الكتاب :نهج البلاغة |
نَهْجُ البَلاغَة (1/1)
وهو
مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي
من كلام أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب
عليه السلام
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (33) (1/33)
مقدمة السيد الشريف الرضي :
بسم الله الرحمن الرحيم
أَمّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ الَّذِي جَعَلَ الحَمْدَ ثَمَنَاً لِنَعْمَائِهِ، وَمَعاذاً مِنْ بَلائِهِ، وَوَسِيلاً إلى جِنانِهِ، وَسَبَبَاً لِزِيادَةِ إحْسانِهِ، وَالصَّلاةِ عَلى رَسُولِهِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وإمامِ الأَئِمَةِ، وَسِراجِ الأُمَةِ، المُنْتَخَبِ مِنْ طِينَةِ الكَرَمِ، وَسُلالَةِ المَجْدِ الأَقْدَمِ، وَمَغْرَسِ الفِخارِ المُعْرِقِ، وَفَرْعِ العَلاءِ المُثْمِرِ المُورِقِ، وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ مَصابِيِحِ الظُّلَمِ، وَعِصَمِ الأُمَمِ، وَمَنارِ الدِّينِ الواضِحَةِ، وَمَثاقِيلِ الفَضْلِ الرَّاجِحَةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، صَلاةً تَكُونُ إزاءً لِفَضْلِهِمْ، وَمُكافأةً لِعَمَلِهِمْ، وكِفاءً لِطِيبِ فَرْعِهِمْ وَأَصْلِهِمْ، ما أَنارَ فَجْرٌ ساطِعٌ، وَخَوى نَجْمٌ طالِعٌ.
فإنّي كُنتُ في عُنفوانِ السِنِّ، وغَضاضَةِ الغُصْنِ، اِبْتَدَأْتُ بِتأليفِ كتابٍ في خصائصِ الأئمَةِ ( عليهم السلام )، يَشْتَمِلُ على مَحاسِنِ أخبارِهِمْ وجواهِرِ كلامِهِمْ، حَدانِي عليهِ غَرَضٌ ذَكَرْتُهُ في صَدْرِ الكتابِ وجعلْتُهُ أمامَ الكلامِ، وفَرَغْتُ منَ الخصائِصِ الّتي تَخُصُ أمير المؤمنيَن عَليّاً ( عليه السلام )، وعاقَتْ عَنْ إتمامِ بَقِيّةِ الكتابِ مُحاجَزاتُ الأيامِ ومماطلاتُ الزَّمانِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (34) (1/34)
و كنتُ قدْ بَوَّبْتُ ما خَرَجَ مِنْ ذلكَ أبواباً، وفَصَّلْتُهُ فُصُولاً، فجاءَ في آخِرِها فصلٌ يَتَضَمَّنُ مَحاسِنَ ما نُقِلَ عنه ( عليه السلام ) مِنَ الكلامِ القَصيرِ، في المَواعِظِ والحِكَمِ والأمثالِ والآدابِ، دونَ الخُطَبِ الطَّويلَةِ، والكُتُبِ المَبْسوطَةِ، فَاسْتَحْسَنَ جماعَةٌ من الأصدقاءِ ما اشتَمَلَ عليهِ الفَصْلُ المُقَدَّمُ ذِكرُهُ، مُعْجِبِينَ بِبَدائِعِهِ، ومُتَعَجِبينَ من نَواصِعِهِ، وسَألوني عندَ ذلكَ أنْ أبتدئ بتأليفِ كتابٍ يحتوي على مُختارِ كلامِ مَولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام )، في جميعِ فُنُونِهِ ومُتَشَعَّباتِ غُصُونِهِ، مِن خُطَبٍ وكُتُبٍ ومَواعِظَ وأدبٍ، عِلماً أنَّ ذلكَ يَتَضَمَّنُ من عَجائِبِ البلاغَةِ، وغرائِبِ الفصاحَةِ، وجواهرِ العَرَبِيَّةِ، وثَواقِبِ الكَلِمِ الدِّينِيَّةِ والدُّنيويَّةِ، ما لا يُوجَدُ مُجتَمِعاً في كلامٍ، ولا مجموعَ الأطرافِ في كتابٍ، إذ كانَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مَشْرَعَ الفصاحَةِ ومَوْرِدَها، ومَنشأَ البلاغَةِ ومَولِدَها، ومنه ( عليه السلام ) ظَهَرَ مَكنُونُها، وعنهُ أُخِذَتْ قوانِينُها، وعلى أَمْثِلَتِهِ حَذا كلُّ قائِلٍ خَطيبٍ، وبكلامِهِ اسْتَعانَ كلُّ واعِظٍ بَليغٍ، ومع ذلكَ فقََدْ سَبَقَ وقَصَّروا، وتَقَدَّمَ وتَأخَروُا، لأنَّ كلامَهُ ( عليه السلام ) الكلامُ الذي عليهِ مَسْحَةٌ مِنَ العِلمِ الإلهي، وفيه عَبْقَةٌ منَ الكلامِ النَّبَوِيِّ، فَأَجَبْتُهُمْ إلى الابتداءِ بذلكَ، عالماً بما فيه مِنْ عظيمِ النَّفعِ، ومَنْشُورِ الذِّكْرِ، ومَذْخُورِ الأجْرِ، وَاعْتَمَدْتُ بهِ أن أُبَيِّنَ عن عظيمِ قدرِ أمير المؤمنينَ ( عليه السلام ) في هذهِ الفَضِيلَةِ، مُضافَةً إلى المَحاسِنِ الدَّثْرَةِ، والفَضائلِ الجَمَّةِ، وأنَّهُ ( عليه السلام ) انفَرَدَ بِبُلوغِ غايَتِها عن جميعِ السَّلَفِ الأوَّلينَ، الذينَ إنما يُؤثَرُ عنهُمْ منها القليلُ النّادِرُ، والشّاذُّ الشّارِدُ، فأمّا كلامُهُ فهو البَحرُ الذي لا يُساجَلُ، والجَمُّ الذي لا يُحافَلُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (35) (1/35)
و أرَدْتُ أن يَسُوغَ ِليَ التَّمَثُلُ في الافتخارِ به ( عليه السلام ) بقولِ الفَرَزْدَقِ :
أولئك آبائي فَجِئني بِمِثْلِهِمْ * إذا جَمَعَتْنا يا جَريرُ المَجامِعُ
و رأيتُ كلامَهُ ( عليه السلام ) يَدورُ على أقطابٍ ثلاثَةٍ : أولُها الخُطَبُ والأوامِرُ، وثانيها الكتبُ والرسائلُ، وثالِثُها الحِكَمُ والمواعِظُ، فأجْمَعْتُ بتوفيقِ الله تعالى على الابتداءِ باختيارِ محاسِنِ الخُطَبِ، ثُمَ محاسِنِ الكتبِ، ثُمَ محاسِنِ الحِكَمِ والأدبِ، مُفْرِداً لكُلِ صِنفٍ مِنْ ذلكَ باباً، ومُفَصِلاً فيهِ أوراقاً، لتكونَ مُقَدِمَةً لِاِسْتِدراكِ ما عَساهُ يَشُذُّّ عَنّي عاجِلًا، ويَقَعُ إليَّ آجلاً، وإذا جاءَ شي ءٌ مِن كلامِهِ ( عليه السلام ) الخارجِ في أثناءِ حِوارٍ، أو جوابِ سؤالٍ، أو غَرَضٍ آخَرَ مِنَ الأغْراضِ في غيرِ الأنْحاءِ التي ذَكَرتُها، وقَرَّرْتُ القاعِدَةَ عليها نَسَبْتُهُ إلى أَلْيَقِ الأبْوابِ بِهِ، وأَشَّدِها مُلامَحَةً لِغَرَضِهِ، ورُبَّما جاء فيما أَختارُهُ من ذلكَ فُصُولٌ غَيرُ مُتَّسِقَةٍ، ومحاسِنُ كَلِمٍ غَيْرُ مُنتَظِمَةٍ، لأنّي أوُرِدُ النُّكَتَ واللُّمَعَ، ولا أقْصِدُ التَّتالِيَ والنَّسَقَ.
و مِن عَجائِبِهِ ( عليه السلام ) التي اَنْفَرَدَ بها، وأَمِنَ المُشارَكَةَ فيها، أنَّ كلامَهُ الوارِدَ في الزُّهدِ والمواعِظِ والتَّذكيرِ والزَّواجِرِ، إذا تَأَمَلَهُ المُتَأمِّلُ، وفَكَّرَ فيهِ المتَفَكِّرُ، وخَلَعَ مِن قَلبِهِ أنَّهُ كلامُ مِثْلِهِ مِمَّن عَظُمَ قَدرُهُ، ونَفَذَ أمرُهُ، وأحاطَ بالرِّقابِ مُلكُهُ، لم يَعتَرِضْهُ الشَّكُ في أنهُ كلامِ مَنْ لا حَظَّ لَهُ في غيرِ الزَّهادَةِ، ولا شُغلَ لَهُ بغيرِ العِبادَةِ، قد قَبَعَ في كِسْرِ بَيتٍ، أوِ انْقَطَعَ إلى سَفْحِ جبلٍ، لا يَسمَعُ إلّا حِسَهُ، ولا يَرى إلّا نَفسَهُ، ولا يَكادُ يُوقِّنُ بأنَّهُ كلامُ مَن يَنْغَمِسُ في الحَربِ مُصْلِتاً سَيْفَهُ، فَيَقُطُّ الرِّقابَ، ويُجَدِّلُ الأبطالَ، ويَعُودُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (36) (1/36)
بِهِ يَنْطِفُ دَمَاً، ويَقطُرُ مُهَجاً، وهو معَ تلكَ الحالِ زاهِدُ الزُّهّادِ، وبَدَلُ الأبْدالِ، وهذهِ مِن فَضائِلِهِ العَجيبَةِ، وخَصائصِهِ اللَطِيفَةِ التي جَمَعَ بها بينَ الأضدادِ، وألَّفَ بينَ الأشتاتِ، وكثيراً ما أُذاكِرُ الإخوانَ بها، وأَستَخرِجُ عَجَبَهُمْ مِنها، وهي مَوْضِعٌ لِلْعِبْرَةِ بها والفِكْرَةِ فيها.
و رُبَّما جاءَ في أثناءِ هذا الاختيارِ، اللَّفظُ المُرَدَّدُ، والمَعْنَى المُكَرَّرُ، والعُذرُ في ذلكَ أن رواياتِ كلامِهِ تَخْتَلِفُ اختِلافاً شديداً فَرُبَّما اتَّفَقَ الكلامُ المختارُ في روايةٍ فَنُقِلَ على وجهِهِ، ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذلكَ في روايةٍ أُخرى مَوْضُوعاً غَيرَ موضعِهِ الأوَّلِ، إمّا بِزيادَةٍ مختارَةٍ، أوْ بِلَفظٍ أَحْسَنَ عِبارَةً، فَتَقْتَضِي الحالُ أنْ يُعادَ اسْتِظهاراً لِلاِختيارِ، وغَيْرَةً على عَقائِلِ الكَلامِ، ورُبَّما بَعُدَ العَهْدُ أيْضاً بما اخْتِيرَ أوَّلاً، فَأُعِيدَ بَعضُهُ سَهْواً أو نِسياناً، لا قَصداً واعتِماداً، ولا أَدَّعِي معَ ذلكَ أنّي أُحيطُ بِأقطارِ جميعِ كلامِهِ ( عليه السلام )، حتى لا يَشُذُّ عنّي منهُ شاذٌّ، ولا يَنِدَّ نادٌّ، بَل لا أُبعِدُ أنْ يَكونَ القاصِرُ عنّي فوقَ الواقِعِ إليَّ، والحاصِلُ في رِبقَتِي دونَ الخارِجِ مِن يَدَيَّ، وما عَلَيَّ إلا بَذْلُ الجُهْدِ وبلاغة الوسعِ، وعلى الله سبحانه وتعالى نهجُ السبيلِ، وإرشادُ الدليلِ إن شاء الله.
و رأيتُ مِنْ بَعدُ تَسمِيَةَ هذا الكتابِ بِنَهجِ البَلاغَةِ، إذ كانَ يَفتَحُ لِلنّاظِرِ فيهِ أبوابَها، ويُقَرِّبُ عليهِ طِلابَها، فيه حاجَةُ العالِِمِ والمُتَعَلِّمِ، وبُغْيَةُ البَلِيغِ والزّاهِدِ، ويمضِي في أثنائِهِ مِنْ عَجيبِ الكلامِ في التَوْحِيدِ والعدلِ، وتَنزيهِ اللهِ سبحانه وتعالى عَنْ شِبْهِ الخَلقِ ما هو بِلالُ كُلِّ غُلَّةٍ وشِفاءُ كلِّ عِلِّةٍ وجَلاءُ كُلِّ شُبهَةٍ ومن اللهِ سبحانه أَسْتَمِدُّ التَّوفِيقَ والعِصمَةَ وأَتَنَجَّزُ التَّسدِيدَ والمَعونَةَ وأَسْتَعِيذُهُ من خَطإ الجَنانِ قَبلَ خَطإ اللِّسانِ ومِن زَلَّةِ الكَلِمِ قَبلَ زَلَّةِ القَدَمِ وهُوَ حَسْبِي ونِعْمَ الوَكيلُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (37) (1/37)
خطب
أمير المؤمنين
(عليه السلام )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (39) (1/39)
باب المختار من خطب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وأوامره
و يدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحظورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة :
1- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد الله وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَلَا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَلَا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَلَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (40) (1/40)
جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلَا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ كَائِنٌ لَا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لَا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لَا بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لَا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لَا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لَا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لَا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَلَا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ.
خلق العالم
أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا وَلَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَلَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا وَلَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَلَأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَغَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَانْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلَاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (41) (1/41)
السِّقَاءِ وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وَسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَلَا دِسَارٍ يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ.
خلق الملائكة
ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلَا فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلَائِكَتِهِ مِنْهُمْ سُجُودٌ لَا يَرْكَعُونَ وَرُكُوعٌ لَا يَنْتَصِبُونَ وَصَافُّونَ لَا يَتَزَايَلُونَ وَمُسَبِّحُونَ لَا يَسْأَمُونَ لَا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَلَا سَهْوُ الْعُقُولِ وَلَا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ وَلَا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ لَا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (42) (1/42)
وَ لَا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ وَلَا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ وَلَا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.
صفة خلق آدم عليه السلام
ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَلَاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَمَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلَاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ وَاسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (43) (1/43)
ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلًا وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.
اختيار الأنبياء
وَ اصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لَازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لَا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلَا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (44) (1/44)
أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ.
مبعث النبي
إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلَادُهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) لِقَاءَهُ وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً ( صلى الله عليه وآله ) وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلَا عَلَمٍ قَائِمٍ.
القرآن والأحكام الشرعية
كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ وَمُوَسَّعٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (45) (1/45)
عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ وَبَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ وَوَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ وَبَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ وَبَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ.
و منها في ذكر الحج
وَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ وَجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ وَتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً فَرَضَ حَقَّهُ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (46) (1/46)
2- ومن خطبة له ( عليه السلام ) بعد انصرافه من صفين وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين :
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَاسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ إِنَّهُ لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلَا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَلَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَفَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَضَاقَ الْمَخْرَجُ وَعَمِيَ الْمَصْدَرُ فَالْهُدَى خَامِلٌ وَالْعَمَى شَامِلٌ عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ وَخُذِلَ الْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَدَرَسَتْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (47) (1/47)
سُبُلُهُ وَعَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَقَامَ لِوَاؤُهُ فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَوَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيرَانٍ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ.
و منها يعني آل النبي عليه الصلاة والسلام
هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ.
وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ
زَرَعُوا الْفُجُورَ وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ وَحَصَدُوا الثُّبُورَ لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدٌ وَلَا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلَايَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (48) (1/48)
3- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي المعروفة بالشقشقية وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له :
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه ُ.
ترجيح الصبر
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ ـ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى ـ :
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَالِاعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَإِنْ أَسْلَسَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (49) (1/49)
لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.
مبايعة علي
فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (50) (1/50)
حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ.
قَالُوا وَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ [فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ] قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ.
فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلَامِ أَلَّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ.
قال الشريف ( رضي اللّه عنه ) : قوله ( عليه السلام ) كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه وشنقها أيضا ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق وإنما قال ( عليه السلام ) أشنق لها ولم يقل أشنقها لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها فكأنه ( عليه السلام ) قال إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (51) (1/51)
4- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي من أفصح كلامه ( عليه السلام ) وفيها يعظ الناس ويهديهم من ضلالتهم ويقال إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير :
بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ وَتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ وَبِنَا أَفْجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ وَكَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ فِي جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَلَا دَلِيلَ وَتَحْتَفِرُونَ وَلَا تُمِيهُونَ الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى ( عليه السلام ) خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلَالِ الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (52) (1/52)
5- ومن خطبة له ( عليه السلام ) لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخاطبه العباس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة (و ذلك بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في السقيفة، وفيها ينهى عن الفتنة ويبين عن خلقه وعلمه) :
النهي عن الفتنة
أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وَعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ وَضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.
خلقه وعلمه
فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ وَإِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي وَاللَّهِ لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لَاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (53) (1/53)
6- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما أشير عليه بألا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال وفيه يبين عن صفته بأنه عليه السلام لا يخدع :
وَ اللَّهِ لَا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَيَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَلَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَبِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا.
7- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذم فيها أتباع الشيطان :
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (54) (1/54)
8- ومن كلام له ( عليه السلام ) يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك ويدعوه للدخول في البيعة ثانية :
يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَلَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَادَّعَى الْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَإِلَّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ.
9- ومن كلام له ( عليه السلام ) في صفته وصفة خصومه ويقال إنها في أصحاب الجمل :
وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُوا وَمَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَلَا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ.
10- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يريد الشيطان أو يكني به عن قوم :
أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَلَا لُبِّسَ عَلَيَّ وَايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (55) (1/55)
11- ومن كلام له ( عليه السلام ) لابنه محمد ابن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل :
تَزُولُ الْجِبَالُ وَلَا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَغُضَّ بَصَرَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
12- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما أظفره الله بأصحاب الجمل :
وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلَاناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ ( عليه السلام ) أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَلَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ.
13- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل :
كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَالْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (56) (1/56)
سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَمِنْ تَحْتِهَا وَغَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَفِي رِوَايَةٍ وَايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَةً أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَأَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَالْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ.
14- ومن كلام له ( عليه السلام ) في مثل ذلك :
أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَأُكْلَةٌ لِآكِلٍ وَفَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (57) (1/57)
15- ومن كلام له ( عليه السلام ) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان :
وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَمُلِكَ بِهِ الْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ.
16- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما بويع في المدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام :
ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ أَلَا وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وآله ) وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَاللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَلَا كَذَبْتُ كِذْبَةً وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَهَذَا الْيَوْمِ أَلَا وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ أَلَا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (58) (1/58)
وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَبَاطِلٌ وَلِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَلَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ.
قال السيد الشريف : وأقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان وإن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ولا يطلع فجها إنسان ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق وجرى فيها على عرق وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ.
و من هذه الخطبة وفيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَطَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا وَمُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ وَمِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَخابَ مَنِ افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَلَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَلَا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّهُ وَلَا يَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (59) (1/59)
17- ومن كلام له ( عليه السلام ) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل وفيها أبغض الخلائق إلى اللّه صنفان :
الصنف الأول :
إنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلَانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ وَدُعَاءِ ضَلَالَةٍ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ.
الصنف الثاني :
وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الْأُمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَاكْتَثَرَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (60) (1/60)
بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ لَا مَلِيٌّ وَاللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَلَا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَلَا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ وَتَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالًا وَيَمُوتُونَ ضُلَّالًا لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَلَا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَلَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَلَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ.
18- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن :
ذم أهل الرأي
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَإِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (61) (1/61)
أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالِاخْتِلَافِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ.
الحكم للقرآن
أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ ( صلى الله عليه وآله ) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وَإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَلَا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ وَلَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ.
19- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب،
فمضى في بعض كلامه شي ء اعترضه الأشعث فيه، فقال يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض عليه السلام إليه بصره ثم قال :
مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ وَلَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ وَاللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَالْإِسْلَامُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (62) (1/62)
أُخْرَى فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَلَا حَسَبُكَ وَإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ وَسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَلَا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ.
قال السيد الشريف : يريد ( عليه السلام ) أنه أسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة.
و أما قوله ( عليه السلام ) دل على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد وكان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار وهو اسم للغادر عندهم.
20- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيه ينفر من الغفلة وينبه إلى الفرار للّه :
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ وَلَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وَهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ وَبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلَّا الْبَشَرُ
21- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي كلمة جامعة للعظة والحكمة :
فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وَإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ تَخَفَّفُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (63) (1/63)
تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ.
قال السيد الشريف : أقول إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكل كلام لمال به راجحا وبرز عليه سابقا.
فأما قوله ( عليه السلام ) تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر منه محصولا وما أبعد غورها من كلمة وأنقع نطفتها من حكمة وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها.
22- ومن خطبة له ( عليه السلام ) حين بلغه خبر الناكثين ببيعته
وفيها يذم عملهم ويلزمهم دم عثمان ويتهددهم بالحرب :
ذم الناكثين
أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَيَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ وَاللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً وَلَا جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً.
دم عثمان
وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ وَلَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلَّا عِنْدَهُمْ وَإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ وَيُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا وَإِلَامَ أُجِيبَ وَإِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَعِلْمِهِ فِيهِم ْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (64) (1/64)
التهديد بالحرب
فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَنَاصِراً لِلْحَقِّ وَمِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلَادِ هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَلَا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَإِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَغَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي.
23- ومن خطبة له ( عليه السلام )
وتشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة :
تهذيب الفقراء
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَلَا تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ وَكَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ وَإِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَمَالٍ وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ وَإِنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (65) (1/65)
مِنْ نَفْسِهِ وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ وَاعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَلَا سُمْعَةٍ فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ يَكِلْهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ وَمُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ.
تأديب الأغنياء
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِتْرَتِهِ وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يَرِثُهُ غَيْرُهُ.
و منها : أَلَا لَا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلَا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ.
قال السيد الشريف : أقول الغفيرة هاهنا الزيادة والكثرة من قولهم للجمع الكثير الجم الغفير والجماء الغفير ويروى عفوة من أهل أو مال والعفوة الخيار من الشي ء يقال أكلت عفوة الطعام أي خياره. وما أحسن المعنى الذي أراده ( عليه السلام ) بقوله ومن يقبض يده عن عشيرته... إلى تمام الكلام فإن الممسك خيره عن
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (66) (1/66)
عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة فإذا احتاج إلى نصرتهم واضطر إلى مرافدتهم قعدوا عن نصره وتثاقلوا عن صوته فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الأقدام الجمة.
24- ومن خطبة له ( عليه السلام )
وهي كلمة جامعة له، فيها تسويغ قتال المخالف، والدعوة إلى طاعة اللّه، والترقي فيها لضمان الفوز :
وَ لَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلَا إِيهَانٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلًا إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلًا.
25- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد
وقدم عليه عاملاه على اليمن وهما عبيد الله بن عباس وسعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة فقام ( عليه السلام ) على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له في الرأي فقال :
مَا هِيَ إِلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلَّا أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (67) (1/67)
وَ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي * عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الْإِنَاءِ قَلِيلِ
ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ) :
أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ.
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ * فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ
ثُمَّ نَزَلَ ( عليه السلام ) مِنَ الْمِنْبَرِ.
قال السيد الشريف : أقول الأرمية جمع رميّ وهو السحاب والحميم هاهنا وقت الصيف وإنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولا وأسرع خفوفا لأنه لا ماء فيه وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا والإغاثة إذا استغيثوا والدليل على ذلك قوله : " هنالك لو دعوت أتاك منهم..."
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (68) (1/68)
26- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها يصف العرب قبل البعثة ثم يصف حاله قبل البيعة له :
العرب قبل البعثة
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ.
و منها صفته قبل البيعة له
فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ
و منها : وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلَا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (69) (1/69)
27- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وقد قالها يستنهض بها الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا.
وفيها يذكر فضل الجهاد، ويستنهض الناس، ويذكر علمه بالحرب، ويلقي عليهم التبعة لعدم طاعته :
فضل الجهاد
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالْإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ.
استنهاض الناس
أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلَاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ [وَ] قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (70) (1/70)
وَ قَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.
البرم بالناس
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (71) (1/71)
طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ.
28- ومن خطبة له ( عليه السلام )
وهو فصل من الخطبة التي أولها "الحمد للّه غير مقنوط من رحمته" وفيه أحد عشر تنبيها :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ أَلَا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلَا وَإِنَّهُ مَنْ لَا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ وَمَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلَالُ إِلَى الرَّدَى أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (72) (1/72)
عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.
قال السيد الشريف رضي الله عنه : وأقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام وكفى به قاطعا لعلائق الآمال وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار ومن أعجبه قوله ( عليه السلام ) ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق والسبقة الجنة والغاية النار فإن فيه مع فخامة اللفظ وعظم قدر المعنى وصادق التمثيل وواقع التشبيه سرا عجيبا ومعنى لطيفا وهو قوله ( عليه السلام ) والسبقة الجنة والغاية النار فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ولم يقل السبقة النار كما قال السبقة الجنة لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى موجودا في النار نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول والسبقة النار بل قال والغاية النار لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل قال الله تعالى قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال سبْقتكم بسكون الباء إلى النار فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيد لطيف وكذلك أكثر كلامه ( عليه السلام ) وفي بعض النسخ وقد جاء في رواية أخرى والسُّبْقة الجنة بضم السين والسبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق إذا سبق من مال أو عرض والمعنيان متقاربان لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم وإنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود.
29- ومن خطبة له ( عليه السلام ) بعد غارة الضحاك بن قيس
صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف :
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (73) (1/73)
فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَسَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ.
30- ومن كلام له ( عليه السلام ) في معنى قتل عثمان
وهو حكم له على عثمان وعليه وعلى الناس بما فعلوا وبراءة له من دمه :
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلًا أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ وَلِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (74) (1/74)
31- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل :
لَا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا.
قال السيد الشريف : وهو ( عليه السلام ) أول من سُمعت منه هذه الكلمة، أعني "فما عدا مما بدا".
32- ومن خطبة له ( عليه السلام )
وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا :
معنى جور الزمان
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لَا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَلَا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَلَا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.
أصناف المسيئين
وَ النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلَالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (75) (1/75)
لِسَيْفِهِ وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلَا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلَا مَغْدًى.
الراغبون في اللّه
وَ بَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَدَاعٍ مُخْلِصٍ وَثَكْلَانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (76) (1/76)
التزهيد في الدنيا
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.
قال الشريف رضي الله عنه : أقول وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي لا يشك فيه، وأين الذهب من الرغام، وأين العذب من الأجاج، وقد دل على ذلك الدليل الخريت، ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين، وذكر من نسبها إلى معاوية، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها جملته أنه قال، وهذا الكلام بكلام علي ( عليه السلام ) أشبه، وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق، قال : ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ومذاهب العباد.
33- ومن خطبة له ( عليه السلام ) عند خروجه لقتال أهل البصرة،
وفيها حكمة مبعث الرسل، ثم يذكر فضله ويذم الخارجين :
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ( عليه السلام ) وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ :
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (77) (1/77)
حكمة بعثة النبي
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلَا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ.
فضل علي
أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا عَجَزْتُ وَلَا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ.
توبيخ الخارجين عليه
مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَلَأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ وَاللَّهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا فَكَانُوا كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ :
أَدَمْتَ لَعَمْرِي شُرْبَكَ الْمَحْضَ صَابِحاً * وَأَكْلَكَ بِالزُّبْدِ الْمُقَشَّرَةَ الْبُجْرَا
وَ نَحْنُ وَهَبْنَاكَ الْعَلَاءَ وَلَمْ تَكُنْ * عَلِيّاً وَحُطْنَا حَوْلَكَ الْجُرْدَ وَالسُّمْرَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (78) (1/78)
34- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج،
وفيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد :
أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ عِوَضاً وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لَا تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَلَا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلَّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلَا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلَا تَمْتَعِضُونَ لَا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَاللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (79) (1/79)
الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ.
طريق السداد
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلَا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.
35- ومن خطبة له ( عليه السلام ) بعد التحكيم وما بلغه من أمر الحكمين
وفيها حمد اللّه على بلائه، ثم بيان سبب البلوى :
الحمد على البلاء
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ( صلى الله عليه وآله ).
سبب البلوى
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (80) (1/80)
وَ نَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ :
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلَّا ضُحَى الْغَدِ
36- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في تخويف أهل النهروان :
فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ وَلَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلَا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً.
37- ومن كلام له ( عليه السلام ) يجري مجرى الخطبة
وفيه يذكر فضائله عليه السلام قاله بعد وقعة النهروان :
فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا وَنَطَقْتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (81) (1/81)
حِينَ تَعْتَعُوا، وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا، وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً، وَأَعْلَاهُمْ فَوْتاً، فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا، وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا، كَالْجَبَلِ لَا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ، وَلَا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ، وَلَا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ، الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ، وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ، رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ، وَسَلَّمْنَا لِلَّهِ أَمْرَهُ، أَ تَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله )، وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ، فَلَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي، وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي.
38- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيها علة تسمية الشبهة شبهة ثم بيان حال الناس فيها :
وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَلَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ.
39- ومن خطبة له ( عليه السلام ) خطبها عند علمه بغزوة النعمان بن بشير صاحب معاوية لعين التمر،
وفيها يبدي عذره، ويستنهض الناس لنصرته:
مُنِيتُ بِمَنْ لَا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلَا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ لَا أَبَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (82) (1/82)
لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلَا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَأُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا وَلَا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَكَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَلَا يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ.
قال السيد الشريف : أقول، قوله ( عليه السلام ) " متذائب " أي مضطرب من قولهم تذاءبت الريح أي اضطرب هبوبها ومنه سمي الذئب ذئبا لاضطراب مشيته.
40- ومن كلام له ( عليه السلام ) في الخوارج لما سمع قولهم " لا حكم إلا لله " :
قَالَ ( عليه السلام ) : كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ نَعَمْ إِنَّهُ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ لَا إِمْرَةَ إِلَّا لِلَّهِ وَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (83) (1/83)
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ ( عليه السلام ) لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ :
حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ.
وَ قَالَ :
أَمَّا الْإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الْإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ.
41- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها ينهى عن الغدر ويحذر منه :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ وَلَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ وَمَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ.
42- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيه يحذر من اتباع الهوى وطول الأمل في الدنيا :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (84) (1/84)
فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا أَلَا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلَا عَمَلَ.
قال الشريف : أقول، " الحذاء السريعة "، ومن الناس من يرويه " جذاء ".
43- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية ولم ينزل معاوية على بيعته :
إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلَاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لَا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلَّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا وَلَا أَكْرَهُ لَكُمُ الْإِعْدَادَ وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه وآله ) إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى الْأُمَّةِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالًا فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (85) (1/85)
44- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية،
وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام :
قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلَا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ.
45- ومن خطبة له ( عليه السلام )
وهو بعض خطبة طويلة خطبها يوم الفطر وفيها يحمد الله ويذم الدنيا :
حمد الله
الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلَا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَلَا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَلَا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلَا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ.
ذم الدنيا
وَ الدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءُ وَهِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ وَلَا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ وَلَا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلَاغِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (86) (1/86)
46- ومن كلام له ( عليه السلام ) عند عزمه على المسير إلى الشام
وهو دعاء دعا به ربه عند وضع رجله في الركاب :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَلَا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لَا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لَا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً.
قال السيد الشريف رضي الله عنه : وابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد قفاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بأبلغ كلام وتممه بأحسن تمام من قوله " ولا يجمعهما غيرك " إلى آخر الفصل.
47- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذكر الكوفة :
كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (87) (1/87)
48- ومن خطبة له ( عليه السلام ) عند المسير إلى الشام
قيل إنه خطب بها وهو بالنخيلة خارجا من الكوفة إلى صفين :
الْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كُلَّمَا لَاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَفْقُودِ الْإِنْعَامِ وَلَا مُكَافَإِ الْإِفْضَالِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ.
قال السيد الشريف : أقول يعني ( عليه السلام ) بالملطاط هاهنا السمت الذي أمرهم بلزومه وهو شاطئ الفرات ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر وأصله ما استوى من الأرض ويعني بالنطفة ماء الفرات وهو من غريب العبارات وعجيبها.
49- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيه جملة من صفات الربوبية والعلم الإلهي :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلَامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلَا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلَا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلَا شَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (88) (1/88)
الدُّنُوِّ فَلَا شَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلَا اسْتِعْلَاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلَامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً.
50- ومن كلام له ( عليه السلام )
وفيه بيان لما يخرب العالم به من الفتن وبيان هذه الفتن :
إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالًا عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى.
51- ومن خطبة له ( عليه السلام ) لما غلب أصحاب معاوية أصحابه ( عليه السلام ) على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم الماء :
قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَتَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (89) (1/89)
وَ الْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلَا وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَعَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ.
52- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي في التزهيد في الدنيا وثواب الله للزاهد ونعم الله على الخالق :
التزهيد في الدنيا
أَلَا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَصَرَّمَتْ وَآذَنَتْ بِانْقِضَاءٍ وَتَنَكَّرَ مَعْرُوفُهَا وَأَدْبَرَتْ حَذَّاءَ فَهِيَ تَحْفِزُ بِالْفَنَاءِ سُكَّانَهَا وَتَحْدُو بِالْمَوْتِ جِيرَانَهَا وَقَدْ أَمَرَّ فِيهَا مَا كَانَ حُلْواً وَكَدِرَ مِنْهَا مَا كَانَ صَفْواً فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا سَمَلَةٌ كَسَمَلَةِ الْإِدَاوَةِ أَوْ جُرْعَةٌ كَجُرْعَةِ الْمَقْلَةِ لَوْ تَمَزَّزَهَا الصَّدْيَانُ لَمْ يَنْقَعْ فَأَزْمِعُوا عِبَادَ اللَّهِ الرَّحِيلَ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْمَقْدُورِ عَلَى أَهْلِهَا الزَّوَالُ وَلَا يَغْلِبَنَّكُمْ فِيهَا الْأَمَلُ وَلَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ فِيهَا الْأَمَدُ.
ثواب الزهاد
فَوَاللَّهِ لَوْ حَنَنْتُمْ حَنِينَ الْوُلَّهِ الْعِجَالِ وَدَعَوْتُمْ بِهَدِيلِ الْحَمَامِ وَجَأَرْتُمْ جُؤَارَ مُتَبَتِّلِي الرُّهْبَانِ وَخَرَجْتُمْ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ الْتِمَاسَ الْقُرْبَةِ إِلَيْهِ فِي ارْتِفَاعِ دَرَجَةٍ عِنْدَهُ أَوْ غُفْرَانِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (90) (1/90)
سَيِّئَةٍ أَحْصَتْهَا كُتُبُهُ وَحَفِظَتْهَا رُسُلُهُ لَكَانَ قَلِيلًا فِيمَا أَرْجُو لَكُمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ عِقَابِهِ.
نعم الله
وَ تَاللَّهِ لَوِ انْمَاثَتْ قُلُوبُكُمُ انْمِيَاثاً وَسَالَتْ عُيُونُكُمْ مِنْ رَغْبَةٍ إِلَيْهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ دَماً ثُمَّ عُمِّرْتُمْ فِي الدُّنْيَا مَا الدُّنْيَا بَاقِيَةٌ مَا جَزَتْ أَعْمَالُكُمْ عَنْكُمْ وَلَوْ لَمْ تُبْقُوا شَيْئاً مِنْ جُهْدِكُمْ أَنْعُمَهُ عَلَيْكُمُ الْعِظَامَ وَهُدَاهُ إِيَّاكُمْ لِلْإِيمَانِ.
53- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذكرى يوم النحر وصفة الأضحية:
وَ مِنْ تَمَامِ الْأُضْحِيَّةِ اسْتِشْرَافُ أُذُنِهَا وَسَلَامَةُ عَيْنِهَا فَإِذَا سَلِمَتِ الْأُذُنُ وَالْعَيْنُ سَلِمَتِ الْأُضْحِيَّةُ وَتَمَّتْ وَلَوْ كَانَتْ عَضْبَاءَ الْقَرْنِ تَجُرُّ رِجْلَهَا إِلَى الْمَنْسَكِ.
قال السيد الشريف : والمنسك هاهنا المذبح.
54- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها يصف أصحابه بصفين حين طال منعهم له من قتال أهل الشام :
فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا وَقَدْ أَرْسَلَهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (91) (1/91)
رَاعِيهَا وَخُلِعَتْ مَثَانِيهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ لَدَيَّ وَقَدْ قَلَّبْتُ هَذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعُنِي إِلَّا قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه وآله ) فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ.
55- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال بصفين :
أَمَّا قَوْلُكُمْ أَ كُلَّ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ خَرَجَ الْمَوْتُ إِلَيَّ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ شَكّاً فِي أَهْلِ الشَّامِ فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي وَتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي وَذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا.
56- ومن كلام له ( عليه السلام ) يصف أصحاب رسول الله وذلك يوم صفين حين أمر الناس بالصلح :
وَ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَعْمَامَنَا مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً وَمُضِيّاً عَلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (92) (1/92)
اللَّقَمِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ وَجِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ وَلَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ وَايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً.
57- ومن كلام له ( عليه السلام ) في صفة رجل مذموم ثم في فضله هو ( عليه السلام ).
أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَيَطْلُبُ مَا لَا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ تَقْتُلُوهُ أَلَا وَإِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ بِسَبِّي وَالْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَلَكُمْ نَجَاةٌ وَأَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَسَبَقْتُ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ.
58- ومن كلام له ( عليه السلام ) كلم به الخوارج حين اعتزلوا الحكومة وتنادوا أن لا حكم إلا لله :
أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَلَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (93) (1/93)
وَ جِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا وَسَيْفاً قَاطِعاً وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً.
قال الشريف : قوله ( عليه السلام ) " ولا بقي منكم آبر " يُروى على ثلاثة أوجه أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء من قولهم للذي يأبر النخل أي يصلحه. ويروى آثر وهو الذي يأثر الحديث ويرويه أي يحكيه وهو أصح الوجوه عندي كأنه ( عليه السلام ) قال لا بقي منكم مخبر. ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب والهالك أيضا يقال له آبز.
59- وقال ( عليه السلام ) لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم عبروا جسر النهروان :
مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ وَاللَّهِ لَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلَا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ.
قال الشريف : يعني بالنطفة ماء النهر وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جما وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند مضي ما أشبهه.
60- وقال ( عليه السلام ) لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم :
كَلَّا وَاللَّهِ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَقَرَارَاتِ النِّسَاءِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (94) (1/94)
كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصاً سَلَّابِينَ.
61- وقال ( عليه السلام ) :
لَا تُقَاتِلُوا الْخَوَارِجَ بَعْدِي فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطِلَ فَأَدْرَكَهُ
قال الشريف : يعني معاوية وأصحابه.
62- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما خوف من الغيلة :
وَ إِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ جُنَّةً حَصِينَةً فَإِذَا جَاءَ يَوْمِي انْفَرَجَتْ عَنِّي وَأَسْلَمَتْنِي فَحِينَئِذٍ لَا يَطِيشُ السَّهْمُ وَلَا يَبْرَأُ الْكَلْمُ.
63- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحذر من فتنة الدنيا :
أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لَا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا فِيهَا وَلَا يُنْجَى بِشَيْ ءٍ كَانَ لَهَا ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ ءِ الظِّلِّ بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (95) (1/95)
64- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في المبادرة إلى صالح الأعمال :
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ وَابْتَاعُوا مَا يَبْقَى لَكُمْ بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ وَتَرَحَّلُوا فَقَدْ جُدَّ بِكُمْ وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ وَكُونُوا قَوْماً صِيحَ بِهِمْ فَانْتَبَهُوا وَعَلِمُوا أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ لَهُمْ بِدَارٍ فَاسْتَبْدَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَمَا بَيْنَ أَحَدِكُمْ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ إِلَّا الْمَوْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ وَإِنَّ غَايَةً تَنْقُصُهَا اللَّحْظَةُ وَتَهْدِمُهَا السَّاعَةُ لَجَدِيرَةٌ بِقِصَرِ الْمُدَّةِ وَإِنَّ غَائِباً يَحْدُوهُ الْجَدِيدَانِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَحَرِيٌّ بِسُرْعَةِ الْأَوْبَةِ وَإِنَّ قَادِماً يَقْدُمُ بِالْفَوْزِ أَوِ الشِّقْوَةِ لَمُسْتَحِقٌّ لِأَفْضَلِ الْعُدَّةِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ تَوْبَتَهُ وَغَلَبَ شَهْوَتَهُ فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ وَأَمَلَهُ خَادِعٌ لَهُ وَالشَّيْطَانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ الْمَعْصِيَةَ لِيَرْكَبَهَا وَيُمَنِّيهِ التَّوْبَةَ لِيُسَوِّفَهَا إِذَا هَجَمَتْ مَنِيَّتُهُ عَلَيْهِ أَغْفَلَ مَا يَكُونُ عَنْهَا فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً وَأَنْ تُؤَدِّيَهُ أَيَّامُهُ إِلَى الشِّقْوَةِ نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ نِعْمَةٌ وَلَا تُقَصِّرُ بِهِ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ غَايَةٌ وَلَا تَحُلُّ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ نَدَامَةٌ وَلَا كَآبَةٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (96) (1/96)
65- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها مباحث لطيفة من العلم الإلهي:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالًا فَيَكُونَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِراً وَيَكُونَ ظَاهِراً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِناً كُلُّ مُسَمًّى بِالْوَحْدَةِ غَيْرَهُ قَلِيلٌ وَكُلُّ عَزِيزٍ غَيْرَهُ ذَلِيلٌ وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيْرَهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ وَكُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرَهُ بَاطِنٌ وَكُلُّ بَاطِنٍ غَيْرَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لَمْ يَخْلُقْ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَلَا تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبِ زَمَانٍ وَلَا اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ وَلَا شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ وَلَا ضِدٍّ مُنَافِرٍ وَلَكِنْ خَلَائِقُ مَرْبُوبُونَ وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ هُوَ كَائِنٌ وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ وَلَا تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ وَلَا وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ وَلَا وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (97) (1/97)
66- ومن كلام له ( عليه السلام ) في تعليم الحرب والمقاتلة
والمشهور أنه قاله لأصحابه ليلة الهرير أو أول اللقاء بصفين :
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ وَأَكْمِلُوا اللَّأْمَةَ وَقَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا وَالْحَظُوا الْخَزْرَ وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ وَنَافِحُوا بِالظُّبَى وَصِلُوا السُّيُوفَ بِالْخُطَا وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللَّهِ وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ فَعَاوِدُوا الْكَرَّ وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الْأَعْقَابِ وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُحاً وَعَلَيْكُمْ بِهَذَا السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَالرِّوَاقِ الْمُطَنَّبِ فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ وَقَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلًا فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ.
67- ومن كلام له ( عليه السلام )
قالوا لما انتهت إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال ( عليه السلام ) ما قالت الأنصار قالوا قالت منا أمير ومنكم أمير قال ( عليه السلام ) :
فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَصَّى بِأَنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (98) (1/98)
يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ قَالُوا وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) لَوْ كَانَ الْإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ) فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ قَالُوا احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ ( عليه السلام ) احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ
68- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه وقتل :
وَ قَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَلَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ وَلَا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ بِلَا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَكَانَ لِي رَبِيباً.
69- ومن كلام له ( عليه السلام ) في توبيخ بعض أصحابه :
كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (99) (1/99)
كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا الذَّلِيلُ وَاللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ إِنَّكُمْ وَاللَّهِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لَا أَرَى إِصْلَاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اللَّهُ خُدُودَكُمْ وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ لَا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلَا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ.
70- وقال ( عليه السلام ) في سحرة اليوم الذي ضرب فيه :
مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ فَقَالَ ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي.
قال الشريف : يعني بالأود الاعوجاج وباللدد الخصام، وهذا من أفصح الكلام.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (100) (1/100)
71- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذم أهل العراق وفيها يوبخهم على ترك القتال والنصر يكاد يتم ثم تكذيبهم له :
أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُهَا وَطَالَ تَأَيُّمُهَا وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا. أَمَا وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَ عَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ كَلَّا وَاللَّهِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.
72- ومن خطبة له ( عليه السلام ) علَّم فيها الناس الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله )، وفيها بيان صفات الله سبحانه، وصفة النبي، والدعاء له :
صفات الله
اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (101) (1/101)
صفات النبي
اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ وَالدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلَا وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالْآثَامِ وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ.
الدعاء للنبي
اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ وَأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَخُطْبَةٍ فَصْلٍ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَقَرَارِ النِّعْمَةِ وَمُنَى الشَّهَوَاتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (102) (1/102)
وَ رَخَاءِ الدَّعَةِ وَمُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ.
73- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله لمروان بن الحكم بالبصرة :
قَالُوا : أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَسِيراً يَوْمَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ( عليهما السلام ) إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالَا لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ ( عليه السلام ) :
أَ وَلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لَا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ
74- ومن خطبة له ( عليه السلام ) لما عزموا على بيعة عثمان :
لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (103) (1/103)
75- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان :
أَ وَلَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي أَ وَمَا وَزَعَ الْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي وَلَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسَانِي أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وَخَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ وَعَلَى كِتَابِ اللَّهِ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ وَبِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ.
76- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الحث على العمل الصالح :
رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَى وَدُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا وَأَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَخَافَ ذَنْبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وَعَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً وَاجْتَنَبَ مَحْذُوراً وَرَمَى غَرَضاً وَأَحْرَزَ عِوَضاً كَابَرَ هَوَاهُ وَكَذَّبَ مُنَاهُ جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ وَالتَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ وَلَزِمَ الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ اغْتَنَمَ الْمَهَلَ وَبَادَرَ الْأَجَلَ وَتَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (104) (1/104)
77- ومن كلام له ( عليه السلام ) وذلك حين منعه سعيد بن العاص حقه :
إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفَوِّقُونَنِي تُرَاثَ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) تَفْوِيقاً وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الْوِذَامَ التَّرِبَةَ.
قال الشريف : ويروى التراب الوذمة وهو على القلب، قال الشريف وقوله ( عليه السلام ) ليفوقونني أي يعطونني من المال قليلا كفواق الناقة وهو الحلبة الواحدة من لبنها، والوذام جمع وذمة وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.
78- من كلمات كان ( عليه السلام ) يدعو بها :
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (105) (1/105)
79- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له : إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم فقال ( عليه السلام ) :
أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَتُخَوِّفُ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ وَاسْتَغْنَى عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ وَتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لِأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ وَأَمِنَ الضُّرَّ.
ثم أقبل ( عليه السلام ) على الناس فقال :
أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَتَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى الْكَهَانَةِ وَالْمُنَجِّمُ كَالْكَاهِنِ وَالْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ وَالسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ وَالْكَافِرُ فِي النَّارِ سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
80- ومن خطبة له ( عليه السلام ) بعد فراغه من حرب الجمل في ذم النساء ببيان نقصهن :
مَعَاشِرَ النَّاسِ إِنَّ النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الْإِيمَانِ نَوَاقِصُ الْحُظُوظِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (106) (1/106)
نَوَاقِصُ الْعُقُولِ فَأَمَّا نُقْصَانُ إِيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهِنَّ وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَأَمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوَارِيثُهُنَّ عَلَى الْأَنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَكُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ عَلَى حَذَرٍ وَلَا تُطِيعُوهُنَّ فِي الْمَعْرُوفِ حَتَّى لَا يَطْمَعْنَ فِي الْمُنْكَرِ.
81- ومن كلام له ( عليه السلام ) في الزهد :
أَيُّهَا النَّاسُ الزَّهَادَةُ قِصَرُ الْأَمَلِ وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعَمِ وَالتَّوَرُّعُ عِنْدَ الْمَحَارِمِ فَإِنْ عَزَبَ ذَلِكَ عَنْكُمْ فَلَا يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ وَلَا تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ.
82- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذم صفة الدنيا :
مَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ وَآخِرُهَا فَنَاءٌ فِي حَلَالِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (107) (1/107)
قال الشريف : أقول وإذا تأمل المتأمل قوله ( عليه السلام ) ومن أبصر بها بصرته وجد تحته من المعنى العجيب والغرض البعيد ما لا تبلغ غايته ولا يدرك غوره لا سيما إذا قرن إليه قوله ومن أبصر إليها أعمته فإنه يجد الفرق بين أبصر بها وأبصر إليها واضحا نيرا وعجيبا باهرا.
83- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي الخطبة العجيبة تسمى "الغراء"، وفيها نعوت اللّه جل شأنه، ثم الوصية بتقواه ثم التنفير من الدنيا، ثم ما يلحق من دخول القيامة، ثم تنبيه الخلق إلى ما هم فيه من الأعراض، ثم فضله ( عليه السلام ) في التذكير :
صفته جل شأنه
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ وَدَنَا بِطَوْلِهِ مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ.
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (108) (1/108)
وَ الرِّفَدِ الرَّوَافِغِ وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.
التنفير من الدنيا
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ حَتَّى إِذَا أَنِسَ نَافِرُهَا وَاطْمَأَنَّ نَاكِرُهَا قَمَصَتْ بِأَرْجُلِهَا وَقَنَصَتْ بِأَحْبُلِهَا وَأَقْصَدَتْ بِأَسْهُمِهَا وَأَعْلَقَتِ الْمَرْءَ أَوْهَاقَ الْمَنِيَّةِ قَائِدَةً لَهُ إِلَى ضَنْكِ الْمَضْجَعِ وَوَحْشَةِ الْمَرْجِعِ وَمُعَايَنَةِ الْمَحَلِّ وَثَوَابِ الْعَمَلِ. وَكَذَلِكَ الْخَلَفُ بِعَقْبِ السَّلَفِ لَا تُقْلِعُ الْمَنِيَّةُ اخْتِرَاماً وَلَا يَرْعَوِي الْبَاقُونَ اجْتِرَاماً يَحْتَذُونَ مِثَالًا وَيَمْضُونَ أَرْسَالًا إِلَى غَايَةِ الِانْتِهَاءِ وَصَيُّورِ الْفَنَاءِ.
بعد الموت البعث
حَتَّى إِذَا تَصَرَّمَتِ الْأُمُورُ وَتَقَضَّتِ الدُّهُورُ وَأَزِفَ النُّشُورُ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ضَرَائِحِ الْقُبُورِ وَأَوْكَارِ الطُّيُورِ وَأَوْجِرَةِ السِّبَاعِ وَمَطَارِحِ الْمَهَالِكِ سِرَاعاً إِلَى أَمْرِهِ مُهْطِعِينَ إِلَى مَعَادِهِ رَعِيلًا صُمُوتاً قِيَاماً صُفُوفاً يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَيُسْمِعُهُمُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (109) (1/109)
الدَّاعِي عَلَيْهِمْ لَبُوسُ الِاسْتِكَانَةِ وَضَرَعُ الِاسْتِسْلَامِ وَالذِّلَّةِ قَدْ ضَلَّتِ الْحِيَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ وَهَوَتِ الْأَفْئِدَةُ كَاظِمَةً وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مُهَيْنِمَةً وَأَلْجَمَ الْعَرَقُ وَعَظُمَ الشَّفَقُ وَأُرْعِدَتِ الْأَسْمَاعُ لِزَبْرَةِ الدَّاعِي إِلَى فَصْلِ الْخِطَابِ وَمُقَايَضَةِ الْجَزَاءِ وَنَكَالِ الْعِقَابِ وَنَوَالِ الثَّوَابِ.
تنبيه الخلق
عِبَادٌ مَخْلُوقُونَ اقْتِدَاراً وَمَرْبُوبُونَ اقْتِسَاراً وَمَقْبُوضُونَ احْتِضَاراً وَمُضَمَّنُونَ أَجْدَاثاً وَكَائِنُونَ رُفَاتاً وَمَبْعُوثُونَ أَفْرَاداً وَمَدِينُونَ جَزَاءً وَمُمَيَّزُونَ حِسَاباً قَدْ أُمْهِلُوا فِي طَلَبِ الْمَخْرَجِ وَهُدُوا سَبِيلَ الْمَنْهَجِ وَعُمِّرُوا مَهَلَ الْمُسْتَعْتِبِ وَكُشِفَتْ عَنْهُمْ سُدَفُ الرِّيَبِ وَخُلُّوا لِمِضْمَارِ الْجِيَادِ وَرَوِيَّةِ الِارْتِيَادِ وَأَنَاةِ الْمُقْتَبِسِ الْمُرْتَادِ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ وَمُضْطَرَبِ الْمَهَلِ.
فضل التذكير
فَيَا لَهَا أَمْثَالًا صَائِبَةً وَمَوَاعِظَ شَافِيَةً لَوْ صَادَفَتْ قُلُوباً زَاكِيَةً وَأَسْمَاعاً وَاعِيَةً وَآرَاءً عَازِمَةً وَأَلْبَاباً حَازِمَةً فَاتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ وَاقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ وَوَجِلَ فَعَمِلَ وَحَاذَرَ فَبَادَرَ وَأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ وَعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ وَحُذِّرَ فَحَذِرَ وَزُجِرَ فَازْدَجَرَ وَأَجَابَ فَأَنَابَ وَرَاجَعَ فَتَابَ وَاقْتَدَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (110) (1/110)
فَاحْتَذَى وَأُرِيَ فَرَأَى فَأَسْرَعَ طَالِباً وَنَجَا هَارِباً فَأَفَادَ ذَخِيرَةً وَأَطَابَ سَرِيرَةً وَعَمَّرَ مَعَاداً وَاسْتَظْهَرَ زَاداً لِيَوْمِ رَحِيلِهِ وَوَجْهِ سَبِيلِهِ وَحَالِ حَاجَتِهِ وَمَوْطِنِ فَاقَتِهِ وَقَدَّمَ أَمَامَهُ لِدَارِ مُقَامِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ جِهَةَ مَا خَلَقَكُمْ لَهُ وَاحْذَرُوا مِنْهُ كُنْهَ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَاسْتَحِقُّوا مِنْهُ مَا أَعَدَّ لَكُمْ بِالتَّنَجُّزِ لِصِدْقِ مِيعَادِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ هَوْلِ مَعَادِهِ.
التذكير بضروب النعم
و منها : جَعَلَ لَكُمْ أَسْمَاعاً لِتَعِيَ مَا عَنَاهَا وَأَبْصَاراً لِتَجْلُوَ عَنْ عَشَاهَا وَأَشْلَاءً جَامِعَةً لِأَعْضَائِهَا مُلَائِمَةً لِأَحْنَائِهَا فِي تَرْكِيبِ صُوَرِهَا وَمُدَدِ عُمُرِهَا بِأَبْدَانٍ قَائِمَةٍ بِأَرْفَاقِهَا وَقُلُوبٍ رَائِدَةٍ لِأَرْزَاقِهَا فِي مُجَلِّلَاتِ نِعَمِهِ وَمُوجِبَاتِ مِنَنِهِ وَحَوَاجِزِ عَافِيَتِهِ وَقَدَّرَ لَكُمْ أَعْمَاراً سَتَرَهَا عَنْكُمْ وَخَلَّفَ لَكُمْ عِبَراً مِنْ آثَارِ الْمَاضِينَ قَبْلَكُمْ مِنْ مُسْتَمْتَعِ خَلَاقِهِمْ وَمُسْتَفْسَحِ خَنَاقِهِمْ أَرْهَقَتْهُمُ الْمَنَايَا دُونَ الْآمَالِ وَشَذَّبَهُمْ عَنْهَا تَخَرُّمُ الْآجَالِ لَمْ يَمْهَدُوا فِي سَلَامَةِ الْأَبْدَانِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي أُنُفِ الْأَوَانِ فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بَضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ وَأَهْلُ غَضَارَةِ الصِّحَّةِ إِلَّا نَوَازِلَ السَّقَمِ وَأَهْلُ مُدَّةِ الْبَقَاءِ إِلَّا آوِنَةَ الْفَنَاءِ مَعَ قُرْبِ الزِّيَالِ وَأُزُوفِ الِانْتِقَالِ وَعَلَزِ الْقَلَقِ وَأَلَمِ الْمَضَضِ وَغُصَصِ الْجَرَضِ وَتَلَفُّتِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (111) (1/111)
الِاسْتِغَاثَةِ بِنُصْرَةِ الْحَفَدَةِ وَالْأَقْرِبَاءِ وَالْأَعِزَّةِ وَالْقُرَنَاءِ فَهَلْ دَفَعَتِ الْأَقَارِبُ أَوْ نَفَعَتِ النَّوَاحِبُ وَقَدْ غُودِرَ فِي مَحَلَّةِ الْأَمْوَاتِ رَهِيناً وَفِي ضِيقِ الْمَضْجَعِ وَحِيداً قَدْ هَتَكَتِ الْهَوَامُّ جِلْدَتَهُ وَأَبْلَتِ النَّوَاهِكُ جِدَّتَهُ وَعَفَتِ الْعَوَاصِفُ آثَارَهُ وَمَحَا الْحَدَثَانُ مَعَالِمَهُ وَصَارَتِ الْأَجْسَادُ شَحِبَةً بَعْدَ بَضَّتِهَا وَالْعِظَامُ نَخِرَةً بَعْدَ قُوَّتِهَا وَالْأَرْوَاحُ مُرْتَهَنَةً بِثِقَلِ أَعْبَائِهَا مُوقِنَةً بِغَيْبِ أَنْبَائِهَا لَا تُسْتَزَادُ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهَا وَلَا تُسْتَعْتَبُ مِنْ سَيِّئِ زَلَلِهَا أَ وَلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالْآبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالْأَقْرِبَاءَ تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَئُونَ جَادَّتَهُمْ فَالْقُلُوبُ قَاسِيَةٌ عَنْ حَظِّهَا لَاهِيَةٌ عَنْ رُشْدِهَا سَالِكَةٌ فِي غَيْرِ مِضْمَارِهَا كَأَنَّ الْمَعْنِيَّ سِوَاهَا وَكَأَنَّ الرُّشْدَ فِي إِحْرَازِ دُنْيَاهَا.
التحذير من هول الصراط
وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ وَسَلَكَ أَقْصَدَ الْمَسَالِكِ إِلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (112) (1/112)
النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلَاتُ الْغُرُورِ وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ظَافِراً بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى وَرَاحَةِ النُّعْمَى فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ وَآمَنِ يَوْمِهِ وَقَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيداً وَقَدَّمَ زَادَ الْآجِلَةِ سَعِيداً وَبَادَرَ مِنْ وَجَلٍ وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ وَنَظَرَ قُدُماً أَمَامَهُ فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالًا وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالًا وَكَفَى بِاللَّهِ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً.
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّاً وَنَفَثَ فِي الْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَأَرْدَى وَوَعَدَ فَمَنَّى وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ.
و منها في صفة خلق الإنسان
أَمْ هَذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ نُطْفَةً دِهَاقاً وَعَلَقَةً مِحَاقاً وَجَنِيناً وَرَاضِعاً وَوَلِيداً وَيَافِعاً ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْباً حَافِظاً وَلِسَاناً لَافِظاً وَبَصَراً لَاحِظاً لِيَفْهَمَ مُعْتَبِراً وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِراً حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ وَاسْتَوَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (113) (1/113)
مِثَالُهُ نَفَرَ مُسْتَكْبِراً وَخَبَطَ سَادِراً مَاتِحاً فِي غَرْبِ هَوَاهُ كَادِحاً سَعْياً لِدُنْيَاهُ فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ ثُمَّ لَا يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً وَلَا يَخْشَعُ تَقِيَّةً فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيراً وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيراً لَمْ يُفِدْ عِوَضاً وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضاً دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ وَسَنَنِ مِرَاحِهِ فَظَلَّ سَادِراً وَبَاتَ سَاهِراً فِي غَمَرَاتِ الْآلَامِ وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ وَوَالِدٍ شَفِيقٍ وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعاً وَلَادِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقاً وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً وَجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِساً ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ وَنِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ وَعَثْرَةِ الِامْتِحَانِ وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيمِ وَتَصْلِيَةُ الْجَحِيمِ وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ وَسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ لَا فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ وَلَا دَعَةٌ مُزِيحَةٌ وَلَا قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَلَا مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (114) (1/114)
وَ لَا سِنَةٌ مُسَلِّيَةٌ بَيْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ وَعَذَابِ السَّاعَاتِ إِنَّا بِاللَّهِ عَائِذُونَ عِبَادَ اللَّهِ أَيْنَ الَّذِينَ عُمِّرُوا فَنَعِمُوا وَعُلِّمُوا فَفَهِمُوا وَأُنْظِرُوا فَلَهَوْا وَسُلِّمُوا فَنَسُوا أُمْهِلُوا طَوِيلًا وَمُنِحُوا جَمِيلًا وَحُذِّرُوا أَلِيماً وَوُعِدُوا جَسِيماً احْذَرُوا الذُّنُوبَ الْمُوَرِّطَةَ وَالْعُيُوبَ الْمُسْخِطَةَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْعَافِيَةِ وَالْمَتَاعِ هَلْ مِنْ مَنَاصٍ أَوْ خَلَاصٍ أَوْ مَعَاذٍ أَوْ مَلَاذٍ أَوْ فِرَارٍ أَوْ مَحَارٍ أَمْ لَا فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ أَمْ أَيْنَ تُصْرَفُونَ أَمْ بِمَا ذَا تَغْتَرُّونَ وَإِنَّمَا حَظُّ أَحَدِكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ذَاتِ الطُّوْلِ وَالْعَرْضِ قِيدُ قَدِّهِ مُتَعَفِّراً عَلَى خَدِّهِ الْآنَ عِبَادَ اللَّهِ وَالْخِنَاقُ مُهْمَلٌ وَالرُّوحُ مُرْسَلٌ فِي فَيْنَةِ الْإِرْشَادِ وَرَاحَةِ الْأَجْسَادِ وَبَاحَةِ الِاحْتِشَادِ وَمَهَلِ الْبَقِيَّةِ وَأُنُفِ الْمَشِيَّةِ وَإِنْظَارِ التَّوْبَةِ وَانْفِسَاحِ الْحَوْبَةِ قَبْلَ الضَّنْكِ وَالْمَضِيقِ وَالرَّوْعِ وَالزُّهُوقِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْغَائِبِ الْمُنْتَظَرِ وَإِخْذَةِ الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.
قال الشريف : وفي الخبر أنه ( عليه السلام ) لما خطب بهذه الخطبة اقشعرت لها الجلود وبكت العيون ورجفت القلوب، ومن الناس من يسمي هذه الخطبة الغراء.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (115) (1/115)
84- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذكر عمرو بن العاص :
عَجَباً لِابْنِ النَّابِغَةِ يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً وَأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَأُمَارِسُ لَقَدْ قَالَ بَاطِلًا وَنَطَقَ آثِماً أَمَا وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَيَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَيَخُونُ الْعَهْدَ وَيَقْطَعُ الْإِلَّ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَآمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ [أَكْبَرَ] مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَرْمَ سَبَّتَهُ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الْآخِرَةِ إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً.
85- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها صفات ثمان من صفات الجلال:
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْأَوَّلُ لَا شَيْ ءَ قَبْلَهُ وَالْآخِرُ لَا غَايَةَ لَهُ لَا تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَلَا تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ وَلَا تَنَالُهُ التَّجْزِئَةُ وَالتَّبْعِيضُ وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (116) (1/116)
و منها : فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللَّهِ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَاعْتَبِرُوا بِالْآيِ السَّوَاطِعِ وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْأُمْنِيَّةِ وَدَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَالسِّيَاقَةُ إِلَى الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ فَ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَى مَحْشَرِهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا.
و منها في صفة الجنة
دَرَجَاتٌ مُتَفَاضِلَاتٌ وَمَنَازِلُ مُتَفَاوِتَاتٌ لَا يَنْقَطِعُ نَعِيمُهَا وَلَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلَا يَهْرَمُ خَالِدُهَا وَلَا يَبْأَسُ سَاكِنُهَا.
86- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها بيان صفات الحق جل جلاله، ثم عظة الناس بالتقوى والمشورة :
قَدْ عَلِمَ السَّرَائِرَ وَخَبَرَ الضَّمَائِرَ لَهُ الْإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ وَالْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَالْقُوَّةُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ
عظة الناس
فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ إِرْهَاقِ أَجَلِهِ وَفِي فَرَاغِهِ قَبْلَ أَوَانِ شُغُلِهِ وَفِي مُتَنَفَّسِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ وَلْيُمَهِّدْ لِنَفْسِهِ وَقَدَمِهِ وَلْيَتَزَوَّدْ مِنْ دَارِ ظَعْنِهِ لِدَارِ إِقَامَتِهِ فَاللَّهَ اللَّهَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (117) (1/117)
أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِي جَهَالَةٍ وَلَا عَمًى قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ وَعَلِمَ أَعْمَالَكُمْ وَكَتَبَ آجَالَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَلَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ الَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَأَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ وَنَوَاهِيَهُ وَأَوَامِرَهُ وَأَلْقَى إِلَيْكُمُ الْمَعْذِرَةَ وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ وَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ وَأَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ فَاسْتَدْرِكُوا بَقِيَّةَ أَيَّامِكُمْ وَاصْبِرُوا لَهَا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّهَا قَلِيلٌ فِي كَثِيرِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَكُونُ مِنْكُمْ فِيهَا الْغَفْلَةُ وَالتَّشَاغُلُ عَنِ الْمَوْعِظَةِ وَلَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَتَذْهَبَ بِكُمُ الرُّخَصُ مَذَاهِبَ الظَّلَمَةِ وَلَا تُدَاهِنُوا فَيَهْجُمَ بِكُمُ الْإِدْهَانُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ أَنْصَحَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُهُمْ لِرَبِّهِ وَإِنَّ أَغَشَّهُمْ لِنَفْسِهِ أَعْصَاهُمْ لِرَبِّهِ وَالْمَغْبُونُ مَنْ غَبَنَ نَفْسَهُ وَالْمَغْبُوطُ مَنْ سَلِمَ لَهُ دِينُهُ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ وَالشَّقِيُّ مَنِ انْخَدَعَ لِهَوَاهُ وَغُرُورِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلْإِيمَانِ وَمَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّهُ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وَكَرَامَةٍ وَالْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ وَمَهَانَةٍ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (118) (1/118)
تَحَاسَدُوا فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْإِيمَانَ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ وَلَا تَبَاغَضُوا فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ وَيُنْسِي الذِّكْرَ فَأَكْذِبُوا الْأَمَلَ فَإِنَّهُ غُرُورٌ وَصَاحِبُهُ مَغْرُورٌ.
87- ومن خطبة له ( عليه السلام )، وهي في بيان صفات المتقين، وصفات الفساق، والتنبيه إلى مكان العترة الطيبة، والظن الخاطئ لبعض الناس :
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَاسْتَشْعَرَ الْحُزْنَ وَتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ وَأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ وَهَوَّنَ الشَّدِيدَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَذَكَرَ فَاسْتَكْثَرَ وَارْتَوَى مِنْ عَذْبٍ فُرَاتٍ سُهِّلَتْ لَهُ مَوَارِدُهُ فَشَرِبَ نَهَلًا وَسَلَكَ سَبِيلًا جَدَداً قَدْ خَلَعَ سَرَابِيلَ الشَّهَوَاتِ وَتَخَلَّى مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمّاً وَاحِداً انْفَرَدَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ صِفَةِ الْعَمَى وَمُشَارَكَةِ أَهْلِ الْهَوَى وَصَارَ مِنْ مَفَاتِيحِ أَبْوَابِ الْهُدَى وَمَغَالِيقِ أَبْوَابِ الرَّدَى قَدْ أَبْصَرَ طَرِيقَهُ وَسَلَكَ سَبِيلَهُ وَعَرَفَ مَنَارَهُ وَقَطَعَ غِمَارَهُ وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَتَصْيِيرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ كَشَّافُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (119) (1/119)
عَشَوَاتٍ مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ دَفَّاعُ مُعْضِلَاتٍ دَلِيلُ فَلَوَاتٍ يَقُولُ فَيُفْهِمُ وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ قَدْ أَخْلَصَ لِلَّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ وَأَوْتَادِ أَرْضِهِ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ لَا يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلَّا أَمَّهَا وَلَا مَظِنَّةً إِلَّا قَصَدَهَا قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ.
صفات الفساق
وَ آخَرُ قَدْ تَسَمَّى عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ فَاقْتَبَسَ جَهَائِلَ مِنْ جُهَّالٍ وَأَضَالِيلَ مِنْ ضُلَّالٍ وَنَصَبَ لِلنَّاسِ أَشْرَاكاً مِنْ حَبَائِلِ غُرُورٍ وَقَوْلِ زُورٍ قَدْ حَمَلَ الْكِتَابَ عَلَى آرَائِهِ وَعَطَفَ الْحَقَّ عَلَى أَهْوَائِهِ يُؤْمِنُ النَّاسَ مِنَ الْعَظَائِمِ وَيُهَوِّنُ كَبِيرَ الْجَرَائِمِ يَقُولُ أَقِفُ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَفِيهَا وَقَعَ وَيَقُولُ أَعْتَزِلُ الْبِدَعَ وَبَيْنَهَا اضْطَجَعَ فَالصُّورَةُ صُورَةُ إِنْسَانٍ وَالْقَلْبُ قَلْبُ حَيَوَانٍ لَا يَعْرِفُ بَابَ الْهُدَى فَيَتَّبِعَهُ وَلَا بَابَ الْعَمَى فَيَصُدَّ عَنْهُ وَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ.
عترة النبي
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ وَالْأَعْلَامُ قَائِمَةٌ وَالْآيَاتُ وَاضِحَةٌ وَالْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَكَيْفَ تَعْمَهُونَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (120) (1/120)
وَ بَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ وَأَعْلَامُ الدِّينِ وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ( صلى الله عليه وآله ) إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ وَاعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَا أَ لَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الْأَكْبَرِ وَأَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الْأَصْغَرَ قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الْإِيمَانِ وَوَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَأَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي وَفَرَشْتُكُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي وَأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الْأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي فَلَا تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْيَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ وَلَا تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكَرُ.
ظن خاطئ
و منها : حَتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّ الدُّنْيَا مَعْقُولَةٌ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ تَمْنَحُهُمْ دَرَّهَا وَتُورِدُهُمْ صَفْوَهَا وَلَا يُرْفَعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَوْطُهَا وَلَا سَيْفُهَا وَكَذَبَ الظَّانُّ لِذَلِكَ بَلْ هِيَ مَجَّةٌ مِنْ لَذِيذِ الْعَيْشِ يَتَطَعَّمُونَهَا بُرْهَةً ثُمَّ يَلْفِظُونَهَا جُمْلَةً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (121) (1/121)
88- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها بيان للأسباب التي تهلك الناس :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلَّا بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ وَلَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا بَعْدَ أَزْلٍ وَبَلَاءٍ وَفِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَمَا اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ وَلَا كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ وَلَا كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ فَيَا عَجَباً وَمَا لِيَ لَا أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هَذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلَافِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا لَا يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ وَلَا يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ وَلَا يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ يَعْمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا مَفْزَعُهُمْ فِي الْمُعْضِلَاتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ وَتَعْوِيلُهُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ كَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرًى ثِقَاتٍ وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ.
89- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وبلاغ الإمام عنه :
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (122) (1/122)
وَ اعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ وَانْتِشَارٍ مِنَ الْأُمُورِ وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ وَالدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى وَظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ وَدِثَارُهَا السَّيْفُ. فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللَّهِ وَاذْكُرُوا تِيكَ الَّتِي آبَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ وَعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ وَلَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَلَا بِهِمُ الْعُهُودُ وَلَا خَلَتْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمُ الْأَحْقَابُ وَالْقُرُونُ وَمَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلَابِهِمْ بِبَعِيدٍ. وَاللَّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئاً إِلَّا وَهَا أَنَا ذَا مُسْمِعُكُمُوهُ وَمَا أَسْمَاعُكُمُ الْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالْأَمْسِ وَلَا شُقَّتْ لَهُمُ الْأَبْصَارُ وَلَا جُعِلَتْ لَهُمُ الْأَفْئِدَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ وَوَ اللَّهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ وَلَا أُصْفِيتُمْ بِهِ وَحُرِمُوهُ وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلًا خِطَامُهَا رِخْواً بِطَانُهَا فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ.
90- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وتشتمل على قدم الخالق وعظم مخلوقاته، ويختمها بالوعظ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (123) (1/123)
الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَلَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ وَلَا لَيْلٌ دَاجٍ وَلَا بَحْرٌ سَاجٍ وَلَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ وَلَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ وَلَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ وَلَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ ذَلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَوَارِثُهُ وَإِلَهُ الْخَلْقِ وَرَازِقُهُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ دَائِبَانِ فِي مَرْضَاتِهِ يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ قَسَمَ أَرْزَاقَهُمْ وَأَحْصَى آثَارَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَعَدَدَ أَنْفُسِهِمْ وَخَائِنَةَ أَعْيُنِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ مِنَ الضَّمِيرِ وَمُسْتَقَرَّهُمْ وَمُسْتَوْدَعَهُمْ مِنَ الْأَرْحَامِ وَالظُّهُورِ إِلَى أَنْ تَتَنَاهَى بِهِمُ الْغَايَاتُ هُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ نِقْمَتُهُ عَلَى أَعْدَائِهِ فِي سَعَةِ رَحْمَتِهِ وَاتَّسَعَتْ رَحْمَتُهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي شِدَّةِ نِقْمَتِهِ قَاهِرُ مَنْ عَازَّهُ وَمُدَمِّرُ مَنْ شَاقَّهُ وَمُذِلُّ مَنْ نَاوَاهُ وَغَالِبُ مَنْ عَادَاهُ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ وَمَنْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ وَمَنْ أَقْرَضَهُ قَضَاهُ وَمَنْ شَكَرَهُ جَزَاهُ عِبَادَ اللَّهِ زِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا وَحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا وَتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ وَانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ وَزَاجِرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا لَا زَاجِرٌ وَلَا وَاعِظٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (124) (1/124)
91- ومن خطبة له ( عليه السلام ) تعرف بخطبة الأشباح وهي من جلائل خطبه ( عليه السلام ) :
رَوَى مَسْعَدَةُ بْنُ صَدَقَةَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ( عليه السلام ) أَنَّهُ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا رَبَّنَا مِثْلَ مَا نَرَاهُ عِيَاناً لِنَزْدَادَ لَهُ حُبّاً وَبِهِ مَعْرِفَةً فَغَضِبَ وَنَادَى الصَّلَاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَهُوَ مُغْضَبٌ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ثُمَّ قَالَ :
وصف اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ وَلَا يُكْدِيهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلَاهُ وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ وَعَوَائِدِ الْمَزِيدِ وَالْقِسَمِ عِيَالُهُ الْخَلَائِقُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ وَنَهَجَ سَبِيلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْهِ وَالطَّالِبِينَ مَا لَدَيْهِ وَلَيْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ يُسْأَلْ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَيَكُونَ شَيْ ءٌ قَبْلَهُ وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لهُ بَعْدٌ فَيَكُونَ شَيْ ءٌ بَعْدَهُ وَالرَّادِعُ أَنَاسِيَّ الْأَبْصَارِ عَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ دَهْرٌ فَيَخْتَلِفَ مِنْهُ الْحَالُ وَلَا كَانَ فِي مَكَانٍ فَيَجُوزَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ وَلَوْ وَهَبَ مَا تَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ وَضَحِكَتْ عَنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ مِنْ فِلِزِّ اللُّجَيْنِ وَالْعِقْيَانِ وَنُثَارَةِ الدُّرِّ وَحَصِيدِ الْمَرْجَانِ مَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي جُودِهِ وَلَا أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ وَلَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (125) (1/125)
مَا لَا تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الْأَنَامِ لِأَنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِي لَا يَغِيضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِينَ وَلَا يُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ الْمُلِحِّينَ.
صفاته تعالى في القرآن
فَانْظُرْ أَيُّهَا السَّائِلُ فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ عَلَيْكَ فَرْضُهُ وَلَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنْتَهَى حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَمَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً فَاقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي إِذَا ارْتَمَتِ الْأَوْهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ وَحَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ فِي عَمِيقَاتِ غُيُوبِ مَلَكُوتِهِ وَتَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ لِتَجْرِيَ فِي كَيْفِيَّةِ صِفَاتِهِ وَغَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فِي حَيْثُ لَا تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمِ ذَاتِهِ رَدَعَهَا وَهِيَ تَجُوبُ مَهَاوِيَ سُدَفِ الْغُيُوبِ مُتَخَلِّصَةً إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (126) (1/126)
فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنَّهُ لَا يُنَالُ بِجَوْرِ الِاعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ وَلَا تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِي الرَّوِيَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِيرِ جَلَالِ عِزَّتِه الَّذِي ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ وَلَا مِقْدَارٍ احْتَذَى عَلَيْهِ مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثَارُ حِكْمَتِهِ وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى أَنْ يُقِيمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ مَا دَلَّنَا بِاضْطِرَارِ قِيَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا آثَارُ صَنْعَتِهِ وَأَعْلَامُ حِكْمَتِهِ فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِيرِ نَاطِقَةٌ وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَايُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ وَتَلَاحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِيرِ حِكْمَتِكَ لَمْ يَعْقِدْ غَيْبَ ضَمِيرِهِ عَلَى مَعْرِفَتِكَ وَلَمْ يُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْيَقِينُ بِأَنَّهُ لَا نِدَّ لَكَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ إِذْ يَقُولُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَنَحَلُوكَ حِلْيَةَ الْمَخْلُوقِينَ بِأَوْهَامِهِمْ وَجَزَّءُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّمَاتِ بِخَوَاطِرِهِمْ وَقَدَّرُوكَ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الْقُوَى بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ وَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ وَنَطَقَتْ عَنْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (127) (1/127)
شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ فَتَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً وَلَا فِي رَوِيَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً.
و منها : قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِيرَهُ وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِيرَهُ وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ وَلَمْ يَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَى غَايَتِهِ وَلَمْ يَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِيِّ عَلَى إِرَادَتِهِ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشِيئَتِهِ الْمُنْشِئُ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ بِلَا رَوِيَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَيْهَا وَلَا قَرِيحَةِ غَرِيزَةٍ أَضْمَرَ عَلَيْهَا وَلَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ وَلَا شَرِيكٍ أَعَانَهُ عَلَى ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَأَجَابَ إِلَى دَعْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِضْ دُونَهُ رَيْثُ الْمُبْطِئِ وَلَا أَنَاةُ الْمُتَلَكِّئِ فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوَدَهَا وَنَهَجَ حُدُودَهَا وَلَاءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَيْنَ مُتَضَادِّهَا وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِي الْحُدُودِ وَالْأَقْدَارِ وَالْغَرَائِزِ وَالْهَيْئَاتِ بَدَايَا خَلَائِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا وَفَطَرَهَا عَلَى مَا أَرَادَ وَابْتَدَعَهَا.
و منها في صفة السماء
وَ نَظَمَ بِلَا تَعْلِيقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَلَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (128) (1/128)
وَ وَشَّجَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَزْوَاجِهَا وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِينَ بِأَمْرِهِ وَالصَّاعِدِينَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِيَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَى أَشْرَاجِهَا وَفَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَى نِقَابِهَا وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِي خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَيْدِهِ وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ وَجَعَلَ شَمْسَهَا آيَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا وَقَمَرَهَا آيَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَيْلِهَا وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا وَقَدَّرَ سَيْرَهُمَا فِي مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِيُمَيِّزَ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا وَلِيُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِينَ وَالْحِسَابُ بِمَقَادِيرِهِمَا ثُمَّ عَلَّقَ فِي جَوِّهَا فَلَكَهَا وَنَاطَ بِهَا زِينَتَهَا مِنْ خَفِيَّاتِ دَرَارِيِّهَا وَمَصَابِيحِ كَوَاكِبِهَا وَرَمَى مُسْتَرِقِي السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا وَأَجْرَاهَا عَلَى أَذْلَالِ تَسْخِيرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا وَمَسِيرِ سَائِرِهَا وَهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.
و منها في صفة الملائكة
ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ وَعِمَارَةِ الصَّفِيحِ الْأَعْلَى مِنْ مَلَكُوتِهِ خَلْقاً بَدِيعاً مِنْ مَلَائِكَتِهِ وَمَلَأَ بِهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا وَبَيْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِينَ مِنْهُمْ فِي حَظَائِرِ الْقُدُسِ وَسُتُرَاتِ الْحُجُبِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (129) (1/129)
وَ سُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ الرَّجِيجِ الَّذِي تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَى حُدُودِهَا. وَأَنْشَأَهُمْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ أُولِي أَجْنِحَةٍ تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ لَا يَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِي الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَلَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ شَيْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِيمَا هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَى وَحْيِهِ وَحَمَّلَهُمْ إِلَى الْمُرْسَلِينَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَيْبِ الشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ الْمَعُونَةِ وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِينَةِ وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَى تَمَاجِيدِهِ وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَى أَعْلَامِ تَوْحِيدِهِ لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُؤْصِرَاتُ الْآثَامِ وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِيمَةَ إِيمَانِهِمْ وَلَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَى مَعَاقِدِ يَقِينِهِمْ وَلَا قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا سَلَبَتْهُمُ الْحَيْرَةُ مَا لَاقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمَائِرِهِمْ وَمَا سَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَيْبَةِ جَلَالَتِهِ فِي أَثْنَاءِ صُدُورِهِمْ وَلَمْ تَطْمَعْ فِيهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَيْنِهَا عَلَى فِكْرِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي خَلْقِ الْغَمَامِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (130) (1/130)
الدُّلَّحِ وَفِي عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ وَفِي قَتْرَةِ الظَّلَامِ الْأَيْهَمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَى فَهِيَ كَرَايَاتٍ بِيضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِي مَخَارِقِ الْهَوَاءِ وَتَحْتَهَا رِيحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَى حَيْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِيَةِ قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ وَوَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِيمَانِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ وَقَطَعَهُمُ الْإِيقَانُ بِهِ إِلَى الْوَلَهِ إِلَيْهِ وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ ذَاقُوا حَلَاوَةَ مَعْرِفَتِهِ وَشَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِيَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَيْدَاءِ قُلُوبِهِمْ وَشِيجَةُ خِيفَتِهِ فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهِمْ وَلَمْ يُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَيْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَلَا أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِيمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهِمْ وَلَمْ يَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَيَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ وَلَا تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلَالِ نَصِيباً فِي تَعْظِيمِ حَسَنَاتِهِمْ وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِيهِمْ عَلَى طُولِ دُءُوبِهِمْ وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَيُخَالِفُوا عَنْ رَجَاءِ رَبِّهِمْ وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلَاتُ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَيْهِ أَصْوَاتُهُمْ وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِي مَقَاوِمِ الطَّاعَةِ مَنَاكِبُهُمْ وَلَمْ يَثْنُوا إِلَى رَاحَةِ التَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ رِقَابَهُمْ. وَلَا تَعْدُو عَلَى عَزِيمَةِ جِدِّهِمْ بَلَادَةُ الْغَفَلَاتِ وَلَا تَنْتَضِلُ فِي هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ قَدِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (131) (1/131)
اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِيرَةً لِيَوْمِ فَاقَتِهِمْ وَيَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ بِرَغْبَتِهِمْ لَا يَقْطَعُونَ أَمَدَ غَايَةِ عِبَادَتِهِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِمُ الِاسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ إِلَّا إِلَى مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهِمْ غَيْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَمَخَافَتِهِ لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ فَيَنُوا فِي جِدِّهِمْ وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَيُؤْثِرُوا وَشِيكَ السَّعْيِ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ لَمْ يَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي رَبِّهِمْ بِاسْتِحْوَاذِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ وَلَا تَوَلَّاهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ وَلَا تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّيَبِ وَلَا اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْيَافُ الْهِمَمِ فَهُمْ أُسَرَاءُ إِيمَانٍ لَمْ يَفُكَّهُمْ مِنْ رِبْقَتِهِ زَيْغٌ وَلَا عُدُولٌ وَلَا وَنًى وَلَا فُتُورٌ وَلَيْسَ فِي أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ يَزْدَادُونَ عَلَى طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهِمْ عِلْماً وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِي قُلُوبِهِمْ عِظَماً.
و منها في صفة الأرض ودحوها على الماء
كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ وَلُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ تَلْتَطِمُ أَوَاذِيُّ أَمْوَاجِهَا وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِهَا وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِيَاجِهَا فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلَاطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا وَسَكَنَ هَيْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (132) (1/132)
بِكَلْكَلِهَا وَذَلَّ مُسْتَخْذِياً إِذْ تَمَعَّكَتْ عَلَيْهِ بِكَوَاهِلِهَا فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ سَاجِياً مَقْهُوراً وَفِي حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِيراً وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِي لُجَّةِ تَيَّارِهِ وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَاعْتِلَائِهِ وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ وَكَعَمَتْهُ عَلَى كِظَّةِ جَرْيَتِهِ فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ وَلَبَدَ بَعْدَ زَيَفَانِ وَثَبَاتِهِ فَلَمَّا سَكَنَ هَيْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا وَحَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ الْبُذَّخِ عَلَى أَكْتَافِهَا فَجَّرَ يَنَابِيعَ الْعُيُونِ مِنْ عَرَانِينِ أُنُوفِهَا وَفَرَّقَهَا فِي سُهُوبِ بِيدِهَا وَأَخَادِيدِهَا وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسِيَاتِ مِنْ جَلَامِيدِهَا وَذَوَاتِ الشَّنَاخِيبِ الشُّمِّ مِنْ صَيَاخِيدِهَا فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَيَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِي قِطَعِ أَدِيمِهَا وَتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فِي جَوْبَاتِ خَيَاشِيمِهَا وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِينَ وَجَرَاثِيمِهَا وَفَسَحَ بَيْنَ الْجَوِّ وَبَيْنَهَا وَأَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا وَأَخْرَجَ إِلَيْهَا أَهْلَهَا عَلَى تَمَامِ مَرَافِقِهَا ثُمَّ لَمْ يَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِي تَقْصُرُ مِيَاهُ الْعُيُونِ عَنْ رَوَابِيهَا وَلَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِيعَةً إِلَى بُلُوغِهَا حَتَّى أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْيِي مَوَاتَهَا وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَتَبَايُنِ قَزَعِهِ حَتَّى إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (133) (1/133)
الْمُزْنِ فِيهِ وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فِي كُفَفِهِ وَلَمْ يَنَمْ وَمِيضُهُ فِي كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِكاً قَدْ أَسَفَّ هَيْدَبُهُ تَمْرِيهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِيبِهِ وَدُفَعَ شَآبِيبِهِ. فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْكَ بِوَانَيْهَا وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْ ءِ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَمِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ فَهِيَ تَبْهَجُ بِزِينَةِ رِيَاضِهَا وَتَزْدَهِي بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَيْطِ أَزَاهِيرِهَا وَحِلْيَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَجَعَلَ ذَلِكَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ وَرِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِي آفَاقِهَا وَأَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِكِينَ عَلَى جَوَادِّ طُرُقِهَا فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ ( عليه السلام ) خِيرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَأَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ وَأَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَالْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَلِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَيَصِلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَمُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالَاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (134) (1/134)
حُجَّتُهُ وَبَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ وَقَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا وَقَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا وَلِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَالصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَفَقِيرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا وَبِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا وَخَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا وَوَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَجَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَقَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ وَنَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ وَعُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ وَمَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَغَيَابَاتُ الْغُيُوبِ وَمَا أَصْغَتْ لِاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَمَصَايِفُ الذَّرِّ وَمَشَاتِي الْهَوَامِّ وَرَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ الْمُولَهَاتِ وَهَمْسِ الْأَقْدَامِ وَمُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَأَوْدِيَتِهَا وَمُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَأَلْحِيَتِهَا وَمَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَمَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ وَنَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَمُتَلَاحِمِهَا وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فِي مُتَرَاكِمِهَا وَمَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا وَتَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (135) (1/135)
وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ وَتَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ وَمَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ وَحَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَمَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْلٍ أَوْ ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَارٍ وَمَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ وَسُبُحَاتُ النُّورِ وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَتَحْرِيكِ كُلِّ شَفَةٍ وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ وَمِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ وَهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ وَمَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ أَوْ سَاقِطِ وَرَقَةٍ أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ أَوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَمُضْغَةٍ أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَسُلَالَةٍ لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَلَا اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَلَا اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وَتَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَلَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.
دعاء
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ وَالتَّعْدَادِ الْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَلَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَلَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرِّيبَةِ وَعَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِيِّينَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (136) (1/136)
وَ الثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَهَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ وَلَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَالْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ وَلَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وَجُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
92- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان :
دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَأَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَإِنَّ الْآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَاعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ الْعَاتِبِ وَإِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ وَلَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَأَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (137) (1/137)
93- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها ينبّه أمير المؤمنين على فضله وعلمه ويبيّن فتنة بني أمية :
أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَاشْتَدَّ كَلَبُهَا فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْ ءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَلَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً وَتُضِلُّ مِائَةً إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا وَمُنَاخِ رِكَابِهَا وَمَحَطِّ رِحَالِهَا وَمَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلًا وَمَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً وَلَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ وَحَوَازِبُ الْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ وَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ وَذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وَشَمَّرَتْ عَنْ سَاقٍ وَضَاقَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً تَسْتَطِيلُونَ مَعَهُ أَيَّامَ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلَاتٍ وَيُعْرَفْنَ مُدْبِرَاتٍ يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَيُخْطِئْنَ بَلَداً أَلَا وَإِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَخَصَّتْ بَلِيَّتُهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (138) (1/138)
وَ أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَأَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا وَايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوءٍ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ بِفِيهَا وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا وَتَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَتَمْنَعُ دَرَّهَا لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِرٍ بِهِمْ وَلَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا كَانْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ وَالصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهَاءَ مَخْشِيَّةً وَقِطَعاً جَاهِلِيَّةً لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى وَلَا عَلَمٌ يُرَى نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَيَسُوقُهُمْ عُنْفاً وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ وَلَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً وَلَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا يُعْطُونِيهِ.
94- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها يصف اللّه تعالى ثم يبين فضل الرسول الكريم وأهل بيته ثم يعظ الناس :
اللّه تعالى
فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي لَا يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلَا يَنَالُهُ حَدْسُ الْفِطَنِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (139) (1/139)
الْأَوَّلُ الَّذِي لَا غَايَةَ لَهُ فَيَنْتَهِيَ وَلَا آخِرَ لَهُ فَيَنْقَضِيَ.
و منها في وصف الأنبياء
فَاسْتَوْدَعَهُمْ فِي أَفْضَلِ مُسْتَوْدَعٍ وَأَقَرَّهُمْ فِي خَيْرِ مُسْتَقَرٍّ تَنَاسَخَتْهُمْ كَرَائِمُ الْأَصْلَابِ إِلَى مُطَهَّرَاتِ الْأَرْحَامِ كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ سَلَفٌ قَامَ مِنْهُمْ بِدِينِ اللَّهِ خَلَفٌ.
رسول اللّه وآل بيته
حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَأَعَزِّ الْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ الْعِتَرِ وَأُسْرَتُهُ خَيْرُ الْأُسَرِ وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ الشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَثَمَرٌ لَا يُنَالُ فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ سِيرَتُهُ الْقَصْدُ وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ وَكَلَامُهُ الْفَصْلُ وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ وَغَبَاوَةٍ مِنَ الْأُمَمِ.
عظة الناس
اعْمَلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ عَلَى أَعْلَامٍ بَيِّنَةٍ فَالطَّرِيقُ نَهْجٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (140) (1/140)
يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَأَنْتُمْ فِي دَارِ مُسْتَعْتَبٍ عَلَى مَهَلٍ وَفَرَاغٍ وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَالْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ وَالْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَالْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَالتَّوْبَةُ مَسْمُوعَةٌ وَالْأَعْمَالُ مَقْبُولَةٌ.
95- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يقرر فضيلة الرسول الكريم :
بَعَثَهُ وَالنَّاسُ ضُلَّالٌ فِي حَيْرَةٍ وَحَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اسْتَهْوَتْهُمُ الْأَهْوَاءُ وَاسْتَزَلَّتْهُمُ الْكِبْرِيَاءُ وَاسْتَخَفَّتْهُمُ الْجَاهِلِيَّةُ الْجَهْلَاءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ الْأَمْرِ وَبَلَاءٍ مِنَ الْجَهْلِ فَبَالَغَ ( صلى الله عليه وآله ) فِي النَّصِيحَةِ وَمَضَى عَلَى الطَّرِيقَةِ وَدَعَا إِلَى الْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ.
96- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في اللّه وفي الرسول الأكرم :
اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ فَلَا شَيْ ءَ قَبْلَهُ وَالْآخِرِ فَلَا شَيْ ءَ بَعْدَهُ وَالظَّاهِرِ فَلَا شَيْ ءَ فَوْقَهُ وَالْبَاطِنِ فَلَا شَيْ ءَ دُونَهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (141) (1/141)
و منها في ذكر الرسول ( صلى الله عليه وآله )
مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَمَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ وَمَمَاهِدِ السَّلَامَةِ قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ دَفَنَ اللَّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ وَأَطْفَأَ بِهِ الثَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ كَلَامُهُ بَيَانٌ وَصَمْتُهُ لِسَانٌ.
97- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في أصحابه وأصحاب رسول اللّه :
أصحاب علي
وَ لَئِنْ أَمْهَلَ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ وَهُوَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ وَبِمَوْضِعِ الشَّجَا مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَظْهَرَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ لَيْسَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لِإِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِ صَاحِبِهِمْ وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ ظُلْمَ رُعَاتِهَا وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلْمَ رَعِيَّتِي اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا أَ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ وَعَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ أَتْلُو عَلَيْكُمْ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (142) (1/142)
مِنْهَا وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً كَظَهْرِ الْحَنِيَّةِ عَجَزَ الْمُقَوِّمُ وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤُهُمْ صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلَاثٍ وَاثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ وَبُكْمٌ ذَوُو كَلَامٍ وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لَا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلَاءِ تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ يَا أَشْبَاهَ الْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَحَمِيَ الضِّرَابُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَمِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (143) (1/143)
أصحاب رسول اللّه
انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَلَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً وَقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وَقِيَاماً يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِمْ وَخُدُودِهِمْ وَيَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ كَأَنَّ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ وَمَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ وَرَجَاءً لِلثَّوَابِ.
98- ومن كلام له ( عليه السلام ) يشير فيه إلى ظلم بني أمية :
وَ اللَّهِ لَا يَزَالُونَ حَتَّى لَا يَدَعُوا لِلَّهِ مُحَرَّماً إِلَّا اسْتَحَلُّوهُ وَلَا عَقْداً إِلَّا حَلُّوهُ وَحَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا دَخَلَهُ ظُلْمُهُمْ وَنَبَا بِهِ سُوءُ رَعْيِهِمْ وَحَتَّى يَقُومَ الْبَاكِيَانِ يَبْكِيَانِ بَاكٍ يَبْكِي لِدِينِهِ وَبَاكٍ يَبْكِي لِدُنْيَاهُ وَحَتَّى تَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (144) (1/144)
مِنْ أَحَدِهِمْ كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ إِذَا شَهِدَ أَطَاعَهُ وَإِذَا غَابَ اغْتَابَهُ وَحَتَّى يَكُونَ أَعْظَمَكُمْ فِيهَا عَنَاءً أَحْسَنُكُمْ بِاللَّهِ ظَنّاً فَإِنْ أَتَاكُمُ اللَّهُ بِعَافِيَةٍ فَاقْبَلُوا وَإِنِ ابْتُلِيتُمْ فَاصْبِرُوا فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
99- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في التزهيد من الدنيا :
نَحْمَدُهُ عَلَى مَا كَانَ وَنَسْتَعِينُهُ مِنْ أَمْرِنَا عَلَى مَا يَكُونُ وَنَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الْأَدْيَانِ كَمَا نَسْأَلُهُ الْمُعَافَاةَ فِي الْأَبْدَانِ عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِالرَّفْضِ لِهَذِهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا وَالْمُبْلِيَةِ لِأَجْسَامِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهَا كَسَفْرٍ سَلَكُوا سَبِيلًا فَكَأَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوهُ وَأَمُّوا عَلَماً فَكَأَنَّهُمْ قَدْ بَلَغُوهُ وَكَمْ عَسَى الْمُجْرِي إِلَى الْغَايَةِ أَنْ يَجْرِيَ إِلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغَهَا وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ مَنْ لَهُ يَوْمٌ لَا يَعْدُوهُ وَطَالِبٌ حَثِيثٌ مِنَ الْمَوْتِ يَحْدُوهُ وَمُزْعِجٌ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُفَارِقَهَا رَغْماً فَلَا تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا وَلَا تَعْجَبُوا بِزِينَتِهَا وَنَعِيمِهَا وَلَا تَجْزَعُوا مِنْ ضَرَّائِهَا وَبُؤْسِهَا فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاعٍ وَإِنَّ زِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَالٍ وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (145) (1/145)
نَفَادٍ وَكُلُّ مُدَّةٍ فِيهَا إِلَى انْتِهَاءٍ وَكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ أَ وَلَيْسَ لَكُمْ فِي آثَارِ الْأَوَّلِينَ مُزْدَجَرٌ وَفِي آبَائِكُمُ الْمَاضِينَ تَبْصِرَةٌ وَمُعْتَبَرٌ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أَ وَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَاضِينَ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُونَ وَإِلَى الْخَلَفِ الْبَاقِينَ لَا يَبْقَوْنَ أَ وَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُصْبِحُونَ وَيُمْسُونَ عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى فَمَيِّتٌ يُبْكَى وَآخَرُ يُعَزَّى وَصَرِيعٌ مُبْتَلًى وَعَائِدٌ يَعُودُ وَآخَرُ بِنَفْسِهِ يَجُودُ وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ وَغَافِلٌ وَلَيْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ وَعَلَى أَثَرِ الْمَاضِي مَا يَمْضِي الْبَاقِي أَلَا فَاذْكُرُوا هَاذِمَ اللَّذَّاتِ وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ وَقَاطِعَ الْأُمْنِيَاتِ عِنْدَ الْمُسَاوَرَةِ لِلْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ وَاسْتَعِينُوا اللَّهَ عَلَى أَدَاءِ وَاجِبِ حَقِّهِ وَمَا لَا يُحْصَى مِنْ أَعْدَادِ نِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ.
100- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في رسول اللّه وأهل بيته :
الْحَمْدُ لِلَّهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ وَالْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً وَبِذِكْرِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (146) (1/146)
نَاطِقاً فَأَدَّى أَمِيناً وَمَضَى رَشِيداً وَخَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلَامِ بَطِي ءُ الْقِيَامِ سَرِيعٌ إِذَا قَامَ فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يُطْلِعَ اللَّهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ فَلَا تَطْمَعُوا فِي غَيْرِ مُقْبِلٍ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِرٍ فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ وَتَثْبُتَ الْأُخْرَى فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ وَأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ.
101- ومن خطبة له ( عليه السلام )، وهي إحدى الخطب المشتملة على الملاحم :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوَّلٍ وَالْآخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِرٍ وَبِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لَا أَوَّلَ لَهُ وَبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لَا آخِرَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الْإِعْلَانَ وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ أَيُّهَا النَّاسُ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (147) (1/147)
عِصْيَانِي وَلَا تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ( صلى الله عليه وآله ) مَا كَذَبَ الْمُبَلِّغُ وَلَا جَهِلَ السَّامِعُ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَاشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ وَثَقُلَتْ فِي الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا وَمَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا وَبَدَا مِنَ الْأَيَّامِ كُلُوحُهَا وَمِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ وَقَامَ عَلَى يَنْعِهِ وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ وَبَرَقَتْ بَوَارِقُهُ عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ وَأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَالْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ هَذَا وَكَمْ يَخْرِقُ الْكُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ وَيَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِفٍ وَعَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ وَيُحْصَدُ الْقَائِمُ وَيُحْطَمُ الْمَحْصُودُ.
102- ومن خطبة له ( عليه السلام ) تجري هذا المجرى وفيها ذكر يوم القيامة وأحوال الناس المقبلة :
يوم القيامة
وَ ذَلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ خُضُوعاً قِيَاماً قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَرَجَفَتْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (148) (1/148)
بِهِمُ الْأَرْضُ فَأَحْسَنُهُمْ حَالًا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً وَلِنَفْسِهِ مُتَّسَعاً.
حال مقبلة على الناس
و منها : فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ لَا تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ وَلَا تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا وَيَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذَلِكِ مِنْ جَيْشٍ مِنْ نِقَمِ اللَّهِ لَا رَهَجَ لَهُ وَلَا حَسَّ وَسَيُبْتَلَى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الْأَحْمَرِ وَالْجُوعِ الْأَغْبَرِ.
103- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
في التزهيد في الدنيا
أَيُّهَا النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا الصَّادِفِينَ عَنْهَا فَإِنَّهَا وَاللَّهِ عَمَّا قَلِيلٍ تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الآْمِنَ لَا يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ سُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ وَجَلَدُ الرِّجَالِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (149) (1/149)
فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ.
صفة العالم
و منها : الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَعَبْداً وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ سَائِراً بِغَيْرِ دَلِيلٍ إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ وَإِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الْآخِرَةِ كَسِلَ كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ.
آخر الزمان
و منها : وَذَلِكَ زَمَانٌ لَا يَنْجُو فِيهِ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَأَعْلَامُ السُّرَى لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ وَلَا الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (150) (1/150)
أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الْإِسْلَامُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ.
قال السيد الشريف الرضي : أما قوله ( عليه السلام ) كل مؤمن نومة فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر والمساييح جمع مسياح وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم والمذاييع جمع مذياع وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها ونوه بها والبذر جمع بذور وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.
104- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلَا يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلَا وَحْياً فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ وَيُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ يَحْسِرُ الْحَسِيرُ وَيَقِفُ الْكَسِيرُ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ إِلَّا هَالِكاً لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ وَبَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا مَا ضَعُفْتُ وَلَا جَبُنْتُ وَلَا خُنْتُ وَلَا وَهَنْتُ وَايْمُ اللَّهِ لَأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (151) (1/151)
قال السيد الشريف الرضي : وقد تقدم مختار هذه الخطبة إلا أنني وجدتها في هذه الرواية على خلاف ما سبق من زيادة ونقصان فأوجبت الحال إثباتها ثانية.
105- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في بعض صفات الرسول الكريم وتهديد بني أمية وعظة الناس :
الرسول الكريم
حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) شَهِيداً وَبَشِيراً وَنَذِيراً خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا وَأَنْجَبَهَا كَهْلًا وَأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً.
بنو أمية
فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا وَلَا تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلَافِهَا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلًا خِطَامُهَا قَلِقاً وَضِينُهَا قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الْمَخْضُودِ وَحَلَالُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ وَصَادَفْتُمُوهَا وَاللَّهِ ظِلًّا مَمْدُوداً إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ وَأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ وَسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً وَلِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (152) (1/152)
يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ عَمَّا قَلِيلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ أَلَا إِنَّ أَبْصَرَ الْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُهُ أَلَا إِنَّ أَسْمَعَ الْأَسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَقَبِلَهُ.
وعظ الناس
أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ، وَامْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ، عِبَادَ اللَّهِ لَا تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلَا تَنْقَادُوا لِأَهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ النَّازِلَ بِهَذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ، يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لَا يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَا لَا يَتَقَارَبُ، فَاللَّهَ اللَّهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لَا يُشْكِي شَجْوَكُمْ، وَلَا يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ إِلَّا مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ : الْإِبْلَاغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَالِاجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالْإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا، فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ بَعْدَ التَّنَاهِي.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (153) (1/153)
106- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها يبين فضل الإسلام ويذكر الرسول الكريم ثم يلوم أصحابه :
دين الإسلام
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَعَ الْإِسْلَامَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ وَنُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ وَفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ وَلُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ وَعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ وَنَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ وَثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ وَرَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ وَجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهِجِ وَأَوْضَحُ الْوَلَائِجِ مُشْرَفُ الْمَنَارِ مُشْرِقُ الْجَوَادِّ مُضِي ءُ الْمَصَابِيحِ كَرِيمُ الْمِضْمَارِ رَفِيعُ الْغَايَةِ جَامِعُ الْحَلْبَةِ مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ شَرِيفُ الْفُرْسَانِ التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ وَالصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ وَالْمَوْتُ غَايَتُهُ وَالدُّنْيَا مِضْمَارُهُ وَالْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ وَالْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ.
و منها في ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله )
حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِسٍ وَأَنَارَ عَلَماً لِحَابِسٍ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (154) (1/154)
وَ رَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ وَاجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ وَشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ وَآتِهِ الْوَسِيلَةَ وَأَعْطِهِ السَّنَاءَ وَالْفَضِيلَةَ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَادِمِينَ وَلَا نَاكِبِينَ وَلَا نَاكِثِينَ وَلَا ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ وَلَا مَفْتُونِينَ.
قال الشريف : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أننا كررناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف.
و منها في خطاب أصحابه
وَ قَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ وَتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ وَيُعَظِّمُكُمْ مَنْ لَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ وَيَهَابُكُمْ مَنْ لَا يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً وَلَا لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ وَقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللَّهِ مَنْقُوضَةً فَلَا تَغْضَبُونَ وَأَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ وَكَانَتْ أُمُورُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ فَمَكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللَّهِ فِي أَيْدِيهِمْ يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ لَجَمَعَكُمُ اللَّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (155) (1/155)
107- ومن كلام له ( عليه السلام ) في بعض أيام صفين :
وَ قَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ وَانْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ وَأَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ وَيَآفِيخُ الشَّرَفِ وَالْأَنْفُ الْمُقَدَّمُ وَالسَّنَامُ الْأَعْظَمُ وَلَقَدْ شَفَى وَحَاوِحَ صَدْرِي أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَةٍ تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ وَتُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ حَسّاً بِالنِّصَالِ وَشَجْراً بِالرِّمَاحِ تَرْكَبُ أُوْلَاهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالْإِبِلِ الْهِيمِ الْمَطْرُودَةِ تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا وَتُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا.
108- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي من خطب الملاحم :
اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُتَجَلِّي لِخَلْقِهِ بِخَلْقِهِ وَالظَّاهِرِ لِقُلُوبِهِمْ بِحُجَّتِهِ خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ إِذْ كَانَتِ الرَّوِيَّاتُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِذَوِي الضَّمَائِرِ وَلَيْسَ بِذِي ضَمِيرٍ فِي نَفْسِهِ خَرَقَ عِلْمُهُ بَاطِنَ غَيْبِ السُّتُرَاتِ وَأَحَاطَ بِغُمُوضِ عَقَائِدِ السَّرِيرَاتِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (156) (1/156)
وَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله )
اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ.
فتنة بني أمية
و منها : طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وَآذَانٍ صُمٍّ وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ وَوَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا وَأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا وَظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وَأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ وَنُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ وَتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ وَأَيْقَاظاً نُوَّماً وَشُهُوداً غُيَّباً وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ وَسَامِعَةً صَمَّاءَ وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ رَايَةُ ضَلَالٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَتَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ قَائِمٌ عَلَى الضِّلَّةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (157) (1/157)
فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الْأَدِيمِ وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ وَتَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْلَاصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبِّ أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ وَتَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ وَتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ فَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وَلِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ وَأَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ وَاسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ وَقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً وَالْمَطَرُ قَيْظاً وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً وَكَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وَسَلَاطِينُهُ سِبَاعاً وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالًا وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً وَغَارَ الصِّدْقُ وَفَاضَ الْكَذِبُ وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً وَالْعَفَافُ عَجَباً وَلُبِسَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (158) (1/158)
الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً
109- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في بيان قدرة اللّه وانفراده بالعظمة وأمر البعث :
قدرة اللّه
كُلُّ شَيْ ءٍ خَاشِعٌ لَهُ وَكُلُّ شَيْ ءٍ قَائِمٌ بِهِ غِنَى كُلِّ فَقِيرٍ وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ لَمْ تَرَكَ الْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفِينَ مِنْ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَةٍ وَلَا اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَةٍ وَلَا يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ وَلَا يُفْلِتُكَ مَنْ أَخَذْتَ وَلَا يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ وَلَا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ وَلَا يَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِكَ كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلَانِيَةٌ وَكُلُّ غَيْبٍ عِنْدَكَ شَهَادَةٌ أَنْتَ الْأَبَدُ فَلَا أَمَدَ لَكَ وَأَنْتَ الْمُنْتَهَى فَلَا مَحِيصَ عَنْكَ وَأَنْتَ الْمَوْعِدُ فَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّةٍ وَإِلَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ نَسَمَةٍ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَمَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَةٍ فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (159) (1/159)
مَلَكُوتِكَ وَمَا أَحْقَرَ ذَلِكَ فِيمَا غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الْآخِرَةِ.
الملائكة الكرام
و منها : مِنْ مَلَائِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْكَ لَمْ يَسْكُنُوا الْأَصْلَابَ وَلَمْ يُضَمَّنُوا الْأَرْحَامَ وَلَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وَلَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ رَيْبُ الْمَنُونِ وَإِنَّهُمْ عَلَى مَكَانِهِمْ مِنْكَ وَمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ وَاسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِيكَ وَكَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ وَقِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَايَنُوا كُنْهَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَلَزَرَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَلَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ.
عصيان الخلق
سُبْحَانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً بِحُسْنِ بَلَائِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً مَشْرَباً وَمَطْعَماً وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً وَقُصُوراً وَأَنْهَاراً وَزُرُوعاً وَثِمَاراً ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا فَلَا الدَّاعِيَ أَجَابُوا وَلَا فِيمَا رَغَّبْتَ رَغِبُوا وَلَا إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَةٍ قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا وَاصْطَلَحُوا عَلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (160) (1/160)
حُبِّهَا وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى بَصَرَهُ وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ وَيَسْمَعُ بِأُذُنٍ غَيْرِ سَمِيعَةٍ قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا وَلِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْ ءٌ مِنْهَا حَيْثُمَا زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا وَحَيْثُمَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا لَا يَنْزَجِرُ مِنَ اللَّهِ بِزَاجِرٍ وَلَا يَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظٍ وَهُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ حَيْثُ لَا إِقَالَةَ وَلَا رَجْعَةَ كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ وَجَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ وَقَدِمُوا مِنَ الْآخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ فَغَيْرُ مَوْصُوفٍ مَا نَزَلَ بِهِمْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ وَتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ مَنْطِقِهِ وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ وَيَتَذَكَّرُ أَمْوَالًا جَمَعَهَا أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فِيهَا وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ وَالْعِبْ ءُ عَلَى ظَهْرِهِ وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ بِهَا فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ وَيَزْهَدُ فِيمَا كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ وَيَتَمَنَّى أَنَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (161) (1/161)
الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ وَلَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِيَاطاً بِهِ فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ لَا يُسْعِدُ بَاكِياً وَلَا يُجِيبُ دَاعِياً ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطٍّ فِي الْأَرْضِ فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَى عَمَلِهِ وَانْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ.
القيامة
حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَالْأَمْرُ مَقَادِيرَهُ وَأُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ وَجَاءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ أَمَادَ السَّمَاءَ وَفَطَرَهَا وَأَرَجَّ الْأَرْضَ وَأَرْجَفَهَا وَقَلَعَ جِبَالَهَا وَنَسَفَهَا وَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلَالَتِهِ وَمَخُوفِ سَطْوَتِهِ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهَا فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلَاقِهِمْ وَجَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا الْأَعْمَالِ وَخَبَايَا الْأَفْعَالِ وَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ أَنْعَمَ عَلَى هَؤُلَاءِ وَانْتَقَمَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ وَخَلَّدَهُمْ فِي دَارِهِ حَيْثُ لَا يَظْعَنُ النُّزَّالُ وَلَا تَتَغَيَّرُ بِهِمُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (162) (1/162)
الْحَالُ وَلَا تَنُوبُهُمُ الْأَفْزَاعُ وَلَا تَنَالُهُمُ الْأَسْقَامُ وَلَا تَعْرِضُ لَهُمُ الْأَخْطَارُ وَلَا تُشْخِصُهُمُ الْأَسْفَارُ وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَارٍ وَغَلَّ الْأَيْدِيَ إِلَى الْأَعْنَاقِ وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالْأَقْدَامِ وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ وَمُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ فِي عَذَابٍ قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ وَبَابٍ قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ فِي نَارٍ لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ وَلَهَبٌ سَاطِعٌ وَقَصِيفٌ هَائِلٌ لَا يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلَا يُفَادَى أَسِيرُهَا وَلَا تُفْصَمُ كُبُولُهَا لَا مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى وَلَا أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى.
زهد النبي
و منها في ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) : قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا وَأَهْوَنَ بِهَا وَهَوَّنَهَا وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً وَدَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً وَخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً.
أهل البيت
نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (163) (1/163)
وَ مَعَادِنُ الْعِلْمِ وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ وَعَدُوُّنَا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ.
110- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في أركان الدين :
الإسلام
إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْإِيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الْإِسْلَامِ وَكَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَاعْتِمَارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَيَرْحَضَانِ الذَّنْبَ وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ وَمَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ وَصَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ وَارْغَبُوا فِيمَا وَعَدَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (164) (1/164)
فضل القرآن
وَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ وَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لَا يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ وَالْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَلْوَمُ.
111- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذم الدنيا :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ وَتَحَلَّتْ بِالْآمَالِ وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ لَا تَدُومُ حَبْرَتُهَا وَلَا تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ لَا تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَالرِّضَاءِ بِهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَةٍ إِلَّا أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً وَلَمْ يَلْقَ فِي سَرَّائِهَا بَطْناً إِلَّا مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (165) (1/165)
وَ لَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاءٍ إِلَّا هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلَاءٍ وَحَرِيٌّ إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَى أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى لَا يَنَالُ امْرُؤٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً إِلَّا أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً وَلَا يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْنٍ إِلَّا أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْفٍ غَرَّارَةٌ غُرُورٌ مَا فِيهَا فَانِيَةٌ فَانٍ مَنْ عَلَيْهَا لَا خَيْرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ وَزَالَ عَمَّا قَلِيلٍ عَنْهُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ وَذِي طُمَأْنِينَةٍ إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ وَذِي أُبَّهَةٍ قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً وَذِي نَخْوَةٍ قَدْ رَدَّتْهُ ذَلِيلًا سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ وَعَيْشُهَا رَنِقٌ وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ وَحُلْوُهَا صَبِرٌ وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْتٍ وَصَحِيحُهَا بِعَرَضِ سُقْمٍ مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ أَ لَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً وَأَبْقَى آثَاراً وَأَبْعَدَ آمَالًا وَأَعَدَّ عَدِيداً وَأَكْثَفَ جُنُوداً تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّدٍ وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيْثَارٍ ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَادٍ مُبَلِّغٍ وَلَا ظَهْرٍ قَاطِعٍ فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِفِدْيَةٍ أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَةٍ أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (166) (1/166)
صُحْبَةً بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَادِحِ وَأَوْهَقَتْهُمْ بِالْقَوَارِعِ وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ وَعَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ رَيْبَ الْمَنُونِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا لِمَنْ دَانَ لَهَا وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الْأَبَدِ وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلَّا السَّغَبَ أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلَّا الضَّنْكَ أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلَّا الظُّلْمَةَ أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلَّا النَّدَامَةَ أَ فَهَذِهِ تُؤْثِرُونَ أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَلٍ مِنْهَا فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلَا يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً وَأُنْزِلُوا الْأَجْدَاثَ فَلَا يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ وَمِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ فَهُمْ جِيرَةٌ لَا يُجِيبُونَ دَاعِياً وَلَا يَمْنَعُونَ ضَيْماً وَلَا يُبَالُونَ مَنْدَبَةً إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ مُتَدَانُونَ لَا يَتَزَاوَرُونَ وَقَرِيبُونَ لَا يَتَقَارَبُونَ حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ وَجُهَلَاءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ لَا يُخْشَى فَجْعُهُمْ وَلَا يُرْجَى دَفْعُهُمْ اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الْأَرْضِ بَطْناً وَبِالسَّعَةِ ضِيقاً وَبِالْأَهْلِ غُرْبَةً وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً فَجَاءُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا حُفَاةً عُرَاةً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (167) (1/167)
قَدْ ظَعَنُوا عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ.
112- ومن خطبة له ( عليه السلام ) ذكر فيها ملك الموت وتوفية النفس وعجز الخلق عن وصف اللّه :
هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَ يَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَمْ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا كَيْفَ يَصِفُ إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ.
113- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذم الدنيا :
وَ أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَةٍ وَلَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَةٍ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا دَارُهَا هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا فَخَلَطَ حَلَالَهَا بِحَرَامِهَا وَخَيْرَهَا بِشَرِّهَا وَحَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا وَحُلْوَهَا بِمُرِّهَا لَمْ يُصْفِهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ وَلَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ خَيْرُهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (168) (1/168)
زَهِيدٌ وَشَرُّهَا عَتِيدٌ وَجَمْعُهَا يَنْفَدُ وَمُلْكُهَا يُسْلَبُ وَعَامِرُهَا يَخْرَبُ فَمَا خَيْرُ دَارٍ تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ وَعُمُرٍ يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ وَمُدَّةٍ تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ وَاسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ وَأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآجَالِ وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الْآمَالِ فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ وَالْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الْآجِلَةِ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ وَسُوءُ الضَّمَائِرِ فَلَا تَوَازَرُونَ وَلَا تَنَاصَحُونَ وَلَا تَبَاذَلُونَ وَلَا تَوَادُّونَ مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ وَلَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الْآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ وَيُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ وَقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ وَكَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ وَمَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (169) (1/169)
114- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها مواعظ للناس :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلَائِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلَائِهِ وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هَذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَأَحْصَاهُ كِتَابُهُ عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ وَكِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ إِيمَاناً نَفَى إِخْلَاصُهُ الشِّرْكَ وَيَقِينُهُ الشَّكَّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ وَلَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَاذُ زَادٌ مُبْلِغٌ وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ وَوَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وَفَازَ وَاعِيهَا عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ وَالرِّيَّ بِالظَّمَإِ وَاسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (170) (1/170)
فَبَادَرُوا الْعَمَلَ وَكَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلَاحَظُوا الْأَجَلَ ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَعَنَاءٍ وَغِيَرٍ وَعِبَرٍ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ لَا تُخْطِئُ سِهَامُهُ وَلَا تُؤْسَى جِرَاحُهُ يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ آكِلٌ لَا يَشْبَعُ وَشَارِبٌ لَا يَنْقَعُ وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ وَيَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ وَلَا بِنَاءً نَقَلَ وَمِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً وَالْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً لَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا نَعِيماً زَلَّ وَبُؤْساً نَزَلَ وَمِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ فَلَا أَمَلٌ يُدْرَكُ وَلَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَأَظْمَأَ رِيَّهَا وَأَضْحَى فَيْئَهَا لَا جَاءٍ يُرَدُّ وَلَا مَاضٍ يَرْتَدُّ فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ وَأَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ إِنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلَّا عِقَابُهُ وَلَيْسَ شَيْ ءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ وَكُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ وَكُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابِحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ وَمَا أُحِلَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (171) (1/171)
لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ وَمَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ فَلَا يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ مَعَ أَنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ وَدَخِلَ الْيَقِينُ حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ وَكَأَنَّ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ فَبَادِرُوا الْعَمَلَ وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي وَالْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي فَ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
115- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الاستسقاء :
اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا وَتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلَادِهَا وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا وَالْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الْآنَّةِ وَحَنِينَ الْحَانَّةِ اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا وَأَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ فَكُنْتَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (172) (1/172)
الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَالْبَلَاغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الْأَنَامُ وَمُنِعَ الْغَمَامُ وَهَلَكَ السَّوَامُ أَلَّا تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا وَلَا تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ سَحّاً وَابِلًا تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً تَامَّةً عَامَّةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً هَنِيئَةً مَرِيعَةً زَاكِياً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلَادِكَ اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا وَتَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَتُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ وَعَطَايَاكَ الْجَزِيلَةِ عَلَى بَرِيَّتِكَ الْمُرْمِلَةِ وَوَحْشِكَ الْمُهْمَلَةِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً مِدْرَاراً هَاطِلَةً يُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ وَيَحْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَلَا جَهَامٍ عَارِضُهَا وَلَا قَزَعٍ رَبَابُهَا وَلَا شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّى يُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا الْمُسْنِتُونَ فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ وَأَنْتَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (173) (1/173)
تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب
قال السيد الشريف رضي الله عنه : قوله ( عليه السلام ) انصاحت جبالنا أي تشققت من المحول يقال انصاح الثوب إذا انشق ويقال أيضا انصاح النبت وصاح وصوح إذا جف ويبس كله بمعنى. وقوله وهامت دوابُّنا أي عطشت والهُيام العطش. وقوله حدابير السنين جمع حِدْبار وهي الناقة التي أنضاها السير فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب قال ذو الرمة :
حَدَابِيرُ ما تَنْفَكُّ إلاّ مُنَاخَةً * عَلى الخَسْفِ أوْ نَرْمِي بِهَا بَلَدَاً قَفْرَا
و قَوَْلُهُ : ولا قزع ربابها القزع القطع الصغار المتفرقة من السحاب. وقوله ولا شَفَّان ذهابها فإن تقديره ولا ذات شَفَّان ذهابها والشَفَّان الريح الباردة والذهاب الأمطار اللينة فحذف ذات لعلم السامع به.
116- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها ينصح أصحابه :
أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ وَشَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ فَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَانٍ وَلَا مُقَصِّرٍ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِنٍ وَلَا مُعَذِّرٍ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وَبَصَرُ مَنِ اهْتَدَى مِنْهَا وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لَا حَارِسَ لَهَا وَلَا خَالِفَ عَلَيْهَا وَلَهَمَّتْ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ نَفْسُهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (174) (1/174)
ذُكِّرْتُمْ وَأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ قَوْمٌ وَاللَّهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ وَأَوْجَفُوا عَلَى الْمَحَجَّةِ فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الدَّائِمَةِ وَالْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ أَمَا وَاللَّهِ لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلَامُ ثَقِيفٍ الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ وَيُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ إِيهٍ أَبَا وَذَحَةَ.
قال الشريف : الوذحة الخنفساء وهذا القول يومئ به إلى الحجاج وله مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره.
117- ومن كلام له ( عليه السلام ) يوبخ البخلاء بالمال والنفس :
فَلَا أَمْوَالَ بَذَلْتُمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا وَلَا أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا تَكْرُمُونَ بِاللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلَا تُكْرِمُونَ اللَّهَ فِي عِبَادِهِ فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (175) (1/175)
118- ومن كلام له ( عليه السلام ) في الصالحين من أصحابه :
أَنْتُمُ الْأَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ وَالْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَالْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأْسِ وَالْبِطَانَةُ دُونَ النَّاسِ بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ وَأَرْجُو طَاعَةَ الْمُقْبِلِ فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الْغِشِّ سَلِيمَةٍ مِنَ الرَّيْبِ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ.
119- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا ملياً :
فَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا بَالُكُمْ أَ مُخْرَسُونَ أَنْتُمْ، فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ سِرْتَ سِرْنَا مَعَكَ، فَقَالَ ( عليه السلام ) مَا بَالُكُمْ لَا سُدِّدْتُمْ لِرُشْدٍ وَلَا هُدِيتُمْ لِقَصْدٍ أَ فِي مِثْلِ هَذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هَذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذَوِي بَأْسِكُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَ وَالْمِصْرَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَجِبَايَةَ الْأَرْضِ وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرَ فِي حُقُوقِ الْمُطَالِبِينَ ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَةٍ أَتْبَعُ أُخْرَى أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ وَإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (176) (1/176)
تَدُورُ عَلَيَّ وَأَنَا بِمَكَانِي فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ الرَّأْيُ السُّوءُ وَاللَّهِ لَوْ لَا رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ وَلَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلَا أَطْلُبُكُمْ مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ طَعَّانِينَ عَيَّابِينَ حَيَّادِينَ رَوَّاغِينَ إِنَّهُ لَا غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قِلَّةِ اجْتِمَاعِ قُلُوبِكُمْ لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الَّتِي لَا يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلَّا هَالِكٌ مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ.
120- ومن كلام له ( عليه السلام ) يذكر فضله ويعظ الناس :
تَاللَّهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالَاتِ وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ وَتَمَامَ الْكَلِمَاتِ وَعِنْدَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَضِيَاءُ الْأَمْرِ أَلَا وَإِنَّ شَرَائِعَ الدِّينِ وَاحِدَةٌ وَسُبُلَهُ قَاصِدَةٌ مَنْ أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَغَنِمَ وَمَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَنَدِمَ اعْمَلُوا لِيَوْمٍ تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ وَتُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ وَمَنْ لَا يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ وَغَائِبُهُ أَعْوَزُ وَاتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِيدٌ وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ وَحِلْيَتُهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (177) (1/177)
حَدِيدٌ وَشَرَابُهَا صَدِيدٌ. أَلَا وَإِنَّ اللِّسَانَ الصَّالِحَ يَجْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُورِثُهُ مَنْ لَا يَحْمَدُهُ.
121- ومن خطبة له ( عليه السلام ) بعد ليلة الهرير وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فلم ندر أي الأمرين أرشد فصفق ( عليه السلام ) إحدى يديه على الأخرى ثم قال :
هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ لَكَانَتِ الْوُثْقَى وَلَكِنْ بِمَنْ وَإِلَى مَنْ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائِي كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ وَكَلَّتِ النَّزْعَةُ بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلُوهُ وَقَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَهِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلَادِهَا وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الْأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً وَصَفّاً صَفّاً بَعْضٌ هَلَكَ وَبَعْضٌ نَجَا لَا يُبَشَّرُونَ بِالْأَحْيَاءِ وَلَا يُعَزَّوْنَ عَنِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (178) (1/178)
الْمَوْتَى مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ صُفْرُ الْأَلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ أُولَئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ وَنَعَضَّ الْأَيْدِي عَلَى فِرَاقِهِمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً وَيُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ وَبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ وَاقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْكُمْ وَاعْقِلُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ.
122- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله للخوارج وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة فقال ( عليه السلام ) :
أَ كُلُّكُمْ شَهِدَ مَعَنَا صِفِّينَ فَقَالُوا مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ قَالَ فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صِفِّينَ فِرْقَةً وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً حَتَّى أُكَلِّمَ كُلًّا مِنْكُمْ بِكَلَامِهِ وَنَادَى النَّاسَ فَقَالَ أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلَامِ وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي وَأَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا ثُمَّ كَلَّمَهُمْ ( عليه السلام ) بِكَلَامٍ طَوِيلٍ مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ ( عليه السلام ) أَ لَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً وَمَكْراً وَخَدِيعَةً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (179) (1/179)
إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ فَقُلْتُ لَكُمْ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ وَالْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بَنَوَاجِذِكُمْ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِقٍ نَعَقَ إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ وَإِنْ تُرِكَ ذَلَّ وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ الْفَعْلَةُ وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيْتُمُوهَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَبَيْتُهَا مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا وَلَا حَمَّلَنِي اللَّهُ ذَنْبَهَا وَوَ اللَّهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الْآباءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالْقَرَابَاتِ فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَةٍ وَشِدَّةٍ إِلَّا إِيمَاناً وَمُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ وَتَسْلِيماً لِلْأَمْرِ وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ وَلَكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الْإِسْلَامِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالِاعْوِجَاجِ وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأْوِيلِ فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَةٍ يَلُمُّ اللَّهُ بِهَا شَعَثَنَا وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيمَا بَيْنَنَا رَغِبْنَا فِيهَا وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا.
123- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين:
وَ أَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (180) (1/180)
وَ رَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلًا فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ لَا تَأْخُذُونَ حَقّاً وَلَا تَمْنَعُونَ ضَيْماً قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ.
124- ومن كلام له ( عليه السلام ) في حث أصحابه على القتال :
فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَعَضُّوا عَلَى الْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ وَالْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَرَايَتَكُمْ فَلَا تُمِيلُوهَا وَلَا تُخِلُّوهَا وَلَا تَجْعَلُوهَا إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ وَالْمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ وَيَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا وَوَرَاءَهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (181) (1/181)
وَ أَمَامَهَا لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا وَلَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ وَآسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِيهِ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ لَا تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الْآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ وَالسَّنَامُ الْأَعْظَمُ إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ وَالذُّلَّ اللَّازِمَ وَالْعَارَ الْبَاقِيَ وَإِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيدٍ فِي عُمُرِهِ وَلَا مَحْجُوزٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِهِ مَنِ الرَّائِحُ إِلَى اللَّهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي الْيَوْمَ تُبْلَى الْأَخْبَارُ وَاللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَأَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْنٍ دِرَاكٍ يَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسِيمُ وَضَرْبٍ يَفْلِقُ الْهَامَ وَيُطِيحُ الْعِظَامَ وَيُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَالْأَقْدَامَ وَحَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ وَيُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلَائِبُ وَحَتَّى يُجَرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ وَحَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَبِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ.
قال السيد الشريف : أقول الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم ونواحر أرضهم متقابلاتها، ويقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (182) (1/182)
125- ومن كلام له ( عليه السلام ) في التحكيم وذلك بعد سماعه لأمر الحكمين :
إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ هَذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَرَدُّهُ إِلَى اللَّهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ فَإِذَا حُكِمَ بِالصِّدْقِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ وَإِنْ حُكِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِهَا وَأَمَّا قَوْلُكُمْ لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلًا فِي التَّحْكِيمِ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا تُؤْخَذَ بِأَكْظَامِهَا فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ وَتَنْقَادَ لِأَوَّلِ الْغَيِّ إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَهُ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَهُ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ وَمِنْ أَيْنَ أُتِيتُمْ اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى قَوْمٍ حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لَا يُبْصِرُونَهُ وَمُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ لَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (183) (1/183)
يَعْدِلُونَ بِهِ جُفَاةٍ عَنِ الْكِتَابِ نُكُبٍ عَنِ الطَّرِيقِ مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَةٍ يُعْلَقُ بِهَا وَلَا زَوَافِرِ عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا لَبِئْسَ حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً يَوْماً أُنَادِيكُمْ وَيَوْماً أُنَاجِيكُمْ فَلَا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ النِّدَاءِ وَلَا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ النَّجَاءِ.
126- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما عوتب على التسوية في العطاء :
أَ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ وَاللَّهِ لَا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ أَلَا وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الْآخِرَةِ وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَلَا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وَأَلْأَمُ خَدِينٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (184) (1/184)
127- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيه يبين بعض أحكام الدين ويكشف للخوارج الشبهة وينقض حكم الحكمين :
فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَضَلَلْتُ فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) بِضَلَالِي وَتَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي وَتُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ وَالسُّقْمِ وَتَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) رَجَمَ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ وَقَتَلَ الْقَاتِلَ وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ وَقَطَعَ السَّارِقَ وَجَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الْمُحْصَنِ ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيْ ءِ وَنَكَحَا الْمُسْلِمَاتِ فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِذُنُوبِهِمْ وَأَقَامَ حَقَّ اللَّهِ فِيهِمْ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ النَّاسِ وَمَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ وَضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ وَسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ وَخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالًا النَّمَطُ الْأَوْسَطُ فَالْزَمُوهُ وَالْزَمُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (185) (1/185)
أَلَا مَنْ دَعَا إِلَى هَذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هَذِهِ فَإِنَّمَا حُكِّمَ الْحَكَمَانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ وَيُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ وَإِحْيَاؤُهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ وَإِمَاتَتُهُ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ فَإِنْ جَرَّنَا الْقُرْآنُ إِلَيْهِمُ اتَّبَعْنَاهُمْ وَإِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا فَلَمْ آتِ لَا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلَا خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ وَلَا لَبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلَّا يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ فَتَاهَا عَنْهُ وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ وَالصَّمْدِ لِلْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا.
128- ومن كلام له ( عليه السلام ) فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة :
يَا أَحْنَفُ كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذِي لَا يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَلَا لَجَبٌ وَلَا قَعْقَعَةُ لُجُمٍ وَلَا حَمْحَمَةُ خَيْلٍ يُثِيرُونَ الْأَرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ.
قال الشريف : يومئ بذلك إلى صاحب الزنج.
ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ) : وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ وَالدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (186) (1/186)
الْفِيَلَةِ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ وَلَا يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا وَقَادِرُهَا بِقَدْرِهَا وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا.
منه في وصف الأتراك
كَأَنِّي أَرَاهُمْ قَوْماً كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَالدِّيبَاجَ وَيَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ وَيَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ حَتَّى يَمْشِيَ الْمَجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ وَيَكُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَقَدْ أُعْطِيتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمَ الْغَيْبِ فَضَحِكَ ( عليه السلام ) وَقَالَ لِلرَّجُلِ وَكَانَ كَلْبِيّاً يَا أَخَا كَلْبٍ لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ وَإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا عَدَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ الْآيَةَ فَيَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَقَبِيحٍ أَوْ جَمِيلٍ وَسَخِيٍّ أَوْ بَخِيلٍ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ وَمَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً فَهَذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وآله ) فَعَلَّمَنِيهِ وَدَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي وَتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (187) (1/187)
129- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذكر المكاييل والموازين :
عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَمَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ أَجَلٌ مَنْقُوصٌ وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ فَرُبَّ دَائِبٍ مُضَيَّعٌ وَرُبَّ كَادِحٍ خَاسِرٌ وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَنٍ لَا يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلَّا إِدْبَاراً وَلَا الشَّرُّ فِيهِ إِلَّا إِقْبَالًا وَلَا الشَّيْطَانُ فِي هَلَاكِ النَّاسِ إِلَّا طَمَعاً فَهَذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ أَ لَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ وَهَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّا فِي حُثَالَةٍ لَا تَلْتَقِي إِلَّا بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَلَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (188) (1/188)
جَنَّتِهِ وَلَا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ.
130- ومن كلام له ( عليه السلام ) لأبي ذر رحمه الله لما أخرج إلى الربذة :
يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّهِ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ وَاهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً وَالْأَكْثَرُ حُسَّداً وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً لَا يُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ وَلَا يُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لَأَمَّنُوكَ.
131- ومن كلام له ( عليه السلام ) وفيه يبين سبب طلبه الحكم ويصف الإمام الحق :
أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الْمُخْتَلِفَةُ وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (189) (1/189)
نُفُورَ الْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الْأَسَدِ هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سَرَارَ الْعَدْلِ أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَيْ ءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَسَمِعَ وَأَجَابَ لَمْ يَسْبِقْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِالصَّلَاةِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ وَلَا الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ وَلَا الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ وَلَا الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ وَلَا الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ وَلَا الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الْأُمَّةَ.
132- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يعظ فيها ويزهد في الدنيا :
حمد اللّه
نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى الْبَاطِنُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (190) (1/190)
لِكُلِّ خَفِيَّةٍ وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ الْعَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) نَجِيبُهُ وَبَعِيثُهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الْإِعْلَانَ وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ.
عظة الناس
و منها : فَإِنَّهُ وَاللَّهِ الْجِدُّ لَا اللَّعِبُ وَالْحَقُّ لَا الْكَذِبُ وَمَا هُوَ إِلَّا الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ وَأَعْجَلَ حَادِيهِ فَلَا يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ وَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَحَذِرَ الْإِقْلَالَ وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ طُولَ أَمَلٍ وَاسْتِبْعَادَ أَجَلٍ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ مَحْمُولًا عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ حَمْلًا عَلَى الْمَنَاكِبِ وَإِمْسَاكاً بِالْأَنَامِلِ أَ مَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً وَيَبْنُونَ مَشِيداً وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً وَمَا جَمَعُوا بُوراً وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَا فِي حَسَنَةٍ يَزِيدُونَ وَلَا مِنْ سَيِّئَةٍ يَسْتَعْتِبُونَ فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ وَفَازَ عَمَلُهُ فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الْأَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّيَالِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (191) (1/191)
133- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يعظم اللّه سبحانه ويذكر القرآن والنبي ويعظ الناس :
عظمة اللّه تعالى
وَ انْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ الْأَشْجَارُ النَّاضِرَةُ وَقَدَحَتْ لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانَ الْمُضِيئَةَ وَآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الثِّمَارُ الْيَانِعَةُ.
القرآن
منها : وَكِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لَا يَعْيَا لِسَانُهُ وَبَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَعِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ.
رسول اللّه
منها : أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَتَنَازُعٍ مِنَ الْأَلْسُنِ فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ فَجَاهَدَ فِي اللَّهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَالْعَادِلِينَ بِهِ.
الدنيا
منها : وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ الْأَعْمَى لَا يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً وَالْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا فَالْبَصِيرُ مِنْهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (192) (1/192)
شَاخِصٌ وَالْأَعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ وَالْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ وَالْأَعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ.
عظة الناس
منها : وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَّا وَيَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَيَمَلُّهُ إِلَّا الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ وَبَصَرٌ لِلْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَسَمْعٌ لِلْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَرِيٌّ لِلظَّمْآنِ وَفِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَالسَّلَامَةُ كِتَابُ اللَّهِ تُبْصِرُونَ بِهِ وَتَنْطِقُونَ بِهِ وَتَسْمَعُونَ بِهِ وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي اللَّهِ وَلَا يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَّهِ قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الْآمَالِ وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الْأَمْوَالِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكُمُ الْخَبِيثُ وَتَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ.
134- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم :
وَ قَدْ تَوَكَّلَ اللَّهُ لِأَهْلِ هَذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (193) (1/193)
وَ الَّذِي نَصَرَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَنْتَصِرُونَ وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لَا يَمْتَنِعُونَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هَذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ لَا تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلَادِهِمْ لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلًا مِحْرَباً وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلَاءِ وَالنَّصِيحَةِ فَإِنْ أَظْهَرَ اللَّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى كُنْتَ رِدْءاً لِلنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ.
135- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان أنا أكفيكه، فقال علي عليه السلام للمغيرة :
يَا ابْنَ اللَّعِينِ الْأَبْتَرِ وَالشَّجَرَةِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَلَا فَرْعَ أَنْتَ تَكْفِينِي فَوَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ اللَّهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ وَلَا قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللَّهُ نَوَاكَ ثُمَّ ابْلُغْ جَهْدَكَ فَلَا أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (194) (1/194)
136- ومن كلام له ( عليه السلام ) في أمر البيعة :
لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَايْمُ اللَّهِ لَأُنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً.
137- ومن كلام له ( عليه السلام ) في شأن طلحة والزبير وفي البيعة له :
طلحة والزبير
وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً وَلَا جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ إِلَّا قِبَلَهُمْ وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَسْتُ وَلَا لُبِسَ عَلَيَّ وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمَأُ وَالْحُمَّةُ وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ وَإِنَّ الْأَمْرَ لَوَاضِحٌ وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (195) (1/195)
نِصَابِهِ وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغْبِهِ وَايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ وَلَا يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حَسْيٍ.
أمر البيعة
منه : فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلَادِهَا تَقُولُونَ الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَظَلَمَانِي وَنَكَثَا بَيْعَتِي وَأَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَلَا تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيمَا أَمَّلَا وَعَمِلَا وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ وَاسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ فَغَمَطَا النِّعْمَةَ وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.
138- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يومئ فيها إلى ذكر الملاحم :
يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ.
و منها : حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاقٍ بَادِياً نَوَاجِذُهَا مَمْلُوءَةً أَخْلَافُهَا حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا أَلَا وَفِي غَدٍ وَسَيَأْتِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (196) (1/196)
غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
منها : كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ وَفَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّءُوسِ قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ وَثَقُلَتْ فِي الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ بَعِيدَ الْجَوْلَةِ عَظِيمَ الصَّوْلَةِ وَاللَّهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا قَلِيلٌ كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى تَئُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلَامِهَا فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ وَالْآثَارَ الْبَيِّنَةَ وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ.
139- ومن كلام له ( عليه السلام ) في وقت الشورى :
لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَعَائِدَةِ كَرَمٍ فَاسْمَعُوا قَوْلِي وَعُوا مَنْطِقِي عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَشِيعَةً لِأَهْلِ الْجَهَالَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (197) (1/197)
140- ومن كلام له ( عليه السلام ) في النهي عن غيبة الناس :
وَ إِنَّمَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ أَ مَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ فِيمَا سِوَاهُ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ لَجَرَاءَتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِهِ فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ وَلَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلًا لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.
141- ومن كلام له ( عليه السلام ) في النهي عن سماع الغيبة وفي الفرق بين الحق والباطل :
أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ فَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (198) (1/198)
يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي وَتُخْطِئُ السِّهَامُ وَيُحِيلُ الْكَلَامُ وَبَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ.
فسُئل ( عليه السلام ) عن معنى قوله هذا فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال :
الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ.
142- ومن كلام له ( عليه السلام ) :
المعروف في غير أهله
وَ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ مِنَ الْحَظِّ فِيمَا أَتَى إِلَّا مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ وَثَنَاءُ الْأَشْرَارِ وَمَقَالَةُ الْجُهَّالَ مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ مَا أَجْوَدَ يَدَهُ وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بِخَيْلٌ.
مواضع المعروف
فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ وَلْيَفُكَّ بِهِ الْأَسِيرَ وَالْعَانِيَ وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ فَإِنَّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَدَرْكُ فَضَائِلِ الْآخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (199) (1/199)
143- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الاستسقاء وفيه تنبيه العباد وجوب استغاثة رحمة اللّه إذا حبس عنهم رحمة المطر :
أَلَا وَإِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ وَلَا زُلْفَةً إِلَيْكُمْ وَلَا لِخَيْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ وَإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ تَائِبٌ وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَالْأَكْنَانِ وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (200) (1/200)
الْقَانِطِينَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ وَتَلَاحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعِبَةُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلَّا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ وَلَا تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ وَلَا تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا وَلَا تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ وَاسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ نَافِعَةَ الْحَيَا كَثِيرَةَ الْمُجْتَنَى تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ وَتَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ وَتُرْخِصُ الْأَسْعَارَ إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ.
144- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
مبعث الرسل
بَعَثَ اللَّهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ لِئَلَّا تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ أَلَا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً لَا أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ وَلَكِنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (201) (1/201)
لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً وَالْعِقَابُ بَوَاءً.
فضل أهل البيت
أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا أَنْ رَفَعَنَا اللَّهُ وَوَضَعَهُمْ وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى وَيُسْتَجْلَى الْعَمَى إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
أهل الضلال
منها : آثَرُوا عَاجِلًا وَأَخَّرُوا آجِلًا وَتَرَكُوا صَافِياً وَشَرِبُوا آجِناً كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ وَبَسِئَ بِهِ وَوَافَقَهُ حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ وَصُبِغَتْ بِهِ خَلَائِقُهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لَا يُبَالِي مَا غَرَّقَ أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لَا يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى وَالْأَبْصَارُ اللَّامِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلَّهِ وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ وَتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (202) (1/202)
الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَأَقْبَلُوا.
145- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
فناء الدنيا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا مَعَ كُلِّ جَرْعَةٍ شَرَقٌ وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ لَا تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى وَلَا يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ وَلَا تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ إِلَّا بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ وَلَا يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ إِلَّا مَاتَ لَهُ أَثَرٌ وَلَا يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ لَهُ جَدِيدٌ وَلَا تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلَّا وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا فَمَا بَقَاءُ فَرْعٍ بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ.
ذم البدعة
منها : وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلَّا تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ فَاتَّقُوا الْبِدَعَ وَالْزَمُوا الْمَهْيَعَ إِنَّ عَوَازِمَ الْأُمُورِ أَفْضَلُهَا وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (203) (1/203)
146- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه :
إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلَا خِذْلَانُهُ بِكَثْرَةٍ وَلَا بِقِلَّةٍ وَهُوَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ وَأَمَدَّهُ حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالْإِسْلَامِ عَزِيزُونَ بِالِاجْتِمَاعِ فَكُنْ قُطْباً وَاسْتَدِرِ الرَّحَى بِالْعَرَبِ وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ إِنَّ الْأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا هَذَا أَصْلُ الْعَرَبِ فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ وَطَمَعِهِمْ فِيكَ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (204) (1/204)
وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَا مَضَى بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ.
147- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
الغاية من البعثة
فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلَاتِ وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ.
الزمان المقبل
وَ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ وَلَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ وَلَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَلَا أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا فِي الْبِلَادِ شَيْ ءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَلَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ وَتَنَاسَاهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (205) (1/205)
حَفَظَتُهُ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لَا يُؤْوِيهِمَا مُؤْوٍ فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُمْ لِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَا تُوَافِقُ الْهُدَى وَإِنِ اجْتَمَعَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا اسْمُهُ وَلَا يَعْرِفُونَ إِلَّا خَطَّهُ وَزَبْرَهُ وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللَّهِ فِرْيَةً وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنِّقْمَةُ.
عظة الناس
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّهَ وُفِّقَ وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ وَسَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ وَالْبَارِئِ مِنْ ذِي السَّقَمِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (206) (1/206)
تَرَكَهُ وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ.
148- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذكر أهل البصرة :
كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا يَمُتَّانِ إِلَى اللَّهِ بِحَبْلٍ وَلَا يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَبٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ وَعَمَّا قَلِيلٍ يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ وَاللَّهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هَذَا نَفْسَ هَذَا وَلَيَأْتِيَنَّ هَذَا عَلَى هَذَا قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فَأَيْنَ الْمُحْتَسِبُونَ فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ وَلِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ وَلِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ وَاللَّهِ لَا أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ يَسْمَعُ النَّاعِيَ وَيَحْضُرُ الْبَاكِيَ ثُمَّ لَا يَعْتَبِرُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (207) (1/207)
149- ومن كلام له ( عليه السلام ) قبل موته :
أَيُّهَا النَّاسُ كُلُّ امْرِئٍ لَاقٍ مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ الْأَجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ كَمْ أَطْرَدْتُ الْأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الْأَمْرِ فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ هَيْهَاتَ عِلْمٌ مَخْزُونٌ أَمَّا وَصِيَّتِي فَاللَّهَ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَمُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَخَلَاكُمْ ذَمٌّ مَا لَمْ تَشْرُدُوا حُمِّلَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ رَبٌّ رَحِيمٌ وَدِينٌ قَوِيمٌ وَإِمَامٌ عَلِيمٌ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَغَداً مُفَارِقُكُمْ غَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هَذِهِ الْمَزَلَّةِ فَذَاكَ وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّا فِي أَفْيَاءِ أَغْصَانٍ وَمَهَابِّ رِيَاحٍ وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَامٍ اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا وَعَفَا فِي الْأَرْضِ مَخَطُّهَا وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاكٍ وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْقٍ لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي وَسُكُونُ أَطْرَافِي فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (208) (1/208)
الْبَلِيغِ وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِئٍ مُرْصِدٍ لِلتَّلَاقِي غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي.
150- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يومي فيها إلى الملاحم ويصف فئة من أهل الضلال :
وَ أَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالًا ظَعْناً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ وَلَا تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِي ءُ بِهِ الْغَدُ فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ يَا قَوْمِ هَذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ وَدُنُوٍّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لَا تَعْرِفُونَ أَلَا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً وَيَصْدَعَ شَعْباً وَيَشْعَبَ صَدْعاً فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ وَيُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (209) (1/209)
في الضلال.
منها : وَطَالَ الْأَمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الْأَجَلُ وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ وَأَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللَّهِ بِالصَّبْرِ وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلَاءِ حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللَّهُ رَسُولَهُ ( صلى الله عليه وآله ) رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الْأَعْقَابِ وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلَائِجِ وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِبٍ فِي غَمْرَةٍ قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ عَلَى سُنَّةٍ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ مُنْقَطِعٍ إِلَى الدُّنْيَا رَاكِنٍ أَوْ مُفَارِقٍ لِلدِّينِ مُبَايِنٍ.
151- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحذر من الفتن :
اللّه ورسوله
وَ أَحْمَدُ اللَّهَ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ وَالِاعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (210) (1/210)
عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ لَا يُؤَازَى فَضْلُهُ وَلَا يُجْبَرُ فَقْدُهُ أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلَادُ بَعْدَ الضَّلَالَةِ الْمُظْلِمَةِ وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَةٍ وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةٍ.
التحذير من الفتن
ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلَايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا وَظُهُورِ كَمِينِهَا وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا وَمَدَارِ رَحَاهَا تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَتَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلَامِ وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلَامِ يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَآخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ وَيَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ وَعَنْ قَلِيلٍ يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ وَيَتَلَاعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَةٍ وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلَامَةٍ وَتَخْتَلِفُ الْأَهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا وَتَلْتَبِسُ الْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (211) (1/211)
الْحَبْلِ وَعَمِيَ وَجْهُ الْأَمْرِ تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ وَتَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ وَتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ يَهْرُبُ مِنْهَا الْأَكْيَاسُ وَيُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ تُقْطَعُ فِيهَا الْأَرْحَامُ وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ بَرِيئُهَا سَقِيمٌ وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ.
منها : بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ وَخَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَيْمَانِ وَبِغُرُورِ الْإِيمَانِ فَلَا تَكُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَأَعْلَامَ الْبِدَعِ وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ وَاقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ مَظْلُومِينَ وَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ وَلَا تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ.
152- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
في صفات اللّه جل جلاله، وصفات أئمة الدين
الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (212) (1/212)
وَ بِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَلَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ وَالْحَادِّ وَالْمَحْدُودِ وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ الْأَحَدِ بِلَا تَأْوِيلِ عَدَدٍ وَالْخَالِقِ لَا بِمَعْنَى حَرَكَةٍ وَنَصَبٍ وَالسَّمِيعِ لَا بِأَدَاةٍ وَالْبَصِيرِ لَا بِتَفْرِيقِ آلَةٍ وَالشَّاهِدِ لَا بِمُمَاسَّةٍ وَالْبَائِنِ لَا بِتَرَاخِي مَسَافَةٍ وَالظَّاهِرِ لَا بِرُؤْيَةٍ وَالْبَاطِنِ لَا بِلَطَافَةٍ بَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَبَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ وَمَنْ قَالَ كَيْفَ فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ وَمَنْ قَالَ أَيْنَ فَقَدْ حَيَّزَهُ عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ وَرَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ وَقَادِرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ.
أئمة الدين
منها : قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ وَلَمَعَ لَامِعٌ وَلَاحَ لَائِحٌ وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ وَاسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً وَبِيَوْمٍ يَوْماً وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ وَإِنَّمَا الْأَئِمَّةُ قُوَّامُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَاسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْمُ سَلَامَةٍ وَجِمَاعُ كَرَامَةٍ اصْطَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَنْهَجَهُ وَبَيَّنَ حُجَجَهُ مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وَبَاطِنِ حُكْمٍ لَا تَفْنَى غَرَائِبُهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (213) (1/213)
وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ فِيهِ مَرَابِيعُ النِّعَمِ وَمَصَابِيحُ الظُّلَمِ لَا تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلَّا بِمَفَاتِيحِهِ وَلَا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِمَصَابِيحِهِ قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ وَأَرْعَى مَرْعَاهُ فِيهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي وَكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي.
153- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
صفة الضال
وَ هُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ بِلَا سَبِيلٍ قَاصِدٍ وَلَا إِمَامٍ قَائِدٍ.
صفات الغافلين
منها : حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلَابِيبِ غَفْلَتِهِمُ اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلًا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَلَا بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ وَنَفْسِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَالضَّلَالَ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (214) (1/214)
الْمَغَاوِي وَلَا يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَخَوُّفٍ مِنْ صِدْقٍ.
عظة الناس
فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيمَا جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ( صلى الله عليه وآله ) مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيصَ عَنْهُ وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَضَعْ فَخْرَكَ وَاحْطُطْ كِبْرَكَ وَاذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللَّهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ عَبْداً وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا لَاقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا أَنْ يُشْرِكَ بِاللَّهِ فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِهِ أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلَاكِ نَفْسٍ أَوْ يَعُرَّ بِأَمْرٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ أَوْ يَمْشِيَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (215) (1/215)
فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ اعْقِلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمُّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ.
154- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها فضائل أهل البيت :
وَ نَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ دَاعٍ دَعَا وَرَاعٍ رَعَى فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ وَأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ وَلَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً.
منها : فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمَنِ إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ وَلْيَكُنْ مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (216) (1/216)
فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ وَالْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ أَ سَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِرٍ بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ ( صلى الله عليه وآله ) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ نَبَاتاً وَكُلُّ نَبَاتٍ لَا غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ فَمَا طَابَ سَقْيُهُ طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ ثَمَرَتُهُ وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ خَبُثَ غَرْسُهُ وَأَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.
155- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها بديع خلقة الخفاش :
حمد اللّه وتنزيهه
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الْأَوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ وَرَدَعَتْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (217) (1/217)
عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ هُوَ اللَّهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيدٍ فَيَكُونَ مُشَبَّهاً وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الْأَوْهَامُ بِتَقْدِيرٍ فَيَكُونَ مُمَثَّلًا خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيلٍ وَلَا مَشُورَةِ مُشِيرٍ وَلَا مَعُونَةِ مُعِينٍ فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ وَانْقَادَ وَلَمْ يُنَازِعْ.
خلقة الخفاش
وَ مِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هَذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَيَبْسُطُهَا الظَّلَامُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ وَكَيْفَ عَشِيَتْ أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا وَتَتَّصِلُ بِعَلَانِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا وَرَدَعَهَا بِتَلَأْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِي بُلَجِ ائْتِلَاقِهَا فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا وَجَاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِي الْتِمَاسِ أَرْزَاقِهَا فَلَا يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا وَبَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضِّبَابِ فِي وِجَارِهَا أَطْبَقَتِ الْأَجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (218) (1/218)
وَ تَبَلَّغَتْ بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً وَالنَّهَارَ سَكَناً وَقَرَاراً وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ كَأَنَّهَا شَظَايَا الْآذَانِ غَيْرَ ذَوَاتِ رِيشٍ وَلَا قَصَبٍ إِلَّا أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلَاماً لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلَا تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لَاصِقٌ بِهَا لَاجِئٌ إِلَيْهَا يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ لَا يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ وَمَصَالِحَ نَفْسِهِ فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ.
156- ومن كلام له ( عليه السلام )، خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم :
فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَفْعَلْ فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ وَأَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ وَضِغْنٌ غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الْأُولَى وَالْحِسَابُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (219) (1/219)
وصف الإيمان
منه : سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ أَنْوَرُ السِّرَاجِ فَبِالْإِيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الْإِيمَانِ وَبِالْإِيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ وَبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الْآخِرَةُ وَبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ وَتُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَإِنَّ الْخَلْقَ لَا مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى.
حال أهل القبور في القيامة
منه : قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الْأَجْدَاثِ وَصَارُوا إِلَى مَصَايِرِ الْغَايَاتِ لِكُلِّ دَارٍ أَهْلُهَا لَا يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلَا يُنْقَلُونَ عَنْهَا وَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ وَالرِّيُّ النَّاقِعُ وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ لَا يَعْوَجُّ فَيُقَامَ وَلَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ وَلَا تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ وَوُلُوجُ السَّمْعِ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (220) (1/220)
و قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله ) عنها فقال ( عليه السلام ) :
إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَا تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ بَعْدِي فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ أَ وَلَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُدٍ حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيَّ فَقُلْتَ لِي أَبْشِرْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ فَقَالَ لِي إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ وَلَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى وَالشُّكْرِ وَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ وَالْأَهْوَاءِ السَّاهِيَةِ فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أَ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (221) (1/221)
157- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحث الناس على التقوى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ وَدَلِيلًا عَلَى آلَائِهِ وَعَظَمَتِهِ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ لَا يَعُودُ مَا قَدْ وَلَّى مِنْهُ وَلَا يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ مُتَشَابِهَةٌ أُمُورُهُ مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلَامُهُ فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّئَ أَعْمَالِهِ فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ وَالْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ لَا يَمْنَعُ أَهْلَهُ وَلَا يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ أَلَا وَبِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ الْخَطَايَا وَبِالْيَقِينِ تُدْرَكُ الْغَايَةُ الْقُصْوَى عِبَادَ اللَّهِ اللَّهَ اللَّهَ فِي أَعَزِّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكُمْ وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ فَشِقْوَةٌ لَازِمَةٌ أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لِأَيَّامِ الْبَقَاءِ قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَأُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِيرِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْبٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (222) (1/222)
وُقُوفٍ لَا يَدْرُونَ مَتَى يُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ أَلَا فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلْآخِرَةِ وَمَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيلٍ يُسْلَبُهُ وَتَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَحِسَابُهُ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ وَلَا فِيمَا نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ عِبَادَ اللَّهِ احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَيَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزَالُ وَتَشِيبُ فِيهِ الْأَطْفَالُ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ وَحُفَّاظَ صِدْقٍ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ لَا تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْلٍ دَاجٍ وَلَا يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاجٍ وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ وَيَجِي ءُ الْغَدُ لَاحِقاً بِهِ فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الْأَرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ وَمَخَطَّ حُفْرَتِهِ فَيَا لَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَةٍ وَمَنْزِلِ وَحْشَةٍ وَمُفْرَدِ غُرْبَةٍ وَكَأَنَّ الصَّيْحَةَ قَدْ أَتَتْكُمْ وَالسَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ وَبَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ قَدْ زَاحَتْ عَنْكُمُ الْأَبَاطِيلُ وَاضْمَحَلَّتْ عَنْكُمُ الْعِلَلُ وَاسْتَحَقَّتْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (223) (1/223)
بِكُمُ الْحَقَائِقُ وَصَدَرَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ مَصَادِرَهَا فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ وَاعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ وَانْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ.
158- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يُنَبِّهُ فيها على فضل الرسول الأعظم، وفضل القرآن، ثم حال دولة بني أمية :
النبي والقرآن
أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَانْتِقَاضٍ مِنَ الْمُبْرَمِ فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَلَنْ يَنْطِقَ وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَلَا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي وَدَوَاءَ دَائِكُمْ وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ
دولة بني أمية
و منها : فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا وَأَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً فَيَوْمَئِذٍ لَا يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ أَصْفَيْتُمْ بِالْأَمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ وَسَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ مَأْكَلًا بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَباً بِمَشْرَبٍ مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (224) (1/224)
وَ الْمَقِرِ وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ وَدِثَارِ السَّيْفِ وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ الْآثَامِ فَأُقْسِمُ ثُمَّ أُقْسِمُ لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ ثُمَّ لَا تَذُوقُهَا وَلَا تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ.
159- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يبين فيها حسن معاملته لرعيته :
وَ لَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ وَأَحَطْتُ بِجُهْدِي مِنْ وَرَائِكُمْ وَأَعْتَقْتُكُمْ مِنْ رِبَقِ الذُّلِّ وَحَلَقِ الضَّيْمِ شُكْراً مِنِّي لِلْبِرِّ الْقَلِيلِ وَإِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ وَشَهِدَهُ الْبَدَنُ مِنَ الْمُنْكَرِ الْكَثِيرِ
160- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
عظمة اللّه
أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَحِكْمَةٌ وَرِضَاهُ أَمَانٌ وَرَحْمَةُ يَقْضِي بِعِلْمٍ وَيَعْفُو بِحِلْمٍ.
حمد اللّه
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَتُعْطِي وَعَلَى مَا تُعَافِي وَتَبْتَلِي حَمْداً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (225) (1/225)
يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ وَأَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ حَمْداً يَمْلَأُ مَا خَلَقْتَ وَيَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ حَمْداً لَا يُحْجَبُ عَنْكَ وَلَا يُقْصَرُ دُونَكَ حَمْداً لَا يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ وَلَا يَفْنَى مَدَدُهُ فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ إِلَّا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ حَيٌّ قَيُّومُ لَا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ وَلَمْ يُدْرِكْكَ بَصَرٌ أَدْرَكْتَ الْأَبْصَارَ وَأَحْصَيْتَ الْأَعْمَالَ وَأَخَذْتَ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ وَنَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ وَنَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ وَمَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ وَحَالَتْ سُتُورُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ وَكَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِكَ وَكَيْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً وَسَمْعُهُ وَالِهاً وَفِكْرُهُ حَائِراً.
كيف يكون الرجاء
منها : يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ كَذَبَ وَالْعَظِيمِ مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ وَكُلُّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (226) (1/226)
رَجَاءٍ إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَكُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ يَرْجُو اللَّهَ فِي الْكَبِيرِ وَيَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً أَوْ تَكُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَكَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَخَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَوَعْداً وَكَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَصَارَ عَبْداً لَهَا.
رسول اللّه
وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَافٍ لَكَ فِي الْأُسْوَةِ وَدَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَعَيْبِهَا وَكَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَمَسَاوِيهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَوُطِّئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا وَفُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا وَزُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا.
موسى
وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) حَيْثُ يَقُولُ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَاللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (227) (1/227)
الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ.
داود
وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ ( صلوات الله عليه ) صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ وَقَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِهِ وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا.
عيسى
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ( عليه السلام ) فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ وَيَأْكُلُ الْجَشِبَ وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ وَظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَفَاكِهَتُهُ وَرَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَلَا وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَلَا مَالٌ يَلْفِتُهُ وَلَا طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَخَادِمُهُ يَدَاهُ.
الرسول الأعظم
فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الْأَطْيَبِ الْأَطْهَرِ ( صلى الله عليه وآله ) فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (228) (1/228)
بِنَبِيِّهِ وَالْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً وَأَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَلَقَدْ كَانَ ( صلى الله عليه وآله ) يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَيَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ يَا فُلَانَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً وَلَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَلَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مَا يَدُلُّكُ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَكْرَمَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (229) (1/229)
اللَّهُ مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهِ الْعَظِيمِ بِالْإِفْكِ الْعَظِيمِ وَإِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ وَإِلَّا فَلَا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَمُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً وَوَرَدَ الْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا عَنْكَ فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى.
161- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في صفة النبي وأهل بيته وأتباع دينه، وفيها يعظ بالتقوى :
الرسول وأهله وأتباع دينه
ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِي ءِ وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي وَالْكِتَابِ الْهَادِي أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَةٍ وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَةٍ أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (230) (1/230)
عَلَا بِهَا ذِكْرُهُ وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ أَرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ وَمَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ وَدَعْوَةٍ مُتَلَافِيَةٍ أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الْمَجْهُولَةَ وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ وَبَيَّنَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دَيْناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكُّلَ الْإِنَابَةِ إِلَيْهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.
النصح بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً رَهَّبَ فَأَبْلَغَ وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا أَقْرَبُ دَارٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ فَغُضُّوا عَنْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ وَالْمُجِدِّ الْكَادِحِ وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (231) (1/231)
الْأَوْلَادِ فَقْدَهَا وَبِصُحْبَةِ الْأَزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا لَا يَتَفَاخَرُونَ وَلَا يَتَنَاسَلُونَ وَلَا يَتَزَاوَرُونَ وَلَا يَتَحَاوَرُونَ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ وَاضِحٌ وَالْعَلَمَ قَائِمٌ وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ.
162- ومن كلام له ( عليه السلام ) لبعض أصحابه وقد سأله كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به فقال :
يَا أَخَا بَنِي أَسَدٍ إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَدٍ وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ الْمَسْأَلَةِ وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ أَمَّا الِاسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهَذَا الْمَقَامِ وَنَحْنُ الْأَعْلَوْنَ نَسَباً وَالْأَشَدُّونَ بِالرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) نَوْطاً فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ وَالْحَكَمُ اللَّهُ وَالْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ.
وَ دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ * وَلَكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ
وَ هَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ وَلَا غَرْوَ وَاللَّهِ فَيَا لَهُ خَطْباً يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ وَيُكْثِرُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (232) (1/232)
الْأَوَدَ حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ.
163- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
الخالق جل وعلا
الْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ وَسَاطِحِ الْمِهَادِ وَمُسِيلِ الْوِهَادِ وَمُخْصِبِ النِّجَادِ لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِأَزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ وَالْبَاقِي بِلَا أَجَلٍ خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ حَدَّ الْأَشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا لَا تُقَدِّرُهُ الْأَوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ وَلَا بِالْجَوَارِحِ وَالْأَدَوَاتِ لَا يُقَالُ لَهُ مَتَى وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ بِحَتَّى الظَّاهِرُ لَا يُقَالُ مِمَّ وَالْبَاطِنُ لَا يُقَالُ فِيمَ لَا شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى وَلَا مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِالْتِصَاقٍ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاقٍ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَةٍ وَلَا كُرُورُ لَفْظَةٍ وَلَا ازْدِلَافُ رَبْوَةٍ وَلَا انْبِسَاطُ خُطْوَةٍ فِي لَيْلٍ دَاجٍ وَلَا غَسَقٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (233) (1/233)
سَاجٍ يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الْأُفُولِ وَالْكُرُورِ وَتَقَلُّبِ الْأَزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ مِنْ إِقْبَالِ لَيْلٍ مُقْبِلٍ وَإِدْبَارِ نَهَارٍ مُدْبِرٍ قَبْلَ كُلِّ غَايَةٍ وَمُدَّةِ وَكُلِّ إِحْصَاءٍ وَعِدَّةٍ تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الْمُحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الْأَقْدَارِ وَنِهَايَاتِ الْأَقْطَارِ وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ وَتَمَكُّنِ الْأَمَاكِنِ فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ وَإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.
ابتداع المخلوقين
لَمْ يَخْلُقِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أُصُولٍ أَزَلِيَّةٍ وَلَا مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّةٍ بَلْ خَلَقَ مَا خَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ وَصَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ لَيْسَ لِشَيْ ءٍ مِنْهُ امْتِنَاعٌ وَلَا لَهُ بِطَاعَةِ شَيْ ءٍ انْتِفَاعٌ عِلْمُهُ بِالْأَمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالْأَحْيَاءِ الْبَاقِينَ وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى.
منها : أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ السَّوِيُّ وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ. بُدِئْتَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ وَوُضِعْتَ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وَأَجَلٍ مَقْسُومٍ تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لَا تُحِيرُ دُعَاءً وَلَا تَسْمَعُ نِدَاءً ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (234) (1/234)
فَمَنْ هَدَاكَ لِاجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ هَيْهَاتَ إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الْمَخْلُوقِينَ أَبْعَدُ.
164- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما اجتمع الناس شكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته لهم واستعتابه لهم فدخل عليه فقال :
إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدِ اسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ وَوَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ وَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لَا تَعْرِفُهُ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْ ءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ وَلَا خَلَوْنَا بِشَيْ ءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَمَا صَحِبْنَا وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلَا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى أَبِي رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالَا فَاللَّهَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى وَلَا تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ وَإِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ وَإِنَّ أَعْلَامَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (235) (1/235)
هُدِيَ وَهَدَى فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) يَقُولُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْإِمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلَا عَاذِرٌ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَلَّا تَكُونَ إِمَامَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا فَلَا يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً فَلَا تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلَالِ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا أَجَلَ فِيهِ وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ.
165- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها عجيب خلقة الطاوس :
خلقة الطيور
ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَمَوَاتٍ وَسَاكِنٍ وَذِي حَرَكَاتٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (236) (1/236)
وَ أَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ وَمَسَلِّمَةً لَهُ وَنَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلَائِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الْأَرْضِ وَخُرُوقَ فِجَاجِهَا وَرَوَاسِيَ أَعْلَامِهَا مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ التَّسْخِيرِ وَمُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ وَالْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ وَرَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ وَمَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ خُفُوفاً وَجَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً وَنَسَقَهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي الْأَصَابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لَا يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بِهِ.
الطاوس
وَ مِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ وَسَمَا بِهِ مُطِلًّا عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ يُفْضِي كَإِفْضَاءِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (237) (1/237)
الدِّيَكَةِ وَيَؤُرُّ بِمَلَاقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ أُحِيلُكَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ لَا كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ وَأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذَلِكَ ثُمَّ تَبِيضُ لَا مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ وَمَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَشُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ قُلْتَ جَنًى جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ وَإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ وَإِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلًا بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلَاسِيَّةِ وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ وَمَغْرِزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمَانِيَّةِ أَوْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (238) (1/238)
كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ إِلَّا أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ أَبْيَضُ يَقَقٌ فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ وَقَلَّ صِبْغٌ إِلَّا وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَعَلَاهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ فَهُوَ كَالْأَزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ وَلَا شُمُوسُ قَيْظٍ وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ فَيَسْقُطُ تَتْرَى وَيَنْبُتُ تِبَاعاً فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ ثُمَّ يَتَلَاحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ وَلَا يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هَذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِينَ وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ وَالْأَلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلَّاهُ لِلْعُيُونِ فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً وَأَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (239) (1/239)
صغار المخلوقات
وَ سُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتَانِ وَالْفِيَلَةِ وَوَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلَّا يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيهِ الرُّوحَ إِلَّا وَجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ وَالْفَنَاءَ غَايَتَهُ.
منها في صفة الجنة
فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا وَفِي تَعْلِيقِ كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا وَطُلُوعِ تِلْكَ الثِّمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالْأَعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتَمَادَى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الْأَسْفَارِ فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هَذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالًا بِهَا جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (240) (1/240)
تفسير بعض ما في هذه الخطبة من الغريب
قال السيد الشريف رضي الله عنه : قوله ( عليه السلام ) يؤر بملاقحه الأر كناية عن النكاح يقال أر الرجل المرأة يؤرها إذا نكحها. وقوله ( عليه السلام ) كأنه قلع داري عنجه نوتيه القلع شراع السفينة وداري منسوب إلى دارين وهي بلدة على البحر يجلب منها الطيب وعنجه أي عطفه يقال عنجت الناقة كنصرت أعنجها عنجا إذا عطفتها والنوتي الملاح. وقوله ( عليه السلام ) ضفتي جفونه أراد جانبي جفونه والضفتان الجانبان. وقوله ( عليه السلام ) وفلذ الزبرجد الفلذ جمع فلذة وهي القطعة. وقوله ( عليه السلام ) كبائس اللؤلؤ الرطب الكباسة العذق والعساليج الغصون واحدها عسلوج.
166- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
الحث على التآلف
لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ وَلْيَرْأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ وَلَا تَكُونُوا كَجُفَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ وَلَا عَنِ اللَّهِ يَعْقِلُونَ كَقَيْضِ بَيْضٍ فِي أَدَاحٍ يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً وَيُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً.
بنو أمية
و منها : افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ وَتَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ فَمِنْهُمْ آخِذٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (241) (1/241)
بِغُصْنٍ أَيْنَمَا مَالَ مَالَ مَعَهُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَةٌ وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ وَلَا حِدَابُ أَرْضٍ يُذَعْذِعُهُمُ اللَّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَأْخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ وَيُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ وَايْمُ اللَّهِ لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّمْكِينِ كَمَا تَذُوبُ الْأَلْيَةُ عَلَى النَّارِ.
الناس آخر الزمان
أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنَى وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ وَكُفِيتُمْ مَئُونَةَ الِاعْتِسَافِ وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الْأَعْنَاقِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (242) (1/242)
167- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في أوائل خلافته :
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ أَدُّوهَا إِلَى اللَّهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُولٍ وَأَحَلَّ حَلَالًا غَيْرَ مَدْخُولٍ وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا وَشَدَّ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلَّا بِمَا يَجِبُ بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ فَإِنَّ النَّاسَ أَمَامَكُمْ وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ فِي عِبَادِهِ وَبِلَادِهِ فَإِنَّكُمْ مَسْئُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ أَطِيعُوا اللَّهَ وَلَا تَعْصُوهُ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (243) (1/243)
168- ومن كلام له ( عليه السلام ) بعد ما بويع له بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان، فقال ( عليه السلام ) :
يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ وَلَكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّةٍ وَالْقَوْمُ الْمُجْلِبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ يَمْلِكُونَنَا وَلَا نَمْلِكُهُمْ وَهَا هُمْ هَؤُلَاءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ وَالْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ وَهُمْ خِلَالَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاءُوا وَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَةٍ عَلَى شَيْ ءٍ تُرِيدُونَهُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّةٍ وَإِنَّ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَادَّةً إِنَّ النَّاسَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ إِذَا حُرِّكَ عَلَى أُمُورٍ فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ وَفِرْقَةٌ تَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَفِرْقَةٌ لَا تَرَى هَذَا وَلَا ذَاكَ فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا وَتُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً فَاهْدَءُوا عَنِّي وَانْظُرُوا مَا ذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي وَلَا تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً وَتُسْقِطُ مُنَّةً وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً وَسَأُمْسِكُ الْأَمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ وَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ.
169- ومن خطبة له ( عليه السلام ) عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة:
الأمور الجامعة للمسلمين
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولًا هَادِياً بِكِتَابٍ نَاطِقٍ وَأَمْرٍ قَائِمٍ لَا يَهْلِكُ عَنْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (244) (1/244)
إِلَّا هَالِكٌ وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلَّا مَا حَفِظَ اللَّهُ مِنْهَا وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ عِصْمَةً لِأَمْرِكُمْ فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَةٍ وَلَا مُسْتَكْرَهٍ بِهَا وَاللَّهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللَّهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَا يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ.
التنفير من خصومه
إِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ تَمَالَئُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هَذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَرَادُوا رَدَّ الْأُمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَالْقِيَامُ بِحَقِّهِ وَالنَّعْشُ لِسُنَّتِهِ.
170- ومن كلام له ( عليه السلام ) في وجوب اتباع الحق عند قيام الحجة كلّم به بعض العرب :
وَ قَدْ أَرْسَلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَمَّا قَرُبَ ( عليه السلام ) مِنْهَا لِيَعْلَمَ لَهُمْ مِنْهُ حَقِيقَةَ حَالِهِ مَعَ أَصْحَابِ الْجَمَلِ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَبَيَّنَ لَهُ ( عليه السلام ) مِنْ أَمْرِهِ مَعَهُمْ مَا عَلِمَ بِهِ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَايِعْ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ قَوْمٍ وَلَا أُحْدِثُ حَدَثاً حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
أَ رَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (245) (1/245)
فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلَإِ وَالْمَاءِ فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَالْمَجَادِبِ مَا كُنْتَ صَانِعاً قَالَ كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ إِلَى الْكَلَإِ وَالْمَاءِ فَقَالَ ( عليه السلام ) فَامْدُدْ إِذاً يَدَكَ فَقَالَ الرَّجُلُ فَوَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ فَبَايَعْتُهُ ( عليه السلام ).
وَ الرَّجُلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ.
171- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما عزم على لقاء القوم بصفين :
الدعاء
اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْجَوِّ الْمَكْفُوفِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَجْرًى لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ وَجَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلَائِكَتِكَ لَا يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ وَرَبَّ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلْأَنَامِ وَمَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَالْأَنْعَامِ وَمَا لَا يُحْصَى مِمَّا يُرَى وَمَا لَا يُرَى وَرَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً وَلِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (246) (1/246)
الدعوة للقتال
أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ وَالْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ الْعَارُ وَرَاءَكُمْ وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ.
172- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
حمد الله
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً وَلَا أَرْضٌ أَرْضاً.
يوم الشورى
منها : وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَحَرِيصٌ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ وَاللَّهِ لَأَحْرَصُ وَأَبْعَدُ وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلَإِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ لَا يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ.
الاستنصار على قريش
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (247) (1/247)
منها في ذكر أصحاب الجمل
فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَمَا تُجَرُّ الْأَمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا فِي جَيْشٍ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً وَطَائِفَةً غَدْراً فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلًا وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ لِقَتْلِهِ بِلَا جُرْمٍ جَرَّهُ لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذَلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَانٍ وَلَا بِيَدٍ دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ.
173- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، ومن هو جدير بأن يكون للخلافة وفي هوان الدنيا :
رسول الله
أَمِينُ وَحْيِهِ وَخَاتَمُ رُسُلِهِ وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ.
الجدير بالخلافة
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَأَعْلَمُهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (248) (1/248)
بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَلَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ أَلَا وَإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ رَجُلًا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَا تَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ حَتَّى تَتَبَيَّنُوا فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْرٍ تُنْكِرُونَهُ غِيَراً.
هوان الدنيا
أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَلَا مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلَا الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ أَلَا وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَلَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا وَأَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا وَلَا يَخِنَّنَّ أَحَدُكُمْ خَنِينَ الْأَمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (249) (1/249)
وَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ أَلَا وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْ ءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ أَلَا وَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْ ءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.
174- ومن كلام له ( عليه السلام ) في معنى طلحة بن عبيد الله وقد قاله حين بلغه خروج طلحة والزبير إلى البصرة لقتاله :
قَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَلَا أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ وَأَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ وَاللَّهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ إِلَّا خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ الْأَمْرُ وَيَقَعَ الشَّكُّ. وَوَ اللَّهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلَاثٍ لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً كَمَا كَانَ يَزْعُمُ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيهِ وَأَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ. وَلَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ وَالْمُعَذِّرِينَ فِيهِ وَلَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَيَرْكُدَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (250) (1/250)
جَانِباً وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلَاثِ وَجَاءَ بِأَمْرٍ لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ وَلَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ.
175- من خطبة له ( عليه السلام ) في الموعظة وبيان قرباه من رسول اللّه :
أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ وَالتَّارِكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اللَّهِ ذَاهِبِينَ وَإِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ وَمَشْرَبٍ دَوِيٍّ وَإِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى لَا تَعْرِفُ مَا ذَا يُرَادُ بِهَا إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا وَشِبَعَهَا أَمْرَهَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) أَلَا وَإِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ وَاصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ مَا أَنْطِقُ إِلَّا صَادِقاً وَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ وَمَنْجَى مَنْ يَنْجُو وَمَآلِ هَذَا الْأَمْرِ وَمَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلَّا أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَأَفْضَى بِهِ إِلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ إِلَّا وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا وَلَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (251) (1/251)
176- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وفيها يعظ ويبين فضل القرآن وينهى عن البدعة :
عظة الناس
انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللَّهِ وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللَّهِ وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا لِتَتَّبِعُوا هَذِهِ وَتَجْتَنِبُوا هَذِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ شَيْ ءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي كُرْهٍ وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ شَيْ ءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْ ءٍ مَنْزِعاً وَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ فَلَا يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَمُسْتَزِيداً لَهَا فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ وَالْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلِ وَطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (252) (1/252)
فضل القرآن
وَ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ فَاسْأَلُوا اللَّهَ بِهِ وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ وَلَا تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَاسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.
الحث على العمل
الْعَمَلَ الْعَمَلَ ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ وَالِاسْتِقَامَةَ الِاسْتِقَامَةَ ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ وَإِنَّ لِلْإِسْلَامِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (253) (1/253)
غَايَتِهِ وَاخْرُجُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ وَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ وَحَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ.
نصائح للناس
أَلَا وَإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ وَالْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ وَإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللَّهِ وَحُجَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ وَقَدْ قُلْتُمْ رَبُّنَا اللَّهُ فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ وَعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ ثُمَّ لَا تَمْرُقُوا مِنْهَا وَلَا تَبْتَدِعُوا فِيهَا وَلَا تُخَالِفُوا عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الْأَخْلَاقِ وَتَصْرِيفَهَا وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً وَلْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ وَاللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ وَإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لَا يَدْرِي مَا ذَا لَهُ وَمَا ذَا عَلَيْهِ وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (254) (1/254)
يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ.
تحريم البدع
وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ وَيُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ وَأَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لَا يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ الْحَلَالَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الْأُمُورَ وَضَرَّسْتُمُوهَا وَوُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَضُرِبَتِ الْأَمْثَالُ لَكُمْ وَدُعِيتُمْ إِلَى الْأَمْرِ الْوَاضِحِ فَلَا يَصَمُّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَصَمُّ وَلَا يَعْمَى عَنْ ذَلِكَ إِلَّا أَعْمَى وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِالْبَلَاءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْعِظَةِ وَأَتَاهُ التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ وَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ مُتَّبِعٌ شِرْعَةً وَمُبْتَدِعٌ بِدْعَةً لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ وَلَا ضِيَاءُ حُجَّةٍ.
القرآن
وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَسَبَبُهُ الْأَمِينُ وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَمَا لِلْقَلْبِ جِلَاءٌ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (255) (1/255)
عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) كَانَ يَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ اعْمَلِ الْخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ.
انواع الظلم
أَلَا وَإِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ وَظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ وَظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى وَلَا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ وَلَكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَهُ فَإِيَّاكُمْ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيمَا تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ فُرْقَةٍ فِيمَا تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَةٍ خَيْراً مِمَّنْ مَضَى وَلَا مِمَّنْ بَقِيَ.
لزوم الطاعة
يَا أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ وَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ وَأَكَلَ قُوتَهُ وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُلٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (256) (1/256)
177- ومن كلام له ( عليه السلام ) في معنى الحكمين :
فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ وَلَا يُجَاوِزَاهُ وَتَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَقُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ فَتَاهَا عَنْهُ وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَالِاعْوِجَاجُ رَأْيَهُمَا وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا وَالثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لِأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ.
178- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الشهادة والتقوى، وقيل إنه خطبها بعد مقتل عثمان في أول خلافته :
اللّه ورسوله
لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ وَلَا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ وَلَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَلَا يَصِفُهُ لِسَانٌ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ وَلَا نُجُومِ السَّمَاءِ وَلَا سَوَافِي الرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ وَلَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا وَلَا مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ وَخَفِيَّ طَرْفِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (257) (1/257)
الْأَحْدَاقِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ وَلَا مَشْكُوكٍ فِيهِ وَلَا مَكْفُورٍ دِينُهُ وَلَا مَجْحُودٍ تَكْوِينُهُ شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ وَصَفَتْ دِخْلَتُهُ وَخَلَصَ يَقِينُهُ وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِهِ وَالْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ وَالْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ رِسَالَاتِهِ وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى وَالْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَالْمُخْلِدَ إِلَيْهَا وَلَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا وَتَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا وَايْمُ اللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا لِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَوَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ وَإِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ وَقَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ وَمَا عَلَيَّ إِلَّا الْجُهْدُ وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (258) (1/258)
179- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين فقال ( عليه السلام ) أ فأعبد ما لا أرى، فقال وكيف تراه، فقال :
لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ وَلَكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلَابِسٍ بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِنٍ مُتَكَلِّمٌ لَا بِرَوِيَّةٍ مُرِيدٌ لَا بِهِمَّةٍ صَانِعٌ لَا بِجَارِحَةٍ لَطِيفٌ لَا يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ كَبِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ بَصِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ رَحِيمٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ وَتَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ.
180- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في ذم العاصين من أصحابه :
أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَعَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَإِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُمْهِلْتُمْ خُضْتُمْ وَإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ طَعَنْتُمْ وَإِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّةٍ نَكَصْتُمْ. لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَلَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ وَأَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَالٍ وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِيرٍ لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ مَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (259) (1/259)
دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَلَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَةٍ وَلَا عَطَاءٍ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الْإِسْلَامِ وَبَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًى فَتَرْضَوْنَهُ وَلَا سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ وَعَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ وَسَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ وَأَقْرِبْ بِقَوْمٍ مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ.
181- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) وَقَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْمٍ مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ وَكَانُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْهُ ( عليه السلام ) فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَصُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ وَهُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَمُتَخَلٍّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (260) (1/260)
عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى وَارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ وَالْعَمَى وَصَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَجِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ.
182- وَمِنْ خُطْبَةٍ لَهُ ( عليه السلام ) رُوِيَ عَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ( عليه السلام ) بِالْكُوفَةِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَةٍ نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ وَعَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَحَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ لِيفٍ وَكَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِيرٍ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
حمد اللّه واستعانته
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ الْخَلْقِ وَعَوَاقِبُ الْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَنَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَنَوَامِي فَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً وَلِشُكْرِهِ أَدَاءً وَإِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَلِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَنَسْتَعِينُ بِهِ اسْتِعَانَةَ رَاجٍ لِفَضْلِهِ مُؤَمِّلٍ لِنَفْعِهِ وَاثِقٍ بِدَفْعِهِ مُعْتَرِفٍ لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِنٍ لَهُ بِالْعَمَلِ وَالْقَوْلِ وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَأَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَخَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَأَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَعَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَلَاذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً.
اللّه الواحد
لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً وَلَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (261) (1/261)
هَالِكاً وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَلَا زَمَانٌ وَلَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ بَلْ ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ وَالْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ قَائِمَاتٍ بِلَا سَنَدٍ دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَاتٍ مُذْعِنَاتٍ غَيْرَ مُتَلَكِّئَاتٍ وَلَا مُبْطِئَاتٍ وَلَوْ لَا إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِذْعَانُهُنَّ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً لِعَرْشِهِ وَلَا مَسْكَناً لِمَلَائِكَتِهِ وَلَا مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَلَا اسْتَطَاعَتْ جَلَابِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ غَسَقٍ دَاجٍ وَلَا لَيْلٍ سَاجٍ فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ وَلَا فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ وَمَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَمَا تَلَاشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَانْهِطَالُ السَّمَاءِ وَيَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَمَقَرَّهَا وَمَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَمَجَرَّهَا وَمَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا وَمَا تَحْمِلُ الْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (262) (1/262)
عود إلى الحمد
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ لَا يُدْرَكُ بِوَهْمٍ وَلَا يُقَدَّرُ بِفَهْمٍ وَلَا يَشْغَلُهُ سَائِلٌ وَلَا يَنْقُصُهُ نَائِلٌ وَلَا يَنْظُرُ بِعَيْنٍ وَلَا يُحَدُّ بِأَيْنٍ وَلَا يُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ وَلَا يُخْلَقُ بِعِلَاجٍ وَلَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيماً وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظِيماً بِلَا جَوَارِحَ وَلَا أَدَوَاتٍ وَلَا نُطْقٍ وَلَا لَهَوَاتٍ بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ فَصِفْ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَجُنُودَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي حُجُرَاتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّينَ مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ فَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيْئَاتِ وَالْأَدَوَاتِ وَمَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلَامٍ وَأَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُورٍ.
الوصية بالتقوى
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ( عليه السلام ) الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (263) (1/263)
خَالِيَةً وَالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً وَوَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً أَيْنَ الْعَمَالِقَةُ وَأَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَأَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ وَأَطْفَئُوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ وَأَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَهَزَمُوا بِالْأُلُوفِ وَعَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَمَدَّنُوا الْمَدَائِنَ وَمِنْهَا قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا وَأَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَالْمَعْرِفَةِ بِهَا وَالتَّفَرُّغِ لَهَا فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا وَحَاجَتُهُ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإِسْلَامُ وَضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ وَأَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ.
ثم قال عليه السلام : أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ الْأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ وَأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَحَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ تَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ وَيُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ أَلَا إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ مِنَ الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلًا وَأَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (264) (1/264)
وَ أَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللَّهِ الْأَخْيَارُ وَبَاعُوا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى بِكَثِيرٍ مِنَ الْآخِرَةِ لَا يَفْنَى مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَيَشْرَبُونَ الرَّنْقَ قَدْ وَاللَّهِ لَقُوا اللَّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَأَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَأُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ.
قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِحْيَتِهِ الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ.
ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ) : أَوِّهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ.
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللَّهِ أَلَا وَإِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللَّهِ فَلْيَخْرُجْ.
قَالَ نَوْفٌ : وَعَقَدَ لِلْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَلِقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَلِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ وَلِغَيْرِهِمْ عَلَى أَعْدَادٍ أُخَرَ وَهُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى صِفِّينَ فَمَا دَارَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى ضَرَبَهُ الْمَلْعُونُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ فَكُنَّا كَأَغْنَامٍ فَقَدَتْ رَاعِيهَا تَخْتَطِفُهَا الذِّئَابُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (265) (1/265)
183- من خطبة له ( عليه السلام ) في قدرة اللّه وفي فضل القرآن وفي الوصية بالتقوى الله تعالى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ مَنْصَبَةٍ خَلَقَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَاسْتَعْبَدَ الْأَرْبَابَ بِعِزَّتِهِ وَسَادَ الْعُظَمَاءَ بِجُودِهِ وَهُوَ الَّذِي أَسْكَنَ الدُّنْيَا خَلْقَهُ وَبَعَثَ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ رُسُلَهُ لِيَكْشِفُوا لَهُمْ عَنْ غِطَائِهَا وَلِيُحَذِّرُوهُمْ مِنْ ضَرَّائِهَا وَلِيَضْرِبُوا لَهُمْ أَمْثَالَهَا وَلِيُبَصِّرُوهُمْ عُيُوبَهَا وَلِيَهْجُمُوا عَلَيْهِمْ بِمُعْتَبَرٍ مِنْ تَصَرُّفِ مَصَاحِّهَا وَأَسْقَامِهَا وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُطِيعِينَ مِنْهُمْ وَالْعُصَاةِ مِنْ جَنَّةٍ وَنَارٍ وَكَرَامَةٍ وَهَوَانٍ أَحْمَدُهُ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا اسْتَحْمَدَ إِلَى خَلْقِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً وَلِكُلِّ قَدْرٍ أَجَلًا وَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَاباً.
فضل القرآن
منها : فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَارْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ وَقَبَضَ نَبِيَّهُ ( صلى الله عليه وآله ) وَقَدْ فَرَغَ إِلَى الْخَلْقِ مِنْ أَحْكَامِ الْهُدَى بِهِ فَعَظِّمُوا مِنْهُ سُبْحَانَهُ مَا عَظَّمَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (266) (1/266)
لَمْ يُخْفِ عَنْكُمْ شَيْئاً مِنْ دِينِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً رَضِيَهُ أَوْ كَرِهَهُ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ عَلَماً بَادِياً وَآيَةً مُحْكَمَةً تَزْجُرُ عَنْهُ أَوْ تَدْعُو إِلَيْهِ فَرِضَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَسَخَطُهُ فِيمَا بَقِيَ وَاحِدٌ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرْضَى عَنْكُمْ بِشَيْ ءٍ سَخِطَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَلَنْ يَسْخَطَ عَلَيْكُمْ بِشَيْ ءٍ رَضِيَهُ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَإِنَّمَا تَسِيرُونَ فِي أَثَرٍ بَيِّنٍ وَتَتَكَلَّمُونَ بِرَجْعِ قَوْلٍ قَدْ قَالَهُ الرِّجَالُ مِنْ قَبْلِكُمْ قَدْ كَفَاكُمْ مَئُونَةَ دُنْيَاكُمْ وَحَثَّكُمْ عَلَى الشُّكْرِ وَافْتَرَضَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الذِّكْرَ.
الوصية بالتقوى
وَ أَوْصَاكُمْ بِالتَّقْوَى وَجَعَلَهَا مُنْتَهَى رِضَاهُ وَحَاجَتَهُ مِنْ خَلْقِهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِعَيْنِهِ وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ وَإِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ قَدْ وَكَّلَ بِذَلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً لَا يُسْقِطُونَ حَقّاً وَلَا يُثْبِتُونَ بَاطِلًا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ وَيُخَلِّدْهُ فِيمَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَيُنْزِلْهُ مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ فِي دَارٍ اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ظِلُّهَا عَرْشُهُ وَنُورُهَا بَهْجَتُهُ وَزُوَّارُهَا مَلَائِكَتُهُ وَرُفَقَاؤُهَا رُسُلُهُ فَبَادِرُوا الْمَعَادَ وَسَابِقُوا الْآجَالَ فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَمَلُ وَيَرْهَقَهُمُ الْأَجَلُ وَيُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (267) (1/267)
لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالِارْتِحَالِ وَأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا أَ فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَقَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ وَنَشِبَتِ الْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ وَفِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَاسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَأَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَخُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَقَالَ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (268) (1/268)
مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللَّهِ فِي دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَأَكْرَمَ أَسْمَاعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
184- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله للبرج بن مسهر الطائي وقد قال له بحيث يسمعه "لا حكم إلا للّه"، وكان من الخوارج :
اسْكُتْ قَبَحَكَ اللَّهُ يَا أَثْرَمُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ ظَهَرَ الْحَقُّ فَكُنْتَ فِيهِ ضَئِيلًا شَخْصُكَ خَفِيّاً صَوْتُكَ حَتَّى إِذَا نَعَرَ الْبَاطِلُ نَجَمْتَ نُجُومَ قَرْنِ الْمَاعِزِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (269) (1/269)
185- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحمد اللّه فيها ويثني على رسوله ويصف خلقا من الحيوان :
حمد اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ وَلَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ وَلَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَلَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَقَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَبِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ وَدَائِمٌ لَا بِأَمَدٍ وَقَائِمٌ لَا بِعَمَدٍ تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَتَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لَا بِمُحَاضَرَةٍ لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَبِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً وَلَا بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً بَلْ كَبُرَ شَأْناً وَعَظُمَ سُلْطَاناً.
الرسول الأعظم
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ ( صلى الله عليه وآله )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (270) (1/270)
أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ وَظُهُورِ الْفَلَجِ وَإِيضَاحِ الْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَيْهَا وَأَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ وَمَنَارَ الضِّيَاءِ وَجَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً وَعُرَى الْإِيمَانِ وَثِيقَةً.
منها في صفة خلق أصناف من الحيوان
وَ لَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَلَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وَسُفْلِهَا وَمَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَمَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (271) (1/271)
وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْ ءٍ وَغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ.
خلقة السماء والكون
وَ كَذَلِكَ السَّمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَاخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَكَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَطُولِ هَذِهِ الْقِلَالِ وَتَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وَجَحَدَ الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَلَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوْا وَلَا تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا وَهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ.
خلقة الجرادة
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ وَأَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَمِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (272) (1/272)
وَ لَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا وَتَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَخَلْقُهَا كُلُّهُ لَا يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً وَيُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَضَعْفاً وَيُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وَخَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسِ وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَهَذَا عُقَابٌ وَهَذَا حَمَامٌ وَهَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَأَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَعَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا.
186- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة :
مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ وَلَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ وَلَا إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَلَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَتَوَهَّمَهُ كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ وَكُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ فَاعِلٌ لَا بِاضْطِرَابِ آلَةٍ مُقَدِّرٌ لَا بِجَوْلِ فِكْرَةٍ غَنِيٌّ لَا بِاسْتِفَادَةٍ لَا تَصْحَبُهُ الْأَوْقَاتُ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (273) (1/273)
تَرْفِدُهُ الْأَدَوَاتُ سَبَقَ الْأَوْقَاتَ كَوْنُهُ وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ وَالِابْتِدَاءَ أَزَلُهُ بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لَا مَشْعَرَ لَهُ وَبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الْأُمُورِ عُرِفَ أَنْ لَا ضِدَّ لَهُ وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لَا قَرِينَ لَهُ ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ وَالْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ وَالْجُمُودَ بِالْبَلَلِ وَالْحَرُورَ بِالصَّرَدِ مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا لَا يُشْمَلُ بِحَدٍّ وَلَا يُحْسَبُ بِعَدٍّ وَإِنَّمَا تَحُدُّ الْأَدَوَاتُ أَنْفُسَهَا وَتُشِيرُ الْآلَاتُ إِلَى نَظَائِرِهَا مَنَعَتْهَا مُنْذُ الْقِدْمَةَ وَحَمَتْهَا قَدُ الْأَزَلِيَّةَ وَجَنَّبَتْهَا لَوْلَا التَّكْمِلَةَ بِهَا تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ وَبِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ السُّكُونُ وَالْحَرَكَةُ وَكَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ وَيَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ وَيَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ وَلَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ وَلَامْتَنَعَ مِنَ الْأَزَلِ مَعْنَاهُ وَلَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ وَلَالْتَمَسَ التَّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ وَإِذاً لَقَامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ وَلَتَحَوَّلَ دَلِيلًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ وَخَرَجَ بِسُلْطَانِ الِامْتِنَاعِ مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ مَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْأُفُولُ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً وَلَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَبْنَاءِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (274) (1/274)
وَ طَهُرَ عَنْ مُلَامَسَةِ النِّسَاءِ لَا تَنَالُهُ الْأَوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ وَلَا تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ وَلَا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ فَتُحِسَّهُ وَلَا تَلْمِسُهُ الْأَيْدِي فَتَمَسَّهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ بِحَالٍ وَلَا يَتَبَدَّلُ فِي الْأَحْوَالِ وَلَا تُبْلِيهِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ وَلَا يُغَيِّرُهُ الضِّيَاءُ وَالظَّلَامُ وَلَا يُوصَفُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ وَلَا بِالْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ وَلَا بِعَرَضٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَلَا بِالْغَيْرِيَّةِ وَالْأَبْعَاضِ وَلَا يُقَالُ لَهُ حَدٌّ وَلَا نِهَايَةٌ وَلَا انْقِطَاعٌ وَلَا غَايَةٌ وَلَا أَنَّ الْأَشْيَاءَ تَحْوِيهِ فَتُقِلَّهُ أَوْ تُهْوِيَهُ أَوْ أَنَّ شَيْئاً يَحْمِلُهُ فَيُمِيلَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ لَيْسَ فِي الْأَشْيَاءِ بِوَالِجٍ وَلَا عَنْهَا بِخَارِجٍ يُخْبِرُ لَا بِلِسَانٍ وَلَهَوَاتٍ وَيَسْمَعُ لَا بِخُرُوقٍ وَأَدَوَاتٍ يَقُولُ وَلَا يَلْفِظُ وَيَحْفَظُ وَلَا يَتَحَفَّظُ وَيُرِيدُ وَلَا يُضْمِرُ يُحِبُّ وَيَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ وَيُبْغِضُ وَيَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ كُنْ فَيَكُونُ لَا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ وَلَا بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ وَإِنَّمَا كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِناً وَلَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلَهاً ثَانِياً لَا يُقَالُ كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَصْلٌ وَلَا لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ وَيَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَالْبَدِيعُ خَلَقَ الْخَلَائِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ خَلَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَأَنْشَأَ الْأَرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ وَأَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَارٍ وَأَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (275) (1/275)
وَ رَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعَائِمَ وَحَصَّنَهَا مِنَ الْأَوَدِ وَالِاعْوِجَاجِ وَمَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ وَالِانْفِرَاجِ أَرْسَى أَوْتَادَهَا وَضَرَبَ أَسْدَادَهَا وَاسْتَفَاضَ عُيُونَهَا وَخَدَّ أَوْدِيَتَهَا فَلَمْ يَهِنْ مَا بَنَاهُ وَلَا ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْهَا بِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَالْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ مِنْهَا بِجَلَالِهِ وَعِزَّتِهِ لَا يُعْجِزُهُ شَيْ ءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ وَلَا يَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْهَا فَيَسْبِقَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِي مَالٍ فَيَرْزُقَهُ خَضَعَتِ الْأَشْيَاءُ لَهُ وَذَلَّتْ مُسْتَكِينَةً لِعَظَمَتِهِ لَا تَسْتَطِيعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَضَرِّهِ وَلَا كُفْ ءَ لَهُ فَيُكَافِئَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فَيُسَاوِيَهُ هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا وَلَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَاخْتِرَاعِهَا وَكَيْفَ وَلَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا وَمَا كَانَ مِنْ مُرَاحِهَا وَسَائِمِهَا وَأَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا وَأَجْنَاسِهَا وَمُتَبَلِّدَةِ أُمَمِهَا وَأَكْيَاسِهَا عَلَى إِحْدَاثِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرَتْ عَلَى إِحْدَاثِهَا وَلَا عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِيجَادِهَا وَلَتَحَيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذَلِكَ وَتَاهَتْ وَعَجَزَتْ قُوَاهَا وَتَنَاهَتْ وَرَجَعَتْ خَاسِئَةً حَسِيرَةً عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (276) (1/276)
وَ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لَا شَيْ ءَ مَعَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا كَذَلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا بِلَا وَقْتٍ وَلَا مَكَانٍ وَلَا حِينٍ وَلَا زَمَانٍ عُدِمَتْ عِنْدَ ذَلِكَ الْآجَالُ وَالْأَوْقَاتُ وَزَالَتِ السِّنُونَ وَالسَّاعَاتُ فَلَا شَيْ ءَ إِلَّا اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الْأُمُورِ بِلَا قُدْرَةٍ مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا وَبِغَيْرِ امْتِنَاعٍ مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا وَلَوْ قَدَرَتْ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا لَمْ يَتَكَاءَدْهُ صُنْعُ شَيْ ءٍ مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ وَلَمْ يَؤُدْهُ مِنْهَا خَلْقُ مَا خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ وَلَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ وَلَا لِخَوْفٍ مِنْ زَوَالٍ وَنُقْصَانٍ وَلَا لِلِاسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ مُكَاثِرٍ وَلَا لِلِاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِرٍ وَلَا لِلِازْدِيَادِ بِهَا فِي مُلْكِهِ وَلَا لِمُكَاثَرَةِ شَرِيكٍ فِي شِرْكِهِ وَلَا لِوَحْشَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا لَا لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا وَتَدْبِيرِهَا وَلَا لِرَاحَةٍ وَاصِلَةٍ إِلَيْهِ وَلَا لِثِقَلِ شَيْ ءٍ مِنْهَا عَلَيْهِ لَا يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوَهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ وَأَمْسَكَهَا بِأَمْرِهِ وَأَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ يُعِيدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهَا وَلَا اسْتِعَانَةٍ بِشَيْ ءٍ مِنْهَا عَلَيْهَا وَلَا لِانْصِرَافٍ مِنْ حَالِ وَحْشَةٍ إِلَى حَالِ اسْتِئْنَاسٍ وَلَا مِنْ حَالِ جَهْلٍ وَعَمًى إِلَى حَالِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (277) (1/277)
عِلْمٍ وَالْتِمَاسٍ وَلَا مِنْ فَقْرٍ وَحَاجَةٍ إِلَى غِنًى وَكَثْرَةٍ وَلَا مِنْ ذُلٍّ وَضَعَةٍ إِلَى عِزٍّ وَقُدْرَةٍ.
187- ومن خطبة له ( عليه السلام ) وهي في ذكر الملاحم :
أَلَا بِأَبِي وَأُمِّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ أَلَا فَتَوَقَّعُوا مَا يَكُونُ مِنْ إِدْبَارِ أُمُورِكُمْ وَانْقِطَاعِ وُصَلِكُمْ وَاسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ ذَاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلِّهِ ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ الْمُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي ذَاكَ حَيْثُ تَسْكَرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَابٍ بَلْ مِنَ النِّعْمَةِ وَالنَّعِيمِ وَتَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَتَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاجٍ ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلَاءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ غَارِبَ الْبَعِيرِ مَا أَطْوَلَ هَذَا الْعَنَاءَ وَأَبْعَدَ هَذَا الرَّجَاءَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلْقُوا هَذِهِ الْأَزِمَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الْأَثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ وَلَا تَصَدَّعُوا عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ وَلَا تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ الْفِتْنَةِ وَأَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا وَخَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ لَهَا فَقَدْ لَعَمْرِي يَهْلِكُ فِي لَهَبِهَا الْمُؤْمِنُ وَيَسْلَمُ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (278) (1/278)
إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي الظُّلْمَةِ يَسْتَضِي ءُ بِهِ مَنْ وَلَجَهَا فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَعُوا وَأَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ تَفْهَمُوا.
188- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في الوصية بأمور :
التقوى
أُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَكَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلَائِهِ إِلَيْكُمْ وَنَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ وَبَلَائِهِ لَدَيْكُمْ فَكَمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَةٍ وَتَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَةٍ أَعْوَرْتُمْ لَهُ فَسَتَرَكُمْ وَتَعَرَّضْتُمْ لِأَخْذِهِ فَأَمْهَلَكُمْ.
الموت
وَ أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَإِقْلَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبينَ وَأُنْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً وَكَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً أَوْحَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا وَأَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا لَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (279) (1/279)
عَنْ قَبِيحٍ يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالًا وَلَا فِي حَسَنٍ يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغَرَّتْهُمْ وَوَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ.
سرعة النفاد
فَسَابِقُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى مَنَازِلِكُمُ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا وَالَّتِي رَغِبْتُمْ فِيهَا وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ وَالْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ وَأَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي الشَّهْرِ وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ.
189- ومن كلام له ( عليه السلام ) في الإيمان ووجوب الهجرة :
أقسام الإيمان
فَمِنَ الْإِيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَّ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَدٍ فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حَدُّ الْبَرَاءَةِ.
وجوب الهجرة
وَ الْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الْأَوَّلِ مَا كَانَ لِلَّهِ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (280) (1/280)
حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ الْإِمَّةِ وَمُعْلِنِهَا لَا يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ وَلَا يَقَعُ اسْمُ الِاسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَوَعَاهَا قَلْبُهُ.
صوبة الإيمان
إِنَّ أَمْرَنَا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لَا يَحْمِلُهُ إِلَّا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَلَا يَعِي حَدِيثَنَا إِلَّا صُدُورٌ أَمِينَةٌ وَأَحْلَامٌ رَزِينَةٌ.
علم الوصي
أَيُّهَا النَّاسُ سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَلَأَنَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا وَتَذْهَبُ بِأَحْلَامِ قَوْمِهَا.
190- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحمد اللّه ويثني على نبيه ويعظ بالتقوى :
حمد اللّه
أَحْمَدُهُ شُكْراً لِإِنْعَامِهِ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ عَزِيزَ الْجُنْدِ عَظِيمَ الْمَجْدِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (281) (1/281)
الثناء على النبي
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ وَقَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ لَا يَثْنِيهِ عَنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعٌ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَالْتِمَاسٌ لِإِطْفَاءِ نُورِهِ.
العظة بالتقوى
فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ لَهَا حَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَمَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَبَادِرُوا الْمَوْتَ وَغَمَرَاتِهِ وَامْهَدُوا لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ وَأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ وَكَفَى بِذَلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ وَمُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الْأَرْمَاسِ وَشِدَّةِ الْإِبْلَاسِ وَهَوْلِ الْمُطَّلَعِ وَرَوْعَاتِ الْفَزَعِ وَاخْتِلَافِ الْأَضْلَاعِ وَاسْتِكَاكِ الْأَسْمَاعِ وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ وَخِيفَةِ الْوَعْدِ وَغَمِّ الضَّرِيحِ وَرَدْمِ الصَّفِيحِ فَاللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بِكُمْ عَلَى سَنَنٍ وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَنٍ وَكَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا وَأَزِفَتْ بِأَفْرَاطِهَا وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطِهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلَازِلِهَا وَأَنَاخَتْ بِكَلَاكِلِهَا وَانْصَرَمَتِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا وَأَخْرَجَتْهُمْ مِنْ حِضْنِهَا فَكَانَتْ كَيَوْمٍ مَضَى أَوْ شَهْرٍ انْقَضَى وَصَارَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (282) (1/282)
جَدِيدُهَا رَثّاً وَسَمِينُهَا غَثّاً فِي مَوْقِفٍ ضَنْكِ الْمَقَامِ وَأُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ عِظَامٍ وَنَارٍ شَدِيدٍ كَلَبُهَا عَالٍ لَجَبُهَا سَاطِعٍ لَهَبُهَا مُتَغَيِّظٍ زَفِيرُهَا مُتَأَجِّجٍ سَعِيرُهَا بَعِيدٍ خُمُودُهَا ذَاكٍ وُقُودُهَا مَخُوفٍ وَعِيدُهَا عَمٍ قَرَارُهَا مُظْلِمَةٍ أَقْطَارُهَا حَامِيَةٍ قُدُورُهَا فَظِيعَةٍ أُمُورُهَا وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً تَخَشُّعاً وَاسْتِغْفَارًا وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلًا تَوَحُّشاً وَانْقِطَاعاً فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها فِي مُلْكٍ دَائِمٍ وَنَعِيمٍ قَائِمٍ فَارْعَوْا عِبَادَ اللَّهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ وَبِإِضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الْمَخُوفُ فَلَا رَجْعَةً تَنَالُونَ وَلَا عَثْرَةً تُقَالُونَ اسْتَعْمَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ الْزَمُوا الْأَرْضَ وَاصْبِرُوا عَلَى الْبَلَاءِ وَلَا تُحَرِّكُوا بِأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ وَلَا تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللَّهُ لَكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (283) (1/283)
فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَاسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلَاتِهِ لِسَيْفِهِ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مُدَّةً وَأَجَلًا.
191- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحمد اللّه ويثني على نبيه ويوصي بالزهد والتقوى :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْفَاشِي فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ وَآلَائِهِ الْعِظَامِ الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى وَعَلِمَ مَا يَمْضِي وَمَا مَضَى مُبْتَدِعِ الْخَلَائِقِ بِعِلْمِهِ وَمُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ بِلَا اقْتِدَاءٍ وَلَا تَعْلِيمٍ وَلَا احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ وَلَا إِصَابَةِ خَطَإٍ وَلَا حَضْرَةِ مَلَإٍ.
الرسول الأعظم
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ الْحَيْنِ وَاسْتَغْلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (284) (1/284)
الوصية بالزهد والتقوى
عِبَادَ اللَّهِ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللَّهِ حَقَّكُمْ وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللَّهِ وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ وَسَالِكُهَا رَابِحٌ وَمُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُمْ وَالْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً إِذَا أَعَادَ اللَّهُ مَا أَبْدَى وَأَخَذَ مَا أَعْطَى وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا أُولَئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا وَأَلِظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً وَمِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ وَاقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ وَارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ وَدَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا وَلَا يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا أَلَا فَصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا بِهَا وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً وَإِلَى الْآخِرَةِ وُلَّاهاً وَلَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى وَلَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا وَلَا تَشِيمُوا بَارِقَهَا وَلَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا وَلَا تُجِيبُوا نَاعِقَهَا وَلَا تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا وَلَا تُفْتَنُوا بِأَعْلَاقِهَا فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَنُطْقَهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (285) (1/285)
كَاذِبٌ وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَأَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ أَلَا وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ الْعَنُونُ وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ وَالْمَائِنَةُ الْخَئُونُ وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ حَالُهَا انْتِقَالٌ وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ وَعِزُّهَا ذُلٌّ وَجِدُّهَا هَزْلٌ وَعُلْوُهَا سُفْلٌ دَارُ حَرَبٍ وَسَلَبٍ وَنَهْبٍ وَعَطَبٍ أَهْلُهَا عَلَى سَاقٍ وَسِيَاقٍ وَلَحَاقٍ وَفِرَاقٍ قَدْ تَحَيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ وَأَعْيَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَلَحْمٍ مَجْزُورٍ وَشِلْوٍ مَذْبُوحٍ وَدَمٍ مَسْفُوحٍ وَعَاضٍّ عَلَى يَدَيْهِ وَصَافِقٍ بِكَفَّيْهِ وَمُرْتَفِقٍ بِخَدَّيْهِ وَزَارٍ عَلَى رَأْيِهِ وَرَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَقَدْ أَدْبَرَتِ الْحِيلَةُ وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَمَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ.
192- ومن خطبة له ( عليه السلام ) تسمى القاصعة وهي تتضمن ذم إبليس لعنه اللّه، على استكباره وتركه السجود لآدم عليه السلام، وأنه أول من أظهر العصبية وتبع الحمية، وتحذير الناس من سلوك طريقته :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَالْكِبْرِيَاءَ وَاخْتَارَهُمَا لِنَفْسِهِ دُونَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (286) (1/286)
خَلْقِهِ وَجَعَلَهُمَا حِمًى وَحَرَماً عَلَى غَيْرِهِ وَاصْطَفَاهُمَا لِجَلَالِهِ.
رأس العصيان
وَ جَعَلَ اللَّعْنَةَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِيهِمَا مِنْ عِبَادِهِ ثُمَّ اخْتَبَرَ بِذَلِكَ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ لِيَمِيزَ الْمُتَوَاضِعِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ الْعَالِمُ بِمُضْمَرَاتِ الْقُلُوبِ وَمَحْجُوبَاتِ الْغُيُوبِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ وَتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لِأَصْلِهِ فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ وَنَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ أَ لَا تَرَوْنَ كَيْفَ صَغَّرَهُ اللَّهُ بِتَكَبُّرِهِ وَوَضَعَهُ بِتَرَفُّعِهِ فَجَعَلَهُ فِي الدُّنْيَا مَدْحُوراً وَأَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ سَعِيراً.
ابتلاء اللّه لخلقه
وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ مِنْ نُورٍ يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ ضِيَاؤُهُ وَيَبْهَرُ الْعُقُولَ رُوَاؤُهُ وَطِيبٍ يَأْخُذُ الْأَنْفَاسَ عَرْفُهُ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَظَلَّتْ لَهُ الْأَعْنَاقُ خَاضِعَةً وَلَخَفَّتِ الْبَلْوَى فِيهِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (287) (1/287)
وَ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَبْتَلِي خَلْقَهُ بِبَعْضِ مَا يَجْهَلُونَ أَصْلَهُ تَمْيِيزاً بِالِاخْتِبَارِ لَهُمْ وَنَفْياً لِلِاسْتِكْبَارِ عَنْهُمْ وَإِبْعَاداً لِلْخُيَلَاءِ مِنْهُمْ.
طلب العبرة
فَاعْتَبِرُوا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِيسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ لَا يُدْرَى أَ مِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ ذَا بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ كَلَّا مَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ وَمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمًى حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.
التحذير من الشيطان
فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ فَلَعَمْرِي لَقَدْ فَوَّقَ لَكُمْ سَهْمَ الْوَعِيدِ وَأَغْرَقَ إِلَيْكُمْ بِالنَّزْعِ الشَّدِيدِ وَرَمَاكُمْ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ فَقَالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ قَذْفاً بِغَيْبٍ بَعِيدٍ وَرَجْماً بِظَنٍّ غَيْرِ مُصِيبٍ صَدَّقَهُ بِهِ أَبْنَاءُ الْحَمِيَّةِ وَإِخْوَانُ الْعَصَبِيَّةِ وَفُرْسَانُ الْكِبْرِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (288) (1/288)
وَ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى إِذَا انْقَادَتْ لَهُ الْجَامِحَةُ مِنْكُمْ وَاسْتَحْكَمَتِ الطَّمَاعِيَّةُ مِنْهُ فِيكُمْ فَنَجَمَتِ الْحَالُ مِنَ السِّرِّ الْخَفِيِّ إِلَى الْأَمْرِ الْجَلِيِّ اسْتَفْحَلَ سُلْطَانُهُ عَلَيْكُمْ وَدَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ وَأَحَلُّوكُمْ وَرَطَاتِ الْقَتْلِ وَأَوْطَئُوكُمْ إِثْخَانَ الْجِرَاحَةِ طَعْناً فِي عُيُونِكُمْ وَحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ وَدَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ وَقَصْداً لِمَقَاتِلِكُمْ وَسَوْقاً بِخَزَائِمِ الْقَهْرِ إِلَى النَّارِ الْمُعَدَّةِ لَكُمْ فَأَصْبَحَ أَعْظَمَ فِي دِينِكُمْ حَرْجاً وَأَوْرَى فِي دُنْيَاكُمْ قَدْحاً مِنَ الَّذِينَ أَصْبَحْتُمْ لَهُمْ مُنَاصِبِينَ وَعَلَيْهِمْ مُتَأَلِّبِينَ فَاجْعَلُوا عَلَيْهِ حَدَّكُمْ وَلَهُ جِدَّكُمْ فَلَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ فَخَرَ عَلَى أَصْلِكُمْ وَوَقَعَ فِي حَسَبِكُمْ وَدَفَعَ فِي نَسَبِكُمْ وَأَجْلَبَ بِخَيْلِهِ عَلَيْكُمْ وَقَصَدَ بِرَجِلِهِ سَبِيلَكُمْ يَقْتَنِصُونَكُمْ بِكُلِّ مَكَانٍ وَيَضْرِبُونَ مِنْكُمْ كُلَّ بَنَانٍ لَا تَمْتَنِعُونَ بِحِيلَةٍ وَلَا تَدْفَعُونَ بِعَزِيمَةٍ فِي حَوْمَةِ ذُلٍّ وَحَلْقَةِ ضِيقٍ وَعَرْصَةِ مَوْتٍ وَجَوْلَةِ بَلَاءٍ فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وَأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَخَوَاتِهِ وَنَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ وَاعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُءُوسِكُمْ وَإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ وَخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ وَاتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (289) (1/289)
وَ جُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَأَعْوَاناً وَرَجِلًا وَفُرْسَاناً وَلَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ وَقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ وَنَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ الَّذِي أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِهِ النَّدَامَةَ وَأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
التحذير من الكبر
أَلَا وَقَدْ أَمْعَنْتُمْ فِي الْبَغْيِ وَأَفْسَدْتُمْ فِي الْأَرْضِ مُصَارَحَةً لِلَّهِ بِالْمُنَاصَبَةِ وَمُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْمُحَارَبَةِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ وَفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ وَمَنَافِخُ الشَّيْطَانِ الَّتِي خَدَعَ بِهَا الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ وَالْقُرُونَ الْخَالِيَةَ حَتَّى أَعْنَقُوا فِي حَنَادِسِ جَهَالَتِهِ وَمَهَاوِي ضَلَالَتِهِ ذُلُلًا عَنْ سِيَاقِهِ سُلُساً فِي قِيَادِهِ أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِيهِ وَتَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَيْهِ وَكِبْراً تَضَايَقَتِ الصُّدُورُ بِهِ.
التحذير من طاعة الكبراء
أَلَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ طَاعَةِ سَادَاتِكُمْ وَكُبَرَائِكُمْ الَّذِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ حَسَبِهِمْ وَتَرَفَّعُوا فَوْقَ نَسَبِهِمْ وَأَلْقَوُا الْهَجِينَةَ عَلَى رَبِّهِمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (290) (1/290)
وَ جَاحَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا صَنَعَ بِهِمْ مُكَابَرَةً لِقَضَائِهِ وَمُغَالَبَةً لِآلَائِهِ فَإِنَّهُمْ قَوَاعِدُ أَسَاسِ الْعَصَبِيَّةِ وَدَعَائِمُ أَرْكَانِ الْفِتْنَةِ وَسُيُوفُ اعْتِزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَكُونُوا لِنِعَمِهِ عَلَيْكُمْ أَضْدَاداً وَلَا لِفَضْلِهِ عِنْدَكُمْ حُسَّاداً وَلَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ وَخَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ وَأَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ وَهُمْ أَسَاسُ الْفُسُوقِ وَأَحْلَاسُ الْعُقُوقِ اتَّخَذَهُمْ إِبْلِيسُ مَطَايَا ضَلَالٍ وَجُنْداً بِهِمْ يَصُولُ عَلَى النَّاسِ وَتَرَاجِمَةً يَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ اسْتِرَاقاً لِعُقُولِكُمْ وَدُخُولًا فِي عُيُونِكُمْ وَنَفْثاً فِي أَسْمَاعِكُمْ فَجَعَلَكُمْ مَرْمَى نَبْلِهِ وَمَوْطِئَ قَدَمِهِ وَمَأْخَذَ يَدِهِ.
العبرة بالماضين
فَاعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ الْأُمَمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَصَوْلَاتِهِ وَوَقَائِعِهِ وَمَثُلَاتِهِ وَاتَّعِظُوا بِمَثَاوِي خُدُودِهِمْ وَمَصَارِعِ جُنُوبِهِمْ وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ لَوَاقِحِ الْكِبْرِ كَمَا تَسْتَعِيذُونَهُ مِنْ طَوَارِقِ الدَّهْرِ فَلَوْ رَخَّصَ اللَّهُ فِي الْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لِخَاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ التَّكَابُرَ وَرَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَكَانُوا قَوْماً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (291) (1/291)
مُسْتَضْعَفِينَ قَدِ اخْتَبَرَهُمُ اللَّهُ بِالْمَخْمَصَةِ وَابْتَلَاهُمْ بِالْمَجْهَدَةِ وَامْتَحَنَهُمْ بِالْمَخَاوِفِ وَمَخَضَهُمْ بِالْمَكَارِهِ فَلَا تَعْتَبِرُوا الرِّضَى وَالسُّخْطَ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ جَهْلًا بِمَوَاقِعِ الْفِتْنَةِ وَالِاخْتِبَارِ فِي مَوْضِعِ الْغِنَى وَالِاقْتِدَارِ فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَوْلِيَائِهِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ.
تواضع الأنبياء
وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ ( عليه السلام ) عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَيْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَبِأَيْدِيهِمَا الْعِصِيُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْكِهِ وَدَوَامَ عِزِّهِ فَقَالَ أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَيْنِ يَشْرِطَانِ لِي دَوَامَ الْعِزِّ وَبَقَاءَ الْمُلْكِ وَهُمَا بِمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَالذُّلِّ فَهَلَّا أُلْقِيَ عَلَيْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَبِ وَجَمْعِهِ وَاحْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَلُبْسِهِ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبِيَائِهِ حَيْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ كُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَمَعَادِنَ الْعِقْيَانِ وَمَغَارِسَ الْجِنَانِ وَأَنْ يَحْشُرَ مَعَهُمْ طُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الْأَرَضِينَ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَبَطَلَ الْجَزَاءُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (292) (1/292)
وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَلَمَا وَجَبَ لِلْقَابِلِينَ أُجُورُ الْمُبْتَلَيْنَ وَلَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا لَزِمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِيَهَا وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ وَضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الْأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَالْعُيُونَ غِنًى وَخَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَالْأَسْمَاعَ أَذًى وَلَوْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ وَعِزَّةٍ لَا تُضَامُ وَمُلْكٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَتُشَدُّ إِلَيْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ لَكَانَ ذَلِكَ أَهْوَنَ عَلَى الْخَلْقِ فِي الِاعْتِبَارِ وَأَبْعَدَ لَهُمْ فِي الِاسْتِكْبَارِ وَلَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِمْ فَكَانَتِ النِّيَّاتُ مُشْتَرَكَةً وَالْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً وَلَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِكُتُبِهِ وَالْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَالِاسْتِكَانَةُ لِأَمْرِهِ وَالِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً لَا تَشُوبُهَا مِنْ غَيْرِهَا شَائِبَةٌ وَكُلَّمَا كَانَتِ الْبَلْوَى وَالِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ كَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَالْجَزَاءُ أَجْزَلَ.
الكعبة المقدسة
أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ ( صلوات الله عليه ) إِلَى الْآخِرِينَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بِأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ فَجَعَلَهَا بَيْتَهُ الْحَرَامَ الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً ثُمَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (293) (1/293)
وَضَعَهُ بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَأَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً وَأَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ وَرِمَالٍ دَمِثَةٍ وَعُيُونٍ وَشِلَةٍ وَقُرًى مُنْقَطِعَةٍ لَا يَزْكُو بِهَا خُفٌّ وَلَا حَافِرٌ وَلَا ظِلْفٌ ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ ( عليه السلام ) وَوَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَمَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ وَجَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ ابْتِلَاءً عَظِيماً وَامْتِحَاناً شَدِيداً وَاخْتِبَاراً مُبِيناً وَتَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَأَنْهَارٍ وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَى مُتَّصِلَ الْقُرَى بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَأَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ وَرِيَاضٍ نَاضِرَةٍ وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ وَلَوْ كَانَ الْإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا وَالْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَيَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَنُورٍ وَضِيَاءٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (294) (1/294)
لَخَفَّفَ ذَلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ وَأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ.
عود إلى التحذير
فَاللَّهَ اللَّهَ فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ وَآجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ وَسُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى وَمَكِيدَتُهُ الْكُبْرَى الَّتِي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ فَمَا تُكْدِي أَبَداً وَلَا تُشْوِي أَحَداً لَا عَالِماً لِعِلْمِهِ وَلَا مُقِلًّا فِي طِمْرِهِ وَعَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَمُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الْأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لِأَطْرَافِهِمْ وَتَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَتَذْلِيلًا لِنُفُوسِهِمْ وَتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ وَإِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً وَالْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً وَلُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَالْفَقْرِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (295) (1/295)
فضائل الفرائض
انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ وَقَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ وَلَقَدْ نَظَرْتُ فَمَا وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيْ ءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلَاءِ أَوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهَاءِ غَيْرَكُمْ فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَلَا عِلَّةٌ أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ وَطَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ فَقَالَ أَنَا نَارِيٌّ وَأَنْتَ طِينِيٌّ.
عصبية المال
وَ أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الْأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لِآثَارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ فَ قالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ وَمَحَامِدِ الْأَفْعَالِ وَمَحَاسِنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَفَاضَلَتْ فِيهَا الْمُجَدَاءُ وَالنُّجَدَاءُ مِنْ بُيُوتَاتِ الْعَرَبِ وَيَعَاسِيبِ القَبَائِلِ بِالْأَخْلَاقِ الرَّغِيبَةِ وَالْأَحْلَامِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَخْطَارِ الْجَلِيلَةِ وَالْآثَارِ الْمَحْمُودَةِ فَتَعَصَّبُوا لِخِلَالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ وَالْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ وَالطَّاعَةِ لِلْبِرِّ وَالْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ وَالْأَخْذِ بِالْفَضْلِ وَالْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ وَالْإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ وَالْإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ وَالْكَظْمِ لِلْغَيْظِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (296) (1/296)
وَ اجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَاحْذَرُوا مَا نَزَلَ بِالْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمَثُلَاتِ بِسُوءِ الْأَفْعَالِ وَذَمِيمِ الْأَعْمَالِ فَتَذَكَّرُوا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَحْوَالَهُمْ وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ فَإِذَا تَفَكَّرْتُمْ فِي تَفَاوُتِ حَالَيْهِمْ فَالْزَمُوا كُلَّ أَمْرٍ لَزِمَتِ الْعِزَّةُ بِهِ شَأْنَهُمْ وَزَاحَتِ الْأَعْدَاءُ لَهُ عَنْهُمْ وَمُدَّتِ الْعَافِيَةُ بِهِ عَلَيْهِمْ وَانْقَادَتِ النِّعْمَةُ لَهُ مَعَهُمْ وَوَصَلَتِ الْكَرَامَةُ عَلَيْهِ حَبْلَهُمْ مِنَ الِاجْتِنَابِ لِلْفُرْقَةِ وَاللُّزُومِ لِلْأُلْفَةِ وَالتَّحَاضِّ عَلَيْهَا وَالتَّوَاصِي بِهَا وَاجْتَنِبُوا كُلَّ أَمْرٍ كَسَرَ فِقْرَتَهُمْ وَأَوْهَنَ مُنَّتَهُمْ مِنْ تَضَاغُنِ الْقُلُوبِ وَتَشَاحُنِ الصُّدُورِ وَتَدَابُرِ النُّفُوسِ وَتَخَاذُلِ الْأَيْدِي وَتَدَبَّرُوا أَحْوَالَ الْمَاضِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَكُمْ كَيْفَ كَانُوا فِي حَالِ التَّمْحِيصِ وَالْبَلَاءِ أَ لَمْ يَكُونُوا أَثْقَلَ الْخَلَائِقِ أَعْبَاءً وَأَجْهَدَ الْعِبَادِ بَلَاءً وَأَضْيَقَ أَهْلِ الدُّنْيَا حَالًا اتَّخَذَتْهُمُ الْفَرَاعِنَةُ عَبِيداً فَسَامُوهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَجَرَّعُوهُمُ الْمُرَارَ فَلَمْ تَبْرَحِ الْحَالُ بِهِمْ فِي ذُلِّ الْهَلَكَةِ وَقَهْرِ الْغَلَبَةِ لَا يَجِدُونَ حِيلَةً فِي امْتِنَاعٍ وَلَا سَبِيلًا إِلَى دِفَاعٍ حَتَّى إِذَا رَأَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ جِدَّ الصَّبْرِ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى فِي مَحَبَّتِهِ وَالِاحْتِمَالَ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ خَوْفِهِ جَعَلَ لَهُمْ مِنْ مَضَايِقِ الْبَلَاءِ فَرَجاً فَأَبْدَلَهُمُ الْعِزَّ مَكَانَ الذُّلِّ وَالْأَمْنَ مَكَانَ الْخَوْفِ فَصَارُوا مُلُوكاً حُكَّاماً وَأَئِمَّةً أَعْلَاماً وَقَدْ بَلَغَتِ الْكَرَامَةُ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (297) (1/297)
مَا لَمْ تَذْهَبِ الْآمَالُ إِلَيْهِ بِهِمْ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانُوا حَيْثُ كَانَتِ الْأَمْلَاءُ مُجْتَمِعَةً وَالْأَهْوَاءُ مُؤْتَلِفَةً وَالْقُلُوبُ مُعْتَدِلَةً وَالْأَيْدِي مُتَرَادِفَةً وَالسُّيُوفُ مُتَنَاصِرَةً وَالْبَصَائِرُ نَافِذَةً وَالْعَزَائِمُ وَاحِدَةً أَ لَمْ يَكُونُوا أَرْبَاباً فِي أَقْطَارِ الْأَرَضِينَ وَمُلُوكاً عَلَى رِقَابِ الْعَالَمِينَ فَانْظُرُوا إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ فِي آخِرِ أُمُورِهِمْ حِينَ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ وَتَشَتَّتَتِ الْأُلْفَةُ وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ وَالْأَفْئِدَةُ وَتَشَعَّبُوا مُخْتَلِفِينَ وَتَفَرَّقُوا مُتَحَارِبِينَ وَقَدْ خَلَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِبَاسَ كَرَامَتِهِ وَسَلَبَهُمْ غَضَارَةَ نِعْمَتِهِ وَبَقِيَ قَصَصُ أَخْبَارِهِمْ فِيكُمْ عِبَراً لِلْمُعْتَبِرِينَ.
الاعتبار بالأمم
فَاعْتَبِرُوا بِحَالِ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَبَنِي إِسْحَاقَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ ( عليهم السلام ) فَمَا أَشَدَّ اعْتِدَالَ الْأَحْوَالِ وَأَقْرَبَ اشْتِبَاهَ الْأَمْثَالِ تَأَمَّلُوا أَمْرَهُمْ فِي حَالِ تَشَتُّتِهِمْ وَتَفَرُّقِهِمْ لَيَالِيَ كَانَتِ الْأَكَاسِرَةُ وَالْقَيَاصِرَةُ أَرْبَاباً لَهُمْ يَحْتَازُونَهُمْ عَنْ رِيفِ الْآفَاقِ وَبَحْرِ الْعِرَاقِ وَخُضْرَةِ الدُّنْيَا إِلَى مَنَابِتِ الشِّيحِ وَمَهَافِي الرِّيحِ وَنَكَدِ الْمَعَاشِ فَتَرَكُوهُمْ عَالَةً مَسَاكِينَ إِخْوَانَ دَبَرٍ وَوَبَرٍ أَذَلَّ الْأُمَمِ دَاراً وَأَجْدَبَهُمْ قَرَاراً لَا يَأْوُونَ إِلَى جَنَاحِ دَعْوَةٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (298) (1/298)
يَعْتَصِمُونَ بِهَا وَلَا إِلَى ظِلِّ أُلْفَةٍ يَعْتَمِدُونَ عَلَى عِزِّهَا فَالْأَحْوَالُ مُضْطَرِبَةٌ وَالْأَيْدِي مُخْتَلِفَةٌ وَالْكَثْرَةُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي بَلَاءِ أَزْلٍ وَأَطْبَاقِ جَهْلٍ مِنْ بَنَاتٍ مَوْءُودَةٍ وَأَصْنَامٍ مَعْبُودَةٍ وَأَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ وَغَارَاتٍ مَشْنُونَةٍ.
النعمة برسول اللّه
فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاقِعِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ حِينَ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا فَعَقَدَ بِمِلَّتِهِ طَاعَتَهُمْ وَجَمَعَ عَلَى دَعْوَتِهِ أُلْفَتَهُمْ كَيْفَ نَشَرَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ جَنَاحَ كَرَامَتِهَا وَأَسَالَتْ لَهُمْ جَدَاوِلَ نَعِيمِهَا وَالْتَفَّتِ الْمِلَّةُ بِهِمْ فِي عَوَائِدِ بَرَكَتِهَا فَأَصْبَحُوا فِي نِعْمَتِهَا غَرِقِينَ وَفِي خُضْرَةِ عَيْشِهَا فَكِهِينَ قَدْ تَرَبَّعَتِ الْأُمُورُ بِهِمْ فِي ظِلِّ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ وَآوَتْهُمُ الْحَالُ إِلَى كَنَفِ عِزٍّ غَالِبٍ وَتَعَطَّفَتِ الْأُمُورُ عَلَيْهِمْ فِي ذُرَى مُلْكٍ ثَابِتٍ فَهُمْ حُكَّامٌ عَلَى الْعَالَمِينَ وَمُلُوكٌ فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ يَمْلِكُونَ الْأُمُورَ عَلَى مَنْ كَانَ يَمْلِكُهَا عَلَيْهِمْ وَيُمْضُونَ الْأَحْكَامَ فِيمَنْ كَانَ يُمْضِيهَا فِيهِمْ لَا تُغْمَزُ لَهُمْ قَنَاةٌ وَلَا تُقْرَعُ لَهُمْ صَفَاةٌ.
لوم العصاة
أَلَا وَإِنَّكُمْ قَدْ نَفَضْتُمْ أَيْدِيَكُمْ مِنْ حَبْلِ الطَّاعَةِ وَثَلَمْتُمْ حِصْنَ اللَّهِ الْمَضْرُوبَ عَلَيْكُمْ بِأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ امْتَنَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (299) (1/299)
عَلَى جَمَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هَذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا وَيَأْوُونَ إِلَى كَنَفِهَا بِنِعْمَةٍ لَا يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَعْرَاباً وَبَعْدَ الْمُوَالَاةِ أَحْزَاباً مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ وَلَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ تَقُولُونَ النَّارَ وَلَا الْعَارَ كَأَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُكْفِئُوا الْإِسْلَامَ عَلَى وَجْهِهِ انْتِهَاكاً لِحَرِيمِهِ وَنَقْضاً لِمِيثَاقِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ لَكُمْ حَرَماً فِي أَرْضِهِ وَأَمْناً بَيْنَ خَلْقِهِ وَإِنَّكُمْ إِنْ لَجَأْتُمْ إِلَى غَيْرِهِ حَارَبَكُمْ أَهْلُ الْكُفْرِ ثُمَّ لَا جَبْرَائِيلُ وَلَا مِيكَائِيلُ وَلَا مُهَاجِرُونَ وَلَا أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَكُمْ إِلَّا الْمُقَارَعَةَ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَإِنَّ عِنْدَكُمُ الْأَمْثَالَ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ وَقَوَارِعِهِ وَأَيَّامِهِ وَوَقَائِعِهِ فَلَا تَسْتَبْطِئُوا وَعِيدَهُ جَهْلًا بِأَخْذِهِ وَتَهَاوُناً بِبَطْشِهِ وَيَأْساً مِنْ بَأْسِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَلْعَنِ الْقَرْنَ الْمَاضِيَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ إِلَّا لِتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَعَنَ اللَّهُ السُّفَهَاءَ لِرُكُوبِ الْمَعَاصِي وَالْحُلَمَاءَ لِتَرْكِ التَّنَاهِي أَلَا وَقَدْ قَطَعْتُمْ قَيْدَ الْإِسْلَامِ وَعَطَّلْتُمْ حُدُودَهُ وَأَمَتُّمْ أَحْكَامَهُ أَلَا وَقَدْ أَمَرَنِيَ اللَّهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالنَّكْثِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (300) (1/300)
فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْتُ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَقَدْ جَاهَدْتُ وَأَمَّا الْمَارِقَةُ فَقَدْ دَوَّخْتُ وَأَمَّا شَيْطَانُ الرَّدْهَةِ فَقَدْ كُفِيتُهُ بِصَعْقَةٍ سُمِعَتْ لَهَا وَجْبَةُ قَلْبِهِ وَرَجَّةُ صَدْرِهِ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَلَئِنْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الْكَرَّةِ عَلَيْهِمْ لَأُدِيلَنَّ مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَتَشَذَّرُ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ تَشَذُّراً.
فضل الوحي
أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلَاكِلِ الْعَرَبِ وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ ( صلى الله عليه وآله ) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (301) (1/301)
فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ وَلَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ ( صلى الله عليه وآله ) لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ وَنَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَأَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ ( صلى الله عليه وآله ) وَمَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ ( صلى الله عليه وآله ) إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَمَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ ( صلى الله عليه وآله ) :
يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (302) (1/302)
بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَاسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالُوا كُفْراً وَعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ ( صلى الله عليه وآله ) فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَإِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّابٌ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِي أَمْرِكَ إِلَّا مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي وَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ وَكَلَامُهُمْ كَلَامُ الْأَبْرَارِ عُمَّارُ اللَّيْلِ وَمَنَارُ النَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَلَا يَعْلُونَ وَلَا يَغُلُّونَ وَلَا يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ وَأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (303) (1/303)
193- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يصف فيها المتقين :
رُوِيَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ كَانَ رَجُلًا عَابِداً فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَتَثَاقَلَ ( عليه السلام ) عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ يَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَأَحْسِنْ فَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَلَمْ يَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا الْقَوْلِ حَتَّى عَزَمَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ثُمَّ قَالَ ( عليه السلام ) :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَلَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَمَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ وَلَوْ لَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ وَحَاجَاتُهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (304) (1/304)
خَفِيفَةٌ وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً تِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْهَا أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ وَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ مُفْتَرِشُونَ لِجِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَرُكَبِهِمْ وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ يَطْلُبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ قَدْ بَرَاهُمُ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ وَيَقُولُ لَقَدْ خُولِطُوا وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ وَلَا يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي اللَّهُمَّ لَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (305) (1/305)
تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ وَحَزْماً فِي لِينٍ وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ وَحِرْصاً فِي عِلْمٍ وَعِلْماً فِي حِلْمٍ وَقَصْداً فِي غِنًى وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ وَتَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ وَصَبْراً فِي شِدَّةٍ وَطَلَباً فِي حَلَالٍ وَنَشَاطاً فِي هُدًى وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ يَبِيتُ حَذِراً وَيُصْبِحُ فَرِحاً حَذِراً لِمَا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا تُحِبُّ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيمَا لَا يَزُولُ وَزَهَادَتُهُ فِيمَا لَا يَبْقَى يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلُهُ خَاشِعاً قَلْبُهُ قَانِعَةً نَفْسُهُ مَنْزُوراً أَكْلُهُ سَهْلًا أَمْرُهُ حَرِيزاً دِينُهُ مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ مَكْظُوماً غَيْظُهُ الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ بَعِيداً فُحْشُهُ لَيِّناً قَوْلُهُ غَائِباً مُنْكَرُهُ حَاضِراً مَعْرُوفُهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (306) (1/306)
مُقْبِلًا خَيْرُهُ مُدْبِراً شَرُّهُ فِي الزَّلَازِلِ وَقُورٌ وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ لَا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ وَلَا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ لَا يُضِيعُ مَا اسْتُحْفِظَ وَلَا يَنْسَى مَا ذُكِّرَ وَلَا يُنَابِزُ بِالْأَلْقَابِ وَلَا يُضَارُّ بِالْجَارِ وَلَا يَشْمَتُ بِالْمَصَائِبِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِآخِرَتِهِ وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزَاهَةٌ وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ وَلَا دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ.
قَالَ : فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) :
أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ : أَ هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : فَمَا بَالُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : وَيْحَكَ إِنَّ لِكُلِّ أَجَلٍ وَقْتاً لَا يَعْدُوهُ وَسَبَباً لَا يَتَجَاوَزُهُ فَمَهْلًا لَا تَعُدْ لِمِثْلِهَا فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (307) (1/307)
194- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يصف فيها المنافقين :
نَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَنَسْأَلُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً وَبِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ وَقَدْ تَلَوَّنَ لَهُ الْأَدْنَوْنَ وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا وَضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ وَأَسْحَقِ الْمَزَارِ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَيَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ وَيَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَيَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ حَسَدَةُ الرَّخَاءِ وَمُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ وَمُقْنِطُو الرَّجَاءِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَلِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَيَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفُوا وَإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (308) (1/308)
وَ إِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا وَلِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا وَلِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا وَلِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَلِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْسِ لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ وَيُنْفِقُوا بِهِ أَعْلَاقَهُمْ يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ وَيَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ وَحُمَةُ النِّيرَانِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.
195- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يحمد اللّه ويثني على نبيه ويعظ :
حمد اللّه
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَجَلَالِ كِبْرِيَائِهِ مَا حَيَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ.
الشهادتان
وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ وَإِخْلَاصٍ وَإِذْعَانٍ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَأَعْلَامُ الْهُدَى دَارِسَةٌ وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْحَقِّ وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (309) (1/309)
وَ هَدَى إِلَى الرُّشْدِ وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
العظة
وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يُرْسِلْكُمْ هَمَلًا عَلِمَ مَبْلَغَ نِعَمِهِ عَلَيْكُمْ وَأَحْصَى إِحْسَانَهُ إِلَيْكُمْ فَاسْتَفْتِحُوهُ وَاسْتَنْجِحُوهُ وَاطْلُبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَمْنِحُوهُ فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ وَلَا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وَإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وَفِي كُلِّ حِينٍ وَأَوَانٍ وَمَعَ كُلِّ إِنْسٍ وَجَانٍّ لَا يَثْلِمُهُ الْعَطَاءُ وَلَا يَنْقُصُهُ الْحِبَاءُ وَلَا يَسْتَنْفِدُهُ سَائِلٌ وَلَا يَسْتَقْصِيهِ نَائِلٌ وَلَا يَلْوِيهِ شَخْصٌ عَنْ شَخْصٍ وَلَا يُلْهِيهِ صَوْتٌ عَنْ صَوْتٍ وَلَا تَحْجُزُهُ هِبَةٌ عَنْ سَلْبٍ وَلَا يَشْغَلُهُ غَضَبٌ عَنْ رَحْمَةٍ وَلَا تُولِهُهُ رَحْمَةٌ عَنْ عِقَابٍ وَلَا يُجِنُّهُ الْبُطُونُ عَنِ الظُّهُورِ وَلَا يَقْطَعُهُ الظُّهُورُ عَنِ الْبُطُونِ قَرُبَ فَنَأَى وَعَلَا فَدَنَا وَظَهَرَ فَبَطَنَ وَبَطَنَ فَعَلَنَ وَدَانَ وَلَمْ يُدَنْ لَمْ يَذْرَأِ الْخَلْقَ بِاحْتِيَالٍ وَلَا اسْتَعَانَ بِهِمْ لِكَلَالٍ أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا الزِّمَامُ وَالْقِوَامُ فَتَمَسَّكُوا بِوَثَائِقِهَا وَاعْتَصِمُوا بِحَقَائِقِهَا تَؤُلْ بِكُمْ إِلَى أَكْنَانِ الدَّعَةِ وَأَوْطَانِ السَّعَةِ وَمَعَاقِلِ الْحِرْزِ وَمَنَازِلِ الْعِزِّ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (310) (1/310)
يَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ وَتُظْلِمُ لَهُ الْأَقْطَارُ وَتُعَطَّلُ فِيهِ صُرُومُ الْعِشَارِ وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَزْهَقُ كُلُّ مُهْجَةٍ وَتَبْكَمُ كُلُّ لَهْجَةٍ وَتَذِلُّ الشُّمُّ الشَّوَامِخُ وَالصُّمُّ الرَّوَاسِخُ فَيَصِيرُ صَلْدُهَا سَرَاباً رَقْرَقاً وَمَعْهَدُهَا قَاعاً سَمْلَقاً فَلَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ وَلَا حَمِيمٌ يَنْفَعُ وَلَا مَعْذِرَةٌ تَدْفَعُ.
196- ومن خطبة له ( عليه السلام ) :
بعثة النبي
بَعَثَهُ حِينَ لَا عَلَمٌ قَائِمٌ وَلَا مَنَارٌ سَاطِعٌ وَلَا مَنْهَجٌ وَاضِحٌ.
العظة بالزهد
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ وَمَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ وَقَاطِنُهَا بَائِنٌ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ وَمِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا وَتَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ وَمَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (311) (1/311)
عِبَادَ اللَّهِ الْآنَ فَاعْلَمُوا وَالْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ وَالْأَبْدَانُ صَحِيحَةٌ وَالْأَعْضَاءُ لَدْنَةٌ وَالْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ وَالْمَجَالُ عَرِيضٌ قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ وَحُلُولِ الْمَوْتِ فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ وَلَا تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ.
197- ومن كلام له ( عليه السلام ) ينبه فيه على فضيلته لقبول قوله وأمره ونهيه :
وَ لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الْأَبْطَالُ وَتَتَأَخَّرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَإِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَى صَدْرِي وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ ( صلى الله عليه وآله ) وَالْمَلَائِكَةُ أَعْوَانِي فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ مَلَأٌ يَهْبِطُ وَمَلَأٌ يَعْرُجُ وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ وَلْتَصْدُقْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (312) (1/312)
نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
198- ومن خطبة له ( عليه السلام ) ينبه على إحاطة علم اللّه بالجزئيات، ثم يحث على التقوى، ويبين فضل الإسلام والقرآن :
يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ وَمَعَاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ وَاخْتِلَافَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ وَتَلَاطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللَّهِ وَسَفِيرُ وَحْيِهِ وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ.
الوصية بالتقوى
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ وَإِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ وَبِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ وَإِلَيْهِ مُنْتَهَى رَغْبَتِكُمْ وَنَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ وَإِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ وَبَصَرُ عَمَى أَفْئِدَتِكُمْ وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ وَصَلَاحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ وَجِلَاءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (313) (1/313)
وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ وَضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ وَدَخِيلًا دُونَ شِعَارِكُمْ وَلَطِيفاً بَيْنَ أَضْلَاعِكُمْ وَأَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ وَمَنْهَلًا لِحِينِ وُرُودِكُمْ وَشَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ وَجُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ وَمَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ وَسَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ وَنَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَةٍ وَمَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَأُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا. وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بِمَوْعِظَتِهِ وَوَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ وَامْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ وَاخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.
فضل الإسلام
ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْإِسْلَامَ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ وَأَصْفَاهُ خِيَرَةَ خَلْقِهِ وَأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ أَذَلَّ الْأَدْيَانَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (314) (1/314)
بِعِزَّتِهِ وَوَضَعَ الْمِلَلَ بِرَفْعِهِ وَأَهَانَ أَعْدَاءَهُ بِكَرَامَتِهِ وَخَذَلَ مُحَادِّيهِ بِنَصْرِهِ وَهَدَمَ أَرْكَانَ الضَّلَالَةِ بِرُكْنِهِ وَسَقَى مَنْ عَطِشَ مِنْ حِيَاضِهِ وَأَتْأَقَ الْحِيَاضَ بِمَوَاتِحِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ لَا انْفِصَامَ لِعُرْوَتِهِ وَلَا فَكَّ لِحَلْقَتِهِ وَلَا انْهِدَامَ لِأَسَاسِهِ وَلَا زَوَالَ لِدَعَائِمِهِ وَلَا انْقِلَاعَ لِشَجَرَتِهِ وَلَا انْقِطَاعَ لِمُدَّتِهِ وَلَا عَفَاءَ لِشَرَائِعِهِ وَلَا جَذَّ لِفُرُوعِهِ وَلَا ضَنْكَ لِطُرُقِهِ وَلَا وُعُوثَةَ لِسُهُولَتِهِ وَلَا سَوَادَ لِوَضَحِهِ وَلَا عِوَجَ لِانْتِصَابِهِ وَلَا عَصَلَ فِي عُودِهِ وَلَا وَعَثَ لِفَجِّهِ وَلَا انْطِفَاءَ لِمَصَابِيحِهِ وَلَا مَرَارَةَ لِحَلَاوَتِهِ فَهُوَ دَعَائِمُ أَسَاخَ فِي الْحَقِّ أَسْنَاخَهَا وَثَبَّتَ لَهَا آسَاسَهَا وَيَنَابِيعُ غَزُرَتْ عُيُونُهَا وَمَصَابِيحُ شَبَّتْ نِيرَانُهَا وَمَنَارٌ اقْتَدَى بِهَا سُفَّارُهَا وَأَعْلَامٌ قُصِدَ بِهَا فِجَاجُهَا وَمَنَاهِلُ رَوِيَ بِهَا وُرَّادُهَا. جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مُنْتَهَى رِضْوَانِهِ وَذِرْوَةَ دَعَائِمِهِ وَسَنَامَ طَاعَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ وَثِيقُ الْأَرْكَانِ رَفِيعُ الْبُنْيَانِ مُنِيرُ الْبُرْهَانِ مُضِي ءُ النِّيرَانِ عَزِيزُ السُّلْطَانِ مُشْرِفُ الْمَنَارِ مُعْوِذُ الْمَثَارِ فَشَرِّفُوهُ وَاتَّبِعُوهُ وَأَدُّوا إِلَيْهِ حَقَّهُ وَضَعُوهُ مَوَاضِعَهُ.
الرسول الأعظم
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) بِالْحَقِّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (315) (1/315)
حِينَ دَنَا مِنَ الدُّنْيَا الِانْقِطَاعُ وَأَقْبَلَ مِنَ الْآخِرَةِ الِاطِّلَاعُ وَأَظْلَمَتْ بَهْجَتُهَا بَعْدَ إِشْرَاقٍ وَقَامَتْ بِأَهْلِهَا عَلَى سَاقٍ وَخَشُنَ مِنْهَا مِهَادٌ وَأَزِفَ مِنْهَا قِيَادٌ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ مُدَّتِهَا وَاقْتِرَابٍ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَتَصَرُّمٍ مِنْ أَهْلِهَا وَانْفِصَامٍ مِنْ حَلْقَتِهَا وَانْتِشَارٍ مِنْ سَبَبِهَا وَعَفَاءٍ مِنْ أَعْلَامِهَا وَتَكَشُّفٍ مِنْ عَوْرَاتِهَا وَقِصَرٍ مِنْ طُولِهَا جَعَلَهُ اللَّهُ بَلَاغاً لِرِسَالَتِهِ وَكَرَامَةً لِأُمَّتِهِ وَرَبِيعاً لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَرِفْعَةً لِأَعْوَانِهِ وَشَرَفاً لِأَنْصَارِهِ.
القرآن الكريم
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَسِرَاجاً لَا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَمِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَفُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ وَعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الْإِيمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ وَرِيَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ وَأَثَافِيُّ الْإِسْلَامِ وَبُنْيَانُهُ وَأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وَغِيطَانُهُ وَبَحْرٌ لَا يَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ وَعُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ وَمَنَاهِلُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (316) (1/316)
لَا يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ وَمَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ وَأَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ وَآكَامٌ لَا يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ جَعَلَهُ اللَّهُ رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَنُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَحَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَمَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ وَعِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاهُ وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ وَهُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِهِ وَعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَهُ وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِهِ وَفَلْجاً لِمَنْ حَاجَّ بِهِ وَحَامِلًا لِمَنْ حَمَلَهُ وَمَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَهُ وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ وَجُنَّةً لِمَنِ اسْتَلْأَمَ وَعِلْماً لِمَنْ وَعَى وَحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى وَحُكْماً لِمَنْ قَضَى.
199- ومن كلام له ( عليه السلام ) كان يوصي به أصحابه :
الصلاة
تَعَاهَدُوا أَمْرَ الصَّلَاةِ وَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَاسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَتَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً أَ لَا تَسْمَعُونَ إِلَى جَوَابِ أَهْلِ النَّارِ حِينَ سُئِلُوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ وَتُطْلِقُهَا إِطْلَاقَ الرِّبَقِ وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (317) (1/317)
بِالْحَمَّةِ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَا تَشْغَلُهُمْ عَنْهَا زِينَةُ مَتَاعٍ وَلَا قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلَا مَالٍ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) نَصِباً بِالصَّلَاةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها فَكَانَ يَأْمُرُ بِهَا أَهْلَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ.
الزكاة
ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلَاةِ قُرْبَاناً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا فَإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً فَلَا يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ وَلَا يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفَهُ فَإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ مَغْبُونُ الْأَجْرِ ضَالُّ الْعَمَلِ طَوِيلُ النَّدَمِ.
الأمانة
ثُمَّ أَدَاءَ الْأَمَانَةِ فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّمَاوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ وَالْأَرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (318) (1/318)
الْمَنْصُوبَةِ فَلَا أَطْوَلَ وَلَا أَعْرَضَ وَلَا أَعْلَى وَلَا أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْ ءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لَامْتَنَعْنَ وَلَكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ وَهُوَ الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.
علم اللّه تعالى
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ لَطُفَ بِهِ خُبْراً وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ وَضَمَائِرُكُمْ عُيُونُهُ وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ.
200- ومن كلام له ( عليه السلام ) في معاوية :
وَ اللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي وَلَكِنَّهُ يَغْدِرُ وَيَفْجُرُ وَلَوْ لَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ وَلَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ وَكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهِ مَا أُسْتَغْفَلُ بِالْمَكِيدَةِ وَلَا أُسْتَغْمَزُ بِالشَّدِيدَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (319) (1/319)
201- ومن كلام له ( عليه السلام ) يعظ بسلوك الطريق الواضح :
أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَجُوعُهَا طَوِيلٌ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالسُّخْطُ وَإِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ ثَمُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ خَارَتْ أَرْضُهُمْ بِالْخَسْفَةِ خُوَارَ السِّكَّةِ الْمُحْمَاةِ فِي الْأَرْضِ الْخَوَّارَةِ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَرَدَ الْمَاءَ وَمَنْ خَالَفَ وَقَعَ فِي التِّيهِ.
202- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ عِنْدَ دَفْنِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) كَالْمُنَاجِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) عِنْدَ قَبْرِهِ :
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنِّي وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِكَ قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (320) (1/320)
عَنْهَا تَجَلُّدِي إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَلَقَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ وَأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ اللَّهُ لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مُقِيمٌ وَسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ هَذَا وَلَمْ يَطُلِ الْعَهْدُ وَلَمْ يَخْلُ مِنْكَ الذِّكْرُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمَا سَلَامَ مُوَدِّعٍ لَا قَالٍ وَلَا سَئِمٍ فَإِنْ أَنْصَرِفْ فَلَا عَنْ مَلَالَةٍ وَإِنْ أُقِمْ فَلَا عَنْ سُوءِ ظَنٍّ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الصَّابِرِينَ.
203- ومن كلام له ( عليه السلام ) في التزهيد من الدنيا والترغيب في الآخرة :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ مَجَازٍ وَالْآخِرَةُ دَارُ قَرَارٍ فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ وَلَا تَهْتِكُوا أَسْتَارَكُمْ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَسْرَارَكُمْ وَأَخْرِجُوا مِنَ الدُّنْيَا قُلُوبَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا أَبْدَانُكُمْ فَفِيهَا اخْتُبِرْتُمْ وَلِغَيْرِهَا خُلِقْتُمْ إِنَّ الْمَرْءَ إِذَا هَلَكَ قَالَ النَّاسُ مَا تَرَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (321) (1/321)
وَ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا قَدَّمَ لِلَّهِ آبَاؤُكُمْ فَقَدِّمُوا بَعْضاً يَكُنْ لَكُمْ قَرْضاً وَلَا تُخْلِفُوا كُلًّا فَيَكُونَ فَرْضاً عَلَيْكُمْ.
204- ومن كلام له ( عليه السلام ) كان كثيرا ما ينادي به أصحابه :
تَجَهَّزُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَقَدْ نُودِيَ فِيكُمْ بِالرَّحِيلِ وَأَقِلُّوا الْعُرْجَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَانْقَلِبُوا بِصَالِحِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَمَنَازِلَ مَخُوفَةً مَهُولَةً لَا بُدَّ مِنَ الْوُرُودِ عَلَيْهَا وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَاحِظَ الْمَنِيَّةِ نَحْوَكُمْ دَانِيَةٌ وَكَأَنَّكُمْ بِمَخَالِبِهَا وَقَدْ نَشِبَتْ فِيكُمْ وَقَدْ دَهَمَتْكُمْ فِيهَا مُفْظِعَاتُ الْأُمُورِ وَمُعْضِلَاتُ الْمَحْذُورِ. فَقَطِّعُوا عَلَائِقَ الدُّنْيَا وَاسْتَظْهِرُوا بِزَادِ التَّقْوَى.
و قد مضى شي ء من هذا الكلام فيما تقدم بخلاف هذه الرواية.
205- ومن كلام له ( عليه السلام ) كلم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة وقد عتبا عليه من ترك مشورتهما، والاستعانة في الأمور بهما :
لَقَدْ نَقَمْتُمَا يَسِيراً وَأَرْجَأْتُمَا كَثِيراً أَ لَا تُخْبِرَانِي أَيُّ شَيْ ءٍ كَانَ لَكُمَا فِيهِ حَقٌّ دَفَعْتُكُمَا عَنْهُ أَمْ أَيُّ قَسْمٍ اسْتَأْثَرْتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (322) (1/322)
عَلَيْكُمَا بِهِ أَمْ أَيُّ حَقٍّ رَفَعَهُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ضَعُفْتُ عَنْهُ أَمْ جَهِلْتُهُ أَمْ أَخْطَأْتُ بَابَهُ. وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِي فِي الْخِلَافَةِ رَغْبَةٌ وَلَا فِي الْوِلَايَةِ إِرْبَةٌ وَلَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِي إِلَيْهَا وَحَمَلْتُمُونِي عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَيَّ نَظَرْتُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَمَا اسْتَنَّ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِكُمَا وَلَا رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَلَا وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِيرَكُمَا وَإِخْوَانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَلَا عَنْ غَيْرِكُمَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَلَا وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ اللَّهُ مِنْ قَسْمِهِ وَأَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا وَاللَّهِ عِنْدِي وَلَا لِغَيْرِكُمَا فِي هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ اللَّهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ.
ثم قال ( عليه السلام ) : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّهُ وَكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (323) (1/323)
206- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين :
إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ.
207- ومن كلام له ( عليه السلام ) في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن ابنه ( عليه السلام ) يتسرع إلى الحرب :
امْلِكُوا عَنِّي هَذَا الْغُلَامَ لَا يَهُدَّنِي، فَإِنَّنِي أَنْفَسُ بِهَذَيْنِ ـ يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ( عليهما السلام ) ـ عَلَى الْمَوْتِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ بِهِمَا نَسْلُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ).
قال السيد الشريف : قوله ( عليه السلام ) املكوا عني هذا الغلام من أعلى الكلام وأفصحه.
208- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ حَتَّى نَهِكَتْكُمُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (324) (1/324)
الْحَرْبُ وَقَدْ وَاللَّهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ وَهِيَ لِعَدُوِّكُمْ أَنْهَكُ. لَقَدْ كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً وَكُنْتُ أَمْسِ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ.
209- ومن كلام له ( عليه السلام ) بالبصرة وقد دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده، فلما رأى سعة داره قال :
مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ الدَّارِ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَبَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ تَقْرِي فِيهَا الضَّيْفَ وَتَصِلُ فِيهَا الرَّحِمَ وَتُطْلِعُ مِنْهَا الْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا الْآخِرَةَ فَقَالَ لَهُ الْعَلَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ قَالَ وَمَا لَهُ قَالَ لَبِسَ الْعَبَاءَةَ وَتَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكَ الْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (325) (1/325)
وَ وَلَدَكَ أَ تَرَى اللَّهَ أَحَلَّ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَجُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ.
210- ومن كلام له ( عليه السلام ) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر فقال ( عليه السلام ) :
إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقّاً وَبَاطِلًا وَصِدْقاً وَكَذِباً وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً وَعَامّاً وَخَاصّاً وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً وَحِفْظاً وَوَهْماً وَلَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ.
المنافقون
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلَامِ لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (326) (1/326)
يَتَحَرَّجُ يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَلَقِفَ عَنْهُ فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَجَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ النَّاسِ فَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَهَذَا أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ.
الخاطئون
وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئاً لَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَوَهِمَ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَيَرْوِيهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوهُ مِنْهُ وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَذَلِكَ لَرَفَضَهُ.
اهل الشبهة
وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) شَيْئاً يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (327) (1/327)
شَيْ ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.
الصادقون الحافظون
وَ آخَرُ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى رَسُولِهِ مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللَّهِ وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَلَمْ يَهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَى وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ وَحَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ وَعَرَفَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ فَوَضَعَ كُلَّ شَيْ ءٍ مَوْضِعَهُ وَقَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) الْكَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ فَكَلَامٌ خَاصٌّ وَكَلَامٌ عَامٌّ فَيَسْمَعُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَا عَنَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَلَا مَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ وَيُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ وَمَا قُصِدَ بِهِ وَمَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَفْهِمُهُ حَتَّى إِنْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِي ءَ الْأَعْرَابِيُّ وَالطَّارِئُ فَيَسْأَلَهُ ( عليه السلام ) حَتَّى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (328) (1/328)
يَسْمَعُوا وَكَانَ لَا يَمُرُّ بِي مِنْ ذَلِكَ شَيْ ءٌ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَحَفِظْتُهُ فَهَذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلَافِهِمْ وَعِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.
211- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في عجيب صنعة الكون :
وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ يَبَساً جَامِداً ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ وَأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ وَالْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ وَجَبَلَ جَلَامِيدَهَا وَنُشُوزَ مُتُونِهَا وَأَطْوَادِهَا فَأَرْسَاهَا فِي مَرَاسِيهَا وَأَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا فَمَضَتْ رُءُوسُهَا فِي الْهَوَاءِ وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا عَنْ سُهُولِهَا وَأَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِي مُتُونِ أَقْطَارِهَا وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا فَأَشْهَقَ قِلَالَهَا وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا وَجَعَلَهَا لِلْأَرْضِ عِمَاداً وَأَرَّزَهَا فِيهَا أَوْتَاداً فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِنْ أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا أَوْ تَسِيخَ بِحِمْلِهَا أَوْ تَزُولَ عَنْ مَوَاضِعِهَا فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (329) (1/329)
مِيَاهِهَا وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ رَاكِدٍ لَا يَجْرِي وَقَائِمٍ لَا يَسْرِي تُكَرْكِرُهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ وَتَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى.
212- ومن خطبة له ( عليه السلام ) كان يستنهض بها أصحابه إلى جهاد أهل الشام في زمانه :
اللَّهُمَّ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِكَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا الْعَادِلَةَ غَيْرَ الْجَائِرَةِ وَالْمُصْلِحَةَ غَيْرَ الْمُفْسِدَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَأَبَى بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلَّا النُّكُوصَ عَنْ نُصْرَتِكَ وَالْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِينِكَ فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُكَ عَلَيْهِ يَا أَكْبَرَ الشَّاهِدِينَ شَهَادَةً وَنَسْتَشْهِدُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا أَسْكَنْتَهُ أَرْضَكَ وَسمَاوَاتِكَ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ وَالْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ.
213- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في تمجيد اللّه وتعظيمه :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ عَنْ شَبَهِ الْمَخْلُوقِينَ الْغَالِبِ لِمَقَالِ الْوَاصِفِينَ الظَّاهِرِ بِعَجَائِبِ تَدْبِيرِهِ لِلنَّاظِرِينَ وَالْبَاطِنِ بِجَلَالِ عِزَّتِهِ عَنْ فِكْرِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (330) (1/330)
الْمُتَوَهِّمِينَ الْعَالِمِ بِلَا اكْتِسَابٍ وَلَا ازْدِيَادٍ وَلَا عِلْمٍ مُسْتَفَادٍ الْمُقَدِّرِ لِجَمِيعِ الْأُمُورِ بِلَا رَوِيَّةٍ وَلَا ضَمِيرٍ الَّذِي لَا تَغْشَاهُ الظُّلَمُ وَلَا يَسْتَضِي ءُ بِالْأَنْوَارِ وَلَا يَرْهَقُهُ لَيْلٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ نَهَارٌ لَيْسَ إِدْرَاكُهُ بِالْإِبْصَارِ وَلَا عِلْمُهُ بِالْإِخْبَارِ.
و منها في ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله )
أَرْسَلَهُ بِالضِّيَاءِ وَقَدَّمَهُ فِي الِاصْطِفَاءِ فَرَتَقَ بِهِ الْمَفَاتِقَ وَسَاوَرَ بِهِ الْمُغَالِبَ وَذَلَّلَ بِهِ الصُّعُوبَةَ وَسَهَّلَ بِهِ الْحُزُونَةَ حَتَّى سَرَّحَ الضَّلَالَ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ.
214- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يصف جوهر الرسول، ويصف العلماء، ويعظ بالتقوى :
وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ عَدَلَ وَحَكَمٌ فَصَلَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَسَيِّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ اللَّهُ الْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَلَا ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لِلْخَيْرِ أَهْلًا وَلِلْحَقِّ دَعَائِمَ وَلِلطَّاعَةِ عِصَماً وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدَ كُلِّ طَاعَةٍ عَوْناً مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ يَقُولُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (331) (1/331)
عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَيُثَبِّتُ الْأَفْئِدَةَ فِيهِ كِفَاءٌ لِمُكْتَفٍ وَشِفَاءٌ لِمُشْتَفٍ.
صفة العلماء
وَ اعْلَمُوا أَنَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُسْتَحْفَظِينَ عِلْمَهُ يَصُونُونَ مَصُونَهُ وَيُفَجِّرُونَ عُيُونَهُ يَتَوَاصَلُونَ بِالْوِلَايَةِ وَيَتَلَاقَوْنَ بِالْمَحَبَّةِ وَيَتَسَاقَوْنَ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَيَصْدُرُونَ بِرِيَّةٍ لَا تَشُوبُهُمُ الرِّيبَةُ وَلَا تُسْرِعُ فِيهِمُ الْغِيبَةُ عَلَى ذَلِكَ عَقَدَ خَلْقَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ فَعَلَيْهِ يَتَحَابُّونَ وَبِهِ يَتَوَاصَلُونَ فَكَانُوا كَتَفَاضُلِ الْبَذْرِ يُنْتَقَى فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُلْقَى قَدْ مَيَّزَهُ التَّخْلِيصُ وَهَذَّبَهُ التَّمْحِيصُ.
العظة بالتقوى
فَلْيَقْبَلِ امْرُؤٌ كَرَامَةً بِقَبُولِهَا وَلْيَحْذَرْ قَارِعَةً قَبْلَ حُلُولِهَا وَلْيَنْظُرِ امْرُؤٌ فِي قَصِيرِ أَيَّامِهِ وَقَلِيلِ مُقَامِهِ فِي مَنْزِلٍ حَتَّى يَسْتَبْدِلَ بِهِ مَنْزِلًا فَلْيَصْنَعْ لِمُتَحَوَّلِهِ وَمَعَارِفِ مُنْتَقَلِهِ فَطُوبَى لِذِي قَلْبٍ سَلِيمٍ أَطَاعَ مَنْ يَهْدِيهِ وَتَجَنَّبَ مَنْ يُرْدِيهِ وَأَصَابَ سَبِيلَ السَّلَامَةِ بِبَصَرِ مَنْ بَصَّرَهُ وَطَاعَةِ هَادٍ أَمَرَهُ وَبَادَرَ الْهُدَى قَبْلَ أَنْ تُغْلَقَ أَبْوَابُهُ وَتُقْطَعَ أَسْبَابُهُ وَاسْتَفْتَحَ التَّوْبَةَ وَأَمَاطَ الْحَوْبَةَ فَقَدْ أُقِيمَ عَلَى الطَّرِيقِ وَهُدِيَ نَهْجَ السَّبِيلِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (332) (1/332)
215- ومن دعاء له ( عليه السلام ) كان يدعو به كثيرا :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيِّتاً وَلَا سَقِيماً وَلَا مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوءٍ وَلَا مَأْخُوذاً بِأَسْوَإِ عَمَلِي وَلَا مَقْطُوعاً دَابِرِي وَلَا مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي وَلَا مُنْكِراً لِرَبِّي وَلَا مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي وَلَا مُلْتَبِساً عَقْلِي وَلَا مُعَذَّباً بِعَذَابِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِي أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَلَا حُجَّةَ لِي وَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلَّا مَا أَعْطَيْتَنِي وَلَا أَتَّقِيَ إِلَّا مَا وَقَيْتَنِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ أَوْ أُضْطَهَدَ وَالْأَمْرُ لَكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي وَأَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ أَوْ أَنْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِينِكَ أَوْ تَتَابَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ.
216- ومن خطبة له ( عليه السلام ) خطبها بصفين :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلَايَةِ أَمْرِكُمْ وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (333) (1/333)
التَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ.
حق الوالي وحق الرعية
ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ. وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ فَإِذَا أَدَّتْ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ وَجَرَتْ عَلَى أَذْلَالِهَا السُّنَنُ فَصَلَحَ بِذَلِكَ الزَّمَانُ وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الْأَعْدَاءِ. وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (334) (1/334)
الْكَلِمَةُ وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَكَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَلَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ. فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ وَإِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّهِ حِرْصُهُ وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ وَلَكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ امْرُؤٌ وَإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَلَا امْرُؤٌ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.
فَأَجَابَهُ ( عليه السلام ) رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ يُكْثِرُ فِيهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ سَمْعَهُ وَطَاعَتَهُ لَهُ، فَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلَالُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي نَفْسِهِ وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ لِعِظَمِ ذَلِكَ كُلُّ مَا سِوَاهُ وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا ازْدَادَ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْهِ عِظَماً وَإِنَّ مِنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (335) (1/335)
أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَ وَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَلَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَأَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (336) (1/336)
217- ومن كلام له ( عليه السلام ) في التظلم والتشكي من قريش :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَأَكْفَئُوا إِنَائِي وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي وَقَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَلَا ذَابٌّ وَلَا مُسَاعِدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ الشِّفَارِ.
قال الشريف رضي الله عنه : وقد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة إلا أني ذكرته هاهنا لاختلاف الروايتين.
218- ومن كلام له ( عليه السلام ) في ذكر السائرين إلى البصرة لحربه ( عليه السلام ) :
فَقَدِمُوا عَلَى عُمَّالِي وَخُزَّانِ بَيْتِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي فِي يَدَيَّ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرٍ كُلُّهُمْ فِي طَاعَتِي وَعَلَى بَيْعَتِي فَشَتَّتُوا كَلِمَتَهُمْ وَأَفْسَدُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (337) (1/337)
عَلَيَّ جَمَاعَتَهُمْ وَوَثَبُوا عَلَى شِيعَتِي فَقَتَلُوا طَاِئفَةً منْهُمْ غَدْراً وَطَاِئفَةٌ عَضُّوا عَلَى أَسْيَافِهِمْ فَضَارَبُوا بِهَا حَتَّى لَقُوا اللَّهَ صَادِقِينَ.
219- ومن كلام له ( عليه السلام ) لما مر بطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وهما قتيلان يوم الجمل :
لَقَدْ أَصْبَحَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْمَكَانِ غَرِيباً أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ قُرَيْشٌ قَتْلَى تَحْتَ بُطُونِ الْكَوَاكِبِ أَدْرَكْتُ وَتْرِي مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَفْلَتَتْنِي أَعْيَانُ بَنِي جُمَحَ لَقَدْ أَتْلَعُوا أَعْنَاقَهُمْ إِلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَهُ فَوُقِصُوا دُونَهُ.
220- ومن كلام له ( عليه السلام ) في وصف السالك الطريق إلى اللّه سبحانه :
قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَلَطُفَ غَلِيظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ وَتَدَافَعَتْهُ الْأَبْوَابُ إِلَى بَابِ السَّلَامَةِ وَدَارِ الْإِقَامَةِ وَثَبَتَتْ رِجْلَاهُ بِطُمَأْنِينَةِ بَدَنِهِ فِي قَرَارِ الْأَمْنِ وَالرَّاحَةِ بِمَا اسْتَعْمَلَ قَلْبَهُ وَأَرْضَى رَبَّهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (338) (1/338)
221- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله بعد تلاوته :
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَخَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وَتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَحَرَكَاتٍ سَكَنَتْ وَلَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً وَلَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلَّالًا وَذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وَتَسْتَنْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وَتَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وَتَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَإِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ بَوَاكٍ وَنَوَائِحُ عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمْ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وَسُوَقاً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (339) (1/339)
سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ وَلَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ وَلَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَلَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وَشُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وَإِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وَآلَافاً فَافْتَرَقُوا وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَلَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَصَمَّتْ دِيَارُهُمْ وَلَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَبِالسَّمْعِ صَمَماً وَبِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وَأَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَهُمْ جَمِيعٌ وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلَّاءُ لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَلَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَرَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَكِلْتَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَمَا عَايَنُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (340) (1/340)
وَ لَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَتَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَخَوَتِ الْأَجْسَامُ النَّوَاعِمُ وَلَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَى وَتَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ وَتَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَتَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَطَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَلَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً وَلَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ وَقَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ وَاكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَاب فَخَسَفَتْ وَتَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا وَهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صُدُورِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَعَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا وَسَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَيْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ وَلَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَأَقْذَاءَ عُيُونٍ لَهُمْ فِي كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَغَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي فَكَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَأَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَرَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَيَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (341) (1/341)
وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَنَقَضَتِ الْأَيَّامُ قُوَاهُ وَنَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لَا يَعْرِفُهُ وَنَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَتَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَتَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً وَلَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً وَلَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَتَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّاِئِلينَ عَنْهُ وَتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ يَقُولُ هُوَ لِمَا بِهِ وَمُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ وَمُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَتَرْكِ الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَيَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ وَدُعَاءٍ مُؤْلِمٍ بِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وَإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (342) (1/342)
222- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله عند تلاوته :
يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقَظَةٍ فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالًا ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَكَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لَأَهْلًا أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلًا فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْهُ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ وَيَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِي أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ وَيَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (343) (1/343)
فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِيهِ وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ وَيَسْمَعُونَ مَا لَا يَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ وَفَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ الِاسْتِقْلَالِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَاعْتِرَافٍ لَرَأَيْتَ أَعْلَامَ هُدًى وَمَصَابِيحَ دُجًى قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ وَأُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ الْأَسَى قُلُوبَهُمْ وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ يَسْأَلُونَ مَنْ لَا تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ وَلَا يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (344) (1/344)
223- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله عند تلاوته { يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } :
أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَأَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ وَمَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ وَمَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ أَ مَا مِنْ دَائِكَ بُلُولٌ أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ يَقَظَةٌ أَ مَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَمٍ يُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ فَمَا صَبَّرَكَ عَلَى دَائِكَ وَجَلَّدَكَ عَلَى مُصَابِكَ وَعَزَّاكَ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ وَهِيَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكَ وَكَيْفَ لَا يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَةٍ وَقَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَةٍ وَمِنْ كَرَى الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَةٍ وَكُنْ لِلَّهِ مُطِيعاً وَبِذِكْرِهِ آنِساً وَتَمَثَّلْ فِي حَالِ تَوَلِّيكَ عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ وَيَتَغَمَّدُكَ بِفَضْلِهِ وَأَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَتَعَالَى مِنْ قَوِيٍّ مَا أَكْرَمَهُ وَتَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيفٍ مَا أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَأَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (345) (1/345)
مُقِيمٌ وَفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ وَلَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي الْقُوَّةِ مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِمٍ عَلَى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الْأَخْلَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ وَحَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ وَلَكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ وَلَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ وَآذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ وَلَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِجِسْمِكَ وَالنَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ أَصْدَقُ وَأَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ أَوْ تَغُرَّكَ وَلَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ وَصَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ وَلَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ وَبَلَاغِ مَوْعِظَتِكَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ وَالشَّحِيحِ بِكَ وَلَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً وَمَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلًّا وَإِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ وَحَقَّتْ بِجَلَائِلِهَا الْقِيَامَةُ وَلَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ وَبِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَبِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ فَلَمْ يُجْزَ فِي عَدْلِهِ وَقِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي الْهَوَاءِ وَلَا هَمْسُ قَدَمٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِحَقِّهِ فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ وَعَلَائِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (346) (1/346)
فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ وَتَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ وَخُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ وَتَيَسَّرْ لِسَفَرِكَ وَشِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ وَارْحَلْ مَطَايَا التَّشْمِيرِ.
224- ومن كلام له ( عليه السلام ) يتبرأ من الظلم :
وَ اللَّهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْ ءٍ مِنَ الْحُطَامِ وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا وَيَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وَقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الْأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ مُفَارِقاً طَرِيقَتِي فَأَحْمَيْتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (347) (1/347)
لَهُ حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَ تَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ أَ تَئِنُّ مِنَ الْأَذَى وَلَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِي وِعَائِهَا وَمَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا فَقُلْتُ أَ صِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَقَالَ لَا ذَا وَلَا ذَاكَ وَلَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَ عَنْ دِينِ اللَّهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي أَ مُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَقُبْحِ الزَّلَلِ وَبِهِ نَسْتَعِينُ.
225- ومن دعاء له ( عليه السلام ) يلتجئ إلى اللّه أن يغنيه :
اللَّهُمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَلَا تَبْذُلْ جَاهِيَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (348) (1/348)
بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَأُبْتَلَى بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِيُّ الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
226- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في التنفير من الدنيا :
دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَبِالْغَدْرِ مَعْرُوفَةٌ لَا تَدُومُ أَحْوَالُهَا وَلَا يَسْلَمُ نُزَّالُهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَتَارَاتٌ مُتَصَرِّفَةٌ الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ وَالْأَمَانُ مِنْهَا مَعْدُومٌ وَإِنَّمَا أَهْلُهَا فِيهَا أَغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَتُفْنِيهِمْ بِحِمَامِهَا وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ وَمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِمَّنْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْكُمْ أَعْمَاراً وَأَعْمَرَ دِيَاراً وَأَبْعَدَ آثَاراً أَصْبَحَتْ أَصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَرِيَاحُهُمْ رَاكِدَةً وَأَجْسَادُهُمْ بَالِيَةً وَدِيَارُهُمْ خَالِيَةً وَآثَارُهُمْ عَافِيَةً فَاسْتَبْدَلُوا بِالْقُصُورِ الْمَشَيَّدَةِ وَالنَّمَارِقِ الْمُمَهَّدَةِ الصُّخُورَ وَالْأَحْجَارَ الْمُسَنَّدَةَ وَالْقُبُورَ اللَّاطِئَةَ الْمُلْحَدَةَ الَّتِي قَدْ بُنِيَ عَلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (349) (1/349)
الْخَرَابِ فِنَاؤُهَا وَشُيِّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤُهَا فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلِ مَحَلَّةٍ مُوحِشِينَ وَأَهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِينَ لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْأَوْطَانِ وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْجِيرَانِ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الْجِوَارِ وَدُنُوِّ الدَّارِ وَكَيْفَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ تَزَاوُرٌ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى وَكَأَنْ قَدْ صِرْتُمْ إِلَى مَا صَارُوا إِلَيْهِ وَارْتَهَنَكُمْ ذَلِكَ الْمَضْجَعُ وَضَمَّكُمْ ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ وَبُعْثِرَتِ الْقُبُورُ هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ.
227- ومن دعاء له ( عليه السلام ) يلجأ فيه إلى اللّه ليهديه إلى الرشاد :
اللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ الْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ وَأَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَتَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَتَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ وَقُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ وَإِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى الِاسْتِجَارَةِ بِكَ عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدِكَ وَمَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (350) (1/350)
اللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي وَخُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ وَلَا بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ اللَّهُمَّ احْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ وَلَا تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ.
228- ومن كلام له ( عليه السلام ) يريد به بعض أصحابه :
لِلَّهِ بَلَاءُ فُلَانٍ فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ وَدَاوَى الْعَمَدَ وَأَقَامَ السُّنَّةَ وَخَلَّفَ الْفِتْنَةَ ذَهَبَ نَقِيَّ الثَّوْبِ قَلِيلَ الْعَيْبِ أَصَابَ خَيْرَهَا وَسَبَقَ شَرَّهَا أَدَّى إِلَى اللَّهِ طَاعَتَهُ وَاتَّقَاهُ بِحَقِّهِ رَحَلَ وَتَرَكَهُمْ فِي طُرُقٍ مُتَشَعِّبَةٍ لَا يَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّ وَلَا يَسْتَيْقِنُ الْمُهْتَدِي.
229- ومن كلام له ( عليه السلام ) في وصف بيعته بالخلافة :
قال الشريف : وقد تقدم مثله بألفاظ مختلفة.
وَ بَسَطْتُمْ يَدِي فَكَفَفْتُهَا وَمَدَدْتُمُوهَا فَقَبَضْتُهَا ثُمَّ تَدَاكَكْتُمْ عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ عَلَى حِيَاضِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا حَتَّى انْقَطَعَتِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (351) (1/351)
النَّعْلُ وَسَقَطَ الرِّدَاءُ وَوُطِئَ الضَّعِيفُ وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ وَهَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ وَتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ وَحَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ.
230- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في مقاصد أخرى :
فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ مِفْتَاحُ سَدَادٍ وَذَخِيرَةُ مَعَادٍ وَعِتْقٌ مِنْ كُلِّ مَلَكَةٍ وَنَجَاةٌ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ وَيَنْجُو الْهَارِبُ وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ.
فضل العمل
فَاعْمَلُوا وَالْعَمَلُ يُرْفَعُ وَالتَّوْبَةُ تَنْفَعُ وَالدُّعَاءُ يُسْمَعُ وَالْحَالُ هَادِئَةٌ وَالْأَقْلَامُ جَارِيَةٌ وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ مَوْتاً خَالِساً فَإِنَّ الْمَوْتَ هَادِمُ لَذَّاتِكُمْ وَمُكَدِّرُ شَهَوَاتِكُمْ وَمُبَاعِدُ طِيَّاتِكُمْ زَائِرٌ غَيْرُ مَحْبُوبٍ وَقِرْنٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ وَوَاتِرٌ غَيْرُ مَطْلُوبٍ قَدْ أَعْلَقَتْكُمْ حَبَائِلُهُ وَتَكَنَّفَتْكُمْ غَوَائِلُهُ وَأَقْصَدَتْكُمْ مَعَابِلُهُ وَعَظُمَتْ فِيكُمْ سَطْوَتُهُ وَتَتَابَعَتْ عَلَيْكُمْ عَدْوَتُهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (352) (1/352)
وَ قَلَّتْ عَنْكُمْ نَبْوَتُهُ فَيُوشِكُ أَنْ تَغْشَاكُمْ دَوَاجِي ظُلَلِهِ وَاحْتِدَامُ عِلَلِهِ وَحَنَادِسُ غَمَرَاتِهِ وَغَوَاشِي سَكَرَاتِهِ وَأَلِيمُ إِرْهَاقِهِ وَدُجُوُّ أَطْبَاقِهِ وَجُشُوبَةُ مَذَاقِهِ فَكَأَنْ قَدْ أَتَاكُمْ بَغْتَةً فَأَسْكَتَ نَجِيَّكُمْ وَفَرَّقَ نَدِيَّكُمْ وَعَفَّى آثَارَكُمْ وَعَطَّلَ دِيَارَكُمْ وَبَعَثَ وُرَّاثَكُمْ يَقْتَسِمُونَ تُرَاثَكُمْ بَيْنَ حَمِيمٍ خَاصٍّ لَمْ يَنْفَعْ وَقَرِيبٍ مَحْزُونٍ لَمْ يَمْنَعْ وَآخَرَ شَامِتٍ لَمْ يَجْزَعْ.
فضل الجد
فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالتَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَالتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ وَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا وَأَصَابُوا غِرَّتَهَا وَأَفْنَوْا عِدَّتَهَا وَأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً وَأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ وَلَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ وَلَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا وَلَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا وَلَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا.
و منها في صفة الزهاد
كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا فَكَانُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (353) (1/353)
فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ وَبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَيَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ وَهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ.
231- ومن خطبة له ( عليه السلام ) خطبها بذي قار وهو متوجه إلى البصرة ذكرها الواقدي في كتاب "الجمل" :
فَصَدَعَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبَلَّغَ رِسَالَاتِ رَبِّهِ فَلَمَّ اللَّهُ بِهِ الصَّدْعَ وَرَتَقَ بِهِ الْفَتْقَ وَأَلَّفَ بِهِ الشَّمْلَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ بَعْدَ الْعَدَاوَةِ الْوَاغِرَةِ فِي الصُّدُورِ وَالضَّغَائِنِ الْقَادِحَةِ فِي الْقُلُوبِ.
232- ومن كلام له ( عليه السلام ) كلم به عبد الله بن زمعة وهو من شيعته، وذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا :
فقال ( عليه السلام ) : إِنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ وَإِنَّمَا هُوَ فَيْ ءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَلْبُ أَسْيَافِهِمْ فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ وَإِلَّا فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لَا تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (354) (1/354)
233- ومن كلام له ( عليه السلام ) بعد أن أقدم أحدهم عل الكلام فحصر، وهو في فضل أهل البيت، ووصف فساد الزمان :
أَلَا وَإِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الْإِنْسَانِ فَلَا يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ وَلَا يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ وَإِنَّا لَأُمَرَاءُ الْكَلَامِ وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ.
فساد الزمان
وَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ وَاللَّازِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ مُصْطَلِحُونَ عَلَى الْإِدْهَانِ فَتَاهُمْ عَارِمٌ وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ وَعَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ وَقَارِنُهُمْ مُمَاذِقٌ لَا يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ وَلَا يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ.
234- ومن كلام له ( عليه السلام ) :
رَوَى ذِعْلَبٌ الْيَمَامِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِحْيَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمنِيِنَ ( عليه السلام ) وَقَدْ ذُكِرَ عِنْدَهُ اخْتِلَافُ النَّاسِ فَقَالَ :
إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِئُ طِينِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (355) (1/355)
مِنْ سَبَخِ أَرْضٍ وَعَذْبِهَا وَحَزْنِ تُرْبَةٍ وَسَهْلِهَا فَهُمْ عَلَى حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ وَعَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِهَا يَتَفَاوَتُونَ فَتَامُّ الرُّوَاءِ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَمَادُّ الْقَامَةِ قَصِيرُ الْهِمَّةِ وَزَاكِي الْعَمَلِ قَبِيحُ الْمَنْظَرِ وَقَرِيبُ الْقَعْرِ بَعِيدُ السَّبْرِ وَمَعْرُوفُ الضَّرِيبَةِ مُنْكَرُ الْجَلِيبَةِ وَتَائِهُ الْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اللُّبِّ وَطَلِيقُ اللِّسَانِ حَدِيدُ الْجَنَانِ.
235- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) قَالَهُ وَهُوَ يَلِي غُسْلَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَتَجْهِيزَهُ :
بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً وَلَوْ لَا أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّئُونِ وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلًا وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً وَقَلَّا لَكَ وَلَكِنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ رَدُّهُ وَلَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (356) (1/356)
236- ومن كلام له ( عليه السلام ) اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم لحاقه به :
فَجَعَلْتُ أَتْبَعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَأَطَأُ ذِكْرَهُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ.
قال السيد الشريف رضي الله عنه : في كلام طويل، قوله ( عليه السلام ) فأطأ ذكره من الكلام الذي رمى به إلى غايتي الإيجاز والفصاحة أراد أني كنت أعطى خبره ( صلى الله عليه وآله ) من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.
237- ومن خطبة له ( عليه السلام ) في المسارعة إلى العمل :
فَاعْمَلُوا وَأَنْتُمْ فِي نَفَسِ الْبَقَاءِ وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ وَالتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ وَالْمُدْبِرُ يُدْعَى وَالْمُسِي ءُ يُرْجَى قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ الْعَمَلُ وَيَنْقَطِعَ الْمَهَلُ وَيَنْقَضِيَ الْأَجَلُ وَيُسَدَّ بَابُ التَّوْبَةِ وَتَصْعَدَ الْمَلَائِكَةُ فَأَخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّتٍ وَمِنْ فَانٍ لِبَاقٍ وَمِنْ ذَاهِبٍ لِدَائِمٍ امْرُؤٌ خَافَ اللَّهَ وَهُوَ مُعَمَّرٌ إِلَى أَجَلِهِ وَمَنْظُورٌ إِلَى عَمَلِهِ امْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا وَزَمَّهَا بِزِمَامِهَا فَأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَقَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (357) (1/357)
238- ومن كلام له ( عليه السلام ) في شأن الحكمين وذم أهل الشام :
جُفَاةٌ طَغَامٌ وَعَبِيدٌ أَقْزَامٌ جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وَتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَيُؤَدَّبَ وَيُعَلَّمَ وَيُدَرَّبَ وَيُوَلَّى عَلَيْهِ وَيُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَا مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ أَلَا وَإِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ وَإِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ وَإِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ بِالْأَمْسِ يَقُولُ إِنَّهَا فِتْنَةٌ فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَشِيمُوا سُيُوفَكُمْ فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَهٍ وَإِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهَمَةُ فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَخُذُوا مَهَلَ الْأَيَّامِ وَحُوطُوا قَوَاصِيَ الْإِسْلَامِ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى وَإِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى.
239- ومن خطبة له ( عليه السلام ) يذكر فيها آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) :
هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ وَمَوْتُ الْجَهْلِ يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (358) (1/358)
وَ ظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَهُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ وَوَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَةٍ وَرِعَايَةٍ لَا عَقْلَ سَمَاعٍ وَرِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
240- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله لعبد الله بن العباس وقد جاءه برسالة من عثمان وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع، ليقل هتف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل، فقال عليه السلام :
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا يُرِيدُ عُثْمَانُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلًا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ ثُمَّ هُوَ الْآنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ وَاللَّهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً.
241- ومن كلام له ( عليه السلام ) يحث به أصحابه على الجهاد :
وَ اللَّهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ وَمُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ وَمُمْهِلُكُمْ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (359) (1/359)
مِضْمَارٍ مَحْدُودٍ لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ فَشُدُّوا عُقَدَ الْمَآزِرِ وَاطْوُوا فُضُولَ الْخَوَاصِرِ لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَوَلِيمَةٌ مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ وَأَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ.
و صلى اللّه على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله مصابيح الدجى والعروة الوثقى، وسلم تسليما كثيرا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (361) (1/361)
رسائل
أمير المؤمنين
(عليه السلام )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (363) (1/363)
باب
المختار من
كتب مولانا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام )
و رسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده
و يدخل في ذلك
ما اختير من عهوده إلى عماله
و وصاياه لأهله
و أصحابه
1- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ جَبْهَةِ الْأَنْصَارِ وَسَنَامِ الْعَرَبِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ فَكُنْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وَأُقِلُّ عِتَابَهُ وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ وَكَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَلَا مُجْبَرِينَ بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَقَلَعُوا بِهَا وَجَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ وَقَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ وَبَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (364) (1/364)
2- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إليهم بعد فتح البصرة :
وَ جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ وَالشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ وَدُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ.
3- ومن كتاب له ( عليه السلام ) لشريح بن الحارث قاضيه :
وَ رُوِيَ أَنَّ شُرَيْحَ بْنَ الْحَارِثِ قَاضِيَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) اشْتَرَى عَلَى عَهْدِهِ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَاسْتَدْعَى شُرَيْحاً وَقَالَ لَهُ :
بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثَمَانِينَ دِينَاراً وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً وَأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً.
فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ نَظَرَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :
يَا شُرَيْحُ : أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لَا يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ وَلَا يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لَا تَكُونُ ابْتَعْتَ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ أَوْ نَقَدْتَ الثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلَالِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (365) (1/365)
وَ دَارَ الْآخِرَةِ. أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتَاباً عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَمٍ فَمَا فَوْقُ.
وَ النُّسْخَةُ هَذِه : ِ هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ وَخِطَّةِ الْهَالِكِينَ وَتَجْمَعُ هَذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ الْحَدُّ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْآفَاتِ وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ وَالْحَدُّ الثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي وَفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هَذِهِ الدَّارِ اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ مِنْ هَذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ هَذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ فَمَا أَدْرَكَ هَذَا الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوكِ وَسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَتُبَّعٍ وَحِمْيَرَ وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ وَادَّخَرَ وَاعْتَقَدَ وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وَسَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (366) (1/366)
4- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض أمراء جيشه :
فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ وَإِنْ تَوَافَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ وَاسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ وَقُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ.
5- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أشعث بن قيس عامل أذربيجان :
وَ إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّةٍ وَلَا تُخَاطِرَ إِلَّا بِوَثِيقَةٍ وَفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ وَلَعَلِّي أَلَّا أَكُونَ شَرَّ وُلَاتِكَ لَكَ وَالسَّلَامُ.
6- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (367) (1/367)
عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَلَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَالسَّلَامُ.
7- ومن كتاب منه ( عليه السلام ) إليه أيضا :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ وَرِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلَالِكَ وَأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وَكِتَابُ امْرِئٍ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ وَلَا قَائِدٌ يُرْشِدُهُ قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ وَقَادَهُ الضَّلَالُ فَاتَّبَعَهُ فَهَجَرَ لَاغِطاً وَضَلَّ خَابِطاً.
وَ مِنْهُ : لِأَنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ وَلَا يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ وَالْمُرَوِّي فِيهَا مُدَاهِنٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (368) (1/368)
8- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية :
أَمَّا بَعْدُ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ وَخُذْهُ بِالْأَمْرِ الْجَزْمِ ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَةٍ أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَةٍ فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ وَإِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ وَالسَّلَامُ.
9- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا وَهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ وَفَعَلُوا بِنَا الْأَفَاعِيلَ وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ وَأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ فَعَزَمَ اللَّهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذَلِكَ الْأَجْرَ وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الْأَصْلِ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْنٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (369) (1/369)
وَ أَحْجَمَ النَّاسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ وَلَكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ وَمَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لَا يُدْلِي أَحَدٌ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ مَا لَا أَعْرِفُهُ وَلَا أَظُنُّ اللَّهَ يَعْرِفُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلَيْكَ فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلَا إِلَى غَيْرِكَ وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيلٍ يَطْلُبُونَكَ لَا يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ وَلَا جَبَلٍ وَلَا سَهْلٍ إِلَّا أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ وَزَوْرٌ لَا يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ وَالسَّلَامُ لِأَهْلِهِ.
10- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إليه أيضا :
وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلَابِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (370) (1/370)
وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَأَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لَا يُنْجِيكَ مِنْهُ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ وَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَلَا تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ وَإِلَّا تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ وَبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ وَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوحِ وَالدَّمِ وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ وَوُلَاةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ وَلَا شَرَفٍ بَاسِقٍ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً فِي غِرَّةِ الْأُمْنِيِّةِ مُخْتَلِفَ الْعَلَانِيَةِ وَالسَّرِيرَةِ وَقَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَاخْرُجْ إِلَيَّ وَأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ وَالْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وَأَخِيكَ وَخَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ وَذَلِكَ السَّيْفُ مَعِي وَبِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً وَلَا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً وَإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ وَدَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ وَلَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (371) (1/371)
وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ وَكَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ وَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ وَمَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَهِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ.
11- ومن وصية له ( عليه السلام ) وصى بها جيشا بعثه إلى العدو :
فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَدُونَكُمْ مَرَدّاً وَلْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ وَاجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ وَمَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلَّا يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلَائِعُهُمْ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً وَإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً وَلَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (372) (1/372)
12- ومن وصية له ( عليه السلام ) وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :
اتَّقِ اللَّهَ الَّذِي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَلَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَلَا تُقَاتِلَنَّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ وَسِرِ الْبَرْدَيْنِ وَغَوِّرْ بِالنَّاسِ وَرَفِّهْ فِي السَّيْرِ وَلَا تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَقَدَّرَهُ مُقَاماً لَا ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَرَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَلَا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ وَلَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَالْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ.
13- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أميرين من أمراء جيشه :
وَ قَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَعَلَى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعَا وَاجْعَلَاهُ دِرْعاً وَمِجَنّاً فَإِنَّهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (373) (1/373)
مِمَّنْ لَا يُخَافُ وَهْنُهُ وَلَا سَقْطَتُهُ وَلَا بُطْؤُهُ عَمَّا الْإِسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ وَلَا إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ.
14- ومن وصية له ( عليه السلام ) لعسكره قبل لقاء العدو بصفين :
لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَلَا تُصِيبُوا مُعْوِراً وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلَا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَالْأَنْفُسِ وَالْعُقُولِ إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
15- ومن دعاء له ( عليه السلام ) كان ( عليه السلام ) يقول إذا لقي العدو محاربا :
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَمُدَّتِ الْأَعْنَاقُ وَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَنُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَأُنْضِيَتِ الْأَبْدَانُ اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (374) (1/374)
مَكْنُونُ الشَّنَآنِ وَجَاشَتْ مَرَاجِلُ الْأَضْغَانِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَتَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ.
16- وكان يقول ( عليه السلام ) لأصحابه عند الحرب :
لَا تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ وَلَا جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ وَأَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا وَوَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا وَاذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِيِّ وَالضَّرْبِ الطِّلَحْفِيِّ وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ.
17- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه:
وَ أَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ الشَّامَ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لِأُعْطِيَكَ الْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ الْعَرَبَ إِلَّا حُشَاشَاتِ أَنْفُسٍ بَقِيَتْ أَلَا وَمَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النَّارِ وَأَمَّا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (375) (1/375)
اسْتِوَاؤُنَا فِي الْحَرْبِ وَالرِّجَالِ فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى الشَّكِّ مِنِّي عَلَى الْيَقِينِ وَلَيْسَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الْآخِرَةِ وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ فَكَذَلِكَ نَحْنُ وَلَكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمٍ وَلَا حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَا أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِبٍ وَلَا الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ وَلَا الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ وَلَا الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ وَلَا الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ وَلَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَفِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ وَنَعَشْنَا بِهَا الذَّلِيلَ وَلَمَّا أَدْخَلَ اللَّهُ الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً وَأَسْلَمَتْ لَهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ طَوْعاً وَكَرْهاً كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ إِمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً عَلَى حِينَ فَازَ أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ وَذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ فَلَا تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً وَلَا عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا وَالسَّلَامُ.
18- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على البصرة :
وَ اعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ وَمَغْرِسُ الْفِتَنِ فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (376) (1/376)
وَ قَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيمٍ وَغِلْظَتُك عَلَيْهِمْ وَإِنَّ بَنِي تَمِيمٍ لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلَّا طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْمٍ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ وَإِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً وَقَرَابَةً خَاصَّةً نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا وَمَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ رَحِمَكَ اللَّهُ فِيمَا جَرَى عَلَى لِسَانِكَ وَيَدِكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذَلِكَ وَكُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ وَلَا يَفِيلَنَّ رَأْيِي فِيكَ وَالسَّلَامُ.
19- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلًا لِأَنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ وَلَا أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَالرَّأْفَةِ وَامْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَالْإِدْنَاءِ وَالْإِبْعَادِ وَالْإِقْصَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (377) (1/377)
20- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى زياد ابن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة وعبد الله عامل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها :
وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الْأَمْرِ وَالسَّلَامُ.
21- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى زياد أيضا :
فَدَعِ الْإِسْرَافَ مُقْتَصِداً وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ أَ تَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَطْمَعُ وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ وَالْأَرْمَلَةَ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وَقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (378) (1/378)
22- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى وكان عبد اللّه يقول "ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله صلى اللّه عليه وآله، كانتفاعي بهذا الكلام" :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَيَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا وَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلَا تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلَا تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعاً وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
23- ومن كلام له ( عليه السلام ) قاله قبل موته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله :
وَصِيَّتِي لَكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً وَمُحَمَّدٌ ( صلى الله عليه وآله ) فَلَا تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ أَقِيمُوا هَذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ وَأَوْقِدُوا هَذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ وَخَلَاكُمْ ذَمٌّ أَنَا بِالْأَمْسِ صَاحِبُكُمْ وَالْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ وَغَداً مُفَارِقُكُمْ إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ فَاعْفُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَمَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (379) (1/379)
كُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ وَطَالِبٍ وَجَدَ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ.
قال السيد الشريف رضي الله عنه : أقول وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب إلا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره.
24- ومن وصية له ( عليه السلام ) بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين :
هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَالِهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ لِيُولِجَهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَيُعْطِيَهُ بِهِ الْأَمَنَةَ.
مِنْهَا : فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَنٍ حَدَثٌ وَحُسَيْنٌ حَيٌّ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ وَأَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ وَإِنَّ لِابْنَيْ فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذِي لِبَنِي عَلِيٍّ وَإِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذَلِكَ إِلَى ابْنَيْ فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَقُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَتَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ وَتَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ وَيُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَهُدِيَ لَهُ وَأَلَّا يَبِيعَ مِنْ أَوْلَادِ نَخِيلِ هَذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (380) (1/380)
وَ مَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي اللَّاتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ لَهَا وَلَدٌ أَوْ هِيَ حَامِلٌ فَتُمْسَكُ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ مِنْ حَظِّهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ قَدْ أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ وَحَرَّرَهَا الْعِتْقُ.
قال الشريف : قوله ( عليه السلام ) في هذه الوصية وألا يبيع من نخلها ودية الودية الفسيلة وجمعها ودي. وقوله ( عليه السلام ) حتى تشكل أرضها غراسا هو من أفصح الكلام والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها.
25- ومن وصية له ( عليه السلام ) كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات :
قال الشريف : وإنما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنه عليه السلام كان يقيم عماد الحق، ويشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور وكبيرها ودقيقها وجليلها.
انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَلَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً وَلَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَخَلِيفَتُهُ لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا فَلَا تُرَاجِعْهُ وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (381) (1/381)
تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلَا عَنِيفٍ بِهِ وَلَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلَا تُفْزِعَنَّهَا وَلَا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ ثُمَّ اصْدَعِ الْبَاقِيَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ فَإِذَا اخْتَارَ فَلَا تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ فَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ فَاقْبِضْ حَقَّ اللَّهِ مِنْهُ فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلًا حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللَّهِ فِي مَالِهِ وَلَا تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلَا هَرِمَةً وَلَا مَكْسُورَةً وَلَا مَهْلُوسَةً وَلَا ذَاتَ عَوَارٍ وَلَا تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ وَلَا تُوَكِّلْ بِهَا إِلَّا نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً غَيْرَ مُعْنِفٍ وَلَا مُجْحِفٍ وَلَا مُلْغِبٍ وَلَا مُتْعِبٍ ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ أَلَّا يَحُولَ بَيْنَ نَاقَةٍ وَبَيْنَ فَصِيلِهَا وَلَا يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ [فَيُضِرَّ] ذَلِكَ بِوَلَدِهَا وَلَا يَجْهَدَنَّهَا رُكُوباً وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَبَيْنَهَا وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللَّاغِبِ وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّ بِهِ مِنَ الْغُدُرِ وَلَا يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الْأَرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ وَلْيُرَوِّحْهَا فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (382) (1/382)
السَّاعَاتِ وَلْيُمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالْأَعْشَابِ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللَّهِ بُدَّناً مُنْقِيَاتٍ غَيْرَ مُتْعَبَاتٍ وَلَا مَجْهُودَاتٍ لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
26- ومن عهد له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة :
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لَا شَهِيدَ غَيْرُهُ وَلَا وَكِيلَ دُونَهُ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَعْمَلَ بِشَيْ ءٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلَانِيَتُهُ وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى الْأَمَانَةَ وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ وَأَمَرَهُ أَلَّا يَجْبَهَهُمْ وَلَا يَعْضَهَهُمْ وَلَا يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ الْإِخْوَانُ فِي الدِّينِ وَالْأَعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَإِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَحَقّاً مَعْلُوماً وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ وَإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَإِلَّا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (383) (1/383)
وَ بُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ وَالْغَارِمُونَ وَابْنُ السَّبِيلِ وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ وَلَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الْأُمَّةِ وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَامُ.
27- ومن عهد له ( عليه السلام ) إلى محمد بن أبي بكر رضي الله عنه حين قلده مصر :
فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ وَلَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِيرَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ وَإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَلَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ سَكَنُوا الدُّنْيَا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ وَأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ فَحَظُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ وَأَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ وَالْمَتْجَرِ الرَّابِحِ أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (384) (1/384)
جِيرَانُ اللَّهِ غَداً فِي آخِرَتِهِمْ لَا تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ وَلَا يَنْقُصُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ لَذَّةٍ فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَخَطْبٍ جَلِيلٍ بِخَيْرٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً أَوْ شَرٍّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلِهَا وَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ مِنْ عَامِلِهَا وَأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَهُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ وَالدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ فَاحْذَرُوا نَاراً قَعْرُهَا بَعِيدٌ وَحَرُّهَا شَدِيدٌ وَعَذَابُهَا جَدِيدٌ دَارٌ لَيْسَ فِيهَا رَحْمَةٌ وَلَا تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ وَلَا تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَةٌ وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللَّهِ وَأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِهِ فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً بِاللَّهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفاً لِلَّهِ وَاعْلَمْ يَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْرَ فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ وَلَا تُسْخِطِ اللَّهَ بِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَإِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفاً مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا الْمُؤَقَّتِ لَهَا وَلَا تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغٍ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (385) (1/385)
تُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لِاشْتِغَالٍ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْ ءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلَاتِكَ.
وَ مِنْهُ : فَإِنَّهُ لَا سَوَاءَ إِمَامُ الْهُدَى وَإِمَامُ الرَّدَى وَوَلِيُّ النَّبِيِّ وَعَدُوُّ النَّبِيِّ وَلَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) إِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَلَا مُشْرِكاً أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللَّهُ بِإِيمَانِهِ وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اللَّهُ بِشِرْكِهِ وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ الْجَنَانِ عَالِمِ اللِّسَانِ يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَيَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ.
28- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية جوابا :
قال الشريف : وهو من محاسن الكتب.
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) لِدِينِهِ وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (386) (1/386)
كُلُّهُ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا أَ لَا تَرْبَعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ وَلَا ظَفَرُ الظَّافِرِ وَإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ أَ لَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ أَ وَلَا تَرَى أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ وَلَوْ لَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلَا عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (387) (1/387)
أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا فَنَكَحْنَا وَأَنْكَحْنَا فِعْلَ الْأَكْفَاءِ وَلَسْتُمْ هُنَاكَ وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الْأَحْلَافِ وَمِنَّا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ وَمِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ فِي كَثِيرٍ مِمَّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ فَإِسْلَامُنَا قَدْ سُمِعَ وَجَاهِلِيَّتُنَا لَا تُدْفَعُ وَكِتَابُ اللَّهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ وَتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ وَلَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَلَجُوا عَلَيْهِمْ فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالْأَنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ.
وَ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.
وَ قُلْتَ : إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الْمَخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (388) (1/388)
وَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَةٍ فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ وَلَا مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ وَهَذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا وَلَكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ عُثْمَانَ فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هَذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ وَأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ أَ مَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَاسْتَكَفَّهُ أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ كَلَّا وَاللَّهِ لَ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا. وَمَا كُنْتُ لِأَعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَهِدَايَتِي لَهُ فَرُبَّ مَلُومٍ لَا ذَنْبَ لَهُ.
وَ قَدْ يَسْتَفِيدُ الظِّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ.
وَ مَا أَرَدْتُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وَذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَلِأَصْحَابِي عِنْدَكَ إِلَّا السَّيْفُ فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (389) (1/389)
بَعْدَ اسْتِعْبَارٍ مَتَى أَلْفَيْتَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِلِينَ وَبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ.
فَلَبِّثْ قَلِيلًا يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ.
فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ وَأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ وَقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
29- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل البصرة :
وَ قَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ وَرَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ وَقَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ وَسَفَهُ الْآرَاءِ الْجَائِرَةِ إِلَى مُنَابَذَتِي وَخِلَافِي فَهَا أَنَا ذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي وَرَحَلْتُ رِكَابِي وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (390) (1/390)
إِلَيْكُمْ لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لَا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلَّا كَلَعْقَةِ لَاعِقٍ مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ وَلِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ وَلَا نَاكِثاً إِلَى وَفِيٍّ.
30- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا لَدَيْكَ وَانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ وَارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلَاماً وَاضِحَةً وَسُبُلًا نَيِّرَةً وَمَحَجَّةً نَهْجَةً وَغَايَةً مُطَّلَبَةً يَرِدُهَا الْأَكْيَاسُ وَيُخَالِفُهَا الْأَنْكَاسُ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ وَخَبَطَ فِي التِّيهِ وَغَيَّرَ اللَّهُ نِعْمَتَهُ وَأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ سَبِيلَكَ وَحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ وَمَحَلَّةِ كُفْرٍ فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً وَأَقْحَمَتْكَ غَيّاً وَأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ وَأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (391) (1/391)
31- ومن وصية له ( عليه السلام ) للحسن بن علي ( عليه السلام ) كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفين :
مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ الْمُسْتَسْلِمِ لِلدُّنْيَا السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى وَالظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لَا يُدْرِكُ السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ غَرَضِ الْأَسْقَامِ وَرَهِينَةِ الْأَيَّامِ وَرَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ وَعَبْدِ الدُّنْيَا وَتَاجِرِ الْغُرُورِ وَغَرِيمِ الْمَنَايَا وَأَسِيرِ الْمَوْتِ وَحَلِيفِ الْهُمُومِ وَقَرِينِ الْأَحْزَانِ وَنُصُبِ الْآفَاتِ وَصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ وَخَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَيَّ مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ وَالِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَا يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ وَصِدْقٍ لَا يَشُوبُهُ كَذِبٌ وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي فَعَنَانِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (392) (1/392)
مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَيْ بُنَيَّ وَلُزُومِ أَمْرِهِ وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَأَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ وَحَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ وَلَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ وَدَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَالْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَلَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (393) (1/393)
لَوْمَةُ لَائِمٍ وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُرُ فِي الْحَقِّ وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ وَمَانِعٍ عَزِيزٍ وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ وَأَكْثِرِ الِاسْتِخَارَةَ وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي وَلَا تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ وَأَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ وَإِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ ءٍ قَبِلَتْهُ فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ أَيْ بُنَيَّ إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي فَقَدْ نَظَرْتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (394) (1/394)
فِي أَعْمَالِهِمْ وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ نَخِيلَهُ وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ ذُو نِيَّةٍ سَلِيمَةٍ وَنَفْسٍ صَافِيَةٍ وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ لَا أُجَاوِزُ ذَلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِحْكَامُ ذَلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلَامِكَ إِلَى أَمْرٍ لَا آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللَّهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ وَأَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هَذِهِ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللَّهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالْأَخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ وَفَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ ثُمَّ رَدَّهُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (395) (1/395)
آخِرُ ذَلِكَ إِلَى الْأَخْذِ بِمَا عَرَفُوا وَالْإِمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذَلِكَ بِتَفَهُّمٍ وَتَعَلُّمٍ لَا بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ وَعُلَقِ الْخُصُومَاتِ وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذَلِكَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِإِلَهِكَ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَةٍ أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَةٍ أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلَالَةٍ فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ وَتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذَلِكَ هَمّاً وَاحِداً فَانْظُرْ فِيمَا فَسَّرْتُ لَكَ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ وَلَيْسَ طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ وَالْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ أَمْثَلُ فَتَفَهَّمْ يَا بُنَيَّ وَصِيَّتِي وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلَّا عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ وَالِابْتِلَاءِ وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لَا تَعْلَمُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْ ءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِهِ جَاهِلًا ثُمَّ عُلِّمْتَ وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الْأَمْرِ وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (396) (1/396)
خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ ( صلى الله عليه وآله ) فَارْضَ بِهِ رَائِداً وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِداً فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لَأَتَتْكَ رُسُلُهُ وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ وَلَكِنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ لَا يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ وَلَا يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ أَوَّلٌ قَبْلَ الْأَشْيَاءِ بِلَا أَوَّلِيَّةٍ وَآخِرٌ بَعْدَ الْأَشْيَاءِ بِلَا نِهَايَةٍ عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ وَكَثْرَةِ عَجْزِهِ وعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلَّا بِحَسَنٍ وَلَمْ يَنْهَكَ إِلَّا عَنْ قَبِيحٍ يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَحَالِهَا وَزَوَالِهَا وَانْتِقَالِهَا وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الْآخِرَةِ وَمَا أُعِدَّ لِأَهْلِهَا فِيهَا وَضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (397) (1/397)
الْأَمْثَالَ لِتَعْتَبِرَ بِهَا وَتَحْذُوَ عَلَيْهَا إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ فَأَمُّوا مَنْزِلًا خَصِيباً وَجَنَاباً مَرِيعاً فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ وَخُشُونَةَ السَّفَرِ وَجُشُوبَةَ المَطْعَمِ لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَلَماً وَلَا يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً وَلَا شَيْ ءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانُوا بِمَنْزِلٍ خَصِيبٍ فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِلٍ جَدِيبٍ فَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلَا أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ وَلَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَلَا تَقُلْ مَا لَا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ وَآفَةُ الْأَلْبَابِ فَاسْعَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (398) (1/398)
فِي كَدْحِكَ وَلَا تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَأَنَّهُ لَا غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الِارْتِيَادِ وَقَدْرِ بَلَاغِكَ مِنَ الزَّادِ مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ فَلَا تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ فَيَكُونَ ثِقْلُ ذَلِكَ وَبَالًا عَلَيْكَ وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلَا تَجِدُهُ وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَئُوداً الْمُخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمُثْقِلِ وَالْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالًا مِنَ الْمُسْرِعِ وَأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لَا مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّةٍ أَوْ عَلَى نَارٍ فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ وَوَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ وَلَا إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (399) (1/399)
وَ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى وَلَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَةِ وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ وَبَابَ الِاسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ ءَ فَلَا تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (400) (1/400)
لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَلَا تَبْقَى لَهُ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلْآخِرَةِ لَا لِلدُّنْيَا وَلِلْفَنَاءِ لَا لِلْبَقَاءِ وَلِلْمَوْتِ لَا لِلْحَيَاةِ وَأَنَّكَ فِي قُلْعَةٍ وَدَارِ بُلْغَةٍ وَطَرِيقٍ إِلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لَا يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ وَلَا يَفُوتُهُ طَالِبُهُ وَلَا بُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَالٍ سَيِّئَةٍ قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ.
ذكر الموت
يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ وَلَا يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلَادِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا فَقَدْ نَبَّأَكَ اللَّهُ عَنْهَا وَنَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلَابٌ عَاوِيَةٌ وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا سُرُوحُ عَاهَةٍ بِوَادٍ وَعْثٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (401) (1/401)
لَيْسَ لَهَا رَاعٍ يُقِيمُهَا وَلَا مُسِيمٌ يُسِيمُهَا سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى وَأَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا وَاتَّخَذُوهَا رَبّاً فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا.
الترفق في الطلب
رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلَامُ كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الْأَظْعَانُ يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً وَيَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَرَبٍ وَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ وَلَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُومٍ وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ وَيُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (402) (1/402)
الْهَلَكَةِ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَآخِذٌ سَهْمَكَ وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ.
وصايا شتى
وَ تَلَافِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ وَحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ وَرُبَّ سَاعٍ فِيمَا يَضُرُّهُ مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ وَظُلْمُ الضَّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً وَالدَّاءُ دَوَاءً وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ وَإِيَّاكَ وَالِاتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ وَلَا كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَّادِ وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ التَّاجِرُ مُخَاطِرٌ وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ لَا خَيْرَ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (403) (1/403)
مُعِينٍ مَهِينٍ وَلَا فِي صَدِيقٍ ظَنِينٍ سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ وَلَا تُخَاطِرْ بِشَيْ ءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَّطَفِ وَالْمُقَارَبَةِ وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً وَلَا أَلَذَّ مَغَبَّةً وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذَلِكَ يَوْماً مَا وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ وَلَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالًا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ وَلَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ وَلَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ وَلَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَى الْإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الْإِحْسَانِ وَلَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (404) (1/404)
ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ فَإِنَّ الْأُمُورَ أَشْبَاهٌ وَلَا تَكُونَنَّ مِمَّنْ لَا تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلَّا إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلَامِهِ فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالْآدَابِ وَالْبَهَائِمَ لَا تَتَّعِظُ إِلَّا بِالضَّرْبِ. اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ وَالْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى وَرُبَّ بَعِيدٍ أَقْرَبُ مِنْ قَرِيبٍ وَقَرِيبٍ أَبْعَدُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ وَأَوْثَقُ سَبَبٍ أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلَاكاً لَيْسَ كُلُّ عَوْرَةٍ تَظْهَرُ وَلَا كُلُّ فُرْصَةٍ تُصَابُ وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ وَأَصَابَ الْأَعْمَى رُشْدَهُ أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (405) (1/405)
الْعَاقِلِ مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً وَإِنْ حَكَيْتَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِكَ.
الرأي في المرأة
وَ إِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ عَلَيْهِنَّ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ وَلَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَلَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ وَلَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا وَلَا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا وَإِيَّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ خَدَمِكَ عَمَلًا تَأْخُذُهُ بِهِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلَّا يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ وَأَكْرِمْ عَشِيرَتَكَ فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ وَيَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (406) (1/406)
دعاء
اسْتَوْدِعِ اللَّهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ وَاسْأَلْهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالسَّلَامُ.
32- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
وَ أَرْدَيْتَ جِيلًا مِنَ النَّاسِ كَثِيراً خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ وَأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ وَتَتَلَاطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ فَجَازُوا عَنْ وِجْهَتِهِمْ وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ وَتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ وَعَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ إِلَّا مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ وَهَرَبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ وَعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ وَجَاذِبِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ وَالْآخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ وَالسَّلَامُ.
33- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (407) (1/407)
وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْعُمْيِ الْقُلُوبِ الصُّمِّ الْأَسْمَاعِ الْكُمْهِ الْأَبْصَارِ الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَيُطِيعُونَ الْمَخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَيَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ وَيَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ وَلَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلَّا عَامِلُهُ وَلَا يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلَّا فَاعِلُهُ فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ وَالنَّاصِحِ اللَّبِيبِ التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ الْمُطِيعِ لِإِمَامِهِ وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ وَلَا تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً وَلَا عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلًا وَالسَّلَامُ.
34- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر، ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِيحِ الْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ وَإِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ فِي الْجَهْدَ وَلَا ازْدِيَاداً لَكَ فِي الْجِدِّ وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَأَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلَايَةً إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلًا لَنَا نَاصِحاً وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً فَرَحِمَهُ اللَّهُ فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ وَلَاقَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (408) (1/408)
حِمَامَهُ وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ أَوْلَاهُ اللَّهُ رِضْوَانَهُ وَضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ وَامْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ وَشَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ وَادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ وَأَكْثِرِ الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ وَيُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
35- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدِ اسْتُشْهِدَ فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً وَعَامِلًا كَادِحاً وَسَيْفاً قَاطِعاً وَرُكْناً دَافِعاً وَقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ وَأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَدَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَجَهْراً وَعَوْداً وَبَدْءاً فَمِنْهُمُ الْآتِي كَارِهاً وَمِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِباً وَمِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلًا أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلًا فَوَاللَّهِ لَوْ لَا طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ وَتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّةِ لَأَحْبَبْتُ أَلَّا أَلْقَى مَعَ هَؤُلَاءِ يَوْماً وَاحِداً وَلَا أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (409) (1/409)
36- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أخيه عقيل بن أبي طالب في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل :
فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثِيفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ شَمَّرَ هَارِباً وَنَكَصَ نَادِماً فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَقَدْ طَفَّلَتِ الشَّمْسُ لِلْإِيَابِ فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلَا وَلَا فَمَا كَانَ إِلَّا كَمَوْقِفِ سَاعَةٍ حَتَّى نَجَا جَرِيضاً بَعْدَ مَا أُخِذَ مِنْهُ بِالْمُخَنَّقِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ الرَّمَقِ فَلَأْياً بِلَأْيٍ مَا نَجَا فَدَعْ عَنْكَ قُرَيْشاً وَتَرْكَاضَهُمْ فِي الضَّلَالِ وَتَجْوَالَهُمْ فِي الشِّقَاقِ وَجِمَاحَهُمْ فِي التِّيهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَبْلِي فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَسَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأْيِي فِي الْقِتَالِ فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ الْمُحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ لَا يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً وَلَا تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً وَلَا تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً وَلَا مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً وَلَا سَلِسَ الزِّمَامِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (410) (1/410)
لِلْقَائِدِ وَلَا وَطِي ءَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ الْمُتَقَعِّدِ وَلَكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيمٍ.
فَإِنْ تَسْأَلِينِي كَيْفَ أَنْتَ فَإِنَّنِي صَبُورٌ عَلَى رَيْبِ الزَّمَانِ صَلِيبُ يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ فَيَشْمَتَ عَادٍ أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ.
37- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلْأَهْوَاءَ الْمُبْتَدَعَةِ وَالْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ وَاطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ طِلْبَةٌ وَعَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ عَلَى عُثْمَانَ وَقَتَلَتِهِ فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ وَخَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ وَالسَّلَامُ.
38- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر:
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبُوا لِلَّهِ حِينَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (411) (1/411)
عُصِيَ فِي أَرْضِهِ وَذُهِبَ بِحَقِّهِ فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُقِيمِ وَالظَّاعِنِ فَلَا مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ وَلَا مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَا يَنَامُ أَيَّامَ الْخَوْفِ وَلَا يَنْكُلُ عَنِ الْأَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرِيقِ النَّارِ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيمَا طَابَقَ الْحَقَّ فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ لَا كَلِيلُ الظُّبَةِ وَلَا نَابِي الضَّرِيبَةِ فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا وَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فَأَقِيمُوا فَإِنَّهُ لَا يُقْدِمُ وَلَا يُحْجِمُ وَلَا يُؤَخِّرُ وَلَا يُقَدِّمُ إِلَّا عَنْ أَمْرِي وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ وَشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ.
39- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عمرو بن العاص :
فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ ظَاهِرٍ غَيُّهُ مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ وَيُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ وَطَلَبْتَ فَضْلَهُ اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ وَيَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ وَلَوْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (412) (1/412)
بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ فَإِنْ يُمَكِّنِّي اللَّهُ مِنْكَ وَمِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا وَإِنْ تُعْجِزَا وَتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا وَالسَّلَامُ.
40- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ وَالسَّلَامُ.
41- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَمُوَازَرَتِي وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ إِلَيَّ فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (413) (1/413)
قَدْ كَلِبَ وَالْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وَأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ وَهَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وَشَغَرَتْ قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ وَخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ وَخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ فَلَا ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ وَلَا الْأَمَانَةَ أَدَّيْتَ وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللَّهَ تُرِيدُ بِجِهَادِكَ وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الْأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لِأَرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الْأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةَ فَحَمَلْتَهُ إِلَى الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِهِ كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَيْرِكَ حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَسُبْحَانَ اللَّهِ أَ مَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ أَ وَمَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وَتَشْرَبُ حَرَاماً وَتَبْتَاعُ الْإِمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ الَّذِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ وَأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْكَ لَأُعْذِرَنَّ إِلَى اللَّهِ فِيكَ وَلَأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلَّا دَخَلَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (414) (1/414)
النَّارَ وَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلَا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ وَلَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلَالٌ لِي أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.
42- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي وكان عامله على البحرين، فعزله، واستعمل نعمان بن عجلان الزّرقي مكانه :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ النُّعْمَانَ بْنِ عَجْلَانَ الزُّرَقِيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَنَزَعْتُ يَدَكَ بِلَا ذَمٍّ لَكَ وَلَا تَثْرِيبٍ عَلَيْكَ فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلَايَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِينٍ وَلَا مَلُومٍ وَلَا مُتَّهَمٍ وَلَا مَأْثُومٍ فَلَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ وَإِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ إِنْ شَاءَ اللَّه ُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (415) (1/415)
43- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامله على أردشير خُرة :
بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ ءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ وَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا أَلَا وَإِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَقِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هَذَا الْفَيْ ءِ سَوَاءٌ يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ وَيَصْدُرُونَ عَنْهُ.
44- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى زياد ابن أبيه وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه :
وَ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأْتِي الْمَرْءَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (416) (1/416)
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ لَا يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ وَالنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ.
فَلَمَّا قَرَأَ زِيَادٌ الْكِتَابَ قَالَ : شَهِدَ بِهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَلَمْ تَزَلْ فِي نَفْسِهِ حَتَّى ادَّعَاهُ مُعَاوِيَةُ.
قال الرضي : قوله ( عليه السلام ) الواغل هو الذي يهجم على الشرب ليشرب معهم وليس منهم فلا يزال مدفعا محاجزا والنوط المذبذب هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره.
45- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وكان عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله :
أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (417) (1/417)
مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَلَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَلَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَلَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَلَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَلَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى وَأَوْهَنُ مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ وَنِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ وَمَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَغَيْرِ فَدَكٍ وَالنَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَتَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَحُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَأَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَالْمَدَرُ وَسَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَتَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَلَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (418) (1/418)
الْعَسَلِ وَلُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَنَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ * وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ
أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَالنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَأَبْطَأُ خُمُوداً. وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَالذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَاللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَلَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وَسَأَجْهَدُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (419) (1/419)
فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَالْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ.
وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ، وَهُوَ آخِرُهُ :
إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَقَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَأُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي وَمُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَلَا صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَالسَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَلَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَلَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (420) (1/420)
نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ.
46- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى بعض عماله :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الْأَثِيمِ وَأَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الْمَخُوفِ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ وَاخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (421) (1/421)
وَ ارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ وَاعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ وَاخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالتَّحِيَّةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ وَلَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ وَالسَّلَامُ.
47- ومن وصية له ( عليه السلام ) للحسن والحسين ( عليهما السلام ) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله :
أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا وَلَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا وَقُولَا بِالْحَقِّ وَاعْمَلَا لِلْأَجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ( صلى الله عليه وآله ) يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ اللَّهَ اللَّهَ فِي الْأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَلَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (422) (1/422)
وَ اللَّهَ اللَّهَ فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ وَاللَّهَ اللَّهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ لَا تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا وَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ وَالتَّبَاذُلِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ.
ثُمَّ قَالَ : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا تَقْتُلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَلَا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (423) (1/423)
48- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
فَإِنَّ الْبَغْيَ وَالزُّورَ يُوتِغَانِ الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِكٍ مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ وَقَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اللَّهِ فَأَكْذَبَهُمْ فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ وَيَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ وَقَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا وَلَكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ وَالسَّلَامُ.
49- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية أيضا :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلَّا فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا وَلَهَجاً بِهَا وَلَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ وَنَقْضُ مَا أَبْرَمَ وَلَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (424) (1/424)
50- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أمرائه على الجيش :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلَّا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَلَا طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ أَلَا وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلَّا أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلَّا فِي حَرْبٍ وَلَا أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلَّا فِي حُكْمٍ وَلَا أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَلَا أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ وَأَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ وَلِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ وَأَلَّا تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَلَا تُفَرِّطُوا فِي صَلَاحٍ وَأَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ وَلَا يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (425) (1/425)
51- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عماله على الخراج :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ وَأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا لَا عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ وَوُكَلَاءُ الْأُمَّةِ وَسُفَرَاءُ الْأَئِمَّةِ وَلَا تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَلَا تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ وَلَا تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ وَلَا دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا وَلَا عَبْداً وَلَا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ وَلَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ وَلَا مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلَاحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ وَلَا تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً وَلَا الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ وَلَا الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً وَلَا دِينَ اللَّهِ قُوَّةً وَأَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (426) (1/426)
وَ عِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا وَأَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
52- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة :
أَمَّا بَعْدُ فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِي ءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ وَصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْوٍ مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ وَصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ وَيَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنًى وَصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَصَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ وَالرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ وَصَلُّوا بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ وَلَا تَكُونُوا فَتَّانِينَ.
53- ومن كتاب له ( عليه السلام ) كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (427) (1/427)
فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَجِهَادَ عَدُوِّهَا وَاسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَعِمَارَةَ بِلَادِهَا أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَلَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا وَأَنْ يَنْصُرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِقَلْبِهِ وَيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَيَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ أَنِّي قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلَادٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ مِنْ عَدْلٍ وَجَوْرٍ وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحِينَ بِمَا يُجْرِي اللَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَامْلِكْ هَوَاكَ وَشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الْإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (428) (1/428)
مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَلَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَيَفِي ءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللَّهِ فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّارٍ وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَالٍ أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (429) (1/429)
وَ كَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ أَطْلَبُهُمْ لِمَعَايِبِ النَّاسِ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا فَلَا تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ وَاللَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْدٍ وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْرٍ وَتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَضِحُ لَكَ وَلَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (430) (1/430)
تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاعٍ فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ وَلَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ وَلَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الْأُمُورِ وَلَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَلَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلَاتِكَ ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَلَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِي ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (431) (1/431)
تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ وَأَلْزِمْ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَتَخْفِيفِهِ الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلَاؤُكَ عِنْدَهُ وَلَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الْأُلْفَةُ وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ وَلَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْ ءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ فَيَكُونَ الْأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لَا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَلَا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اللَّهِ وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ وَمِنْهَا عُمَّالُ الْإِنْصَافِ وَالرِّفْقِ وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (432) (1/432)
وَ مِنْهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اللَّهِ حُصُونُ الرَّعِيَّةِ وَزَيْنُ الْوُلَاةِ وَعِزُّ الدِّينِ وَسُبُلُ الْأَمْنِ وَلَيْسَ تَقُومُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِهِمْ ثُمَّ لَا قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلَّا بِمَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ الَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ ثُمَّ لَا قِوَامَ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ إِلَّا بِالصِّنْفِ الثَّالِثِ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ وَيَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا وَلَا قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلَّا بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ التَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مَا لَا يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ ثُمَّ الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْمَسْكَنَةِ الَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ وَفِي اللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَلِكُلٍّ عَلَى الْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَلَيْسَ يَخْرُجُ الْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالِاهْتِمَامِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ فَوَلِّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِإِمَامِكَ وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (433) (1/433)
مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ وَيَنْبُو عَلَى الْأَقْوِيَاءِ وَمِمَّنْ لَا يُثِيرُهُ الْعُنْفُ وَلَا يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالْأَحْسَابِ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا وَلَا يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْ ءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ وَلَا تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ وَلَا تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالًا عَلَى جَسِيمِهَا فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ وَلْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَيَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلَاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلَادِ وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ وإِنَّهُ لَا تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلَّا بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ وَلَا تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلَّا بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ وَتَرْكِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (434) (1/434)
اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلَاءِ مِنْهُمْ فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى وَلَا تَضُمَّنَّ بَلَاءَ امْرِئٍ إِلَى غَيْرِهِ وَلَا تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلَائِهِ وَلَا يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ صَغِيراً وَلَا ضَعَةُ امْرِئٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلَائِهِ مَا كَانَ عَظِيماً وَارْدُدْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ وَيَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الْأُمُورِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْمٍ أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ الْأَخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ الْأَخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَلَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (435) (1/435)
الْخَصْمِ وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (436) (1/436)
عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ فَإِنَّ فِي صَلَاحِهِ وَصَلَاحِهِمْ صَلَاحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ وَلَا صَلَاحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلَّا بِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ وَلَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِكَ بِهِمْ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (437) (1/437)
أَهْلِهَا وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَايِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ مِمَّنْ لَا تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلَافٍ لَكَ بِحَضْرَةِ مَلَإٍ وَلَا تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمِّالِكَ عَلَيْكَ وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ فِيمَا يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ وَلَا يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إِطْلَاقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ وَلَا يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الْأُمُورِ فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيْ ءٌ وَلَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلَّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (438) (1/438)
ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ وَحَيْثُ لَا يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَلَا يَجْتَرِءُونَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لَا تُخَافُ بَائِقَتُهُ وَصُلْحٌ لَا تُخْشَى غَائِلَتُهُ وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بِحَضْرَتِكَ وَفِي حَوَاشِي بِلَادِكَ وَاعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً وَشُحّاً قَبِيحاً وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) مَنَعَ مِنْهُ وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً وَاحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى وَكُلٌّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (439) (1/439)
قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَلَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَلَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (440) (1/440)
وَ الْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَيُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَأَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلَّهِ دِينَكَ إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً فَأَعْطِ اللَّهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كَامِلًا غَيْرَ مَثْلُومٍ وَلَا مَنْقُوصٍ بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ لِلنَّاسِ فَلَا تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلَا مُضَيِّعاً فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الْيَمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ فَقَالَ صَلِّ بِهِمْ كَصَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (441) (1/441)
وَ أَمَّا بَعْدُ فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ وَالِاحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لَا يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ أَوْ فِعْلٍ كَرِيمٍ تُسْدِيهِ أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لَا مَئُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَةٍ أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَلَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَلَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (442) (1/442)
مُحْتَسِباً وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ وَابْتَغِ عَاقِبَتَهُ بِمَا يَثْقُلُ عَلَيْكَ مِنْهُ فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَةٌ وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ وَاعْدِلْ عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَلَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ ولِلَّهِ فِيهِ رِضًا فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ وَأَمْناً لِبِلَادِكَ وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ وَاتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالْأَمَانَةِ وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ وَلَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ وَلَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (443) (1/443)
مَنَعَتِهِ وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ فَلَا إِدْغَالَ وَلَا مُدَالَسَةَ وَلَا خِدَاعَ فِيهِ وَلَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ وَلَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ وَلَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَلَا آخِرَتَكَ إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْ ءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَلَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَلَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ وَلَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً فَلَا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ بِنَفْسِكَ وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا وَحُبَّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (444) (1/444)
الْإِطْرَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لِيَمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الْمُحْسِنِينَ وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ أَوِ التَّزَيُّدَ فِيمَا كَانَ مِنْ فِعْلِكَ أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الْإِحْسَانَ وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالْأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ فَضَعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْضِعَهُ وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْرٍ مَوْقِعَهُ وَإِيَّاكَ وَالِاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ وَعَمَّا قَلِيلٍ تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الْأُمُورِ وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ وَسَوْرَةَ حَدِّكَ وَسَطْوَةَ يَدِكَ وَغَرْبَ لِسَانِكَ وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ وَلَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (445) (1/445)
وَ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِيِّنَا ( صلى الله عليه وآله ) أَوْ فَرِيضَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلَا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ وَجَمِيلِ الْأَثَرِ فِي الْبِلَادِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً وَالسَّلَامُ.
54- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى طلحة والزبير (مع عمران بن الحصين الخزاعي) ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وَإِنْ كَتَمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي وَلَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي وَإِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَبَايَعَنِي وَإِنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَلَا لِعَرَضٍ حَاضِرٍ فَإِنْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (446) (1/446)
كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَيْنِ فَارْجِعَا وَتُوبَا إِلَى اللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وَإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ وَلَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ وَالْكِتْمَانِ وَإِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ عَلَيْكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ وَقَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا فَإِنَّ الْآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ وَالنَّارُ وَالسَّلَامُ.
55- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا وَابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا وَلَا بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا وَقَدِ ابْتَلَانِي اللَّهُ بِكَ وَابْتَلَاكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَلَا لِسَانِي وَعَصَيْتَهُ أَنْتَ وَأَهْلُ الشَّامِ بِي وَأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وَقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (447) (1/447)
فَاتَّقِ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ وَاصْرِفْ إِلَى الْآخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللَّهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ تَمَسُّ الْأَصْلَ وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللَّهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَةٍ لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَإِيَّاكَ جَوَامِعُ الْأَقْدَارِ لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
56- ومن وصية له ( عليه السلام ) وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام :
اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَلَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَلِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً.
57- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً وَإِمَّا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (448) (1/448)
مَظْلُوماً وَإِمَّا بَاغِياً وَإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ وَإِنِّي أُذَكِّرُ اللَّهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وَإِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي.
58- ومن كتاب له ( عليه السلام ) كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين :
وَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ وَنَبِيَّنَا وَاحِدٌ وَدَعْوَتَنَا فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلَا يَسْتَزِيدُونَنَا الْأَمْرُ وَاحِدٌ إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ حَتَّى يَشْتَدَّ الْأَمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَرَكَدَتْ وَوَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَإِيَّاهُمْ وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَفِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا وَسَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنَ الْهَلَكَةِ وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (449) (1/449)
الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.
59- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْ ءٌ أَبَداً وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَالسَّلَامُ.
60- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَنْ مَرَّ بِهِ الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ وَعُمَّالِ الْبِلَادِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (450) (1/450)
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ سَيَّرْتُ جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ الْأَذَى وَصَرْفِ الشَّذَا وَأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ إِلَّا مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ لَا يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَى شِبَعِهِ فَنَكِّلُوا مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَارَّتِهِمْ وَالتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اسْتَثْنَيْنَاهُ مِنْهُمْ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ وَمَا عَرَاكُمْ مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا لَا تُطِيقُونَ دَفْعَهُ إِلَّا بِاللَّهِ وَبِي فَأَنَا أُغَيِّرُهُ بِمَعُونَةِ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
61- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى كميل بن زياد النخعي وهو عامله على هيت، ينكر عليه تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ مَا وُلِّيَ وَتَكَلُّفَهُ مَا كُفِيَ لَعَجْزٌ حَاضِرٌ وَرَأْيٌ مُتَبَّرٌ وَإِنَّ تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا وَتَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ الَّتِي وَلَّيْنَاكَ لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا وَلَا يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ غَيْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ وَلَا مَهِيبِ الْجَانِبِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (451) (1/451)
وَ لَا سَادٍّ ثُغْرَةً وَلَا كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً وَلَا مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِهِ وَلَا مُجْزٍ عَنْ أَمِيرِهِ.
62- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَمُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَلَمَّا مَضَى ( عليه السلام ) تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ يُبَايِعُونَهُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (452) (1/452)
وَ مِنْهُ : إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلَاعُ الْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلَا اسْتَوْحَشْتُ وَإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ لَمُشْتَاقٌ وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ وَلَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللَّهِ دُوَلًا وَعِبَادَهُ خَوَلًا وَالصَّالِحِينَ حَرْباً وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ وَجُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ فَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ وَتَأْنِيبَكُمْ وَجَمْعَكُمْ وَتَحْرِيضَكُمْ وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَوَنَيْتُمْ أَ لَا تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ وَإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ وَإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى وَإِلَى بِلَادِكُمْ تُغْزَى انْفِرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ وَلَا تَثَّاقَلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ وَتَبُوءُوا بِالذُّلِّ وَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (453) (1/453)
63- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم لحرب أصحاب الجمل :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَعَلَيْكَ فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ وَاشْدُدْ مِئْزَرَكَ وَاخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ وَانْدُبْ مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ وَإِنْ تَفَشَّلْتَ فَابْعُدْ وَايْمُ اللَّهِ لَتُؤْتَيَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ وَلَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ وَذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وَحَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ وَتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ وَمَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتِي تَرْجُو وَلَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا وَيُذَلَّلُّ صَعْبُهَا وَيُسَهَّلُ جَبَلُهَا فَاعْقِلْ عَقْلَكَ وَامْلِكْ أَمْرَكَ وَخُذْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَلَا فِي نَجَاةٍ فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَيَنَّ وَأَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ وَمَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (454) (1/454)
64- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية جواباً :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا وَكَفَرْتُمْ وَالْيَوْمَ أَنَّا اسْتَقَمْنَا وَفُتِنْتُمْ وَمَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً وَبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الْإِسْلَامِ كُلُّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) حِزْباً وَذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَشَرَّدْتُ بِعَائِشَةَ وَنَزَلْتُ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ وَذَلِكَ أَمْرٌ غِبْتَ عَنْهُ فَلَا عَلَيْكَ وَلَا الْعُذْرُ فِيهِ إِلَيْكَ وَذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَجَلٌ فَاسْتَرْفِهْ فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ مِنْكَ وَإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ :
مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ * بِحَاصِبٍ بَيْنَ أَغْوَارٍ وَجُلْمُودِ
وَ عِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُهُ بِجَدِّكَ وَخَالِكَ وَأَخِيكَ فِي
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (455) (1/455)
مَقَامٍ وَاحِدٍ وَإِنَّكَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ الْأَغْلَفُ الْقَلْبِ الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ لَا لَكَ لِأَنَّكَ نَشَدْتَ غَيْرَ ضَالَّتِكَ وَرَعَيْتَ غَيْرَ سَائِمَتِكَ وَطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا فِي مَعْدِنِهِ فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ وَقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وَأَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ وَتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَى الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ حَيْثُ عَلِمْتَ لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً وَلَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً بِوَقْعِ سُيُوفٍ مَا خَلَا مِنْهَا الْوَغَى وَلَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى وَقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ ثُمَّ حَاكِمِ الْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وَإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ وَالسَّلَامُ لِأَهْلِهِ.
65- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إليه أيضا :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الْأُمُورِ فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ بِادِّعَائِكَ الْأَبَاطِيلَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (456) (1/456)
وَ اقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَالْأَكَاذِيبِ وَبِانْتِحَالِكَ مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ وَابْتِزَازِكَ لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ دُونَكَ فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ وَجُحُوداً لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ وَدَمِكَ مِمَّا قَدْ وَعَاهُ سَمْعُكَ وَمُلِئَ بِهِ صَدْرُكَ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِينُ وَبَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ وَاشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا وَأَغْشَتِ الْأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا وَقَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِينَ مِنَ الْقَوْلِ ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ وَأَسَاطِيرَ لَمْ يَحُكْهَا مِنْكَ عِلْمٌ وَلَا حِلْمٌ أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ وَالْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ وَتَرَقَّيْتَ إِلَى مَرْقَبَةٍ بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الْأَعْلَامِ تَقْصُرُ دُونَهَا الْأَنُوقُ وَيُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً فَمِنَ الْآنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ وَانْظُرْ لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ حَتَّى يَنْهَدَ إِلَيْكَ عِبَادُ اللَّهِ أُرْتِجَتْ عَلَيْكَ الْأُمُورُ وَمُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (457) (1/457)
66- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العباس وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْ ءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ وَيَحْزَنُ عَلَى الشَّيْ ءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ وَلَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَقٍّ وَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ وَأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ وَهَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
67- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة :
أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَاجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ وَعَلِّمِ الْجَاهِلَ وَذَاكِرِ الْعَالِمَ وَلَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ وَلَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ وَلَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا وَانْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (458) (1/458)
مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَالْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ الْفَاقَةِ وَالْخَلَّاتِ وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِهِ وَالْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِمَحَابِّهِ وَالسَّلَامُ.
68- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا وَضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْتَ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالَاتِهَا وَكُنْ آنَسَ مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ عَنْهُ إِلَى مَحْذُورٍ أَوْ إِلَى إِينَاسٍ أَزَالَتْهُ عَنْهُ إِلَى إِيحَاشٍ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (459) (1/459)
69- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى الحارث الهمذاني :
وَ تَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَاسْتَنْصِحْهُ وَأَحِلَّ حَلَالَهُ وَحَرِّمْ حَرَامَهُ وَصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ وَاعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً وَآخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وَكُلُّهَا حَائِلٌ مُفَارِقٌ وَعَظِّمِ اسْمَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ أَوْ اعْتَذَرَ مِنْهُ وَلَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْلِ وَلَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ كَذِباً وَلَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ فَكَفَى بِذَلِكَ جَهْلًا وَاكْظِمِ الْغَيْظَ وَتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ وَاحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ وَاصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ وَاسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْكَ وَلَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَكَ وَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (460) (1/460)
وَ مَالِهِ فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ وَمَا تُؤَخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ وَاحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ رَأْيُهُ وَيُنْكَرُ عَمَلُهُ فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ وَاسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَاحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَالْجَفَاءِ وَقِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَاقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ وَإِيَّاكَ وَمَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَمَعَارِيضُ الْفِتَنِ وَأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ وَلَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ الصَّلَاةَ إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ وَأَطِعِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَارْفُقْ بِهَا وَلَا تَقْهَرْهَا وَخُذْ عَفْوَهَا وَنَشَاطَهَا إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وَتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ وَوَقِّرِ اللَّهَ وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ وَاحْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (461) (1/461)
70- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى سهل بن حنيف الأنصاري وهو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلَا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَلَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَإِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَالْجَهْلِ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا وَقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَرَأَوْهُ وَسَمِعُوهُ وَوَعَوْهُ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى الْأَثَرَةِ فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً إِنَّهُمْ وَاللَّهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ وَلَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ وَإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ وَيُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَالسَّلَامُ.
71- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى المنذر بن الجارود العبدي، وخان في بعض ما ولاه من أعماله :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (462) (1/462)
هَدْيَهُ وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً وَلَا تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ وَلَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَشِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَمَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قال الرضي : والمنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إنه لنظار في عطفيه مختال في برديه تفال في شراكيه.
72- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى عبد الله بن العباس :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ وَلَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ وَاعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ وَمَا كَانَ مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْهُ بِقُوَّتِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (463) (1/463)
73- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ وَالِاسْتِمَاعِ إِلَى كِتَابِكَ لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي وَمُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي وَإِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الْأُمُورَ وَتُرَاجِعُنِي السُّطُورَ كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُهُ أَحْلَامُهُ وَالْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُهُ مَقَامُهُ لَا يَدْرِي أَ لَهُ مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْهِ وَلَسْتَ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ بِكَ شَبِيهٌ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَوْ لَا بَعْضُ الِاسْتِبْقَاءِ لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ الْعَظْمَ وَتَهْلِسُ اللَّحْمَ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ وَتَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ وَالسَّلَامُ لِأَهْلِهِ.
74- ومن حلف له ( عليه السلام ) كتبه بين ربيعة واليمن ونقل من خط هشام بن الكلبي :
هَذَا مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْيَمَنِ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا وَرَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وَبَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ يَدْعُونَ إِلَيْهِ وَيَأْمُرُونَ بِهِ وَيُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ لَا يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً وَلَا يَرْضَوْنَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (464) (1/464)
بِهِ بَدَلًا وَأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وَتَرَكَهُ أَنْصَارٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لَا يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ وَلَا لِغَضَبِ غَاضِبٍ وَلَا لِاسْتِذْلَالِ قَوْمٍ قَوْماً وَلَا لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْماً عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وَغَائِبُهُمْ وَسَفِيهُهُمْ وَعَالِمُهُمْ وَحَلِيمُهُمْ وَجَاهِلُهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ إِنَّ عَهْدَ اللَّهِ كَانَ مَسْئُولًا وَكَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
75- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى معاوية في أول ما بويع له ذكره الواقدي في كتاب "الجمل" :
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ إِعْذَارِي فِيكُمْ وَإِعْرَاضِي عَنْكُمْ حَتَّى كَانَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا دَفْعَ لَهُ وَالْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَالْكَلَامُ كَثِيرٌ وَقَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ وَأَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ وَأَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَالسَّلَامُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (465) (1/465)
76- ومن وصية له ( عليه السلام ) لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة :
سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ وَمَجْلِسِكَ وَحُكْمِكَ وَإِيَّاكَ وَالْغَضَبَ فَإِنَّهُ طَيْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ اللَّهِ يُبَاعِدُكَ مِنَ النَّارِ وَمَا بَاعَدَكَ مِنَ اللَّهِ يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ.
77- ومن وصية له ( عليه السلام ) لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج :
لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ تَقُولُ وَيَقُولُونَ... وَلَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً.
78- ومن كتاب له ( عليه السلام ) إلى أبي موسى الأشعري جوابا في أمر الحكمين، ذكره سعيد بن يحيى الأموي في كتاب "المغازي" :
فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ حَظِّهِمْ فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا وَنَطَقُوا بِالْهَوَى وَإِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْزِلًا مُعْجِباً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (466) (1/466)
اجْتَمَعَ بِهِ أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ وَأَنَا أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً وَلَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه وآله ) وَأُلْفَتِهَا مِنِّي أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ وَكَرَمَ الْمَآبِ وَسَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ تَغَيَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ وَإِنِّي لَأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِبَاطِلٍ وَأَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَهُ اللَّهُ فَدَعْ مَا لَا تَعْرِفُ فَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ طَائِرُونَ إِلَيْكَ بِأَقَاوِيلِ السُّوءِ وَالسَّلَامُ.
79- ومن كتاب كتبه ( عليه السلام ) لما استخلف إلى أمراء الأجناد :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْهُ وَأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (467) (1/467)
حكم أمير المؤمنين ( عليه السلام )
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (469) (1/469)
باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام ويدخل في ذلك المختار من أجوبه مسائله والكلام القصير الخارج في سائر أغراضه.
1- قَالَ ( عليه السلام ) : كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَلَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ.
2- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ.
3- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْبُخْلُ عَارٌ وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ وَالْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ.
4- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعَجْزُ آفَةٌ وَالصَّبْرُ شَجَاعَةٌ وَالزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَالْوَرَعُ جُنَّةٌ وَنِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَى.
5- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ وَالْآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ وَالْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ.
6- وَقَالَ ( عليه السلام ) : صَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّهِ وَالْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ وَالِاحْتِمَالُ قَبْرُ الْعُيُوبِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (470) (1/470)
وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً الْمَسْأَلَةُ خِبَاءُ الْعُيُوبِ وَمَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْهِ.
7- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ فِي عَاجِلِهِمْ نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجَالِهِمْ.
8- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اعْجَبُوا لِهَذَا الْإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ وَيَسْمَعُ بِعَظْمٍ وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْمٍ
9- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ أَعَارَتْهُ مَحَاسِنَ غَيْرِهِ وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْهُ سَلَبَتْهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ.
10- وَقَالَ ( عليه السلام ) : خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ.
11- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا قَدَرْتَ عَلَى عَدُوِّكَ فَاجْعَلِ الْعَفْوَ عَنْهُ شُكْراً لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
12- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الْإِخْوَانِ وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ
13- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (471) (1/471)
14- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ ضَيَّعَهُ الْأَقْرَبُ أُتِيحَ لَهُ الْأَبْعَدُ.
15- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ.
16- وَقَالَ ( عليه السلام ) : تَذِلُّ الْأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ فِي التَّدْبِيرِ.
17- وَسُئِلَ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ ( صلى الله عليه وآله ) غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّمَا قَالَ ( صلى الله عليه وآله ) ذَلِكَ وَالدِّينُ قُلٌّ فَأَمَّا الْآنَ وَقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُهُ وَضَرَبَ بِجِرَانِهِ فَامْرُؤٌ وَمَا اخْتَارَ.
18- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْقِتَالَ مَعَهُ خَذَلُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَنْصُرُوا الْبَاطِلَ.
19- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِهِ عَثَرَ بِأَجَلِهِ.
20- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلَّا وَيَدُ اللَّهِ بِيَدِهِ يَرْفَعُهُ.
21- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (472) (1/472)
22- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ وَإِلَّا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَإِنْ طَالَ السُّرَى.
قال الرضي : وهذا من لطيف الكلام وفصيحه ومعناه أنا إن لم نعط حقنا كنا أذلاء وذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد والأسير ومن يجري مجراهما.
23- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
24- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ وَالتَّنْفِيسُ عَنِ الْمَكْرُوبِ.
25- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ.
26- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ.
27- وَقَالَ ( عليه السلام ) : امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ.
28- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ.
29- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ وَالْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى.
30- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْحَذَرَ الْحَذَرَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (473) (1/473)
31- وَسُئِلَ ( عليه السلام ) عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ وَالْعَدْلِ وَالْجِهَادِ وَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ وَالشَّفَقِ وَالزُّهْدِ وَالتَّرَقُّبِ فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ وَسُنَّةِ الْأَوَّلِينَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ الْفَهْمِ وَغَوْرِ الْعِلْمِ وَزُهْرَةِ الْحُكْمِ وَرَسَاخَةِ الْحِلْمِ فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ وَشَنَآنِ الْفَاسِقِينَ فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ وَمَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ وَمَنْ شَنِئَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى التَّعَمُّقِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (474) (1/474)
وَ التَّنَازُعِ وَالزَّيْغِ وَالشِّقَاقِ فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ إِلَى الْحَقِّ وَمَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاهُ عَنِ الْحَقِّ وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ السَّيِّئَةُ وَسَكِرَ سُكْرَ الضَّلَالَةِ وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَأَعْضَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاقَ عَلَيْهِ مَخْرَجُهُ وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى التَّمَارِي وَالْهَوْلِ وَالتَّرَدُّدِ وَالِاسْتِسْلَامِ فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ دَيْدَناً لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ وَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا.
قال الرضي : وبعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الإطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب.
32- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فَاعِلُ الْخَيْرِ خَيْرٌ مِنْهُ وَفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْهُ.
33- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كُنْ سَمْحاً وَلَا تَكُنْ مُبَذِّراً وَكُنْ مُقَدِّراً وَلَا تَكُنْ مُقَتِّراً.
34- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى.
35- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (475) (1/475)
36- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَطَالَ الْأَمَلَ أَسَاءَ الْعَمَلَ.
37- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ لَقِيَهُ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى الشَّامِ دَهَاقِينُ الْأَنْبَارِ فَتَرَجَّلُوا لَهُ وَاشْتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ :
مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ فَقَالُوا خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِهِ أُمَرَاءَنَا فَقَالَ وَاللَّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ وَتَشْقَوْنَ بِهِ فِي آخِرَتِكُمْ وَمَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ وَأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الْأَمَانُ مِنَ النَّارِ.
38- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِابْنِهِ الْحَسَنِ ( عليه السلام ) يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وَأَرْبَعاً لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ وَأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ وَأَوْحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ وَأَكْرَمَ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْأَحْمَقِ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَقْعُدُ عَنْكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِالتَّافِهِ وَإِيَّاكَ وَمُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ وَيُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ.
39- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (476) (1/476)
40- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ.
قال الرضي : وهذا من المعاني العجيبة الشريفة والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة والأحمق تسبق حذفات لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره ومماخضة رأيه فكأن لسان العاقل تابع لقلبه وكأن قلب الأحمق تابع للسانه.
41- وقد روي عنه ( عليه السلام ) هذا المعنى بلفظ آخر وهو قوله :
قَلْبُ الْأَحْمَقِ فِي فِيهِ وَلِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِهِ.
و معناهما واحد.
42- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا جَعَلَ اللَّهُ مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَكِنَّهُ يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ وَيَحُتُّهَا حَتَّ الْأَوْرَاقِ وَإِنَّمَا الْأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلِ بِالْأَيْدِي وَالْأَقْدَامِ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْجَنَّةَ.
قال الرضي : وأقول صدق ( عليه السلام ) إن المرض لا أجر فيه لأنه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجري مجرى ذلك والأجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد فبينهما فرق قد بينه ( عليه السلام ) كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب.
43- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي ذِكْرِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ يَرْحَمُ اللَّهُ خَبَّابَ بْنَ الْأَرَتِّ فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وَهَاجَرَ طَائِعاً وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ وَعَاشَ مُجَاهِداً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (477) (1/477)
44- وَقَالَ ( عليه السلام ) : طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ وَعَمِلَ لِلْحِسَابِ وَقَنِعَ بِالْكَفَافِ وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ.
45- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي وَذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ( صلى الله عليه وآله ) أَنَّهُ قَالَ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ.
46- وَقَالَ ( عليه السلام ) : سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ.
47- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِهِ وَصِدْقُهُ عَلَى قَدْرِ مُرُوءَتِهِ وَشَجَاعَتُهُ عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِهِ وَعِفَّتُهُ عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِهِ.
48- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الظَّفَرُ بِالْحَزْمِ وَالْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ وَالرَّأْيُ بِتَحْصِينِ الْأَسْرَارِ.
49- وَقَالَ ( عليه السلام ) : احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَاللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ.
50- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ فَمَنْ تَأَلَّفَهَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (478) (1/478)
51- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ.
52- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ.
53- وَقَالَ ( عليه السلام ) : السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وَتَذَمُّمٌ.
54- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا غِنَى كَالْعَقْلِ وَلَا فَقْرَ كَالْجَهْلِ وَلَا مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَلَا ظَهِيرَ كَالْمُشَاوَرَةِ.
55- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَهُ وَصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ.
56- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ وَالْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ.
57- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ.
قال الرضي : وقد روي هذا الكلام عن النبي ( صلى الله عليه وآله ).
58- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ.
59- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ حَذَّرَكَ كَمَنْ بَشَّرَكَ.
60- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اللِّسَانُ سَبُعٌ إِنْ خُلِّيَ عَنْهُ عَقَرَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (479) (1/479)
61- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ.
62- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا حُيِّيتَ بِتَحِيَّةٍ فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَإِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فَكَافِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا وَالْفَضْلُ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَادِئِ.
63- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ.
64- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ.
65- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فَقْدُ الْأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ.
66- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَى غَيْرِ أَهْلِهَا.
67- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ.
68- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَالشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
69- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلَا تُبَلْ مَا كُنْتَ.
70- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَرَى الْجَاهِلَ إِلَّا مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (480) (1/480)
71- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ.
72- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الدَّهْرُ يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ وَيُجَدِّدُ الْآمَالَ وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ وَيُبَاعِدُ الْأُمْنِيَّةَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ وَمَنْ فَاتَهُ تَعِبَ.
73- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ.
74- وَقَالَ ( عليه السلام ) : نَفَسُ الْمَرْءِ خُطَاهُ إِلَى أَجَلِهِ.
75- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ.
76- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ الْأُمُورَ إِذَا اشْتَبَهَتْ اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا.
77- وَمِنْ خَبَرِ ضِرَارِ بْنِ حَمْزَةَ الضَّبَائِيِّ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَمَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) وَقَالَ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ وَيَقُولُ :
يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لَا حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (481) (1/481)
ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَطُولِ الطَّرِيقِ وَبُعْدِ السَّفَرِ وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ.
78- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) لِلسَّائِلِ الشَّامِيِّ لَمَّا سَأَلَهُ أَ كَانَ مَسِيرُنَا إِلَى الشَّامِ بِقَضَاءٍ مِنَ اللَّهِ وَقَدَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا مُخْتَارُهُ :
وَيْحَكَ لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لَازِماً وَقَدَراً حَاتِماً لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ عِبَادَهُ تَخْيِيراً وَنَهَاهُمْ تَحْذِيراً وَكَلَّفَ يَسِيراً وَلَمْ يُكَلِّفْ عَسِيراً وَأَعْطَى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً وَلَمْ يُرْسِلِ الْأَنْبِيَاءَ لَعِباً وَلَمْ يُنْزِلِ الْكُتُبَ لِلْعِبَادِ عَبَثاً وَلَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ.
79- وَقَالَ ( عليه السلام ) : خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ.
80- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (482) (1/482)
81- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ.
قال الرضي : وهي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة ولا توزن بها حكمة ولا تقرن إليها كلمة.
82- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلًا لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا رَبَّهُ وَلَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْ ءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ وَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الْإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ وَلَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا رَأْسَ مَعَهُ وَلَا فِي إِيمَانٍ لَا صَبْرَ مَعَهُ.
83- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِرَجُلٍ أَفْرَطَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَكَانَ لَهُ مُتَّهِماً أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ.
84- وَقَالَ ( عليه السلام ) : بَقِيَّةُ السَّيْفِ أَبْقَى عَدَداً وَأَكْثَرُ وَلَداً.
85- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ تَرَكَ قَوْلَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ.
86- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلَامِ وَرُوِيَ مِنْ مَشْهَدِ الْغُلَامِ.
87- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ وَمَعَهُ الِاسْتِغْفَارُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (483) (1/483)
88- وَحَكَى عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ ( عليه السلام ) أَنَّهُ قَالَ :
كَانَ فِي الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ.
قال الرضي : وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط.
89- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ.
90- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَلَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ.
91- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ.
92- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وُقِفَ عَلَى اللِّسَانِ وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ.
93- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ وَلَكِنْ مَنِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (484) (1/484)
اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَالرَّاضِيَ بِقِسْمِهِ وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ وَيَكْرَهُ الْإِنَاثَ وَبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ وَيَكْرَهُ انْثِلَامَ الْحَالِ.
قال الرضي : وهذا من غريب ما سمع منه في التفسير.
94- وَسُئِلَ عَنِ الْخَيْرِ مَا هُوَ فَقَالَ لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ وَوَلَدُكَ وَلَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وَأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ وَأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ فَإِنْ أَحْسَنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ وَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِرَجُلَيْنِ رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ وَرَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَيْرَاتِ.
95- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى وَكَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ.
96- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ ثُمَّ تَلَا إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ وَإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (485) (1/485)
97- وَسَمِعَ ( عليه السلام ) رَجُلًا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ يَتَهَجَّدُ وَيَقْرَأُ فَقَالَ نَوْمٌ عَلَى يَقِينٍ خَيْرٌ مِنْ صَلَاةٍ فِي شَكٍّ.
98- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لَا عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
99- وَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَنَا إِنَّا لِلَّهِ إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْمُلْكِ وَقَوْلَنَا وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْهُلْكِ.
100- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَمَدَحَهُ قَوْمٌ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ وَاغْفِرْ لَنَا مَا لَا يَعْلَمُونَ.
101- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَسْتَقِيمُ قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلَّا بِثَلَاثٍ بِاسْتِصْغَارِهَا لِتَعْظُمَ وَبِاسْتِكْتَامِهَا لِتَظْهَرَ وَبِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنُؤَ.
102- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُقَرَّبُ فِيهِ إِلَّا الْمَاحِلُ وَلَا يُظَرَّفُ فِيهِ إِلَّا الْفَاجِرُ وَلَا يُضَعَّفُ فِيهِ إِلَّا الْمُنْصِفُ يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فِيهِ غُرْماً وَصِلَةَ الرَّحِمِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (486) (1/486)
مَنّاً وَالْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً عَلَى النَّاسِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ النِّسَاءِ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ وَتَدْبِيرِ الْخِصْيَانِ.
103- وَرُئِيَ عَلَيْهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ :
يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ وَتَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ وَيَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ إِنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ وَسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وَتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الْآخِرَةَ وَعَادَاهَا وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَاشٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الْآخَرِ وَهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ.
104- وَعَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ، قَالَ : رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لِي : يَا نَوْفُ أَ رَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ، فَقُلْتُ بَلْ رَامِقٌ، قَالَ :
يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَتُرَابَهَا فِرَاشاً وَمَاءَهَا طِيباً وَالْقُرْآنَ شِعَاراً وَالدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ الْمَسِيحِ يَا نَوْفُ إِنَّ دَاوُدَ ( عليه السلام ) قَامَ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا لَسَاعَةٌ لَا يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ شُرْطِيّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ ـ وَهِيَ الطُّنْبُورُ ـ أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ ـ وَهِيَ الطَّبْلُ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ الْعَرْطَبَةَ الطَّبْلُ وَالْكَوْبَةَ الطُّنْبُورُ ـ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (487) (1/487)
105- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا وَنَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ وَلَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا.
106- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لِاسْتِصْلَاحِ دُنْيَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ.
107- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَعِلْمُهُ مَعَهُ لَا يَنْفَعُهُ.
108- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا الْإِنْسَانِ بَضْعَةٌ هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيهِ وَذَلِكَ الْقَلْبُ وَذَلِكَ أَنَّ لَهُ مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ وَأَضْدَاداً مِنْ خِلَافِهَا فَإِنْ سَنَحَ لَهُ الرَّجَاءُ أَذَلَّهُ الطَّمَعُ وَإِنْ هَاجَ بِهِ الطَّمَعُ أَهْلَكَهُ الْحِرْصُ وَإِنْ مَلَكَهُ الْيَأْسُ قَتَلَهُ الْأَسَفُ وَإِنْ عَرَضَ لَهُ الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِهِ الْغَيْظُ وَإِنْ أَسْعَدَهُ الرِّضَى نَسِيَ التَّحَفُّظَ وَإِنْ غَالَهُ الْخَوْفُ شَغَلَهُ الْحَذَرُ وَإِنِ اتَّسَعَ لَهُ الْأَمْرُ اسْتَلَبَتْهُ الْغِرَّةُ وَإِنْ أَفَادَ مَالًا أَطْغَاهُ الْغِنَى وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَضَحَهُ الْجَزَعُ وَإِنْ عَضَّتْهُ الْفَاقَةُ شَغَلَهُ الْبَلَاءُ وَإِنْ جَهَدَهُ الْجُوعُ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ وَإِنْ أَفْرَطَ بِهِ الشِّبَعُ كَظَّتْهُ الْبِطْنَةُ فَكُلُّ تَقْصِيرٍ بِهِ مُضِرٌّ وَكُلُّ إِفْرَاطٍ لَهُ مُفْسِدٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (488) (1/488)
109- وَقَالَ ( عليه السلام ) : نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي وَإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي.
110- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ وَلَا يُضَارِعُ وَلَا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ.
111- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ تُوُفِّيَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مَرْجِعِهِ مَعَهُ مِنْ صِفِّينَ وَكَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ :
لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ.
معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار، وهذا مثل قوله ( عليه السلام ) :
112- مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً.
و قد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.
113- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ وَلَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ مِنَ الْعُجْبِ وَلَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ وَلَا كَرَمَ كَالتَّقْوَى وَلَا قَرِينَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ وَلَا مِيرَاثَ كَالْأَدَبِ وَلَا قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ وَلَا تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَلَا رِبْحَ كَالثَّوَابِ وَلَا وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ وَلَا زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ وَلَا عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ وَلَا عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَلَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ وَالصَّبْرِ وَلَا حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ وَلَا شَرَفَ كَالْعِلْمِ وَلَا عِزَّ كَالْحِلْمِ وَلَا مُظَاهَرَةَ أَوْثَقُ مِنَ الْمُشَاوَرَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (489) (1/489)
114- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا اسْتَوْلَى الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ وَإِذَا اسْتَوْلَى الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ.
115- وَقِيلَ لَهُ ( عليه السلام ) كَيْفَ نَجِدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( عليه السلام ) : كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِهِ وَيَسْقَمُ بِصِحَّتِهِ وَيُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِهِ.
116- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَمَا ابْتَلَى اللَّهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلَاءِ لَهُ.
117- وَقَالَ ( عليه السلام ) : هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ وَمُبْغِضٌ قَالٍ.
118- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ.
119- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ لَيِّنٌ مَسُّهَا وَالسَّمُّ النَّاقِعُ فِي جَوْفِهَا يَهْوِي إِلَيْهَا الْغِرُّ الْجَاهِلُ وَيَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ.
120- وَسُئِلَ ( عليه السلام ) عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (490) (1/490)
فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ وَالنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وَأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً وَأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا وَأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وَأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا وَهُمْ أَكْثَرُ وَأَمْكَرُ وَأَنْكَرُ وَنَحْنُ أَفْصَحُ وَأَنْصَحُ وَأَصْبَحُ.
121- وَقَالَ ( عليه السلام ) : شَتَّانَ مَا بَيْنَ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ وَيَبْقَى أَجْرُهُ.
122- وَتَبِعَ جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلًا يَضْحَكُ فَقَالَ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ وَكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ وَكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الْأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ وَنَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ وَوَاعِظَةٍ وَرُمِينَا بِكُلِّ فَادِحٍ وَجَائِحَةٍ.
123- وَقَالَ ( عليه السلام ) : طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ وَطَابَ كَسْبُهُ وَصَلَحَتْ سَرِيرَتُهُ وَحَسُنَتْ خَلِيقَتُهُ وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ لِسَانِهِ وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يُنْسَبْ إلَى الْبِدْعَةِ.
قال الرضي : أقول ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكذلك الذي قبله.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (491) (1/491)
124- وَقَالَ ( عليه السلام ) : غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وَغَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ.
125- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَأَنْسُبَنَّ الْإِسْلَامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي الْإِسْلَامُ هُوَ التَّسْلِيمُ وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْإِقْرَارُ وَالْإِقْرَارُ هُوَ الْأَدَاءُ وَالْأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ.
126- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ وَعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ نُطْفَةً وَيَكُونُ غَداً جِيفَةً وَعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي اللَّهِ وَهُوَ يَرَى خَلْقَ اللَّهِ وَعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ وَهُوَ يَرَى الْمَوْتَى وَعَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى وَهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الْأُولَى وَعَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ وَتَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ.
127- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ وَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ فِيمَنْ لَيْسَ لِلَّهِ فِي مَالِهِ وَنَفْسِهِ نَصِيبٌ.
128- وَقَالَ ( عليه السلام ) : تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَتَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَآخِرُهُ يُورِقُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (492) (1/492)
129- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عِظَمُ الْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
130- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى.
131- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُّ الدُّنْيَا أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا الْمَخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَ تَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ مَتَى اسْتَهْوَتْكَ أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَ بِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وَكَمْ مَرَّضْتَ بِيَدَيْكَ تَبْتَغِي لَهُمُ الشِّفَاءَ وَتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (493) (1/493)
الْأَطِبَّاءَ غَدَاةَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ وَلَا يُجْدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ لَمْ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ وَلَمْ تُسْعَفْ فِيهِ بِطَلِبَتِكَ وَلَمْ تَدْفَعْ عَنْهُ بِقُوَّتِكَ وَقَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِهِ الدُّنْيَا نَفْسَكَ وَبِمَصْرَعِهِ مَصْرَعَكَ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا وَدَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا وَدَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهَا مَسْجِدُ أَحِبَّاءِ اللَّهِ وَمُصَلَّى مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَمَهْبِطُ وَحْيِ اللَّهِ وَمَتْجَرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ وَرَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وَقَدْ آذَنَتْ بِبَيْنِهَا وَنَادَتْ بِفِرَاقِهَا وَنَعَتْ نَفْسَهَا وَأَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ وَشَوَّقَتْهُمْ بِسُرُورِهَا إِلَى السُّرُورِ رَاحَتْ بِعَافِيَةٍ وَابْتَكَرَتْ بِفَجِيعَةٍ تَرْغِيباً وَتَرْهِيباً وَتَخْوِيفاً وَتَحْذِيراً فَذَمَّهَا رِجَالٌ غَدَاةَ النَّدَامَةِ وَحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَكَّرَتْهُمُ الدُّنْيَا فَتَذَكَّرُوا وَحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا وَوَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا.
132- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَاجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ.
133- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مَقَرٍّ وَالنَّاسُ فِيهَا رَجُلَانِ رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَهُ فَأَوْبَقَهَا وَرَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَهُ فَأَعْتَقَهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (494) (1/494)
134- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلَاثٍ فِي نَكْبَتِهِ وَغَيْبَتِهِ وَوَفَاتِهِ.
135- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الْإِجَابَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ وَمَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ وَمَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ.
قال الرضي : وتصديق ذلك كتاب الله قال الله في الدعاء ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وقال في الاستغفار وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً وقال في الشكر لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وقال في التوبة إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
136- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الصَّلَاةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ وَلِكُلِّ شَيْ ءٍ زَكَاةٌ وَزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ.
137- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ.
138- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.
139- وَقَالَ ( عليه السلام ) : تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ.
140- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (495) (1/495)
141- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ.
142- وَقَالَ ( عليه السلام ) : التَّوَدُّدُ نِصْفُ الْعَقْلِ.
143- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ.
144- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ وَمَنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ حَبِطَ عَمَلُهُ.
145- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالظَّمَأُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ وَالْعَنَاءُ حَبَّذَا نَوْمُ الْأَكْيَاسِ وَإِفْطَارُهُمْ.
146- وَقَالَ ( عليه السلام ) : سُوسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ.
147- وَمِنْ كَلَامٍ لَهُ ( عليه السلام ) لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ قَالَ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السلام ) فَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَ :
يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ : إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (496) (1/496)
النَّاسُ ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ وَالْمَالُ تَنْقُصُهُ النَّفَقَةُ وَالْعِلْمُ يَزْكُوا عَلَى الْإِنْفَاقِ وَصَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِ، بِهِ يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِهِ وَجَمِيلَ الْأُحْدُوثَةِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الْأَمْوَالِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ هَا إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا وَمُسْتَظْهِراً بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَبِحُجَجِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلَا لَا ذَا وَلَا ذَاكَ أَوْ مَنْهُوماً بِاللَّذَّةِ سَلِسَ الْقِيَادِ لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً بِالْجَمْعِ وَالِادِّخَارِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (497) (1/497)
لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْ ءٍ أَقْرَبُ شَيْ ءٍ شَبَهاً بِهِمَا الْأَنْعَامُ السَّائِمَةُ كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ، أُولَئِكَ وَاللَّهِ الْأَقَلُّونَ عَدَداً وَالْأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْراً يَحْفَظُ اللَّهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ وَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ وَصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ.
148- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
149- وَقَالَ ( عليه السلام ) : هَلَكَ امْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَهُ.
150- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِرَجُلٍ سَأَلَهُ أَنْ يَعِظَهُ لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَيُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ وَيَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (498) (1/498)
إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَيَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَلَا يَنْتَهِي وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ وَيُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ يَكْرَهُ الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِ وَيُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَهُ الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِهِ إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وَإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ إِذَا عُوفِيَ وَيَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ إِنْ أَصَابَهُ بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وَإِنْ نَالَهُ رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَلَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِهِ إِنِ اسْتَغْنَى بَطِرَ وَفُتِنَ وَإِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ وَوَهَنَ يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ وَيُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ إِنْ عَرَضَتْ لَهُ شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ وَسَوَّفَ التَّوْبَةَ وَإِنْ عَرَتْهُ مِحْنَةٌ انْفَرَجَ عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ يَصِفُ الْعِبْرَةَ وَلَا يَعْتَبِرُ وَيُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ وَلَا يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ وَمِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى وَيُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً وَالْغُرْمَ مَغْنَماً يَخْشَى الْمَوْتَ وَلَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْقِرُهُ مِنْ طَاعَةِ غَيْرِهِ فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ اللَّهْوُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (499) (1/499)
وَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ يُرْشِدُ غَيْرَهُ وَيُغْوِي نَفْسَهُ فَهُوَ يُطَاعُ وَيَعْصِي وَيَسْتَوْفِي وَلَا يُوفِي وَيَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَيْرِ رَبِّهِ وَلَا يَخْشَى رَبَّهُ فِي خَلْقِهِ.
قال الرضي : ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة وحكمة بالغة وبصيرة لمبصر وعبرة لناظر مفكر.
151- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِكُلِّ امْرِئٍ عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ
152- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِكُلِّ مُقْبِلٍ إِدْبَارٌ وَمَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ
153- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وَإِنْ طَالَ بِهِ الزَّمَانُ
154- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ وَعَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ وَإِثْمُ الرِّضَى بِهِ
155- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اعْتَصِمُوا بِالذِّمَمِ فِي أَوْتَادِهَا
156- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لَا تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِهِ
157- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ وَأُسْمِعْتُمْ إِنِ اسْتَمَعْتُمْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (500) (1/500)
158- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَاتِبْ أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِ.
159- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِهِ الظَّنَّ.
160- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ.
161- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا.
162- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَتِ الْخِيَرَةُ بِيَدِهِ.
163- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْفَقْرُ الْمَوْتُ الْأَكْبَرُ.
164- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لَا يَقْضِي حَقَّهُ فَقَدْ عَبَدَهُ.
165- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
166- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ.
167- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْإِعْجَابُ يَمْنَعُ الِازْدِيَادَ.
168- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْأَمْرُ قَرِيبٌ وَالِاصْطِحَابُ قَلِيلٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (501) (1/501)
169- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَيْنِ.
170- وَقَالَ ( عليه السلام ) : تَرْكُ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ.
171- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ.
172- وَقَالَ ( عليه السلام ) : النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
173- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ.
174- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَحَدَّ سِنَانَ الْغَضَبِ لِلَّهِ قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِ.
175- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
176- وَقَالَ ( عليه السلام ) : آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ.
177- وَقَالَ ( عليه السلام ) : ازْجُرِ الْمُسِي ءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ.
178- وَقَالَ ( عليه السلام ) : احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَيْرِكَ بِقَلْعِهِ مِنْ صَدْرِكَ.
179- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اللَّجَاجَةُ تَسُلُّ الرَّأْيَ.
180- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الطَّمَعُ رِقٌّ مُؤَبَّدٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (502) (1/502)
181- وَقَالَ ( عليه السلام ) : ثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ النَّدَامَةُ وَثَمَرَةُ الْحَزْمِ السَّلَامَةُ.
182- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.
183- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا اخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلَالَةً.
184- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ.
185- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِّبْتُ وَلَا ضَلَلْتُ وَلَا ضُلَّ بِي.
186- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّهِ عَضَّةٌ.
187- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الرَّحِيلُ وَشِيكٌ.
188- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ.
189- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ لَمْ يُنْجِهِ الصَّبْرُ أَهْلَكَهُ الْجَزَعُ.
190- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَا عَجَبَاهْ أَ تَكُونُ الْخِلَافَةُ بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (503) (1/503)
قال الرضي : وروي له شعر في هذا المعنى :
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب
و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب
191- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا وَنَهْبٌ تُبَادِرُهُ الْمَصَائِبُ وَمَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ وَفِي كُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصٌ وَلَا يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى وَلَا يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ وَأَنْفُسُنَا نَصْبُ الْحُتُوفِ فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ وَهَذَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْ ءٍ شَرَفاً إِلَّا أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا وَتَفْرِيقِ مَا جَمَعَا.
192- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا ابْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ فَأَنْتَ فِيهِ خَازِنٌ لِغَيْرِكَ.
193- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وَإِقْبَالًا وَإِدْبَاراً فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وَإِقْبَالِهَا فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ.
194- وَكَانَ ( عليه السلام ) يَقُولُ مَتَى أَشْفِي غَيْظِي إِذَا غَضِبْتُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (504) (1/504)
أَ حِينَ أَعْجِزُ عَنِ الِانْتِقَامِ فَيُقَالُ لِي لَوْ صَبَرْتَ أَمْ حِينَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لِي لَوْ عَفَوْتَ.
195- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ مَرَّ بِقَذَرٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ هَذَا مَا بَخِلَ بِهِ الْبَاخِلُونَ وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا مَا كُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ فِيهِ بِالْأَمْسِ.
196- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ.
197- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ.
198- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْخَوَارِجِ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ.
199- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي صِفَةِ الْغَوْغَاءِ هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا وَقِيلَ بَلْ قَالَ ( عليه السلام ) : هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا وَإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِيلَ قَدْ عَرَفْنَا مَضَرَّةَ اجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ افْتِرَاقِهِمْ فَقَالَ يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ إِلَى مِهْنَتِهِمْ فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَى بِنَائِهِ وَالنَّسَّاجِ إِلَى مَنْسَجِهِ وَالْخَبَّازِ إِلَى مَخْبَزِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (505) (1/505)
200- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَأُتِيَ بِجَانٍ وَمَعَهُ غَوْغَاءُ فَقَالَ لَا مَرْحَباً بِوُجُوهٍ لَا تُرَى إِلَّا عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةٍ.
201- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَيْنِ يَحْفَظَانِهِ فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَإِنَّ الْأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ.
202- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ قَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ لَا وَلَكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُوَّةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَعَوْنَانِ عَلَى الْعَجْزِ وَالْأَوَدِ.
203- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وَإِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ وَبَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ وَإِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ وَإِنْ نَسِيتُمُوهُ ذَكَرَكُمْ.
204- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُهُ لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْ ءٍ مِنْهُ وَقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
205- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيهِ إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ يَتَّسِعُ بِهِ.
206- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجَاهِلِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (506) (1/506)
207- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ.
208- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ وَمَنْ خَافَ أَمِنَ وَمَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ وَمَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ وَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ.
209- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا وَتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ.
210- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً وَجَدَّ تَشْمِيراً وَكَمَّشَ فِي مَهَلٍ وَبَادَرَ عَنْ وَجَلٍ وَنَظَرَ فِي كَرَّةِ الْمَوْئِلِ وَعَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ وَمَغَبَّةِ الْمَرْجِعِ.
211- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْجُودُ حَارِسُ الْأَعْرَاضِ وَالْحِلْمُ فِدَامُ السَّفِيهِ وَالْعَفْوُ زَكَاةُ الظَّفَرِ وَالسُّلُوُّ عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ وَالِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ وَقَدْ خَاطَرَ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَالصَّبْرُ يُنَاضِلُ الْحِدْثَانَ وَالْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ الزَّمَانِ وَأَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى وَكَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِيرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِيرٍ وَمِنَ التَّوْفِيقِ حِفْظُ التَّجْرِبَةِ وَالْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ وَلَا تَأْمَنَنَّ مَلُولًا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (507) (1/507)
212- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ.
213- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَغْضِ عَلَى الْقَذَى وَالْأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً.
214- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ لَانَ عُودُهُ كَثُفَتْ أَغْصَانُهُ.
215- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْخِلَافُ يَهْدِمُ الرَّأْيَ.
216- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ.
217- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ.
218- وَقَالَ ( عليه السلام ) : حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّةِ.
219- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ.
220- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ.
221- وَقَالَ ( عليه السلام ) : بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ.
222- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنْ أَشْرَفِ أَعْمَالِ الْكَرِيمِ غَفْلَتُهُ عَمَّا يَعْلَمُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (508) (1/508)
223- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ كَسَاهُ الْحَيَاءُ ثَوْبَهُ لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَهُ.
224- وَقَالَ ( عليه السلام ) : بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ وَبِالنَّصَفَةِ يَكْثُرُ الْمُوَاصِلُونَ وَبِالْإِفْضَالِ تَعْظُمُ الْأَقْدَارُ وَبِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ وَبِاحْتِمَالِ الْمُؤَنِ يَجِبُ السُّؤْدُدُ وَبِالسِّيرَةِ الْعَادِلَةِ يُقْهَرُ الْمُنَاوِئُ وَبِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِيهِ تَكْثُرُ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِ.
225- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلَامَةِ الْأَجْسَادِ.
226- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الطَّامِعُ فِي وِثَاقِ الذُّلِّ.
227- وَسُئِلَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ
228- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَصْبَحَ عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ اللَّهِ سَاخِطاً وَمَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِهِ فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّهُ وَمَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَهُ لِغِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَمَنْ لَهِجَ قَلْبُهُ بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ قَلْبُهُ مِنْهَا بِثَلَاثٍ هَمٍّ لَا يُغِبُّهُ وَحِرْصٍ لَا يَتْرُكُهُ وَأَمَلٍ لَا يُدْرِكُهُ.
229- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (509) (1/509)
نَعِيماً وَسُئِلَ ( عليه السلام ) عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً فَقَالَ هِيَ الْقَنَاعَةُ.
230- وَقَالَ ( عليه السلام ) : شَارِكُوا الَّذِي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ فَإِنَّهُ أَخْلَقُ لِلْغِنَى وَأَجْدَرُ بِإِقْبَالِ الْحَظِّ عَلَيْهِ.
231- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الْعَدْلُ الْإِنْصَافُ وَالْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ.
232- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ يُعْطِ بِالْيَدِ الْقَصِيرَةِ يُعْطَ بِالْيَدِ الطَّوِيلَةِ.
قال الرضي : ومعنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير والبر وإن كان يسيرا فإن الله تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا واليدان هاهنا عبارة عن النعمتين ففرق ( عليه السلام ) بين نعمة العبد ونعمة الرب تعالى ذكره بالقصيرة والطويلة فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة لأن نعم الله أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة إذ كانت نعم الله أصل النعم كلها فكل نعمة إليها ترجع ومنها تنزع.
233- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِابْنِهِ الْحَسَنِ ( عليه السلام ) لَا تَدْعُوَنَّ إِلَى مُبَارَزَةٍ وَإِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَيْهَا بَاغٍ وَالْبَاغِيَ مَصْرُوعٌ.
234- وَقَالَ ( عليه السلام ) : خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ الزَّهْوُ وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (510) (1/510)
لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا وَإِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَمَالَ بَعْلِهَا وَإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ يَعْرِضُ لَهَا.
235- وَقِيلَ لَهُ صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ فَقَالَ ( عليه السلام ) : هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْ ءَ مَوَاضِعَهُ فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا الْجَاهِلَ فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ.
قال الرضي : يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشي ء مواضعه فكأن ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل.
236- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَاللَّهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ.
237- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ.
238- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وَشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا.
239- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَطَاعَ التَّوَانِيَ ضَيَّعَ الْحُقُوقَ وَمَنْ أَطَاعَ الْوَاشِيَ ضَيَّعَ الصَّدِيقَ.
240- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْحَجَرُ الْغَصِيبُ فِي الدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (511) (1/511)
قال الرضي : ويروى هذا الكلام عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا عجب أن يشتبه الكلامان لأن مستقاهما من قليب ومفرغهما من ذنوب.
241- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ.
242- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اتَّقِ اللَّهَ بَعْضَ التُّقَى وَإِنْ قَلَّ وَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ سِتْراً وَإِنْ رَقَّ.
243- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ.
244- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ لِلَّهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَمَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ.
245- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ الشَّهْوَةُ.
246- وَقَالَ ( عليه السلام ) : احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ.
247- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ.
248- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ.
249- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْهِ.
250- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَرَفْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وَحَلِّ الْعُقُودِ وَنَقْضِ الْهِمَمِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (512) (1/512)
251- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ، وَحَلَاوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الْآخِرَةِ.
252- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فَرَضَ اللَّهُ الْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ وَالصَّلَاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ وَالزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ وَالصِّيَامَ ابْتِلَاءً لِإِخْلَاصِ الْخَلْقِ وَالْحَجَّ تَقْرِبَةً لِلدِّينِ وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلْإِسْلَامِ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً لِلْعَدَدِ وَالْقِصَاصَ حَقْناً لِلدِّمَاءِ وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ وَتَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ وَمُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ وَتَرْكَ الزِّنَى تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وَتَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِيراً لِلنَّسْلِ وَالشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً عَلَى الْمُجَاحَدَاتِ وَتَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً لِلصِّدْقِ وَالسَّلَامَ أَمَاناً مِنَ الْمَخَاوِفِ وَالْأَمَانَةَ نِظَاماً لِلْأُمَّةِ وَالطَّاعَةَ تَعْظِيماً لِلْإِمَامَةِ.
253- وَكَانَ ( عليه السلام ) يَقُولُ أَحْلِفُوا الظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَهُ بِأَنَّهُ بَرِي ءٌ مِنْ حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ الْعُقُوبَةَ وَإِذَا حَلَفَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ لِأَنَّهُ قَدْ وَحَّدَ اللَّهَ تَعَالَى.
254- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ وَاعْمَلْ فِيهِ مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ مِنْ بَعْدِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (513) (1/513)
255- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُهُ مُسْتَحْكِمٌ.
256- وَقَالَ ( عليه السلام ) : صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ.
257- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا فِي كَسْبِ الْمَكَارِمِ وَيُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ فَوَالَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلَّا وَخَلَقَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إِلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ.
258- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا اللَّهَ بِالصَّدَقَةِ.
259- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْوَفَاءُ لِأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَالْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ.
260- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَمَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ وَمَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ وَمَا ابْتَلَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحَداً بِمِثْلِ الْإِمْلَاءِ لَهُ.
قال الرضي : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة مفيدة.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (515) (1/515)
فصل
نذكر فيه شيئاً من غريب كلامه
المحتاج إلى التفسير
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (517) (1/517)
1- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِهِ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ.
قال الرضي : اليعسوب السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ والقزع قطع الغيم التي لا ماء فيها.
2- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ.
يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها وكل ماض في كلام أو سير فهو شحشح والشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك.
3- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً.
يريد بالقحم المهالك لأنها تقحم أصحابها في المهالك والمتالف في الأكثر فمن ذلك قحمة الأعراب وهو أن تصيبهم السنة فتتعرق أموالهم فذلك تقحمها فيهم وقيل فيه وجه آخر وهو أنها تقحمهم بلاد الريف أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (518) (1/518)
4- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى.
و النص منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها كالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة وتقول نصصت الرجل عن الأمر إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه فنص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر والوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير وهو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر وأغربها يقول فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة والأعمام وبتزويجها إن أرادوا ذلك. والحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة وهو الجدال والخصومة وقول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا وقد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل وهو الإدراك لأنه ( عليه السلام ) إنما أراد منتهى الأمر الذي تجب فيه الحقوق والأحكام. ومن رواه نص الحقائق فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام. والذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها وتصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل وهي جمع حقة وحق وهو الذي استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة وعند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يتمكن فيه من ركوب ظهره ونصه في السير والحقائق أيضا جمع حقة فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد وهذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولا.
5- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ.
و اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض ومنه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شي ء من البياض.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (519) (1/519)
6- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ الدَّيْنُ الظَّنُونُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ لِمَا مَضَى إِذَا قَبَضَهُ.
فالظنون الذي لا يعلم صاحبه أ يقبضه من الذي هو عليه أم لا فكأنه الذي يظن به فمرة يرجوه ومرة لا يرجوه وهذا من أفصح الكلام وكذلك كل أمر تطلبه ولا تدري على أي شي ء أنت منه فهو ظنون وعلى ذلك قول الأعشى :
ما يجعل الجد الظنون الذي * جنب صوب اللجب الماطر
مثل الفراتي إذا ما طما * يقذف بالبوصي والماهر
و الجد : البئر العادية في الصحراء، والظنون التي لا يعلم هل فيها ماء أم لا.
7- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
أنَّهُ شَيَّعَ جَيْشاً بِغَزْيَةٍ فَقَالَ اعْذِبُوا عَنِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
و معناه اصدفوا عن ذكر النساء وشغل القلب بهن وامتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية ويقدح في معاقد العزيمة ويكسر عن العدو ويلفت عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شي ء فقد عذب عنه والعاذب والعذوب الممتنع من الأكل والشرب.
8- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (520) (1/520)
الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور والفالج القاهر والغالب يقال فلج عليهم وفلجهم، وقال الراجز :
" لما رأيت فالجا قد فلجا ".
9- وفي حديثه ( عليه السلام ) :
كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ.
و معنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو واشتد عضاض الحرب فزع المسلمون إلى قتال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه فينزل الله عليهم النصر به ويأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه. وقوله إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر وقد قيل في ذلك أقوال أحسنها أنه شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها ومما يقوي ذلك قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد رأى مجتلد الناس يوم حنين وهي حرب هوازن الآن حمي الوطيس فالوطيس مستوقد النار فشبه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها.
انقضى هذا الفصل ورجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب
261- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَمَّا بَلَغَهُ إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ مَاشِياً حَتَّى أَتَى النُّخَيْلَةَ وَأَدْرَكَهُ النَّاسُ وَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ.
فَقَالَ : مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ رُعَاتِهَا وَإِنَّنِي الْيَوْمَ لَأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي كَأَنَّنِي الْمَقُودُ وَهُمُ الْقَادَةُ أَوِ الْمَوْزُوعُ وَهُمُ الْوَزَعَةُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (521) (1/521)
فلما قال ( عليه السلام ) هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب، تقدم إليه رجلان من أصحابه، فقال أحدهما إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فمر بأمرك يا أمير المؤمنين ننقد له، فقال ( عليه السلام ) :
وَ أَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِيدُ.
262- وَقِيلَ إِنَّ الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاهُ فَقَالَ أَ تَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ.
فَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا حَارِثُ إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ وَلَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ فَحِرْتَ إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ وَلَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاهُ.
فَقَالَ الْحَارِثُ : فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ سَعِيداً وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ وَلَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ.
263- وَقَالَ ( عليه السلام ) : صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الْأَسَدِ يُغْبَطُ بِمَوْقِعِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِهِ.
264- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ تُحْفَظُوا فِي عَقِبِكُمْ.
265- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وَإِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (522) (1/522)
266- وَسَأَلَهُ رَجُلٌ أَنْ يُعَرِّفَهُ الْإِيمَانَ فَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأْتِنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ النَّاسِ فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي حَفِظَهَا عَلَيْكَ غَيْرُكَ فَإِنَّ الْكَلَامَ كَالشَّارِدَةِ يَنْقُفُهَا هَذَا وَيُخْطِئُهَا هَذَا.
و قد ذكرنا ما أجابه به فيما تقدم من هذا الباب وهو قوله الإيمان على أربع شعب.
267- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ اللَّهُ فِيهِ بِرِزْقِكَ.
268- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا.
269- وَقَالَ ( عليه السلام ) : النَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَامِلَانِ عَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا قَدْ شَغَلَتْهُ دُنْيَاهُ عَنْ آخِرَتِهِ يَخْشَى عَلَى مَنْ يَخْلُفُهُ الْفَقْرَ وَيَأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيُفْنِي عُمُرَهُ فِي مَنْفَعَةِ غَيْرِهِ وَعَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَهُ الَّذِي لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَمَلٍ فَأَحْرَزَ الْحَظَّيْنِ مَعاً وَمَلَكَ الدَّارَيْنِ جَمِيعاً فَأَصْبَحَ وَجِيهاً عِنْدَ اللَّهِ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً فَيَمْنَعُهُ.
270- وَرُوِيَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَيَّامِهِ حَلْيُ الْكَعْبَةِ وَكَثْرَتُهُ فَقَالَ قَوْمٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (523) (1/523)
لَوْ أَخَذْتَهُ فَجَهَّزْتَ بِهِ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ أَعْظَمَ لِلْأَجْرِ وَمَا تَصْنَعُ الْكَعْبَةُ بِالْحَلْيِ فَهَمَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وَسَأَلَ عَنْهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) فَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ( صلى الله عليه وآله ) وَالْأَمْوَالُ أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْفَيْ ءُ فَقَسَّمَهُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ وَالْخُمُسُ فَوَضَعَهُ اللَّهُ حَيْثُ وَضَعَهُ وَالصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا اللَّهُ حَيْثُ جَعَلَهَا وَكَانَ حَلْيُ الْكَعْبَةِ فِيهَا يَوْمَئِذٍ فَتَرَكَهُ اللَّهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ نِسْيَاناً وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَكَاناً فَأَقِرَّهُ حَيْثُ أَقَرَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَوْلَاكَ لَافْتَضَحْنَا وَتَرَكَ الْحَلْيَ بِحَالِهِ.
271- رُوِيَ أَنَّهُ ( عليه السلام ) رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ سَرَقَا مِنْ مَالِ اللَّهِ أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَالْآخَرُ مِنْ عُرُوضِ النَّاسِ.
فَقَالَ ( عليه السلام ) : أَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ مَالُ اللَّهِ أَكَلَ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَأَمَّا الْآخَرُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ الشَّدِيدُ فَقَطَعَ يَدَهُ.
272- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِهِ الْمَدَاحِضِ لَغَيَّرْتُ أَشْيَاءَ.
273- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ وَإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُهُ وَاشْتَدَّتْ طَلِبَتُهُ وَقَوِيَتْ مَكِيدَتُهُ أَكْثَرَ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (524) (1/524)
مِمَّا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِهِ وَقِلَّةِ حِيلَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَهُ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَالْعَارِفُ لِهَذَا الْعَامِلُ بِهِ أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَةٍ وَالتَّارِكُ لَهُ الشَّاكُّ فِيهِ أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلًا فِي مَضَرَّةٍ وَرُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَى وَرُبَّ مُبْتَلًى مَصْنُوعٌ لَهُ بِالْبَلْوَى فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَنْفِعُ فِي شُكْرِكَ وَقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ وَقِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى رِزْقِكَ.
274- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلًا وَيَقِينَكُمْ شَكّاً إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وَإِذَا تَيَقَّنْتُمْ فَأَقْدِمُوا.
275- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ الطَّمَعَ مُورِدٌ غَيْرُ مُصْدِرٍ وَضَامِنٌ غَيْرُ وَفِيٍّ وَرُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِيِّهِ وَكُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشَّيْ ءِ الْمُتَنَافَسِ فِيهِ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ لِفَقْدِهِ وَالْأَمَانِيُّ تُعْمِي أَعْيُنَ الْبَصَائِرِ وَالْحَظُّ يَأْتِي مَنْ لَا يَأْتِيهِ.
276- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَامِعَةِ الْعُيُونِ عَلَانِيَتِي وَتُقَبِّحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتِي مُحَافِظاً عَلَى رِثَاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِي بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وَأُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي تَقَرُّباً إِلَى عِبَادِكَ وَتَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (525) (1/525)
277- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا وَالَّذِي أَمْسَيْنَا مِنْهُ فِي غُبْرِ لَيْلَةٍ دَهْمَاءَ تَكْشِرُ عَنْ يَوْمٍ أَغَرَّ مَا كَانَ كَذَا وَكَذَا.
278- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْهِ أَرْجَى مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ.
279- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا.
280- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ.
281- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الْإِبْصَارِ فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا وَلَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَهُ.
282- وَقَالَ ( عليه السلام ) : بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمَوْعِظَةِ حِجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ.
283- وَقَالَ ( عليه السلام ) : جَاهِلُكُمْ مُزْدَادٌ وَعَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ.
284- وَقَالَ ( عليه السلام ) : قَطَعَ الْعِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلِّلِينَ.
285- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كُلُّ مُعَاجَلٍ يَسْأَلُ الْإِنْظَارَ وَكُلُّ مُؤَجَّلٍ يَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِيفِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (526) (1/526)
286- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا قَالَ النَّاسُ لِشَيْ ءٍ طُوبَى لَهُ إِلَّا وَقَدْ خَبَأَ لَهُ الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ.
287- وَسُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ فَقَالَ طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلَا تَسْلُكُوهُ وَبَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجُوهُ وَسِرُّ اللَّهِ فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ.
288- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا أَرْذَلَ اللَّهُ عَبْداً حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ.
289- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي اللَّهِ وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ وَلَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وَصِلُّ وَادٍ لَا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً وَكَانَ لَا يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِهِ حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَهُ وَكَانَ لَا يَشْكُو وَجَعاً إِلَّا عِنْدَ بُرْئِهِ وَكَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ وَلَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ وَكَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ وَكَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ وَكَانَ إِذَا بَدَهَهُ أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَى الْهَوَى فَيُخَالِفُهُ فَعَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وَتَنَافَسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِيرِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (527) (1/527)
290- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ لَكَانَ يَجِبُ أَلَّا يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِهِ.
291- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ عَزَّى الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ عَنِ ابْنٍ لَهُ.
يَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ مِنْكَ ذَلِكَ الرَّحِمُ وَإِنْ تَصْبِرْ فَفِي اللَّهِ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ يَا أَشْعَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مَأْجُورٌ وَإِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وَأَنْتَ مَأْزُورٌ يَا أَشْعَثُ ابْنُكَ سَرَّكَ وَهُوَ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَحَزَنَكَ وَهُوَ ثَوَابٌ وَرَحْمَةٌ.
292- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) سَاعَةَ دَفْنِهِ :
إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلَّا عَنْكَ وَإِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلَّا عَلَيْكَ وَإِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وَإِنَّهُ قَبْلَكَ وَبَعْدَكَ لَجَلَلٌ.
293- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَصْحَبِ الْمَائِقَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَهُ وَيَوَدُّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهُ.
294- وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَقَالَ ( عليه السلام ) : مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ.
295- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَصْدِقَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ وَأَعْدَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (528) (1/528)
فَأَصْدِقَاؤُكَ صَدِيقُكَ وَصَدِيقُ صَدِيقِكَ وَعَدُوُّ عَدُوِّكَ وَأَعْدَاؤُكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّ صَدِيقِكَ وَصَدِيقُ عَدُوِّكَ.
296- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِرَجُلٍ رَآهُ يَسْعَى عَلَى عَدُوٍّ لَهُ بِمَا فِيهِ إِضْرَارٌ بِنَفْسِهِ إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَهُ لِيَقْتُلَ رِدْفَهُ.
297- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وَأَقَلَّ الِاعْتِبَارَ.
298- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ بَالَغَ فِي الْخُصُومَةِ أَثِمَ وَمَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَنْ خَاصَمَ.
299- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ بَعْدَهُ حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
300- وَسُئِلَ ( عليه السلام ) كَيْفَ يُحَاسِبُ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقِيلَ كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ فَقَالَ ( عليه السلام ) : كَمَا يَرْزُقُهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ.
301- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ، وَكِتَابُكَ أَبْلَغُ مَا يَنْطِقُ عَنْكَ.
302- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا الْمُبْتَلَى الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِهِ الْبَلَاءُ بِأَحْوَجَ إِلَى الدُّعَاءِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الْبَلَاءَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (529) (1/529)
303- وَقَالَ ( عليه السلام ) : النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَلَا يُلَامُ الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّهِ.
304- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ اللَّهِ فَمَنْ مَنَعَهُ فَقَدْ مَنَعَ اللَّهَ وَمَنْ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَعْطَى اللَّهَ.
305- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ.
306- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَفَى بِالْأَجَلِ حَارِساً.
307- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَنَامُ الرَّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ وَلَا يَنَامُ عَلَى الْحَرَبِ.
قال الرضي : ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد ولا يصبر على سلب الأموال.
308- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَوَدَّةُ الْآبَاءِ قَرَابَةٌ بَيْنَ الْأَبْنَاءِ وَالْقَرَابَةُ إِلَى الْمَوَدَّةِ أَحْوَجُ مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَى الْقَرَابَةِ.
309- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
310- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ بِمَا فِي يَدِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (530) (1/530)
311- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَدْ كَانَ بَعَثَهُ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَصْرَةِ يُذَكِّرُهُمَا شَيْئاً مِمَّا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فِي مَعْنَاهُمَا فَلَوَى عَنْ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أُنْسِيتُ ذَلِكَ الْأَمْرَ فَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ اللَّهُ بِهَا بَيْضَاءَ لَامِعَةً لَا تُوَارِيهَا الْعِمَامَةُ.
قال الرضي : يعني البرص فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد في وجهه فكان لا يرى إلا مبرقعا.
312- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ.
313- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَفِي الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ.
314- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَدْفَعُهُ إِلَّا الشَّرُّ.
315- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِكَاتِبِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَلِقْ دَوَاتَكَ وَأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وَفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ وَقَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّ.
316- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَنَا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّارِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (531) (1/531)
قال الرضي : ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني والفجار يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها وهو رئيسها.
317- وَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ مَا دَفَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَقَالَ ( عليه السلام ) : لَهُ إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْهُ لَا فِيهِ وَلَكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ.
318- وَقِيلَ لَهُ بِأَيِّ شَيْ ءٍ غَلَبْتَ الْأَقْرَانَ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا لَقِيتُ رَجُلًا إِلَّا أَعَانَنِي عَلَى نَفْسِهِ.
قال الرضي : يومئ بذلك إلى تمكن هيبته في القلوب.
319- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِابْنِهِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ.
320- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلَةٍ سَلْ تَفَقُّهاً وَلَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ.
321- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي شَيْ ءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَهُ لَكَ أَنْ تُشِيرَ عَلَيَّ وَأَرَى فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (532) (1/532)
322- وَرُوِيَ أَنَّهُ ( عليه السلام ) لَمَّا وَرَدَ الْكُوفَةَ قَادِماً مِنْ صِفِّينَ مَرَّ بِالشِّبَامِيِّينَ فَسَمِعَ بُكَاءَ النِّسَاءِ عَلَى قَتْلَى صِفِّينَ وَخَرَجَ إِلَيْهِ حَرْبُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِيِّ وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ قَوْمِهِ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : لَهُ أَ تَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أَسْمَعُ أَ لَا تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هَذَا الرَّنِينِ، وَأَقْبَلَ حَرْبٌ يَمْشِي مَعَهُ وَهُوَ ( عليه السلام ) رَاكِبٌ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي وَمَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ.
323- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ مَرَّ بِقَتْلَى الْخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بُؤْساً لَكُمْ لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ فَقِيلَ لَهُ مَنْ غَرَّهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ وَالْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ وَفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي وَوَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ.
324- وَقَالَ ( عليه السلام ) : اتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ فِي الْخَلَوَاتِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُ.
325- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ :
إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ نَقَصُوا بَغِيضاً وَنَقَصْنَا حَبِيباً.
326- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ اللَّهُ فِيهِ إِلَى ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (533) (1/533)
327- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الْإِثْمُ بِهِ، وَالْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ.
328- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
329- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِهِ.
330- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ لِلَّهِ أَلَّا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ.
331- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الْأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِ.
332- وَقَالَ ( عليه السلام ) : السُّلْطَانُ وَزَعَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ.
333- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَيْ ءٍ صَدْراً وَأَذَلُّ شَيْ ءٍ نَفْساً يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِيلٌ غَمُّهُ بَعِيدٌ هَمُّهُ كَثِيرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (534) (1/534)
334- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الْأَجَلَ وَمَصِيرَهُ، لَأَبْغَضَ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ.
335- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِكُلِّ امْرِئٍ فِي مَالِهِ شَرِيكَانِ، الْوَارِثُ وَالْحَوَادِثُ.
336- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَسْئُولُ حُرٌّ حَتَّى يَعِدَ.
337- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ.
338- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ وَمَسْمُوعٌ وَلَا يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ.
339- وَقَالَ ( عليه السلام ) : صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا وَيَذْهَبُ بِذَهَابِهَا.
340- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَالشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
341- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِ.
342- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْغِنَى الْأَكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (535) (1/535)
343- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ وَالسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ وَكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَالنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ وَمُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّهُ عَنْ فَضْلِ رَأْيِهِ الرِّضَى وَالسُّخْطُ وَيَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُهُ اللَّحْظَةُ وَتَسْتَحِيلُهُ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ.
344- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَعَاشِرَ النَّاسِ اتَّقُوا اللَّهَ فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لَا يَبْلُغُهُ وَبَانٍ مَا لَا يَسْكُنُهُ وَجَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ وَلَعَلَّهُ مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَهُ وَمِنْ حَقٍّ مَنَعَهُ أَصَابَهُ حَرَاماً وَاحْتَمَلَ بِهِ آثَاماً فَبَاءَ بِوِزْرِهِ وَقَدِمَ عَلَى رَبِّهِ آسِفاً لَاهِفاً قَدْ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.
345- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي.
346- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُهُ السُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُهُ.
347- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ وَالتَّقْصِيرُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ عِيٌّ أَوْ حَسَدٌ.
348- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِهِ صَاحِبُهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (536) (1/536)
349- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ وَمَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ لَمْ يَحْزَنْ عَلَى مَا فَاتَهُ وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِهِ وَمَنْ كَابَدَ الْأُمُورَ عَطِبَ وَمَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ غَرِقَ وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ وَمَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ وَمَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ وَمَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ وَمَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ وَمَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ وَمَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ الْأَحْمَقُ بِعَيْنِهِ وَالْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ.
350- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ وَيُظَاهِرُ الْقَوْمَ الظَّلَمَةَ.
351- وَقَالَ ( عليه السلام ) : عِنْدَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تَكُونُ الْفَرْجَةُ وَعِنْدَ تَضَايُقِ حَلَقِ الْبَلَاءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ.
352- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ لَا تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَوَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ وَإِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فَمَا هَمُّكَ وَشُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ.
353- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُهُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (537) (1/537)
354- وَهَنَّأَ بِحَضْرَتِهِ رَجُلٌ رَجُلًا بِغُلَامٍ وُلِدَ لَهُ فَقَالَ لَهُ لِيَهْنِئْكَ الْفَارِسُ فَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَقُلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قُلْ شَكَرْتَ الْوَاهِبَ وَبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْتَ بِرَّهُ.
355- وَبَنَى رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِهِ بِنَاءً فَخْماً فَقَالَ ( عليه السلام ) : أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ رُءُوسَهَا إِنَّ الْبِنَاءَ يَصِفُ لَكَ الْغِنَى.
356- وَقِيلَ لَهُ ( عليه السلام ) لَوْ سُدَّ عَلَى رَجُلٍ بَابُ بَيْتِهِ وَتُرِكَ فِيهِ مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ فَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِ أَجَلُهُ
357- وَعَزَّى قَوْماً عَنْ مَيِّتٍ مَاتَ لَهُمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لَكُمْ بَدَأَ وَلَا إِلَيْكُمُ انْتَهَى وَقَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا يُسَافِرُ فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَإِلَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ.
358- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَيُّهَا النَّاسُ لِيَرَكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً وَمَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولًا
359- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ أَقْصِرُوا
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (538) (1/538)
فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيَا لَا يَرُوعُهُ مِنْهَا إِلَّا صَرِيفُ أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ أَيُّهَا النَّاسُ تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا وَاعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا.
360- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا.
361- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ ( صلى الله عليه وآله ) ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَمْنَعَ الْأُخْرَى.
362- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِهِ فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَ.
363- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنَ الْخُرْقِ الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ، وَالْأَنَاةُ بَعْدَ الْفُرْصَةِ.
364- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَا يَكُونُ فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ.
365- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ وَالِاعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وَكَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَهُ لِغَيْرِكَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (539) (1/539)
366- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ عَنْهُ.
367- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِئٌ فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاهُ قُلْعَتُهَا أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا وَبُلْغَتُهَا أَزْكَى مِنْ ثَرْوَتِهَا حُكِمَ عَلَى مُكْثِرٍ مِنْهَا بِالْفَاقَةِ وَأُعِينَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالرَّاحَةِ مَنْ رَاقَهُ زِبْرِجُهَا أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْهِ كَمَهاً وَمَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا مَلَأَتْ ضَمِيرَهُ أَشْجَاناً لَهُنَّ رَقْصٌ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ هَمٌّ يَشْغَلُهُ وَغَمٌّ يَحْزُنُهُ كَذَلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِهِ فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاهُ هَيِّناً عَلَى اللَّهِ فَنَاؤُهُ وَعَلَى الْإِخْوَانِ إِلْقَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ وَيَقْتَاتُ مِنْهَا بِبَطْنِ الِاضْطِرَارِ وَيَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ الْمَقْتِ وَالْإِبْغَاضِ إِنْ قِيلَ أَثْرَى قِيلَ أَكْدَى وَإِنْ فُرِحَ لَهُ بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَهُ بِالْفَنَاءِ هَذَا وَلَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ فِيهِ يُبْلِسُونَ.
368- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَضَعَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِهِ وَالْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ ذِيَادَةً لِعِبَادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ وَحِيَاشَةً لَهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (540) (1/540)
369- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ وَمِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ وَمَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى سُكَّانُهَا وَعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَإِلَيْهِمْ تَأْوِي الْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ عَنْهَا فِيهَا وَيَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ وَقَدْ فَعَلَ وَنَحْنُ نَسْتَقِيلُ اللَّهَ عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ.
370- وَرُوِيَ أَنَّهُ ( عليه السلام ) قَلَّمَا اعْتَدَلَ بِهِ الْمِنْبَرُ إِلَّا قَالَ أَمَامَ الْخُطْبَةِ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ فَمَا خُلِقَ امْرُؤٌ عَبَثاً فَيَلْهُوَ وَلَا تُرِكَ سُدًى فَيَلْغُوَ وَمَا دُنْيَاهُ الَّتِي تَحَسَّنَتْ لَهُ بِخَلَفٍ مِنَ الْآخِرَةِ الَّتِي قَبَّحَهَا سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَهُ وَمَا الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيَا بِأَعْلَى هِمَّتِهِ كَالْآخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الْآخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِهِ.
371- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الْإِسْلَامِ وَلَا عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى وَلَا مَعْقِلَ أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ وَلَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ وَلَا كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ وَلَا مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَى بِالْقُوتِ وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ وَتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ وَالرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (541) (1/541)
وَ مَطِيَّةُ التَّعَبِ وَالْحِرْصُ وَالْكِبْرُ وَالْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَى التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ وَالشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُيُوبِ.
372- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ يَا جَابِرُ قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَهُ وَجَاهِلٍ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَجَوَادٍ لَا يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ وَفَقِيرٍ لَا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ فَإِذَا ضَيَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَإِذَا بَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ يَا جَابِرُ مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ.
373- وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهِ وَكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ لِقِتَالِ الْحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا كَانَ يَحُضُّ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ فِي الصَّالِحِينَ وَأَثَابَهُ ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ يَقُولُ يَوْمَ لَقِينَا أَهْلَ الشَّامِ :
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السُّفْلَى فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى وَقَامَ عَلَى الطَّرِيقِ وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (542) (1/542)
374- وَفِي كَلَامٍ آخَرَ لَهُ يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ الْخَيْرِ وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ فَذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ وَمُضَيِّعٌ خَصْلَةً وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذَلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ وَتَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ وَمَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إِلَّا كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ وَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ.
375- وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) يَقُولُ أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ ثُمَّ بِأَلْسِنَتِكُمْ ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ أَعْلَاهُ.
376- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِي ءٌ وَإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِي ءٌ.
377- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَأْمَنَنَّ عَلَى خَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَذَابَ اللَّهِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (543) (1/543)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ وَلَا تَيْأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ.
378- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْبُخْلُ جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ الْعُيُوبِ وَهُوَ زِمَامٌ يُقَادُ بِهِ إِلَى كُلِّ سُوءٍ.
379- وَقَالَ ( عليه السلام ) : يَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُهُ وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ فَلَا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ كَفَاكَ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى مَا فِيهِ فَإِنْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ وَلَنْ يَسْبِقَكَ إِلَى رِزْقِكَ طَالِبٌ وَلَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْهِ غَالِبٌ وَلَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّرَ لَكَ.
قال الرضي : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب إلا أنه هاهنا أوضح وأشرح فلذلك كررناه على القاعدة المقررة في أول الكتاب.
380- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رُبَّ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لَيْسَ بِمُسْتَدْبِرِهِ وَمَغْبُوطٍ فِي أَوَّلِ لَيْلِهِ قَامَتْ بَوَاكِيهِ فِي آخِرِهِ.
381- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِهِ صِرْتَ فِي وَثَاقِهِ فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ وَوَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وَجَلَبَتْ نِقْمَةً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (544) (1/544)
382- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
383- وَقَالَ ( عليه السلام ) : احْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ وَيَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَإِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَإِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
384- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الرُّكُونُ إِلَى الدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ مِنْهَا جَهْلٌ وَالتَّقْصِيرُ فِي حُسْنِ الْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ غَبْنٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ لَهُ عَجْزٌ.
385- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُعْصَى إِلَّا فِيهَا وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِتَرْكِهَا.
386- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَهُ أَوْ بَعْضَهُ.
387- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ وَمَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ وَكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ وَكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ.
388- وَقَالَ ( عليه السلام ) : أَلَا وَإِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْفَاقَةَ وَأَشَدُّ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (545) (1/545)
مِنَ الْفَاقَةِ مَرَضُ الْبَدَنِ وَأَشَدُّ مِنْ مَرَضِ الْبَدَنِ مَرَضُ الْقَلْبِ أَلَا وَإِنَّ مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ تَقْوَى الْقَلْبِ.
389- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : مَنْ فَاتَهُ حَسَبُ نَفْسِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ حَسَبُ آبَائِهِ.
390- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ وَسَاعَةٌ يَرُمُّ مَعَاشَهُ وَسَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ وَلَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ.
391- وَقَالَ ( عليه السلام ) : ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُبَصِّرْكَ اللَّهُ عَوْرَاتِهَا وَلَا تَغْفُلْ فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْكَ.
392- وَقَالَ ( عليه السلام ) : تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ.
393- وَقَالَ ( عليه السلام ) : خُذْ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَتَاكَ وَتَوَلَّ عَمَّا تَوَلَّى عَنْكَ فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ.
394- وَقَالَ ( عليه السلام ) : رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ.
395- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْهِ كَافٍ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (546) (1/546)
396- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْمَنِيَّةُ وَلَا الدَّنِيَّةُ وَالتَّقَلُّلُ وَلَا التَّوَسُّلُ وَمَنْ لَمْ يُعْطَ قَاعِداً لَمْ يُعْطَ قَائِماً وَالدَّهْرُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ وَيَوْمٌ عَلَيْكَ فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلَا تَبْطَرْ وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ.
397- وَقَالَ ( عليه السلام ) : نِعْمَ الطِّيبُ الْمِسْكُ خَفِيفٌ مَحْمِلُهُ عَطِرٌ رِيحُهُ.
398- وَقَالَ ( عليه السلام ) : ضَعْ فَخْرَكَ وَاحْطُطْ كِبْرَكَ وَاذْكُرْ قَبْرَكَ.
399- وَقَالَ ( عليه السلام ) : إِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ حَقّاً وَإِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقّاً فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَهُ فِي كُلِّ شَيْ ءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَهُ وَيُحَسِّنَ أَدَبَهُ وَيُعَلِّمَهُ الْقُرْآنَ.
400- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْعَيْنُ حَقٌّ وَالرُّقَى حَقٌّ وَالسِّحْرُ حَقٌّ وَالْفَأْلُ حَقٌّ وَالطِّيَرَةُ لَيْسَتْ بِحَقٍّ وَالْعَدْوَى لَيْسَتْ بِحَقٍّ وَالطِّيبُ نُشْرَةٌ وَالْعَسَلُ نُشْرَةٌ وَالرُّكُوبُ نُشْرَةٌ وَالنَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ نُشْرَةٌ.
401- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مُقَارَبَةُ النَّاسِ فِي أَخْلَاقِهِمْ أَمْنٌ مِنْ غَوَائِلِهِمْ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (547) (1/547)
402- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِبَعْضِ مُخَاطِبِيهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُسْتَصْغَرُ مِثْلُهُ عَنْ قَوْلِ مِثْلِهَا لَقَدْ طِرْتَ شَكِيراً وَهَدَرْتَ سَقْباً.
قال الرضي : والشكير هاهنا أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى ويستحصف والسقب الصغير من الإبل ولا يهدر إلا بعد أن يستفحل.
403- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ أَوْمَأَ إِلَى مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْهُ الْحِيَلُ.
404- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنَّا لَا نَمْلِكُ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً وَلَا نَمْلِكُ إِلَّا مَا مَلَّكَنَا فَمَتَى مَلَّكَنَا مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنَّا كَلَّفَنَا وَمَتَى أَخَذَهُ مِنَّا وَضَعَ تَكْلِيفَهُ عَنَّا.
405- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سَمِعَهُ يُرَاجِعُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً دَعْهُ يَا عَمَّارُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَعَلَى عَمْدٍ لَبَسَ عَلَى نَفْسِهِ لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِهِ.
406- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ تِيهُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ اتِّكَالًا عَلَى اللَّهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (548) (1/548)
407- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ امْرَأً عَقْلًا إِلَّا اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْماً مَا.
408- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ صَارَعَ الْحَقَّ صَرَعَهُ.
409- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْقَلْبُ مُصْحَفُ الْبَصَرِ.
410- وَقَالَ ( عليه السلام ) : التُّقَى رَئِيسُ الْأَخْلَاقِ.
411- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لَا تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسَانِكَ عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ وَبَلَاغَةَ قَوْلِكَ عَلَى مَنْ سَدَّدَكَ.
412- وَقَالَ ( عليه السلام ) : كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ.
413- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مَنْ صَبَرَ صَبْرَ الْأَحْرَارِ وَإِلَّا سَلَا سُلُوَّ الْأَغْمَارِ.
414- وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ ( عليه السلام ) قَالَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مُعَزِّياً عَنِ ابْنٍ لَهُ
إِنْ صَبَرْتَ صَبْرَ الْأَكَارِمِ وَإِلَّا سَلَوْتَ سُلُوَّ الْبَهَائِمِ.
415- وَقَالَ ( عليه السلام ) : فِي صِفَةِ الدُّنْيَا تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَهَا ثَوَاباً لِأَوْلِيَائِهِ وَلَا عِقَاباً لِأَعْدَائِهِ وَإِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (549) (1/549)
416- وَقَالَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ ( عليه السلام ) لَا تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ تَخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ وَإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ.
قال الرضي : وَيُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ :
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِكَ مِنَ الدُّنْيَا قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَهُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلٍ بَعْدَكَ وَإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ أَوْ رَجُلٍ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيتَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَلَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَهْلًا أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَلَا أَنْ تَحْمِلَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَلِمَنْ بَقِيَ رِزْقَ اللَّهِ.
417- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِقَائِلٍ قَالَ بِحَضْرَتِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَ تَدْرِي مَا الِاسْتِغْفَارُ، الِاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ، أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَالثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً، وَالثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ، وَالرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا، وَالْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (550) (1/550)
الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ، وَالسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
418- وَقَالَ ( عليه السلام ) : الْحِلْمُ عَشِيرَةٌ.
419- وَقَالَ ( عليه السلام ) : مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ مَكْتُومُ الْأَجَلِ مَكْنُونُ الْعِلَلِ مَحْفُوظُ الْعَمَلِ تُؤْلِمُهُ الْبَقَّةُ وَتَقْتُلُهُ الشَّرْقَةُ وَتُنْتِنُهُ الْعَرْقَةُ.
420- وَرُوِيَ أَنَّهُ ( عليه السلام ) كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحُ وَإِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى امْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلَامِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ : قَاتَلَهُ اللَّهُ، كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ، فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ، فَقَالَ ( عليه السلام ) : رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ، أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ.
421- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ.
422- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
افْعَلُوا الْخَيْرَ وَلَا تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (551) (1/551)
فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَهْلًا فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ.
423- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَمَنْ عَمِلَ لِدِينِهِ كَفَاهُ اللَّهُ أَمْرَ دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، أَحْسَنَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ.
424- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ وَالْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وَقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ.
425- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً يَخْتَصُّهُمُ اللَّهُ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ فَيُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ.
426- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَيْنِ الْعَافِيَةِ وَالْغِنَى بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافًى إِذْ سَقِمَ وَبَيْنَا تَرَاهُ غَنِيّاً إِذِ افْتَقَرَ.
427- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَى مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّهُ شَكَاهَا إِلَى اللَّهِ وَمَنْ شَكَاهَا إِلَى كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا اللَّهَ.
428- وَقَالَ ( عليه السلام ) فِي بَعْضِ الْأَعْيَادِ :
إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (552) (1/552)
429- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالًا فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَوَرِثَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَدَخَلَ بِهِ الْجَنَّةَ وَدَخَلَ الْأَوَّلُ بِهِ النَّارَ.
430- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ أَخْسَرَ النَّاسِ صَفْقَةً وَأَخْيَبَهُمْ سَعْياً رَجُلٌ أَخْلَقَ بَدَنَهُ فِي طَلَبِ مَالِهِ وَلَمْ تُسَاعِدْهُ الْمَقَادِيرُ عَلَى إِرَادَتِهِ فَخَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا بِحَسْرَتِهِ وَقَدِمَ عَلَى الْآخِرَةِ بِتَبِعَتِهِ.
431- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا وَمَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَهُ مِنْهَا.
432- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ وَرَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا وَدَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ وَسَلْمُ مَا عَادَى النَّاسُ بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ وَبِهِ عَلِمُوا وَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ وَلَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (553) (1/553)
433- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
اذْكُرُوا انْقِطَاعَ اللَّذَّاتِ وَبَقَاءَ التَّبِعَاتِ.
434- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
اخْبُرْ تَقْلِهِ.
قال الرضي : ومن الناس من يروي هذا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ومما يقوي أنه من كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي قال المأمون لو لا أن عليا ( عليه السلام ) قال اخبر تقله لقلت اقله تخبر.
435- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْإِجَابَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ لِعَبْدٍ بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَةِ.
436- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
أَوْلَى النَّاسِ بِالْكَرَمِ مَنْ عُرِفَتْ بِهِ الْكِرَامُ.
437- وَسُئِلَ ( عليه السلام ) أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْعَدْلُ أَوِ الْجُودُ، فَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْعَدْلُ يَضَعُ الْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا وَالْجُودُ يُخْرِجُهَا مِنْ جِهَتِهَا وَالْعَدْلُ سَائِسٌ عَامٌّ وَالْجُودُ عَارِضٌ خَاصٌّ فَالْعَدْلُ أَشْرَفُهُمَا وَأَفْضَلُهُمَا.
438- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا.
439- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ }
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (554) (1/554)
وَ مَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَلَمْ يَفْرَحْ بِالْآتِي فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ.
440- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ.
441- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْوِلَايَاتُ مَضَامِيرُ الرِّجَالِ.
442- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
لَيْسَ بَلَدٌ بِأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَدٍ خَيْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ.
443- وَقَالَ ( عليه السلام ) : وَقَدْ جَاءَهُ نَعْيُ الْأَشْتَرِ رَحِمَهُ اللَّهُ :
مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ جَبَلًا لَكَانَ فِنْداً وَلَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً لَا يَرْتَقِيهِ الْحَافِرُ وَلَا يُوفِي عَلَيْهِ الطَّائِرُ.
قال الرضي : والفند المنفرد من الجبال.
444- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مَمْلُولٍ مِنْهُ.
445- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ خَلَّةٌ رَائِقَةٌ فَانْتَظِرُوا أَخَوَاتِهَا.
446- وَقَالَ ( عليه السلام ) : لِغَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَبِي الْفَرَزْدَقِ فِي كَلَامٍ دَارَ بَيْنَهُمَا :
مَا فَعَلَتْ إِبِلُكَ الْكَثِيرَةُ قَالَ دَغْدَغَتْهَا الْحُقُوقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( عليه السلام ) : ذَلِكَ أَحْمَدُ سُبُلِهَا.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (555) (1/555)
447- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْهٍ فَقَدِ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا.
448- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِكِبَارِهَا.
449- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهَوَاتُهُ.
450- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلَّا مَجَّ مِنْ عَقْلِهِ مَجَّةً.
451- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٍّ وَرَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍ.
452- وقال ( عليه السلام ) :
الْغِنَى وَالْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ.
453- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا زَالَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُهُ الْمَشْئُومُ عَبْدُ اللَّهِ.
454- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا لِابْنِ آدَمَ وَالْفَخْرِ أَوَّلُهُ نُطْفَةٌ وَآخِرُهُ جِيفَةٌ وَلَا يَرْزُقُ نَفْسَهُ وَلَا يَدْفَعُ حَتْفَهُ.
455- وَسُئِلَ مَنْ أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (556) (1/556)
إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ.
يريد إمرأ القيس.
456- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
أَلَا حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اللُّمَاظَةَ لِأَهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا.
457- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا.
458- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ يَنْفَعُكَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ وَأَنْ تَتَّقِيَ اللَّهَ فِي حَدِيثِ غَيْرِكَ.
459- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
يَغْلِبُ الْمِقْدَارُ عَلَى التَّقْدِيرِ حَتَّى تَكُونَ الْآفَةُ فِي التَّدْبِيرِ.
قال الرضي : وقد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف هذه الألفاظ.
460- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ.
461- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ.
462- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (557) (1/557)
463- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَلَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.
464- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَلَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ.
قال الرضي : والمرود هنا مفعل من الإرواد وهو الإمهال والإظهار وهذا من أفصح الكلام وأغربه فكأنه ( عليه السلام ) شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها.
465- وَقَالَ ( عليه السلام ) فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ :
هُمْ وَاللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَأَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ.
466- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ.
قال الرضي : وهذه من الاستعارات العجيبة كأنه يشبه السه بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد رواه قوم لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) وذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية.
467- وَقَالَ ( عليه السلام ) فِي كَلَامٍ لَهُ :
وَ وَلِيَهُمْ وَالٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ.
468- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيهِ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (558) (1/558)
سُبْحَانَهُ وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ تَنْهَدُ فِيهِ الْأَشْرَارُ وَتُسْتَذَلُّ الْأَخْيَارُ وَيُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّينَ.
469- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وَبَاهِتٌ مُفْتَرٍ.
قال الرضي : وهذا مثل قوله ( عليه السلام ) :
هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ وَمُبْغِضٌ قَالٍ.
470- وَسُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
التَّوْحِيدُ أَلَّا تَتَوَهَّمَهُ وَالْعَدْلُ أَلَّا تَتَّهِمَهُ.
471- وقال ( عليه السلام ) :
لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ.
472- وَقَالَ ( عليه السلام ) فِي دُعَاءٍ اسْتَسْقَى بِهِ :
اللَّهُمَّ اسْقِنَا ذُلُلَ السَّحَابِ دُونَ صِعَابِهَا.
قال الرضي : وهذا من الكلام العجيب الفصاحة وذلك أنه ( عليه السلام ) شبه السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها وتقص بركبانها وشبه السحاب خالية من تلك الروائع بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة.
473- وَقِيلَ لَهُ ( عليه السلام ) لَوْ غَيَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْخِضَابُ زِينَةٌ وَنَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ).
نهج البلاغة :........... .................. صفحة : (559) (1/559)
474- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
475- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ.
قال الرضي : وقد روى بعضهم هذا الكلام لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
476- وَقَالَ ( عليه السلام ) لِزِيَادِ ابْنِ أَبِيهِ وَقَدِ اسْتَخْلَفَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَى فَارِسَ وَأَعْمَالِهَا فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَاهُ فِيهِ عَنْ تَقَدُّمِ الْخَرَاجِ :
اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ وَاحْذَرِ الْعَسْفَ وَالْحَيْفَ فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاءِ وَالْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى السَّيْفِ.
477- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهَا صَاحِبُهُ.
478- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا.
479- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
شَرُّ الْإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَهُ.
قال الرضي : لأن التكليف مستلزم للمشقة وهو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان.
480- وَقَالَ ( عليه السلام ) :
إِذَا احْتَشَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَقَدْ فَارَقَهُ.
قال الرضي : يقال حشمه وأحشمه إذا أغضبه وقيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له وهو مظنة مفارقته.
و هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام، حامدين للّه سبحانه على ما منّ به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه، وتقريب ما بعد من أقطاره.
و تقرر العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب، ليكون لاقتناص الشارد، واستلحاق الوارد، وما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض، ويقع إلينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا إلا باللّه عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
و ذلك في رجب سنة أربع مائة من الهجرة، وصلى اللّه على سيدنا محمد خاتم الرسل، والهادي إلى خير السبل، وآله الطاهرين، وأصحابه نجوم اليقين.