مكتوب)([148]): تحية من الغالب الطالب لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

وروينا عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((دخلت الجنة فإذا أنا على درنوك من درانيك الجنة فناولني جبريل عليه السلام [55 أ – ب ] تفاحة فانفلقت نصفين، فخرجت منها حورى، فقالت: من أنت حياك الله. قالت: أنا الراضية المرضية خلقت من ثلاث وعجنت بماء الحيوان أعلاي من المسك، ووسطي من العنبر، وأسفلي من الكافور قال لي الجبار: كوني فكنت لوليك وصفيك علي بن أبي طالب)).

وأما خبر الرمانة ففي ذلك ما روينا عن مجاهد عن بن عباس قال: بينما([149]) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالكعبة إذ بدت رمانة من الكعبة فاخضر المسجد لحسن خضرتها فمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يده فتناولها ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طوافه، فلما انقضى طوافه صلى في المقام ركعتين، ثم فلق الرمانة قسمين كأنها قدت فأكل النصف، وأطعم علياً عليه السلام النصف، فزنخت أشداقهما([150]) لعذوبتها، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه فقال: ((إن هذا قطف من قطوف الجنة ولا يأكله إلا نبي أو وصي نبي، ولولا ذلك لأطعمناكم)).

ومن كتاب الكامل ما رويناه عن عبد الرزاق بإسناده إلى قنبر مولى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: كان علي عليه السلام لا ينام حتى يأكل خَزِيرة([151]) أو رمانة، ومشى ذات يوم [75 ب-أ ] فطلب في المنزل فلم يقدر على شيئ، فأرسل إلي فقال: يا قنبر اكسر فكسرت واحدة فوجدتها مرة فقلت هذه مرة، فقال: فالقها في النار، ثم كسرت الثانية فقلت: هذه حلوة طيبة؛ فأكل وأطعمني، وكان لا يأكل حتى يأكل جليسه فأكلت، وأطعمته فقلت له: لقد سمعت منك كلاماً ما سمعته منك قط [117- ج].

قال: وما ذاك يا قنبر؟

قال: قلت القها في النار.

قال: نعم إن الله تعالى ألقى ولايتنا على الشجر؛ فما كان منه حلواً طيباً؛ فهو مما قبل ولايتنا، وكل ما كان منه متغيراً ؛ فهو مما أنكر ولايتنا يا قنبر، ولكن اكرموا النخلة؛ فإنها أول شيئ قبل ولايتنا.

وهي أول شجرة تنبت على وجه الأرض، وهي عمتكم.

قال: قلت: كيف تكون عمتنا.

قال: إن الله عز وجل لما خلق آدم صلوات الله عليه فضل من التراب فضله فخلق منها النخلة عمتكم سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمة بني آدم.

وأما حديث الطير فروينا عن[ ] أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أهدي إليه طير مشوي فرفع يده، وقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك أهل الأرض يأكل معي من هذا الطير فأتاه علي، فلما رآه قال: والي والي))، وفي بعض الروايات عن أنس أنه أهدي إليه طير مشوي يقال له الحبارا، فكان أنس بن مالك يحجبه؛ فلما وضع بين يديه قال: ((اللهم ائتني بأحب أهل الأرض يأكل معي من هذا الطائر؛ قال أنس: كنت أحب أن يأكله معي ولا يأكله معه أحد؛ قال: فجاء علي فاستأذن فقلت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نائم، ثم دعا([152]) ورفع يده، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر))؛ قال أنس: وكنت أحب أن يأكله معي ولا يأكله معه أحد، قال فجاء علي فاستأذن فقلت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نائم، ثم دعا الثالثة، ورفع يده إلى السماء فقال: ((فائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، قال: فجاء علي: قال أنس: قلت: كم أردك عن الله، وعن رسوله ادخل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((اللهم وال من والاه))؛ فلما أكلا وفرغا وخرج معه فاتبعه، فقلت: استغفر لي يا علي فإن لي إليك ذنباً، وإن لك عندي بشارة؛ فأخبرته بما كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله واستغفر لي ورضى عني.

وقد روى حديث الطير ابن حنبل في مسنده ورفعه في إسناده إلى سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل الرواية في طيرين، ولم يرفعه إلى أنس.

ورواه ابن المغازلي في مناقبه، ورفعه إلى أنس بأسانيد مختلفة، وفي بعضها أهدي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطياراٌ.

وفي بعضها يعاقيب، وفي بعضها نُّحامة([153])، وفي بعضها طيراٌ كان يعجبه، وفي بعضها طائر، ورفعه إلى بن عباس رضى الله عنه.

وروى من الجمع بين الصحاح الستة[ ]- وكل هذه الروايات مشروحة في مواضعها- اختصرناها تجنباً للإطالة، ونحن نرويها: إجازة، ولا شك أن أحب الخلق إلى الله، هوأكثرهم ثواباً وأعظمهم منزلة، وأكثرهم استحقاقاً [76 أ – أ ] للتعظيم [55ب-ب] لأن محبة الله ليست إلا إرادة الثواب والتعظيم دون الشهوات وغيرها فإن ذلك لا يجوز على الله تعالى، وأما حديث البساط ففي ذلك ما روينا بالإسناد الموثوق به إلى أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بساط من خندف فقال لي: يا أنس ابسطه فبسطته؛ فقال لي: ادع العشرة فدعوتهم؛ فلما دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط؛ ثم دعا علياً فناجاه طويلاً؛ ثم رجع فجلس على البساط؛ فقال: يا ريح احملينا؛ فحملتنا الرياح فإذا البساط يدف بنا دفاً؛ ثم قال: يا ريح ضعينا؛ ثم قال: تدرون في أي مكان أنتم! قلنا: لا. قال: هذا موضع أهل الكهف والرقيم؛ فقوموا فسلموا على إخوانكم فقمنا رجلاً رجلاً؛ فسلمنا عليهم فلم يردوا علينا؛ فقام علي بن أبي طالب عليه السلام.

فقال: السلام عليكم معاشر الصديقين والشهداء.

فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

قال: قلت: ما بالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا.

فقال لهم: ما بالكم لا تردون على إخواني فقالوا: إنا معاشر الصديقين لا نكلم بعد الموت إلا نبياً أو أوصياء ؛ ثم قال: يا ريح احملينا فحملتنا تدف بنا دفاً؛ ثم قال: يا ريح ضعينا؛ فوضعتنا؛ فإذا نحن بالحرة.

قال فقال: علي ندرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخر ركعة؛ فطوينا وأتينا فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في آخر ركعة: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}[الكهف:9] فهذه روايتنا في البساط وهو مذكور في كتب فقها العامة، من ذلك ما قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة النافعة، ونحن نرويها عنه حيث قال من ذلك حديث البساط رواه ابن المغازلي الفقيه، الشافعي، الواسطي في مناقبه رويناه عنه ورفعه بإسناده إلى أنس بن مالك.

قال: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بساط من خندف؛ فقال لي: يا أنس ابسطه فبسطته؛ ثم قال ادع العشرة؛ فدعوتهم؛ فلما دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط؛ ثم دعا علياً فناجاه طويلاً؛ ثم رجع علي فجلس على البساط؛ ثم قال: يا ريح احملينا؛ فحملتنا، قال: فإذا البساط يدف بنا دفاً؛ ثم قال: يا ريح ضعينا ؛ ثم قال: تدرون في أي مكان أنتم قلنا: لا. قال: هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم قوموا فسلموا على إخوانكم.

قال قمنا رجلاً رجلاً فسلمنا عليهم فلم يردوا علينا السلام.

فقام علي بن أبي طالب فقال: السلام عليكم معاشر الصديقين والشهداء، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال فقلت: ما بالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا؛ فقال لهم: ما بالكم لا تردون على أصحابي؛ فقالوا: إنا معاشر الصديقين والشهداء لا نكلم بعد الموت إلا نبياً أو وصياً ؛ فقال: يا ريح احملينا فحملتنا تدف بنا دفاً ؛ ثم قال: يا ريح ضعينا فوضعتنا؛ فإذا نحن بالحرة قال: فقال علي: ندرك النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- في آخر ركعة؛ فطوينا واتينا وإذا النبي -صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في آخر ركعة: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}[الكهف:9].

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فتأمل هذا الحديث ما أعجبه وأغربه، وأما حديث [76 ب – أ ] السطل ففي ذلك ما روينا أيضاً بالإسناد الموثوق[به] إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر: ((امضيا إلى علي حتى يحدثكما ما كان منه في ليلته وأنا على أثركما)).

 قال أنس: فمضيا ومضيت معهما فاستاذن أبو بكر وعمر على علي عليه السلام فخرج علي إليهما.

فقال: يا أبا بكر حدث شيئ.

قال: لا وما حدث إلا خير قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعمر: ((امضيا إلى علي يحدثكما ما كان منه في، ليلته وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: حدثهما ما كان منك في ليلتك، فقال: استحي يا رسول الله، فقال: حدثهما إن الله لا يستحي من الحق؛ فقال علي: أردت الماء الطهور، وأصبحت وخفت أن تفوتني الصلاة فوجهت الحسن في طريق والحسين في طريق في طلب الماء فأبطئا عليَّ فأحزنني ذلك فرأيت السقف قد انشق ونزل عليَّ منه سطل مغطى بمنديل فلما صار في الأرض نحيت المنديل عنه، وإذا فيه ماء فتطهرت للصلاة واغتسلت وصليت؛ ثم ارتفع السطل والمنديل والتأم السقف فقال صلى الله عليه وآله وسلم أما السطل: فمن الجنة، وأما الماء: فمن نهر الكوثر، وأما المنديل: فمن استبرق الجنة من مثلك يا علي! وجبريل يخدمك في ليلته)).

وهذا الحديث أيضاً رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة النافعة عن الفقيه ابن المغازلي؛ فقال عليه السلام: حديث السطل رويناه عنه رفعه بإسناده إلى أنس أيضاً قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي بكر وعمر: ((امضيا إلى علي حتى يحدثكما ما كان منه في ليلته وأنا على إثركما)).

قال أنس: فمضيا ومضيت معهما فأستأذن أبو بكر وعمر على علي؛ فخرج فقال: يا أبا بكر حدث شيء؟ قال: لا، وما حدث إلا خير قال لي النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: ولعمر امضيا إلى علي يحدثكما ما كان منه في ليلته، وجاء النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: يا علي حدثهما ما كان منك في ليلتك؛ فقال: استحي يا رسول الله؛ فقال حدثهما إن الله لا يستحي من الحق؛ فقال علي: أردت الماء للطهارة وأصبحت وخفت أن تفوتني الصلاة فوجهت الحسن في طريق والحسين في طريق في طلب الماء فأبطيا عليَّ فأحزنني ذلك فرأيت السقف قد انشق، ونزل عليَّ منه سطل مغطى بمنديل؛ فلما صار في الأرض نحيت المنديل عنه، وإذا فيه ماء فتطهرت للصلاة واغتسلت وصليت، ثم ارتفع السطل والمنديل والتأم السقف؛ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: أما السطل: فمن الجنة، وأما الماء: فمن نهر الكوثر، وأما المنديل: فمن استبرق الجنة من مثلك يا علي في ليلته وجبريل يخدمه.

فانظر أرشدك الله إلى هذه الخصال التي شهدت له عليه السلام على غيره بالكمال فلقد اشتملت هذه الأخبار على معجزات للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفضائل شريفة للوصي، ودلالات على أنه وصيه من حيث نطق بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الرمانة، ونطق به أصحاب الكهف؛ فما كان لهؤلاء القوم في أمير المؤمنين ملاذٌ كاف ومعتصم [77أ-أ] شاف مع هذه الشواهد الكريمة التي يحار فيها الفهم، ويتحير فيها الفكر- بلى وإنما الدنيا كما ورد في الأثر –عن سيد البشر صلوات الله عليه وآله حيث قال: ((الدنيا حلوة خضرة)).

واسمع إلى ما جاء في الأبواب
وفي العطاس ثم في القباب
ذذذ

 

وما أتى في خبر الركاب
فالحق لا يخفى على الألباب

وما أتى في خبر القنابر
وخبر البراءة المطاهر

 

وخبر الكرسي والمنابر
وخبر الجواز ذي المفاخر

وفي اللواء خبر شريف
جاء به من ربنا التعريف

 

وفخر صدق باذخ منيف
بحاله والفضل والتشريف

أما حديث الأبواب، ففي ذلك ما رويناه بالإسناد إلى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((سدوا الأبواب كلها إلا باب علي))، وأومى بيده إلى باب علي عليه السلام، وبإسناده إلى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي؛ فقال فيه قائلكم وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتَّبعته)).

وروينا بإسناده عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: شهدت أبا ذر رضي الله عنه وهو آخذ بباب الكعبة يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -يقول لسلمان حين سأله من وصيك ؟ فقال: وصيي وأعلم من أخلف بعدي علي بن أبي طالب، وسمعته يقول: حين أخرج الناس من المسجد وأسكن علياً به إن علياً مني بمنزلة هارون من موسى، ثم قال –صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن رجالاً وجدوا من إسكاني علياً وإخراجهم بل الله أخرجهم وأسكنه)).

وروينا عن أبي رافع أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم خطب وقال: ((يا أيها الناس إن الله تعالى أمر موسى بن عمران أن يبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا هو وهارون وأبناء هارون شبير وشبر وإن الله تعالى أمرني أن أبني مسجداً لا يسكنه إلا أنا وعلي والحسن والحسين سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فخرج حمزة يبكي فقال يا رسول الله: أخرجت عمك وأسكنت ابن عمك فقال: ما أنا أخرجتكم([154]) وما أنا أسكنته ولكن الله تعالى أسكنه)).

وروي أن بعض أصحابه قال: دع لي كوة انظر فيها قال: لا ولا مثل رأس إبرة، ومن كتاب الكامل المنير ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: سألني عيسى الهلالي فقال: أخبرني عن الأبواب هل سمعت عن أبيك فيها شيئاً ؟ قال: حدثني أبي الحسين بن علي عن علي عليه السلام قال: أخذ رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- بيدي قال إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده لهارون وذريته، وسألت ربي [56ب-ب] أن يطهر مسجدي لك ولذريتك من بعدي ثم أرسل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – إلى أبي بكر أن سد بابك فاسترجع، ثم قال: هل فعل ذلك قبلي بأحد([155]) قال: لا.قال: سمع وطاعة؛ ثم أرسل إلى عمر أن سد بابك قال: هل فعل هذا بأحد قبلي قال: نعم بأبي بكر فقال: بأبي بكر أسوة فسد بابه، ثم أرسل إلى العباس أن سد بابك فغضب غضباً شديداً، ثم قال: ارجع فقل أليس عم الرجل صنو أبيه فقال: بلى ولكن سد بابك، فلما سمعت فاطمة بسد الأبواب خرجت فجلست على بابها تنظر متى تؤمر بسد باب علي عليه السلام؛ فرأى فاطمة والحسن والحسين معها، وقد([156]) خرجت وبسطت ذراعيها مثل الأسد، وأخرجت جرويها معها قالت: وخاض الناس في سد أبوابهم، وفتح باب علي عليه السلام؛ فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: ((ما الذي خضتم فيه ما أنا بالذي سددت أبوابكم ولا فتحت باب علي ولكن الله سدد أبوابكم وفتح باب علي)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي، الشافعي ما رواه عنه الإمام المنصور بالله عليه السلام بإسناده إلى علي بن ثابت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد فقال: ((إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا موسى وهارون، وأبناء هارون وإن الله أوحى إليَّ أن ابن مسجداً طاهراً لا يسكنه إلا أنا، وعلي، وأبناء علي (تمت روايتنا عن الإمام المنصور بالله عليه السلام).

وعن العلاء بن عزار قال: قلت لابن عمر: ما تقول في هذين الرجلين علي وعثمان فقد افتتن الناس بهما قال: أما علي فلا يقرب منه أحد انظر إلى منزله من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه سد أبوابنا في المسجد وترك بابه.

 قال ابن عباس: وسد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم أبواب المسجد غير باب علي ؛فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

وفي تفسير علي بن موسى الرضا رضي الله عنه روي عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: إذ أمر بسد الأبواب التي كانت لهم شارعة في المسجد: ((اللهم إني لا أحل لأحد أن يدخل المسجد حائضاً ولا جنباً إلا لعلي وفاطمة والحسن والحسين، ويؤيد هذا ما رويناه عن الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم- في خروجه على الجماعة في المسجد ومعه عسيب رطب فضربهم به وأخرجهم عنه، إلا علياً الخبر، إلى قوله إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي والخبر قد تقدم.

وروينا في مناقب ابن المغازلي بالإسناد عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بنى أصحابه بيوتاً وجعلوا أبوابها إلى المسجد أرسل إليهم معاذ بن جبل فنادى أبا بكر فقال: إن الله يأمرك أن تخرج من المسجد وتسد بابك الذي فيه؛ فقال: سمعاً وطاعة فسد بابه وخرج من المسجد، ثم أرسل إلى عمر فقال: إن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد، فقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله غير أني أرغب إلى الله في خوخة إلى المسجد، فأبلغه عمر فقال معاذ: ما قال عمر فأرسل إلى عثمان وعنده رقية، وقال: سمعاً وطاعة، وسد بابه، وخرج من المسجد؛ ثم أرسل إلى حمزة فسد بابه وقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله وعلي على ذلك يتردد لا يدري أهو في من يقيم أو في من يخرج، وكان النبي –صلى الله عليه وآله وسلم –قد بنى له بيتاً في المسجد بين أبياته فقال له النبي –صلى الله عليه وآله وسلم: ((اسكن طاهراً مطهراً))؛ فبلغ حمزة قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم لعلي فقال: يا محمد تخرجنا وتمسك غلمان بني عبدالمطلب؛ فقال له نبي الله: لا. لو كان الأمر لي ما جعلت([157]) دونكم من أحد، والله ما أعطاه إياه إلا الله وإنك لعلى خير من الله ورسوله أبشر فبشره النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- فقتل يوم أحد شهيداً؛ ونفس ذلك رجال على علي فوجدوا في أنفسهم وتبين فضله عليهم، وعلى غيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام خطيباً فقال: ((إن رجالاً يجدون في أنفسهم في أن أسكن علياً في المسجد والله ما أخرجتهم ولا أسكنته إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وأمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله إلا هارون وذريته وإن علي مني بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ولا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي وذريته فمن ساءه فهاهنا وأومى بيده نحو الشام)).

ومنه أيضاً بالاسناد عن نافع مولى ابن عمر قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما أنت وذاك لا أم لك، ثم قال: استغفر الله خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له، ويحرم عليه ما يحرم عليه؛ قلت: من هو؟ قال: علي، سد أبواب المسجد وترك باب علي وقال له: لك في هذا المسجد ما لي وعليك ما عليَّ وأنت وارثي ووصيي تقضي ديني وتنجز وعدي، وتقتل على سنتي كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني)).

وأما حديث الركاب وخبر اللواء ففي ذلك ما رويناه بالإسناد إلى علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة قال: فقام إليه رجل من الأنصار، فقال: فداك أبي وأمي أنت ومن؟ قال –صلى الله عليه وآله وسلم: أنا على دابة الله البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة على ناقتي العضباء، وأخي علي ابن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد واقف بين يدي العرش ينادي: لا إله إلا الله محمد رسول الله قال: فيقول الآدميون: ما هذا إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش رب العالمين، قال: فيجيبهم ملك –من تحت بطنان العرش –معاشر الآدميين ما هذا ملك مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا حامل العرش هذا الصديق الأكبر هذا علي بن أبي طالب عليه السلام)).

وبالإسناد إلى أبي زيد الباهلي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي إن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقوم عن يمين العرش في ظله فأكسي حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيين بعضهم على بعض فيكونون سماطين عن يمين العرش، ثم يكسون حللاً خضراء من حلل الجنة، وإني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يتحاسبون، ثم أنت أول من يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، وتسير به بين السماطين آدم عليه السلام، وجميع الخلق يستظلون بظل لوائي يوم القيامة طوله ميسرة ألف سنة سنانه: ياقوتة حمراء، قصبته من فضة بيضاء، يتصارعه: درة خضراء له ثلاث ذوائب من نور ذوابة في المشرق وذوابة في المغرب، والثالثة وسط الدنيا مكتوب عليها ثلاثة أسطر الأول: بسم الله الرحمن الرحيم، والثاني: الحمد لله رب العالمين، والثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله طول كل سطر مسيرة ألف سنة، وعرضه مسيرة ألف سنة فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك، حتى تقف بين يدي إبراهيم في ظل العرش ثم تكسى حلة خضراء من الجنة، ثم ينادي مناد من تحت العرش: نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي ابشر يا علي إنك تكسى إذا كسيت وتدعى إذا دعيت وتحيا إذا حييت.

وعن جابر بن سمرة قيل: يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة يا رسول الله: قال: من عسى أن يحملها إلا من حملها علي بن أبي طالب، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -يوماً في مسجد المدينة، وذكر بعض أصحابه الجنة؛ فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله لواء من درة خضراء وعموده من زبرجدة خلقه الله قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة مكتوب على رداء ذلك اللواء: لا إله إلا الله محمد رسول الله آل محمد خير البرية صاحب اللواء إمام القوم فقال علي: الحمد لله الذي هدانا بك وكرمنا بك وشرفنا فقال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- أما علمت أن من أحبنا وانتحل محبتنا أسكنه الله معنا وتلا هذه الآية: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55])).

وروينا عن أحمد بن حنبل في مسنده ما رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أعطيت في علي خمس خصال هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها أما واحدة: فهو كأب بين يدي الله عز وجل حتى يفرغ من الحساب، وأما الثانية: فلواء الحمد بيده وآدم عليه السلام ومن ولد تحته، وأما الثالثة: فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي، وأما الرابعة: فساتر عورتي، ومسلِّمي إلى ربي، وأما الخامسة: فلست أخشى عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان ولا كافراً بعد إيمان)).

وقد وردت الآثار الكثيرة أن صاحب اللواء هو علي بن أبي طالب كما تقدم بعض ذلك، وكل ذلك دلالة على إمامته عليه السلام؛ فانظروا رحمكم الله يا أهل العقول السليمة، والأنظار القويمة أليس من هذه حاله عند الله ورسوله أولى بالإمامة وأجدر منهم بالزعامة ؟ بلى، ولكن زلوا وعثروا، وفعلوا غير ما به أمروا، وأما حديث القباب ففي ذلك ما رويناه بالإسناد إلى أبي خيثمة عن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة ضرب([158]) الله عز وجل لي عن يمين العرش قبة من ذهبة حمراء، وضرب([159]) لأبي إبراهيم قبة من ذهبه حمراء، وضرب([160]) لعلي فيما بينهما قبة من ذهبة حمراء فما ظنك بحبيب بين خليلين)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي ما رفعه إلى سهل بن أبي خيثمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ضرب الله عز وجل لي قبة من ذهب حمراء، وضرب لأبي إبراهيم قبة من ذهب حمراء، وضرب لعلي فيما بينهما قبة من ذهب حمراء، فما ظنك بحبيب بين [79أ- ب]خليلين)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي أيضاً رفعه إلى سهل بن أبي خيثمة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ضرب الله لي عن يمين العرش قبة من ذهب حمراء وضرب لأبي إبراهيم قبة من ذهب حمراء وضرب لعلي قبة من زبرجدة خضراء، فما ظنك بحبيب بين خليلين)).

وأما حديث القنابر ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله تعالى خلق خلقاً ليس من ولد آدم ولا من ولد إبليس يلعنون مبغضي علي بن أبي طالب قالوا يا رسول الله: من هم قال: هم القنابر ينادون في السحر على رؤوس الشجر ألا لعنة الله على مبغضي علي بن أبي طالب)).

وقد روى ابن المغازلي مثله سواء في مناقبه ونحن نرويه عنه.

وأما حديث المنابر ففي ذلك ما رويناه من الخبر المشهور أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة وحشر الناس يوضع منبر من نور على([161]) يمين العرش، وآخر عن يسار العرش أو قال: من يمين العرش الأول: لي، والثاني: لأبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ويوضع كرسي من نور بينهما لك يا علي فما ظنك بحبيب بين حبيبين)).

وأما حديث البراءة ففي ذلك ما روينا بإسناده إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى جبريل أن يجلس على باب الجنة فلا يدخلها إلا من معه براءة من علي بن أبي طالب عليه السلام)).

وأما حديث الجواز ففي ذلك ما روينا بإسناده إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((علي يوم القيامة على الحوض لا يدخل الجنة إلا من جاء بجواز من علي بن أبي طالب)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي ما رفعه إلى أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية من علي بن أبي طالب عليه والسلام))، فهل ترى أيها المبتغي الفوز والنجاة إلى هذه المآثر المأثورة والحظوظ المبرورة له عليه السلام، وكيف يكون له عليه السلام الحل والعقد في البراءة والجواز يحكم فيها وينفذ جبريل عليه السلام، ويكون هو صاجب لواء الحمد وصاحب الكرسي والقبة كأبيه إبراهيم وأخيه محمد صلوات الله عليهم، ويكون الوصي والخليفة غيره- ما هذا إلا حكم الأهواء المضلة عن السبيل ومحبة هذا العاجل القليل.

وقد أتت في خبر الثواب
فضائل تهدي ذوي الألباب

 

وخبر الحصن من العذاب
إذ نطقت بالعجب العجاب

 أما خبر الثواب فذلك لأن من خصائصه عليه السلام أنه الثواب الذي ذكره الله تعالى ثواباً عند الله قال: النبي -صلى الله وآله وسلم: ((أنت الثواب وأصحابك الأبرار)).

وأما خبر الحصن فهو ما روى [ ] عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي أي من عذاب الله تعالى)).

وفي حديث ملكي علي
جاء به الوحي من العلي
وفي حديث الشمس إن لم تعلم
فسلم الأمر له واستسلم



 

فضل كوجه القمر المضيء[79-أ]
على لسان أحمد النبي
فضل كوجه الشمس وجهاً فافهم
فالحكم لله العلي الأعظم

أما حديث الملكين ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى [ ] جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن ملكي علي بن أبي طالب ليفخران([162]) على ساير الأملاك بكونهما مع علي لأنهما لم يصعدا إلى الله تعالى منه قط بشيء يسخطه)).

وما روي في خطبة الفخار لعلي عليه السلام [ ] حيث يقول: وإني في كل يوم حتى أمسي وفي كل ليلة حتى أصبح أعرض على نفسي صحيفتها فأحاسبها [58أ- ب]قبل يوم القيامة فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن أشبه صحف أهل الأرض بصحيفة يحيى بن زكريا صحيفتك يا علي وإن الملكين اللذين كانا يعرجان إلى الله تعالى بعمله هما حافظاك)).

وكما روى [ ] ثوبان قال: شهدت علي بن أبن أبي طالب، وقد أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جبريل عليه السلام وهو على يمينه: يا محمد هذا علي قد جاء يمشي الهوينا وهو إمام الهدى، وقائد البررة، وقاتل الفجرة، والمتكلم بالعدل والتوحيد، والنافي عن الله تعالى الجور يا محمد إن ملائكة علي يفتخرون على ساير الملائكة أنهم ما كتبوا على علي كذباً، فاقبل صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام فأخبره بمقالة جبريل عليه السلام فقال علي: ما شاء الله أن يعذبني فإني عبده وإن يرحمني فبفضل منه عليَّ)).

وروينا من مناقب ابن المغازلي ما رفعه إلى [ ] جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن ملكي علي بن أبي طالب عليه السلام ليفخران([163]) على سائر الأملاك بكونهما مع علي لأنهما لم يصعدا إلى الله بشيء قط يسخطه.

ومنه أيضاً ما رفعه إلى [ ] عمار بن ياسر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنّ حفظتي علي يفتخران على الحفظة بكونهما معه وذلك أنهما لم يصعدا([164]) إلى الله تعالى بشيء يسخطه)).

ومنه رفعه إلى معاذ([165]) وشعبة قال: حدثنا شريك بمثله غير أنه قال حافظي علي.

وأما حديث الشمس ففي ذلك ما رويناه عن [ ] جابر أن النبي -صلى الله وآله وسلم- أمر الشمس أن تتأخر ساعة من نهار فتأخرت ساعة من نهار، وذلك بسبب قتال أن([166]) اشتغل به علي.

وروى [ ] أن الله تعالى رد الشمس لعلي عليه السلام حتى صلى العصر في وقته.

وقد اختلفوا في أنه متى كان هذا فمنهم من قال: [ ]كان ذلك يوم الخندق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكفار شغلونا عن الصلاة الوسطى أضرم الله قبورهم ناراً.

ومنهم من قال [ ] كان ذلك يوم خيبر لشغله بفتح الحصن.

ومنهم من قال: [ ]كان ذلك يوم حنين وقد بقي في الصف وحوله أربعة وعشرون ألفاً من هوازن حتى أنزل الله تعالى الملائكة ورجع هو والزبير إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله و سلم.

وقد روى حديث الشمس الإمام المنصور بالله [ ] عليه السلام، ونحن نرويه عنه عن ابن المغازلي، الفقيه، الشافعي [80أ-أ ]، الواسطي في مناقب علي عليه السلام بإسناده إلى فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -: يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله -صلى عليه وآله وسلم: إن علياً كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.

وقد روى هذا الحديث بطرق منها ما رفع إلى أبي رافع [ ] وغيره وذكر في آخر الحديث: فقام علي فصلى العصر فلما قضى صلاته غابت الشمس فإذا النجوم مشتبكة.

وكم أتى في البغض والمحبة
شريفة فليعل(
[167]) من أحبه

 

وفي الموالاة له من رتبة
وليخف الراغب عنه ربه

 ورد في ذلك أحاديث جمة نذكر منها هاهنا طرفاً فمن ذلك ما رويناه عن[ ] علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)).

وفي حديث آخر: ((محبك محبي ومبغضك مبغضي)).

وفي حديث آخر قال([168]) عليه السلام: والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي.

وروينا بالإسناد إلى [ ] الأصبع بن نباتة عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول([169]) قدما العبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله مما اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت، فقال أبو برزة: وما علامة حبكم يا رسول الله.

 قال: حب هذا ووضع يده على رأس علي)).

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((اشتد غضب الله على اليهود واشتد غضب الله على النصارى واشتد غضب الله على من آذاني في عترتي)).

وروينا عن [ ] الحسن بن علي عن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((إن الله باهى بكم عامة وغفر لكم خاصة وإني رسول الله إليكم جميعاً غير هايب لقومي ولا لأصحابي ولا لقرابتي هذا جبريل يخبرني أن السعيد كل السعيد، كل السعيد، حق السعيد -من أحب علياً في حياتي[123-ج]وبعد وفاتي)).

وروى ابن حنبل في مسنده رفعه إلى [ ] فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية عرفة وقال: ((إن الله عز وجل باهى بكم وغفر لكم عامة [58ب -ب]ولعلي خاصة وأني رسول الله إليكم جميعاً غير محابي([170]) لقرابتي إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياته وبعد وفاته)).

وروى في مسنده أيضاً ورفعه إلى [ ] عطية أن رسو ل الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث علياً عليه السلام في سرية فرأيته رافعاً يده وهو يقول: ((اللهم لا تمتني حتى تريني علياً)) ونحن نروي ذلك كله.

وروينا بالإسناد إلى أبي ذر قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كتف علي عليه السلام يوم عرفة، ثم قال: يا علي [80ب -أ] من أحبنا فهو العربي ومن أبغضنا فهو العلج))([171]).

وروينا بالإسناد إلى [ ] أبي سعيد قال: إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً.

وروينا بالإسناد إلى [ ]ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من آذى علياً بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً)).

وفي كتاب الفقيه ابن المغازلي، الشافعي رفعه بإسناده إلى [ ]ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((أيها الناس من آذى علياً فقد آذني وإن علياً أولكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله تعالى، يا أيها الناس من آذاه([172]) بعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً، فقال جابر بن عبد الله الأنصاري: يا رسول الله و إن شهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فقال: يا جابر: كلمة يحتجزون بها أن لا تسفك دماؤهم وأموالهم وأن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)).

وروى الثعلبي في تفسير قولة تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54].قال علي بن أبي طالب.

ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي رفعه إلى الزهري قال سمعت أنس بن مالك يقول: والله الذي لا إله إلا هو إني([173]) سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب)) ونحن نروي ذلك كله.

وروينا عن أنس قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم: ((أين علي فقام إليه ونادى بصوته يا معشر المسلمين: هذا علي بن أبي طالب، هذا([174]) شيخ المهاجرين والأنصار، هذا أخي وأبن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، مفرج الكرب عني هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين)).

وروينا عن عطاء عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((حب علي يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب)).

وروينا بالإسناد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: ((أما علمت أن من أحبك وتولاك أسكنه الله عز وجل معنا، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55].

وروينا بالإسناد عن علي بن الحسين عن الحسين الشهيد عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((لو أن عبداً([175]) عبد الله عز وجل سبعة آلاف سنة وهو عمر الدنيا، ثم أتى الله عز وجل ببغض علي بن أبي طالب جاحداً لحقه ناكثاً لولايته لأتعس الله خده وجدع أنفه)).

وروىنا بالإسناد إلى [ ] عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله)).

وروينا بإسناد إلى[ ] زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي الشهيد قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل [81 أ -أ] الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدي ومصابيح الدجا من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)).

وروينا بالإسناد عن[ ] عمران بن الحصين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما تريدون من علي علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي)).

وروينا بالإسناد عن [ ] ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سره أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي غرسها ربي بيده فليتول علي بن أبي طالب وأوصياه فهم الأولياء والأئمة من بعدي أعطاهم الله علمي وفهمي وهم عترتي [124-ح ] من لحمي ودمي إلى الله عز وجل أشكو من ظلمهم من أمتي والله لتقتلنهم أمتي لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي)).

وروينا بالإسناد عن[ ] عبد الله بن مسعود قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم آخذاً بيد علي عليه السلام وهو يقول: ((هذا وليي وأنا وليه سالمت من سالم وعاديت من عادى)).

وروي[ ] أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لما أسري بي إلى السماء إذا ملك قد أتاني فقال لي: يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا فقلت: معاشر الرسل والنبيين على ما بعثكم الله قبلي ؟ قالوا: على ولايتك يا محمد وولاية علي بن أبي طالب))، وبإسناد آخر قلت: على ما بعثوا: قال يعني الملك: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب)).

 وروينا بالإسناد عن[ ] علي عليه السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي إنك مبتلى ومبتلى بك فطوبى لمن أحبك وصدق فيك [ 59 أ - ب]، وويل لمن أبغضك وكذب عليك أما من أحبك، وصدق فيك فمعي في جنتي، وأما من أبغضك ففي النار يوم القيامة)).

وروينا عن[ ]قاضي القضاة: عبد الجبار بن أحمد، ما روى عن زينب ابنة جحش أنه قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها: ((لو أن رجلاً عبد الله ألف عام بعد ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله جل اسمه وفي قلبه مثقال ذرة من بغض علي عليه السلام لكبه الله على منخره في النار)).

ومن كتاب: (الحياة )[ ] وقال فيه -صلى الله عليه وآله وسلم: ((يا علي حزبي حزبك وحزبك حزبي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالى، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله تعالى أنت وزيري في حياتي وخليفتي بعد وفاتي)).

ومن كتاب الحياة أيضاً [ ] قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض خطبه: ((ياأيها الناس من تولى علي بن أبي طالب فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله ومن تولى الله سبحانه أصاب الدنيا والآخرة ومن أبى فقد خسر الدنيا والآخرة)).

وعن عامر([176]) بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي فنلنا من علي فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-غضبان يعرف في وجهه الغضب فتعوذت بالله من غضبه فقال: مالكم ولي من آذى علياً فقد آذاني.

قال: فكنت أوتى بعد ذلك فيقال لي: إن علياً يعرض بك ويقول: أتقوا فتنة الأخينس. فأقول: هل سماني، فيقال: لا. فأقول: إن خنس الناس كثير([177]) معاذ الله سبحانه أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما سمعت منه.

وروي في قوله [81 ب - أ ]تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}[الأحزاب:58]، أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.

وحدث الإمام أبو الحسين زيد بن علي عليه السلام وهو آخذ بشعره قال: حدثني علي بن الحسين، وهو آخذ بشعره قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره، قال حدثني: علي وهو آخذ بشعره قال حدثني: رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بشعره ؛ وقال: من آذى شعرة منك فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فعليه لعنة الله)).

وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس إن علياً مني وأنا منه، يا أيها الناس لا تتخذوا أبا الحسن عرضاً فمن أحبه فبحبي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه ومن آذاه فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يخذله الله، يا أيها الناس لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار وصليتم حتى تكونوا كالحنايا، ثم أبغضتم علياً لكبكم الله على مناخركم في النار)).

وروى ابن حنبل في مسنده ورفعه إلى الحسين بن علي عليه السلام أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد علي وحسن وحسين([178]) عليهم السلام وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة ( ).

وروى فيه أيضاً [ ] ورفعه إلى عمر بن شاس قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك حتى وجدت عليه في نفسي، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخلت المسجد ذات غداة غدٍ و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه فلما رآني حدني عينيه يعني حدد إليَّ النظر([179]) قال: يا عمر أما والله لقد آذيتني قلت: أعوذ بالله أن آذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني)).

وروى فيه أيضاً مسنداً قال: شكى علي بن أبي طالب الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فقام فينا خطيباً فسمعته يقول: ((أيها الناس لا تشكوا علياً فوالله لهو أخشن في ذات الله وسبيل الله)).

 وروى فيه أيضاً [ ] ورفعه إلى بريدة عن أبيه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله يحب من أصحابي أربعة وأخبرني أنه يحبهم وأمرني بحبهم قالوا: يا رسول الله منهم.

قال: علي منهم، وروى أيضاً فيه ورفعه إلى أبي بريدة عن أبيه كمثله، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي منهم علي منهم، وأبو ذر وسلمان والمقداد بن الأسود الكندي ونحن نروي ذلك كله)).

وهل سمعت([180]) بحديث الحائط
هل مسفر كذي ظلامٍ خابط

 

فليس قول الحق كالمغالط
أو خالص الأنساب مثل الخالط

أما حديث الحائط فهو ما رويناه من مسند[ ] أبي عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني عنه، ورواه بإسناده إلى عبد المؤمن عن: أبي المغيرة عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: طلبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجدني في حائط نائماً فضربني برجله فقال: قم [ 82 أ - أ ] والله لأرضينك أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنـز الله ومن مات على عهدك فقد قضى نحبه ومن مات بحبك بعد [ 59 ب- ب] موتك يختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت.

وروينا بالإسناد عن [ ] إسحاق بن إسرائيل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: كانوا يرون أن ابن عباس إنما ذهب بصره لكثرة البكاء على علي بن أبي طالب عليه السلام.

ولله عبيد الله بن طاهر حيث أنشد لنفسه: -وقد عُزل عن ولاية بغداد-:

إن الأمير هو الذي
 إن فات سلطان الولاية



 

يمسي أميراً بعد عزله
كان في سلطان فضله

وروينا بالإسناد عن[ ] سعيد بن جبير قال: بلغ ابن عباس رضي الله عنه أن قوماً يقعون في علي عليه السلام فقال لابنه علي بن عبد الله: خذ بيدي فأذهب بي إليهم فأخذ بيده حتى انتهى إليهم فقال: أيكم الساب لله.

قالوا: سبحان الله من سب الله فقد أشرك.

قال: فأيكم الساب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قالوا: من سب رسول الله فقد كفر.

قال: فأيكم الساب لعلي.

 قالوا: قد كان ذلك.

 قال: فأشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله كبه([181]) الله على وجهه في النار، وتولى([182]) عنهم وقال: لإبنه علي كيف رأيتهم فأنشأ يقول:

نظروا إليك بأعين محمرة

 

نظر التيوس إلى شفار الجازر

 قال: زدني فداك أبوك:

حور الحواجب ناكسوا أذقانهم

 

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبوك قال: ما أجد مزيداً قال: لكني أجد:

أحياؤهم خزي على أمواتهم

 

والميتون فضيحة للغابر

فيا أيها الطالب النجاة تأمل أرشدك الله لعلك أن تكون ممن وفاه عليه السلام حقه وصدق بما جاء فيه واعترف بالولاية وسلم له ما أثبت الله له ورسوله من الزعامة فإنك لا تجد للقوم كهذا أبداً والحمد لله.

هيهات من فيهم حبه إيمان وبغضه نفاق على القطع:

وهل سمعت أبداً في السنة
هل مثله في القوم قل لي إنه
وفي رضا الله والنبي
([183])

 

قول الرسول في حديث اللعنه
كلا ومن له علينا المنة
حديث صدق جاء في علي

وخبر الإيمان والعلي
وقال فيه إنه خير البشر
هل في أبي بكر كهذا أوعمر

 

أكرم به من سيد مرضي[126-ج]
وزاده فمن أبى فقد كفر
أو ابن عفان فاسمعني الأثر [82 أ-أ]

أما حديث اللعنة ففي ذلك ما روينا بإسناده إلى[ ] علي عليه السلام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يا علي لعنتك من لعنتي ولعنتي من لعنة الله ومن لعنه الله فلن يجد([184]) له نصيراً)).

 وأما حديث الرضا ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى[ ] أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: بعث علياً عليه السلام مبعثاً؛ فلما قدم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((الله ورسوله وجبريل عنك راضون)).

أما حديث الإيمان ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى[ ]علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لولاك ما عرف المؤمنون من بعدي)).

وأما قولنا: خير البشر ففي ذلك ما رويناه عن علي بن مجاهد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ومن رضي فقد شكر.

وعن [ ]خليفة الأشجعي عن أبي اليسر قال: قال: كنت عند عائشة أم المؤمنين فدخل مسروق، فقالت: من قتل الخوارج.

قال: علي بن أبي طالب.

قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يقتلهم خير أمتي من بعدي وهو مع الحق ومعه الحق، وهو([185]) خبر معروف بين أصحاب الحديث لم يدفعه أحد منهم.

وعن [ ] أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((خير أمتي من بعدي علي بن أبي طالب خير البرية)).

وعن[ ] ابن عباس لما زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة من علي عليهما السلام قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شيئ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أما ترضين يا فاطمة أن الله تعالى اختار من أهل [ 60 أ - ب ] الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك.

وعن [ ] أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: ((أما ترضين أن أزوجك خير أمتي)).

وعن [ ] أبي وائل عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).

وحدث [ ] شرحبيل الأنصاري كاتب علي عليه السلام قال: سمعت علياً يقول: حدثنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مسنده إلى صدري، فقال: يا علي أما تسمع قول الله تعالى: [ ] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}[البينة:7]، هم أنت وشيعتك وموعدكم الحوض إذا أقيمت الأمم للحساب تدعون غراً محجلين)).

وهذا الخبر رواه ابن عباس وجابر بن عبد الله، وأبو برزة وأبو بريدة عن أبيه، ومحمد بن علي عليه السلام، ومعاذ بن جبل قال([186]): في الآية إنها لم يختلف فيها أحد أنها في علي عليه السلام كلهم رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض رواياتهم زيادة لم يذكرها الآخر وكلهم اتفقوا أن النبي صلى الله وآله وسلم فسرها بأن علياً خير البرية أو هو وأهل بيته، وفي رواية جابر بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام؛ فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة [83أ –أ] فقال: ورب هذه البنية إن هذا وشيعته الفائزون يوم القيامة، ثم أقبل علينا بوجهه؛ فقال: أما والله أنه أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله وأوفاكم بعهد الله وأقضاكم بجكم الله وأقسمكم بالسوية وأعدلكم في الرعية وأعظمكم عند الله مرتبة قال جابر: فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}[البينة:7].

فكان علي عليه السلام إذا أقبل قال أصحاب محمد: قد أتاكم خير البرية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وعن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب)).

وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر)).

ومن كتاب: (سلوة العارفين) روى عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم: ((محمد وعلي خير البشر)).

ونحن نروي ذلك فهل يجد المخالف بعد نص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنه خير البشر بل بعد نص الله تعالى علي خير البرية دفعاً لهذا، وهل تجد للقوم مثل هذا فيهم! هيهات أين هم ممن جعل الله تعالى لعنه من لعنته، وجعله باب جنته، وحكم بأنه بعد محمد خير البرية([187]) سلام الله عليه ورضوانه؛ فلقد زل وضل من اختار غير من اختاره الله تعالى ورسوله- صلى الله عليه وآله وسلم.

وفي حديث قل هو الله أحد
وفي حديث الزر والفرد الصمد
وفي حديث الصنو فضل ظاهر
وفي العقيق قول صدق نائر

 

والرأس والروح جميعاً والجسد
فضل له ما كان منه لأحد
وفي حديث الحوض فضل(
[188]) باهر
أكرمه به العزيز القاهر

أما حديث قل هو الله أحد ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى[  ] النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما مثل علي في هذه الأمة مثل قل هو الله أحد في القرآن)).

وعن[ ] أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((مثلك يا علي مثل قل هو الله أحد في القرآن من قرأها مرة واحدة فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات كمن قرأ القرآن، يا علي: من أحبك بلسانه فقد أحبك ثلث محبتك، ومن أحبك بلسانه، وقلبه فقد أحبك ثلثي محبتك، ومن أحبك بلسانه ويده وقلبه، فقد أحبك محبتك كلها، يا علي: لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء ما عذب الله أحداً بنار)).

وروى عن [ ] ابن المغازلي الفقيه الشافعي عن النعمان بن بشير أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((إنما مثل علي في هذه الأمة مثل قل هو الله أحد)).

وأما حديث الرأس ففي ذلك ما رويناه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعلي عليه السلام: ((أنت مني كرأسي من جسدي)).

وما رواه [ ] ابن المغازلي الشافعي الفقيه أحمد بن المظفر في مناقبه، ورفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ((علي مني مثل رأسي من جسدي)).

وفي حديث [  ]رفعه إلى ابن عباس أيضاً: ((علي مني كرأسي من بدني)).

وذلك كله روايتنا عنه، وقد تقدم مثل ذلك في ذكر الرأس في روايتنا، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في حديث إسلام علي عليه السلام.

وأما حديث الروح ففي ذلك ما رويناه[  ] عنه -صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: ((أنت مني كروحي من جسدي)).

وأما حديث الزر ففي ذلك ما رويناه [ ] عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لعلي عليه السلام: ((أنت مني كزري من قميصي))

وأما حديث الضوء ففي ذلك ما رويناه عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: ((أنت مني كالضوء من الضوء)).

 وروينا من [ ] مناقب ابن المغازلي ما رفعه إلى أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن علي بن أبي طالب يضيء في الجنة لأهل الجنة كما يزهر كوكب الصبح لأهل الدنيا)).

 ومنه أيضاً عن [ ] أنس مثله غير أنه قال: ((إن علياً يزهر في الجنة كوكب الصبح لأهل الدنيا)).

وأما حديث الحوض ففي ذلك ما رويناه [  ] عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة أقف على الحوض وأنت يا علي والحسن والحسين يسقيان شيعتنا ويطردان أعدئنا))، وربما روى أهل الحشو أن المشائخ يقفون على أركان الحوض ولا يسقون من أبغض واحداً منهم وهذا لا يصلح لوجهين:

 أحدهما: إجماع العترة على أن الحوض لهم، وأنهم يسقون وإجماعهم حجة على ما تقدم.

والثاني: إن هذا الخبر ضعيف السند والكذب ظاهر فيه لأنه يخالف القرآن فإن الله تعالى قال: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}[الإنسان:5-7]. الآية.

فبين أنهم يفجرونها تفجيراً أو يستخرجونها ويسقون الناس، وبينا العباد الذين هذا وصفهم هم الذين يوفون بالنذر ويخافون يوماً([189])، والقرآن يشهد بصحة ما رويناه، دون ما رواه لأن هذا كله[ 128 - ج ] نزل فيهم عليهم السلام على ما نبينه من بعد إن شاء الله تعالى في سبب نزول هل أتى.

وأما حديث العقيق ففي ذلك ما روى بالإسناد[ ]الموثوق به إلى كثير بن زيد قال: دخل الأعمش على المنصور، وهو جالس للمظالم، فلما بصر به قال له: يا سليمان تصدر، فقال: إنا صدر حيث جلست، ثم قال: حدثني الصادق قال: حدثني الباقر قال: حدثني السجاد قال: حدثني الشهيد قال: حدثني التقي، وهو الوصي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: ((أتاني جبريل عليه السلام آنفاً فقال: تختموا بالعقيق فإنه أول حجر شهد لله تعالى بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولعلي بالوصية، ولولديه بالإمامة، ولشيعتهم بالجنة قال: فاستدار الناس بوجوهم نحوه فقيل له تذكر قوماً فتعلم ما لا نعلم، فقال: الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والباقر: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والسجاد: علي بن الحسين والشهيد: الحسين بن علي، والتقي هو الوصي علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وفي حديث الكعبة المستورة
فاذكره في الأرجوزة المبرورة

 

فضيلة لحيدر مشهورة
واعدده في أخبارها المأثورة [84 أ-أ]

 أما حديث الكعبة فهو ما روى[  ] ابن المغازلي في مناقبه يرفعه إلى أبي ذر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((مثل علي فيكم، أو قال: في هذه الأمة كمثل الكعبة المستورة، أو قال: المشهورة والنظر إليها عبادة، والحج إليها فريضة))، روينا ذلك عنه:

وفي أحاديث القضيب والغِناء
فلا تماثل بين قوم بالمنى

 

فضائلٌ غرٌ شريفاتٌ البِناء
كمثل من ساوى الحياة بالفنا

أما حديث القضيب والغِناء، ففي ذلك ما رويناه [  ] عن الإمام المنصور بالله عليه السلام من الرسالة النافعة بروايته عليه السلام عن الفقيه ابن المغازلي الشافعي، الواسطي بإسناده إلى ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب أن يستمسك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه الله تعالى في جنة عدن فليستمسك بحب علي بن أبي طالب)).

وقد روى بطريق أخرى وما رويناه [  ] عنه عليه السلام عن ابن المغازلي أيضاً، ورفعه بإسناده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن يحيى عن عمه قال: كان -صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((اللهم إني أسألك غناي وغنى مولاي من بعدي يعني ابن عمه يعني بذلك غنى التقوى،، وقد كان ذلك لم يفتقر مع التقوى إلى شيء صلوات الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين)).

وروى [  ] ابن حنبل في مسنده، ورفعه إلى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أحب أن يستمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله عز وجل في جنة عدن بيمينه، فليستمسك بحب علي بن أبي طالب عليه السلام)). ورويناه عنه.

واسمع إلى قول النبي المنتجب
فهل يقولون النبي قد كذب

 

ألم يقل علي سيد العرب [61أ-ب]
بل قوله الحق وفي القول عجب

أما قولنا: سيد العرب ففي ذلك ما رويناه [  ]عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي سيد العرب قالت عائشة: أنت يا رسول الله سيد العرب قال: أنا سيد الرسل وعلي سيد العرب)).

ومن [  ] مناقب ابن المغازلي رفعه إلى سلمة بن كهيل قال: مر علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده عائشة فقال يا عائشة: إذا سرك أن تنظري إلى سيد العرب فانظري إلى علي بن أبي طالب، فقالت: أنت سيد العرب، فقال: أنا إمام المسلمين وسيد المتقين فإذا سرك [129 -ج] أن تنظري إلى سيد العرب، فانظري إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.

وعنه [ ] أيضاً رفعه إلى سعيد بن جبير عن عائشة قالت: أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سره أن ينظر إلى سيد شباب العرب، فلينظر إلى علي بن أبي طالب، فقلت: يا رسول الله ألست سيد شباب العرب، قال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب)).

ومنه أيضاً [ ] رفعه إلى سعيد بن جبير [ 84 ب- أ ] أيضاً عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب)) رويناه عنه فانظر كيف جعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأمة عليه السلام سيد العرب) كافة دون القوم، فدخلوا في جملة من هو سيده، فأما كونه عليه السلام أفضل الأمة في باب الثواب، فعليه إجماع العترة عليهم السلام، وفي ذلك أيضاً [  ] قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فأتى علي عليه السلام، فأكل معه منه))، وقد تقدم الخبر بذلك والأحب عند الله تعالى لا يكون إلا في الثواب، كما قدمناه مفصلاً، وهو عليه السلام أسبقهم إلى خصال الفضل التي يحتاج إليها في الإمامة، وأكملهم فيها وليس لهم فيها ماله عليه السلام:

وفيه جاء خبر الحدائق
وخبر الأركان أي ناطق
وفيه قد جاء حديث النظر
وخبر في عترة المطهر

 

وخبر الضغائن السوابق
بفضله واسمع إلى الحقائق
أبي شبير المرتضى وشبر
محمد المحمود خير البشر

أما حديث الحدائق والضغائن ففي ذلك ما رويناه [ ] عن أبي عثمان النهدي عن علي عليه السلام قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حديقة فقلت: يا رسول الله ما أحسنها فقال: لك في الجنة خير منها حتى مررنا على سبع حدائق كل ذلك أقول: ويقول: لك في الجنة خير منها، ثم انتحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي.

 قلت: بسلامة من ديني.

قال: بسلامة من دينك.

فقلت: بسلامة من ديني.

قال: بسلامة من دينك، فكان ذلك كما قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: لأن الناس حسدوه، وأظهروا له ما كانوا كتموه.

وأما خبر الأركان ففي ذلك ما رويناه [  ] عن قتادة قال: أوحى الله تعالى إلى الجنة لأزيننك بأربعة أركان يوم القيامة محمد سيد الأنبياء، وعلي: سيد الأوصياء، والحسن والحسين: سيدي شباب أهل الجنة، وأما خبر النظر ففي ذلك ما روى[ ]جماعة منهم: عمران بن الحصين، وابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((النظر إلى وجه علي عبادة)).

ومن [ ] مناقب الفقيه ابن المغازلي رفعه إلى معاذ بن جبل قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم: ((النظر إلى وجه علي عبادة))، ورفعه إلى عمران بن حصين بمثله، ورفعه إلى خالد بمثله، ومنه أيضاً رفعه إلى عمران بن حصين قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((النظر إلى وجه علي عبادة))، ورفعه إلى وائلة بن الأسفع بمثله، ومما يضاهي ذلك من مناقب ابن المغازلي أيضاً [ ] رفعه إلى عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ذكر علي عبادة)) )ورفعه إلى أبي بكر بمثله(، ومنه أيضاً رفعه إلى عائشة أنها كانت [85 أ- أ ] تقول: زينوا مجالسكم بذكر علي))، روينا ذلك كله.

وأما خبر العترة ففي ذلك ما روى [  ]معقل بن يسار قال: سمعت أبا بكر يقول: علي بن أبي طالب عترة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو بكر لا يقول هذا إلا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

وخبر القبة في الحضيرة
يا حبذا من عدّه أميرة

 

فيه له فضيلة مأثورة [61ب-ب ]
وصدق المختار فيه الخيره

وجاء في حق علي خبر
وجاء في شوق الجنان الأثر

 

تحار فيه حين يروى الفكر
وخبر في رجب لا ينكر[130-ج]

أما حديث القبة ففي ذلك ما روينا [ ] عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في حضيرة القدس في قبة بيضاء وهي قبة المجد))، ومثل ذلك ما روينا [ ] عن أبي هريرة أنه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يا علي ألا أبشرك ألا أخبرك قال: بلى فداك أبي وأمي، قال: أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين يوم القيامة في قبة أساسها من رحمة الله ومراقيها من نور عرش الله، وهي تحت عرش الله وعلى رأسك تاج من نور يضيئ ما بين المشرق والمغرب، وأنت ترفل في حلتين خضراء وأخرى وردانية خلقت وخلقت من طينة واحدة)).

وأما حق علي عليه السلام ففي ذلك ما رويناه [ ] عن عمار عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم –قال: ((حق علي على المسلمين كحق الوالد على ولده، وأما شوق الجنان ففي ذلك ما روينا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: ((يا علي والذي بعثني بالحق نبياً لقد أخبرني جبريل: أن الجنة أشوق إليك منك إلى الجنة يعني أهل الجنة)).

وأما الخبر الوارد في رجب فهو ما رواه [ ] الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في كتاب: (الأحكام ) قال: وأما صوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى أنه كان يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم، وكان يقول: شعبان شهري ورجب شهرك يا علي ورمضان شهر الله تعالى.

وفيه أوحى ذو الجلال هل أتى
فأطعما وأوفيا ما أثبتا

 

وزوجه إذ تذر فأخبتا
يا حبذا هما وعوداً أنبتا

أما قولنا: وفيه أوحى ذو الجلال هل أتى إلى آخر ما ذكرنا: في ذلك ما رويناه [ ] عن الشيخ أبي حامد عن أبي القاسم حبيب عن أبي أحمد الحافظ بإسناده، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}[الإنسان:7] قال: مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم وعمومة العرب فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً فقال علي: إنْ برئا من مرضهما صمت لله ثلاثة أيام شكراً، وقالت فاطمة: كذلك، وقالت جارية لهم نوبية يقال: لها فضة كذلك، فعافاهما الله تعالى وليس عند آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قليل ولا كثير [85 ب- أ ] فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون اليهوي فاستقرض منه ثلاث أصواع من شعير فجاء به فوضعه في ناحية البيت، فقامت فاطمة إلى صاع منها فطحنته وأخبرته وصلى علي مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم أتى إلى المنزل فوضع بين يديه فأتاهم مسكين، فوقف بالباب، وقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من أولاد المساكين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي عليه السلام فأنشأ يقول:

فاطم ذات الخير واليقين
أما ترين البائس المسكين
يشكوإلى الله ويستكين

 

يا بنت خير الناس أجمعين
قد قام بالباب له حنين
يشكو إلينا جائعاً حزين

كل امرئ بكسبه رهين

 

فأنشأت فاطمة عليها السلام تقول:

أمرك سمع لي وطاعة
أطعمه ولا أبالي الساعة
أو ألْحَقَ الأخيار والجماعة

 

مابي من لوم ولا ضراعة
أرجو لأن أشبع من مجاعة
وأدخل الجنة بالشفاعة [62 أ-ب]

قال: فأعطوه الطعام ومكثوا ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أتى إلى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم وقال: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني [ 131 - ج ] أطعمكم الله فسمعه علي عليه السلام فأنشأ يقول:

فاطم بنت السيد الكريم
قد جاءنا الله بذا اليتيم
قد حرم الخلد على اللئيم
شرابه

 

بنت نبي ليس بالذميم
من يرحم اليوم فهو رحيم
يزل في النار إلى الجحيم
الصديد والحميم

فأنشأت فاطمة عليها السلام تقول:

أطعمه الآن ولا أبالي
امسوا جياعاً وهم أشبالي

 

وأوثر الله على عيالي
يكفيني الرحمن ذو الجلال

قال: فأعطوه الطعام، ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء، فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام إلى الصاع الثالث فطحنته واختبزته، وصلى علي عليه السلام مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم أتى المنزل ووضع الطعام بين يديه فأتاهم أسير فوقف على الباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة تأسروننا وتشدوننا، ولا تطعمون الطعام أطعمكم الله، فأنشأ علي عليه السلام يقول:

فاطم يا بنت النبي أحمد
هذا أسير للنبي المهتد
يشكو إلينا الجوع قد تمرد

 

بنت نبي سيد مسود
مثقل في غله مقيد
من يطعم اليوم يجده في غد

عند العلي الواحد الموحد

 

ما يزرع الزارع سوف يحصد[86-أ]

فقالت فاطمة عليها السلام:

لم يبق مما جئت غير صاع
ابنائي والله هم جياع
أبوهما في المكرمات ساع
عبل الذِرا

 

قد دميت كفي مع الذراع
يا رب لا تتركهما ضياع
يصطنع المعروف بابتراع
عين شديد الباع

قال: فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليهن، لم يذوقوا شيئاً، فلما كان اليوم الرابع، وقد قضوا نذورهم، أخذ علي الحسن بيمينه، والحسين بشماله وأقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما أبصر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني مما أرى بكم انطلقوا إلى فاطمة، فانطلقوا وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رأى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم قال: واغوثاه يا الله أهل بيت محمد يموتون جوعاً فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد خذ ما هنَّأك الله في أهل بيتك فقرأ عليه: { هَلْ أَتَى} السورة إلى آخرها، وفي هذا اليوم ما روينا أن فاطمة عليها السلام يوم الرابع من الوفاء بالنذر، وقد دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليهم ليعرف حالهم فدخلت البيت، وصلت ودعت ربها جل جلاله، وقالت: يا رب إنك تعلم ما نحن فيه ورسولك وأولاده جياع فسمعت حشحشة، فرفعت رأسها فإذا هي بجفنة فيها ثريد ولحم وزعفران فحملته وجاءت به إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم والدخان يصعد من الجفنة فقال لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنى لك هذا يا فاطمة؟

قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب[132- ج ] فسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((الحمد لله الذي جعل ابنتي شبيهة مريم بنت عمران عليها السلام، إذ نزل عليها رزقها في المحراب، وروينا أن فاطمة عليها السلام في اليوم الثالث ضعفت عن الطحين وأدركها وقت الصلاة، فقدمت الصلاة على طحين الشعير، فإذا بالرحى تدور على نفسها من غير محرك يرى، وهذا نقيض عادة سواء أدارها الله، أو بعث ملكاً يديرها، وروينا أنها ربما اشتغلت بصلاتها، وعبادتها، فربما بكى ولدها فترى المهد يحرك من غير محرك من الآدميين.

وقد قيل: أن الله تعالى كان يبعث ملكاً حتى يصرك المهد فلا يشتغل قلبها بولدها، وروى في مثل ما تقدم في سبب نزول السورة عبيدالله([190]) بن رافع، عن أبيه عن جده أن حذيفة بن اليمان صنع طعاماً، ودعا علياً عليه السلام، وهو صائم، فوضع بين يديه قصعة فيها ثريد، فقال: إني صائم فتدحث عنده ساعة، ثم انصرف فبعث إليه حذيفة بنصف ذلك الثريد فقسمه علي عليه السلام أثلاثاً: ثلث لفاطمة، وثلث لخادم لهم، وخرج فلقيتها امرأة معها يتامى لها، فشكت إليه الحاجة، والجوع، وذكرت له حال أيتامها فأعطاها ثلثاً لأيتامها، ثم جاء سائل فشكى إليه الحاجة، فدخل على [86 ب- أ ] فاطمة عليها السلام، فقال لها: هل لك فيما هو خير لك من هذا الطعام طعام الجنة على أن تعطيني نصيبك من هذا الطعام قالت: خذه فأخذه ودفعه إلى ذلك المسكين، ثم مر به أسير وشكى إليه الحاجة وشدة حاله، فقال لخادمه: مثل ما قال لفاطمة عليها السلام قال: وخذه فأخذه فأعطاه ذلك الأسير فأنزل الله تعالى فيه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}[الإنسان:8]، وهذه رواية ظاهرة، وفيها زيادات في بعض الروايات، وفي هذا وأمثاله له عليه السلام نهاية الشرف، والفضل، فكيف تكون المماثلة بينهم وبين غيرهم لقد أبعد من رام ذلك.

وفيه جاءت آية الإنفاق
سرا وإعلانا عن الخلاق

 

في الليل والنهار عن الأطلاق
حيث ابتغى تجارة في الباقي

وآية القنوت في السجود
في حذر العقاب والوقود

 

في الليل والقيام للمعبود
وفي رجاءِ ربه الحميد

وهو المناجي بعد دفع الصدقة
وكانت التوبة عنهم ملحقه

 

ثم غدت أبوابها مغلقه
فأيهم كان على الحق الثقه

أما قولنا آية الإنفاق فنريد بذلك ما روينا[ ]عن ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً}[البقرة:274] نزلت في علي، لم يكن يملك من المال إلا أربعة دراهم تصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً وبدرهم سراً وبدرهم علانية، فقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: ما الذي حملك على هذا قال: حملني عليه أن استوجب على الله ما وعدني، فقال- صلى الله عليه وآله وسلم: إن ذلك لك فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقيل [ ] إنه عليه السلام أنفق واحداً ليلاً على المتجمل، لكيلا يستحي في الأخذ واحداً نهاراً ليقتدى به في الإنفاق على السائل الذي لا يبالي بإظهار الأخذ وواحداً سراً، لكيلا يدخله الريا والآخر علانية، ليقتدى به فأنزل الله تعالى فيه: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274]، فسمى الله كل درهم مالاً، وبشره بالقبول ووعده بالجزاء، والحديث مشهور عند أهل البيت عليهم السلام [ 133 - ج ]، وأما قولنا: وآية القنوت إلى آخر ما ذكرنا فيها: ففي ذلك ما روينا[  ]عن أنس في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً}[الزمر:9] نزلت في علي بن أبي طالب.

 وأما قولنا: وهو المناجي بعد دفع الصدقة: ففي ذلك ما روى [ ] عن أمير المؤمنين عليه السلام ((لما نزل قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:12] قال -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما نقول: دينار)) قلت: لا يطيقونه، فنزلت أأشفقتم فخفف عن هذه الأمة))، وعن سلمة بن كهيل في هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}[المجادلة:9].

 - قال: أول من عمل بها علي بن أبي طالب لأنه عليه السلام أنفق ديناراً قبل مناجاة [87أ-أ ] الرسول، ونسخت الآية حتى لم يقع فيها شركة، ووقع العتاب لمن كف بقوله: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[المجادلة:13]، وقال عليه السلام: إني لأعلم من كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري، ولا يعمل بها أحد بعدي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ}[المجادلة:12] الآية [63 أ-ب]، وروى أنه قال استقرضت ديناراً، وبعته بعشرة دراهم، وتصدقت بها عشر مرات، وناجيته عشر مرات، وسألته عشر مسائل، ففتح لي من كل مسألة ألف باب.

ومن تفسير الثعلبي بالإسناد قال الثعلبي: قال مجاهد في هذه الآية، نهى عن مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يتصدقوا، فلم يناجيه إلا على بن أبي طالب عليه السلام، قدم ديناراً، فتصدق به ثم نزلت الرخصة، وقال علي عليه السلام إن في كتاب الله الآية، ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة: 12].

ومن مناقب الفقيه ابن المغازلي بالإسناد عن مجاهد قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: آية في كتاب الله تعالى ما عمل بها أحد([191]) غيري آية النجوى، كان لي دينار بعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- تصدقت بدرهم ما عمل بها أحد قبلي ولا بعدي، ومن الجمع بين الصحاح الستة[ ] في تفسير سورة المجادلة بالإسناد قال: رزين في تفسير سورة المجادلة قال أبو عبد الله البخاري: في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12]، نسختها {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}[المجادلة:13]، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما عمل بهذه الآية غيري، وبي خفف الله عن هذه الأمة، روينا ذلك كله، وقد ذكر أبو رشيد: أن الصحابة عصت في صدقة المناجاة إلا علياً عليه السلام.

وروى محمد بن علي عليه السلام قال: قبض أمير المؤمنين، وعليه من الدين سبعون ألف درهم، فقضاها عنه الحسن بن علي صلوات الله عليهما قال: جابر فقلت: لأبي جعفر فمن أين كان عليه هذا الدين، ولم يكن من المسرفين في النفقة!!

قال لي يا جابر: كان يأتيه من أقاربه وشيعته، وأهله ممن لاحظ لهم في بيت المال فيصلهم من ماله ويستدين فاجتمع ذلك فنظر إليه الحسن بن علي عليهما السلام من بعده فأداه إلى أهله.

ويروى عن الشعبي قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذات ليلة فرأى رجالاً من المهاجرين والأنصار في المسجد، فقال: ما يجمعكم هذه الساعة فقالوا: أخرجنا الجوع، فقال: مالي أرى أصحاب محمد يجوعون، وأنا موسر، فلما أصبح نادى على حائط له ولم يكن بالمدينة حائط غيره فباعه بأربعة آلاف دينار، وجعل الدنانير في ردائه، وجعل يقسمه بين المهاجرين والأنصار فلما دخل على فاطمة عليها السلام قالت: أين نصيبي منها، قال: جعلته فيمن هو أحق به منك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ 87 ب- أ ] فقصت عليه فاطمة القصة. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة دعي علياً فليس ممن يومر ولا ينهى، فلقد تعجبت [ 134 -ج ] الملائكة عليهم السلام من صنع على البارحة، والذي نفسي بيده ما علمت بموضعكما حتى أخبرني جبريل عليه السلام، وكان أمير المؤمنين عليه السلام مبادراً إلى الخيرات سابقاً إلى الطاعات([192])، وفي هذا وأمثاله دلالة واضحة لمن هداه الله على بطلان إمامه المشائخ لأن المأثور عنه أنه كرهها وامتنع من البيعة والغير يحكي البيعة بعد مدة طويلة، ومنهم من يقول[ ] هي على وجه الإكراه وكل ما يدعونه من البيعة على الإختيار فهو محال.

وحسبنا الله فتلك فيه
والفسق للوليد ذي التمويه

 

وآية الإيمان والتنزيه
فأي ذم بعد ذا يأتيه

وآية الوقوف للسؤال
وهو لسان الصدق شيخ الآل

 

في المرتضى حقاً أبي الأشبال
كم فيه من آيات ذي الجلال

أما قولنا وحسبنا الله فتلك فيه: فذلك لما روينا [ ] في قول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: 173] أنها نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وجاء في التفسير الذي جمع أبو سفيان والذين زادهم إيماناً علي بن أبي طالب عليه السلام، وأما آية الإيمان له والفسق للوليد فيزيد قول الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُونَ}[السجدة: 18] نزلت الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي الوليد بن عقبة بن أبي معيط جرى بينهما كلام فقال الوليد لعلي عليه السلام: اسكت فإنك صبي، وإني([193]) والله لأبسط منك لساناً، وأحد سناناً فقال له علي عليه السلام: اسكت فإنك فاسق، فنزلت الآية، فسمى الله تعالى علياً مؤمناً، وسمى الوليد فاسقاً، وقد سمى الله الوليد بذلك في قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ}[الحجرات:6] أجمع المفسرون أنها نزلت في الوليد بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني المصطلق لأخذ صدقاتهم، وكان بينه وبينهم عداوة الجاهلية فرجع وقال: إنهم منعوا الصدقات، فغضب صلى الله عليه وآله وسلم، وهم بغزوهم، فنزلت الآية، وجاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبينوا كذبه، فبعث خالد بن الوليد فأخذ صدقاتهم.

وأما قولنا: وآية الوقوف للسؤال فنريد بذلك ما روى أبو الأحوص عن ابن إسحاق في قوله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] يعني عن ولاية علي عليه السلام.

 وما روينا أيضاً بالإسناد عن الشعبي عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] قال: عن ولاية علي بن أبي طالب.

وما روينا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعلي على الصراط فما يمر بنا أحد إلا سألناه عن ولاية علي بن أبي طالب، فمن كانت معه وإلا ألقيناه في النار، وذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] وفي كتاب: (الفردوس) لابن شيرويه الديلمي- ذكره في قافية الواو رفعه بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[الصافات:24] عن ولاية علي بن أبي طالب وقد قدمنا طرفاً مما روى عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم – في هذه الآية وأنها في علي عليه السلام بغبر ذكر هذه الأخبار في ذكرنا لموالاة علي عليه السلام.

وأما قولنا: وهو لسان الصدق فنريد بذلك ما روى أبو خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – قال في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً}[مريم:50] قال: أنت اللسان يا علي بولايتك يهتدي المهتدون.

وأما قولنا: كم فيه من آيات ذي الجلال فقد نزلت فيه من ذلك كثير نحو ما روينا عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}[آل عمران:143] قال: نزلت في يوم أحد.

قال: قتل([194]) علي بن أبي طالب عليه السلام طلحة وهو يحمل لواء قريش، فأنزل الله تعالى نصره على المؤمنين.

قال الزبير بن العوام: فرأيت هنداً وصواحبها هاربات مصعدات في الجبل باديات خدائهن، فكانوا يتمنون الموت من قبل أن يلقوه – علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ونحو ما روى ابن المغازلي في مناقبه في قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ}[الزخرف:41] رفعه إلى الباقر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-وإني لأدناهم في حجة الوداع بمنى حين قال: ((لا ألقينكم ترجعون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفني في الكتيبة التي تضاربكم، ثم التفت([195]) خلفه ثم قال: أو علي أو علي ثلاثاً فرأينا أن جبريل عليه السلام عمره وأنزل الله سبحانه وتعالى([196]) إثر ذلك: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ – بعلي بن أبي طالب- أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}[الزخرف:41،42]، ثم نزلت: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ، رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[المؤمنون:93،94]، ثم نزلت: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ... عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الزخرف:43] وإن علياً لعلم بالساعة ولك ولقومك وسوف تسألون عن علي بن أبي طالب، ونحو ما روى بن المغازلي في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}[البقرة:124] ورفعه إلى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – أنا دعوة أبي إبراهيم

قلنا: يا رسول الله وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم

قال: أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}[البقرة:124].

قال: واستخف([197]) إبراهيم صلى الله عليه الفرح قال ومن ذريتي أئمة مثلي، فأوحى الله تعالى: أن يا إبراهيم أنا أعطيك عهداً لا أفي لك به، قال: رب ما العهد الذي لا تفي لي به.

قال: لا أعطيك لظالم من ذريتك عهداً.

قال إبراهيم عندها: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}[إبراهيم:35،36].

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((انتهت الدعوة إليَّ وإلى علي لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبياً، واتخذ علياً وصياً، إلى غير ذلك من الآثار([198])، وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الفخار أنه دعوة إبراهيم، كما ذكر ذلك أخوه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم – سواء سواء فكيف يكون عليه السلام دعوة إبراهيم أن يجعله الله إماماً! ويكون أبو بكر وصاحباه أئمة، وقد قال تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة:124]، وقد دل سؤال إبراهيم صلى الله عليه على أن الظلم هاهنا هو عبادة الأصنام، وكذلك دل عليه كلام محمد -صلى الله عليه وآله وسلم – وتفسيره فيه، وفي علي عليه السلام أنهما لم يسجدا لصنم قط، ويكون الذين أتوا بذلك الظلم وسجدوا للأصنام أئمة ؟ هيهات، لقد رام المخالفون إخفاء الشمس بعد طلوعها بإطفاء نور الله تعالى فانظر إلى هذه الأبيات الكريمة، وشرفه بها عليه السلام:

وقيل جاءت آية الأذي
ولم يعاتب أبداً في اللائي

 

فيه بلا شك ولا امتراء
لا بل له التشريف في النداء

وقيل جاءت آية السقاية
فيه فاكرم بمداه غاية

 

وآية الإيمان والهداية
ليس له في الفضل من نهاية

أما قولنا: آية الأذى، فلما روى أن قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[الأحزاب:57] يعني أولياء الله نزلت في علي عليه السلام وتصديقه زيد بن علي بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((من آذى شعرة منك فقد آذاني…. الخبر))، وقد تقدم.

وأما قولنا:

ولم نعاتب([199]) أبداً في اللائي

 

لكن له التشريف في النداء

فذلك لما روينا عن ابن عباس ما أنزل الله تعالى في القرآن: (يا أيها الذين آمنوا) إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في غير آية في كتابه وما ذكر الله تعالى علياً إلا بخير.

وأما قولنا:

                          آية السقاية وآية الإيمان والهداية

فَلِما روى عن الناصر عليه السلام أنه قال: إن قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} إلى قوله: {كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ}[التوبة:19] نزلت في علي بن أبي طالب، ولما روى عن ابن عباس قال: افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: أنا عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا صاحب سقاية الحاج، وأنا أفضل من علي، وقال شيبة بن عثمان: أنا أعمر بيت الله وصاحب حجابته، وأنا أفضل، فسمعهما علي عليه السلام وهما يذاكران ذلك فقال: أنا أفضل منكما، أنا المجاهد في سبيل الله فأنزل الله جل اسمه فيهم: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ-يعني العباس- وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ-يعني شيبة- كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[التوبة:19-22] يعني علي عليه السلام [136-ج]، ومن تفسير الثعلبي بالإسناد عن محمد بن كعب أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام وعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وطلحة بن شيبة، وذلك أنهم افتخروا، فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه، ولو أشاء بت في المسجد، وقال العباس: أنا صاحب السقاية، والقائم عليها، ولو أشاء بت في المسجد، وقال علي عليه السلام: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فأنزل الله تعالى: هذه الآية، ومن الجمع بين الصحاح الستة مثله، ومن مناقب بن المغازلي مثله إلا أنه([200]) لم يذكر طلحة مع علي والعباس.

روينا ذلك كله:

وآية واردة في الأُذُن
قولاً أتا من صادق لم يخنِ
وكم وكم من آية منزلة

 

فإنها في السيد المؤتمن
حكماً من الله الحميد المحسن
فيه من الله أتت مفصلة

شاهدة على الورى بالفضل له
كآية الود من الرحمن
فيه كما قد جاء في البيان

 

فليعل من قدمه وفضله
وهكذا كرائم القرآن
عن أحمد عن ربه المنان

أما قولنا: آية واردة في الأذان

فأردنا بذلك ما قيل في قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12] إن ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام.

وروى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((سألت الله أن يجعل ذلك الأُذن علياً ففعل)).

وروى عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام لما نزلت هذه الآية قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- سألت الله أن يجعلها أذُنك يا علي.

قال علي عليه السلام: فما نسيت شيئاً بعد ذلك وما كان لي أن أنسى.

 ومن تفسير الثعلبي رفعه إلى صالح بن هشيم قال سمعت بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – لعلي عليه السلام: ((إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحق على الله عز وجل أن تعي

قال: ونزلت: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}[الحاقة:12] روينا ذلك، وكذلك ما رويناه في البيتين الأخيرين فإنه كم نزل فيه عليه السلام من آية من كتاب الله مذكورة عن العلماء، فإن المروي عن ابن عباس قال: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي، وعن مجاهد نزلت في علي سبعون آية لم يشرك فيها أحد، وعنه: ما أنزل الله تعالى في القرآن آية إلا علي رأسها، وعن يزيد بن مروان قال: ما نزل في أحد ما أنزل في علي من الفضل بالقرآن، وعن ابن عباس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدي ويد علي بن أبي طالب، وخلا بنا على بئر، ثم صلى ركعتان، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري، وتحلل عقدة من لساني ليفقه به قولي واجعل لي وزير من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري.

قال ابن عباس: سمعت منادياً: يا أحمد قد أوتيت ما سألت فقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لعلي يا أبا الحسن ارفع يديك إلى السماء، وادع ربك وسله يعطك، فرفع يديه إلى السماء وهو يقول: اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي عندك وداً، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً}[مريم:96]، فتلاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه، فتعجبوا من ذلك تعجباً شديداً، فقال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مما تعجبون القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، وإنَّ الله تعالى أنزل في علي كرائم القرآن، وروى الثعلبي في تفسيره، ورفعه إلى البراء بن عازب قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لعلي بن أبي طالب عليه السلام: ((يا علي قل اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في صدور المؤمنين [137-ج]مودة فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَانُ وُدّاً}[مريم:96]، روينا ذلك عنه فما بعد نص الله تعالى ونص رسوله على تشريفه عليه السلام من ملتمس:

وآية التطهير في الجماعة
الآمنون من خطوب الساعة
والأمر بالصلاة فيهم نزلا

 

أهل الكساء المرتدين الطاعة
يا حبذا حبهم بضاعة
خير البريات الألى حازوا العلى

سفن النجاة الشهداء في الملا
وقيل هم في الذكر أهل الذكر
نعم أناس أهل بيت الطهر

 

بورك علماً علمهم مفصلا
نزل فيهم فاسألوا هل تدري
أهل المقامات وأهل الفخر

وفيهم الدعاء للمباهلة
أكرم بها من دعوة مقابلة
هذا علي هاهنا نفس النبي

 

حيث أتى الكفار للمجادلة
بالنص لكن هربوا معاجله
وولداه ابنا الرسول اليثربي

يا حبذا من شرف مستعجب

 

يضئ في المجد ضياء الكوكب

أما آية التطهير: ففي ذلك ما روينا أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- دعا حسناً وحسيناً فاجلس كل واحد منهما على فخذه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لَّف عليهم ثوبه وقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً.

وروى أبو الحمراء أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – كان يقف على باب فاطمة ويقول: ((السلام عليكم أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس... الآية)).

قال أبو الحمراء: أشهد أنه أربعين صباحاً كان يفعل ذلك، وقد تقدم في هذا من الأخبار ما تقدم، وفي هذا الخبر أنه لف عليهم كسائاً وقد تقدم، وفي آية التطهير من كتب العامة ما رويناه عن الإمام المنصور بالله رضوان الله عليه وسلامه من كتابه: (الشافي )، غير أنا نحذف هاهنا الأسانيد طلباً للإختصار، فمن مسند ابن حنبل بالإسناد عن شداد بن عمارة قال: دخلت على واثلة بن الأصفع وعنده قوم، فذكروا علياً عليه السلام فشتموه، فشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: لما شتمت هذا الرجل! قلت: رأيت القوم يشتمونه فشتمته معهم، فقال ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – قلت: بلى

قال: أتيت فاطمة عليها السلام أسألها عن علي عليه السلام، فقالت: توجه إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فجلست أنتظر حتى جاء رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فجلس ومعه علي والحسن والحسين، آخذ كل واحد منهما بيده، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة واجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه أو قال: كساء ثم تلا هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33].

وبالإسناد عن أم سلمة قالت: بينا رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  في بيتي يوماً إذ قال الخادم إن علياً وفاطمة في الشدة قالت: فقال لي: قومي فتنحي لي عن أهل بيتي.

قالت: فقمت فتنحيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وهما صبيان.

قالت: فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى وقبل فاطمة وأردف عليهم خميصة سوداء، وقال: ((اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي)).

قالت قلت: وأنا يا رسول الله.

قال: ((وأنت)).

وبالإسناد عن عطاء بن أبي رباح، قال حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  كان في بيتها، فأتت فاطمة عليها السلام ببرمة فيها حريرة، فدخلت بها عليه.

قال: ((ادعي لي زوجك وابنيك)).

قالت: فجاء علي وحسن وحسين عليهم السلام، فجلسوا يأكلون من تلك [138ج]الخزيرة وهو وهم على منامة له على دكان تحته كساء خيبري، قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33].

قالت: فاخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم أخرج يده فألوا بها إلى السماء، فقال: هؤلاء أهل بيتي، وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً

قالت: فادخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله، قال: إنك إلى خير (إنك إلى خير)([201]).

قال عبد الملك: وحدثني بها أبو سلمة مثل حديث عطاء سواءً.

قال عبد الملك: وحدثني داود بن أبي عوف بن الجحافي عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة مثله سواء.

وبالإسناد عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- قال لفاطمة: ائتيني بزوجك وبنيك، فجاءت بهم، فألقى عليهم كساءً فدكياً، قالت: ثم وضع يده عليهم فقال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلاتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لتدخل معهم فجلبه من يدي وقال: إنك لعلى خير.

وبالإسناد عن شداد بن عمارة عن واثلة بن الأسقع أنه حدثه فال طلبت علياً في منزله، فقالت فاطمة: ذهب يأتي برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- قال: فجاءا جميعاً، فدخلا، ودخلت معهما، فجلس علي على يساره، وفاطمة عن يمينه والحسن والحسين بين يديه، ثم التفع عليهم بثوبه وقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً اللهم إنَّ هؤلاء أهل بيتي، اللهم إن هؤلاء أحق، قال واثلة فقلت: من ناحية البيت وأنا من أهل بيتك وأهلك يا رسول الله، قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: فلذلك أرجو ما أرجوا من عملي.

وبالإسناد إلى شداد بن عبد الله قال سمعت واثلة بن الأسقع وقد جيئ برأس الحسين بن علي عليهما السلام قال: فلقيه رجل من أهل الشام فأضهر سروراً فغضب واثلة وقال: والله لا أزال أحب علياً وحسناً وحسيناً أبداً بعد إذ سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وهو في منزل أم سلمة يقول فيهم ما قال قال واثلة: رأيتني ذات يوم وقبله([202])، وجاء الحسين فاجلسه على فخذه اليسرى وقبله ثم جاءت فاطمة، فأجلسها بين يديه، ثم دعى علياً عليه السلام، فجاء، ثم أردف عليهم كساءاً خيبرياً كأني أنظر إليه، ثم قال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، قلت لواثلة: ما الرجس؟ قال: الشك في الله عز وجل، وبالإسناد عن عمرو بن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس رضى الله عنه إذ أتاه تسعة رهط والخبر بطول ذكرنا منه موضع الحاجة في هذا الباب.

قال ابن عباس رحمه الله: وأخذ رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- ثوبه فوضعه على علي عليه السلام، وفاطمة، والحسن والحسين عليهم السلام، وقال: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً وبالإسناد عن سهل قال قالت أم سلمة زوجة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- حين جاء نعي الحسين بن علي عليهم السلام لعنت أهل العراق، وقالت: قتلوه قتلهم الله غروه وأذلوه لعنهم الله فإني رأيت رسول –صلى الله عليه وآله وسلم- وقد جاءته فاطمة عليها السلام عذيه([203]) ببرمة قد صنعت فيها عصيدة تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها إين ابن عمك! قالت: هو في البيت، قال: فاذهبي فادعيه وائتيني بابنيه، قالت: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد وعلي يمشي في أثرها حتى دخلا على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فأجلسهما في حجره وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة عن يساره، قالت أم سلة فاجتذب([204]) من تحتي كساء خيبرياً كان بساطاً لنا على المنامة في المدينة فلفه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وأخذ طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى ربه عز وجل وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قلت: يا رسول ألست من أهلك، قال: بلى فادخلني في الكساء بعد ما قضاء دعاه لابن عمه وابنيه وابنته فاطمة عليهم السلام.

ومن صحيح البخاري في الجزء الرابع منه([205]) أيضاً على حد كراسين من آخر الجزء وآخر أجزاء البخاري من ثمانية في جميع المصنف وأجزاء مسلم من ستة وهذا من المتفق عليه منهما وبالإسناد عن مصعب عن شيبة عن صفية بنت شيبة بنت شيبة قالت: قالت عائشة خرج رسول –صلى الله عليه وآله وسلم-غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

ومن تفسير الثعلبي بالإسناد قال: في تفسير قوله تعالى: {طه} قال: قال جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام طه طهارة أهل بيت محمد عليهم السلام ثم قرأ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

وبالإسناد عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة:35] قال: روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش إحداهما بيضاء والأخرى صفراء في كل واحدة منهما سبعون ألف غرفه أبوابها وأكوابها من عرق واحد فالبيضاء لمحمد وأهل بيته، والصفراء لإبراهيم وأهل بيته.

ومن تفسير الثعلبي أيضاً بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي علي وفي حسن وفي حسين وفاطمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33].

وبالإسناد عن عطاء بن أبي رباح حدثني من سمع أم سلمة رضي الله عنها تذكر أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- كان في بيتها فأتته فاطمة صلوات الله عليها ببرمة فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي لي زوجك وابنيك فجاء علي وحسن وحسين فدخلوا عليه فجعلوا([206]) يأكلون من تلك الحريرة وهو وهم على منامة له على دكان تحته كساء خيبري قالت: وأنا في الحجرة أصلي، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

قالت: فأخذ فضل الكساء فتغشاهم به ثم أخرج يده وأومى بها إلى السماء ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت فأدخلت رأسي البيت وقلت: وأنا معكم يا رسول الله قال: إنك إلى خير)).

وبالإسناد أخبرنا العوام بن حوشب حدثني ابن عم لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له: مُجمِّع قال: دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي قالت: أرأيت([207]) خروجك يوم الجمل قالت: إنه كان قدراً من الله تعالى فسألتها عن علي قالت: سألتيني عن أحب الناس كان إلى رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بثوب عليهم ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً قالت: فقلت: يا رسول الله أنا من أهلك، قال: تنحي إنك على خير.

وبالإسناد عن([208]) إسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار عن أبيه قال: لما نظر رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرحمة هابطة من السماء قال: من يدعوا علياً مرتين قالت زينب: أنا يا رسول الله فقال: ادعي([209]) علياً وفاطمة والحسن والحسين.

قال: فجعل حسناً عن يمينه وحسيناً عن شماله وعلياً وفاطمة تجاهه ثم غشاهم بكساء خيبري، ثم قال: اللهم إن لكل نبي أهل وهؤلاء أهل بيتي فانزل واحدة فقط فأنزل الله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] الآية

فقالت زينب: يا رسول الله ألا أدخل معكم

فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم – مكانكك فإنك إلى خير إنشاء الله تعالى

وبالإسناد عن شداد بن عمارة قال: دخلت على –واثلة بن الأسقع وعنده قوماً فذكروا علياً فشتموه، فشتمته معهم فقال: ألا أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قلت بلى

قال: أتيت فاطمة صلوات الله عليها أسألها عن علي

فقالت: توجه إلى سول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلست فجاء رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-ومعه علي وحسن وحسين كل واحد منهم آخذ بيده حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه أوقال: كساء، ثم تلا هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق، وبالإسناد [140-ج] عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنشدكم الله في أهل بيتي -مرتين)).

وبالإسناد عن أبي الحمراء قال أقمت بالمدينة تسعة أشهر كيوم واحد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجئ كل غداة فيقوم على باب علي وفاطمة عليهما السلام فيقول: الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً وبالإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- قسم الله تعالى الخلق قسمين، فجعلني في خيرهما قسماً، فذلك قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ}[الواقعة:27] فأنا خير أصحاب اليمين، ثم قسم أصحاب اليمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً، فذلك قوله تعالى: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}[الواقعة:8-10]، فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني من خيرها بيتاً فذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

ومن تفسير الثعلبي، بالإسناد عن الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:6] قال: قال مسلم بن حيان: سمعت أبابريده يقول: صراط محمد وآله ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي بالإسناد قال الحديث الرابع والستون من المتفق عليه في الصحيحين من البخاري ومسلم من مسند عائشه عن مصعب بن شيبه عن صفيه بنت شيبه عن عائشه قالت: خرج رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فددخل معه ثم جاءت فاطمه فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

ومن الجمع بين الصحاح الستة وبالاسناد في الجزء الثاني من أجزاء ثلاثة في تفسير سورة الأحزاب من صحيح أبي داؤد السجستاني وهو كتاب السنن في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] عن عاشة قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] قال: وعن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم – أن هذه الآية نزلت في بيتها {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] قالت: وأنا جالسة عند الباب، فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت فقال: إنك إلى خير إنك من أزواج النبي، قالت: وفي البيت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فجللهم بكساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وبالإسناد من الجزء المذكور في سنن أبي داود وموطأ مالك بن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر حين نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] ومن الجزء الثالث من الكتاب أعني جمع رُزين في باب مناقب الحسن والحسين عليهم السلام ومن صحيح أبي داود وهو السنن بالإسناد عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – غداة يوم وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي عليهما السلام فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33].

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: فهذا كما ترا دليل العصمة، لأن رجس الأقذار حكمهم فيه وحكم غيرهم بالإتفاق واحد، فلم تبق فائدة الآية والخبر إلا تطهيرهم من درن الأوزار، وذلك معنى العصمة بشهادة الله لهم وشهادة رسوله- صلى الله عليه وآله وسلم- بإذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم والتطهير التنزيه عن الإثم، وعن كل قبيح، ذكر ذلك صاحب المجمل أحمد بن فارس اللغوي، وهذا هو معنى العصمة وهو ترك مواقعة الرجس، وبمقتضى لفظ القرآن العزيز قد ورد لفظ الصحيح من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فصار ذلك دليلاً من الطريقين وطريق عصمة من الأصلين وذلك يقضي بعصمتهم بإرادة الله سبحانه وإخبار الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم – بذلك وبمنع([210]) وقوع الخطأ منهم عاجلاً وآجلاً وإذا أمنا وقوع الخطأ منهم وجب الإقتداء بهم دون من لم نأمن منه وقوع الخطأ وتطرق الرجس عليه وترك التطهير له ومن يؤمن وقوع الخطأ منه ثبت أنه يهدي إلى الحق لموضع قول الله سبحانه وتعالى: [141-ج]{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس:35] فقد أوجب الله تعالى الإهتدى بمن يهدي إلى الحق وليس ذلك إلا مع تطهيره له وإذهاب الرجس عنه وويح من لم يحكم بذلك فصار ذلك حكم الله سبحانه وتعالى ومن لم يحكم به كان من أهل هذه الآية: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44].

وبيت تقاصر عنه البيوت
تحوم الملائك من حوله

 

وطال([211]) علواً على الفرقد
ويصبح للوحي دار الندي

تم كلام (ص) بالله عليه السلام وتمت روايتنا عنه([212]) من كتب علماء العامة في هذا الموضع.

وأما الأمر بالصلاة فذلك لما روى أبو سعيد الخدري قال: لما نزل قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ}[طه:132] كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ياتي باب فاطمة وعلي عليهم السلام تسعة أشهر كل صلاة فيقول: الصلاة رحمكم الله: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً، وقد تقدم الخبر في ذلك.

وأما قولنا أهل الذكر فلما قيل في قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}[الأنبياء:7] يعني أهل بيت محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – بدليل قوله تعالى: {ذِكْراً، رَسُولاً}[الطلاق:10،11] وقوله: {وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}[القلم:52].

ومن تفسير الثعلبي بالإسناد قال الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}[النحل:43]. قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال علي عليه السلام: نحن أهل الذكر.

وأما آية المباهلة: ففيها رواية فيها بعض بسط ورواية آخر([213]) مختصرة فأما الرواية المبسوطة فهي هذه:

قال الراوي: بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن المطلب الشيباني بالكوفة قال: حدثنا رزق الله بن سليمان بن غالب الأزدي البرار الشيخ الصالح من أصل كتابه في منزله بأرباح([214]) سنة ثماني عشرة وثلاثمائة، وقال لنا: لقد صمت أربعة وتسعين شهر رمضان.

قال أبو الفضل([215]): وما وجدت هذا الحديث إلا عنده.

 قال: حدثني أبو عبد الغني الحسن بن علي المعاني الأزدي بمعان قال حدثني: عبد الوهاب بن همام الحميري أخو عبد الرزاق بصنعاء، قال حدثني: أبي همام بن نافع عن همام بن منبه، عن اخيه وهب بن منبه قال: عبد الوهاب بن همام وحدثنيه عبد الصمد بن معقل، عن عمه وهب بن منبه، قال حدثني: رجال من أصحاب محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – من المهاجرين والأنصار منهم: جابر بن عبد الله بن حزام، وأبو سعيد: سعد بن مالك الخدري، وعبد الله بن أبي أمية وعمرو بن أبي سلمة بن عبد أسد المخزوميان، وأبو هريرة والهدير بن عبد الله أو قال: عبد الله بن الهدير التيمي، وغير هؤلاء، كل أخبرني عن حديث أهل نجران الذين أرادوا مباهلة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- وحدثني في ذلك حجر بن المدني([216]) عن عتبة بن غزوان المازني -قال -وهب: وحدثني نفر ممن أسلم من أهل نجران عما شاهدوا في([217]) ذلك في قوله فأثبت اقتصاصهم ونسقت كلامهم على نحوا ما جاؤوا به، وهذا حديث عتبة بن غزوان والهدير بن عبد الله، والنفر من أهل نجران فيما شاهدوا وسمعوا بنجران وإلى قدومهم المدينة عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم اشترك القوم في المدينة بالحديث جميعاً، قالوا: لما فتح النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – مكة وانقادت له العرب وأرسل رسله ودعاته إلى الأمم وكاتب الملكين كسرى وقيصر يدعوهما إلى الإسلام وإلا أقرا بالجزية والصغار أو أذنا بالحرب العوان أكبر شأنه نصارى نجران وخَلْط([218]) وهم من بني عبد المدان وجميع بني الحارث بن كعب ومن ضوى إليهم ونزل بهم من دهما الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الأروسية، والسالوسية، وأصحاب دين الملك، والماروتية، والعبا، والنسطورية، وامتلان قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعباً، فإنهم لبذلك من شأنهم إذ وردت عليهم رسل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –بكتابه وهم: عتبة بن غزوان، وعبد الله بن أبي أمية، والهدير بن عبد الله أخو تيم، ومرة([219])، وصهيب بن سنان- أخو النمر بن قاسط – يدعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا فإخوان وإن أبوا واستكبروا فإلى الخطيئة([220]) المجربة إلى أداء الجزية عن يد فإن غضبوا عما دعاهم إليه من إحدى المنزلين وعندوا فقد آذنتهم على سواء، وكان في كتابه – صلى الله عليه وآله وسلم – [142-ج]{ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64] قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يباشر قوماً حتى يدعوهم فازداد القوم- لقدوم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتابه- نفوراً وامتراجاً ففزعوا من ذلك إلى بيعتهم العظمى وأمروا ففرشت أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج، ورفعوا الصليب الأعظم وكان من ذهب مُرصّعْ أنفذه إليهم قيصر الأكبر وحضر ذلك بنو الحارث بن كعب، وكانوا ليوث الحرب، وفرسان الناس قد عرف العرب ذلك لهم في قديم أيامهم في الجاهلية فاجتمع القوم جميعاً للمشورة والنظر في أمرهم([221]) وأسرعت إليهم القبائل من مذحج وعكا وحمير وأنمار ومن دنى منهم نسباً وداراً من قبائل شتى وكلهم قد ورم أنفُه أنفَة وعصباً([222]) لقومهم ونكص من تكلم منهم بالإسلام ارتداداً فخاضوا وافاضوا في ذكر المسير وجميعهم إلى رسول الله والنزول به بيثرب لمناجزته، فلما رأى([223]) أبو حارثة حصين بن علقمة أسقفهم الأول وصاحب مدارسهم وعلاَّمهم وكان رجلاً من بكر بن وائل ما أزمع القوم عليه من إطلاق الحرب، دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن عينيه وقد بلغ يومئذٍ عشرين ومائة سنة، ثم قام فيهم خطيباًمعتمداً على عصا وكانت فيه بقية وله رأي وروية كان موحداً يؤمن بالمسيح وبالنبي  صلى الله عليه وآله وسلم ويكتم ذلك من كفرة قومه وأصحابه، فقال: مهلاً يا بني عبد المدان مهلاً استديموا العافية والسلامة فإنهما مطويان في الهوادة، دبوا أي قوم في هذا الأمر دبيب الذر، وإياكم والسورة العجلى؛ فإنها البديهة بها لا ينتجب، إنكم والله على فعل ما لم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم إلا أن النجاة مقرونة بالأنائة والأرب إحجام أفضل من إقدام وكأين من قول أبلغ من صول، ثم أمسك، فأقبل عليه كريز بن سبرة الحارثي وكان يومئذٍ زعيم بني الحارث بن كعب وفي بيت شرفهم المعصب فيهم، وأمير حروبهم فقال: لقد انتفخ سحرك واسطير قلبك أبا حارثة فظلت كالمسبوع البراعه الهلوع تضرب لنا الأمثال وتخوفنا النزال لقد علمت وحق المآن بفصيلة الحفاظ إنا لبنوا أبا كعب وهو عظيم وتلقح الحرب وهو([224]) عقيم تثقف أود الملك الجبار والركن([225]) أركان الرائش وذو المنار الذين شددنا ملكهما، وأمرنا ملكهما فأي أيامنا تنكر أولاً وبها وبك تلبس فما أتى على آخر كلامه حتى انتظم نصل نبلة كانب بكفة غيضاً وغضباً وهو لا يشعر فلما أمسك كريز بن صبرة اقبل عليه العاقب واسمه عبد المسيح بن شرحبيل وهو يومئذٍ عميد القوم وأمير رائهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون جميعاً إلا عن قوله، فقال له: أفلح وجهك وأنس ربعك، وغر جارك، وامتنع ذمارك ذكرت وحق مغير الحياة حسباً صميماً، وعنصراً قديماً، ولكن أبا سبرة لكل مقام مقال، ولكل عصر رجال، والمرء بيومه أشبه منه بأمسه وهي الأيام نهلك جيلاً وتديل قيلاً والعافية أفضل جلباب وللهلكات أسباب، فمن أوكد أسبابها التعرض لأبوابها، ثم سكت العاقب مطرقاً فأقبل عليه السيد واسمه أهثم بن المعتمر وهو يومئذٍ أسقف نجران، وكان نضير العاقب في علو المنزلة وهو رجل من عامله وعداده في لحم، فقال له: سعد جدك وسماء جدك أبا وائلة إن لكل لامعة ضياء وعلى كل صواب نوراً، ولن يدركه وحق واهب العقل إلا من كان بصيراً إنك أقصيت([226])، وهذا فيما يتصرف بكم من كلام الكلم إلى سبيلي حزن وسهل ولك عليَّ تفاوتكم حظ من الرأي الرقيق والأمر الوثيق إذا أصيب به مواضعه، ثم إن أخا قريش قد تحداكم بخطب عظيم وأمر جسيم فما عندكم فيه قولوا وأوجزوا بخشوع وإقرار أم بزوغ وإنكار.

قال عتبة والهدير والنفر من أهل نجران فعاد كريز بن صبرة لكلامه وكان كمياً أبياً، فقال: أنحن نفارق ديناً رسخت عليه عروقنا [143-ج]ومضى عليه آباؤنا وعرف ملوك الناس، ثم العرب ذلك لنا انتهالك على ذلك أم نقر بالجزية وهي الخزية حقاً لا([227]) والله حتى تجردوا البواتر من أغمادها وتذهل الحلائل عن أولادها، ونشرق نحن ومحمد بدمائنا، ثم يديل الله بنصره من يشاء

قال له السيد أربعة على نفسك وعلينا أبا سبرة فإن سل السيف يسل السيوف وإن محمداً قد بخعت له العرب واعطته طاعتها وملك رجالها وأعنتها وجرت أحكامهم في أهل الوبر منهم والمدر ورمقه الملكان العظيمان كسرى وقيصر، فلا أراكم والروح لو نهد إليكم إلا وقد تصدع عنكم من خفت معكم من هذه القبائل فصرتم جفاء كأمس الذاهب أو كلمح([228]) على وضم، وكان فيهم رجلاً يقال له: جهيم([229]) بن سراقة البارقي، وكان من زنادقة نصارى العرب ومن شياطين الناس، وكان من دينه أن الروح التي كانت في عيسى عليه السلام التي كان يصنع بها العجائب غير مخلوقة وأنها روح الله التي هي من ذاته وأن عيسى كان في جسده روحان روح قديمة إلهية وروح محدثة إنسية وكان من دينه أن الله تعالى إذا أراد أن يحدث أمراً في خلقه عظيماً ولج في رجل كريم عليه في خلقه فيتكلم على لسان ذلك الرجل، فأمر بما شاء ونهى عما شاء، وكان يزعم أن ذلك أبلغ في الموعظة وأتم للحكمة والحجة وزعم أن لله([230]) جل وتعالى روحاً يكل عن إدراكه فلا يرى في الدنيا ولا في الآخرة إلا على سبيل ما تقدم، وكان لجهيم([231]) بن سراقة هذا إمكان ومنزلة في ملوك النصرانية من الروم والأساور، وكان يفد عليهم فيكرمونه ويعرفون له وكان مثواه نجران فأقبلوا عليه يعني أهل نجران فقالوا: أبا سعاد قل في أمرنا ونجدنا برأيك فهذا مجلس له ما بعده.

قال: فأنا أرى أن تقاربوا محمداً وتطمعوه في بعض ملتمسه عندكم ولينطلق وفودكم إلى ملوك أهل ملتكم إلى الملك الأكبر بالروم قيصر وإلى ملوك أهل هذه الجلدة السودر الخمسة: يعني ملوك السودان، ملك النوبة، وملك الحبشة، وملك عكوه، وملك الرعاوة، وملك الواحات([232]) ومريس والقبط وكل هؤلاء كانوا نصارى.

قال: وكذلك من ضوى إلى الشام وحل بها من ملوك غسان ولخم([233]) وجذام وقضاعة وغيرهم من ذوي يمنكم فهم لكم عشرية وموالي وفي الدين إخوان يعني أنهم نصارى، وكذلك نصارى الحيرة من العباد وغيرهم فقد صبت إلى دينهم قبائل تغلب ابنة وائل وغيرهم من ربيعة ونزار لتسر وفودكم، ثم لتحرق عليه البلاد أعداداً فيستصرخونهم ويستنصرونهم لدينهم فيستنجدكم الروم وتسير إليكم الأساورة سير أصحاب الفيل، وتقبل إليكم نصارى العرب من ربيعة واليمن، فإذا فصلت الأمداد إليكم واردة سرتم أنتم في قبائلكم وسائر من ظافركم وبذل نصره ومؤازرته لكم حتى تضاموا من أنجدكم وأصرحكم من الأحباش والقبائل الواردة عليكم فأتوا محمداً حتى تنيخوا به جميعاً فسيعنوا إليكم بذلك من صبا إليه مغلوباً مقهوراً وينعق به من كان في مدرته مكثوراً فيوشك أن تعطلوا([234]) حوزته وتطفئوا حمرته ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس فلا يتمالك العرب حينئذٍ حتى تتهافت دخولاً في دينكم، ثم لتعظمن ببعتكم هذه وتشرفن حتى تصير كالكعبة المحجوجة بتهامة هذا الرأي فانتهزوه فلا رأي بعده لكم فأعجب القوم كلام جهير بن سراقة، ووقع منهم كل موقع وكادوا أن يتفرقوا عن العمل به وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن ثعلبة يدعى حارثة بن أثال كان يذهب إلى دين الأروسية.

قال وهب: وهم صنف من النصارى كانوا على بقية من دين المسيح عليه السلام يوحدون الله عز وجل ويقولون في عيسى عليه السلام إنه روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأنه رسول الله وعبده، ثم هم مع ذلك فرقتان فرقة: تزعم أنه لا نبي بعد عيسى كقول اليهود في موسى عليه السلام يرون أن حجة الله قد انتهت إلى عيسى، وتمت به ومنهم: من لا يرى ذلك وتأثر عن عيسى عليه السلام أنه قام في الحواريين فأخبره([235]) أن أمته ستكفر وتفترق من بعده ثم يبعث الله نبياً من بني إسماعيل يقال له: أحمد من صدقه وآمن به سعد وهدى، ومن فارقه ضل وشقى وكان حارثة بن أثال من هذه الفرقة الثانية، وكان أوسع من بنجران من النصارى [144-ج] بعد أبي حارثة علماً فقام حارثة على قدميه وأقبل على جهير بن سراقة فقال متمثلاً:

متى ما نفد بالباطل الحق يأبه

 

وإن تعد([236]) الأطواد بالحق ينقد

قال عبد الوهاب بن همام: وأنشدنيه عبد الصمد بن معقل روايته:

متى ما نفد بالباطل الحق يأبه
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه

 

وإن قدت بالحق الرواسي تنقد
ظلت(
[237]) وإن تقصد إلى الباب تهتدي

ثم استقبل السيد والعاقب والقسيس والرهبان، وكافة نصارى نجران بوجهة لم يختلط([238]) معهم أحد من عربهم ومن أوعب من الناس معهم فقال: سمعاً سمعاً يا أبنا الحكمة، وبقايا حملة الحجة إن السعيد والله من نفعته الموعظة، ولم يعش عن التذكرة، ألا إني أنذركم وأذكركم قول مسيح الله عز وجل لحواريه: أنه من عمل بطاعة ربه وأئتمر([239]) بالنصح لخلقه دعته الأرواح الطاهرة عظيماً في ملكوت السماوات والأرض وهذا مقام ناصح لكم جدب عليكم يقر بعينه ما رأت صدعكم ولم شعثكم قالوا: هات نصيحتك وما بصرت فنعم الأخ والجار أنت يا حارثة، قال: يا قوم إن كنتم لحرب محمد تحشدون فقد بلغتم ما بغيتم وإن كنتم لربه تحادون ولبارئكم جل جلاله تحاربون فاعلموا حق العلم أنه من يحارب الله يحرب، ومن يغاليه يغلب، ومن يحادده ([240])يذل، ومن يعصيه يقل، ثم أمسك، قالوا: قد قلت فلم تقل خطلاً فما بعد هذا، قال: أتعلمون بلى والله أنكم لتعلمون أن روح الله وكلمته أمر التلاميذ أن يجمعوا له من آمن به من أهل إيليا، والعربا من أهل ناصرة وسورية فجمعوا له على قارة أو قروه، فأقبل عليهم([241]) ليلاً وهو آخذ بيده شمعون الصفا، فقام فيهم ووعظهم ثم قال: هل تسمعون ألا تسمعون با مطايا الأسفار، وأبناء الليل والنهار، ويا مستودعي العقول أتسمعون، قالوا: سمعنا يا روح الله فقل، قال: قد حضرتني أجسادكم فلتحضرني قلوبكم فإني ماض صباح ليلتكم هذه أو ممسي يومها إلى أبي وأبيكم فإنه والله ما تطلع النيران شمس الله وقمره الآن ولا يغربان على أهل حق سواكم، فإنكم حقا لأنتم السعد إن تمم الله لكم نوركم، ولم تطفئوا مصابيحكم فاحفظوا وصاتي ثم اجعلوها مضمون قلوبكم فإنكم إن تمسكتم بما وصيتم، ورعيتم ما استحفظتم لم تركد ريحكم، ولم ينسخ الله عزكم، وإن([242]) ذهبتم وتوليتم فلست عليكم برقيب وإن عليَّ إلا البلاغ المبين.

إني آمركم يا قوم باثنتين، وأنهاكم عن اثنتين: آمركم بحفظ ما شرع لكم من دين ربكم والاستضاء بعدي بنور أخيكم [68أ-ب] هذا وضرب بيده على صدر شمعون بن برخيا وصيه وهو مائل إلى جنبه، فقال: اتبعوه بعدي تستقيموا وتفلحوا وأطيعوه تهتدوا، ثم الطاعة لمن قام بالأمانة والأناجيل من بعده أطيعوهم فانهم أمنة الله ونوره فيكم، وأنهاكم عن أثنتين: وأحذركموها أنهاكم عن عبادة شياطينكم من أحباركم ورهبانكم وعن الاعتصام بآرائكم في دينكم وبحق لقد نصحت لكم فلم آل تبصرة لكم ومعذرة إليكم أقول قولي هذا وإني [95أ-ب] لأعلم أنكم بعدي إلى قضا ما تصيرون وفي سابق علم الله تجرون ومالكم بذلك على الله من حجة فلوموا أنفسكم فهي التي سولت لكم، وأفئدتكم فهي التي كسبت وأعينكم فهي التي نظرت، وأسماعكم فهي التي أصغت، وألسنتكم فهي التي نطقت، وأقدامكم فهي التي سعت، وأيديكم فهي التي بطشت، وآرابكم([243]) فهي التي اجترحت([244])؛ فلما أتى المسيح على كلامه هذا أكثر الحواريون ما سمعوا منه وأقبل رتوما الحواري.

فقال: يا روح الله إنك لتنذرنا أمراً عظيما، وتتخوف علينا بلاً موبقاً كبيراً.

 قال: وكيف لا أتخوف ذلك وقد أوحى إليَّ ربي فيما أوحى أن قومك لم يلبثوا بعدك إلا فليلا حتى يكونوا في دينهم كالغنم الممطورة، وحتى أن أحدهم لينادي من أمامه فيجيب من ورائه، فاسمع قولي، وجد في أمري وأمر قومك فليأخذوا بطاعتي، وحذرهم معصيتي وأخبرهم أني إذا أُطِعْتُ رضيت [145-ج]، وإذا رضيت باركت، وإذا باركت أثبت، فلا([245]) تعلم نفس قدر طاعتي ومثوبتي، إنما هو عطا بغير حساب، وخبرهم أني إذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت، وإذا لعنت عذبت وإن اللعنة والبركة ليجريان في الأعقاب ما جرى المعتقبان([246]) الليل والنهار، يا ابن أمتي إنما عبادي وخلقي معادن كمعادن القار والذهب، فكل يعمل على شاكلته إن خيراً فخير، وإن شرا فشراً، وإنما لكل امرءٍ عندي ما اكتسب وأما([247]) أنا لخلقي بظلام، فخذ يا ابن أمتي كتابي بقوة، ثم فسره لأهل سوريا بلسانهم وأخبراني([248])، أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم البديع الدائم الذي لا أحول ولا أزول إني بعثت رسلي وأنزلت([249]) كتبي رحمة ونوراً وعصمة لخلقي، ثم إني باعث بذلك نجيب رسا لتي أحمد صفوتي وخيرتي من بريتي البار قليطاً عبدي أرسله من خلق الزمان([250]) ابتعثه بمولده فأران من مقام أبيه إبراهيم أنزل عليه توارة حديثه أفتح بها أعيناً عميا وآذاناً صما وقلوباً غلفا، طوبى لمن شهد أيامه وسمع كلامه فأمن به واتبع النور الذي جاء به، فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصلي عليه فإني وملائكتي نصلي عليه، قالوا: فما أتى حارثة بن أثال على قوله([251]) هذا حتى أظلم بالسيد والعاقب مكانهما وكرها ما قام به في الناس معرباً ومخبراً عن المسيح بما خبر وقدم من ذكر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنهما كانا قد أصابا بموضعهما من دينهما شرفاً بنجران ووجهاً عند ملوك النصرانية جميعاً وكذلك عند سوقتهم وعربهم في البلاد واشفقا أن يكون ذلك سبباً لانصراف قومهما عن طاعتهما لدينهما ونسخاً لمنزلتهما في الناس فأقبل العاقل على حالته فقال: أمسك عليك يا حارثة فإن راد هذا الكلام عليك أكثر من قابله ورب قول يكون بلية على قائله وللقلوب نفرات عن الأصداع يمضون([252]) الحكمة فاتق نفورها فلكل نباءٍ أهل، ولكل خطب محل وإنما الدرك ما أخذ لك بنواصي النجاة وألبسك جُنَّة السلامة فلا تعدلن بها حظاً فإني لم ألك لا أبالك نصحاً، ثم أرم يعني امسك، فأحب [95ب-أ] السيد أن يشرك العاقب في كلامه، فاقبل على حارثة فقال: إني لم أزل أتعرف لك فضلاً تميل إليه الألباب فإياك أن تعتقد مطية النجاح أو أن توجف إلى السراب فمن عذر بذلك فلست فيه أيها المرء معذوراً، وقد أعقلك أبو واثلة وهو ولي أمرنا وسيد حضرنا فأوله عتاباً، ثم تعلم أن ناجم قريش يعني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - يكون رزة قليلاً، ثم ينقطع ويخلف من بعد ذلك قرن يبعث في آخره النبي العاقب بالحكمة والبيان والسيف والسلطان تملك ملكاً مؤجلاً يطبق فيه أمته المشارق والمغارب، ومن أمته الأمير الظاهر يظهر على جميع الملكات والأديان يبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار، وذلك ياحار([253]) أمل من ورائه أمل ومن دونه أجل، فتمسك بدينك([254]) بما تعلم ويمتع الله أبوك من أنس منصرم بالرمان أو العارض من الحدثان فإنما نحن ليومنا ولغد أهله.

فأجابه حارثة بن أثال فقال: إيه عليك أبا قرة فإنه لاحظ له في يومه لمن الإدراك([255]) له في غده فاتق الله تجد الله بحيث لا مفزع إلا إليه، وعرضت مشيداً بذكر أبي واثلة فهو العزيز المطاع الرحب الباع فإليكما مع ملقى الرجال، فلوا ضربت [68ب-ب ] التذكر عند أحد لتبرير فضل لكنتماه لكنها أرباب الكلم تهدي([256]) لأربابها ونصيحة كنتما أحق من أصفى بها إنكما مليكا ثمرات قلوبنا ووليا طاعتنا في ديننا والكيس بن الكيس يأيها المعظمان عليكما به ارمقا يدهمكما بواجبه واهجر أسنة التسويف فيما أنتما بعرضه أثرا الله فيما آتاكما يؤثركما الله بالمزيد من فضله ولا تجلد فيما أظلكما([257]) إلى الوثنية([258]) فإنه من أطال عنان الأمن أهلكته العزة ومن افتقد مطية الحذر كان بسبيل آمنٍ من المتآلف، ومن استنصح عقله كانت العبرة له لا به، ومن نصح الله([259]) آنسه الله بعز الحياة وسعادة المنقلب، ثم أقبل على العاقب معاتباً فقال: وزعمت أبا واثلة إن رادَّ ما قلت أكثر من قابله، وأنت لعمرو الله حري أن لا تؤثر بهذا عنك، فقد علمت وعلمنا أمة الإنجيل معاً سيرورة ما قام به([260]) المسيح في حواريه ومن آمن له من قومه، وهذه منك فهَّمةٌ لا يرحضها إلا التوبة والإقرار [146-ج] بما سبق به الإنكار فلما أتى على هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه وقال: لا سيف إلا ذو نبوة ولا حليم إلا ذو هفوة فمن نزع عن وهله، وأقلع فهو السعيد الرشيد، وإنما الآفة في الإصرار وعرضت بذكر اثنين([261]) يخلفان زعمت بعد بن البتول فأين يذهب بك عما خُلِّدَ في الصحف من ذكر([262]) ذلك ألم تعلم ما نبأنا به المسيح في بني إسرائيل وقوله لهم: كيف بكم إذا ذهب بي إلى أبي وأبيكم([263]) وخلف بعد أعصار تخلوا من بعدي وبعدكم صادق وكاذب.

قالوا: ما صادق وكاذب يا روح الله.

قال: نبي من ذرية إسماعيل صادق ومتنبئ من بني إسرائيل كاذب والصادق منبعث منهما برحمة وملحمة يكون له الملك السلطان [96أ-أ] مادامت الدنيا، وأما الكاذب فله نبر يذكر به المسيح الدجال يملك فواقاً ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي.

قال حارثة: فأحذركم يا قومي أن يكون من قبلكم من اليهود لكم مثلاً إنهم أنذروا بمسيحين مسيح رحمة وهدى، ومسيح ضلالة، وجعل لهم على كل واحد منهما آية وأمارة فجحد، ومسيح الهدى وكذبوا به وآمنوا بمسيح الضلالة المسيح الدجال وأقبلوا على انتظاره فأُضربوا في الفتنة، وركبوا([264]) بفجها.

ومن قبل ما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبيائه القوامين بالقسط من عباده فحجب الله عنهم البصيرة بعد التبصرة بما كسبت أيديهم، ونزع ملكهم منهم ببغيهم وألزمهم الذلة والصغار وجعل من منقلبهم إلى النار.

قال العاقب: فما أشعرك يا حار أن هذا النبي المذكور في الكتب هو قاطن يثرب، فلعله ابن عمك صاحب اليمامة، فإنه يذكر من النبوة ما يذكر منه أخو قريش، وكلاهما من ذرية إسماعيل ولجميعهما أتباع وأصحاب يشهدون بنبوته ويقرون له برسالته فهل تجد بينهما([265]) في ذلك من فاصلة فتذكرها.

قال حارثة: أجل أجدها والله وأكثر، وأبعد مما بين السحاب والتراب وهي الأسباب التي بها وبمثلها ثبتت حجة الله في قلوب المعتبرين من عباده لرسله وأنبيائه.

فأما صاحب اليمامة فليكفيك فيه ما أخبركم به سُفَّاركم وغيرهم والمنتجعة منكم أرضه ومن قدم من أرض([266]) اليمامة عليكم، ألم يخبروكم جميعاً عن رواد مسيلمة وسماعيه، ومن وفدة صاحبكم([267]) إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه جميعاً بما يعرفون هناك من بني قيلة ونبأوا به، قالوا: قدم علينا أحمد بيثرب وبيارنا ثماد ومياهنا ملحة وكنا من قبله نستطيب ونستعذب فبصق في بعضها ومج في بعض فعادت عُذاباً محلولية وحاش([268]) منهما ما كان ماؤها ثماداً فخار بحراً.

قالوا: وتفل محمد في عيون رجال ذوي رمد وعلى كلوم رجال ذوي جراح فبرئت لوقتها عيونهم فما شكوها([269])، واندملت جراحهم فما ألموها في كثير مما أدوا وبينوا عن محمد من دلالة وآية.

وأرادوا أصحابهم مسيلمة في بعض ذلك، فأنعم لهم كارهاً وأقبل بهم إلى بعض بيارهم فمج فيها وكانت الركب معذوبة([270]) فخارت ملحاً، وبصق قي بئر كان ماؤها وشلاً فعادت فلم يمض بقطرة من ماء، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت، وعلى جراح أو قالوا أجراح أخرى فاكتسى جلده برصاً، فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا من ذلك واستزادوه، فقال: ويحكم بئس الأمة أنتم لنبيكم والعشيرة لابن عمكم إنكم تخيفتموني بهؤلاء من قبل أن يوحى إلي في شيئ مما سألتم، والآن فقد أذن لي في أجسادكم وأشعاركم دون بياركم ومياهكم هذا لمن كان منكم بي مؤمناً، فأما من كان مرتاباً فإنه لا يزيده نفثى [69أ-ب] عليه إلا بلاءً فمن شاء الآن منكم فليأتي لأتفل في عينه وعلى جلده قالوا: ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك إنا نخاف [96ب-أ] أن يشمت بنا نبي([271]) أهل يثرب فاضربوا عنه حمية لنسبه فيهم وتذمماً بمكانه منهم فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الأرض بأرجلهما وقالا: ما النور والظلام([272]) بين هذين الرجلين صدقاً و([273])كذباً.

قالوا: وكان العاقب أحب مع ما تبين من ذلك أن سد مأوى الحق والباطل بأشد بياناً وتفاوتاً مما فرط من تفريطه (مسيلمة)([274]) وتوثل منزلته لتجعله للرسول [147-ج] صلى الله عليه وآله وسلم كنفاً استظهاراً بذلك في بقاء عزه وما طار له من السهو في أهل ملته فقال فلان (هو)([275]) فخر بني([276]) حنيفة بني وفي زعمه أن الله أرسله، وقال من ذلك ما ليس له([277]) بحق فلقد تلقى([278]) من قومه نقل قومه من عبادة الأوثان إلى الإيمان بالرحمن.

قال حارثة: أنشدك بالذي دحاها وأشرق بإسمه قمرها هل تجد فيما أنزل الله في([279]) الكتب السالفة: يقول الله أنا الله لا إله إلا أنا ديان يوم الدين أنزلت كتبي وأرسلت رسلي لاستنقذن بهم عبادي من حبائل الشيطان وجعلتهم في بريتي وأرضي كالنجوم الدراري في سمائي فهم يهدون([280]) بوحي وأمري ومن أطاعهم (فقد) أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني وإني([281]) لعنت وملائكتي في سمائي وأرضي من جحد بربوبيتي أو عدل بي شيئاً من بريتي أو كذب بأحد من أنبيائي ورسلي أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيئ أو عمص سلطان أو تقمصه متبريا أو أكمه عبادي وأظلهم عني أن لا يعبدونني من عرف ما أريد في عبادتي وطاعتي من خلقي فمن لم يقصد إليَّ من السبيل التي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادتي مني إلا بعدا.

قال العاقب: رويدك فاشهد لقد نبأت حقا.

قال حارثة: فما دون الحق من مقنع ولا بعده إلا أمراً مفزع ولذلك قلت الذي قلت فاعترضه السيد وكان ذا محال وجدال شديد، فقال: ما أجد ما أرى أخا قريش مرسلا إلا إلى قومه بني إسماعيل دينه. وهو مع ذلك يزعم أن الله أرسله إلى الناس جميعا.

قال([282]): ويحك وهل يستطاع دفع الشواهد، نعم أشهد غير مرتاب بذلك وبذلك شهدت له الصحف الدارسة والأنباء الخالية فأطرق حارثة ظاحكاً ينكب([283]) الأرض بسبابته ما أضحكك يا ابن أثال.

قال: عجبت فضحكت.

قال: أو عجب ما تسمع.

قال: نعم العجب أجمع.

أليس بالإله تعجبت من رجل أوتي أثره من علم وحكمة يزعم أن الله تعالى اصطفى لنبوته واختص لرسالته وأيد بروحه وحكمته رجل خراصاً يكذب عليه ويقول أوحي إلي ولم يوح إليه شيء فيخلط، كالكاهن كذبا بصدق وباطل بحق فارتدع السيد، وعلم أنه قد وهل فأمسك محجوجاً قالوا: وكان حارثة بنجران جنيباً، فأقبل العاقب عليه وقد قطعه ما فرط إلى السيد من قوله فقال([284]): أربع عليك أخا بني قيس بن ثعلبة واحبس عليك ذلق لسانك، ولم تزل([285]) تسحم لنا من مثابة سفهك فرب كلمة لا ترفع([286]) صاحبها بها رأسا قد ألقته في قعر مظلمة ورب كلمة لامت ورأبت قلوباً نفلة فدع عنك ما سبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك [97أ -أ] يا أنيسان([287]) اعتذار ثم اعلم أن لكل شيء صورة وصورة الإنسان العقل وصورة العقل الأدب والأدب أدبان طباعي ومرتاض، فأصلهما أدب الله، ومن أدب الله سبحانه وتعالى وحكمته أن يرى لسطانه حق ليس لشيء من خلقه لأنه الحبل بين الله وعباده والسلطان اثنان سلطان ملكة([288]) وقهر وسلطان حكمه وشرع فأعلاهما مرقا([289]) سلطان الحكمة، وقد نرى([290]) يا هذا أن الله تعالى قد صنع لنا حتى جعلنا حكاماً على ملوك أهل ملتنا، ثم من بعدهم من حشوتهم وأطرافهم فأعرف لذي الحق حقه أيها المرء وخلاك ذم ثم قال وذكرت أخال قريش وما جاء به من الآيات والنذر فأطلت وأعرضت ولقد برزت، فنحن بمحمد([291]) عالمون وبه جد موقنون شهدت لقد انتضمت له الآيات والبينات سالفها وآنفها [148-ج] إلا أنه في أسناها وأشرفها وإنما مثلها فيما جاء به كمثل الرأس من الجسد، فما حال جسد لا رأس له فأمهل رويداً نتجسس الأخبار ونعتبر الآثار ونستشفي ما ألفينا بما أفضى إلينا فإن أَنِسْنَا الآية الجامعة الخاتمة(لديه) فنحن إليه أسرع، وله أطوع وإلا فاعلم ما تذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوت في أمره ولا تعاين([292]) في حكمه.

قال له حارثة: لقد([293]) ناديت فـأسمعت وقرعت فصدعت وسمعت فأطعت فما هذه الآية الذي([294]) أوحش بعد الأنسة فُقْدها وأعقب الشك بعد البينة عدمها.

قال العاقب: قد أفلجك أبو قرة بها فذهبت عنها في غير مذهب وحاورتنا([295]) فأطلت في غير ما طايل حوارنا.

قال حارثة: وإنى ذلك([296]) فَحِلَّها الآن لي فداك أبي وأمي.

قال العاقب: أفلح من سلم للحق وصدع به ولم يرغب عنه، وقد أحاط به علما فقد علمنا وعلمت من أبناء([297]) الكتب (السالفة) المستودعة [69ب-ب ] علم القرون وما كان وما يكون فإنها استهلت بلسان كل أمة معربة مبشرة ومنذرة بأحمد النبي العاقب الذي تطبق أمته المشارق والمغارب يملك قومه وشيعته من بعده ملكاً مؤجلا يستأثر([298]) ملكاً على الأعاجم بذلك النبي اتباعه وتبيانه وتوسع أمتهم من بعدهم أمتهم عدوانا وهضما فيملكون بذلك سبباً طويلا حتى لا يبقى بجزيرة العرب بيت إلا وهو راغب إليهم أو راهب لهم، ثم بدل بعد اللائي منهم وتشعب سلطانهم جداً جداً وتنافساً حتى تطمع أمثال النفق من الأقوام فيهم، ثم يملك أمرهم عليهم عبدانهم وقينهم فيملكون جيلاً فجيلاً يسيرون في الناس في العسيرية([299]) خبطاً خبطاً ويكون سلطانهم سلطانا عظوظاً مروصاً فتنتقص الأرض حينئذ من أطرافها ويشتد البلاء ويشمل الأوى حتى يكون الموت أعز من الذهبة الحمراء وأحب حينئذ إلى أحدهم من الحياة إلى المعافى السليم، وما ذلك إلى لما يذهبون به من الضر والضرآ والفتنة الشعواء وأقوام الدين يومئذ وزعمائه أناس ليسوا من أهله فينسخ الدين لهم ويعفوا([300]) بآية ويدثر توليا([301]) وإمحاقا فلا يبق منه إلا اسمه حتى ينعاه ناعيه، والمؤمن يومئذ غريب والديانون قليل ما هم حتى تستيئس الناس من روح [97ب-أ ] الله وفرجه إلا أقلهم ويظن أقوام أن لن ينصر الله رسله، ويحق وعده فإذا تناهت بهم المصائب والنقم وأخذ من جميعهم بالكظم تلافى الله سبحانه تعالى دينه وراش عباده من بعد ما قنطوا برجل من ذرية أحمد نبيهم ونجله يأتي به الله من حيث لا يشعرون تصلي عليه السماوات، وسكانها وتفرح به الأرض وما عليها من سوائم وطائر وأنام ويخرج له أمكم يعني الأرض، بركتها وزينتها وتُلقي إليه كنوزها وأفلاذ كبدها حتى تعود كهيئتها على عهد آدم عليه السلام، وترفع عنهم المسكنة والعاهات في عهده والنقمات التي كانت تضرب بها الأمم من قبل، ويلقى في البلاد الآمنة وتنزع جمة كل ذي جمة ومخلب وناب كل ذي ناب حتى أن الجويرية لتلعب بالأفعوان فلا يضرها شيئاً.

وقد يقول الأسد في الباقر كأنه راعيها والذئب([302]) في البهم كأنه ربها، ويظهر الله تعالى عبده على الدين كله فيملك مقاليد الأقاليم إلى بيضاء الصين حتى لا يكون على عهده في الأرض أكتعها إلا دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده وبعث به آدم بديع فطرته وأحمد خاتم رسالاته ومن بينهما من أنبيائه ورسله.

فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال: أشهد بالله البديع يا أيها النبيه الخطير والعلم([303]) الأثير لقد ابتسم الحق بقلبك وأشرف الجنان بعدل منطقك ونزلت [149-ج] كتب الله التي جعلها الله نوراً في بلاده وشاهدة على عباده بما اقتصصت من مسطورها حقا، ولم يخالف طرسا منها طرساً ولا رسم من أيامها رسما فما بعد هذا.

قال العاقب: فإنك زعمته أخا قريش فكنت بما تأثر من هذا حق غالط، قال: وبما لم([304]) تعترف له بنبوته ورسالته الشواهد.

قال العاقب: بلى ولعمر الله ولكنهما نبيان رسولان يعتقبان بين مسيح الله وبين الساعة اشتق اسم أحدهما من صاحبه محمد وأحمد بشر بأولهما موسى وثانيهما عيسى فأخو قريش هذا مرسل إلى قومه، ويكفوه من بعده ذو الملك الشديد، والأكل الطويل أبتعثه الله خاتما للدين وحجه على الخلائق أجمعين ثم يأتي من بعده فترة تنزل([305]) فيها القواعد من مراسيها، فيعيدها الله بالظاهر الجابرمن ذرية أحمد ويظهره الله على الدين كله فيملك هو والملوك الصالحون من عصبته جميع ما طلع عليه الليل والنهار من أرض وجبل وبحر ويرثون أرض الله ملكاً كما ورثها الأبوان آدم ونوح عليهم السلام يلقون وهم الملوك الأكابر في مثل هيئة المساكين بذاذه واستكانة فأولئك الأكرمون الأماثل لا تصلح عبادة الله وبلاده إلا عليهم، ينزل عيسى ابن البشر على آخرهم بعد مكث طويل، وملك شديد، ثم لا خير في العيش بعدهم ويردفهم إجارة الطعام([306]) في مثل أحلام العصافير عليهم تقوم الساعة، وإنما تقوم على شرار الناس وأخابثهم، فذلك الوعد الذي صلى به الله على أحمد كما صلى به على خليله إبراهيم في كثير مما لأحمد من البراهين والتأييد التي خبرت به كتب الله الأولى.

قال حارثة: فما الأمر المستقر عندك أبا واثلة في هذين الاسمين [98أ-أ] إنهما لشخصين لنبيين مرسلين وفي عصرين محتلفين.

قال العاقب: أجل.

قال: فهل يتخالجك في ذلك ريب أو يعرض لك فيه ضن.

قال العاقب: لا والمعبود إن هذا لأجلى من نوح وأشار إلى جرم الشمس المستدير فأكب حارثة مطرقاً وجعل ينكت في الأرض عجباً ثم قال: إنما الآفة أيها الزعيم المطاع أن يكون المال عند من يخزنه لا عند من ينفقه، والسلاح عند من يتزين به لا عند من يقاتل به، والرأي عند من يملكه لا عند من ينصره.

قال العاقب: لقد أسمعت يا حويرث ما فزعت وطفقت بما قدمت فمه.

قال: اقسم بالذي قامت السماء والأرض بإذنه وغلب الجبابرة بأمره إنهما اسمان مشتقان لنفس واحدة لشخص واحد لنبي واحد ورسول واحد أنذر به موسى وبشر به عيسى ومن قبلهما إشارته في صحف إبراهيم عليه السلام، فتضاحك السيد يرى قومه ومن حضره أن ضحكه هزؤ من حارثة، وتعجباً وأنشط العاقب ذلك، فأقبل على حارثة مؤنباً فقال لا يغررك باطل أبي قرة فإنه وإن ضحك لك فإنما يضحك منك.

قال حارثة: لئن فعلها لأنها([307]) لإحدى الدهارس أو سوه أفلم تتفرقا راجع الله بكما من موروث الحكمة لا ينبغي للحكيم أن يكون عباساً في غير أدب، ولا ضحاكاً من غير عجب، أولم يبلغكما عن سيدكما المسيح قال: ضحك العالم في غير حينه غفلة من قلبه أو سكرة ألهته عما في غده.

قال السيد: يا حارثة إنه لا يعيش والله أحد بعقله حتى يعيش بظنه إذا أنا لم([308]) أعلم إلا ما رويت فلا علمت أو لم يبلغك عن قول سيدنا المسيح عليه سلامه: إن لله تعالى عباداً ضحكوا جهراً من سعة رحمة ربهم، وبكوا سراً من خيفة عدله.

قال: إذا كان هذا فنعم.

قال: فهاهنا فليكن مزاحم ظنونك بعباد ربك، وعد بنا إلى ما نحن بسبيله فقد طال التنازع([309]) بيننا يا جار.

قالوا: وكان هذا مجلساً ثالثاً في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في أمرهم.

فقال السيد: يا حارثة ينبئك أبو واثلة بأفصح لفظ احترق أذناً وعاد ذلك بمثله مخبراً فألفاك مع عرفانك بموارده حجراً وها أنا ذكراً([310]) أكثر عليك التذكرة بذلك من معدن ثالث فأنشدك الله وما أنزل إلى كلمته من كلماته هل تجد في الزاجرة المنقولة من لسان أهل سورية إلى لسان العرب يعني صحيفة شمعون بن حيوان الصفا التي توارثها عنه أهل نجران.

قال السيد: ألم يقل بعد نبذ طويل من كلام، فإذا طبقت الآثام وقطعت الأرحام، وعفت الأعلام بعث الله عبده البار قليطاً بالرحمة والمعدلة

قالوا: وما البار قليطاً يا نبي الله([311])؟

قال: أحمد النبي الخاتم الوارث ذلك الذي يصلي عليه الله حياً، ويصلي عليه بعدما يقبضه إليه بعدما يقبضه إليه ثانيه الطاهر ويقفيه بأبيه الطاهر الجابر ينشره الله في آخر الزمان بعدما انقصمت عرى الدين وحسنت([312]) مصابيح الناموس، وأفلت نجومه فلا يلبث ذلك العبد الصالح إلا أمماً حتى يعود الدين كما بدأ، ويقوي الله سلطانه في عبده ثم في الصالحين من عقبه وينشر منه حتى [98ب- أ ] يبلغ ملكه منقطع([313]) التراب.

قال حارثة: قد أشدتما([314]) بهذه المأثرة لأحمد وكررتما بها القول وهي حق لا وحشة مع الحق، ولا أنس في غير فهمه.

قال السيد: فإن من الحق أن لا حظ في هذه الأكرومة لإبتر.

قال حارثة: إنه لكذلك وليس بمحمد.

قال السيد: ما([315]) علمت لأحمد ولداً، ألم تخبرنا سفرنا وصحابنا فيما تحسبنا([316]) من خبره أن ولديه الذكرين للقرشية والقبطية هلكا وغودر محمد كقرن الأعضب موف على ضريحه فلو كان له بقية لكان لك بذلك مقال إذاً ولرأيناه الذي يذكر([317]).

قال حارثة: العِبُر لعمرو الله كثيرة والإعتبار بها قليل والدليل موف على سنن السبيل إن لم يعش عنه ناظر وكما أن الأبصار الرمدة لا تتعلق بنور الحكمة لعجزها إلا ومن كان كذلك فلستماه، وأشار إلى السيد والعاقب إنكما، ويمين الله لمحجوجان لما آتاكما الله من ميراث الحكمة واستودعكما من بقايا الحجة بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة في الناس وقد([318]) جعل الله من آتاه سلطاناً ملوكاً للناس وأرباباً وجعلكما حكاماً وقواماً على الملوك ملوك ملتنا، وقادة لهم يفزعون إليكما في دينهم، ولا تفزعان إليهم تأمرانهم فيأتمرون لكما وحق لكل موطأ الأكناف مثلكما أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه وأن ينصح لله في عباده ولا يدهن في أمره.

وذكرتما محمداً بما حكمت له به الشهادات الصادقة، وبينته فيه الأسفار المتحفظة([319]) ورأيتماه مع ذلك مرسلاً إلى قومه لا إلى الناس جميعاً وإن ليس بالخاتم الحاشر، ولا الوارث العاقب لأنكما زعمتماه أبتر ليس كذلك.

قالا: نعم:

قال: أرأيتما لو كان له بقية وعقب هل كنتما مميزين لما تجدان، وبما([320]) تذكران من الوراثة والظهور على النواميس!

إنه النبي الخاتم والمرسل إلى كافة البشر.

قالا: لا.

قال: أفليس لهذا القبل لهذه الحال مع طول اللوائم والخصائم عندكما مستقرة؟

 قالا: أجل.

قال: الله أكبر.

قالا: كبرت كبيراً، فما دعاك إلى ذلك؟

قال حارثة: الحق أبلج والباطل لجلج، ولنقل ما البحر وشق الصخر أهون من إماتة ما أحياه الله وإحياء ما أماته الله، الآن فأعلما أن محمداً غير ما أبتر وأنه الخاتم الوارث، والعاقب الحاشر حقاً، فلا نبي بعده وعلى أمته تقوم الساعة، ويرث الله الأرض ومن عليها وإن من ذريته الأمير الصالح الذي بينتما ونبأتما أنه يملك مشارق الأرض ومغاربها ويظهره الله بالحنفية الإبراهيمية على النواميس كلها.

قال: أولى لك يا حارثة لقد أغفلناك وتأبى إلا مراوغة كالثعالة فما تسام المنازعة، ولا تمل من المراجعة، ولقد زعمت مع ذلك عظيماً، فما برهناك به؟

 قال: أما وجدكما([321]) لآتينكما ببرهان يجير من الشبهة ويشفي به جوى الصدور، ثم أقبل على أبي حارثة حصين بن علقمة شيخهم وأسقفهم الأول فقال: إن رأيت أيها الأب الأثير أن تؤنِّس قلوبنا، وتثلج صدورنا بإحظار الجامعة والزاجرة.

قال وهب: وكان هذا المجلس الرابع من اليوم الرابع وذلك لما خلقت الشمس، وركدت وفي زمن قيظ شديد فأقبلا على حارثة فقالا: لاأرج هذا إلى غد فقد بلغت [99أ-أ ] القلوب من([322]) الصدور[151-ج]فتفرقوا على إحضار الزاجرة والجامعة من غد للنظر فيهما والعمل بما يثيران.

 قال وهب: وكانت الزاجرة صحيفة عظيمة من رق قديم من جلود الظباء مسطرة بخط الحصين بن أبرهة جد أبي حارثة عن إملاء الربيع بن ناط التلميذ صاحب كرسي نجران وعليه كان الربيع قد اكتتبها عن شمعون بن خبوان راس الحواريين، فأما الجامعة فإنها كانت حاوية للصحائف التي وقعت إليهم عن الآباء والتلاميذ من إرثهم عن شمعون الصفاء مما استنسخ وورث من صحف آدم وشيث، وإبراهيم وموسى وسليمان وأصفيا ودانيال والمسيح عليهم السلام، وكانت ظرفا قد ألبس أديما.

قال وهب: وكان المؤتمن على فتحها وخزنها شيخهم وأسقفهم القديم أبا حارثة لا ينبغي ذلك لغيره فيهم لوراثته ذلك المقام عن أسقف الأساقفة منهم خيوان بن تومان ووصيته إليه في ذلك، وكان آخر من بقى من جملة الحجة في أهل دين النصرانية رجلان بحيرا بن عبد الملكوت راهب بصرى الشام وهو الذي رد عليه رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- مع عمه أبي طالب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلام لم يبلغ الحلم، والآخر أبو حارثة: حصين بن علقمة أسقف نجران، فلما مات بحيرا انفرد أبو حارثة في المشيختين بهذه المنزلة، وكان آخر من ذكر فيهم بها، وكان السيد والعاقب، وحارثة بن أثال، ونفر معهم من علماء نصارى نجران تلاميذ وأتباعاً لأبي حارثة، وكل كانوا معه على طريقة من الحق يوحدون الله، وينزهونه تعالى عن الأنداد، والصاحبة والأولاد، وهم في ذلك مغمورون مقهورون في النصارى، لقلة عددهم فيهم يستسرونا بينهم بدينهم، ويرهبون أن يظهر ذلك من شأنهم، ويرجمون فيهم بكل داهية، وأيده من القول، فإن عُثير على أحدهم هلك([323]) بأخبث قتله ومثل به أنكر مثله، فلبثوا بذلك حيناً حتى طالت بهم الطيل، وبلغ البلا منهم كل مبلغ فاشتكوا إلى أبي حارثة ما يلاقون من عظم الأذى من قومهم، وقالوا: هل تحس لنا يا أبانا فيما تعلم من غياث أو فرج، فأقبل عليهم فقال: نعم، فاصبروا يا بني وابشروا وتمسكوا بما أنتم عليه من الحق فقد طلع النجم الذي تغاثون به.

قالوا: هذه بشرى([324]) فلو فسرت ما البشرى.

قال: إن النبي المنعوت في الصحف المبتعث بكسر الأصنام وهلكة الأزلام وجذ الشرك بالحسام محمد عليه السلام قد بعث من هذا العام ثم قال: أليس بعام أربعين من مقدم أصحاب الفيل.

قالوا: بلى.

قال: فهو والله ما قلت لكم.

فارتقبوا خبره، فسألوا عن الأمة فوجدوه حقاً فحذلوا([325]) لذلك، واستبشروا به ثم فحصوا عنه بعد عدة أحوال فخبروا بما يلاقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه من التكذيب والأذى الشديد، وكذلك بما يلقى أصحابه من النكال، وغليظ العذاب، فقطع من كان أعلا بالتوحيد منهم واستيأسوا من أن يروا من هناك روحاً وفرجاً، وقال قائلهم: هذا الذي كنا نرجوا [99ب-أ ] الفلاح والنجاح والنجاة من قومنا فهو الآن وأصحابه على أمر عظيم من شدة المخاوف والعذاب أليس من قومه، فأمعن بعضهم في البلاد هرباً وتردى([326]) بعضهم من دينه إلى كفار قومه وأمسك أبو حارثة على ما كان في نفسه، فكان يعبد الله بالتقية والإسرار بدينه، فسلم هو ونفر معه كانوا على منهاجه من معرة قومهم، ولم يزل أبو حارثة فيهم معظماً لمكانه في دينهم.

قال وهب: وكان السيد والعاقب وحارثة بن أثال أعلم نصارى نجران في ذلك الزمان بعد أبي حارثة بل لم يكن في عصرهم في سائر الأقطار من ترمية الأبصار من النصارى مثل هؤلاء الثلاثة حكمة وعلماً.

قال وهب: ولما رأى أبو حارثة ما نالته به الأيام من خيانة [152-ج] الأوصال أبصر ما بلغ به الكبر من تخرم القوة وتقاعد الضعف به عما كان ينهض إليه من إقامة الناموس وتدبير أهله أشفق إن لم يفض بما في عنقه من ذلك إلى من هو أحمل له عنه أن يحتقب بإضاعته، وإهماله إثماً عظيماً، فدعى النفر الثلاثة حارثة، والعاقب، والسيد، وألقى إليهم ما عرض له، وشاورهم من ذلك، وأعلمهم بما هو وجل أن يفجاءه ويسعيه من المنية ليصرم أجله فردوا إليه من نفسه، وسكنوا من جأشه، وذكروا في قولهم سلامه إيضاعه واعتدال أجزائه، وقالوا له: إنه لم ينصف من عمرك ما نرجوا انتظام جميعة لك.

فقال: حسبكم ويحكم فإن المنية وإن لم تستوف شيخكم موتاً فقد توفته هرماً.

قالوا: فاستمش واستبدل بالبياض حوناً([327])، فإنه أمثل فتضاحك إليهم، وقال: وأبيكم إنكم لتعلمون أن الشباب لا يدرك بالخضاب، ولا البقاء بالدواء، وإنما هي عواري أنفاس لا زيادة فيها ولا نقصان، ثم قال: ويمثل مستعبراً:

وساق إلي الدهر ما ليس نافعاً
وما رغبتي في آخر العيش بعدما
وأصبحت في قومي كان لست منهم

 

ولا دافعاً منه دواءً وأطيب
لبست شبابي كله ومشيبي
وغاب قروني منهم وضروبي

ثم أقبل عليهم وقال: إن الله تفرد بالكمال، ولم يعرأ أحداً من خلقه من النقصان، فمن كان نقصه فيما ينتقل عنه، وزيادته فيما يصير إليه فذلك السعيد.

واعلموا حق العلم أن فضل ما تنقلون إليه في آخرتكم، ما تطعنون عنه من دنياكم هذه من النعيم، أو البؤس والسعة، أو الضيق، كفضل ما أنتم فيه على ما([328]) عنه من بطون أمهاتكم، ثم اعلموا أنما تستقبلون في مأربكم من سعادة أو شقا إن ذلك في دار مقامه، وبقا لا فنا لذلك، ولا انقطاع، وأعوذ بالله الرحمن([329]) الرحيم أن يكون لي ولكم محبة في غير محبته، أو هو فيما يلبس من عفوه، وتعمده وأنا مفض إليكم أيها الأخوة السعداء بما نطق فيه منذ سبعين عاماً من تدبير أهله، وما اشتمل [100أ -أ ] عليه هذا البيت العظيم، والكرسي الكريم من الأمانة المستحفظة، والحكمة الموروثة عن أركان أنوار الله القائمين له بدينه من لدن أول منفطر من البشر آدم عليه السلام، ثم إلى كلمة الله ومسيحه وابن أمته البتول عيسى بركات قدَّس الله وكوامل تحياته عليه وعليهم جميعاً([330])، فخذوا ما آتاكم الله تعالى من هذا المقام بحقه، وناصحوا الله فيما استرعاكم من أمانته، وكونوا لملتكم وأباء ملتكم في حسن ملابستكم وملازمتكم وحنان ترفقكم بطباعهم بمنزلة الأسي الرفيق الذي يحمل كل غصون من الدواء بحسب ما تضمن من الدا قولوا: الخير واعملوا به تكونوا من أهله، وأجدر حينئذٍ([331]) أن يقبل حينئذٍ ذلك عنكم اخلصوا أعمالكم، وأحسنوا له سرائركم، فإن المسيح سيدكم، قال وهو في ملا من بني إسرائيل: إنكم لن تبلغوا والله أن تكونوا لملوك الجنة حتى يكون ما تسرون من الخير أكثر مما تظهرون، أثروا والله يؤثركم، وتقربوا إليه بطاعتكم يحببكم.

ألا أخبركم عن بعض ما ناجى به موسى صلى الله عليه وسلم- ربه تعالى.

قال موسى بن عمران: يا رب الأنام أخبرني بأكرم خلقك عليك.

قال: الذي يسرع إلى مرضاتي إسراع المبشر إلى هواه، والذي يكلف بعبادتي، كما تكلف([332]) الصبي بما([333]) يحب، والذي يغضب لي إذا انتهكت محارمي كما يغضب النمر لنفسه، فإن النمر إذا حرب لم يحفل بكثرة من يرى، وإن أتى ذلك على نفسه، ثم قال: ألا أنبئكم بما هو أملك بكم من ذلك كله.

قالوا: قل يا أبانا.

قال: أن تعبدوا الله ربكم ورب آبائكم الأقدمين إله العالمين بادئ المعلومات وبادئ [153-ج] المبتدعات فاطر الأعيان، وموجدها لا من معدن منسوب، فاذكروه بما يستحقه سبحان لاهوته وبما ينبغي له من اضطرارات توحيده ثم اعلموا: أن بن مريم عبْدٌ من عبيده خلقه من غير فحل وأنطقه بالحكمة براءة وبينة لأمة، وآية له في قومه، ثم أثره ربه فأقدره على الأفعال الإلهية، إمارة بين الحجة والمحجوج، فأحياء الميت وأبرأ الأكمه، وشفاء الأبرص، وخبّر بما في البيوت والنفوس، هذا ولم ينفك في جميع متقلبه([334]) من هيئة المضطربين([335])، وثمة([336]) المعلولين يشهد اختلاف أطباقه وائتلافها على حدثها وبراه محدثها من شبهها، ويعترف إنشاؤه في بطن أمه، وولهه إلى ثدي به نمو تراكيبه وانتهائه، واختلاف سجياته، وهيئاته في جميع ما كان بصدده من جوع، وشبع، وراحة، ونصب، وصحة، وسقم، وسرور، وحزن إنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله له ذلك، فإن الله تعالى [72ب-ب] ربه بخلافه وخلاف مبتدعاته من جميع وجوهها وجهاتها وأبشركم إن تقررتم بذلك علماً واستشعرتموه دينونة وعقلاً بالبشرى أتدرون يا أبنائي ما البشرى هي والله النعمة الكبرى، ثم أنشاء أبو حارثة يحدثهم قال: ثبت أن سليمان بن داود صلى الله عليهما أثناء على ربه يوماً بالنعمة، وما وهب الله له من الملك الذي لم يؤت مثله أحداً من خلقه، فأوحى الله إليه أفلا تشكرني يا ابن داود على نعمتي الكبرى عليك.

قال: وما تلك النعمة يا رب.

قال: التوحيد، ألم تعلم يا عبدي أنك لو أتيتني بعمل أهل السماوات والأرض جميعاً منذ خلقهما([337]) إلى يوم القيامة ما بلغت شكري إن جعلتك تؤمن بي ولا تشرك بي شيئاً، ثم قال لهم: تمسكوا [100ب-أ ] إن أنتم قبلتم وصاه فينجيكم بعهد سيدكم عيسى صلى الله عليه إنه لما أذنه الله بفراق قومه دعاهم فوصاهم، وقال لهم في آخر عهده إليهم: إنكم شرذمة قليلون، وكثر عدوكم، فاخرسوا بالتقية والحذار أنفسكم وأوكوا أفواهكم وألسنتكم، وإياكم أن تلقوا بواقيتكم، وقد سكم إلى خنازيركم فتطفؤا بذلك مصابيحكم.

قالوا: يا روح الله، وكيف تلقى قدسنا ويواقيتنا إلى خنازيرنا.

قال: إنما ضربت ذلك لكم مثلاً لا تظهروا على الحكمة غير أهلها فتسفكوا بذلك دماءكم وتسخطوا عليكم بارئكم، ثم اعلموا: أن أيام الباطل ودولته طويلة، وأول ذلك ما كان منها شأن أبيكم آدم عليه السلام، فإنه لبث في الأرض ألف عام منذ أهبطه إلى أن قبضه، فلم يمت حتى رأى من ذريته وذرية الذرية، من ولده ونسله أربعين ألفاً من بين ذكر وأنثى وجلهم أو قال: أكثرهم من ولد قابيل الشقي وعلى طريقته الخبيثة إلا شرذمة قليلة كانوا على منهاج آدم وسبيله، ولم يمت آدم عليهم السلام حتى تنكرت له البلاد، وظهر([338]) له في ذريته الخبث، والفساد من طواغيتهم عدوه إبليس ومعصيتهم له فتمن الموت حينئذٍ، واشتاق إلى وطنه في الجنة، فوهب الله تعالى على آخر عمره، وبعد إبانته([339]) من يصلح يقوم مقامه ابنه هبة الله، وهو شيت([340])؛ فلما حضرت آدم عليه السلام الوفاة دعا ابنه شيت([341]) فقلده وصيته وعهده وأطلعه على اسم الله تعالى الأعظم الذي لا ينبغي إلا له سبحانه وأظهره على مقاليد الحكمة، والأسماء التي أنبأه الله تعالى بها، وكل ذلك في خفية وسر([342]) من قابيل وذريته، وقال له: أحذرك يا بني جميع أولئك.

قال: ثم أقبل المسيح صلى الله عليه على أصحايه؛ فقال: وأنا آمركم يا هؤلاء بما أمر آدم عليه السلام ابنه: اعبدوا الله في السر والعلانية يؤتكم الله بذلك أجرين، ويجعل لكم من لدنه نورين.

قال المسيح عليه السلام: وأكرر عليكم بذلك قولي ووصايتي أن([343]) لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم؛ فلما فرغ أبو حارثة من كلامه هذا [154-ج]، وعهده إليهم استحثهم على قبض ما كان إليه من ذلك فأسرع الرجلان السيد والعاقب إلى قبول ذلك عنه، وأمسك حارثة بن أثال فلم يشركهما في شيء منه. وكان متألِهاً فكره منافستهما في الأمر لما رأى من حرصهما عليه، ولم يكن([344]) بنجران عشيرة تدافع عنه، ولا فيه يتمتع بها.

قال وهب: وأوصى([345]) أبو حارثة بالأمر إليهما: إلا الجامعة فإنه لم يكن يقبضها آخر عن أول إلا في حال وفاته، وكان ذلك جارياً فيهم كالعهد والوصية لأنها كانت جامعة لما ورثت الأنبياء أوصيائها من العلم والحكمة، وكانت فيهم كالأمانة المستحفظة؛ فلما ثبت للسيد وصاحبة المنـزلة واستتب لهما الأمر خرج حارثة مهاجراً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يطلعهما على الوجه الذي يعمد له؛ فقدم مكة وذلك من قبل الهجرة فأسلم وأقرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن [101أ-أ] أبي حارثة السلام وأخبره بإيمانه وما خلى من عمره وقال: إنه لا يستطيع أن يستمسك على الرجل كثيراً ؛ فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيراً، ثم إن حارثة استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المقام عنده بمكة فقال: أما اليوم فليست بدار مهاجر لمؤمن أو لمؤمنين، ولكن سيكون ذلك في آخر أمتي؛ فارجع إلى صاحبك فيوشك أن يؤذن لي دار مهاجرتي، ثم لا يلبثون([346]) إلا يسيراً حتى تأتيكم رسلي، فإن كنت حياً يومئذٍ فاتني فأقتعد حارثة راحلته، ووجه من صدرها يوم نجران فقدمها مسدفاً [وجه ليل]([347]) وأقبل بمطيته حتى طرق أبا حارثة؛ فاعلمه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإسلامه معه فطوى عن السيد والعاقب ما كان من شأنه وإسلامه؛ فلم يظهرهما عليه.

قال وهب: ولم يلبث الرجلان يعني: السيد والعاقب إلا قليلاً حتى سوقت([348]) [72أ-ب] لهما الدنيا، وراقتهما بغرورها، وخدعها فأقطعا إليها، وأخلدا إلى بذلها([349]) وابتغيا الوجه والعلياء في قومهما فأدا لذلك ما كانا يعظمان من دينهما ثم انسلخا من جميعه انسلاخ الحية من جلدها، وكانا يمحضان التوحيد، فحالا عن ذلك، ودانا بقول أصحاب التثليث فزعما أن القديم جل وتعالى جوهر بثلاث سمات، أو جهات، وهو الأب، والإبن، وروح القدس وشبها ذلك بالشمس جوهرها واحد وجهاتها ثلاث، وهي القرص، والضياء، والإحراق، واحتج بقولهما هذا الكذاب بأمحل من السراب وذلك أن شبه الخالق بالمخلوق، والصانع بالمصنوع فتهوكا وظلا بذلك ظلالاً بعيداً.

قال: ولم يغيرا بعدما ظهرا به من كفرهما إلا قليلاً حتى انصرفت لذلك وجوه كفرت كفرت النصارى إليهما ؛ فأقبلت قلوبهم عليهما، وبلغت بهما الأيام حتى طمحت نحوهما الأبصار، ومدت إليهما الأعناق وكاتبتهما الملوك الآكابر فأطغاهما ذلك، واستر لهما حتى ذهبت بهما الفتنة فيه كل مذهب، ولما بلغهما ما هيا الله لنبيه –صلى الله عليه وآله وسلم- من الفتح والنصر كربهما ذلك، وشق عليهما وذلك لما [ثبت إليه]([350]) استشعرا من ركود ريحهما وزوال عزهما وأمرهما به ثم عاد وهب إلى حيث ما انتهى إليه من تجاوزهما.

قال وهب: فلما كان من الغد سار أهل نجران إلى بيعتهم لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه وتبيينه من الجامعة فلما رأى السيد والعاقب اجتمع الناس لذلك قطع بهما لعلمهما بصواب قول حارثة فاعترضاه ليصداه عن تصفح الصحف عن أعين الناس وكان من شياطين الإنس؛ وقال السيد: إنك قد أكثرت وأمللت فقص لنا [155-ج] الحديث من قصة، ودعنا من تبيانه؛ فقال حارثة: وهل ذلك إلا منك وصاحبك فمن الآن فقولا ما شئتما، فقال العاقب: وهل مِن مقال إلا ما قلنا وسيعود فنخبر بعض ذلك لك تخييراً غير كاتمين لله الحجة، ولا جاحدين له آية ولا مفترين مع ذلك على الله لعبد أنه مرسل منه، وليس برسوله فنحن يا هذا نعترف بمحمد أنه رسول من الله إلى قومه من بني إسماعيل في غير أن يحب له بذلك على غيرهم من عرب الناس ولا أعاجمهم تباعة ولا طاعة بخروج له عن ملة، ولا دخول معه في ملة إلا قرار([351]) له بالنبوة والرسالة إلى أعيان قومه [101ب-أ].

 قال حارثة: وبما شهدتهما له من الرسالة والنبوة؟

قالا: من حيث جاءتنا فيه بينه من تباشير الأناجيل والكتب الخالية.

قال: فقد وجب هذا لمحمد عليكما في طويل الكلام وقصيره وبدئه وعوده فمن أين زعمتما أنه ليس بالوارث الخاتم، ولا المرسل إلى كافة البشر.

قال: لقد علمت وعلمنا فيما يمتري([352]) أن حجة الله لم ينتهي أمدها، وأنها كلمة الله جارية في الأعقاب ما اعتقب الليل والنهار، وما بقى في الناس شخصان، وقد ضننا من قبل أن محمداً ربها وأنه القائد بزمامها، فلما أعقمه الله بمهلك الذكور من ولده علمنا أنه ليس به لأن محمداً أبتر وحجة الله الباقية، ونبيه الخاتم بشهادة كتاب الله المنزلة ليس بأبتر؛ فإذا هو نبي يأتي([353]) بعد محمد اشتق اسمه من اسم محمد، وهو أحمد الذي نبأنا المسيح باسمه ونبوته ورسالته الخاتمة، ويملكه الله القاهرة الجامعة للناس جميعاً على ناموس الله الأعظم ليس لطهره([354]) دينه ولكنه من ذريته وعقبه يملك قر الأرض وما بينهما من كور وسهل وصخر وبحر ملكاً مؤزراً وموطأ وهذه أنباء أحاطت سفرت الأناجيل بها علماً وقد أوسعناك بهذا القيل سمعاً وعدنا لك به أنفعه بعد سالفة، فما أريك إلى تكراره.

قال حارثة: قد أعلم أني وإياكما في رجع من القول منذ ثلاث وما ذاك إلا لتذكر ناس، وترجع فارط وتطمئن لنا الكلم، وذكرتما نبيين يبعثان يعتقبان بين مسيح الله والساعة قلتما وكلاهما من بني إسماعيل أولهما محمد بيثرب، وثانيمها: أحمد العاقب، فأما محمد أخو قريش هذا القاطن بيثرب فأنا به حق مؤمن أجل، وهو والمعبود أحمد الذي نبأت به كتب الله ودلت عليه آياته، وهو حجة الله ورسوله الخاتم الوارث حقا فلا نبوة، ولا رسول لله غير ابن البتول والساعة غيره، بلا ومن كان منه من ابنته البتول والساعة غيره بلا ومن كان منه من ابنته البتولة الصديقة وأنتما ببلاغ الله إباكما من نبوة محمد في أمر مستقر ولولا انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما أنه السابق العاقب.

قالا: أجل إن ذلك لمن الكبر في إمارته عندنا.

قال: فأنتما والله فيما تزعمان من نبي يأتي من بعده في أمر ملتبس، والجامعة تحكم في ذلك بيننا فنادى الناس من كل ناحية، وقالوا الجامعة يا أبا حارثة الجامعة، وذلك لما مسهم من طول تحاور الثلاثة من السآمة والملل وظن القوم مع ذلك أن الفلح لصاحبيهم بما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك فانتقل أبو حارثة إلى علج واقف منه أمما [72ب-ب] فقال امض يا غلام، فات بها، فانطلق فجاء بالجامعة يحملها على رأسه وهو لا يكاد يتمالك([355]) بها لثقلها.

قال وهب: حدثني رجل صدق من النجرانية فيمن كان يلزم السيد والعاقب ويخف لهما في بعض أمورهما، ويطلع على كثير من شأنهما [156-ج].

قال: لما حضرت الجامعة بلغ ذلك من السيد والعاقب كل مبلغ لعلمهما بما يهجمان عليه في تصحفهما من دلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر أهل بيته وأزواجه وذريته وما يحدث في أمته وأصحابه ومن بوائق الأمور من بعده إلى فناء الدنيا وانقطاعها فأقبل أحدهما على صاحبه، فقال: هذا يوم ما بورك لنا في طلوع شمسه لقد شهدته أجسامنا[102أ-أ] وغابت عنه آراؤنا بحضور طعامنا، وسفلتنا، ولقل ما شهد سفهاء قوم مجمعة إلا كانت لهم الغلبة.

قال: الآخر فهم شر غالب لمن غلب إن أحدهم ليفيق بأدنى كلمة ويفسد في بعض ساعة مالا يستطيع الأبي الحليم له رتقا ولا لحول البطيش إصلاحا في حول مخرج ذلك لآن السفيه هادم والحليم بانٍ وشتان بين البناء والهدم.

قال: وانتهز حارثة الفرصة فأرسل في سر وخفية إلى النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستحضرهم استظهاراً بمشهدهم فحضروا فلم يستطع الرجلان فض ذلك المجلس ولا أرجاه، وذلك لما تبينا من تطلع عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمنت الجامعة من صفة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وانبعاثهم([356]) له مع حضور رسل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، وتأليب حارثة عليهما فيه وضعف أبي حارثة شيخهم إليه.

قال وهب: قال لي ذلك الرجل النجراني فكان الذي([357]) عندهما أن ينقاد لما يدهمهما من هذا الخطب، ولا يظهرا شماسة منه ولا يفورا إحذرا أن يطرقا المظنة فيه إليهما، وأن يكونا أيضاً أول مغير للجامعة، ومستحل([358]) لها ليلاً يعتاب شيئ من ذلك المقام والمنزلة عليهما.

ثم يستنير([359]) الصواب في الحال ويستنجدانه ليأخذا بموجبه، فتقدما لما تقدم في أنفسهما من ذلك للجامعة وهي بين يدي أبي حارثة، وحاذاهما حارثة بن أثال وتطاولت إليهما فيه الأعناق، وحفت رسل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بهم فأمر أبو حارثة بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى المستودعة علم ملكوت([360]) الله جل ثناؤه وما ذرأوبرأ في أرضه وسمائه، وما وصلهما به جل جلاله من ذكر عالميه وهي الصحيفة التي ورثها شيت من أبيه آدم عليه السلام عما وعى من الذكر المحفوظ، وقرا القوم السيد والعاقب، وحارثة في الصحيفة تطلبا لما تنازعوا فيه من بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفته ومن حضرهم يومئذ من الناس إليهم مصبحون مرتقبون لما يستدرك، من علم ذلك فالفوا في المسباح الثاني من فواصلها: بسم الله الرحمن الرحيم. أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم: معقب الدهور، وفاصل الأمور تسببت بمشيئتي الأسباب، وذلت بقدرتي الصعاب، وأنا العزيز الوهاب، الحكيم الرحمن الرحيم، أرحم وأترحم سبقت رحمتى غضبي، وعفوي عقوبتي، خلقت عبادي لعبادتي، والزمتهم حجتي، إلا أني باعث فيهم رسلي ومنزل عليهم كتبي، أبرم ذلك من لدن أول مذكور من البشرى أحمد نبيي وخاتم رسلي، ذلك الذي أجعل عليه صلواتي وأسألك في قلبه بركاتي، وبه أكمل أنبيائي وقدرتي.

قال آدم: إلهي من هؤلاء (من) الرسل، ومن أحمد هذا الذي رفعت وشرفت؟

قال: كل من ذريتك وأحمد عاقبهم ووارثهم.

قال: رب بما أنت باعثهم ومرسلهم.

قال: بتوحيدي، ثم أقفي ذلك بثلاثمائة شريعة وثلاث عشرة شريعة أنظمها وأكملها لأحمد جميعاً ناديت([361]) لمن جاءني بشريعة منها مع الإيمان بي وبرسلي أن أدخله الجنة.

قال آدم عليه السلام: حق لمن عرفك يا إلهي بنعمتك أن لا يعصيك بها،، ولمن علم سعة([362]) رحمتك ومغفرتك أن لا تيأس منها قال الله تعالى: أتحب يا آدم أن أريك أمثال هؤلاء الذين أكرمتهم واصطفيتهم على العالمين.

 قال: نعم أي رب، فمثلهم الله تبارك وتعالى له على قدر منازلهم ومكانتهم من فضله عليهم ونعمته [157-ج ] ثم عرضهم عليه أشباحاً وذرياتهم، وخاص أتباعهم من أممهم وعامتهم؛ فنظر إليهم آدم عليه السلام وبعضهم أعظم نوراً من بعض؛ فإذا أفضل أنوار الخمسة من أصحاب المقامات والشرائع من الأنبياء على سائر الأنبياء كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وفضل العاقب.

قال وهب: هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم في عظم نوره على الخمسة كفضل الخمسة على الأنبياء جميعاً ونظر فإذا خاصة كل نبي وعامته في قومه ورهطه آخذون [73أ-ب] بحجره ذلك النبي من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله تتلألأ وجوههم، وتشرق جباههم نوراً وذلك بحسب منزلة ذلك النبي من ربه، وقدر منزلة كل واحد منهم من نبيه، فسأل آدم ربه فقال: نبئني بأسمائهم وأسماء هؤلاء الخمسة العظماء من الأنبياء وخواصهم الذين اصطفيتهم ببركاتك وتطهيرك وصلواتك وأعليت([363]) أنوارهم وخواصهم معهم على الخلائق جميعاً فقيل له: هؤلاء ذووا العزم من عبادي المرسلين، وهذا عبدي نوح أبوهم وفاتحتهم ذوا العمر الطويل منهم، وهذا وصية.

قال وهب: وهو سام بن نوح، وهؤلاء الصالحون الأماثل من ذريته القوامون بديني في عبادي كلما مضى منهم سلف قام بديني منهم خلف احتج به في خلقي، فلا يزالون بذلك حتى ينقضي الأجل الذي كتبت لعبدي نوح ولأمته من بعده، وهذا العابر من بعده الآخذ بمنهاجه الموفى على سبيله فهو إبراهيم عبدي ورسولي اتخذته لعلي([364]) خليلا وجعلته لذريتك إماما، وهذان إسماعيل وإسحاق ابناه ووصياه تحلهما([365]) النبوة وجعلت في ذريتهما الكتاب والإمامة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا وذريته أولهما بسطة وسلطان.

قال وهب: يعني إسحاق، فإذا تم الأجل الذي أجلتهم والكتاب الذي كتبت لهم ففي ذرية هذا اجعل سلطاني وحجتي.

قال وهب: يعني ذرية إسماعيل، وأولئك هم الوارثون لا يزال فيهم الأمر حتى ينقضي الدهر.

قال: رب فمن عبدك هذا الذي كأنما نوره أسطوان قد أخذ لي الفكر ومن اللذان([366]) ينمي نورهما معه.

قال الله تعالى: هذا موسى عبدي اصطفيته في علمي برسالتي وبكلامي، وهذا هارون أخوه وخليفته ورسول معه وهذا وصية القائم في قومه بعده.

قال وهب: يعني يوشع بن نون.

 قال: ثم أراه عيسى بن مريم صلى الله عليه في حواريه، وإذا له كفل من النور عظيم، ووصية مائل إلى جانبه قد على نوره على نور الحواريين جميعا.

قال وهب: وهو شمعون الصفا رأس الحواريين؛ فقال الله: هذا عيسى عبدي وابن أمتي أوئيده بروحي وقدس كلمتي، وهذا وصية القائم بناموسة، والقائم بعهده من بعده.

قال: ثم نظر آدم عليه السلام إلى نور قد لمع فسدَّ الجو المنخرق وأخذ [103أ-أ] بالمطالع من المشارق، ثم سرا كذلك حتى طبق المغارب، ثم سماء حتى بلغ ملكوت السماوات، فإذا هو نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا الأكناف به قد تطوعت طيباً، وإذا الأنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه وشماله ومن خلفه وأمامه أشبه شيئ به أرجا ونوراً ويتلوا نوراً من بعدها تستمد منها فإذا هي شبيهة بها في ضيائها وعظمها ونشرها، ثم دنت منها فتكللت عليها، وخفت بها، ونظر فإذا أنوار من بعد ذلك في مثل عدد الكواكب دون منازل الأوائل جداً جداً وبعض هذه أضواء من بعض وهم في ذلك متقاربون جداً، ثم طلع عليه سواد كالليل وكالسيل([367]) ينسلون من كل وجهة وأوب، فأقبلوا كذلك حتى ملأوا البقاع والأكم، فإذا هم أقبح شيئ هيئة وصوراً وانتنه ريحاً فبهر آدم عليه السلام ما رأى من ذلك، وقال: يا عالم الغيوب [158-ج]، وغافر الذنوب، ويا ذا القدرة القاهرة والمشيئة الغالبة من هذا الخلق السعيد الذي كرمت ورفعت على العالمين، ومن هذه الأنوار المنيفة المكتنفة له فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدت من خلقي هؤلاء السابقون المقربون والشافعون المشفعون، وهذا أحمد سيدهم وسيد بريتي أخترته لعلمي([368]) واشتققت اسمه من اسمي؛ فأنا المحمود وهو محمد وهذا صنوه ووصيه أزرته به، وجعلت بركاتي وتطهيري، في عقبه وهذه سيدة إمائي والبقية في علمي من أحمد نبيي وهذان السبطان والخلفان لهم وهذه الأعيان المصادع نورها أنوارهم بقية منهم إلا أن كلاً اصطفيت وطهرت وعلى كل باركت ورحمت وكلاً بعلمي جعلت قدوة عبادي ونور بلادي.

قال آدم عليه السلام: يا رب إن الكريم كل الكريم من كرمت وإن الشريف حق الشريف من شرفت وحق إلهي لمن رفعت وأعليت أن يكون كذلك، فيا ذا النعماء التي لا تنقطع والإحسان الذي (لا يجزى)([369])، ولا ينفذ بما بلغ عبادك هؤلاء العالون هذه المنزلة من شريف عطائك وعظيم فضلك وحنانك، وكذلك من كرمت من عبادك المرسلين.

قال الله تعالى: إني([370]) أنا الله لا إله إلا أنا الرحمن الرحيم العزيز الحكيم عالم الغيوب([371]) ومضمرات القلوب، اعلم ما لم يكن مما يكون، وما لا يكون كيف لو كان يكون، وإني أطلعت يا عبدي في علمي علي قلوب عبادي فلم أرى فيهم أطوع لي ولا أنصح لخلقي من أنبيائي ورسلي فجعلت لذلك فيهم روحي وكلمتي، وألزمتهم عبء حجتي واصطفيتهم على البرايا برسالتي [73ب-ب ] ووحيي ثم ألقيت بمكاناتهم تلك ومنازلهم قلوب خواصهم وأوصيائهم من بعد، فألحقتهم بأنبيائي ورسلي، وجعلتهم من بعهدهم ودائع حجتي والأُساه في بريتي لأجبرتهم كسر عبادي، وأقيم لهم أودهم وذلك إني بهم وبقلوبهم لطيف خبير، ثم أطلعت في قلوب المصطفين من رسلي فلم أجد فيهم أطوع ولا أنصح لخلقي من محمد خيرتي وخالصتي، فأختره على علمي، ورفعت ذكره إلى ذكري، ثم وجدت كذلك قلوب خاصته اللائي من بعده على صيغة قلبه[103ب-أ] فألحقتهم به جعلتهم ورثة كتابي ووحيي وأوكار حكمتي ونوري، وآليت بي أن لا أعذب بناري من لقيني معتصماً بتوحيدي وحبل مودتهم أبداً.

قال آدم عليه السلام: رب فما هاتان القبتان العظيمتان([372]).

قال الله تقدس اسمه: هؤلاء أمة محمد فالأولى أدركت نبيها في علمي وآمنت به واتبعت، فألبستها نوراً من نوري، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم كذلك حتى أرث الأرض ومن عليها، وهم فيما([373]) قسمت لهم من فضلي ورحمتي في منازل شتى فأفضلهم سابقهم إذا كان أعملهم وأعلمهم بطاعتي وهذه الثانية العظمى التي ملأت بعظمها([374]) وسوادها أرضي فهم أخابث خلقي وأشرار عبيدي، وهم الذين يدركون محمداً خيرتي وسيد بريتي فيكذبونه صادقاً ويخونونه أميناً ويعصونه رؤفاً رحيماً، هذا وهم يعرفونه والنور الذي أبعثه به يظاهرون على إخراجه من أرضه ويتظاهرون على قتاله وعلى عداوته ثم على القوامين بالقسط من بعده هذا وهم لهم جنة حق، وعند انقضاء مناجاة آدم عليه السلام خر ساجداً فأوحى الله تعالى إليه وهو جل وعز أعلم به وبقلبه ما سجودك هذا يا آدم؟.

قال: تعبداً لك يا إلهي وتعظيماً لأولئك هؤلاء الذين أكرمت ورفعت، وكانت أول سجدة سجدها مخلوق فشكر الله ذلك له فأباحه جنته، وأوحى إليه أني مخرجهم من صلبك، وجاعلهم في ذريتك، فلما قارف آدم عليه السلام الخطيئة، وأهبط من الجنة توسل إلى الله تعالى وهو ساجد بمحمد –صلى الله عليه وآله وسلم- فغفر له خطيئته وجعله الخليفة في أرضه.

قال وهب: فلما أتى القوم على ما في المسباح الثاني من ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما أطلع الله تعالى صفيه آدم عليه السلام وأوحى إليه وعلمه من معرفة ما في ملكوته وأسماء بريته، وما يكون في ذريته أمة بعد أمة [159-ج] ونبي بعد نبي إلى العصر الذي يبعث الله فيه روحه عيسى بن مريم، ثم كذلك إلى عهد محمد سيد البرايا وخاتم الأنبياء، ثم ما يأتي من بعده من الأمور الحادثة، والأسباب، الجارية في أمته، ومن يكون فيهم وعليهم من أئمة الهدى والضلالة والملوك الجبابرة إلى يوم القيامة، أقبل حارثة بن أثال على السيد والعاقب وجميع من حضرهم من نصارى نجران، وبني الحارث بن كعب ومن شهدهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوفد.

فقال: قد سمعتم فواتح وحي الله وأنبائه إلى فواتح رسل الله وأنبيائه من أبيكم آدم عليه السلام، فهل تمتريان أنها منزلة من الله على خليفته أول رسول أبي البشر، وأشار بيده إلى السيد والعاقب، فأجاباه، وقد دخلتهما ذلة واستكانة لما كانا يرويان من قبل ويلبسان من الحق بالباطل، ولما أظهر عليهما بما عثر عليه في كتب الله من ذكر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال العاقب: معاذ الله أن ننكر حقاً ونحن نعرفه أو نقر باطلاً، ونحن نبصره، ولكنها العقول قضت أن الرؤية والأناة مقرونتان بالنجاة وفي اليقين لا أبا لك أنس لمن أوحشه الشك، فأرتعنا لذلك، وتمسكنا لنتحاكم إلى كتب الله تعالى المنزلة التي لا [104أ-أ] عوج فيها ولا أود وأجدر بمن كان إلى تنزيل الله مفزعة أن لا يضل، ولا يزل، ثم أمسك؛ فقال السيد: صدق أبو وائلة([375]) وبر فإنه من سلك الجدد أمن من الخطل، ومن كانت الإناة من شؤونه([376]) لم يترقب بها الندم، وقد كنا على طريقة جاءت من ذي قبل لم نعرف ومن سلف من آبائنا غيرها ديناً، ولم يجده([377]) عن وهم عنها مزبلاً([378]) حتى نجم هذا الأمر الذي جاءكم به محمد –صلى الله عليه وآله وسلم- فيما تقدمنا([379]) فيه إقرار ولا نكصنا عنه إقصاراً وإنكاراً علما بأن الله تعالى علما في خلقه يحدث فيها ما يشاء من أمره، ولكنا عرسنا([380]) لذلك بين ضربين ليزتاي وينظر ومن لم يقدمه الحزم يا حار آخره العجز ثم قال:

سأقضي الذي يقضي النصيح أخو الحجى
ومن لا يكن ذا فطنة في أموره

 

وأعذر حيناً في الأمور وأنذر
يرد هفوات ليس فيهن مصدر

قال وهب: فأخذ([381]) شيخهم أبو حارثة يتعطفهما ترفقاً بهما ومداراة لطباعهما وتقريراً لهما بما تضمنت كتب الله تعالى الأولى من صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل على حارثة بن أثال فقال: بحسبك من لؤم وتأنيت فما كل معذول معلوم ولا المستشفي بالعبرة من سقيم الشبهة بذميم، ولا صاحباك على حق [74أ-ب] بزارين ولا عن موجبه ناكرين، ولكنهما إناة وقفت بهما توسماً لم يأذن الله تعالى بنشره من حد سيره وتوسماً بعرفان ما طوقه الخطوب الجارية وأحنته إلا عصر الخالية من أمر الله وسر ملكوت فارجمهما([382]) ولا تسطدهما([383]) بهما إلى استنباط ما لا تعلمه أنت ولا هما من مضمون الحكمة ومضمون ما في الصحف الأولى التي لم تغير ولم تبدل، وأمرهم أبو حارثة أن يصيروا إلى صحيفة شيت([384]) الكبرى التي انتهى ميراثها إلى إدريس النبي صلى الله عليه.

قال وهب: وكان كتابتها بالقلم السرياني القديم وهو الذي كتب به من بعد نوح عليه السلام ملوك الهياطالة وهم النمارد.

قال وهب: فاقتص القوم الصحيفة فأفضوا منها إلى هذا الرسم.

قال: اجتمع إلى إدريس عليه السلام قومه وصحابته وهم يومئذٍ في بيت عبادته من أرض كوفان فخيَّرهم فيما اقتص عليهم.

قال: إن بني أبيكم آدم عليه السلام لصلبه وبني نبيه وذريتهم اختصموا فيما بينهم وقالوا: أي الخلق عند الله أكرم جل وعلا وأرفع لديه مكانة وأقرب منه منزلة‍‍!

فقال بعضهم: أبوكم آدم عليه السلام خلقه الله تعالى بيده وأسجد له ملائكته وجعله الخليفة في أرضه وسخر له جميع خلقه، وقال آخرون: بل الملائكة الذين لم يعصوا الله تعالى، وقال بعضهم: لا بل حملة العرش الثمانية العظماء [160-ج]من الملائكة المقربين، وقال بعضهم: لا بل رؤساء الملائكة الثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، وقال بعضهم: لا بل أمين الله جبريل فانطلقوا إلى آدم عليه السلام.

فقال: خيرة الله ملائكته ثم محمد رسول الله، ثم رسل الله، ثم ذرية محمد المصطفى المقرونة أسماؤهم باسم محمد -صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

 قال عبد الوهاب بن همام: فأخبرني أبي همام بن نافع قال: سالت همام بن منبه عن هذه الأسماء.

قلت: يا أبا زرعة أمن هذه الأمة، فأمسك عني وكره مسألتي له عن ذلك فعدت لمسئألتي وكان لي مؤثراً.

فقال لي: إنه([385]) يا خليلي عن هذا أقرب سؤال قد سأل بصاحبه وهو لا يشعر فأمسكت عن معاودته أياماً، والممنوع حريص على ما منع منه، ثم راجعته وجعلت له أمانة على حفظ ما يستر عيني منه، فقال لي: وما أريك أن لحمل ذلك فوربك تحمل الصخر ونقل زبر الحديد على الظهر أيسر من حمل مطوي الدين، فلرأيتني والله وإنه ليعتريني من كتم ذلك كالهيام حتى إن كنت لأعمد منفرداً إلى السلمة المنفردة أو الصخرة المصخرة، فاجلس في خفية إليها ثم أناجيها بصوت خفيض، فأقول: يا شجرة كان([386]) الأمر كذا ويا صخرة كان كذا أو كذا.

 قال عبد الوهاب بن همام: قال أبي فتبسمت حينئذٍ متعجباً، وقلت: رحمك الله وما عساك كان بجدي عليك ذاك.

قال: فامسك عليك يا بني فإن المصدور إذا نفث برأ، وأخبرك أني سألت أخي وهب بن منبه عما استطلعته من ذلك فلوابى بجوابه أياماً ثم غدونا إلى الجمعة يوماً فأمهلت حتى أخذ من النافلة، وظيفته ثم سألته([387]) عن الأسماء، فقال: سآتيك بها في يومك بعد إعلامك أن المعترف من الناس بفضلها والدائن لله بما ألزم من حقها بين ثلاثة: سيف مشهور وكفن منشور، وجدث محفور، ثم أمهل حتى صعد محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف المنبر وهو يومئذٍ أمير على اليمن فخطب ثم ذكر في آخر خطبته علي وابنيه حسناً وحسيناً فسب أقذع سبٍ نطق به لسان وشتم الحسن شتماً سمعته أذناي، فلما قضى صلاته دعي([388]) بمنظور مولى عبد الله بن العباس وامرأته أم عروة وكانا من شيعة علي وقد أدركاه وكانا من بطانته بيوته، وأمرهما بسب علي، فخضعا بالقوم، ولم يسبا، فأمرهما بالبراءة منه فقالا: أمَّا البراءة منه فلا والله لا نبرء منه ولكن إن شئت أخبرناك بما سمعنا علياً يقول في ذلك

قال: أجل، فاخبراني.

قال: سمعناه يقول أنكم مستعروضون([389]) بعدي على سبي وشتمي والبراءة مني، وإنما نسبي نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وديني دين رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فمن سبني من طوع نفسه فقد سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمه، ومن سبني محرجاً مكرهاً فلا عدوان عليه، ومن برئ مني فقد لقي الله ولا حجة له.

 قال: أما لتبرئان من أبي تراب وشبليه أو لتبريان منكما الحياة.

 قالا: قد أخبرناك فاقض ما أنت قاضٍ فإن عذابك منقطع وعذاب المنقلب لا انقطاع ولا نفاذ له، فأمر بهما فعلقت المرأة بثدييها والرجل برجله كما يصنع القصاب بالبهيمة المذبوحة، فضرب منظور بالسياط منكوساً حتى فاض، ورميت أم عروة [74ب-ب] بالنبل حتى أثبتت وذلك، على باب مسجد صنعاء، وكذلك كان يصنع في كل يوم جمعة ومجمع لكي ما يتنكل([390]) الناس([391]) عن تقريظ أهل البيت عليهم السلام، وحبهم.

 قال همام بن منبه: فلما رحلنا أقبل على أخي وهب بن منبه فقال: أتعرف هؤلاء الذين أشاد الأمير([392]) بسبهم وبلعنهم على منبره آنفاً.

قلت: سبحان الله وهل يخفون على ذي رؤية وهم رأس الإسلام والمسلمين وقواعد الدين فابعد الله من أبترهم وتحيفهم، وقاتل من أجلب عليهم وغمضهم.

قال: ورفقت([393]) فبكيت؛ فقال: بحسبك يا ابن أم فإنهم وإن كانوا كما تصف فإنهم([394]) لضالتك التي تتعرف وتنشد وبغيتك التي [161-ج] ترتع وتطلب وهم المقرونون برسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- في ملكوت السماوات والمذكورن في فرقان الله وكتبه السالفات لهم شرائف الأسماء الكريمة ومعاني الأمثال الشريفة.

 قال: ثم عادني([395]) أخي وهب بن منبه إلى صلب الحديث ثم أتى([396]) هذه الكلمات من صحيفة شيث.

قال: فمحمد ومن خط في تلك الأسماء أكرم الخلائق على الله تعالى جميعاً.

قال وهب: ثم أقبل أبو حارثة على حارثة وصاحبيه السيد والعاقب؛ فقال: كفى بما قطعتموه مما صرحت به الصحف الصادقة، وأفصحت عنه الأسفار الدارسة من ذكرى محمد آية لكم وحجة عليكم، فاقبلوا موعظة الله ولا تلحدوا في آياته فيسحتكم بدواهي مثلاثه([397]) كما أهلك من عَنِد من القرون الأولى، أقول قولي هذا وأنا لكم ناصح فلا تستغشوا الناصحين، ولا ترغبوا عن الصراط المستقيم المبين، ثم هذه صلوات إبراهيم صديق الله الذي جاءته بها الأملاك من عند الله فاعتبروها، وهذه صحائفه فاسبروها لتكون لكم رفداً إلى ما تعرفوا من الأنبياء من قبل فأجابه السيد والعاقب، فقالا: فحسبنا يا أبانا ما تطلعنا من هذه الصحائف المستحفظة آنفاً فقد طال التلاؤم بيننا في ذلك والتخاصم.

قال أبو حارثة: لا بل شارفوها بأجمعها، واسبروها فإنه أضرم للعذر، وأرفع لحسكة الصدر وأجدر الأثر تابوا في الأمر([398]) من بعد هذا، فلم يجد إلى([399]) المصير قوله من بد([400])، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم صلوات الله عليه وسلم.

قال وهب: وكان الله يفضله على من يشاء من خلقه قد اصطفى إبراهيم بخلته وشرفه بصلاته وجعله قبله، وإماماً لمن يأتي من بعده وجعل النبوة والإمامة والكتاب في ذريته يتلقاها آخر عن أول، وورثة تابوت آدم المتضمن للحكمة والعلم الذي فضله الله به فنظر إبراهيم صلى الله عليه في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتاً بعدد ذوي العزم من الأنبياء المرسلين وأوصياؤهم من بعدهم فنظر فإذا بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأبيات عن يمينه علي بن أبي طالب عليه السلام آخذ بحجرته، وإذا شكل عظيم تتلألأ نوراً فقال إبراهيم: إلهي وسيدي من هذا الخلق الشريف: فأوحي الله إليه هذا عبدي وصفوتي الفاتح الخاتم، وهذا وصيه الوارث.

قال: رب ما الفاتح الخاتم.

قال: هذا محمد خيرتي وبكر فطرتي وحجتي الكبرى في بريتي تنبيته واجتبيته إذ آدم بين الطين والجسد، ثم إنى باعثه عند انقطاع الزمان لتكملة ديني وخاتمٌ به رسالتي ونذري، وهذا أخوه، وصديقه الأكبر.

قال وهب: فلما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أفضى إليه القوم من تلاوة ما تظمنته الجامعة والصحف الدارسة من بعث رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- وصفاته([401]) وازداد القوم بذلك يقيناً وإبماناً واستطيروا بذلك([402]) فرحاً، وقام عتبة بن غزوان أخو بني مازن ممن شهد بدراً، فقال: شهدت وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لما مات ابنه إبراهيم: ألا إن النبوة قد انقطعت فلا نبي بعدي ثم أخذ بيدي ابني فاطمة فشمهما وقبلهما وقال: هذان ابناي وأنا بحق عصبتهما ألا إن عصبة كل بني أنثى من أبيهم([403]) إلا ولد([404]) فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم فثبتت الحجة كارثة على صاحبيه السيد والعاقب وامسكا مخصومين ولا يستطيعا إلا ذلك، ثم صار القوم إلى ما أنزل على موسى عليه السلام لاعتبار ما في ذلك من نعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فألقوا في السفر الثاني من التوراة ([405]) باعث في الأمين من ولد إسماعيل رسولاً أنزل عليه كتابي، وأبعثه بالشريعة القيمة إلى كافة خلقي وأوتيه حكمتي وأؤيده بمليكتي([406]) وجودي [162-ج] تكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها من شبلين لها.

فقال حارثة: ألآن أسفر الصبح لذي عينين ووضح الحق لمن رضى به ديناً فهل في أنفسكم من مرضٍ يستشفيان له!

فلم يرجعا إليه قولاً.

فقال أبو حارثة: اعتبروا الإمارة الخاتمة من قول سيدكم المسيح فصار القوم إلى الكتب والأناجيل الذي جاء بها عيسى -صلى الله عليه وسلم - فالقوا في المفتاح الرابع في الوحي إلى المسيح: يا عيسى يا ابن الطاهر البتول اسمع قولي وجد في أمري إني خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين فإياي[75أ- ب] فاعبد وعلي فتوكل وخذ الكتاب بقوة ثم فسرها لأهل سوريا وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا الحي القيوم الذي لا أحول ولا أزول فآمنوا بي وبرسولي([407]) النبي الأمي الذي يكون في آخر الزمان نبي الرحمة والملحمة الأول الآخر.

قال عيسى: قدوس قدوس ما الأول الآخر؟

قال: أول النبيين خلقاً وآخرهم مبعثاً ذلك العاقب الحاشر فبشربه بني إسرائيل.

قال عيسى: يا مالك الدهور وعلام الغيوب من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني؟

قال: ذلك خالصتي ورسولي المجاهد في سبيلي بيده يوافق قوله فعله وسريرته علانيته أنزل عليه توراة حديثة افتح بها أعيناً عمياء وآذاناً صماء وقلوباً غلفا فيها ينابيع العلم وفهم الحكمة وربيع القلوب فطوباه وطوبا أمته.

 قال: رب ما اسمه وعلامته ؟

 قال: اسمه أحمد منتجب من ذرية إبراهيم ومصطفى من سلالة إسماعيل –ذو الوجه الأقمر والجبين الأزهر -راكب الجمل تنام عيناه ولا ينام قلبه يبعث في أمة أمية يكون الملك لأمته ما بقى الليل والنهار!

 مولده في مولد أبيه إسماعيل -يعني مكة- نسله من مباركة صديقه يكون له منها نسل وذرية ؛ فطوبى لهم ولمن أحبهم !

 قال عيسى: إلهي وما طوبى؟

 قال: شجرة في الجنة ساقها وأغصانها من ذهب، وورقها حلل، وحملها كثدي الأبكار أحلى [106أ-أ ] من العسل وألين من الزبد، وماؤها من نسيم لو أن غراباً طار وهو فرخ لأدركه الهرم قبل أن يقطعها وليس منزل من منازل الجنة إلا وظلالها([408]) من تلك الشجرة.

قال وهب: فلما أتى القوم على دراسة ما أوحي الله تعالى إلى المسيح من بعث([409]) محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وصفته وملك أمته وذكر ذريته وأهل بيته أمسك الرجلان مخصومين وانقطع التحاور بينهم في ذلك.

قال همام([410]) بن منبه: اعتلج في صدري ما صرح([411]) به الذكر مما أنزل الله على أنبيائه وفي كتبه من بعث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -فحججت مع أخي في ذلك العام وحج طاووس أبو عبد الرحمن فبينما نحن في المسجد الحرام إذ وقعنا إلى محمد بن علي بن الحسين وألفيناه شاباً حين (التفت سالفتاد)([412])، والناس يسألونه فحين رأيته في([413]) ذلك من الشباب ذكرت ما كان شاورني من قبل فأقبلت على وهب وطاووس فأعلمتها ما عرض لي في منه([414]).

فقالا لي: دونك هذا فاسأله فإنه من أهل بيت يسألون فجلسنا إليه جميعاً فحادثناه شيئاً ثم سألته أنا عما رويت في نفسي من ذلك.

فقال لي: لا يتخالجك في ذلك ريب و إن كان عظيماً حق عظيم فإنه من يرده الله بخير من عنده فلا راد لفضله نصيب به من يشاء من عباده ثم اعلم أن الله سبحانه وتعالى اقتص على المسلمين في كتابه ما أنعم به على محمد رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم –ونبأهم بما فضله واختصه به ووقع([415]) من ذكره في الصحف الأولى وسائر الكتب التي أنزلها الله جل وعلا وفصلها.

فقال عز وجل {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}([416]) [آل عمران:81]. فقرن الأنبياء والمرسلين جميعاً بالإيمان به وولايته [163-ج ] وملته وشريعته وحذرهم الخروج عن عصمته فلم تزل الأنبياء صلوات الله عليهم من الإيمان به ونصره يبشر كل نبي أمته به([417]) ويقوم فيهم بفضله ومخلد ذلك في الصحف الأولى لمن يأتي من بعده بمهد النبوة وتوطيد لملته وحجة بالغة على أهل الكتاب من قبله، وقامت الأنبياء بذلك حتى كان في أخرهم عيسى بن مريم -عليهما السلام-.

 فقام صلى الله عليه وآله وسلم في قومه بما اقتضى الله عليكم في كتابه فقال: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6] ثم لم يذكر الله عز وجل نبياً من أنبيائه ورسله بأكرومة وفضل إلا ذكر أهل بيت ذلك النبي فأدخلهم في (خلال الخير معه)([418]) فقال تبارك وتعالى {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران:33،34]. وذكر نوحاً فقال: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ}[العنكبوت:15].

 وقال له([419]):{فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}[المؤمنون:27]، وقال: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات:77]، وقال: {ومن ذريته إبراهيم وإسرائيل}[] وقال لوط: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ، فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء:69،70]، وقال: {بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ}[البقرة:248]، وقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً}[سبأ:13] فأدخل الله أهل بيوتات إن أنبيائه([420]) معهم في كرامته وفضله وأشاد بذلك من شانهم في كتابه [10ب-أ ] ثم إن الله بجوده وحمد أنزل محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في اجتبائه واختياره بمنزلة لم ينزلها منه نبي ولا رسول قط نعمة منه وفضلاً منه وإحساناً منه عليه([421]) كافة الأنبياء فكذلك([422]) فضل أهل بيته أعلى بيوتات الأنبياء جميعاً وقد أدخل أهل بيت محمد مع نبيه [75ب-ب] عليه السلام وقرنهم به في عدة مواضع من كتابه كما ذكره معهم في الكتب السالفة من قبل تشريفاً واختصاصاً لهم وتفضلاً تفضيلاً فقال جل ثناؤه {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33] هذا في كثير مما ذكرهم الله تعالى معه في كتابه ثم نزههم عما نزه عنه وأقرهم معه في مسجده وأمره بالاختصاص لهم في الدعاء إلى دينه.

فقال {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه:132]، وقال: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214].

قال: وجعل أبو جعفر يومض إلينا بما في القرآن من ذلك فأقبل عليه طاووس وقد تفرق عنه الناس ولم يبق غيرنا.

فقال: نبيت أنَّ([423]) أبا ذر -رحمه الله تعالى- كان يقرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ}[آل عمران:33]، وقال: آل محمد من آل إبراهيم.

قال أبو جعفر: فنفس  علينا قومنا حسداً أو بغياً، وقالوا: لا تجتمع النبوة والملك والإمامة في بني هاشم أبداً ولو حزت بالمناشير رقابنا، وذلك لما قام رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بالغدير لأمير المؤمنين -عليه السلام -من ولايته فاخبر الله نبيه بقولهم وأمره بالانصراف عنهم لما سبق به علمه ورد عليهم قولهم في كتابه فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}[النساء:54] فلم يزل يتلوا ما نزل فيهم من القرآن حتى ثلج صدري والله وشفى نفسي فلما قمنا من عنده قال طاووس: إنهم أهل بيت يلقون الحكمة وأوشك بصاحبك هذا أن يكون منهم. قال همام: وعاد الكلام إلى صلب الحديث ونسقه.

قال: أخبرني أخي وهب بن منبه قال: لما فلج حارثة عن السيد العاقب بالجامعة وما تبينوه في الصحف القديمة، ولم يتم لهما ما قدرا من تحريفهما، ولم يمكنهما أن يلبسا على الناس في تحريفهما([424])امسكا عن المنازعة من هذا الوجه علماً انهما قد أخطأ سبيل الحق بذلك فصارا[164-ج] إلى بيعتهم آسفين لينظرا ويرتئيا.

وفزع إليهما نصارى نجران فسألوهما عن رأيهما، وما يعملان به في دينهما، فقالا لهم: ويلكم([425]) وهل الدين إلا ما ألفينا عليه أمتنا وأدركنا عليه سلفنا مما أجمع عليه الآباء الرحماء، والأساقفة القدماء العظماء الخمسون ومائة بقسطنطينية الذين أوضحوا للناس أن روح القدس غير مخلوقة، وأنها أقنوم([426]) لاهوت وأقنوم([427]) ناسوت قالا: والقنوم: الجوهر، ثم ما أجمع عليه من بعدهم الثلاثة مائة، وثمانية عشر الأساقفة الذين نظموا إليهما نوت([428]) لأمتهم بتنقية.

قال النصارى: وما الهيما نوت.

قالا: شريعة أيمانكم وهو ما تستفتحون به صلاتكم ودعائكم بقولكم نؤمن بالله الواحد [107أ –أ ] خالق ما يرى وما لا يرى وبالرب الواحد يسوع([429]) المسيح بن الله العليم بكل الخلائق كلها ولد من أبيه قبل العوالم، وليس بمخلوق إله حق([430]) من جوهر أبيه ثم جحد أن يبعث الله من في القبور، وقالا: لو شاء الله أن ينشر الأحياء بعد موتها لما أفناها فأفسدها، وإنما النفس هي الباقية تعطي الأجساد الدائمة وإنما تتعرى بالموت من جسدها كما يتعرى الإنسان من ثوبه، فهذا دينكم فتمسكوا به فإنه ليس على الأرض أهل أحق إلا من أخذ بهذا الدين وسنسير([431])إلى نبي قريش إلى يثرب وننظر ما جاء به وإلى ما يدعو إليه فما عرفنا من قوله أقررناه وما أنكرنا أبينا، فإن يخيفنا محمد وكثرنا اضطهاداً بجمعه وكثرة أتباعه ومن استحال من العرب والناس له باهلناه فذلك أرفع للجريرة وأسلم للعشيرة. وقال لهما قومهما: وما تغني مباهلتكهما عنكما وعنا.

قالا: إن الله جعل المباهلة فرقاً بين الصادق والكاذب وأمارة بين الحق والباطل، وذلك لما يعجل للإثم الظالم من نكاله واليم نقمته وعقابه وسنخبركم من ذلك أن قارون كان من سبط موسى ومن أقربهم إليه نسباً، وكان له شرف علم ومنزلة في قومه، وكان في مصر من بني إسرائيل من قبل أن يبعث موسى يتحدثون أنه سيبعث من سبطه من يعلو ذكره ويهلك به فرعون وجنوده، ويكون له شأن عظيم فكان قارون يحسب أنه ذلك النبي، فلما بعث الله تعالى موسى صلى الله عليه وسلم حسده قارون ونصب لعداوة، فكان لا يزال يبغي عليه ويتطلب العثرات له، وكان أولاد يعقوب من قبل موسى إنما دينهم المعرفة بالله تعالى والإيمان به وعبادتهم ذكره وتمجيده و الاصلاح بين خلقه فجائهم موسى عليه السلام بشريعة التوراة بالصلاة والصيام وألسبت والجهاد، ثم أوحى الله إليه([432]) أن يأمرهم بالزكاة فقام [76أ- ب] موسى في بني إسرائيل فقال لهم: إن الله تعالى يأمركم أن تجعلوا من أموالكم نصيباً يكون ذلك زكاة لأعمالكم، وطهور لأجسادكم، ومعونة لفقرائكم ومساكنكم، فرد عليه قارون لعداوته له وبغيه عليه، فقال: والله ما أمرك الله فينا بهذا وما بالله إلى صلواتك وزكاتنا وما جئتنا به من حاجة، ثم أقبل على بني إسرائيل وكان فيهم مطاعاً فألبهم على موسى صلى الله عليه، فقال: ما يريد([433]) موسى إلا أن يجعلكم عبيداً ويجعل له في أموالكم نصيباً فأطاعه([434]) طائفة من قومه، فدعاه موسى لما مسه من قوله وتأليبه للمباهلة([435]) فأجابه قارون إلى ذلك عجلاً مفتراً بالله ونكاله فباهله فخسف الله بقارون وبماله وأهله وبمن ظاهره من قومه ونفره في أسرع وقت والناس ينظرون، فأسرع بني إسرائيل حينئذ إلى إخراج زكاتهم ثم لم يزل الأنبياء تصنع ذلك من بعد موسى في المعظل [165 - ج] من الأمور فلا تبطِ عنهم العثرة إليها من الله، وأقبل([436]) النصارى عليهما فقالوا: هذا بيان وابتلاء عظيم فبما تباهلان محمداً.

قالا: بدين راهب نجران وتلميذه فقد علمتم ما فرط إليهما والمؤمنون معهما من الملك الطاغية العنيد من تحريق أجسادهم بالنار وما فجأته من نقمة الله وقدرته الغالبة لكل شيء قالوا: صدقتما فبما تباهلانه.

قالا: بنا وبخير أهل الأرض نفساً وديناً وبالمسلمين([437]) الربيين صنيعة المحسن، وعبد المنعم. وبالمحررتين أنفسهما سارة ومريم.

قال وهب: وكان هؤلاء الأربعة بحال لم يسمع الناس بمثلها من العبادة والاجتهاد في دينهم. وكان الذكران للسيد، والإنثيان للعاقب ولدوا لهما من قبل أن يمسكما عن الأزواج([438]) ويقضي المنـزلة إليهما.

قال وهب: ولما أجمع الرجلان على الشخوص إلى رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- كرها أن يصحبهما حارثة بن أثال أو يتخلف عنهما بنجران وخافا أن يفتق عليهما إن صحبهما أو يخلف([439]) عنهما فتقاً لا يستطيعان له تلافياً أو رتقا، فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: أما([440]) ترى ما ذهبنا إليه ومنينا من هذا الرجل أنه لا يزال يسري([441]) عقاربه إلينا وأنه من حسده لنا إذا أبصر بنا نعمة بهت! وإن أحس لنا عثرة شمت فأجابه الآخر فقال:

إذا المرء لم يخدش بظفرٍ
رحى
فيه الغميزة من رآه

 

ولم يوجد له للعض ناب
وذلك
من قرابته الصعاب

 فأجمعا على اغتياله فبعثا إليه رجالاً فغموه ليلاً حتى مات فدفنوه في مقبرة نجران.

قال وهب: فأخبرني رجال ذوو عدد من أهل نجران أنهم كانوا يبصرون على قبر حارثة في الليالي الداجية نوراً.

 قالوا: فقمنا نرى ذلك حولاً.

قال وهب: وأخبرت أن السيد والعاقب أقبلا على قومهما يعني نصارى نجران فقالا: إن أبا حارثة شيخكم قد أبطل رأيه الكبر وأطفاء نوره الهرم فأجدر بنا أن نقبض الجامعة فنحن أطوق لها ولتدبيرها منه فما اعترض عليه في ذلك منهم أحد فقبضاها بما فيها من الصحائف فلم يعرف الناس لها حتى الآن خبراً ولم يلبث أبو حارثة بعدها إلا قليلاً حتى هلك بطعام أصلحاه له، فلما احتضر أرسل خلف الرهط من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال: إني ميت فإذا قضيت نحبي فكونوا أنتم فداكم أبي وأمي الذين يتولون أجناني في قبري، فأنتم أولى بذلك من مشركي نجران إني على دين الإسلام مصدق بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فاقرؤوه صلى الله عليه وآله وسلم مني السلام.

قال وهب: فلما تجهز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى([442]) المدينة انتدب معهما أربعة عشر راكباً من نصارى نجران، ثم من آكابرهم فضلاً وعلماً في أنفسهم وسبعون رجلاً من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم.

قال: وكان قيس بن الحصين ذو القصة ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضرموت فقدما نجران على أهبة مسير قومهم فشخصا معهم فاغترز القوم في أكوار مطاياهم وجنبوا خيلهم وأقبلوا لوجههم حتى وردوا المدينة.

قال: ولما استراب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -خبر أصحابه أنفذ إليهم خالد بن الوليد في خيل سرحها معه لمشارفة أمرهم فألفوهم([443]) عائدين إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: ولما دنوا من المدينة أحب السيد والعاقب أن يباهيا المسلمين وأهل المدينة بأصحابهما وبمن حف من بني الحارث معهما فاعترضاهم فقالا: لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الأرض فألقيتم عنكم نفثكم وثياب [108 أ- أ]سفركم وسننتم عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل، فانحدر القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم وألقوا عنهم ثياب بذلتهم، ولبسوا ثياب صونهم من الحميات والحرير والخز وذروا المسك في مفارقهم [166- ج] ولمعهم([444]) ثم ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح على مناسخ خيلهم [76ب -ب] وأقبلوا يسيرون زردقاً واحداً، وكانوا من أجمل العرب صوراً وأتمهم أجساماً وخلقاً فلما شرفهم الناس أقبلوا نحوهم وقالوا ما رأينا وفداً أجمل من هؤلاء القوم فأقبل القوم حتى دخلوا على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -ثم أمهلهم وأمهلوه ثلثاً فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هديه ويعتبروا بما يشاهدونه منه بما يجدون من صفته فلما كان بعد ثالثه([445]) دعاهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -إلى الإسلام.

فقالوا: يا أبا القاسم ما أخبرتنا([446]) كتب الله بشيء من صفة النبي المبعوث من بعد الروح عيسى إلا وقد تعرفناه فيك ألا خله هي أعظم الخلال آية ومنـزلة وأجلاها إمارة ودلالة

قال: ما هي ؟

قالوا: أنا نجد في الإنجيل من صفة النبي العابر من بعد المسيح أنه يصدق به ويؤمن به وأنت تسبه وتكذب وتزعم انه عبد.

قال: فلم تكن منازعتهم وخصومتهم للنبي إلا في عيسى -عليها السلام.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا بل أصدقه وأصدق به وأومن به وأشهد له أنه النبي المرسل من ربه فأقول أنه عبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

قالوا: وهل يستطيع العبد أن يفعل ما كان يفعل ؟ وهل جاءت الأنبياء بما جاء به من القدرة القاهرة؟ ألم يكن يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص وينبئهم بما يكون في صدورهم !وما يدخرون في بيوتهم! فهل يستطيع هذا الأمر إلا الله أو ابن الله؟

وقالوا: في الغلو فيه فأكثروا تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!

فقال- صلى الله عليه وآله وسلم: قد كان أخي عيسى كما قلتم يحي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص ويخبر قومه بما في نفوسهم وما يدخرون في بيوتهم وكل ذلك بإذن الله وهو في ذلك عبد لله وذلك عليه غير عار وهو منه غير مستنكف فقد كان لحماً ودماً وشعراً وبشراً وعظماً وعصباً وأمشاجاً يأكل الطعام ويظمأ وينصب والله بارئه وربه الأحد الحق الذي ليس كمثله شيء وليس له ند

قالوا: فأرنا مثله جاء من غير فحل ولا أب؟

قال: هذا آدم أعجب منه خلقاً جاء من غير أب ولا أم وليس شيء من الخلق بأهون على الله في قدرته من شيء ولا  أصعب {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس:82] وتلا عليهم {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران:59].

قالوا: فما نزداد منك في أمر صاحبنا إلا تبايناً وهذا الأمر الذي لا نقره لكفهلم قليلاً عنك أينا أولى بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين فإنها مثله وآية معجلة‍‍‍‍.

فأنزل الله تعالى آية المباهلة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران: 61] فتلا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وآله [ 108ب- أ]وسلم -ما نزل عليه في ذلك من القرآن. فقال: إن الله تعالى قد أمرني أن أصير إلى ملتمسكم وأمرني بمباهلتكم إن أقمتم وأصررتم على قولكم.

قالا([447]): فذلك آية ما بيننا وبينك إذا كان غداً باهلناك ثم قاما وأصحابهما من النصارى معهما فلما بعدوا وقد كانوا نزلوا بالحرة أقبل بعضهم على بعض، فقالوا: قد جاءكم هذا بالفصل من أمره وأمركم فانظروا أولاً بمن يباهلكم بكافة([448]) أتباعه أم بأهل المكانة والمكنة من أصحابه أم بأهل التجشع([449]) والتمسكن والصفوة ديناً؟ وهم القليل منهم عدداً، فإن جاءكم بالكثرة وذوي البشارة منهم فإنما جاءكم مباهياً كما تصنع الملوك فالفلح إذا لكم دونه وإن أتاكم بنفر قليل ذوي تخشع ورهبانية فهؤلاء وشجة الأنبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم فإياكم [167- ج] والإقدام إذا على مباهلته فهذه لكم أمارة وانظروا حينئذٍ ما تصنعون بينكم وبينه فقد أعذر من أنذر، فأمر –صلى الله عليه وآله وسلم –بشجرتين فعضدتا وكسح ما بينهم، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء أسود رقيق فنشر على الشجرتين فلما أبصر السيد والعاقب ذلك خرجا بولديهما صنعة المحسن وعبد المنعم وسارة ومريم وخرج معهما نصارى نجران وركب فرسان بني الحارث بن كعب في أحسن هيئة، وأقبل الناس من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، وغيرهم من الناس في قبائلهم وشعارهم([450]) من راياتهم وألويتهم وأحسن هيئتهم لينظروا ما يكون من الأمر، ولبث رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم في حجرته- حتى متع([451]) النهار ثم خرج آخذاً بيد علي والحسن والحسين أمامه وفاطمة من خلفهم فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف بينهما من تحت الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته، وأرسل إليهما –صلى الله عليه وآله وسلم- يدعوهما إلى ما دعواه من المباهلة فأقبلا إليه فقالا: بمن تباهلنا يا أبا القاسم قال: بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله بهؤلاء وأشار إلى علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام.

قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا الكثرة ولا أهل الشارة ممن نرى فمن آمن بك واتبعك وما نرى معك إلا هذا الشاب والصبيين والمرأة [77أ] فبهؤلاء تباهلنا.

قال: نعم أولم أخبركم بذلك آنفاً، نعم: بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق نبياً إن أباهلكم فاصفرت([452]) حينئذ ألوانهما وعادا إلى أصحابهما وموقفهما، فلما رأى أصحابهما ما بهما وما دخلهما.

قالوا: ما خطبكما فتماسكا فقالا: ما كان ثم من خطب فنخبركم فأقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتي فيهم علماً فقال: ويحكم لا تفعلوا واذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته فو الله إنكم لتعلمون حق العلم أنه لصادق وإنما عهدكم بإخوانكم حديثاً قد مسخوا قردة وخنازير فعلموا أنه قد نصح لهم فأمسكوا.

قال: وكان للمنذر بن علقمة أخي أسقفهم أبي حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له وكان نازحاً عن نجران في وقت تنازعهم فقدم وقد أجمع القوم على الرحلة [109أ -أ] إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فشخص معهم فلما رأى المنذر انتشار أمر القوم وترددهم في رأيهم أخذ بيد السيد والعاقب وأقبل على أصحابه.

وقال: اخلوني وهاذين فأعتزلهما([453]) فأقبل عليهما فقال: إن الرائد يكذب أهله وأنا لكما حق نصيح وعليكما جد شقيق فإن نظرتما لأنفسكما نجيتما وأنجيتما وإن تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما.

قالا: أنت الناصح حيناً المأمون غيباً فهات فقال: أتعلمان أنه ما بأهل قوماً نبي إلا كان مهلكهم كلمح البصر، وقد علمتما وكل ذي أرب ممن ورث الكتاب([454]) معكما أن محمداً أبا القاسم هذا هو الرسول الذي بشرت به الأنبياء وأفصحت ببعثه([455])، وأهل بيته الأنبياء وأخرى أنذركم بها فلا تفشوا عنها.

قالا: وما هي يا أبا المثنى؟

قال: انظروا إلى النجم قد اسلتطح([456]) على الأرض وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بازاً بكما لوجهها قد نشرت على الأرض أجنحتها وقات ما في خواصلها وما عليها لله من تبعة ليس إلا لما قد أطل من العذاب.

وانظر إلى اقشعرار الحيات وإلى الدخان المنتشر من فرع السحاب، هذا ونحن في حمارة القيط وآيات الهجير، وانظروا إلى محمد رافعاً يده والأربعة من أهله معه إنما ينتظر ما تجيان به ثم اعلما أنه إن انطبق فوه بكلمة من بهله لم يدارك معها أهلاكاً ولم يرجع إلى أهل ولا مال، فنظرا فأبصرا أمراً عظيماً فأيقنا أنه الحق من الله فزلزلت أقدامهما وكادت أن تطيش عقولهما واستشعرا أن العذاب واقع بهما فلما أبصر المنذر بن علقمة ما قد لقيا من الخيفة والرهبة.

قال لهما: إنكما إن أسلمتما له سلمتما في عاجله وآجله وإن آثرتما دينكما وعصارة أبكتكما وشححتما بمنزلتكما من الشرف في قومكما فلست أحجر عليكم الظن بما نكلتما([457]) من ذلك ولكنكما بدهتما محمداً بتطلب المباهلة له وجعلتماها حجازاً وآية بينكما وبينه وشخصتما من نجران وذلك من بالكما، فأسرع محمد إلى ما بغيتما منه والأنبياء إذا ظهرت بأمر لم ترجع إلا بقضائه وفعله، فإذا تكلمتما عن ذلك وأذهلتكما مخافة ما تريان والحظ في النكول لكما.

فالوجاء يا إخوتي الوجا صالحا محمداً و راضياه ولا ترجيا في ذلك فإنكما وأنا معكما بمنزلة قوم يونس لما غشيهم العذاب.

قالا: فكن يا أبا المثنى الذي يلقى محمداً بكفالة  ما يبتغيه لدينا فالتمس لنا ابن عمه هذا ليكون هوالذي يبرم الأمر بيننا وبينه فإنه ذو الوجه والزعيم عنده ولا تبطين لنطمئن بما يرجع إلينا به، فانطلق المنذر إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال: السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله الذي ابتعثك وأنك وعيسى عبد الله مرسلان فأسلم وبلغه ما جاء له، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً لمصالحة القوم فقال علي عليه السلام: بأبي أنت على ما أصالحهم، فقال له رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم معهم رأيي، فصار إليهم علي عليه السلام فصالحاه على ألف حلة وألف دينار خرجاً في كل عام يؤديان شطر ذلك في المحرم وشطر ذلك في رجب، وصار بهما علي عليه السلام إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -ذليلين صاغرين، فأخبره بما صالحاه عليه، فأقر له بالخرج والصغار، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -قد قبلت ذلك منكما أما إنكم لو باهلتموني بمن تحت الكساء لأضرم الله عليكم الوادي ناراً تأجج ثم لساقها الله من ورائكم في أسرع من طرف العين إلى من ورائكم فحرقتم.

فلما رجع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -بأهل بيته وصار إلى مسجده هبط عليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرئك [77ب ب] السلام ويقول لك: إن عبدي موسى باهل عدوي قارون بأخيه هارون وابنيه فخسف الله بقارون وأهله وماله وبمن وازره من قومه، وبغرتي أقسم وجلالي يا أحمد لو باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك الأرض والخلائق جميعاً لتقطعت السماء   كسفاً والجبال زبراً ولساحت الأرض فلم تستقر أبداً إلا إن شاء ذلك فسجد النبي-صلى الله عليه وآله وسلم -ووضع على الأرض وجهه ثم رفع يديه حتى تبين للناس غفرة([458]) إبطيه فقال: شكراً للمنعم شكراً للمنعم قالها ثلاثاً، فسئل نبي الله عليه السلام عن سجدته، وعما رؤي من تباشير السرور في وجهه.

قال: سجدتها شكراً لربي لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي ثم حدثهم بما جاه به جبريل عليه السلام عن ربه تبارك وتعالى.

قال وهب: وكان من حديث بني الحارث بن كعب أنهم كانوا من أشد العرب بأساً لم يظهر عليهم قبيلة ولا عدو لهم في جاهلية ولا إسلام.

قال: وأخبرت أن سعد بن عبادة سأل شيخهم: الحصين بن حرملة بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - كيف قويتم على محاربة العرب، فقد كنتم تغلبون من ناواكم.

قال: لم نكن بالقليل فنتواكل ولا بالكثير فنتخاذل كنا لا نبدأ أحداً بظلم ولا نصبر بعد صبر الناس ساعة.

قال وهب: فلما صالح -صلى الله عليه وآله وسلم - أهل نجران حضر صلحهم يومئذٍ من كان معهم من رجال بني الحارث بن كعب، وفيهم سيدهم يزيد بن عبد المدان وفارسهم  كرير بن سبرة وعمه الحصين بن حرملة وكان شيخاً ذا رأي مطاعاً في قومه وقد دخل مع نصارى نجران في دينهم وتاثل فيه.

وكذلك قيس بن الحصين ذو القصة فكان بني الحارث بن كعب وفيهم شريجين([459]) أحدهما: على مذهب العرب في عبادة الأوثان والأصنام، والآخر نصارى، ولما رأوا ما صار إليه السيد والعاقب وأصحابهما من الذل والصغار وكسر حجتهم ورهبتهم من مباهلة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وملاعنته انصرفت عنهم قلوبهم وتبينوا أنه ليسوا بأهل حق، وأقبل علي عليه السلام على الحصين بن حرملة وقيس بن الحصين ذي القصة ومن حضر معهما من قومها يومئذٍ فقال: ما هذه العقدة عن الدخول في الحنيفية وقد أرقلت إليها العرب طوعاً وكرهاًءأمنتم سيوف الله أن تذركم جَزرا، فأجابه الحصين فقال: إن الذي بين فكي أسد أن أطلقته أكلني.

قال علي عليه السلام: إنا نجود بسة الإحتمال على من لا نرجوا أيابه رأيت فقيد لسانك [169-ج] بالروية([460]) تسلم من شداقه([461]).

قال الحصين: ربما استنزل العطب من معاقل الأمر بأدوات السلامة.

قال علي عليه السلام: لا أثبت لك ربما بل حسبه عليك بالتقدير فذلك أسلم لك من هفوات الأهدار نعرض عليك الشوكة في ديننا والإقرار بدعوتنا.

قال الحصين: ما ارتبت بما وجدت فارتقب به بدلاً.

قال: كيف لا يرتاب من عدل من يشكر([462]) النعمة عن ربها إنكم لا تسامون يا هؤلاء الدنيا ولا تضامون ولكن توقعوا غرر الضوامر طالعة عليكم بنجران أنا قائدها.

قال الحصين: سأشكر لك العناية.

قال: بل قدمها إذا كنت سنياً لتجديد الصنيعة وإلزام الحجة متى يكون الندم أفحل! إلا مع تخلية الطلب ومناجها كان عليك العرمات الإمكان.

 قال الحصين: أجل ولو رمق هذا بالعدل لزمك منه مثل الذي لزمني.

قال علي عليه السلام: كيف ويداربنا بالإسلام دنياً غدو ورواحاً وصباحاً.

قال: فأسلم الحصين وقومه وصاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده فصلوا معه وصدروا قافلين هم ومن معه من نصارى نجران فلم يكن إلا يسير حتى قدم وفد بني الحارث بن كعب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (بإسلام قومهم)، وبما صولح عليه نصارى نجران من الحلل والذهب.

قال وهب: فحدثني جابر بن عبد الله قال قال: رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما استصعبت على قبيلة ولا أهل ملة فضربتهم بسيف الله وأخذاً([463]) بيد علي الألم ينفك  حبيبي يعني علياً عليه السلام حتى يعطيه الله النصر والظفر.

قال وهب: فهذا ما كان من حديث نصارى نجران وبني الحارث بن كعب

قال عبد الوهاب بن همام قال عبد الصمد بن معقل: لما روى لي هذا الحديث: خذه بلا كلفة على قلبك فيه وصنه إلا عن أهله فلقد رأيتنا ونحن على عهد بني مروان لا يستطيع أحدنا أن يدعوا علياً عليه السلام باسمه ولا يذكره ذكراً من الناس علانية إلا بسرٍ من القول وإنما كنا نتخافت ويتنحى([464]) بعضنا بعضاً بأخباره وما جاءتنا به العلماء من فضله. ولقد رأيت [78أ-ب] بين منكبي عمي([465]) وهب بن منبه، وفي ظهره شبه الأخاديد من وقع السوط وأثره فسألت عمي عن ذلك فحدثني قال: كان محمد بن يوسف بن عقيل الثقفي أخو الحجاج بن يوسف من اشد الناس بغضاً لعلي عليه السلام وأعظمهم وقيعة فيه وكان أميراً على اليمن، وذلك في أيام عبد الملك، فما كان خطيب يرقى على عهده منبراً ولا يبتدي أحدُ في مجلسه كلاماً إلا جعل مفتاح قوله سب علي عليه السلام وشتمه.

قال عمي: فلم يفجأني إلا رسوله قد طرق بأبي ليلاً وقال: أجب الأمير.

قلت: لماذا دعاني.

قال: لا علم لي فأوجست منه خيفة وقلت: لما يدعني في الليل إلا لأيده أو باقره([466]).

فقلت: أمهلني حتى أوصي أهلي ببعض شأني.

 قال: لا سبيل لك إلى ذلك، فانطلقت معه حتى دخلت على محمد بن يوسف فإذا هو جالس في فرشه.

فقال لي: لما رأني مالك يا وهب مزوراً عنا فأعتذرت بالكبر وبنقص الجسد.

فقال: ويحك إني بعثت إليك لأمر لم آلك فيه إثرة واختصاصاً وإلحاقك بشرف العطاء وحسن الوجه والمنزلة عند أمير المؤمنين [110ب-أ ]وعندنا.

قلت([467]): ليقل الأمير ما شاء!.

 قال: إنك قد علمت ما فرط من صنيع أبي تراب إلى الخلفاء الثلاثة من الكراهة لإمرتهم والإجلاب عليهم وإضرام نار الفتنة حتى قتل الخليفة فافترقت الكلمة ثم لم ينفك أن صدع العصى حتى لقى الناس بعضهم بعضاً، فيوم بالنصرة مع أم المؤمنين ويوم مع أهل الشام بصفين، فأنا آمرك أن تقوم به في الناس إذا امتلات بهم داري في كل يوم مقاماً بما يهتدي إليه مثلك من العلماء وذوي الرأي من الوقعية فيه بسيء القول ومنكرة وبما يشحذ به نيات الناس في مقته وبغضه وتبعثهم على سبه والبراءة منه ولعنه وهذه لك يميني ومد إليَّ يده بما ذكرت لك من سني الحباء وإلحاقك بشرف العطاء وأنت تكون مع ذلك أول داخل وآخر خارج.

قال عبد الصمد: قال عمي وهب: فنظرت فإذا هو قد أوقع عليَّ أمراً ثقيلاً ضاقت علي فيه التقية إذ جعلني بما أنهضني([468]) من ذلك للناس قدوة [170-ج ] وذريعة إلى البراءة من أنف الإسلام ورأسه فاعتذرت إليه إذ لم أجد لي عند الله ورسوله في فعل ذلك من عذر، فقلت: أيها الأمير: أخبرني غير واحد من أصحاب محمد أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن سب الأموات وحدثوني أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((احبوا قريشاً ولا تسبوها فمن أحب قريشاً أحبه الله ومن سب قريشاً سبه الله ومن أبغض قريشاً أبغضه الله، ومن أهان قريشاً أهانه الله يوم يلقاه، فاستطير غضباً حتى احمرت عيناه، وقال: أظنك ترابياً.

قلت: أجل من التراب خلقت وإلى التراب أعود.

قال: أما والله لتدعن هذه الأعاليل ثم لتقومن بما أمرتك من غد وأنفك راغم أو لأقطعنك إرباً، ثم احتبسني عنده، فلما أضحى من غد أقبل على الحرس، وقال: احشروا علي الناس، فانطلق الحرس فجاؤا بالناس ليرهبهم بذلك، فلما امتلات داره.

قال: دونكم الخبيث فعتلوني فوقفت أمامه ودعا بالسياط وأمر ني بما كان أمرني فاجبته بما كنت أجبته، فقال: أضرباه فلا يدعا([469]) عليه، فتناولني رجل منهم أسود بالسوط حتى أن كان الدم ليتبجس([470]) مع موقع الضرب وحتى إن كانت ثمرة السيوط لتناول من جسمي، فضربني حتى أعيى([471]) علي ورفع عني وقد أغمي عليَّ فحملت إلى حبسه، وأمر بكبش فذبح، وألقى علي إهانة سخنا يريد أن يستبقيني بذلك ليمسني عذابه([472]) أو يفتنني فارجع إلى رأيه.

فلما كان من الغد أمر فدعى له الناس ودعى بي فأقبل عليَّ فقال: أيها الشيخ ارع على نفسك وأبرأ من أبي تراب فلستَ بمتروك إلا بالبراءة منه، فأجبته بما كنت حدثته، فقال: أجدك صملاً، أنهكاه ضرباً، فصنع بي مثل ما كان صنع بالأمس ثم دعاني في اليوم الثالث فجاءني رجلان فأقاماني مقامي في اليومين من قبل فلم استطع قياماً، فاخذ بعضدي فأمسكاني، ودعا بالسوط وأمرني بالبراءة من علي وقال: إنه لا عطر بعد عروس هذا اليوم الثالث فإن برئت فيه من أبي تراب [111أ-أ ] وإلا داويناك بالسيف من غد فاستبسلت للموت، وقلت أما والله لألقين الله صادقاً له في ديني فأقبلت على محمد بن يوسف لعنه الله مجيباً وأنا لا أكاد أبين ضعفاً فتحاملت وقلت: أيأمرني الأمير أن أشتم رجلاً سابقة من سوابقه خير من عمل أهل الأرض جميعاً فاشهد يحدثني([473]) رجال مهاجرون وأنصار إنهم شهدوا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وجمعوا له نجم([474]) من طاهر الجحفة.

فأقبل عليهم فقال: أيها الناس من مولاكم.

فقالوا: الله ورسوله.

قال: من كنت مولاه فعلي مولاه والي اللهم من والاه [78ب-ب] وعادي من عاداه، وحدثني رجال من أصحاب محمد أنهم سمعوا رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم -يقول:  ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما )) فقام وقعد فقال: كذبت أيها الشقي وكذب من حدثك وأحللت نفسك دونكما المنافق أذيقاه العذاب قبل السيف فإن في السيف راحة فضربت وأغمي عليَّ وحملت وأنا لا أشعر إلى حبسه على أن يأمر بي بالسيف من غد فأفقت إفاقة فلرأيتني أجود بنفسي فلما امتراني أسبق السيف بوفاتي لكني هويت قليلاً فرأيت في المنام علياً ومعه الحسن والحسين فحاولت أن أشكو إليه ما أنا فيه فلم أتستطع ضعفاً فاجهشت([475]) باكياً إليه فأقبل عليه الحسن والحسين.

فقالا: يا أمير المؤمنين أما ترى ما يلاقي هذا البائس فينا من البلاء!

قال: إنه لا بأس عليه ولا ضرر بعدها ثم دنى مني فتفل علي من قرني إلى قدمي ثم قال: فتنك عدو الله ثلاثاً وسيفتن ثلاثاً ويخزيه الله حياً وميتاً فاستيقضت وأنا لا أحس شيئاً كأني لم ألقى مكروها فلم أشعر إلا وقد هجم علي الشرطي في الحبس ليلاً فجاؤا ليحملوني إلى محمد بن يوسف.

فقلت: إليكم عني وقمت معهم أمشي على قدمي وجعلوا يعجبون مني وقد كانوا اشهدوا من حالي قبل ما شهدوا فأقبلت حتى دخلت عليه فإذا به كالخناق أو قال: مثل داء الخناق فلم يفاجؤني حتى دخلت عليه الدار فإذا([476]) به يتناول الجدار برأسه وكان يخنق فيغمي عليه ثم يفيق [171 -ج] وهو يقول بأعلى صوته: مالي ولك يا ابن أبي طالب مالي ولك يا علي فلما أبصرني أعرض عني وقال: أطلقا ويحكما عنه فليمض حيث شاء فلبث بذلك من حاله ثلاثاً ثم مضى لا رحمه الله ولعنه لعناً وبيلاً فلما جهزوه واحتفروا قبره وأقبلوا به ليدفنوه -لعنه الله أبصروا في قبره ثعبان أسود قد امتد في القبر بطوله فأرادوا قتله فلم يستطيعوا ذلك فتركوه فاحتفروا قبراً آخر فابصروا في الثاني ثعباناً([477]) مثله على مثل ما كان في القبر الأول فوالوا بين حفر ستة قبوراً فكانت الحال في ذلك واحدة فالقوه في القبر السادس من غير أن ينزل القبر منهم أحد فرأوا الثعبان قد اعتوره دخل([478]) في أكفانه فأهالوا عليه التراب وانصرفوا.

قال الشيخ أبو المفضل: قال لي رزق الله بن سليم قال لي أبو عبد الله قال لي عبد الوهاب بن همام قال لي عبد الصمد بن معقل: قد علمت ما جرى في ذكر [111ب-أ] الأسماء من البقية والكتمان ونحن في أيام بني أمية ودولتهم فأنا أحب أن تضمن لي أن لا تذكر هذا الحديث عني مدة حياتي فضمنت له ذلك فلم أحدث به أحداً حتى فارق الدنيا.

قال أبو عبد الغني قال لي عبد الوهاب: وأنا أسألك من ذلك ما سألني عبد الصمد بن معقل فلولا أنك غريب الدار ما حدثتك فلم أحدث به أحد حتى حدثتك الآن به.

قال أبو عبد الغني: وكان عبد الوهاب أكبر من أخيه عبد الرزاق بعشر سنين وأولهما فيما بلغني موتاً فالحمد لله العزيز الحكيم يعز بقدرته من يشاء ويذل من يشاء ويحبوا بكرامته وفضله من يشاء ويعجل([479]) خزيه ونقمته بعدله لمن يشاء لا معقب لأمره ولا راد لفضله وهو اللطيف الخبير.

فهذه هي الرواية المبسوطة وقد أكملنا ما روى فيها([480]) ودخل في خلالها من الكتب السالفة من البشارة برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وذكر أهل بيته الطاهر ين معه -صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين- وذكرنا ما تعلقت به الرواية كلها هاهنا لكون ذلك كله مما نحن بصدده من شرف أمير المؤمنين وأهل بيته -عليهم السلام -ومن تصفح ما بشرت به الصحف الأولى وأعلنت به من ذكر النبي ووصيه أمير المؤمنين وأهل بيتهما -صلوات الله عليه-لاح له من شرف القوم وتعدى من مال عنهم أو تقدم عليهم ما لا خفا بها حيث قرنهم الله تعالى بخير البشر محمد -صلى الله عليه وآله وسلم - قديماً وحديثاً ودنيا وآخره.

وأما الروايه المختصرة فهي هذه وفي الروايتين بعض اختلاف والمعنى واحد وهي([481]) المباهلة بهم والإشادة برفعتهم وشرفهم من الله ومن رسوله عليه الصلاة والسلام [ ] قال الراوي: وأما آية المباهلة وما كان فيها فإنها نزلت في وفد نجران وهم بضع عشرة رجلاً من أشرافهم وفيهم ثلاثة نفرٍ يتولون أمورهم العاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم وعن رأيه يصدرون وهو عبد المسيح رجل من كنده وأبو الحارث بن علقمة وهو رجل ربيعة ومعه أخوه كرز وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وله فيهم قدر ومنزلة قد شرفه ملك الروم واتخذوا له الكنائس وولوه.

والسيد وهو صاحب رحلتهم ووصلوا من نجران، وأخو أبو الحارث على بغلة له فعثرت به بغلته فقال: تعس الأبعد يعني النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له: أخوه أبو الحارث: بل تعست أنت أتشتم رجلاً من المرسلين إنه النبي الذي كنا ننتظر.

قال: فما منعك أن [79أ-ب ] تتبعه وأنت تعلم هذا منه.

قال: شرفنا القوم وأكرمونا وأبوا علينا إلا خلافة ولو اتبعته لنزعوا كل ما ترى، فاعرض عنه أخوه، وهو يقسم بالله لا يثني لها عناناً حتى يقدم المدينة على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له أخوه أبو الحارث: مهلاً يا أخي فإنما كنت مازحاً قال: وإن مزحت ثم مر يضرب بطن راحلته وهو يقول شعراً [112أ –أ ].

إليك تعدوا قلقاً وصينها([482])

 

معترضاً في بطنها جنينها

مخالفاً دين النصارى دينها [172-ج]، فقدم رحمه الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقبل القوم حتى مروا باليهود في بيت مدارسهم ونادوا: يا ابن صوري يا كعب([483]) بن الأشرف انزلوا إخوة القردة والخنازير فنزلوا فقال لهم: الرجل عندكم منذ كذا وكذا متذكر أو كذا وقد غلبكم احضروا الممتحنة غداً فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبركوا بين يديه ثم تقدم الأسقف.

فقال: يا أبا القاسم: موسى من أبوه!

فقال: عمران.

 فقال: يوسف من أبوه!

فقال: يعقوب.

 فقال([484]): فأنت من أبوك!

قال: عبد الله بن عبد المطلب.

فقال: عيسى من أبوه: فسكت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - ينتظر الوحي فهبط جبريل عليه السلام بهذه الآيات: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}[آل عمران:60]، فقرأها عليهم ثم([485]) الأسقف ثم دق به فغشى عليه ثم رفع رأسه، ثم قال: تزعم إن الله أوحى إليك أن عيسى خلقه الله من تراب ما نجد هذا فيما أوحي إليك ولا نجده نحن فيما أوحي إلينا ولا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم، فهبط جبريل عليه السلام بآية المباهلة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران:61] فقالوا([486]): أنصفت يا أبا القاسم متى([487]) نباهلك؟

 قال: غداً إنشاء الله تعالى.

قال: فانصرفوا، فقال رئيس اليهود لأصحابه: انظروا إلى([488]) هذا الرجل فإن هو([489]) غداً في عدة من أصحابه فباهلوه فإنه كذاب، وإن هو خرج في خاصته من أهل بيته فلا تباهلوه فإنه نبي فإن باهَلَناه لنهلكن وقالت النصارى: والله إنا لنعلم أنه النبي الذي كنا ننتظر ولئن باهلنا ولا نرجع إلى أهل ولا مال، فقالوا: فكيف نعمل؟

فقال الأسقف أبو الحارث: رأينا رجلاً كريماً نغدوا عليه فنسأله أن يقيلنا، فلما أصبحوا اجتمع النصارى واليهود وبعث الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم – إلى أهل المدينة ومن حوله من أهل العوالي فلم يبق بكر لم ترا الشمس إلا خرجت فاجتمع الناس ينتظرون خروج النبي –صلى الله عليه وآله وسلم؛ فخرج النبي –صلى الله عليه وآله وسلم - بأبي هو وأمي وعلي بين يديه والحسن عن يمينه قابض بيده والحسين عن شماله وفاطمة خلفه، فقال: هلموا فهؤلاء أبنائنا: الحسن والحسين، وهؤلاء أنفسنا: لعلي ونفسه، وهذه نسائنا: لفاطمة.

 قال: فجعلوا يستترون بالأساطين ويستتر بعضهم ببعض خوفاً أن يبدأهم بالملاعنة، ثم أقبلوا عليه حتى بركوا بين يديه. ثم قالوا: أقلنا أقالك الله يا أبا القاسم.

قال: أقيلكم إن تجيبوني إلى واحدة من ثلاث، فقالوا: هات.

قال: أدعوكم إلى الإسلام فتكونون إخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا.

قالوا: لا سبيل إلى هذه فهات الأخرى.

قال: جزية نفرضها عليكم تؤدونها إلينا كل سنة وأنتم صغرة.

قالوا: لا سبيل إلى هذه فهات الثالثة.

 قال: الحرب كما قال الله تبارك وتعالى: {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال:58].

 قالوا: لا طاقة لنا بذلك فصالحوه على ألفي حلة ألف في رجب وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعاً، وثلاثين رمحاً وثلاثين فرساً، إن كان باليمن كيد ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ضامن بها يؤديها إليهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده لو باهلتهم ما بقى على وجه الأرض منهم أحد ولقد حشر علي بالطير والعصافير من رؤوس الجبال لمباهلتهم)).

وذكر الإمام المنصور بالله عليه السلام: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - صالح أهل نجران على مائتي أوقية [من الذهب]([490])، وعشرين أوقية من الفضة([491]) ومائتي حلة كل حلة ثوبان أربعمائة ثوب كل ثوب قيمة عشرون درهماً، وعارية ثلاثين [173-ج ] درعاً وثلاثين بعيراً، وثلاثين فرساً إلى والي اليمن، ونزل الرسل عشرين يوماً، والمراد بالنزل -بضم النون، والزاي- ما يهيأ من طعام للنزيل وهو الضيف.

قال: فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد والعاقب إلا يسيراً حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهدى له العاقب حلة وعصى وقدحاً ونعلين وأسلما، ونحن نروي حديث المباهلة من صحيح مسلم [ ]، ومن تفسير الثعلبي، ومن مناقب بن المغازلي أيضاً، والمعنى الذي لأجله دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين دون غيرهم من أكابر الصحابة والمسلمين، أنه أراد أن يبين منزلتهم، وأنه ليس في أمته بعده من يساويهم في الفضل، وأن لهم من الفعل مثل ما له، وأنهم معصومون ومن حيث أن الإمامة لا تخرج عنهم والحسن والحسيين، وإن كانا صغيرين فلا يمتنع أن يبلغا تلك الدرجة، ويحتمل أنه تعالى جعلهما كذلك معجزة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - كما فعل بيحيى وعيسى عليهما السلام، ولا يقال أنه أخرجهم لقرب النسب منه إذ لو كان كذلك لأخرج العباس وعقيلاً وأعلم أنه قد أطبق أهل النقل كافة على تباين أغراضهم واختلاف أهوائهم على تفسير هذه الآية وأنها نازلة في الخمسة عليهم السلام، ونحن نذكر مما رواه المخالفون في ذلك شيئاً يكون أبلغ في الحجة وهو ما روى المنصور بالله عليه السلام، ورويناه عنه عن الثعلبي أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - خرج محتضنا للحسن وأخذ بيد الحسين وفاطمة تمشى خلفه وعلي خلفهما وهو يقول لهم: إذا دعوت فآمنوا، فقال أسقف النصارى: إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزالة فلا تبتهلوا فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك ونثبت على ديننا، وأنت على دينك، واعطوه الصلح في كل عام ألفي حلة نصف في رجب، ونصف في صفر وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولا اضطرم الوادي عليهم ناراً ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولما [113أ-أ ]حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكو، فقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:62].

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وهذا الخبر مفيد جداً لأنه أثبت أن ولدي علي وهما الحسن والحسين ولدان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك ثابت في ظاهر قوله: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ}[آل عمران:61]، فكان الحسن والحسين عليهما السلام، وأثبت الخبران أن المراد بقوله في الآية: {وَنِسَاءَنَا} فاطمة، فخرجت زوجاته عن مقتضى الآية والخبر، ولا خلاف بين الأمة إنه لم يدع أحد من زوجاته ولا دعا أحد من النساء غير فاطمة عليها السلام، وأن المراد بقوله تعالى: {وَأَنْفُسَنَا} محمد وعلي صلوات الله عليهما، فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وكيف يعتري الشك في كونه أفضل الصحابة{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[يوسف:105]. تم كلامه عليه السلام.

واعلم أنه قد بين رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ما ذكره الإمام المنصور بالله عليه السلام في الخبر الأول الذي رويناه من غير كتب العامة حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((هلموا هؤلاء أبنائي الحسن والحسين، وهؤلاء أنفسنا لعلي ونفسه، وهؤلاء نسائنا لفاطمة)) وليس بعد بيانه بيان صلوات الله عليه وآله وسلم، ومما يعضد ما ذكرناه في أن نفس علي عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ورد في الآية وتبين من تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الآثار حديث بريدة أن علياً كان في غزاة وفيها خالد بن الوليد فأصاب على جارية فكتب خالد كتاباً ينال فيه من علي ودفعها إليَّ وأمرني أن أنال من علي عند رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -[174-ج] فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ودفعت إليه الكتاب، فلما قرأ الكتاب رأيت الغضب في وجهه، وقال: ((يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم من بعدي)).

وروى أنه قال له: ((يا بريدة لا تبغض علي فإنه مني وأنا منه إن الناس خلقوا من شجرة وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة)) إلى غير ذلك من الآثار المماثلة لهذا مما قدمناه.

وروى بن حنبل في مسنده وبإسناده رفعة إلى بريدة قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بعثين على أحدهما: علي بن أبي طالب عليه السلام، وعلى الأخرى: خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس وإن افترقتم فكل واحد منكما على جنده.

قال: فلقينا بني زبيد من اليمن فاقتتلنا، وظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية [80أ-ب] فاصطفى علي عليه السلام من السبي امراة([492]) لنفسه.

قال بريدة: وكتب يعني خالد بن الوليد إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - يخبره بذلك، فلما أتيت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - دفعت الكتاب إليه فقرأ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله: هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل أمرتني أن أطيعه فقد بلغت ما أرسلت به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي)).

وروى ابن حنبل في مسنده أيضاً بإسناد([493]) رفعه إلى عمران بن حصين قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - سرية وأمر علياً فأحدث شيئاً في سفره.

 قال عمران: فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أن يذكروا أمره لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

 قال عمران: وكنا إذا قدمنا من سفرنا([494]) بدأنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  فسلمنا عليه فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا، فاعرض عنه ثم قام الثاني فقال: كذلك فاعرض عنه، ثم قام الثالث [فقال: كذلك]([495])، ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تغير وجه، فقال: ((دعوا علياً إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي)).

وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن بعض أصحابه وذكرهم بخير فقال له قائل: فعلي فقال -صلى الله عليه وآله وسلم - ((إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي)).

روينا ذلك كله فانظر رحمك الله تعالى كيف سمى الله تعالى أمير المؤمنين في هذه الآية نفس الرسول عليه الصلاة والسلام إذ قد علمنا أن الأبناء: الحسن والحسين والنساء: فاطمة، فأما الأنفس فلا تصح أن يكون المراد بها نفس الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم - وحده إذ من المحال أن يدعوا الإنسان نفسه؛ فإذاً المراد بها من يجري مجرى النفس وبعد فلو كان المراد نفس الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقط ثم حمل علياً مع نفسه لكان للكفار أن يقولوا له عليه الصلاة والسلام حملت من لم يشرط، وخالفت شرطك، فلا يكون أبداً للكلام معنى إلا أن يريد به ما يجرى مجرى النفس إذ علي من الرسول كما قدمنا بيانه في قصة النور وغيره ويؤيده ما قدمناه الآن من الآثار فإن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – قد فسر ذلك كما قدمناه فأغني نفس تفسيره عن طائل نظر غير أن هذا كشف للكلام وفتح للنظر يوكدا ذلك كله قوله تعالى: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17]، وكذلك قول النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- في علي: ((هو مني وأنا منه)) ويزيده وضوحاً ما رواه عبد الرحمن بن عوف([496]) قال: أقام رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- على الطائف تسع عشرة أو سبع عشرة ليفتتحها، ثم قال: يا معشر قريش لتنتهن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني، أو قال: كنفسي فيقتل مقاتلكم ويسبي ذراريكم.

قال: ثم أخذ بيد علي فرفعها وقال: ((هو هذا يا أيها الناس [175-ج] إن موعدكم الحوض)).

ومن مسند بن حنبل بالإسناد عن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - لوفد ثقيف حين جاؤه: ((لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني أو قال: مثل نفسي فليضربن أعناقكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم)).

قال عمر: والله ما اشتهيت الإمارة إلا يومئذٍ فجعلت أنصب صدري لها رجاء أن يقول هذا فألتفت إلى علي عليه السلام فأخذ بيده ثم قال: ((هو هذا هو هذا مرتين)).

وروى بن المغازلي في مناقبه بالأسانيد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي))، وقوله: ((أما أنت يا علي محنتي([497]) وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك)).

وقوله: ((ما تريدون من علي إن علياً مني وهو ولي لكل مؤمن من بعدي)) إلى غير ذلك من مثل هذه الأحاديث ومثلها مروي من الجمع بين الصحاح الستة أيضاً روينا ذلك كله فإذا كان علي عليه السلام[114أ-أ] نفس الرسول أو جارياً مجرى نفسه -صلى الله عليه وآله وسلم - فهو الإمام والخليفة بعده إذ لا أحد منهم أعطي هذا الحظ ولا أحد أفضل منه قطعاً لهذا ولا مثاله مما سبق ومما سيأتي إن شاء الله تعالى فلا جرم بعد ذلك أن من تقدم نفس الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -فقد ظلم واعتدى وضل وما اهتدى، وقد دخلت هذه الجملة تحت ما قدمناه من الأرجوزة والحمد لله رب العالمين.

وهو المؤذن على الأعراف
وهو خصيم عصبة الخلاف
نعم أمين الله في البلاد
وسابق الغايات في الجهاد

 

في قومه ناهيك من إتحاف
فهل لهم كهذه الأوصاف
وصي خير الناس في العباد

وصالح في المؤمنين هادي

أما قولنا: وهو المؤذن على الأعراف في قومه: إلى قولنا: خصيم عصبة الخلاف، ففي ذلك ما روى عن الضحاك عن بن عباس أن الأعراف موضع عال على الصراط عليه العباس وحمزة وعلي وجعفر يعرفون محبهم([498]) ببيض الوجوه ومبغضيهم بسوادها.

قال ابن عباس: إن لعلي بن أبي طالب في كتاب الله لآية لا يعرفها الناس، قوله: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ([499]) يقول: ألا لعنة الله على الكاذبين([500]) الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي.

وعن محمد بن الحنفية عن علي عليه السلام: قال قوله تعالى: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[الأعراف:44] فأنا المؤذن، وفي ذلك أيضاً قول أمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكر أنه مؤذن الله تعالى فقال: وأما مؤذن الله ففي قوله تعالى: {وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاَّ بِسِيمَاهُمْ}[الأعراف:46] وقال: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[الأعراف:44] والرجال أنا وعبيدة بن الحارث، وحمزة، وجعفر لقوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج:19] فإنا كنت (أنا)([501]) وابن عمي عبيدة بن الحارث، وعمي حمزة قاتلنا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وهم الذين كفروا.

وعن قيس بن عبادة القيسي قال: سمعت أبا ذر يقسم قسماً أن: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}[الحج:19] نزلت في الذين برزوا يوم بدر الثلاثة: حمزة، وعلي، وعبيد بن الحارث، وعتبة، وشيبة، والوليد، ولما برز عتبة، وشيبة، والوليد، وطلبوا البراز، خرج إليهم عوذ ومعاذ وعائذ بنوا عفرا، وفي كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هم عوذ ومعوذ([502]) وأمهما عفرا، ورجل آخر يقال له: عبد الله بن رواحة، فقالوا لهم: من أنتم فأثبتوا لهم فقالوا: قوم كرام، ولكنا نريد أكفاناً من قريش ثم قالوا: يا محمد اخرج إلينا أكفانا من قريش فخرج علي وحمزة وعبيدة [176-ج]بن الحارث، فما لبث أن قتل علي الوليد، وقتل حمزة عتبة، واختلفت الطعنة بين عبيدة وشيبة، وقيل الضربة، فأعاناه عليه فقتلوه، ورجع عبيدة مجروحاً، وقال لو عاش أبو طالب لعلم أنَّا أولى بهذا البيت:

ونسلمه حتى نصرع حوله

 

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وفي غير هذه الرواية أن علياً عليه السلام: قتل عتبة والوليد جميعاً، وقد قدمنا ذلك في حديث يوم بدر، ففي هذا أن علياً عليه السلام قسيم الجنة والنار وعارف أهل الجنة [114ب-ا] والنار بسيماهم، وأنه مؤذن الله وأنه الخصيم عن الله يحتج له ويحارب عنه الكفار، وقيل نزل قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية:21] في قصة بدر في هؤلاء الستة، والذين آمنوا: علي وحمزة وعبيدة، والذين اجترحوا السيئات: عتبة وشيبة والوليد.

وما([503]) قولنا وصالح في المؤمنين: ففي ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة البصرة وفي خطبة الفخار:أنا صالح المؤمنين.

وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}[التحريم:4]، ورفعه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال: حدثني رجل ثقة يرفعه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله تعالى: {وصالح المؤمنين} قال: ((هو علي بن أبي طالب))، ونحن نرويه عنه.

وأما قولنا: والسابق الغايات في الجهاد: فقد قدمنا من جهاده ما لا يوجد لمثله وسيأتي ذكر شيء منه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وروى عن الحاكم رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} إلى قوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً، دَرَجَاتٍ مِنْهُ}[النساء:95،96] أنه قال: أجمعت الأمة على أن علي بن أبي طالب عليه السلام رأس المجاهدين، وأنه لم يبلغ أحد مبلغ جهاده، فقالت الشيعة فيه نزلت هذه الآية.

وعن الحاكم رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54].

عن الشريف المرتضى أنها نزلت في أمير المؤمنين.

قال: روى ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس وعمار بن ياسر قال يعني المرتضى، ومما يقوي ذلك أنه تعالى وصف من عباده بالآية بأوصاف وجدنا أمير المؤمنين مستكملاً لها بالإجماع وهو قوله: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يوم خيبر لما دفع إليه الراية وفر من فر وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه([504]) الله ورسوله ويحب([505]) الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه))، ثم قال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة:54]، وصفه بالرفق والتواضع مع المؤمنين، وشدة النكاية في الكافرين، ثم قال: {يُجَاهِدُونَ} فوصفه بقوة الجهاد، وأنه لا يخاف لومة لائم، ولا شبهة في قصور كل مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين عليه السلام فكان عليه السلام معروفاً بكشف الغم عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - [81أ-ب] لم يفر عن مقام قط ولا نكص عن قرن قط، فالآية يكادتعلم أنه المعنى بها دون غيره ضرورة ممن يكن له موقف ولا قيل([506]) [177-ج] [115أ-أ]:

وهو إمام المتقين نصا
فهل
أزاحوا الأمر عنه حرصاً
وهو
أمير المؤمنين وحيا

 

وحياً أتى من ربه فخصا
أو
سمعوا من بعد فيه نقصا
أمراً
أتى من ربنا لا نهيا

فما الذي أفتوا به ما أحيا
وقد
أتى جبريل بالأسماء
خاطبه
بها بلا امترا

 

فجعلوا الإثبات منه نفيا
إليه
من مصور الأحياء
فهل
لهم آت من السماء

سماه إذ جاء بها جبريل
ورأسه
في حجره محمول
أمن
تسمى مثل من سماه

 

مسلما وعنده الرسول
فهل
لهم كمثل ذا دليل
باسم
أمير المؤمنين الله

اكرم بهذا شرفاً أتاه

 

فهل بقى في أمره اشتباه

أما ما اشتملت عليه هذه الجملة من الأرجوزة في هذا الموضع وتسميته عليه السلام إمام المتقين، وأمير المؤمنين فنحن نذكر ما ورد فيها فمن ذلك ما رواه الخلق عن علي عليه السلام قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فوضع رأسه في حجر دحية الكلبي فسلمت عليه فقال لي: دحية وعليك السلام يا أمير المؤمنين، وفارس المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين أو([507]) قال: إمام المتقين في بعض الروايات، ثم قال له: تعال خذ رأس نبيك في حجرك فأنت أحق بذلك، فلما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووضع رأسه في حجري لم أرد دحيه وفتح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عينيه وقال: ((يا علي من كنت تكلم)).

قال قلت: دحية فقصصت عليه القصة فقال: لم يكن ذلك دحية وإنما كان جبريل عليه السلام أتاك ليعرفك بأن الله سماك بهذه الأسماء.

وروينا في هذا الحديث رواية أخرى عن عبد الله قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرضة فغدا إليه علي بن أبي طالب في الغلس، وكان لا يحب أن يسبقه إليه أحد فإذا هو بصحن الدار ورأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فقال: السلام عليك، فقال: وعليك السلام ورحمه الله أما أني أحبك، ولك عندي مديحة أزفها إليك.

قال: قل.

قال: أنت أمير المؤمنين، وأنت قائد الغر المحجلين، وأنت سيد ولد آدم يوم القيامة، ما خلا النبيين والمرسلين لواء الحمد بيدك تزف، أنت وشيعتك إلى الجنان زفاً زفاً أفلح من تولاك، وخاب وخسر من حلاك يحب محمد أحبوك، ويبغضك لم تنلهم شفاعة محمد ادن إلى صفوة الله أخوك ابن عمك، فأنت أحق الناس به قال: فدنى علي بن أبي طالب وأخذ برأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذاً رفيقاً فصيره في حجره فانتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا علي ما هذه الهمهمة فأخبره عن الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لم يكن ذلك دحية بن خليفة كان ذلك [115ب-أ ] جبريل صلى الله عليه وسلم سماك بأسماء سماك الله بها وهو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين، وهيبتك في قلوب([508]) الكافرين، ولك يا علي عند الله أضعاف كثيرة)).

ومن ذلك ما جاء في الحديث: أنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((أمر أصحابه أن يسلموا على علي بأمير المؤمنين، وقال عمر: هذا راى رأيته أو وحي نزل؟

قال: بل وحي نزل، فقال: سمعاً وطاعة)). والقصة مشهورة.

وروى السيد أبو العباس في شرح الأحكام بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لما أسري بي إلى السماء انتهى بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلألأ فأوحى إلي أو فأمرني إلى علي عليه السلام بثلاث خصال: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).

ومن ذلك ما رويناه بإسناده إلى عبد الله بن أسعد بن زرارة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((انتهيت ليلة أسري بي إلى سدرة المنتهى، فأوحي إليَّ في علي ثلاث: أنه إمام المتقين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم)).

وروى ابن المغازلي في مناقبه ورفه إلى سعد بن زرارة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((لما كان ليلة أسري بي إلى السماء إذ([509]) قصر أحمر من ياقوتة تلألأ فأوحى الله تعالى إليَّ في علي أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين)).

وروى أيضاً في مناقبه ورفعه إلى أبي بزرة: عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: أن الله تعالى عهد إلي في عهداً فقلت: يا رب بينه لي، فقال الله عز وجل: اسمع، ثم قلت: سمعت، فقال([510]): إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة [81ب-ب] التي ألزمتها المتقين من أحبه أحبني، ومن أطاعه أطاعني فبشره بذلك قال: فبشرته، قال: فقال علي: يا نبي الله أنا عبد الله وفي قبضته فإن يعذبني فبذنبي، ولم يظلمني، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى به.

قال: فقال: ((اللهم احل قلبه واجعل ربيعهة الإيمان بك، فقال الله عز وجل: فإني فعلت ذلك به، ثم إن الله عهد إلي أن استخصه من البلا ما أخص به أحداً من أصحابك([511])، فقلت: يا رب أخي وصاحبي، فقال الله تعالى: إن هذا أمر سبق أنه مبتلى ومبتلى به))، روينا ذلك كله، وروينا بالإسناد عن بن عباس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: في آخر حديث طويل: ((يا أم سلمة اسمعي وافهمي هذا علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين وغيبة علمي وبابي الذي أوتى منه، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة على الأحياء من أمتي أخي في الدنيا وقريني في الآخرة ومعي في السنام الأعلى فأشهدي يا أم سلمة أنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)).

وبإسناده إلى الحارث بن الخزرج قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -يقول لعلي عليه السلام: ((ما يتقدمك بعدي إلا كافر ولا يتأخر عنك بعدي إلا كافر وإن أهل السماء يسمونك أمير المؤمنين)) وحديث قصة أسد بن غويلم، وقد تقدمت إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها من خرج إلى هذا المشرك فله على الله الجنة وله الإمامة بعدي، فاحجم الناس في رواية وآخر نجم الناس [116أ-أ ] في أخرا ما خرج إليه إلا علي عليه السلام، وقد قدمنا ذلك، وكذلك حديث الكوكب، وسقوطه في دار علي عليه السلام وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وروينا بالإسناد عن بريدة قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أن نسلم على علي بن أبي طالب بيا أمير المؤمنين.

ومن كتاب: (الكامل المنير) قال: وحدث الحارث بن محمد الأسدي قال: حدثني سفيان بن إبراهيم عن الحارث بن الحصين عن القاسم بن جندب عن أنس بن مالك قال: دعا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم – ذات يوم بوضوء فتوضى وصلى ثم قال: ((يدخل عليَّ أمير المؤمنين وخير([512]) الوصيين وأولى الناس بالنبيين.

قال قلت: اللهم اجعله رجلاً من الأنصار.

قال: إذ ضرب الباب فدخل علي بن أبي طالب، فقام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -فجعل يمسح عن وجهه فيمسح به وجه علي عليه السلام، ويمسح من وجه علي فيمسح به وجهه فدمعت عين علي عليه السلام، فقال: يا رسول الله هل نزل([513]) في شيئاً، فقال: ولم لا أفعل هذا وأنت تسمع صوتي، وتؤدي عني وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي)).

وروى بن المغازلي الشافعي بالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاري: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الحديبة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب عليه السلام: ((هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله)).

فقد ترى أيها المسترشد أن كل اسم من هذه الأسماء الواردة فيه عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم - شرف وفضل ونص على إمامته، وهل يكون من تسمى بأمير المؤمنين كمثل من سماه الله بذلك وهي كلها نصوص بلفظ الإمامة، وإمرة المؤمنين وعلى إمامته عليه السلام من هذا وأمثاله من الكتاب والسنة أدلة كثيرة.

 قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وكل واحد منها موصل([514]) إلى العلم لأنها وإن [179-ج ] كانت أدلة شرعية فقد لحقت بالعقليات في القوة.

وفي كتاب علي بن موسيى الرضى عليه السلام في تفسير قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -((لتركبن سنن من قبلكم)) روى عليه السلام عن أم سلمة رضى الله عنها أنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا صعد أمير المؤمنين منبري فسألك هذا الكتاب فادفعيه إليه.

قالت: فلما صعد أبو بكر انتظرته يسألها فلم يفعل، ثم صعد عمر المنبر فانتظرته يسألها فلم يفعل، ثم صعد عثمان فانتظرته يسألها فلم يفعل، ثم صعد علي عليه السلام فنزل، فقال يا أم سلمة أين الكتاب الذي دفعه إليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت: فدفعته إليه وهو أمير المؤمنين حقاً، فقيل: يا أمير المؤمنين ما كان في الكتاب فقال عليه السلام: علم ما يحتاج([515]) إليه الأمة إلى يوم القيامة.

وقيل لابي ذر لو أوصيت إلى أمير المؤمنين يعنون عثمان، فقال: قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقاً يعني علي عليه السلام.

وهذه الأخبار وأجناسها كثيرة جداً مروية معروفة يرويها الجماعة الكثيرة [116ب-أ ]، والطريق إلى تصحيحها أنها اشتهرت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين على اجتهاد عظيم من بني أمية في طمسها بحيث لا ينكرها أحد من رواة الأحاديث المعول عليهم، ولا يدفعها ومخالفنا يتأولها، فقط وأهل البيت عليهم السلام مجموعون على صحتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإجماعهم حجة كما تقدم وهي صريحة في هذا الباب لا تحتاج إلى تلخيص ونظراً، واستدلال بل سماعها كاف في الدلالة على إمامته عليه السلام [82أ-ب]:

قال له الرسول أنت يوشع
بل
سمعوا ذلك لكن لم يعوا
ذلك
فاروق العباد الأعظم

 

وأنت هارون لما يسمعوا
وهو
بما يؤمر فيهم يصدع
وذاك
مولى المؤمنين الأكرم

وهو أبو الأمة يا من يفهم
يقدم
صديق الإله([516]) الأكبر
قاضي
الديون الطاهر المطهر

 

فأيهم بعد النبي الأقدم
يعسوب
كل المؤمنين الأشهر
ومن
شبير سبطه وشبر

أما قولنا: هارون ويوشع: فلقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت هارون ويوشع)) ومثل ذلك قوله عليه السلام ((أنت مني بمنزلة يوشع بن نون)).

وكذلك قوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وسيأتي الكلام في خبر المنزلة ودلالته فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وما([517]) الفاروق والصديق، ويعسوب المؤمنين ففي ذلك قوله عليه السلام على منبر البصرة: أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم لا يقوله غيري إلا كذاب، آمنت حين كفر الناس، وصليت قبل الناس بست سنين)).

وما رويناه بإسناده إلى أبي ذر رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: ((أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة وأنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق([518]) بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار)).

وفي بعض الأخبار: ((والمال يعسوب الكافرين))، وقد قدمناه.

 وبإسناده إلى أبي ليلى عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ياسين: الذي قال اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم)).

وقد روى هذا الحديث من كتاب: (الفردوس)، ومن تفسير الثعلبي ومن مناقب بن المغازلي، ومن مسند بن حنبل وهي متفقة بهذا اللفظ في الصديقين الثلاثة: غير أن في مسند بن حنبل حيث قال: الصديقون ثلاثة قال: حبيب بن موسى النجار، وليس في سواه بن موسى.

ونحن نروي ذلك كله، وكذلك الخبر الذي رواه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: عن ربه ليلة أسري به وقد تقدم، وفيه قال قلت: ((يا رب من الصديق الأكبر ؟ قال: أخوك علي بن أبي طالب))وفي كتاب[117أ-أ] علي بن موسى عليه السلام الذي قدمنا ذكره قال عليه السلام: فسموا أبا بكر صديقاً والصديق لا يكون إلا معصوماً.

وأما قولنا: مولى المؤمنين فلقوله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) وليس هذا لأحد غيره.

وأما قولنا: أبو الأمة فذلك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة)).

وأما قولنا: قاضي الديون، فلقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه: وقاض ديني في أحاديث وردت، وقد روى أيضاً: قاضي في أحاديث وردت، وقد روى أيضاً ((قاضي ديني)) -بكسر الدال- فيدل على الإمامة:

وخصه في بيعة العشيرة
وزاد
بالأخوة المشهورة

 

أحمد بالخلافة المذكورة
فاسم
لنا في مثلها نظيرة

وهل سمعت بحديث الكوكب
إذ
كان في حديثه لم يكذب

 

ألم يكن خليفة بعد النبي
 وقد أتى على وفاق المذهب

انقض في منزله فصار
وأقرى
لنا والنجم واخش النار

 

خليفة من بعده اختيارا
تجد
على حجتنا أنوار

أما بيعة العشيرة وما يتعلق بها فلعلي عليه السلام السابقة فيها فإن النبي -صلى الله وآله وسلم- جمع عشيرته الأقربين وكانوا أربعين رجلاً وطبخ لهم شاة، وحمل لهم قوصرة تمر كما تكون بالحجارِ صغار، وأطعمهم حتى شبعوا، وبقى من اللحم والتمر، فقال أبو لهب -لعنه الله- لأبي طالب لقد عظم سحر بن أخيك انظر كيف أطعمنا وأشبعنا من هذا اليسير من الطعام فضجر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ولم يقل شيئاً واستدعاهم من الغد وعمل مثل ما عمل في اليوم الأول، وقال أبو لهب مثل قوله، حتى لما كان اليوم الثالث قيل له: اسكت حتى يظهر ما في نفسه فسكت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - إن الله أمرني بإنذار عشيرتي الأقربين وأنتم عشيرتي ولو خوفتكم من فارس أو حبشة أو روم لتأهبتم وها أنا نذير لكم بين يدي عذاب شديد فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي في الدنيا والآخرة، وله الخلافه من بعدي، فما تحرك أحد، فقام علي وهو أصغرهم سناً فمد يده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -: اجلس فاعاد القوم ولم يقم سواه فقال له: [82ب-ب ] اجلس فجلس، وقال ثالثاً، فقام علي فمد([519]) يده فمد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم فله الأخوة والخلافة وهو قبل بيعة الرضوان، ومشهد الإنذار في شعب بني هاشم معروف مشهور، وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير هذه البيعة بيعة الجن، ولم يكن للإنس فيها نصيب، وإن كان علي عليه السلام حاضراً لها مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - وبيعة الأنصار، ولم يكن للمهاجرين فيها نصيب، وبيعة الرضوان وكان عليه السلام من السابقين فيها فله السبق عليه السلام.

وأما حديث الكوكب ففي ذلك ما رويناه بإسناده إلى أنس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: لما انقض كوكب، قال: انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي فنظروا فإذا هو قد انقض في منزل علي عليه السلام.

وفي حديث آخر قالوا: يا رسول الله قد غويت في حب علي فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}إلى قوله: {وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى}[النجم:1-7].

وروينا بطريق آخر: أنه صلى الله عليه وآله وسلم: سئل عن الإمام بعده، فقال: من نزل الكوكب في داره منه الليلة: فانتظروا الناس، فلما قرب وقت الصبح، وإذا بكوكب نزل في حجرة فاطمة عليها السلام، فقال أهل النفاق: ولي ابن عمه رقاب الناس، لقد شغف محمد بهذا الإنسان ويهواه، فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:1-4].

وقد روى حديث النجم جماعة، ومنهم: علي عليه السلام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي فانظروا من هو فهو خليفتي عليكم بعدي، والقائم فيكم بأمري، فلما كان من الغد انقض نجم من السماء قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا حتى وقع [181-ج] في حجرة علي بن أبي طالب، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضل هذا الرجل وغوى، فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم: 1،2].

وقد رواه بن عباس وعائشة وأنس بن مالك بألفاظ كلها تتفق أنه الخليفة وأن النجم سقط في منزله وإن اختلفت في الطول والقصر والزيادة على ذلك.

وروينا من كتب العامة عن الإمام المنصور بالله سلام الله عليه ما رواه من مناقب بن المغازلي عن أنس قال: انقض كوكب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((انظروا إلى هذا الكوكب، فمن انقض في داره فهو الخليفة من بعدي فنظروا، فإذا هو قد انقض في منزل علي، فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:1-4]، وهذا نص صريح على إمامته عليه السلام.

وهو الذي كانت له الوراثه
لكن
عصوا واغتصبوا تراثه

 

من أحمد لم تك للثلاثة
إذ
فوَّق الدهر له إحداثه

أردنا بقولنا: كانت له الوراثة: ما روى أبو([520]) ميسرة قال: سأل رجل علياً عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين بم ورثت بن عمك دون عمك، فقال: هام وحتى أسرب([521]) الناس وبشروا آذانهم فقال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب، وفيهم من يأكل الجذعة ويشرب الفرق، فجعل لهم مداً ونصف، فأكلوا منه كأنما لم ينقص منه شيء ثم قال: يا بني عبد المطلب إني إنمابعثت إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، فقد كان لكم في هذا الطعام آية فأيكم([522])يبايعني علىأن يكون وصيي وأخي ووارثي ثلثاً كل ذلك يقوم إليه علي فيبايعه فيأمره أن يجلس فلما كان آخر ذلك ضرب يده على يدي فبذلك ورثته صلى الله عليه وآله وسلم [118أ-أ].

والميراثي هاهنا هو الرئاسة في الأمة إذ ميراث الأموال لزوجاته، ولفاطمة، ولعمه ولا أمر، ولا رئاسة بعد النبوة إلا الإمامة والخلافة، وقد جعل له ذلك عليه السلام في مواضع كثيرة فكانت له بنص الكتاب، ونص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكن القوم ظلموه حقه واغتصبوا ميراثه {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}[الشعراء:227] هذا قول بعض أئمة الهدى عليهم السلام، وقول بعضهم: أن علياً عليه السلام ورث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميراث المال مع ميراث الأمر بهذا الخبر المتقدم وبغيره، نحو ما ذكره الإمام المتوكل على الله: أحمد بن سليمان في جوابه للشرفا بني سليمان قال عليه السلام: وحكاية حكاها أبو عبد الله الوليدي القاضي أنه سمع الناصر للحق الحسن بن علي عليهما السلام يقول: كان سيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلاحه وفرسه [83أ-ب] وبغلته عند علي عليه السلام لم ينازعه أحد في ذلك ونحو ما قاله الإمام المنصور بالله عليه السلام في الجواب الكاشف للأشكال في الفرق بين التشييع والإعتزال حيث قال عليه السلام: فأما الإرث فوارث النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي عليه السلام بأخبار كثيرة نحن نرويها، وهذا خبر بخلاف قياس الأصول، ولم ينازع علي عليه السلام في أفراس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأدراعه أحد من الناس لا العباس ولا غيره، فكان علي عليه السلام عصبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووارثه.

ونحو ما روى علي بن موسى الرضى من محاكمة علي والعباس عليهما السلام إلى أبي بكر في ميراث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فحكم لعلي عليه السلام بالميراث، واحتج بهذا الخبر وسلم له([523]) العباس، ثم اعترض على أبي بكر به في أخذه ميراث علي عليه السلام، فلم يجد جواباً وسيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى، وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة عليهم السلام قوي لدلالة الأخبار التي فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ووارثى في غير موضع ويؤكد ذلك ما رواه أمير المؤمنين عليه السلام، واحتج به في حديث الشورى حيث قال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد دعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا الناس([524]) وقال: من يضمن عني ديني وعداتي ويخلفني في أهلي من بعدي، فكف الناس وابتديت له فضمنت له ذلك [182-ج] فدعى إليَّ بناقته العضباء وبفرسه المرتجز، وبغلته، وحماره، وسيفه ذا الفقار، وبدرعه ذات الفضول، وبجميع ما كان يحتاج إليه في الحرب، فعقد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - عصابة كان يشد بها بطنه في الحرب فأمرهم أن يطلبوه فدفع إليَّ ذلك، ثمق ال: يا علي اقبضه في حياتي لا ينازعك فيه أحدٌ بعدي، ثم أمرني فحولته إلى منزلي، فهل قبض([525]) ذلك ووفى بدينه وعداته غيري ؟

 قال: اللهم لا، وسيأتي مزيداً إيضاح في الوراثة إن شاء الله تعالى.

وهو الذي صدقه الرحمن
واسمع
إلى منطق القرآن

 

وجاء في تصديقه البرهان
ففيه
عما قلته بيان

أما ما ذكرناه هاهنا، فأردنا به ما رواه: علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده: علي بن أبي طالب، قال قلت: أربعاً فأنزل الله تبارك وتعالى تصديقي فيها([526]) في كتابه.

 قلت: المرء مخبؤ تحت لسانه، فإذا تكلم ظهر فأنزل الله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[محمد:30]، وقلت من جهل شيئ عاداه، فأنزل الله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ}[يونس:39]، وقلت: قدرا، وقال: قيمة كل امرء ما يحسنه، فأنزل الله في (ذلك) ([527]) قصة طالوت: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}[البقرة:247]، وقلت: القتل القتل القتل: فأنزل الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُوْلِي الأَلْبَابِ}[البقرة:179].

وهو الذي استثنى تعالى إذ ركع
فضلاً
ولم يعدده من أهل الجزع

 

أخرجه الرحمن عن أهل الهلع
كلا
ولم يجعله ممن قد منع

أراد بذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته: أنا المستثنى في قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً، إِلاَّ الْمُصَلِّينَ}[المعارج:19-22]، ولم يكن في الرجال مصلي غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيري.

وهو الذي في الله أفنى وسعه
في
الليل والنهار ألف ركعه

 

كان يصلي مخلصاً لا سمعة
لله
هل كمثل هذا رفعة

كان يقوم الليل وهو صائم
سيعلم
القوم إذا تحاكموا

 

نهاره نعم الإمام القائم
في
العرض من مظلومه والظالم

وهو الذي آثر حب المسجد
بخ
له من سيد مسود

 

على جنان الخلد لا مفند
سباق
غايات كريم مولد

أما ما ذكرنا هاهنا من صلاته وصومه عليه السلام، فنريد بذلك ما روى أن علياً عليه السلام كان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، وكان مع ذلك يصوم النهار، بل كان عليه السلام يفعل أكثر من ذلك فإن المروى عن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام أنه كان يصلي في يوم وليلة ألف ركعة، ثم ينظر في ورد عظيم عليه السلام فيقول: من يستطيع ذلك وكان علي عليه السلام إذا حضرت الصلاة يتلون ويرتعد ويقول: جاء وقت الله أمانة الله التي حملها الإنسان فإنه([528]) كان ظلوماً جهولا.

وأما ما ذكرناه من حب المسجد فله في ذلك ما روى، أنه قيل له أيما أحب إليك المسجد أو الجنة؟

 قال: المسجد.

 قيل له: لم!

قال: لأن المسجد موضع مراده مني والجنة موضع مرادي منه، وأنا أوثر مراده على مرادي فأوثر موضع مراده على موضع([529]) مرادي.

فكل هذا يشهد له عليه السلام بالفضل العظيم والحظ الأوفر عند الله [83ب-ب].

وهو الذي أعتق ألف نسمه
أكرم
به من زاهدٍ ما أكرمه
وكان
فيما كان عنه صدقه
 يا حبذا تلك السجايا المشرقه

 

من كسبه ما بين عبد وأمه
على
الذي شرفه وكرمه
مائة
عين في السبيل مطلقه
ثابتة
في الحال ليست مطلقه

إنما أردنا في هذا الموضع طرف من عبادته عليه السلام، وزهده ووجوده طلباً منه لرضى الله تعالى، وتعرضاً لثوابه فمن ذلك ما روى[ ] أهل البيت عليهم السلام أنه أعتق ألف نسمه من كسب يده عليه السلام، وما علم من حاله عليه السلام أخرج مائة عين من الماء ينبع وتصدق بها.

وقد قدمنا أيضاً طرفاً من مثل هذا المعنى في قصة إنفاق الدينار في آية المناجاة، وإطعامه عليه السلام بالليل والنهار سراً وعلانية كما حكى الله تعالى عنه ذلك، وكذلك إطعامه عليه السلام المسكين، واليتيم، والأسير، على صعوبة الحال ومشقة الصيام، ونزول سورة هل أتى في ذلك.

وكذلك مما قدمنا من إنفاقه على أقاربه، وشيعته، ومواليه الذين لا حظ لهم في بيت المال حتى مات وعليه سبعون ألف درهم فقضاها عنه السبط الحسن بن علي عليهم السلام.

وعن أبي هريرة ما تعلم
يسأل
في الآيات وهو يعلم
وقصة
المقداد والدينار

 

فيه وفي الشيخين يا مستفهم
لكنها
إلى المعاش تسلم
من
حمله الإنفاق في الإسرار

وكم لهذا الخضرم الزخار
فأخلف
المهيمن الجليل
ثم
اشتراها بعد ميكائيل

 

من يوم جود في رضا الباري
فباعه
ناقته جبريل
هل
كان فيهم مثل ذا فقولوا

أما ما أضفناه هاهنا إلى أبي هريرة، فنريد بذلك ما روى أبو هريرة أنه كان في المدينة مجاعة، ولم يكن معي طعام مر بي يومي، وليلتي، فأصبحت، وسألت أبا بكر آية أعرف تأويلها، وقد كنت أعرف بها منه، وهو يكلمني إلى باب بيته وودعني وانصرفت جائعاً، وبقيت يومي، وأصبحت وسألت عمر آية عرفت، تأويلها أو قال: كنت أعرف منه بها([530]) إلى باب بيته فودعني إلى يوم([531]) الثالث، جئت إلى علي فسألته آية، والله أنه كان أعلم بها مني فأخذ بيدي إلى باب البيت، فلما أردت أن انصرف قال: ألا تدخل معي الحجرة، فدخلت معه فقال لفاطمة: هل عندك ما يأكل بن عمك، وأبو هريرة قالت: نعم ودخلت البيت، وأخرجت رغيفاً، وسمناً، ولبناً، فكنت آكل وهو ينشر العلم حتى شبعت، وانصرفت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما بصرني ضحك في وجهي، فقال: أنت تحدثني أو أنا أحدثك، فقلت: منك يا رسول الله أحسن فابتداء وقص عليَّ ما جرى إلى آخر ذلك وقال: إن جبريل عليه السلام عرفني.

وأما ما أضفناه هاهنا إلى المقداد إلى آخر ذلك، فنريد به ما روى عنه عليه السلام أنه كان عنده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج ليستدين، فوجد ديناراً، واستقبله مقداد، وكشف حاله أنه جرى عليه وعياله ثلاثة أيام، فأعطاه ذلك الدينار، وقال أنت أولى به، وأخذ يطلب فاستقبله [119ب-أ ] أعرابي، ومعه ناقة فقال: يا أبا الحسن اشتري هذا مني والثمن عليك إلى أن تجد فاشتراها منه، فاستقبله آخر، فطلب منه فباع عليه، وأخذ الثمن، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بحوائجه، فضحك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه، وقال له: [ألا]([532]) أحدثك بما كان منك؟

 قال: بلى يا رسول الله فحدثه، فقال: إن الذي باع الناقة منك جبريل عليه السلام والذي اشتراها ميكائيل وإن الله أكرمك بذلك لما أثرت بذلك أخاك على نفسك، وفي هذا نهاية الجود الذي مدحه الله تعالى بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9].

وله عليه السلام في رؤية الملائكة، ومحادثتهم وإثارهم له بالناقة، وعنه فضل عظيم، وفي رواية أخرى أن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه [184-ج].

قال: يوماً لفاطمة عليهما السلام هل عندك شيء تطعميني، قالت: لا والله يا أبا الحسن ما عندنا منذ ثلاثة أيام إلا ما أوثرك به على نفسي، وعلى ابني.

قال لها: فهلا اعلمتيني.

قالت: إني استحي من ربي في أن أكلفك ما لا تقدر عليه، فخرج من عندها فتحمل ديناراً قرظاً، فتلقاه المقداد في آخر النهار، وقد وضع المقداد كمة على رأسه من شدة الحر فقال له علي عليه السلام: [84أ-ب] ما أخرجك في هذه الساعة وعلى هذا الحال وأراك كالحيران.

قال: خلني ولا تسألني.

قال: لتخبرني.

قال: خلني يا أبا الحسن ولا تكشفني.

قال: يا أخي لا يسعني أن أخليك، ولا يسعك أن تكتمني.

قال: خرجت من منزلي هارباً على وجهي لأني رأيت صبياني يتضاغون جوعاً، فلم يبق لي صبر على ذلك، فأخرج علي عليه السلام الدينار فدفعه إليه.

ثم قال: ما أخرجني إلا ما أخرجك، ثم مضى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلى معه الظهر والعصر والمغرب، ثم خرج النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - وركض علي بن أبي طالب عليه السلام فتبعه علي صلوات الله عليه، فوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على باب المسجد فقال له: هل عندك عشاء.

قال علي عليه السلام: فكرهت أن أقول نعم، وقد علمت أني لم أخلف في منزلي([533]) طعاماً فأستحييت أن أقول لا، فقال لي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: إما أن تقول نعم فنمضي معك، وإما أن تقول لا فنذرك.

قال علي: ألا تمضي يا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – فلما دخل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال: هاتي يا فاطمة ما عندك من الطعام، فأقبلت فاطمة بمائدة عليها طعام طيب لم ير أحسن منه لوناً، ولا طيب منه ريحا، فنظر إليها علي صلوات الله عليه، واشح النظر، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الحسن ما أشح نظرك إلي.

قال: وكيف لا يكون ذلك كذلك، قد قلت أنه لا شي عندك، فقالت: والله ما كذبت، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قد صدقتك، وهذا رزق من الله عز وجل بدل دينارك، فالحمد لله الذي جعلك مثلا لزكريا عليه السلام، وجعلها مثلا لمريم ابنة عمران {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران:37] فانظر كيف جعله النبي مثلا لزكريا[120أ-أ].

وهو الذي أعطى الذي قد اْسمعه
فلم
يكن في جوده أن يمنعه

 

من قوله فاحشة فأوجعه
بل
قام في حاجته فاوسعه

وهو الذي بجوده سار المثل
يا
حبذا المعدود في ذاك العمل

 

كالثوب والقربان والحج الاول
يا
بعدهم عنه فدع هذا الأمل

أما قولنا: وهو الذي أعطى الذي قد أسمعه: فنريد بذلك ما روى[ ]عن عبد الله بن جعفر أن رجلاً شتم علياً عليه السلام، ثم جاءه يسأله حاجة، فقضاها، فعاتبه الصحابة فقال: أنا استحي أن يغلب جهلة علمي وذنبه عفوي وسوأله جودي)).

وهذا في نهاية الجود، وقد أجمعت العترة على أنه عليه السلام كان أجود من المشائخ وإجماعهم حجة كما تقدم، وكفاك في جوده أن الله تعالى جعل كل المؤمنين في القيامة في دعوته بجوده([534]) في الدنيا، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}[الإنسان:5].

ثم بين لمن ذلك فقال: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}[الإنسان:6،7].

ثم بين أنهم الذين يستخرجونها، وهم يوفون بالنذر، وفي هذا([535]) نهاية الجود أنة عليه السلام في الليلة الثالثة جاءه أسير من الكفار، وهو عدو الله وعدو رسوله ودينه، فلما سأله لم يرده على صعوبة الحال التي هم عليها، وشدة الحاجة والجوع([536]) معه، ومع زوجته وسبطية عليهم السلام تقرباً إلى الله، ومحبة لإطعام الطعام، ولما علم بحاجة أمست مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجر نفسه من يهودي على شيء من التمر فعمل له بذلك، ثم حمل التمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفقاته عليه السلام وأعطاه في سبيل الله لا يمكن إحصاؤة[ 185-ج ]هاهنا.

وأما قولنا: وهو الذي بجودة سار المثل: إلى آخر ما ذكرناه في هذا المعنى فإنما أردنا بذلك أنه عليه السلام بجوده يضرب المثل يقال له في الدعاء تقبل الله منك كما قبل توبة آدم، وقربان إبراهيم وحج المصطفى، وصدقه أمير المؤمنين صلوات الله عليهم، إذ كان عليه السلام يقصد بصدقاته التقرب إلى الله تعالى واتباع ما يرضيه فتقبل الله عمله، وأظهر ذلك عنه رضو ان الله عليه.

وكان في الزهد الوحيد الأول
ولا
يحب الجمع والتمول
يقسم
في العباد بالسوية
ويقتضي
حاجته المبغية

 

أخشنهم ملابساً ومأكلاً
لكن
شرى بالعاجل الموجلَ
ولم
يزل يعدل في البرية
كأنه
من جملة الرعية [ 84ب-ب]

أما ما ذكرناه من هذه النكته في زهده -عليه السلام -ورفضه للدنيا وإيثاره الآجلة على العاجلة، وما يتعلق بذلك من حسن سيرته، وصدق طويته، وما يشتمل على هذا الباب من أنواع العبادات، والشمايل المستحسنات فلو ذهبنا إلى شرح ذلك لطالت علينا [في ذلك]([537]) المسالك، ولم نكن لنستدل على الأمور الضرورية -لكنا ننبه أهل القلوب [120ب-أ] التي ختم عليها بخاتم الغفلة ونذكر أهل العقول التي استنارت بنور الله تعالى بذكر طرف من أحواله -عليه السلام-في هذا المقصد فمن ذلك أنه: كان عليه السلام مستعملا لأخشن المعاش وأغلظ الرياش، ولقد قيل له عليه السلام: ما هذا اللباس الذي عليك بهذه الخشونة والغلظ؟

فقال: مالكم ولباسي ذلك أحصن لفرحي، وأولى أن يقتدى بي، ولما عوتب في لباسه! قال: لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، فقال لي: ذرها عنك فذو الأتن لا يرتضيها لبذرعتها، فقلت: أعزب فعند الصباح يحمد القوم السرى، ويتجلى عنهم عبارات الكرى،، والله لو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم، ولتناولت لباب البر في صدور دجاجكم، ولشربت الماء في رقيق زجاجكم، ولكني وجدت الله يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:15،16].

وكان عليه السلام فيما ورد عنه يختم على طعام نفسه، وروى، أنه أخرج رغيفاً يابساً من خبز الشعير، ثم اتكأ عليه حتى كسره، فقيل: مع جودك تختم على خبزك، فقال: ما أفعل ذلك بخلاً، ولكن صبياني يشفقون عليَّ، فيخاطون خبز الشعير بخبز الحنطة، فلا أريد ذلك، فقيل له: إذن تضعف فقال: هيهات أن النابتة بالعرى أصلب عوداً، وأقوى عموداً وأدسم ثمراً، فوالله ما قلعت باب خيبر بقوة غذائية، ولا بقوة جسدانية، ولكن بنفس بنور بارئها مضية، وتأييد من الله قوية، وفيه عليه السلام ورد [ ] إنه اشترى قميصين بثمانية دراهم واحد([538]) بخمسة، وواحد بثلاثة فألبس غلامه ما اشتراه بخمسة.

ولبس ما اشتراه بثلاثة، فنظر فإذا كمه أطول من يده فتقدم إلى السجاد وقال: اقطع هذا، فقطع، فقيل له: تعال حتى يخيط كفته([539]) وعطافة.

قال: إن الامر أقرب من ذلك.

وكان من خطابه للدنيا يا صفراء يا بيضاء غري غيري فقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعيشك حقير، وخطرك يسير، واشترى عليه السلام تمراً من تمار في سكة التمارين بدرهم.

 قالوا: فوزن له، وقال: ناولني([540]) حتى أحمله([541])، فقال: لا يأكله الحسن والحسين عليها السلام ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحمله غلامك، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -يقول: ((من خصف نعله، ورقع ثوبه، وحلب شاتة، وحمل بضاعته إلى أهله فقد برئ من الكبر)).

 وروينا من مسند [ ] بن حنبل رفعه إلى زاذان قال: رأيت([542]) عليا عليه السلام يمسك الشيسوع بيده، ثم يمر في الاسواق فيناول الرجل الشيسع، ويرشد الضال ويعين الحمال على الحمولة[ 186-ج]، ويقرا هذه الآية {تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص: 83]، ثم يقول هذه الآية نزلت في الولاه، وذوي القدرة من الناس.

وروى الاصبغ بن نباتة وأبو مريم الخولاني قال: سمعنا عماراً بصفين يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام: إن الله زينك بزينة لم يزين العباد بشي أحب إلى الله تعالى منها، وهي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا، ولا تنال الدنيا منك شيئا، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فحق علىالله تعالى أن يوقفه يوم القيامة موقف الكذابين.

 وروينا عن الحسن بن علي عليهما السلام قال: لما كان يوم الجمل فتوافقنا فما لبث أهل البصرة أن انهزموا فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا تتبعوا مدبراً، ولا تلفوا على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، فلما أنقضى أمر الناس دخل بيت المال، فرأى فيه البدر من الذهب والفضة، فأنشأ يقول: صلصلي صلصالك، فلست من أمثالك، ثم قسمه من وقته بين الناس بالسوية، ثم رشه، وقال: اشهد لي عند الله أني لم ادخر على المسلمين شيئا.

ومن عجيب ما روى عنه في ذلك الأوان أنه جاءه عبد الرحمن بن ملجم -لعنه الله-عندما وليَّ البصرة، فقال: يا أمير المؤمنين أين حقي من الفى؟ فقال أميرالمؤمنين: هذه خمسمائة درههم حقك، وهذه خمسمائة درهم حقي هبة لك أما أنك قاتلي غير شك، وأنشأ يقول:

أريد حياته ويريد قتلى

 

عذيرك من حليلك من مرادي

وروينا [عن الشعبي، عن جابر]([543]) قال: وجد علي بن أبي طالب درعا له عند نصراني، فأقبل به إلى شريح يحاكمه.

قال: فجاء علي عليه السلام حتى جلس إلى جنب شريح، فقال: هيه ياشريح، لو كان خصمي مسلماً ما جلست إلا معه، ولكنه نصراني، وقد قال -صلى الله عيه وآله وسلم: ((إذا كنتم وإياهم في طريق فصبر، وهم إلى مضايقه، وصغروهم كما صغر الله بهم، من غير أن تطغوا)).

قال علي: هذه الدرع درعي، لم أبع ولم أهب، فقال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين، فقال النصراني: ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح [85أ-ب] إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين هل من بينة!.

قال: فضحك أمير المؤمنين، وقال: أصاب شريح ما لي بينة فقضى بها للنصراني.

قال: فمشى خُطا، ثم رجع، فقال: أمَّا أنا فأشهد أنَّ هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يمشي إلى قاضيه يقضي([544]) عليه أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الدرع والله درعك والله يا أمير المؤمنين، تبعت الجيش، وأنت منطلق إلى صفين، فجررتها من بعيرك الأورق، فقال علي عليه السلام: أما إذا قد([545]) أسلمت فنهبها لك، وحمله على فرس.

قال الشعبي: فأخبرني من رآه يقاتل مع علي الخوارج.

وروينا[ ] بإسناده عن: عبد الملك بن عمر، عن: رجل من ثقيف أن علياً عليه السلام [121ب-أ] استعمله على عكبرا.

قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون، فقال لي بين أيديهم أستوف منهم خراجهم، ولا يجدوا منك رخصة، ولا يجدوا فيك ضعفا، ثم قال([546]): إذا كان عند الظهر فرح إليَّ فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجباً يحجبني دونه، ووجدته جالسا، وعنده قدح، وكوز فيه ماء فدعى بظبية قال قلت في نفسي: لقد أمنني حتى يخرج لذي جوهراً ولا أدري ما فيه.

قال: فإذا عليه الختم فكسر الخمتم، فإذا فيه سويق، فأخرج منه قضيب في القدح وصب عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت: يا أمير المؤمنين بالعراق يصنع هذا طعام العراق أكثر من ذلك.

قال: أما والله ما اختم عليه بخلابة، ولكني أبتاع([547]) قدر ما يكفني، فأخاف أن يفتح فيوضع فيه من غيره، فإنما حفضني لذلك، وأكره أن يدخل [187-ج] جوفي إلا طيب، وإني ما أستطيع أن أقول لك إلا الذي قلت بين أيدهم، لأنهم قوم خدعة، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت، وألا أخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ما أمرك به عزلتك لا تبيعن لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء، ولا صيف، ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم، فإنا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعن لهم دابة يعملون عليها، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو.

قلت: إذا أجيك كما ذهبت.

قال: فإن فعلت: فاتبعت ما أمرني به فرجعت، والله ما بقي درهم إلا وفيته.

وروينا عن جابر مارأيت أزهد في الدنيا من علي بن أبي طالب، ودخل عليه جابر فوعظه، وقال شعراء يعظه فيه:

لا تخضعن لمخلوق على طمع
واسأل
إلهك مما في خزائنه
أما
ترى كل من ترجوا وتأمله
ما
أحسن الجود في الدنيا وفي الدين

 

فإن ذلك نقص منك في الدين
فإنما
الرزق بين الكاف والنون
من
البرية مسكين بن مسكين
وأقبح
البخل فيمن صيغ من طين

وروينا عن عروة بن الزبير قال: كنا جلوسا في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فتذاكرنا أعمال بدر وبيعة الرضو ان، فقال أبوا الدرداء: ألا أخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً، وأشدهم أجتهاداً في العبادة.

قالوا: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب.

قال: فو الله إن كان في جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهة، ثم ابتدر له رجل من الأنصار فقال له: يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد مذ أتيت بها.

قال([548]) أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت، وليقل امرء ما رأى شهدت علياً وقد اعتزل عن مواليه واختفى، ممن يليه فاستتر بفسلان النخل، فافتقدته، فقلت: لحق يمنزلة، فإذا أنا بصوت حزين، ونغمة شجي، وهو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن موبقها([549]) نعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي، وأنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك، فشغلني الصوت فاقتفيت الآثر، فإذا هو علي بعينه، فاستترت منه واحملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والإستغفار والبكاء والبث والشكاء فكان مما ناجى[ 122أ-أ]به ربه قال: إلهي أفكر في عفوك فتهون عليَّ خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليَّ بليلتي، ثم قال: آه إن قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فيقال خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته يرحمة الملا إذا إذن فيه بالندا، ثم قال: آه من نار تنضح الأكباد والكلا، آه من نار نزاعة للشوى، آه من ملهبات لظى.

 قال: ثم أنعم في البكاء فما سمع له حساً ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم بطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته قلم يتحرك فزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب.

 قال: فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: يا ابا الدرداء [ 85ب-ب] لهي والله الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق، فنظر إليَّ وأنا أبكي.

 قال: مما بكائك، فقلت: مما أراه تنزله بنفسك، فقال: يا ابا الدرداء فكيف لو رأيتني وقد دعيت إلى الحساب وأيقن وأهل أهل الجراير بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ، وزبانية أفظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، وقد أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة بين يدي من لا يخفى عليه خافية

 قال أبو الدرداء: ما رأيت لأحد من أصحاب محمد ذلك.

وعن: [ ]الباقر والله إن كان علي ليأكل أكل العبد، ويجلس جلسة العبد، وإن كان ليشتري القميصين السنبلانيين فيخير غلامه خيرهما، ثم يلبس الآخر، فإذا جاوز كمه أصابعه قطعه، فاذا جاز([550]) كفيه حذفه، ولقد وليَّ خمس سنين ما وضع أجراً على أجره، ولا لبنة على لبنة، ولا قطع قطيعاً، ولا أورث [ 188-ج] بيضاء ولا حمراء، وإن كان ليعطي الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله، يأكل خبز الشعير والزيت والخل، وما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى، إلا وأخذ أشدهما على بدنه، ولقد أعتق ألف مملوك من كد يده، وما أطاق عمله أحد من الناس، وإنه كان ليصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وإن أقرب الناس به شبها علي بن الحسين ما أطاق عمله أحد من الناس، وسمع رجل من التابعين أنس بن مالك يقول: إن قوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ}[الزمر:9] الآية نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.

قال: فأتيته لأنظر إلى عبادته فأشهد لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منه جلس في التعقيب إلى أن قام للعشاء الآخرة، ثم دخل منزله فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه، وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس يختصمون، وهو يقضي بينهم إلى أن غابت الشمس فخرجت وأنا أقول أشهد أن هذه الآية نزلت فيه.

وعن بعضهم قال: رأيت علياً قائماً في محرابه قابضاً على لحيته يبكي، ويناجي ربه ويقول: ياحمرى إحمري ويا صفراء اصفري وغري غيري، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها الخبر.

وروى أن معاوية قال: لضرار بن ضمرة صف لي عليا عليه السلام.

قال: اعفني.

قال: والله لتصفه.

قال: كان بعيد المدى، شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا، يتفجر [ 122ب-أ] العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن.

كان([551]) فينا كأحدنا يلبينا إذا ناديناه، ويجيبنا إذا سالناه، ونحن والله مع تقريبه أيانا وقربه منا لا نكاد نكلمة لهيبته، ولا نبتدله لعظمته يعظم أهل الدين، ويحب المساكين لا يطمع القوي في ظلمة ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين. ويقول يادنيا غري غيري إلى تعرضت أم إليَّ تشوقت هيهات هيهات قد([552]) طلقتلك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وخطرك حقير آه من قلة الزاد وبعد السفر، ووحشة الطريق فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن([553]) كان كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار!

قال: كحزن من ذبح واحدها في حجرها، ومن تأمل سيرته عليه السلام علم أنه نسيج وحده في الورع، ولما أشير عليه بتقرير معاوية على ما هو عليه حتى يتقوى أمره قال: وما كنت متخذ المضلين عضدا، ولما استأذن منه طلحة والزبير للعمرة، واشير عليه بمنعهما قال: ما العمرة يريدان ولكني لا أمنعكما أمراً ظاهره طاعة الله تعالى، ولما قيل له في ابن ملجم([554]) قال: لا نقتل غير قاتلنا، فقيل فاحبسه، فقال: ما حدث منه ما يستوجب الحبس، وهو عليه السلام الذي يقول: والله ما كثرت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من أقطارها شبراً، وما أقتات منها إلا كقوت أتان دبره ولهي اهون في عيني من عفطة بقرة، ولقد أخرج عليه السلام سيفه يبيعه ويقول: من يشتري هذا ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته، وكان عليه السلام إذا أخذ عليه جمع اليتامى والمساكين في مسجده، ثم أشترى لهم اللحم والعسل، ويأكل الزيت والعجوة فيا للعجيب ممن تماثل بينه، وبين المشائخ وهو من هذه المنازل العلية بالمحل الباذخ، ولكن طاش الحلم، ورفض العلم، وغلبت الاهواء، وزالت الاراء، وغلبت الحمية، ورانت على القلوب العصبية، فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، حتى لا نكون ممن أعرض عن الدليل، ولا ممن صد عن سواء السبيل بمنه ومشيئته، وتوفيقه ورحمته))، قال:

وقال فيه المصطفى أنت الولي
وكم وكم قال له أنت أخي

 

ومثله أنت الوزير والوصي
فأيهم قال له مثل علي [86أ-ب]

أما ما ذكرناه في هذا الموضع فقد جاءت في معاينة أخبار كثيره عن[ ]رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك ما رويناه بإسناده إلى علي عليه السلام[ 189-ج] عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال([555]): ((يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة وأقرب الخلائق مني يوم القيامة في الموقف، منزلي يواجه منزلك كما يتواجه الأخوين في الله، وأنت الولي والوزير والوصي والخليفة في الأهل والمال وفي المسلمين في كل عيبة)).

وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ((أعطيت تسع خصال ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة [123أ-أ] واثنتان لك وواحدة أخافها عليك فأما الثلاث التي في الدنيا: فإنك وصيي، وخليفتي في أهلي، وقاضي ديني، وأما الثلاث التي في الآخرة: فإني أُعطا لواء الحمد فأجعله في يدك، فآدم وذريته تحت لوائك وتعينني على مفاتيح الجنة وأحكمك في شفاعتي لمن أحببت، وأما الثنتان لك فلن ترجع بعدي كافراً ولا ضالاً، وأما الذي أخاف عليك فغدرة قريش بعدي وجير([556]) العشيرة.

وقد ذكرناه أولاً إلى أن قال فيه أن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، ولما انصرف عليه السلام يوم خيبر وقد فتح عليه عانقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: لولا أن الناس يظنون فيك ما قالت النصارى في المسيح لكنت أقول اليوم فيك من الفضائل([557]) يستشفي بفضل وضوءك ويأخذ تراب قدمك، ولكن كفاك أنك مني وأنا منك إلى أن قال: ((أنت وليي ووصي وقاضي ديني ومنجز وعدي وخليفتي من بعدي وأنك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين)).

وعنه أنه قال: كان لي عشر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أحب أن لي بإحداهن ما طلعت عليه الشمس قال: يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة وأقرب الخلق مني موقفاً يوم القيامة ومنزلي مواجه لمنزلك في الجنة كما يتواجه منزل الأخوين في الدنيا وأنت الوارث والوصي والخليفة في الأهل والمال والمسلمين، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة وليك وليي وولي ولي الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله)).

وروينا بإسناده عن جندب بن عبد الله الأزدي قال: شهدت أبا ذر رضى الله عنه وهو آخذ بحلقة باب الكعبة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لسلمان حين سأله من وصيك؟ فقال: وصيي وأعلم من أخلف بعدي علي بن أبي طالب)) وقد تقدم الخبر في ذكر علمه عليه السلام فذكرناه ثانياً لدلالته على الوصية هاهنا ومن كتاب (المصابيح) للسيد أبي العباس الحسني عليه السلام في حديث موت النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ما رويناه أنه أقبل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- على علي يسأله يناجيه ويناجي الفضل فطالت مناجاته فكان علي عليه السلام يقول: أنه أوصاه، وعلمه ما هو كائن بعده وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، بلغ عني تأويل القرآن وأنت وصيي من أهلي وخليفتي في أمتي من وآلاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني)).

وعن أبي أمامة قال: كنا ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلوساً فجاء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه واتفق من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيام فلما رأى علي جلس فقال يا ابن أبي طالب أتعلم لما جلست؟ فقال: اللهم لا أعلم فقال النبي –صلى الله عليه آله وسلم- ختمت أنا النبيين وختمت أنت الوصيين حقاً على الله لا يقف موسى بن عمران موقفاً إلا وقف معه يوشع بن نون وإني أقف وتوقف، وأسأل وتسأل، فعاد الجواب يا بن أبي طالب، فإنما أنت عضو من أعضائي تزول أينما زلت فقال علي: يا رسول الله فما الذي تبينه لي حتى أهتدي فقال: ((يا علي من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، لقد أخذ([558]) ميثاقي وميثاقك وأهل مودتك وشيعتك إلى يوم القيامة فيكم شفاعتي،[ثم قرأ]([559]): {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الرعد:19] وهم شيعتك يا علي بن أبي طالب فاعلم)).

ورويناه من كتاب: (سلوة العارفين) [190-ج] عن يحيى بن الحسين رواه بإسناده إلى أنس بن مالك قال: كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: ((ليدخلن عليَّ اليوم البيت رجل سيد الأوصياء، وسيد الشهداء وأقرب الناس من النبيين يوم القيامة مجلسا.

قال أنس  فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك اليوم فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ومالي لا أقول هذا فيك يا علي أنت تبرى ذمتي وتحفظ وصيتي وتقضي ديني)).

وعن أبي أمامة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان نائماً في الحجرة فأتاه جبريل عليه السلام في نومه وهو به لطيف خفي، فقال: يا محمد قم فقام عليه السلام، فخرج معه إلى المسجد، فإذا هو بدابة فوق الحمار، ودون الفرس، يقال لها البراق فركبها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم فإذا خطوها مد بصرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا انتهيت إلى الثنية لقيت رجلاً طويلا آدم كثير الشعر يكاد شعره يظهر من بنابه([560])، فقال: السلام عليك يا أخي السلام عليك يا أول السلام يا خاتم النبيين، فقلت: وعليك السلام، فقال: أوصيك بوصيك علي بن أبي طالب خيراً، فلما انتهيت إلى وسط الثنية لقيت رجلاً أبيضاً حسن الشعر صبيح الوجه، فقال: السلام عليك يا أخي، السلام عليك يا ولي أوصيك بوصيك علي بن أبي طالب خيراً، فلما انتهينا [86ب-ب] إلى[بيت المقدس]([561]) لقيت رجلاً أحسن الناس وجهاً وأطولهم قامة وأحسنهم شعرة فقال السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا ولي الله. السلام عليك يا خاتم النبيين، فقلت: وعليك السلام، فقال: أوصيك بوصيك خيراً، أوصيك بوصيك علي بن أبي طالب فإنه أمين الله وأمينك علي الحوض.

قال: فدخلت المسجد فإذا هو ملآن صفوفاً فأذن جبريل عليه السلام وأمرني أن اتقدم فأمَّاتهم، فلما قضينا الصلاة وضع المعراج وهو مكلل بالدر فعرجنا إلى السماء حتى ضرب جبريل باب السماء، فقالوا: من هذا قال: أنا جبريل.

قالوا ومن معك.

قال: محمد  صلى الله عليه وآله وسلم.

قالوا: أو قد بعث؟

قال: نعم.

 قالوا: مرحباً به قدم خير مقدم، فلما دخلنا رفع لنا المعراج إلى السماء الثانية فقرع جبريل الباب، فقالوا من هذا؟.

قال: أنا جبريل.

قالوا: ومن معك؟.

قال: محمد  صلى الله عليه وآله وسلم.

قالوا: مرحباً به أهلا قدم خير مقدم، فلما دخلنا رفع لنا المعراج إلى السماء الثالثة، ولم يزل يرفع لنا المعراج من سماء إلى سماء حتى بلغنا السماء السابعة، فإذا أنا بصوت فانطلقنا نحوه فقال: من هذا معك يا جبريل؟

قال: هذا محمد  صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: مرحباً بك قدمت خير مقدم أبشر بكرامة الله وأوصيك بوصيك خير الأوصياء خيراً علي بن أبي طالب، فإنه أمين الله وأمينك على الحوض، فرفع لنا حجاب من نور فدخلته. فاعتزل جبريل دوني، وسألت ربي فأعطاني ما سألته، وأمرني بأمره، ولم أرد شيئا من ربي إلا أعطانيه[124أ-أ] ثم أوصى إليَّ ربي يوصيني بعلي خيراً، فإنه أميني وأمينك على الحوض، ثم هبطا فقلت: حبيبي من هذا الذي لقينا على أول الثنية([562]).

قال: ذلك أخوك موسى أحب لقاك وسلم عليك وأوصاك بوصيك علي خيراً.

قلت([563]): ومن الذي لقيته في المسجد؟.

قال: ذلك أبوك آدم اشتاق إليك وأحب أن ينظر في وجهك ويوصيك بابنه يوصيك بعلي خيراً.

فقلت: ومن القوم الذين صليت بهم؟.

 قال: أولئك الأنبياء عليهم السلام بعثهم الله لك وأمرهم، فأماتهم كرامة لك يا محمد.

وروينا من كتاب(سلوة العارفين ) ما روى أنه لما أسري بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم -هتف بي في السماوات يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أقر على علي بن أبي طالب مني السلام.

وعن[ ]معاوية بن قرة عن أن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادي من قبل الله عز وجل أين محمد بن عبد الله، فاخرق الصفوف مثل العروس تزف إلى كريمها، فأوقف بي يدي الله عز وجل فيقول: يا محمد إني أتخذتك حبيبا، وأيدتك بعلي بن أبي طالب، وجعلته إمام المؤمنين، فمن أحببته أدنيته من جواري ثم يأمر الله تعالى رضوان أن يزخرف الجنان [191-ج] ويأمر شجرة طوبى أن تحملي الحلي والحلل ثم يؤتى بكرسي من الذهب الأحمر مرصع بالدر والياقوت، فينصب وأقعد عليه، ثم يؤتى بعلي بن أبي طالب تزفه الملائكة صلوات الله عليهم زفاً فيقعد عن يميني، ويؤتى بالحسن والحسين فيقعدان أمامنا([564])، ثم ينادي مناد هذا وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب، ثم يأمر الله شجرة طوبى أن تنشر عليه وعلى محبيه ورقاً في وسطها مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي وصيه براءه له ولشيعته ولمحبيه من النار)).

وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب)).

ويروى عن موسى بن جعفر بن محمد بن علي عليهم السلام قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين والأنصار، ثم قال: ((أيها الناس إني قد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد اشتقت إلى لقاء ربي([565]) واللحوق بإخواني من الأنبياء وإني أعلمكم أني قد أوصيت وصيي ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أمركم شيئاً سدى، ثم قال للناس:اسمعوا وصيتي من آمن بي وصدقني فإني رسول الله فأوصيكم بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق بولايته فإن ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله، فقد أبلغتكم فيبلغ شاهدكم غائبكم، عن علي بن أبي طالب هو العلم فمن قصد دون العلم فقد ضل، ومن تقدمه تقدم إلى النار ومن تأخره تأخر في النار، ومن صد عن العلم يميناً أو شمالاً هلك وغوى)).

وعنه أيضاً عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه([566]) والناس حضور عليه أما والله يا علي ليرجعن أكثرها كفاراً يضرب بعضهم [124ب-أ] رقاب بعض وما بينك وبين ذلك إلا أن يغيب شخصي.

 وروينا من كتب العامة عن الإمام المنصور بالله عليه السلام ما رواه من مسند بن حنبل بإسناده عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان سل النبي من وصيه، فقال سلمان يا رسول من وصيك؟، فقال يا سلمان من كان وصي موسى؟ فقال يوشع بن نون.

قال ووصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب.

 ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] بالإسناد عن البراء قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنو عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة، ويشرب العس فأمر عليا أن يدخل شاة وأدمها، ثم قال: ادخلوا بسم الله فدنى القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعى بقعب من لبن فجرع منه جرعة، ثم قال([567]): اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب -لعنه الله-، فقال: هذا ما سخركم به الرجل فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ فلم يتكلم، ثم دعاهم من الغد على مثل الطعام والشراب، ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: يا بني عبد المطلب أنا النذير إليكم من الله عز وجل، والبشير بما لم يجيء به أحد حياتكم بالدنيا والآخرة فاسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومن يؤاخيني ويؤازرني يكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت القوم، فأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي: أنا فقال: أنت، فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك.

ومن مناقب الفقيه بن المغازلي الشافعي الواسطي في تفسير قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم:1]، بالإسناد عن([568]) بن عباس رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -إذ انقض كوكب فقال -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من أنقض هذا النجم([569]) في منزله فهو الوصي من بعدي[192-ج] فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي بن أبي طالب فقالوا: يا رسول الله غويت في حب علي، فأنزل الله تعالى{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} إلى قوله: {بِالأُفُقِ الأَعْلَى}[النجم:1-7]. تمت روايتنا هاهنا عن المنصور بالله.

وعن الأعمش قال: لما اشتد مرض إبراهيم النخعي قال لخيثمة: أجلسني فلما أجلسه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن علياً وصي رسول الله، و أن حسناً وصي علي، وأن حسيناً وصي الحسن، وأن علي بن الحسين وصي الحسين، وأن محمد بن علي وصي علي بن الحسين، ثم غشى عليه، فلما أفاق قال: هل سمعني أحد؟

قال خيثمة قال: اكتم عني فمات في آخر نهاره.

وعن إبراهيم بن عمر قال: أدركت بمكة شيخاً كبيراً يقول: إن رسول الله صلى [125أ-أ] الله عليه وآله وسلم أوصى إلى علي عليه السلام وأمره أن يقضي دينه وينجز موعده، وأمرني علي عليه السلام أن أصيح في الحج حتى أموت من وعده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده أو([570]) يطلبه يدين فأنا منجزة له.

وقد تقدم أيضاً من الأخبار بلفظ الولي والأخوه والوصي كثير في غير هذا الموضع، وقد ذكر فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: أنه عليه السلام وارثه حيث قال: ((وأنت الوارث))، وما أشبه ذلك فهو الوارثي بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد خالف في ذلك المعتزلة واحتجوا بقول أبي بكر حيث روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه))، وهذا الخبر معارض لكتاب الله تعالى إذ يقول عز قائل: {وورث سليمان داود وآتاه الله الملك وقال الله تعالى حاكيا عن زكريا -عليه السلام {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}[مريم:5،6] كما قدمنا ذكر ذلك أولاً فى ذكر الوراثة، وقد صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حيث روينا عنه الأن قوله ((لكل نبي وصي ووارث وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب)) فأخبر  صلى الله عليه وآله وسلم بأن لكل نبي وصيا ووارثا على وجه العموم مع غير ذلك من الآثار فتطابق على ذلك الكتاب والسنة، وأما كونه -عليه السلام- وصيا لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وخليفةله فقد ذهب مخالفونا إلى أنه ليس بوصي له وقصدوا بهذا القول سلامة أبي بكر من المطاعن فوقعوا في أعطم من ذلك حيث نزهوا أبا بكر، وكذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونسبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنه أخلَّ بما أمر الله به وأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوصية، ولا بد للمخالف هاهنا من أحد قولين: إما أن يقول: أنه وصى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو الأولى إذ الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وإما أن يقول: ليس بوصية أريناه الدلالة من وجوه أحدها: أن العترة مجمعة على أن علياً -عليه السلام- وصي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وإجماعهم حجة كما تقدم، والثاني: شهادة هذه الآثار النبوية المترادفة على معنى واحد المتقدمة وأمثالها وقد أجمعت العترة على صحتها على الجملة وإجماعهم حجة واجبة الإتباع كما تقدم أيضاً، ومما يدلك على صحة أخبار الوصية والخلافة والوراثة، وجه ثالث: وهو أنها لا تزال ترويها الطائفة الكثيرة من الموافقين والمخالفين ولا يطعن فيها أحد ولا يردها حفظة الأحاديث ورواتها مع حرص بني أمية على طمس مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وقتلهم لحفاظ فضائله، ولولا أنها كانت قد بلغت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي زمن الصحابة في الشهرة مبلغاً لم يتهيأ معه كتمانها لما صحت فيها هذه القصة، ووجه رابع: وهو إجماع الأمة على ذلك فإن [193-ج ][125ب-أ] المختلفين فيها إنما اختلفوا في تأويلها، ولهذا لما ذكرها قاضي القضاة، وأبو هاشم وأتباعهم على اجتهادهم في نفي ما يبطل إمامة أبي بكر ويقدح فيها لم يردوها، وإنما حملوها على غير معنى الأمامة، ووجه خامس: وهو أنا نقول له ألست تعلم [87ب-ب] أن الأنبياء المتقدمين كان لهم أوصياء أوصوا إليهم، فأوصى آدم إلى شيث وأوصى شيت إلى نوح، وأوصى إبرانهيم إلى إسماعيل، ثم كذلك إلى موسى، وأوصى موسىإلى يوشع بن نون، ثم كذلك إلى عيسى، وأوصى عيسى إلى شمعون صلوات الله عليهم جميعاً، فيا لله وللمسلين إذا كان الأنبياء المتقدمون قبل محمد عليه وعليه الصلاة والسلام يوصون وقد علموا أن ورائهم أنبياء يبينوا للناس الحق، ويوضحون لهم الهدى، ويأتوهم بالشرائع، ويتولون أمورهم ويكون محمد صلى الله عليه وآله وسلم أشرف الأنبياء وسيدهم، وخاتمهم، وقد أمره الله تعالى أن يقتدي بهداهم حيث قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:90].

وقد كان من هداهم الوصية لاخلاف بين المسلمين في ذلك كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[القصص:51].

قيل يعني وصياً ونبياً بعد وصي، فجرت الوصية من النبيين إلى الوصيين إلى يوم القيامة، وقد علم الله تعالى عبده ورسوله وعلم الناس أنه لا نبي بعده، كيف يبخسه الله حظه من الوصية التي أكرم بها أنبيائه أو كيف يترك صلى الله عليه وآله وسلم نصيبه من هذه المنزلة العلية التي أمر بها أمته وندب إليها أصحابه في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من مات على غير وصية مات ميتة جاهلية))، ومن هي من جملة ألفاظ العموم لصحة دخول الإستثناء على ما دخلت عليه، وصحة الإستثناء تدل على الإستغراق.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((المحروم من حرم نفسه وصيته))، وروينا من كتب العامة[ ]عن الإمام المنصور بالله عليه السلام ما رواه مما يدل على وجوب الوصية من صحيح مسلم بالإسناد عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما حق امرء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ثلاث ليالي إلا ووصيته مكتبوة عنده)).

قال عبد الله بن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال([571]): إلا وعندي وصيتي، وبالإسناد عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما حق امرء مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))، ومن الجمع بين الصحيحين للحميدي في وجوب الوصية الحديث الثامن والستون بعد المائة من المتفق عليه في الصحيحين من مسلم والبخاري من مسند عبد الله بن عمر بالإسناد عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما حق امرء مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))، وأخرجه البخاري من هذا الطريق هكذا، وأخرجه تعليقاً فقال: تابعه محمد بن مسلم عن عمرو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرجه مسلم من حديث الزهري عن سالم عن أبيه[ 126أ-أ] بنحوه إلى أن قال: يبيت ثلاث ليال.

 قال بن عمر: ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي، ولا خلاف بين الأمة في استحباب الوصية لكل ميت، هذا ولولم يوصي عليه الصلاة والسلام ويجعل للأمة بعده من يرجعون إليه ويفزعون إليه لكان قد أخل بما افترض الله عليه وندب أمته إليه فيكون ممن تنتظمه الآية التي يقول فيها: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة:44].

مع أنه ليس بعده صلى الله عليه وآله وسلم نبي ولا وصى على هذا القول الأول([572]) الكاذب يفزع إليه المسلمون، ويعتصم به المؤمنون يا سبحان الله العظيم إذا كان الرسول عليه السلام حكيماً وكان بأمته باراً كريماً رحيماً، وقد قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:128].

وكنتم يا أهل العقول الزاكية والقلوب الواعية توجهون انتقاصكم إلى من مات على غير وصية مع تمكنه من ذلك، وتفضلون من مات من أهل ملته([573]) موصياً عليه ممن ليس بمعصوم، بل من ساير الناس خاصتهم وعامتهم، كيف يكون المعصوم بل النبي الأمي الذي أكمل الله تعالى له دينه [194-ج] ورضي عمله ويقينه يموت على غير وصية إذاً يكون أمره ناقصاً وحقه مبخوساً إن هذا لهو الضلال المبين!

فانظروا رحمكم الله حمل الحمية، وشدة العصبية بهؤلاء القوم على أن نزهوا أبا بكر بجحد أن هذه المنزلة العليه ونفيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكونه بذلك في درجة النقص عن جميع أنبياء الله قبله بل على غيرهم من أولياء الله.

هذا وقد أمرنا تحمل عامة المسلمين وخاصتهم على السلامة فحملوا رسول الله صلى الله عليه الله عليه وآله وسلم على أقبح الوجوه مع أنهم يعلمون أنه عليه السلام كان إذا بعث سرية استخلف عليها ثم يقول: إن قتل فلان فالأمير بعده فلان.

وقد علم صلوات الله عليه وآله أن الناس بعده أحوج إلى ذلك فكيف يدعهم حيارى لا يهتدون [88أ –ب ] حيلة ولا يجدون سبيلا.

 لقد أبعد من قال بهذه المقالة من الناس يا ويلهم ماذا أقدموا عليه، ونسبوه إليه نبراء إلى الله من مقالتهم ونعوذ به من ضلالهم، وربما تجاهل أهل هذا القول فقالوا: إنما لم نستخلفه محاذرة أن يأمرهم بطاعة رجل بعينه فيعصوه فيهلكوا، وهذه الجهالة أخت الأولى أفيرون([574]) أنه عليه السلام يأمر الناس وينهاهم عن أمور لو ترك الأمر بها والنهى عنها لما فسدوا بذلك، ولا وهن دين ولا ضعف حق، ولا قوى باطل، فيقول لهم: استاكوا عرضاً واكتحلوا وتراً ولا تلبسون نعلاً واحده فاذ نمتم فاغلقوا أبوابكم وارخوا ستوركم وأوكوا أسقيتكم واكفئوا صبيانكم وأطفئوا سرجكم إلى غير ذلك من معايير التأديب شفقة على أمته، وكلاية لرعيته، ويهملهم عليه السلام في الأمر المهم الذي يجل قدرة، ويعظم خطره، فيدع الأمر الأعظم الذي لا يقوم دين الله بعده إلا به، ولا يستقر الأمر بعده إلا عليه؛ هذا هو الضلال البعيد[12ب-أ وقد علمنا أنه تعالى أمر الأمم بطاعة أنبيائها وعينهم للأمم، وقد علم تعالى أنه لا يقبل ذلك ويتبعه إلا القليل كما قد وقع ذلك فلم يكن ذلك صار فالله تعالى عن إظهار حججه، وبيناته على ألسنة رسله كذلك هذا الذي نحن فيه من هذه الوصية وتوجيهها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل بعينه فيفزع الناس إليه بعده صلوات الله عليه كما([575]) فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم  خلاف هذه النزهات الساقطة والتعليلات الواهية، ثم إن كان الإختيار لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الحق، ثم خلاه فلقد أخل بأمر عظيم من أمر الله وإن كان قد اختار ذلك كما قد فعل فما كان لهم أن يبدلوا غير خيرة الله وخيرة رسوله، ولئن كانوا اختاروا، ولم يكن ذلك مما شرعه وهو الصحيح لقد أدخلوا في الدين ما ليس منه والعجب كل العجب ممن يقول هذه المقالة كيف كان لرسول الله أن يموت غير مختار لأمته أحد يقوم فيهم مقامه، ويكون أبو بكر أعلم بالشرع وأرحم بالأمة، فيختار لهم عمر بعده أكان ذلك عن وحي من الله أو عن عهد من رسول الله نبؤني بعلم إن كنتم صادقين، لا معول للقوم إلا الإجماع الذي بنوه على غير قاعدة، وسيأتي([576]) الكلام مفصلاً إن شاء الله تعالى.

واعلم أن الأخبار التي احتججنا بها على أنه عليه السلام وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تدل أيضاً على إمامته عليه السلام، ووجه الإحتجاج بها على إمامته هو أن لفظ الوصية متى أطلق من غير تقيد أفادت الوصية التصرف في جميع ما كان يتصرف فيه الموصي، ألا ترى أن القائل: إذا قال: أوصيت إليك أو أنت وصيي أفاد ما ذكرنا من غير تخصيص لبعض ذلك دون بعض يقتضي أن هنالك مخصصاً خص بعض ذلك، فإن لم يكن التخصيص ببعض ما يقال أولى من البعض الآخر فلا يصح قول من قال إنه وصيه في الأموال التي تختصه لأنه تخصيص بغير دلالة، وذلك لا يجوز، ولأنه أيضاً إن أراد أنه[195-ج] وصية في ماله فعند صاحب هذا القول، وعند سائر المعتزلة أنه([577]) ما خلفه لا ملك له فيه بل أمره بزعمهم إلى أبي بكر لأن ما خلفه صدقة، فإن أراد به أنه وصيه على أزواجه، فذلك لا يصح لأنه لا مال له يتصرف فيه عليهنَّ في نفقة عدة أو ميراث، وإنما ذلك إلى أبي بكر عندهم، أو وصيه على ذريته فقد التزم ذلك أبو بكر، وزعم أنه أولى به وهو قولهم، وفاطمة كانت بالغة لا وصية عليها، والحسن والحسين التصرف عليهما، والولاية إلى أبيهما سلام الله عليهم أجمعين كسائر الآباء من غير حاجة، ووصيته صلى الله عليه وآله وسلم وأيضاً ففي بعض الأخبار ينزله منزلة شيث من آدم، ويوشع من موسى عليهم السلام، وكيف يتصور ما قالوه فبان بذلك أنه عام فيدخل([578]) فيه الوصية بالتصرف فيما يختص الأئمة فلا يكون ذلك إلا وهو إمام، فأما لفظ الخليفة فإنه عام يفيد أنه يخلفه في أهل دينه بما كان يتصرف فيه-صلى [127أ-أ] الله عليه وآله وسلم- على مثل الوصية، وقول قاضي القضاة أنه يخلفه في أهله بما يتعلق بهم من الإنفاق فذلك غفلة منه أو إعراض عن التأمل لأنه إن عنى بأهله وأزواجه فلا مال له ينفق منه عند قاضي القضاة بل ماخلفه صدقه على قوله، وقول أبي بكر وعمر فإما أن ينفق عليهن علي عليه السلام من مالهن فذلك إليهن لا إليه وإن عني بأهله فاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فذلك لا يصح لأنه ليس بخليفة عليهم من حيث أن حياطتهم واجبة عليه في الأصل، فبقى أنه أراد الإستخلاف في أمته بما يجب للأئمة عليهم السلام، فأما قوله: قاضي ديني فإن كان بكسر الدال فالمراد به متم لديني بإنفاذه فيعم أحكام الإمامة وغيرها، وإن كان بفتح الدال فإن قضى دينه ليس إلا من ماله أو من بيت المال، وقد ثبت أنه لا مال له عند المخالف، فبقى من بيت المال، وذلك (إلى الأئمة)([579]) الذين [88ب-ب]لهم التصرف في بيت المال، إذا كانوا موجودين، فلوكان أبو بكر إماماً في تلك الحال بعده لم تصح الوصية بذلك إلى علي عليه السلام وذلك قول المخالف.

فأما قول أبي هاشم أن قاضي دِينى -بكسر الدال- إنما يدل على أنه قد حمله من الأحكام الشرعية ما يؤديها دون الإمامة فهو تخصيص بغير دلالة، وذلك لا يجوز وأيضاً فإنه إذا اختاره عليه السلام وصياً بمهماته([580]) ولقضاء دينه واستخلفه على أهله كما قالوا فإن ذلك يدل على أنه عنده أوثق الناس في نفسه وأكثرهم ورعاً في دينه وأخصهم به وأوفاهم بما عهد إليه وأحفظهم لذلك والمأمون عليه فلا يخلو أن يقال جعل عليهم غيره وصياً فيهم، وذلك لا يجوز لإنه يكون غير ناظر في صلاحهم ولا مأمون على حياطتهم بحيث يختار الأصلح، والأوثق لنفسه دونهم، ويولى عليهم في الأمر الأعظم وهو الأمين عليه الصلاة والسلام دون من ولاَّه على حوائجه في خاصته([581]) نفسه، وذلك([582]) لا يجوز على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم -‎، أويقولوا بأنهم اختاروا غيره من غير وصية ولا استخلاف منه وذلك قبيح لأنهم يكونون قد اختاروا لأنفسهم غير ما اختاره-الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم -وعدلوا عمن تسكن إليه نفسه عليه السلام، ويعتمد عليه في أموره ومن هو عنده صلى الله عليه وآله وسلم أعظم أمانه وأوفى بما عَهِد إليه وذلك قبيح، فظهر بذلك أنها تدل على إمامته عليه السلام كيف ما دارت القضيه بحمد الله ومنه[196-ج].

وهل سمعت بحديث مولى
ألم يقل فيه الرسول قولا

 

يوم الغدير والصحيح أولى
لم
يبق للمخالفين حول

أما خبر الغدير فقد روى بطرق مختلفة، وأسانيد كثيرة، وألفاظ مختلفة مترادفة على معنى واحد وأجمع عليه أهل النقل، وبلغ حد التواتر لا إشكال في تواتره، ونحن نذكر هاهنا طرفاً مما رواه مؤالفنا وطرفاً مما رواه المخالفون لنا قي كتبهم، أما مارواه أهل مذهبنا فمن ذلك مارويناه عن النبي -صلىالله عليه وآله وسلم-أنه قال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) وروينا عن البراء بإسناده قال: أقبلت مع رسول الله -صلى عليه وآله سلم- في حجة الوداع فكنا بغدير خم فنودي فينا أن الصلاة جامعة وكشح النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرتين وأخذ بيد علي عليه السلام فقال: ألست أولى بإلمؤمنين من أنفسهم.

قالوا: بلى يارسول الله.

قال([583]): (( هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من واليته وعاد من عاديت)) فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

وروينا عن سلمة بن كهيل بإسناده قال: حدثنا أبو الطفيل أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين مكة والمدينة عن سمرات خمس دوحات عظام فقام تحتهن، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشية يصلي، ثم قام خطيباً فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وقال: ما شاء الله أن يقول ثم قال: ((أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ما اتبعتموهما القرآن، وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولى المؤمنين من أنفسهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فإن علياً مولاه))، وفي حديث آخر بإسناد آخر عن زيد بن أرقم أن رجلاً قال: حَدْثْني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (في) ([584]) ولاية علي لا (يذكره)([585]) غيره إن لم تكن سمعته منه فقال زيد: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم عند الدوحات، وهن في غدير خم يقول: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

قالوا: بلى

قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).

 فقال رجل من القوم: ما يألو أن يرفع بن عمه.

ومن كتاب: (الحياة) لإسحاق بن أحمد بن عبد الباعث رحمة الله عليه ما رواه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - حين نزل عليه قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:3]. الآية، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبة رواها عنه في كتابه منها قوله عليه السلام: ((فاتقوا الله وآمنوا برسوله واسمعوا وأطيعوا (بما)([586]) يأمركم الله سبحانه وأطيعوا من ولاَّكم من بعدي: أيها الناس عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين([587]) من بعدي، ثم قال عليه الصلاة السلام: إن الله تبارك وتعالى كتب عليكم طاعتي وطاعة الخلفاء الراشدين والمهديين([588]) من بعدي من أهل بيتي فريضة واجبة إلى يوم القيامة، فمن تركها جحوداً واستخفافاً بحقها في حياتي وبعد موتي فلا صلاة له، ولا صوم، و لاحج، ولا ولا زكاة إلا أن يتوب، ثم قال: ((لا تكلموا في القرآن برأيكم، ولا تماروا في القدر ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون، ومنها أيضاً ألا وإن لكل نبي سيما يعرف بها أمته يوم القيامة، وسيما أمتي الطهور (وهم)([589]) غر محجلون، وأنا قائم على الحوض، وعلي بن أبي طالب يذود أمم الكفار والمنافقين عن حوضي كما يذود الأعرابي عريبة([590]) الإبل حتى يرفع إليَّ أناس ممن صحبتهم وصحبوني فأعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: والله ما اختلفوا في [89أ-ب] قبلتهم ولا جحدوا وحيهم ولا سجدوا للشمس ولا للقمر، فيقال: ارتدوا على أدبارهم بعدك، ومنه قوله عليه السلام: إن تركوا الأمر إلى علي بعدي ليدخلن الجنة أجمعين، وروينا عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[المائدة:67] نزلت في علي عليه السلام أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه)).

قال الإمام الحاكم رحمه الله تعالى ورضى عنه في كتابه: (تنبيه الغافلين على فضائل الطالبيين) في قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}[المائدة: 3]، المروي عن جماعة المفسرين أن هذه الآية من قوله: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: 3] الآية نزلت يوم عرفة بعد العصر في حجة الواداع سنة عشر والنبي واقف بعرفات.

وروى أنه كان على ناقته العضباء، وروى أنه لم ينزل بعدها شيئ، وعاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده إحدى وثمانين يوماً فلابد  أن يكون ذلكم أمر عظيم منَّ الله على المسلمين به وتمم دينهم ببيانه، ومعلوم أنه تعالى قد شرع جميع الشرائع قبل ذلك فلم يبق إلا أنه أمره أن ينص على علي عليه السلام بالإمامة ويجعله الحجة على خلقه وحفظ دينه، فلما بلغ غدير خم ونزل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ…}[المائدة: 67]الآية في وادي ليس بموضع النزول، ونص عليه وبين شرفه وفضله، وأنه القائم مقامه بعده إذ لا ولد له فبين تعالى أنهم يئسوا من ذلك حيث نص عليه وتم به الشرع والدين، وهذه فضيلة ظاهرة.

قال رحمه الله: والمروي عن جماعة أنها نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}[المائدة:3]، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً بغدير خم وأخذ بيد علي ورفعها حتى رأى بعضهم بياض إبطه، ثم قال: ألست أولى بكم من أنفسكم.

قالوا: اللهم نعم.

فقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام عمر فقال: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصحبت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنشد حساناً أبياتاً أنشدها بعد أن استأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إنشادها وهي:

يناديهم يوم الغدير نبيهم
فقال
فمن مولاكم ونبيكم([591])
إلهك
مولانا وأنت نبينا

 

بخم فاسمع بالرسول مناديا
فقالوا
ولم يبدوا هناك التعاميا
ومالك
منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني
هناك
دعى اللهم وآل وليه

 

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
وكن
للذي عادى علياً معاديا

قال رحمه الله: وحديث الموالاة (وغدير)([592]) خم قد رواه جماعة من الصحابة وتواتر النقل [128ب-أ] به حتى دخل في حد التواتر فرواه زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبد الله، (واختلفت)([593]) ألفاظهم وزاد بعض ونقص بعض.

ففي حديث جابر بن عبد الله، وغيره: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف من حجة الوداع ووافى([594]) الجحفة أمر بسمرات فقممن بدوحات وكان يوماً حاراً ما أتى علينا يوماً أشد منه (في الحر)([595])، و إن أحدنا ليستظل بثوبه ويبل الخرقة فيضعها على رأسه من شدة الحر وأمر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فوضع له شيئاً عالياً فقام عليه(هو)([596]) وعلي ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقام عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

قال جابر: وكنا([597]) أثني عشر ألف رجل، وعن زيد بن أرقم لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -من حجة الوداع ونزل بغدير([598]) خم [198-ج] أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه. فقال أبو الطفيل: قلت لزيد: أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما كان في الدوحات أحد إلا وقد رأه بعينه وسمعه بأذنه وعن أبي الطفيل: أن قوماً [89ب-ب] جاؤا من اليمن إلى علي بن أبي طالب.

فقالوا: يا مولانا.

قال: أنا مولاكم عتاقه.

قالوا: لا نحن قوم من العرب سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه.

قال: فهاجه ذلك فنادى في الناس فاجتمعوا حتى امتلأت الرحبة، فقام فحمد الله وأثنى عليه وصلى علي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: ((أنشد الله من شهد غدير خم إلا قام، ولا يقوم إلا رجل سمع أذناه ووعى قلبه، فقام اثني عشر رجلاً ثمانية من الأنصار ورجلين من قريش، ورجل من خزاعة، والآخر لا أدري ممن هو فقال لهم: اصطفوا فاصطفوا فقال: (هاتوا أما)([599]) سمعتم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قالوا: نشهد أنا أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجة الوداع حتى إذا كنا بغدير خم نزل، ونزلنا وصلينا الظهر معه ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أيها الناس إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني مسئول وإنكم مسئولون فما([600]) أنتم قائلون.

قالوا: نقول اللهم قد بلغت.

قال: اللهم اشهد ثلاث مرات.

ثم قال: أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض سألت الله ذلك لهما فأعطانيه، ثم قال: ((أيها الناس أتعلمون أن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى (بكم من أنفسكم)([601])، قال ذلك: ثلاث مرات.

قلنا: نعم.

قال: وهو آخذ يدك بيده حتى عرفناك باسمك وعرفناك بيدك وهو يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه قال ذلك ثلاث مرات)).

وقد روى غدير خم ابن عباس [129أ-أ وسعد بن أبي وقاص في حديث طويل تمت روايتنا عن الحاكم رحمه الله تعالى.

ومن كتاب( الكامل المنير) قال صاحب الكتاب: وحديث أبي أحمد، قال حدثني من اثق به عن الحكم([602]) بن ظهير عن أبيه، وعبد الله بن حكيم بن جبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -من حجة الوداع أنزل الله عز وجل عليه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67] فخرج مذعوراً نحو المدينة ومعه أصحابه حتى قدم الجحفة، فنزل بغدير خم وبها([603]) أصحابه عن سمرات في البطحاء متقاربات، فنزل تحتها وهي شجرات عظام، فلما نزل القوم وسواهم([604]) أرسل إليهم سبعين رجلاً من العرب والموالي والسودان فبتك شوكتهم([605])، وقمم ما تحتهن ثم أمر بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون، وممن حضر يومئذٍ: علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين ابنا علي، والعباس وولداه عبد الله والفضل، وفيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد([606]) بن زيد بن عمرو بن نفيل، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وعمرو بن العاص، والبرأ بن عازب، وأنس ين مالك، وأبو هريرة، وأبو الحمراء [199-ج] مولى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - وعبد الله بن مسعود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ووجوه قريش، وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عقبي ومهاجري وأنصاري، وغيرهم من بدوي وحضري حتى امتلأ الدوح، وبقى أكثر الناس في الشمس يقي قدميه بردائه من شدة الرمض فصلى صلوات الله عليه وسلم تحتهن ركعات، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((يا أيها الناس إن اللطيف الخبير قد نبأني أنه لم يعش نبي قط إلا نصف عمر النبي الذي يليه من قبله وإني أوشكت أن أدعى فأجيب، وأنتم مسئولون هل أبلغتكم ما أرسلت به إليكم فماذا أنتم قائلون؟ فقالوا: والله لقد أبلغت ونصحت فجزاك الله عنا أفضل ما جزاء نبياً عن أمته فقال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم: ((تشهدون أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله، وأن الجنة حق و أن النار حق وأن البعث بعد الموت حق.

قالوا: نشهد بذلك فرفع يده صلى الله عليه وآله وسلم ثم وضعها على صدره ثم قال: وأنا اشهد بذلك اللهم اشهد، ثم قال: ألا لعن الله من ادعى إلى غير أبيه لعن الله من تولى غير مواليه، ألا ليس لوارث وصية ولا تحل الصدقة لآل محمد، ومن كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار. أيها([607]) الناس ألستم تشهدون أن الله مولاي ومولى المؤمنين وأنا أولى بكم من أنفسكم.

قالوا: بلى نشهد أنك أولى بنا من أنفسنا.

قال: فأخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال: من كنت أولى به من نفسه فهذا علي مولاه اللهم وآل من وآلاه [129ب-أ] وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وأعن من أعانه وانصر من نصره واقتل من قتله واخذل من خذله، ثم أرسل يده فقال رجل من القوم ما يألو ما يرفع محمد بصنيع بن عمه [90أ-ب] فسمعه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فتغير لذلك وجهه، فلما رأى ذلك الرجل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([608]) علم به واشتد عليه أقبل إلى علي عليه السلام فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولى كل مؤمن، ومؤمنة ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بيد علي الثانية فقال: ((يا أيها الناس اسمعوا ما أقول لكم إني فرطكم على الحوض وأنكم واردون عليَّ الحوض حوضاً([609]) ما بين صنعاء إلى إيله فيه كعدد([610]) نجوم السماء قداح([611])، إني مصادفكم على الحوض يوم القيامة، ألا، وإني مسنتقذ رجالاً ويحتلج([612]) دوني آخرون فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال إنهم أحدثوا وغيروا بعدك وإني سائلكم حين تردون عليَّ الحوض عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

قالوا: وما الثقلان يا رسول الله ؟

قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب ما بين السماء والأرض طرف بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، والأصغر منهما عترتي أهل بيتي فقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض فلا تعلموا أهل بيتي فإنهم أعلم منكم ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا، يا أيها الناس أطيعوا قولي واحفظوا وصيتي واطيعوا علياً فإنه أخي ووزيري وخليفتي على أمتي، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني ألا لعن الله من خالف علياً، ثم أرسل يده، فقال: اكتب يا علي بما أوصيتهم به علياً([613]) كتاباً فلما أن كتب وأشهد الله عز وجل رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- بإبلاغهم ذلك اليوم أخذ الكتاب فقال لهم بصوت له عال: أيها الناس هل بلغتكم ما في هذا الكتاب؟

قالوا: اللهم نعم.

قال: اللهم اشهد وكفى بك شهيداً، ثم رفع صوته فقال: [200-ج] أقيلكم!

قالوا: نعوذ بالله ثم بك يا رسول الله من أن تقيلنا ونستقيلك.

فقال: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: ((اللهم اشهد أني قد جعلت علياً علماً يعرف به حزبك عند الفرقة هاك يا علي وناوله الكتاب)).

وروينا بالإسناد عن صفو ان بن يحيى قال: سمعت الصادق: جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: الثامن عشر من ذي الحجة هو عيد([614]) أكبر ما طلعت عليه شمس في يوم أفضل عند الله منه وهو اليوم الذي أكمل الله فيه دينه لخلقه، وأتم عليهم نعمه ورضى لهم الإسلام ديناً، وما بعث الله نبياً إلا أقام وصيه في مثل(ذلك)([615]) اليوم ونصبه علماً لأهل ملته فليشكر الله شيعتنا على ما من عليهم بمعرفة هذا اليوم ونصبه([616]) دون سائر الناس.

قال: قلت: يا ابن رسول الله فما نصنع فيه.

قال: فصومه([617]) فإن صيامه يعدل صيام ستين شهراً أو تحسن فيه إلى نفسك وعيالك وما ملكت يمينك بما قدرت عليه.

وفي مثل ذلك حديث الإسرى قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -: ((لما أسري بي إلى السماء سمعت تحت العرش أن علياً رأية الهدى وحبيب [130أ-أ] من يؤدني بلغ يا محمد ونزل قوله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ}[المائدة:67]، وفي رواية أخرى قال تعالى: وإني لم أبعث نبياً إلا جعلت له وزيرً، وإنك رسول الله وإن علياً وزيرك فكره رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أن يحدث الناس بها لأنهم كانوا قريبي العهد بالجاهلية حتى مضى ستة أيام فنزل: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}[هود:12] فاحتمل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان يوم الثامن، ثم ترل قوله تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ…} الاية رواه ابن عباس رحمه الله تعالى، وبالإسناد الموثوق إلى السيد المؤيد قدس الله روحه بإسناد له رفعه إلى جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يوم الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه.

قال جعفر: سئل عنها والله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((الله مولاي أولى بي من نفسي،وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه لا أمر له معه)).

وروينا بالإسناد عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهراً وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - بيدي علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

قالوا: بلى يا رسول الله.

 قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، وقال عمر: بخ بخ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:3]، وروينا بالإسناد إلى بن عباس رضى الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: في علي عليه السلام: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه)).

وروينا عن أبي إسحاق عن عبد جبير قال: حضرنا علياً عليه السلام ينشد الناس في الرحبة، فقال: انشد من سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، فقام اثنا عشر رجلاً كلهم من أهل بدر فيهم: زيد بن أرقم، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لعلي عليه السلام.

وهذا طرف مما نرويه، فأما ما يرويه غيرنا من المخالفين من([618]) كتبهم في هذا الخبر فنحن نذكر من ذلك ما رويناه عن الإمام المنصور بالله عليه السلام في: ( الرسالة النافعة) ورواه في كتبهم ليتحقق إجماع الكل على روايته.

 قال عليه السلام: ومن مسند بن حنبل رفعه إلى البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - [90ب-ب] في سفره([619]) فنزلنا بغدير خم ونودي فينا الصلاة جامعة وكشح لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد علي فقال: ((ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم!

قالوا: بلى.

قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه.

قالوا: بلى، وأخذ بيد علي عليه السلام، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه)).

 قال: فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن [130ب-أ ] ومؤمنة.

وفي مسنده بإسناده عن ميمون بن عبد الله قال: قال زيد بن أرقم [201-ج] وأنا أسمع نزلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بواد يقال له وادي خم فأمرنا([620]) بالصلاة فصلاها قال: فخطبنا وظلل لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - بثوب على شجر من الشمس، فقال النبي: ((أولستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟

قالوا: بلى.

قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه)).

ومنه يرفعه إلى أبي الطفيل قال: جمع علي عليه السلام الناس في الرحبة، فقال([621]): أنشد بالله كل امرء مسلم سمع رسول الله -صلى الله عليه آله وسلم- يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ثلاثون رجلاً من الناس.

قال أبو نعيم: فقام أناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده، فقال: للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟

قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).

ومثله بغير زيادة رفعه إلى زادان أبي عمير مثله بطريق غير الطريق الأولى رفعه إلى زيد بن أرقم، وقريباً منه رفعه بإسناده يرفعه إلى أبي إسحاق قال: سمَّعت عمر الحديث وزاد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه وانصر من نصره (وأعز من أعزه)([622]) وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه)).

وبإسناده إلى البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع حتى إذا كنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكشح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين شجرتين، فأخذ بيد علي وقال: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

قالوا: بلى يا رسول الله.

 قال: ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟

 قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: هذا مولى من أنا مولاه ((اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه فلقيه عمر، فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة)).

وبالإسناد فيه رفعه إلى أبي ليلى الكندي أنه حدثه قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: ونحن ننتظر جنازة فسأله رجل من القوم يقال له أبا عامر: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).

قال: نعم.

قال أبو ليلى فقلت: لزيد بن أرقم قالها رسول الله!

 قال: نعم قالها أربع مرات.

وبإسناده إلى بريدة الأسلمي قال: غزوت مع علي عليه السلام من أرض اليمن فرأيت فيه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت علي فنقصته([623])، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير، فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم!

قلت([624]): بلى يا رسول الله، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، ومثله بإسناده حديثان إلى أبي بريدة.

ومن تفسير الثعلبي بإسناد في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}[المائدة:67]، فلما نزلت[131أ-أ ] هذه الآية أخذ رسول الله -صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي، وقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، وبإسناده إلى البراء بن عازب قال: لما أقبلنا مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - في حجة الوداع بغدير خم، فنادى أن الصلاة جامعة وكشح للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم - تحت شجرتين، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: ألست أولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه؟

 قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وآل من وآله وعاد من عاداه، فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصحبت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ومثله رفعه إلى ابن عباس بلفظ يقرب من الأول.

ومن تفسير الثعلبي أيضاً في تفسير قوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج:1] قال([625]): سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}[المعارج:1] فيمن نزلت؟

قال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: لما كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي بن أبي طالب صلى الله عليهما، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ناقته حتى أتى الأبطح، فنزل على ناقته وأناخها وعقلها، ثم أتى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- وهو في ملاء من أصحابه، فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك، وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك، ثم لم ترضى بذلك حتى رفعت بضبعي ابن عمك، وفضلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهذا شيئ منك أم من الله تعالى، فقال: والذي لا إله إلا هو أنه من أمر الله فولى الحارث([626]) يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما [91أ-ب] وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}[المعارج:1،2].

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وهذا الخبر كما ترى يدل على أن خبر الغدير وقع في الورود والصدور ليكون جمعاً بين الأخبار، وتصديقاً للآثار، وهذا هو الواجب فيها عند أهل العلم، ومن الجمع بين الصحاح في مناقب علي عليه السلام ذكره رزين العبدري بإسناده من صحيح أبي داود السجستاني، وهو في كتاب السنن، ومن صحيح الترمذي قال: عن أبي سرحة وزيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).

ومن مناقب الفقيه بن المغازلي أبي الحسن الواسطي، الشافعي بإسناد([627]) رفعه إلى الوليد بن صالح عن أبي امراه زيد بن أرقم قال: أقبل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة [131ب-أ]، فأمر بالدوحات فقمم ما تحتهن من شوك ثم نادى الصلاة جامعة، فخرجنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - في يوم شديد الحر إن منا لمن يضع ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الحر، حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بنا الظهر، ثم انصرف إلينا، فقال: الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده ورسوله أما بعد:

أيها الناس فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ما عمر من قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أشرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أفارقكم، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون فهل بلغتكم فماذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد إنك عبد الله ورسوله، قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين جزاك الله عنا خير ما جزا نبياً عن أمته، فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار([628]) حق، وتؤمنون بالكتاب كله؟

 قالوا: بلى.

 قال: أشهد أنكم صدقتم فصدقتموني ألا وإني فرطكم على الحوض، وإنكم تبعي يوشك أن تردوا عليَّ الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما.

قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله ما الثقلان؟

قال: الأكبر منهما كتاب الله سبب [203-ج] طرف بيد الله تعالى وطرف بأيديكم فتمسكوا به، ولا تولوا ولا تضلوا، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير فأعطاني ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدوا، ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتي تدين بأهوائها وتظاهر على نبوتها([629])، وتقتل من قام بالقسط منها، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه قالها ثلاثاً آخر الخطبة)).

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: وهذا أكمل خبر في هذا الباب لأن تفصيله قد ورد في الصحاح ما يختص بأهل البيت عليهم السلام مفرداً، وما يختص بحديث ولاية علي عليه السلام وحده([630]) وسبب ذلك أن الشرح لما طال روى كل إنسان ما حفظ وبعض الروايات أتم من بعض وفيه بإسناده مثله إلا أنه ذكر فضل صيام الثامن عشر من ذي الحجة وقفه على أبي هريرة من صامه كتب له صيام ستين شهراً، والتقرير إذا وقف على الصحابي حمل على التوقيف من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا دليل على عظم خطر هذا اليوم لحسن [132أ-أ ] موقعه في الإسلام بدلالة اتباع الكتاب والعترة، وتقرر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام على الأمة، وفيه زيادة قول عمر: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:3]، وفيه مثله بإسناد رفعه إلى جابر بن عبد الله رفعه بزيادة في أوله أن الناس لما نزلوا بخم تنحوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر علياً عليه السلام فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم وهو متوسد يد علي عليه السلام، فحمد الله وأثناء ثم قال: ((أيها الناس إني قد كرهت تخلفكم عني حتى خيل إليَّ أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني لكن علي بن أبي طالب أنزله الله مني بمنزلتي منه فرضي الله عنه كما أنا عنه راضي، فإنه لا يختار على قربي ومحبتي شيئاً، ثم رفع يده وذكر الخبر قال: فابتدر الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - يبكون ويتضرعون ويقولون: يا رسول الله ما انتحينا عنك إلا كراهية أن نثقل عليك فنعوذ بالله من سخط رسوله فرضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم))، ومثله رفعه إلى اثني عشر رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: ثم سرد الخبر ورفع الحديث[91ب-ب] مفرعاً إلى مائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - منهم العشرة ومتن الحديث فيها واحد ومعناه واحد، وفيه زيادات نافعه في أول الحديث وآخره، وسلك فيه اثنا عشر طريقاً بعضها: يؤدي إلى غير ما أدى([631]) إليه صاحبه من أسماء الرجال المتصلين بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم-، وقد ذكر[ ] محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمس وسبعين طريقاً، أفرد له كتاباً سماه كتاب: (الولاية)، وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير، وأفرد له كتاباً وطرقه من مائة وخمس طرق، ولا شك في بلوغه حد التواتر، وحصول العلم به، ولم يعلم خلافاً ممن يعتد به  من الأمة، وهم فيه بين محتج به ومتأول له إلا أن من يرتكب طريقة البهت ومكابرة العيان تم كلامه عليه السلام، وذكر أبو نعيم الحديث([632]) وهو من أكابر أصحاب الحديث في كتابه الذي استخرجه من كتاب لابن عبد البر المغربي الأندلسي المحدث في تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا}[الزخرف:45] أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء، ثم قال له: سلهم يا محمد على ما بعثتهم؟

قالوا([633]): بعثنا على شهادة [204-ج] أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب، ومن كتاب: ( الكامل المنير) عن البراء بن عازب ما رواه المخالفون لنا عنه([634]) قال: لما نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم أمرهم فكنس له بين نخلتين.

قال: ثم قام فاجتمع الناس فحمد الله وأثناء عليه ثم ذكر ما شا الله أن يذكر ثم دعا بعلي عليه السلام وأخذ بعضده ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى.

 قال: ألست أولى بهم من آبائهم ؟

 قالوا: بلى.

قال: ألست أولى بهم من أمهاتهم؟

قالوا: بلى.

قال: ألست أولى بهم من إخوانهم ؟

قالوا: بلى.

قال: فهذا وليكم من [132ب-أ ] بعدي، اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه.

 قال: فقال عمر بن الخطاب: ليهنك يا ابن أبي طالب أصبحت أو قال: أمسيت ولي كل مسلم.

واعلم أرشدك الله أن الكلام في خبر الغدير تقع في ثلاثة مواضع:

 أحدها: في صحته وثبوته.

والثاني: في بيان دلالته على إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام

والثالث: في بيان الإعتراضات([635]) على ذلك، والجواب عنها.

 أما الموضع الأول: وهو في صحته وثبوته، فاعلم أن هذا الخبر معلوم الصحة ظاهر النقل ولا شك في بلوغه حد التواتر، فأما كونه معلوماً فلا شك فيه عند أهل البصائر والمعرفة فلا([636]) يدفعه أحد، ولا يرده، ولهذا لم تختلف قول البصريين في صحة هذا الخبر وكونه معلوماً، وإنما يختلف المحققون منهم في أنه هل يعلم ضرورة أو استدلالاً ذكر قاضي القضاة أن النظر فيه هل هو معلوم ضرورة، أو استدلالاً، فأما في كونه معلوماً، فلا خلاف بين الشيوخ، ومن أنكر غدير خم لم ينكر الخبر، وإنما أنكر هذا المكان، وقال: بأنه لا يعرف في البادية مكاناً بهذه الصفة فصح الخبر والصحيح فيه ما قاله الإمام المنصور بالله عليه السلام، وغيره من الأئمة والعلماء رحمهم الله تعالى وسلم عليهم من أنه متواتر وأن العلم به ضروري لمكان استفاضته واشتهاره وشدة نقله لكل من عرف الأخبار وبحث عن السير والآثار فهو جار مجرى الأخبار المتعلقة بأصول الشريعة، نحو ما حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم  والصلاة والزكاة وغير ذلك من الأمور التي هي معلومة ظاهرة بين الأمة يؤكد ذلك أن علياً عليه السلام احتج به في قصة الشورى، وقصة الشورى أظهر من أن تخفى، وكان عليه السلام يخطب على المنابر ويذيعه في المحافل، ويستشهد([637]) عليه من سمعه من الصحابة في المواقف الكبيرة، فلولا أنه معلوم بين الناس ما صحت هذه القضايا، وأيضاً فإجماع الصحابة على صحته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإجماعهم حجة فإن قيل: قد أنكرته الخوارج والجاحظ.

قلنا: أما الخوارج فما يستطيع أحد أن يروي عنهم أنهم جحدوه وهذه كتبهم ومقالهم تشهد بخلاف ذلك، وليس خروج الخوارج عنه عليه السلام لشبة تقتضي أنهم يجحدونه ما هو معلوم له، وكيف ذلك وهم كانوا قبل ذلك أهل النصرة له فكيف يجحدون ذلك، وأما الجاحظ فقد ذكره في كتابة: (الزيدية الكبرى)، واحتج به على إمامته، وذلك يعارض ما يروى عنه في كتاب: ( العثمانية)، وعلى أن الإجماع قد سبق الجاحظ على صحة هذا الخبر، وأنه عن رسول الله -صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم- وأن الأمة بين محتج به على إمامته، وبين محتج به على فضيلته، وبين متأول له وطاعن علينا في الإحتجاج به، ولو كان باطلاً في نفسه لما صح ذلك فيه ولكان جحدانه أخف مؤنة وأسهل شأناً من التعسف في تأويله؛ فأما من أنكر غدير خم، فذلك بعيد لأن غدير خم معروف مشهو، ر وللعرب فيه الأشعار الكثيرة، وقد بينا قول حسان بن ثابت([638]) حيث يقول:

يناديهم يوم الغدير نبيهم

 

بخم فاسمع بالرسول مناديا

وقول الكميت:

ويوم الدوح دوح([639]) غدير خم

 

أبان له الولاية لو أطيعا

وقد ذكره أهل اللغة العربية في كتبهم وقالوا: غدير خم موضع [205-ج] بالجحفة شديد [92أ-ب] الوبا يقال أنه لم يولد [133أ –أ ] به أحد فعاش إلى أن يحتلم، إلا أن ينجوا منه والأمر فيه ظاهراً مع أن القدح في مكان الخبر المتواتر، وفي([640]) سببه لا يكون ([641]) فيه، فإنه إنما يرجع إلى متنه فقط، ولو صح أن يدعي بطلان هذا الخبر أو يقع الشك في أنه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما وقع التيقن الكثير([642]) من الأخبار المتواترة فثبت الموضع الأول.

وأما الموضع الثاني: وهو في بيان وجه دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، فاعلم أنه يمكن الإستدلال به عليها من أوجه خمسة:

 أحدها: أن لفظة أولى([643]) وإن كان لها معان كثيرة، وكانت مشتركة بينهما في الأصل فإنه قد كان([644]) غالباً عليها يعرف الإستعمال واحد منها وهو المالك للتصرف، فيجب حملها عليه، وهذا هو معنى الإمامة، وهذا الوجه مبني على أربعة أصول:

أحدها: أن لفظة مولى مشتركة بين معان

والثاني: أن الغالب عليها يعرف الإستعمال هو المالك للتصرف

والثالث: أنه يجب حملها عليه.

والرابع: أن ذلك معنى الإمامة أما الأصل الأول: وهو أن لفظة مولى مشتركة بين معان، فالذي يدل على ذلك أنها مشتركة بين المعتق والمعتق كليهما وابن العم نحوقوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي}[مريم:5]، أي بني العم والناصر نحو قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}[محمد:11] أي ناصرهم ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ}[التحريم:4] يريد ناصره، والأولى الذي هو الأحق نحو قوله: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحديد:15].

 قال أهل التفسير معناه: أولى بكم، ومثله قول لبيد:

قعدت كلا القدحين يحسب أنه

 

مولى المخافة خلفها وإمامها

معناه أولى بالمخافة: يريد أن هذه الظبية تحيرت فما تدري أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها. والمولى الذي تجب موالاته والمالك للتصرف، كما يقال: هذا مولى العبد أي المالك للتصرف عليه، واستعمال لفظة مولى في أصل اللغة في هذه المعاني ظاهر فثبت الأصل الأول.

 وأما الأصل الثاني: وهو أن الغالب عليها بعرف الإستعمال والمالك للتصرف، فالذي يدل على ذلك أن عرف الإستعمال قد حصن هذا المعنى بالغلبة على هذه اللفظة بدليل أنه لا يسبق إلى الإفهام عند إطلاقها شيئ من المعاني سواه فإن القائل إذا قال: هذا مولى القوم فإنه لا يسبق إلى فهم السامع لذلك إلا أنه السيد المالك للتصرف فيهم، وكذلك إذا قال: مولى العبد وذلك ظاهر، والسبق إلى الإفهام يدل على أنه قد صار في الإستيلاء والغلبة بحيث كان اللفظة موضوعة له وحده، فثبت الأصل الثاني.

وأما الأصل الثالث: وهو أنه يجب حملها عليه فالذي يدل على ذلك أن الواجب حمل الكلام على ما هو السابق منه إلى الإفهام لأن الغرض بالكلام هو إفادة المعاني، فما كانت الفائدة فيه أظهر كان أولى بأن يحمل عليه، ولهذا صار حمل الكلام على حقيقته أولى من حمله على مجازه فثبت الأصل الثالث.

 وأما الأصل [133ب-أ] الرابع: وهو أن ذلك معنى الإمامة فالذي يدل على ذلك أن لا نعني بقولنا: فلان إمام إلا أنه يملك التصرف على الكافة في أمور مخصوصة وتنفيذ أحكام معلومة، وهذا الوجه الأول مبني على أن الإشتراك في لفظه أولى([645]) بين المعاني المتقدمة قد صار مرتفعاً عليها بالعرف الغالب عليها في ملك التصرف فثبت الوجه الأول من وجوه دلالة الخبر على إمامته عليه السلام.

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [206-ج] لما قرر ثبوت ولايته على الأمة، ووجوب طاعته بقوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) يريد بذلك قول الله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[الأحزاب:6] عطف على ذلك بقوله: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه))، ومولى تستعمل في اللغة بمعنى: أولى كما تقدم وهو أحد حقائقه، فيجب حمله على أنه -صلى الله عليه وآله وسلم -أراد بذكر مولى ما أراده بذكر أولى، والأولى هو الأحق والأملك، وذلك معنى الإمامة، والكلام في هذا الوجه مبني على أربعة أصول:

أحدها: أن مولى تستعمل بمعنى أولى

والثاني: أنه يجب حمله في الخبر في([646]) هذا المعنى.

والثالث: أن الأولى: هو الأحق والأملك.

والرابع: أن ذلك معنى الإمامة أما الأصل الأول: وهو أن لفظ مولى يستعمل بمعنى أولى فقد تقدم بيانه فثبت الأصل الأول وأما الأصل الثاني: وهو أنه يجب حمله في الخبر على هذا المعنى، فالذي يدل على ذلك أنا متى حملنا لفظة مولى التي في الخبر على أنه عليه السلام أراد بذلك معنى أولى صار الكلام مرتبطاً بعضه بعض فيكون ذلك أكمل للمعنى، وأتم للنظم وأحسن للإتصال، وهذا هو الواجب في كلام العقلاء والذي ينبغي أن يحمل عليه كلام العقل، ألا ترى أن الكلام متى شهد بعضه لبعض كان ذلك أحسن في الأسماع وأوقع في الإفهام وأعرب([647]) في الفصاحة، وأعظم في البلاغة، ولهذا استحسن البلغاء والفصحا من أبيات الشعر ما كان أوله كالمخبر بآخره لأجل الإتصال الشديد، والإرتباط البليغ كما روى أنه لما سمع الفرزدق قول جرير:

لها([648]) برص بأسفل اسكتيها

تلثم قبل تمام البيت، وفهم بأول البيت آخره وهو قوله له:

كعنفقة الفرزدق حين شابا

وعلى هذه الطريقة متى كان لرجل عشرة عبيد، ثم ذكروا واحد منهم ووصفه بحسن الخدمة وجميل العشرة، وقال في آخر كلامه: فأشهدكم أن العبد حر فإن هذا اللفظ يجب حمله على ذلك العبد الذي تقدم ذكره ووصفه وإن كان اللفظ [92ب-ب] مطلقاً يصح لتناوله ولتناول غيره من أولئك العبيد، لكن تقدم ذكره أوجب تقييد مطلقه وعلى هذه الطريقة ثبت تعريف العهد وكان صرف الخطاب إلى المعهود أولى من صرفه إلى الجنس الذي لم يتقدم له ذكر فصارت مقدمة الكلام التي بداء –صلى الله عليه وآله وسلم بذكرها (وآخذاً لإقرار)([649]) الأمة بها من قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم))، ثم عطف عليها بلفظة([650]) تحتملها وتحتمل غيرها دليلاً على أنه لم يردها بها غير المعنى الذي قررهم عليه دون ما عداه من محتملاتها [134أ-أ]، وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه إذ لا يجوز أ ن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ([651]) يحتمله إلا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون ما عداه، ومثال ذلك ما قدمناه في العبد وصفته ثم تعقيب ذلك بعتقه، فإنه إنما انصرف إليه العتق دون غيره من العبيد لمثل هذه العلة فصار كأنه عليه السلام قال:((من كنت (مولاه)([652]) أولى به من نفسه، فعلي أولى به من نفسه)) يزيد ذلك بياناً وتأكيد ما قدمنا روايته عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حين قيل له: ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله يوم الغدير: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وآل من والاه وعاد من عاده فقال جعفر: سئل عنها والله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه([653]) لا أمر له معه)) فثبت الأصل الثاني([654]).

أما الأصل الثالث: وهو أن الأولى: هو الأحق والأملك فالذي يدل على ذلك أن ألفاظ أولى وأحق وأملك مختلفة معناها واحد بدليل أنه لا يصح إثبات بعض ذلك مع نفي البعض الآخر فلا يصح قائل يقول: فلان أولى بالتصرف في هذا العبد وفي هذه الدار، وليس بأحق ولا أملك ولا أن يقول: هو أحق وأملك بالتصرف فيهما، وليس بأولى بذلك بل يعد من قال بذلك مناقضاً جارياً مجرى من يقول هو أحق وأملك وليس بأحق وأملك وهو أولى وليس بأولى إلا أن المناقضة في هذا الكلام الأول في المعنى دون العبارة وفي الكلام الثاني في المعنى والعبارة جميعاً فلولا أن معنى هذه [207-ج] الألفاظ واحد لما كان ذلك متناقضاً في المعنى فثبت الأصل الثالث.

وأما الأصل الرابع: وهو أن ذلك معنى الإمامة فالذي يدل على ذلك ما قدمناه من أنا لا نعني بقولنا: فلان إمام إلا أنه يملك التصرف على الناس فإذا صار أملك من غيره للتصرف في الناس فقد ثبت ما رمناه وزيادة وهذا الوجه الثاني: مبني على أنا نسلم([655]) بثبوت الإشتراك في اللفظ وإنما نقول: إن تقدم التقرير بلفظة أولى في أول الخبر تكون قرينه دالة على تقييد اللفظ المطلق لهذا المعنى دون غيره فثبت الوجه الثاني من وجوه دلالة الخبر على إمامته عليه السلام.

الوجه الثالث: هو أنا نسلم أن لفظة مولى باقية على الإشتراك المتساوى لكنا نفسد أن يريد النبي صلى الله وآله وسلم  بها في ذلك المقام شيئاً من المعاني سوى إثبات ملك التصرف فنقول: إن لفظة مولى وإن كانت مشتركة بين معان فإنه لا يجوز أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المقام شيئاً من المعاني سوى ملك التصرف وملك التصرف هو معنى: الإمامة، وهذا الوجه مبني على ثلاثة أصول:

أحدها: أن اللفظة مشتركة بين معان

والثاني: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز أن يريد بها شيئاً من تلك المعاني سوى ملك التصرف.

والثالث: أن ذلك هو معنى الإمامة، أما الأصل الأول: وهو أن اللفظة مشتركة بين معان فالذي يدل عليه قد تقدم فلا يطول الكلام بإعادته فثبت الأصل الأول.

وأما الأصل الثاني: وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز أن يريد شيئاً من تلك المعاني سوى ملك التصرف فالذي يدل على ذلك أن معاني لفظة مولى منقسمة، فمنها ما يعلم أن ثبوته في حق علي عليه السلام محال وهو أن يكون عليه السلام معتقاً لمن اعتقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث لم يكن عليه السلام مالكاً لمن يملكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز له ما كان يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوطئ وتوابعه والعتق من توابع الملك فما أعتقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أرقائه فالولاء له دون علي عليه السلام كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الولاء لمن أعتق ولا يباع ولا يوهب)) مع أن ثبوت الولاء لهما جميعاً غير صحيح بالإجماع، أو يكون عليه السلام معتقاً من جهة من أعتق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون مولاهما واحد، وذلك لأنه يعلم أن كل واحد منهما حر الأصل معروف النسب أباً وأماً فلا يجوز أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحداً من هاذين المعنيين، ومنها ما يعلم الكافة أنه كان ثابتاً لعلي عليه السلام، وهو ما عدا ملك التصرف نحو القرابة والنصرة والمودة والموالاة في الدين، وغير ذلك، ومثل هذا لا يجوز أن يريده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخطابه[93أ -ب] لكونه معلوماً عندهم سابقاً على خطابه، فلا يجوز أن ينزل بهم في تلك الحال على ما روى من شدة الأمر وحر النهار، ويقوم خطيباً فيهم ليعرفهم شيئاً هم يعرفونه كما لا يجوز أن يقوم فيهم مثل ذلك المقام ليعرفهم أن اسمه علي بن أبي طالب أو أنه رجل عربي أو واحد من قريش كذلك هذا لأن القوم عالمون قبل مقامه ذلك فيهم أن علياً عليه السلام ابن عمه، وقائم بنصرته ومؤثر بمودته([656])، فكيف يجوز أن يريد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من ذلك مع أنه لا ينطق عن الهوى كما حكى الله سبحانه وتعالى ولا يفعل شيئاً إلا لوجه صحيح يستحسن([657]) عند العقلاء، وهل هذا إلا غاية العبث والسفه الذي لا يرتضيه المراهق لنفسه فظلاً عن العقلاء البالغين فكيف بالأنبياء المرسلين فبان بهذا أنه ما أراد به إلا(أن من)([658]) كان يملك التصرف ويكون أولى به من نفسه كما قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[الأحزاب:6] فإن علياً مولاه على معنى: أنه يملك التصرف عليه، فإنه أولى به من نفسه، وهذا يفيد أن يصير أمير المؤمنين عليه السلام بذلك مالكاً للتصرف كافة([659])، وأولى بالخلق كما كان ذلك ثابتاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأيضاً فإنما تهذي به المعتزلة من أنه أراد بذلك بيان موالاة علي عليه السلام ونصرته فقط من الكلام الذي لا يعقل ولا يحل أن يحمل عليه كلام النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- لأنه إنما قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، وهذا لو أفاد الموالاة كما قالوا: لكان المعنى([660]) من كنت أواليه وأنصره لدينه فعلي يواليه ويحبه وينصره لدينه وليس معناه ما أرادوه، وهو أن من تلزمه موالاتي تلزمه [208-ج] موالاة [135أ-أ] علي بن أبي طالب لأنه إنما كان يصح ذلك لو قال: من كان مولى لي فهو مولى لعلي بن أبي طالب فقد ظهر أنهم مالوا عن الحق وسلكوا غير نهج الصواب و([661])عُميت أبصارهم مع أنهم فرسان الكلام حيث راموا أن يجعلوا ثقلاً ثالثاً مع الثقلين، وهيهات بين ذلك بعد المشرقين فثبت الأصل الثاني.

وأما الأصل الثالث: وهو أن ذلك معنى الإمامة فالذي يدل عليه([662]) قد تقدم فلا وجه لإعادته وهذا الوجه الثالث من وجوه دلالة الخبر على إمامته عليه السلام مبني على أنه لا قرينة في الخبر توجب تقييد المطلق لكنا نفسد أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من (هذا المعني)([663]) سواء معنى الإمامة كما قد بيناه فثبت الوجه الثالث من وجوه دلالة الخبر على إمامته عليه السلام.

الوجه الرابع: هو أن نسلم جواز إرادته صلى الله عليه وآله وسلم لكل معني من معاني لفظة مولى التي يصح ثبوتها لأمير المؤمنين فنقول: إن لفظة مولى وإن كانت مشتركة بين معان لكنها يجب حملها على تلك المعاني التي يصح ثبوتها في حق أمير المؤمنين ففي ذلك ما أردناه من ثبوت إمامته فهذا الوجه مبني على ثلاثة أصول:

أحدها: أن هذه اللفظة مشتركة

والثاني: أن يجب حملها على كل ما يصح من المعاني في حق أمير المؤمنين عليه السلام

والثالث: أنه يقتضي ثبوت ما أردناه من إمامته عليه السلام.

أما الأصل الأول: وهو أن اللفظة مشتركة فقد تقدم فثبت الأصل الأول

وأما الأصل الثاني: وهو أنه يجب حملها على كل ما يصح من المعاني في حق أمير المؤمنين عليه السلام فالذي يدل على ذلك أن اللفظة متى كانت حقيقة في جميع هذه المعاني صالحة لتناول كل واحد منها وليس هناك مانع يمنع من حملها على الكل ولا وجه يقتضى ترجيح بعضها على بعض وجب حملها على جميع معانيها إذ لو لم تحمل([664]) على جميع المعاني لأدى ذلك إلى باطلين إما أن لا تحمل على معنى أصلاً وهذا يلحقها بالعبث الذي لا يليق بالحكيم وإما أن تختص بها بعض المعاني دون بعض من غير مخصص فذلك لا يجوز فوجب حملها على جميع المعاني المذكورة سوى المعتق والمعتق لقيام المانع من ذلك وهو ما ذكرناه فيما تقدم فيصير كأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من كنت موداً له وناصراً وقريباً ومالكاً للتصرف فيه وأولى به من نفسه)) فكذلك علي بن أبي طالب فثبت الأصل الثاني

وأما الأصل الثالث: وهو أن ذلك يقتضي ثبوت ما اردناه من إمامته عليه السلام فالذي يدل على ذلك أن ملك التصرف قد دخل تحت هذه المعاني وهو الذي نريد إثباته ونعنيه بالإمامه كما تقدم.

 والوجه الرابع: مبني على أنه لا يجوز أن يريد صلى الله عليه وآله وسلم كل ما يصح من المعاني في حق علي عليه السلام، ولكنا نوجب حمل اللفظة على جميعها كما قدمنا ذلك فثبت الوجه الرابع من وجوه دلالة الخبر.

 الوجه الخامس: أنا لو سلمنا لهم تسليم جدل بطلان ما تقدم لم يكن بد من أن يكون -صلى الله عليه وآله وسلم -أراد إختصاصاً لعلي عليه السلام بأمر لأنثبت في غيره وإلا كان عبثاً وسفهاً، وليس ذلك إلا ثبوت عصمته ووجوب موآلاته ظاهراً وباطناً كما يقوله متكلموا المعتزلة وكبارها، ومتى كان ذلك كان إيمانه وإسلامه وعدالته معلوم، ومتى كان كذلك وهي مظنونة في أبي بكر وقد ثبت أن ذلك من شروط الإمامة عند المخالف لم يجز العدول عن المختص بالمعلوم من [135ب-أ] الشروط إلى المختص بالمظنون منها، كما لا يجوز العدول إلى الظن مع التمكن من  العلم إلى الاجتهاد مع التمكن من النص، وكما لا يجوز العدول إلى التقليد مع التمكن من النظر في معرفة الله تعالى [93ب-ب ] وإدراكها بالنظر في الأدلة والبراهين، هذا مع أن في آخر الخبر ما يدل على عصمته من غير التفات إلى أوله، وهو قوله -صلى الله عليه وآله وسلم[ ]: ((اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره وآخذل من خذله)) فلا([665]) يجوز من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعوا على من عاداه وخذله إلا وهو معلوم أنه معصوم إذ لو كان يجوز أن يكون ممن يأتي بالكبائر لم يجز الدعاء له بذلك على الإطلاق، وإنما يجوز على التقييد ما لم يخرج عن طاعة الله تعالى، وإلا أدى إلى أنه لا يجوز معاداة من عصي الله تعالى وخذلانة، فإذا([666]) ثبت أنها تجب معاداة أعداء الله وخذلانهم صح أن أمير المؤمنين عليه السلام لو جاز أن يكون عدواً لله تعالى ممن([667]) في شيء من حالاته لوجب معاداته وخذلانه، ولو كان كذلك ما جاز الدعاء [209-ج] على معاديه وخاذله، لأنه دعا على أهل الطاعة، وقد وقع الدعا من الرسول -صلوات الله عليه وآله وسلم- على معاديه وخاذله وهو الذي نريد بقولنا أنه معصوم، وهو أنه لا يصير عدو الله باللطف الذي فعله الله له أو علم أنه لا يختار أنه يكون عدواً له عز وجل، ومتى كان آخر الخبر يدل على العصمة لزم ما ذكرناه، فثبت الوجه الخامس من وجوه دلالة الخبر على إمامته.

وأما الموضع الثالث: وهو في بيان الإعتراضات الواردة على ذلك، والجواب عنها فقد اعترض على هذا الخبر من وجوه منها: إن([668]) قيل إن هذه المقدمة التي هي قول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألست أولى بكم من أنفسكم)) ليست في الظهور كنفس الخبر، والجواب عن ذلك أن هذه المقدمة نقلت متصلة بالخبر فالإنكار لها يجري مجرى الإنكار له، ولو شاع ذلك شاغ([669]) مثله في آحاد ألفاظ الخبر بـأن يدعي بأن بعض ألفاظه أظهر من بعض، وذلك لا يصح، وعلى أنه لو ثبت ما قاله المخالف لم يقدح ذلك لأنها إذا صارت معلومة بحيث لم يعرف عن أحد من الأمة مناكرة فيها، صح الإحتجاج بها، ولو قدرنا أن الخبر أظهر منها ومنها إن قيل مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الأولى حسن نظره وإن منزله على نحو قوله  صلى الله عليه وآله وسلم-: ((أنا لكم مثل الوالد فأين ذلك من الأئمة، والجواب عن ذلك أن ما ذكره السائل بعيد لأنا قد بينا أن معنى الأولى هو الأحق والأملك وحققنا دلالة ذلك على الإمامة فلا يصح العدول به عن ظاهره لأنه يكون عدولاً به عما يفيده إلى ما لا يفيده وذلك لا يجوز.

ومنها: إن قيل الأمور التي تختص بها الأئمة ليس شيء منها بموكول إلى الأمة حتى يكون لكل واحد منهم ولاية ويكون عليه السلام أولى بها منهم، ولفظة أفعل تقتضي([670]) ذلك فيجب أن يكون ما أوردوه في معنى يصح فيه الشركة، ويثبت للرسول عليه السلام فيه مزية، وليس إلا على ما يقوله([671]).

والجواب عن ذلك: أن هذا يوجب أن لا يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالناس من أنفسهم في شيء من أحكام الشرع ولا فيما يدعوهم إليه من أمور الدين لأنه لا شركة لهم في ذلك، أو يوجب أن يكون لهم شركة في إثبات الشرائع وتصريف الأمة فيها حتى يكون الرسول أولى منهم بما شاركوه فيه وكلاهما [136أ-أ] باطل لأنه قد ثبت أنه عليه السلام أولى بأمته منها بأنفسها فيما يتعلق بإثبات الشرائع وتصريفهم فيها، وأنهم لا يشاركونه في ذلك بل عليهم الإنقياد لما يصرفهم فيه، ولم يكن ذلك مانعاً من استعمال لفظة: افعل هاهنا، وهو قوله: أولى، بل قد نص الله تعالى على ذلك فقال النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يريد([672]) بياناً أنا نقول الله اكبر معناه: أجل وأعظم، ولم يلزم ها هنا أن تقع المشاركة في العصمة، ثم نريد فيها على غيره منا فكذلك هذا فثبت أنه لا يجب في لفظه أولى أن يقتضي ما قاله من الشركة في الأمر، وعلى أن ذلك لو كان واجبنا فليس من حقه أن يقتضي الإشتراك في كل أمر بل يكفي من ذلك أن يكون لهم على أنفسهم ولاية في أمر ما، وله عليهم ولاية في أمر ما، ثم تكون ولايته عليهم آكد من ولايتهم على أنفسهم لأن ذلك يقتضي الإشتراك في أصل الولاية ولا يوجب الإشتراك في كل أمر يتعلق به الولاية ولا شك أن لكل واحد منهم ولاية عامة على نفسه في جلب منفعة ودفع مضرة.

وله عليه السلام من الولاية عليهم في أمور الدين ما هو أولى مما يثبت لهم على أنفسهم، ويصير ذلك  كالحال في قولنا فلان أغنى أهل البلد، فإن هذا يوجب كونه أكثر مالاً منهم فلا يقتضي ذلك مشاركة لهم في أجناس الأموال بل لو كان يملك الذهب والفضة، وهم يملكون الحبوب والبهائم لصح وصفه بأنه أغنى منهم كذلك ما نحن فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين من أنفسهم، كما قال سبحانه ذلك، وإنما لم يثبت(مشاركة لهم)([673]) في الأمر الذي يتولاه، ثم لو ثبت أن هذا اللفظ يوجب المشاركة في جنس ما يتولاه فإن ذلك قد يصح ثبوته فيما أتى به عليه السلام من الأمور الشرعية التي يتولى منها أمور هي: البلاغة والبيان والأمر والنهي والحث والترغيب [210-ج] وما جرى هذا([674]) المجرى وهم: يتولون التصديق والقبول والعمل بما قال وتصريف أنفسهم من تحت أمره فله في ذلك ولاية عليهم، ولهم أيضاً فيه ولاية على أنفسهم إلا أن ولايته أكبر من ولايتهم لأن ولايته عليه السلام أصل، وولايتهم تابعة فلذلك صح وصفه بأنه أولى بهم من أنفسهم فقد سلمنا للمعترض ما قال، وموضع الإستدلال سليم من المطاعن، ومنها إن قيل أن المولى لا يفيد حكم الإمامة، والجواب عن ذلك: ما قدمناه من أنه يفيد إثبات الإمامة من الوجوه [94أ-ب] الخمسة المتقدمة، ولا يقدح في ذلك أن يكون من جملة معاني مولى النصرة والمودة وقوله عليه السلام: اللهم وآل من وآلاه وعاد من عاداه لا يوجب أن يكون قد أراد بقوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) الموالاة والنصرة فقط، ولا يمنع من إثبات الإمامة على ما تقدم ألا ترى أنه عليه السلام لو صرح بذلك فقال: هذا علي إمامكم((اللهم وآل من والاه وعاد من عاداه لصح الكلام واتصل بعضه ببعض فلم يصح هذا الإعتراض بل بطل، ومنها إن قيل: لم يثبت أن قولنا مولى يفيد أولى على جهة الحقيقة، ولهذا قد يكون أحدنا أولى بامراته، وغيرها، ولا يقال هو مولاه والجواب عنه ما قدمنا ذكره من أن مولى قد يكون بمعنى: أولى، وهو أحد حقائقه كما استشهدنا [136ب-أ ] على ذلك بقوله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ}[الحديد:15] معناه: أولى بكم ويقول لبيد:

مولى المخافة خلفها وأمامها

 على ما بيناه أولاً من أن معناه: أولى بها بل لو قال صاحب الإعتراض أن الأولى هو الأصل في معاني مولى وهو الذي يتفرع إليه لكان ذلك أقرب إلى الصواب لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره والتصرف فيه كان مولاه دون غيره وابن العم لما كان أولى بميراث بن عمه ممن بعد نسبه، وأولى بنصرة ابن عمه من الأجنبي كان مولاه لأجل ذلك والمود لما كان أولى بمودة موده كان مولاه لذلك والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته والعقوبة ممن أعتقه غيره كان مولاه أيضاً لذلك فبان لك في ذلك أن المعترض قد أبعد في دعواه، واتبع في المكابرة هواه، وإنما لم يقبل الواحد منا في امرأته أنه مولاها لأن ذلك يوهم أنه مالكها وأنها مملوكة، وليس إذا امتنعنا من ذلك حذراً من التلبيس، وجب مثله في كل موضع، وعلى (أن)([675]) الإنسان قد يحب امرأته ويعظمها ولا يقال أنه مولاها فما أجاب به صاحب الإعتراض عن ذلك فجوابنا مثله، ومنها: إن قيل: أن الإمام ليس بأولى الأمة في كل شيء بل ربما يكون غيره أولى في كثير من الأمور فالجواب أن مثل ذلك أيضاً ثابت في حق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا تر أن الناس أولى بنكاح نسائهم منه وأولى بطلاقهن، وكذلك فهم أولى بعتق عبيدهم، وهبة أموالهم وبيعها وغير ذلك.

فإن يقدح في كون النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -أولى بهم من أنفسهم كما([676]) نص الله سبحانه على ذلك قدح ذلك في كون الإمام أيضاً، وإن كان لا يقدح في كون النبي أولى لم يقدح في كون الإمام أيضاً أولى والأصل في ذلك أن كونه أولى لا يقتضي المشاركة في كل أمر يتولونه على ما تقدم بيانه بل يكون في ذلك ظهور الرجحان في حق ولايته عليه السلام في الأحكام الشرعية ومثل ذلك قد ثبت للإمام لأنه([677]) أولى منهم بتفيذ الأحكام، والتصرف المختص بالأنبياء عليهم السلام، ومنها إن قيل لو كان الخبر يقتضي ثبوت الإمامة لأقتضاها في الحال لأجل الفا التي هي حرف التعقيب، والجواب عن ذلك: يقتضي ثبوت ذلك في الحال وفي الإستقبال كما ثبت مثل ذلك للرسول –صلى الله عليه وآله وسلم - إلا أنا أخرجنا زمان الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم-بالإجماع أنه لم يكن لأحد أمر معه فبقي ما عداه من الأزمنة دخلاً([678]) تحت مقتضى الخبر فثبت بذلك إمامته عليه السلام بعد زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل إذ ليس هاهنا دليل يقتضي خروجه بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فثبت بذلك أن الخبر يقتضي ثبوت الإمامة في الحال وفي الإستقبال، لولا منع الإجماع في حال حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولسنا نقول بأن الخبر يقتضي ثبوت استحقاقه عليه السلام لهذه المنزلة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيلزمنا اعتراضه إذ لم يكن بنا حاجة إلى القول بذلك حيث أريناه الدلالة في الحال لولا المانع من الإجماع، فأما حمل صاحب الإعتراض [137أ-أ] للخبر على أن المراد به الموآلاة ظاهراً وباطناً على حد ما أثبته([679]) لنفسه، وذلك يفيد عصمة علي عليه السلام، ويقتضي أن باطنه وظاهره مستويان في الإيمان، ووجوب المودة كما ثبت بذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أقوى ما يعتمده المعتزلة في معنى هذا الخبر.

وهذا يفيد لما قدمنا بيانه من دلالة الخبر على إثبات الإمامة فإن هذا الأعتراض لا يرد على الوجه [211-ج] الأول من وجوه دلالة الخبر لأنا بيناه على أن لفظه مولى قد صار المالك للتصرف على الغالب عليها فصار سائر هذه المعاني كالمجاز مع الحقيقة، فلا يجوز صرفها إلى ما ذكره، ولا يرد أيضاً على الوجه الثاني لأنا بيناه على أن هناك قرينة دلت على أن المراد به الأولى وهو قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم))ولا يرد أيضاً على الوجه الرابع لأنا بيناه على حمل اللفظ على جميع معاني مولى التي ثبتت في حق أمير المؤمنين عليه السلام، وما ذكره صاحب الإعتراض داخل تحت ذلك، وإنما يرد هذا الإعتراض على الوجه الثالث الذي أحلنا فيه أن يريد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من [94ب-ب ] المعاني سوى ملك التصرف، (فيقول المعترض)([680]) مراده صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إيجاب مودته باطناً وظاهراً وإفادة القطع على عصمته وهذه مرتبة عظيمة لا علم للناس بها ولا يستحيل أن يقصدها في ذلك المقام.

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يرد إلا إثبات مودته فالمودة على ما يظهر يكفي وجوب موالاة بعض المؤمنين لبعض، فما الموجب للقيام في ذلك المقام على صعوبة الحال وشدة الحر ليحصل أمر غيره من الأمور الحاصلة يقوم مقامه ولا يليق بالنبي -صلى الله عيه وآله وسلم- أن يتكلف أمر شديد لحصول غرض مثله حاصل بغير كلفة فإن الموآلاة على ظاهر الحال تكفي ولا حاجة بالناس إلى أن يقطعوا على باطن علي عليه السلام، كما احتاجوا أن([681]) يقطعوا في ذلك على باطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الحاجة داعية إلى علمهم بطهارة باطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلامة أحواله لمكان أداء الرسالة وقبولها، وهذا المعنى مفقود في غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم فظاهر الموآلاة كاف في حق غيره فقولهم هذا من الكلام الذي هو غير معقول، بل لا يحل حمل كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمنا من حيث أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، وهذا لو أفاد الموآلاة كما قالوا: كان معنى الخبر: من كنت أواليه وأحبه وأنصره لدينه فعلي يواليه ويحبه وينصره لدينه وليس معناه ما أرادوه وهو أن من تلزمة موالاتي تلزمه مولاة علي بل إنما كان يصح ذلك لوكان قال: ((من كان مولى لي فهو مولى لعلي كما قدمنا بيان ذلك فبان أن هذا هذيان من المعتزلة وحمل على أقبح الوجوه لكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفظاً ومعنى.

والوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليم جدل بما([682]) قالوه، فإنا قد أريناهم أنه دلالة لنا على إمامته عليه السلام عند كلامنا في الوجه الخامس من وجوه دلالة الخبر على إمامته عليه السلام فإن ذلك مما يقوى الحجة لنا عليهم [137ب-أ] من حيث أنه إذا ثبت عصمته عليه السلام والقطع على صحة باطنه كان بالإمامة والتصرف في حال الإمامة أولى لأن الأتباع له أتباع للمحق بيقين ومتابعة غيره متابعة على الظن والمصير إلى الظن في ذلك لا يحسن مع إمكان المصير فيه إلى العلم، لأنه مأمون الخيانة فيما يتولاه ظاهراً وباطناً، فالعدول إلى غيره عدول إلى من يجوز عليه العمد والخطأ الذي يؤدي إلى الخروج من الدين بالفسق والكفر، وليس في الصحابة إلا من ليس([683]) هذه حالة غيره عليه السلام، فوجب العدول إليه دونهم ويصير حاله عليه السلام مع غيره من القوم كحال([684]) النص مع الإجتهاد، فكما أنه لا يجوز الإجتهاد مع وجود النص في أحكام الحوادث، كذلك لا يجوز إمامة غيره مع وجوده عليه السلام، فلا يجوز العقد لأبي بكر حينئذٍ، ولا قائل يقول بأن العقد لأبي بكر غير جائز إلا، وقد قال بأن الإمامة لعلي عليه السلام فثبت ما قلنا وصح أنه لا مطعن للمخالف مع الخبر.

 

بحمد الله تعالى تم الجزء الأول من كتاب أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في غرف الجنان آمين.



([1]) وعز إليه في كذا أن يفعل أو يترك.

([2]) ومِن باكٍ لبكائم، حرِجٍ لجزعهم، فحملت نفسي بالصبر...إلخ.

([3]

([4]) لعلها: حبوته، وتنظر في الطبري.

([5]

([6]

([7]

([8]

([9]

([10]) نسخة: وأبي.

([11]) حبة بن جوين العرني:

([12]

([13]

([14]

([15]

([16]) معنى تذامرت حضَّ بعضهم بعضاً.

([17]) وهذا كما ترى في هامش الأم المنقول منها ما لفظه أسماء المذكورة في هذا الموضع ليست بنت عميس وإنما هي أسماء بن زين بن السكن الأنصاري، وأما أسماء بنت عميس فإنها كانت حال زواجة فاطمة عليها السلام في أرض الحبشة مع زوجها جعفر الطيار؛ هاجر بها الهجرة الثانية إلى هنالك فعرف ذلك فإنما هذا وهم من الناقل ذكر ذلك اللتحي في مناقب علي عليه السلام. تمت.

([18]) في هذه الرواية نظر، والضعف بادٍ عليها. تمت تعليق.

([19]) في هذه الرواية والتي قبلها غير صحيحة؛ لأن فاطمة عليها ولدت قبل نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعراج بعد النبوة قطعاً، وكذلك قد ثبت أن فاطمة عليها السلام كانت ترى ما يرى النساء، روي ذلك في مجموع الإمام زيد وأمالي أحمد بن عيسى عليهما السلام، تمت تعليق.

([20]) وفي نسخة: الباقي.

([21]) رواه أبو خالد عن الإمام زيد عليه السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تمت.

([22]) يعني: في فمها.

([23])

([24]) ومنه أيضاً بالإسناد إلى حماد بن سلمة قال: أخبرنا سليم القاضي قال: مطرنا دماً أيام قتل الحسين صلى الله عليه. تمت.

([25]) في نسخة.

([26])

([27]) فقال له أحد الثلاثة: ومن هو سمه؟ قال: هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد المرسلين.

([28]) فائدة: معنى ما يحيل سبيله، أي ما يشيبه، وكل شيء يشيبه شيء فهو محيل.

([29]) الإمام أحمد بن إبراهيم.

([30]) في هذه الرواية نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن ذلك الوقت قد تنبأ، فتنظر، تمت.

([31]) والمراد أن أم سلمة رضي الله عنها داخلة في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أنها داخلة في هل البيت عليهم السلام، وهذا هو المفهوم من الروايات، أفاد ذلك السيد بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رضي الله عنه، تمت.

([32]) النمط: الجماعة من الناس الذين امرهم واحد. تمت.

([33]) في نسخة: العصر.

([34]) هو القصب.

([35]) إمامها، نسخة.

([36]) الحشحشة: أصوات السلاح، والجلبة الصوت.

([37]) أي لا ينام الليل، تمت قاموس.

([38]) كانت قريش إذا رأت السباع قالت: احذر القضم. تمت.

([39]) الذي قتله سيفه.

([40]) النسخة (ب): (وليس ثمة عنوة).

([41]) النسخة (ج): وجعها بعد.

([42]) نسخ (أوج): رواه.

([43]) نسخ (ب،ج): وبه.

([44]) نسخ (ب،ج): على.

([45]) نسخ (ب،ج): آية.

([46]) نسخ (ب،ج): كشف.

([47]) نسخ (أ،ب): باليوم ألوفاً.

([48]) نسخة: عنهم.

([49]) نسخ (ب،ج): بدون القوم، غرة.

([50]) الاهظام: الأرض المطمئنة. تمت.

([51]) نسخة(أ): العالي.

([52]) نسخة (ب، ج): كان.

([53]) نسخة(ج،ب): النفرة.

([54]) نسخة: كانما.

([55]) نسخة (ج): أو هوت.

([56]) نسخة (ب،ج): واعترف.

([57]) نسخة (ب،ج): فارس.

([58]) نسخة: صلى الله عليه.

([59]) نسخة (ج،ب): بدون علي (ع).

([60]) نسخة(ب،ج): تعب.

([61]) نسخة (ب،ج): وخسوف.

([62]) نسخة (ب،ج): عن ظهره.

([63]) نسخة (أ): المقدم.

([64]) نسخة (ب،ج): جرت.

([65]) نسخة(أ): طلبت.

([66]) الدفة: الجنب.

([67]) نسخة (ج): الجنبين.

([68]) نسخة(ب): مع.

([69]) نسخة (ب): لن.

([70]) نسخة (ب): بيعته.

([71]) في المطبوعة: جلا.

([72]) نسخة (ب، ج): أو.

([73]) نسخة (ب،ج): ثم لا.

([74]) المطبوعة: إذ.

([75]) نسخة (ب،ج، والمطبوعة): تجل.

([76]) نسخة (ب،ج، والمطبوعة): لهم.

([77]) نسخة (ب،ج): تحيرنا.

([78]) نسخة (ب،ج): ولم يمض بني بعد.

([79]) نسخة (ب): بالكفر بعد الضلال.

([80]) نسخة (ب،ج): في النار.

([81]) نسخة(ب،ج): عهداً بالوفاء.

([82]) نسخة (ب،ج): الله الحامل للعرش.

([83]) نسخ (ب،ج): وليتم.

([84]) نسخ (ب،ج): بضياء.

([85]) نسخ (ب،ج): والأرض.

([86]) ونورك.

([87]) نسخ (ب،ج): ما.

([88]) بعد قوله: فقد عفا الله عن هؤلاء العفو المذكور هاهنا عنهم المراد به هو أنه عليه السلام لم ينابذهم ويجاهدهم بالسيف مما ظاهراً دليله ما ذكره بعده إذ لا يصح حمله على العفو من خطيئاتهم بحيث لا معصية دليل ذلك ما يوجد من كلامه عليه السلام في هذا الكلام وفي غيره مما تقدم وسيأتي فإنه لو كان مقطوعاً به لقضي بفسقهم بل بكفرهم، ومثل ذلك لا يجوز إطلاقه على من قد عفى الله عنه. تمت.

([89]) نسخ (ب،ج): بهذا.

([90]) نسخة (ب،ج): الفرائض.

([91]) نسخة (ب،ج): وكد.

([92]) نسخة (ب،ج): من برههم.

([93]) نسخة (أ): واجب.

([94]) نسخة(ب،ج): شهر.

([95]) نسخة (ب،ج): الأخرى.

([96]) في نسخة (ب،ج): بدون أما لفظ السؤال فيما تقدم فهو بهذا. تمت.

([97]) في نسخة(ب): الذي.

([98]) في (أ): والعتمة.

([99]) في (ب): الثلثين.

([100]) في (ب،ج): الولي.

([101]) في (أ): وقسمها.

([102]) في (ب،ج): قلنا.

([103]) في (ب،ج): أراني.

([104]) في (ب،ج): وقول عمر.

([105]) في (ب،ج): بخلاف.

([106]) في (ب،ج): لا.

([107]) زيادة في (ب،ج).

([108]) في (ب،ج): زوجي.

([109]) في (ب،ج): هكذا.

([110]) في (ب،ج): أكثر.

([111]) في بعض النسخ أتى بحاشية من غير هذا الكتاب وهي كبيرة.

([112]) بن إسرائيل.

([113]) في (ب،ج): صعيقه.

([114]) في (ب،ج): ما دونه.

([115]) في (ب،ج): فاخبرنا عن.

([116]) في (أ): اجتمعتم.

([117]) هو.

([118]) طبقاً من فوقها وكان من ساج.

([119]) في (ب،ج): رجع.

([120]) في (ب،ج): أن موضعها بعد بسم الله الرحمن الرحيم أراد...إلخ..

([121]) في (ب،ج): بدون.

([122]) في (ب،ج): فأقام.

([123]) في (ب،ج): أحد.

([124]) نسخة (أ،ج): فيها.

([125]) نسخة(ب،ج): بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو عليه السلام الذي لا نوع.

([126]) نسخة نعلمه، ونسخة لعلمه.

([127]) إشكال، وأظنه حمل.

([128]) نسخ: نؤثر.

([129]) نسخ: فدره.

([130]) نسخ: بدون.

([131]) نسخ: فقد.

([132]) نسخة (ب،ج): لا زيادة، ونسخة (أ): لا زيارة. تمت.

([133]) نسخة (أ): بزيادة.

([134]) نسخة(ب): أبدى.

([135]) نسخ: للخلق.

([136]) في نسخة (ب): كتفت.

([137]) في نسخة(أ): سهوات.

([138]) في نسخة (أ): الأدلة.

([139]) في نسخ: إذ.

([140]) في نسخة (أ): حض.

([141]) في نسخ: بدون يعلم.

([142]) نسخ: غابت.

([143]) في نسخة (ب،ج): غزو.

([144]) في نسخة (ب،ج، والمطبوعة): بسهمه.

([145]) نسخ: وما.

([146]) نسخ: معجز.

([147]) في نسخة (ب،ج): ولن يفعل.

([148]) نسخ: بدون.

([149]) في نسخة (ب): بينا.

([150]) الشدق جانب الفم.

([151]) دقيق يخلط بلحم أو شحم يقطع قطعاً صغاراً ثم يغلى بماء، ثم إذا نضج ذر عليه الدقيق، ذكر معناه في القاموس. تمت.

([152])

([153]) تأنيث النُّحام وهو طير أحمر على خلق الأوز، تمت قاموس.

([154]) في نسخة (ب،ج): أخرجتك.

([155]) في نسخة (ب): بأحد قبلي.

([156]) في نسخة (ب،ج): فقال.

([157]) في نسخة (ب،ج): من.

([158]) في نسخة(ب،ج): صف.

([159]) نسخ: صف.

([160]) نسخ: صف.

([161]) نسخ عن، ونسخ: من.

([162]) في نسخة (أ): ليفتخران.

([163]) في نسخة (أ): ليفتخران.

([164]) نسخ: لم يصعدا له.

([165]) في نسخة(ب،ج): معاذ بن شعبة.

([166]) في نسخة(ب،ج): قد اشتغل.

([167]) المطبوعة: فليعلم.

([168]) في نسخة(ب،ج): وقال.

([169]) في نسخة(ب): لا يزول.

([170]) في نسخ: محاب.

([171]) العِلْجُ: بوزن العِجْل الواحد من كفار العجم.

([172]) في نسخة(ب،ج): من آذى علياً.

([173]) في نسخة (ب،ج): بدون إني.

([174]) في نسخة (أ): بدون هذا.

([175]) في نسخة(ب،ج): عابداً.

([176]) في نسخة (ب،ج): بدون عامر.

([177]) في نسخة (ب،ج): كبير.

([178]) في نسخة (ب): والحسن والحسين.

([179]) حدد إلي النظر حتى إذا جلست.

([180]) المطبوعة: سمعتم.

([181]) في نسخة(ب،ج): أكبه.

([182]) في نسخة( ب،ج): وولَّى.

([183]) في المطبوعة: والعلي.

([184]) في نسخ: تجد، ونسخ: يجد.

([185]) في نسخة (ب،ج): وهذا.

([186]) في نسخة (أ): قالوا.

([187]) نسخة (أ): بريئته.

([188]) في المطبوعة: نور.

([189]) في نسخة (ب،ج): بدون يوماً.

([190]) في نسخة(ب): عبد الله.

([191]) في نسخة (ب،ج): من الناس.

([192]) إلى الطاعات... فلذلك استقرض وتصدق ليفعل ما أمر الله تعالى به، فأطاع وعى غيره ولم يزل كذلك في جميع الطاعات، وفي هذا...إلخ.

([193]) في نسخة (ب،ج): وأنا والله أبسط.

([194]) نسخ: فقتل.

([195]) نسخ: إلى.

([196]) نسخ: على.

([197]) نسخ: فاستخف.

([198]) نسخ: الآيات.

([199]) نسخ: يعاتب.

([200]) نسخ: قال.

([201]) زيادة في (ب، ج).

([202]) رأيتني ذات يوم وقد جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في منزل أم سلمة، وجاء الحسن على فخذه اليمنى وقبله وبعده، وجاء الحسين.

([203]) في نسخة (ب،ج): غديه.

([204]) في نسخ (ب،ج): فاجتبذ.

([205]) في نسخة (ب،ج): في الجزء الرابع منه، وفي صحيح مسلم في الجزء الرابع منه أيضاً على حد كراسين.

([206]) في نسخة (ب،ج): فجلسوا.

([207]) في نسخة(ب،ج): رأيت.

([208]) نسخ: إلى.

([209]) في نسخة (ب،ج): لي.

([210]) في نسخة (ب،ج): ويمتنع.

([211]) في نسخة(ب): طال.

([212]) في نسخ: بدون عنه.

([213]) نسخ: أخرى.

([214]) في نسخ (ب): بأرتاج، وفي نسخة (ج): بأرناح.

([215]) في نسخة (ب،ج): قال أبو المفضل.

([216]) نسخ المدري، وعليه حاشية أنه المدني.

([217]) نسخ: من.

([218]) في نسخة (ب): وخلطائهم.

([219]) نسخ: بن مرة.

([220]) في(أ): الحِطيّة  المجربة. وفي (ب،ج): الخطة المجربة.

([221]) في (ب،ج): أمورهم.

([222]) في (ب،ج): غضباً.

([223]) في (ب،ج): رأى ذلك.

([224]) نسخ وهي.

([225]) في (ب): ولوكن، وفي (ج): ونركن.

([226]) نسخ: أفضيت.

([227]) في (ب،ج): لاهك لا والله.

([228]) في (ب،ج): كالحم.

([229]) نسخ: جهير.

([230]) في (ب،ج): الآلهة.

([231]) في (ب،ج): لجهير.

([232]) في (ب): الواجات.

([233]) في (ب): لحم.

([234]) في (ب،ج): تصطلموا.

([235]) في (أ،ج): فأخبرهم.

([236]) في (ب،ج): نقد.

([237]) في (ب،ج): ظللت.

([238]) في (ب،ج): يخلط.

([239]) في (ب،ج): وائتمر.

([240]) في (ج): ومن تحداه.

([241]) نسخ: عليهم.

([242]) فإن.

([243]) نسخ: وآرائكم العاملة.

([244]) في (أ): احترجت.

([245]) نسخ: ولا.

([246]) في (أ): المتعقبان، وفي (ب،ج): المعتقبان.

([247]) في (ب،ج): وما أنا.

([248]) في (ب،ج): وأخبرهم أني أنا.

([249]) في (ب،ج): ونزلت.

([250]) من خلف من الزمان.

([251]) في (ج): على قومه.

([252]) في (أ،ج): بمصون، وفي (ب): لمصون.

([253]) في (ج): يا حارثة.

([254]) في (ب،ج): من دينك.

([255]) في (أ): مَنْ لأدَرَكَ.

([256]) في (ج،ب): تهدف.

([257]) نسخ: أطلكما.

([258]) نسخ: الونية.

([259]) نسخ: لله.

([260]) في (ج): بها.

([261]) في (ب): نبيين.

([262]) نسخ: ذكرى.

([263]) يعني ربكم وربكم.

([264]) في (أ): ونُكِبُوا.

([265]) في (ب): بينهم من ذلك.

([266]) في (ب،ج): من أهل.

([267]) في (أ): وفده معه.

([268]) في (ب): ما كان ماؤها، وفي (ج): منها ما كان، وفي (أ): منهما.

([269]) في (ب،ج): فما اشتكوها.

([270]) في (ب،ج): معذوذبة.

([271]) في (ج): يشمت بك.

([272]) في (ب،ج): والحق والباطل بأشد بياناً وتفاوتاً مما بين هذين الرجلين.

([273]) في (ج): أو.

([274]) نسخ: بدون مسيلمة.

([275]) نسخ بدون هو.

([276]) في (ب،ج): أخو بني.

([277]) في (ج): لي.

([278]) في (ج،ب): بر في نقل قومه، وفي (أ): ترقى نقل قومه من عبادة.

([279]) في (ج): من.

([280]) في (أ): يهتدون.

([281]) في (أ): أنا.

([282]) في (ب،ج): قال حارثة: أتعلم أنت أبا قرة أن محمداً رسول من ربه إلى قومه خاصة؟ قال: أجل، قال: أتشهد له بذلك؟ قال:....

([283]) في (ب،ج): ينكت.

([284]) في (ب،ج): له.

([285]) في (ب،ج): وما لم يزل.

([286]) في (ب): يُرفع.

([287]) في (ب): نِسان.

([288]) في (ج): ملك.

([289]) في (ب،ج): فرقا.

([290]) في (ب،ج): ترى.

([291]) في (ج): بحمد الله.

([292]) في (أ): يحاير. وفي (ب،ج): تغابن.

([293]) نسخ: قد.

([294]) في (ب،ج): التي.

([295]) في (ب): وجاوزتنا.

([296]) في (ب،ج): وإلى ذلك.

([297])  في (أ): نبئ، وفي (ب،ج): أنباء.

([298]) في (ب، ج): يستأثره.

([299]) في (أ): في التفسير به.

([300]) في (ب،ج): وتعثوا.

([301]) في (ب،ج): ويدبر.

([302]) في نسخ بدون الواو.

([303]) في (ب): العليم.

([304]) في (ب): وبما ألم.

([305]) في (ب،ج): تزيل، وفي (أ): تنزيل.

([306]) في (أ): يُرد فيهم ويجرجاة طغام، وفي (ب،ج): ويرد فيهم أجراجه.

([307]) في (ب): إنها.

([308]) في (ب): لا.

([309]) في نسخ: والخصام.

([310]) في (ب): وما أنا ذا أكثر عليك.

([311]) في (ب): قليطاً بالرحمن يا مسيح الله.

([312]) في (ب): وخبت.

([313]) في (ب): مقطع.

([314]) في (أ): استدتما، وفي (ب): اشتددتما.

([315]) في (ب): إنك ما.

([316]) في (أ): تجسنا، وفي (ب): تجسسنا.

([317]) ولرأينا الذي نذكره.

([318]) في نسخ: قد.

([319]) في (أ):المحتفظة، وفي (ب): المستحفظة.

([320]) في نسخ: ولما.

([321]) في نسخ: وحدكما.

([322]) في نسخ: منَّا.

([323]) في نسخ: أهلك.

([324]) في (ب،ج): هذه بشرت.

([325]) في نسخ: فجذلوا.

([326]) في (ب): وبرى.

([327]) في (أ،ب): وجونا.

([328]) في (أ): نأتم، وفي (ب،ج): نأيتم.

([329]) في نسخ بدون.

([330]) في (ب): أجمعين.

([331]) في (أ): وأجدر أن يقبل حينئذٍ ذلك، وفي (ب،ج): وأجدر حينئذٍ أن يقبل ذلك.

([332]) في (أ): يكلف.

([333]) في (ب،ج): بمن.

([334]) في (ب): يا متقلبة.

([335]) في (أ): المضطربي.

([336]) في (ب، ج): سمه.

([337]) في (ب،ج): خلقتهما.

([338]) في نسخ: فظهر.

([339]) في (أ): أياسه، وفي (ب): ياسه.

([340]) في نسخ: شيثاً.

([341]) في نسخ: شيث.

([342]) في (ب،ج): وستر.

([343]) في (ب،ج): بدون أن.

([344]) في نسخ: له.

([345]) في (ب،ج): وأفضى.

([346]) في (أ،ج): بالتاء.

([347]) زيادة في (ب).

([348]) في (ب): شوقت.

([349]) في (ب): بذلتها.

([350]) زيادة في (أ).

([351]) في (ب): إقراراً.

([352]) في (ب): فما تمتري.

([353]) في (ب،ج): يأتي ويخلد بعد.

([354]) في (ب،ج): لظهرة.

([355]) في (أ): أن يتمالك، وفي (ب،ج): يتماسك.

([356]) في (ب،ج): وامعانهم.

([357]) في (ب،ج): الرأي.

([358]) في (ب،ج): ومستحب.

([359]) في (أ): يستنيران، وفي (ب،ج): يستثيران.

([360]) في (ب،ج): مكنون.

([361]) في (ب،ج): تأذنت.

([362]) في (ب): بسعة.

([363]) في (ب،ج): وأعلنت.

([364]) في (أ): لعلمي، وفي (ب): بعلمي.

([365]) في (ب،ج): تحلتهما.

([366]) في نسخ: الله أن.

([367]) في (ب): بدون وكالسيل.

([368]) في (ب): بعلمي.

([369]) في (ب): لا يجازى.

([370]) في (ب): إنني.

([371]) في (ب): الغيب.

([372]) في (أ): الفيتان العظمتان، وفي (ب،ج): الثنيتان العظيمتان.

([373]) في (ب): فيها.

([374]) في (ب): بعضها.

([375]) في (ب): واثلة.

([376]) في (أ): شونه، وفي (ب،ج): سوسه.

([377]) في (ب،ج): ولم نجد نحن وهم.

([378]) في (ب): من بلاءٍ.

([379]) في (ب): تعدمنا.

([380]) في (ب): غرسنا.

([381]) في (ب،ج): فأحب.

([382]) في (ب،ج): فارحمهما.

([383]) في (أ): ولا تستبطهما وعج، وفي (ج): ولا تسبتطهما وعج.

([384]) في (ج): شيث.

([385]) في (أ): إله، وفي نسخ: أُولُه.

([386]) في (ب،ج): أكان الأمر كذا وكذا (فقط) بدون صخرة.

([387]) في (ب): فسألته.

([388]) في (ب،ج): دعى.

([389]) في (ب،ج): ستعرضون.

([390]) في (أ): ينتكل.

([391]) في (ب): بزيادة ويذهبوا عن.

([392]) في (ج): أمير المؤمنين.

([393]) في (أ،ج): ورققت. وفي (ب): ووقفت.

([394]) في (ب): إنهم ضالتك، وفي (ج): فإنهم لهم ضالتك.

([395]) في (ب): عادا بي.

([396]) في (ب،ج): إلى.

([397]) في (ب): مثلاته.

([398]) في (ب): الأمن.

([399]) في نسخ: من.

([400]) في (أ): من يد.

([401]) في (ب،ج): وصفته.

([402]) في (ب،ج): له.

([403]) في (ج): أبيه.

([404]) في نسخ: ولدي.

([405]) في (أ): وإني، وفي (ب): إني.

([406]) في (ب): بملائكتي وجنودي.

([407]) في (ب): محمد.

([408]) في (ب،ج): بزيادة فنن.

([409]) في (ب): نعت.

([410]) في (ج): هشام.

([411]) في (ب،ج: يقدح.

([412]) في (أ): التفت سالفتاه، وفي (ب،ج): التقت سالفتاه.

([413]) في (ب): بذلك من اللسان، وفي (ج): بذلم من الشان.

([414]) في (ب): لي منه، وفي (أ): ما عرض في منه.

([415])  في (ب،ج): ورفع.

([416]) في (ب): بزيادة: {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}.

([417]) في (ب): لا يوجد به.

([418]) في (ب،ج): في الحال والخبر معه.

([419]) زيادة في (ب).

([420]) في (أ): انبئهم.

([421]) في (ب،ج): إليه.

([422]) في (ب): فلذلك.

([423]) في (ب): بزيادة.

([424]) في (ب): تأويلهما، وفي (ج): تأويلها.

([425]) في (ب): ويحكم.

([426]) في (ب،ج): قنوم.

([427]) في (ب،ج): وقنوم.

([428]) في (أ): الهيمانوت.

([429]) في (أ): أيسوع.

([430]) في (ب): بزيادة من إله حق.

([431]) في (ب): وستسير.

([432]) في (ب): إليهم.

([433]) في (ب): إن يريد.

([434]) في (ب): فأطاعته.

([435]) في (ب،ج): إلى المباهلة.

([436]) في نسخ: فأقبل.

([437]) في (ب،ج): وبالمتبتلين.

([438]) لأن مريم هي من النصارى ترك الملاذ منها النكاح هذا ما أراد. تمت.

([439]) في نسخ: أو تخلف.

([440]) في (أ): ما.

([441]) في (ب): تسري.

([442]) في (ب): من.

([443]) في (ب): فألفوا وهم.

([444]) في (ب): ولممهم.

([445]) في (أ): ثلثه.

([446]) في (ب): أخبرنا.

([447]) في (ب): قالوا.

([448]) في (ب): أبكافه.

([449]) في (ب): التخشع.

([450]) وشارتهم.

([451]) في (ب،ج): منع.

([452]) في (ب): فاصفارت.

([453]) وفي (أ): لوهما.

([454]) في (ب): الكتب.

([455]) في (أ): بنعته.

([456]) في (أ): اسلنطح.

([457]) في (ب): قلتما.

([458]) في نسخ: عفره.

([459]) في (ب): الشرج الفرقة، أي فريقين، وفي (ج): الشريجان لونان مختلفان من كل شيء. تمت.

([460]) في (ب،ج): بالتروية.

([461]) في (ب): سداقته.

([462]) في (ب): بشكر.

([463]) في (ب): بدون الألف.

([464]) في (ب): وينتحي.

([465]) في (ج): بدون كلمة عمي.

([466]) في (ب): أو أنافره.

([467]) في نسخ: قال.

([468]) في (ب،ج): ألهضني، وفي نسخ: أبهضني.

([469]) في (أ): فلا بدعا، وفي (ب،ج): فلا ترعيا.

([470]) في (ج): ليتبخس.

([471]) في (ب): أعيا.

([472]) في (ب): بعذابه.

([473]) في (ج): لحدثني. وفي نسخ: بحديثي.

([474]) في (ب،ج): بخم.

([475]) في نسخ: فأجهست.

([476]) في (ب): إذا.

([477]) في (ب،ج): التعبان أو مثله.

([478]) في نسخ: فدخل.

([479]) في نسخ: ويجعل.

([480]) في (ب): في.

([481]) في (ب): وهو.

([482]) نسخ: وضينها.

([483]) في (ب): يا باكعب.

([484]) قال.

([485]) في (أ): ثم تبرأ، وفي (ب): فتبرأ، وفي (ج): فنزل.

([486]) في نسخ: فقال.

([487]) في نسخ: فمتى.

([488]) في نسخ: بدون إلى.

([489]) في نسخ: خرج.

([490]) في (ج): بدون.

([491]) في (ب،ج): الذهب.

([492]) في (أ): مرة.

([493]) في (ب): بإسناده.

([494]) في نسخ: سفر.

([495]) فأعرض عنه.

([496]) في (ج،ب): (عوف) عن أبيه رضي الله عنه.

([497]) في (ج): فحبيبي، وفي (أ،ب): فختني.

([498]) في (أ،ب،ج): محبيهم.

([499]) في (ب،ج): بينهم.

([500]) في (ب): لا يوجد.

([501]) في (ب): لا يوجد أنا.

([502]) في (ب): عوف.

([503]) في (ب): وأما.

([504]) في نسخ: يحب.

([505]) في نسخ: يحبه.

([506]) في (ب،ج): قتيل.

([507]) في (ب،ج): و.

([508]) في (ب): صدور.

([509]) في (ب): إذا.

([510]) في نسخ: قال.

([511]) في (ب): أصحابك.

([512]) في (ب): وسيد

([513]) في نسخ: ترا.

([514]) في (ب): يوصل.

([515]) في نسخ: تحتاج.

([516]) في (ب): العلي.

([517]) في (ب،ج): وأما.

([518]) في (ب،ج): تفرق.

([519]) في (ب،ج): ومد.

([520]) في (ب،ج): بدون أبو.

([521]) في (ب،ج): أشرأب.

([522]) في (ب،ج): وأيكم.

([523]) في (ب،ج): بزيادة بعد له (ذلك).

([524]) في (أ): ودعاه.

([525]) في (ب): أقبض.

([526]) في (ب): بها.

([527]) في (ب،ج): بدون ذلك.

([528]) في (ب،ج): إنه.

([529]) في (ب،ج): بدون موضع.

([530]) في (أ): وهو يكلمني بها.

([531]) في (ب): اليوم.

([532]) في (ب،ج): بدون.

([533]) في (أ): بيتي.

([534]) في (ب،ج): لجودة.

([535]) في (ب): بدون هذا.

([536]) في (ب،ج): بدون.

([537]) في (ب): فيه.

([538]) في (ب): وآخر.

([539]) في (أ): كفيه.

([540]) في (ب): ناولنيه.

([541]) في (أ): غلامي.

([542]) في (ب): رأيت.

([543]) في (ب): بتقديم.

([544]) في (أ): يحكم.

([545]) في (ب،ج): بدون.

([546]) في (ب): لي.

([547]) في (أ): ولكن اتباع.

([548]) في (ب): فقال.

([549]) في (ب): مقابلتها.

([550]) في (أ): جاوز.

([551]) في (أ): وكان.

([552]) في نسخ: فقد.

([553]) في (ب): قد.

([554]) في (ب): بزيادة: ما قيل.

([555]) في (ب): أنه قال.

([556]) في (ب،ج): وحبر.

([557]) في (ب): ما.

([558]) في نسخ: الله.

([559]) في (ب): بدون.

([560]) في (أ): بنانه، وفي (ب،ج): ثيابه.

([561]) في (ب): المسجد مسجد بيت المقدس.

([562]) في (أ): البنية.

([563]) في نسخ: فقلت.

([564]) في (ب): أمامي.

([565]) في (ب): أقاربي.

([566]) في (ب): قال.

([567]) في نسخ: لهم.

([568]) في نسخ: إلى.

([569]) في نسخ: الكوكب.

([570]) في نسخ: كان.

([571]) في (ب): وذلك.

([572]) في (ب): بدون الأول.

([573]) في نسخ: منزلته.

([574]) في نسخ: بالتاء.

([575]) في (ب): قد.

([576]) في (ب): ذلك.

([577]) في (ب،ج): أنَّ.

([578]) في نسخ: فتدخل.

([579]) في (ب،ج): لا يجوز إلا للأئمة.

([580]) في (أ،ج): لمهماته.

([581]) في (ب): خاصة.

([582]) في (ب): وهذا.

([583]) في (ب): فقال.

([584]) في (ب،ج): في حديث.

([585]) في (ب،ج): لا تذكره عن.

([586]) في (ب): إنما.

([587]) في (ب): بزيادة المهتدين.

([588]) في (ب): المهتدين.

([589]) في (أ،ج): هم.

([590]) في (ب،ج): غريبة.

([591]) في (ب): ووليكم.

([592]) في (ب): بغدير.

([593]) في (ب،ج): واختلف.

([594]) في (ب): وروي في.

([595]) في (ب،ج): لا يوجد.

([596]) في (ب،ج): بدون هو.

([597]) في (أ): فكنا.

([598]) في (ب،ج): غدير.

([599]) في (ب،ج): هاتم ما.

([600]) في (ب،ج): فماذا.

([601]) في (ب): منكم بأنفسكم.

([602]) في نسخ: الحاكم.

([603]) في (أ): ونها.

([604]) في (ب،ج): في سواهم.

([605]) في (ب): شوكهن.

([606]) في (ب): وسعد.

([607]) في (ب): يا أيها.

([608]) في (ب): قد.

([609]) أعرض.

([610]) في (أ): بعدد.

([611]) في (ب،ج): أقداح.

([612]) في (ب): بالحاء.

([613]) في (ب): عليهم.

([614]) في (ب): عيد الله.

([615]) في (ب): بدون.

([616]) في (ب): بدون.

([617]) في (ب): تصومه.

([618]) في (ب): في.

([619]) في نسخ بدون الهاء.

([620]) في (ب): فأمر.

([621]) في (ب): ثم قال.

([622]) في (ب): بدون وأعز من أعزه.

([623]) في (ب): فتنقصته.

([624]) في (أ): قال قلت.

([625]) في (ب): بإسناده قال.

([626]) في (ب): ابن النعمان.

([627]) في (ب): بإسناده.

([628]) في نسخ: وأن النار.

([629]) في (ب): بيوتها.

([630]) في (ب): أيضاً.

([631]) في (أ): يؤدي.

([632]) في (ب): المحدث.

([633]) في (ب): فقالوا.

([634]) في (ب): أنه.

([635]) في (ب): الواردة.

([636]) في (ب،ج): فإنه لا.

([637]) في (أ): به.

([638]) في (ب): بزيادة فيه.

([639]) في (ب): يوم.

([640]) في (ب): أو في.

([641]) في (ب): قدحاً.

([642]) في (ب): لكثير.

([643]) في (ب): مولى.

([644]) في (ب): صار.

([645]) في (ب): مولى.

([646]) في (ب): على.

([647]) في نسخ: وأغرب.

([648]) في (ب): بها.

([649]) في (ب): وأخذ إقرار.

([650]) في نسخ: بلفظ.

([651]) في (ب): مقصور.

([652]) في (ب): بدون مولاه.

([653]) في (ب): أولى به من نفسه.

([654]) في (ب): لا يوجد.

([655]) في (ب): لا نسلم.

([656]) في (ب): لمؤدته.

([657]) في (ب): مستحسن.

([658]) في (ب): ما.

([659]) في (ب): الكافة.

([660]) في (ب): معناه.

([661]) في (ب): أو.

([662]) في (ب): على ذلك.

([663]) في (ب): هذا المعنى.

([664]) في (ب): تحملها.

([665]) في (ب): فإنه لا.

([666]) في نسخ: وإذا.

([667]) في (ب): بدون ممن.

([668]) في (ب): إنه.

([669]) في (ب): لشاع.

([670]) في نسخ: يقتضي.

([671]) في نسخ: ما نقوله.

([672]) في (أ): يريده، وفي (ب): نريده.

([673]) في (ب،ج): مشاركتهم له.

([674]) في (ب،ج): على هذا.

([675]) في (ب): بدون أن.

([676]) في(ب): كما قد.

([677]) في (ب): أنه.

([678]) في (ب): داخلاً.

([679]) في (ب): ما أثبته الله.

([680]) في (أ): فنقول المفترض، وفي (ب): فنقول للمفترض.

([681]) في (ب): إلى أن.

([682]) في (ب): ما.

([683]) في (ب): لا يوجد.

([684]) في (ب): كحاله.