الكتاب : مقاتل الطالبيين
المؤلف : أبو الفرج الأصبهاني
مصدر الكتاب : موقع الوراق
http://www.alwarraq.com
[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني رضي الله عنه وأرضاه قرأته عليه قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، وعبد الله بن الحسين بن محمد الفارسي قراءة عليهما قالا: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني قال: بحمد الله والثناء عليه يفتتح كل كلام، ويبتدأ كل مقال كفاءً لآلائه، وشكراً لجميل بلائه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من آمن بربوبيته، واعترف بوحدانيته، وأن محمداُ عبده ورسوله المبعوث برسالته، والداعي إلى طاعته، والموضح الحق ببرهانه، والمبين أعلام الهدى ببيانه، عليه وعلى آله وأطايب أرومته، والمصطفين من عترته أفضل سلام الله وتحيته، وبركاته ورحمته.
وبالله نستعين على ما أردناه، وقصدناه إليه ونحوناه، من أمر الدنيا والآخرة، والعاجلة والآجلة.
وبه عز وتعالى نعوذ من كل عمل لا يرتضيه، فيردى، وسعي لا يشكره فيكدى، إذعاناً بالتقصير والعجز، وتبرؤاً من الحول والطول إلا بقدرته ومشيئته، وتوفيقه وهدايته. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وصلى الله على نبيه محمد صلى الله عليه سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين والمرسلين أولاً وآخراً، وبادئاً وتالياً، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وسلم كثيراً.
ونحن ذاكرون في كتابنا هذا إن شاء الله وأيد منه بعون وإرشاد جملاً من أخبار من قتل من ولد أبي طالب منذ عهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب، وهو في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة للهجرة ومن احتيل في قتله منهم بسمٍ وكان سبب وفاته، ومن خاف السلطان وهرب منه فمات في تواريه، ومن ظفر به فحبس حتى هلك في محبسه، على السياقة لتواريخ مقاتل من قتل منهم، ووفاة من توفي بهذه الأحوال، لا على قدر مراتبهم في الفضل والتقدم. ومقتصرون في ذكر أخبارهم على من كان محمود الطريقة، سديد المذهب، لا من كان بخلاف ذلك، أو عدل عن سبيل أهله ومذاهب أسلافه، أو كان خروجه على سبيل عيثٍ وإفساد. وعلى أنا لا ننتفي من أن يكون الشيء من أخبار المتأخرين منهم فاتنا ولم يقع إلينا، لتفرقهم في أقاصي المشرق والمغرب، وحلولهم في نائي الأطراف وشاسع المحال التي يتعذر علينا استعلام أخبارهم فيها، ومعرفة قصصهم لاستيطانهم إياها سيما مع قصور زماننا هذا وأهله، وخلوه من مدون الخبر، أو ناقل الأثر، كما كان المتقدمون قبلهم يدونون ويصنفون وينظمون ويرصفون.
ومن اعترف بالتقصير خلا من التأنيب.
وجاعلون ما نؤلفه في هذا الكتاب ونأتي به، على أقرب ما يمكننا من الاختصار ونقدر عليه من الاقتصار، وجامعون فيه ما لا يستغنى عن ذكره من أخبارهم وسيرهم ومقاتلهم وقصصهم؛ إذ كان استيعاب ذلك وجمعه من طرقه ووجوهه يطول جداً ويكثر ويثقل على جامعه وسامعه، والاختصار لمثل هذا أخف على الحامل والناقل.
والله المسؤول حسن التوفيق والمعونة على ما أرضاه من قول، وأزلف لديه من عمل. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
جعفر بن أبي طالب
فأول قتيل منهم في الإسلام جعفر بن أبي طالب عليه السلام. واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، وهو شيبة بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف.
ويكنى أبا عبد الله فيما يزعم أهله.
وروى عن أبي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يكنى أبا المساكين.
حدثني بذلك محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال: حدثنا فضل بن الحسن المصري قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرازق عن معمر عن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة.
وكان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه، وكان طالب أكبرهم سناً، ويليه عقيل، ويلي عقيلاً جعفر، ويلي جعفراً علي. وكل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين، وعلي أصغرهم سناً.
حدثني بذلك أحمد بن محمد، بن سعيد الهمداني، قال:حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا ابن أبي اليسرى عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس.
وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأمها فاطمة، وتعرف بحبى بنت هرم بن رواحة، بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤي.

(1/1)


وأمها حدية بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر.
وأمها فاطمة بنت عبيد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
وأمها عاتكة بنت أبي همهمة. واسم أبي همهمة عمرو بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن أبي وديعة بن الحارث بن فهر.
وأمها تماضر بنت أبي عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
وأمها حبيبة، وهي أمة الله بنت عبد يا ليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف.
وأمها فلانة بنت مخزوم بن أسامة بن صبح بن وائلة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.
وأمها ريطة بنت يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف.
وأمها كليبة بنت قصية بن سعد بن بكر بن هوازن.
وأمها حبى بنت الحارث بن النابغة بن عميرة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وفاطمة بنت أسدي، بن هاشم، أول هاشمية تزوجت هاشمياً وولدت له، وأدركت النبي " ص " ، فأسلمت وحسن إسلامها، وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها، وصلى عليها ونزل في لحدها واضطجع معها فيه، وأحسن الثناء عليها.
حدثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب، قال حدثنا الحسن بن بشر، قال " 4 " حدثنا سعدان بن الوليد بياع السابري، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله " ص " قميصه واضطجع معها في قبرها، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة. فقال: " إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها " .
حدثني علي بن العباس المقانعي قال: حدثنا عبيد بن الهيثم، قال: حدثنا القاسم بن نصر، عن عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة عن الزبير بن سعد الهاشمي، عن أبيه، عن علي قال: أمرني رسول الله " ص " فغسلت أمي فاطمة بنت أسد.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن عبد الله بن يسار، عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب حادية عشرة، يعني في السابقة إلى الإسلام، وكانت بدرية.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي " عن حسين بن حسين اللؤلئي " قال حدثنا السري بن سهل الجند نسابوري قال حدثنا محمد بن عمرو ربيح عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم، عن الحسن البصري، عن الزبير بن العوام، قال: سمعت النبي " ص " يدعوا النساء إلى البيعة حين أ نزلت هذه الآية " يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " ، وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله " ص " .
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه، عن جده: أن رسول الله " ص " دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة.
ذكر مقتل جعفر بن أبي طالب
والسبب فيه وبعض أخباره قرأت " ذلك " على محمد بن جرير الطبري في كتاب المغازي فأقر به.
قلت حدثكم محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق، قال: وقرئ بحضرتي على أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قيل حدثكم إسحاق المسيبي. قال حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري في خبر جعفر بن أبي طالب ورجوعه من بلاد الحبشة مع من رجع إلى النبي " ص " من المهاجرين إليها بأحاديث دخل بعضها في بعض، وذكرت معانيها مفصلة برواية نقلتها في أماكنها ومواضعها.
حدثني محمد بن إبراهيم بن أبان السراج، قال: حدثنا بشار بن موسى الخفاف، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأجلح، عن الشعبي - و اللفظ له.
قال: لما فتح النبي " ص " خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من الحبشة فالتزمه رسول الله " ص " وجعل يقبل بين عينيه ويقول: " ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر " .
قال ابن إسحاق وابن شهاب الزهري: لما قدم جعفر من أرض الحبش بعث رسول الله " ص " بعثه إلى مؤتة.

(1/2)


قال ابن إسحاق خاصة عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير: أنه بعث ذلك البعث في جمادي لسنة ثمان من الهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله، بن رواحة على الناس.
أخبرنا محمد بن جرير " قراءة عليه " قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن زيد بن أرقم قال: مضى الناس، حتى إذا كانوا بتخوم البقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب، فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها وتعبأ المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له: عبادة بن مالك. ثم التقو فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله " ص " حتى شاط في رماح القوم. ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى " إذا ألحمه القتال " اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل. فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام.
أخبرنا محمد بن جرير، قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة وأبو ثميلة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه " عباد " ، قال حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك ا لغزوة غزوة مؤتة، قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين أقتحم عن فرس له شقراء فعقرها. ثم قاتل القوم حتى قتل.
حدثنا أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه قال: حدثني إبراهيم بن الوليد بن سلمة القرشي، قال حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عقبة، عن أبي يونس، عن عبد الرحمن بن سميرة، قال: بعثني خالد بن الوليد بشيراً إلى رسول الله يوم مؤتة، فلما دخلت المسجد قال لي رسول الله " ص " " 6 " : على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد فقتل، فرحم الله زيداً ثم أخذ ا للواء جعفر بن أبي طالب فقاتل جعفر فقتل فرحم الله جعفراً. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل عبد الله بن رواحة فقتل، فرحم الله عبد الله.
قال فبكى أصحاب رسول الله " ص " وهم حوله فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل ا لفضل منا. فقال: لا تبكوا؛ فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها وهيأ مساكبها، وحلق سعفها، فأطعمت عاماً فوجاً، ثم عاماً فوجاً، ثم عاماً فوحاً، فلعل آخرها طعماً أن يكون أجودها قنواناً، وأطولها شمراخاً. والذي بعثني بالحق ليجدان ابن مريم في أمتي خلفاً من حواريه.
قال أبو الفرج: وفيما قال لي علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب " اروه عني " ، وأخرج إلي كتاب عمه محمد بن علي بن حمزة فكتبته عنه. قال علي بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: قتل جعفر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. وهذا عندي شبيه بالوهم؛ لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول الله " ص " إحدى وعشرون سنة، وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام بعشر سنين، وكان لعلي حين أسلم سنون مختلفة في عددها فالمكثر يقول كانت خمس عشرة، والمقلل يقول سبع سنين. وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله " ص " لا خلاف في ذلك. وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين.
قال أبو إسحاق في حديثه الذي تقدم ذكره، وقد حدثنا به أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن الحسن قال: حدثني إبراهيم بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: قال كعب بن مالك يرثي حعفر بن أبي طالب:
هدت العيون ودمع عينك يهمل ... سحا كما وكف الضباب المخضل
وكأنما بين الجوانح والحشا ... مما تأوبني شهاب مدخل
وجداً على النفر الذين تتابعوا ... يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى الإله عليهم من فتيةٍ ... وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم ... عند الحمام حفيظة أن ينكلوا

(1/3)


إذ يهتدون بجعفرٍ ولوائه ... قدام أولهم ونعم الأول
حتى تفرقت الصفوف وجعفر ... حيث التقى وعث الصفوف مجدل
فتغير القمر المنير لفقده ... والشمس قد كسفت وكادت تأفل
" قومٌ بهم نصر الإله عباده ... وعليهم نزل الكتاب المنزل
ويهديهم رضى الإله لخلقه ... وبحدهم نصر النبي المرسل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم ... تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
حدثنا حامد بن محمد البلخي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا محبوب - يعني ابن الحسن - قال: حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: ما ركب أحد المطايا ولا ركب الكور، ولا انتعل، ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله " ص " أفضل من جعفر بن أبي طالب.
حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن الحسن قال:حدثنا إسحاق بن سليمان الخراز، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله " ص " : " خير الناس حمزة، وجعفر وعلي عليهم السلام " .
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأيت جعفراً ملكاً يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين.
حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا وهب بن وهب، قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة.
حدثنا محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال حدثنا علي بن غراب، عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر: أنت أشبهت خلقي وخلقي.
حدثني محمد بن الحسين " الأشناني " قال: حدثنا جعفر بن محمد الرماني، قال: حدثنا محمد بن جبلة، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو الجارود، قال: حدثني عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: الناس " 8 " من شجر شتى وأنا وجعفر من شجرة واحدة.
محمد بن جعفر
ومحمد بن جعفر بن أبي طالب لاتعرف كنيته.
وأمه أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن بشير بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم.
وأمها هند بنت عوف بن الحارث وهو حماطة، بن ربيعة بن ذي جليل بن جرش واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل الغوث بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير وهو العرنجج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وهند هذه التي هي أم أسماء بنت عميس التي قيل فيها: الجرشية أكرم الناس أحماء. جرش من اليمن.
وابنتها أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب، ثم أبو بكر، ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.وابنتها الأخرى ميمونة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وسلم .
وابنتها الأخرى لبابة أم الفضل، أخت ميمونة، أم ولد العباس بن عبد المطلب.
وابنتها الأخرى سلمى بنت عميس أم ولد حمزة بن عبد المطلب.
وأحماء هذه الجرشية: رسول الله " ص " ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحمزة، والعباس، وحعفر، وأبو بكر، ومن أحمائها أيضاً الوليد بن المغيرة المخزومي فأم خالد بن الوليد: أم الفضل الكبرى بنت الحارث أخت أسماء لأمها.
وهي أم جميع ولد جعفر بن أبي طالب.
وتزوجت الجرشية الحارث بن الجون بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر، فولدت منه ميمونة زوجة النبي " ص " ، وأم الفضل أختها تزوجها العباس فولدت له عبد الله، وعبيد الله، والفضل ومعبداً وقثم.
وذكرها الحسن، بن زيد، بن الحسن، بن علي فقال:

(1/4)


كانت الجرشية أكرم الناس أحماء، ذكر رسول الله " ص " وعليا، وحمزة، وجعفر، والعباس، ولم يذكر أبا بكر، وكان في مجلسه جماعة من ولده فرأى ذلك قد شق عليهم فقال: وأبو بكر بعد سكوت طويل.
ولما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر فولدت له محمداً. ثم توفى فخلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي، وتوفي في حياة أبيه، ولا عقب له.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو يونس محمد بن أحمد، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة عن أبيه عن الضحاك بن عثمان، قال: خرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب في كتيبة يقال لها الخضراء، وكان بإزائه محمد بن جعفر بن أبي طالب معه راية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب التي تسمى الجموح، وكانا في عشرة آلاف. فاقتتلوا قتالاً شديداً.
قال: فلقد ألقى الله عز وجل عليهم الصبر، ورفع عنهم النصر، فصاح عبيد الله حتى متى هذا الحذر؟ أبرز حتى أناجزك، فبرز له محمد، فتطاعنا حتى انكسرت رماحهما، ثم تضاربا حتى انكسر سيف محمد، ونشب سيف عبيد الله بن عمر في الدرقة، فتعانقا وعض كل واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما، وحمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضاً، حتى صار عليهما مثل التل العظيم من القتلى.
وغلب علي عليه السلام على المعركة فأزال أهل الشام عنهما، ووقف عليهما فقال اكشفوا " هؤلاء القتلى عن ابن أخي فجعلوا يجرون القتلى عنهما حتى كشفوهما " فإذا هما متعانقان، فقال علي عليه السلام: أما والله لعن غير حب تعانقتما.
قال أبو الفرج: هذه رواية الضحاك بن عثمان. وما أعلم أحداً من أهل السيرة ذكر أن محمد بن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل.
وقد حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي بخبر مقتل عبيد الله بن عمر في كتاب صفين، قال: حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم " المنقري " ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن سعيد البصري، عن أبي مخنف لوط، بين يحيى الأزدي عن جعفر، بن القاسم عن زيد بن علقمة عن زيد بن بدر، قال: خرج عبيد الله بن عمر في كتيبته الرقطاء، وهي الخضرية وكانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر، إذ مر الحسن بن علي عليهما السلام فإذا هو برجل متوسد قتيل قد ركز رمحه " 9 " في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن عليه السلام: انظروا من هذا؟ فإذا الرجل من همدان، وإذا القتيل عبيد الله قد قتله وبات عليه حتى أصبح، ثم سلبه ثم اختلفوا في قاتله فقالت همدان: قتله هانئ بن الخطاب، وقالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو التبعي، وقالت بكر بن وائل قتله رجل من تيم الله بن ثعلبة يقال له مالك بن الصحصح من أهل البصرة، وأخذ سيفه ذا الوشاح فبعث معاوية " إليه " حين بويع له وهو بالبصرة فأخذ منه السيف.
وكذلك روى عن جماعة من أهل السيرة في مقتل عبيد الله " بن عمر " أو شبيه به، والله أعلم أي ذلك كان.
علي بن أبي طالب
وأمير المؤمنين علين بن أبي طالب ويكنى أبا الحسن وأبا الحسين.
وروى عنه عليه السلام أنه قال: كان الحسن في حياة رسول الله " ص " يدعوني أبا الحسين. وكان الحسين يدعوني أبا الحسن ويدعوان رسول الله " ص " أباهما، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعواني بأبيهما.
وكانت فاطمة بنت أسد أمه رحمة الله عليها لما ولدته سمته حيدرة، فغير أبو طالب اسمه وسماه عليا.
وقيل إن ذلك اسم كانت قريش تسميه به.
والقول الأول أصح. ويدل عليه خبره يوم خيبر وقد برز إليه مرحب اليهودي وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز إليه علي عليه السلام وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غاب في العرين قسوره
أكيلكم بالصاع كيل السندره
حدثني محمد بن الحسين، قال حدثنا عباد " بن يعقوب " قال حدثنا موسى بن عمير القرشي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: وذكر سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله " ص " كناه أبا تراب وكانت من أحب ما يكنى به إليه. وكانت بنو أمية دعت سهلاً إلى أن يسبه على المنبر.
حدثني علي بن إسحاق بن عيسى المخزومي، قال حدثنا محمد بن بكار بن الريان، قال حدثنا أبو معشر عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:

(1/5)


كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله " ص " " 10 " يلتمس عليا فلم يجده، فقال لفاطمة: أين هو؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي وهو غضبان، فالتمسه رسول الله " ص " فوجده في المسجد راقداً وقد زال رداؤه عنه وأصابه التراب، فأيقظه رسول الله " ص " وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له: اجلس فإنما أنت أبو تراب. وكنا نمدح عليا إذا قلنا له أبو تراب.
فحدثني علي بن إسحاق، قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا خالد بن مخلد، قال حدثنا سلمان بن بلال، قال حدثني أبو حازم بن دينار، قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول: إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب، وإن كان ليفرح أن يدعى بها، وما سماه بذلك إلا رسول الله " ص " .
وكان رسول الله " ص " أخذ عليا من أبيه وهو صغير في سنة أصابت قريشاً وقحط نالهم، وأخذ حمزة حعفراً، وأخذ العباس طالباً ليكفوا أباهم مؤنتهم ويخففوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلاً لميله كان إليه فقال رسول الله " ص " : اخترت من اختار الله لي عليكم علياً.
حدثني بذلك أحمد بن الجعد الوشاء قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال حدثنا علي بن عابس عن هرون بن سعد عن زيد بن علي.
وكانت سنه يوم أسلم إحدى عشرة سنة على أصح ما ورد من الأخبار في إسلامه، وقد قيل ثلاث عشر سنة، وقيل سبع سنين. والثابت إحدى عشرة، لأن رسول الله " ص " بعث وهذه سنوه فأقام معه بمكة ثلاث عشرة، وبالمدينة عشراً. وعاش بعد رسول الله " ص " ثلاثين سنة تنقص شهوراً. وقال في خطبته التي حدثني بها العباس بن علي النسائي وغيره، قالوا حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي صادق: إنه عليه السلام خطب الناس وقد بلغه خبر غارة الغامدي على الأنبار فقال في خطبته: لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ويحهم وهل فيهم أشد مراساً لها مني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين سنة، وأنا الآن قد نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
وكان عليه السلام أسمر مربوعاً وهو إلى القصر أقرب عظيم البطن دقيق الأصابع غليظ الذراعين، حمش الساقين، في عينيه لين، عظيم اللحية " 11 " ، أصلع ناتئ الجبهة.
قال أبو الفرج: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرقة فجمعتها، وأتم ما ورد فيها من الأخبار حديث حدثني به أحمد بن الجعد وعبد الله بن محمد البغوي قالا: حدثنا سويد بن سعيد، قال حدثنا داود بن عبد الجبار عن أبي إسحاق، قال: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً أصلع ناتئ الجبهة عريض ما بين المنكبين له لحية قد ملأت صدره في عينه اطر غشاش، قال داود يعني ليناً في العين. قال فقلت لأبي: من هذا يا أبه؟ فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله " ص " وأخو رسول الله ووصي رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله ورضوانه وسلامه عليه.
قال أبو الفرج: وقد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع. وفضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى، والقليل منها لا موقع له في مثل هذا الكتاب، والإكثار يخرجنا عما شرطناه من الاختصار، وإنما ننبه على من خمل عند بعض الناس ذكره أو لم يشع فيهم فضله. فأمير المؤمنين عليه السلام بإجماع المخالف والممالي، والمضاد والموالي، على ما لا يمكن غمطه ولا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة لا المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفضيله بقول والاستشهاد عليه برواية.
؟؟؟؟؟؟؟؟ثم نعود إلى ذكر خبر مقتله
والسبب فيه حدثني به أحمد بن عيسى العجلي العطار قال حدثني الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل النمري قال حدثنا يحيى بن سعيد الجزار عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد.

(1/6)


" عن عبد الرحمن بن عبيد الله عن جماعة " . من الرواة قد ثبت ما رووه في مواضعة وحدثني أيضاً بمقتله عليه السلام محمد بن الحسين الأشناني قال حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني قال حدثنا إسماعيل بن راشد ودخل حديثه في حديث من قدمت ذكره، وحدثنا ببعضه أحمد بن محمد بن دلان الخيشي وأحمد بن الجعد الوشاء ومحمد بن جرير الطبري وجماعة غيرهم قالوا حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا أبو حباب قال حدثنا أبو عون الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي حديثاً ذكر فيه مقتله فأتيت بأشياء منه في مواضعها من سياقة الأحاديث، وأكثر اللفظ في ذلك لأبي مخنف، إلا ما عسى أن يقع فيه خلاف فأبينه قال: اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم " 12 " وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض فلو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غرتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج، فقال عبد الرحمن بن ملحم لعنه الله أنا أكفيكم علياً، وقال أحد الآخرين: أنا أكفيكم معاوية، وقال الثالث: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاقدوا وتواثقوا على الوفاء ألا ينكل واحد منهم عن صاحبه الذي يتوجه إليه ولا عن قتله واتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملحم علياً عليه السلام.
قال أبو مخنف قال أبو زهير العبسي: الرجلان الآخران، البرك بن عبد الله التميمي وهو صاحب معاوية، والآخر عمرو بن بكر التميمي وهو صاحب عمرو بن العاص.
فأما صاحب معاوية فإنه قصده فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته في إليته، وأخذ، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال اسماعيل بن راشد في حديثه: فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ وإما أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك. قال أما النار فلا أطيقها، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني وحسبي بهما، فسقاه الدواء، فعوفي وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك.
قال وقال له البرك بن عبد الله إن لك عندي بشارة، قال: وما هي؟ فأخبره بخبر صاحبيه، وقال له: إن علياً يقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري، وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما تراه، فحبسه عنده، فلما أتاه أن علياً قد قتل خلى سبيله.
وقال غيره من الرواة بل قتله من وقته.
قال وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة وقد وجد علة فأخذ دواء واستحلف رجلاً يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة أحد بني عامر بن لؤي، فخرج للصلاة وشد عليه عمرو بن بكر فضربه بسيفه فأثبته، وأخذ الرجل فأتى به عمرو العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه ققال له: أما والله أبا عبد الله ما أراد غيرك، قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة.
رجع الحديث إلى خبر ابن ملجم لعنه الله. فحدثني محمد بن الحسين الأشناني وغيره قالوا حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا فطر " 13 " عن أبي الطفيل قال: جمع أمير المؤمنين علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده مرتين أو ثلاثاً ثم بايعه، فقال له علي: ما يحبس أشقاها؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه، ثم قال:
أشدد حيازيمك للمو ... ت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من المو ... ت إذا حل بواديك
قال: وروى غيره أن علياً أعطى الناس فلما بلغ إلى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
أخبرنا الحسن بن علي الوشا في كتابه إلي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن أبي الطفيل بنحو من هذا الحديث.

(1/7)


حدثني أحمد بن عيسى العجلي قال حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال: كان ابن ملجم من مراد وعداده في كندة فأقبل حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره وطوى عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمكة من قتل أمراء المسلمين مخافة أن ينشر منه شيء وأنه زار رجلاً من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد إعجابه، فخبر خبرها فخطبها فقالت له: ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها؟ احتكمي ما بدا لك. فقالت:أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماُ وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي فأنى لي بذلك؟ فقالت: تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، قال لها: أما والله أقدمني هذا المصر وقد كنت هارباً منه لا آمن مع أهله إلا ما سألتني من قتل علي، فلك ما سألت، قالت له: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها، وخرج ابن ملجم فأتى رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا بن ملجم هبلتك الهبول. لقد جئت شيئاً إدا، وكيف تقدر على ذلك؟ قال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فقتلناه، فإذا نحن قتلناه شفينا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل " 14 " .
قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع. فانصرفا من عندها فلبثا أياماً. ثم أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين. هكذا في حديث أبي مخنف، وفي حديث أبي عبد الرحمن السلمي أنها كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان، وهو أصح. فقال لها ابن ملجم: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي وواعدني أن يقتل كل واحد منا صاحبه الذي يتوجه إليه. فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلدوا سيفهم، ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن الأسود والأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس - لعنهما الله - في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب علياً. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أخبار يطول شرحها منها ما حدثنيه محمد بن الحسين الأشناني قال: حدثنا إسما عيل بن موسى بن بنت السدي قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأجلح عن موسى بن أبي النعمان قال: جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه فرده قنبر، فأدمى الأشعث أنفه. فخرج علي وهو يقول: مالي ولك يا أشعث، أما والله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك، قيل: يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلا أدخلهم ذلاً. قيل: يا أمير المؤمنين: كم يلي؟ وكم يمكث؟ قال: عشرين إن بلغها.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني. قال: حدثني إسماعيل بن موسى. قال: حدثني رجل، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد قال: حدثني امرأة منا قالت: رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي - عليه السلام - فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به. فقال له علي عليه السلام: أبالموت تهددني، فو الله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي.

(1/8)


حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن الؤمل الصيرفي بهذين الحدبثين، عن فضل المصري عن إسماعيل " ابن بنت السدي " .
رجع الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياماً وقعوداً، وركوعاً وسجوداً، ما يسأمون، إذ خرج على صلاة الفجر، فأقبل ينادي: الصلاة الصلاة، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيف؟ وسمعت قائلاً يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، ثم رأيت بريق سيف آخر ثانياً وسمعت علياً يقول: لايفوتنكم الرجل.
وقال إسماعيل بن راشد في حديثه، ووافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وضربه ابن ملجم - لعنه الله - فأثبت الضربة في وسط رأسه.
وقال عبد الله بن محمد الأزدي في حديثه: وشد الناس عليه من كل ناحية حتى أخذوه.
قال أبو مخنف: فذكرت همدان أن رجلاً منهم يكنى أبا أدماء من مرهبة أخذه، وقال يزيد بن أبي زياد: أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب طرح عليه قطيفة ثم صرعه. وأخذ السيف من يده وجاء به.
وأما شبيب بن بجرة فإنه خرج هارباً، فأخذه رجل فصرعه؛ وجلس على صدره وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده. ومضى الرجل هارباً حتى دخل منزله. ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين، فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم. فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي، عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: ادخل ابن ملجم لعنه الله على علي، ودخلت عليه فيمن دخل، فسمعت علياً يقول: النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم - لعنه الله - والله لقد ابتعته بألف، وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله. قال: ونادته أم كلثوم: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين.
قال: إنما قتلت أباك. قالت يا عدو الله. إني لأرجو أن ألا يكون عليه بأس. قال لها: فأراك إنما تبكين علياً. إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.
قال وأخرج ابن ملجم - لعنه الله - وهو يقول: قال إسماعيل بن راشد في حديثه والشعر لابن أبي مياس الفزاري:
ونحن ضربنا يا بنة الخير إذ طغى ... أبا حسن مأمومة فتقطر
هذا البيت لأبي مخنف وحده، وزاد إسماعيل هذين البيتين:
ونحن خلعنا ملكه عن نظامه ... بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام في الصباح أعزة ... إذا المرء بالموت ارتدى وتأزرا
قال أبو مخنف: فحدثني بعض أصحابنا، عن صالح بن ميثم، عن أخيه عمران قال: لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن مخنف لعنه الله ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون له: يا عدو الله، ماذا فعلت؟ أهلكت أمة محمد " ص " ، وقتلت خير الناس. وإنه لصامت ما ينطق.
قال أبو ملجم: وحدثني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي وقد أتاه عائداً، فلم يكن له عليه إذن، فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فو الله لقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً، فأبلغه الآذن مقالة صعصعة، فقال له علي: قل له وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة.
قال: وقال رجل يذكر أمر قطام وابن ملجم لعنهما الله وقال محمد بن " الحسين الأشناني " في حديثه عن المسروقي وهو ابن أبي مياس " الفزاري " :
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم
ولا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وأنشدنا حبيب بن نصر المهلبي، قال: أنشدنا الرياشي أحسبه عن أبي عبيدة لعمران بن حطان - لعنه الله - يمدح ابن ملجم لعنه الله وغضب عليهما بقتل أمير المؤمنين عليه السلام:

(1/9)


يا ضربة من كمي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
أني لأفكر فيه ثم أحسبه ... أو في البرية عند الله ميزاناً
كذب. لعنهما الله وعذبهما.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، قال: حدثني عطية بن الحرث، عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار أن علياً لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحدُ أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هانئ السكوني، وكان متطبباً صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإن أثيراً لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين - عليه السلام - دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقاً منها، فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له: يا أمير المؤمنين إعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. فدعا علي عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركين، صلوات الله وبركاته عليه.
" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا ولا تموتن وإلا أنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الأيتام فلا تغيرن أفواههم بجفوتكم، والله الله في جيرانكم فإنها وصية رسول الله " ص " ما زال يوصينا بهم ظننا أنه سيورثهم.
والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا وإنه إن خلا منكم لم تنظروا.
والله الله في صيام شهر رمضان فإنه جنة من النار، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم والله الله في زكاة أموالكم فإنها تطفىء غضب ربكم والله الله في أمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم.
والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم " فإنها كانت آخر وصية رسول الله " ص " إذ قال: أوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم " .
ثم قال: الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم فإنه يكفكم من بغى عليكم وأرادكم بسوء قولوا للناس حسناً كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر عنكم وتدعون فلا يستجاب لكم.
عليكم بالتواضع والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتفرق والتدابر: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " حفظكم الله من إهل بيت، وحفظ فيكم نبيه، استودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم سلام الله ورحمته.
حدثني أحمد بن محمد بن دلان، وأحمد بن الجعد، ومحمد بن جرير الطبري، قالوا: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني أبو جناب، قال: حدثني أبو عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن الحسن بن علي قال: خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بني، إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله " ص " ، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي: ادع عليهم. فقلت: " اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني " ، وجاء ابن النباح. فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتروه الرجلان فأما أحدُ فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.
" قال أبو الفرج الأود العوج، واللد الخصومات " :

(1/10)


حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج، عن الأسود والكندي والأجلخ قالا: توفي أمير المؤمنين علي - عليه السلام - وهو ابن أربع وستين سنة، سنة أربعين في ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان، وولي غسله ابنه الحسن بن علي وعبد الله بن العباس، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص. وصلى عليه ابنه الحسن وكبر خمس تكبيرات، ودفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح.
ودعا الحسن بعد دفنه بابن ملجم - لعنه الله - فأتى به فأمر بضرب عنقه، فقال له: إن رأيت أن تأخذ على العهود أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن أمضي إلى الشام فأنظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله وإلا قتلته ثم أعود إليك. تحكم في بحكمك، فقال له الحسن: هيهات. والله لا تشرب الماء البارد أو تلحق روحك بالنار، ثم ضرب عنقه فاستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه فوهبها لها فأحرقتها بالنار.
حدثني أحمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا يعقوب بن زيد، قال: حدثني ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الخلال، عن جده، قال: قلت للحسن بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: خرجنا به ليلاً من منزله حتى مررنا به على مسجد الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغرى.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إسماعيل بن راشد بإسناده، قال: لما أتى عائشة نعى علي أمير المؤمنين - عليه السلام - تمثلت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عيناً بالأياب المسافر
ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائباً فلقد بغاه ... غلام ليس في فيه التراب
فقالت لها زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إذا نسيت فذكروني، قال: ثم تمثلت:
ما زال إهداء القصائد بيننا ... باسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم ... في كل مجتمع طنين ذباب
قال: وكان الذي جاءها بنعيه سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس بن أبي وقاص هذا أو نحوه. حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا عاصم بن عامر، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت. قال أبو مخنف: وقالت أم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - :
ألا يا عين ويحك فاسعدينا ... ألا تبكي أمير المؤمنينا
رزئنا خير من ركب المطايا ... وخيسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا
وكنا قبل مقتله بخيرٍ ... نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الدين لا يرتاب فيه ... ويقضي بالفرائض مستبينا
ويدعوا للجماعة من عصاه ... وينهك قطع أيدي السارقينا
وليس بكاتم علماً لديه ... ولم يخلق من المتجبرينا
لعمر أبي لقد أصحاب مصر ... على طول الصحابة أوجعونا
وغرونا بأنهم عكوف ... وليس كذاك فعل العاكفينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طرا أجمعينا
ومن بعد النبي فخير نفسٍ ... أبو حسن وخير الصالحينا
كأن الناس إذ فقدوا عليا ... نعام جال في بلد سنينا
ولو أنا سئلنا المال فيه ... بذلنا المال فيه والبنينا
أشاب ذؤابتي وأطال حزني ... أمامة حين فارقت القرينا
تطوف بها لحاجتها إليه ... فلما استيأست رفعت رنينا
وعبرة أم كلثومٍ إليها ... تجاوبها وقد رأت اليقينا
فلا تشمت معاوية بن صخر ... فإن بقية الخلفاء فينا
وأجمعنا الإمارة عن تراض ... إلى ابن نبينا وإلى أخينا
ولا نعطي زمام الأمر فينا ... سواه الدهر آخر ما بقينا

(1/11)


وإن سراتنا وذوي حجانا ... تواصو أن نجيب إذا دعينا
بكل مهندٍ عضبٍ وجردٍ ... عليهن الكماة مسومينا
أخبرني عمي الحسن بن محمد، قال: أنشدني محمد بن سعد الكناني لبعض بني عبد المطلب يرثي أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يعرف اسمه:
يا قبر سيدنا المجن له ... صلى الإله عليك يا قبر
ما ضر قبراً أنت ساكنه ... أن لايحل بأرضه القطر
فليندين سماح كفك في الثرى ... وليورقن بجنبك الصخر
والله لو بك لم أجد أحداً ... إلا قتلت، لفاتني الوتر
الحسن بن علي
والحسن بن علي بي أبي طالب - عليهما السلام - ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله " ص " ، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها، ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي، حدثني به محمد بن زكريا الصحاف، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمد عن أبيه.
وأمها خديجة، تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها هالة بنت " عبد " مناف بن الحارث بن منقد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها العرقة، وهي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. وإنما سميت العرقة لطيب عرقها وعطرها، وكانت مبدنة، وكانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة.
وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي.
وأمها الحظيا وهي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
وأمها مارية ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح.
وأمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان واسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمرو بن قوي بن ملكان بن أفضى من خزاعة.
وأمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة.
وأمها ليلى بنت عابس بن الظرب بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وأمها سلمى بنت لؤي بن غالب.
وأمها ليلى بنت محارب بن فهر.
وأمها عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة.
وأمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة.
وأمها مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم واسمها أسماء بنت جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
وتزوجت خديجة - صلوات الله عليها - قبل رسول الله " ص " رجلين. يقال لأحدهما عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وولدت له بنتاً يقال لها هند. ثم توفي عنها. فخلف عليها أبو هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم، فولدت له ابناً يقال له هند، وروى عن النبي " ص " ، روى عنه الحسن بن علي بن أبي طالب حديث صفة رسول الله " ص " المشهور، وقال فيه: سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله " ص " وكان له وصافاً.
وتوفيت خديجة - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها يومئذٍ خمس وستون سنة. حدثني بذلك الحسن بن علي، قال: حدثنا الحرث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي. ودفنت بالحجون.
وكان مولد فاطمة - عليها السلام - قبل النبوة وقريش حينئذٍ تبني الكعبة وكان تزويج علي بن أبي طالب إياها في صفر بعد مقدم رسول الله " ص " المدينة، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر، ولها يومئذٍ ثماني عشرة سنة.
حدثني بذلك الحسن بن علي، قال: حدثنا الحرث، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي جعفر بن محمد بن علي.
وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة.
وكانت وفاته - عليه السلام - بعد عشر سنين خلت من إمارة معاوية، وذلك في سنة خمسين من الهجرة.
وكانت وفاة فاطمة - عليها السلام - بعد وفاة النبي " ص " بمدة يختلف في مبلغها؛ فالمكثر يقول: بستة أشهر. والمقلل يقول: أربعين يوماً؛ إلا أن الثابت في ذلك ما روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر.
حدثني بذلك الحسن بن عبد الله ، قال: حدثنا الحرث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي.
وكان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة.

(1/12)


حدثني به محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا مفضل بن صالح عن جابر، قال: كانت في لسان الحسن رتة، فقال سلمان الفارسي. أتته " من " قبل عمه موسى " بن عمران " - عليه السلام - .
ودس معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده، وإلى سعد بن أبي وقاص سماً فماتا منه في أيام متقاربة.
وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته " جعدة " بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية.
وسنذكر الخبر في ذلك.
وقيل: اسمها سكينة، وقيل: شعثاء، وقيل: عائشة، والصحيح في ذلك جعدة.
بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين علي
ذكر الخبر في بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين علي " ع " وتسليمه الأمر إلى معاوية والسبب في وفاته حدثني أحمد بن عيسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا زيد ين المعذل، عن يحيى شعيب، عن أبي مخنف، قال: حدثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق " السبيعي " عن سعيد بن رويم، وحدثني علي بن إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد، قالا: حدثنا عبد الله بن عمر شكدانه، قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، وحدثني علي بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا عمران بن عيينة عن الأشعث، عن أبي إسحاق موقوفاً، وحدثني محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن بريم، قال: قال عمرو بن ثابت: كنت أختلف إلى أبي إسحاق " السبيعي " سنة أسأله عن خطبة الحسن بن علي، فلا يحدثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول، فقال لي: من أنت؟ فأخبرته، فبكى وقال: كيف أبوك؟ كيف أهلك؟ قلت: صالحون، قال: في أي شيء تردد منذ سنة؟ قلت: في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
قال: " حدثني هبيرة بن بريم " ، وحدثني محمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن حمدان الصيدلاني، قالا: حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي، قال: حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، والمعنى قريب، قالوا: خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل ولقد كان يجاهد مع رسول الله " ص " فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيصاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله.
ثم خنقته العبرة، فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد " ص " ، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: " ومن يقترف حسنة نزد فيها حسناً " . فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن رجاله: ثم قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس إلى بيعته، فاستجابوا له، وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه.
ثم نزل عن المنبر.
قال: ودس معاوية رجلاً من بني حمير إلى الكوفة، ورجلاً من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار، فدل على الحميري عند لحام جرير ودل على القيني بالبصرة في بني سليم، فأخذا وقتلا.
وكتب الحسن إلى معاوية: أما بعد، فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء، وما أشك في ذلك، فتوقعه إن شاء الله، وقد بلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
وقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تجهز لأخرى مثلها فكأن قد
وإنا ومن قد مات منا لكالذي ... يروح ويمسي في المبيت ليغتدي
فأجابه معاوية: أما بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس، وإن علي بن أبي طالب كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وأنت الجواد وأنت الذي ... إذا ما القلوب ملأن الصدورا

(1/13)


جدير بطعنة يوم اللقا ... ء تضرب منها النساء النحورا
وما مزبدُ من خليج البحا ... ر يعلو الإكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده ... فيعطي الألوف ويعطى البدورا
قال: وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية: أما بعد، فإنك ودسك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية بن الأسكر:
لعمرك إني والخزاعي طارقاً ... كنعجة عاد حتفها تتحفر
أثارت عليها شفرةً بكراعها ... فظلت بها من آخر الليل تنحر
شمت بقوم من صديقك أهلكوا ... أصابهم يوم من الدهر أصفر
فأجابه معاوية: أما بعد، فإن الحسن بن علي قد كتب إلي بنحو ما كتبت به، وأنبأني بما لم أجز ظناً وسوء رأي، وإنك لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر:
فوالله ما أدري وإني لصادق ... إلى أي من يظنني أتعذر
أعنف أن كانت زبينة أهلكت ... ونال بني لحيان شر فأنفروا
قال أبو الفرج: وكان أول شيء أحدث الحسن أنه زاد المقاتلة مائة مائة، وقد كان علي فعل ذلك يوم الجمل، والحسن فعله على حال الاستخلاف، فتبعه الخلفاء من بعد ذلك.
وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله تعالى عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومنةً على المؤمنين، وكافة إلى الناس أجمعين " لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين " فبلغ رسالات الله، وقام على أمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان، حتى أظهر الله به الحق، ومحق به الشرك، ونصر به المؤمنين، وأعز به العرب، وشرف به قريشاً خاصة، فقال تعالى: " وإنه لذكر لك ولقومك " فلما توفي صلى الله عليه وسلم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه، فرأت العرب أن القول كما قالت قريش، وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك، ثم حاججنا نحن قريشاً بمثل ما حاجت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد وأوليائه إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم باعدونا، واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الولي النصير.
وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا، وسلطان نبينا صلى الله عليه وسلم وإن كانوا ذوي فضيلةٍ وسابقةٍ في الإسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافةً على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضلٍ في الدين معروف، ولا أثرٍ في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله خيبك وسترد فتعلم لمن عقبى الدار، تالله لتلقين عن قليلٍ ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن علياً - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله - رمة الله عليه - يوم قبض، ويوم من الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حياً - ولأني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئاً ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته، وإنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في أمرك، ولك في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم، وللمسلمين فيه صلاح، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق لهذا منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، ما دخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، وتجمع الكلمة، وتصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

(1/14)


فكتب إليه معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل، كله، قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، فقد والله بلغ فأدى، ونصح وهدى، حتى أنقذ الله به من التهلكة، وأنار به من العمى، وهدى به من الظلالة، فجزاه الله أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حياً.
وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتنازع المسلمين من بعده، فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين، وحواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك، فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ظنين، ولا المسيء ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل.
إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم ولا قرابتكم من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مكانتكم في الإسلام وأهله، فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاماً وأعلمها بالله وأحبها له وأقواها على أمر الله، واختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للأمة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا بمتهمين، ولا فيما أتوا بمخطئين، ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه، أو يذب عن حريم المسلمين ذبه، ما عدولا بذلك الأمر إلى غيره رغبةً عنه، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحاً للإسلام وأهله، فالله يجزيهم عن الإسلام وأهله وخيراً.
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو علمت أنك أضبط مني للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلاً، ولكني قد علمت أني أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأمة تجربة، وأكثر منك سياسة، وأكبر منك سناً، فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغاً ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ولك خراج أي كور العراق شئت، معونة لك على نفقتك، يجبيها لك أمينك، ويحملها إليك في كل سنة، ولك إلا ستولى عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمور، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله عز وجل، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام.
قال جندب: فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له: إن الرجل سائر إليك، فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله، فأما أن تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يوماً أعظم من يوم صفين، فقال: أفعل، ثم قعد عن مشورتي وتناسى قولي.
قال: وكتب معاوية إلى الحسن بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء، " لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب " فاحذر أن تكون منيتك على يد رعاع من الناس، وايئس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت، وأجزت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وإن أحد أسدى إليك أمانة ... فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى ... ولا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها، والسلام.
فأجابه الحسن بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت، فتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهله، وعلي إثم أن أقول فأكذب، والسلام.
فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه، ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخةً واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم

(1/15)


من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم، إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلاً من عباده. فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار قاصداً إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره، وأنه بلغ جسر منبج، فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير، ونادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، فقال الحسن: إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني، فقال: اخرج، فخرج الحسن - عليه السلام - فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه، وسماه كرهاً.
ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين " واصبروا إن الله مع الصابرين " ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون، إلا بالصبر على ما تكرهون، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه، فتحرك لذلك، فأخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا.
قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إياه. قال: فسكتوا فما تكلم منهم أحد، ولا أجاب بحرف.
فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قال: أنا ابن حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام؟ ألا تجيبون إمامكم، وابن بنت نبيكم، أين خطباء مضر؟ أين المسلمون؟ أين الخواضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها.
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد، وجنبك المكاره، ووفقك لما يحمد ورده وصدره، فقد سمعنا مقالتك، وانتهينا إلى أمرك، وسمعنا منك، وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحب أن يوافيني فليوافي.
ثم مضى لوجهه، فخرج من المسجد ودابته بالباب، فركبه ومضى إلى النخيلة، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، وكان عدي أول الناس عسكراً.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم، وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول.
فقال لهم الحسن: صدقتم - رحمكم الله - ما زلت أعرفكم بصدق النية، والوفاء بالقول والمودة الصحيحة، فجزاكم الله خيراً ثم نزل.
وخرج الناس، فعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن إلى معسكره، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه، فجعل يستحثهم ويخرجهم، حتى التأم العسكر.
ثم إن الحسن بن علي سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثاً حتى اجتمع الناس، ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له: يابن عم، إني باعث معك اثنا عشر ألفاً من فرسان العرب وقراء المصر، الرجل: منهم يزن الكتيبة فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وادنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير إلى مسكن، ثم امض حتى تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني في إثرك وشيكاً، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين، يعني قيس بن سعد، وسعيد بن قيس، فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فإن فعل فقاتل، فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس، وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس، ثم أمره بما أراد.
وسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي، ثم لزم الفرات والفالوجة حتى أتى مسكن.
وأخذ الحسن على حمام عمر، حتى أتى دير كعب، ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما أصبح نادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وصعد المنبر، فخطبهم، فحمد الله فقال:

(1/16)


الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمداً رسول الله أرسله بالحق، وائتمنه على الوحي صلى الله عليه وسلم.
أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملاً على مسلم ضغينة ولا مريداً له سوءاً ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض، قالوا: ما ترونه، يريد بمال قال؟ قالوا: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي، فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالساً متقلداً السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته، ومنعوا منه من أراده، ولاموه وضعفوه لما تكلم به، فقال: ادعوا لي ربيعة وهمدان، فدعوا له، فأطافوا به، ودفعوا الناس عنه، ومعهم شوب من غيرهم، فقام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان، فلما مر في مظلم ساباط قام إليه، فأخذ بلجام بغلته وبيده معول، فقال: الله أكبر يا حسن، أشركت كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه، فوقعت الطعنة في فخذه، فشقته حتى بلغت أربيته فسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه، وخرا جميعاً إلى الأرض، فوثب عبد الله بن الخطل فنزع المعول من يد جراح بن سنان فخضخضه به، وأكب طبيان بن عمارة عليه، فقطع أنفه ثم أخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه، حتى قتلوه.
وحمل الحسن على سرير إلى المدائن، وبها سعد بن مسعود الثقفي والياً عليها من قبله، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي، فأقام عنده يعالج نفسه.
قال: ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية بمسكن، فأقبل عبد الله بن العباس حتى نزل بإزائه، فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله بن العباس فيمن معه، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس أن الحسن قد راسلني، في الصلح وهو مسلم الأمر إلي، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعاً، وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، يعجل لك في هذا الوقت النصف، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيد الله ليلاً، فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم، فلم يخرج حتى أصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فقال: أيها الناس، لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع " أي الجبان " إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يقاتله ببدر، فأسره أبو اليسر كعب بن عمر الأنصاري، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين، فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وإن هذا ولاه علي اليمن، فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوه، وصنع الآن هذا الذي صنع.
قال فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا، فانهض بنا إلى عدونا، فنهض بهم.
وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفاً، فصاحوا بهم: هذا أميركم قد بايع، وهذا الحسن قد صالح؛ فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس بن سعد بن عبادة: اختاروا إحدى اثنتين: إما القتال مع غير إمام، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.
وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني أبداً إلا وبيني وبينك الرمح.
فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقي نفسك وتقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك وعزلك، وإن ظهر أبغضهما إليك نكل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمى غير غرضه، فأكثر الحز وأخطأ المفصل فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريداً غريباً، والسلام.

(1/17)


فكتب إليه قيس بن سعد - رحمه الله - : أما بعد: فإنما أنت وثن بن وثن من هذه الأوثان، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت عليه فرقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حرباً لله ورسوله، وحزباً من أحزاب المشركين، فأنت عدو الله ورسوله والمؤمنين من عباده.
وذكرت أبي، ولعمري ما أوتر إلا قوسه، ولا رمى إلا غرضه، فشغب عليه من لا تشق غباره، ولا تبلغ كعبه، وكان امرأً مرغوباً عنه، مزهوداً فيه.
وزعمت أني يهودي ابن يهودي، ولقد علمت وعلم الناس أني وأبي من أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه، وصرت إليه، والسلام.
فلما قرأ معاوية غاظه وأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلاً، إن كاتبته أجابك بأشد من هذا، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فامسك عنه.
قال: وبعث معاوية عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح، فدعواه إليه، وزهداه في الأمر، وأعطياه ما شرط له معاوية وإلا يتبع أحد بما مضى، ولا ينال أحد من شيعة علي بمكروه ولا يذكر علي إلا بخير، وأشياء اشترطها الحسن.
فأجابه الحسن إلى ذلك، وانصرف قيس فيمن معه إلى الكوفة، وانصرف الحسن إليها أيضاً وأقبل معاوية قاصداً الكوفة، واجتمع إلى الحسن وجوه الشيعة، وأكابر أمير المؤمنين علي يلومونه ويبكون إليه جزعاً مما فعله.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن الليل. وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمروية قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن الليل، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ أبي عبيد، قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: عليك السلام يا سفيان إنزل فنزلت، فعلقت راحلتي، ثم أتيته، فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان بن الليل؟ فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين. فقال: ما جر هذا منك إلينا؟.
فقلت: أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك. وقد جمع الله لك أمر الناس.
فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
ثم أذن المؤذن، فقمنا على حالب يحلب ناقة، فتناول الإناء، فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي إلى المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت: حبكم، والذي بعث محمداً للهدى ودين الحق. قال: فأبشر يا سفيان، فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرد علي الحوض أهلي بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين. ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، إحداهما تفضل على الأخرى، أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا لفظ أبي عبيد.
وفي حديث محمد بن الحسين، وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً عن الحسن غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ذكر معاوية فقط.
رجع الحديث إلى خبر الحسن
عليه السلام قال: وسار معاوية حتى نزل النخيلة، وجمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة، وجاءت مقطعة في الحديث، وسنذكر ما انتهى إلينا من ذلك.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني أحمد بن بشر عن الفضل بن الحسن وعيسى بن مهران، قالوا: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب. عن الشعبي، قال: خطب معاوية حين بويع له فقال:

(1/18)


ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، ثم إنه انتبه فندم، فقال: إلا هذه الأمة فإنها وإنها.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثني الفضل المصري، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن الشعبي بهذا. حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري، قال: حدثنا حسن بن الحسين، عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، قال: سمعت معاوية بالنخيلة يقول: ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.
قال أو إسحاق: وكان والله غداراً.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل المصري، قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة قال: حدثني أبو معاوية، عن الأعمش، وحدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل، قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك. قال حدثنا أبي عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن، ثم خطبنا فقال: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك. وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون.
قال شريك في حديثه: هذا هو التهتك.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، وشريك بن أبي خالد، وقد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: لما بويع معاوية خطب فذكر علياً، فنال منه، ونال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال: أيها الذاكر علياً، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت معاوية، وأبوك صخر، وأمي فاطمة، وأمك هند، وجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدك حرب، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراً، وألأمنا حسباً، وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً.
فقال طوائف من أهل المسجد: آمين. قال فضل: فقال يحيى بن معين: ونحن نقول: آمين. قال أبو عبيد: ونحن أيضاً نقول: أمين. قال أبو الفرج: وأنا أقول: آمين.
قال: ودخل معاوية الكوفة بعد فرغه من خطبته بالنخيلة، وبين يديه خالد بن عرفطة، ومعه رجل يقال له حبيب بن عمار يحمل رايته حتى دخل الكوفة، فصار إلى المسجد، فدخل من باب الفيل، فاجتمع الناس إليه.
فحدثني أبو عبيد الصيرفي، وأحمد بن عبيد الله بن عمار، قالا: حدثنا محمد بن علي بن خلف، قال: حدثني محمد بن عمرو الرازي، قال: حدثنا مالك بن شعير، عن محمد بن عبد الله الليثي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: بينما علي - عليه السلام - على المنبر، إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات. إذ دخل رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات، إذ دخل رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد، " يعني باب الفيل " براية ضلالة يحملها له حبيب بن عمار، قال فوثب رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن عمار وأنا لك شيعة. قال: فإنه كما أقول. فقدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن عمار.
قال مالك: حدثنا الأعمش بهذا الحديث، فقال: حدثني صاحب هذا الدار - وأشار بيده إلى دار السائب أبي عطاء - أنه سمع علياً يقول هذه المقالة.
قالوا: ولما تم الصلح بين الحسن ومعاوية، أرسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأتى به، وكان رجلاً طويلاً يركب الفرس المسرف، ورجلاه تخطان في الأرض، وما في وجهه طاقة شعر، وكان يسمى خصي الأنصار، فلما أرادوا أن يدخلوه إليه قال: إني قد حلفت أن لا ألقاه إلا وبيني وبينه الرمح أو السيف، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه وبينه ليبر يمينه.
فحدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني أبو هاشم الرفاعي، قال: حدثني وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي عن ابن سيرين عن عبيدة، وقد ذكر بعض ذلك في رواية أبي مخنف التي قدمنا إسنادها، قال:

(1/19)


لما صالح الحسن معاوية، اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف وأبى أن يبايع، فلما بايع الحسن أدخل قيس بن سعد ليبايع. قال أبو مخنف في حديثه: فأقبل على الحسن فقال: أنا في حل من بيعتك، قال: نعم، قال: فألقى لقيس كرسي، وجلس معاوية على سريره، فقال له معاوية: أتبايع يا قيس؟ قال: نعم، فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية، فجثا معاوية على سريره وأكب على قيس حتى مسح يده على يده، فما رفع قيس إليه يده.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل المصري، قال: حدثنا شريح بن يونس، قال: حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل بن عبد الرحمن: أن معاوية أمر الحسن أن يخطب لما سلم الأمر إليه، وظن أن سيحصر، فقال في خطبته: إنما الخليفة من سار بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس الخليفة من سار بالجور، ذلك ملك ملك ملكاً يمتع به قليلاً ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته: " وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين " .
قال: وانصرف الحسن رضي الله عنه إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي، وسعد بن أبي وقاص، فدس إليهما سماً فماتا منه.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا عبيد بن الصباح الخراز، قال: حدثني جرير، عن مغيرة، قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني، على أن تسمي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمت الحسن، فسوغها المال ولم يزوجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم، وقالوا: يا بني مسمة الأزواج.
حدثني أحمد بن عبيد الله، قال: حدثني عيسى بن مهران، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، قال: توفي الحسن بن علي، وسعد بن أبي وقاص في أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين، وكانوا يرون أنه سقاهما سماً.
أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: حدثني من سمع ابن سيرين يحدث مولى للحسن بن علي، وحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا أبو عون، عن عمير بن إسحاق - واللفظ له - قال: كنت مع الحسن والحسين في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال: لقد سقيت السم مراراً ما سقيته مثل هذه المرة، ولقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلبها بعود معي، فقال له الحسين: من سقاكه؟ فقال: وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله، إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك، وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء.
ودفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقيع في ظلة بني نبيه، وقد كان أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع مروان بن الحكم من ذلك، وركبت بنو أمية في السلاح وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعه، أيدفن عثمان في أقصى البقيع، ويدفن الحسن في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف، فكادت الفتنة تقع. وأبى الحسين أن يدفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عبد الله بن جعفر: عزمت عليك بحقي ألا تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع، وانصرف مروان بن الحكم.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن الزبير بن بكار، عن محمد بن إسماعيل، عن قائد مولى عباد، وحدثنا حرمي، عن زبير، فقال: عبادك وهو الصواب، وقال أحمد بن سعيد هو عبادك ولكن هكذا قال يحيى بن عبيد الله بن علي، أخبره وغيره أخبره.
إن الحسن بن علي أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم ما كان بقى إلا موضع قبر واحد، فلما سمعت بذلك بنو أمية اشتملوا بالسلاح هم وبنو هاشم للقتال، وقالت بنو أمية: والله لا يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى أهله أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جانب أمي فاطمة، فدفن إلى جنب أمه فاطمة عليها السلام.
قال يحيى بن الحسن: وسمعت علي بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلاً واستنفرت بني أمية مروان بن الحكم، ومن كان هناك منهم ومن حشمهم، وهو القائل:

(1/20)


فيوماً على بغل ويوماً على جمل
وقال علي بن الحسن، بن علي بن حمزة العلوي، عن عمه محمد، عن المدايني، عن جويرية بن أسماء، قال: لما مات الحسن بن علي، وأخرجوا جنازته حمل مروان سريره، فقال له الحسين: أتحمل سريره؟ أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ، فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عبد الله بن الوضاح، قال: حدثني بن يمان، عن الثوري، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي حازم: أن الحسين بن علي قدم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن بن علي، وقال: تقدم فلولا أنه سنة ما قدمتك.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل المصري، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدثنا عمرو بن هشام، عن عمر بن بشير الهمداني، قال: قلت لأبي إسحاق: متى ذل الناس؟ قال: حين مات الحسن، وادعى زياد، وقتل حجر بن عدي.
واختلف في مبلغ سن الحسن وقت وفاته.
فحدثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، وجميل بن دراج، عن جعفر بن محمد: أنه توفي وهو ابن ثمان وأربعين سنة.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن ابن حسين اللؤلؤي، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مشكان، عن أبي بصير، عن جعفر بن محمد: أن الحسن توفي وهو ابن ست وأربعين.
وقال محمد بن علي بن حمزة: وفي الحسن بن علي يقول سليمان بن قته:
يا كذب الله من نعى حسناً ... ليس لتكذيب نعيه ثمن
كنت خليلي وكنت خالصتي ... لكل حي من أهله سكن
أجول في الدار لا أراك وفي ... الدار أناس جوارهم غبن
بدلتهم منك ليت أنهم ... أضحوا وبيني وبينهم عدن
الحسين
مقتله ومن قتل معه من أهله
خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله ويكنى أبا عبد الله، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان مولده لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة.
وكانت سنه يوم قتل ستاً وخمسين سنة وشهوراً.
وقيل: إن مقتله كان يوم السبت، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين. والذي ذكرناه أولاً أصح.
فأما ما تقوله العامة إنه قتل يوم الاثنين فباطل، وهو شيء قالوه بلا رواية، وكان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون العاشر يوم الاثنين.
قال أبو الفرج: وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية، أخبرنا به أحمد بن عيسى، قال: حدثنا أحمد بن الحرث، عن الحسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف. وحدثني به أحمد بن محمد بن شيبة، قال: حدثنا أحمد بن الحرق الخزاز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف، وعوانة بن الحكم، ويزيد بن جعدية، وغيرهم.
فأما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم الاثنين فلا أصل له ولا حقيقة، ولا وردت به رواية.
وروى سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد أن الحسين بن علي قتل وله ثمان وخمسون سنة، وأن الحسن كذلك كانت سنوه يوم مات، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وأبو جعفر بن محمد.
قال أبو الفرج: وهذا وهم، لأن الحسن ولد في سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي في سنة إحدى وخمسين، ولا خلاف في ذلك، وسنه على هذا ثمان وأربعون سنة أو نحوها.
لوم يمكنا سياقة مقاتلهم على التاريخ لئلا ينقطع الخبر، فذكرنا أسماءهم وأنسابهم جملة، ثم ذكرنا خبر مقاتلهم رضوان الله عليهم وصلواته.
فمنهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب
عليه السلام وهو أول من قتل من أصحاب الحسين بن علي - عليه السلام - وسنذكر خبره في موضعه. وأمه أم ولد، يقال لها: حلية، وكان عقيل اشتراها من الشام، فولدت له مسلماً، ولا عقب له.
علي بن الحسين
وهو علي الأكبر ولا عقب له
ويكنى أبا الحسن، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وتكنى أم شيبة، وأمها بنت أبي العاص بن أمية وهو أول من قتل في الواقعة.

(1/21)


وإياه عني معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد بن سليمان، قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: قال معاوية: من أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي، جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية، وزهو ثقيف.
وقال يحيى بن الحسن العلوي: وأصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد، وأن الذي أمه ليلى هو جدهم، حدثني بذلك أحمد بن سعيد عنه.
وحدثني أحمد بن سعيد، عن يحيى، عن عبيد الله بن حمزة، عن الحجاج بن المعتمر الهلالي، عن أبي عبيدة، وخلف الأحمر: أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر:
لم تر عين نظرت مثله ... من محتف يمشي ومن ناعل
يغلي نئي اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على الآكل
كان إذا شبت له ناره ... أوقدها بالشرف القابل
كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد حي ليس بالآهل
أعني ابن ليلى ذا الثدي والندى ... أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه ... ولا يبيع الحق بالباطل
وولد علي بن الحسين في خلافة عثمان.
وقد روى عن جده علي بن أبي طالب، وعن عائشة أحاديث كرهت ذكرها في هذا الموضع لأنها ليست من جنس ما قصدت له.
عبد الله بن علي بن أبي طالب
وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيل، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وأمها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأمها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الأحزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب. وأمها كبشة بنت عروة الرجال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس الهوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. وأمها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة، ابن دودان بن أسد بن خزيمة. وأمها بنت جحدر بن ضبيعة الأغر بن قيس بن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب بن علي بن بكر بن زائل بن ربيعة بن نزار. وأمها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة. وأمها بنت ذي الرأسين وهو خشيش بن أبي عصم بن سمح بن فزارة. وأمها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن نفيض بن الربت بن غطفان.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثني عبيد الله بن الحسن، وعبد الله بن العباس، قالا: قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب، وهو ابن خمس وعشرين سنة ولا عقب له.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني حسين بن نصر، قال: حدثنا أبي عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن عبد الله بن عاصم، عن الضحاك المشرفي، قال: قال العباس بن علي لأخيه من أبيه وأمه عبد الله بن علي: تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك، فإنه لا ولد لك، فتقدم بين يديه، وشد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله.
جعفر بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - وأنه أم البنين أيضاً.
قال يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم، بالإسناد الذي قدمته في حبر عبد الله: قتل جعفر بن علي بن أبي طالب، وهو ابن تسع عشرة سنة.
قال أبو مخنف في حديث الضحاك المشرفي: إن العباس بن علي قدم أخاه جعفراً بين يديه لأنه لم يكن له ولد ليحوز ولد العباس بن علي ميراثه، فشد عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله، هكذا قال الضحاك.
وقال نصر بن مزاحم: حدثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي أن خولي بن يزيد الأصبحي - لعنه الله - قتل جعفر بن علي.
عثمان بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - وأمه أم البنين أيضاً.
قال يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن، وعبد الله بن العباس، قالا: قتل عثمان بن علي، وهو ابن إحدى وعشرين سنة. وقال الضحاك المشرفي في الإسناد الأول الذي ذكرناه آنفاً: إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله، وأخذ رأسه.

(1/22)


وعثمان بن علي الذي روى عن علي أنه قال: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون.
العباس بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - ويكنى أبا الفضل. وأمه أم البنين أيضاً، وهو أكبر ولدها، وهو آخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه، لأنه كان له عقب، ولم يكن لهم، فقدمهم بين يديه، فقتلوا جميعاً، فحاز مواريثهم؛ ثم تقدم فقتل، فورثهم وإياه عبيد الله، ونازعه في ذلك عمه عمر بن علي، فصولح على شيء رضى به.
قال حرمي بن العلاء عن الزبير عن عمه: ولد العباس بن علي يسمونه السقا، ويكنونه أبا قربة، وما رأيت أحداً من ولده، ولا سمعت عمن تقدم منهم هذا - عليه السلام - .
وفي العباس بن علي - عليه السلام - يقول الشاعر:
أحق الناس أن يبكى عليه ... إذا بكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي ... أبو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء ... وجادله على عطشٍ بماء
وفيه يقول الكميت بن زيد:
وأبو الفضل إن ذكرهم الحلو ... شفاء النفوس من أسقام
قتل الأدعياء إذ قتلوه ... أكرم الشاربين صوب الغمام
وكان العباس رجلاً وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض؛ وكان يقال له: قمر بني هاشم. وكان لواء الحسين بن علي معه يوم قتل.
حدثني أحمد بن سعيد، قال يحيى بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب، قال: حدثني ابن أبي أويس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، قال: عبأ الحسين بن علي أصحابه، فأعطى رايته أخاه العباس بن علي.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني حسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر: أن زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن علي.
وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى، تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.
ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة، عن النوفلي، عن حماد بن عيسى الجهني، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد.
محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر، وحدثني أحمد بن شيبة، عن أحمد الحرث، عن المدائني: أن رجلاً من تميم من بني أبان بن دارم قتله - رضوان الله عليه - ، لعم الله قاتله.
أبو بكر بن علي بن أبي طالب
لم يعرف اسمه؛ وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، وأم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر بن عبيد بن الحارث، وهو مقاعس؛ وأمها عناق بنت عصام بن سنان بن خالد بين منقر؛ وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر، وأمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد، بن زيد مناة بن تميم.
ولسلم يقول الشعر:
تسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد الميمون سلم بن جندل
ذكر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، وفي الإسناد الذي تقدم: أن رجلاً من همدان قتله.
وذكر المدائني أنه وجد في ساقية مقتولاً لا يدري من قتله.
هؤلاء ولد علي بن أبي طالب لصلبه الذين قتلوا مع الحسين، وهم سواه.
وقد ذكر محمد بن علي بن حمزة: أنه قتل يومئذٍ إبراهيم بن علي بن أبي طالب، وأمه أم ولد.
وما سمعت بهذا من غيره، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكراً.
وذكر يحيى بن الحسن فيما حدثني به أحمد بن سعيد أن أبا بكر بن عبيد الله الطلحي حدثه عن أبيه أن عبيد الله بن علي قتل مع الحسين، وهذا خطأ، وإنما قتل عبيد الله يوم المدار، قتله أصحاب المختار أبي عبيدة، وقد رأيته بالمدار.
أبو بكر بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وأمه أم ولد، ولا تعرف أمه.
ذكر المدائني في إسنادنا عنه، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله.
وفي حديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر: أن عقبة الغنوي قتله.
وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:

(1/23)


وعند غنيٍ قطرة من دمائنا ... وفي أسد أخرى تعد وتذكر
القاسم بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وهو أخو أبي بكر بن الحسن المقتول قبله لأبيه وأمه.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر، في يده السيف، وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنس أنها اليسرى، فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت له: سبحان الله، وما تريد إلى ذلك، يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب، قال: والله لأشدن عليه، فما ولى وجهه حتى ذرب رأس الغلام بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، وصاح: يا عماه.
قال: فوالله لتجلى الحسين كما يتجلى الصقر، ثم شد شدة الليث إذا غضب، فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بساعده فأطنها من لدن المرفق، ثم تنحى عنه، وحملت خيل عمر بن سعد فاستنقذوه من الحسين، ولما حملت الخيل استقبلته بصدورها، وجالت، فتوطأته، فلم يرم حتى مات - لعنه الله وأخزاه - فلما تجلت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه، وحسين يقول: بعداً لقوم قتلوك، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته يوم كثر واتره، وقل ناصره، ثم احتمله على صدره، وكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطان في الأرض، حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين، فسألت عن الغلام، فقالوا: هو القاسم بن الحسن، بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
عبد الله بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقيل: إن أمه أم ولد. وكان أبو جعفر محمد بن علي - فيما رويناه عنه - يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله.
وذكر المدائني في إسناده عن جناب بن موسى، عن حمزة بن بيض، عن هانئ بن ثبيت القايضي أن رجلاً منهم قتله.
عبد الله بن الحسين
بن علي بن أبي طالب
وأمه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب.
وأمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب. وأمها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم. وأمها بنت أوس بن حارثة.
وزعم ابن عبدة أن أمها الرباب بنت حارثة بن أخت أوس بن حارثة بن لام الطائي بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة من طيء.
وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام:
لعمرك إنني لأحب دارا ... تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب
وسكينة التي ذكرها ابنته من الرباب، واسم سكينة أمينة، وقيل أميمة، وإنما غلب عليها سكينة، وليس باسمها.
وكان عبد الله بن الحسين يوم قتل صغيراً جاءته نشابة وهو في حجر أبيه فذبحته.
حدثني أحمد بن شبيب، قال: حدثنا أحمد بن الحرث عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: دعى الحسين بغلام فأقعده في حجره، فرماه عقبة بن بشر فذبحه.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا مورع بن سويد بن قيس، قال: حدثنا من شهد الحسين، قال: كان معه ابنه الصغير فجاء سهم فوقع في نحره، قال: فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره ولبته فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء، ويقول: اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.
عون بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب الأكبر
أمه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب. وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:
واندبي إن بكيت عوناً أخاه ... ليس فيما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصبت ذوي القر ... بى فبكى على المصاب الطويل
والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنه كلام فاطمة في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي.

(1/24)


حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم: أن عبد الله بن قطنة التيهاني قتل عون بن عبد الله بن جعفر.
محمد بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب
وأمه الخوصا بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عثمان بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن الحرث بن تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وأمها هند بنت سالم بن عبد الله بن عبد الله بن مخزوم بن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة، وأمها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
قتله عامر بن نهشل التميمي فيما روى عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم بالإسناد الذي قدمناه.
وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:
وسمى النبي غودر فيهم ... قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي ... بدموع تسيل كل مسيل
عبيد الله بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب
وأمه الخوصا بنت حفصة.
ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه: أنه قتل مع الحسين بالطف رضوان الله وصلواته على الحسين وآله.
عبد الرحمن بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله عثمان بن خالد بن أسيد الجهني وبشير بن حوط القايضي، فيما ذكر سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم.
جعفر بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم الثغر بنت عامر الهصان العامري من بني كلاب.
قتله عروة بن عبد الله الخثعمي، فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين وعن حميد بن مسلم.
ويقال أمه الخوصا بنت الثغرية، واسمه عمرو بن عامر بن الهصان، بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري.
وأمها أردة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب. وأمها أم البنين بنت معاوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن أبي صعصعة، وأمها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عقبة بن عامر. يقال إن أم أردة بنت حنظلة سالمة بنت مالك بن خطاب الأسدي.
عبد الله الأكبر بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله - فيما ذكره المدائني - عثمان بن خالد بن أسير الجهني، ورجل من همدان.
محمد بن مسلم بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني.
عبد الله بن مسلم بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب، وأمها أم ولد. قتله عمرو بن صبيح، فيما ذكرناه عن علي بن محمد المدائني، وعن حميد بن مسلم، وذكر أن السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته.
محمد بن أبي سعيد الأحول
بن عقيل بن أبي طالب
وأمه أم ولد، قتله لقيط بن ياسر الجهني، رماه بسهم فيما رويناه عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم.
وذكر محمد بن علي بن حمزة: أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل، ووصف أنه سمع أيضاً من يذكر أنه قتل يوم الحرة، قال أبو الفرج: وما رأيت في كتب الأنساب بمحمد بن عقيل ابناً يسمى جعفراً. وذكر أيضاً محمد بن علي بن حمزة، عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أن علي بن عقيل، وأمه أم ولد قتل يومئذٍ.
فجميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلاً.
خبر الحسين بن علي ومقتله
ثم نرجع إلى ذكر خبر الحسين بن علي ومقتله صلوات الله عليه

(1/25)


حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي، وحدثني أيضاً أحمد بن محمد بن شبيب المعروف بأبي بكر بن شيبة، قال: حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف، عن عوانة، وابن جعدية، وغيرهم؛ وحدثني أحمد بن الجعد قال: حدثنا علي بن موسى الطوسي، قال: حدثنا أحمد بن جناب، قال: حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القشيري، قال: حدثنا عمار الذهني، عن أبي جعفر محمد بن علي؛ كل واحد ممن ذكرت يأتي بالشيء يوافق فيه صاحبه، أو يخالفه، ويزيد عليه شيئاً أو ينقص منه، وقد ثبت ذلك برواياتهم منسوباً إليهم. قال المدائني؛ عن هرون بن عيسى، عن يونس بن أبي إسحاق، قال: لما بلغ أهل الكوفة نزول الحسين مكة، وأنه لم يبايع ليزيد وفد إليه وفد منهم عليهم أبو عبد الله الجدلي، وكتب إليه شبث بن ربعي، وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته، وخلع يزيد، فقال لهم: أبعث معكم أخي وابن عمي فإذا أخذ لي بيعتي، وأتاني عنهم بمثل ما كتبوا به إلي قدمت عليهم.
ودعى مسلم بن عقيل فقال: اشخص إلى الكوفة، فإن رأيت منهم اجتماعاً على ما كتبوا، ورأيته أمراً ترى الخروج معه، فاكتب إلي برأيك. فقدم مسلم الكوفة، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم للحسين.
قال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، فحدثني المصقعب بن زهير، عن أبي عثمان: أن ابن زياد أقبل من البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي والمنذر بن عمرو بن الجارود، وشريك بن الأعور، وحشمه وأهله، حتى دخلوا الكوفة، وعليه عمامة سوداء، وهو متلثم، والناس ينتظرون قدوم الحسين عليهم، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه، وقالوا: مرحباً بك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت خير مقدم، ورأى من الناس من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فأقبل حتى دخل القصر.
وقال عمرو عن أبي مخنف، عن المعلى بن كليب، عن أبي الوداك، قال: لما نزل ابن زياد القصر نودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع إليه الناس، فخرج إلينا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مريبكم، فأنا لمطيعكم كالوالد البر الشفيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري، وخالف عهدي، فليبق امرؤ على نفسه، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
ثم نزل. وسمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله بن زياد ومقالته؛ فأقبل حتى أتى دار هانئ بن عروة المرادي، فدخل في بابه، فأرسل إليه أن اخرج إلي، فقال: إني أتيتك لتجيرني وتضيفني، قال له: رحمك الله لقد كلفتني شططاً، لولا دخولك داري وثقتك بي أحببت لشأنك أن تنصرف عني، غير أني أخذني من ذلك ذمام. ادخل، فدخل داره، فأقبلت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة.

(1/26)


وجاء شريك بن الأعور حتى نزل على هانئ في داره، وكان شيعياً، ودعا ابن زياد مولى له يقال معقل، فقال له: خذ هذه الثلاثة الآلاف الدرهم ثم التمس لنا مسلم بن عقيل، واطلب شيعته، وأعطهم الثلاثة الآلاف الدرهم، وقل لهم: استعينوا بهذه على حرب عدوكم، وأعلمهم بأنك منهم؛ ففعل ذلك، وجاء حتى لقي مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم، وسمع الناس يقولون: هذا يبايع للحسين بن علي وكان يصلي، فلما قضى صلاته جلس إليه فقال له: يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع، أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم، وهذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أحب لقاءه لأعرف مكانه، فسمعت نفراً من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأمر أهل البيت، وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال، وتدلني على صاحبي فأبايعه فقال له: أحمد الله على لقائك فقد سرني حبك إياهم وبنصرة الله إياك حق أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح، وأخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضى به، ثم قال له: اختلف إليأياماً في منزلي، فأنا أطلب لك الأذن على صاحبك وأخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه.
ومرض شريك بن الأعور، وكان كريماً على ابن زياد، وكان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد الله إني رائح إليك العشية فعائدك. فقال شريك لمسلم: إن هذا الفاجر عائدي العشية، فإذا جلس فاقتله، ثم اقعد في القصر، وليس أحد يحول بينك وبينه، فإن أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها فلما كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور، فقال لمسلم: لا يفوتنك الرجل إذا جلس، فقام إليه هانئ فقال: إني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك، فجاءه عبيد الله بن زياد فدخل وجلس وسأل شريكاً: ما الذي تجد ومتى اشتكيت؟ فلما طال سؤاله إياه، ورأى أن أحداً لا يخرج، خشي أن يفوته. فأقبل يقول:
ما الانتظار بسلمى أن تحيوها ... حيوا سليمى وحيوا من يحييها
كأس المنية بالتعجيل فاسقوها
لله أبوك! إسقنيها وإن كانت فيها نفسي. قال ذلك مرتين أو ثلاثة؛ فقال عبيد الله - وهو لا يفطن - : ما شأنه، أترونه يهجر؟ فقال له هانئ: نعم - أصلحك الله - ما زال هكذا قبل غيابة الشمس إلى ساعتك هذه.
ثم قام وانصرف. فخرج مسلم فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان، أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، وأما الأخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن " ؛ فقال له شريك: أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً، كافراً غادراً.
قال: فأقبل ذلك الرجل الذي وجهه عبيد الله بالمال يختلف إليهم، فهو أول داخل وآخر خارج يسمع أخبارهم، ويعلم أسرارهم، وينطلق بها حتى يقرها في أذن ابن زياد.
قال: فقال المدائني، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن عثمان بن أبي زرعة قال: فقال ابن زياد يوماً: ما يمنع هانئاً منا؟ فلقيه ابن الأشعث، وأسماء بن خارجة فقالا له: ما يمنعك من إتيان الأمير وقد ذكرك؟ قال: فأتاه فقال ابن زياد - لعنه الله - شعراً:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
يا هانئ، أسلمت على ابن عقيل؟ قال: ما فعلت، فدعا معقلاً فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم وأصدقك ما علمت به حتى رأيته في داري، وأنا أطلب إليه أن يتحول. قال: لا تفارقني حتى تأتيني به، فأغلظ له، فضرب وجهه بالقضيب وحبسه.
وقال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، قال: حدثني الحجاج بن علي الهمداني قال: لما ضرب عبيد الله هانئاً وحبسه، خشي أن يثب الناس به، فخرج فصعد المنبر ومعه أناس من أشراف الناس وشرطه وحشمه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس: اعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم، ولا تفرقوا فتختلفوا وتهلكوا وتذلوا، وتخافوا وتخرجوا، فإن أخاك من صدقك، وقد أعذر من أنذر.
فذهب لينزل، فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون، ويقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيد الله القصر وأغلق بابه.

(1/27)


وقال أبو مخنف: فحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن حازم البكري قال: أنا والله رسول ابنعقيل إلى القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر، فأمرني أن أندي في أصحابي، وقد ملأ الدور منهم حواليه، فقال: ناديا منصور أمت فخرجت فناديت، وتبادر أهل الكوفة فاجتمعوا إليه، فعقد لعبد الرحمن بن عزيز الكندي على ربيعة، وقال له: سر أمامي وقدمه في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وقال له: انزل فأنت على الرجالة. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على تميم وحمدان. وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، ثم أقبل نحو القصر.
فلما بلغ عبيد الله إقباله تحرز في القصر، وغلق الأبواب، وأقبل مسلم حتى أحاط بالقصر، فوالله ما لبثنا إلا قليلاً حتى امتلأ المسجد من الناس، والسوق، ما زالوا يتوثبون حتى المساء، فضاق بعبيد الله أمره، ودعا بعبيد الله ابن كثير بن شهاب الحارثي، وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، وعقوبة السلطان، فأقبل أهل الكوفة يفترون على ابن زياد وأبيه.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن حازم البكري، قال: أشرف علينا الأشراف، وكان أول من تكلم كثير بن شهاب. فقال: أيها الناس، الحقوا بأهاليكم، ولا تعجلوا، انتشروا ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فهذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام على غير طمع، ويأخذ البريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى لا يبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت.
وتكلم الأشراف بنحو من كلام كثير، فلما سمع الناس مقالتهم تفرقوا.
قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد.
أن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف، فما زالوا يتفرقون وينصرفون حتى أمسى ابن عقيل وما معه إلا ثلاثون نفساً، حتى صليت المغرب فخرج متوجهاً نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب إلا ومعه منها عشر، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم إنسان فمضى متلدداً في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتى خرج إلى دور بني بجيلة من كندة، فمضى حتى أتى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث وأعتقها، فتزوج بها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع الناس، وأمه قائمة تنتظر فسلم عليه ابن عقيل، فردت السلام، فقال لها: اسقيني ماء. فدخلت فأخرجت إليه، فشرب، ثم أدخلت الإناء، وخرجت وهو جالس في مكانه، فقالت: ألم تشرب؟ قال: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك فسكت، فأعادت عليه ثلاثاً ثم قالت: سبحان الله يا عبد الله، قم إلى أهلك - عافاك الله - فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك، ثم قام، فقال: يا أمة الله، والله ما لي في هذا المصر من أهل، فهل لك في معروف وأجر لعلي أكافئك به بعد اليوم. قالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم، وغروني وخذلوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم. قالت: ادخل، فأدخلته بيتاً في دارها، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء، وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت، فسألها، فقالت: يا بني أله عن هذا، قال: والله لتخبرنني، وألح عليها، فقالت: يا بني، لا تخبريه أحداً من الناس، وأخذت عليه الأيمان، فحلف لها، فأخبرته، فاضطجع وسكت.
فلما طال على ابن زياد، ولم يسمع أصوات أصحاب ابن عقيل قال لأصحابه: اشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون، وأدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال وتدلي وتلهب فيها النار، حتى فعل ذلك بالأظلة التي في المسجد كلها، فلما لم يروا شيئاً أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة، وخرج ونادى في الناس: برئت الذمة من رجل صلى العتمة إلا في المسجد، فاجتمع الناس في ساعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

(1/28)


أما بعد: فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجد في داره، ومن جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً. يا حصين بن تميم ثكلتك أمك إن ضاع شيء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً فاستبرء الدور حتى تأتي بهذا الرجل، ثم نزل.
فلما أصبح أذن للناس، فدخلوا عليه، وأقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحباً بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه.
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة.
قال أبو مخنف: فحدثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي. أن ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلاً كلهم من قيس، عليهم عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال، عرف أنه قد أتى؛ فخرج إليهم بسيفه، فاقتحموا عليه الدار، فشد عليهم كذلك، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح وظهروا فوقه، فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح فلما رأى ذلك قال: أكلما أرى من الإجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص، فخرج - رضوان الله عليه - مصلتاً سيفه إلى السكة، فقاتلهم، فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال: يا فتى، لك الأمان، لا تقتل نفسك. فأقبل يقاتلهم وهو يقول:
أقسمت لا أقتل إلا حراً ... وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
أخاف أن أكذب أو أغرا ... أو يخلط البارد سخناً مرا
رد شعاع الشمس فاستقرا ... كل امرئ يوماً ملاق شرا
قال له محمد بن الأشعث: إنك لا تكذب ولا تغر، إن القوم ليسوا بقاتليك ولا ضاربيك، وقد أثخن بالجراح وعجز عن القتال؛ فانبهر وأسند ظهره إلى دار بجنب تلك الدار، فدنا منه محمد بن الأشعث فقال له: لك الأمان، فقال له مسلم: آمن أنا؟ قال: نعم أنت آمن، فقال القوم جميعاً: نعم غير عبيد الله بن العباس السلمي لأنه قال: " لا ناقة لي في هذا ولا جمل " ، وتنحى، فقال ابن عقيل: إني والله لولا أمانكم ما وضعت يدي في أيديكم. وأتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا عليه، فنزعوا سيفه في عنقه، فكأنه أيس من نفسه فدمعت عينه وعلم أن القوم قاتلوه، وقال: هذا أول الغدر.
فقال له محمد بن الأشعث: أرجوا ألا يكون عليك بأس.
فقال: ما هو إلا الرجاء، فأين أمانكم " إنا لله وإنا إليه راجعون " وبكى.
فقال له عبيد الله ابن العباس السلمي: إن مثلك ومن يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك.
قال: إني والله ما أبكي لنفسي، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً، ولكني أبكي لأهلي المقبلين إلي، أبكي للحسين وآل الحسين، ثم أقبل على ابن الأشعث فقال: إني والله أظنك ستعجز عن أماني، وسأله أن يبعث رسولاً إلى الحسين بن علي يعلمه الخبر، ويسأله الرجوع فقال له ابن الأشعث: والله لأفعلن.
قال أبو مخنف: فحدثني قدامة بن سعد: أن مسلم بن عقيل حين انتهى به إلى القصر رأى قلة مبردة موضوعة على الباب، فقال: اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمر، وأبو قتيبة بن مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها؟ فوالله لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له مسلم بن عقيل: ويلك، ولأمك الثكل، ما أجفاك، وأفظك، وأقسى قلبك، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم، والخلود في نار جهنم، ثم جلس وتساند إلى الحائط.

(1/29)


قال أبو مخنف: فحدثني أبو قدامة بن سعد أن عمرو بن حريث بعث غلاماً له يدعى سليماً فأتاه بماء في قلة فسقاه. قال وحدثني مدرك بن عمارة: أن عمارة بن عقبة بعث غلاماً يدعى نسيماً فأتاه بماء في قلة عليها منديل وقدح معه، فصب فيه الماء ثم سقاه، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دماً، فأخذ لا يشرب من كثرة الدم، فلما ملأ القدح ذهب ثانية يشرب، فسقطت ثنيتاه في القدح، فقال: الحمد لله، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته.
قال: ثم أدخل على عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فلم يسلم عليه، فقال له الحرس: ألا تسلم على الأمير؟ فقال: إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه. فقال له عبيد الله - لعنه الله - : لتقتلن. قال: أكذلك؟ قال: نعم. قال: دعني إذاً أوصي إلى بعض القوم. قال: أوص إلى من أحببت. فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد، وفيهم عمر بن سعد؛ فقال: يا عمر، إن بيني وبينك قرابة دون هؤلاء، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، وهي سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد - لعنه الله - ، فقال له ابن عقيل: إن علي بالكوفة ديناً استدنته مذ قدمتها تقضيه عني حتى يأتيك من غلتي بالمدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين من يرده. فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال؟ قال: اكتم ما قال لك، قال: أتدري ما قال لي؟ قال: هات، فإنه لا يخون الأمين، ولا يؤتمن الخائن. قال: كذا وكذا، قال: أما مالك فهو لك، ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، وأما جثته فإنا لا نشفعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل، وقد خالفنا وحرص على هلاكنا.
ثم قال ابن زياد لمسلم: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام.
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه، أما إنك لم تدع سوء القتلة، وقبح المثلة وخبث السيرة، ولؤم الغيلة لمن هو أحق به منك.
ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه.
ثم قال: ادعوا الذي ضربه ابن عقيل على رأسه وعاتقه بالسيف فجاءه فقال: اصعد وكن أنت الذي تضرب عنقه، وهو بكير بن حمران الأحمري - لعنه الله - ، فصعدوا به وهو يستغفر الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أنبيائه ورسله وملائكته - وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا، وكادونا وخذلونا.
ثم أشرفوا به على موضع الحذائين فضرب عنقه، ثم أتبع رأسه جسده - صلى الله عليه ورحمه - .
وقال المدائني: عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد، قال: فقال عبد الله بن الزبير الأسدي:
إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل
ترى جسداً قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل
أصابهما أمر الأمير فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل
أيركب أسماء الهماليج آمناً ... وقد طلبته مذحج بذحول
تطيف حواليه مرادٌ وكلهم ... على رقبةٍ من سائل ومسول
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغايا أرضيت بقليل

(1/30)


قالوا: وكان مسلم قد كتب إلى الحسين بأخذ البيعة له، واجتماع الناس عليه، وانتظارهم إياه، فأزمع الشخوص إلى الكوفة، ولقيه عبد الله بن الزبير في تلك الأيام ولم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز، ولا أحب إليه من خروجه إلى العراق طمعاً في الوثوب بالحجاز، وعلماً بأن ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين، فقال له: على أي شيء عزمت يا أبا عبد الله؟ فأخبره برأيه في إتيان الكوفة، وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل إليه، فقال له ابن الزبير: فما يحبسك، فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء، وقوى عزمه، ثم انصرف. وجاءه به عبد الله بن عباس وقد أجمع رأيه على الخروج، وحققه، فجعل يناشده في المقام، ويعظم عليه القول في ذم أهل الكوفة، وقال له: إنك تأتي قوماً قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، وما أراهم إلا خاذليك، فقال له: هذه كتبهم معي، وهذا كتاب مسلم باجتماعهم، فقال له ابن عباس: أما إذا كنت لا بد فاعلاً فلا تخرج أحداً من ولدك، ولا حرمك ولا نسائك فخليق أن تقتل وهم ينظرون إليك كما قتل ابن عفان، فأبى ذلك ولم يقبله.
قال: فذكر من حضره يوم قتل وهو يلتفت إلى حرمه وإخوته وهن يخرجن من أخبيتهن جزعاً لقتل من يقتل معه وما يرينه به، ويقول: لله در ابن عباس فيما أشار علي به.
قال: فلما أبى الحسين قبول رأي ابن عباس قال له: والله لو أعلم أني إذا تشبثت بك وقبضت على مجامع ثوبك، وأدخلت يدي في شعرك حتى يجتمع الناس علي وعليك، كان ذلك نافعي لفعلته، ولكن اعلم أن الله بالغ أمره، ثم أرسل عينيه فبكى، وودع الحسين، وانصرف. ومضى الحسين لوجهه، ولقى ابن العباس بعد خروجه عبد الله بن الزبير فقال له:
يا لك من قبرةٍ بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري ... هذا الحسين خارجاً فاستبشري
فقال: قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز.
قال أبو مخنف في حديثه خاصة عن رجاله: إن عبيد الله بن زياد وجه الحر بن يزيد ليأخذ الطريق على الحسين، فلما صار في بعض الطريق لقيه أعرابيان من بني أسد، فسألهما عن الخبر، فقالا له: يا ابن رسول الله، إن قلوب الناس معك، وسيوفهم عليك، فارجع، وأخبراه بقتل ابن عقيل وأصحابه، فاسترجع الحسين، فقال له بنو عقيل: لا نرجع والله أبداً أو ندرك ثأرنا أو نقتل بأجمعنا، فقال لمن كان لحق به من الأعراب: من كان منكم يريد الإنصراف عنا فهو في حل من بيعتنا. فانصرفوا عنه، وبقي في أهل بيته، ونفر من أصحابه.
ومضى حتى دنا من الحر بن يزيد، فلما عاين أصحابه العسكر من بعيد كبروا، فقال لهم الحسين: ما هذا التكبير؟ قالوا: رأينا النخل، فقال بعض أصحابه: ما بهذا الموضع والله نخل، ولا أحسبكم ترون إلا هوادي الخيل وأطراف الرماح، فقال الحسين: وأنا والله أرى ذلك؛ فمضوا لوجوههم، ولحقهم الحر بن يزيد في أصحابه، فقال للحسين: إني أمرت أن أنزلك في أي موضع لقيتك وأجعجع بك، ولا أتركك أن تزول من مكانك.
قال: إذاً أقاتلك، فاحذر أن تشقى بقتلي ثكلتك أمك. فقال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائناً من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه.
وأقبل يسير والحر يسايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء، ويمنع الحسين من دخول الكوفة، حتى نزل بأقساس مالك، وكتب الحر إلى عبيد الله يعلمه ذلك.
قال أبو مخنف: فحدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عتبة بن سمعان الكلبي، قال: لما ارتحلنا من قصر ابن مقاتل، وسرنا ساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول: " إنا لله، وإنا إليه راجعون " ، و " الحمد لله رب العالمين " مرتين. فأقبل إليه علي بن الحسين وهو على فرس فقال له: يا أبي جعلت فداك، مم استرجعت؟ وعلام حمدت الله؟ قال الحسين: يا بني، إنه عرض لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون، والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال: يا أبتاه لا أراك الله سوءً أبداً، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي يرجع إليه العباد. فقال: يا أبت، فإذاً لا نبالي، قال: جزاك الله خير ما جزى ولد عن والده.

(1/31)


قال: وكان عبيد الله بن زياد - لعنه الله - قد ولى عمر بن سعد الري، فلما بلغه الخبر وجه إليه أن سر إلى الحسين أولاً فاقتله، فإذا قتلته رجعت ومضيت إلى الري، فقال له: أعفني أيها الأمير. قال: قد أعفيتك من ذلك، ومن الري، قال: اتركني أنظر في أمري فتركه، فلما كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين، فلما قاربه وتواقفوا قام الحسين في أصحابه خطيباً فقال: اللهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت خيراً من أهل بيتي، فجزاكم الله خيراً فقد آزرتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً، فإذا جنكم الليل فتفرقوا في سواده، وانجوا بأنفسكم.
فقال إليه العباس بن علي أخوه، وعلي ابنه، وبنو عقيل، فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم، إنا تركنا سيدنا، وابن سيدنا وعمادنا، وتركناه غرضاً للنبل، ودريئة للرماح، وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة، معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك، فبكى وبكوا عليه، وجزاهم خيراً، ثم نزل - صلوات الله عليه - .
فحدثني عبد الله بن زيدان البجلي، قال: حدثنا محمد بن زيد التميمي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب، عن علي بن الحسين قال: إني والله لجالس مع أبي في تلك الليلة، وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون مولى أبي ذي الغفار، إذا ارتجز الحسين:
يا دهر أفٍ لك من خليل ... كم لك في الإشراق والأصيل
من صاحب وماجد قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل
والأمر في ذاك إلى الجليل ... وكل حي سالك السبيل
قال: وأما أنا فسمعته ورددت عبرتي: وأما عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرقة والجزع، فشقت ثوبها، ولطمت وجهها، وخرجت حاسرة تنادي: واثكلاه! واحزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه يا سيداه، يا بقية أهل بيتاه، استقلت ويئست من الحياة؛ اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمي فاطمة الزهراء، وأبي علي وأخي الحسن، يا بقية الماضين، وثمال الباقين.
فقال لها الحسين: يا أختي " لو ترك القطا لنام " .
قالت: فإنما تغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أكول لحزني وأشجى لقلبي؛ وخرت مغشياً عليها؛ فلم يزل يناشدها واحتملها حتى أدخلها الخباء.
رجع الحديث إلى مقتله
صلوات الله عليه قال: فوجه إلى عمر بن سعد - لعنه الله - فقال: ماذا تريدون مني؟ إني مخيركم ثلاثاً: بين أن تتركوني ألحق بيزيد، أو أرجع من حيث جئت، أو أمضي إلى بعض ثغور المسلمين فأقيم فيها.
ففرح ابن سعد بذلك، وظن أن ابن زياد - لعنه الله - يقبله منه، فوجه إليه رسولاً يعلمه ذلك، ويقول: لو سألك هذا بعض الديلم ولم تقبله ظلمته. فوجه إليه ابن زياد: طمعت يا ابن سعدٍ في الراحة، وركنت إلى دعة، ناجز الرجل وقاتله، ولا ترض منه إلا أن ينزل على حكمي.
فقال الحسين: معاذ الله أن أنزل على حكم ابن مرجانة أبداً، فوجه ابن زياد شمر بن ذي الجوشن الضبابي - أخزاه الله - إلى ابن سعد - لعنه الله - يستحثه لمناجزة الحسين، فلما كان في يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين، ناجزه ابن سعد - لعنه الله - فجعل أصحاب الحسين يتقدمون رجلاً رجلاً يقاتلون حتى قتلوا.
وقال المدائني، عن العباس بن محمد بن رزين، عن علي بن طلحة، وعن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن حميد بن مسلم، وقال عمر بن سعد البصري: عن أبي مخنف، عن زهير بن عبد الله الخثعمي، وحدثنيه أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن العلوي، عن بكر بن عبد الوهاب، عن إسماعيل بن أبي إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين: إن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي، قال: فأخذ يشد على الناس وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي ... نحن وبيت الله أولى بالنبي
من شبث ذاك ومن شمر الدني ... أضربكم بالسيف حتى يلتوي
ضرب غلام هاشمي علوي ... ولا أزال اليوم أحمي عن أبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي

(1/32)


ففعل ذلك مراراً، فنظر إليه مرة بن منقذ العبدي فقال: علي آثم العرب إن هو فعل مقل ما أراه يفعل، ومر بي أن أثكله أمه. فمر يشد على الناس ويقول كما كان يقول، فاعترضه مرة وطعنه بالرمح فصرعه، واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم.
وقال أبو مخنف: عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: سماع أذني يومئذٍ الحسين وهو يقول: قتل الله قوماً قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: على الدنيا بعدك العفاء.
قال حميد: وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي: يا حبيباه، يا ابن أخاه، فسألت عنها، فقالوا: هذه زينب بنت علي بن أبي طالب؛ ثم جاءت حتى انكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها إلى الفسطاط، وأقبل إلى ابنه، وأقبل فتيانه إليه فقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه ذلك، ثم جاء به حتى وضعه بين يدي فسطاطه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا غير واحد، عن محمد بن عمير، عن أحمد بن عبد الرحمن البصري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة عن سعيد بن ثابت، قال: لما برز علي بن الحسين إليهم، أرخى الحسين - صلوات الله عليه وسلامه - عينيه فبكى، ثم قال: اللهم كن أنت الشهيد عليهم، فبرز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول: يا أباه، العطش، فيقول له الحسين: اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكأسه، وجعل يكر كرة بعد كرة، حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه، وأقبل ينقلب في دمه، ثم نادى: يا أبتاه عليك السلام، هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول: عجل القدوم إلينا، وشهق شهقة فارق الدنيا.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: أحاطوا بالحسين عليه السلام، وأقبل غلام من أهله نحوه، وأخذته زينب بنت علي لتحبسه، فقال لها الحسين: احبسيه، فأبى الغلام، فجاء يعدوا إلى الحسين، فقام إلى جنبه، وأهوى أبحر بن كعب بالسيف إلى الحسين، فقال الغلام لأبجر: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟ فضربه أبجر بالسيف، واتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد. وبقيت معلقة بالجلد، فنادى الغلام: يا أمه، فأخذه الحسين فضمه إليه، وقال: يا ابن أخي احتسب فيما أصابك الثواب، فإن الله ملحقك بآبائك الصالحين، برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن عليهم السلام.
قال: وجاء رجل حتى دخل عسكر الحسين، فجاء إلى رجل من أصحابه فقال له: إن خبر ابنك فلان وافى، إن الديلم أسروه، فتنصرف معي حتى نسعى في فدائه، فقال: حتى أصنع ماذا؟ عند الله أحتسبه ونفسي، فقال له الحسين: انصرف وأنت في حل من بيعتي، وأنا أعطيك فداء ابنك. فقال: هيهات أن أفارقك ثم أسأل الركبان عن خبرك. لا يكون والله هذا أبداً، ولا أفارقك، ثم حمل على القوم فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه ورضوانه.
قال: وجعل الحسين يطلب الماء، وشمر - لعنه الله - يقول له: والله لا ترده أو ترد النار، فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطوان الحيات، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم أمته عطشاً.
قال: والله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء، فيؤتى بماء، فيشرب حتى يخرج من فيه وهو يقول: اسقوني، قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتى مات.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال:

(1/33)


لما اشتد العطش على الحسين دعا أخاه العباس بن علي، فبعثه في ثلاثين راكباً وثلاثين راجلاً، وبعث معه بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا الماء فاستقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فقال له عمرو بن الحجاج: من الرجل؟ قال: نافع بن هلال، قال: مرحباً بك يا أخي ما جاء بك؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: اشرب، قال: لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان. فقال له عمرو: لا سبيل إلى ما أردتم، إنما وضعونا بهذا المكان لنمنعكم من الماء، فلما دنا منه أصحابه قال للرجالة: إملأوا قربكم، فشدت الرجالة فدخلت الشريعة فملأوا قربهم، ثم خرجوا، ونازعهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي، ونافع بن هلال الجملي جميعاً، فكشفوه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، وقالوا للرجالة: انصرفوا. فجاء أصحاب الحسين بالقرب حتى أدخلوها عليه.
قال المدائني: فحدثني أبو غسان، عن هارون بن سعد، عن القاسم بن الأصبغ ابن نباتة، قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك، قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقى أحد في الحي إلا سمع صياحي.
قال: والمقتول العباس بن علي - عليه السلام - .
قال المدائني. فحدثني مخلد بن حمزة بن بيض، وحباب بن موسى، عن حمزة بن بيض، قال حدثني هانئ بن ثبيت القايضي زمن خالد، قال: قال: كنت ممن شهد الحسين، فإني لواقف على خيول إذ خرج غلام من آل الحسين مذعوراً يلتفت يميناً وشمالاً، فأقبل رجل منا يركض حتى دنا منه، فمال عن فرسه، فضربه فقتله.
قال: وحمل شمر - لعنه الله - على عسكر الحسين، فجاء إلى فسطاطه لينهبه، فقال له الحسين: يولكم، إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في الدنيا، فرحلى لكم عن ساحة مباح، قال: فاستحيا ورجع.
قال: وجعل الحسين يقاتل بنفسه، وقد قتل ولده وأخوته وبنو أخيه وبنو عمه فلم يبق منهم أحد، وحمل عليه ذرعة بن شريك - لعنه الله - ، فضرب كتفه اليسرى فسقطت - صلوات الله عليه - . وقتله أبو الجنوب زياد بن عبد الرحمن الجعفي، والقثعم، وصالح بن وهب اليزني وخولى بن يزيد، كل قد ضربه وشرك فيه.
ونزل سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه.
ويقال: إن الذي أجهز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله.
وحمل خولي بن يزيد رأسه إلى عبيد الله بن زياد.
وأمر ابن زياد - لعنه الله، وغضب عليه - أن يوطأ صدر الحسين، وظهره وجنبه ووجهه فأجريت الخيل عليه.
وحمل أهله أسرى وفيهم، عمر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتث جريحاً فحمل معهم، وعلي بن الحسين الذي أمه أم ولد، وزينب العقيلة، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وسكينة بنت الحسين لما أدخلوا على يزيد - لعنه الله - أقبل قاتل الحسين بن علي يقول:
أوقر ركابي فضة أو ذهبا ... فقد قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أماً وأباً ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا
ووضع الرأس بين يدي يزيد - لعنه الله - في طست، فجعل ينكته على ثناياه بالقضيب وهو يقول:
نفلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وقد قيل: إن ابن زياد - لعنه الله فعل ذلك.
وقيل: إنه تمثل أيضاً والرأس بين يديه بقول عبد الله بن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من أشياخهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل
ثم دعا يزيد - لعنه الله - بعلي بن الحسين، فقال: ما اسمك؟ فقال: علي بن الحسين، قال: أو لم يقتل الله علي بن الحسين، قال: قد كان لي أخ أكبر مني يسمونه علياً، فقتلتموه. قال: بل الله قتله، قال علي: " الله يتوفى الأنفس حين موتها " ، قال له يزيد: " وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم " فقال علي: " ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور " .
قال: فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه.

(1/34)


فقام رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه أتخذها أمة.
قال: فقالت له زينب: لا ولا كرامة، ليس لك ذلك، ولا له إلا أن يزيد حسبك من دمائنا.
وقال علي بن الحسين: إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم، وأردت قتلي فابعث معهن أحداً يؤديهن. فرق له وقال: لا يؤديهن غيرك.
ثم أمره أن يصعد المنبر فيخطب فيعذر إلى الناس مما كان من أبيه فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا علي بن الحسين، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السراج المنير. وهي خطبة طويلة كرهت الإكثار بذكرها، وذكر نظائرها.
ثم أمره يزيد، بالشخوص إلى المدينة مع النسوة من أهله وسائر بني عمه، فانصرف بهم.
وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين:
مررت على أبيات آل محمد ... فلم أرها أمثالها يوم حلت
ألم تر أن الشمس أصحت مريضة ... لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وكانوا رجاءً ثم صاروا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
أتسألنا قيس فنعطي فقيرها ... وتقتلنا قيسٌ إذا النعل زلت
وعند غني قطرةٌ من دمائنا ... سنطلبها يوماً بها حيث حلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
فإن قتيل الطف من آل هاشم ... أذل رقاب المسلمين فذلت
قال: أبو الفرج: وقد رثى الحسين بن علي - صلوات الله عليه - جماعة من متأخري الشعراء أستغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة.
وأما من تقدم فما وقع إلينا شيء رثى به، وكانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية، وخشية منهم.
وهذا آخر ما أخبرنا به من مقتله - صلوات الله عليه ورضوانه وسلامه - .
أبو بكر بن عبد الله بن جعفر
وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.
لا يعرف اسمه؛ وأمه الخوصاء بنت حفصة بن بكر بن وائل.
حدثنا أحمد بن محمد بن شبيب، قال: حدثنا أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني، قال: قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف ابن عقبة وبين أهل المدينة.
عون بن عبد الله بن جعفر الأصغر
وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وهو عون الأصغر، والأكبر قتل مع الحسين بن علي.
وأم عون هذا جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن ربيعة بن شمخ بن فزارة.
وأمها من بني مرة بن عوف الفزاري.
والمسيب أحد أمراء التوابين الذين دعوا إلى الخروج على ابن زياد - لعنه الله - والطلب بدم الحسين، فقتلوا بعين الوردة، وله صحبة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد شهد معه مشاهده.
وقتل عون يوم الحرة حرة واقم، قتله أصحاب مسرف بن عقبة، أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن شبيب، عن الخراز، عن علي بن نجم المدائني.
عبيد الله بن علي
وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة.
قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار، وكان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه ويجعل الأمر له، فلم يفعل، فخرج فحلق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة وهو لا يعرف.
عبد الله بن محمد بن علي
وعبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب.
ويكنى أبا هاشم، وأمه أم ولد، تدعى نائلة.
وكان لسناً خصماً عالماً، وكان وصي أبيه، وهو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنه ورث الوصية عن أبيه، وأنه كان الإمام، وأنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأوصى محمد إلى إبراهيم الإمام، فصارت الوصية في بني العباس من تلك الجهة.
ودس سليمان بن عبد الملك سماً إليه، فمات منه بالحميمة من أرض الشام.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني عبيد الله بن حمزة، وذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة، عن المدائني، عن غسان بن عبد الحميد قال:

(1/35)


وفد أبو هشام إلى سليمان بن عبد الملك يقضي حوائجه، ثم تجهز للمسير إلى المدينة، فقدم، ثقله وأتى سليمان ليودعه، فحبسه سليمان حتى تغدى معه في يوم شديد الحر، وخرج نصف النهار، وسار ليلحق الثقل فعطش في مسيره، فدس إليه سليمار شربة فلما شربها فتر فسقط، وأرسل رسولاً إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الحرث بن نوف، يعلمهما حاله فخرجا إليه فولياه حتى مات. ودفن بالحميمة في أرض الشام، وأوصى إلى محمد بن علي بن العباس.
زيد بن علي
وزيد بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي طالب، ويكنى أبا الحسين.
وأمه أم ولد أهداها المختار بن أبي عبيدة لعلي بن الحسين فولدت له زيداً، وعمر، وعلياً، وخديجة.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي، وعلي بن العباس، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسين بن حماد أخو الحسن بن حماد، قال: حدثنا زياد بن المنذر، قال: اشترى المختار بن أبي عبيدة جارية بثلاثين ألفاً، فقال لها: أدبري، ثم قال لها: أقبلي. فأقبلت، ثم قال: ما أدري أحداً أحق بها من علي بن الحسين، فبعث بها إليه، وهي أم زيد بن علي.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الكندي، عن خصيب الوابشي قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه.
حدثني الحسن بن علي السلولي، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي سعيد بن خيثم، قال: حدثني أبو قرة، قال: خرجت مع زيد بن علي ليلاً إلى الجبان، وهو مرخي اليدين لا شيء معه، فقال لي: يا أبا قرة أجائع أنت؟ قلت نعم، فناولني كمثراة ملء الكف ما أدري أريحها أطيب أم طعمها، ثم قال لي: يا أبا قرة أتدري أين نحن؟ نحن في روضة من رياض الجنة، نحن عند قبر أمير المؤمنين علي، ثم قال لي: يا أبا قرة والذي يعلم ما تحت وريد زيد بن علي إن زيد بن علي لم يهتك لله محرماً منذ عرف يمينه من شماله، يا أبا قرة من أطاع الله أطاعه ما خلق.
حدثي علي بن محمد، بن علي بن مهدي العطار، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن أبي داود العلوي عن عاصم بن عبيد الله العمري قال ذكر عنده زيد بن علي فقال: أنا أكبر منه، رأيته بالمدينة وهو شاب يذكر الله عنده فيغشى عليه حتى يقول القائل: ما يرجع إلى الدنيا.
حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسين قال: حدثنا هرون بن موسى، قال: سمعت محمد بن أيوب الرافقي يقول: كانت المرجئة وأهل النسك لا يعدلون بزيد أحداً.
حدثني علي بن العباس المقانعي، ومحمد بن الحسين الخثعمي، قالا: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال حدثنا الحسن بن الحسين، قال المقانعي: عن عبد الله بن حرب وقال الأشناني: عن عبد الله بن جرير، قال: رأيت جعفر بن محمد يمسك لزيد بن علي بالركاب، ويسوي ثيابه على السرج.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا أبو معمر سعيد بن خيثم، قال: كان بين زيد بن علي، وعبد الله بن الحسن مناظرة في صدقات علي، فكانا يتحاكمان إلى قاض من القضاة، فإذا قاما من عنده أسرع عبد الله إلى دابة زيد فأمسك له بالركاب.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا محمد بن الفرات، قال: رأيت زيد بن علي وقد أثر السجود بوجهه أثراً خفيفاً.
حدثنا محمد بن علي بن مهدي، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن أبي عاصم، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن البابكي، واسمه عبد الله بن مسلم بن بابك، قال: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل واستوت الثريا فقال: يا بابكي أما ترى هذه الثريا أترى أحد ينالها؟ قلت: لا، قال: والله لوددت أن يدي ملصقة بها فأقع إلى الأرض أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة، وأن الله أصلح بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن يحيى بن مساور، عن أبي الجارود، قال: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: سألت الحسن بن يحيى كم كانت سن زيد بن علي يوم قتل؟ قال: اثنتان وأربعون سنة.

(1/36)


حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا محمد بن داود بن عبد الجبار، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسين: " يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجلين، يدخلون الجنة بغير حساب " .
حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال أخبرنا خالد بن عيسى أبو زيد العكلي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقتل رجل من أهل بيتي فيصلب لا ترى الجنة عين رأت عورته " .
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو حفص الأعشى، عن أبي داود المدني، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي، قال: يخرج بظهر الكوفة رجل يقال له زيد في أبهة والأبهة الملك لا يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير أو شبه الطوامير حتى يتخطوا أعناق الخلائق تتلقاهم الملائكة فيقولون هؤلاء حلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: " يا بني قد عملتم ما أمرتم به، فادخلوا الجنة بغير حساب " .
حدثني علي بن العباس، ومحمد بن الحسين، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسين بن زيد بن علي، عن ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية، عن أبيها، قال: مر زيد بن علي بن الحسين، على محمد بن الحنفية فرق له وأجلسه، وقال: أعيذك بالله يا ابن أخي أن تكون زيداً المصلوب بالعراق، ولا ينظر أحد إلى عورته. ولا ينظره إلا كان في أسفل درك من جهنم.
حدثني محمد بن علي بن مهدي بالكوفة على سبيل المذاكر، ونبأني أحمد بن محمد في إسناده قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا عيسى بن كثير الأسدي، قال: حدثنا خالد موالى آل الزبير، قال: كنا عند علي بن الحسين فدعا ابناً له يقال له زيد، فكبا لوجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: أعيذك بالله أن تكون زيداً المصاب بالكناسة، من نظر إلى عورته متعمداً أصلى الله وجهه النار.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن محمد قني، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: سعيد بن عمرو، عن يونس بن جناب، قال: جئت مع أبي جعفر إلى الكتاب فدعا زيداً فاعتنقه، وألزق بطنه ببطنه وقال: أعيذك بالله أن تكون صليب الكناسة.
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا موسى الصفار عن محمد بن فرات، قال: رأيت زيد بن علي يوم السبخة وعلى رأسه سحابة صفراء تظله من الشمس، تدور معه حيث ما دار.
حدثني الحسن بن علي، قال: حدثنا جعفر بن أحمد الأزدي، قال: حدثنا حسين بن نصر، عن أبيه، عن أبي خالد، قال: كان في خاتم زيد بن علي " اصبر تؤجر، وتوق تنج " .
حدثني علي بن أحمد بن حاتم، قال: حدثنا الحسين بن عبد الواحد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الهمداني، قال: حدثتني عمتي عزيز بنت زكريا، عن أبيها، قال: أردت الخروج إلى الحج فمررت بالمدينة فقلت: لو دخلت على زيد بن علي. فدخلت فسلمت عليه، فسمعته يتمثل:
ومن يطلب المال الممنع بالقنا ... يعش ماجداً أو تخترمه المخارم
متى تجمع القلب الذكي وصارماً ... وأنفقاً حمياً تجتنبك المظالم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم ... فهل أنا في ذا يال همدان ظالم
قال: فخرجت من عنده وظننت أن في نفسه شيئاً، وكان من أمره ما كان.
مقتل زيد بن علي والسبب فيه
حدثني به محمد بن علي بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي أبو معمر سعيد بن خيثم، وحدثني علي بن العباس، قال: أخبرنا محمد بن مروان قال: حدثان زيد بن المعذل النمري، قال: أخبرنا يحيى بن صالح الطيانسي، وكان قد أدرك زمان زيد بن علي، وحدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا المنذر بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، قال: حدثنا أبو مخنف، وأخبرني المنذر بن محمد في كتابه إلي بإجازته أن أرويه عنه من حيث دخل، يعني حديث بعضهم في حديث الآخرين، وذكرت الاتفاق بينهم مجملاً، ونسبت ما كان من خلاف في رواية إلى رواية.

(1/37)


قالوا: كان أول أمر زيد بن علي - صلوات الله عليه - أن خالد بن عبد الله القسري ادعى مالاً قبل زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس، وسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبد الله بن عباس بن الوليد بن المغيرة المخزومي.
وكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم، عامل هشام على العراق، إلى هشام، وزيد بن علي، ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة. وزيد يخاصم الحسن بن الحسن في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما قدمت كتب يوسف، بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف، فأنكروا فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه.
قال له زيد: أنشدك الله والرحم أن لا تبعث بنا إلى يوسف. قال له هشام: وما الذي تخاف من يوسف؟ قال: أخاف أن يتعدى علينا. فدعا شام كاتبه فكتب إلى يوسف: " أما بعد، فإذا قدم عليك زيد، وفلان، وفلا، فاجمع بينهم وبينه، فإن أقروا بما ادعى عليهم فسرح بهم إلي، وإن هم أنكروا فاسأله البينة، فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة، ولا له قبلهم شيء، ثم خل سبيلهم " .
فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدى كتابك " ويطول علينا " . قال: كلا أنا باعث معكم رجلاً من الحرس ليأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل. قالوا: جزاك الله عن الرحم خيراً، لقد حكمت بالعدل.
فسرح بهم إلى يوسف، وهو يومئذ بالحيرة، فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخؤولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك. فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا، فأجلس زيداً قريباً منه، ولاطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف إليهم، وقال: هذا زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادعيت قبلهما ما ادعيت قال: ما لي قبلهما قليل ولا كثير. قال له يوسف: أفبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذبه عذاباً ظن أنه قد قتله.
ثم أخرج زيداً وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفهم، فحلفوا، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه ذلك، فكتب إليه هشام خل سبيلهم، فخلى سبيلهم.
فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أياماً، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل وبأشياء يبتاعها، فألح عليه حتى خرج، فأتى القادسية.
ثم إن الشيعة لقوا زيداً فقالوا له: أين تخرج عنه - رحمك الله - ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة. فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق. فقال له محمد بن عمر: أذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك، فإنهم لا يفون لك، أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال: أجل. وأبى أن يرجع.
وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه، ويبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة، سوى أهل المدائن، والبصرة، وواسط، والموصل وخراسان، والري، وجرجان.
وأقام بالكوفة بضعة عشر شهراً، وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور، يدعون الناس إلى بيعته، فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل من يريد أن يفي له يستعد، وشاع ذلك فانطلق سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر، وأخبره خبر زيد، فبعث يوسف فطلب زيداً ليلاً فلم يوجد عند الرجلين اللذين سعى إليه أنه عندهما فأتى بهما يوسف فلما كلمهما استبان أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما، وبلغ الخبر زيداً - صلوات الله عليه - فتخوف أن يؤخذ عليه الطريق فتعجل الخروج قبل الأجل الذي بينه وبين أهل الأمصار، واستتب لزيد خروجه، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنين وعشرين ومائة فخرج قبل الأجل.

(1/38)


وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم فيحضرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء، والشرط، والمناكب، والمقاتلة، فأدخلوهم المسجد، ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحبة المسجد فقد برئت منه الذمة؛ ائتوا المسجد الأعظم. فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد. وطلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق " بن زيد بن حارثة الأنصاري " ، فخرج ليلاً، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم، في ليلة شديدة البرد، من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهرادي فيها النيران، ونادوا بشعارهم شعار رسول الله: " يا منصور أمت " ، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا، فلما أصبحوا بعث زيد - عليه السلام - القاسم بن عمر التبعي، ورجلاً آخر، يناديان بشعارهما. وقال سعيد بن خيثم في رواية القاسم بن كثير بن يحيى بن صالح بن يحيى بن عزيز بن عمرو بن مالك بن خزيمة التبعي وسمى الآخر الرجل، وذكر أنه صدام.
قال سعيد: وبعثني أيضاً وكنت رجلاً صيتاً أنادي بشعاره.
قال: ورفع أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني هردياً من ميمنتهم، ونادى بشعار زيد. فلما كانوا في صحارى عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي، فشدوا عليه، وعلى أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم، وارتث القاسم فأتى به الحكم بن الصلت فكلمه فلم يرد عليه، فأمر به فضربت عنقه على باب القصر، وكان أول قتيل منهم رضوان الله عليه.
قال سعيد بن خيثم: قالت بنته سكينة:
عين جودي لقاسم بن كثير ... بدرور من الدموع غزير
أدركته سيوف قوم لئام ... من أولي الشرك والردى والشرور
سوف أبكيك ما تغنى حمام ... فوق غصن من الغصون نضير
قال أبو مخنف: وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء فيأتينا بخبرهم؟.
قال عبد الله بن العباس المنتوف الهمداني: أنا آتيك بخبرهم، فركب في خمسين فارساً، ثم أقبل حتى أتى جبانة سالم فاستخبر، ثم رجع إلى يوسف فأخبره، فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل " عليه و " معه قريش، وأشراف الناس، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني.
قال: وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلثمائة من القيقانية رجالة ناشبة.
قال: وأصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتان وثمانية عشر من الرجالة، فقال زيد بن علي - عليه السلام - سبحان الله فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد، فقال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.
قال: وأقبل نصر بن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسد بني عدي فقال: يا منصور أمت، فلم يرد عليه عمر شيئاً، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله، وانهزم من كان معه.
وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصيادين وبها خمسمائة من أهل الشام، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم. ثم سلهم حتى ظهر إلى المقبرة، ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكرون، ولو شاء زيد أن يقتل يوسف يومئذ قتله.
ثم إن زيداً أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة، فقال بعض أصحابه لبعض: ألا ننطلق إلى جبانة كندة، فما زاد الرجل أن تكلم بهذا إذ طلع أهل الشام عليهم، فلما رأوهم دخلوا زقاقاً ضيقاً فمضوا فيه، وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنع بالحديد: اكشفوا المغفر عن وجهه واضربوا رأسه بالعمود، ففعلوا، فقتل الرجل، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع أهل الشام رجلاً منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبد الله بن عوف بن الأحمر فأسروه، وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله.
وأقبل زيد بن علي فقال: يا نصر بن خزيمة أتخاف أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟.
قال: جعلني الله فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت.

(1/39)


ثم خرج بهم زيد يقودهم نحو المسجد، فخرج إليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام، فالتقوا على باب عمر بن سعد، فانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه حتى انتهوا إلى دار عمر بن حريث، وتبعهم زيد عليه السلام حتى انتهوا إلى باب الفيل، وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز، وإلى الدين والدنيا.
قال: وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها. وقيل: في جبانة سالم.
وبعث يوسف بن عمر الريان بن سلمة في خيل إلى دار الرزق، فقاتلوا زيداً - عليه السلام - قتالاً شديداً. وخرج من أهل الشام جرحى كثيرة، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الأعظم، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيء ظناً.
فلما كان غداة يوم الخميس دعى يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفف به. فقال له: أف لك من صاحب خيل. ودعا العباس بن سعد المزني صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد في دار الرزق، وخرج إليهم زيد وعلى مجنبته نصر بن خزيمة، ومعاوية بن إسحاق، فلما رآهم العباس نادى: يا أهل الشام " الأرض " . فنزل ناس كثير. واقتتلوا قتالاً شديداً في المعركة، وقد كان رجل من أهل الشام من بني عبس يقال له نائل بن فروة قال ليوسف: والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو ليقتلني. فقال له يوسف: خذ هذا السيف. فدفع إليه سيفاً لا يمر بشيء إلا قطعه. فلما التقى أصحاب العباس بن سعد، وأصحاب زيد. أبصر نائل - لعنه الله - نصر بن خزيمة - رضوان الله عليه - فضربه فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله.
ثم إن زيداً - عليه السلام - هزمهم، وانصرفوا يومئذ بأسوأ حال فلما كان العشي عبأهم يوسف ثم سرحهم نحو زيد، وأقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة، ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم فأخذوا على المسناة.
ثم ظهر لهم زيد فيما بين بارق ورؤاس فقاتلهم قتالاً شديداً. وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له: عبد الصمد.
قال سعيد بن خيثم: وكنا مع زيد في خمسمائة، وأهل الشام اثنا عشر ألفاً - وكان بايع زيداً أكثر من اثني عشر ألفاً فغدروا - إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس رائع فلم يزل شتماً لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل زيد يبكي حتى ابتلت لحيته وجعل يقول: أما أحد يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أما أحد يغضب لله؟ قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة. قال: وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة. قال سعيد: فجئت إلى مولى فأخذت منه مشملاً كان معه، ثم استترت من خلف النظارة حتى إذا صرت من ورائه ضربت عنقه وأنا متمكن منه بالمشمل، فوقع رأسه بين يدي بغلته، ثم رميت جيفته عن السرج، وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقونني، وكبر أصحاب زيد وحملوا عليهم واستنقذوني، فركبت فأتيت زيداً فجعل يقبل بين عيني ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرها، إذهب بالبغلة فقد نفلتكها.
قال: وجعلت خيل أهل الشام لا تثبت لخيل زيد بن علي. فبعث العباس بن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية، وسأله أن يبعث إليه الناشبة، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم نجارية، وكانوا رماة، فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالاً شديداً، فقتل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جمح الليل رمى زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ، فرجع ورجع أصحاب، ولا يظن أهل الشام " أنهم " رجعوا إلا للمساء والليل.
قال أبو مخنف: فحدثني سلمة بن ثابت، وكان من أصحاب زيد، وكان آخر من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق، قال: أقبلت أنا وأصحاب نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت حران بن أبي كريمة في سكة البريد في دور أرحب وشاكر، فدخلت عليه " فقلت له جعلني الله فداك أبا الحسين " وانطلق ناس من أصحابه فجاؤا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس. فقال له: إنك إن نزعته من رأسك مت.
قال: الموت أيسر علي مما أنا فيه.

(1/40)


قال: فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه.
قال القوم: أين ندفنه؟ وأين نواريه؟ فقال بعضهم نلبسه درعين، ثم نلقيه في الماء.
وقال بعضهم: لا، بل نحتز رأسه، ثم نلقيه بين القتلى.
قال: فقال يحيى بن زيد: لا والله لا يأكل لهم أبي السباع.
وقال بعضهم: نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيي.
قال: فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير، حتى إذا نحن مكنا له دفناه ثم أجرينا عليه الماء، ومعنا عبد سندي. قال سعيد بن خيثم في حديثه: عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي وكان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد، وقال يحيى بن صالح: هو مملوك لزيد سندي وكان حضرهم. قال أبو مخنف عن كهمس، قال: كان نبطي يسقي زرعاً له حين وجبت الشمس، فرآهم حيث دفنوه، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت، فدلهم على موضع قبره، فسرح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني. قال أبو مخنف: بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير.
قال هشام فحدثني نصر بن قابوس قال: فنظرت والله إليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال، وعليه قميص أصفر هروي، فألقى من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة، وصلب معه معاوية بن إسحاق، وزياد الهندي، ونصر بن خزيمة العبسي.
قال أبو مخنف: وحدثني عبيد بن كلثوم: أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم، فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج، فانصرف وأتته جائزته من عند هشام.
فحدثني الحسن بن علي الأدمي، قال: حدثنا أبو بكر الجبلي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري، قال: حدثنا موسى بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن محمد الموقري، قال: كنت مع الزهري بالرصافة فسمع أصوات لعابين. فقال لي: يا وليد، أنظر ما هذا، فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا رأس زيد بن علي، فاستوى جالساً ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة. فقلت: أو يمكلون؟ قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه، عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: المهدي من ولدك.
قال أبو مخنف: حدثني موسى بن أبي حبيب: أنه مكث مصلوباً إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف: " أما بعد. فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه. وانسفه في اليم نسفاً، والسلام " .
فأمر به يوسف - لعنه الله - عند ذلك خراش بن حوشب. فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر، ثم حمله في سفينة، ثم ذراع في الفرات.
حدثني الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان، قال: رأيت زيد بن علي مصلوباً بالكناسة فما رأى أحد له عورة، استرسل جلد من بطنه، من قدامه ومن خفه حتى ستر عورته.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي، عن جرير بن حازم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب، وهو يقول للناس: " أهكذا تفعلون بولدي " .
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى وعشرين ومائتين.
من خرج مع زيد بن علي من أهل العلم
تسمية من عرف ممن خرج مع زيد بن علي من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء قال علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: حدثنا علي بن العباس، ومحمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا مطلب بن زيد، عن ليث، قال: جاء منصور بن المعتمر يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أبو عبد الله الصيرفي، قال: حدثنا فضل بن الحسن المصري، قال: سمعت أبا نعيم يقول: أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه، فقتل زيد ومنصور غائب عنه، فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عنه تأخره. ثم خرج بعد ذلك مع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.
حدثني أحمد بن محمد، قال: أخبرني الحسين بن هاشم في كتابه إلي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن معلى، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، عن عبدة بن كثير السراج الجرمي، قال:

(1/41)


قدم يزيد بن أبي زياد، مولى بني هشام، صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقة، يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي، وكان من دعاة زيد بنعلي، وأجابه ناس من أهل الرقة، وكنت فيمن أجابه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية، قال: سمعت محمد بن جعفر بن محمد في دار الإمارة يقول: رحم الله أبا حنيفة. لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد بن علي، وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا، ودعا عليه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، عن عبدة بن كثير الجرمين قال: كتب زيد بن علي إلى هلال بن حباب، وهو يومئذ قاضي المدائن، فأجابه وبايع له.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو، قال حدثني عطاء بن مسلم، عن سالم بن أبي الحديد، قال: أرسلني زيد بن علي إلى زبيد الإمامي أدعوه إلى الجهاد معه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني الحسين، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو، عن الفضل بن الزبير، قال: قال أبو حنيفة من يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال: قلت سليمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهرون بن سعد، وهاشم بن البريد، وأبو هاشم الرماني، والحجاج بن دينار، وغيرهم.
فقال لي: قل لزيد لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح؛ ثم بعث ذلك معي إلى زيدن فأخذه زيد.
" حدثنا علي بن الحسين " ، قال: حدثني أبو عبيدة الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن الحسين المصري، قال: حدثنا العباس العنبري، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: فارقني سفيان على أنه زيدي.حدثني علي بن الحسن بن القاسم، قال: حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار " عن عبد بن كثير " ، قال: كان رسول زيد إلى خراسان عبدة بن كثير الجرمي، والحسن بن سعد الفقيه.
حدثنا علي بن الحسين قال: أخبرني الحسين قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: حدثني شريك، قال: إني لجالس عند الأعمش أنا، وعمرو بن سعيد أخو سفيان بن سعيد الثوري، إذ جاءنا عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه، فجلس إلى الأعمش فقال: أخلنا فإن لنا إليك حاجة. فقال: وما خطبكم هذا شريك، وهذا عمرو بن سعيد أذكر حاجتك. فقال: أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته والجهاد معه، وهو من عرفت. قال: أجل؛ ما أعرفني بفضله. إقرئاه مني السلام، وقولا له: يقول لك الأعمش لست أثق لك - جعلت فداك - بالناس، ولو أنا وجدنا لك ثلثمائة رجل أثق بهم لغيرنا لك جوانبها.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن زيد الثقفي. قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمران بن أبي ليلى، قال: حدثني أبي، قال: كان محمد بن أبي ليلى، ومنصور بن المعتمر، بايعا زيد بن علي. قال: وبعث يوسف بن عمر إلى الناس فأخذ عليهم أبواب المسجد فحال بينه وبينهم.
حدثنا علي بن الحسين قال: حدثني الحسين بن محمد بن عفير " الأنصاري " قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا حكام بن مسلم، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد الأسدي: أنا أبا حصين قال لقيس بن الربيع: يا قيس. قال: لبيك. قال: لا لبيك، ولا سعديك، لتبايعن رجلاً من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخذله، وذلك أنه بلغه أنه بايع زيد بن علي.
وقال فضل بن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب يرثي زيد بن علي عليه السلام:
ألا يا عين لا ترقي وجودي ... بدمعك ليس ذاحين الجمود
غداة ابن النبي أبو حسين ... صليب بالكناسة فوق عود
يظل على عمودهم ويمسي ... بنفسي أعظم فوق العمود
تعدى الكافر الجبار فيه ... فأخرجه من القبر اللحيد
فظلوا ينبشون أبا حسين ... خضيباً بينهم بدم جسيد
فطال به تلعبهم عتواً ... وما قدروا على الروح الصعيد
وجاور في الجنان بني أبيه ... وأجداداً هم خير الجدود

(1/42)


فكم من والد لأبي حسين ... من الشهداء أو عم شهيد
ومن أبناء أعمام سيلقى ... هم أولى به عند الورود
دعاه معاشر نكثوا أباه ... حسيناً بعد توكيد العهود
فسار إليهم حتى أتاهم ... فما أرعوا على تلك العقود
وكيف تظن بالعبرات عيني ... وتطمع بعد زيد في الهجود
وكيف لها الرقاد ولم تراءى ... جياد الخيل تعدوا بالأسود
تجمع للقبائل من معدد ... ومن قحطان في حلق الحديد
كتائب كلما أردت قتيلاً ... تنادت: أن إلى الأعداء عودي
بأيديهم صفائح مرهفات ... صوارم أخلصت من عهد هود
بها نسقي النفوس إذا التقينا ... ونقتل كل جبار عنيد
ونحكم في بني الحكم العوالي ... ونجعلهم بها مثل الحصيد
وننزل بالمعيطيين حرباً ... عمارة منهم وبنو الوليد
وإن تمكن صروف الدهر منكم ... وما يأتي من الأمر الجديد
نجازيكم بما أوليتمونا ... فصاصاً أو نزيد على المزيد
ونترككم بأرض الشام صرعى ... وشتى من قتيل أو طريد
تنوء بكم خوامعها وطلس ... وضاري الطير من بع وسود
ولست بآيس من أن تصيروا ... خنازيراً وأشباه القرود
وقال أبو ثميلة الأبار يرثي زيداً عليه السلام:
يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة ... ما لقيت منها يكمد
فقد السهاد ولو سواك رمت به الأ ... قدار حيث رمت به لم يسهد
ونقول: لا تبعد، وبعدك داؤنا ... وكذاك من يلق المنية يبعد
كنت المؤمل للعظائم والنهى ... ترجى لأمر الأمة المتأود
فقتلت حين رضيت كل مناضل ... وصعدت في العلياء كل مصعد
فطلبت غاية سابقين فنلتها ... بالله في سير كريم المورد
وأبى إلهك أن تموت ولم تسر ... فيهم بسيرة صادق مستنجد
والقتل في ذات الإله سجية ... منكم وأحرى بالفعال الأمجد
والناس قد أمنوا، وآل محمد ... من بين مقتول وبين مشرد
نصب إذا ألقى الظلام ستوره ... رقد الحمام، ولقلهم لم يرقد
يا ليت شعري والخطوب كثيرة ... أسباب موردها وما لم يورد
ما حجة المستبشرين بقتله ... بالأمس أو ما عذر أهل المسجد
يحيى بن زيد
ويحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمه ريطة بنت أبي اهشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وإياها عنى أبو ثميلة الأبار بقوله:
فلعل راحم أم موسى والذي ... نجاه من لجج خضم مزبد
سيسر ريطة بعد حزن فؤادها ... يحيى ويحيى في الكتائب يرتدي
وأم ريطة بنت أبي هاشم ريطة بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب. وأمها ابنة المطلب بن أبي وداعة السهمي.
ذكر السبب في مقتله

(1/43)


حدثنا علي بن الحسين بن محمد الأصبهاي، قال: أخبرني به محمد بن علي بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي سعيد بن خيثم بن أبي الهادية العبدي. حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني المنذر بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف عن سلمة بن ثابت " الليثي " قال: وخبرنيه أبو المنذر في كتابه إليه بمثله. حدثنا علي، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: قال أبو مخنف لوط بن يحيى، حدثنا علي، قال: وأخبرني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا زيد بن المعذل، قال: حدثنا يحيى بن صالح الطيالسي، عن أبي مخنف، عن عبيدة بن كلثوم. حدثنا علي، قال: وأخبرني الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: حدثنا سلم الحذاء، وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين.
قالوا: إن زيد بن علي لما قتل، ودفنه يحيى ابنه، رجع وأقام بجبانة السبيع، وتفرق الناس عنه، فلم يبق معه إلا عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: فقلت له أين تريد؟ قال: أريد النهرين، ومعه أبو الصبار العبدي، قال: فقلت له: إن كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى نقتل. قال: أريد نهري كربلاء. فقلت له: فالنجاء قبل الصبح. قال: فخرجنا معه، فلما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين. فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعمونني الأرغفة فأطعمه إياها وأصحابي حتى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم. فأقام به وخلف يحيى في منزله. قال سلمة: ومضيت وخليته، وكان آخر عهدي به.
قالوا: وخرج يحيى بن زيد إلى المدائن، وهي إذ ذاك طريق الناس إلى خراسان، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فسرح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي، فورد المدائن وقد فاته يحيى، ومضى حتى أتى الري.
قالوا: وكان نزوله بالمدائن على دهقان من أهلها إلى أن خرج منها.
قالوا: ثم خرج من الري حتى أتى سرخس فأتى يزيد بن عمرو التيمي، ودعى الحكم بن يزيد أحد بني أسيد بن عمرو، وكان معه، وأقام عنده ستة أشهر. وعلى الحرب بتلك الناحية رجل يعرف بابن حنظلة من قبل عمر بن هبيرة. وأتاه ناس من المحكمة يسألونه أن يخرج معهم ليقاتلوا بني أمية، فأراد لما رأى من نفاذ رأيهم أن يفعل، فنهاه يزيد بن عمرو وقال: كيف تقاتل بقوم تريد أن تستظهر بهم على عدوك وهم يبرؤون من علي وأهل بيته. فلم يطمئن إليهم غير أنه قال لهم جميلاً.
ثم خرج فنزل ببلغ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني فلم يزل عنده حتى هلك هشام بن عبد الملك لعنه الله، وولى الوليد بن يزيد، وكتب يوسف إلى نصر بن سيار، وهو عامل على خراسان حين أخبر أن يحيى بن زيد نازل بها، وقال: ابعث إلى الحريش. حتى يأخذ بيحيى أشد الأخذ، فبعث نصر إلى عقيل بن معقل الليثي، وهو عامله على بلخ، أن يأخذ الحريش فلا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعى به فضربه ستمائة سوط، وقال: والله لأزهقن نفسك أو تأتيني به.
فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه فاصنع ما أنت صانع. فوثب قريش بن الحريش فقال لعقيل: لا تقتل أبي، وأنا آتيك بيحيى، فوجه معه جماعة فدلهم عليه، وهو في بيت في جوف بيت، فأخذوه ومعه يزيد بن عمر، والفضل مولى لعبد القيس كان معه من الكوفة، فبعث به عقيل إلى نصر بن سيار فحبسه وقيده، وجعله في سلسلة، وكتب إلى يوسف بن عمرو فأخبره بخبره.
حدثنا علي بن الحسين، قال: فحدثني محمد بن العباس البريدي، قال: أخبرني الرياشي، قال: قال رجل من بني ليث يذكر ما صنع بيحيى بن زيد:
أليس بعين الله ما تصنعونه ... عشية يحيى موثق في السلال
ألم تر ليثا ما الذي حتمت به ... لها الويل في سلطانها المتزايل
لقد كشفت للناس ليث عن استها ... أخيراً وصارت ضحكة في القبائل
كلاب عوت لا قدس الله أمرها ... فجاءت بصيد لا يحل لآكل
حدثنا علي، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن أن هذا الشعر لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

(1/44)


حدثنا علي بن الحسين، قال: فحدثني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثني علي بن أحمد النوفلي، قال: حدثني أبي، عن عمه عيسى، قال: لما أطلق يحيى بن زيد، وفك حديده، صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألهم أن يبيعهم إياه، وتنافسوا فيه وتزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم، فخاف أن يشيع خبره فيؤخذ منه المال. فقال لهم: اجمعوا ثمنه بينكم فرضوا بذلك، وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة، وقسمه بينهم، فاتخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبركون بها.
رجع الحديث إلى سياقه: قال: فكتب يوسف بن عمر إلى الوليد - لعنه الله - يعلمه ذلك، فكتب إليه يأمره أن يؤمنه، ويخلي سبيله وسبيل أصحابه، فكتب يوسف بذلك إلى نصر بن سيار فدعى به نصر فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة.
فقال له يحيى: وهل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء وأخذ ما لستم له بأهل؟.
فلم يجبه نصر بشيء، وأمر له بألفي درهم ونعلين، وتقدم إليه أن يلحق بالوليد. فخرج يحيى حتى قدم سرخس، وعليها عبد الله بن قيس بن عباد البكري، فكتب إليه نصر أن أشخص يحيى عن سرخس. وكتب إلى الحسن بن زيد التميمي عامله على طوس: إذا مر بك يحيى فلا تدعه يقيم ساعة، وأرسله إلى عمرو بن زرارة بأبرشهر ففعلوا ذلك. ووكل به سرحان بن نوح العنبري، وكان على مسلحة المتعب. فذكر يحيى بن زيد نصر بن سيار فطعن عليه، كأنه إنما فعل ذلك مستقلاً لما أعطاه، وذكر يوسف بن عمر فعرض به، وذكر أنه يخاف غيلته إياه، ثم كف عن ذكره فقال له الرجل: قل ما أحببت - رحمك الله - فليس عليك مني عين.
فقال: العجب لهذا الذي يقيم الأحراس علي، والله لو شئت أن أبعث إليه فأوتي به وآمر من يتوطاه لفعلت ذلك - يعني الحسن بن زيد التميمي - . قال: فقلت له: والله ما لك فعل هذا، إنما هو رسم في هذا الطريق لتشبث الأموال.
قال: ثم أتينا عمرو بن زرارة بأبرشهر، فأعطى يحيى ألف درهم نفقة له، ثم أشخصه إلى بيهق، فأقبل يحيى من بيهق، وهي أقصى عمل خراسان في سبعين رجلاً، راجعاً إلى عمرو بن زرارة، وقد اشترى دواب، وحمل عليها أصحابه. فكتب عمرو إلى نصر بن سيار بذلك، فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس بن عباد البكري عامله بسرخس، والحسن بن زيد عامله بطوس، أن يمضيا إلى عامله عمرو بن زرارة، وهو على أبرشهر، وهو أمير عليهم، ثم يقاتلوا يحيى بن زيد.
قال: فأقبلوا إلى عمرو، وهو مقيم بأبرشهر فاجتمعوا معه فصار في زهاء عشرة آلاف. وخرج يحيى بن زيد وما معه إلا سبعون فارساً، فقاتلهم يحيى فهزمهم، وقتل عمرو بن زرارة، واستباح عسكره وأصاب منه دواب كثيرة، ثم اقبل حتى مر بهراة، وعليها المغلس بن زياد، فلم يعرض أحد منهما لصاحبه، وقطعها يحيى حتى نزل بأرض الجوزجان، فسرح إليه نصر بن سيار سلم بن أحور في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فلحقه بقرية يقال لها ارغوى، وعلى الجوزجان يومئذ حماد بن عمرو السعيدي، ولحق بيحيى بن زيد أبو العجارم الحنفي، والخشخاش الأزدي فأخذ الخشخاش بعد ذلك نصر فقطع يديه ورجليه وقتله.
وعبأ سلم - لعنه الله - أصحابه فجعل سورة بن محمد الكندي على ميمنته، وحماد بن عمرو السعيدي على ميسرته.
وعبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة، فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشد قتال، حتى قتل أصحاب يحيى كلهم، وأتت يحيى نشابة في جبهته، رماه رجل من موال عنزة يقال له عيسى، فوجده سورة بن محمد قتيلاً فاحتز رأسه.
وأخذ العنزي الذي قتله سلبه، وقميصه، فبقيا بعد ذلك حتى أدركهما أبو مسلم فقطع أيديهما وأرجلهما وقتلهما وصلبهما.
وصلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان في وقت قتله - صلوات الله عليه ورضوانه.
حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين، قال: حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا جعفر الأحمر، قال: رأيت يحيى بن زيد مصلوباً على باب الجوزجان.
قال عمرو بن عبد الغفار عن أبيه: فبعث برأسه إلى نصر بن سيار، فبعث به نصر إلى الوليد بن يزيد.

(1/45)


فلم يزل مصلوباً حتى إذا جاءت المسودة فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم دفنوه فعل ذلك خالد بن إبراهيم أبو داود البكري، وحازم بن خزيمة وعيسى بن ماهان. وأراد أبو مسلم أن يتبع قتلة يحيى بن زيد فقيل له: عليك بالديوان، فوضعه بين يديه وكان إذا مر به اسم رجل ممن أعان على يحيى قتله، حتى لم يدع أحداً قدر عليه ممن شهد قتله.
عبد الله بن محمد
وعبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أخو جعفر بن محمد أمهما جميعاً أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر لأم ولد.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن مسلمة، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه، قال: دخل عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي على رجل من بني أمية فأراد قتله. فقال عبد الله بن محمد: لا تقتلني أكن لله عليك عيناً، ولك على الله عوناً، فقال: لست هناك، وتركه ساعة، ثم سقاه سماً في شراب سقاه إياه فقتله.
عبد الله بن المسور
وعبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، عن عوانه، قال: كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، من أشد الناس عقوبة، وكان معه عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب فبلغه أنه يقول: أنا ابن عون بن جعفر، فيضربه بالسياط حتى قتله.
قال: وذكر أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني، عن رجاله: أن معاوية دعا بامرأة ابن المسور وكلهما بشيء فراجعته، فأمر بقتلها فقتلت.
عبد الله بن معاوية
وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. ويكنى أبا معاوية. وإياه عني إبراهيم بن هرمة بقوله:
أحب مدحاً أبا معاوية الما ... جد لا تلقه حصوراً عييا
بل كريماً يرتاح للمجد بسا ... ماً إذا هزه السؤال حييا
إن لي عنده وإن رغم الأع ... داء وداً من نفسه وقفيا
إن أمت تبق مدحتي وثنائي ... وإخائي من الحياة مليا
يا ابن أسماء فاسق دلوى فقد أو ... ردتها مشرباً يثج رويا
يعني أمه أسماء، وهي أم عون بنت العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
وكان عبد الله بن معاوية جواداً فارساً شاعراً، ولكنه كان سيء السيرة، رديء المذهب، قتالاً، مستظهراً ببطانة السوء ومن يرمى بالزندقة، ولولا أن يظن أن خبره لم يقع علينا لما ذكرناه مع من ذكرناه. ولا بد من ذكر بعض أخباره.
حدثني أحمد بن عبد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي عيسى، قال: كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة، فاستكتبه عبد الله بن معاوية، وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس، وكان زنديقاً مأبوناً، وكان له نديم آخر يعرف بالبقلي وإنما سمي بذلك لأنه كان يقول الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع، قتله المنصور بعد أن أفضت إليه الخلافة. وكان هؤلاء الثلاثة خاصته، وكان له صاحب شرطة يقال له: قيس وكان دهرياً لا يؤمن بالله، معروفاً بذلك، فكان يعس بالليل فلا يلقاه أحد إلا قتله، فدخل يوماً على ابن معاوية فلما رىه قال:
إن قيساً وإن تقنع شيبا ... لخبث الهوى على شمطه
ابن تسعين منظراً وشيبا ... وابن عشرين يعد في سقطه
فأقبل على مطيع فقال: أجز أنت. فقال:
وله شرطة إذا جنه اللي ... ل فعوذوا بالله من شرطه
قال أبو العباس بن عمار: أخبرني أحمد بن الحرث الخزاز، عن المدائني، عن أبي اليقظان، وشهاب بن عبد الله وغيرهما. قال بن عمار: وحدثني سليمان بن أبي شيخ، عمن ذكره: إن ابن معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط، وهو يتحدث، ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط. وأنه فعل ذلك برجل فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه، فناداه يا زنديق، أنت الذي تزعم أنه يوحى إليك. فلم يلتفت إليه، وضربه حتى مات.

(1/46)


حدثني أحمد بن عبيد الله " بن عمار " ، قال: حدثني النوفلي عن عمه عيسى، قال: كان ابن معاوية أقسى خلق الله قلباً، فغضب على غلام له، وأنا عنده جالس في غرفة بإصبهان، فأمر أن يرمي به منها إلى أسفل، ففعل ذلك به، فسقط وتعلق بدرابزين كان على الغرفة، فأمر بقطع يده التي أمسكه بها، فقطعت وخر الغلام يهوي حتى بلغ الأرض فمات. وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم، وشعرائهم، وهو الذي يقول:
ألا تزغ القلب عن جهله ... وهما تؤنب من أجله
فيبدل بعد الصبي حكمة ... ويقصر ذو العذل عن عذله
فلا تركبن الصنيع الذي ... تلوم أخاك على مثله
ولا يعجبنك قول امرئ ... يخالف ما قال في فعله
ولا تتبع الطرف ما لا ينال ... ولكن سل الله من فضله
وكم من مقل ينال الغنى ... ويحمد في رزقه كله
أنشدنا هذا " الشعر " ابن عمار، عن أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين.
وذكر محمد بن علي بن حمزة العلوي أن يحيى بن معين أنشد له:
إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارها ... عليها فلم يظهر لها أبداً فقر
وإن تلقني في الدهر مندوحة الغنى ... يكن لأخلائي التوسع واليسر
فلا العسر يزري بي إذا هو نالني ... ولا اليسر يوماً إن ظفرت هو الفخر
أنشدنا أحمد " بن محمد " بن سعيد " بن عقدة " قال: أنشدني يحيى بن الحسن لعبد الله بن معاوية في الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس:
قل لذي الود والوفاء حسين ... اقدر الود بيننا قدره
ليس للدابغ المقرظ بد ... من عتاب الأديم ذي البشرة
" قال " : وقال أيضاً:
إن ابن عمك وابن أم ... ك معلم شاكي السلاح
يقص العدو وليس ير ... ضى حين يبطش بالجراح
لا تحسبن أذى ابن عم ... ك شرب ألبان اللقاح
بل كالشجا تحت اللها ... ة إذا يسوغ بالقراح
فانظر لنفسك من يحبك ... تحت أطراف الرماح
من لا يزال يسوءه ... بالغيب أن يلحاك لاح
ذكر السبب في خروجه ومقتله
أخبرني به أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه مشايخه. قال: علي بن الحسين: وأضفت إلى ذلك ما ذكره محمد بن علي بن حمزة في كتابه.
قالوا: لما بويع ليزيد بن الوليد الذي يقال له يزيد الناقص، تحرك عبد الله بن معاوية بالكوفة، ودعا الناس إلى بيعته علي الرضا من آل محمد، ولبس الصوف، وأظهر سيماء الخير، فاجتمع إليه نفر من أهل الكوفة فبايعوه، ولم يجتمع أهل المصر كلهم عليه، وقالوا له: ما فينا بقية فقد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت، وأشاروا عليه بقصد فارس ونواحي المشرق، فقبل ذلك، وجمع جموعاً من النواحي، وخرج معه عبد الله بن العباس التميمي.
قال علي بن الحسين: قال محمد بن حمزة، عن سليمان بن أبي شيخ، عن محمد بن الحكم، عن عوانة: أن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا الناس إلى نفسه، وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له: عبد الله بن عمر، فخرج إلى ظاهر الكوفة مما يلي الحرةن فقاتل ابن معاوية قتالاً شديداً.
قال علي بن الحسين، قال محمد بن علي بن حمزة، عن المدائني، عن عامر بن حفص، وأخبرني به ابن عمار، عن أحمد بن الحرث، عن المدائني: أن ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعد عنه بمواعيد على أن ينهزم عنه، وينهزم الناس بهزيمته، فبلغ ذلك ابن معاوية فذكره لأصحابه وقال: إذا انهزم ابن ضمرة فلا يهولنكم. فلما التقوا انهزم ابن ضمرة، وانهزم الناس معه، فلم يبق غير ابن معاوية، فجعل يقاتل وحده ويقول:
تفرقت الظباء على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد
ثم ولى وجهه منهزماً فنجا وجعل " يقول للناس، و " يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه، حتى صار في عدة، فغلب على مياه الكوفة، ومياه البصرة، وهمدان، وقم، والري، وقومس وإصبهان، وفارس، وأقام هو بإصبهان.

(1/47)


قال: وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر فدخل دار الإمارة بنعل ورداء، فاجتمع الناس إليه فأخذهم بالبيعة فقالوا: علام نبايع؟ فقال: على ما أحببتم وكرهتم. فبايعوه على ذلك.
وكتب عبد الله بن معاوية، فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة، عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفري، عن أبيه، عن عبد العزيز بن عمران، عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة " ومحرز بن جعفر " .
أن عبد الله بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد. قال: واستعمل أخاه الحسن على اصطخر، وأخاه يزيد على شيراز، وأخاه علياً على كرمان، وأخاه صالحاً على قم ونواحيها. وقصدته بنو هاشم جميعاً، منهم السفاح، والمنصور " وعيسى بن علي. وقال ابن أبي خيثمة، عن مصعب: وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم، فمن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك، وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مرون " ، فمن أراد منهم عملاً قلده، ومن أراد صلة وصله. فلم يزل مقيماً في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له: مروان الحمار، فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب ابن معاوية أصحابه إلى الخروج إليه وقتاله، فلم يفعلوا ولا أجابوه، فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان، وقد ظهر أبو مسلم بها، ونفى عنها نصر بن سيار، فلما صار في طريقه نزل على رجل من التناءذي مروءة ونعمة وجاءه فسأله معونته. فقال: أنت من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا.
قال: أفأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان؟ قال: لا. قال: فلا حاجة لي في نصرتك.
فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته فأخذه أبو مسلم فحبسه عنده.
واختلف في أمره بعد محبسه. فقال بعض أهل السير: إنه لم يزل محبوساً حتى كتب إلى أبي مسلم رسالته المشهورة التي أولها: من الأسير في يديه المحبوس بلا جرم لديه، وهي طويلة لا معنى لذكرها هاهنا. فلما كتب إليه بذلك أمر بقتله.
وقال آخرون: بل دس إليه سماً فمات منه، ووجه برأسه إلى ابن ضبارة، فحمله إلى مروان.
وقال آخرون: سلمه حياً إلى ابن ضبارة فقتله، وحمل رأسه إلى مروان.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبه قال: حدثنا محمد بن يحيى: أن عمر بن عبد العزيز بن عمران حدثه عن محمد بن عبد العزيز، عن عبد الله بن الربيع، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة: أنه حضر مروان يوم الزاب، وهو يقاتل عبد الله بن علي " فسأل عنه " فقيل: هو الشاب المصفر الذي كان يسب عبد الله بن معاوية يوم جيء برأسه إليك. فقال: والله لقد هممت بقلته مراراً، - كل ذلك يحال بيني وبينه، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، والله لوددت أن علي بن أبي طالب يقاتلني مكانه، فقلت: أتقول مثل هذا لعلي في موضعه ومحله؟ قال: لم أرد الموضع والمحل، ولكن علياً وولده لا حظ لهم في الملك. فلما ورد الخبر على أبي جعفر المنصور أن إبراهيم بن عبد الله بن حسن هزم عيسى بن موسى، أراد الهرب، فحدثته بهذا الحديث، فقال: بالله الذي لا إله إلا هو إنك صادق؟ فقلت: بنت سفيان بن معاوية طالق ثلاثاً إني لصادق.
وكان مخرج عبد الله بن معاوية في سنة سبع وعشرين ومائة وفيه يقول أبو مالك الخزاعي:
تنكرت الدنيا خلاف ابن جعفر ... علي وولي طيبها وسررها
عبيد الله بن الحسين
وعبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم خالد بنت حسن بن مصعب بن الزبير بن العوام.
وأمها أمينة بنت خالد بن الزبير بن العوام، لأم ولد.
ويكنى عبيد الله: أبا علي.
قال علي بن الحسين: ذكر محمد بن علي بن حمزة: أن أبا مسلم دس إليه سماً فمات منه، ولم يذكر ذلك يحيى بن حسن العلوي، ووصف أن عبيد الله مات في حياة أبيه، وقد كان يحيى حسن العناية بأخبار أهله.
ولعل هذا وهم من محمد بن علي بن حمزة وهؤلاء جميع من انتهى إلينا خبر مقتله في أيام بني أمية سوى ما اختلف في أمره منهم، رضوان الله عليهم أجمعين.
ذكر من قتل منهم في الدولة العباسية
أيام أبي العباس السفاح
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني رحمه الله:

(1/48)


ولا أعلمه قتل أحداً منهم، ولا أجري إلى جليس له مكروهاً، إلا أن محمداً وإبراهيم خافاه فتواريا عنه، وكانت بينه وبين أبيهما مخاطبات في أمرهما.
مها ما أخبرني به عمر بن عبد الله بن جميل العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: لما تولى أبو العباس، وفد إليه عبد الله بن الحسن بن الحسن، وأخوه الحسن بن الحسن، فوصلهما، وخص عبد الله، وواخاه وآثره، حتى كان يتفضل بين يديه في ثوب؛ وقال له: ما رأي أمير المؤمنين غيرك على هذا الحال، ولكن أمير المؤمنين إنما يعدك عما ووالداً. وقال له: إني كنت أحب أن أذكر لك شيئاً.
فقال عبد الله: ما هو يا أمير المؤمنين؟ فذكر ابنيه محمداً، وإبراهيم، وقال: ما خلفهما ومنعهما أن يفدا إلى أمير المؤمنين مع أهل بيتهما؟ قال: ما كان تخلفهما لشيء يكرهه أمير المؤمنين. فصمت أبو العباس ثم سمر عنده ليلة أخرى فأعاد عليه، ثم فعل ذلك به مراراً، ثم قال له: غيبتهما بعينك، أما والله ليقتلن محمد على سلع، وليقتلن إبراهيم على النهر العياب.
فرجع عبد الله ساقطاً مكتئباً، فقال له أخوه الحسن بن الحسن: ما لي أراك مكتئباً؟ فأخبه، فقال: هل أنت فاعل ما أقول لك؟ قال: ما هو؟ قال: إذا سألك عنهما فقل: عمهما حسن أعلم الناس بهما " فقال له عبد الله " وهل أنت محتمل ذلك لي؟ قال: نعم.
فدخل عبد الله على أبي العباس كما كان يفعل، فرد عليه ذكر ابنيه، فقال له عمهما: يا أمير المؤمنين أعلم الناس بهما فاسأله عنهما، فصمت عنه حتى افترقا، ثم أرسل إلى الحسن فقص عليه ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك على هيبة الخلافة، أو كما يكلم الرجل ابن عمه؟ قال: بلم كما يكلم الرجل ابن عمه، فإنك وأخاك عندي بكل منزلة.
قال: إني أعلم أن الذي هاج لك ذكرهما بعض ما قد بلغك عنهما، فأنشدك الله هل تظن أن الله إن كان قد كتب في سابق علمه أن محمداً وإبراهيم وال من هذا الأمر شيئاً، ثم أجلب أهل السماوات والأرض بأجمعهم على أن يردوا شيئاً مما كتب الله لمحمد وإبراهيم أكانوا راديه؟ وإن لم يكن كتب لمحمد ذلك أنهم حائزون إليه شيئاً منه؟.
فقال: لا والله، ما هو كائن إلا ما كتب الله.
فقال: يا أمير المؤمنين ففيم تنغيصك على هذا الشيخ نعمتك التي أوليته وإيانا معه؟.
قال: فلست بعارض لذكرهما بعد مجلس هذا ما بقيت، إلا أن يهجيني شيء فأذكره. فقطع ذكرهما، وانصرف عبد الله إلى المدينة.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: حدثني علي بن أحمد الباهلي، قال: سمعت مصعب بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا موسى بن سعيد بن عبد الرحمن، وأيوب بن عمر، عن إسماعيل بن أبي عمرو، قالوا: لما بنى أبو العباس بناءه بالأنبار، الذي يدعى برصافة أبي العباس. قال لعبد الله بن الحسن: ادخل معي فانظر، فدخل معه فلما رآه قال: ألم تر حوشباً؟ ثم قطع. فقال له أبو العباس: أنفذه.
قال: يا أمير المؤمنين ما أردت إلا خيراً. فقال: والعظيم لا تريم أو تنفذه. فقال:
ألم تر حوشياً أمس يبني ... بيوتاً نفعها لبني نفيلة
يؤمل أن يعمر ألف عام ... وأمر الله يطرق كل ليلة
قال عمر بن شبة في حديثه عن موسى بن سعيد: فاحتملها أبو العباس ولم يتلفه بها.
وقال مصعب: فقال له: ما أردت بهذا؟ فقال: أزهدك في القليل الذي بينته.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يعقوب بن القاسم، قال: حدثني عمر بن شهاب، وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن الزبير، وحدثني حرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير، عن محمد بن الضحاك: أنا أبا العباس كتب إلى عبد الله بن الحسن في تغيب ابنيه:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
وقال عمر بن شبة عن رجاله: إنه كتب به إلى محمد فأجابه بالأبيات.
ذكر الزبير، عن محمد بن الضحاك: أنها لعبد الله بن الحسن بن الحسن. وذكر عمر بن شبة: أنهم بعثوا إلى عبد الرحمن بن مسعود مع أبي حسن فأجابه بهذه الأبيات:
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... بمنزلة النياط من الفؤاد
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... وزندك حين يقدح من زناد

(1/49)


وكيف يريد ذاك وأنته منه ... وأنت لهاشم رأس وهاد
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدثنا الحسين بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن الحسن، قال: بينا أنا في سمر مع أبي العباس، وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة قمنا، فألقاها ليلة فقمنا، فأمسكني فلم يبق غيري، فأدخل يده تحت فراشه، فأخرج إضبارة كتب، فقال: اقرأ يا أبا محمد " فقرأت " فإذا كتاب " من " محمد إلى هشام بن عمرو بن البسطام التغلبي، يدعوه إلى نفسه. فلما قرأته قلت: يا أمير المؤمنين لك عهد الله وميثاقه ألا تر منهما شيئاً تكرهه ما كانا في الدنيا.
قال أبو الفرج: ولعبد الله وولده في أيام أبي العباس، وقبلهما مع بني أمية أخبار في هذا الجنس من تغيبهما، وطلبهم إياهما، كرهت الإطالة بذكرها، واقتصرت على هذه الجملة منها.
أيام أبي جعفر المنصور
ومن قتل منهم فيها وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمداً، وإبراهيم فلم يقدر عليهما، فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته، وجماعة من أهل بيته بالمدينة، ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس، فلم تنتظم لي أخبارهم فإفراد خبر كل واحد منهم على حدته، إذ كان ذلك مما تقطع به حكاية قصصهم، فصدرت أسماءهم، وأنسابهم، وشيئاً من فضائلهم، ثم ذكرت بعد ذلك أخبارهم، عليهم السلام.
عبد الله بن الحسن بن الحسن
وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يكنى أبا محمد.
وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
وأمها الجرباء بنت قسامة بن رومان من طيء.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: إنما سميت الجرباء بنت قسامة لحسنها، كانت لا تقف إلى جانبها امرأة - وإن كانت جميلة - إلا استقبح منظرها لجمالها، وكان النساء يتحامين أن يقفن إلى جانبها، فشبهت بالناقة الجرباء التي تتوقاها الإبل مخافة أن تعديها.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، قال: حدثني " جدي " عبد الله بن موسى " بن عبد الله بن الحسن " قال: خطب الحسن بن الحسن إلى عمه الحسين، وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الحسين: اختر يا بني أحبهما إليك، فاستحيا الحسن، ولم يحر جواباً. فقاله له الحسين: فإني قد اخترت لك ابنتي سكينة، فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقال حرمي بن العلاء، عن الزبير بن بكار: أن الحسن " لما خيره عمه " اختار فاطمة. وكانوا يقولون: إن امرأة مردودة بها سكنية لمنقطعة القرين في الجمال.
وقد كانت فاطمة تزوجت بعد الحسن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهو عم الشاعر الذي يقال له العرجي، فولدت له أولاداً، منهم محمد المقتول مع أخيه عبد الله بن الحسن، ويقال له الديباج، والقاسم، والرقية، بنو عبد الله بن عمرو.
وكان عبد الله بن الحسن " بن الحسن " شيخ بني هاشم، والمقدم فيهم، وذا الكثير منهم فضلاً، وعلماً وكرماً.
حدثني أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا علي بن أحمد الباهلي، قال: سمعت مصعباً الزبيري يقول: انتهى كل حسن إلى عبد الله بن الحسن، وكان يقال: من أحسن الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن، ويقال: من أفضل الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن ويقال من أقول الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن. وحدثنا الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا مصعب مثله.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، والحسن بن علي السلولي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: حدثنا تلميذ، قال: رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن، وسمعته يقول: أنا أقرب الناس من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولدني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني إسماعيل بن يقعوب، قال: حدثني عبد الله بن موسى، قال: أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عبد الله بن الحسن بن الحسن.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا بندقة بن محمد بن حجارة الدهان، قال:

(1/50)


رأيت عبد الله بن الحسن فقلت: هذا والله سيد الناس " كان " ملبساً نوراً من قرنه إلى قدميه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال: ولد عبد الله بن الحسن في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحيى، عن القاسم بن عبد الرازق، قال: جاء منصور بن زيان الفزاري إلى الحسن بن الحسن، وهو جده أبو أمه فقال له: لعلك أحدثت بعدي أهلاً؟ قال: نعم تزوجت بنت عمي الحسين بن علي.
فقال: بئس ما صنعت، أما علمت أن الأرحام إذا التقت أضوت، كان ينبغي لك أن تتزوج من العرب.
قال: فإن الله قد رزقني منها ولداً. قال فأرنيه. فأخرج إليه عبد الله بن الحسن فسر به، وقال: أنجبت، هذا والله الليث عادياً ومعدواً عليه.
قال: فإن الله قد رزقني منها ولداً آخر.
قال: فأرنيه. فأخرج إليه الحسن بن الحسن، فسر به وقال: أنجبت والله وهو دون الأول.
قال: فإن الله رزقني منها ثالثاً.
قال: فأرنيه، فأراه إبراهيم بن الحسن بن الحسن، فقال: لا تعد إليها بعد هذا.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني هرون بن موسى الفروي، قال: سمعت محمد بن أيوب الرافعي يقول: كان أهل الشرف وذوو القدر لا ينوطون بعبد الله بن الحسن أحداً.
وحدثني أبو عبيد " محمد بن أحمد " الصيرفي، قال: حدثنا محمد بن على بن خلف العطار، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، عن سعيد بن أبان القرشي، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه عبد الله بن الحسن، وهو يومئذ شاب في إزار ورداء، فرحب به وأدنا " وحياه " . وأجلسه إلى جنبه وضاحكه، ثم غمز عكنة من عكن بطن، وليس في البيت يومئذ إلى أموي، فلما قام قالوا له: ما حملك على غمز بطن هذا الفتن؟ قال: إني أرجو بها شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا فضل المصري، قال: حدثنا القواريري قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن أبان مثله.
حدثني عمر بن عبد الله " بن جميل " العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إسماعيل بن جعفر الجعفري، قال: حدثني سعيد بن عقبة الجهني، قال: إني لعند عبد الله بن حسن بن حسن إذ أتاني آت فقال: هذا رجل يدعوك، فخرجت فإذا بأبي عدي الأموي الشاعر، فقال: اعلم أبا محمد، فخرج إليه عبد الله، وابناه، وهم خائفون، فأمر له عبد الله بأربعمائة دينار، وأمر له ابناه بأربعمائة دينار وأمرت له هند بمائتي دينار، فخرج من عندهم بألف دينار.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن موسى، قال: حدثني أبي: أن عبد الله بن الحسن كان يصلي على طنفسة في المسجد، وأنه خرج فأقامت تلك الطنفسة دهراً لا ترتفع.
حدثني أحمد " بن محمد بن سعيد " ، قال: حدثنا يحيى " بن الحسن " ؛ قال: حدثنا علي بن أحمد الباهلي، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: سئل مالك عن السدل، فقال: رأيت من يرضى بفعله، عبد الله بن الحسن يفعله.
وقتل عبد الله بن الحسن في محبسه بالهاشمية، وهو ابن خمس وسبعين، سنة خمس وأربعين ومائة.
الحسن بن الحسن بن الحسن
والحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.
وكان متألهاً، فاضلاً، ورعاً، يذهب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى مذهب الزيدية.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني إسماعيل بن يعقوب، قال: لما حبس عبد الله بن الحسن آلى أخوه الحسن بن الحسن ألا يدهن ولا يكتحل، ولا يلبس ثوباً ليناً، ولا يأكل طيباً، ما دام عبد الله على تلك الحال.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله العلوي، عن عبد الله بن عمران، وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو عبد الحميد الليثي، عن أبيه، عن عيسى بن عبد الله، قال: حدثني عبد الله بن عمران، قال: " واللفظ للعتكي " .
كان حسن بن الحسن قد نصل خضابه، تسلياً على عبد الله بن حسن، وكان أبو جعفر يسأل عنه فيقول: ما فعل الحاد.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني الحرث بن إسحاق، قال:

(1/51)


كان الحسن بن الحسن بن الحسن ينزل منزلاً بذي الأثل فحضر المدينة، وعبد الله بن الحسن محبوس، فلم يبرحها، ولبس خشن الثياب، وغليظ الكرابيس، وكان أبو جعفر يسميه الحاد، وكان عبد الله ربما استبطأ رسل أخيه الحسن، فيرسل إليه: إنك وولدك لآمنون في بيوتكم، وأنا ولدي بين أسير وهارب، لقد مللت معونتي فآنسني برسلك. وكان ذلك إذا أتى حسناً بكى، وقال: بنفسي أبو محمد إنه لم يزل يحشد الناس بالأئمة.
وتوفي الحسن بن الحسن بن الحسن في محبسه بالهاشمية في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة. وهو ابن ثمان وستين سنة.
إبراهيم بن الحسن بن الحسن
وإبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الحسن.
وأمه فاطمة بنت الحسين.
حدثني يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: سمعت عمر بن شبة يقول: كل إبراهيم تقدم من بني علي، يكنى أبا الحسن.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: كان إبراهيم أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان بن عبد الحميد، عن أبيه، عن عيسى بن عبد الله، قال: مر الحسن بن الحسن على إبراهيم بن الحسن، وهو يعلف إبلاً له، فقال: أتعلف إبلك وعبد الله بن الحسن محبوس؟ أطلق عقلها يا غلام، فأطلقها، ثم صاح في إدبارها فذهبت فلم يوجد منها واحدة.
وتوفي إبراهيم بن الحسن بن الحسن في الحبس بالهاشمية في شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة.
وهو أول من توفي منهم في الحبس، وهو ابن سبع وستين سنة.
أخبرني بذلك عمر بن عبد الله العتكي، عن عمر بن شبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين.
قال أبو الفرج الأصبهاني: هؤلاء الثلاثة من ولد الحسن بن الحسن لصلبه، قتلوا وماتوا في الحبس.
وقد ذكر محمد بن علي حمزة العلوي أنه قتل معهم أبو بكر بن الحسن بن الحسن. وما سمعت أحداً ذكر هذا غيره، ولا بلغنا عن أحد من أهل العلم بالأنساب أن الحسن بن الحسن كان له ابن يكنى أبا بكر.
وحمل معهم من المدينة جماعة أخر لم يقتل منهم أحداً. وخلى أبو جعفر لهم السبيل بعد مقتل محمد وإبراهيم.
منهم جعفر بن الحسن بن الحسن، وابنه الحسن بن جعفر، وموسى بن عبد الله بن الحسن، وداود بن الحسن، وسليمان، وعبد الله ابنا داود بن الحسن، وإسحاق، وإسماعيل ابنا إبراهيم بن الحسن.
وذكر محمد بن علي بن حمزة أن إسحاق وإسماعيل قتلا.
والذي ذكرناه من تخليتهما أصح، أخبرني " به " عمر بن عبد الله العتكي، عن عمر بن شبة، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي.
ثم نرجع إلى ذكر أسماء من قتل وتوفي في الحبس بالهاشمية منهم.
علي بن الحسن بن الحسن
وعلي بن الحسن بن الحسن ويكنى أبا الحسن.
وكان يقال له علي الخير، وعلي الأغر، وعلي العباد، وكان يقال له ولزوجته زينب بنت عبد الله بن الحسن الزوج الصالح، فيما ذكر لنا حرمي بن العلاء، عن زبير بن بكار، عن عبد الله بن الحسن.
وأمه أم عبد الله بنت عامر بن عبد الله بن بشر بن عامر بن ملاعب الأسنة بن مالك بن جعفر بن كلاب.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الجبار بن سعيد المساحقي، عن أبيه، قال: أقطع أبو العباس الحسن بن الحسن بن الحسن عين مروان بذي خشب، وكان ربما أرسل إليها ابنه علياً يطلعها، فيذهب معه بأدوات من ماء فيشرب منها، ولا يشرب من عين مروان.
حدثني عمي الحسن بن محمد، قال: حدثني ميمون بن هرون. قال: حدثني أبو حذافة السهمي، قال: حدثني مولى لآل طلحة: أنه رأى علي بن الحسن قائماً يصلي في طريق مكة، فدخلت أفعى في ثيابه من تحت ذيله، حتى خرجت من زيقته، فصاح به الناس: الأفعى في ثيابك، وهو مقبل على صلاته، ثم انسابت فمرت، فما قطع صلاته، ولا تحرك، ولا رثى أثر ذلك في وجهه.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الملك بن شيبان، قال: حدثني مذهبة، قالت: كانت زينب بنت عبد الله تندب أباها وأهلها حين حملوا تقول: واعبرتاه من الحديد والعباء والمحامل المعراة.

(1/52)


أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: كان رياح إذا صلى الصبح أرسل إلي، وإلى قدامة بن موسى، فيحدثنا ساعة، وإنا لعنده يوماً فلما أسفرنا إذا برجل متلفف في ساج " له " ، فقال له رياح: " مرحباً بك وأهلاً ما حاجتك؟ قال: جئت لتحبسني مع قومي. فإذا هو علي بن الحسين " . فقال له رياح: أما والله ليعرفنها لك يا أمير المؤمنين، ثم حبسه معهم.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسين، قال: حدثنا غسان بن عبد الحميد، عن أبيه، عن موسى بن عبد الله، وأخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: سمعت جدي موسى بن عبد الله يقول: حبسنا في المطبق فيما كنا نعرف أوقات الصلوات إلا بأجزاء يقرؤها علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا موسى بن عبد الله بن موسى، قال: توفي علي بن الحسن، وهو ساجد في حبس أبي جعفر، فقال عبد الله: أيقظوا ابن أخي، فإني أراه قد نام في سجوده. قال: فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا. فقال: رضي الله عنك، إن علمي فيك أنك تخاف هذا المصرع.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن خالد بن أخت سعيد بن عامر، عن سعيد بن عامر، عن جويرية بن أسماء، وهو خال أمه، قال: لما حمل بنو الحسن إلى أبي جعفر أتى بأقياد يقيدون بها، وعلي بن الحسن قائم يصلي، وكان في الأقياد قيد ثقيل فجعل كلما قرب إلى رجل تفادى منه واستعفى، قال: فانفتل علي من صلاته فقال: لشد ما جزعتم، شرعه هذا، ثم مد رجليه فقيد به.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن أبي حرب، قال: حدثني يحيى بن يزيد بن حميد، قال: أخبرني سليمان بن داود بن الحسن، والحسن بن جعفر، قال: لما حبسنا كان معنا علي بن الحسن، وكانت حلق أقيادنا قد اتسعت فكنا إذا أردنا صلاة أو نوماً جعلناها عنا، فإذا خفنا دخول الحراس أعدناها، وكان علي بن الحسن لا يفعل، فقال له عمه: يا بني ما يمنعك أن تفعل؟ قال: لا، والله لا أخلعه أبداً حتى أجتمع أنا وأبو جعفر عند الله، فيسأله لم قيدني به.
حدثني علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني سليمان بن العطوس، قال: حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، قال: حدثنا عبد ربه - يعني ابن علقمة - عن يحيى بن عبد الله، عن الذي أفلت من الثمانية، قال: لما دخلنا الحبس قال علي بن الحسن: اللهم إن كان هذا من سخط منك علينا فاشدد حتى ترضى.
فقال عبد الله بن الحسن: ما هذا يرحمك الله؟.
ثم حدثنا عبد الله عن فاطمة الصغرى، عن أبيها، عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخرون " فقلت: نحن ثمانية. قال: هكذا سمعت.
قال: فلما فتحوا الباب وجدوهم موتى، وأصابوني وبي رمق وسقوني ماء، وأخرجوني فعشت.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن علي الحسني، قال: حدثنا الحسن، عن محمد - يعني ابن عبد الواحد - قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا خالد بن عيسى، عن حصين بن مخارق، عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن. وأخبرنا علي بن العباس البجلي، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حبسهم أبو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل ولا بالنهار، ولا يعرفون وقت الصلاة إلا بتسبيح علي بن الحسن.
قال: فضجر عبد الله ضجرة فقال: يا علي ألا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ ألا تطلب إلى ربك عز وجل أن يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟.
قال: فسكت عنه طويلاً ثم قال: يا عم إن لنا في الجنة درجة لم نكن لنبلغها إلا بهذه الليلة، أو بما هو أعظم منها؛ وإن لأبي جعفر في النار موضعاً لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه الليلة، أو أعظم منها؛ فإن تشأ أن تصبر، فما أوشك فيما أصبنا أن نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن منه شيء، وإن تشأ أن ندعو ربنا عز وجل أن يخرجك من هذا الغم، ويقصر بأبي جعفر غايته التي له في النار، فعلنا.
قال: لا، بل اصبر.
فما مكثوا إلا ثلاثاً حتى قبضهم الله إليه.

(1/53)


وتوفي علي بن الحسن وهو ابن خمس وأربعين سنة، لسبع بقين من المحرم سنة ست وأربعين ومائة.
عبد الله بن الحسن بن الحسن
وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا جعفر.
وأمه أم عبد الله بنت عامر، وهي أم أخيه علي.
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق، قال: خرج رياح ببني حسن؛ ومحمد بن عبد الله بن عمرو إلى الربذة، فلما صاروا بقصر نفيس على ثلاثة أميال من المدينة، دعا بالحدادين، والقيود، والأغلال، فألقى كل رجل منهم في كبل وغل، فضاقت حلقتا قيد عبد الله بن الحسن " بن الحسن " أبي جعفر، فعضتاه فتأوه منهما، وأقسم عليه أخوه علي بن الحسن ليحولن عليه حلقتيه إذ كانتا أوسع فحولها، ومضى بهم رياح إلى الربذة.
وتوفي عبد الله بن الحسن، وهو ابن ست وأربعين سنة، في يوم الأضحى، سنة خمس وأربعين ومائة.
العباس بن الحسن بن الحسن
والعباس بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه عائشة بنت طلحة الجود بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي.
وكان العباس أحد فتيان بني هاشم، وله يقول إبراهيم بن علي بن هرمة:
لما تعرضت للحاجات واعتلجت ... عندي وعاد ضمير القلب وسواسا
سعيت أبغي لحاجات ومصدرها ... براً كريماً لثوب المجد لباسا
هداني الله للحسنى ووفقني ... فاعتمت خير شباب الناس عباسا
قدح النبي وقدح من أبي حسن ... ومن حسين جرى لم يحر حناسا
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا بن شبة، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله العلوي، قال: حدثنا عبد الله بن عمران بن أبي فروة: أن العباس بن الحسن أخذ وهو على بابه، فقالت أمه عائشة بنت طلحة: دعوني أشمه شمة، وأضمه ضمة.
فقالوا: لا والله ما كنت في الدنيا حية.
وتوفي العباس في الحبس وهو ابن خمس وثلاثين، لسبع بقين من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة.
إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن
وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو الذي يقال له طباطبا. وقيل إن ابنه إبراهيم طباطبا.
وأمه ربيحة بنت محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية الذي يقال له: زاد الركب، أبو أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب قال: حدثنا عبد الله بن موسى، قال: سألت عبد الرحمن بن أبي الموالي، وكان مع بني الحسن بن الحسن في المطبق: كيف كان صبرهم على ما هم فيه؟ قال: كانوا صبراء، وكان فيهم رجل مثل سبيكة الذهب، كلما أوقد عليها النار ازدادت خلاصاً، وهو إسماعيل بن إبراهيم، كان كلما اشتد عليه البلاء ازداد صبراً.
محمد بن إبراهيم بن الحسن
ومحمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم ولد تدعى عالية.
وكان يدعى الديباج الأصفر من حسةن.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني محمد بن إبراهيم، قال: أتى بهم أبو جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن الحسن، فقال: أنت ديباج الأصفر؟ قال: نعم.
قال: أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك. ثم أمر باسطوانة مبنية ففرقت، ثم أدخل فيها فبنيت عليه، وهو حي.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني الزبير بن بلال، قال: كان الناس يختلفون إلى محمد هذا فينظرون إلى حسنه.
وحدثنا حرمى عن الزبير بن بكار بذلك.
علي بن محمد بن عبد الله
وعلي بن محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم سلمة بنت الحسن بن الحسن بن علي.
وأم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، رملة بنت سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل.
كان أبوه وجهه إلى مصر، ووجه معه أخاه موسى بن عبد الله، ومطراً صاحب الحمام - قال المدائني: إنما سمي صاحب الحمام لأنه كان على حمام الأمير بالبصرة - ويزيد بن خالد القسري، يدعوان إليه، فأخذ علي، ونجى موسى ولم يؤخذ، وله خبر سنأتي به في موضعه.

(1/54)


وأتى أبو جعفر بعلي فحبسه مع أهله فمات معهم.
وقد قيل: إنه بقي في الحبس فمات في أيام المهدي.
والصحيح أنه توفي في أيام أبي جعفر.
محمد بن عبد الله بن عمرو
ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وإنما ذكرنا خبره معهم لأنه كان أخاهم لأمهم، وكان هوى لهم، وكان عبد الله بن الحسن يحبه محبة شديدة، فقتل معه لما قتل.
وأمه فاطمة بنت الحسين كان عبد الله بن عمرو تزوجها بعد وفاة الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان السبب في ذلك ما حدثنا محمد بن العباس اليزيدي، والحسن بن علي، قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا زبير بن بكار، وأخبرني به حرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا زبير بن بكار، قال: حدثني عمي مصعب، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن أيو بن عمر عن ابن أبي الموالي، قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن يوسف بن الماجشون. وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدثنا مصعب، دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين، قالوا: لما حضرت الحسن بن الحسن الوفاة جزع، وجعل يقول: إني لأجد كرباً ليس من كرب الموت، فقال له بعضهم: ما هذا الجزع؟ تقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جدك، وعلى علي، والحسن، والحسين، وهم آباؤك؟.
فقال: ما لذلك أجزع، ولكني كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان حين أموت، قد جاء في مضرجتين أو ممصرتين، وقد رجل جمته، يقول: أنا من بني عبد مناف جئت لأشهد ابن عمي، وما به إلا أن يخطب فاطمة بنت الحسين، فإذا مت فلا يدخلن علي.
قال: فصاحب به فاطمة: أتسمع؟ قال: نعم.
قالت: أعتقت كل مملوك لي، وتصدقت بكل مملوك لي، إن أنا تزوجت بعدك أحداً.
قال: فسكن الحسن، وما تنفس، وما تحرك حتى قضى - رضوان الله عليه - .
فلما ارتفع الصياح أقبل عبد الله على الصفة التي ذكرها الحسن، فقال بعض القوم: ندخله، وقال بعضهم: لا ندخله، وقال قوم: وما يضر من دخوله؟.
فدخل، وفاطمة رضوان الله عليها تصك وجهها، فأرسل إليها وصيفاً كان معه، فجاء فتخطى الناس حتى دنا منها، فقال لها: يقول لك مولاي اتقي على وجهك فإن لنا فيه أرباً.
قال: فأرسلت يدها في كمها، وعرف ذلك فيها، فلما لطمت حتى دفن.
فلما انقضت عدتها خطبها، فقال: كيف بنذري ويميني؟.
فقال: نخلف عليك بكل عبد عبدين، وبكل شيء شيئين. ففعل فتزوجته.
وقد حدثني أحمد بن سعيد في أمر تزويجه إياها، عن يحيى بن الحسن، عن أخيه أبي جعفر، عن محمد بن عبد الله البكري، عن إسماعيل بن يعقوب: أن فاطمة بنت الحسين لما خطبها عبد الله أبت أن تتزوجه، فحلفت أمها عليها أن تزوجه، وقامت في الشمس، وآلت ألا تبرح حتى تزوجه، فكرهت فاطمة أن تخرج فتزوجته.
ذكر السبب في أخذ عبد الله بن الحسن ابن الحسن وأهله وحسبهم بسبب محمد بن عبد الله، ومقتل من قتل منهم أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الملك بن شيبان بن عبد الملك بن مالك بن مسمع، قال: لهجت العوام بمحمد بن عبد الله تسميه المهدي، حتى كان يقال: محمد بن عبد الله المهدي، عليه ثياب يمنية وقبطية.
حدثني عمر، قال: حدثني الوليد بن هشام بن محمد، قال: حدثني سهل بن بشر، قال: سمعت سفيان يقول: ليت هذا المهدي قد خرج، يعني محمد بن عبد الله بن الحسن.
أخبرني عمر بن عبد الله " العتكي " ، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي وابن داجة. قال أبو زيد: وحدثني عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، قال: حدثني الحسن بن أيوب، مولى بني نمير، عن عبد الأعلى بن أعين قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي الكرام الجعفري، عن أبيه. وحدثني محمد بن يحيى، وحدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال: حدثني أبي - " وقد " دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين: أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء، وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن " ابن الحسن " ، وابناه محمد وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان.

(1/55)


فقال صالح " بن علي " : قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.
فحمد الله عبد الله بن الحسن، وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
وقال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يريد محمد بن عبد الله.
قالوا: قد - والله - صدقت، إن هذا لهو الذي نعلم. فبايعوا جميعاً محمداً، ومسحوا على يده.
قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد - عليهما السلام - هكذا قال عيسى.
وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم.
قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه. وأرسل جعفر بن محمد عليه السلام محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟.
فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله.
قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه.
فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد " إن كنت ترى - يعني عبد الله - أن ابنك هذا هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينه عن المنكر فأنا والله " لا ندعك، وأنت شيخنا، ونبايع ابنك.
فغضب عبد الله وقال: لقد علمت خلاف ما تقول " ووالله ما أطلعك الله على غيبه " ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.
فقال: والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم، وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك، ولكنها لهم. وإن ابنيك لمقتولان. ثم نهض، وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري. فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر - يعني أبا جعفر - ؟ قال: نعم. قال: فأنا والله مجده يقتله. قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة.
قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.
قال: فلما قال جعفر ذلك نفض القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها. وتبعه عبد الصمد، وأبو جعفر، فقالا يا أبا عبد الله أتقول هذا؟.
قال: نعم أقوله والله، وأعلمه.
حدثني علي بن العباس " المقانعي " قال: أخبرنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن عنبسة بن نجاد العابد، قال: كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله " بن حسن " تغرغرت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي، وإنه لمقتول، ليس " هذا " في كتاب " أبيه " علي من خلفاء هذه الأمة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل الهاشمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: كنت أنا وجعفر متكئين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وثب فزعاً إلى رجل على بغل، فوقف معه ناحية واضعاً يده على معرفة البغل، ثم رجع فسألته عنه، فقال: إنك لجاهل به، هذا محمد بن عبد الله مهدينا أهل البيت.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني غير واحد من أصحابنا: إن محمداً دعا عمرو بن عبيد فاعتل عليه، وكان عمرو حسن الطاعة في المعتزلة خلع نعله فخلع ثلاثون ألفاً نعالهم، وكان أبو جعفر يشكر ذلك له، وكان عمرو يقول: لا أبايع رجلاً حتى أختبر عدله.
حدثني أحمد بن إسماعيل، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان، عن أبيه، عن عبد الله بن موسى، عن عبد الله بن سعد الجهني، قال: بايع أبو جعفر محمداً مرتين، أنا حاضر إحداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له بالركاب. ثم قال: أما إنه إن أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال:

(1/56)


لما استخلفت أبو جعفر لم يكن همه إلا طلب محمد، والمسألة عنه، وعما يريد، فدعا بني هاشم رجلاً رجلاً فسألهم في خلوة، فكلهم يقول: يا أمير المؤمنين إنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل هذا اليوم، وهو يخافك على نفسه، ولا يريد لك خلافاً ولا يحب لك معصية؛ إلا الحسن بن زيد فإنه أخبره خبره وقال: والله ما آمن وثوبه عليك، والله لا ينام عنك، فرأيك. قال ابن أبي عبيدة: فأيقظ من لا ينام.
حدثني عمر، قال: أخبرنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت القاسم " بن محمد " بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول: أخبرني محمد بن وهب السلمي، عن أبي - يعني محمد بن عبد الله العثماني - : أن أبا جعفر سأل عبد الله بن الحسن عن ابنيه عام حج، فقال له فيهما مقالة الهاشميين، فأخبره أنه غير راض أو يأتيه بهما.
قال محمد بن إسماعيل، فحدثتني أمي، عن أبيها، قال: إن قلت لسليمان: يا أخي صهري صهري، ورحمي رحمي، فما ترى؟ فقال: والله لكأني أرى عبد الله بن علي حين أحال أبو جعفر الستر بيننا وبينه وهو يقول لنا هذا ما فعلتم بي، ولو كان عافياً عفا عن عمه " قال " فقبل رأيه. " قال " وكان آل عبد الله يرونها صلة من سليمان لهم.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن، قال: اختصم بنو عبد الله، وعبيد الله ابني العباس، في صدقة العباس التي تدعى السعاية بينبع، فشهد محمد بن عبد الله بن الحسن عند القاضي عثمان بن عمرو التيمي أن ولايتها كانت لبني عبد الله، فأتى داود بن علي محمداً فقال: والله ما أدري ما أكافيك غير أنكم تحدثون - وذلك باطل - أنك ستلي هذه الأمة، ونتحدث - وذلك حق - أن سيكون منا الخليفة، وائت إلى المدينة فإذا جاءك رسولي وأنت في تنور فلا تخرج إلي منه.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن عباد المهلبي، عن السندي بن شاهك، قال: حدثني عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمران عن عقبة بن سلم: أن أبا جعفر دعاه فسأله عن اسمه؟ فقال: عقبة بن سلم بن نافع من الأزد، من بني هناءة.
فقال: إني لأرى لك همة وموضعاً، وإني أريدك لأمر أنا معني به.
قال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين.
قال: فأخف شخصك وائتني في يوم كذا، فأتيته، فقال: إن بني عمنا هؤلاء قد أبوه إلا كيداً لملكنا، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم، ويرسلون إليهم بصدقات، وألطاف، فأخرج بكسى وألطاف، حتى تأتيهم متنكراً بكتاب تكتبه عن أهل القرية، ثم تسير ناحيتهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك، وكنت على حذر منهم، فاشخص، حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعاً، فإن جبهك، وهو فاعل، فاصبر، وعاوده أبداً حتى يأنس بك فإذا ظهر لك ما قبله فاعجل علي.
ففعل ذلك، وفعل به حتى آنس عبد الله باحيته، فقال له عقبة: الجواب، فقال: أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابي إليهم فاقرأهم السلام، وأخبرهم أن ابني خارج لوقت كذا وكذا، فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر.
قال أبو زيد: وقال لي محمد بن إسماعيل. وسمعت جدي موسى بن عبد الله، وجماعة من أهل الحرمة لعبد الله بن الحسن يذكرون: أنه قدم عليهم فاكتنى أبا عبد الله، وانتسب إلى اليمن، وكان يقرئ ابني محمد، ويرويهم الشعر، ما رأينا رجلاً كان يصبر على الرياء على ما كان يصبر عليه، لا ينام الليل، ولا يفطر النهار. قال موسى: ثم سألني يوماً عن شيء من أمرنا؟ فقلت لأبي: اعلم والله أنه عين، فأمره بالشخوص، فهو الذي لم يخف عن أبي جعفر شيئاً من أمران.
حدثني أبو زيد. وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحرث بن إسحاق قال: سئل أبو جعفر لما حج عبد الله بن الحسن عن ابنيه؟ فقال: لا علم لي بهما حتى تغالظا فأمصه أبو جعفر، فقال: يا ابا جعفر بأي أمهاتي تمصني، أبفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فاطمة بنت الحسين، أم خديجة بنت خويلد، أم أم إسحاق بنت طلحة؟.

(1/57)


قال: ولا بواحدة منهن، ولكن بالجرباء بنت قسامة بن رومان، فوثب المسيب بن إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين: دعني أضرب عنق ابن الفاعلة! فقام زياد بن عبد الله فألقى عليه رداءه، فقال: يا أمير المؤمنين هبه علي، فأنا أستخرج لك ابنيه، فخلصه منه.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن عباد، عن السندي بن شاهك، قال: حدثني بكر بن عبدالله مولى آل أبي بكر، قال: حدثني علي بن رياح أخو إبراهيم بن رياح، عن صالح صاحب المصلى، قال: إني لواقف على رأس أبي جعفر، وهو يتغذى بأوطاس وهو متوجه إلى مكة، ومعه على مائدته عبد الله بن الحسن، وأبو الكرام، وجماعة من بني العباس، فأقبل على عبد الله بن الحسن، فقال: يا أبا محمد، محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي، وإني لأحب أن يأنسا بي ويأتياني، فأصلهما وأزوجهما، وأخلطهما بنفسي، قال: وعبد الله يطرق طويلاً، ثم يرفع رأسه فيقول: وحقك يا أمير المؤمنين ما لي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا عن يدي. فيقول: لا تفعل اكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما.
قال: وامتنع أبو جعفر من عامة غذائه ذلك اليوم إقبالاً على عبد الله بن الحسن وعبد الله يحلف أنه لا يعرف موضعها، وأبو جعفر يكرر عليه: لا تفعل يا أبا محمد. لا تفعل يا أبا محمد.
قال: وكان سبب هرب محمد بن أبي جعفر أن أبا جعفر كان عقد له في ناس من المعتزلة.
قال السندي بن شاهك في حديثه: قال أبو جعفر لعقبة بن سلم: إذا فرغنا من الطعام فلحظتك لحظة فامثل بين يدي عبد الله فإنه سيصرف بصره عنك فاستدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجل، حتى يملأ عينيه منك، ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل ففعل عقبة ذلك، فلما رآه عبد الله وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله، قال: لا أقالني الله إن أقلتك، ثم أمر بحبسه.
أخبرني عمر بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أيوب بن عمر بن أبي عمرو قال: أخبرني محمد بن خالد المخزومي، قال: حدثني أبي، قال: أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، قال: لما حج أبو جعفر في سنة أربعين ومائة أتاه عبد الله والحسن ابنا الحسن، فإنهما وإياي لعنده، وهو مشغول بكتاب ينظر فيه، إذ تكلم المهدي فلحن، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه فإنه يفعل كما تفعل الأمة؟ قال: فلم يفهم، وغمزت عبد الله فلم ينتبه، وعاد لأبي جعفر فأحفظ من ذلك، وقال له: أين ابنك؟ قال: لا أدري، قال: لتأتيني به.
قال: لو كان تحت قدما ما رفعتهما عنه قال: يا ربيع قم به إلى الحبس.
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى عن الحرث بن إسحاق، قال: حبس أبو جعفر عبد الله بن الحسن في دار مروان في البيت الذي عن يمين الداخل، وألقى تحته ثلاث حقائب من حقائب الإبل محشورة تبناً، وشخص أبو جعفر وعبد الله محبوس فأقام في الحبس ثلاث سنين.
حدثني محمد بن الحسين الأشنانين قال: حدثنا الحسين بن الحكم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثني يحيى بن مساور، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، قال: لما حبس أبي عبد الله بن الحسن وأهل بيته، جاء محمد بن عبد الله إلى أمي، فقال: يا أم يحيى، ادخلي على أبي السجن، وقولي له: يقول لك محمد بأنه يقتل رجل من آل محمد خير من أن يقتل بضعة عشر رجلاً، قالت: فأتيته فدخلت عليه السجن فإذا هو متكئ على برذعة، في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلك، فقال: مهلاً يا أم يحيى فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها، قالت: فأبلغته قول محمد، قالت: فاستوى جالساً ثم قال: حفظ الله محمداً، لا ولكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهباً، فوالله ما يحتج عند الله غداً إلا أنا خلقنا وفينا من يطلب هذا الأمر.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان بن أبي غسان " مولى " من بني ليث، قال: حدثني أبي عن الحسن بن زيد، قال:

(1/58)


دخلنا على عبد الله بن الحسن بن الحسن، بعثنا إليه رياح بكلمة في أمر ابنيه، فإذا به على حقيبة في بيت فيه تبن، فتكلم القوم حتى إذا فرغوا من كلامهم أقبل علي فقال: يا ابن أخي والله لبليتي أعظم من بلية إبراهيم صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يذبح ابنه، وهو لله طاعة، قال إبراهيم: " إن هذا لهو البلاء المبين " وإنكم جئتموني تكلمونني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما، وهو لله جل وعز معصية، فوالله يا بن أخي لقد كنت على فراشي فما يأتيني النوم، وإني على ما ترى أطيب نوماً. فأقام عبد الله في الحبس ثلاث سنين.
أخبرني " عمر بن عبد الله، قال " حدثني " عمر بن شبة، قال: حدثني أيوب بن عمر، قال: حدثني الزبير بن المنذر مولى عبد الرحمن بن العوام، قال: كان لرياح بن عثمان صاحب يقال له أبو البختري، فحدثني أن رياحاً لما دخلها أميراً قال: يا أبا البختري هذه دار مروان، أما والله إنها لمحلال مظغان، ثم قال لي: يا أبا البخري خذ بيدي حتى ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئاً على حتى وقف علي عبد الله بن الحسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قرابة، ولا ليد سبقت مني إليه، والله لا تتلعب بي كما تلعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك، أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم.
قال: فرفع إليه رأسه، وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس، المذبوح فيها كما تذبح الشاة.
قال: فانصرف والله رياح آخذاً بيدي أجد برد يده، وإن رجليه ليخطان مما كلمة. قال: قلت: إن هذا والله ما اطلع على علم الغيب. قال: أيها ويلك والله ما قال إلا ما سمع: قال: فذبح والله كما تذبح الشاة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق، قال: لم يزل بنو الحسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة، فتلقاه ياح بالربذة، فرده إلى المدينة، وأمره بإشخاص بني الحسن " إليه، وبإشخاص محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان، وهو أخو بني حسن لأمهم جميعاً فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب " فأرسل إليه " رياح " وكان بماله ببدر فحذره إلى المدينة.
أخبرني عمر، قال: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثني علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال: حضرت باب رياح في المقصورة، فقال الآذان: من كان هاهنا من بني الحسن فليدخل. فقال لي عمي عمر بن محمد: أنظر ما يصنع بالقوم. قال: فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة، قال: الذي حدرهم إلى الربذة أبو الأزهر.
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني: حدثني أحمد بن عيسى العجلي، ومحمد بن الحسين الأشناني، وعلي بن العباس المقانعي، قالوا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرني الحسين بن زيد بن علي. وحدثني أحمد بن الجعد، قال: حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا الحسين بن زيد. وأخبرني عمر بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني ابن زبالة، عن الحسين بن زيد. وأخبرني إسماعيل بن محمد المزني، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا الحسين بن زيد. وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين، قال:

(1/59)


إني لواقف بين القبر والمنبر، إذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان، مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد فقال: ما وراءك؟. قلت: رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل. فقال: اجلس. فجلست. قال: فدعا غلاماً له، ثم دعا ربه كثيراً، ثم قال لغلامه: اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني. قال: فأتاه الرسول فقال: قد أقبل بهم. فقام جعفر فوقف وراء ستر شعر أبيض من ورائه، فطلع بعبد الله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، وجميع أهلهم، كل واحد منهم معادله مسود، فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دوعه على لحيته، ثم أقبل علي فقال: يا أبا عبد الله، والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا والله ما وفت الأنصار، ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أعطوه من البيعة على العقبة. ثم قال جعفر: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " خذ عليهم البيعة بالعقبة " فقال: كيف آخذ عليهم؟ قال: خذ عليهم يبايعون الله ورسوله. قال ابن الجعد في حديثه: على أن يطاع الله فلا يعصى. وقال الآخرون: على أن تمنعوا رسول الله وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم. قال: فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم، ثم لا أحد يمنع يد لامس، اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عثمان بن المنذر، قال: لما أن خرج ببني الحسن قام ابن حصين فقال: ألا رجل أو رجلان يعاقداني على هؤلاء القوم؟ فوالله لأقطعن بهم الطريق، فلم يجبه أحد.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثنا القحدمي، قال: حدثني عبد الله بن عثمان، عن محمد بن هاشم بن البريد مولى معاوية، قال: كنت بالربذة فأتى ببني الحسن مغلولين، معهم العثماني كأنه خلق من فضة، فأقعدوا، فلم يلبثوا أن خرج رجل من عند أبي جعفر المنصور فقال: أين محمد بن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل فلم نلبث أن سمعنا وقع السياط. قال: فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه، وأسالت دمه، وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت وأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بن الحسن فعطش فاستسقى. فقال عبد الله بن الحسن: من يسقي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء؟ فتحاماه الناس وجاءه خراساني بماء فسلمه إليه فشرب، ثم لبث هنيهة فخرج أبو جعفر في محمل، والربيع معادله. فقال عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر، والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر.
فأخسأه أبو جعفر وثقل عليه ومضى ولم يعرج.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني مسكين بن عمرو، قال: قال أبو جعفر له: أليس ابنتك التي تختضب للزناء؟.
قال: لو عرفتها علمت أنها كما تسرك من نساء قومك.
قال: يا ابن الفاعلة.
قال: يا أبا جعفر أي نساء الجنة تزني؟ أفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم فاطمة بنت الحسين؟ أم خديجة بنت خويلد؟.
قال: فضربه ثم شخص به.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن أبي حرب أنه قال له: أليس ابنتك تحت ابن عبد الله؟.
قال: بلى ولا عهد لي به إلا بمنى في سنة كذا وكذا.
قال: فهل رأيت ابنتك تمتشط وتختضب؟ قال: نعم. قال: فهي إذن فاعلة؟ قال: مع يا أمير المؤمنين، أتقول هذا لابنة عمك؟.
قال: يا ابن اللخناء. قال: أي أمهاتيتلخن؟ قال: يا ابن الفاعلة. ثم ضرب وجهه.
أخبرني عمر بن عبد الله قال حدثنا أبو بكر - يريد عمر بن شبة - ، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: أراد أبو جعفر أن يغيظ عبد الله بن الحسن، فضرب العثماني، وجعل بعيره أمام بعير عبد الله، فكان إذا رأى ظهره وأثر السياط فيه يجزع.
أخبرني عمر قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني موسى بن سعيد، عن أبيه، قال: لما ضرب محمد العثماني لصق رداؤه بظهره فجف، فأرادوا أن يخلصوه، فصاح عبد الله بن الحسن: لا، ثم دعا بزيت فأمر به فطلى به الرداء، ثم سلوه سلاً.
أخبرنا عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني سليمان بن داود بن الحسن، قال: ما رأيت عبد الله جزع نم شيء إلا يوماً واحداً فإن بعير محمد بن عبد الله انبعث به وهو غافل لم يتأهب له، وفي رجليه سلسلة، وفي عنقه زمارة، فهوى وعلقت الزمارة بالمحمل، فرأيته منوطاً بعنقه يضطرب، ورأيت " عبد الله بن حسن " جزع وبكى بكاء شديداً.

(1/60)


أخبرني عمر بن عبد الله، قال حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى بن زيد، قال: حدثني صاحب محمد بن عبد الله: أن محمداً، وإبراهيم كانا يأتيان أباهما معتمين في هيئة الأعراب، فيسأذنانه في الخروج، فيقول: لا تعجلا حتى تملكا، ويقول: إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين.
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني موسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: لما صرنا بالربذة أرسل أبو جعفر إلى أبي: " أن " أرسل إلي أحدكم، واعلم أنه غير عائد إليك أبداً. قال: فابتدره بنو أخيه يعرضون عليه أنفسهم فجزاهم خيراً، وقال: أنا أكره أن أفجعهم بكم، ولكن اذهب أنت يا موسى.
قال: فذهبت وأنا يومئذ حديث السن، فلما نظر إلي قال: لا أنعم الله بك عيناً، السياط يا غلام، فضربت والله حتى غشي علي، قال: فما أدري بالضرب، قال: فرفعت السياط واستقربني فقربت منه، فقال: أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني فأفرغته عليك منه سجلاً لم أستطع رده، ومن ورائه والله الموت أو تفتدى به.
قلت: يا أمير المؤمنين، والله ما لي ذنب، وإني لمنعزل من هذا.
قال: فانطلق فأتني بأخويك.
قال: تبعثني إلى رياح فيضع علي العيون والرصد، فلا أسلك طريقاً إلا اتبعني له رسول، ويعلم ذلك أخواي فيهربان مني. فكتب إلى رياح لا سلطان لك على موسى. وأرسل معي حرساً أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري.
قال أبو زيد: وحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني موسى، قال: أرسل أبي إلى أبي جعفر: إني كاتب إلى محمد، وإبراهيم، فأرسل موسى عسى أن يلقاهما، وكتب إليهما أن يأتياه، وقال لي أبلغهما عني فلا يأتيا أبداً، وإنما أراد أن يفلتني من يده، وكان أرق الناس علي، وكنت أصغر ولد هند، وأرسل إليهما:
يا بني، أمية إني عنكما غان ... وما الغنى غير أني مرعش فان
يا بني أمية إلا ترحما كبري ... فإنما أنتما والثكل مثلان
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن راشد بن بريد، قال: سمعت الجراح بن عمر، وغيره، يقولون: لما قدم بعبد الله بن الحسن وأهله مقيدين، وأشرف بهم على النجف، قال لأصحابه: أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية؟ قال: فلقيه ابنا أخي الحسن، وعلي مشتملين على سيفين، فقالا له: قد جئناك بابن رسول الله، فمرنا بالذي تريد. قال: قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئاً فانصرفا.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا إبراهيم، قال: حبسهم أبو جعفر في قصر لابن هبيرة في شرقي الكوفة مما يلي بغداد.
أخبرني عمر، قال: أخبرنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الملك بن شيبان، قال: حدثني إسحاق بن عيسى، عن أبيه، قال: أرسل إلي عبد الله بن الحسن، وهو محبوس فاستأذنت أبا جعفر في ذلك، فأذن لي، فلقيته فاستسقاني ماء بارداً، فأرسلت إلى منزلي فأتى بقلة فيها ماء وثلج فإنه ليشرب إذ دخل أبو الأزهر فأبصره يشرب القلة، وهي على فيه، فضرب القلة برجله، فألقى ثنييه، فأخبرت أبا جعفر فقال: إله عن هذا يا أبا العباس.
أخبرني عمر بن عبد الله قال حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى - يعني ابن عبد الله - قال: حدثنا عبد الله بن عمران، قال حدثني أبو الأزهر، قال: قال لي عبد الله بن الحسن: أبغي حجاماً، فقد احتجت إليه، فاستأذنت أمير المؤمنين في ذلك فقال: يأتيه حجام مجيد.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني الفضل بن عبد الرحمن، قال: حدثني أبي، قال: مات ميت من آل الحسن، وهم بالهاشمية محبوسون، فأخرج عبد الله بن الحسن يوسف في قيوده ليصلي عليه.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني مسكين ابن عمرو، قال: ضرب أبو جعفر عنق العثماني، ثم بعث برأسه إلى خراسان، وبعث معه بقوم يحلفون أنه محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني عبد الرحمن بن عمران بن أبي فروة، قال:

(1/61)


كنا نأتي أبا الأزهر بالهاشمية، أنا والشعباني، وكان أبو جعفر يكتب إليه " من عبد الله أمير المؤمنين إلى أبي الأزهر ومولاه " ، ويكتب إليه أبو الأزهر: " إلى أبي جعفر من أبي الأزهر عبده " فلما كان ذات يوم، ونحن عنده، وكان أبو جعفر قد ترك له ثلاثة أيام لا يبور بها، وكنا نخلو معه في تلك الأيام، فأتاه كتاب من أبي جعفر، فقرأه، ودخل إلى بني الحسن، وهم محبوسون، فتناولت الكتاب فقرأته فإذا فيه: " انظر يا أبا الأزهر ما أمرتك به في أمر مذلة فأنفذه وعجله " . قال: وقرأ الشعباني الكتاب فقال: تدري من مذله؟ قلت: لا والله. قال: هو والله عبد الله بن الحسن، فانظر ما هو صانع، فلم يلبث أن جاء أبو الأزهر، فجلس، فقال: والله قد هلك عبد الله بن الحسن، ثم لبث قليلاً، ثم دخل وخرج مكتئباً فقال: أخبرني عن علي بن الحسن أي رجل هو؟ قال: قلت: أمصدق أنا عندك؟ قال: وفوق ذلك. قلت: هو والله خير من تظله هذه، وتقله هذه! قال: فقد - والله - ذهب.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: سمعت مولى لبني دارم يقول: قلت لبشير الرحال: ما يسرعك إلى الخروج على هذا الرجل؟.
قال: إنه أرسل إلي بعد أخذه عبد الله، فأتيته، فأمرني يوماً بدخول بيت، فدخلته فإذا بعبد الله بن الحسن مقتول، فسقطت مغشياً علي، فلما أفقت أعطيت الله عهداً لا يختلف في أمر سيفان إلا كنت مع الذي عليه منهما.
وذكر محمد بن علي بن حمزة أنه سمع من يذكر أن يعقوب، وإسحاق، ومحمداً، وإبراهيم بني الحسن قتلوا في الحبس بضروب من القتل، وأن إبراهيم بن الحسن دفن حياً، وطرح على عبد الله بن الحسن بيت، رضوان الله عليهم.
وقال إبراهيم بن عبد الله - فيما أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، عن أبيه، عن أبي زيد، عن المدائني - يذكر أباه، وأهله، وحملهم، وحبسهم:
ما ذكرك الدمنة القفار وأه ... ل الدار ما نأوا عنك أو قربوا
إلا سفاهاً وقد تفرعك ال ... شيب بلون كأنه العطب
ومر خمسون من سنك كما ... عد لك الحاسبون إذ حسبوا
فعد ذكر الشباب لست له ... ولا إليك الشباب ينقلب
إني عرتني الهموم واحتضر ال ... هم وسادي والقلب منشعب
واسترخ الناس للشفاء وخلف ... ت لدهر بظهره حدب
اعوج استعدت اللئام به ... ويحنو به الكرام إن شربوا
نفسي فدت شيبة هناك وظن ... بوباً به من قيودهم ندب
والسادة الغر من ذويه فما ... روقب فيهم آل ولا نسب
يا حلق القيد ما تضمنت من ... حلم وبر يزينه حسب
وأمهات من الفواطم أخ ... لصتك بيض عقايل عرب
كيف اعتذاري إلى الإله ولم ... يشهر فيك المأثور القضب
ولم أقد غارة ململمة ... فيها بنات الصريح تنتحب
والسابقات الجياد والأسل ال ... سمر وفيها أسنة ذرب
حتى توفي بني ثبيلة بال ... قسط بكيل الصاع الذي اختلبوا
بالقتل قتلاً وبالأسير الذي ... في القد أسرى مصفودة سلب
أصبح آل الرسول أحمد في ال ... ناس كذي عرة به جرب
بؤساً لهم ما جنت أكفهم ... وأي حبل من أمة قضبوا
وأي عهد خانوا الإله به ... شد بميثاق عقده الكذب
" قال أبو زيد هذه القصيدة لغالب الهمداني. وذكر حرمي بن أبي العلاء عن الزبير أنها لإبراهيم، ووافق المدائني على ذلك، ولعل أبا زيد أن يكون وهم " .
ابن محمد بن عبد الله
وابن لمحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي لا يعرف اسمه

(1/62)


حدثني حرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا زبير، عن عمه مصعب، أظنه عن أبيه: أن أمه رخية أمة كانت لفاختة بنت فليج بن المنذر بن الزبير، وأن محمداً كان رآها فأعجبته فسأل فاختة فيها. فقالت له: إنها لغير رشدة، فقال لها: إن الدنس لا يلحق الأعقاب. فقالت: والله ما يلحق إلا الأعقاب وإن شئت فقد وهبتها لك، فوهبتها له، فولدت منه ولداً فكان معه في جبال جهينة، ففزع يوماً فسقط الصبي من الجبل فتقطع.
حدثني عمر، قال: أبو زيد، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، قال: حدثني عمي عبيد الله بن محمد، قال: قال محمد بن عبد الله: بينا أنا برضوي مع أم ولد لي، معها ابن لي ترضعه إذا ابن استوطأ مولى لأهل المدينة قد هجم علي في الجبل يطلبني فخرجت هارباً وهربت الجارية فسقط الصبي منهم، فتقطع، رحمة الله عليه.
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن عبد الله، قال حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن حكم الطائي، قال: لما سقط ابن لمحمد فمات، ولقى محمد ما لقى، قال:
منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
محمد بن عبد الله بن الحسن
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا عبد الله.
وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
وأمها قريبة بنت يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد.
وأمها خديجة بنت محمد بن طليب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد الحرث.
وأمها أم مسلم بنت عبد الرحمن بن أزهر بن عبد عوف.
وأمها قدة بنت عرفجة بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وأمها الدنيبة بنت عبد عوف بن عبد بن الحرث بن زهرة.
وأمها بنت العداء بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها رزا بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر.
وأمها من بني الأحمر بن الحرث بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
وكان يقال له: صريح قريش لأنه لم يقم عنه أم ولد في جميع آبائه وأمهاته وجداته.
وكان أهل بيته يسمونه المهدي، ويقدرون أنه الذي جاءت فيه الرواية.
وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية، وأنه المقتول بأحجار الزيت.
وكان من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه، في علمه بكتاب الله، وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة؛ وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً، من آل أبي طالب، وآل العباس، وساير بني هاشم؛ ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك، وأن الملك يكون في بني العباس، فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه.
وخرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد، واختلاف كلمة بني مروان، فكان أول ما يظهرونه فضل علي بن أبي طالب وولده، وما لحقهم من القتل والخوف والتشريد، فإذا استتب لهم الأمر ادعى كل فريق منهم الوصية لمن يدعو إليه. فلما ظهرت الدعوة لبني العباس وملكوا، حرص السفاح، والمنصور على الظفر بمحمد وإبراهيم لما في أعناقهم من البيعة لمحمد؛ وتواريات فلم يزالا ينتقلان في الاستتار، والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى، حتى ظهرا فقتلا، صلوات الله عليهما ورضوانه!.
قال أبو الفرج الأصبهاني: وأنا أذكر من ذلك طرفاً يتسق به خبرهما دون الإطالة لسائر ما عندي من ذلك، إذ كان هذا كتاباً مختصراً قريب المأخذ، وكان شرح جميع ما روى في ذلك - على كثرته - يطول به الكتاب.
وكان أبو عبيدة سيداً من سادات قريش وأجوادها.
قال الزبير - فيما أخبرني حرمي بن أبي العلاء - قال: حدثني سليمان بن عياس السعدي، قال: لما توفي أبو عبيدة وجدت عليه ابنته هند وجداً شديداً، فكلم عبد الله بن الحسن محمد بن يسير الخارجي في أن يدخل على هند بنت أبي عبيدة فيعزيها، ويؤسيها عن أبيها، فدخل معه عليها، فلما نظر إليها صاح بأبعد صوته:
قومي اضربي عينيك يا هند لن تري ... أباً مثله تثمو إليه المفاخر

(1/63)


وكنت إذا أثنيت أثنيت والداً ... يزين كما زان اليدين الأساور
فصكت وجهها، وصاحب بحزنها وجهدها، فقال له عبد الله: ألهذا أدخلت؟! قال الخارجي: وكيف أعزي عن أبي عبيدة وأنا أعزي به!.
حدثني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الرحمن بن جعفر بن سليمان، قال: حدثني علي بن صالح، قال: زوج عبد املك بن مروان ابنه عبد الله هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وريطة بنت عبيدة بن عبد المدان، لما كان يقال إنه في أولادهما، فمات عنهما عبد الله، وأطلقهما، فتزوج هنداً عبد الله بن الحسن، وتزوج ريطة محمد بن علي فجاءت بأبي العباس السفاح.
قال أبو زيد: وأنشدني بن داجة وفليج بن إسماعيل، لعبد الله بن الحسن " بن الحسين " في هند بنت أبي عبيدة شعراً:
يا هند إنك لو علم ... ت بعاذلين تتابعا
قالا فلم يسمع لما ... قالا وقلت بل اسمعا
هند أحب إلي من ... أهل ومالي أجمعا
وعصيت فيك عواذلي ... وأطعت قلباً موجعا
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن، قال: سمعت عبد الله بن موسى يقول: حملت جدتي هند، بعمي محمد بن عبد الله، أربع سنين، فجاءها أبو عبيدة، فقال: أنت المتحابلة على عبد الله بن الحسن فرقاً أن يتزوج عليك؟ فصفقت الباب دونه، وقالت: يا أبة، لا يكذب، فورب الكعبة البيت الحرام أني لحامل! فاقل: أما لو فتحت الباب لعلمت ما ينزل بك اليوم مني. ثم ولدت محمد بن عبد الله على رأس أربع سنين.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة عن ابن دراجة، عن أبيه، قال: لما مات عبد الله بن عبد الملك رجعت هند بميراثها منه. فقال عبد الله بن الحسن لأمه فاطمة: اخطبي علي هنداً. فقال: إذن تردك، أتطمع في هند وقد ورثت من عبد الله ما ورثته وأنت ترب لا مال لك؟ فتركها، ومضى إلى أبي عبيدة أبي هند، فخطبها إليه. فقال: في الرحب والسعة، أما مني فقد زوجتك، مكانك لا تبرح. فدخل على هند، فقال: يا بنية هذا عبد الله بن الحسن أتاك خاطباً، قالت: فما قلت له؟ فقال: زوجته إياك. قالت: أحسنت قد أجزت ما صنعت. وأرسلت إلى عبد الله: لا تبرج حتى تدخل على أهلك. قال: فتبشرت لذلك، فبات بها معرساً من ليلته، لا تشعر أمه، فأقام سبعاً، ثم أصبع في يوم سابعه غادياً على أمه، وعليه درع الطيب، وفي غير ثيابه التي تعرف. فقالت: يا بني، من أين لك هذا؟ قال: من عند التي زعمت أنها تردني.
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني هرمن أبو علي - رجل من أهل المدينة - قال: سمعته متعالماً عند آل أبي طالب: أن محمداً ولد في سنة مائة، وأن عمر بن عبد العزيز فرض له في شرف العطاء.
باب ما ذكر في تسميته بالمهدي حدثني عمر بن عبد الله، قال: أخبرنا عمر بن شبة؛ وحدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، وأحمد بن عبد العزيز، قالا: حدثنا عمرن قال: حدثني يعقوب بن القاسم بن محمد بن يحيى بن زكريا بن طلحة بن عبيد الله، قال: حدثني علي بن أبي طالب بن سرح - أحد بني تيم الله - قال: أخبرني مسمع بن غسان: أن فاطمة بنت الحسين كانت تقبل نساء بنيها وأهل بيتها حتى قال لها بنوها: خشينا أن نسمى بني القابلة. فقالت: إن لي طلبة لو ظفرت بها لتركت ما ترون. فلما كانت الليلة التي ولد فيها محمد بن عبد الله قالت: يا بني، إني أطلب أمراً وظفرت به، فلست بعائدة بعد اليوم، إن شاء الله تعالى، فهي التي أوقعت ذكره.
وقال أبو زيد - فيما حدثني من قدمت ذكره - حدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر الجعفري، عن أمه رقية بنت موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن سعيد بن عقبة الجهني - وكان عبد الله بن الحسن أخذه منها فكان في حجره - قال: ولد محمد وبين كتفيه خال أسود كهيئة البيضة عظيماً، فكان يقال له: المهدي، وكان يسمى صريح قريش.
قال أبو زيد: وحدثني يعقوب بن القاسم، عن سفيان بن عييبنة، قال: رأيت عبد الله بن الحسن يأتي بمحمد بن عبد الله، وإبراهيم وهما غلامان إلى عبد الله بن طاوس فيقول: حدثهما لعل الله ينفعهما!

(1/64)


حدثني عمر بن عبد الله بن يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز، قال حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن موسى بن عبد الله، قال: كان محمد بن عبد الله يقول: إن كنت لأطلب العلم في دور الأنصار حتى لأتوسد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك قد خرج إلى الصلاة، ما يحسبني إلا عبده.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، عن سعيد بن خالد بن عبد الرحمن، قال: قدم علينا أبو أيوب بن الأدبر رسولاً لأبي حذيفة واصل بن عطاء داعياً إلى مقالته، فاستجاب له محمد بن عبد الله بن الحسن، في جماعة من آل أبي طالب.
حدثني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثنا أحمد بن الحارث، قال: حدثني المدائني عن ابن دأب قال: حدثني عمير بن الفضل الخثعمي، قال: رأيت أبا جعفر المنصور يوماً، وقد خرج محمد بن عبد الله بن الحسن من دار ابنه، وله فرس واقف على الباب مع عبد له أسود، وأبو جعفر ينتظره، فلما خرج وثب أبو جعفر فأخذ بردائه حتى ركب، ثم سوى ثيابه على السرج، ومضى محمد فقلت وكنت حينئذ أعرفه ولا أعرف محمداً: من هذا الذي أعظمته هذا الإعظام حتى أخذت بركابه وسويت عليه ثيابه؟ قال: أو ما تعرفه؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، مهدينا أهل البيت.
أخبرنا محمد بن زكريا الصحاف البصري، قال: حدثنا قعنب بن محرز، عن المدائني، عن ابن دأب، قال: لم يزل محمد بن عبد الله بن الحسن، منذ كان صبياً، يتوارى ويراسل الناس بالدعوة إلى نفسه، ويسمى بالمهدي.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر بن عبد الله، والجوهري، قالوا: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني يعقوب بن القاسم، قال: حدثتني أمي فاطمة بنت عمر " بن عاسم " ، قالت: أخبرتني أم كلثوم بنت وهب، قالت: كان يوجد في الرواية أنه يملك رجل اسم اسم النبي صلى الله عليه وسلم، واسم أمه على ثلاث أحرف أولها هاء وآخرها دال. قال: وكانوا يظنون محمد بن عبد الله بن الحسن، وأمه هند.
أخبرني يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، قال: حدثني أبو سلمة المصبحي، قال: حدثني مولى لأبي جعفر، قال: أرسلني أبو جعفر، فقال: اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد. فسمعته يقول: إنكم لا تشكون أني أنا المهدي، وأنا هو. فأخبرت بذلك أبا جعفر، فقال: كذب عدو الله، بل هو ابني.
قال أبو زيد: وحدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل الهاشمي، عن أبيه، عن جده، قال: كنت مع أبي جعفر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ وثب إلى رجل على بغل، فوقف معه ناحية، وهو واضع يده على معرفة البغل، والرجل كان واضعاً يده على منكبه ثم جاءني فقال: استأذن على أبيك لمحمد بن عبد الله بن الحسن. فقلت: ليدن من الباب فليستأذن، فقال: أقسمت عليك إلا قمت! فقمت، فلما رجعت قال لي: ألست الذي استأذنت له؟ فقلت: لا، أمرني من استأذن له. فقال: إنك لجاهل به، هذا محمد بن عبد الله، مهدينا أهل البيت.
أخبرني محمد بن خلف بن وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد، عن الواقدي، قال: كان عبد الله بن الحسن يأمر ابنه محمداً بطلب العلم والتفقه في الدين، وكان يجيء به وبأخيه إبراهيم إلى ابن طاوس فيقول له: حدثهما لعل الله أن ينفعهما.
قال الواقدي: وقد لقى محمد نافع بن عمر وسمع منه، ولقى أبا الزياد وسمع منه، وحدث عنهما وعن غيرهما، وكان حديثه قليلاً، فروى عنه بعد مقتله، فممن حدث عنه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وغيره.
أخبرنا علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن زياد الصيقل، قال: أخبرني سلم العامري، قال: إنما شهر محمد بن عبد الله فاطمة بنت علي لما ولد محمد بن عبد الله جاءت فنظرت إليه وأدخلت إصبعها في فيه، فإذا في لسانه عقدة، فكانت تربيه، يكون عندها أكثر مما يكون عند أمه، حتى تخرج، وخرج من الكتاب، وعملت طعاماً، وأرسلت إلى نفر من أهل بيته فتغدوا عندها، ثم قالت: اللهم إن أخي الحسين كان دفع إلي سفطاً بخاتمه، والله ما أدري ما فيه، وأرى إذا ولد هذا الغلام أن أدفعه إليه، ثم دعت بالسفط فدفعته إلى محمد بن عبد الله بمحضر من القوم، وحمل معه إلى منزله ما تدري ما فيه فهي التي شهرته، وقال الناس فيه.

(1/65)


حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد الخثعمي، عن محمد بن يعلى، عن القاسم بن عيلان بن عبد الله بن الحسن، قال: دعتني عمتي فاطمة بنت علي فقالت: يا بني، إن أبي علي بن أبي طالب كان يذكر أن أصغر ولده يدرك المهدي، وأنا أصغر ولده، وقد كان يذكر ويصف علامات فيه، فلست أراها في أحد غيرك، فإن كنت أنت ذاك فعليك بالنمط الأوسط من النمطين، يرجع إليك الغالي، ويحلق المقصر، ثم اشفني من بني أمية.
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني يعقوب بن القاسم قال: حدثني علي بن أبي طالب، قال: أخبرني القاسم بن المطلب العجلي، قال: حدثني الكلبي منذ خمسين سنة، أن أبا صالح حدثه قبل ذلك بعشرين سنة، أن أبا هريرة أخبره: أن المهدي اسمه محمد بن عبد الله، في لسانه رتة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن نافع، قال: حدثني إبراهيم بن علي الرافعي من ولد أبي رافع، قال: كان محمداً تمتاماً، فرأيته على المنبر يتلجلج الكلام في صدره فيضرب بيده عليه يستخرج الكلام.
وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال يحيى بن الحسن، قال: حدثني موسى بن عبد الله بن موسى عن أبيه، قال: ولد محمد بن عبد الله وبين كتفيه خال أسود كهيئة البيضة عظيماً، وكان يقال له صريح قريش، وهو المهدي. وكان صريحاً. وقد قال فيه الشاعر وهو سلمة بن أسلم الجهني:
إن الذي يروي الرواة لبين ... إذا ما ابن عبد الله فيهم تجردا
له خاتم لم يعطه الله غيره ... وفيه علامات من البر والهدى
أخبرني يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل الجعفري أن ابن أبي ثابت أنشده بيتاً لا يدري من قاله:
إن يك ظني في محمد صادقاً ... يكن فيه ما تروي الأعاجم في الكتب
قال: وقال سلمة بن أسلم، ثم أحد بني الربعة من جهينة:
إنا لنرجو أن يكون محمد ... إماماً به يحيا الكتاب المنزل
به يصلح الإسلام بعد فساده ... ويحيا يتيم بائس ومعول
ويملأ عدلاً أرضنا بعد ملئها ... ضلالاً ويأتينا الذي كنت آمل
وقال أيضاً:
إن كان في الناس لنا مهدي ... يقيم فينا سيرة النبي
فإن محمد التقي
ولمحمد يقول إبراهيم بن علي بن هرمة:
لا والذي أنت منه نعمة سلفت ... نرجو عواقبها في آخر الزمن
ما غيرت وجه أم مهجنة ... إذ القتام يغشي أوجه الهجن
قال أبو زيد: وحدثني عبد الملك بن سنان المسمعي، قال: لهجت العوام بمحمد تسميه المهدي حتى كان يقال محمد بن عبد الله المهدي عليه ثياب يمنية وقبطية.
قال أبو زيد: وحدثني الوليد بن هشام، قال: حدثني سهل بن بشر، قال: سمعت فتاة تقول: ليت المهدي قد خرج، تعني محمد بن عبد الله.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني غسان بن أبي غسان، عن أبيه، عن عيسى بن عبد الله، قال: لم يزل محمد بن عبد الله منذ كان غلاماً إلى أن بلغ يتغيب ويستخفي، ويسمى المهدي.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثني عبد الله بن محمد، عن حميد بن سعيد، قال: لما ولد محمد بن عبد الله سر به آل محمد، وكانوا يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم المهدي محمد بن عبد الله فأملوه، ورجوه، وسروا به، ووقعت عليه المحبة، وجعلوا يتذاكرونه في المجالس، وتباشرت به الشيعة. وفي ذلك يقول الشاعر:
ليهنكم المولود آل محمد ... أمام هدى، هادي الطريقة، مهتدي
يسوم أمي الذل من بعد عزها ... وآل ابن العاص الطريد المشرد
فيقتلهم قتلاً ذريعاً، وهذه ... بشارة جدية، علي وأحمد
هما أنبآنا أن ذلك كائن ... برغم أنوف من عداة وحسد
أمية صبراً طالماً أطرت لكم ... بنو هاشم آل النبي محمد
قال أبو الفرج علي بن الحسين: والروايات في هذا كثيرة يكتفى منها بما مضى.
إنكار عبد الله بن الحسن وأهله

(1/66)


" وغيرهم أن يكون محمد المهدي، وقولهم فيه إنه النفس الزكية رضوان الله عليه وسلامه " حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، عن إبراهيم بن محمد الخثعمي، عن يحيى بن يعلى، عن محمد بن بشر، قال: قال رجل لعبد الله بن الحسن: متى يخرج محمد؟ قال: لا يخرج حتى أموت، وهو مقتول.
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هلكت والله الأمة. قال: كلا. قلت: فإبراهيم؟ قال: ليس بخارج حتى أموت، وهو مقتول. قلت: إنا لله هلكت والله الأمة. قال: فإذا مت خرجا جميعاً فلا يلبثا إلا وهما مقتولان. قلت: إنا لله هلكت الأمة. قال: كلا. فإن صاحبهم منا غلام شاب ابن خمس وعشرين سنة يقتلهم تحت كل حجر، أو تحت كل كوكب.
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن يحيى بن يعلى، عن شيخ من بني سفيان، قال: قلت لعبد الله بن الحسن، ثم ذكر مثل حديث عباد، عن يحيى بن يعلى.
أخبرنا يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن الهذيل بن عبيد الله، قال: سمعت من لا أحصي من أصحابنا يذكرون: أن عمر بن عبيد كان ينكر أن يكون محمد بن عبد الله هو المهدي، ويقول: كيف وهو يقتل؟.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن الهذيل، قال: أخبرني عثمان بن الحكم بن صخر الثقفي، قال: جاءني مطر صاحب الحمام، وألقى نفسه على فراش ثم تمدد فقلت: ما لك؟ فقال: ما يدعنا عمرو بن عبيد نعيش في الدنيا. قلت: وكيف؟ قال: قال عمرو إن أمرنا ينفسخ لا يتم، وإن جهادنا يذهب باطلاً. قال: قلت: فاذهب بنا إليه. قال: فانطلقت أنا وهو حتى أتينا عمراً، فقلت: يا أبا عثمان ما يقول أبو رجاء؟ قال: صدق. قلت: وكيف يقول ذلك؟ قال: فهو المقتول بالمدينة.
قال أبو زيد: وحدثني إبراهيم بن إسحاق الغطفاني، قال: حدثني كثير بن الصلت، قال: أخبرني يوسف بن قتيبة بن مسلم، ولم أر بأهلنا قط خيراً منه، قال: أخبرني أخي مسلم بن قتيبة قال: أرسل إلي أبو جعفر، فدخلت عليه، فقال: قد خرج محمد بن عبد الله، وتسمى بالمهدي، ووالله ما هو به، وأخرى أقولها لك لم أقلها لأحد قبلك، ولا أقولها لأحد بعدك، وابني والله ما هو بالمهدي الذي جاءت به الرواية، ولكنني تيمنت به، وتفاءلت به.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني ابن أبي ثابت، عن أبي العباس الفلسطي، قال: قلت لمروان بن محمد: جد محمد بن عبد الله، فإنه يدعي هذا الأمر، ويتسمى بالمهدي. فقال: ما لي وله، ما هو به ولا من أبيه، وإنه لابن أم ولد، ولم يهجه مروان حتى قتل.
قال أبو زيد حدثني محمد بن يحيى، عن عبد الله بن يحيى، عن عبد الله بن الحسن بن الفرات، قال: رحت عشية من قرية مع عبد الله والحسن ابني الحسن بن الحسن بن علي، فضمنا المسير إلى داود بن علي، وعبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس، فأقبل داود على عبد الله بن الحسن يدعوه إلى أن يظهر ابنه محمداً - وذلك قبل أن يملك بنو العباس - فقال عبد الله: لم يأت الوقت الذي يظهر فيه محمد بعد. قال: فسمع عبد الله بن علي الحديث، فالتفت إلى عبد الله بن الحسن فقال له: يا أبا محمد:
سيكفيك الجعالة مستميت ... خفيف الحاذ من فتيان جرم
أنا والله الذي أظهر عليهم، وأقتلهم، وأنتزع ملكهم.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن. قال: حدثان أحمد بن عبد الله بن موسى، قال: حدثني أبي: أن جماعة من علماء أهل المدينة أتوا علي بن الحسن، فذكروا له هذا الأمر. فقال: محمد بن عبد الله أولى بهذا مني، فذكر حديثاً طويلاً، قال: ثم أوقفني على أحجار الزيت فقال: هاهنا تقتل النفس الزكية. قال: فرأيناه في ذلك الموضع الذي أشار إليه مقتولاً. رضوان الله عليه وسلامه.
أخبرنا علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا يحيى بن يعلى عن عمر بن موسى عن محمد بن علي عن آبائه، قال: النفس الزكية من ولد الحسن.
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: أخبرنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثتني أمي أم الحسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين. قالت: قلت لعمي جعفر بن محمد: إني - فديتك - ما أمر محمد هذا؟ قال: فتنة، يقتل محمد عند بيت رومي، ويقتل أخوه لأمه وأبيه بالعراق وحوافر فرسه في الماء.

(1/67)


أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن الحسن زبالة، عن الحسين بن زيد، عن مسلم بن بشار، قال: كنت مع محمد بن عبد الله عند غنائم خشرم فقال لي: هاهنا تقتل النفس الزكية. قال: فقتل هناك.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: ومما رثى به محمد بن عبد الله بن الحسن:
رحم الله شباباً ... قتلوا يوم الثنيه
فر عنه الناس طراً ... غير خيل أسديه
قاتلوا عنه بنيا ... ت وأحساب نقيه
قتل الرحمن عيسى ... قاتل النفس الزكيه
قال أبو زيد، وحدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني عبد العزيز، وعمران الزهري، عن أبيه، قال: كان البيت من الشعر يسقط على محمد فيكتب إلينا لنفيده إياه، وإنه لفي أخوف خوفه.
حدثني عمر، قال: حدثني أبو زيد، أخبرني عمر، عن عبد الله، قال حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن أبي عمرو، قال: سمعت عبد الله بن حفص بن عاصم العمري يقول في حديث حدث به، عن محمد بن عبد الله: حدثني من لم تر عيني ممن خلق الله خيراً منه، ولا أراه أبداً، محمد بن عبد الله، فقال له ابنه عبد الله الأشتر: إنما أفلت من يدي أبي جعفر أمس من ضرب عنقك. وهذا ابنه. فقال: يا بني، هذا والله أمر لا يبالي أبوك لو ضربت عليه عنقه.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: أخبرني عبد العزيز بن الماجشون: أن محمد بن عبد الله كلمه في القدر. قال: وكان قدرياً. قال: فذكرت ذلك لموسى بن عبد الله. فقال لا: إنما كان يشتمل الناس.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، عن أبيه، عن سعيد بن عقبة، قال: كنا مع عبد الله بن الحسن بسويقة، وبين يديه صخرة، فقام محمد يعالجها ليرفعها فأقلها حتى بلغ ركبتيه، فنهاه عبد الله فانتهى، فلما رحل عبد الله عاد إليها فاستقلها على منكبه، ثم ألقاها، فحزرت ألف رطل.
قال: وحدثني موسى بن عبد الله، عن أبيه عن سعيد بن عقبة بهذا.
قال أبو زيد: ووقف موسى على الصخرة بسويقة، وذكر لي أنه ورجل من أصحابه عالجها، وهي على حرفها، وكان جهدهما أن حركاها.
حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن محمد بن مساور عن مضرس بن فضالة الأسدي، قال: صعد محمد بن عبد الله المنبر في المدينة فخطب الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، ما يسرني أن الأمة اجتمعت إلي كما اجتمعت هذه الحلقة في يدي - يعني سير سوطه - وأني سئلت عن باب حلال وحرام، لا يكون عندي مخرج منه.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا الحسين بن الحكم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن محمد بن مساور بهذا.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا أرطاة، قال: قال لنا إبراهيم بن أبي يحيى: أيهما أفضل عندكم: جعفر بن محمد، أو محمد بن عبد الله؟ قال: قلنا له: أنت أعلم، فقد رأيتهما، ولم نرهما.
فقال: ما رأيت أحداً أنظر في دقيق الأمر من محمد بن عبد الله.
حدثني علي بن العباس، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني حماد بن يعلى، قال: قلت لعلي بن عمر بن علي بن الحسين: أمتع الله بك، أسمعت جعفراً يذكر في محمد وإبراهيم شيئاً؟.
قال: سمعته حين أمره أبو جعفر أن يسير إلى الربذة، فقال: يا علي بنفسي أنت سر معي، فسرت معه إلى الربذة، فدخل على أبي جعفر، وقمت أنتظره، فخرج علي جعفر وعيناه تذرفان، فقال لي: يا علي، ما لقيت من ابن الخبيثة، والله لا أمضى، ثم قال: رحم الله ابني هند إنهما إن كانا لصابرين كريمين، والله لقد مضيا ولم يصبهما دنس.
قال: وقال غيره إنه قال: فما آسى على شيء إلى على تركي إياهما لم أخرج معهما.
حدثنا علي بن العباس، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن سليمان بن نهيك، قال:

(1/68)


كان موسى، وعبد الله ابنا جعفر، عند محمد بن عبد الله، فأتاه جعفر فسلم، ثم قال: تحب أن يصطلم أهل بيتك؟ قال: ما أحب ذلك. قال: فإن رأيت أن تأذن لي فإنك تعرف علتي. قال: قد أذنت لك. ثم التفت محمد بعدما مضى جعفر، إلى موسى، وعبد الله ابني جعفر فقال: الحقا بأبيكما فقد أذنت لكما، فانصرفا. فالتفت جعفر فقال: ما لكما؟ قال: قد أذن لنا. فقال جعفر: إرجعا فما كنت بالذي أبخل بنفسي وبكما عنه، فجرعا فشهدا محمداً.
أخبرنا علي بن العباس. قال حدثنا يحيى بن الحسن بن محمد بن عبد الواحد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن الفرات، عن غالب الأسدي، قال: سمعت عيسى بن زيد يقول: لو أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم أنه باعث بعده نبياً لكان ذلك النبي محمد بن عبد الله بن الحسن.
فقال يحيى بن الحسن - فيما حدثني ابن سعيد عنه - قال: يعقوب بن عربي: سمعت أبا جعفر المنصور يقول في أيام بني أمية، وهو في نفر من بني أبيه " عند محمد بن عبد الله بن حسن " قال: ما في آل محمد صلى الله عليه وسلم أعلم بدين الله، ولا أحق بولاية الأمر من محمد بن عبد الله، وبايع له، وكان يعرفني بصحبته والخروج معه. قال يعقوب بن عربي: فلما قتل محمد حبسني بضع عشرة سنة.
أخبرني يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز، وعمر بن عبيد الله العتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن عبد العزيز بن عمران، عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، قال أبو زيد، وحدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن رجل من بني كناةن، قال أبو زيد، وحدثني عبد الرحمن بن عمرو بن حبيب، عن الحسن بن أيوب مولى بني نمير، عن عبد الأعلى بن أعين. كل هؤلاء قد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة، ومعان قريبة، فجمعت رواياتهم، لئلا يطول الكتاب بتكرير الأسانيد: أن بني هاشم اجتمعوا فخطبهم عبد الله بن الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنكم أهل البيت قد فضلكم الله بالرسالة، واختاركم لها، وأكثركم بركة يا ذرية محمد صلى الله عليه وسلم بنو عمه وعترته، وأولى الناس بالفزع في أمر الله، من وضعه الله موضعكم من نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد ترون كتاب الله معطلاً، وسنة نبيه متروكة، والباطل حياً، والحق ميتاً. قاتلوا لله في الطلب لرضاه بما هو أهله، قبل أن ينزع منكم اسمكم، وتهونوا عليه كما هانت بنوا إسرائيل، وكانوا أحب خلقه إليه. وقد علمتم أنا لم نزل نسمع أن هؤلاء القوم إذا قتل بعضهم بعضاً خرج الأمر من أيديهم، فقد قتلوا صاحبهم - يعني الوليد بن يزيد - فهلم نبايع محمداً، فقد علمتم أنه المهدي.
فقالوا: لم يجتمع أصحابنا بعد، ولو اجتمعوا فعلنا، ولسنا نرى أبا عبد الله جعفر بن محمد، فأرسل إليه ابن الحسن فأبى أن يأتي، فقام وقال: أنا آت به الساعة، فخرج بنفسه حتى أتى مضرب الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث، فأوسع له الفضل ولم يصدره، فعلمت أن الفضل أسن منه، فقام له جعفر وصدره، فعلمت أنه أسن منه.
ثم خرجنا جميعاً حتى أتينا عبد الله، فدعى إلى بيعة محمد، فقال له جعفر: إنك شيخ، وإن شئت بايعتك، وأما ابنك فوالله لا أبايعه وأدعك.
وقال عبد الله الأعلى في حديثه: إن عبد الله بن الحسن قال لهم: لا ترسلوا إلى جعفر فإنه يفسد عليكم، فأبوا. قال: فأتاهم وأنا معهم، فأوسع له عبد الله إلى جانبه وقال: قد علمت ما صنع بنا بنو أمية، وقد رأينا أن نبايع لهذا الفتى.
فقال: لا تفعلوا: فإن الأمر لم يأت بعد.
فغضب عبد الله وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، ولكنه يحملك على ذلك الحسن لابني.
فقال: لا والله، ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم. وضرب يده على ظهر أبي العباس، ثم نهض واتبعه، ولحقه عبد الصمد، وأبو جعفر فقالا: يا أبا عبد الله، أتقول ذلك؟ قال: نعم والله أقوله وأعلمه!.
قال أبو زيد، وحدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بهذا الحديث، عن أبيه: أن جعفراً قال لعبد الله بن الحسن: إنها والله ما هي إليك، ولا إلى ابنيك، ولكنها لهؤلاء، وإن ابنيك لمقتولان. فتفرق أهل المجلس ولم يجتمعوا بعدها.
وقال عبد الله بن جعفر بن المسور في حديثه:

(1/69)


فخرج جعفر يتوكأ على يدي فقال لي: أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ يعني أبا جعفر. قلت: نعم. قال: فإنا والله نجده يقتل محمداً، قلت: أو يقتل محمداً؟ قال: نعم. فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة. ثم ما خرجت والله من الدنيا حتى رأيته قتله.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثنا الخراز عن المدائني، وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني علي بن عمرو، عن ابن داحة: أن جعفر بن محمد قال لعبد الله بن الحسن: إن هذا الأمر، والله ليس إليك، ولا إلى ابنيك، وإنما هو لهذا - يعني السفاح - ثم لهذا - يعني المنصور، ثم لولده من بعده، لا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان، ويشاوروا النساء.
فقال عبد الله: والله يا جعفر، ما أطلعك الله إلى غيبه، وما قلت هذا إلا حسداً لابني.
فقال: لا والله ما حسدت ابنك، وإن هذا - يعني أبا جعفر - يقتله على أحجار الزيت، ثم يقتل أخاه بعده بالطفوف، وقوائم فرسه في الماء.
ثم قام مغضباً يجر رداءه، فتبعه أبو جعفر فقال: أتدري ما قلت يا أبا عبد الله؟ قال: أي والله أدريه، وإنه لكائن.
قال: فحدثني من سمع أبا جعفر يقول: فانصرفت لوقتي فرتبت عمالي، وميزت أموري تمييز مالك لها.
قال: فلما ولى أبو جعفر الخلافة الخلافة سمى جعفراً الصادق، وكان إذا كره، قال: قال لي الصادق جعفر بن محمد كذا وكذا، فبقيت عليه.
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا الخراز، قال: حدثني المدائني، عن سحيم بن حفص: أن نفراً من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء من طريق مكة، فيهم إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور، وصالح بن علي، وعبد الله بن الحسن، وابناه محمد، وإبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، فقال لهم صالح بن علي: إنكم القوم الذين تمتد أعين الناس إليهم، فقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاجتمعوا على بيعة أحدكم، فتفرقوا في الآفاق، وادعوا الله، لعل الله أن يفتح عليكم وينصركم.
فقال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أميل أعناقاً، ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يعني محمد بن عبد الله.
قالوا: قد والله صدقت، إنا لنعلم هذا. فبايعوا محمداً، وبايعه إبراهيم الإمام، والسفاح، والمنصور، وسائر من حضر، فذلك الذي أغرى القوم لمحمد بالبيعة التي كانت في أعناقهم.
قال: ثم لم يجتمعوا إلى أيام مروان بن محمد. ثم اجتمعوا فبينا هم يتشاورون إذ جاء رجل إلى إبراهيم فشاوره بشيء فقام، وتبعه العباسيون، فسأل العلويون عن ذلك فإذا الرجل قد قال لإبراهيم الإمام: قد أخذت لك البيعة بخراسان، واجتمعت لك الجيوش، فلما علم ذلك عبد الله بن الحسن احتشم إبراهيم الإمام وخافه وتوقاه، فكتب إلى مروان بن محمد إن بريء من إبراهيم وما أحدث.
إظهار محمد بن عبد الله بن الحسن " الدعوة لنفسه " قال أبو الفرج علي بن الحسين: وكانت دعوة محمد إلى نفسه، ودعوة أبيه، ومن دعا أليه من أهله، بعقب قتل الوليد بن يزيد، ووقوع الفتنة بعده. وقد كان سعى به إلى مروان بن محمد. فقال: لست أخاف أهل هذا البيت لأنه لا حظ لهم في الملك إنما الحظ لبني عمهم العباس وبعث إلى عبد الله بن الحسن بمال واستفكه، وأوصى عامله بالحجاز أن يصونهم ولا يعرض لمحمد بطلب. ولا إخافة، إلا أن يستظهر حرباً أو شقاً لعصا.
ثم أظهر دعوته في أيام أبي العباس، وكان إليه محسناً فعاتب إياه في ذلك وكفه.
فلما ولى أبو جعفر جد في طلبه، وجد هو في أمره إلى أن ظهر.
أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، والجوهري، والعتكي، قالوا: أخبرنا أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثني ابن أبي ثبت، عن أبي العباس الفلسطي، قال: قلت لمروان بن محمد: جد محمد بن عبد الله بن الحسن، فإنه يدعي هذا الأمر ويتسمى بالمهدي، فقال: ما لي وله، ما هو به ولا من بني أبيه وإنه لابن أم ولد. فلم يهجه مروان حتى قتل.
قال محمد بن يحيى، وحدثني الحرث بن إسحاق: أن مروان لما بعث عبد الملك بن عطية السعدي لقتال الحرورية، لقيه أهل المدينة سوى عبد الله بن الحسن، وابنيه محمد وإبراهيم، فكتب بذلك إلى مروان، وكتب إليه إني هممت بضرب أعناقهم. فكتب إليه مروان ألا تعرض لعبد الله، ولا لابنيه، فليسوا بأصحابنا الذين يقاتلونا أو يظهرون علينا.

(1/70)


قال أبو زيد، وحدثني عيسى بن عبد الله عن أبيه، قال: أرسل مروان بن محمد إلى عبد الله بن الحسن بعشرة آلاف دينار، وقال له: اكفف عني ابنيك، وكتب إلى عامله بالمدينة أن استتر بثوب منك فلا تكشفه عنه، وإن كان جالساً على جدار فلا ترفع رأسك إليه.
قال أبو زيد، وحدثني عبد الملك بن سنان، قال: قال مروان بن محمد لعبد الله بن الحسن: ائتني بابنك محمد.
قال: وما تصنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: لا شيء إلا أنه إن أتانا أكرمناه، وإن قاتلنا قاتلناه، وإن بعد عنا لم نهجه.
قال أبو زيد: وحدثني يعقوب بن القاسم، عن الحسين بن عيسى الجعفي، عن المغيرة بن زميل العنبري: أن مروان بن محمد قال له - يعني لعبد الله بن الحسن - : ما فعل مهديكم؟ قال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فليس كما يبلغك.
فقال: بلى، ولكن يصلحه الله ويرشده.
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن الحرث، عن المدائني، قال: بلغني أن عبد الملك بن عقبة اجتاز بحاج مشرف على الطريق، ومحمد بن عبد الله بن الحسن مطلع من خوخة، فقال رجل لابن عقبة: ارفع رأسك، فانظر إلى محمد بن عبد الله بن الحسن، فطأطأ رأسه وقال للرجل: إن أمير المؤمنين - يعني مروان بن محمد - قال لي: إن استتر منك بثوب فلا تكشفه عنه، وإن كان جالساً على جدار فلا ترفع رأسك إليه، ومضى.
أمر محمد بن عبد الله ومقتله
قال أبو الفرج الأصبهاني رحمه الله: وكان سبب عجلته بالخروج قبل أن يتم أمر دعاته الذين أنفذهم إلى الآفاق، إنفاذ عبد الله بن الحسن إليه موسى أخاه ليصير إلى أبي جعفر، ويزول عما كان عليه فيما أظهره له، وأسر إلى موسى غير ذلك، فصار إلى المدينة فأقام بها حولاً يدافع رياح بن عثمان، ثم استبطأه، وكتب إلى أبي جعفر في أمره يعلمه بتربصه، فكتب إليه يأمر بأن ينحذر إلى العراق ففعل ذلك، وقال للرسل: إن رأيتهم أحداً قد أقبل من المدينة في طلبكم فاضربوا عنق موسى، وقد كان أحس بخبر محمد، وبلغ ذلك محمداً فظهر.
وكان أول ما سئل عنه رياح بن عثمان أمر موسى فعرفه خبره، وأنه تقدم إلى الرسل أن يضربوا عنقه إن جاءهم إنسان، فقال من لي بموسى؟ فقال ابن خضير: أنا، فأنفذ معه فوارس، واستدار بهم حتى أتى القوم من أمامهم كأنهم أقبلوا من العراق فلم ينكروهم حتى خالطوهم فأخذوا موسى منهم.
حدثني بذلك عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني موسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده موسى.
وأخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة. قال: حدثني القاسم بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين.
أن عبيد الله بن عمر، وابن ذئب، وعبد الحميد بن جعفر، دخلوا على محمد بن عبد الله قبل خروجه، فقالوا له: ما تنتظر بالخروج، والله ما تجد هذه الأمة أحداً أسأم منك عليها، ما يمنعك أن تخرج ولو وحدك؟ أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثني أبي، قال: بعث إلينا رياح فأتيته أنا وجعفر بن محمد، والحسين بن علي بن الحسين، وعلي بن عمر بن علي، والحسن بن الحسين، ورجال من قريش فيهم إسماعيل بن أيوب المخزومي، وابنه، فإنا لعنده في دار مروان إذ سمعنا التكبير قد حال دون كل شيء، وظنناه أنه من عند الحرس، وظن الحرس أنه من الدار، فوثب ابن مسلم بن عقبة، وكان مع رياح فاتكأ على سيفه، وقال: أطعني في هؤلاء فأضرب أعناقهم. فقال علي بن عمر: فكدنا والله تلك الليلة أن نطيح حتى قام الحسين بن علي فقال: والله ما ذلك لك، إنا لعلى السمع والطاعة. وقام رياح، ومحمد بن عبد العزيز، فدخلا في دار يزيد، واختفيا فيها. وقمنا فخرجنا من دار عبد العزيز بن مروان حتى تسورنا على كناسة كانت في زقاق عاصم بن عمر، فقال إسماعيل بن أيوب لابنه خالد: يا بني: والله ما تجيبني نفسي إلى الوثوب فارفعني، فرفعه.
قال أبو زيد: فحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد العزيز بن عمار، قال: حدثني أبي، قال:

(1/71)


والله إنا لعلى ذلك إذ طلع فارسان من قبل الزوراء يركضان حتى وقفا بين دار عبد الله بن مطيع، ورحبة القضاء، في موضع السقاية، فقلنا الأمر والله جد، ثم سمعنا صوتاً بعيداً فأقمنا طويلاً فأقبل محمد بن عبد الله من الدار وهو على حمار، ومعه مائتان وخمسون راجلاً حتى إذا شرع على بني سلمة وبطحان قال: اسلكوا بني سلمة تسلموا إن شاء الله. قال: فسمعنا تكبيرة، ثم علا الصوت، فأقبل حتى إذا خرج من زقاق بن حضير استبطأ حتى جاء على التمارين، ودخل من أصحاب الأقفاص، فأتى السجن، وهو يومئذ في دار ابن هشام، فدقه وأخرج من كان فيه، ثم أتى الرحبة حتى جاء إلى بيت عاتكة فجلس على بابها، وتناوش الناس فقيل دخل سيدي.
أخبرني يحيى بن علي. قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يعقوب بن القاسم، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحدثني عمر بن راشد، وكان قد أدرك ذلك قال: خرج محمد بن عبد الله لليلتين بقيتا من جمادى، سنة خمس وأربعين ومائة، وعليه قلنسوة صفراء " مصرية، وجبة صفراء " وعمامة قد شد بها حقويه " وأخرى قد اعتم بها " متوشحاص سيفاً، وهو يقول لأصحابه: لا تقتلوا لا تقتلوا. وتعلق رياح " في مشربة " في دار مروان، وأمر بالدرجة فهدمت، فصعدوا إليه وأنزلوه، وحبسوا معه أخاه العباس بن عثمان وابن مسلم بن عقبة في دار مروان.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا أزهر بن سعد، قال: دخل محمد المسجد قبل الفجر فخطب الناس، ثم حضرته الصلاة فنزل فصلى، وبايعه الناس طوعاً إلا أناساً " أرسل إليهم " .
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن عمر بن حبيب، قال: حدثني من حضر محمداً على المنبر يخطب فاعترض بلغم في حلقه فتنحنح فذهب، ثم عاد فتنحنح، ثم نظر فلم ير موضعاً، فرمى نخامته السقف سقف المسجد، فألصقه به.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني محمد بن معروف، قال: حدثني الربيع بن عبد الله بن الربيع، عن أبيه، قال: إنا لنزول حول أساس المدينة في أبنية من الفساطيط والأخبية، إذ قيل لنا: ركب أمير المؤمنين، فخرجت أتبعه فوجدت عيسى بن علي، فوقفنا له، فمر بنا على " معناق ينباع " . فسلمنا عليه فلم يستصحبنا، فجعلنا نسير وراءه، ما يجاوز طرفه عرف الفرس، ثم قال للطوسي: علي بأبي العباس، فأتى بعيسى بن علي فسار عن يمينه، ثم قال: علي بالربيع، فدعيت فسرت عن يساره، فقال: قد خرج ابن عبد الله الكذاب ابن الكذاب بالمدينة.
فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثاً حدثنيه سعيد بن جعدة؟.
قال: ما هو؟ قلت: أخبرني أنه كان مع مروان يوم الزاب، وعبد الله بن علي يقاتله، فقال: من في الخيل؟ فقيل: عبد الله بن علي، فلم يعرفه، فقيل: الشاب الذي أتيت به من عسكر عبد الله بن معاوية، قال: نعم، والله لقد أخبرت عنه يومئذ فأردت قتله، ثم بت على ذلك وأصبحت عليه، وجلست وأنا أريده، ثم أطلقته، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، والله لوددت أن علي بن أبي طالب في هذه الخيل مكانه، لأنه لا يتم لعلي ولا لولده من هذا الأمر شيء.
قال: الله، أسعيد حدثك هذا؟.
قلت: بنت أبي سفيان بن معاوية طالق إن لم يكن حدثنيه. قال: فاصفر وجهه وتحدث، وقد كان أبلس فلم ينطق.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى بن عبد الله عن سعيد البربري، قال: لما بلغ أبا جعفر خروج محمد بالمدينة تنجد، وقال غيره: قال للرسول قتلته والله إن كنت صادقاً.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني محمد بن أبي حرب، قال: لما بلغ أبا جعفر ظهور محمد أشفق منه، فقال له الحارثي المنجم: ما جزعك منه؟ فوالله لو ملك الأرض ما لبث إلا تسعين يوماً.
أخبرنا عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عبد الملك بن سليمان، قال: حدثنا حبيب بن مروان، قال: وحدثني نسيم بن الجواري، قال أبو زيد: وحدثني العباس بن سفيان، مولى الحجاج بن يوسف: أن أبا جعفر لما خرج محمد بن عبد الله قال: إن هذا الأحمق - يعني عبد الله بن علي - لا يزال يطلع له الرأي الجيد في الحرب فادخلوا إليه فشاوروه، ولا تعلموه أني أمرتكم. فدخلوا عليه، فلما رآهم قال: لأمر ما جئتم، ما جاء بكم جميعاً وقد هجرتموني منذ دهر؟.
قالوا: استأذنا أمير المؤمنين فأذن لنا.
قال: ليس هذا بشيء فما الخبر؟.

(1/72)


قالوا: خرج محمد بن عبد الله.
قال: إن المحبوس محبوس الرأي، فقولوا له: يخرجني " حتى يخرج رأيي " . فقال أبو جعفر: لو طرق محمد علي الباب ما أخرجته، وأنا خير له منه، وهو ملك أهل بيته.
فقال عبد الله: إن البخل قد قتل ابن سلامة فمروه فليخرج الأموال وليعط الأجناد، فإن غلب فما أوشك ما يعود إليه ماله، وإن غلب لم يقدم صاحبه على درهم، وأن يعجل الساعة حتى يأتي الكوفة فيجثم على أكبادهم، فإنهم شيعة أهل البيت، ثم يحفظها بالمسالح، فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاه " من " وجه من الوجوه ضرب عنقه، فليبعث إلى مسلم ابن قتيبة فينحدر عليه - وكان بالزي - وليكتب إلى أهل الشام، فليأمرهم، فليحملوا إليه أهل البأس والنجدة ما يحمله البريد، فليحسن جوائزهم، ويوجههم مع مسلم بن قتيبة. ففعل.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الملك بن شيبان، قال أخبرني زيد مولى مسمع بن عبد الملك، قال: لما ظهر محمد بن عبد الله دعا أبو جعفر عيسى بن موسى، فقال له: قد ظهر محمد فسر إليه.
قال: يا أمير المؤمنين، هؤلاء عمومتك حولك، فادعهم وشاورهم.
قال: فأين قول ابن هرمة:
تزور أمرأ لا يمحض القوم سره ... ولا ينتحي الأدنين فما يحاول
إذا ما أتى شيئاً مضى كالذي أتى ... وما قال إني فاعل فهو فاعل
وقال أحمد بن الحرث الخزاز عن المدائني، قال: أمر أبو جعفر عيسى: إذا قتل محمد إن قدر أن لا يذبح طائراً فليفعل، وقال له: أفهمت أبا موسى - ثلاثاً - قال: فهمت. قال: فنفذ عيسى، ومعه أربعة آلاف، ومحمد بن أبي العباس، ومحمد بن زيد بن علي بن الحسين، والقاسم بن الحسن بن زيد، ومحمد بن عبد الله الجعفري، وحميد بن قحطبة. فسار عيسى، وبلغ محمداً مسيره فخندق على المدينة خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخندق على أفواه السكك، فلما كان عيسى بفيد كتب إلى محمد بن عبد الله يعطيه الأمان، وبعث بكتابه إليه وإلى أهل المدينة مع محمد بن زيد فتكلم فقال: يا أهل المدينة، أنا محمد بن زيد، والله لقد تركت أمير المؤمنين حياً، وهذا عيسى بن موسى قد أتاكم، وهو يعرض عليكم الأمان.
وتكلم القاسم بن الحسن بمثل ذلك، فقال أهل المدينة: قد خلعنا أبا الدوانيق فكتب محمد إلى عيسى يدعوه إلى طاعته، ويعطيه الأمان.
قال المدائني فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن عبد الله بن أبي الحكم، قال: قال محمد: أشيروا علي في الخروج عن المدينة أو المقام - حين دنا عيسى بن موسى من المدينة - فقال قوم: نقيم، وقال قوم: نخرج، فقال لعبد الحميد بن جعفر: أشر علي يا أبا جعفر.
قال: أنت في أقل بلاد الله فرساً وطعاماً، وأضعفه رجلاً، وأقله مالاً وسلاحاً، تريد أن تقاتل أكثر الناس مالاً، وأشده رجالاً، وأكثره سلاحاً، وأقدره على الطعام؟ الرأي أن تسير بمن اتبعك إلى مصر " فوالله لا يردك ردا " ، فتقاتل بمثل سلاحه " وكراعه " ورجاله وماله.
فقال جبير بن عبد الله: أعيذك بالله أن تخرج من المدينة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام أحد: رأيتني أدخلت يدي في درع حصينة فأولها بالمدينة.
فترك محمد ما أشار به عبد الحميد وأقام.
قال المدائني: وأقبل عيسى بن موسى إلى المدينة، فكان أول من لقيتهم إبراهيم بن جعفر الزبيري على بنية واقم، فعثر فرسه فسقط وقتل.

(1/73)


وسلك عيسى بطن فراة حتى ظهر على الجرف، فنزل قصر سليمان بن عبد الملك صبيحة اثنتي عشرة ليلة من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة يوم السبت، وأراد أن يؤخر القتال حتى يفطر، فبلغه أن محمداً يقول: إن أهل خراسان على بيعتي وحميد بن قحطبة قد بايعني، ولو قدر أن ينفلت فلت. فعاجلهم عيسى بالقتال، فلم يشعر أهل المدينة يوم الاثنين للنصف من شهر رمضان إلا بالخيل قد أحاطت بهم حين أسفروا، وقال لحميد: أراك مداهنا، وأمره بالتجرد لقتال محمد، فتولى قتلا عيسى بن موسى في ذلك اليوم عيسى بن زيد، ومحمد جالس بالمصلى، واشتد الأمير بينهم، ثم جاء محمد فباشر القتال بنفسه، فكان إزاء محمد - عليه السلام - حميد بن قحطبة، وبإزاء يزيد وصالح ابني معاوية بن عبد الله بن جعفر كثير بن حصين، وكان محمد بن أبي العباس، وعقبة بن مسلم بإزاء جهينة. فأرسل صالح ويزيد إلى كثير يطلبان الأمان، فاستأذن عيسى فقال: لا أمان لهما عندي، فأعلمهما فهربا. فاقتتلوا إلى الظهر، ورماهم أهل خراسان بالنشاب، وأكثروا فيهم الجراح، وتفرقوا عن محمد، فأتى دار مروان فصلى الظهر فيها، فاغتسل وتحنط. فقال عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة: إنه لا طاقة لك بمن ترى، فالحق بمكة. قال: لو خرجت من المدينة وفقدوني لقتلوا أهل المدينة كقتل أهل الحرة، وأنت مني في حل يا أبا جعفر، فاذهب حيث شئت.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني هشام بن محمد بن عروة بن هشام بن عروة، عن ماهان بن بحر. وحدثني مخلد بن يحيى الباهلي، عن قتيبة بن معن، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن أخيه، وكان مع محمد، قال: كانت الخراسانية إذا نظروا إلى ابن خضير الزبيري يتنادون خضير آمد فيتضعضعون لذلك.
وقال الآخر: وأتيان برأس خضير فوالله ما جعلنا نستطيع حمله لما به من الجراح كان كأنه باذنجانة مفلقة، فكنا نضم أعظمه ضماً.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: أخبرني إبراهيم بن أبي الكرام، قال عيسى لحميد بن قحطبة عند العصر: أراك قد أبطأت في أمر هذا الرجل، فول حربه حمزة بن مالك، قال: والله لو رمت أنت ذاك ما تركتك أحين قتلت الرجال ووجدت ريح الفتح؟ ثم جد في القتال، حتى قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا أزهر بن سعد، قال: دخل حميد بن قحطبة من زقاق أشجع على محمد - عليه السلام - فقتله.
وقال المدائني: إن محمداً قال لحميد بن قحطبة: ألم تبايعني فما هذا؟.
قال: هكذا نفعل بمن يفشي سره إلى الصبيان.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني أبو الحسن الحذار، قال: حدثني مسعود الرحال، قال: رأيت محمداً يومئذ باشر القتال بنفسه، فإني أنظر إليه حين ضربه رجل بسيف دون شحمة أذنه اليمن فبرك لركبتيه، وتعادوا عليه، وصاح حميد بن قحطبة لا تقتلوه، فكفوا عنه حنى جاء حميد فاحتز رأسه. لعن الله حميداً وغضب عليه.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: أخبرني الحرث بن إسحاق، قال: برك محمد على ركبتيه، وجعل يذب عن نفسه يقول: ويحكم، أنا ابن نبيكم مجروح مظلوم.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني أبو الحجاج المنقري، قال: رأيت محمداً يومئذ وإن أشبه ما خلق الله به لما ذكر عن حمزة بن عبد المطلب، يفري الناس بسيفه ما يقاربه أحد إلا قتله " ومعه سيف " ، لا والله ما يليق شيئاً، حتى رماه إنسان كأني أنظر إليه أحمر أزرق بسهم. ودهمتنا الخيل، فوقف إلى ناحية جدار، وتحاماه الناس، فوجدت الموت، فتحامل على سيفه فكسره، فسمعت جدي يقول: كان معه سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذو الفقار.
حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا إسحاق بن يحيى، عن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن الحسن، قال:

(1/74)


لما كان اليوم الذي قتل فيه محمد " صلى الله عليه وسلم " قال لأخته: إني في هذا اليوم على قتال القوم، فإن زالت الشمس، وأمطرت السماء فإني أقتل، وإن زالت الشمس ولم تمطر السماء، وهبت الريح فإني أظفر بالقوم، فإذا زالت الشمس فاسرجي التنانير، وهيئي هذه الكتب، فإن زالت الشمس ومطرت السماء فاطرحي هذه الكتب في التنانير، فإن قدرتم على بدني، ولم تقدروا على رأسي فأتوا به ظلة بني نبيه على مقدار أربعة أذرع أو خمسة فاحفروا لي حفيرة، وادفنوني فيها. فلما مطرت السماء فعلوا ما أمرهم به، وقالوا: إنه علامة قتل النفس الزكية أن يسيل الدم حتى يدخل بيت عاتكة. قال: وأخذ جسده، فحفروا له حفيرة، فوقعوا على صخرة فأدخلوا الحبال فأخرجوها فإذا فيها مكتوب: هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، فقالت زينب: رحم الله أخي، كان أعلم حيث أوصى أن يدفن في هذا الموضع.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن البواب، قال: حدثني أبي، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، قال: قال لي محمد بن عبد الله ونحن نقاتل عيسى: تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظهرنا، وإن جاوزتنا إليهم فانظر دمي على أحجار الزيت. فوالله ما لبثنا أن أظلتنا سحابة فجالت وقعقعت حتى قلت تفعل، ثم جاوزتنا فأصابت عيسى وأصحابه، فما كان إلا كلا ولا حتى رأيته قتيلاً بين أحجار الزيت.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني علي بن إسماعيل بن صالح بن ميثم: أن عيسى لما قدم قال جعفر بن محمد: أهو هو؟ قيل: من تعني يا أبا عبد الله؟ قال: المتلعب بدمائنا. " أما " والله لا يخلأ منها شيء " يعني محمداً وإبراهيم " .
أخبرني محمد بن عبد الله، قال حدثنا أبو زيد، قال حدثنا الرومي مولى جعفر بن محمد، قال: أرسلني جعفر بن محمد أنظر ما يصنعون، فجئته فأخبرته أن محمداً قتل، وأن عيسى قبض على عين أبي زياد فأبلس طويلاً ثم قال: ما يدعو عيسى إلى أن يسيء بنا، ويقطع أرحامنا، فوالله لا يذوق هو ولا ولده منها شيئاً أبداً.
أخبني عمر بن عبد الله، قال: حدثان أبو زيد، قال: حدثني أيوب بن عمر، قال: لقى جعفر بن محمد أبا جعفر، فقال: " يا أمير المؤمنين " اردد علي عين أبي زياد آكل من سعفها.
قال: إياي تكلم بهذا الكلام؟ والله لأزهقن نفسك.
قال: لا تعجل قد بلغت ثلاثاً وستين، وفيها مات أبي وجدي علي بن أبي طالب، فعلي كذا وكذا إن آذيتك بشيء أبداً، وإن بقيت إن آذيت الذي يقوم مقامك، فرق له وأعفاه.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن البواب، قال حدثني أبي، عن الأسلمي، قال: قدم على أبي جعفر قادم فقال: هرب محمد.
فقال: كذبت، نحن أهل بيت لا نفر.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد، قال: أخبرني أبو الحجاج الجمال، قال: إني لقائم على رأس أبي جعفر، وهو يسألني عن مخرج محمد إذ بلغه أن عيسى بن موسى هزم، وكان متكئاً فجلس فضرب بقضيب معه مصلاه، وقال: كلا فأين لعب صبياننا بها على المنابر:، ومشاورة النساء.
أخبرني عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني علي بن إسماعيل الميثمي قال: حدثني أبو كعب قال: حضرت عيسى حين قتل محمداً فوضع رأسه بين يديه فأقبل على أصحابه فقال: ما تقولون في هذا؟ فوقعنا فيه. فأقبل عليهم قائد له فقال: كذبتم والله وقلتم باطلاً، ما على هذا قاتلناه، ولكنه خالف أمير المؤمنين، وشق عصا المسلمين، وإن كان لصواماً قوماً. فسكت القوم.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثنا يعقوب بن القاسم، قال: حدثنا علي بن أبي طالب، قال: قتل محمد بن عبد الله قبل العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا محمد بن زيد، وذكر بن الحرث عن المدائني بعض ذلك، ولم يذكره الباقون: أن عيسى بعث بالبشارة، إلى أبي جعفر، القاسم بن الحسن بن زيد، وبعث برأسه مع ابن أبي الكرام " الجعفري. قال المدائني فدخل ابن أبي الكرام بالرأس " وهو عاض على شفتيه.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق:

(1/75)


أن زينب بنت عبد الله، وفاطمة بنت محمد بن عبد الله، بعثتا إلى عيسى بن موسى إنكم قد قتلتم هذا الرجل وقضيتم حاجتكم فلو أذنتم لنا فواريناه، فأرسل إليهما: أما ما ذكرتما يا ابنتي عمي أني نلت منه فوالله ما أمرت ولا علمت، فوارياه راشدتين، فبعثتا إليه فاحتمل، فقيل: إنه حشي في مقطع عنقه عديله قطنا ودفن بالبقيع.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت جدتي أم سلمة بنت محمد بن طلحة تقول: سمعت زينب بنت عبد الله تقول: كان أخي رجلاً آدم، فلما أدخل علي وجدته قد تغير لونه وحال، حتى رأيت بقية من لحيته فعرفتها، وأمرت بفراش فجعل تحته، وقد أقام في مصرعه يومه وليلته إلى غد فسال دمه، حتى استنقع تحت الفراش، فأمرت بفراش ثان، فسال دمه حتى وقع بالأرض، فجعلت تحت فراشاً ثالثاً، فسال دمه، وخلص من فوقها جميعاً: أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن إسماعيل الميثمي، قال: طيف برأس محمد في طبق أبيض، فرأيته آدم أرقط.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا هرون بن موسى الفروي، قال: حدثتني أمي أنها سمعت شعار أصحاب محمد بن عبد الله ليلة خرج أحد أحد، محمد بن عبد الله.
وقال أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني في حديثه: ذهب ابن خضير إلى السجن لما تفرق الناس وقتل محمد، فذبح رياحاً، ولم يجهز عليه وتركه يضطرب حتى مات، وجاء ليقتل ابن خالد القسري ففطن به، فأغلق بابه فعالجه فلم يقدر على فتحه فتركه وأخذ ديوان محمد الذي في أسماء رجاله فحرقه بالنار ثم لحق بمحمد فقاتل حتى قتل معه، رحمة الله عليه.
من عرف ممن خرج مع محمد بن عبد الله
ابن الحسن من أهل العلم، ونقلة الآثار ومن رأى الخروج معه وأفتى الناس حدثني علي بن العباس المقانعي، أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن الحسين بن زيد، قال: شهد مع محمد بن عبد الله بن الحسن من ولد الحسن أربعة: أنا وأخي عيسى، وموسى وعبد الله ابنا جعفر بن محمد.
حدثني علي بن العباس، قال: أنبأنا بكار، قال: حدثني محول بن إبراهيم، قال: حدثني الحسين بن زيد، قال: كان عبد الله بن جعفر بن محمد مع محمد بن عبد الله، قال: فرأيته بارز رجلاً من المسودة فقتله.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، قال: خرج مع محمد بن عبد الله من بني هاشم: الحسن، ويزيد، وصالح بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر.
والحسين، وعيسى ابنا زيد بن علي " قال: فحدثني عيسى، قال " فبلغني أن أبا جعفر قال: العجب لخروج ابني زيد، وقد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله، وصلبناه كما صلبه، " وأحرقناه كما أحرقه " .
وحمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي.
وعلي، وزيد ابنا الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
" قال عيسى: قال أبو جعفر للحسن بن زيد: كأني أنظر إلى ابنيك واقفين على رأس محمد بسيفين عليهما قباءان. قال: يا أمير المؤمنين قد كنت أشكو إليك عقوقهما قبل اليوم. قال: أجل فهذا من ذاك.
والقاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
والمرجى علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب " .
قال عيسى: قال أبو جعفر لجعفر بن إسحاق: من المرجى هذا فعل الله به وفعل؟ قال: يا أمير المؤمنين ذاك ابني، والله لئن شئت أن أنتفي منه لأفعلن.
قال: وخرج معه المنذر بن محمد بن الزبير.
قال عيسى: رأيته مر بالحسن بن زيد فعانقه ثم بكى بكاءً طويلاً، فقال لي الحسين: ما كان مع محمد أفرس من هذا.
حدثني علي بن إبراهيم العلوي الحسيني، قال: حدثنا حمدان بن إبراهيم، قال: حدثني يحيى بن الحسن بن الفرات القزاز، قال: حدثنا الحسين بن هذيل، عن الحسين صاحب فخ، قال: لما خرجت مع محمد بن عبد الله قال لي: يا بني ارجع لعلك تقوم بهذا الأمر من بعدي.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان بن أبي غسان مولى بني ليث، عن أبيه، قال: خرج ابن هرمز مع محمد بن عبد الله يحمل في محفة، وقال: ما في قتال، ولكن أحب أن يتأسى بي الناس.

(1/76)


حدثنا جعفر بن محمد القرباني وعمر بن عبد الله العتكي ويحيى بن علي بن يحيى المنجم، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زبالة، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: كنت آتي ابن هرمز، فيأمر الجارية، فتغلق الباب، وترخي الستر، ثم يذكر أول هذه الأمة، ويذكر العدل، ثم يبكي حتى تخضل لحيته. قال: ثم خرج مع محمد بن عبد الله فقال: والله ما فيك قتال، قال: قد علمت ولكن يراني الجاهل فيقتدي بي.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني بكر بن عبد الوهاب، قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي، قال: كان عبد المجيد بن جعفر على شرط محمد بن عبد الله، وكان ثقة، وقد روى عنه هيثم وغيره حديثاً كثيراً.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، وعمر بن عبد الله، ويحيى بن علي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني القاسم بن أبي شبة، قال: حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: بلغني أن عبد الله بن عمر بن أبي ذئب، وعبد الحميد بن جعفر دخلوا على محمد بن عبد الله بن الحسن قبل خروجه فقالوا له: ما تنتظر بالخروج؟ والله ما نجد في هذه الأمة أحداً أشأم عليها منك، ما يمنعك أن تخرج.
أخبرني أحمد بن عبد العزيز، ويحيى بن علي، قالوا: حدثنا عمرو بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال حدثني الحسين بن زياد، قال: أتى عيسى بن موسى بابن هرمز بعد ما قتل محمد، فقال له " أيها الشيخ أما وزعك " فقهك عن الخروج مع من خرج؟ فقال: كانت فتنة شملت الناس فشملتنا معهم. قال: اذهب راشداً.
قال عمر بن شبة: حدثني علي بن زاوان، قال: حدثني علي بن برقي، قال: رأيت قائداً من قواد عيسى جاء في جماعة فسأل عن منزل ابن هرمز، فأرشدناه إليه، فخرج وعليه قميص رياط، فأنزلوا قائدهم، وحملوه على برذونه، ثم خرجوا به يزفونه حتى ادخلوا على عيسى فما هاجه.
قال عمر بن شبة، وحدثني قدامة بن محمد، قال: خرج عبد الله بن يزيد بن هرمز، ومحمد بن عجلان مع محمد، فلما حضر القتال تقلد كل واحد منهما فظننا أنهما أرادا أن يريا الناس أنهما قد صلحا ذلك.
أخبرني يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أبو عاصم النبيل، قال: حدثني عباد بن كثير، قال: خرج ابن عجلان، مع محمد بن عبد الله بن الحسن، فكان على بغلة معه، فلما ولى جعفر بن سليمان المدينة قيده، فدخلت عليه فقلت له: كيف ترى رأي أهل البصرة في رجل قيد الحسن البصري؟ قال: شر والله. قال: فقلت: إن ابن عجلان بهذه - يعني المدينة - كالحسن بتلك فتركه.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثني هرون بن موسى الفروي عن داود بن القاسم، قال: استعمل محمد بن عبد الله بن الحسن على قضاء المدينة عبد العزيز بن المطلب المخزومي، وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة.
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا أبو سفيان الحميري، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر قال: ولاني محمد بن عبد الله على شرطته فكنت عليها مدة ثم وجهني وجهاً فولاها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير.
أخبرنا يحيى بن علي وأصحابه، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن إسحاق القرشي: قال: سأل رجل عبد العزيز بن المطلب وهو قاض لمحمد بن عبد الله يومئذ على المدينة كتاباً إلى صنعاء، فقال: رويداً حتى تنفذ كتبنا الحيرة.
قال أبو زيد: حدثني عيسى بن عبد الله، عن أبيه، قال: خرج مع محمد بن عبد الله عيسى بن علي بن الحسين، وكان يقول: من خالفك أو تخلف عن بيعتك من آل أبي طالب فأمكني منه أضرب عنقه.
قال أبو زيد: وحدثني سعيد بن عبد الحميد، قال حدثنا جهم بن جعفر الحكمي، قال: أخبرني غير واحد: أن مالك بن أنس استفتى في الخروج مع محمد بن عبد الله، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبيه جعفر.
فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى محمد بن عبد الله.
حدثني عيسى بن الحسين، قال: حدثني هرون بن موسى، عن داود بن القاسم. وأخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد، قال حدثنا أزهر بن سعد السمان، قال: استعمل محمد بن عبد الله حين ظهر عبد العزيز بن محمد الدراوردي على السلاح.

(1/77)


أخبرنا يحيى بن علي وأصحابه المذكورون، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سعيد بن عبد الحميد، قال: حدثني جهم بن عثمان مولى بني سليم، قال: قال لي عبد الحميد بن جعفر يوم لقينا أصحاب عيسى بن موسى: نحن اليوم على عدة أهل بدر، حين لقوا المشركين، قال: وكنا ثلثمائة ونيفاً.
قال أبو زيد: وحدثني عيسى بن عبد الله بن عمر بن علي، قال: حدثني أبي، قال: كان مع الأفطس وهو الحسن بن علي بن علي بن الحسين علم لمحمد أصفر فيه صورة حية، وكان مع كل رجل من أصحابه من آل علي بن أبي طالب علم، وكان شعارهم أحد أحد. قال: وكذلك كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين.
حدثنا عيسى بن الحسين، قال: حدثنا هرون بن موسى الفروي، عن داود بن القاسم وغيره من أهل المدينة، قال: خرج المنذر بن محمد بن المنذر بن الزبير، مع محمد بن عبد الله، وكان رجلاً صالحاً، فقيهاً، قد حمل عنه أهل البيت الحديث.
حدثني يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: رأيت المنذر بن محمد مر بالحسن بن زيد فعانقه، وبكى طويلاً، فقال الحسن: ما كان مع محمد بن عبد الله فارس أشد من هذا.
أخبرني عيسى بن الحسين، قال هرون بن موسى، قال: وخرج مع محمد بن عبد الله، مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، وابنه عبد الله بن مصعب، وكان شاعراً، وكان يقول الشعر في محمد ويحرض الناس بذلك.
أخبرني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثنا هرون، قال: خرج أبو بكر بن أبي سبرة الفقيه الذي يروي عنه الواقدي، مع محمد بن عبد الله، ومعه راية له، وهو معلم بعذبة حمراء.
أخبرني عيسى، قال: حدثنا هرون بن موسى، وأخبرني يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري، قال: كان ممن خرج مع محمد بن عبد الله يزيد بن هرمز، وعبد الواحد بن أبي عون، مولى الأزد.
وعبد الله بن عامر الأسلمي، وذكر أن محمداً خطب الناس فذكر شيئاً، فقال: وهذا قارئكم عبد الله بن عامر الأسلمي يشهد على ذلك، فقام فشهد على ما قال.
وعبد العزيز بن محمد الدراوردي مولى بلي.
وإسحاق بن إبراهيم بن دينار مولى جهينة. وعبد الحميد بن جعفر.
وعبد الله بن عطاء، وبنوه جميعاً، وهم: إبراهيم، وإسحاق، وربيعة، وجعفر، وعبد الله، وعطاء، ويعقوب، وعثمان، وعبد العزيز، بنو عبد الله بن عطاء.
قال هرون الفروي في خبره خاصة: وكان عبد الله امرأ صدق، وكان من خاصة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، وقد روي عن عبد بن الحسن بن الحسن، وكان ذا خصوص بهم.
وقال أبو زيد: حدثني محمد بن الحسن، قال: حدثني حميد بن عبد الله الفروي، قال: لما قتل محمد تغيب عبد الله بن عطاء، فمات متوارياً، فلما خرج نعشه بلغ خبره جعفر بن سليمان فأنزله من نعشه فصلبه، ثم كلم فيه، فأنزله بعد ثالثه، وأذن في دفنه.
حدثني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا هرون بن موسى، قال: خرج مع محمد بن عبد الله، عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير، الذي يروي عنه عبد الله بن مصعب، والضحاك بن عثمان.
وكان امرأ صدق، فأتى به أبو جعفر فقال له: أين المال الذي كان عندك؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين " قال: ومن أمير المؤمنين؟ قال " محمد بن عبد الله بن الحسن، رحمة الله وصلواته عليه.
قال: أو بايعته؟ قال: إي والله كما بايعته أنت وأخوك، وأهلك هؤلاء الغدرة.
قال: يا ابن اللخناء.
قال: ابن اللخناء من قامت عنه مقل أمك سلامه.
قال: اضربوا عنقه، فضربت عنقه.
وقال عمر بن شبة بإسناده الذي قدمت ذكره: حدثني سعيد بن عبد الحميد، عن محمد بن عثمان بن خالد، قال: قال لي أبي: قد بايعت أنا وأنت رجلاً بمكة، فوفيت أنا بيعتي، ونكثت بيعتك وغدرت، فشتمه فرد عليه، فأمر به فضربت عنقه.
أخبرني محمد بن خلف إجازة عن وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع، عن الواقدي، قال: كان عبد الرحمن بن أبي الموالي مخالطاً لبني الحسن، وكان يعرف موضع محمد وإبراهيم، ويختلف إليهما، فكان يقال: إنه داع من دعاتهما، وبلغ ذلك أبا جعفر، فأخذه معهم.
قال الواقدي: فحدثني عبد الرحمن بن أبي الموالي، قال:

(1/78)


لما أخذ أبو جعفر بني الحسن، وأمر رياحاً فجاء بهم إلى الربذة قال له: ابعث الساعة إلى عبد الرحمن بن أبي الموالي فجئني به. قال: فبعث رياح إلي فأخذت وجيء بي إليه، فلما صرت بالربذة رأيت بني الحسن مقيدين في الشمس، فدعاني أبو جعفر من بينهم فأدخلت عليه، وعنده عيسى بن علي، فلما رآني عيسى قال له المنصور: أهو هو؟.
قال: نعم هو هو يا أمير المؤمنين، وإن أنت شددت عليه أخبرك بمكانهم. فدنوت فسلمت، فقال أبو جعفر: لا سلم الله عليك، أين الفاسقان ابنا الفاسق؟ أين الكذابان ابنا الكذاب؟.
فقلت يا أمير المؤمنين: هل ينفعني الصدق عندك؟ قال: وما ذاك؟ قال: قلت: امرأتي طالق إن كنت أعرف مكانهما، فلم يقبل ذلك مني، وقال: السياط، فأتى بالسياط، وأقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط، فما عقلت بها حتى رفع عني، ثم رددت إلى أصحابي على تلك الحال.
أخبرني عيسى بن الحسين، قال: حدثنا هرون بن موسى الفروي، قال: وخرج عبد الواحد بن أبي عون، مع محمد بن عبد الله وكان من دوس، وكان منقطعاً إلى عبد الله بن الحسن، فطلبه أبو جعفر فيمن طلب بعد مقتل محمد، فتوارى عند محمد بن يعقوب بن عيينة، فمات عنده فجاءه في سنة أربع وأربعين ومائة. وقد حمل عنه الحديث، وكان ثقة.
أخبرني وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع، عن الواقدي، قال: كان ابن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدهم غير مدافع. وكان له حلقة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم يفتي فيها الناس ويحدثهم. فلما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن خرج معه، فلما قتل محمد، وولى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المدينة بعث إلى ابن عجلان فأتى به فسكت فقال له: أخرجت مع الكذاب؟ وأمر بقطع يده، فلم يتكلم ابن عجلان بكلمة إلا أنه كان يحرك شفتيه بشيء لا يدري ما هو، فظن أنه يدعون فقام من حضر جعفراً من فقهاء المدينة وأشرافها فقالوا له: أصلح الله الأمير، محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدهم، وإنما شبه عليه، وظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية، فلم يزالوا يطلبون إليه، حتى تركه. فولى ابن عجلان منصرفاً، فلم يتكلم بكلمة حتى أتى منزله.
قال الواقدي: وقد رأيته وسمعت منه، وكان ثقة كثير الحديث. مات بالمدينة سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائة، في خلافة أبي جعفر.
أخبرني وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع، عن الواقدي، قال: خرج عبد الله بن عمر بن العمري، مع محمد بن عبد الله، هو، وأخوه، وأبو بكر بن عمر، فلم يزل معه حتى انقضى أمره وقتل، فاستخفى عبد الله بن عمر، ثم طلب فوجد فأتى به أبو جعفر فأمر بحبسه فحبس في المطبق سنين، ثم دعاء به فقال: ألم أفضلك وأكرمك، ثم تخرج علي مع الكذاب؟ فقال: يا أمير المؤمنين، وقعنا في أمر لم نعرف له وجهاً، والفتنة كانت شاملة، فإن رأي أمير المؤمنين أن يعفو، ويصفح، ويحفظ في عمر بن الخطاب، فليفعل.
قال: فتركه وخلى سبيله.
قال: وكان عبد الله يكنى أبا القاسم، فتركها وتكنى أبا عبد الرحمن وقال: لا أتكنى بكنية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إعظاماً لها.
قال الواقدي: فكان عبد الله بن عمر كثير الحديث، وروى عن نافع روايات كثيرة، وعمر عمراً طويلاً، حتى لقيته الأحداث.
ومات في خلافة هرون سنة إحدى، أو اثنتين وسبعين ومائة.
حدثنا علي بن العباس، قال حدثنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير الأسدي، وكان في صحابة محمد بن عبد الله، قال: رأيت محمد بن عبد الله عليه سيف محلى يوم خرج، فقلت له: أتلبس سيفاً محلى؟ فقال أي بأس بذلك، قد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسون السيوف المحلاة.
عبد الله بن الزبير هذا أبو أحمد الزبير المحدث، وهو أيضاً من وجوه محدثي الشيعة، روى عنه عباد بن يعقوب ونظراؤه، ومن هو أكبر منه.
أخبرني محمد بن خلف بن وكيع، قال: حدثنا إسماعيل بن مجمع، عن الواقدي قال: خرج عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، مع محمد بن عبد الله بن الحسن وكان من ثقات أصحاب محمد، وكان يعلم علمه في تواريه، وكان إذا دخل المدينة مستخفياً فجاءه فنزل في داره، فكان أبو جعفر يدخل على الأمراء يسمع كلامهم، ويعرف أمورهم سائر نهاره يروح إليه فيخبره بذلك.

(1/79)


وكان من رجال أهل المدينة، علماً بالفقه، وصدقاً بالحديث وتقدماً بالفتوى، وكان يرشح للقضاء.
قال الواقدي: ولقد حدثني بن أبي الزياد أنه مات قاض بالمدينة، ولا عزل إلا ظنوا أن عبد الله بن جعفر يتولى مكانه، لكمال علمه ومروءته، وفضله، فمات وما ولى القضاء، ولا قعد به عن ذلك عندهم إلا خروجه إليهم مع محمد. فلما قتل محمد توارى فلم يزل في تواريه حتى استؤمن له فأومن.
قال: وكان عبد الله بن جعفر لما دخل إلى جعفر بن سليمان قال له: ما حملك على الخروج مع محمد ما أنت عليه من العلم والفقه؟.
فقال: ما خرجت معه وأنا أشك في أنه املهدي، لما روي لنا في أمره، فما زلت أرى أنه هو، حتى رأيته مقتولاً، ولا غتررت بأحد بعده. فاستحيي منه وأطلقه.
أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو عبد الله. وحدثني أبو عبيد محمد بن أحمد المؤمل الصيرفي، قالا: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: أخبرنا محمد بن عمرو الرازي، قال: حدثني الحسين بن المنزل قال: قال لي محمد بن إسماعيل بن رجاء: بعث إلي سفيان الثوري سنة أربعين ومائة، فأوصاني بحوائجه، ثم سألني عن محمد بن عبد الله بن الحسن كيف هو: فقلت: في عافية، فقال: إن يرد الله بهذه الأمة خيراً يجمع أمرها على هذا الرجل. قال: قلت: ما علمتك إلا قد سررتني. قال: سبحان الله! وهل أدركت خيار الناس إلا الشيعة. ثم ذكر زبيداً، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت وأبا إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، والأعمش قال: فقلت له: وأبو الجحاف؟ قال: ذاك الضرب ذاك الضرب. وإيش كان أبو الجحاف. قال: كان يكفر الشاك في الشاك. قال: ثم قال سفيان: إلا أن قوماً من هذه الرفضة، وهذه المعتزلة قد بغضوا هذا الأمر إلى الناس.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يوسف، قال: حدثنا عبيد الله بن يوسف الجبيري، قال: سمعت محمد بن يحيى بن سعيد القطان يقول سمعت أبي يقول: خرج عبيد الله بن عمر، وهشام بن عروة، ومحمد بن عجلان مع محمد بن عبد الله بن الحسن. قال عبد الرحمن بن يوسف: وبلغني عن مسدد أنه حكى مثل هذه الحكاية في مخرجهم معه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو عبد الحميد الليثي عن أبيه، قال: كان ابن فضالة النحوي يخبر، قال: اجتمع واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد في بيت عثمان بن عبد الرحمن المخزومي من أهل البصرة، فتذاكروا الجور، فقال عمرو بن عبيد: فمن يقوم بهذا الأمر ممن يستوجبه وهو له أهل؟.
فقال واصل: يقوم به الله من أصبح خير هذه الأمة، محمد بن عبد الله بن الحسن.
فقال عمرو بن عبيد: ما أرى أن نبايع، ولا نقوم إلا مع من اختبرناه، وعرفنا سيرته.
فقال له واصل: والله لو لم يكن في محمد بن عبد الله أمر يدل على فضله إلا أن أباه عبد الله بن الحسن، في سنه، وفضله، وموضعه قد رآه لهذا الأمر أهلاً، وقدمه فيه على نفسه - لكان ذلك يستحق ما نراه له، فكيف بحال محمد في نفسه وفضله؟.
قال يحيى: وسمعت أبا عبيد الله بن حمزة يحدث، قال: خرج جماعة من أهل البصرة من المعتزلة منهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وغيرهما حتى أتوا سويقة، فسألوا عبد الله بن الحسن أن يخرج لهم ابنه محمداً حتى يكلموه، فطلب لهم عبد الله فسطاطاً، واجتمع هو ومن شاروه من ثقاته أن يخرج إليهم إبراهيم بن عبد الله. فأخرج إليهم إليه إبراهيم وعليه ريطتان، ومعه عكازة، حتى أوقفه عليهم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر محمد بن عبد الله وحاله، ودعاهم إلى بيعته، وعذرهم في التأخر عنه فقالوا: اللهم إنا نرضى برجل هذا رسوله فبايعوه وانصرفوا إلى البصرة.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا بكار بن أحمد، قال حدثنا الحسن بن الحسين، قال حدثني الحسن بن حماد، قال: كان أبو خالد الواسطي، والقاسم بن مسلم السلمي مع محمد بن عبد الله بن الحسن وكانا من أصحاب زيد بن علي، صلوات الله عليه.

(1/80)


قال القاسم بن مسلم لمحمد بن عبد الله بن الحسن: يا أبا عبد الله، إن الناس يقولون: إن صاحبكم محمداً ليس له ذلك الفقه. قال فتناول سوطه من الأرض ثم قال: يا قاسم بن مسلم، ما يسرني أن الأمة اجتمعت علي كمعلاق سوطي هذا وإني سئلت عن باب الحلال أو الحرام ولم يكن عندي مخرج منه، يا قاسم بن مسلم، إن أضل الناس بل أظلم الناس، بل أكفر الناس من ادعى من هذه الأمة، ثم سئل عن باب الحلال أو الحرام، ولم يكن عنده منه مخرج.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو حميد الليثي، عن أبيه، عن عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: بايع أبو جعفر المنصور محمد بن عبد الله مرتين إحداهما بالمدينة والأخرى أنا حاضرها بمكة في المسجد الحرام، فلما بايعه قام معه حتى خرج من المسجد الحرام فركب فأمسك له أبو جعفر بركاب دابته ثم قال له: يا أبا عبد الله، أما إنه إن أفضى إليك هذا الأمر نسيت هذا الموقف ولم تعرفه لي.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن عمر: أن علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن لما أخذه أبو جعفر اعترف له، وسمى أصحاب أبيه، فكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي الموالي فأمر به أبو جعفر فحبس.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن راشد، قال: سمعت الجراح بن عمرو، وغيره، يقولون.
إن علياً، وحسناً، ابني صالح جاءا مشتملين على سيفين إلى محمد بن عبد الله بن الحسن فقالا: قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريده، فقال: قد قضيتما ما عليكما وإن لقينا في هؤلاء شيئاً، فانصرفا. فانصرفا.
أخبرني عمر قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق: أن محمداً استعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير.
وعلى قضائها، عبد العزيز بن المطلب " بن عبد الله المخزومي " .
وعلى الشرط، أبا القلمس عثمان " بن عبيد الله " بن عبد الله بن عمرو بن الخطاب.
وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى عن أبيه، قال: قال: خرج مع محمد بن عبد الله، عيسى بن زيد، وكان يقول: من خالف بيعتك من آل أبي طالب فأمكني من ضرب عنقه، فأتى بعبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين، فغمض عينيه قال: إن على يمينا إن رأيته لأقتلنه، فقال له عيسى: دعني أضرب عنقه، فكف عنه.
دفع إلى عيسى بن الحسين الوراق كتاباً ذكر أنه كتاب أحمد بن الحرث فقرأت فيه: حدثنا المدائني أن هشام بن عروة بن الزبير، بايع محمد بن عبد الله، وجعل له ولاية بالمدينة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال حدثنا أبو زيد، قال حدثني متوكل بن أبي العجوة: أن أبا جعفر كان يقول: العجب لعبد الله بن عطاء إن بالأمس على بساطي ثم يضربني بعشرة أسياف.
أخبرني عمر قال: حدثنا أبو زيد قال: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: حدثني حميد بن عبد الله بن أبي فروة، قال: لما درب الناس السكك أيام محمد بن عبد الله، أردنا أن ندرب سكتنا، فمنعنا عبد الله بن عطاء، قال: فمن أين يمر إلى أمير المؤمنين محمد؟ فلما قتل تغيب حتى مات في إمارة جعفر بن سليمان، فأخرج على جنازة ليدفن فأمر به فأنزل من نعشه، وصلب، فكلم فيه جعفر، فأمر أن ينزل من خشبته بعد ثالثه، فأنزل ودفن. وعبد الله بن عطاء من ثقاة أهل الحديث، وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي، وعن عبد الله بن بريدة؛ وغيرهما من وجوه التابعين. وروى عنه الثقات مثل مالك بن أنس ونظرائه.
وعبد الله بن عامر الأسلمي وهو القاري، ويكنى أبا عامر، وهو ثقة. وروى عنه وكيع، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأبو ضمرة. وقد روى عن الزهري، ووثقه يحيى بن معين، ورووه في الحديث ورثاه علي بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بقوله:
أبو عامر فيها رئيس كأنها ... كراديس تغشى حجره المتكبر
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثنا عبد الله بن إسحاق بن القاسم؛ قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، قال: لقيني موسى بن عبد الله بالسيالة، فقال: انطلق أرك ما صنع بنا في سويقة، فذهبت معه، فوجدت نخلها قد عرقبت، فقال: نحن والله كما قال دريد بن الصمة:

(1/81)


تقول: ألا تبكي أخاك! وقد أرى ... مكان البكى لكن بنيت على الصبر
لمقتل عبد الله والهالك الذي ... على الشرف الأقصى قتيل أبي بكر
وعبد يغوث. أو نديمى خالد ... وعز مصاباً خير قبر على قبر
أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره، والقدر يجري على القدر
فإما ترينا لا تزال دماؤنا ... لدي معشر يسعى لها آخر الدهر
فإنا للحم السيف غير نكيرة ... ونلحمه طوراً وليس بذي نكر
يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا، أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر
قال أبو زيد: حدثني المدائني هذا أو أمليته عليه فتركني وترك الرجلين وقال: قال موسى.
الحسن بن معاوية
وممن أخذه أبو جعفر من آل أبي طالب، وحبسه، وضربه بالسوط من أصحاب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: - الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
أمه وأم إخوته: يزيد، وصالح ابني معاوية: فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمها أم ولد.
وخرجوا جميعاً مع محمد بن عبد الله. واستعمل الحسن بن معاوية على مكة.
فلما قتل محمد بن عبد الله أخذه أبو جعفر فضربه بالسوط وحبسه. فلم يزل في الحبس حتى مات أبو جعفر، فأطلقه المهدي.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني عيسى بن عبد الله قال: دخل عيسى بن موسى على المنصور، فقال: ألا أبشرك؟ قال: بماذا؟ قال: ابتعت وجه دار عبد الله بن جعفر من بني معاوية بن عبد الله الحسن، ويزيد، وصالح.
فقال له " أتفرح؟ " والله ما باعوك إلا ليقووا بثمنها عليك.
فخرج الحسن، ويزيد، وصالح، مع محمد بن عبد الله.
أخبرني الحرمي بن العلاء، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني غسان، عن أبيه قال: حدثني محمد بن إسحاق بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: أن محمد بن عبد الله بعث الحسن، والقاسم بن إسحاق إلى مكة، واستعمل الحسن على مكة، والقاسم على اليمن.
أخبرني عمر العتكي، والجوهري، ويحيى بن علي، عن عمر بن شبة، عن عبد الله بن إسحاق، وهو أخو محمد بن إسحاق، الذي روى عنه الزبير، قال: حدثني عبد الله بن يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، قال: أراد بنو عبد الله بن جعفر - وكانوا خرجوا مع محمد بن عبد الله - أن يظهروا بعد قتله. فقال أبي للحسن بن معاوية: لا نظهر جميعاً، فإنا إن فعلنا أخذك جعفر بن سليمان من بيننا. قال: وجعفر يومئذ على المدينة. فقال لا بد من الظهور.
فقال له: فإن كنت فاعلاً فدعني أتغيب فإنه لا يقدم عليك ما دمت متغيباً.
قال: لا خير في عيش لست فيه.
فلما ظهروا أخذ جعفر بن سليمان الحسن، فقال له: أين المال الذي أخته بمكة؟ وكان أبو جعفر قد كتب إلى جعفر بن سليمان أن يجلد حسناً إن ظفر به. فلما سأله عن المال قال: أنفقناه فيما كنا فيه وذاك شيء قد عفا عنه أمير المؤمنين.
قال: وجعل جعفر بن سليمان يكلمه، والحسن يبطئ في جوابه، فقال له جعفر. أكلمك ولا تجيبني!.
قال: ذلك يشق عليك، لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً.
قال: فضربه أربعمائة سوط، وحبسه. فلم يزل محبوساً حتى مات أبو جعفر، وقام المهدي فأطلقه وأجازه.
قال أبو زيد: وحدثني عيسى بن عبد الله، قال: لما ضرب جعفر بن سليمان الحسن بن معاوية قال: أين كنت؟ فاستعجم عليه، فقال له: علي وعلي إن أقلعت عنك أبداً أو تخبرني أين كنت؟ قال: كنت عند غسان بن معاوية، مولى عبد الله بن الحسن. فبعث جعفر إلى منزل غسان فهرب منه، فهدم داره، ثم جاء بعد فأمنه.
قال: ولم يكن الحسن عند غسان إنما كان عند نفيس صاحب قصر نفيس.
قال أبو زيد: فحدثني عيسى بن عبد الله، قال: لم يزل الحسن بن معاوية في حبس جعفر بن سليمان، حتى حج أبو جعفر، فعرضت له حمادة بنت معاوية، فصاحت به: يا أمير المؤمنين، الحسن بن معاوية قد طال حبسه فانتبه له، وقد كان ذهل عنه، فسار به معه حتى وضعه في حبسه، ولم يزل محبوساً حتى ولي المهدي.
قال الزبير في خبره الذي أخبرني به الحرمي، عن الزبير، قال: حدثني عبد الله بن الحسن بن القاسم:

(1/82)


أن الحسن بن معاوية قال لأبي جعفر، وهو في السجن، وقد أتاه نعي أخيه يزيد بن معاوية، يستعطفه على ولده:
ارحم صغار بني يزيد إنهم ... يتموا لفقدي لا لفقد يزيد
وارحم كبيراً سنه متهدماً ... في السجن بين سلاسل وقيود
ولئن أخذت بجرمنا وجزيتنا ... لنقتلن به بكل صعيد
أو عدت بالرحم القريبة بيننا ... ما جدكم من جدنا ببعيد
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: ومن مختار ما رثى به محمد بن عبد الله من الشعر، قول غالب بن عثمان الهمداني أنشدنيه عمر بن عبد الله العتكي، عن عمر بن شبة:
يا دار هجت لي البكاء فأعولي ... حييت منزلة دثرت ودار
بالجزع من كنفي سويقة أصبحت ... كالبرد بعد بني النبي قفاراً
الحاملين إذا الحمالة أعجزت ... والأكرمين أرومة ونجارا
والممطرين إذا المحول تتابعت ... درراً تداولها المحول غزارا
والذائدين إذا المخافة أبرزت ... سوق الكواعب يبتدرن حصارا
وثبت نتيلة وثبة بعلوجها ... كانت على سلفي نتيلة عارا
فتصلمت ساداتها وتهتكت ... حرماً محصنة الخدور كبارا
ولغت دماء بني النبي فأصبحت ... خضبت بها الأشداق والأظفارا
لا تسقني بيديك إن لم أبتعث ... لبني نتيلة جحفلاً جرارا
لجباً يضيق به الفضاء عرمرماً ... يغشى الدكادك قسطلاً موارا
فيه بنات بني الصيرح ولا حق ... قباً تغادر في الخليف مهارا
يخرجن من خلل الغبار عوابساً ... يورين في حصب الأماعز نارا
فننال في سلفي نتيلة ثارنا ... فيما ينال وندرك الأوتارا
وقال أبو الحجاج الجهني:
بكر النعي بخير من وطئ الحصى ... ذي المكرمات وذي الندى والسؤدد
بالخاشع البر الذي من هاشم ... أمسى ثقيلاً في بقيع الغرقد
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... أن قام مجتهداً بدين محمد
وقال عبد الله بن مصعب:
سالت دموعك ضلة قد هجت لي ... برحاء وجد يبعث الأحزانا
هلاً على المهدي وابني مصعب ... أذريت دمعك ساكباً تهتانا
ولفقد إبراهيم حين تصدعت ... عنه الجموع فواجه الأقرانا
والله ما ولد الحواضن مثله ... أمضى وأرفع محتداً ومكانا
وأشد ناهضة وأقول للتي ... تتقي مصارع أهلها العدوانا
رزء لعمرك لو يصاب بمثله ... ميطان صدع رزؤه ميطانا
وقال عبد الله بن مصعب أيضاً أنشدنيه ابن سعيد عن يحيى بن الحسن، عن إسماعيل بن يعقوب:
يا صاحبي دعا الملامة واعلما ... أن لست في هذا بألوم منكما
وقفا بقبر ابن النبي وسلما ... لا بأس أن تقفا به فتسلما
قبر تضمن خير أهل زمانه ... حسباً وطيب سجية وتكرما
" لم يجتنب قصد السبيل ولم يحد ... عنه ولم يفتح بفاحشة فما "
بطل يخوض بنفسه غمراتها ... لا طائشاً رعشاً ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربما ... كانت حتوفهم السيوف وربما
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم ... فبينا وأصبح نهبهم متقسماً
ونساؤهم في دورهن نوائح ... سجع الحمام إذا الحمام ترنما
يتوسلون بقتلهم ويرونه ... شرفاً لهم عند الإمام ومغنما
والله لو شهد النبي محمد ... صلى الإله على النبي وسلما
إشراع أمته الأسنة لابنه ... حتى تقطر من ظباتهم دما
حقاً لأيقن أنهم قد ضيعوا ... تلك القرابة واستحلوا المحرما
وقال غبراهيم بن عبد الله يرثي أخاه:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
وإنا أناس لا تفيض دموعنا ... على هالك منا ولو قصم الظهرا

(1/83)


ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... ألهب في قطري كتائبها جمرا
عبد الله الأشتر
وعبد الله الأشتر بن محمد بن عبد الله ابن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
كان عبد الله بن محمد بن مسعدة المعلم أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلد الهند فقتل بها، ووجه برأسه إلى أبي جعفر المنصور. ثم قدم بابنه محمد بن عبد الله بن محمد بعد ذلك وهو صغير على موسى بن عبد الله بن الحسن.
وابن مسعدة هذا كان مؤدباً لولد عبد الله بن الحسن. وفيه يقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن على سبيل التهكم به:
زعم ابن مسعدة المعلم أنه ... سبق الرجال براعة وبيانا
وهو الملقن للحمامة شجوها ... وهو الملحن بعدها الغربانا
وكان ابن مسعدة سمع غراباً ينعق، فقال له: أتلحن ويحك يا غراب؟ تقول: غاق غاق. قيل: فكيف يقول؟ قال: يقول: غاق غاق.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مسعدة، قال: لما قتل محمد، خرجنا بابنه الأشتر عبد الله بن محمد، فأتينا الكوفة، ثم انحدرنا إلى البصرة، ثم خرجنا إلى السند؛ فلما كان بيننا وبينها أيام نزلنا خاناً فكتب فيه:
منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مروٍ حداد
شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتمٌ في رقاب العباد
وكتب اسمه تحتها.
ثم دخلنا المنصورة فلم نجد شيئاً، فدخلنا قندهار، فأحللته قلعة لا يرومها رائم، ولا يطور بها طائر. وكان والله أفرس من رأيت من عباد الله، ما إخال الرمح في يده إلا قلماً، فنزلنا بين ظهراني قوم يتخلقون بأخلاق الجاهلية، يطرد أحدهم الأرنب، فتضيف قصر صاحبه، فيمنعها ويقول: أتطلب جاري.
قال: فخرجت لبعض حاجتي، وخلفني بعض تجار أهل العراق، فقالوا له: قد بايع لك أهل المنصورة، فلم يزالوا به حتى صار إليها.
فحدثت أن رجلاً جاء إلى أبي جعفر فقال له: مررت بأرض السند فوجدت كتاباً في قلعة من قلاعها، فيه كذا وكذا، فقال له: هو هو. ثم دعا هشام بن عمرو بن بسطام التغلبي، فقال: اعلم أن الأشتر بأرض السند، وقد وليتك عليها، فانظر ما أنت صانع.
فشخص هشام إلى السند، فقتله وبعث برأسه إلى أبي جعفر.
قال عيسى: فرأيت رأسه قد بعث به أبو جعفر إلى المدينة، وعليها الحسن بن زيد، فجعلت الخطباء تخطب، وتذكر المنصور، وتثني عليه، والحسن بن زيد على المنبر، ورأس الأشتر بين يديه، وكان في خطبة شبيب بن شيبة يا أهل المدينة: ما مثلكم ومثل أمير المؤمنين إلا كما قال الفرزدق:
ما ضر تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران
فتكلم الحسن بن زيد فحض على الطاعة، وقال: ما زال الله يكفي أمير المؤمنين من بغاه، وناوأه وعاداه، وعدل عن طاعته، وابتغى سبيلاً غير سبيله.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله قال: حدثني من أثق به، عن ابن مسعدة: إن الأشتر وأصحابه أغذوا السير، ثم نزلوا فناموا، فبقيت خيلهم في زرع للرهط، فخرجوا إليهم فقتلوهم بالخشب، فبعث هشام فأخذ رؤوسهم فبعث بها إلى أبي جعفر.
قال عيسى: قال ابن مسعدة: ولم نزل في تلك القلعة أنا ومحمد بن عبد الله بن محمد حتى توفي أبو جعفر، وقام المهدي، فقدمت به وبأمه إلى المدينة.
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا الحسن. وأمه هند بنت أبي عبيدة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: حدثنا يحيى بن علي المنجم قال: سمعت عمر بن شبة يقول: إن إبراهيم بن عبد الله أبو الحسن، كل إبراهيم في آل بيت أبي طالب كان يكنى أبا الحسن، فأما قول سديف إبراهيم بن عبد الله:
إيهاً أبا إسحاق هنيتها ... في نعم تترى وعيش طويل
أذكرك هداك الله وتر الأولى ... سير بهم في مصمتات الكبول
فإنما قال ذلك على مجاز الكلام، وما يعرف شكلاً للأسماء من الكنى ولضرورته في وزن الشعر إلى ذلك.

(1/84)


وكان إبراهيم بن عبد الله جارياً على شاكلة أخيه محمد في الدين، والعلم، والشجاعة والشدة. وكان يقول شيئاً من الشعر. فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال حدثني إشماعيل بن يعقوب، قال: ذكر عبد الله بن الحسن بن إبراهيم أن جده إبراهيم بن عبد الله قال في زوجته بحيرة بنت زياد الشيبانية:
ألم تعلمي يا بنت بكر تشوقي ... إليك وأنت الشخص ينعم صاحبه
وعلقت ما لو نيط بالصخر من جوىً ... لهد من الصخر المنيف جوانبه
رأت رجلاً بين الركاب ضجيعه ... سلاحٌ ويعبوبٌ فباتت تجانبه
تصد وتستحيى وتعلم أنه ... كريمٌ فتدنو نحوه فتلاعبه
فأذهلنا عنها ولم نقل قربها ... ولم يقلها دهرٌ شديد تكالبه
عجاريف فيها عن هوى النفس زاجرٌ ... إذا اشتبكت أنيابه ومخالبه
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري، وسعيد بن هريم: أن محمداً، وإبراهيم كانا عند أبيهما، فوردت إبل لمحمد فيها ناقة شرود لا يرد رأسها شيء، فجعل إبراهيم يحد النظر إليها، فقال له محمد: كأن نفسك تحدثك أنك رادها؟ قال نعم. قال: فإن فعلت فهي لك، فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستر بالإبل، حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها، فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها، حتى غاب عن عين أبيه، فأقبل على محمد وقال له: قد عرضت أخاك للهلكة. فمكث هوياً ثم أقبل مشتملاً بإزاره حتى وقف عليهما. فقال له محمد: كيف رأيت؟ زعمت أنك رادها وحابسها. قال: فألقى ذنبها وقد انقطع في يده. فقال: ما أعذر من جاء بهذا.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو نعيم عن مطهر بن الحرث، قال: أقبلنا مع إبراهيم بن عبد الله من مكة نريد البصرة، فلما كنا على ليلة منها تقدم إبراهيم وتخلفنا عنه ثم دخلنا من غد.
قال أبو نعيم: فقلت لمطهر: أمر إبراهيم بالكوفة ولقيته؟ قال: لا، والله ما دخلها قط ولقد غاب بالموصل، ثم الأنبار، ثم بغداد، والمدائن، والنيل، وواسط.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني بكر بن كثير، قال: استخفى إبراهيم بن عبد الله عند إبراهيم بن درست بن رباط الفقمي، وعند أبي مروان مولى يزيد بن عمر بن هبيرة، ومعاذ بن عون الله.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو زيد، قال: حدثني الفضل بن عبد الرحمن بن سليمان بن علي، قال: قال أبو جعفر: غمض علي أمر إبراهيم لما اشتملت عليه طفوف البصرة.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني نصر بن قديد، قال: دعا إبراهيم الناس وهو في دار أبي فروة، وكان أول من بايعه نميلة بن مرة، وعفو الله بن سفيان، وعبد الواحد بن زياد، وعمر بن سلمة الهجيمي، وعبد الله بن يحيى بن الحصين بن المنذر الرقاشي، وندبوا الناس إليه، فأجاب بعدهم فتيان العرب منهم: المغيرة بن الفرع، ويقال الفزر، حتى ظنوا أن ديوانه قد أحصى أربعة آلاف. وشهر أمره فتحرك إلى واسط من البصرة، في دار أبي مروان مولى بني سليم.
أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني ابن عفو الله بن سفيان عن أبيه، قال: أتينا إبراهيم يوماً وهو مرعوب، فأخبرني أن كتاب أخيه محمد جاءه يخبره أنه قط ظهر، ويأمره بالخروج قال، فوجم من ذلك، واغتم له، فجعلت أسهل الأمر عليه، وقلت: قد اجتمع لك أمرك، ومعك المضاء، والطهوي والمغيرة، وأنا، وجماعة، نخرج بالليل فتقصد السجن فتفتحه، فتصبح حين تصبح، ومعك عالم من الناس، فطابت نفسه.
أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: رأيت أهل الكوفة أيام أخذوا بلبس السواد، حتى إن البقالين إن كان أحدهم ليصبغ الثوب بالأنقاس ثم يلبسه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني جواد بن غالب، قال: حدثني العباس بن سلم مولى قحطبة، قال: كان أبو جعفر إذا اتهم أحداً من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبي سلماً بطلبه، فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس، نصب سليماً على منزل الرجل، فطرقه في بيته فيقتله، ويأخذ خاتمه.

(1/85)


قال: فسمعت جميلاً مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم: لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل من أهل الكوفة لكنت أيسر الأبناء.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سهل بن عقيل قال: حدثني أبي، قال: كان سفيان بن معاوية بن يزيد بن مهلب قدم إلى إبراهيم على أمره، وكان سفيان عامل أبي جعفر على البصرة، فكان يرسل إلى قائدين قدما عليه، يدعيان ابني عقيل، بعثهما أبو جعفر ردءاً له فيكونان عنده. فلما وعده إبراهيم أرسل إليهما فاحتبسهما تلك الليلة، حتى خرج فأحاط به وبهما، وأخذهم.
حدثنا يحيى بن علي قال: حدثنا أبو زيد قال: حدثني عمر بن خالد مولى بني ليث، قال: استلبت وأنا غلام دوامةً من غلام، فاتبعني، وسعيت فدخلت دار أبي مروان فوجدت إبراهيم جالساً في جماعة من أصحابه محتبياً بحمالة سيف - وهي نسعة مدنية عرضها أكثر من إصبع - ورجل قائم على رأسه، ودابة تعرض عليه، وذلك قبل خروجه بشهر، فلما كانت الليلة التي خرج فيها سمعنا تكبيرةً بعد المغرب بهنيهة، ثم تتابع التكبير وخرجوا حتى صاروا إلى مقبرة يشكر، وفيها قصب يباع، فأقاموا في كل ناحية من المقبرة أطناناً، ثم ألهبوا فيها النار، فأضاءت المقبرة. وجعل أصحابهم الذين كانوا وعدوهم يأتونهم، فكلما جاءت طائفة كبروا حتى تم لهم ما أرادوا، ثم مضوا إلى دار الإمامة، بعدما ذهبت طائفة من الليل.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا نصر بن قديد، قال: خرج إبراهيم ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، فصار إلى بني يشكر، في أربعة عشر فارساً، وفيهم عبد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي على برذون له أغر سمند، معتم بعمامة سوداء، يساير إبراهيم، فوقف في المقبرة منذ أول الليل إلى نحو من نصفه ينتظر نميلة، ومن وعده من شق بني تميم حتى جاؤوه.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا يونس بن نجدة، قال: ألقى أصحاب إبراهيم النار في الرحبة، وأدنى القصر حتى أحرقوه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا عبد الله بن سنان، قال: وجه أبو جعفر بن توبه في جماعة كثيرة، فلما أطاف إبراهيم بدار الإمارة وجد دواب جابر وأصحابه، وهي سبعمائة، فأخذها واستعان بها.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا أبو عاصم النبيل، قال: نزل سفيان بن معاوية من دار الإمارة ومن معه إلى إبراهيم على الأمان، فتركهم.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عمر بن خالد الليثي، قال: دخل الناس دار الإمارة فلم يروا فيها إلا مسحاً أسود فتقطعه الناس ينتهبونه، وخرج إبراهيم إلى المسجد.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني محمد بن مسعر، قال: لما دخل إبراهيم دار الإمارة فدخلت معهم فنظرت إلى حصيرة قد ألقى له في مقدم الإيوان، وعصفت الريح فقلبته ظهره لبطنه، فتطير الناس لذلك. وقال إبراهيم: لا تتطيروا. ثم جلس عليه مقلوباً وأنا أرى الكراهة في وجهه.
حدثنا يحيى قال حدثنا عمرو بن خالد، ومحمد بن معروف، ومحمد بن أبي حرب.
إن إبراهيم دخل المسجد، فبينا هو يتكلم إذا أتاه آتٍ. فقال: هذا جعفر ومحمد قد أقبلا في مواليهما، فصاح إبراهيم بالمضاء والطهوي، وقال إذهبا إليهما، فقولا لهما: يقول لكما ابن خالكما: إن أحببتما جوارنا ففي الأمن والرحب، لا خوف عليكما، ولا على أحد تؤمنانه؛ وإن كرهتما جوارنا، فحيث شئتما فاذهبا ولا تسفكا بيننا وبينكم دماً؛ وإياكما أن تبدأهما بقتال.
قال عمر بن خالد: فلما كانوا عند دارمية الثقفية، التقوا فتوافقوا، فكلمهم المضاء والطهوي، وارتفعت الأصوات، فنزع الحسين بنشابة فرمى بها، وحمل عليه المضاء، فضربه فقطع يده من وسط ذراعه. وأدبر القوم.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن المغيرة، قال: إني لجالس على بابكم إذ مر بي جعفر ومحمد ومعهما البغال تحمل النشاب، فلم يلبثا أن رجعا، والمضاء يتلوهما وفي يده الرمح، وهو يقرعهما به قرعاً ويقول: النجاء يا بني الإماء فلما بلغنا وقف.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: سمعت سعيد بن المشعر يقول:

(1/86)


سمعت محمداً يومئذٍ يعتزي ويقول: أنا الغلام القرشي، فلما كشفهم المضاء جعل يقول لمحمد: يا غلام أتعتزي علي، أما والله لولا يد كانت لعمك عبد الله بن علي عندي لعلمت.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: لما صار المضاء عند متسع الطريق، وقد مضى عمر بن سلمة حتى خالط جمعهم، فطاعنهم في رحبة محمد، ثم انصرف، فقال له المضاء: يا أبا حفص ما أحسبك شهدت حرباً قط قبل هذه.
قال: أجل. قال: فلا تفعل مثل فعلتك، فإن الجبان إذا اضطررته قاتلك.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا يونس بن نجدة، ثال أبو زيد، وحدثني عبد الرحمن بن غياث السراج، عن أبيه، وعمه: أن إبراهيم وجد في بيت المال ألفي ألف درهم، فقوى بها، وفرض القروض خمسين خمسين لكل رجل، فكان الناس يقولون: خمسون والجنة.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحكم بن بندويه: أن إبراهيم أنفذ المغيرة بن الفزع ويقال الفزر إلى الأهواز، وعليها محمد بن الحصين، فلقيه على نهر في فروخ - وبينهما وبين الأهواز فرسخان - فقاتله المغيرة، فهزمه. ودخل ابن الحصين الأهواز وتبعه المغيرة فحمل عليه، فانكشفوا ووقفوا في الصيارفة. فتركهم المغيرة، ودخل المسجد، فصعد المنبر فرموه بالنشاب، فجعل يقع في المسجد. فخرج إليهم فقاتلهم عند باب ابن الحصين، فولوا منه واتبعهم حتى بلغ الجسر.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الحسين بن سليم، عن أبيه.
أن ابن الحصين انهزم حتى بلغ قنطرة الهندوان، فوقف عليها، وأمر ابنه الحكم فنزل فقاتل وراء القنطرة حتى غشيهم الليل فأنفذ ثقله، وانكشف من الليل.
قال: فبلغني أن أبا أيوب المورياني، وكان له هوى في ابن حصين، قال لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين ألم تر إلى ابن الحصين فاء إلى فئة، وبه ثماني عشرة ضربة.
فقيل لأبي أيوب: لو نظرت إلى ابن الحصين فلم تر به أثراً ما كنت تصنع؟.
قال: لو هم بالنظر إليه ضربته ثماني عشرة ضربة ثم أريته إياه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا بمر بن عبد الله، عن مبارك الطبري، عن الربيع الحاجب: أن إبراهيم لما ظهر بالبصرة، وجه أبو جعفر خازم بن خزيمة في أربعة آلاف إلى الأهواز.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يوسف بن معبد الفريعي، قال: حدثني محمد بن خالد بن علي بن سويد، قال: لبثنا مع المغيرة بالأهواز أياماً ثم ذكر لنا أن خازم بن خزيمة قد أظلنا. فخرج المغيرة فعسكر على شاطئ دجيل، وأمر خريم بن عثمان بقطع الجسر، وأخذ السفن مما حوله فتتبعوا السفن فأخذوها حتى ظنوا أن لم يبق منها شيء.
وارتفع خازم إلى قرية لبني الهجيم يقال لها قرقوب على فرسخ من قصبة الأهواز، فعسكر بها في اثني عشر ألف فارس سوى رجالته.
وارتفع المغيرة فعسكر بإزائه في خمسمائة فارس، وخلف الرجالة في عسكره، واستخلف على الأهواز عفو الله بن سفيان، وطلب خازم السفن فلم يجدها، فأتاه رجل فقال له: وجه معي خيلاً أحدر إليك السفن، فمضى به إلى قرية يقال لها دور قطن مما يلي جنديسابور، فحدر عليهم سفناً قليلة فأتى بها ليلاً، فلما واراه الظلام عبر فيها أصحابه حتى أصبح.
فأصبح المغيرة، وقد ساواه القوم على شاطئ الدجيل، وذلك يوم الأحد، فأصبحنا والريح لنا عليهم، فلما صففنا وصفوا لنا انقلبت الريح لهم علينا، وعبأ القوم ميمنتهم وميسرتهم، وعبأ المغيرة أصحابه، فجعل على ميمنته عصب بن القاسم، وعلى ميسرته الترجمان بن هريمة، وصار هو في القلب، فبينما نحن كذلك إذ جاءت عقاب مسفةٌ حتى صدعت صفنا، فتطيرت منها.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا محمد بن أبي حرب، قال: حدثنا المذلق - واسمه عمر بن الضحاك - قال: التمس خازم معبراً فلم يجد، فاتخذ طرقاً من قصب، فعبر عليه ثلاثمائة نفس أو نحوها من أصحابه، وقام هو والمغيرة بإزائه، وتقدم إلى أصحابه: ألا تقاتلوا، فلما صاروا مع المغيرة قصدوا له، وتهيأ القوم لقتالهم، فنظرت إلى خازم ينتف لحية نفسه، ويصيح بالفارسية ينهاهم عن القتال. ثم هيأ طوقاً آخر فعبر إليهم خمسمائة أو نحوهم، فكنت فيمن عبر في المرة الثانية. فلما اجتمعنا لقيناهم في زهاء ألف، فما لبثنا حتى هزمناهم.

(1/87)


حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني الحر بن مالك، قال: حدثني واصل بن محمد السعدي، عن شبيب بن شبة، قال: قال لي خازم بن خزيمة: لله در المغيرة بن الفزع، أي رجل هو، ما ولدت النساء مثله، والله، لقد وجهت إليه الأجناد، وبعضهم في إثر بعض، وإني لأنظر إليه وبيني وبينه النهر، وإنه ليبول وإلى جنبه فرسه ما معه إلا رعاع من الرعاع، ثم ركب فناوش أصحابي، ثم انطفأ، ثم عاود أصحابي، ثم انكفأ، فما زال ذلك رأبه ودأبهم حتى غابوا عن عيني، فرجعوا وقد نقصوا ألفاً.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني الحكم بن بندويه قال: حدثني يوسف بن معبد، عن محمد بن خالد، قال: صاح المغيرة بأصحاب الركب، فلطموا وتترسوا حتى نفذ نشابهم، ثم حملوا عليهم فطاعنوا حتى ألقوا في الدجيل من أصحاب خازم خلقاً، وفصل بين الصفين... فدعا صهر لخازم بن خزيمة على أخته يدعى عبدويه كرداً من أهل خراسان، فدعا، للبراز، فبرز له المغيرة فبدره عبدويه فضربه فوقعت ضربته على ترس المغيرة فذهب، فترك المغيرة ترسه مع سيفه، وضربه على عاتقه فبلغ رئته، فرأيت خازم بن خزيمة ينتف لحية نفسه جزعاً عليه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني ابن عفو الله بن سفيان، قال: سمعت أبي يقول: والله ما ضربت يومئذٍ بسيف ولقد نظرت أكثر من خمسمائة من أصحاب خازم ألقوا أنفسهم في الماء.
حدثني يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا سعيد بن هريم، قال: حدثني الحسن بن لولا، وحدثني الخليل بن عمران، عن مذعور بن سنان: أن خازماً دس رجالاً فنزلوا إلى جانب الجبل في الموضع الذي كان فيه.
قال: وحدثني يوسف بن معبد عن محمد بن خالد قال: لم يزل المغيرة نازلاً بمكانه حتى وافى خازماً فبعث طائفة من أصحابه فنزلوا بإزائه وأمرهم إذا رأوا غلاماً من بعيد أن يصيحوا: نزل خازم الأهواز ليسمع المغيرة ذلك فينهزم، ففعلوا وعبر أصحابه في السفن، وأمرهم فنصبوا في أعلى السفن الأعلام والرماح، وجاء سالم بن غالب القمي، وكان من أصحاب المغيرة، فقال للمغيرة: قد دخل خازم الأهوار، وصاح أولئك القوم الذين كانوا عند الجبل بمثل ذلك، وكر المغيرة راجعاً، وحمل عليه رجل من أصحاب خازم ليطعنه، فعدل المغير عن فرسه، فأخطأه غير بعيد، ومر به فرسه يركض، فنفحه المغيرة بسيفه فظهر القطر من السواد، ثم ظهر الدم، وصاح المغيرة: أنا أبو الأسود، فما مر الرجل إلا يسيراً حتى خر صريعاً.
ودخل المغيرة الأهواز، وصعد المنبر فجعل يخطب ويسكن الناس، إذ قيل له هذه الأغنام ترمى بالنشاب في سكة باب إزاز، فصاح المغيرة بعبد له أسود يدعى كعبويه: " إكفني هؤلاء " ، فخرج فردهم.
ونزل المغيرة فانحدرنا إلى البصرة، وولى أبو جعفر سالم بن غالب القمي رامهرمز، ثواباً على ما قاله للمغيرة.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحسين بن مسلم بن سلمة قال: حدثني أبي، قال: جعل خازم للجند إن دخلوها عنوة أن يبيحها إياهم ثلاثاً، فدخلوها عنوة، فأذن لهم فيها فدخلوها ليلاً فانتهبوها ليلتهم والغد، ثم نهاهم.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني يوسف بن معبد، قال: حدثني محمد بن خالد، قال: كان دخول المغيرة البصرة منهزماً في اليوم الذي جاء فيه مقتل إبراهيم.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحرث بن مالك بن الخطاب، قال: حدثني عمر بن الخزاز، قال: قدم المغيرة من الأهواز، سوار جالس في المسجد في السواد، فصعد المنبر، فأتى سوار، فأخبر بذلك، فشد قمطره، ثم نهض حتى جاء إلى المنبر فصاح بالمغيرة: انزل فإنك جائر، قد قتل صاحبك. فنزل المغيرة.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا سهل بن عقيل، قال: حدثني أبو الهيثم رجل من أهل فارس، قال: قدم إلينا رجل يدعى عمرو بن شداد في ثلاثين إنساناً، من قبل إبراهيم، فذعر منه وإلى فارس فهرب وخلاه والبلاد، فدخلها وأسرع إليه رؤساؤها.

(1/88)


فلما قتل إبراهيم أتاه نعيه، وهو في أقاصي فارس، وبلغ الخبر الرؤساء وهم مقيمون معه، فتآمروا به وقالوا: ما يغسل ما عند أبي جعفر علينا إلا توجيه هذا إليه، فأتوه، وعلم بما أجمعوا عليه، فدعا بالمائدة فجعل يأكل على هنيئة ثم قال لحاجبه: ائذن لهم. فدخلوا عليه، وأخذوا مجالسهم. فقال: يا غلام: ارحل فجعل القوم يرحلون، والقوم على ثقة أنه لا يفوتهم، ثم ركبوا يريدون الرجوع إلى أداني فارس، وليس معه إلا سبعون رجلاً، وتبعه عسكر جرار من أهل فارس، فسار حتى أظلم وهو يمضي فيصير في ميمنة أصحابه مرة، وفي ميسرتهم أخرى، ويسر إليهم الخبر، ويعدهم إلى موضع يجتمعون فيه، فيتسللون واحداً واحداً، ولا يعلم أهل فارس لكثرتهم معه، ثم ينسل منهم، ولا يعرف أحداً.
ثم إن عمراً انسل في ليلته، والقوم منحدرون، ولا يعلمون بذهابه، ومضى هو مصعداً، وطلبوه فأعجزهم، وأغذ السير حتى أتى كرمان، فأوثق وإليها، وأخذ ما استتم له، ثم سار ليلاً إلى البحر فركب السفن، فصار إلى البصرة، واستخفى هو وأصحابه.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الرحمن بن إسماعيل، قال: حدثني خالد مولى محمد بن إسماعيل، قال: شهدت عمرو بن شداد حين أخذ، فأتى به ابن دعلج، فأمر بقطع يده، فمدها فقطعت، ثم مد اليسرى فقطعت، ثم رجله اليمنى فقطعت، ثم مد اليسرة فقطعت، وما يقر به أحد ولا يمسه، ثم قال له: مذ عنقك، فمدها، فضرب ضارب بسيف كليل فلم يصنع شيئاً.
فقال: اطلبوا سيفاً صارماً، فعجل الضارب فنبا فلم يصنع شيئاً.
فقال عمرو: سيف أصرم من هذا.
فسل ابن دعلج سيفاً كان عليه، فدفعه إلى رجل فضربه، وقال ابن دعلج لعمرو: أنت والله الصارم.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا محمد بن معروف، قال: حدثني أبي، قال: إنما دل على عمرو هادم له، ضربه فدل عليه، إما الهيثم بن معاوية، أو ابن دعلج، فقتله، وصلب في الموبد، في موضع دار إسحاق بن سليمان.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا إبراهيم بن سلم بن أبي واصل، قال: حدثني عبد الغفار بن عمرو الفقمي، قال: كان إبراهيم واجداً على هارون بن سعد لا يكلمه، فلما ظهر إبراهيم قدم هارون بن سعد فأتى أباك سلماً فقال له أخبرني عن صاحبك، أما به إلينا حاجة في أمره هذا؟ قال: قلت: بلى لعمر الله. ثم قام فدخل على إبراهيم، فقال: هذا هارون بن سعد قد جاءك. قال: لا حاجة لي فيه. قال: لا تفعل في هارون تزهد. فلم يزل به حتى قبله وأذن له، فدخل عليه، فقال له هارون: استكفني أهم أمورك إليك، فاستكفاه واسطاً واستعمله عليها.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني هشام بن محمد، قال: وجه إلينا أو جعفر قوماً منهم ابن المرزبان، وصالح بن يزداد، وكانوا يقاتلون أهل واسط، والخندق بينهم وبين إبراهيم بالبصرة، فلم يزالوا على ذلك حتى قتل إبراهيم ووادع هارون بن سعد وأهل واسط عامراً، فلما قتل إبراهيم أعطاهم عامر الأمان على ألا يقتل بواسط أحداً، فتتبعوا كل من وجدوا خارجاً من البلد، وهرب هارون بن سعد إلى البصرة فلم يصل إليها حتى مات رحمه الله.
حدثني يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أخي معاذ بن شبة، قال: سمعت أبي، يقول: لما ظهر إبراهيم أرسل إلى محمد بن عطية - مولى باهلة، وكان قد ولى لأبي جعفر بعض أعمال فارس - فقال: هل عندك مال؟.
قال: لا والله. قال: خلوا سبيله. فخرج ابن عطية وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: حدثني أبو سلمة ابن النجار - وكان من أصحاب إبراهيم - قال: كنا عنده بالبصرة إذ أتاه قوم من الدهجرانية أصحاب الضياع، فقالوا: يابن رسول الله، إنا ثوم لسنا من العرب، وليس لأحد علينا عقد ولا ولاء، وقد أتيناك بمال فاستعن به، فقال: من كان عنده مال فليعن به أخاه، فأما أن آخذه فلا، ثم قال: هل هي إلا سيرة علي بن أبي طالب أو النار.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عمار بن المختار، قال: حدثني محمد بن طلحة العذري، قال: أرسل إبراهيم إلى أبي وقد استخفى منه أن عندك مالاً فأتنا به، فأرسل إليه أي رجل، إن عندي مالاً، فإن أخذته مني أغرمنيه أبو جعفر، فأضرب عنه.

(1/89)


حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن حماد الثقفي، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الحمن، قال: أرسل إبراهيم إلى عبد الحميد بن لاحق، فقال: بلغني أن عنك أموالاً للظلمة - يعني الموريانيين - فقال: ما لهم مال. قال: الله قال: الله! فتركه، وقال: إن ظهر لي أن لهم عندك مالاً عددتك كذاباً.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر مولى محمد بن أبي العباس، قال: أسر إبراهيم رجلاً يعرف بمحمد بن يزيد من قواد أبي جعفر، وكان تحته فرس يحاذي رأسه رأسه، قال: فحدثني - يعني محمد بن يزيد - قال: أرسل إلي إبراهيم أن بعني فرسك. قال: فقلت: هو لك يابن رسول الله، فقال لأصحابه: كم يساوي؟ قالوا: ألفي درهم، فيعث إلي بألفي وخمسمائة درهم، فلما أراد المسير أطلقني.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني بكر بن كثير، قال: حدثني شيبة كاتب مسعود المورياني: أن جماعة من الزيدية دخلوا عليه، فسألوه وقالوا: هات ما معك من مال الظلمة. قال: وأدخلوني إلى إبراهيم؛ فرأيت الكراهية من وجهه، فاستحلفني، فحلفت فخلى سبيلي، فكنت أسأل عنه بعد ذلك فأدعو له، فنهاني مسعود عن ذلك.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني بكر بن كثير: أن إبراهيم أخذ حميد بن القاسم - عاملاً كان لأبي جعفر - فقال له المغيرة: ادفعه إلي قال: وما تصنع به؟ قال: أعذبه.
قال: لا حاجة لي في مال لا يؤخذ إلا بالعذاب.
حدثني يحيى بن علي، وغير واحد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري، قال: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة فكبر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد: لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهلك؟.
فقال: إن هذا أجمع للناس، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارقه عيسى واعتزله، وبلغ أبا جعفر فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يفعل، ولم يتم المر حتى قتل إبراهيم فاستخفي عيسى بن زيد، فقيل لأبي جعفر: ألا تطلبه؟ فقال: لا والله لا أطلب منهم رجلاً بعد محمد وإبراهيم، أنا أجعل لهم بعد هذا ذكراً؟.
قال أبو الفرج الإصبهاني: وأظن هذا وهماً من الجعفري الذي حكاه، لأن عيسى لم يفارق إبراهيم في وقت من الأوقات ولا اعتزله، وقد شهد معه باخمري حتى قتل فتوارى حينئذٍ إلى أن مات، وسنذكر خبره في موضعه - إن شاء الله - .
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني سفيان بن يزيد مولى باهلة، قال: سمعت إبراهيم يخطب فقال: يا أهل البصرة، لقيتم الحسنى، آويتم الغريب لا أرض ولا سماء، فإن أملك فلكم الجزاء، وإن أهلك فعلى الله - عز وجل - الوفاء.
قال: فجعلت الزيدية هذه الكلمة ندبة تندبه بها بعد قتله شبيهة بالنوح: حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر قال: حدثني عقيل بن عمرو الثقفي، قال: حدثني أبي، قال أبو زيد: وحدثني عمر بن عبد الله مولى بني هاشم عن رجل ذكر إبراهيم بن عبد الله في خطبة بني العباس فقال: صغروا ما عظم الله جل وعز، وعظموا ما صغر الله. وكان إذا أراد أن ينزل عن المنبر يقول: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون " .
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا الحسين بن جعفر بن سليمان القنعي، قال: سمعت أبي يقول: خطب إبراهيم. قال أبو زيد وحدثني عبد الملك بن سليمان. قال: حدثني الحجاج بن بصير الفساطيطي، قال: صعد إبراهيم المنبر فقال: أيها الناس، إني وجدت جميع ما تطلب العباد في حقهم الخير عند الله عز وجل في ثلاث: في المنطق، والنظر، والسكوت.
فكل منطق ليس فيه ذكر فهو لغو.
وكل سكوت ليس فيه تفكر فهو سهو.
وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلة.
فطوبى لمن كان منطقه ذكراً، ونظره عبرة. سكوته تفكراً، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسلم المسلمون منه.
قال: فكان الناس يعجبون من كلامه هذا وهو يريد ما يريد.
قال: ثم رفع صوته وقال: اللهم إنك ذاكر اليوم إباء بأبنائهم، وأبناء بآبائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم اللهم وحافظ الآباء في الأبناء، والأبناء في الآباء، احفظ ذرية محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، قال: فارتج المصلى بالبكاء.

(1/90)


حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أنبأنا بكار بن أحمد بن اليسع الهمداني قال: حدثني علي بن عبد الرحمن، عن عبيد بن يحيى، قال: حدثنا موفق قال: بعثني إبراهيم بن عبد الله إلى الكوفة بكتب، فجئت بها فأوصلتها وأخذت جواباتها فجعلتها في جرة - يعني ملة - وكسرتها وجعلتها في جرابي ومضيت إليه، فأخذت في اثنتي عشرة مسلحة، وأحلف بالطلاق والعتاق، والحل والحرام، وصدقة ما أملك، ما أنا لإبراهيم شيعة ولا أهوى هواه ولا أضمر إلا مثل ما أظهر. وانتهيت إليه في اليوم الثالث عند صلاة الفجر، فلما رآني بكيت ووثب إلي وسيفه بيده فقال لي: مه، ما وراءك يا أبا عبد الله؟ وما يبكيك؟ وما خلفك؟ قلت: الخير، قال: ما مع البكاء خير، فأخبرته بما لقيته من المسالح، والأيمان، فقال لي: أهذا الذي أبكاك؟ قلت نعم، قال: يا أبا عبد الله أمسك عليك أهلك، ومالك، ومملوكك، فإذا لقيت الله - عز وجل - غداً فقل: إن إبراهيم بن عبد الله أمرني بالمقام على ذلك الوفاء، والله لهم بأيمانهم كفر.
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي على سبيل المذاكرة، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده أبي محمد اليزيدي - فيما أرى - ، قال: كان إبراهيم بن عبد الله جالساً ذات يوم فسأل عن رجل من أصحابه فقال له بعض من حضر: هو عليل والساعة تركته يريد أن يموت، فضحك القوم منه، فقال إبراهيم: والله لقد ضحكتم منها عربية، قال الله عز وجل: " فوجدوا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه " يعني يكاد أن ينقض.
قال: فوثب أبو عمرو بن العلاء فقبل رأسه، وقال: لا نزال والله بخير ما دام مثلك فينا.
حدثنا أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار الثقفي، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، محمد بن سليمان: أن إبراهيم بن عبد الله نزل على المفضل الضبي في وقت استتاره - قال: وكان المفضل زيدياً - فقال له إبراهيم: ائتني بشيء من كتبك أنظر فيه، فإن صدري يضيق إذا خرجت، فأتاه بشيء من أشعار العرب، فاختار منها قصائد وكتبها مفردة في كتاب.
قال المفضل: فلما قتل إبراهيم أظهرتها، فنسبتها إلي، وهي القصائد التي تسمى " اختيار المفضل " السبعين قصيدة، قال: ثم زدت عليها وجعلتها مائة وثمانية وعشرين.
خبر بشير الرحال في خروجه مع إبراهيم بن عبد الله حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن محمد العبسي عن أبيه، قال: لما عسكر إبراهيم خرجت لأنظر إلى عسكره متقنعاً، فقال بشير: ويتقنعون وينظرون من بعيد! أفلا يتقنعون لله عز وجل في الحديد. قال: فخفته فجلست بين الناس.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو زيد قال حدثنا عمر، قال: حدثني خلاد بن زيد، قال: حدثني عثمان بن عمر، قال أبو زيد: وحدثني سعيد بن حبيب، مولى بني حنيفة، عن زياد بن إبراهيم، قال أبو زيد: وحدثني أيضاً محمد بن موسى الأسواري، دخل حديث بعضهم في حديث بعض من قصة بشير الرحال: وأول خبر خروجه مع إبراهيم أن السعر غلا مرة بالبصرة، فخرج الناس معه على الصعبة والذلول إلى الجبانة يدعون، فكان القصاص يقومون فيتكلمون ثم يدعون، فوثب بشير فقال: شاهت الوجوه، ثلاثاً، عصي الله في كل شيء، وانتهكت الحرم، وسفكت الدماء، واستؤثر بالفيء، فلم يجتمع منكم اثنان فيقولان: هل نغير هذا وهلم بنا ندع الله أن يكشف هذا، حتى إذا غلت أسعاركم في الدينار بكيلجةٍ جئتم على الصعب والذلول من كل فج عميق تصيحون إلى الله أن يرخص أسعاركم، لا أرخص الله أسعاركم، وفعل بكم وفعل.
قال: وصليت يوماً إلى جنب بشير الرحال، وكان شيخاً عظيم الرأس واللحية، ملقياً رأسه بين كتفيه، فمكث طويلاً ساكتاً، ثم رفع رأسه فقال: عليك أيها المنبر لعنة الله وعلى من حولك، فوالله لولاهم ما نفذت لله معصية، وأقسم بالله لو يطيعني هؤلاء الأبناء حولي لأقمت كل امرئ منهم على حقه وصدقه، قائلاً للحق أو تاركاً له، وأقسم بالله لئن بقيت لأجهدن في ذلك جهدي أو يريحني الله من هذه الوجوه المشوهة المستنكرة في الإسلام.
قال: فوالله لخفنا ألا نتفرق حتى توضع في أعناقنا الحبال.
قال:

(1/91)


وكان السائل يقف على بشير يسأله فيقول له: يا هذا إن لك حقاً عند رجل ها هنا، وإن أعانني عليه هؤلاء أخذت لك حقك فأغناك، فيقول السائل: فأنا أكلمهم، فيأتي الخلق في المسجد الجامع فيقول: يا هؤلاء، إن هذا الشيخ زعم أن لي حقاً عند رجل، وإنكم إن أعنتموه أخذ لي حقي، فأنشدكم الله إلا أعنتموه. فيقولون له: ذلك شيخ يعبث.
قال: وكان بشير يقول يعرض بأبي جعفر: أيها القائل بالأمس: إن ولينا عدلنا، وفعلنا وصنعنا، فقد وليت فأي عدل أظهرت؟ وأي جور أزلت وأي مظلوم أنصفت؟ آه. ما أشبه الليلة بالبارحة إن في صدري حرارة لا يطفيها إلا برد عدل أو حر سنان.
وكان الذي خطب بذلك محمد بن سليمان: قال: فبكى حتى كاد أن يسقط عن المنبر. وأحبه النساك. وقالوا: ملك مترف. وذكر ذنبه فأبكاه. فبكى.
وصول مقتل إبراهيم بن عبد الله إلى أخيه إبراهيم، وحركته للنهوض إلى باخمري، وتوجبه أبي جعفر القواد إليه ومقتله حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن عبد الله بن حماد الثقفي عمن أخبره، قال أبو زيد، وحدثني محمد بن الحكم، بن عبيدة، عن جده مسعود بن الحارث، قال: لما كان يوم الفطر شهدنا إبراهيم، وكنا قريباً من المنبر، وعبد الواحد بن زياد معنا، فسمعت إبراهيم يتمثل بهذه الأبيات:
أبا المنازل يا خير الفوارس من ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أني لو خشيتهم ... وأوجس القلب من خوف لهم فزعا
لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم ... حتى نموت جميعاً أو نعيش معا
ثم بكى فقال: اللهم إنك تعلم أن محمداً إنما خرج غضباً لك، ونفياً لهذه المسودة وإيثاراً لحقك فارحمه واغفر له، واجعل الآخرة خير مرد له، ومنقلب من الدنيا. ثم جرض بريقه وتراد الكلام في فيه وتلجلج ساعة، ثم انفجر باكياً منتحباً، وبكى الناس. قال: فوالله لرأيت عبد الواحد بن زياد اهتزله من قرنه إلى قدمه، ثم بلت دموعه لحيته.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا عبد الله بن شيبان، قال: قال إبراهيم بن عبد الله: ما أتى علي يوم بعد قتل محمد إلا استطلته حباً للحاق به.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو زيد، قال حدثنا عمر عن النضر بن حماد وغيره: أن إبراهيم خرج فعسكر بالمأجور يريد قصر أبي جعفر بالكوفة وقتاله.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثني عبد الواجد من آل خليفة بن قيس، قال: كان على ميسرة إبراهيم برد بن لبيد اليشكري.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر قال حدثني إبراهيم بن سلام، قال: حدثني أخي عن أبي قال: كان على ميمنة إبراهيم عيسى بن زيد.
قال أبو الفرج: وهذا الحديث يبطل حديث الجعفري في اعتزال عيسى إبراهيم، وهذا أصح.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن معروف عن أبيه، وحدثني محمد بن موسى الأسواري: أن أبا جعفر كتب إلى عيسى، وهو بالمدينة: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل، ودع ما أنت فيه. فلم يلبث أن قدم فوجهه على الناس. وقدم سلم بن قتيبة فضمه إلى جعفر بن سليمان، وبعثه مع عيسى فأنف جعفر من طاعة عيسى فكان في ناحية الناس.
أخبرنا يحيى بن علي، والعتكي عمر بن عبد الله، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن الوارث، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: أراد المضاء أن يبيت عيسى بن موسى فمنعه بشير.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا سعيد بن ستيم، عن عمه: أن عبد الواحد بن زياد أشار على إبراهيم بأن يبيت عيسى، فقالت الزيدية: إنما البيات من فعال السراق.
قال: فارجع إلى البصرة ودعنا نقاتل عيسى فإن هزمنا أمددتنا بالإمداد، فقالت الزيدية: أترجع عن عدوك وقد رأيته؟.
قال: فخندق على عسكرك، فقالت الزيدية: أتجعل بينك وبين الله جنة؟.
فقال عبد الواحد: أما لولا أن يقال: إني أوردتك ثم لم أصدرك لعرفت وجه الرأي.
قال عمر: وحدثني إبراهيم بن سلم، عن أخيه، عن أبيه سلم: أنه قال له: اجعل عسكرك كراديس، إذا هزم منهم كردوس ثبت كردوس، فقالوا: لا نكون إلا صفاً واحداً كما قال الله تعالى: " كأنهم بنيان مرصوص " .

(1/92)


أخبرنا عمر بن عبد الله، ويحيى بن علي، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن محمد الجعفري، قال: حدثني أبي، قال: لما تصاف العسكران، خرج رجل أزرق طويل، لكأني أنظر إليه من عسكر عيسى فقال: يا أصحاب إبراهيم أنا والله قتلت محمداً. قال: فخرج إليه أربعة رهط من عسكر إبراهيم كأنهم الصقور، فابتدروه بأسيافهم، فوالله ما قلت خالطوه حتى رجعوا برأسه، والله ما نصره أحد من أصحاب عيسى.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أبو الحسن على الحداد من أهل بغداد، قال: حدثني مسعود الرحال الكوفي، قال: شهدت باخمري، فإني لأنظر إلى إبراهيم وهو في فسطاطه، وبين يديه علم مذهب مركوز فسمعته يقول: أين أبو حمزة؟ فأقبل شيخ قصير على فرس، فلما دنا عرفت وجهه، فإذا هو شيخ كان يعمل القلانس على باب دار ابن مسعود بالكوفة فقال له: خذ هذا العلم فقف به على الميسرة ولا تبرح.
قال: فأخذ العلم ووقف في الميسرة، والتقى الصفان، وقتل إبراهيم فانهزم أصحابه وإنه لواقف مكانه، فقيل له: ألا ترى صاحبك قد قتل وذهب الناس؟ قال: إنه قال لي: لا تبرح، فقاتل حتى عقر به، ثم قاتل راجلاً حتى قتل.
أخبر عمر ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن زياد قال: حدثني الحسن بن حفص، قال: سمعت شراحيل بن الوضاح يقول: كنت مع عيسى بن موسى بباخمري فهزمنا حتى جعل عيسى يقول: أهي هي؟.
وأنا أقول في نفسي: اللهم حققها، حتى وردنا على جدول، فوالله ما تركته ينفذ حتى عبرناه معاً.
حدثنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سهل بن عقيل، قال: حدثني سلم بن فرقد، قال: وحدثني غيره، قال: لما القوا هزم عيسى وأصحابه هزيمة قبيحة حتى دخل أوائلهم الكوفة، وأمر أبو جعفر بإعداد الإبل والدواب على جميع أبواب الكوفة ليهرب عليها.
قال أبو زيد: حدثني سهل بن عقيل عن سلم بن فرقد، قال: تبعهم أصحاب إبراهيم، وكان محمد بن أبي العباس معسكراً في ناحية، فلما رآهم لف أعلامه وانهزم، وأخذ على مسناة منهزماً، وكان في المسناة تعريج فنظروا إليه وقد صار في طرفيها وبعد عنهم، فكان يتبين لهم أنه خلفهم، وأنه كمين فصاحوا: الكمين الكمين، فانهزموا، وجاء سهم بيهم فأصاب إبراهيم فسقط، وأسنده بشير الرحال إلى صدره حتى مات إبراهيم وهو في حجره، وقتل بشير وإبراهيم على تلك الحال في حجرة وهو يقول: " وكان أمر الله قدراً مقدوراً " .
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أخي أحمد، وحفص بن حكيم: أن أبا جعفر وجل من إبراهيم حتى جعل يقول ويلك يا ربيع فكيف ولم ينلها أبناؤها. فأين إمارة الصبيان؟.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني رجل عن هشام بن محمد، قال: صبر مع إبراهيم أربعمائة يضاربون دونه حتى قتل فجعلوا يقولون: أردنا أن نجعلك ملكاً فأبى الله إلا أن يجعلك شهيداً، حتى قتلوا معه.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر، قال حدثني عبد الحميد أبو جعفر، قال: سألت أبا صلابة: كيف قتل إبراهيم؟.
قال: إني لأنظر إليه واقفاً على دابة محمد بن يزيد، ينظر إلى أصحاب عيسى وقد ولوا ومنحوه أكتافهم، ونكص عيسى برايته القهقري، وأصحابه يقتلونهم وعلى إبراهيم قباء زرد، فأذاه الحر فحل أزرار القباء فشال الزرد حتى سال على يديه، وحسر عن لبته، فأتته نشابة عائرة فأصابت لبته، فرأيته اعتنق فرسه وكر راجعاً، واطافت به الزيدية.
قال أبو زيد: فحدثني ابن أبي الكرام الجعفري أنه شهد الأقطع مولى عيسى بن موسى وقد أتاه فقال: هذا وحياتك رأس إبراهيم في مخلاتي، فقال لي: اذهب فانظر فإن كان رأسه فاحلف لي بالطلاق حتى أصدقك، وإن لم يكن رأسه فاسكت، فأتيته فقلت: أرنيه فأخرجه يختلج خده، فقلت ويلك، كيف وصلت إليه؟ قال: أتته نشابة فأصابته فصرع، وأكب عليه أصحابه يقبلون يديه ورجليه، فعلمت أنه هو، فعلمت مكانه، وجعل أصحابه يقاتلون دونه لا يبالون، فلما قتلوا أتيته واحتززت رأسه. قال: فأتيت عيسى فأخبرته فنادى بالأمان.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال حدثني إبراهيم بن سلم، عن أخيه علي قال:

(1/93)


لما انهزمنا يومئذ صرنا إلى عيسى بن زيد فصبر ملياً ثم قال: ما بعد هذا متلوم، وانحاز فصرنا معه إلى قصره، فكنا فيه، فأزمعنا على أن نبيت عيسى ابن موسى فلما انتصف الليل فقدنا عيسى فانتقض أمرنا.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني علي بن أبي هاشم، قال: حدثنا إسماعيل بن علية، قال: خرج إبراهيم في رمضان، سنة خمس وأربعين ومائة، وقتل في ذي الحجة، وكان شعارهم: أحد أحد.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: قتل إبراهيم يوم الاثنين ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، واتى أبو جعفر برأسه ليلة الثلاثاء، وبينه وبين مقتله ثمانية عشر ميلاً، فلما أصبح يوم الثلاثاء أمر برأس إبراهيم فنصب بالسوق فرأيته منصوباً مخضوباً بالحناء.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال حدثني عبد الحميد أبو جعفر. قال: أخرج رأس إبراهيم.
فخرجت ومنادي أبي جعفر ينادي هذا رأس الفاسق ابن الفاسق، فرأيت رأس إبراهيم في سفط أحمر، في منديل أبيض، قد غلف بالغالية، فنظرت إلى وجهه رجلاً سايل؟ رجل سائل الخدين، خفيف العارضين، أقنى، قد أثر السجود بجبهته وأنفه، وشخص ابن أبي الكرام برأسه إلى مصر.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني الحسين بن علي السلولي، قال: حدثنا أحمد بن زيد، قال: حدثنا عمي أبو معمر سعيد بن خثيم، قال حدثني يونس بن أبي يعقوب، قال: حدثنا جعفر بن محمد من فيه إلى أذني، قال: لما قتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمري حسرنا عن المدينة، ولم يترك فيها منا محتلم، حتى قدمنا الكوفة، فمكثنا فيها شهراً نتوقع فيها القتل، ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال: أين هؤلاء العلوية؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى. قال: فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد، فلما صرت بين يديه قال لي: أنت الذي تعلم الغيب؟.
قلت: لا يعلم الغيب إلا الله.
قال: أنت الذي يجبي إليك هذا الخراج؟.
قلت: إليك يجبى - يا أمير المؤمنين - الخراج.
قال: أتدرون لم دعوتكم؟ قلت: لا.
قال: أردت أن أهدم رباعكم، وأروع قلوبكم، وأعقر نخلكم، وأترككم بالسراة، لا يقربكم أحد من أهل الحجاز، وأهل العراق؛ فإنهم لكم مفسدة.
فقلت له: يا أمير المؤمنين، إن سليمان أعطى فشكر، وإن أيوب ابتلى فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت من ذلك النسل.
قال: فتبسم وقال: أعد علي، فأعدت فقال: مثلك فيكن زعيم القوم، وقد عفوت عنكم، ووهبت لكم جرم أهل البصرة، حدثني الحديث الذي حدثتني عن أبيك، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلة الرحم تعمر الديار، وتطيل الأعمار، وإن كانوا كفاراً.
فقال: ليس هذا.
فقلت: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الأرحام معلقة بالعرش تنادي: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني.
قال: ليس هذا.
فقلت: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يقول: " أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعهابتته " .
قال: ليس هذا الحديث.
قلت: حدثني أبي، عن آبائه، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملكاً من الملوك في الأرض كان بقي من عمره ثلاث سنين، فوصل رحمه فجعلها الله ثلاثين سنة.
فقال: هذا الحديث أردت، أي البلاد أحب إليك؟ فوالله لأصلت رحمي إليكم.
قلنا: المدينة، فسرحنا إلى المدينة، وكفى الله مؤنته.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عمر بن إسماعيل بن صالح بن هيثم، قال: حدثني عيسى بن رؤبة، قال: لما جيء برأس إبراهيم فوضع بين يدي أبي جعفر بكى حتى رأيت دموعه على خدي إبراهيم، ثم قال: أما والله إن كنت لهذا كارهاً، ولكنك ابتليت بي، وابتليت بك.
حدثني أحمد بن محمد الهمداني، قال: قال يحيى بن الحسن، حدثني غير واحد عن علي بن الحسن، عن يحيى بن الحسين بن زيد عن أبيه الحسين عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، قال:

(1/94)


كنت عند المنصور حين جيء برأس إبراهيم بن عبد الله، فأتى به في ترس حتى وضع بين يديه، فلما رأيته نزت من أسفل بطني غصة فسدت حلقي، فجعلت أداري ذلك مخافة أن يفطن بي، فالتفت إلي فقال لي: يا أبا محمد أهو هو؟.
قلت: نعم يا أمير المؤمنين ولوددت أن الله فاء به إلى طاعتك، وإنك لم تكن نزلت منه بهذه المنزلة.
قال: فأنا وإلا فأم موسى الطلاق - وكانت من غاية أيمانه - لوددت أن الله فاء به إلى طاعتي، وأني لم أكن نزلت منه بهذه المنزلة، ولكنه أراد أن ينزلنا بها، وكانت أنفسنا أكرم علينا من نفسه.
حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن الحسين، قال: حدثنا هارون بن موسى، قال: حدثني عبد الله بن نافع، قال: لما وضع رأس إبراهيم بين يدي أبي جعفر تمثل:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر
أخبرنا عمر بن عبد الله العتكي، ويحيى بن علي، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن زياد، قال: حدثني الحسن بن جعفر، قال: كنت بالكوفة فرأيت فل عيسى بن موسى قد دخل الكوفة نهاراً، فلما كان الليل رأيت فيما يرى النائم كأن نعشاً تحمله رجال يصعدون به إلى السماء ويقولون: من لنا بعدك يا إبراهيم؟ قال: وأيقطني أخي من نومي فقلت: ما لك؟ فقال: أسمع التكبير على باب أبي جعفر، ولا والله ما كبروا باطلاً، فإذا الخبر قد جاء بقتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
تسمية من خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن من أهل العلم والفقهاء ونقلة الآثار أخبرنا يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز، وعمر بن عبد الله، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل الحذاء، قال: حدثني أخي محمد بن مسلم، قال: قال لي أبي: يا بني، إن إبراهيم قد ظهر بالبصرة. قال: فابتع لي عمامة صوف وقباء وسراويل، وفعلت، فشخص هو وثلاثة رهط معه حتى قدموا إلى الكوفة.
حدثنا جعفر بن محمد الوراق، قال: حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني، قال: خرج نفر من أصحاب زيد بن علي متنكرين في جملة الحجاج، حتى لحقوا بإبراهيم بالبصرة، منهم سلام بن أبي واصل الحذاء.
حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثني خالد بن خداش بن عجلان، قال: سمعت حماد بن يزيد يقول: ما أحد من الناس إلا أنكرناه أيام إبراهيم، قيل له فسوار؟.
قال: والله ما حمدنا رأيه.
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني: أخبرني يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، وعمر بن عبد الله العتكي قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن سلام بن أبي واصل، قال: حدثني أخي محمد بن سلام عن أبيه قال: وقفت على باب إبراهيم بن عبد الله، وهو نازل في دار محمد بن سليمان، فقلت لآذنه: قل له: سلام بن أبي واصل بالباب، فسمعت الآذن يقول: سلام الحذاء بالباء، فنسبني إلى اللقب الغالب علي، فأذن لي، فدخلت فقال: ما أبطأ بك عنا؟ فقلت: كنت أجهز الرجال إليك، قال: صدقت، فأنزلني معه في الدار. قال: فبينا أنا جالس يوماً إذا شيء فيه رقعة: إن بيت المال ضائع فأكفناه، فقلت لبعض من حضر أين بيت المال؟ قال في الدار، فقمت فإذا شيخ قد كان موكلاً به، فقال لي: أمرت فيما ها هنا بأمر؟ قلت: نعم. قال: فأنت إذاً سلام بن أبي واصل، قال: فوليت بيت المال.
أخبرني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثني نصر بن مزاحم، قال: خرج أبو داود الطهوي مع إبراهيم وكان عنده أثيراً.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم، قال: خرج فطر بن خليفة مع إبراهيم، وكان يومئذٍ شيخاً كبيراً.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد، قال: حدثني الحسن بن الحسين، قال: خرج سلام بن أبي واصل الحذاء، وعيسى بن أبي إسحاق السبيعي، وأبو خالد الأحمر مصطحبين متنكرين مع الحاج، عليهم جباب الصوف وعمائم الصوف، يسوقون الجمال في زي الجمالين، حتى أمنوا فعدلوا إلى إبراهيم، وكانوا معه حتى قتل.
أخبرنا يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني القاسم بن أبي شيبة، قال:

(1/95)


خرج أبو خالد الأحمر، ويونس بن أبي إسحاق مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن.
أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: خرج عيسى بن يونس بن أبي إسحاق من الكوفة إلى إبراهيم، فشهد معه حربه.
حدثنا يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل، عن أخيه محمد بن سلام، قالوا: شهد مع إبراهيم بن عبد الله من أصحاب زيد بن علي ثلاث نفر: سلام بن أبي واصل الحذاء، وحمزة بن عطاء البرني، وخليفة بن حسان الكيال، وكان أفراس الناس.
أخبرني محمد بن زكريا الصحاف، قال: حدثنا قعيب بن محرز، قال: حدثني العريان بن أبي سفيان بن العلاء، قال: خرج مع إبراهيم بن عبد الله عبد الله بن جعفر المدائني، فقال له ليلة: قم بنا حتى نطوف في العسكر، فقام معه فسمع في ناحية عسكره صوت طنبور، فاغتم لذلك وقال لعبد الله بن جعفر: ما أرى عسكراً فيه مثل هذا ينصر.
عبد الله بن جعفر هذا والد علي بن المدائني.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر، وأحمد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، عن عريان بن أبي سفيان، قال: حدثني الثقة عندي عن عبد الله بن جعفر، ثم ذكر مثل هذه الحكاية أو قريباً منها.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن سلام بن أبي واصل، قال: حدثني عبد الغفار بن عمرو الفقيمي ابن أخي الفضيل، والحسين بن أبي عمرو، قال: كان إبراهيم بن عبد الله واجداً على هارون بن سعد لا يكلمه، فلما ظهر قدم هارون فأتى أباك سلاماً فقال له: أخبرني عن صاحبنا، أما به إلينا حاجة في أمره هذا؟ قال: قلت له بلى لعمر الله، ثم قام فدخل على إبراهيم فقال له: هذا هارون بن سعد قد جاءك.
فقال: لا حاجة لنا به. فقال له لا تفعل، أفي هارون تزهد؟ فلم يزل به حتى قبله وأذن له، فدخل عليه فقال له هارون: استكفني أهم أمرك إليك، فاستكفاه واسطاً واستعمله عليها.
قال أبو زيد: وحدثني أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثني عبد الله بن سلمة الأفطس، قال: ولي إبراهيم هرون بن سعد واسطاً، فبادرت فدخلت إليه في السفينة فحدثني بأربعة أحاديث. قال أبو نعيم: والذي رواه الأعمش عن أبي عمرو الشيباني إنما سمعه من هارون بن سعد.
قال أبو زيد: حدثني هشام بن محمد أبو محمد من أهل واسط، قال: قدم علينا هارون بن سعد في جماعة ذات عدد فرأيته شيخاً كبيراً كنت أراه راكباً قد انحنى على دابته، فبايعه أهل واسط.
قال أبو زيد: وحدثني عمر بن عون، قال: كان هارون بن سعد رجلاً صالحاً، قد روى عن الشعبي، ولقى إبراهيم، وكان فقيهاً.
حدثني عيسى بن الحسن الوراق، قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثني أبو الصعداء، قال: لما قدم هارون بن سعد والياً على واسط من قبل إبراهيم خطب الناس، ونعى على أبي جعفر أفعاله، وقتله آل رسول الله، وظلمه الناس، وأخذه الأموال، ووضعها في غير مواضعها، وأبلغ في القول حتى أبكى الناس، ورقت لقوله قلوبهم، فاتبعه ابن العوام، ويزيد بن هارون، وهشيم بن بشير، والعلاء بن راشد.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدثنا إبراهيم بن سليمان المقري، قال: حدثني نصر بن مزاحم، قال: حدثني من رأى هشيماً واقفاً بين يدي هارون بن سعد متقلداً سيفاً، رث الهيئة، يدعو الناس إلى بيعة إبراهيم.
أخبرني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا محمد بن مروان الغزال، قال: حدثنا زيد بن المعذل النمري، عن هشام بن محمد، قال: ولي إبراهيم بن عبد الله بن الحسن هارون بن سعد واسطاً، وضم إليه جيشاً كثيفاً من الزيدية، فأخذها وتبعه الخلق، ولم يتخلف أحد من الفقهاء، وكان ممن تبعه عواد بن العوام، ويزيد بن هارون، وهشيم، وكان موقف هشيم في حروبه مشهراً، وقتل ابنه معاوية، وأخوه الحجاج بن بشير في بعض الوقائع.
قال: وشهد معه العوام بن حوشب وهو شيخ كبير، وأسامة بن زيد، فلما قتل إبراهيم انحدر هارون بن سعد إلى البصرة، فبلغنا أنه مات بها حين دخلها، رحمه الله ورضي عنه.
أخبرنا يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عامر بن يحيى العقيلي، قال: حدثني أبو مخارق بن جابر، قال: نادى منادي المسودة: أمن الناس أجمعون إلا العوام بن حوشب، وأسامة بن زيد.

(1/96)


فأما العوام فاستخفى سنتين ثم عمل معن بن زائدة في أمره، وكان يسأله حتى أخرج له أماناً.
وأما أسامة بن زيد فتوارى مدة ثم هرب إلى الشام.
قال أبو زيد: وحدثني عبد الله بن راشد بن يزيد، قال: استخفى هارون بن سعد، فلم يزل مستخفياً حتى ولى محمد بن سليمان الكوفة، فأعطاه الأمان واستدرجه حتى ظهر، وأمره أن يعرض ثمانين من أهل بيته، فهم أن يفعل، فركب إلى محمد ولقيه ابن عم له يدعى الفرافصة فقال: أنت مخدوع، فرجع فتوارى حتى مات، وهدم محمد بن سليمان داره.
قال أبو زيد، وحدثني سعد بن الحسن بن بشير الحواري، قال: سمعت أصحابنا يقولون: كان عبد الواحد بن زياد بنهر أبان، وكان قد تقدم إلى إبراهيم ألا يخفى عليه مخرجه، فلما ظهر أقبل عبد الواحد من نهر أبان مبيضاً حتى عبدس، فهرب وإليها وخلف في بيت مالها سبعين ألف درهم، فأخذها عبد الواحد، فكانت أول ما قدم به على إبراهيم.
قال أبو زيد، وحدثني خالد بن خداش، قال: بيض أيوب بن سليمان نهر أبان، وغلب عليها، وأيوب هذا محدث راوٍ، قد روى عنه الواسطيون، وممن روى عنه سليمان بن أبي شيخ.
أخبرني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: سمعت زفر بن الهذيل يقول: كان أبو حنيفة يجهر في أمر إبراهيم جهراً شديداً، ويفتي الناس بالخروج معه، فقلت له: والله ما أنت بمنتهٍ عن هذا حتى نؤتي فتوضع في أعناقنا الحبال.
قال: وكتب إليه هو ومسعر بن كدام يدعوانه إلى أن يقصد الكوفة، ويضمنا له نصرتهما ومعونتهما، وإخراج أهل الكوفة معه، فكانت المرجئة تعيبهما بذلك.
حدثنا يحيى بن علي، وعمر، وأحمد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: حدثني الفضل بن شعيب، قال: رأيت مسلم بن سعيد، والأصبغ بن زيد، مع هارون بن سعد، عليهما سيفان أيام إبراهيم بن عبد الله، بواسط.
قال القاسم بن أبي شيبة، وحدثني أزهر بن سعد، قال: رأيت هشيماً عليه سيف حمائله شريط يرامى المسودة من وراء السور.
حدثنا عمر، ويحيى، وأحمد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني زكريا بن عبد الله بن صبيح، ويلقب رحمويه، قال: قال المهدي لابن علائة: ابغني قاضياً لمدينة الوضاح. قال: قد أصبته، عباد بن العوام. فقال له: وكيف مع ما في قلوبنا عليه.
قال رحمويه: وهدم الرشيد دار عباد بن العوام في خلافته، ومنعه الحديث، ثم أذن فيه بعد.
أخبرني جعفر بن محمد الوراق، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا نصر بن حازم، قال: خرج هارون بن سعد من الكوفة في نفر من أصحاب زيد بن علي إلى إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وكان فيمن خرج معه عامر بن كثير السراج، وهو يومئذٍ شاب جلد شجاع، وحمزة التركي، وسالم الحذاء، وخليفة بن حسان.
قال: لما قدموا على إبراهيم ولي سالم بن أبي واصل بيت المال، وولي هارون بن سعد واسطاً، فأنفذ معه جيشاً كثيفاً، فدخل واسطاً، وهرب منه أصحاب أبي جعفر، وأسرع الناس إليه، ولم يبق أحد من أهل العلم إلا تبعه، وكان منهم عباد بن العوام، وهشيم بن بشير، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويزيد بن هارون، ومسلم بن سعيد، والأصبغ بن زيد.
ودعا عاصم بن علي فاعتل عليه بالمرض والضعف، فقال له: أنا أفتي الناس بالخروج معك، ثم هرب منه، فجعل هارون بن سعد عبادة بن العوام قائداً وضم إليه الفقهاء أجمعين، وكانوا في قيادته، وشاوره وقدمه فلما قتل إبراهيم وانقضت حياته، هرب عباد بن العوام، فهدمت داره وانفضت جموعه، ولم يزل متوارياً حتى مات أبو جعفر.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سهل بن عقيل، قال: قدم هارون بن سعد عباد بن العوام ورأسه وشاوره، فكان في أصحابه يزيد بن هارون وإسحاق بن يوسف الأزرق، وغيرهما.
قال أبو زيد، وحدثني عاصم بن علي بن عاصم، قال أخبرني علي بن عبد الله بن زياد، قال: رأيت هشيم بن بشير واقفاً موقفاً في وقعة واقعناها القوم، لا والله، ما وقفه قط إلا شجاع مجتمع القلب.
قال أبو زيد، وحدثني ابن بنت هشيم، قال: بلغ يزيد بن هارون أن علي بن حرملة يتهدده ويقول: سيعلم يزيد على رأس من كانت الرايات تحقق، فبلغ ذلك يزيد فقال: غلط، إنما كانت الراية لعباد بن العوام.

(1/97)


قال أبو زيد، قال لي عاصم بن علي: صدق يزيد، كان القائد عباد بن العوام وكان يزيد بن هارون من أصحابه.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر، ومحمد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أحمد بن خالد بن خداش، قال: سمعت حماد بن زيد يقول: ما كان بالبصرة أحد إلا وقد تغير أيام إبراهيم إلا ابن عون.
قيل له: فهشام بن حسان.
قال: ما حمدنا قوله، كان يذكر أبا جعفر فيقول: اللهم أهلك أبا الدوانيق، فقلت له في ذلك. فقال: إني أخاف أن يظهر فيشتتنا.
حدثني أبو عبد الله الصيرفي محمد بن أحمد بن المؤمل، قال حدثني فضل المصري قال: حدثني يعقوب الدورقي قال أبو الفرج: وقرأت أنا في بعض الكتب عن يعقوب الدورقي، عن بعض أصحابه، عن إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي، قال: قال أبو إسحاق الفزاري: جئت إلى أبي حنيفة فقلت له: ما اتقيت الله حيث أفتيت أخي بالخروج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن حتى قتل.
فقال: قتل أخيك حيث قتل يعدل قتله لو قتل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة.
قلت له: ما منعك أنت من ذاك.
قال: ودائع للناس كانت عندي.
أخبرني محمد بن الحسين الأشناني، عن عباد بن يعقوب، عن عبد الله بن إدريس، قال: سمعت أبا حنيفة وهو قائم على درجته، ورجلان يستفتيانه في الخروج مع إبراهيم، وهو يقول: أخرجا.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني نصير بن حماد أبو سهل، قال: ما زلت أسمع أن شعبة كان يقول في نصرة إبراهيم بن عبد الله للناس إذا سألوه: ما يقعدكم؟ هي بدر الصغرى.
قال أبو زيد، وحدثني يعقوب بن القاسم، عن بعض أصحابه، عن أبي إسحاق الفزاري، واسمه إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء بن حارثة، قال: لما خرج إبراهيم ذهب أخي إلى أبي حنيفة فاستفتاه، فأشار عليه بالخروج، فقتل معه، فلا أحب أبا حنيفة أبداً.
قال أبو زيد: وحدثني نصر بن حماد، قال: كان صالح المروزي يحرض الناس على نصرة إبراهيم.
قال أبو زيد، وحدثني القاسم بن شيبة، قال سمعت أبا نعيم يقول: سمعت عمار بن زريق يقول: سمعت الأعمش يقول أيام إبراهيم: ما يقعدكم؟ أما أني لو كنت بصيراً لخرجت.
لأخبرني محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثني أبو نعيم: أن مسعر بن كدام كتب إلى إبراهيم بن عبد الله يدعوه إلى أن يأتي الكوفة ويعده أن ينصره، وكان مسعر مرجئاً، فلما شاع ذلك عاتبته المرجئة.
أخبرني محمد بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، وأخبرنا ابن علي وأصحابه عن عمر بن شبة، عن عبد الله بن محمد بن حكيم، قالا: كتب أبو حنيفة إلى إبراهيم يشير عليه أن يقصد الكوفة ليعينه الزيدية، وقال له: ائتها سراً فإن من ها هنا من شيعتكم يبيتون أبا جعفر فيقتلونه، أو يأخذون برقبته فيأتونك به.
قال عمر بن شبة في خبره: وكانت المرجئة تنكر ذلك على أبي حنيفة وتعيبه به.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن منصور الرازي، عن الحسن بن الحسين، وغيره من أصحابه.
أن أبا حنيفة كتب إلى إبراهيم بن عبد الله لما توجه إلى عيسى بن موسى: إذا أظفرك الله بعيسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فإنه لم يقتل المنهزم، ولم يأخذ الأموال، ولم يتبع مدبراً، ولم يذفف على جريح؛ لأن القوم لم يكن لهم فئة، ولكن سر فيهم بسيرة يوم صفين، فإنه سبى الذرية، وذفف على الجريح، وقسم الغنيمة، لأن أهل الشام كانت لهم فئة، وكانوا في بلادهم.
فظفر أبو جعفر بكتابه، فسيره وبعث إليه فأشخصه، وسقاه شربة فمات منها، ودفن ببغداد.
أخبرني محمد بن زكريا الصحاف، قال: حدثنا قعيب بن محرز، عن المدائني: أن عباد بن العوام خرج إلى إبراهيم بن عبد الله، وشهد معه حربه، فلما ظفر أبو جعفر وقتل إبراهيم، طلبه، فسأله فيه المهدي فوهبه له، وقال: لا تظهرن ولا تحدثن. فقال الناس: هذا رجل من أهل العلم خرج مع إبراهيم فيأخذون عنه الفتيا، فلم يزل متوارياً حتى مات أبو جعفر، وأذن له المهدي في الظهور والحديث، وظهر وحدث.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيم، وأخبرنا يحيى بن علي، ورواه أبو زيد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة، عن أبي نعيم، قال:

(1/98)


كتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى، وهو على الكوفة، يأمره بحمل أبي حنيفة إلى بغداد، فغدوت إليه أريده، ولقيته راكباً يريد وداع عيسى بن موسى، وقد كان وجهه يسود، فقدم بغداد فسقى بها شربة فمات وهو ابن سبعين، وكان مولده سنة ثمانين.
حدثني محمد بن الحسين، قال: حدثنا أبو نعيم. قال: دعا أبو جعفر أبا حنيفة إلى الطعام فأكل منه، ثم استسقى فسقي شربة عسل مجدوحة وكانت مسمومة فمات من غد ودفن في بغداد في المقابر المعروفة بمقابر الخيزران.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عامر بن يحيى مولى بني عقيل من أهل واسط، كان في حرس الحجاج، قال: حدثني سعيد بن مجاهد، قال: وصاحبت العوام بن حوشب يوماً فقال: رميت في هؤلاء القوم - يعنس المسودة - ثمانية عشر سهماً ما سرني أني رميت بها أهل بدر مكانهم. قال: فكان عليه خف منخرق. فقلت: المسح أعلى من هذا. قال: نعم ما لم تدخله الربح وتخرج منه.
أخبرني يحيى بن علي، والعتكي، والجوهري، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني ابن العباس، قال: حدثني عكرمة بن دينار مولى بني عامر ابن حنيفة، قال: خرج لبطة بن الفرزدق مع إبراهيم، وكان شيخاً كبيراً جليلاً، فلما قتل إبراهيم مررت به فقال لي: ما الخبر؟.
فقلت. الشر، والله انهزم أصحابنا.
قال: قف ها هنا نعش جميعاً أو نمت جميعاً.
فقلت ليس بذاك، ووليت هارباً، فلم أجاوزه بكثير حتى أدركه القوم، فسمعته يقول " لا ملجأ من الله إلا إليه " فقتل، وعلقت في أذنه رقعة مكتوب فيها: رأس لبطة بن الفرزدق.
قال: وكان شهد مع إبراهيم وهو شيخ كبير، فقوده.
قال أبو الفرج: لبطة هذا قد روى الحديث، وروى عن أبيه، عن الحسين بن علي حديثاً مشهوراً حدثنا في مقتله يقول: لقيت الحسين بالصفاح، وروى عن غير أبيه، وكان له أخوان خبطة، وحنظلة.
قال أبو زيد: وحدثني عاصم بن علي وسهل بن غطفان: أن إبراهيم لما قتل، وتواري هارون بن سعد، أراد الحجاج بن بشير الانحدار إلى نهر أبان، فأدركوه فقتلوه، وقتلوا ابن أخيه معاوية بن هشيم.
قال أبو زيد، وحدثني بكر بن كثير، عن حمزة التركي، قال: قدم عيسى بن زيد بعد قتل محمد، فذكر أن محمداً جعل الأمر إليه، ودعا الزيدية إلى نفسه فأجابوه، وأبى البصريون ذلك، حتى قالوا لإبراهيم: إن شئت أخرجناهم عنك من بلادنا فالأمر لك وما نعرف غيرك، حتى كادت تقع فرقة، فسفروا بينهم سفراً، وقالوا: إنا إن اختلفنا ظهر علينا أبو جعفر، ولكن نقاتله جميعاً، والأمر لإبراهيم، فإن ظهرنا عليه نظرنا في أمرنا بعد، فأجمعوا على ذلك.
أخبرنا يحيى بن علي، وعمر بن عبد الله، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني خالد بن خداش، قال: حدثني عبد السلام بن شعيب بن الحبحاب، قال: قلت لعثمان الطويل: خرج هذا الرجل وقعدتم عنه، قال: ومن أخرجه غيرنا. قال: فلما قتل إبراهيم قال: يا أبا صالح، أحب ألا تفشي علي ذلك الحديث.
أخبرنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني حفص بن عمر بن حفص: أن أبا حرى نصر بن ظريف خرج مع إبراهيم فأصابت يده جراحة أجبتها قال: فعطلتها، ثم انهزم لما قتل إبراهيم فاستخفى.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عفان بن مسلم، قال: خرج مع إبراهيم أبو العوام القطان واسمه عمران بن داود، قال فحدثت بذلك عمر بن مروان فقال لي: ما شهد الحرب، ولكن ولى له عملان. وأقام بالبصرة. قال أبو الفرج.
وأبو العوام هذا من جملة محدثي البصرة وهو من أصحاب الحسن البصري وقد روى عنه أبو جري نصر بن ظريف كلهم من ثقاة محدثي البصرة ومشاهيرهم.
قال أبو زيد، وحدثني سعيد بن نوح، قال: خرج مع إبراهيم عبد ربه بن يزيد وكان شيخاً كبيراً أبيض الرأس واللحية فقيل له: لو اختصبت، فقال: لا حتى أعلم أن رأسي لي أو لهم.
قال أبو زيد، وحدثني سنان بن المثنى الهذلي، من آل سلمة بن المحبق، قال: شهد مع إبراهيم بباخمري من آل سلمة بن المحبق: عبد الحميد بن سنان بن سلمة بن المحبق، والحكم بن موسى بن سلمة، وعمران بن شبيب بن سلمة.
قال أبو زيد، وحدثني إبراهيم بن سلام الحذاء، قال: حدثني أخي عن ابن سلام، قال:

(1/99)


لما انهزمنا صرنا إلى عيسى بن زيد فصبر ملياً ثم قال: ما بعد هذا متلوم فانحاز وصار إلى قصره، ونحن معه، فأزمعنا على أن نبيت عيسى بن موسى، فلما انتصف الليل فقدنا عيسى بن زيد، فانتقض أمرنا.
أخبرنا يحيى بن علي، والجوهري، والعتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عمر بن الهيثم المؤذن، والوليد بن هشام، ويونس بن نجدة: أم إبراهيم استقضى عباد بن منصور على البصرة: قال أبو زيد، وحدثني أبو علي القداح، قال: حدثني علي بن أبي سارة، قال: لما ظهر إبراهيم استقضى سوار بن عبد الله في بيته، وأرسل إليه إبراهيم يدعوه، فاعتل بالمرض، فتركه، وأمر عباد بن منصور فقضى بالبصرة حتى جاءت الهزيمة فلزم عباد بيته، فلما قدم أبو جعفر بعد الهزيمة تلقاه الناس في الجسر الأكبر فيهم سوار بن عبد الله، وأقام عباد في بيته وخافه ولم يدعه الناس حتى خرج على أمانه، فلما رآه سأله ولم يخاطبه بشيء مما صنع.
حدثني أحمد بن عبد الله بن عمارة، قال: حدثني ميسرة بن حسان، قال: حدثني ابن الأعرابي، عن المفضل، وحدثني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عثمان اليقطري، عن المفضل. وحدثنا يحيى بن علي بن يحيى، وعمرو بن عبد الله، وأحمد بن عبد العزيز؛ قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الملك بن سليمان، عن علي بن أبي الحسن، عن المفضل الضبي. ورواية ابن الأعرابي واليقطري عن المفضل أتم، وسائر من ذكرت يأتي بشيء لا يأتي به الآخر قال: كان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن متوارياً عندي، فكنت أخرج وأتركه، فقال لي: إنك إذا خرجت ضاق صدري، فأخرج إلي شيئاً من كتبك أتفرج به، فأخرجت إليه كتاباً من الشعر، فاختار منها السبعين قصيدة التي صدرت بها اختيار الشعراء ثم أتممت عليها باقي الكتاب.
فلما خرج خرجت معه، فلما صار بالمربد مر بدار سليمان بن علي فوقف عليها، واستسقى ماء، فأتى بشربة فشرب، فأخرج صبيان من صبيانهم فضمهم إليه وقال: هؤلاء والله منا ونحن منهم، وهم أهلنا ولحمنا ومنا، ولكن آباءهم غلبونا على أمرنا، وابتزوا حقوقنا، وسفكوا دماءنا، وتمثل:
مهلاً بني عمنا ظلامتنا ... إن بنا سورة من الغلق
لمثلكم تحمل السيوف ولا ... تغمز أحسابنا من الرقق
إني لأنمي إذا انتميت إلى ... عز عزيز ومعشر صدق
بيض سباط كأن أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالعلق
فقلت: ما أجود هذه الأبيات وأفلحها: فلمن هي؟.
فقال: هي يقولها ضرار بن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمثل بها علي بن أبي طالب يوم صفين، والحسين يوم الطف، وزيد بن علي يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان، ونحن اليوم.
فتطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا قتل.
ثم سرنا إلى باخمري، فلما قرب منها أتاه نعي أخيه محمد، فتغير لونه، وجرض بريقه، ثم أجهش باكياً وقال: اللهم إن كنت تعلم أن محمداً خرج يطلب مرضاتك، ويبتغي طاعتك، ويؤثر أن تكون كلمتك العليا، وأمرك المتبع المطاع، فاغفر له، وارحمه، وارض عنه، واجعل ما نقلته إليه من الآخرة خيراً له مما نقلته عنه من الدنيا.
ثم انفجر باكياً وتمثل بقول الشاعر:
أبا المنازل يا خير الفوارس من ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا
الله يعلم أني لو خشيتهم ... أو آنس القلب من خوف لهم فزعا
يم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم ... حتى نعيش جميعاً أو نموت معا
قال المفضل: فجعلت أعزيه وأعاتبه على ما ظهر من جزعه، فقال: إني والله في هذا كما قال دريد بن الصمة:
تقول ألا تبكي أخاك! وقد أرى ... مكان البكا لكن بنيت على الصبر
لمقتل عبد الله والهالك الذي ... على الشرف الأعلى قتيل أبي بكر
وعبد يغوث أو نديمي خالد ... وجل مصاباً حثو قبر على قبر
أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره والقدر يجري على القدر
فإما ترينا ما تزال دماؤنا ... لدى واتر يشقى بها آخر الدهر
فإنا للحم السيف غير نكيرةٍ ... ونلحمه طوراً وليس بذي نكر

(1/100)


يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا. أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر
قال: ثم ظهرت لنا جيوش أبي جعفر مثل الجراد، فتمثل إبراهيم بهذه الأبيات:
نبئت أن بني خزيمة أجمعوا ... أمراً خلالهم لتقتل خالداً
إن يقتلوني لا تصب أرماحهم ... ناري ويسعى القوم سعياً جاهدا
أرمي الطريق وإن رصدت بضيقه ... وأنازل البطل الكمي الحاردا
فقلت: من يقول هذا الشعر يا ابن رسول الله؟.
فقال: يقوله خالد بن جعفر بن كلاب في يوم شعب جبلة، وهو اليوم الذي لقيت فيه قيس تميماً.
قال: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فطعن رجلاً، وطعنه آخر، فقلت له: أتباشر الحرب بنفسك وإنما العسكر منوط بك؟.
فقال: إليك عني يا أخا بني ضبة كأن عويفاً أخا بني فزارة كان ينظر إلينا في يومنا هذا:
ألمت خناس وإلمامها ... أحاديث نفس وأحلامها
يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها
وإن لنا أصل جرثومة ... ترد الحوادث أيامها
نرد الكتيبة مفلولة ... بها أفنها وبها ذامها
والتحمت الحرب، واشتدت، فقال لي: يا مفضل: حركني بشيء، فذكرت أبياتاً لعويف القوافي لما تقدم بشعره، فأنشدته قوله:
ألا أيها الناهي فزارة بعدما ... أجدت بسير إنما أنت حالم
أبى كل حر أن يبيت بوتره ... وتمنع منه النوم إذ أنت نائم
أقول لفتيان كرام تروحوا ... على الجرد في أفواههن الشكائم
قفوا وقفةً من يحي لا يخز بعدها ... ومن يخترم لا تتبعه اللوائم
وهل أنت إن باعدت نفسك عنهم ... لتسلم فيما بعد ذلك سالم؟
فقال: أعد، وتبينت في وجهه أن سيقتل، فتنبهت وندمت فقلت: أو غير ذلك؟.
قال: لا بل أعد الأبيات، فأعدتها، فتمطى على ركابيه فقطعمها، وحمل فغاب عني، وأتاه سهم عائر فقتله، وكان آخر عهدي به.
حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي. قال: سمعت إسحاق بن شاهين الواسطي يقول: كان خالد بن عبد الله الواسطي، من أهل السنة والجماعة، خرج الناس مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن غيره، فإنه لزم بيته.
قال أبو الفرج علي بن الحسين: حدثني بهذه الحكاية أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني داود بن يحيى، قال: سمعت إسحاق بن شاهين يوماً، ذكر خالد بن عبد الله الطحان، مثله، وزاد فيه: ولكن أصحاب الحديث خرجوا معه جميعاً: شعبة بن الحجاج، وهشيم بن بشير، وعباد بن العوام، ويزيد بن هارون.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن هشام، قال: حدثنا محمد بن حفص بن راشد، قال: حدثنا أبي، قال: خرج هشيم بن بشير مع إبراهيم بن عبد الله، وقتل معه ابن له.
قال أحمد بن سعيد، وحدثني أحمد بن محمد بن بشر، قال حدثنا أيوب بن الحسن، قال: حدثني سليمان الشاذكوني، قال: خرج هشيم مع إبراهيم بن عبد الله، وقتل معه ابنه معاوية، فقال له رجل: يا أبا معاوية، رأيتك مع إبراهيم والرايات تخفق على رأسه.
حدثنا أحمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدثنا يحيى بن صالح الجريري، قال: سمعت يونس بن أرقم العنزي، وكان من أصحاب إبراهيم بن عبد الله، يقول: كان المفضل بن محمد الضبي له غاشية على التشيع، وكان إبراهيم بن عبد الله بن الحسن إذا اجتمعنا إليه يجمعنا عند المفضل.
حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي، قال: حدثنا أبي قال: سمعت يزيد بن ذريع يقول: وأما المفضل الضبي فكان أكثر إقامة إبراهيم عنده حتى خرج، فكان لا يزال يدس ويحتال لكل من أمكنه أن يحوزه إلى مذهبه.
حدثني أحمد، قال: حدثنا يعقوب بن يوسف بن زكريا الضبي، قال: حدثنا قاسم بن الضحاك، قال حدثني معاوية بن سفيان المازني، قال حدثني إبراهيم بن سويد الحنفي، قال: سألت أبا حنيفة، وكان لي مكرماً أيام إبراهيم، قلت: أيهما أحب إليك بعد حجة الإسلام: الخروج إلى هذا أو الحج؟.
فقال: غزوة بعد حجة الإسلام أفضل من خمسين حجة.

(1/101)


حدثني أحمد، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا محمد بن عديس، قال: حدثني الحسين بن سلمة الأرحبي، قال: جاءت امرأة إلى أبي حنيفة أيام إبراهيم فقالت: إن ابني يريد هذا الرجل، وأنا أمنعه، فقال: لا تمنعيه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عمر بن سميع الأزدي قال: حدثنا محمد بن عديس الأزدي. قال: سمعت حماد بن أعين يقول: كان أبو حنيفة يحض الناس على الخروج مع إبراهيم ويأمرهم باتباعه.
أخبرني جعفر بن محمد الوراق، قال: حدثنا أحمد بن يوسف الجعفي، قال: حدثنا محمد بن خالد البرقي، قال: كان أبو حنيفة يقول في أيام إبراهيم ليبلغه ذلك! إنما أمر علي عليه السلام ألا يجهز على جريح، ولا يقتل مدبر في قوم لم يكن لهم فئة يوم الجمل، ولم يفعل ذلك بصفين، لأن القوم كانت لهم فئة.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سليمان بن أبي شيخ قال: خرج معي هارون بن سعد لما ولاه إبراهيم واسطاً، وبرز إلى القتال عامر بن عباد بن العوام، ويزيد بن هارون، والعلاء بن راشد.
أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني جناب ابن الشخشاخ، قال: لما خرج إبراهيم اتبعه معاذ بن نصر العنبري.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عمر بن عون، قال: ما زال عباد مستخفياً بالبصرة حتى مات أبو جعفر.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عاصم بن علي، قال: قتل في تلك المعركة الحجاج أخو هشيم، ومعاوية ابنه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن والقحذمي، ويونس بن نجدة: أن إبراهيم استقضى عباد بن منصور على البصرة.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: خرج مع إبراهيم أبو خالد الأحمر.حدثنا عمر بن عبد الله، ويحيى بن علي، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم، قال: حدثني نصر بن مزاحم المنقري، قال: خرج مع إبراهيم أبو داود الطهوي. وأبو داود هذا ثقة قد روى عنه أبو نعيم والحسن بن الحسين السعدي، وغيرهما من المحدثين.
أخبرنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، حدثنا عبد الله بن محمد بن حكيم، قال: حدثني عباد بن حكيم قال: خرج مع إبراهيم بن عبد الله جنادة بن سويد فقوده على ثلثمائة وشهد معه باخمري، وشهد معه المفضل بن محمد الضبي الراوية.
أخبرنا عمر بن عبد الله، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عقيل بن عمرو الثقفي، قال: خرج مع إبراهيم الأزرق بن تمة الصريمي متقلداً، وكان من أصحاب عمرو بن عبيد.
أخبرنا عمر بن عبد الله، ويحيى بن علي، قالا: حدثنا أبو زيد قال حدثني إبراهيم بن سالم، قال: كان إبراهيم الأسدي ممن سار بإبراهيم وأتى به أبو جعفر فحقره. فقال: أنت بريده؟ قال: نعم. قال: فاحلف لئن رأيت إبراهيم لتأتيني به، فحلف فخلاه، فلما ظهر إبراهيم أتاه، فقال: إن أبا جعفر أحلفني إن رأيتك لآتينه بك، فاشخص بنا إليه.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني الحسين بن جعفر بن سليمان الضبي، قال: سمعت أخي داود يقول: أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن عبد الوارث قال: حدثني هاشم بن قاسم يكنى أبا النضر، وقد روى عن سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، ونضر ابنهما وهو من ثقات المحدثين.
أخبرنا عمر، ويحيى، قالا: حدثنا عمر بن شبة عن سلم بن فرقد.
أن عمر بن عون شهد مع إبراهيم باخمري، وكان من أصحاب هشام، روى عنه الحديث.
أخبرنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر، قال: كنت عند سفيان الثوري أيام إبراهيم فجعل يقول: واعجباً لأقوام يريدون الخروج لمن يخرج، وقد خرج قوم لم يكونوا يرون الخروج.
قال: وخرج مع إبراهيم من أصحاب سفيان مؤمل، وحنبص.
ومؤمل هذا يقال له: مؤمل بن إسماعيل.
حدثنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: سألت أبا نعيم عن حنبص هذا فقال: كان خليلاً من أصحاب سفيان، وفيه يقول الشاعر:
يا ليت قومي كلهم حنابصا
قال أبو زيد: وحدثني إبراهيم بن سلم، قال: حدثني ابن هراسة، قال:

(1/102)


قتل مع إبراهيم بن عبد الله صاحبان كانا لسفيان الثوري، كانا من خاصته.
أخبرنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الله بن محمد بن حكيم قال: خرج مع إبراهيم داود بن المبارك الهمداني عم أبي حيي فقتل في المعركة.
أخبرنا عمر ويحيى، قالا: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني خلاد الأرقط، قال: حدثني عمر بن النضر، قال: قتل إبراهيم وأنا بالكوفة، فأتيت الأعمش بعد قتله، فقال: أها هنا أحد تنكرونه؟ قلنا لا: قال: فإن كان ها هنا أحد تنكرونه فأخرجوه إلى نار الله، ثم قال: أما والله لو أصبح أهل الكوفة على مثل ما أرى لسرنا حتى نتزل بعقوته - يعني أبا جعفر - فإذا قال لي: ما جاء بك يا أعمش؟ قلت: جئت لأبيد خضراءك، أو تبيد خضرائي؛ كما فعلت بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني أبو عباد الصيرفي، قال: سمعت محمد بن علي بن خلف العطار، يقول: لما قتل إبراهيم بن عبد الله، قال سفيان الثوري: ما أظن الصلاة تقبل، إلا أن الصلاة خير من تركها.
أخبرني علي بن العباس المقانعي قال: حدثنا علي بن أحمد البناني، قال: سمعت محمد بن خلف العطار، يقول: لما قتل إبراهيم بن عبد الله، قال سفيان صاحب أبي السرايا لعامر بن كثير السراج: خرجت مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن؟ قال: نعم.
قال أبو الفرج: وجدت في كتابي الذي دفعه إلى عيسى بن الحسين، عن أحمد بن الحرث الخراز عن المدائني: خرج أبو محمد البريدي المؤدب مع إبراهيم بن عبد الله، وانهزم فيمن انهزم.
ومن مختار ما رثي به إبراهيم بن عبد الله قول غالب بن عثمان الهمداني:
وقتيل باخمري الذي ... نادى فأسمع كل شاهد
قاد الجنود إلى الجنو ... د توحف الأسد الحوارد
بالمرهفات وربالقنا ... والمبرقات وبالرواعد
فدعا لدين محمد ... ودعوا إلى دين بن صايد
فرماهم بلبان أب ... لق سابق للخيل سائد
بالسيف يفري مصلتاً ... هاماتهم بأشد ساعد
فأتيح سهم قاصدٌ ... لفؤاده بيمين جاحد
فهوى صريعاً للجبي ... ن وليس مخلوق بخالد
وتبددت أنصاره ... وثوى بأكرم دار واحد
نفسي فداؤك من صري ... ع غير ممهود الوسائد
وفدتك نفسي من غري ... ب الدار في القوم الأباعد
أي امرئ ظفرت به ... أبناء أبناء الولائد
فأولئك الشهداء والص ... بر الكرام لدى الشدائد
ونجار يثرب والأبا ... طح حيث معتلج العقائد
أقوت منازل ذي طوى ... فبطاح مكة فالمشاهد
والخيف منهم فالجما ... ر بموقف الظعن الرواشد
فحياض زمزم فالمقا ... م فصادر عنها ووارد
فسويقتان فينبع ... فبقيع يثرب ذي اللحائد
أمست بلاقع من بني ال ... حسن بن فاطمة الأراشد
قال أبو زيد: وقال غالب أيضاً:
كيف بعد المهدي أو بعد إبرا ... هيم نومي على الفراش الوثير
وهم الذائدون عن حرم الإس ... لام والجابرون عظم الكسير
حاكموهم لما تولوا إلى الل ... ه لمصقولة الشفار الذكور
وأشاحوا للموت محتبسي الأن ... فس لله ذي الجلال الكبير
أفردوني أمشي بأعضب مجبو ... باً سنامي والحرب ذات زفير
غيل فيها فوارسي ورجالي ... بعد عز وذل فيها نصير
ليتني كنت قبل وقعة باخم ... ري توفيت عدتي من شهور
وليالي من سني البواقي ... وتكلمت عدة التعمير
كنت فيمن ثوى ثويت تعود الط ... ير لحمي مبين التعفير
ومجال الخيلين منا ومنهم ... وأكف تطير كل مطير
قول مستبسل يرى الموت في ... الله رباحاً رئبال غابٍ عقير
قد تلبثت بالمقادير عنهم ... ملبث الرائحين عن ذي البكور

(1/103)


إذ هم يعثرون، في حلق الأو ... داج حولي في قسطلٍ مستدير
آخر مقتله صلوات الله عليه ولعن قاتله.
الحسين بن زيد بن علي
وممن توارى منهم من شهد مع محمد وإبراهيم عليهما السلام توارياً طويلاً فلم يطلب وأمن فظهر الحسين بن زيد بن علي عليه السلام.
ويكنى أبا عبد الله.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثني أحمد بن حازم، قال: حدثنا محول بن إبراهيم، قال: شهد الحسين بن زيد حرب محمد وإبراهيم بني عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم توارى. وكان مقيماً في منزل جعفر بن محمد. وكان جعفر رباه، ونشأ في حجره منذ قتل أبوه، وأخذ عنه علماً كثيراً. فلما بم يذكر فيمن طلب ظهر لمن يأنس به من أهله وإخوانه.
وكان أخوه محمد بن زيد مع أبي جعفر مسوداً لم يشهد مع محمداً وإبراهيم حربهما فكان يكاتبه بما يسكن منه، ثم ظهر بعد ذلك بالمدينة ظهوراً تاماً إلا أنه كان لا يجالس أحداً ولا يدخل إليه إلا من يثق به.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: كان الحسين بن زيد يلقب ذا الدمعة لكثرة بكائه.
حدثني علي بن أحمد بن حاتم، قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن زيد، قال: قالت أمي لأبي: ما أكثر بكاءك!. فقال: وهل ترك السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء - تعني السهمين الذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي، عن الحسين بن زيد، قال: مررت على عبد الله بن الحسن وهو يصلي فأشار إلي فجلست، فلما صلى قال لي: يا ابن أخي، إن الله - عز وجل - وضعك في موضع لم يضع فيه أحداً إلا من هو مثلك، وإنك قد أصبحت في حداثة سنك وشبابك يبتدرك الخير والشر كلاهما يسرعان إليك، فإن تعش حتى نرى منك ما يشبه سلفك فتلك السعادة الثانية. والله لقد توالى لك آباء ما رأيت فينا ولا في غيرنا مثلهم، إن أدنى آبائك الذي لم يكن فينا مثله: أبوك زيد بن علي، لا والله ما كان فينا مثله، ثم كلما رفعت أنا فهو أفضل.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي، وعلي بن العباس جميعاً، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا الحسين بن زيد، قال: مررت بعبد الله بن الحسن وهو يصلي في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم فأشار إلي بيده وهو قائم يصلي فأتيته فلما انصرف قال لي: رأيتك مختاراً فأردت أن أعظك لعل الله ينفعك بها. إن الله قد وضعك موضعاً لم يضع به أحداً إلا من هو مثلك، وإنك قد أصبحت في حداثة سن، وإن الناس يبتدرونك بأبصارهم، والخير والشر يبتدران إليك، فإن تأت بما يشبه سلفك فما نرى شيئاً أسرع إليك من الخير، وإن تأت بما يخالف ذلك فوالله لا ترى شيئاً أسرع إليك من الشر، وإنه قد توالى لك آباء، وإن أدنى آبائك زيد بن علي الذي لم أر فينا ولا في غيرنا مثله، فلا ترفع إلا أخذت الفضل، فعلي، فحسين، فعلي عليهم السلام.
حدثني علي بن العباس، قال: أنبأنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن الحسين بن زيد، قال: شهد مع محمد بن عبد الله بن الحسن من ولد الحسين بن علي أربعة: أنا، وأخي عيسى، وموسى، وعبد الله ابنا جعفر بن محمد عليهما السلام.
موسى بن عبد الله بن الحسن
خبر موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حين ضربه المنصور بالسياط ويكنى أبا الحسن.
وأمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى.
ولدته هند ولها ستون سنة.
قال حرمي بن أبي العلاء: حدثني الزبير، قال: حدثني عمي مصعب: أن هنداً ولدت موسى ولها ستون سنة. قال: ولا تلد لستين إلا قرشية، ولخمسين إلا عربية.
ولموسى تقول أمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله وهو صغير ترقصه:
إنك إن تكون جوناً أنزعا ... أجدر أن تضرهم وتنفعا
وتسلك العيش طريقاً مهيعا ... فرداً من الأصحاب أو مشيعا
أخبرني بقصته وضرب المنصور إياه في الدفعة الأولى، عمر بن عبد الله بن جميل العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة عن رجاله، ونسخت من كتاب أحمد بن الحرث الخراز ذلك ولم أسمعه، إلا أن عيسى بن الحسين دفع الكتاب الذي نسخت هذا منه إلي وقال لي: هذا كتاب أحمد بن الحرث.

(1/104)


وحدثني بقصته في المرة الأخيرة أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني محمد بن أبي الأزهر، قال: أخبرنا عمر بن خلف الضرير، قال: حدثتني بثينة الشيبانية، وقد دخل الحديث في بعض وسقت خبره فيه قال عمر بن شبة في حديثه: حدثني موسى بن عبد الله بن موسى، عن أبيه، عن جده، قال: لما صرنا بالربذة، أرسل أبو جعفر إلى أبي أن أرسل إلي أحدكم، واعلم أنه غير عائد إليكم أبداً، فابتدره بنو أخوته يعرضون أنفسهم عليه، فجزاهم خيراً وقال لهم: أنا أكره أن أفجعهم بكم، ولكن اذهب أنت يا موسى.
قال: فذهبت وأنا يومئذٍ حديث السن، فلما نظر إلي قال: لا أنعم الله بك عيناً، السياط يا غلام، قال: فضربت - والله - حتى غشي علي، فما أردي بالضرب، ثم رفعت السياط عني واستدناني، فقربت منه، فقال: أتدري ما هذا؟ هذا فيض فاض مني، فأفرغت عليك منه سجلاً، لم أستطع رده، ومن ورائه والله الموت أو تفتدي منه.
قال: قلت: والله يا أمير المؤمنين إن كان ذنب، فإني لبمعزل عن هذا الأمر.
قال: فانطلق فأتني بأخويك.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين تبعثني إلى رياح بن عثمان فيضع علي العيون والرصد، فلا أسلك طريقاً إلا اتبعني له رسول، ويعلم أخواي فيهربان مني.
قال: فكتب إلى رياح: لا سلطان لك على موسى.
قال: فأرسل معي حرساً أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري. فقدمت المدينة فنزلت في دار ابن هشام بالبلاط، فأقمت بها شهوراً.
قال أحمد بن الحرث في حديثه عن المدائني: فكتب رياح إلى أبي جعفر: إن موسى مقيم يتربص بك الدوائر، وليس عنده شيء مما تحب، فأمره أن يحمله إليه، فحمله، وبلغ محمداً خبره فخرج من وقته.
قال: ووجه محمد موسى إلى الشام يدعو إليه فقتل محمد قبل أن يصل وقيل: إنه رجع إليه فشهد معه مقتله، ثم هرب حتى أتى البصرة مستتراً فأقام بها: فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني محمد بن الأزهر، قال: حدثنا عمر بن خلف الضرير، قال: حدثتني بثينة الشيبانية، وكانت أرضعت أحمد بن عيسى بن زيد، والفضل بن جعفر بن سليمان: أن موسى لما قدم من الشام إلى البصرة أتاها فنزل عندها في منزلها ببني غبر. قالت: فقلت له: بأبي أنت، قد قتل أخواك، وولى البصرة محمد بن سليمان، وأنت خاله، وليس عليك بأس. قالت فأرسل رسولاً ليشتري له طعاماً، فحمله على حمال أسود صغير من الغلمان الذين يحملون حوائج الناس، فقالوا له: كم كراء ما حملت؟ قال: أربعة دوانيق، فأعطوه فلم يرض فازداد حتى أعطوه أربعة دراهم، فرضي وانصرف.
قالت: فوالله ما غسل يده من طعامه حتى أحاطت الخيل بالدار، فلما أحس موسى بذلك جزع، وأشرفت أنظر وقلت: ليست هذه الخيل إليكم، هؤلاء يطلبون قوماً من الدعار من جيراننا، فوالله ما أتممت الكلام حتى وافتنا الخيل في الدار. وكان مع موسى ابنه عبد الله، ومولى له، ورجل آخر من شيعته، فدخل الجند الدار، ومع بعضهم شيء ملفوف في كساء على كفل دابة من دوابهم فكشفوا الكساء فإذا الأسود الحمال، فقال لهم: هذا موسى بن عبد الله، وهذا ابنه عبد الله، وهذا مولاه، وهذا لا أعرفه.
فوالله لكأنه صحبهم من الشام. وأخذوهم حتى صاروا بهم إلى محمد بن سليمان فقال لهم: لا قرب الله قرابتكم، ولا حيى وجوهكم، تركتم كل بلد في الأرض إلا بلداً أنا فيه. فإن وصلت أرحامكم عصيت أمير المؤمنين، وإن أطعت أمير المؤمنين قطعت أرحامكم، وهو والله أولى بكم مني.
قال: فحملهم إلى المنصور، فضرب موسى بن عبد الله خمسمائة سوط فصبر، فقال المنصور لعيسى بن علي: عذرت أهل الباطل في صبرهم - يعني الشطار - ما بال هذا الغلام المنعم الذي لم تره الشمس.
فقال موسى: يا أمير المؤمنين، إذا صبر أهل الباطل على باطلهم، فأهل الحق أولى.
فلما فرغوا من ضربه أخرجوه، فقال له الربيع: يا فتى، قد كان بلغني أنك من نجباء أهلك، وقد رأيت خلاف ما بلغني.
فقال له موسى: وما ذاك؟ قال: رأيتك بين يدي عدوك تحب أن تبلغ في مكروهك وتزيد في مساءتك. وأنت تماحكه في جلدك، كأنك تصبر على جلد غيرك.
فقال موسى:
إني من القوم الذين تزيدهم ... قسواً وصبراً شدة الحدثان
وقد قيل: إن موسى لم يزل محبوساً حتى أطلقه المهدي، وقيل إنه توارى بعد ذلك حتى مات.
وكان موسى يقول شيئاً من الشعر، فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال:

(1/105)


كتب موسى بن عبد الله إلى زوجته أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة أم ابنه عبد الله بن موسى يستدعيها للخروج إلى العراق:
لا تتركيني بالعراق فإنها ... بلاد بها أس الخيانة والغدر
فإني مليء أن أجيء بضرةٍ ... مقابلة الأجداد طيبة النشر
إذا انتسبت من آل شيبان في الذرا ... ومرة لم تحفل بفضل أبي بكر
قال يحيى بن الحسن والزبير فيما حدثني أحمد بن سعيد، عن يحيى، وحرمي بن أبي العلاء عن الزبير، عن محمد بن إسماعيل الجعفري، ومحمد بن عبد الله البكري: أن موسى بن عبد الله قال:
إني زعيم أن أجيء بضرة ... قراسيةٍ فراسة للضرائر
فتكرم مولاها وترضي خليلها ... وتقطع من أقصى أصول الحناجر
فأجابه الربيع بن سليمان، مولى محمد وإبراهيم بني عبد الله بن الحسن بن الحسن فقال في ذلك:
أبنت أبي بكر تكيد بضرة؟ ... لعمري لقد حاولت إحدى الكبائر
تغط غطيط البكر شد خناقه ... وأنت مقيم بين صوحي عباثر
قال: وعباثر: ماء كان لموسى بن عبد الله.
قال يحيى بن الحسن: فسمعت محمد بن يوسف يقول، ولم يذكر هذا الزبير، قال: أمر موسى بهدايا كان أعطاها ربيعاً فارتجعت منه، فبلغ أم سلمة زوجته ذلك، فحلفت لتضعفن له بيع الهدايا في مال موسى بن عبد الله، فأجاز ذلك موسى.
قال أبو الفرج: وهذا ليس من هذا الباب، ولكن الحديث ذو شجون، والشيء يذكر بالشيء.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني إسماعيل بن يعقوب، قال: حدثني عبد الله بن موسى، عن أبيه، قال: دخلت مع أبي على أبي العباس السفاح، وأنا غلام حديث السن، فالتفت إلي أبي فقال: لعل ابنك هذا يروي لأمية أبي طالب.
قال له: نعم يا أمير المؤمنين. قال: مره لينشدها. فقال لي: قم فأنشده إياها، فقمت فأنشدته إياها، وأنا قائم.
قال: ودخل موسى يوماً على الرشيد ثم خرج من عنده، فعثر بالبساط فسقط، فضحك الخدم. وضحك الجند، فلما قام التفت إلى هارون فقال: يا أمير المؤمنين، إنه ضعف صوم لا ضعف سكر.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: قال عيسى بن عبد الله: وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال حدثني إسماعيل بن يعقوب: أنا أبا جعفر لما قبض أموال عبد الله بن الحسن، حج فصاحت به عاتكة بنت عبد الملك - وهي أم عيسى، وسليمان، وإدريس بني عبد الله بن الحسن - وهي تطوف في ستارة: يا أمير المؤمنين، أيتامك بنو عبد الله بن الحسن مات أبوهم في حبسك، وأمرت بقبض ضياعهم.
فأمر أبو جعفر بردها عليهم، فجاءت عاتكة إلى الحسن بن زيد فقال لها: لم أسمع فأتيني ببينة، فأتت عيسى بن محمد، ومحمد بن إبراهيم الإمام فشهدوا بذلك، فرد أموالهم، فقال موسى: لا نقسم إلا على ما رسم عبد الله بن الحسن.
فقالت عاتكة: هذا شيء قد كان السلطان قبضه، وإنما رده بمسئلتي.
فقال: لا نحكم فيها - والله - إلا بحكم عبد الله بن الحسن، وكان عبد الله قد فضل بني هند فيها على غيرهم من أخوتهم.
فقيل له: إن هذا إن بلغ السلطان قبض الأموال.
فقال: والله لقبضها أحب إلي من تغيير شروط عبد الله.
فكتب إلى أبي جعفر في ذلك، فأمر أن يرد ويقسم على حكم عبد الله.
أنشدني أحمد بن سعيد، قال: أنشدنا أحمد بن الحسن لموسى بن عبد الله:
لئن طال ليلي بالعراق لقد مضت ... علي ليالٍ بالنظيم قصائر
إذا الحي منداهم معلاة فاللوى ... فمعشر منهم منزل فقراقر
وإذ لا يريم البئر سويقة ... قطين بها والحاضر المتجاور
علي بن الحسن بن زيد
وعلي بن الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الحسن.
وأمه أم ولد تدعى أمة الحميد.
كان أبو جعفر حبسه مع أبيه الحسن بن زيد لما سخط عليه، وصرفه عن المدينة وأقامه للناس، فلم يزل علي محبوساً مع أبيه حتى مات في الحبس.
ولما ولي المهدي أطلق الحسن بن زيد، وله خبر طويل قد وضعناه في موضعه من كتابنا الكبير، إذ كان هذا ليس مما يجري مجرى من قتل في معركة أو غيرها فيذكر خبره ها هنا.

(1/106)


حمزة بن إسحاق بن علي
وحمزة بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمه أم ولد.
وجد عليه أبو جعفر فأقامه للناس، وحبسه فمات في حبسه، رضوان الله عليه ورحمته
ذكر أيام المهدي
محمد بن عبد الله
ومن قتل فيها أو حبس أو توارى فمات حال تواريه
علي بن العباس بن الحسن
وعلي بن العباس بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الحسن.
وأمه عائشة بنت محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
وكان قدم بغداد، ودعا إلى نفسه سراً، فاستجاب له جماعة من الزيدية وبلغ المهدي خبره فأخذه، فلم يزل في حبسه حتى قدم الحسين بن علي صاحب فخ فكلمه فيه، واستوهبه منه فوهبه له.
فلما أراد إخراجه من حبسه دس إليه شربة سم فعملت فيه، فلم يزل ينتقض عليه في الأيام حتى قدم المدينة فتفسخ لحمه، وتباينت أعضاؤه، فمات بعد دخوله المدينة بثلاثة أيام.
أخبرني بذلك علي بن إبراهيم العلوي قال: حدثنا الحسن بن علي بن هاشم، قال: حدثنا الحسن بن محمد المزني عن أحمد بن الحسن بن مروان الهاشمي، عن عبد العزيز بن عبد الملك، قال الحسن بن محمد المزني. وحدثني محمد بن علي بن إبراهيم، عن بكر بن صالح، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري بهذا.
عيسى بن زيد بن علي
وممن توارى منهم في هذه الأيام فمات متوارياً: عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا يحيى.
وأمه أم ولد، ولد في الوقت الذي أشخص فيه أبوه زيد بن علي إلى هشام بن عبد الملك، وكانت أم عيسى بن زيد معه في طريقه، فنزل ديراً للنصارى ووافق نزوله إياه ليلة الميلاد، وضربها المخاض هنالك فولدته له تلك الليلة، وسماه أبوه عيسى باسم المسيح عيسى ابن مريم - صلوات الله عليهما - .
حدثني بذلك محمد بن سعيد، قال: حدثنا بذلك محمد بن منصور، عن أحمد بن عيسى بن زيد.
وشهد عيسى مع محمد بن عبد الله بن الحسن وأخيه إبراهيم حربهما.
واختلف في سبب تواريه، فقيل إنه أنكر على إبراهيم بن عبد الله أنه كبر على جنازة أربعاً ففارقه، وقيل بل ثبت معه حتى قتل ثم توارى بعد ذلك.
أخبرنا يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام، قال: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة وكبر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد: لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهل بيتك؟.
فقال: هذا أجمع لهم، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارقه عيسى واعتزل. وبلغ ذلك أبا جعفر فأرسل إلى عيسى يبذل له ما سأل على أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يتم الأمر بينهما حتى قتل إبراهيم، فاستخفى عيسى، فقيل لأبي جعفر: ألا تطلبه. فقال: لا والله. لا أطلب منهم رجلاً أبداً بعد محمد وإبراهيم، أنا أجعل لهم بعدها ذكراً.
أخبرني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي: أن عيسى بن زيد كان على ميمنة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وكان مع محمد بن عبد الله بن الحسن، على ميمنته أيضاً.
أخبرنا عيسى بن الحسن، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال: كان عيسى والحسين ابنا زيد بن علي مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن في حروبهما من أشد الناس قتالاً وأنفذهم بصيرة، فبلغ ذلك عنهما أبا جعفر فكان يقول: ما لي ولابني زيد وما ينقمان علينا؟ ألم نقتل قتلة أبيهما، ونطلب بثأرهما، ونشفي صدروهما من عدوهما؟.
أخبرني يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز وعمر العتكي، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال: خرج عيسى بن زيد مع محمد بن عبد الله بن الحسن، فكان يقول له: من خالفك أو تخلف عن بيعتك من آل أبي طالب فأمكني منه أن أضرب عنقه.
أخبرني يحيى بن علي، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري، قالا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني إبراهيم بن سلم بن أبي واصل الحذاء، قال: حدثني أخي علي بن سلم قال:

(1/107)


لما انهزمنا صرنا إلى عيسى بن زيد وهو واقف فخففنا به وصبرنا ملياً فقال: ما بعد هذا متلوم، فانحاز وصار إلى قصر خراب ونحن معه، فأزمعنا على أن نبيت عيسى بن موسى، فلما انتصف الليل فقدنا عيسى فانتقض أمرنا.
وكان عيسى أفضل من بقي من أهله ديناً، وعلماً، وورعاً، وزهداً، وتقشفاً، وأشدهم بصيرة في أمره ومذهبه، مع علم كثير، ورواية للحديث وطلب له؛ صغره وكبره، وقد روى عن أبيه، وجعفر بن محمد، وأخيه عبد الله بن محمد، وسفيان بن سعيد الثوري والحسن بن صالح بن حي وشعبة بن الحجاج ويزيد بن أبي زياد، والحسن بن عمارة ومالك بن أنس، وعبد الله بن عمر العمري ونظراء لهم كثير عددهم.
ولما ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن، وزحف إليه عيسى بن موسى، جمع إليه وجوه الزيدية وكل من حضر معه من أهل العلم، وعهد إليه أنه أن أصيب في وجهه ذلك، فالأمر إلى أخيه إبراهيم، فإن أصيب إبراهيم، فالأمر إلى عيسى بن زيد.
حدثني بذلك أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال إن عبد الله بن محمد بن عمر ذكر ذلك من وصية محمد إلى أخيه إبراهيم، ثم إلى عيسى بن زيد، فلما أصيبا توارى عيسى بن زيد بالكوفة في دار علي بن صالح بن حي أخي الحسن بن صالح، وتزوج ابنة له، وولدت منه بنتاً ماتت في حياته، وخبره في ذلك يذكر بعد إن شاء الله.
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد على سبيل المذاكرة فحفظته عنه لم أكتبه من لفظه، والحديث يزيد وينقص والمعنى واحد، قال: حدثني محمد بن المنصور المرادي، قال: قال يحيى بن الحسين بن زيد: قلت لأبي: يا أبة، إني أشتهي أن أرى عمي عيسى بن زيد، فإنه يقبح بمثلي أن لا يلقى مثله من أشياخه، فدافعني عن ذلك مدة وقال: إن هذا أمر يثقل عليه، وأخشى أن ينتقل عن منزله كراهية للقائك إياه فتزعجه، فلم أزل به أداريه وألطف به حتى طابت نفسه لي بذلك، فجهزني إلى الكوفة وقال لي: إذا صرت إليها فاسأل عن دور بني حي، فإذا دللت عليها فاقصدها في السكة الفلانية، وسترى في وسط السكة داراً لها باب صفته كذا وكذا فاعرفه واجلس بعيداً منها في أول السكة، فإنه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه، قد أثر السجود في جبهته، عليه جبة صوف، يستقي الماء على جمل، وقد انصرف يسوق الجمل لا يضع قدماً ولا يرفعها إلا ذكر الله - عز وجل - ودموعه تنحدر، فقم وسلم عليه وعانقه، فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش، فعرفه نفسك وانتسب له، فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلاً، ويسألك عنا جميعاً ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه، ولا تطل عليه وودعه؛ فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك؛ فإنك إن عدت إليه توارى عنك، واستوحش منك وانتقل عن موضعه، وعليه في ذلك مشقة.
فقلت: أفعل كما أمرتني. ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي، لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله، ودموعه ترقرق في عينيه وتذرف أحياناً، فقمت فعانقته، فذعرمني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت: يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد بن أخيك، فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله، وجلس معي، فجعل يسألني عن أهله رجلاً رجلاً، وامرأة امرأة، وصبياً صبياً، وأنا أشرح له أخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يا بني، أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف ما أكتسب، يعني من أجرة الجمل. إلى صاحبه، وأتقوت باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية، يعني بظهر الكوفة، فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فأتقوته.
وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتاً، فنشأت وبلغت، وهي أيضاً لا تعرفني، ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا يسقي الماء - فإنه أيسر منا وقد خطبها، وألحت علي، فلم أقدر على إخبارها بأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفء لها، فيشيع خبري، فجعلت تلح علي فلم أول أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فما أجدني آسي على شيء من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم أقسم علي أن أنصرف ولا أعود إليه وودعني.

(1/108)


فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي انتظرته فيه لأراه فلم أره، وكان آخر عهدي به.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: نسخت من خط هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدثني عتبة بن المنهال، قال: كان جعفر الأحمر، وصباح الزعفراني ممن يقوم بأمر عيسى بن زيد، فلما بذل المهدي لعيسى بن زيد من جهة يعقوب بن داود ما بذل له من المال والصلة نودي بذلك في الأمصار ليبلغ عيسى بن زيد فيأمن، فقال عيسى لجعفر الأحمر وصباح: قد بذل لي من المال ما بذل، ووالله ما أردت حين أتيت الكوفة الخروج عليه، ولأن أبيت خائفاً ليلة واحدة أحب إلي من جميع ما بذل لي، ومن الدنيا بأسرها.
أخبرني عبد الله بن زيدان، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعيد بن عمر بن جنادة البجلي، قال: حج عيسى بن زيد والحسن بن صالح، فسمعنا منادياً ينادي: ليبلغ الشاهد الغائب أن عيسى بن زيد آمن في ظهوره وتواريه، فرأى عيسى بن زيد الحسن بن صالح قد ظهر فيه سرور بذلك فقال: كأنك قد سررت بما سمعت، فقال: نعم. فقال له عيسى: والله إخافتي إياهم ساعة أحب إلي من كذا وكذا.
حدثني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن مسعود الروقي، قال: حدثني السري بن مسكين الأنصاري المدني، قال: حدثني يعقوب بن داود، قال: دخلت مع الهدي في قبة في بعض الخانات في طريق خراسان، فإذا حائطها عليه أسطر مكتوبة، فدنا ودنوت معه فإذا هي هذه الأبيات:
والله ما أطعم طعم الرقاد ... خوفاً إذا نامت عيون العباد
شردني أهل اعتداء وما ... أذنبت ذنباً غير ذكر المعاد
آمنت بالله ولم يؤمنوا ... فكان زادي عندهم شر زاد
أقول قولاً قاله خائف ... مطرد قلبي كثير السهاد
منخرقٌ الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحةٌ ... والموت خم في رقاب العباد
قال: فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت: " لك الأمان من الله ومني فاظهر متى شئت " حتى كتب ذلك تحتها أجمع، فالتفت فإذا دموعه تجري على خده، فقلت له: من ترى قائل هذا الشعر يا أمير المؤمنين.
قال: أتتجاهل علي؟ من عسى أن يقول هذا الشعر إلا عيسى بن زيد.
قال: أبو الفرج الأصبهاني: وقد أنشدني علي بن سليمان الأخفش هذا الشعر عن المنذر لعيسى بن زيد فقال فيه:
شردني فضل ويحيى وما ... أذنبت ذنباً غير ذكر المعاد
أمنت بالله ولم يؤمنا ... فطرداني خيفة في البلاد
والأول أصح، لأن عيسى لم يدرك سلطان آل برمك ومات قبل ذلك.
حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثني أحمد بن يحيى الحجري، قال: حدثني الحسن بن الحسين الكندي، عن خصيب الوابشي، وكان من أصحاب زيد بن علي وكان خصيصاً بعيسى بن زيد، قال: كان عيسى بن زيد على ميمنة محمد بن عبد الله بن الحسن يوم قتل، ثم صار إلى إبراهيم فكان معه على ميمنته حتى قتل، ثم استتر بالكوفة في دار علي بن صالح بن حي، فكنا نصير إليه حال خوف، وربما صادفناه في الصحراء يستقي الماء على جمل لرجل من أهل الكوفة، فيجلس معنا ويحدثنا. وكان يقول لنا: والله لوددت أني آمن عليكم هؤلاء فأطيل مجالستكم، فأتزود من محادثتكم والنظر إليكم، فوالله إني لأتشوقكم وأتذكركم في خلوتي وعلى فراشي عند مضجعي، فانصرفوا لا يشهر موضعكم وأمركم فيلحقكم معرة وضرر.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن عبد الحميد، قال حدثني محمد بن عمرو بن عتبة، عن المختار بن عمر، قال: رأيت خصيباً الوابشي قبل يد عيسى بن زيد، فجذب عيسى يده ومنعه من ذلك، فقال له خصيب: قبلت يد عبد الله بن الحسن فلم ينكر ذلك علي.
قال أبو الفرج: وكان خصيب هذا من أصحاب زيد بن علي، وقد شهد معه حربه، وشهد مع محمد وإبراهيم حروبهما، وروى عنهم جميعاً، وروى عن زيد بن علي أيضاً عدة حكايات، ولم أسمع في روايته عنه حديثاً مسنداً.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني أحمد بن يحيى بن المنذر، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الكندي، قال حدثنا خصيب الوابشي، قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور تجري في وجهه.

(1/109)


حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني محمد بن علي بن خلف العطار، قال حدثني محمد بن عمر والفقمي الرازي، قال: سمعت علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب العابد وهو أبو الحسين بن علي صاحب فخ، يقول: لقد رأيتنا ونحن متوفرون وما فينا خير من عيسى بن زيد.
حدثنا جعفر بن محمد العلوي، قال: حدثني محمد بن علي بن خلف، قال: حدثني محمد بن عمرو الفقمي، قال: قرأ عيسى بن زيد علي عبد الله بن جعفر.
قال أبو الفرج: عبد الله بن جعفر هذا والد علي بن عبد الله بن جعفر المدني المحدث، وكان من قراء القرآن، وكبار المحدثين، وخرج مع محمد بن عبد الله، فلم يزل معه حتى قتل محمد وطلبه المنصور فتوارى منه، وقد ذكرت خبره في ذلك في مقتل إبراهيم.
حدثني عبد الله بن زيدان البجلي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سعيد بن عمر بن جنادة البجلي، قال: كان الحسن بن صالح، وعيسى بن زيد بمنى، فاختلفا في مسألة من السيرة، فبينما هما يتناظران فيها جاءهما رجل فقال: قد قدم سفيان الثوري، فقال الحسن بن صالح: قد جاء الشفاء.
فقال عيسى بن زيد: فأنا أسأله عن هذا الذي اختلفا فيه، وسأل عن موضعه فأخبر به، فقام إليه فمر في طريقه بجناب بن نسطاس العرزمي فسلم عليه، ومضى إلى سفيان فسأله عن المسألة فأبى سفيان أن يجيبه خوفاً على نفسه من الجواب لأنه كان شيء فيه على السلطان، فقال له الحسن بن صالح إنه عيسى بن زيد، فتنبه سفيان واستوفز، ثم نظر إلى عيسى بن زيد كالمستثبت فتقدم إليه فقال له: نعم أنا عيسى بن زيد. فقال: أحتاج إلى من يعرفك.
قال: جناب بن نسطاس أجيئك به.
فقال: افعل. قال: فذهب عيسى فجاءه به، فقال جناب بن نسطاس: نعم يا أبا عبد الله هذا عيسى بن زيد، فبكى سفيان فأكثر البكاء، وقام من مجلسه فأجلسه فيه وجلس بين يديه، وأجابه عن المسألة، ثم ودعه وانصرف.
قال أبو الفرج: وقد حدثني بهذا الحديث أحمد بن محمد بن سعيد، وكنت ذكرت له ما حدثني به ابن زيدان من ذلك فقال: حدثني محمد بن سالم بن عبد الرحمن قال: حدثني المنذر بن جعفر العبدي عن أبيه، قال: خرجت أنا والحسن، وعلي بن صالح ابنا حي، وعبد ربه بن علقمة، وجناب بن نسطاس مع عيسى بن زيد حجاجاً بعد مقتل إبراهيم، وعيسى بيننا يستر نفسه في زي الجمالين، فاجتمعنا بمكة ذات ليلة في المسجد الحرام، فجعل عيسى بن زيد، والحسن بن صالح يتذاكران أشياء من السيرة، فاختلف هو وعيسى في مسألة منها، فلما كان من الغد دخل علينا عبد ربه بن علقمة فقال قدم عليكم الشفاء فيما اختلفتم فيه، هذا سفيان الثوري قد قدم، فقاموا بأجمعهم فخرجوا إليه، فجاءوه وهو في المسجد جالس، فسلموا عليه، ثم سأله عيسى بن زيد عن تلك المسألة، فقال: هذه مسألة لا أقدر على الجواب عنها لأن فيها شيئاً على السلطان.
فقال له الحسن: إنه عيسى بن زيد، فنظر إلى جناب بن نسطاس مسثبتاً، فقال له جناب: نعم هو عيسى بن زيد، فوثب سفيان فجلس بين يدي عيسى وعانقه وبكى بكاء شديداً واعتذر إليه مما خاطبه به من الرد، ثم أجابه عن المسألة وهو يبكي وأقبل علينا فقال: إن حب بني فاطمة والجزع لهم مما هم عليه من الخوف والقتل والتطريد ليبكي من في قلبه شيء من الإيمان، ثم قال لعيسى: قم بأبي أنت فأخف شخصك لا يصيبك من هؤلاء شيء نخافه، فقمنا فتفرقنا.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن سالم بن عبد الرحمن، قال علي بن جعفر الأحمر، حدثني أبي، قال: كنت أجتمع أنا، وعيسى بن زيد، والحسن، وعلي ابنا صالح بن حي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وجناب بن نسطاس، في جماعة من الزيدية في دار بالكوفة، فسعى ساع إلى المهدي بأمرنا ودله على الدار، فكتب إلى عامله بالكوفة بوضع الأرصاد علينا، فإذا بلغه اجتماعنا كبسنا وأخذنا ووجه بنا إليه. فاجتمعنا ليلة في تلك الدار، فبلغه خبرنا فهجم علينا، ونذر القوم به وكانوا في علو الدار، فتفرقوا ونجوا جميعاً غيري، فأخذني وحملني إلى المهدي فأدخلت إليه، فلما رآني شتمني بالزنا وقال لي: يا ابن الفاعلة أنت الذي تجتمع مع عيسى بن زيد وتحثه على الخروج علي وتدعو إليه الناس؟.

(1/110)


فقلت له: يا هذا، أما تستحيي من الله، ولا تتقي الله ولا تخافه، تشتم المحصنات وتقذفهن بالفاحشة، وقد كان ينبغي لك ويلزمك في دينك وما وليته، أن لو سمعت سفيهاً يقول مثل قولك أن تقيم عليه الحد.
فأعاد شتمي ثم وثب إلي فجعلني تحته، وضربنه بيديه، وخبطني برجليه، وشتمني.
فقلت له: إنك لشجاع شديد أيد، حين قويت على شيخ مثلي تضربه، لا يقدر على المنع من نفسه ولا انتصار لها.
فأمر بحبسي والتضيق علي، فقيدت بقيد ثقيل وحبست سنين، فلما بلغه وفاة عيسى بن زيد بعث إلي فدعاني فقال لي: من أي الناس أنت؟ قلت من المسلمين. قال: أعرابي أنت؟ قلت لا. قال فمن أي الناس أنت؟. قلت: كان أبي عبداً لبعض أهل الكوفة وأعتقه فهو أبي.
فقال لي: إن عيسى بن زيد قد مات.
فقلت: أعظم بها مصيبة، رحمه الله، فلقد كان عابداً ورعاً، مجتهداً في طاعة الله، غير خائف لومة لائم.
قال: أفما علمت بوفاته؟ قلت: بلى. قال: فلم لم تبشرني بوفاته؟.
فقلت: لم أحب أن أبشرك بأمر لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه لساءه.
فأطرق طويلاً ثم قال: ما أرى في جسمك فضلاً للعقوبة، وأخاف أن أستعمل شيئاً منها فيك فتموت وقد كفيت عدوي، فانصرف في غير حفظ الله، والله لئن بلغني أنك عدت لمثل فعلك لأضربن عنقك.
قال: فانصرفت إلى الكوفة فقال المهدي للربيع: أما ترى قلة خوفه وشدة قلبه، هكذا يكون والله أهل البصائر.
قال علي بن جعفر: وحدثني أبي، قال: اجتمعت أنا، وإسرائيل بن يونس، والحسن، وعلي ابنا صالح بن حي، في عدة من أصحابنا، مع عيسى بن زيد، فقال له الحسن بن صالح بن حي: متى تدافعنا بالخروج وقد اشتمل ديوانك على عشرة آلاف رجل؟.
فقال له عيسى: ويحك، أتكثر علي العدد وأنا بهم عارف، أما والله لو وجدت فيهم ثلثمائة رجل أعلم أنهم يريدون الله عز وجل، ويبذلون أنفسهم له، ويصدقون للقاء عدوه في طاعته، لخرجت قبل الصباح حتى أبلي عند الله عذراً في أعداء الله، وأجري أمر المسلمين على سنته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن لا أعرف موضع ثقة يفي ببيعته لله عز وجل، ويثبت عند اللقاء! قال: فبكى الحسن بن صالح حتى سقط مغشياً عليه.
قال: وحدثني أبي، قال: دخلت على عيسى بن زيد وهو يأكل خبزاً وقثاء، فأعطاني رغيفين وقثائتين وقال لي: كل، فأكلت رغيفاً ونصف الآخر مع قثاءة ونصف فشبعت وتركت الباقي، فلما كان بعد أيام جئته فأخرج لي الكسرة ونصف القثاءة وقد ماتت فقال لي: كل فقلت: وأي شيء كان في هذا حتى خبأته لي.
قال: قد أعطيتك إياه فصار لك فأكلت بعضه وبقي البعض، فكله إن شئت أو فتصدق به.
حدثنا محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثني عمي عبيد الله، عن القاسم بن أبي شيبة، عن أبي نعيم، قال: حدثني من شهد عيسى بن زيد لما انصرف من واقعة باخمري وقد خرجت عليه لبؤة معها أشبالها، فعرضت للطريق وجعلت تحمل على الناس، فنزل عيسى فأخذ سيفه وترسه ثم نزل إليها فقتلها، فقال له مولى له: أيتمت أشبالها يا سيدي فضحك فقال: نعم أنا ميتم الأشبال، فكان أصحابه بعد ذلك إذا ذكروه كنوا عنه وقالوا: قال موتم الأشبال كذا، وفعل موتم الأشبال كذا، فيخفى أمره.
وقد ذكر ذلك يموت بن المزرع في قصيدة رثى فيها أهل البيت عليهم السلام.
وذكرها أيضاً الشميطي، وكان من شعراء الامامية، في قصيدة عاب فيها من خرج من الزيدية رضوان الله عليهم فقال:
سن ظلم الإمام للناس زيدٌ ... إن ظلم الإمام ذو عقال
وبنو الشيخ والقتيل بفخ ... بعد يحيى وموتم الأشبال
أخبرنا عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي عن أبيه وعمه، قال: إن عيسى بن زيد انصرف من وقعة باخمري بعد مقتل إبراهيم فتوارى في دور ابن صالح بن حي، وطلبه المنصور طلباً ليس بالحثيث. وطلبه المهدي وجد في طلبه حيناً فلم يقدر عليه، فنادى بأمانه ليبلغه ذلك فيظهر، فبلغه فلم يظهر، وبلغه خبر دعاةٍ له ثلاثة وهم: ابن علاق الصيرفي، وحاضر مولى لهم، وصباح الزعفراني، فظفر بحاضر فحبسه، وقرره ورفق به واشتد عليه ليعرفه موضع عيسى فلم يفعل، فقتله.
ومكث طول حياة عيسى يطلب صباحاً وابن علاق فلم يظفر بهما.

(1/111)


ثم مات عيسى بن زيد فقال صباح للحسن بن صالح: أما ترى هذا العذاب والجهد الذي نحن فيه بغير معنى، قد مات عيسى بن زيد ومضى لسبيله وإنما نطلب خوفاً منه، فإذا علم أنه قد مات أمنوه وكفوا عنا، فدعني آتي هذا الرجل - يعني المهدي - فأخبره بوفاته حتى نتخلص من طلبه لنا، وخوفنا منه.
فقال: لا والله ولا تبشر عدو الله بموت ولي الله ابن نبي الله، ولا نفر عينه فيه ونشمته له، فوالله لليلة يبيتها خائفاً منه أحب إلي من جهاد سنة وعبادتها.
قال: ومات الحسن بن صالح بعده بشهرين، فحدث صباح الزعفراني قال: أخذت أحمد بن عيسى، وأخاه زيداً فجئت بهما إلى بغداد فجعلتهما في موضع أثق به عليهما، ثم لبست أطماراً وجئت إلى دار المهدي، فسألت أن أوصل إلى الربيع وأن يعرف أن عندي نصيحة وبشارة بأمر يسر الخليفة. فدخلوا عليه فأعلموه بذلك فخرجوا إلي فأذنوا لي، فدخلت إليه وقال: ما نصيحتك؟.
فقلت: لا أقولها إلا للخليفة.
فقال: لا سبيل إلى ذلك دون أن تعلمني النصيحة ما هي.
فقلت: أما النصيحة فلا أذكرها إلا له، ولكن أخبره أني صباح الزعفراني، داعية عيسى بن زيد، فأدناني منه ثم قال: يا هذا: لست تخلو من أن تكون صادقاً أو كاذباً، وهو على الحالين قاتلك، إن كنت صادقاً فأنت تعرف سوء أثرك عنده، وطلبه لك، وبلوغه في ذلك أقصى الغايات، وحرصه عليه، وحين تقع عينه عليك يقتلك.
وإن كنت كاذباً وإنما أردت الوصول إليه من أجل حاجة لك غاظه ذلك من فعلك فقتلك، وأنا ضامن لك قضاء حاجتك كائنة ما كانت لا أستثني شيئاً.
فقلت: أنا صباح الزعفراني، والله الذي لا إله إلا هو ما لي إليه حاجة، ولو أعطاني كل ما يملك ما أردته ولا قبلته، وقد صدقتك فإن أخبرته وإلا توصلت إليه من جهة غيرك.
فقال: اللهم أشهد أني برئ من دمه، ثم وكل بي جماعة من أصحابه وقام فدخل، فما ظننت أنه وصل إليه حتى نودي: هاتوا الصباح الزعفراني. فأدخلت إلى الخليفة فقال لي: أنت صباح الزعفراني؟ قلت: نعم.
قال: فلا حياك الله ولا بياك، ولا قرب دارك، يا عدو الله، أنت الساعي على دولتي، والداعي إلى أعدائي؟.
قلت: أنا والله هو، وقد كان كل ما ذكرته.
فقال: أنت إذاً الخائن الذي أتت به رجلاه، أتعترف بهذا نع ما أعلمه منك، وتجيئني آمناً؟.
فقلت: إني جئتك مبشراً ومعزياً.
قال: مبشراً بماذا؟ ومعزياً بمن؟.
قلت: أما البشرى فبوفاة عيسى بن زيد.
وأما التعزية ففيه لأنه ابن عمك ولحمك ودمك.
فحول وجهه إلى المحراب وسجد وحمد الله، ثم أقبل علي وقال: ومنذ كم مات؟ قلت: منذ شهرين.
قال: فلم لم تخبرني بوفاته إلا الآن؟.
قلت: منعني الحسن بن صالح، وأعدت عليه بعض قوله. قال: وما فعل؟ قلت: مات، ولولا ذلك ما وصل إليك الخبر ما دام حياً. فسجد سجدة أخرى وقال: الحمد لله الذي كفاني أمره، فلقد كان أشد الناس علي، ولعله لو عاش لأخرج علي غير عيسى، سلني ما شئت فوالله لأغنيك، ولا رددتك عن شيء تريده.
قلت: والله ما لي حاجة، ولا أسألك شيئاً إلا حاجة واحدة.
قال: وما هي؟ قلت: ولد عيسى بن زيد، والله لو كنت أملك ما أعولهم به ما سألتك في أمرهم ولا جئتك بهم، ولكنهم أطفال يموتون جوعاً وضراً، وهم ضائعون، وما لهم شيء يرجعون إليه، إنما كان أبوهم يستقي الماء ويعولهم، وليس لهم الآن من يكفلهم غيري، وأنا عاجز عن ذلك وهم عندي في ضنك، وأنت أولى الناس بصيانتهم، وأحق بحمل ثقلهم، فهم لحمك ودمك، وأيتامك وأهلك.
قال: فبكى حتى جرت دموعه، ثم قال: إذا يكونون والله عندي بمنزلة ولدي، لا أوثرهم عليهم بشيء، فأحسن الله يا هذا جزاءك عني وعنهم، فلقد قضيت حق أبيهم وحقوقهم، وخففت عني ثقلاً، وأهديت إلي سروراً عظيماً.
قلت: ولهم أمان الله ورسوله وأمانك، وذمتك وذمة آبائك في أنفسهم وأهليهم وأصحاب أبيهم أن لا تتبع أحداً منهم بتبعة ولا تطلبه؟.
قال: ذلك لك ولهم من أمان الله وأماني، وذمتي وذمة آبائي، فاشترط ما شئت، فاشترطت عليه واستوثقت حتى لم يبق في نفسي شيء.
ثم قال: يا حبيبي، وأي ذنب لهؤلاء وهم أطفال صغار، والله لو كان أبوهم بموضعهم حتى يأتيني أو أظفر به ما كان له عندي إلا ما يحب، فكيف بهؤلاء، اذهب يا هذا أحسن الله جزاءك فجئني بهم، وأسألك بحقي أن تقبل مني صلة تستعين بها على معاشك.

(1/112)


قلت: أما هذا فلا، فإنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم.
وخرجت فجئته بهم، فضمهم إليه وأمر لهم بكسوة ومنزل وجارية تحضنهم، ومماليك يخدمونهم، وأفرد لهم في قصره حجرة.
وكنت أتعهدهم فأعرف أخبارهم. فلم يزالوا في دار الخلافة إلى أن قتل محمد الأمين وانتصر أمر دار الخلافة، وخرج من كان فيها، فخرج أحمد بن عيسى فتوارى، وكان أخوه زيد مرض قبل ذلك ومات.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار بهذا الخبر على خلاف هذه الحكاية، قال: حدثني هاشم بن أحمد البغوي، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن إسماعيل، قال: حدثني إبراهيم بن رياح، قال: حدثني الفضل بن حماد الكوفي، وكان من أصحاب الحسن بن صالح بن حي: أن عيسى بن زيد صار إلى الحسن بن صالح فتوارى عنده، فلم يزل على ذلك حتى مات في أيام المهدي، فقال الحسن لأصحابه: لا يعلم بموته أحد فيبلغ السلطان فيسره ذلك، ولكن دعوه بخوفه ووجله منه وأسفه عليه حتى يموت، ولا تسروه بوفاته فيأمن مكروهه.
فلم يزل ذلك مكتوماً حتى مات الحسن بن صالح رحمه الله، فصار إلى المهدي رجل يقال له ابن علاق الصيرفي، وكان اسمه قد وقع إليه وبلغه أنه من أصحاب عيسى، فلما وقف ببابه واستأذن له الحاجب أمر بإدخاله إليه، فأدخل فسلم على المهدي بالخلافة وقال: أعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين في ابن عمك عيسى.
فقال له: ويحك ما تقول؟.
قال: الحق والله أقول. فقال: ومتى مات؟ فعرفه فقال: ما منعك أن تعرفني قبل هذا؟ قال: منعني الحسن بن صالح. وصدقه عن قوله فيه فقال له: لئن كنت صادقاً لأحسنن صلتك، ولأوطئن الرجال عقبك.
قال: ليس لهذا قصدت، إنما علمت أنك في شك من أمره، ولم آمن أن يتشوف به الناس عندك، فأحببت أن تقف على خبره فتستريح وتريح.
قال: أما إنك جئتني ببشارتين يجل خطرهما موت عيسى والحسن بن صالح، وما أدى بأيهما أنا أشد فرحاً، فسلني حاجتك.
قال: ولده تحفظهم، فوالله ما لهم من قليل ولا كثير. وكان الحسن بن عيسى بن زيد قد مات في حياة أبيه، وكان الحسين متزوجاً ببنت الحسن بن صالح، فأتاه أحمد وزيد ابنا عيسى فنظر إليهما وأجرى لهما أرزاقاً، ومضيا بإذنه إلى المدينة، فمات زيد بها، وبقي أحمد إلى خلافة الرشيد وصدرا من خلافته وهو ظاهر، ثم بلغ الرشيد بعد ذلك أنه يتنسك ويطلب الحديث وتجتمع إليه الزيدية، فبعث فأخذه وحبسه مدة إلى أن أمكنه التخلص من الحبس، وخبره في ذلك يذكر مشروحاً إذا انتهى الكتاب إلى أخباره، إن شاء الله تعالى.
حدثني عمي الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه. قال: حدثنا محمد بن أبي العتاهية، قال: حدثني أبي: لما امتنعت من قول الشعر وتركته أمر المهدي بحبسي في سجن الجرائم، فأخرجت من بين يديه إلى الحبس، فلما أدخلته دهشت وذهل عقلي، ورأيت منظراً هالني، فرميت بطرفي أطلب موضعاً آوي إليه أو رجلاً آنس بمجالسته، فإذا أنا بكهل حسن السمت، نظيف الثوب، يبين عليه سيماء الخير فقصدته فجلست إليه من غير أن أسلم عليه أو أسأله عن شيء من أمره؛ لما أنا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت ملياً وأنا مطرق مفكر في حالي، فأنشد هذا الرجل هذين البيتين. فقال:
تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصيرني يأسي من الناس واثقاً ... بحسن صنيع الله من حيث لا أدري
فاستحسنت البيتين وتبركت بهما وثاب إلى عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له: تفضل أعزك الله بإعادة هذين البيتين.
فقال لي: ويحك يا إسماعيل، ولم يكنني، ما أسوأ أدبك، وأقل عقلك ومروءتك، دخلت إلي ولم تسلم علي بتسليم المسلم على المسلم، ولا توجعت لي توجع المبتلي للمبتلى، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم حتى إذا سمعت من ببيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيراً ولا أدباً ولا جعل لك معاشاً غيره، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدياً، كأن بيننا أنساً قديماً، ومعرفةً شافية، وصحبة تبسط المنقبض! فقلت له: اعذرني متفضلاً؛ فإن دون ما أنا فيه يدهش.

(1/113)


قال: وفي أي شيء أنت، إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتى تقوله، وأنت لا بد من أن تقوله، فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطالب بإحضار عيسى بن زيد بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن دللت عليه فقتل الله بذمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمي فيه، وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
فقلت: يكفيك الله وأطرقت خجلاً منه.
فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما. فأعادهما علي مراراً حتى حفظتهما، ثم دعى به وبي فلما قمنا قلت: من أنت أعزك الله؟.
قال: أنا حاضر صاحب عيسى بن زيد. فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه قال له: أين عيسى بن زيد؟.
قال: ما يدريني أين عيسى، طلبته وأخفته فهرب منك في البلاد، وأخذتني فحبستني، فمن أين أقف على موضع هارب منك وأنا محبوس؟.
فقال له: فأين كان متوارياً؟ ومتى آخر عهدك به؟ وعند من لقيته؟.
فقال: ما لقيته منذ توارى، ولا أعرف له خبراً.
قال: والله لتدلني عليه، أو لأضربن عنقك الساعة.
قال: اصنع ما بدا لك، أنا أدلك على ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتقتله، فألقى الله ورسوله وهما يطالباني بدمه، والله لو كان بين ثوبي وجلدي ما كشفت عنه.
قال: اضربوا عنقه. فقدم فضرب عنقه.
ثم دعاني فقال: أتقول الشعر أو ألحقك به.
فقلت: بل أقول الشعر، فقال: أطلقوه.
قال محمد بن القاسم بن مهرويه، والبيتان اللذان سمعهما من حاضر شعره الآن.
قال أبو الفرج: وقد روى هذا الخبر غير ابن مهرويه بغير هذا الإسناد، فذكر أن حاضراً كان داعية لأحمد بن عيسى بن زيد، وإن قصته مع أبي العتاهية كانت في أيام الرشيد، وأن قتله بسبب أحمد بن عيسى بن زيد ومطالبته إياه بإحضاره أو الدلالة عليه.
والأول عندي أصح.
أيام موسى الهادي
ابن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ومن قتل منهم فيها
الحسين بن علي بن الحسن
والحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صاحب الفخ ويكنى أبا عبد الله.
وأمه زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وأمها هند بنت أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة بن الأسود.
وهي أخت محمد وإبراهيم وموسى لأبيهم وأمهم.
وكانت زينب ترقص الحسين وهو صغير وأخاه وهو الحسن وتقول:
تعلم يابن زينبٍ وهند ... كم لك بالبطحاء من معد
من خال صدق ماجد وجد
وكان يقال لزينب وزوجها علي بن الحسن: الزوج الصالح؛ لعبادتهما.
ولما قتل أبو جعفر أباها وأخاها وعمومتها وبنيهم وزوجها كانت تلبس المسوح، ولا تجعل بين جسدها وبينها شعاراً حتى لحقت بالله عز وجل.
وكانت تندبهم وتبكي حتى يغشى عليها، ولا تذكر أبا جعفر بسوء تحرجاً من ذلك وكراهة لأن تشفي نفسها بما يؤثمها، ولا تزيد على أن تقول: يا فاطر السموات والأرض، يا عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
حدثنا أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا موسى بن عبد الله بن موسى، قال: حدثتني عمتي رقية بنت موسى، قالت: ما فارقت عمتي زينب عبد الله درع شقائق حتى لحقت به.
قال أبو الفرج الأصبهاني: شقائق تعني الأمساح.
ونبدأ بذكر من قتل معه من أهل بيته حسبما شرطناه في هذا الكتاب ثم نأتي بسياقة خبرهم.
سليمان بن عبد الله
فمنهم سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم.
وهي التي كلمت أبا جعفر لما حج، وقالت: يا أمير المؤمنين أيتامك بنو عبد الله بن الحسن فقراء لا شيء لهم، فرد عليهم ما قبضه من أموالهم.
الحسن بن محمد
والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن لأبي طالب عليهم السلام.
ضربت عنقه صبراً بعد وقعة فخ.
عبد الله بن إسحاق
وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه رقية بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.

(1/114)


وهو الذي يقال له الجدي قتل في الوقعة.
ثم نرجع الخبر الآن إلى أخبار الحسين بن علي بن الحسن صاحب الفخ حدثني علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأحمد بن محمد بن سعيد، قالا: حدثنا الحسين بن الحكم، وقال: حدثنا الحسن بن الحسن، قال: حدثنا الحكم بن جامع الثمالي، عن الحسين بن زيد، قال: حدثتني أمي ريطة بنت عبد الله بن محمد الحنفية عن زيد، قال: وكان الحسين بن زيد يسميها أمي ولم تكن أمه، إنما كانت أم أخيه يحيى بن زيد، عن زيد بن علي، قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع فخ فصلى بأصحابه صلاة الجنازة ثم قال: يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.
وذكر من فضلهم أشياء لم تحفظها ريطة.
أخبرني علي بن العباس المقانعي: قال: حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم المقري، قال: حدثنا الحسن بن علي الأسدي.
قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد، قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسين بن المفضل العطار، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بفخ فنزل فصلى ركعة، فلما صلى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما رأى الناس النبي صلى الله عليه وسلم يبكي بكوا، فلما انصرف قال: ما يبكيكم؟ قالوا: لما رأيناك تبكي بكينا يا رسول الله، قال: نزل علي جبريل لما صليت الركعة الأولى فقال: يا محمد إن رجلاً من ولدم يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، وعلي بن إبراهيم العلوي، قالا: حدثنا الحسين بن الحكم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثنا النضر بن قرواش، قال: أكريت جعفر بن محمد من المدينة إلى مكة، فلما ارتحلنا من بطن مر، قال لي: يا نضر إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني، قلت: أولست تعرفه؟ قال: بلى! ولكن أخشى أن تغلبني عيني. فلما انتهينا إلى فخ دنوت من المحمل، فإذا هو نائم فتنحنحت فلم ينتبه، فحركت المحمل فجلس، فقلت: فقد بلغت، فقال. حل محملي، فحللته ثم قال: صل القطار، فوصلته ثم تنحيت به عن الجادة؛ فأنخت بعيره فقال: ناولني الإداوة والركوة، فتوضأ وصلى ثم ركب فقلت له: جعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئاً أفهو من مناسك الحج؟ قال: لا، ولكن يقتل ها هنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا الحسين بن الحكم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين بن جامع عن موسى بن عبد الله بن الحسن، قال: حججت مع أبي فلما انتهينا إلى فخ أناخ محمد بن عبد الله بعيره فقال لي أبي: قل له يثير بعيره، فقلت له، فأثاره ثم قلت لأبي: يا أبة لم كرهت له هذا؟ قال: إنه يقتل في هذا الموضع رجل من أهل بيتي يتعاوى عليه الحاج، فنسفت أن يكون هو.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا علي بن صاعد، قال: حدثنا حسن بن محمد المولى.
قال: حدثنا علي بن الحسين الحضرمي، قال: سمعت الحسن بن هذيل، يقول: بعت لحسين بن علي صاحب فخ حائطاً بأربعين ألف دينار، فنثرها على بابه، فما دخل إلى أهله منها حبة، كان يعطيني كفاً كفاً فأذهب به إلى فقراء أهل المدينة.
حدثني علي بن إبراهيم الجواني قال: حدثنا الحسن بن علي بن هاشم قال: حدثنا علي بن إبراهيم مؤذن مسجد الأشتر، قال: حدثني الحسن بن هذيل، قال: قال لي الحسين صاحب فخ: اقترض لي أربعة آلاف درهم، فذهبت إلى صديق لي فأعطاني ألفين وقال لي: إذا كان غد فتعال حتى أعطيك ألفين، فجئت فوضعتهما تحت حصير كان يصلي عليه، فلما كان من الغد أخذت الألفين الأخريين ثم جئت أطلب الذي وضعته تحت الحصير فلم أجده، فقلت له: يابن رسول الله، ما فعل الألفان؟ قال: لا تسأل عنهما، فأعدت فقال: تبعني رجل أصفر من أهل المدينة فقلت: ألك حاجة؟ فقال: لا ولكني أحببت أن أصل جناحك فأعطيته إياها، أما أني أحسبني ما أجرت على ذلك لأني لم أجد لها حباً، وقال الله عز وجل: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " .

(1/115)


حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرني يحيى بن سليمان، قال: اشترى لحسين بن علي صاحب فخ ثوبان فكسا أبا حمزة، وكان يخدمه، ثوباً منها، وارتدى هو بثوب، فأتاه سائل وهو ذاهب إلى المسجد فسأله، فقال: أعطه يا أبا حمزة ثوبك، قال: فقلت له: أمشي بغير رداء. فلم يزل بي حتى أعطيته، ثم مشى السائل معهحتى إذا أتى منزله نزع رداءه وقال ائتزر برداء أبي حمزة وارتد بهذا، فتبعته فاشتريت الثوبين منه بدينارين وأتيته بهما، فقال: بكم اشتريتهما؟ قلت: بدينارين، فأرسل إلى السائل يدعوه، فقلت له: امرأتي طالق إن رددتهما عليه أو دعوته، فحين حلفت تركه.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا جعفر بن أحمد، قال: حدثني هاشم بن قريش، قال: أتى رجل الحسين بن علي صاحب فخ فسأله، فقال: ما عندي شيء أعطيكه ولكن اقعد فإن حسناً أخي يجيء فيسلم علي فإذا جاء فقم فخذ الحمار، فلم يكن أسرع من أن جاء الحسن فنزل عن الحمار وقاده الغلام، وكان الحسن مكفوفاً فأشار الحسين إلى الرجل أن قم فخذ الحمار، فجاء إليه ليأخذه فمنعه الغلام، فأشار إليه الحسين أن يدفعه إليه فدفعه غليه، فمضى الرجل وقعد الحسن عنده فتحدث ما شاء الله ثم وثب فقال يا غلام قدم الحمار، فقال: جعلت فداك، أمرني أخوك أن أدفعه إلى رجل فدفعته إليه، فأدار وجهه إلى أخيه وقال: جعلت فداك، أعرت أم وهبت؟ بل والله ما أرى مثلك يعير، يا غلام قدني.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن علي بن هشام، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثني حمدون القرا، قال: ركب الحسين بن علي صاحب فخ دين كثير فقال لغرمائه: الحقوني إلى باب المهدي، وخرج فجاء إلى باب المهدي فقال لآذنه: ابن عمك الينبعي على الباب، قال: وكان راكباً على جمل، فقال له ويلك، أدخله على جمله، فأدخله حتى أناخه في وسط الدار، فوثب المهدي فسلم عليه وعانقه وأجلسه إلى جنبه، وجعل يسأل عن أهله، ثم قال: يابن عم، ما جاء بك؟ قال: ما جئت وورائي أحد يعطيني درهماً، قال: أفلا تكتب إلينا، قال: أحببت أن أحدق بك عهداً، فدعا المهدي ببدرة دنانير، وبدرة دراهم، وتخت من ثياب حتى دعا له بعشر بدر دنانير، وعشر بدر درهم وعشرة تخوت فدفعها إليه، وخرج فطرح ذلك في دار ببغداد، وجاء غرماؤه فكان يقول للواحد: كم لك علينا؟ فيقول: كذا وكذا، فيزن له، ثم يدخل يده في تلك الدراهم والدنانير فيقول: هذا صلة منا لك، فلم يزل حتى لم يبق من ذلك المال إلا شيء يسير، ثم انحدر إلى الكوفة يريد المدينة فنزل قصر ابن هبيرة في خان، فقيل لصاحب الخان: هذا رجل من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ له سمكاً فشواه وجاء به ومعه رقاق وقال له: لم أعرفك يابن رسول الله، فقال لغلامه: كم بقى معك من ذلك المال؟ قال: شيء يسير والطريق بعيد، قال: ادفعه إليه، فدفعه إليه.
حدثنا علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم المقري، قال: حدثنا جعفر بن محمد، قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم الواسطي قال: جاء رجل إلى الحسين بن علي صاحب فخ فسأله فلم يكن عنده شيء فأقعده، وبعث إلى أهل داره من أراد أن يغسل ثيابه فليخرجها، فأخرجوا ثيابهم ليغسلوها فلما اجتمعت قال للرجل: خذها.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن علي بن هاشم، قال: حدثنا لقاسم بن خليفة الخزاعي، قال: عاتب رجل الحسن بن علي صاحب فخ في سنة تسع وستين ومائة وقال: عليك دين سبعون ألف دينار فقال أخذت من المزرفن يعني المقير زيتاً بألف دينار فجعل الرجل يجيئني والمرأة فأعطيها الزق والزقين حتى لم يبق شيء، ثم قلت له: ما أخذه منك فلان من شيء فاحسبه علي، فأخذ منه عشرة آلاف، فكنت أقول له ما هذا؟.
حدثني علي بن إبراهيم، قال حدثنا أحمد بن حمدان بن إدريس، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أبي العلاء، قال: حدثني كردي بن يحيى، عن الحسن بن هذيل، قال:

(1/116)


كنت أصحب الحسين بن علي صاحب فخ فقدم إلى بغداد فباع ضيعه له بتسعة آلاف دينار، فخرجنا فنزلنا سوق أسد فبسط لنا على باب الخان، فأتى رجل معه سلة فقال له: مر الغلام يأخذ مني هذه السلة، فقال له: وما أنت؟ قال: أنا أصنع الطعام الطيب فإذا نزل هذه القرية رجل من أهل المروءة أهديته إليه، قال: يا غلام خذ السلة منه، وعد إلينا لتأخذ سلتك، قال: ثم أقبل علينا رجل عليه ثياب رثة فقال: أعطوني مما رزقكم الله، فقال لي الحسين: ادفع إليه السلة، وقال له: خذ ما فيها ورد الإناء، ثم أقبل علي وقال: إذا رد السائل السلة فادفع إليه خمسين ديناراً، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائة دينار، فقلت إبقاء مني عليه: جعلت فداك، بعت عيناً لك لتقضي ديناً عليك فسألك سائل فأعطيته طعاماً هو مقنع له، فلم ترض حتى أمرت له بخمسين دينار، وجاءك رجل بطعام لعله يقدر فيه ديناراً أو دينارين، فأمرت له بمائة دينار. فقال: يا حسن إن لنا رباً يعرف الحسنات، إذا جاء السائل فادفع له مائة دينار، وإذا جاء صاحب السلة فادفع إليه مائتي دينار، والذي نفسي بيده إني لأخاف أن لا يقبل مني؛ لأن الذهب والفضة والتراب عندي بمنزلة واحدة.
ذكر مقتله رضوان الله عليه ورحمته حدثني به جماعة من الرواة منهم: أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار الثقفي وعلي بن إبراهيم العلوي، وغيرهما ممن كتبت الشيء عنه من أخباره متفرقاً، أو رواه لي مجتمعاً، قال: أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي، عن أبيه، قال، وحدثني أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، وعمر بن شبة النميري، عن أبيه، قال، وحدثني يعقوب بن إسرائيل مولى المنصور، ونسخت أيضاً من أخباره ما وجدته بخط أحمد بن الحرث الخراز. وحدثنا علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا محمد بن الحسن المزني، قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن مروان، قال: قرأ علي هذا الأخبار عبد العزيز بن عبد الملك الهاشمي، قال علي بن إبراهيم، قال الحسن بن محمد المزني، حدثني علي بن محمد بن إبراهيم، عن بكر بن صالح، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري، وقد دخل حديث بعضهم في حديث الباقين، وأحدهم يأتي بالشيء لا يأتي به الآخر، وقد أثبت جميع رواياتهم في ذلك، إلا لعله أن يخالف المعنى خلافاً بعيداً فأفرده، قالوا: كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أن موسى الهادي ولى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم، وأفرط في التحامل عليهم، وطالبهم بالعرض كل يوم، وكانوا يعرضون في المقصورة، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، ووافى أوائل الحاج، وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلاً، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها، ولقوا حسيناً وغيره، فبلغ ذلك العمري فأنكره، وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمد بن عبد الله، وابن جندب الهذلي الشاعر، ومولى لعمر بن الخطاب، وهم مجتمعون، فأشاع أنه وجدهم على شراب، فضرب الحسن ثمانين سوطاً، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً، وضرب مولى عمر سبعة أسواط، وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشفي الظهور ليفضحهم. فبعثت إليه الهاشمية صاحبة الراية السوداء في أيام محمد بن عبد الله فقالت له: لا ولا كرامة لا تشهر أحداً من بني هاشم وتشنع عليهم وأنت ظالم. فكف عن ذلك وخلي سبيلهم.
رجع الحديث إلى خبر الحسين.

(1/117)


قالوا: فلما اجتمع النفر من الشيعة في دار ابن أفلح أغلظ العمري أمر العرض، وولى على الطالبيين رجلاً يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار، فعرضهم يوم جمعة فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر، فقال ليحيى والحسين بن علي: لتأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيام لن يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب، فراده بعض المرادة وشتمه يحيى، وخرج فمضى ابن الحائك هذا فدخل على العمري فأخبره فدعا بهما فوبخهما وتهددهما، فتضاحك الحسين في وجهه وقال: أنت مغضب يا أبا حفص.
فقال له العمري: أتهزأ بي وتخاطبني بكنيتي؟.
فقال له: قد كان أبو بكر وعمر، وهما خير منك، يخاطبان بالكنى فلا ينكران ذلك، وأنت تكره الكنية وتريد المخاطبة بالولاية.
فقال له: آخر قولك شر من أوله.
فقال: معاذ الله، يأبى الله لي ذلك ومن أنا منه.
فقال له: أفأنما أدخلتك إلي لتفاخرني وتؤذيني؟ فغضب يحيى بن عبد الله فقال له: فما تريد منا؟.
فقال: أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد.
فقال: لا نقدر عليه، هو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا، ثم اعرض رجلاً رجلاً، فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته، وأنه إن لم يجيء به ليركبن إلى سويقه فيخربها ويحرقها، وليضربن الحسين ألف سوط، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته.
فوثب يحيى مغضباً فقال له: أنا أعطي الله عهداً، وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوماً حتى آتيك بالحسن بن محمد أو لا أجده، فأضرب عليك بابك حتى تعلم أني قد جئتك. وخرجا من عنده وهما مغضبان، وهو مغضب، فقال الحسين ليحيى بن عبد الله: بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به، وأين تجد حسناً؟.
قال: لم أرد أن آتيه بالحسن والله، وإلا فأنا نفي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن علي عليه السلام بل أردت إن دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف، إن قدرت عليه قتلته.
فقال له الحسين: بئسما تصنع تكسر علينا أمرنا.
قال له يحيى: وكيف أكسر عليك أمرك، وإنما بيني وبين ذلك عشرة أيام حتى تسير إلى مكة، فوجه الحسين إلى الحسن بن محمد فقال: يا بن عمي، قد بلغك ما كان بيني وبين هذا الفاسق، فامض حيث أحببت.
فقال الحسن: لا والله يا بن عمي، بل أجيء معك الساعة حتى أضع يدي في يده.
فقال له الحسين: ما كان الله ليطلع علي وأنا جاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو خصمي وحجيجي في دمك، ولكن أقيك بنفسي لعل الله أن يقيني من النار.
قال: ثم وجه، فجاءه يحيى، وسليمان، وإدريس، بنو عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن الحسن الأفطس، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وعمر بن الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي، وعبد الله بن جفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم، فاجتمعوا ستةً وعشرين رجلاً من ولد علي، وعشرة من الحاج، نفر من الموالي. فلما أذن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا: " أحد، أحد " وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند موضع الجنائز فقال للمؤذن: أذن بحي على خير العمل، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش، وصاح: أغلقوا البغلة الباب وأطعموني حبتي ماء.
قال علي بن إبراهيم في حديثه: فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء.
قالوا: ثم اقتحم إلى دار عمر بن الخطاب وخرج في الزقاق المعروف بزقاق عاصم بن عمر، ثم مضى هارباً على وجهه يسعى ويضرط حتى نجا، فصلى الحسين بالناس الصبح ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه، ودعى بالحسن وقال للشهود: هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري وإلا والله خرجت من يميني ومما علي.

(1/118)


ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين إلا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن، فإنه استعفاه فلم يكرهه. وموسى بن جعفر بن محمد. فحدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثني حمدان بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن الفرات، قال: حدثني عنيزة القصباني، قال: رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ، فانكب عليه شبه الركوع وقال: أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي عنك، فأطرق الحسين طويلاً لا يجيبه، ثم رفع رأسه إليه فقال: أنت في سعة.
حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عنيزة القصباني بهذا: رجع الحديث إلى حيث انتهى من قصصهم.
قال: وقال الحسين لموسى بن جعفر في الخروج فقال له: إنك مقتول فأحد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعند الله عو وجل أحتسبكم من عصبة.
قال: وخطب الحسين بن علي بعد فراغه من الصلاة فحمد الله وأثنى عليه وقال: أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، وفي حرم رسول الله، أدعوكم إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الناس: أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود، وتتمسحون بذلك، وتضيعون بضعة منه! فقال الراوي للحديث: فقلت في نفسي قولاً أسره: إنا لله ما صنع هذا بنفسه. قال: وإلى جنبي عجوز مدنية فقالت: اسكت ويلك، ألابن رسول الله تقول هذا؟ قلت: يرحمك الله والله ما قلت هذا إلا للإشفاق عليه.
قالوا: فأقبل خالد البربري وكان مسلحة للسلطان بالمدينة في السلاح ومعه أصحابه حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له: باب جبرائيل، فنظرت إلى يحيى بن عبد الله قد قصده وفي يده السيف فأراد خالد أن ينزل فبدره يحيى فضربه على جبينه، وعليه البيضة والمغفر والقلنسوة، فقطع ذلك كله وأطار قحف رأسه، وسقط عن دابته، وحمل على أصحابه فتفرقوا وانهزموا.
وحج في تلك السنة مبارك التركي فبدأ بالمدينة للزيارة فبلغه خبر الحسين فبعث إليه من الليل: إني والله ما أحب أن تبتلى بي ولا أبتلي بك، فابعث الليلة إلي نفراً من أصحابك ولو عشرة يبيتون عسكري حتى أنهزم واعتل بالبيات، ففعل ذلك الحسين، ووجه عشرة من أصحابه فجعجعوا بمبارك وصيحوا في نواحي عسكره، فطلب دليلاً يأخذ به غير الطريق فوجده فمضى به حتى انتهى إلى مكة.
وحج في تلك السنة العباس بن محمد، وسليمان بن أبي جعفر، وموسى بن عيسى، فصار مبارك معهم، واعتل عليهم بالبيات.
وخرج الحسين بن علي قاصداً إلى مكة ومعه من تبعه من أهله ومواليه وأصحابه وهم زهاء ثلثمائة، واستخلف على المدينة دنيار الخزاعي، فلما قربوا من مكة فصاروا بفخ وبلدح تلقتهم الجيوش، فعرض العباس على الحسين الأمان والعفو والصلة فأبى ذلك أشد الإباء.
قال الحسن بن محمد: وحدثني سليمان بن عباد، قال: لما أن رأى الحسين المسودة أقعد رجلاً على جمل، معه سيف يلوح به، والحسين يملي عليه حرفاً حرفاً يقول: نادي، فنادى: يا معشر الناس، يا معشر المسودة، هذا الحسين بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، يدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن: وحدثني محمد بن مروان عن أرطأه، قال: لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال: أبايعكم على كتاب الله، وسنة رسول الله، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، وعلى أن تقيموا معنا، وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا، وإن نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.
قال الحسن بن محمد في حديثه: فحدثني كثير بن إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت الحسن ليلة جمعة ونحن ببطن مر، ولقينا عبيد بن يقطين، ومفضل الوصيف وهما في سبعين فارساً، والحسين راكب على حمار إدريس بن عبد الله وهو يقول: يا أهل العراق، إن خصلتين إحداهما الجنة لشريفتان، والله لو لم يكن معي غيري لحاكمتكم إلى الله عز وجل حتى ألحق بسلفي.
رجع الحديث إلى أوله.

(1/119)


قال: ولقيته الجيوش بفخ وقادها: العباس بن محمد، وموسى بن عيسى، وجعفر ومحمد ابنا سليمان، ومبارك التركي، ومنارة، والحسن الحاجب، والحسين بن يقطين، فالتقوا في يوم التروية وقت صلاة الصبح، فأمر موسى بن عيسى بالتعبئة، فصار محمد بن سليمان في الميمنة؛ وموسى في الميسرة، وسليمان بن أبي جعفر، والعباس بن محمد في القلب.
فكان أول من بدأهم موسى فحملوا عليه فاستطرد لهم شيئاً حتى انحدروا في الوادي، وحمل عليهم محمد بن سليمان من خلفهم، فطحنهم طحنة واحدة حتى قتل أكثر أصحاب الحسين. وجعلت المسودة تصيح للحسين: يا حسين، لك الأمان فيقول: ما أريد الأمان، ويحمل عليهم حتى قتل.
وقتل معه سليمان بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن.
وأصابه الحسن بن محمد بنشابة في عينه وتركها في عينه، وجعل يقاتل أشد القتال، فناداه محمد بن سليمان: يابن خال، اتق الله في نفسك ولك الأمان.
فقال: والله ما لكم أمان، ولكني أقبل منكم، ثم كسر سيفاً هندياً كان في يده، ودخل إليهم، فصاح العباس بن محمد بابنه عبد الله: قتلك الله إن لم تقتله، أبعد تسع جراحات تنتظر هذا؟.
فقال له موسى بن عيسى: إي والله عاجلوه! فحمل عليه عبيد الله فطعنه، وضرب العباس بن محمد عنقه بيده صبراً، ونشبت الحرب بين العباس بن محمد، ومحمد بن سليمان، وقال: أمنت ابن خالي فقتلتموه، فقالوا: نحن نعطيك رجلاً من العشيرة تقتله مكانه.
وذكر أحمد بن الحرث في روايته: أن موسى بن عيسى هو الذي ضرب عنق الحسن بن محمد.
قال أحمد بن الحرث: وحدثني يزيد بن عبد الله الفارسي، قال: كان حماد التركي ممن حضر وقعة فخ، فقال للقوم: أروني حسيناً، فأروه إياه، فرماه بسهم فقتله، فوهب له محمد بن سليمان مائة ألف درهم ومائة ثوب.
قالوا: وغضب موسى على مبارك التركي لانهزامه عن الحسين وحلف ليجعلنه سائساً.
وغضب على موسى في قتله الحسن بن محمد صبراً، وقبض أموالهم.
وكان يقول: متى توافي فاطمة أخت الحسين بن علي؟ والله لأطرحنها إلى السواس، فمات قبل أن يوافي بها.
حدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن هاشم، قال: حدثني محمد بن منصور، عن القاسم بن إبراهيم، عمن ذكره، قال: رأيت الحسين صاحب فخ وقد دفن شيئاً، فظننت أنه شيء له مقدار، فلما كان من أمره ما كان، نظرنا فإذا هو قطعة من جانب قد قطع فدفنه ثم عاد فكر عليهم.
قال الحسن: وحدثني محمد بن منصور، قال: حدثني مصفى بن عاصم، قال: حدثني سليمان بن إسحاق القطان، قال: حدثني أبو العرجا الجمال: أن موسى بن عيسى دعاه فقال له: أحضرني جمالك. قال: فجئته بمائة جمل ذكر، فختم أعناقها، وقال: لا أفقد منها وبرة إلا ضربت عنقك، ثم تهيأ للمسير إلى الحسين صاحب فخ، فسار حتى أتينا بستان بني عامر فنزل فقال لي: إذهب إلى عسكر الحسين حتى تراه وتخبرني بكل ما رأيت. فمضيت فدرت فما رأيت خللاً ولا فللاً، ولا رأيت إلا مصلياً أو مبتهلاً، أو ناظراً في مصحف أو معداً للسلاح قال: فجئته فقلت: ما أظن القوم إلا منصورين. فقال: وكيف ذاك يابن الفاعلة؟ فأخبرته فضرب يداً على يد وبكى حتى ظننت أنه سينصرف ثم قال: هم والله أكرم عند الله، وأحق بما في أيدينا منا، ولكن الملك عقيم، ولو أن صاحب القبر - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - نازعنا الملك ضربنا خيشومه بالسيف، يا غلام، اضرب بطبلك. ثم سار إليهم، فوالله ما انثنى عن قتلهم.
رجع الحديث إلى حيث انقطع.
قالوا: جاء الجند بالرؤوس إلى موسى، والعباس، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلا موسى بن جعفر فقال له: هذا رأس الحسين.
قال: نعم إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله. فلم يجيبوه بشيء.
قال: وحملت الأسرى إلى موسى الهادي، وفيهم العذافر الصيرفي، وعلي بن سابق القلانسي، ورجل من ولد الحاجب بن زرارة، فأمر بهم فضربت أعناقهم، ومن بين يديه رجل آخر من الأسرى واقف، فقال أنا مولاك يا أمير المؤمنين.
فقال: مولاي يخرج علي، ومع موسى سكين، فقال: والله لأقطعنك بهذه السكين مفصلاً مفصلاً.
قال: وغلبت عليه العلة فمكث ساعة طويلة ثم مات، وسلم الرجل من القتل فأخرج من بين يديه.

(1/120)


فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: قال أحمد بن الحارث، عن عمر بن خلف الباهلي، عن بعض الطالبيين، قال: لما قتل أصحاب فخ جلس موسى بن عيسى بالمدينة، وأمر الناس بالوقيعة على آل أبي طالب، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد، فقال بقي أحد.
قيل له: موسى بن عبد الله. وأقبل موسى بن عبد الله على أثر ذلك، وعليه مدرعة وإزار غليظ، وفي رجليه نعلان من جلود الإبل، وهو أشعث أغبر حتى قعد مع الناس ولم يسلم عليه، وإلى جنبه السري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب، فقال لموسى بن عيسى: دعني أكشف عليه باله، وأعرفه نفسه.
قال: أخافه عليك. قال: دعني، فأذن له فقال له: يا موسى.
قال: أسمعت فقل.
قال: كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين عليكم.
فقال موسى أقول في ذلك:
بني عمنا ردوا فضول دمائنا ... ينم ليلكم أو لا يلمنا اللوائم
فإنا وإياكم وما كان بيننا ... كذي الدين يقضي دينه وهو راغم
فقال السري: والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة، ولو كنتم مثل بني عمكم سلمتم - يعني موسى بن جعفر - وكنتم مثله، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه، فهو لا يطلب ما ليس له.
فقال له موسى بن عبد الله:
فإن الأولى تثني عليهم تعيبني ... أو لاك بنو عمي وعمهم أبي
فإنك إن تمدحهم بمديحة ... تصدق وإن تمدح أباك تكذب
قالوا: ولما بلغ العمري وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ عمد إلى داره ودور أهله فحرقها، وقبض أموالهم ونخلهم، فجعلها في الصوافي المقبوضة.
ذكر من خرج مع الحسين صاحب فخ حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: قال أحمد الحارث الخراز، حدثني المدائني قال: خرج مع الحسين صاحب فخ من أهل بيته: يحيى، وسليمان، وإدريس، بنو عبد الله بن الحسن بن الحسن، وعلي بن إبراهيم بن الحسن بمكة، وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا، والحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن، وعبد الله وعمر ابنا إسحاق بن الحسن بن علي بن الحسين. وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن.
هؤلاء من ذكره المدائني وقد ذكرت في صدر خبر الحسين أسماء من خرج معه من أهله وفيهم زيادة على هذا كرهنا إعادتها.
حدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثني جعفر بن محمد بن سابور، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثني يحيى بن الحسن بن فرات، قال: حدثنا سعيد بن خيثم، قال: كنت مع الحسين صاحب فخ، أن، وعلي بن هشام بن البريد، ويحيى بن يعلى.
حدثني علي بن إبراهيم قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري، قال: حدثني علي بن أحمد الباني، قال: سمعت محمد بن إبراهيم صاحب أبي السرايا بالكوفة يقول لعامر بن كثير السراج: خرجت مع الحسين بن علي صاحب فخ؟ قال: نعم.
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محمد، عن أحمد بن كثير الذهبي، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق القطان، قال سمعت الحسين بن علي، ويحيى بن عبد الله يقولان.
ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا، وشاورنا موسى بن جعفر فأمرنا بالخروج.
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا ابن أبي ليلى محمد بن عمران، قال: حدثني نصر الخفاف، قال: أصابتني ضربة وأنا مع الحسين بن علي صاحب فخ فبرت اللحم والعظم، فبت ليلتي أعوي منها، وأنا أخاف أن يجيئوني فيأخذوني إذا سمعوا الصوت، فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاء فأخذ عظماً فوضعه على عضدي، فأصبحت وما أجد من الوجع قليلاً ولا كثيراً.
حدثني أحمد بن عبيد الله، عن الخراز، عن المدائني، عن عمر بن مساور الأهوازي، قال: أخبرني جماعة من موالي محمد بن سليمان: أنه لما حضرته الوفاة جعلوا يلقنونه الشهادة وهو يقول:
ألا ليت أمي لم تلدني ولم أكن ... لقيت حسيناً يوم فخ ولا الحسن
فجعل يرددها حتى مات.
قال أبو الفرج الأصبهاني: حكى هذه الحكاية بعض مشايخنا على هذا وخالف في روي البيت وقال فيه:
ألا ليت أمي لم تلدني ... ولم أشهد حسيناً يوم فخ
قال: وكان محمد إذا رأى أخاه جعفراً يئن وينشد هذا البيت:
ألا ليت أمي لم تلدني ... ولم أشهد حسيناً يوم فخ

(1/121)


ومما رثى به الحسين بن علي من الشعر: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: قال عيسى بن عبد الله يرثي الحسين صاحب فخ:
فلآبكين على الحسين ... بعولة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي ... أثووه ليس بذي كفن
تركوا بفخ غدوة ... في غير منزلة الوطن
كانوا كراماً فانقضوا ... لا طائشين ولا جبن
غسلوا المذلة عنهم ... غسل الثياب من الدرن
هدى العباد بجدهم ... فلهم على الناس المنن
فحدثني علي بن أبي إبراهيم العلوي عن نفسه، أو رواه عن غيره، أنا أشك، قال: رأيت في النوم رجلاً يسألني أن أنشده هذه الأبيات فأنشدته إياها فقال لي زد فيها:
قوم كرام سادة ... منهم ومن هم ثم من
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: قال أحمد بن الحارث، وحدثني المدائني، قال: حدثني أبو صالح الفزاري، قال: سمع على مياه غطفان كلها ليلة قتل الحسين صاحب فخ هاتف يهتف ويقول:
ألا يا لقوم للسواد المصبح ... ومقتل أولاد النبي ببلدح
لبيك حسيناً كل كهل وأمرد ... من الجن إن لم يبكك من الأنس نوح
فإني لجني وإن معرسي ... لبلبرقة السوداء من دون زحزح
فسمعها الناس لا يدرون ما الخبر حتى أتاهم قتل الحسين.
أنشدني أحمد بن عبد الله بن عمار، قال: أنشدني عمر بن شبة، قال: أنشدني سليمان بن داود بن علي العباسي لأبيه يرثي من قتل بفخ.
وأنشدنيها أحمد بن سعيد، قال: أنشدنا يحيى بن الحسن، قال: أنشدني موسى بن داود السلمي لأبيه يرثيهم، فلا أدري الوهم ممن هو:
يا عين أبكي بدمع منك منهتن ... فقد رأيت الذي لاقى بنو حسن
صرعى بفخ تجر الريح فوقهم ... أذيالها وغوادي الدلج المزن
حتى عفت أعظم لو كان شاهدها ... محمد ذب عنها ثم لم تهن
ماذا يقولون والماضون قبلهم ... على العداوة والبغضاء والأحن
ماذا يقولون إن قال النبي لهم: ... ماذا صنعتم بنا في سالف الزمن؟
لا الناس من مضر حاموا ولا غضبوا ... ولا ربيعة والأحياء من يمن
يا ويحهم كيف لم يرعوا لهم حرماً ... وقد رعى الفيل حق البيت ذي الركن
أيام الرشيد
هارون بن المهدي بن أبي جعفر المنصور ومن قتل منهم فيها
يحيى بن عبد الله بن الحسن
يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ويكنى أبا الحسن.
وأمه قريبة بنت عبد الله. وهو ذبيح بن أبي عبيدة بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
وهي بنت أخي هند بنت أبي عبيدة.
وكان حسن المذهب والهدى، مقدماً في أهل بيته، بعيداً مما يعاب على مثله.
وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن جعفر بن محمد. وروى عن أبيه، وعن أخيه محمد، وعن أبان بن تغلب.
وروى عنه مخول بن إبراهيم، وبكار بن زياد، ويحيى بن مساور، وعمرو بن حماد.
وأوصى إليه جعفر بن محمد لما حضرته الوفاة، وإلى أم موسى، وإلى أم ولد، فكان يلي أمر تركاته والأصاغر من ولده، جارياً على أيديهم.
حدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا الحسين بن علي بن هاشم المزني، قال: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: حدثنا بكار بن زياد، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، قال: قال الحسن بن محمد المزني، وحدثني حرب بن الحسن الطحان، قال: حدثني بعض أصحابنا، قال: سمعنا يحيى بن عبد الله بن الحسن يقول: أوصى إلي جعفر بن محمد، وإلى موسى، وإلى أم ولد كانت له، فأينا كان الوصي.
حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا الحسن بن علي بن هاشم، قال: حدثني علي بن حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير، قال: كان جعفر بن محمد قد ربى يحيى بن عبد الله بن الحسن، فكان يحيى يسميه حبيبي، وكان إذا حدث عنه قال: حدثني حبيبي جعفر بن محمد.
حدثني علي، قال حدثنا الحسن بن هاشم، قال حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال:

(1/122)


رأيت يحيى بن عبد الله بن الحسن جاء إلى مالك بن أنس بالمدينة فقام له عن مجلس وأجلسه إلى جنبه.
قال: ورأيته بالسوق أو بغيره من طريق مكة.
وكان قصيراً، آدم، حسن الوجه والجسم، تعرف سلالة الأنبياء في وجهه، رضوان الله عليه ورحمته.
ذكر الخبر عن مقتله حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه، قال: وحدثني أيضاً أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، وهاشم بن أحمد البغوي وغيرهم. وحدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: كتب إلي محمد بن حماد يذكر أن محمد بن إسحاق البغوي حدثه عن أبيه وغيره من مشايخه، وحدثني علي بن إبراهيم، قال: كتب إلي إبراهيم بن بنان الخثعمي يذكر عن محمد بن أبي الخنساء. وقد جمعت روايتهم في خبر يحيى إلا ما عسى أن يكون من خلاف بينهم فأفرده وأذكر رواته.
قالوا: إن يحيى بن عبد الله بن الحسن لما قتل أصحاب فخ كان في قبلهم، فاستتر مدة يجول في البلدان، ويطلب موضعاً يلجأ إليه، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي فأمر بالانتقال عنه وقصد الديلم، وكتب له منشوراً لا يتعرض له أحد.
فمضى متنكراً حتى ورد الديلم، وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق، فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق، وأمره بالخروج إلى يحيى.
فحدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: كتب إلي موسى بن محمد بن حماد يخبرني أن محمد بن يوسف حدثه عن عبد الله بن خوات، عن جعفر بن يحيى الأحول عن إدريس بن زيد، قال: عرض رجل للرشيد فقال: يا أمير المؤمنين نصيحة.
فقال لهرثمة: اسمع ما يقول.
قال: إنها من أسرار الخلافة. فأمره ألا يبرح، فلما كان في وقت الظهيرة دعا به فقال: اخلني، فالتفت الرشيد إلى ابنيه فقال: انصرفا فانصرفا، وبقي خاقان، والحسن على رأسه فنظر الرجل إليهما، فقال الرشيد: تنحيا عني، ففعلا، ثم أقبل على الرجل فقال: هات ما عندك.
قال:: على أن تؤمنني من الأسود والأحمر.
قال: نعم، وأحسن إليك.
قال: كنت في خان من خانات حلوان، فإذا أنا بيحيى بن عبد الله في دراعة صوف غليظة وكساء صوف أحمر غليظ، ومعه جماعة ينزلون إذا نزل ويرتحلون إذا رحل ويكونون معه ناحية، فيوهمون من رآهم أنهم لا يعرفونه وهم أعوانه، مع كل واحد منهم منشور بياض يؤمن به إن عرض له.
قال: أو تعرف يحيى؟ قال: قديماً وذاك الذي حقق معرفتي بالأمس له.
قال: فصفه لي.
قال: مربوع، أسمر، حلو السمرة، أجلح، حسن العينين، عظيم البطن.
قال: هو ذاك. فما سمعته يقول؟ قال ما سمعته يقول شيئاً، غير أني رأيته ورأيت غلاماً له أعرفه، لما حضر وقت صلاته فأتاه بثوب غسيل فألقاه في عنقه ونزع جبته الصوف ليغسلها، فلما كان بعد الزوال صلى صلاة ظننتها العصر، أطال في الأولتين وحذف الأخيرتين.
فقال له الرشيد: لله أبوك، لجاد ما حفظت، تلك صلاة العصر وذلك وقتها عند القوم، أحسن الله جزاءك، وشكر سعيك فما أنت؟ وما أصلك؟.
فقال: أنا رجل من أبناء هذه الدولة، وأصلي مرو، ومنزلي بمدينة السلام.
فأطرق ملياً ثم قال: كيف احتمالك لمكروه مني تمتحن به في طاعتي؟ قال: أبلغ في ذلك حيث أحب أمير المؤمنين.
قال: كن بمكانك حتى أرجع، فقام فطعن في حجرة كانت خلفه، فأخرج صرة فيها ألف دينار، فقال: خذ هذه ودعني وما أدبر فيك، فأخذها الرجل وضم عليها ثوبه، ثم قال: يا غلام، فأجابه مسرور، وخاقان، والحسين فقال: اصفعوا ابن اللخناء. فصفعوه نحو مائة صفعة، فخفى الرجل بذلك، ولم يعلم أحد بما كان ألقى إليه الرجل، وظنوا أنه ينصح بغير ما يحتاج إليه، لما جرى عليه من المكروه، حتى كان من الرشيد ما كان في أمر البرامكة فأظهر ذلك.
رجع الحديث إلى سياقة خبر يحيى.
قالوا: فلما علم الفضل بمكان يحيى بن عبد الله كتب إلى يحيى: إني أحب أن أحدث بك عهداً، وأخشى أن تبتلى بي وأبتلى بك، فكاتب صاحب الديلم، فإني قد كاتبته لك لتدخل في بلاده فتمتنع به.
ففعل ذلك يحيى.
وكان قد صحبه جماعة من أهل الكوفة، فيهم ابن الحسن بن صالح بن حي، كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ويكفره في باقي عمره، ويشرب النبيذ ويمسح على الخفين، وكان يخالف يحيى في أمره ويفسد أصحابه.
قال يحيى بن عبد الله:

(1/123)


فأذن المؤذن يوماً وتشاغلت بطهوري، وأقيمت الصلاة فلم ينتظرني وصلى بأصحابي، فخرجت فلما رأيته يصلي قمت أصلي ناحية ولم أصل معه؛ لعلمي أنه يمسح على الخفين، فلما صلى قال لأصحابه: علام نقتل أنفسنا مع رجل لا يرى الصلاة معنا، ونحن عنده في حال من لا يرضى مذهبه؟.
قال: وأهديت إلي شهدة في يوم من الأيام وعندي قوم من أصحابي، فدعوتهم إلى أكلها، فدخل في أثر ذلك فقال: هذه الأثرة، أتأكله أنت وبعض أصحابك دون بعض؟.
فقلت له: هذه هدية أهديت إلي، وليست من الفيء الذي لا يجوز هذا فيه.
فقال لا: ولكنك لو وليت هذا الأمر لاستأثرت ولم تعدل.
وأفعال مثل هذا من الاعتراض.
وولى الرشيد الفضل بن يحيى جمع كور المشرق وخراسان، وأمره بقصد يحيى والخديعة به، وبذل له الأموال والصلة إن قبل ذلك، فمضى الفضل فيمن ندب معه، وراسل يحيى بن عبد الله فأجابه إلى قبوله، لما رأى من تفرق أصحابه، وسوء رأيهم فيه، وكثرة خلافهم عليه، إلا أنه لم يرض الشرائط التي شرطت له، ولا الشهود الذين شهدوا عليه، وكتب لنفسه شروطاً، وسمى شهوداً، وبعث بالكتاب إلى الفضل، فبعث به إلى الرشيد فكتب له على ما أراد، وأشهد له من التمس.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، وأبو عبيد الصيرفي، قالا: حدثنا محمد بن علي بن خلف، قال: حدثني بعض الحسنيين، عن عبيد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن، قال: قال عبد الله بن موسى: أتيت عمي يحيى بن عبد الله بعد انصرافه من الديلم وبعد الأمان فقلت: يا عم، ما بعدي مخبر ولا بعدك مخبر، فأخبرني بما لقيت.
فقال: ما كنت إلا كما قال حيي بن أخطب اليهودي:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ... ولكن من لا ينصر الله يخذل
فجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ... وقلقل يبغي العز كل مقلقل
رجع الحديث إلى سياقة خبر يحيى بن عبد الله.
قالوا: فلما جاء الفضل إلى بلاد الديلم قال يحيى بن عبد الله: اللهم اشكر لي إخافتي قلوب الظالمين، اللهم إن تقض لنا النصر عليهم فإنما نريد إعزاز دينك، وإن تقض لهم النصر فيما تختار لأوليائك وأبناء أوليائك من كريم المآب وسني الثواب.
فبلغ ذلك الفضل فقال: يدعو الله أن يرزقه السلامة، فقد رزقها.
قالوا: فلما ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الأمان على ما رسم يحيى وأشهد الشهود الذين التمسهم، وجعل الأمان على نسختين إحداهما مع يحيى والأخرى معه، شخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد ودخلها معادله في عمارية على بغل، فقال مروان بن أبي حفصة:
وقالوا الطالقان يجن كنزاً ... سيأتينا به الدهر المديل
فأقبل مكذباً لهم بيحيى ... وكنز الطالقان له وزميل
فحدثني علي بن إبراهيم العلوي، عن محمد بن موسى بن حماد، قال: حدثني محمد بن إسحاق البغوي، قال: حدثني أبي، قال: كنا مع يحيى بن عبد الله بن الحسن فسأله رجل كان معنا كيف تخيرت الدخول إلى الديلم من بين النواحي؟.
قال: إن الديلم معنا خرجة فطمعت أن تكون معي.
رجع الحديث إلى سياقة الخبر.
قالوا: فلما قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية يقال إن مبلغها مائتا ألف دينار، وغير ذلك من الخلع والحملان، فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى والتفرغ له، وطلب العلل عليه وعلى أصحابه، حتى أخذ رجلاً يقال له: فضالة بلغه أنه يدعو إلى يحيى فحبسه، ثم دعا به فأمره أن يكتب إلى يحيى بأنه قد أجابه جماعة من القواد وأصحاب الرشيد ففعل ذلك، وجاء الرسول إلى يحيى فقبض عليه وجاء به إلى يحيى بن خالد فقال له: هذا جاءني بكتاب لا أعرفه، ودفع الكتاب إليه، فطابت نفس الرشيد لذلك، وحبس فضالة هذا، فقيل له: إنك تظلمه في حبسك إياه.
فقال: أنا أعلم ذلك، ولكن لا يخرج وأنا حي أبداً.
قال فضالة: فلا والله ما ظلمني لقد كنت عهدت إلى يحيى إن جاءه مني كتاب ألا يقبله وأن يدفع الرسول إلى السلطان، وعلمت أنه سيحتال عليه بي.
قالوا: فلما تبين يحيى بن عبد الله ما يراد به استأذن في الحج فأذن له.
وقال علي بن إبراهيم في حديثه: لم يستأذن في الحج، ولكنه قال للفضل ذات يوم: اتق الله في دمي، واحذر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خصمك غداً في فرق له وأطلقه.

(1/124)


وكان على الفضل عين للرشيد قد ذكر ذلك له، فدعا بالفضل وقال: ما خبر يحيى بن عبد الله؟.
قال: في موضعه عندي مقيم.
قال: وحياتي! قال: وحياتك إني أطلقته، سألني برحمه من رسول الله فرققت له.
قال: أحسنت، قد كان عزمي أن أخلي سبيله.
فلما خرج أتبعه طرفه وقال: قتلني الله إن لم أقتلك.
قالوا: ثم إن نفراً من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى بن عبد الله بن الحسن والشهادة عليه بأنه يدعو إلى نفسه، وأن أمانه منتقض، فوافق ذلك ما كان في نفس الرشيد له، وهم: عبد الله بن مصعب الزبيري، وأبو البختري وهب بن وهب، ورجل من بني زهرة، ورجل من بني مخزوم. فوافوا الرشيد لذلك واحتالوا إلى أن أمكنهم ذكرهم له، فأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب، فكان في أكثر الأيام يدعو به فيناظره، إلى أن مات في حبسه رضوان الله عليه.
واختلف الناس في أمره، وكيف كانت وفاته، وسأذكر ذلك في موضعه.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا أحمد بن سليمان بن أبي شيخ، عن أبيه، وعن غيره: أن الرشيد دعا بيحيى يوماً فجعل يذكر ما رفع إليه في أمره، وهو يخرج كتباً كانت في يده حججاً له، فيقرؤها الرشيد وأطراف الكتب في يد يحيى، فتمثل بعض من حضر:
أنى أتيح له حرباء تنصبةٍ ... لا يرسل الساق إلا مرسلاً ساقاً
فغضب الرشيد من ذلك وقال للمتمثل: أتؤيده وتنصره؟ قال: لا، ولكني شبهته في مناظرته واحتجاجه بقول هذا الشاعر.
ثم أقبل عليه فقال: دعني من هذا، يا يحيى أينا أحسن وجهاً أنا وأنت.
قال: بل أنت يا أمير المؤمنين، إنك لأنصع لوناً وأحسن وجهاً.
قال: فأينا أكرم وأسخى، أنا أو أنت؟.
فقال: وما هذا يا أمير المؤمنين، وما تسألني عنه، أنت تجبي إليك خزائن الأرض وكنوزها، وأنا أتمحل معاشي من سنة إلى سنة.
قال: فأينا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا أو أنت؟.
قال: قد أجبتك عن خطتين، فاعفني من هذه! قال:لا والله. قال: بل فاعفني، فحلف بالطلاق والعتاق ألا يعفيه.
فقال: يا أمير المؤمنين لو عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه؟.
قال: إي والله! قال: فلو عاش فخطب إلي أكان يحل لي أن أزوجه؟.
قال: لا قال: فهذا جواب ما سألت.
فغضب الرشيد وقام من مجلسه، وخرج الفضل بن ربيع وهو يقول: لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملكه.
قالوا: ثم رده إلى محبسه في يومه ذلك.
ثم دعا به وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب الزبيري ليناظر فيما رفع إليه، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال له: نعم يا أمير المؤمنين إن هذا دعاني إلى بيعته.
قال له يحيى: يا أمير المؤمنين، أتصدق هذا وتستنصحه؟ وهو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب وأضرم عليهم النار حتى تخلصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالب منه عنوة.
وهو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته حتى التاث عليه الناس، فقال: إن له أهل بيت سوء إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم وأشرأبوا لذكره وفرحوا بذلك فلا أحب أن أقر عينهم بذكره.
وهو الذي فعل بعبد الله بن العباس ما لا خفاء به عليك حتى لقد ذبحت يوماً عنده بقرة فوجدت كبدها قد نقبت فقال ابنه علي بن عبد الله: يا أبة أما ترى كبد هذه البقرة؟.
فقال: يا بني، هكذا ترك ابن الزبير كبد أبيك، ثم نفاه إلى الطائف، فلما حضرته الوفاة قال لعلي ابنه: يا بني، ألحق بقومك من بني عبد مناف بالشام، ولا تقم في بلد لابن الزبير فيه إمرة. فاختار له صحبة يزيد بن معاوية على صحبة عبد الله بن الزبير.
ووالله إن عداوة هذا يا أمير المؤمنين لنا جميعاً بمنزلة سواء، ولكنه قوى علي بك، وضعفت عنك، فتقرب بي إليك، ليظفر منك بما يريد، إذ لم يقدر على مثله، منك، وما ينبغي لك أن تسوغه ذلك في، فإن معاوية بن أبي سفيان، وهو أبعد نسباً منك إلينا، ذكر يوماً الحسن بن علي فسفهه فساعده عبد الله بن الزبير على ذلك، فزجره معاوية وانتهره فقال: إنما ساعدتك يا أمير المؤمنين! فقال: إن الحسن لحمي آكله. ولا أوكله.

(1/125)


فقال عبد الله بن مصعب: إن عبد الله بن الزبير طلب أمراً فأدركه، وإن الحسن باع الخلافة من معاوية بالدراهم، أتقول هذا في عبد الله بن الزبير وهو ابن صفية بنت عبد المطلب.
فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، ما أنصفنا أن يفخر علينا بامرأة من نسائنا وامرأة منا، فهلا فخر بهذا على قومه من النوبيات والأساميات والحمديات! فقال عبد الله بن مصعب: ما تدعون بغيكم علينا وتوثبكم في سلطاننا؟.
فرفع يحيى رأسه إليه، ولم يكن يكلمه قبل ذلك، وإنما كان يخاطب الرشيد بجوابه لكلام عبد الله، فقال له: أتوثبنا في سلطانكم؟ من أنتم - أصلحك الله - عرفني فلست أعرفكم؟.
فرفع الرشيد رأسه إلى السقف يجيله فيه ليستر ما عراه من الضحك ثم غلب عليه الضحك ساعة، وخجل ابن مصعب.
ثم التفت يحيى فقال: يا أمير المؤمنين، ومع هذا فهو الخارج مع أخي على أبيك والقائل له:
إن الحمامة يوم الشعب من دثن ... هاجت فؤاد محب دائم الحزن
إنا لنأمل أن ترتد ألفتنا ... بعد التدابر والبغضاء والأحن
حتى يثاب على الإحسان محسننا ... ويأمن الخائف المأخوذ بالدمن
وتنقضي دولة أحكام قادتها ... فينا كأحكام قوم عابدي وثن
فطالما قد بروا بالجور أعظمنا ... بري الصناع قداح النبع بالسفن
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا ... إن الخلافة فيكم يا بني الحسن
لا عز ركناً نزار عند سطوتها ... إن أسلمتك ولا ركناً ذوي يمن
ألست أكرمهم عوداً إذا انتسبوا ... يوماً وأطهرهم ثوباً من الدرن
وأعظم الناس عند الناس منزلة ... وأبعد الناس من عيب ومن وهن
قال: فتغير وجه الرشيد عند استماع هذا الشعر، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو، وبأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له وأنه لسديف.
فقال يحيى: والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره، وما حلفت كاذباً ولا صادقاً بالله قبل هذا، وإن الله إذا مجده العبد في يمينه بقوله: الرحمن الرحيم، الطالب الغالب، استحيى أن يعاقبه، فدعني أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذباً إلا عوجل. قال: حلفه.
قال: قل: برئت من حول الله وقوته، واعتصمت بحولي وقوتي، وتقلدت الحول والقوة من دون الله، استكباراً على الله، واستغناءً عنه، واستعلاءً عليه، أن كنت قلت هذا الشعر.
فامتنع عبد الله من الحلف بذلك، فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع: يا عباسي ما له لا يحلف إن كان صادقاً؟ هذا طيلساني علي، وهذه ثيابي لو حلفني أنها لي لحلفت. فرفس الفضل بن الربيع عبد الله بن مصعب برجله وصاح به: احلف ويحك - وكان له فيه هوى - فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعد، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال: يا بن مصعب قطعت والله عمرك، والله لا تفلح بعدها.
فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث.
فحضر الفضل بن الربيع جنازته، ومشى معها ومشى الناس معه، فلما جاءوا به إلى القبر ووضعوه في لحده وجعل اللبن فوقه، انخسف القبر فهوى به حتى غاب عن أعين الناس، فلم يروا قرار القبر وخرجت منه غبرة عظيمة، فصاح الفضل: التراب التراب، فجعل يطرح التراب وهو يهوي، ودعا بأحمال الشوك فطرحها فهوت، فأمر حينئذٍ بالقبر فسقف بخشب وأصلحه وانصرف منكسراً. فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل: رأيت يا عباسي، ما أسرع ما أديل ليحيى من ابن مصعب.
فحدثني ابن عمارة قال: حدثني الحسن بن العليل العنزي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن أبي جهم بن حذيفة بن غانم العدوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، قال: كنت مع إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي فقال لي: أتحب أن أريك الرجل الذي ألقى عبد الله بن مصعب في رحم أمه؟ قلت: نعم فأرنيه فأومأ إلى إنسان سندي على حمار، يكري الحمير بالمدينة، وقال لي: ما زال مصعب بن أبي ثابت يخرج أم عبد الله بن مصعب من بيت هذا أبداً، وكانت سندية اسمها تحفة، فولدت عبد الله فهو أشبه الناس بوردان، فنفاه مصعب بن ثابت عن نفسه، فلم يزل مدة على ذلك، ثم استلاطه بعد ذلك.

(1/126)


قال: وقال بعض الشعراء يهجوا مصعب بن عبد الله الزبيري وأخاه بكاراً ويذكر عبد الله بن مصعب:
تدعى حواري الرسول تكذباً ... وأنت لوردان الحمير سليل
ولولا سعايات بآل محمد ... لألفى أبوك العبد وهو ذليل
ولكنه باع القليل بدينه ... فطال له وسط الجحيم عويل
فنال به مالاً وجاهاً ومنكحاً ... وذلك خزي في المعاد طويل
ثم نرجع إلى سياقة الخبر في مقتل يحيى بن عبد الله.
قالوا: ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم: محمد بن الحسن صاحب أبي يوسف القاضي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وأبو البختري وهب بن وهب، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان، فبدأ محمد بن الحسن فنظر فيه فقال: هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه - وكان يحيى قد عرضه بالمدينة على مالك، وابن الدراوردي وغيرهم، فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.
قال: فصاح عليه مسرور وقال: هاته، فدفعه إلى الحسن بن زياد اللؤلؤي فقال بصوت ضعيف: هو أمان.
واستلبه أبو البختري وهب بن وهب فقال: هذا باطل منتقض، قد شق عصا الطاعة وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي.
فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره فقال له: اذهب فقل له: خرقه إن كان باطلاً بيدك، فجاءه مسرور فقال له ذلك فقال: شقه يا أبا هاشم.
قال له مسرور: بل شقه أنت إن كان منتقضاً.
فأخذ سكيناً وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيره سيوراً، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح وهو يقول له: يا مبارك يا مبارك، ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف، وولاه القضاء، وصرف الآخرين، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة، وأجمع على إنفاذ ما أراده في يحيى بن عبد الله.
قال أبو الفرج الأصبهاني: وقد اختلف في مقتله كيف كان: فحدثني جعفر بن أحمد الوراق، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن عثمان، عن الحسن بن علي، عن عمرو بن حماد، عن رجل كان مع يحيى بن عبد الله في المطبق، قال: كنت قريباً منه فكان في أضيق البيوت وأظلمها، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال وقد مضت من الليل هجعة، فإذا هارون قد أقبل على برذون له، ثم وقف وقال: أين هذا؟ يعني يحيى بن عبد الله بن الحسن. قالوا: في هذا البيت. قال علي به فأدنى إليه فجعل هارون يكلمه بشيء لم أفهمه فقال: خذوه، فأخذوه فضرب مائة عصا، ويحيى يناشده الله والرحم والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: بقرابتي منك، فيقول: ما بيني وبينك قرابة.
ثم حمل فرد إلى موضعه فقال: كم أجريتم عليه؟ قالوا: أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء.
قال: اجعلوه على النصف.
ثم خرج ومكثنا ليالي ثم سمعنا وقعاً فإذا نحن به دخل فوقف موقفه فقال: علي به، فأخرج ففعل به مثل فعله ذلك، وضربه مائة عصا أخرى، ويحيى يناشده الله، فقال: كم أجريتم عليه؟.
قالوا: رغيفين وأربعة أرطال ماء.
قال: اجعلوه على النصف.
ثم خرج وعاد الثالثة، وقد مرض يحيى بن عبد الله وثقل، فلما دخل قال: علي به، قالوا: هو عليل مدنف لما به.
قال: كم أجريتم عليه؟.
قالوا: رغيفاً ورطلين ماء.
قال: فاجعلوه على النصف.
ثم خرج فلم يلبث يحيى بن عبد الله أن مات، فأخرج إلى الناس، ودفن رضي الله عنه وأرضاه.
وقال ابن عمار في روايته عن إبراهيم بن رياح.
إنه بني عليه اسطوانة بالرافقة وهو حي.
وقال ابن عمار في خبره عن علي بن محمد بن سليمان: إنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف.
قال: وبلغني أنه سقاه سماً.
وقال علي بن إبراهيم، عن إبراهيم بن بنان الخثعمي، عن محمد بن أبي الخنساء: أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته.
فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني موسى بن عبد الله عن أبيه، ومحمد بن عبيد الله البكري، عن سلمة بن عبد الله بن عبد الرحمن المخزومي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري، قال: دعينا لمناظرة يحيى بن عبد الله بن الحسن بحضرة الرشيد، فجعل يقول له: اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك. وأقبل علينا فقال: إن هذا لم يسم أصحابه، فكلما أردت أخذ إنسان بلغني عنه شيء أكرهه، ذكر أنه ممن أمنت.

(1/127)


فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان، أفتريد أن أدفع إليك قوماً تقتلهم معي، لا يحل لي هذا.
قال: ثم خرجنا ذلك اليوم، ودعانا له يوماً آخر، فرأيته أصفر الوجه متغيراً، فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه، فقال: ألا ترون إليه لا يجيبني، فأخرج إلينا لسانه وقد صار أسود مثل الفحمة، يرينا أنه لا يقدر على الكلام فتغيظ الرشيد وقال: إنه يريكم أني سقيته السم، ووالله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبراً.
قال: ثم خرجنا من عنده فما وصلنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لا حراك به.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: كان إدريس بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، يقول: قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس.
وأما حرمي بن أبي العلاء، فحدثنا عن الزبير بن بكار، عن عمه: أن يحيى لما أخذ من الرشيد المائتي ألف دينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ، وكان الحسين خلف مائتي ألف دينار ديناً.
تسمية من خرج مع يحيى بن عبد الله
ابن الحسن من أهل العلم والحديث
حدثني علي بن إبراهيم العلوي، حدثنا جعفر بن محمد الفزاري: أن يحيى بن مساور كان ممن خرج مع يحيى بن عبد الله.
حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أحمد الباني، قال: سمعت عامر بن كثير السراج يحدث محمد بن إبراهيم أنه خرج مع يحيى بن عبد الله بن الحسن.
حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد المؤمل الصيرفي، قال: سمعت محمد بن علي بن خلف العطار يقول: خرج سهل بن عامر البجلي مع يحيى بن عبد الله.
كتب إلي علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أعطى يحيى بن عبد الله يحيى بن مساور من المال الذي أعطاه هارون ثلاثة بدور، فلما كان بعد ذلك قال يحيى: احتل لي في ألفي درهم قرضاً، فقال له: ابعث برسول ومعه بغل، فوجه إلى يحيى بالثلاث بدور، فقال له ما هذا؟ قال: هذا الذي كنت أعطيتني، علمت أنك ستحتاج إليه، قال له: خذ بعضه، فقال: لا والله ما كان الله ليراني آكل على حبكم درهماً أبداً.
حدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: قال محمد بن يحيى، عن محمد بن عثمان، عن الحسن بن علي، عن علي بن هاشم بن البريد: أن هارون أخذه، وعبد ربه بن علقمة، ومخول بن إبراهيم النهدي، وكانوا من أصحاب يحيى بن عبد الله، فحبسهم جميعاً في المطبق، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن مخول بن إبراهيم، قال: كنت أغمز ساق جدي فقلت له: يا أبي الكبير ما أدق ساقيك! فقال: دققتها يا يحيى قيود هارون في المطبق.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثني مخول، قال: حبست أنا، وعبد ربه بن علقمة في المطبق، فمكثنا فيه بضع عشرة سنة. قال: ثم دعاني هارون الرشيد، فمروا بي على عبد ربه بن علقمة، فصاح بي: يا مخول، احذر أن تلقى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد شركت في دم ولده، أو دللتهم على أثر يتعلقون به عليه، وإذا مر بك هول من عقوباتهم فاذكر عذاب الله وعقابه يوم القيامة والموت! فإنه يسهل عليك. فوالله لقد صير قلبي مثل زبرة حديد. وأدخلت على هارون فدعا بالسيف والنطع فقال: والله لتدلني على أصحاب يحيى أو لأقطعنك قطعاً.
فقلت يا أمير المؤمنين، أنا رجل سوقة ضعيف، محبوس منذ أربع سنين، من أين أعرف مواضع أصحاب يحيى وقد تفرقوا في البلاد خوفاً منك؟.
فأراد قتلي، فقالوا له: قد صدق فيما ذكر، من أين يعرف مواضع قوم هراب؟ فردني إلى محبسي، فمكثت فيه بضع عشرة سنة.
ومما رثي به يحيى بن عبد الله بن الحسن، أنشدنيه علي بن إبراهيم العلوي:
يا بقعة مات بها سيد ... ما مثله في الأرض من سيد
مات الهدى من بعده والندى ... وسمى الموت به معتدي
فكم حيا حزت من وجهه ... وكم ندى يحيى به المجتدي
لا زلت غيث الله يا قبره ... عليك منه رائح مغتدي
كان لنا غيثاً به نرتوي ... وكان كالنجم به نهتدي
فإن رمانا الدهر عن قوسه ... وخاننا في منتهى السؤدد
فعن قريب نبتغي ثاره ... بالحسني الثائر المهتدي

(1/128)


إن ابن عبد الله يحيى ثوى ... والمجد والسؤدد في ملجد
إدريس بن عبد الله
وإدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه عاتكة بنت عبد الملك بن الحرث الشاعر بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي. وفي خالد بن العاص يقول الشاعر:
لعمرك إن المجد ما عاش خالد ... على الغمر من ذي كندة لمقيم
يعني غمر ذي كندة وهو موضع كان ينزله. وقد ذكره عمر بن أبي ربيعة في شعره فقال:
إذا سلكت غمر ذي كندة ... مع الصبح قصداً لها الفرقد
يمر بك العصران يوم وليلة ... فما أحدثا إلا وأنت كريم
وتندي البطاح البيض من جود خالد ... وتخصب حتى نبتهن عميم
حدثني بخبره أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد بن سليمان النوفلي، قال: حدثني أبي وغيره من أهلي، وحدثني به أيضاً علي بن إبراهيم العلوي، قال: كتب إلى محمد بن موسى يخبرني عن محمد بن يوسف عن عبد الله بن عبد الرحيم بن عيسى: أن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن أفلت من وقعة فخ ومعه مولى يقال له راشد فخرج به في جملة حاج مصر وإفريقية. وكان إدريس يخدمه ويأتمر له حتى أقدمه مصر فنزلها ليلاً فجلس على باب رجل من موالي بني العباس فسمع كلامهما وعرف الحجازية فيهما. فقال: أظنكما عربيين. قالا: نعم. قال: وحجازيين. قالا: نعم. فقال له راشد: أريد أن ألقى إليك أمرنا على أن تعاهد الله أنك تعطينا خلة من خلتين: إما أن تؤوينا وتؤمننا، وإما سترت علينا أمرنا حتى نخرج من هذا البلد.
قال: أفعل: فعرفه نفسه وإدريس بن عبد الله، فأواهما وسترهما. وتهيأت قافلة إلى إفريقية فأخرج معها راشداً إلى الطريق وقال له: إن على الطريق مسالح ومعهم أصحاب أخبار تفتش كل من يجوز الطريق، وأخشى أن يعرف، فأنا أمضي به معي على غير الطريق حتى أخرجه عليك بعد مسيرة أيام، وهناك تنقطع المسالح. ففعل ذلك وخرج به عليه فلما قرب من إفريقية ترك القافلة ومضى مع راشد حتى دخل بلد البربر في مواضع منه يقال لها فاس وطنجة، فأقام بها واستجابت له البربر.
وبلغ الرشيد خبره فغمه، فقال النوفلي خاصة في حديثه وخالفه علي بن إبراهيم وغيره فيه، فشكا ذلك إلى يحيى بن خالد، فقال: أنا أكفيك أمره. ودعا سليمان بن جرير الجزري، وكان من متكلمي الزيدية البترية ومن أولى الرياسة فيهم، فأرغبه ووعده عن الخليفة بكل ما أحب على أن يحتال لإدريس حتى يقتله، ودفع إليه غانية مسمومة، فحمل ذلك وانصرف من عنده، فأخذ معه صاحباً له، وخرج يتغلغل في البلدان حتى وصل إلى إدريس بن عبد الله فمت إليه بمذهبه وقال: إن السلطان طلبني لما يعلمه من مذهبي، فجئتك. فأنس به واجتباه. وكان ذا لسان وعارضة، وكان يجلس في مجلس البربر فيحتج للزيدية ويدعو إلى أهل البيت كما كان يفعل، فحسن موقع ذلك من إدريس إلى أن وجد فرصة لإدريس فقال له: جعلت فداك، هذه قارورة غالية حملتها إليك من العراق، ليس في هذا البلد من هذا الطيب شيء. فقبلها وتغلل بها وشمها، وانصرف سليمان إلى صاحبه، وقد أعد فرسين، وخرجا يركضان عليهما. وسقط إدريس مغشياً عليه من شدة السم فلم يعلم من بقربه ما قصته. وبعثوا إلى راشد مولاه فتشاغل به ساعة يعالجه وينظر ما قصته، فأقام إدريس في غشيته هاته نهاره حتى قضي عشياً، وتبين راشد أمر سليمان فخرج في جماعة يطلبه فما لحقه غير راشد وتقطعت خيل الباقين، فلما لحقه ضربه ضربات منها على رأسه ووجهه، وضربة كتعت أصابع يديه وكان بعد ذلك مكتعاً.
هذه رواية النوفلي.
وذكر علي بن إبراهيم، عن محمد بن موسى: أن الرشيد وجه إليه الشماخ مولى المهدي، وكان طبيباً، فأظهر له أنه من الشيعة وأنه طبيب، فاستوصفه فحمل إليه سنوناً وجعل فيه سماً، فلما استن به جعل لحم فيه ينتثر وخرج الشماخ هارباً حتى ورد مصر. وكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك، فولى الشماخ بريد مصر وأجازه.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني داود بن القاسم الجعفري: أن سليمان بن جرير أهدى إلى إدريس سمكة مشوية مسمومة فقتله، رضوان الله عليه ورحمته.

(1/129)


قالوا: وقال رجل من أولياء بني العباس يذكر قتل إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
أتظن يا إدريس أنك مفلت ... كيد الخليفة أو يقيك فرار
فليدركنك أو تحل ببلدةٍ ... لا يهتدي فيها إليك نهار
إن السيوف إذا انتضاها سخطه ... طالت وتقصر دونها الأعمار
ملك كأن الموت يتبع أمره ... حتى يقال تطيعه الأقدار
قال ابن عمار: وهذا الشعر عندي يشبه شعر أشجع بن عمرو السلمي، وأظنه له.
قال أبو الفرج الأصبهاني: هذا الشعر لمروان بن أبي حفصة، أنشدنيه علي بن سليمان الأخفش له.
قالوا: ورجع راشد إلى الناحية التي كان بها إدريس مقيماً فدفنه، وكان له حمل فقام له راشد بأمر المرأة حتى ولدت، فسماه باسم أبيه إدريس، وقام بأمر البربر حتى كبر ونشأ فولى أمرهم أحسن ولاية.
وكان فارساً شجاعاً جواداً شاعراً، وأنا أذكر خبره في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى.
عبد الله بن الحسن
وعبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو الذي يقال له ابن الأفطس.
ويكنى أبا محمد.
وأمه أم سعيد بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني عبد الله بن الحسين بن زيد، قال: حدثني من رأى عبد الله بن الحسن بن الأفطس يوم فخ متقلداً سيفين يقاتل بهما.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: سمعت عبد الله بن حمزة يحكي عمن شهد ذلك، قال: ما كان أحد أشد غناء من عبد الله بن الحسن بن علي بن علي.
حدثني أحمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر: أن الحسين صاحب فخ أوصى إلى عبد الله بن الحسن بن علي بن علي أن حدث به حدث فالأمر إليه.
ذكر الخبر عن مقتله حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني النوفلي عن أبيه، قال: كان الرشيد مغري بالمسألة عن أمر آل أبي طالب، وعمن له ذكر ونباهة منهم فسأل يوماً الفضل بن يحيى هل سمعت بخراسان ذكراً يحد منهم؟.
قال: لا والله ولقد جهدت فما ذكر لي أحد منهم، إلا أني سمعت رجلاً يقول وذكر موضعاً، فقال: ينزل فيه عبد الله بن الحسن بن علي، ولم يزد على هذا.
فوجه الرشيد من وقته إلى المدينة فأخذ فجيء به، فلما أدخل عليه قال له: بلغني أنك تجمع الزيدية وتدعوهم إلى الخروج معك.
قال قال: نشدتك بالله يا أمير المؤمنين في دمي، فوالله ما أنا من هذه الطبقة ولا لي فيهم ذكر، وإن أصحاب هذا الشأن بخلافي، أنا غلام نشأت بالمدينة، وفي صحاريها أسعى على قدمي، وأتصيد بالبواشيق ما هممت بغير ذلك قط.
قال: صدقت، ولكني أنزلك داراً، وأوكل بك رجلاً واحداً يكون معك ولا يحجبك أحد يدخل عليك، وإن أردت أن تلعب بالحمام فافعل.
فقال: يا أمير المؤمنين، نشدتك بالله في دمي، فوالله لئن فعلت ذلك بي لأوسوسن وليذهبن عقلي.
فلم يقبل ذلك منه وحبسه، فلم يزل يحتال لأن تصل رقعته إلى الرشيد حتى قدر على ذلك، فأنفذ إليه رقعة مختومة فيها كل كلام قبيح وشتم شنيع، فلما قرأها طرحها وقال: قد ضاق صدر هذا الفتى فهو يتعرض للقتل، وما يحملني فعله ذلك على قتله. ثم دعا جعفر بن يحيى فأمره أن يحوله إليه ويوسع عليه في محبسه.
فلما كان يوم غد، وهو يوم نيروز، قدمه جعفر بن يحيى فضرب عنقه، وغسل رأسه وجعله في منديل، وأهداه إلى الرشيد مع هدايا، فقبلها وقدمت إليه فلما نظر إلى الرأس أفظعه فقال له: ويحك لم فعلت هذا؟.
قال: لإقدامه على ما كتب به إلى أمير المؤمنين، وبسط يده ولسانه بما بسطهما.
قال: ويحك فقتلك إياه بغير أمري أعظم من فعله. ثم أمر بغسله ودفنه.
فلما كان من أمره ما كان في أمر جعفر قال لمسرور: إذا أردت قتله فقل له: هذا بعبد الله بن الحسن بن عمي الذي قتلته بغير أمري. فقالها مسرور عند قتله إياه.
محمد بن يحيى بن عبد الله
ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأمه خديجة بنت إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي.
حبسه بكار بن عبد الله الزبيري، فمات في حبسه.

(1/130)


حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله قال: حدثني مالك بن يزيد الجعفري. وحدثني علي بن إبراهيم العلوي، قال: كتب إلي محمد بن موسى بن حماد أن محمد بن الحسن بن مسعود حدثه، قال: أخبرني عمر بن عثمان الزهري: أن بكار بن عبد الله الزبيري وجه إلى محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن، وقد ورد سويقة ليصوم شهر رمضان في منزله، فجاءه الرسول فأخذه فمضى به إلى الحبس وجعل يتبعه برسول بعد رسول يأمره بالتضييق عليه، ثم أتبعه بآخر يأمره بتقييده، ثم أتبعه بآخر يأمره بإثقاله في حديده، فالتفت إلى الرسول فقال له: قل لصاحبك:
إني من القوم الذين تزيدهم ... قسواً وصبراً شدة الحدثان
فلم يزل محبوساً ثم أخرجه فقال له من يكفل بك.
قال: جماعة ولد أبي طالب. فقال بعضهم لسنا نكفل لمن عصى أمير المؤمنين، فوثب وأنشأ يقول:
وما العود إلا نابت في أرومة ... أبي صالح العيدان أن يتقطرا
بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء صدق تلقهم حيث سترا
قال: فرده إلى محبسه، فلم يزل فيه حتى مات.
الحسين بن عبد الله بن إسماعيل
والحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام أمه حمادة بنت معاوية بن عبد الله بن جعفر.
ذكر محمد بن علي بن حمزة بكاراً الزبيري أخذه بالمدينة أيام ولايته إياها فضربه بالسوط ضرباً مبرحاً، فمات من ذلك الضرب.
العباس بن محمد بن عبد الله
والعباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الفضل.
وأمه أم سلمة بنت محمد بن علي بن الحسين.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: دخل العباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، على هارون فكلمه كلاماً طويلاً، فقال هارون: يا بن الفاعلة.
قال: تلك أمك التي تواردها النخاسون.
فأمر به فأدنى فضربه بالجرز حتى قتله.
موسى بن جعفر بن محمد
وموسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ويكنى أبا الحسن، وأبا إبراهيم.
وأمه أم ولد تدعى حميدة.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان موسى بن جعفر إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلثمائة إلى المائتين دينار، فكانت صرار موسى مثلاً.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى: أن رجلاً من آل عمر بن الخطاب كان يشتم علي بن أبي طالب إذا رأى موسى ابن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه، فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله، فقال: لا، ثم مضى راكباً حتى قصده في مزرعة له فتواطأها بحماره، فصاح لا تدس زرعنا فلم يصغ إليه وأقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه، وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم. قال: فكم ترجو أن تربح؟ قال: لا أدري. قال: إنما سألتك كم ترجو. قال مائة أخرى. قال: فأخرج ثلثمائة دينار فوهبها له فقام فقبل رأسه، فلما دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلم عليه وجعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، فوثب أصحابه عليه وقالوا: ما هذا؟ فشاتمهم، وكان بعد ذلك كلما دخل موسى خرج يسلم عليه ويقوم له.
فقال موسى لمن قال ذلك القول: أيما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني محمد بن عبد الله المدائني قال: حدثني أبي، قال: حدثني بعض أصحابنا.
أن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر على بغلة. فقال له الفضل بن الربيع: ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين؟ فأنت إن طلبت عليها لم تدرك، وإن طلبت لم تفت.
قال: إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل، وارتفعت عن ذلة العير، وخير الأمور أوسطها.
ذكر السبب في أخذه وحبسه حدثني بذلك أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي عن أبيه وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، وحدثني غيرهما ببعض قصته، فجمعت ذلك بعضه إلى بعض.
قالوا: كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أن الرشيد جعل ابنه محمداً في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال:

(1/131)


إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ودولة ولدي. فاحتال على جعفر بن محمد، وكان يقول بالإمامة، حتى داخله وأنس به، وأسر إليه، وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه. ثم قال يوماً لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلاً من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه من أخبار موسى بن جعفر؟ فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل إليه يحيى بن خالد البرمكي مالاً. وكان موسى يأنس إليه ويصله وربما أفضى إليه بأسراره، فلما طلب ليشخص به أحس موسى بذلك، فدعاه فقال: إلى أين يا بن أخي؟ قال: إلى بغداد قال: وما تصنع؟ قال: علي دين وأنا مملق. قال: فأنا أقضي دينك وأفعل بك واصنع، فلم يلتفت إلى ذلك، فعمل على الخروج، فاستدعاه أبو الحسن موسى فقال له: أنت خارج؟ فقال له: نعم لا بد لي من ذلك فقال له: انظر يا بن أخي واتق الله لا تؤتم أولادي! وأمر له بثلثمائة دينار، وأربعة آلاف درهم.
قالوا: فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد البرمكي، فتعرف منه خبر موسى بن جعفر، فرفعه إلى الرشيد وزاد فيه، ثم أوصله إلى الرشيد فسأله عن عمه فسعى به إليه، فعرف يحيى جميع خبره وزاد عليه وقال له: إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب، وإن له بيوت أموال، وإنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار فسماها اليسيرة، وقال له صاحبها وقد أحضره المال: لا آخذ هذا النقد ولا آخذ إلا نقداً كذا وكذا، فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي سأل بعينه، فسمع ذلك منه الرشيد وأمر له بمائتي ألف درهم نسبت له على بعض النواحي، فاختار كور المشرق، ومضت رسله لقبض المال. ودخل هو في بعض الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة فخرجت حشوته كلها فسقطت، وجهدوا في ردها فلم يقدروا، فوقع لما به، وجاءه المال وهو ينزع فقال: وما أصنع به وأنا أموت؟! وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله، أريد أن أحبس موسى بن جعفر؛ فإنه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها.
ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحديهما، ووجه مع كل واحد منهما خيلاً، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة، والأخرى على طريق الكوفة، ليعمى على الناس أمره، وكان موسى في التي مضت إلى البصرة، فأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكان على البصرة حينئذٍ فمضى به، فحبسه عنده سنة، ثم كتب إلى الرشيد: أن خذه وسلمه إلى من شئت، وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدت أن آخذ عليه حجة فما أقدر على ذلك، حتى إني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه، يسأل الله الرحمة والمغفرة.
فوجه من تسلمه منه، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد، فبقي عنده مدة طويلة. وأراده الرشيد على شيء من أمره فأبى، فكتب إليه ليسلمه إلى الفضل بن يحيى، فتسلمه منه، وأراد ذلك منه فلم يفعله، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ودعة، وهو حينئذٍ بالرقة، فأنفذ مسروراً الخادم إلى بغداد على البريد، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى فيعرف خبره، فإن كان الأمر على ما بلغه أوصل كتاباً منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله، وأوصل كتاباً منه إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد.
فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد، ثم دخل على موسى فوجده على ما بلغ الرشيد، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك، فأوصل الكتابين إليهما. فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض ركضاً إلى الفضل بن يحيى، فركب معه وخرج مشدوهاً دهشاً حتى دخل على العباس فدعا العباس بالسياط وعقابين، فوجه بذلك إليه السندي، فأمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط.
وخرج متغير اللون بخلاف ما دخل، فذهبت قوته فجعل يسلم على الناس يميناً وشمالاً.
وكتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلساً حافلاً وقال: أيها الناس، إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي، ورأيت أن ألعنه فالعنوه. فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه.

(1/132)


وبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد، فدخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر، ثم قال له: التفت إلي يا أمير المؤمنين، فأصغي إليه فزعاً، فقال له: إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه وسر، فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين، قد غضضت من الفضل بلعنك إياه فشرفه بإزالة ذلك، فأقبل على الناس فقال: إن الفضل قد عصاني في شيء فلعنته، وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه.
فقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، وقد توليناه.
ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكل شيء، وأظهر أنه ورد لتعديل السواد، والنظر في أعمال العمال، وتشاغل ببعض ذلك.
ثم دخل ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره فلفه على بساط، وقعد الفراشون النصارى على وجهه.
وأمر السندي عند وفاته أن يحضر مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليغسله، ففعل ذلك.
قال: وسألته أن يأذن لي في أن أكفنه فأبى وقال: إنا أهل بيت مهور نسائنا، وحج صرورتنا، وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني.
فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره، فنظروا إليه لا أثر به، وشهدوا على ذلك، وأخرج فوضع على الجسر ببغداد، فنودي هذا موسى بن جعفر قد مات، فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت.
وحدثني رجل من أصحابنا عن بعض الطالبيين: أنه نودي عليه: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت، فانظروا إليه، فنظروا.
قالوا: وحمل فدفن في مقابر قريش رحمه الله، فوقع قبره إلى جانب قبر رجل من النوفليين يقال له: عيسى بن عبد الله.
إسحاق بن الحسن بن زيد
وإسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم ولد.
حبسه هارون فمات في حبسه.
ذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة، فيما أخبرنا به ابن أخيه عنه.
أيام محمد الأمين
ابن الرشيد وكانت سيرة محمد في أمر آل أبي طالب خلاف من تقدم؛ لتشاغله بما كان فيه من اللهو، والإدمان له، ثم الحرب التي كانت بينه وبين المأمون حتى قتل، فلم يحدث على أحد منهم في أيامه حدث بوجه ولا سبب.
أيام المأمون
ابن الرشيد
محمد بن محمد بن زيد
فممن قتل بها أو سقي السم فمات منهم محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه فاطمة بنت علي بن جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وهو الخارج في أيام أبي السرايا.
وإذا ذكرنا من قتل في أيامه، وأيام محمد بن إبراهيم الخارج قبله منهم - شرحنا من أخبارهم ما يحتاج إليه، لتنساق قصصهم؛ إذ كان إفرادهم مما تنقطع معه الأخبار.
الحسن بن الحسين بن زيد
والحسن بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو القتيل يوم قنطرة الكوفة، في الحرب التي كانت بين هرثمة وأبي السرايا.
وأمه أم ولد.
الحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين
والحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم ولد.
قتل في وقعة السوس مع أبي السرايا لما خرج عن الكوفة.
محمد بن الحسين بن الحسن
ومحمد بن الحسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أمينة بنت حمزة بن المنذر بن الزبير.
قتل باليمن في أيام أبي السرايا.
علي بن عبد الله بن محمد
وعلي بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قتل باليمن في أيام أبي السرايا أيضاً.
ذكر السبب في خروج أبي السرايا كتب إلي علي بن أبي قربة العجلي، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الكاتب قال: حدثني نصر بن مزاحم المنقري بما شاهد من ذلك، قال وحدث بما غاب عنه عمن حضره فحدثني به، ويحيى بن عبد الرحمن أيضاً بنتف من خبره عن غير نصر بن مزاحم، وأخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي بأخباره.

(1/133)


فربما ذكرت الشيء اليسير منها والمعنى الذي يحتاج إليه؛ لأن علي بن محمد كان يقول: بالإمامة فيحمله التعصب لمذهبه على الحيف فيما يرويه، ونسبة من روى خبره من أهل هذا المذهب إلى قبيح الأفعال، وأكثر حكاياته في ذلك بل سائرها عن أبيه موقوفاً عليه لا يتجاوزه، وأبوه حينئذٍ مقيم بالبصرة لا يعلم بشيء من أخبار القوم، إلا ما يسمعه عن ألسنة العامة على سبيل الأراجيف، فيسطره في كتابه عن غير علم، طلباً منه لما شان القوم، وقدح فيهم.
فاعتمدت على رواية من كان بعيداً عن فعله في هذا، وهي رواية نصر بن مزاحم، إذ كان ثبتاً في الحديث والنقل، ويظهر أنه ممن سمع خبر أبي السرايا عنه.
قالوا: كان سبب خروج محمد بن إبراهيم وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، وهو ابن طباطبا، بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأبي السرايا ان نصر بن شبيب كان قدم حاجاً وكان متشيعاً حسن المذهب، وكان ينزل الجزيرة، فلما ورد المدينة سأل عن بقايا أهل البيت ومن له ذكر منهم، فذكر له: علي بن عبيد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن.
فأما علي بن عبيد الله فإنه كان مشغولاً بالعبادة لا يصل إليه أحد ولا يأذن له.
وأما عبد الله بن موسى فكان مطلوباً خائفاً لا يلقاه أحد.
وأما محمد بن إبراهيم فإنه كان يقارب الناس ويكلمهم في هذا الشأن، فأتاه نصر ابن شبيب فدخل إليه وذاكره كقتل أهل بيته وغصب الناس إياهم حقوقهم، وقال: حتى متى توطئون بالخسف وتهتضم شيعتكم وينزى على حقكم؟ وأكثر من القول في هذا المعنى إلى أن أجابه محمد بن إبراهيم، وواعده لقاءه بالجزيرة.
وانصرف الحاج، ثم خرج محمد بن إبراهيم إلى الجزيرة، ومعه نفر من أصحابه وشيعته، حتى قدم على نصر بن شبيب للموعد، فجمع إليه نصر أهله وعشيرته وعرض ذلك عليهم، فأجابه بعضهم وامتنع عليه بعض، وكثر القول فيهم والاختلاف حتى تواثبوا وتضاربوا بالنعال والعصي، وانصرفوا عن ذلك.
ثم خلا بنصر بعض بني عمه وأهله فقال له: ماذا صنعت بنفسك وأهلك؟ أفتراك إذا فعلت هذا الأمر وتأبدت السلطان يدعك وما تريد؟ لا والله بل يصرف همه إليك وكيده، فإن ظفر بك فلا بقاء بعدها، وإن ظفر صاحبك وكان عدلاً كنت عنده بمنزلة رجل من أفناء أصحابه، وإن كان غير ذلك فما حاجتك إلى تعريض نفسك وأهلك وأهل بيتك لما لا قوام لهم به؟ وأخرى إن جميع هذا البلد أعداء لآل أبي طالب، فإن أجابوك الآن طائعين، فروا عنك غداً منهزمين إذا احتجت إلى نصرهم، على أنك إلى خلافهم أقرب منك إلى إجابتهم، ثم تمثل بقوله:
وأبذل لابن العم نصحي ورأفتي ... إذا كان لي بالخير في الناس مكرماً
فإن راغ عن نصحي وخالف مذهبي ... قلبت له ظهر المجن ليندما
فثنى نصراً عن رأيه، وفترنيته، فصار إلى محمد بن إبراهيم معتذراً إليه بما كان من خلاف الناس عليه، ورغبتهم عن أهل البيت، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم، وأومأ إلى أن يحمل إليه مالاً ويقويه بخمسة آلاف دينار، فانصرف محمد عنه مغضباً، وأنشأ يقول: والشعر له:
سنغنى بحمد الله عنك بعصبةٍ ... يهشون للداعي إلى واضح الحق
طلبت لك الحسنى فقصرت دونها ... فأصبحت مذموماً وزلت عن الصدق
جروا فلهم سبق وصرت مقصراً ... ذميماً بما قصرت عن غاية السبق
وما كل شيء سابق أو مقصر ... يؤول به التقصير إلا إلى العرق
ثم مضى محمد بن إبراهيم راجعاً إلى الحجاز، فلقى في طريقه أبا السرايا السري بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان قد خالف السلطان ونابذه، وعاث في نواحي السواد، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفاً على نفسه، ومعه غلمان له فيهم: أبو الشوك، وسيار، وأبو الهرماس، غلمانه.
وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيع، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسر بذلك، وقال له: انحدر إلى الفرات حتى أوافي على ظهر الكوفة، وموعدك الكوفة.

(1/134)


ففعل ذلك ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتحسسها، ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريد، حتى اجتمع له بشر كثير، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب، فتلتقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء عليها رث، فسألها عما تصنع بذلك. فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي، ولي بنات لا يعدن على أنفسهن بشيء، فأنا أتتبع هذا من الطريق وأتقوته أنا وولدي. فبكى بكاءً شديداً، وقال: أنت والله وأشباهك تخرجوني غداً حتى يسفك دمي.
ونفذت بصيرته في الخروج، وأقبل أبو السرايا لموعده على طريق البر حتى ورد عين التمر في فوارس معه، جريدة لا راجل فيهم، وأخذ على النهرين حتى ورد إلى نينوى فجاء إلى قبر الحسين.
قال نصر بن مزاحم: فحدثني رجل من أهل المدائن، قال: إني لعند قبر الحسين في تلك الليلة، وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر، إذا بفرسان قد أقبلوا فترجلوا ودخلوا إلى القبر فسلموا، وأطال رجل منهم الزيارة ثم جعل يتمثل أبيات منصور بن الزبرقان النمري:
نفسي فداء الحسين يوم عدا ... إلى المنايا عدو لا قافل
ذاك يوم أنحى بشفرته ... على سنام الإسلام والكاهل
كأنما أنت تعجبين ألا ... ينزل بالقوم نقمة العاجل
لا يعجل الله إن عجلت وما ... ربك عما ترين بالغافل
مظلومة والنبي والدها ... يدير أرجاء مقلة جافل
ألا مساعير يغضبون لها ... بسلة البيض والقنا الذابل
قال: ثم أقبل علي فقال: ممن الرجل؟.
فقلت: رجل من الدهاقين من أهل المدائن.
فقال سبحان الله، يحن الولي إلى وليه كما تحن الناقة إلى حوارها، يا شيخ إن هذا موقف يكثر لك عند الله شكره ويعظم أجره.
قال: ثم وثب فقال: من كان ها هنا من الزيدية فليقم إلي، فوثبت إليه جماعات من الناس، فدنوا منه فخطبهم خطبة طويلة ذكر فيها أهل البيت وفضلهم وما خصوا به، وذكر فعل الأمة بهم وظلمهم لهم، وذكر الحسين بن علي فقال: أيها الناس، هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه؟ وهو غداً خارج طالب بثأره وحقه، وتراث آبائه وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته؟ إنني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة للقيام بأمر الله، والذب عن دينه، والنصر لأهل بيته، فمن كان له في ذلك فليلحق بي. ثم مضى من فوره عائداً إلى الكوفة ومعه أصحابه.
قال: وخرج محمد بن إبراهيم في اليوم الذي واعد فيه أبا السرايا للاجتماع بالكوفة، وأظهر نفسه وبرز إلى ظهر الكوفة، ومعه علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين، وأهل الكوفة منبثون مثل الجراد إلا أنهم على غير نظام وغير قوة، ولا سلاح إلا العصي والسكاكين والآجر، فلم يزل محمد بن إبراهيم ومن معه ينتظرون أبا السرايا ويتوقعونه فلا يرون له أثراً حتى أيسوا منه، وشتمه بعضهم، ولاموا محمد بن إبراهيم على الاستعانة به، واغتم محمد بن إبراهيم بتأخره، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم من نحو الجرف علمان أصفران وخيل، فتنادى الناس بالبشارة فكبروا ونظروا، فإذا هو أبو السرايا ومن معه، فلما أبصر محمد بن إبراهيم ترجل وأقبل إليه فانكب عليه واعتنقه محمد، ثم قال له: يا بن رسول الله، ما يقيمك ها هنا؟ ادخل البلد فما يمنعك منه أحد. فدخل هو وخطب الناس، ودعاهم إلى البيعة إلى الرضا من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسيرة بحكم الكتاب. فبايعه جميع الناس حتى تكابسوا وازدحموا عليه، وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين.
فحدثني أحمد بن محمد بن سعيد الهمذاني، قال: حدثنا محمد بن منصور بن يزيد أبو جعفر المرادي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد الكوفي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين عن سعيد بن خيثم بن معمر، قال: سمعت زيد بن علي يقول: يبايع الناس لرجل منا عند قصر الضرتين، سنة تسع وتسعين ومائة، في عشر من جمادى الأولى، يباهي الله به الملائكة.
قال الحسن بن الحسين: فحدثت به محمد بن إبراهيم فبكى.

(1/135)


حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا عمر بن شبة المكي، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، قال: يخطب على أعوادكم يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادى الأولى رجل من أهل البيت، يباهي الله به الملائكة.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن عمر بن شبة المكي بنحوه.
رجع الحديث إلى خبر أبي السرايا.
قال: ووجه محمد بن إبراهيم إلى الفضل بن العباس بن عيسى بن موسى رسولاً يدعوه إلى بيعته ويستعين به في سلاح وقوة، فوجد العباس قد خرج عن البلد وخندق حول داره، وأقام مواليه في السلاح للحرب، فأخبر الرسول محمداً بذلك فأنفذ محمد أبا السرايا إليهم، وأمره أن يدعوهم ولا يبدأهم بقتال، فلما صار إليهم تبعه أهل الكوفة كالجراد المنتشر، فدعاهم فلم يصغوا إلى قوله ولم يجيبوا دعوته، ورموه بالنشاب من خلف السور، فقتل رجل من أصحابه أو جرح، فوجه به إلى محمد بن إبراهيم، فأمره بقتالهم فقاتلهم. وكان على السور خادم أسود واقف بين شرفتين يرمي لا يسقط له سهم، فأمر أبو السرايا غلامه أن يرميه، فرماه بسهم فأثبته بين عينيه، وسقط الخادم على أم رأسه إلى أسفل فمات وفر موالي الفضل بن العباس فلم يبق منهم أحد وفتح الباب فدخل أصحاب أبي السرايا ينتهبونها ويخرجون حر المتاع منها، فلما رأى ذلك أبو السرايا حظره ومنع أحداً من الخروج أو يأخذ ما معه ويفتشه، فأمسك الناس عن النهب.
قال: فسمعت أعرابياً يرتجز ومعه تخت فيه ثياب وهو يقول:
ما كان إلا ريث زجر الزاجره ... حتى انتضيناها سيوفاً باتره
حتى علونا في القصور القاهره ... ثم انقلبنا بالثياب الفاخره
قال: ومضى الفضل بن العباس فدخل على الحسن بن سهل فشكا إليه ما انتهك منه فوعده النصر والغرم والخلف، ثم دعا بزهير بن المسيب فضم إليه الرجال وأمده بالأموال وندبه إلى المسير نحو أبي السرايا وأن يودعه من وقته ويمضي لوجهه فيه ولا ينزل إلا بالكوفة، وكان محمد بن إبراهيم عليلاً علته التي مات فيها. وكان الحسن بن سهل، لانتحاله النجوم ونظره فيها، ينظر في نجم محمد فيراه محترقاً، فيبادر في طلبه، ويحرص على ترويحه، ويشغله عن النظر في أمر عسكره.
فسار زهير بن المسيب حتى ورد قصر ابن هبيرة فأقام به، ووجه ابنه أزهر بن زهير على مقدمته، فنزل سوق أسد.
وسار أبو السرايا من الكوفة وقت العصر فأغذ السير حتى أتى معسكر أزهر بن زهير بسوق أسد، وهم غارون فيه وبيته، فطحن العسكر وأكثر القتل فيه، وغنم دوابهم وأسلحتهم، وانقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافت زهيراً بالقصر، فتغيظ من ذلك.
ورجع أبو السرايا إلى الكوفة، وزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل، يأمره ألا ينزل إلا بالكوفة، فمضى حتى نزل عند القنطرة.
ونادى أبو السرايا في الناس بالخروج، فخرجوا حتى صادفوا زهيراً على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة، فهم يوقدون النار يستدفئون بها، ويذكرون الله ويقرأون القرآن، وأبو السرايا يسكن منهم ويحثهم.
وأقبل أهل بغداد يصيحون يا أهل الكوفة: زينوا نسائكم وأخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلن بهم كذا وكذا. ولا يكنون.
وأبو السرايا يقول لهم: اذكروا الله وتوبوا إليه، واستغفروه واستعينوه، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم، حتى إذا أصبح نهد إليهم فوقف في عسكره، وقد عشيت أبصار الناس من الدروع والبيض والجواش وهم على تعبئة حسنة، وأصوات الطبول والبوقات مثل الرعد العاصف، وأبو السرايا يقول: يا أهل الكوفة صححوا نياتكم، وأخلصوا لله ضمائركم، واستنصروه على عدوكم، وابرأوا إليه من حولكم وقوتكم، واقرأوا القرآن، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي: قال: ومر بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ويقول: يا معشر الزيدية، هذا موقف تستنزل فيه الأقدام، وتزايل فيه الأفعال. والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفى لله بعهده، وحفظ محمداً في عترته.
ألا إن الآجال موقوتة، والأيام معدودة، من هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطاً به، ثم قال:
من لم يمت عبطة يمت هرماً ... الموت كأس والمرء ذائقها

(1/136)


قال أبو الفرج الأصبهاني: الحسن بن الهذيل هذا، صاحب الحسين المقتول بفخ، وقد روى عنه الحديث. قال: فطلع رجل من أهل بغداد مستلئماً شاكي السلاح، فجعل يشتم أهل الكوفة ويقول: لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن، وانتدب إليه رجل من أهل الوازار - قرية بباب الكوفة - عليه إزار أحمر وفي يده سكين، فألقى نفسه في الفرات وسبح ساعة حتى صار إليه، فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه إليه فصرعه، وضرب بالسكين حلقه فقتله، وجر برجليه يطفو مرة ويغوص مرة أخرى حتى أخرجه إلى الكوفة فكبر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء.
وخرج رجل من ولد الأشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين ودعا للبراز، فبرز إليه رجل فقتله، وبرز إليه آخر فقتله، وبرز إليه ثالث فقتله، حتى قتل نفراً. وأقبل أبو السرايا، فلما رآه شتمه وقال: من أمرك بهذا؟ ارجع فرجع فمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه ومضى نحو الكوفة، فلم يشهد حرباً بعدها معهم.
ووقف أبو السرايا على القنطرة طويلاً، وخرج رجل من أهل بغداد فجعل يشتمه بالزنا لا يكنى. وأبو السرايا واقف لا يتحرك، ثم تغافل ساعة حتى هم بأن ينصرف، ثم حمل عليه فقتله وحمل على عسكرهم حتى خرج من خلفهم، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء. ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم عن درعه.
ثم دعا غلاماً له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر، ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من معه قاصداً لما أمره به، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس له أدهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط، وأهل الكوفة جزعون لما يرونه من عسكر زهير، ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم، وهم يضجون ويصيحون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه، فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه: قتال، ثم قنعه حتى رضي بحفزه، ثم أومأ بيده نحو الكمين الذي بعثه، وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الإشارة.
وخالط أبو السرايا وغلامه سيار العسكر، وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه: ويلك يا سيار ألا تراني، فحمل سيار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة.
وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى: من نزل عن فرسه فهو آمن، فجعلوا يترجلون، وأصحاب أبي السرايا يركبون، وتبعوهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال: ويحك، أتريد هزيمة أكثر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟ فرجع وتركه. وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصاروا إلى عسكر زهير بن المسيب ومطابخه قد أعدت وأقيمت، وكان قد حلف ألا يتغدى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون ذلك الطعام، وينتهبون الأسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد.
ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستتراً، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده، فشتر إحدى عينيه، وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فتشفعوا فيه، فلم يزل يكلم فيه حتى عفا عنه.
ودخل أبو السرايا الكوفة، ومعه خلق كثير من الأسارى، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة، وفي صدر الخيل مشدودة، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح، فهم في حالة واسعة، وأنفسهم بما رزقوه من النصر قوية.
واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين، لما جرى على عسكر زهير، وطال اهتمامهم به، فدعا الحسن بن سهل بعبدوس بن عبد الصمد، وضم إليه ألف فارس وثلاثة آلاف راجل، وأزاح علته في الإعطاء، وقال: إنما أريد أن أنوه باسمك فانظر كيف تكون، وأوصاه بما احتاج إليه، وأمره ألا يلبث.
فخرج من بين يديه وهو يحلف أن يبيح الكوفة، ويقتل مقاتلة أهلها، ويسبي ذراريهم، ثلاثاً.

(1/137)


ومضى لوجهه لا يلوي على شيء حتى صار إلى الجامع، وقد كان الحسن بن سهل تقدم إليه بذلك، وأمره ألا يأخذ على الطريق الذي انهزم فيه زهير، لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره، فيجبنوا من ذلك. فأخذ على طريق الجامع فلما وافاها وبلغ أبا السرايا خبره، صلى الظهر بالكوفة، ثم جرد فرسان أصحابه ومن يثق به منهم وأغذ السير بهم، حتى إذا قرب من الجامع فرق أصحابه ثلاث فرق وقال: شعاركم: " يا فاطمي يا منصور " ، وأخذ هو في جانب السوق، وأخذ سيار في سيره الجماع وقال لأبي الهرماس: خذ بأصحابك على القرية فلا يفتك أحد منهم، ثم احملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس، ففعلوا ذلك فأوقعوا به وقتلوا منه مقتلة عظيمة، وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلباً للنجاة، حتى غرق منهم خلق كثير.
ولقي أبو السرايا عبدوساً في رحبة الجامع فكشف خوزته عن رأسه وصاح: أنا أبو السرايا، أنا أسد بن شيبان، ثم حمل عليه، وولى عبدوس من بين يديه، وتبعه أبو السرايا فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته، وخر صريعاً عن فرسه.
وانتهب الناس من أصحاب أبي السرايا وأهل الجامع عسكر عبدوس، وأصابوا منه غنيمة عظيمة، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة وأسلحة.
ودخل أبو السرايا إلى محمد بن إبراهيم وهو عليل يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر، وقال: أنا أبرأ إلى الله مما فعلت، فما كان لك أن تبيتهم، ولا تقاتلهم حتى تدعوهم، وما كان لك أن تأخذ من عسكرهم إلا ما أجلبوا به علينا من السلاح.
فقال أبو السرايا: يا بن رسول الله، كان هذا تدبير الحرب، ولست أعاود مثله. ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يا بن رسول الله، كل حي ميت، وكل جديد بال، فاعهد إلي عهدك.
فقال: أوصيك بتقوى الله، والمقام على الذب من دينك، ونصرة أهل بيت نبيك صلى الله عليه وسلم، فإن أنفسهم موصولة بنفسك، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيد الله، فإني قد بلوت طريقته، ورضيت دينه.
ثم اعتقل لسانه، وهدأت جوارحه، فغمضه أبو السرايا وسجاه، وكتم موته، فلما كان الليل أخرجه في نفر من الزيدية إلى الغري فدفنه.
فلما كان الغد جمع الناس فخطبهم، ونعى محمداً إليهم وعزاهم عنه، فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظاماً لوفاته، ثم قال: وقد أوصى أبو عبد الله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره، وهو أبو الحسن علي بن عبيد الله، فإن رضيتم به فهو الرضا، وإلا فاختاروا لأنفسكم.
فتواكلوا ونظر بعضهم إلى بعض، فلم ينطق أحد منهم فوثب محمد بن محمد بن زيد وهو غلام حدث السن، فقال: يا آل علي: فات الهالك النجا، وبقي الثاني بكرمه، إن دين الله لا ينصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل عندنا بسيئة، وقد شفي الغليل، وأدرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبد الله فقال: ما تقول يا أبا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك، امدد يدك نبايعك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن أبا عبيد الله رحمة الله عليه قد اختار فلم يعد الثقة في نفسه، ولم يأل جهداً في حق الله الذي قلده، وما أراد وصيته تهاوناً بأمره، ولا أدع هذا نكولاً عنه، ولكن أتخوف أن أشتغل به عن غيره مما هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل ابن عمك، فقد قلدناك الرياسة علينا، وأنت الرضا عندنا، الثقة في أنفسنا.
ثم قال لأبي السرايا: ما ترى؟ أرضيت به؟.
قال: رضائي في رضاك، وقولي مع قولك، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وفرق عماله.
فولى إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن جعفر خلافته على الكوفة.
وولى روح بن الحجاج شرطته.
وولى أحمد بن السري الأنصاري رسائله.
وولى عاصم بن عامر القضاء.
وولى نصر بن مزاحم السوق.
وعقد لإبراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن.
وولى زيد بن موسى بن جعفر الأهواز.
وولى العباس بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب البصرة.
وولى الحسن بن الحسن الأفطس مكة.
وعقد لجعفر بن محمد بن زيد بن علي، والحسين بن إبراهيم بن الحسن بن علي واسطاً.
فخرجوا إلى أعمالهم.
فأما ابن الأفطس فلم يمنعه أحد مما وجه له، فأقام الحج تلك السنة وهي سنة تسع وتسعين ومائة.
وأما إبراهيم بن موسى فأذعن له أهل اليمن بالطاعة، بعد وقعة كانت بينهم يسيرة المدة.

(1/138)


وأما صاحبا واسط فإن نصراً البجلي صاحب واسط خرج إليهما فقاتلهما فتالاً شديداً، فثبتا له ثم انهزم ودخلا واسطاً وجبيا الخراج وتألفا الناس.
وأما الجعفري صاحب البصرة فإنه خرج إليه علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فاجتمعا، ووافاهم زيد بن موسى بن جعفر ماضياً إلى الأهواز، فاجتمعوا، ولقيهم الحسن بن علي المعروف بالمأموني - رجل من أهل باذغيس وكان على البصرة - فقاتلوه وهزموه وحووا عسكره.
وحرق زيد بن موسى دور بني العباس بالبصرة، فلقب بذلك وسمي زيد النار.
وتتابعت الكتب وتواترت على محمد بن محمد بالفتوح من كل ناحية.
وكتب إليه أهل الشام والجزيرة أنهم ينتظرون أن يوجه إليهم رسولاً ليسمعوا له ويطيعوا.
وعظم أمر أبي السرايا على الحسن بن سهل وبلغ منه، فكتب إلى طاهر بن الحسين أن يصير إليه لينفذه لقتاله، فكتبت إليه رقعة لا يدري من كتابها، فيها أبيات وهي:
قناع الشك يكشفه اليقين ... وأفضل كيدك الرأي الرصين
تثبت قبل ينفذ فيك أمر ... بهيج لشره داء دفين
أتندب طاهراً لقتال قوم ... بنصرتهم وطاعتهم يدين
سيطلقها عليك معقلات ... تصر ودونها حرب زبون
ويبعث كامناً في الصدر منه ... ولا يخفى إذا ظهر المصون
فشأنك واليقين فقد أنارت ... معالمه وأظلمت الظنون
ودونك ما نريد بعزم رأي ... تدبره ودع ما لا يكون
فرجع عن رأيه ذلك، وكتب إلى هرثمة بن أعين يأمره بالقدوم عليه، ودعا بالسندي بن شاهك فسأله التعجيل وترك التلوم، وكان ردءاً له، وكانت بين الحسن بن سهل وبين هرثمة شحناء، فخشي أن لا يجيبه إلى ما يريد، ففعل ذلك السندي ومضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان، فأوصل إليه الكتاب، فلما قرأه تغيظ وقال: نوطئ نحن الخلافة، ونمهد لهم أكنافها، ثم يستبدون بالأمور، ويستأثرون بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور، أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم، وقبيح أفعالهم.
قال السندي: وباعدني مباعدة آيسني فيها من نفسه، فبينا أنا كذلك إذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي فقرأه فجعل يبكي بكاءً طويلاً، ثم قال: فعل الله بالحسن بن سهل وصنع، فإنه عرض هذه الدولة للذهاب، وأفسد ما صلح منها، ثم أمرض فضرب بالطبل، وانكفأ راجعاً إلى بغداد.
فلما صار بالنهروان تلقاه أهل بغداد، والقواد، وبنو هاشم، وجميع الأولياء مسرورين بقدومه داعين له، وترجلوا جميعاً حين رأوه، فدخل بغداد في جمع عظيم حتى أتى منزله.
وأمر الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه ليختار الرجال منها وينتخبهم، وأطلق له بيوت الأموال فانتخب من أراد، وأزاح الغلة في العطيات والنفقات، وخرج إلى الياسرية فعسكر بها.
قال الهيثم بن عدي: فدخلت إليه وسلمت عليه ومازحته، وهو في نحو ثلاثين ألف فارس وراجل، فقلت له: أيها الأمير، لو خضبت لكان للعدو أهيب وأحسن للمنظر، فضحك ثم قال: إن كان رأسي لي فسأخضبه، وإن انقلب به أهل الكوفة فما يصنع بالخضاب.
قال: ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل الناس.
وأبو السرايا بالقصر، وقد عقد لمحمد بن إسماعيل محمد بن عبد الله الأرقط بن عبد الله بن علي بن الحسين، على المدائن، ووجه معه العباس الطبطبي والمسيب، في جمع عظيم، فلقوا الحسين بن علي المعروف بأبي البط فالتقوا بساباط المدائن، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وهزم أبو البط واستولى محمد بن إسماعيل على البلد.
محمد بن جعفر بن محمد
خبر محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قالوا: وظهر في هذه الأيام محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ودعا إلى نفسه، وبايع له أهل المدينة بإمرة المؤمنين، وما بايعوا عليها بعد الحسين بن علي أحداً سوى محمد بن جعفر بن محمد.
وأم محمد بن جعفر أم ولد.
ويكنى أبا جعفر.
وكان فاضلاً مقدماً في أهله.
وأمر المأمون آل أبي طالب بخراسان أن يركبوا مع غيره من آل أبي طالب فأبوا أن يركبوا إلا معه فأقرهم.

(1/139)


وقد روى الحديث وأكثر الرواية عن أبيه، ونقل عنه المحدثون مثل: محمد بن أبي عمر العبدي، ومحمد بن سلمة، وإسحاق بن موسى الأنصاري، وغيرهم من الوجوه.
قال أبو الفرج: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: ذكر محمد بن جعفر بحضرة أبي الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله، فسمعنا أبا الطاهر يحسن الثناء عليه، وقال: كان عابداً فاضلاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال أخبرنا يحيى بن الحسن قال: سمعت مؤملاً يقول: رأيت محمد بن جعفر يخرج إلى الصلاة بمكة في سنة بمائتي رجل من الجارودية، وعليهم ثياب الصوف، وسيماء الخير ظاهر.
قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى، قال: كانت خديجة بنت عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين تحت محمد بن جعفر بن محمد، وكانت تذكر أنه ما خرج من عندهم قط في ثوب فرجع حتى يهبه.
حدثني أحمد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا موسى بن سلمة، قال: كان رجل قد كتب كتاباً في أيام أبي السرايا يسب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أهل البيت، وكان محمد بن جعفر معتزلاً تلك الأمور لم يدخل في شيء منها، فجاءه الطالبيون فقرءوه عليه فلم يرد عليهم جواباً حتى دخل بيته، فخرج عليهم وقد لبس الدرع، وتقلد السيف، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالخلافة وهو يتمثل: لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صالي قال يحيى بن الحسن: فسمعت إبراهيم بن يوسف يقول: كان محمد بن جعفر قد أصاب أحد عينيه شيء فأثر فيها، فسر بذلك وقال: لأرجو أن أكون المهدي القائم: قد بلغني أن في إحدى عينيه شيئاً، وأنه يدخل في هذا الأمر وهو كاره له.
قال أبو الفرج: أخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا محمد بن علي المدائني، قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال سمعت محمد بن جعفر يقول: شكوت إلى مالك بن أنس ما نحن فيه وما نلقى، فقال: اصبر حتى يجيء تأويل هذه الآية: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " .
أخبرني أحمد بن عبيد الله، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه، وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي، عن محمد، عن عمه.
أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر، فقاتلوا هارون بن المسيب بمكة قتالاً شديداً، وفيهم: الحسين بن الحسن الأفطس، ومحمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن الحسن المعروف بالسيلق، وعلي بن الحسن بن عيسى بن زيد، وعلي بن الحسن بن زيد، وعلي بن جعفر بن محمد، فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وطعنه خصي كان مع محمد بن جعفر فصرعه.
وكر أصحابه فتخلصوه ثم رجعوا فأقاموا بثبير في جبله مدة، وأرسل هارون إلى محمد بن جعفر، وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسى الرضا، فلم يصغ إلى رسالته، وأقام على الحرب.
ثم وجه إليه هارون خيلاً فحاصرته في موضعه، لأنه كان موضعاً حصيناً لا يوصل إليه، فلما بقوا في الموضع ثلاثاً ونفذ زادهم وماؤهم، جعل أصحابه يتفرقون ويتسللون يميناً وشمالاً، فلما رأى ذلك لبس برداً ونعلاً، وصار إلى مضرب هارون فدخل إليه وسأله الأمان لأصحابه، ففعل هارون ذلك.
هكذا ذكره النوفلي.
وأما محمد بن علي بن حمزة فإنه ذكر أن هذا كان من جهة عيسى الجلودي لا من جهة هارون، ثم وجه إلى أولئك الطالبيين فحملهم مقيدين في محامل بلا وطاء ليمضي بهم إلى خراسان، فخرجت عليهم بنو نبهان.
قال علي بن محمد النوفلي: خرج عليهم الغاضريون بزبالة، فاستنقذوهم منه بعد حرب طويلة صعبة، فمضوا هم بأنفسهم إلى الحسن بن سهل، فأنفذهم إلى خراسان إلى المأمون.
فمات محمد بن جعفر هناك، فلما أخرجت جنازته دخل المأمون بين عمودي السرير فحمله حتى وضعه في لحده، وقال: هذه رحم مجفوة منذ مائتي سنة، وقضى دينه، وكان عليه نحواً من ثلاثين ألف دينار.
رجع الحديث إلى خبر أبي السرايا قالوا: فلما خرج هرثمة عسكر في شرقي نهر صرصر. وعسكر أبو السرايا في غربيه. ووجه الحسن بن سهل إلى المدائن علي بن أبي سعيد، وحمادا التركي وجماعة، فقاتلوا محمد بن إسماعيل فهزموه واستولوا على المدائن.

(1/140)


ومضى أبو السرايا من فوره بالليل، ولا يعلم هرثمة، وكان جسر صرصر مقطوعاً بينهما، يريد المدائن فوجد أصحابه وقد أخرجوا عنها واستولى عليها المسودة فكانت بينهم مناوشة، وقتل غلامه أبو الهرماس أصابه حجر عراده، فدفنه بها ومضى نحو القصر، فلما صار بالرحب صار هرثمة إليه فلحقه هناك فقاتله قتالاً شديداً، فهزم أبو السرايا، وقتل أخوه، ومضى لوجهه حتى نزل الجازية، وأبتعه هرثمة، واجتمع رأيه على سد الفرات عليهم ومنعهم الماء، وصبه في الآجام والمغايض التي في شرقي الكوفة، ففعل ذلك، وانقطع الماء من الفرات، فتعاظم ذلك الكوفيون. وسقط في أيديهم، وأزمعوا معالجة هرثمة ومنازلته، فبينا هم كذلك: إذ فتق السكر الذي سكروه، وأقبل الماء تحت الخشب، وكبروا وحمدوا الله كثيراً، وسروا بما وهب الله لهم من الكفاية.
ثم إن هرثمة نهد إلى الكوفة مما يلي الرصافة.
وخرج أبو السرايا إليه في الناس فعبأهم، وجعل على الميمنة الحسن بن الهذيل. وعلى الميسرة جرير بن الحصين، ووقف هو في القلب.
وعبأ هرثمة خيلاً نحو البر، فبعث أبو السرايا عدتهم يسيرون بإزائهم لئلا يكونوا كميناً.
ثم إن أبا السرايا حمل حملة فيمن معه، فانهزم أصحاب هرثمة هزيمة رقيقة، ثم عطفوا وجوه دوابهم فنادى أبو السرايا: لا تتبعوهم فإنها خديعة ومكر، فوقفوا وتبعهم أبو كتلة فأبعد، ثم رجع وأعلم أبا السرايا أنهم قد عبروا الفرات، فرجع بالناس إلى الكوفة ثم خرج يوم الاثنين لتسع خلون من ذي القعدة وخرج الناس معه. وقد كان جاسوسه أخبره أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم، فعبأ الناس مما يلي الرصافة، ومضى هو تحت القنطرة، فلم يبعد حتى أقبلت خيل هرثمة، فرجع أبو السرايا كالجمل الهائج يكاد الغضب أن يلقيه عن سرجه إلى الناس فقال: سووا عسكركم، واجمعوا أمركم، وأقيموا صفوفكم. وأقبل هرثمة فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله.
ونظر أبو السرايا إلى روح بن الحجاج قد رجع فقال: والله لئن رجعت لأضربن عنقك، فرجع يقاتل حتى قتل.
وقتل يومئذ الحسن بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين.
وقتل أبو كتلة غلام أبي السرايا.
واشتدت الحرب، وكشف أبو السرايا رأسه وجعل يقول: أيها الناس، صبر ساعة، وثبات قليل، فقد - والله - فشل القوم، ولم يبق إلا هزيمتهم.
ثم حمل، وخرج إليه قائد من قواد هرثمة وعليه الدرع والمغفر، فتناوشا ساعة، ثم ضربه أبو السرايا ضربة على بيضته فقده، حتى خالط سيفه قربوس سرجه.
وانهزمت المسودة هزيمة قبيحة، وتبعهم أهل الكوفة يقتلونهم حتى بلغوا صعنباً فنادى أبو السرايا: يا أهل الكوفة أحذروا كرهم بعد الفرة، فإن العجم قوم دهاة، فلم يصغوا إلى قوله وتبعوهم.
وكان هرثمة قد أسر في ذلك الوقت، ولم يعلم أبو السرايا، أسره عبد سندي، وقبل ذلك خلف في عسكره زهاء خمسة آلاف فارس يكونون ردءاً له إن انهزم أصحابه، وخلف عليهم عبيد الله بن الوضاح، فلما وقعت الهزيمة ونادى أبو السرايا: لا تتبعوهم، كشف عبيد الله بن الوضاح رأسه، وأصحابه يقولون: قتل الأمير، قتل الأمير فناداهم: فماذا يكون إذا قتل الأمير؟ يا أهل خراسان إلي أنا عبد الله بن الوضاح، اثبتوا، فوالله ما القوم إلا غوغاء ورعاع، فثابت إليه طائفة، وحمل على أهل الكوفة فقتل منهم مقتلة عظيمة، وتبعوهم حتى جاوزوا صعنباً، ووجدوا هرثمة أسيراً في يد عبد أسود، فقتلوا العبد، وحلوا وثاق هرثمة، وعاد إلى معسكره ولم تزل الحرب مدة متراخية في كل يوم أو يومين تكون سجالاً بينهم.
ثم إن أبا السرايا بعث علي بن محمد بن جعفر المعروف بالبصري في خيل، وأمره أن يأتي هرثمة من ورائه، فمضى لوجهه ولم يشعر هرثمة حتى قرب منه، وحمل أبو السرايا عليه فصاح هرثمة: يا أهل الكوفة علام تسفكون دماءنا ودماءكم؟ إن كان قتالكم إيانا كراهية لإمامنا فهذا المنصور بن المهدي رضي لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم، واتفقوا معنا ليوم الاثنين نتناظر فيه، ولا تقتلونا وأنفسكم.

(1/141)


فأمسك أهل الكوفة عن الحملة، وناداهم أبو السرايا: ويحكم إن هذه حيلة من هؤلاء الأعاجم، وإنما أيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد أجابوا. فغضب أبو السرايا وانصرف معهم، وقد أراد قبل ذلك إجابة هرثمة وأن يمضي إليه مع محمد بن محمد بن زيد فيستأمن، ثم خشي الغدر به.
فلما كان يوم الجمعة خطب أهل الكوفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل الكوفة، يا قتلة علي، ويا خذلة الحسين، إن المعتز بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصركم لمخذول، وإن الذليل لمن أعززتموه، والله ما حمد علي أمركم فنحمده، ولا رضي مذهبكم فنرضى به، ولقد حكمكم فحكمتم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن تقدم تأخرتم، وإن تأخر تقدمتم، خلافاً عليه وعصياناً لأمره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمن لقيتم وقد عبروا خندقكم؟ وعلوا قبائلكم؟ ينتهبون أموالكم ويستحيون حريمكم، هيهات لا عذر لكم إلا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفئ الظل، تهزمكم الطبول بأصواتها، ويكلاً قلوبكم الحرق بسوادها، أما والله لأستبدلن بكم قوماً يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمداً في عترته. ثم قال:
ومارست أقطار البلاد فلم أجد ... لكم شبيهاً فيما وطئت من الأرض
خلافاً وجهلاً وانتشار عزيمةٍ ... ووهناً وعجزاً في الشدائد والخفض
لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة ... فلا عنكم راضٍ ولا فيكم مرضي
سأبعد داري من قلى عن دياركم ... فذوقوا إذا وليت عاقبة البغض
فقامت إليه جماعة من أهل الكوفة فقالوا: ما أنصفتنا في قولك، ما أقدمت وأحجمنا، ولا كررت وفررنا، ولا وفيت وغدرنا، ولقد صبرنا تحت ركابك، وثبتنا مع لوائك، حتى أفنتنا الوقائع، واجتاحتنا، وما بعد فعلنا غاية إلا الموت، فامدد يدك نبايعك على الموت، فوالله لا نرجع حتى يفتح الله علينا أو يقضي قضاءه فينا.
فأعرض عنهم، ونادى في الناس بالخروج لحفر الخندق، فخرجوا فحفروا وأبو السرايا يحفر معهم عامة النهار، فلما كان الليل خرج الناس من الخندق وأقام إلى الثلث الأول من الليل، ثم عبأ بغاله واسرج خيله، وارتحل هو ومحمد بن محمد بن زيد، ونفر من العلويين والأعراب، وقوم من أهل الكوفة، وذلك في ليلة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم فأقام بالقادسية ثلاثاً حتى تتام أصحابه، ثم مضى على خفان وأسفل الفرات حتى صار على طريق البر.
ووثب بالكوفة أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي فدعا إلى هرثمة.
وخرج أشراف أهل الكوفة إلى هرثمة فسألوه الأمان للناس فأجابهم إلى ذلك وتألفهم.
ودخل المنصور بن المهدي الكوفة، وأقام هرثمة خارجها، وفرق عسكره حوالي خندقها وأبوابها خوفاً من حيلة، وخطب المنصور بن المهدي بالناس فصلى بهم.
وولى هرثمة غسان بن الفرج الكوفة وأقام هو أياماً بظهر البلد، حتى أمن الناس وهدأت قلوبهم من وحشة الحرب، ثم ارتحل إلى بغداد.
قالوا: ومضى أبو السرايا يريد البصرة، فلقيه أعرابي من أهل البلد، فسأله عن الخبر وأعلمه غلبة السلطان عليه وإخراج عماله عنه، وأن المسودة في خلق كثير لا يمكنه مقاومتهم منها، فعدل عنها وأراد المسير نحو واسط فأعلمه الرجل أن صورة أمرها مثل ما ذكره له عن البصرة، فقال له: فأين ترى؟.
قال: أرى أن تعبر دجلة فتكون بين جوفي والجبل، فيجتمع معك أكرادهم ويلحق بك من أراد صحبتك من أعراب السواد وأكراده، ومن رأى رأيك من أهل الأمصار والطساسيج فقبل أبو السرايا مشورته، وسلك ذلك الطريق، فجعل لا يمر بناحية إلا جبى خراجها وباع غلاتها.
ثم عمد إلى الأهواز حتى صار إلى السوس، فأغلقوا الباب دونه، فنادى: افتحوا الباب، ففتحوا له فدخلها. وكان على كوز الأهواز الحسن بن علي المأموني فوجه إلى أبي السرايا يعلمه كراهيته لقتاله ويسأله الانصراف عنه إلى حيث أحب، فلم يقبل ذلك، وأبى إلا قتاله، فخرج إليه المأموني فقاتله قتالاً شديداً.

(1/142)


وثبتت الزيدية تحت ركاب محمد بن محمد بن زيد، وثبت العلويون معه فقتلت منهم عدة، وخرج أهل السوس فأتوهم من خلفهم، فخرج غلام أبي السرايا ليقاتلهم فظن القوم أنها هزيمة فانهزموا، وجعل أصحاب المأموني يقتلونهم، حتى أجنهم الليل فتفرقوا وتقطعت داوبهم. ومضى أبو السرايا حتى أخذ على طريق خراسان، فنزل قرية يقال لها: برقاناً. وبلغ حماد الكندغوش خبرهم، وكان يتقلد تلك الناحية، فوجه إليهم خيلاً، ثم ركب بنفسه حتى لقيهم وآمنهم على أن ينفذ بهم إلى الحسن بن سهل فقبلوا ذلك منه، وأعطى الذي أعلمه خبرهم عشرة آلاف درهم، وحملهم إلى الحسن بن سهل.
وبادر محمد بن محمد بكتاب إلى الحسن بن سهل، يسأله أن يؤمنه على نفسه ويستعطفه، فقال الحسن بن سهل: لا بد من ضرب عنقك. فقال له بعض من كان يستنصحه: لا تفعل أيها الأمير، فإن الرشيد لما نقم على البرامكة احتج عليهم بقتل ابن الأفطس، وهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي فقتلهم به، ولكنه احمله إلى أمير المؤمنين، فعمل ذلك وحلف أن يقتل أبا السرايا.
فلما أتته بهم الرسل وهو نازل بالمدائن معسكراً قال لأبي السرايا: من أنت؟.
قال: السري بن المنصور.
قال: لا بل أنت النذل ابن النذل، المخذول ابن المخذول، قم يا هارون بن أبي خالد فاضرب عنقه بأخيك عبدوس بن عبد الصمد، فقام إليه فقدمه فضرب عنقه.
ثم أمر برأسه فصلب في الجانب الشرقي، وصلب بدنه في الجانب الغربي.
وقتل غلامه أبا الشوك وصلب معه.
وحمل محمد بن محمد إلى خراسان، فأقيم بين يدي المأمون وهو جالس في مستشرف له، ثم صاح الفضل بن سهل اكشفوا رأسه فكشف رأسه فجعل المأمون يتعجب من حداثة سنه، ثم أمر له بدار فأسكنها، وجعل له فيه فرشاً وخدماً، فكان فيها على سبيل الاعتقال والتوكيل، وأقام على ذلك مدة يسيرة يقال: إن مقدارها أربعون يوماً، ثم دست إليه شربة فكان يختلف كبده وحشوته، حتى مات.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: قال يحيى بن الحسن: حدثني محمد بن جعفر: أن محمد بن محمد سقى السم بمرو، وتوفي بها وكان يختلف حتى اختلف كبده.
قال: ونظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مائتا ألف رجل.
ذكر من خرج معه وبايعه حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثني أبي، قال: خرج مع أبي السرايا أكثر أهل الكوفة إلا من لا فضل فيه ولا غناء، فإنما عد من تخلف عنه، ثم ذكر لي أن مبلغهم كان زهاء مائتي ألف وأكثر، فقلت لمحمد بن الحسين: إن أحمد بن عبيد الله بن عمار روى لنا، عن محمد بن داود بن الجراح، عن محمد بن أبي خيثمة، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: رأيت أبا بكر وعثمان ابني شيبة وقد خرجا مع أبي السرايا وعلى أحدهما عمامة صفراء والآخر حمراء، وقالا: يتأسى بنا الناس. فقال: لم يكونا في ذلك الوقت بهذا المحل، وقد بايع لمحمد بن إبراهيم الأكابر ممن حدث عنه ابنا أبي شيبة مثل يحيى بن آدم فإنه بايعه فجعل محمد يشترط عليه ويحيى يقول: ما استطعت ما استطعت، ويقول له محمد: هذا قد استثناه لك القرآن إن الله تعالى يقول: " فاتقوا الله ما استطعتم " .
ثم حدثني الأشناني، عن أحمد بن حازم الغفاري، أن مخول بن إبراهيم خرج معه أيضاً، وذكر جماعة منهم عاصم بن عامر، وعامر بن كثير السراج، وأبو نعيم الفضل بن دكين وعبد ربه بن علقمة، ويحيى بن الحسن بن الفرات الفزار، ونظراء هؤلاء.
حدثني أبو أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن المنصور، قال: حدثني الحسين بن علي بن أخي ليث، وموسى بن أحمد القطواني: أنه حضر يحيى بن آدم يبايع محمد بن إبراهيم، وذكر مثل حديث الأشناني.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني الحسين بن القاسم، قال: حدثني جعفر بن هذيل، قال: سمعت بن نمير يقول، وكان قد فاته أكثر كتب أبي معاوية عن الأعمش، قال: لما قدم يحيى بن عيسى أكتب عنه حديث الأعمش الحمد لله الذي كفاني مؤنة أبي معاوية ذلك المرح أتبدل به من يحيى بن عيسى فما مكثنا إلا يسيراً حتى خرج أبو السرايا، فخرج معه يحيى بن عيسى، فقلت: إنا لله فررت من ذلك ووقعت مع هذا.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن المنصور، قال: سمعت مصفى بن عاصم يقول: سمعت أبا السرايا يقول: ما دخلت في معصية الله جل وعز من الفواحش قط.

(1/143)


قال: وسمعته يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي محمد بن إبراهيم.
حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال: حدثني أبي، قال: رأيت أبا السرايا يؤتى بمكوكي شعير فيطرح أحدهما بين يديه، والآخر بين يدي فرسه فيستوفي الشعير قبل فرسه.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثني إبراهيم بن سليمان المقريء، قال: كنت واقفاً مع أبي السرايا على القنطرة، ومحمد بن محمد بصحراء أثير، فجاءه رجل دسه هرثمة فقال له: إن المسودة قد دخلت من جانب الجسر، وأخذ محمد بن محمد وإنما أراد أن ينتحي أبو السرايا عن موضعه، فلما سمع ذلك وجه فرسه نحو صحراء أثير، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة، وبلغ إلى موضع يعرف بدار الحسن، وصار أبو السرايا إلى الموضع فوجد محمداً قائماً على المنبر يخطب، فعلم أنها حيلة، فكر راجعاً ومعه رجل يقال له مسافر الطائي، وكان من بني شيبان إلا أنه نزل في قبائل طي فنسب إليهم، فحمل على المسودة فهزمهم حتى ردهم إلى موقفهم.
وجاءه رجل فقال: إن جماعة منهم قد كمنوا لك في خرابة ها هنا. فقال: أرينهم، فأراه الخرابة، فدخل إليهم فأقام طويلاً ثم خرج يمسح سيفه وينفض علق الدم عن نفسه، ومضى لوجهه نحو هرثمة، فدخلت فإذا القوم صرعى وخيلهم يثب بعضها على بعض، فعددتهم فإذا هم مائة رجل، أو مائة رجل إلا رجلاً.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن المنصور، قال: سمعت القاسم بن إبراهيم ونحن في منزل للحسينيين يقال له الورينة، يقول: انتهى إلي نعي أخي محمد وأنا بالمغرب، فتنحبت فأرقت من عيني سحلاً أو سجلين، ثم رثيته بقصيدة، على أنه كان يقول بشيء من التشبيه، قال: ثم قرأها علي من وقعة، فكتبتها، وهي هذه:
يا دار دار غرورٍ لا وفاء لها ... حيث الحوادث بالمكروه تستبق
أبرحت أهلك من كد ومن أسف ... بمشرع شربه التصدير والرنق
فإن يكن فيك للآذان مستمع ... يصبى ومرأى تسامى نحوه الحدق
فأي عيشك إلا وهو منتقل ... وأي شملك إلا وهو مفترق
من سره أن يرى الدنيا معطلة ... بعين من لم يخنه الخدع والملق
فليأت داراً جفاها الأنس موحشة ... مأهولة حشوها الأشلاء والخرق
قل للقبور إذا ما جئت زائرها ... وهل يزار تراب البلقع الخلق؟
ماذا تضمنت يا ذا اللحد من ملكٍ ... لم يحمه منك عقيان ولا ورق
بل أيها النازح المرموس يصحبه ... وجد ويصحبه الترجيع والحرق
يهدى لدار البلى عن غير مقليةٍ ... قد خط في عرصةٍ منها له نفق
وبات فرداً وبطن الأرض مضجعه ... ومن ثراها له ثوب ومرتفق
نائي المحل بعيد الأنس أسلمه ... بر الشفيق فحبل الوصل منخرق
قد أعقب الوصل منك اليأس فانقطعت ... منك القرائن والأسباب والعلق
يا شخص من لو تكون الأرض فديته ... ما ضاق مني بها ذرع ولا خلق
بينا أرجيك تأميلاً وأشفق أن ... يغبر منك جبين واضح يقق
أصبحت يحثى عليك الترب في جدثٍ ... حتى عليك بما يحثى به طبق
إن فجعتني بك الأيام مسرعةً ... فقل مني عليك الحزن والأرق
فأيما حدثٍ تخشى غوائله ... من بعد هلكك يعنيني به الشفق
قال أبو الفرج: وأخبرنا أحمد بن سعيد، عن محمد بن منصور، قال: سمعت القاسم بن إبراهيم يقول: أعرف رجلاً دعا الله في ليلة وهو في بيت فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به صاحب سليمان فجاءه السرير فتهدل البيت عليه رطباً.
قال: وسمعت القاسم يقول: أعرف رجلاً دعا الله فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي من دعاك به أجبته، وهو في ظلمة، فامتلأ البيت نوراً.
قال محمد: عنى به نفسه.
وقد كان القاسم بن إبراهيم أراد الخروج واجتمع له أمره فسمع في عسكره صوت طنبور فقال: لا يصلح هؤلاء القوم أبداً، وهرب وتركهم.
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني:

(1/144)


وفيما كتب إلي علي بن أحمد العجلي، قال: أخبرنا يحيى بن عبد الرحمن، قال: قال الهيثم بن عبد الله الخثعمي يرثي أبا السرايا، وذكرها ابن عمار ووصف أنه لا يعرف قائلها:
وسل عن الظاعنين ما فعلوا ... وأين بعد ارتحالهم نزلوا
يا ليت شعري والليت عصمة من ... يأمل ما حال دونه الأجل
أين استقرت نوى الأحبة أم ... هل يرتجى للأحبة القفل
ركب ألحت يد الزمان على ... إزعاجهم في البلاد فانتقلوا
بني البشير النذير الظاهر ال ... ذي أقرت بفضله الرسل
خانهم الدهر بعد عزهم ... والدهر بالناس خائن ختل
بانوا فظلت عيون شيعتهم ... عليهم لا تزال تنهمل
واستبدلوا بعدهم عدوهم ... بئس لعمري بالمبدل البدل
يا عسكراً ما أقل ناصره ... لم تشفه من عده الدول
فبكهم بالدماء إن نفذ الدم ... ع فقد خان فيهم الأمل
لا تبك من بعدهم على أحدٍ ... فكل خطب سواهم جلل
أخوهم يفتدي صفوفهم ... زحفاً إليهم وما بها خلل
في فيلق يملأ الفضاء به ... كأنما فيه عارض وبل
رماهم الشيخ من كنانته ... والشيخ لا عاجز ولا وكل
بالخيل تردى وهن ساهمة ... تحت رجال كأنها الإبل
والسابقات الجياد فوقهم ... والبيض والبيض والقنا الذبل
والرجل يمشون في أظلتها ... كما تمشي المصاعب البزل
واليزنيات في أكفهم ... كأنما في رؤوسهما الشعل
حتى إذا ما التقوا على قدر ... والقوم في هوة لهم زجل
شدوا على عترة الرسول ولم ... تثنيهم رهبة ولا وهل
فما رعوا حقه وحرمته ... ولا استرابوا في نفس من قتلوا
والله أملى لهم وأمهلهم ... والله في أمره له مهل
بل أيها الراكب المخبر أو النا ... عي ابن لي لأمك الهبل
ما فعل الفارس المحامي إذا ما ال ... حرب فرت أنيابها العصل
أأنت أبصرته على شرف ... لله عيناك أيها الرجل
من فوق جذع أناف شائلةٍ ... ترمي إليها بلحظها المقل
ولو تراه عليه شكته ... والموت دان والحرب تشتعل
في موطن والحتوف مشرعة ... فيها قسي المنون تنتضل
والقوم منهم مضرج بدم ... وموثق أسره ومنجدل
وفائظ نفسه وذو رمق ... يطمع فيه الضباع والحجل
في صدره كالوجار في يده ... يغيب فيها السنان والفتل
يميل منها والموت يحفزه ... كما يميل المرنح الثمل
في كفه غضبةٌ مضاربها ... وذابل كالرشاء معتدل
لخلت أن القضاء من يده ... وللمنايا من كفه رسل
يا رب يوم حمى فوارسه ... وهو لا مرهق ولا عجل
كأنه آمن منيته ... في الروع لما تشاجر الأسل
في موطن لا يقال عاثره ... يغص فيه بريقه البطل
أبا السرايا نفسي مفجعة ... عليك والعين دمعها خضل
من كان يغضي عليك مصطبراً ... فإن صبري عليك مختزل
هلا وقاك الردى الجبان إذا ... ضاقت عليه بنفسه الحيل
أم كيف لم تخشك المنون ولم ... يرهبك إذ حان يومك الأجل

(1/145)


فاذهب حميداً فكل ذي أجل ... يموت ناج منهم ومحتبل
من تعتلقه تفت به أبداً ... ومن نجا يومه فلا بئل
هذا آخر خبر أبي السرايا رحمه الله.
عبد الله بن جعفر بن إبراهيم
وعبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه آمنة بنت عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين.
وكان خرج أيام المأمون إلى فارس، فقتله قوم من الخوارج في طريقه.
علي بن موسى بن جعفر
والرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ويكنى أبا الحسن وقيل: يكنى أبا بكر.
وأمه أم ولد.
قال أبو الفرج: حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: سألني المأمون يوماً عن مسألة فقلت: قال فيها أبو بكر كذا وكذا.
فقال: من هو أبو بكر؟ أبو بكرنا أو أبو بكر العامة.
قلت: أبو بكرنا.
قال عيسى: قلت لأبي الصلت: من أبو بكركم؟ فقال: علي بن موسى الرضا، كان يكنى بها، وأمه أم ولد.
كان المأمون عقد له على العهد من بعده، ثم دس إليه فيما ذكر بعد ذلك سماً فمات منه.
ذكر الخبر في ذلك أخبرني ببعضه علي بن الحسين بن علي بن حمزة، عن عمه محمد بن علي بن حمزة العلوي. وأخبرني بأشياء منه أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، وجمعت أخبارهم: أن المأمون وجه إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة، وفيهم علي بن موسى الرضا، فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاءوه بهم، وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي من أهل خراسان، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم داراً، وأنزل علي بن موسى الرضا داراً.
ووجه إلى الفضل بن سهل فأعلمه أنه يريد العقد له، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك، ففعل واجتمعا بحضرته، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه، ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه.
فقال له: إني عاهدت الله أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل.
فاجتمعا معه على ما أراد، فأرسلهما إلى علي بن موسى فعرضا ذلك عليه فأبى، فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه، إلى أن قال له أحدهما: إن فعلت وإلا فعلنا بك وصنعنا، وتهدده، ثم قال له أحدهما: والله أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد.
ثم دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع، فقال له قولاً شبيهاً بالتهدد، ثم قال له: إن عمر جعل الشورى في ستة أحدهم جدك، وقال: من خالف فاضربوا عنقه، ولا بد من قبول ذلك.
فأجابه علي بن موسى إلى ما التمس.
ثم جلس المأمون في يوم الخميس، وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى، وأنه ولاه عهده، وسماه الرضا. وأمرهم بلبس الخضرة، والعود لبيعته في الخميس الآخر على أن يأخذوا رزق سنة.
فلما كان ذلك اليوم ركب الناس من القواد والقضاة وغيرهم من الناس في الخضرة، وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين حتى لحق لمجلسه وفرشه. وأجلس الرضا فبايع له أول الناس، فرفع الرضا يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم.
فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة. فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يبايع، فبايعه الناس، ووضعت البدر، وقامت الخطباء والشعراء، فجعلوا يذكرون فضل علي بن موسى وما كان من المأمون في أمره.
ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون، فوثب، فدنا من أبيه فقبل يده وأمره بالجلوس.
ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد، فقال له الفضل بن سهل: قم. فقام، فمشى حتى قرب من المأمون ولم يقبل يده، ثم مضى فأخذ جائزته وناداه المأمون: ارجع يا أبا جعفر إلى مجلسك، فرجع.
ثم جعل أبو عباد يدعو بعلوي وعباسي فيقبضان جوائزهما حتى نفذت الأموال.
ثم قال المأمون للرضا: قم فاخطب الناس وتكلم فيهم.
فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن لنا عليكم حقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكم علينا حق به، فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحق لكم.
ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس.
وأمر المأمون فضربت له الدراهم وطبع عليها اسمه.

(1/146)


وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر بن محمد، وأمره أن يحج بالناس، وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد.
فحدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثني من سمع عبد الجبار بن سعيد يخطب تلك السنة على منبر رسول الله بالمدينة فقال في الدعاء له: اللهم وأصلح ولي عهد المسلمين، علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عليهم السلام:
ستة آباءٍ هم ما هم ... هم خير من يشرب صوب الغمام
حدثني الحسن بن الطبيب البلخي، قال: حدثني محمد بن أبي عمر العدني، قال: سمعت عبد الجبار يخطب، فذكر مثله.
رجع الحديث إلى نظام خبر علي بن موسى.
قال: وزوج المأمون ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى على حلكة لونه وسواده، ونقلها إليه فلم تزل عنده.
واعتل الرضا علته التي مات فيها، وكان قبل ذلك يذكر ابني سهل عند المأمون فيزري عليهما، وينهى المأمون عنهما، ويذكر له مساوئهما.
ورآه يوماً يتوضأ والغلام يصب على يده الماء فقال: يا أمير المؤمنين، لا تشرك بعبادة ربك أحداً.
فجعل المأمون يدخل إليه، فلما ثقل تعالل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده جميعاً طعاماً ضاراً فمرضا، ولم يزل الرضا عليلاً حتى مات.
واختلف في أمر وفاته، وكيف كان سبب السم الذي سقيه.
فذكر محمد بن علي بن حمزة أن منصور بن بشير ذكر عن أخيه عبد الله بن بشير: أن المأمون أمره أن يطول أظفاره ففعل، ثم أخرج إليه شيئاً يشبه التمر الهندي، وقال له: افركه واعجنه بيديك جميعاً، ففعل.
ثم دخل على الرضا فقال له: ما خبرك؟ قال: أرجو أن أكون صالحاً.
فقال له: هل جاءك أحد من المترفقين اليوم؟.
قال: لا، فغضب وصاح على غلمانه، وقال له: فخذ ماء الرمان اليوم فإنه ما لا يستغنى عنه. ثم دعا فأعطاه عبد الله بن بشير وقال له: اعصر ماءه بيدك، ففعل وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه، فكان ذلك سبب وفاته، ولم يلبث إلا يومين حتى مات.
قال محمد بن علي بن حمزة، ويحيى: فبلغني عن أبي الصلت الهروي: أنه دخل على الرضا بعد ذلك فقال له: يا أبا الصلت قد فعلوها: " أي قد سقوني السم " . وجعل يوحد الله ويمجده.
قال محمد بن علي: وسمعت محمد بن الجهم يقول: إن الرضا كان يعجبه العنب، فأخذ له عنب وجعل في موضع أقماعه الإبر، فتركت أياماً فأكل منه في علته فقتله، وذكر أن ذلك من لطيف السموم.
ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته، وتركه يوماً وليلة، ثم وجه إلى محمد بن جعفر بن محمد، وجماعة من آل أبي طالب. فلما أحضرهم وأراهم إياه صحيح الجسد لا أثر به، ثم بكى وقال: عز علي يا أخي أن أراك في هذه الحالة، وقد كنت أؤمل أن أقدم قبلك، فأبى الله إلا ما أراد. وأظهر جزعاً شديداً وحزناً كثيراً.
وخرج مع جنازته يحملها حتى أتى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن، فدفنه هناك إلى جانب هارون الرشيد.
وقال أشجع بن عمرو السلمي يرثيه، هكذا أنشدنيها علي بن الحسين بن علي بن حمزة، عن عمه، وذكر أنها لما شاعت غير أشجع ألفاظها فجعلها في الرشيد:
يا صاحب العيسى يحدي في أزمتها ... اسمع وأسمع غداً يا صاحب العيس
اقرأ السلام على قبر بطوس ولا ... تقرأ السلام ولا النعمى على طوس
فقد أصاب قلوب المسلمين بها ... روع وأفرخ فيها روع ابليس
وأخلست واحد الدنيا وسيدها ... فأي مختلس منا ومخلوس
ولو بدا الموت حتى يستدير به ... لاقى وجوه رجال دونه شوس
بؤساً لطوس فما كانت منازله ... مما تخوفه الأيام بالبوس
معرس حيث لا تعريس ملتبس ... يا طول ذلك من نأى وتعريس
إن المنايا أنالته مخالبها ... ودونه عسكر جم الكراديس
أوفى عليه الردى في خيس أشبله ... والموت يلقى أبا الأشبال في الخيس
ما زال مقتبساً من نور والده ... إلى النبي ضياء غير مقبوس
في منبت نهضت فيه فروعهم ... بباسق في بطاح الملك مغروس
والفرع لا يرتقي إلا على ثقة ... من القواعد والدنيا بتأسيس

(1/147)


لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا ... لطم الخدود ولا جدع المعاطيس
من يوم طوس الذي نادت بروعته ... لنا النعاة وأفواه القراطيس
حقاً بأن الرضا أودى الزمان به ... ما يطلب الموت إلا كل منفوس
ذا اللحظتين وذا اليومين مفترش ... رمساً كآخر في يومين مرموس
بمطلع الشمس وافته منيته ... ما كان يوم الردى عنه بمحبوس
يا نازلاً جدثاً في غير منزله ... ويا فريسة يوم غير مفروس
لبست ثوب البلى أعزز علي به ... لبساً جديداً وثوباً غير ملبوس
صلى عليك الذي قد كنت تعبده ... تحت الهواجر في تلك الأماليس
لولا مناقضة الدنيا محاسنها ... لما تقايسها أهل المقاييس
أحللك الله داراً غير زائلة ... في منزل برسول الله مأنوس
قال أبو الفرج: هذه القصيدة ذكر محمد بن علي بن حمزة أنها في علي بن موسى الرضا.
قال أبو الفرج: وأنشدني علي بن سليمان الأخفش لدعبل بن علي الخزاعي يذكر الرضا والسم الذي سقيه، ويرثي ابناً له، وينعى على الخلفاء من بني العباس:
على الكره ما فارقت أحمد وانطوى ... عليه بناء جندل ورزين
وأسكنته بيتاً خسيساً متاعه ... وإني على رغمي به لضنين
ولولا التأسي بالنبي وأهله ... لأسبل من عيني عليه شؤون
هو النفس إلا أن آل محمد ... لهم دون نفسي في الفؤاد كمين
أضر بهم إرث النبي فأصبحوا ... يساهم فيه ميتة ومنون
دعتهم ذئاب من أمية وانتحت ... عليهم دراكاً أزمة وسنون
وعاثت بنو العباس في الدين عيثة ... تحكم فيه ظالم وظنين
وسموا رشيداً ليس فيهم لرشده ... وها ذاك مأمون وذاك أمين
فما قبلت بالرشيد منهم رعاية ... ولا لولي بالأمانة دين
رشيدهم غاو وطفلاه بعده ... لهذا رزايا دون ذاك مجون
ألا أيها القبر الغريب محله ... بطوس عليك الساريات هتون
شككت فما أدري أمسقى بشربة ... فأبكيك أم ريب الردى فيهون؟
وأيهما ما قلت إن قلت شربة ... وإن قلت موت إنه لقمين
أيا عجباً منهم يسمونك الرضا ... ويلقاك منهم كلحة وغضون
أتعجب للأجلاف أن يتخيفوا ... معالم دين الله وهو مبين
لقد سبقت فيهم بفضلك آية ... لدي ولكن ما هناك يقين
هذا آخر خبر علي بن موسى الرضا.
أخبرنا أبو الفرج قال: حدثنا الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: دخل المأمون إلى الرضا يعوده فوجده يجود بنفسه فبكى وقال: أعزز علي يا أخي بأن أعيش ليومك، وقد كان في بقائك أمل، وأغلظ علي من ذلك وأشد أن الناس يقولون: إني سقيتك سماً، وأنا إلى الله من ذلك بريء.
فقال له الرضا: صدقت يا أمير المؤمنين، أنت والله بريء.
ثم خرج المأمون من عنده، ومات الرضا، فحضره المأمون قبل أن يحفر قبره وأمر أن يحفر إلى جانب أبيه، ثم أقبل علينا فقال: حدثني صاحب هذا النعش أنه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء وسمك، احفروا فلما انتهوا إلى اللحد نبع ماء وظهر فيه سمك، ثم غاض الماء، فدفن فيه الرضا عليه السلام.
محمد بن عبد الله بن الحسن
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ويكنى أبا جعفر. وهو ابن الأفطس الذي ذكرنا خبر قتل أبيه في أيام الرشيد.
وأمه زينب بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين.
أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن حمزة العلوي، قال: أخبرني عمي محمد بن علي قال: أخبرني إبراهيم بن أبي محمد البريدي، قال:

(1/148)


كنا عند المعتصم وهو ولي عهد في أيام المأمون، فأخذ عمود حديد ثقيل فشاله ثم قصر به ثماني قصرات، ثم طرحه من يده إلى العباس بن علي بن ريطة فقصر به، سبعاً، ثم طرحه وفيه فضل، فالتفت المعتصم إلى محمد بن عبد الله بن الأفطس فقال له: أما أنتم يا أبا جعفر فليس عندكم من هذا شيء.
فقال له: إلي تقول هذا؟ هاته، فطرحه إليه، فقال هاها وهو يجيله ويقلبه حتى قصر به ست عشرة مرة، ووجه المعتصم يتغير صفرة وحمرة.
وكان قد كلم المأمون في أمره فقلد البصرة، فلما طرحه من يده قال له: ودعني وأخرج إلى عملك، ففعل، فلما خرج من عنده أتبعه بشربة مسمومة وقال له: أحب أن تشرب هذا الشراب فإني ذكرتك وأحببت أن تشربه وقت وصوله، فشربه فمات من وقته.
ذكر أيام المعتصم ومن ظهر فيها
محمد بن القاسم بن علي
ومحمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه صفية بنت موسى بن عمر بن علي بن الحسين.
ويكنى أبا جعفر.
وكانت العامة تلقبه الصوفي؛ لأنه كان يدمن لبس الثياب من الصوف الأبيض.
وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب.
وكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد، ويرى رأي الزيدية الجارودية. خرج في أيام المعتصم بالطالقان، فأخذه عبد الله بن طاهر، ووجه به إلى المعتصم، بعد وقائع كانت بينه وبينه.
أخبرني بخبره أحمد بن عبيد الله بن عمار، عن محمد بن الأزهر، ونسخت شيئاً من أخباره من كتاب أحمد بن الحارث الخراز، وحدثني بخبره مشروحاً جعفر بن أحمد بن أبي مندل الوراق الكوفي، قال: حدثني عبيد الله بن حمدون؛ قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله العطار، وكان مع أبي جعفر محمد بن القاسم بالطالقان. وفي أحوال تنقله بخراسان، قال: نزل بمرو، وكنا معه من الكوفيين بضعة عشر رجلاً، وكان قبل ذلك قد خرج إلى ناحية الرقة وإلى ناحية الزور، ومعه جماعة من وجوه الزيدية، منهم: يحيى بن الحسن بن الفرات الفراز، وعباد بن يعقوب الرواجني، فسمعوه يتكلم مع أحدهم بشيء من مذهب المعتزلة فتفرق الكوفيون جميعاً عنه، وبقينا معه بضعة عشر رجلاً، فتفرقنا في الناس ندعوهم إليه، فلم نلبث إلا يسيراً حتى استجاب له أربعون ألفاً، وأخذناعليهم البيعة، وكنا أنزلناه في رستاق من رساتيق مرو، وأهله شيعة كلهم، فأحلوه في قلعة لا يبلغها الطير، في جبل حريز فلما اجتمع أمره وعدهم لليلة بعينها، فاجتمعوا إليه ونزل من القلعة إليهم، فبينا نحن عنده إذ سمع بكاء رجل واستغاثته، فقال لي: يا إبراهيم قم فانظر ما هذا البكاء. فأتيت الموضع فوقفت فيه فاستقربت البكاء حتى انتهيت إلى رجل حائك، قد أخذ منه رجل من أصحابنا ممن بايعنا لبداً، وهو متعلق به، فقلت: ما هذا وما شأنك؟.
فقال: أخذ صاحبكم هذا لبدي.
فقلت: اردد عليه لبده فقد سمع أبو جعفر بكاءه.
فقال لي الرجل: إنما خرجنا معكم لنكتسب وننتفع ونأخذ ما نحتاج إليه، فلم أزل أرفق به حتى أخذت منه اللبد ورددته على صاحبه، ورجعت إلى محمد بن القاسم فأخبرته بخبره وأني قد انتزعت منه اللبد ورددته على صاحبه، فقال: يا إبراهيم، أبمثل هذا يصر دين الله؟ ثم قال لنا: فرقوا الناس عني حتى أرى رأي.
فخرجنا إلى الناس فقلنا لهم: إن صورة الأمر قد أوجبت أن تتفرقوا في هذا الوقت، فتفرقوا.
ورحل محمد بن القاسم من وقته إلى الطالقان، وبينها وبين مرو أربعون فرسخاً، فنزلها، وتفرقنا ندعو الناس فاجتمع عليه عالم، وجئنا إليه فقلنا له: إن أتممت على أمرك، وخرجت فنابذت القوم رجونا أن ينصرك الله، فإذا ظفرت اخترت حينئذٍ من ترضاه من جندك، وإن فعلت كما فعلت بمرو، أخذ عبد الله بن طاهر بعقبك، فأصلح من إسلامك إيانا ونفسك إليه، أن تجلس في بيتك ويسعك ما يسع سائر أهل بيتك. فأتم عزمه وخرج في الناس.

(1/149)


وبلغ خبره عبد الله بن طاهر فوجه إليه رجلاً يقال له: الحسين بن نوح، وكان صاحب شرطته، فلقيناه فهزمناه هزيمة قبيحة، ولما اتصل خبره بعبد الله قامت قيامته فجرد قائداً من أصحابه يقال له نوح بن حبان بن جبلة، أو قال حبان بن نوح بن جبلة، فلقيناه فهزمناه أقبح من هزيمتنا للحسين بن نوح، وانحاز إلى بعض النواحي ولم يرجع إلى عبد الله بن طاهر، وكتب إليه يعتذر ويحلف أنه لا يرجع إلا أن يظفر أو يقتل. فأمده عبد الله بن طاهر بجيش آخر ضخم، فسار إليه ممهلاً ونازله، وكمن لنا كمناء في عدة مواضع، فلما التقينا قاتلنا ساعة ثم انهزم متطارداً لنا فاتبعه أصحابنا، فلما تفرقنا في طلبه خرجت الكمناء على أصحابنا من كل وجه فانهزمنا، وأفلت محمد بن القاسم وصار إلى نسا مستتراً، وثبتنا في النواحي ندعو إليه.
وقال أبو الأزهر في خبره: حدثني علي بن محمد الأزدي، قال: حدثني إبراهيم بن غسان بن الفرج العودي، صاحب عبد الله بن طاهر، قال: دعاني الأمير عبد الله بن طاهر يوماً فدخلت عليه فوجدته قاعداً وإلى جانبه كرسي عليه كتاب مختوم غير معنون، ويده في لحيته يخللها، وكان ذلك من فعله دليلاً على غضبه، فتعوذت بالله من شره، ودنوت إليه فقال لي: يا إبراهيم، احذر أن تخالف أمري فتسلطني على نفسك فلا أبقي لك باقية.
قلت: أعوذ بالله أن أحتاج في طاعتك إلى هذا الوعيد، وأن أتعرض لسخطك.
قال: قد جردت لك ألف فارس من نخبة عسكري، وأمرت أن يحمل معك مائة ألف درهم تصرفها فيما تحتاج إلى صرفها فيه من أمورك، فاضرب الساعة بالطبل والبوق فإنهم يتبعونك، فاخرج واركض، وخذ من خاص خيلي ثلاثة أفراس تجنب معك تنتقل عليها، وخذ بين يديك دليلاً قد رسمته لصحبتك، فادفع إليه من المال ألف درهم، واحمله على فرس من الثلاثة فليركض بين يديك، فإذا صرت على فرسخ واحد من نسا، فافضض الكتاب واقرأه، واعمل بما فيه، ولا تغادر منه حرفاً، ولا تخالف مما رسمته شيئاً، واعلم أن لي عيناً في جملة من صحبك يخبرني بأنفاسك، فاحذر ثم احذر، ثم احذر وأنت أعلم.
قال إبراهيم بن غسان: فخرجت وضربت بالطبل ووافاني الفرسان جميعاً بشادياج وهو موضع قصور آل طاهر، وعبد الله يشرف من شرف علينا، فعبأت أصحابي ودفعت فرسي أركضه، ويتبعوني نسير خبباً حيناً وتقريباً حيناً حتى صرنا في اليوم الثالث إلى نسا، على فرسخ منها ففضضت الكتاب فقرأته فإذا فيه: سر على بركة الله وعونه، فإذا كنت على فرسخ فعبئ أصحابك تعبئة الحرب، وادخل نسا، وأنفذ قائداً من قوادك في ثلثمائة يأخذ على أصحاب البريد داره فيحدق بها هو وأصحابه، وأنفذ قائداً في خمسمائة فارس إلى باب عاملها، تحرزاً من وقوع حيلة ببيعة وقعت في أعناقهم لمحمد بن القاسم، وسر في باقي أصحابك إلى محلة كذا وكذا، ودرب كذا وكذا، دار فلان بن فلان، وادخل الدار الأولى، ثم أنفذ فيها إلى دار ثانية، فإذا دخلتها فانفذ منها إلى دار ثالثة، فإذا دخلتها فارق على درجة فيها على يمينك، فإنك تصير إلى غرفة فيها محمد بن القاسم العلوي الصوفي، ومعه رجل من أصحابه يقال له: أبو تراب، فاستوثق منهما بالحديد استيثاقاً شديداً، وأنفذ إلي خاتمك مع خاتم محمد بن القاسم، لأعلم ظفرك به قبل كتابك، وأنفذ الخاتمين مع الرسول، ومره فليركض بهما ركضاً حتى يصير إلي في اليوم الثالث إن شاء الله، ثم اكتب إلي بعد ذلك بشرح خبرك، وكن على غاية التحرز والتحفظ والتيقظ في أمره حتى تصير به وصاحبه إلى حضرتي.
قال إبراهيم: فما رأيت خبراً كان كأنه وحي مثله، فصرت إلى الموضع فامتثلت أمره، فوجدت محمداً على رأس الدرجة، متلثماً بعمامة وقد شد له على بغل أسفل الدرجة، وهو يريد الرحيل إلى خوارزم، فقبضت عليه، فقال: ما شأنك ومن تريد؟.
قلت: محمد بن القاسم.
قال: فأنا محمد بن القاسم.

(1/150)


قلت هات خاتمك، فأعطاني خاتمه، فأنفذته مع خاتمي إلى عبد الله بن طاهر مع رجل دفعت إليه فرساً من تلك الخيل يركبه، وجنيبة يجنبها مخافة أن يعثر فرسه، وأمرت بعض أصحابي بدخول الغرفة، فقال لي: ما تريد من دخول الغرفة وقد أخذتني وليس هناك أحد؟ فلم ألتفت إليه، وأمرت أصحابي فدخلوا الغرفة ففتشوها فوجدوا أبا تراب تحت نقير، والنقير شبيه بالحوض من خشب يعجن فيه الدقيق ويعصر فيه العنب، فأخذتهما واستوثقت منهما بالقيود الثقيلة، وكتبت إلى عبد الله بن طاهر بخبرهما، وسرت إلى نيسابور ستة أيام، فصيرت محمد بن القاسم في بيت في داري، ووكلت به من أثق به من أصحابي، ووكلت بأبي تراب عبد الشعراني، فوضع محمد كساءه وقام يصلي، وعبد الله يشرف من غرفة في الشادياج علينا، فلما فرغت من الاحتياط صرت إلى عبد الله بن طاهر فأخبرته الخبر وقصصته عليه شفاهاً، فقال لي: لا بد من أن أنظر إليه، فصار إلي مع المغرب وعليه قميص وسراويل ونعل وزداء، وهو متنكر، فلما نظر إلى محمد بن القاسم وثقل الحديد عليه قال لي: ويلك يا إبراهيم، أما خفت الله في فعلك؟ أتقيد هذا الرجل الصالح بمثل هذا القيد الثقيل؟ فقلت أيها الأمير خوفك أنساني خوف الله، ووعدك الذي قدمته إلي أذهل عقلي عما سواه.
فقال لي: خفف هذا الحديد كله عنه، وقيده بقيد خفيف في حلقته رطل بالنيسابوري - ووزن الرطل النيسابوري مائتا درهم - وليكن عموده طويلاً وحلقتاه واسعتين ليخطو فيه، ومضى وتركه.
فأقام بنيسابور ثلاثة أشهر يريد بذلك أن يعمي خبره على الناس كيلا يغلب عليه لكثرة من بايعه بكور خراسان.
وكان عبد الله بخرج من إصطبله بغالاً عليها القباب ليوهم الناس أنه قد أخرجه، ثم يردها حتى استتر بنيسابور سله في جوف الليل وخرج به مع إبراهيم بن غسان الذي أسره من نسا ووافى به الري، وقد أمره عبد الله بن طاهر أن يفعل به كما فعل هو، يخرج في كل ثلاث ليال ومعه بغل عليه قبة ومعه جيش حتى يجوز الري بفراسخ، ثم يعود، إلى أن يمكنه سله في ليلة مظلمة، ففعل ذلك خوفاً من أن يغلب عليه لكثرة من أجابه، حتى أخرجه من الري، ولم يعلم به أحد، ثم اتبعه حتى أورده بغداد على المعتصم.
قال إبراهيم بن غسان: فعرضوا على محمد بن القاسم كل شيء نفيس من مال وجوهر وغير ذلك، فلم يقبل إلا مصحفاً جامعاً كان لعبد الله بن طاهر، فلما قبله سر عبد الله بذلك وإنما قبله لأنه كان يدرس فيه.
قال: وما رأيت قط أشد اجتهاداً منه، ولا أعف ولا أكثر ذكر الله عز وجل مع شدة نفس، واجتماع قلب، ما ظهر منه جزع ولا انكسار، ولا خضوع في الشدائد التي مرت به، وأنهم ما رأوه قط مازحاً ولا هازلاً ولا ضاحكاً إلا مرة واحدة، فإنهم لما انحدروا من عقبة حلوان أراد الركوب، فجاء بعض أصحاب إبراهيم بن غسان فطأطأ له ظهره، حتى ركب في المحمل على البغل، فلما استوى على المحمل قال للذي حمله على ظهره مازحاً: أتأخذ أرزاق بني العباس وتخدم بني علي بن أبي طالب! وتبسم، وكان يقال للرجل محمد الشعراني، وكان من شيعة ولد العباس الخراسانية.
فقال له: جعلت فداك، ولد علي وولد العباس عندي سواء، فما سمعناه مزح ولا رأيناه تبسم قبل ذلك ولا بعده، ولا رأيناه اغتم من شيء جرى عليه إلا يوم ورد عليه كتاب المعتصم وقد وردنا النهروان، فكتبنا إليه بالخبر واستأذناه في الدخول به، فورد علينا كتابه يأمرنا أن نأخذ جلال القبة ونسير به مكشوفاً، وإذا وردنا النهرين أن نأخذ عمامته وندخله بغداد حاسراً وذلك قبل أن يبني سر من رأى، فلما أردنا الرحيل به من النهروان نزعنا جلال القبة، فسأل عن السبب في ذلك فأخبرناه، فاغتم بذلك. ولما صرنا بالنهرين قلنا له يا أبا جعفر: انزع عمامتك فإن أمير المؤمنين أمر أن تدخل حاسراً، فرمى بها إلي ودخل الشماسية في يوم النيروز، وذلك في سنة تسع عشرة ومائتين، وهو في القبة وهي مكشوفة وهو حاسر، وعديله شيخ من أصحاب عبد الله بن طاهر، وأصحاب السماجة بين يديه يلعبون، والفراغنة يرقصون، فلما رآهم محمد بكى ثم قال: اللهم إنك تعلم إني لم أزل حريصاً على تغيير هذا وإنكاره.

(1/151)


قال: وجعلت الفراغنة يحملون على العامة ويرمونهم بالقذر والميتة، والمعتصم يضحك، ومحمد بن القاسم يسبح ويستغفر الله ويحرك شفتيه يدعو عليهم، والمعتصم جالس في جوسق كان له بالشماسية ينظر إليهم، ومحمد واقف.
ولما فرغ من لعبه مروا بمحمد بن القاسم عليه، فأمر بدفعه إلى مسرور الكبير، فدفع إليه، فحبس في سرداب شبيه بالبئر فكاد أن يموت فيه، وانتهى ذلك إلى المعتصم فأمر بإخراجه منه، فأخرجه وحبس في قبة في بستان موسى مع المعتصم في داره، ووكل به مسرور عدة من غلمانه وثقاته، وكانت في القبة التي هو فيها محبوس عدة روازن وكوى وساعة الضوء، فطلب مقراضاً يكون عنده يقص به أظفاره، فدفع إليه، فعمد إلى لبد كان تحته فقطع نصفه بالمقراض وقصصه كهيئة السيور، وعمل منه مثل السلم، وطلب منهم سعفة ذكر أنه يريد أن يطرد بها الفأر؛ فإنه يأكل خبزه فينجسه عليه، فأعطوه فقطعها، وخرز حواليها بالمقراض حتى كسرها ثلاث قطع، وقرنها بمسواكه وجعلها في رأس السلم، وحلق به في أقرب روزنة من تلك الروازن إليه فعلق فيها، وتسلق عليه، وجذبه إليه لما صعد فنجا، وكانت ليلة الفطر من سنة تسع عشرة ومائتين، وقد أدخلت الفواكه والرياحين وآلة العيد على رؤوس الحمالين إلى البستان، وصار الحمالون جميعاً إلى القبة التي فيها محمد بن القاسم، فباتوا حولها، ورموا بناتيجهم وناموا، فرمى بنفسه من القبة إلى أسفل، ونام بين الحمالين، وتحركت خرزة من فقار ظهره ولم تنفك، فنام بين الحمالين ثم عجل فأخذ بنتيجة أحدهم وذهب ليخرج فقال أحد البوابين: من أنت؟ فقال: أحد الحمالين أردت الانصراف إلى أهلي فقال له: نم عندي مكانك لا يأخذك العسس، فنام عنده. فلما طلع الفجر خرج الحمالون، وخرج معهم وأفلت، فلما أصبحوا فتحوا الباب فلم يجدوه، فأعلموا مسروراً بخبره، فدخل على المعتصم، حافياً مستسلماً للقتل وأعلمه الخبر، فقال له المعتصم: لا بأس عليك، إن كان ذهب فلن يفوت، إن ظهر أخذناه، وإن آثر السلامة واستتر تركناه.
فقال مسرور بعد ذلك: هذا من تفضل أمير المؤمنين علي، ولو جرى هذا في أيام الرشيد لقتلني.
فقيل: إنه رجع إلى الطالقان فمات بها.
وقيل: إنه انحدر إلى واسط، وذلك الصحيح.
قال محمد بن الأزهر في خبره: فرأيت محمد بن القاسم يوم أدخل إلى بغداد، كان ربعة من الرجال أسمر، في وجهه أثر جدري، قد أثر السجود في وجهه.
قال: وحدثني علي بن محمد الأزدي، والحسين بن موسى بن منير: أن محمد بن القاسم لما هرب صار إلى قطيعة الربيع إلى منزل منير بن موسى بن منير، فنقله إلى منزل إبراهيم بن قيس، فاجتمعا إليه وقالا له: إن الطلب لك سيشتد، وليست بغداد لك بمنزل فارحل من وقتك قبل أن يشتد عليك الطلب إلى واسط فانحدر إلى واسط، وقد شد وسطه للوهن الذي أصاب فقار ظهره، فلما صار بواسط مات رحمة الله عليه.
قال علي بن محمد الأزدي: فحدثني ابنه علي بن محمد بن القاسم الصوفي: أنه لما صار إلى واسط عبر بها دجلة إلى الجانب الغربي، فنزل إلى أم ابن عمه، علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، وكانت عجوزاً مقعدة، فلما نظرت إليه وثبت فرحاً به وقالت: محمد والله، فدتك نفسي وأهلي، الحمد لله على سلامتك، فقامت على رجلها، وما قامت قبل ذلك بسنين، فأقام عندها مديدة، ومرضته من الوهن الذي أصاب ظهره حتى مات بواسط.
وذكر أحمد بن الحرث الخراز: أن محمد بن القاسم لما هرب عبر من الجانب الغربي، فلما حصل في دجلة نظر فإذا معه في المعبر شيخ من الرجالة الموكلين به، كان محمد يراه من خلف الباب فعرفه محمد ولم يعرفه الشيخ، فلما أراد الخروج قال له الملاح: أعطني أجري، فحلف له ما معي شيء، ولا يملك غير الجبة الصوف التي عليه، فرق له الشيخ الموكل فأعطى الملاح أجرته من عنده.
قال أحمد: وتوارى محمد بن القاسم أيام المعتصم، وأيام الواثق، ثم أخذ في أيام المتوكل، فحمل إليه فحبس حتى مات في محبسه.
قال: ويقال إنه دس إليه سماً فمات منه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني عبيد بن حمدون، قال: سمعت عباد بن يعقوب، يقول:

(1/152)


كنت أنا ويحيى بن الحسن بن الفرات الفراز، مع محمد بن القاسم في زورق نريد الرقة، ومعنا جماعة من أهل هذه الطبقة، فظهرنا من مذهبه إلى أنه يقول بالاعتزال، فخرجنا وتركناه، فجعل يبكي ويسألنا الرجوع، فلم نفعل.
عبد الله بن الحسين بن عبد الله
وعبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام امتنع من لبس السواد، وخرقه لما طولب بلبسه، فحبس بسر من رأى حتى مات في حبسه، رضوان الله عليه.
أيام الواثق
أيام الواثق بن المعتصم
قال أبو الفرج علي بن الحسين: لا نعلم أحداً قتل في أيامه، إلا أن علي بن محمد بن حمزة ذكر أن عمرو بن منيع، قتل علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين، ولم يذكر السبب في ذلك، فحكيناه عنه على ما ذكر، فقتل في الواقعة التي كانت بين محمد بن ميكال ومحمد بن جعفر هذا بالري.
وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه تدور الأرزاق عليهم حتى تفرقوا في أيام المتوكل.
أيام المتوكل ومن ظهر فيها فقتل أو حبس
ذكر أيام المتوكل جعفر بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد، ومن ظهر فيها فقتل أو حبس من آل أبي طالب عليهم السلام وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم مهتماً بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسيء الرأي فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين وعفى آثاره؛ ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة.
فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء، وقد شاهد ذلك، قال: كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة، وكانت قد زارت قبر الحسين، وبلغها خبره، فأسرعت الرجوع، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟ قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها، وكان ذلك في شعبان. فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت: إلى قبر الحسين، فاستطير غضباً، وأمر بمولاتها فحبست، واستصفى أملاكها، وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج، وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله، فمضى لذلك وخرب ما حوله، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره إلا أخذوه ووجهوا به إليه.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشيء من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.
فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.
واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم، وكان لا يبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشيء وإن قل إلا أنهكه عقوبة، وأثقله غرماً، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن على معازلهن عواري حواسر، إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم أحسن إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعناً عليه ونصرة لفعله.
محمد بن صالح بن عبد الله

(1/153)


فممن خرج في أيامه وأخذ فحبس أبو عبد الله محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وكان من فتيان آل أبي طالب وفتاكهم وشجعانهم وظرفائهم وشعرائهم.
كان خرج بسويقة وجمع الناس للخروج، وحج بالناس في تلك السنة أبو الساج فخافه عمه على نفسه وولده وأهله، فسلمه إليه، وهو لذلك من عمه آمن على أمان استوثق لمحمد بن صالح، فحمله إلى سر من رأى، فحبس بها مدة ثم أطلق وأقام بها سنين حتى مات رحمة الله عليه.
حدثني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني أحمد بن أبي خيثمة، قال: كان محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى خرج بسويقة واجتمع له، وحج بالناس أبو الساج فقصده، وخاف عمه موسى بن عبد الله أبا الساج على نفسه وولده وأهله، فضمن لأبي الساج تسليمه، وتوثق له بالأيمان والأمان، وجاء عمه إليه فأعلمه ذلك، وأقسم عليه ليلقين سلاحه، ففعل، وخرج إلى أبي الساج فقيده وحمله إلى سر من رأى مع جماعة من أهله، فلم يزل محبوساً بها ثلاث سنين ثم أطلق، وأقام بها إلى أن مات، وكان سبب منيته أنه جدر فمات في الجدري. قال: وهو الذي يقول في الحبس:
طرب الفؤاد وعاودت أحزانه ... وتشعبت شعباً به أشجانه
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهناً لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرا متمنع أركانه
فدنا لينظر أين لاح فلم يطق ... نظراً إليه ورده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سحت به أجفانه
ثم استعاذ من القبيح ورده ... نحو العزاء عن الصبا إيقانه
وبدا له أن الذي قد ناله ... ما كان قدره له ديانه
حتى استقر ضميره وكأنما ... هتك العلائق عاملٌ وسنانه
يا قلب لا يذهب بحلمك باخل ... بالنيل باذل تافه منانه
يعد القضاء وليس ينجز موعداً ... ويكون قبل قضائه ليانه
خدل الشوى حسن القوام مخصر ... عذب لماه طيب أردانه
واقنع بما قسم الإله فأمره ... ما لا يزال عن الفتى إتيانه
والبؤس فإن لا يدوم كما مضى ... عصر النعيم وزال عنك أوانه
فحدثني عمي الحسين بن محمد، قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر، قال: كنت مع أبي عبد الله محمد بن علي بن صالح بن علي الحسني في منزل بعض أصحابنا، فأقام عندنا حتى انتصف الليل، وأنا أظنه يبيت بمكانه، فإذا هو قد قام فتقلد سيفه وخرج، فأشفقت عليه من خروجه في ذلك الوقت، وسألته المقام والمبيت، وأعلمته خوفي عليه، فالتفت إلي مبتسماً وقال:
إذا ما اشتملت السيف والليل لم أهل ... بشيء ولم تقرع فؤادي القوارع
أخبرني عمي الحسين بن محمد، والحسين بن قاسم، قالا: حدثنا أحمد بن أبي طاهر، قال: مر محمد بن صالح بقبر لبعض بني المتوكل، فرأى الجواري يلطمن عنده فأنشدني لنفسه:
رأيت بسامرا صبيحة جمعة ... عيوناً يروق الناظرين فتورها
تزور العظام الباليات لدى الثرى ... تجاوز عن تلك العظام غفورها
فلولا قضاء الله أن تعمر الثرى ... إلى أن ينادي يوم ينفخ صورها
لقلت عساها أن تعيش وأنها ... ستنشر من جرا عيون تزورها
أسيلات مجرى الدمع إما تهللت ... شؤون الأماقي ثم سح مطيرها
بوبل كأتوام الجمان تفيضه ... على نحرها أنفاسها وزفيرها
فيا رحمة ما قد رحمت بواكياً ... ثقالاً تواليها لطفاً خصورها
حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني إبراهيم بن المدبر، قال:

(1/154)


جاءنس محمد بن صالح الحسيني وسألني أن أخطب عليه بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي أو قال أخته، شك ابن مهرويه، ففعلت ذلك، وصرت إلى عيسى فسألته أن يجيبه، فأبى وقال لي: لا أكذبك والله، إني لا أرده لأني لا أعرف أشرف وأشهر منه لمن يصاهره، ولكني أخاف المتوكل وولده بعده على نعمتي ونفسي، فرجعت إليه فأخبرته بذلك، فأضرب عنه مدة، ثم عاودني بعد ذلك وسألني معاودته فعاودته ورفقت به حتى أجاب وزوجه، فأنشدني محمد بعد ذلك لنفسه:
خطبت إلى عيسى بن موسى فردني ... فلله وإلى مرة وعتيقها
لقد ردني عيسى ويعلم أنني ... سليل بنات المصطفى وعريقها
وأن لنا بعد الولادة بيعةٍ ... بني الإله صنوها وشقيقها
فلما أبى بخلاً بها وتمنعاً ... وصيرني ذا خلة لا أطيقها
تداركني المرء الذي لم يزل له ... من المكرمات رحبها وطريقها
سمي خليل الله وابن وليه ... وحمال أعباء العلا وطريقها
تزوجها والمن عندي لغيره ... فيبايعه وفتني الربح سوقها
ويا نعمة لابن المدبر عندنا ... يجد على كر الزمان أنيقها
قال ابن مهرويه: قال ابن المدبر: وكان اسم المرأة حمدونة، فلما نقلت إليه وكانت امرأة جميلة عاقلة كاملة من النساء، أنشدني لنفسه فيها قوله:
لعمر حمدونة إني بها ... لمغرم القلب طويل السقام
مجاوز للقدر في حبها ... مباين فيها لأهل الملام
مطرح للعذل ماض على ... مخافة النفس وهول المقام
مشايعي قلب يعاف الخنا ... وصارم يقطع صم العظام
جشمني ذلك وجدي بها ... وفضلها بين النساء الوسام
ممكورة الساق ردينية ... مع الشوي الخدل وحسن القوام
صامتة الحجل خفوق الحشا ... مائرة الساق ثقال القيام
ساجية الطرف نؤوم الضحى ... منيرة الوجه كبرق الغمام
زينها الله وما شانها ... وأعطيت منيتها من تمام
تلك التي لولا غرامي بها ... كنت بسامرا قليل المقام
قال أبو الفرج: وقد حدثني بخبره على أتم من هذه الحكاية عمي الحسين بن محمد قال: حدثنا أبو جعفر بن الدهقانة النديم، قال: حدثني إبراهيم بن المدبر، قال: جاءني يوماً محمد بن صالح الحسني بعد أن أطلق من الحبس فقال لي: إني أريد المقام عندك اليوم على خلوة لأبثك من أمري شيئاً لا يصلح أن يسمعه أحد غيرنا، فقلت: افعل. فصرفت من كان بحضرتي وخلوت معه وأمرت برد دابته، فلما اطمأن وأكلنا واضطجعنا قال لي: أعلمك أني خرجت في سنة كذا وكذا ومعي أصحابي على القافلة الفلانية، فقاتلنا من كان فيها فهزمناهم وملكنا القافلة، فبينا أنا أحوزها وأنيخ الجمال، إذ طلعت على امرأة من عمارية ما رأيت قط أحسن منها وجهاً، ولا أحلى منطقاً، فقالت لي: يا فتى، إن رأيت أن تدعو الشريف المتولي أمر الجيش فإن له عندي حاجة.
فقلت: قد رأيته وسمع كلامك.
فقالت لي: سألتك بالله وبحق رسوله أنت هو؟.
قلت: نعم والله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم إني لهو.
فقالت: أنا حمدونة بنت عيسى بن موسى بن أبي خالد الحربي، ولأبي محل من سلطانه، ولنا نعمة إن كنت سمعت بها فقد كفاك ما سمعت، وإن كنت لم تسمع بها فاسأل عنها غيري، ووالله لا استأثرت عليك بشيء أملكه، ولك علي بذلك عهد الله جل وعز ميثاقه، وما أسألك إلا أن تصونني وتسترني، وهذه ألف دينار معي لنفقتي فخذها حلالاً، وهذا حلي علي من خمسمائة دينار فخذه وأضمن لك بعد أخذك إياه ما شئت على حكمك، آخذه لك من تجار مكة والمدينة، ومن أهل الموسم العراقيين؛ فليس منهم أحد يمنعني شيئاً أطلبه وادفع عني واحمني من أصحابك ومن عار يلحقني.

(1/155)


فوقع قولها في قلبي موقعاً عظيماً فقلت لها: قد وهب الله لك مالك وجاهك وحالك، ووهبت لك القافلة بجميع ما فيها، ثم خرجت فناديت في أصحابي فاجتمعوا إلي، فناديت فيهم إني قد أجرت هذه القافلة وأهلها وخفرتها وحميتها، وجعلت لها ذمة الله وذمة رسوله وذمتي، فمن أخذ منها خيطاً أو مخيطاً أو عقالاً فقد آذنته بحرب. فانصرفوا معي وانصرفت، وسار أهل القافلة سالمين.
فلما أخذت وحبست، بينا أنا ذات يوم في محبسي إذ جاءني السجان فقال لي: إن بالباب امرأتين تزعمان أنهما من أهلك، وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد، إلا أنهما قد أعطتاني دملج ذهب، وجعلتاه لي إن أوصلتهما إليك، وقد أذنت لهما وهما في الدهليز، فاخرج إليهما إن شئت.
فتنكرت من يجيئني في بلد غربة وفي حبس وحيث لا يعرفني أحد، ثم تفكرت فقلت: لعلهما من ولد أبي أو من بعض نساء أهلي، فخرجت إليهما وإذا بصاحبتي فلما رأتني بكت لما رأت من تغيير خلقي وثقل حديدي، فأقبلت عليها الأخرى فقالت: أهو هو؟ قالت: إي والله لهو هو، ثم أقبلت علي فقالت: فداك أبي وأمي، لو استطعت أن أقيك مما أنت فيه بنفسي وأهلي لفعلت، ولكنت بذاك مني حقيقياً، ووالله لا تركت المعاونة والسعي في خلاصك، وكل حيلة ومال وشفاعة، وهذه دنانير وطيب وثياب فاستعن بها على موضعك، ورسولي يأتيك في كل يوم بنا يصلحك حتى يفرج الله عنك. ثم أخرجت إلى المرأة كسوة وطيباً ومائتي دينار، وكان رسولها يأتيني في كل يوم بطعام نظيف، ويتصل برها عند السجان فلا يمتنع من كل ما أريد، حتى من الله بخلاصي.
ثم راسلتها فخطبتها، فقالت: أما من جهتي فأنا لك سامعة مطيعة، والأمر إلى أبي، فأتيته فخطبتها إليه، فردني وقال: ما كنت لأحقق عليها ما شاع في الناس عنك من أمرها فقد صيرتنا فضيحة. فقمت من عنده منكسراً مستحياً وقلت في ذلك:
رموني وإياها بشنعاء هم بها ... أحق أدال الله منهم فعجلا
بأمر تركناه ورب محمد ... عياناً فإما عفة أو تجملا
فقلت له: إن عيسى صنيعة أخي، وهو لي مطيع، وأنا أكفيك أمره، فلما كان من غد لقيت عيسى في منزله ثم قلت له: قد جئتك في حاجة لي.
فقال: هي مقضية ولو كنت استعملت ما أحبه لأمرتني أن أجيئك فجئتك فكان أسر إلي.
فقلت له: قد جئتك خاطباً إليك ابنتك.
فقال: هي لك أمة، وأنا لك عبد، وقد أجبتك.
فقلت: إني خطبتها على من هو خير مني أبا وأماً وأشرف لك صهراً ومتصلاً محمد بن صالح العلوي.
فقال لي: يا سيدي، هذا رجل قد لحقنا بسببه ظنة، وقيلت فينا أقوال.
فقلت له: أفليست باطلة؟.
فقال: بلى والحمد لله. فقلت: فكأنها لم تقل، وإذا وقع النكاح زال كل قول وتشنيع، ولم أزل أرفق به حتى أجاب. وبعثت إلى محمد بن صالح فأحضرته وما برح حتى زوجه، وسقت الصداق عنه من مالي.
حدثني أحمد بن جعفر البرمكي، قال: حدثنا المبرد، قال: لم يزد محمد بن صالح محبوساً حتى صنع بنان لحناً في قوله:
وبدا له من بعدما اندمل الهوى ... برق تألق موهناً لمعانه
فاستحسن المتوكل اللحن والشعر وسأل عن قائله، فأخبر عنه وكلم في أمره، وأحسن الجماعة رفده بالذكر الجميل، وأنشد الفتح قصيدة يمدح بها المتوكل التي أولها:
ألف التقى ووفى بنذر الناذر ... وأبى الوقوف على المحل الداثر
وتكفل الفتح بأمره فأمر بإطلاقه، وأمر الفتح بأخذه إليه وأن يكون عنده حتى يقيم الكفلاء بنفسه، وأن يكون مقامه بسر من رأى، ولا يخرج إلى الحجاز فأطلقه الفتح وتكفل بأمره، وخفف عنه في أمر الكفالة، فلم يزل في سر من رأى حتى مات.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ومحمد بن خلف وكيع قالا: حدثنا الفضل بن سعيد بن أبي حرب، قال: حدثني أبو عبد الله الجهمي قال: دخلت على محمد بن صالح الحسني في حبس المتوكل، فأنشدني لنفسه يهجو أبو الساج:
ألم يحزنك يا ذلفاء أني ... سكنت مساكن الأموات حيا
وأن حمائلي ونجاد سيفي ... علون مجدعاً أشرا سنياً
فقصرهن لما طلن حتى اس ... توين عليه لا أمسى سويا
أما والراقصات بذات عرق ... تؤم البيت تحسبها قسيا
لو أمكنني غداتئذ جلاد ... لألفوني به سمحاً سخياً

(1/156)


قال ابن عمار: وأنشدني عبيد الله بن طاهر أبو محمد لمحمد بن صالح العلوي الحسني:
نظرت ودوني ماء دجلة موهناً ... بمطروفة الإنسان محسورة جدا
لتؤنس لي ناراً بليل أوقدت ... وتالله ما كلفتها منظراً قصدا
فلو صدقت عيني لقلت كذبتني ... أرى النار قد أمست تضيء لنا هدا
تضيء لنا منها جبيناً ومحجراً ... ومبتسماً عذباً غدر جعدا
قال: فأما القصيدة التي مدح بها المتوكل فهي قوله:
ألف التقى ووفى بنذر الناذر ... وأبى الوقوف على المحل الداثر
ولقد تهيج له الديار صبابة ... حيناً ويكلف بالخليط السائر
فرأى الهداية أن أناب وإنه ... قصر المديح على الإمام العاشر
يا ابن الخلائف والذين بهديهم ... ظهر الوفاء، وبان غدر الغادر
وابن الذين حووا تراث محمد ... دون البرية بالنصيب الوافر
فوصلت أسباب الخلافة بالهدى ... إذ نلتها وأنمت ليل الساهر
أحييت سنة من مضى فتجددت ... وأبنت بدعة ذي الضلال الخاسر
فافخر بنفسك أو بجدك معلناً ... أو دع فقد جاوزت فخر الفاخر
إني دعوتك فاستجبت لدعوتي ... والموت مني نصب عين الناظر
فانتشتني من قعر موردة الردى ... أمناً ولم تسمع مقال الزاجر
وفككت أسري والبلاء موكل ... وجبرت كسراً ما له من جابر
وعطفت بالرحم التي ترحو بها ... قرب المحل من المليك القادر
وأنا أعوذ بفضل عفوك أن أرى ... غرضاً ببابك للملم الفاقر
أو أن أضيع بعد ما أنقذتني ... من ريب مهلكة وجد عاثر
فلقد مننت فكنت غير مكدر ... ولقد نهضت بها نهوض الشاكر
وكان محمد بن صالح صديقاً لسعيد بن حميد، وكان يقارضه الشعر. وله في هذا الحبس أشعار كثيرة يطول ذكرها.
وله أيضاً في إبراهيم بن المدبر وأخيه مدائح كثيرة.
وفي عبيد الله بن يحيى بن خاقان هجاء كثير لأنه كان لشدة انحرافه عن آل أبي طالب يغري المتوكل به ويحذره من إطلاقه، فهجاه هجاء كثيراً، منه قوله يهجوه في قصيدة مدح فيها ابن المدبر:
وما في آل خاقان اعتصام ... إذا ما عمم الخطب الكبير
لئام الناس إثراءً وفقراً ... وأعجزهم إذا حمى القتير
وقوم لا يزوجهم كريم ... ولا تسنى لنسوتهم مهور
وفيها يقول يمدح ابن المدبر:
أتخبر عنهم الدمن الدثور؟ ... وقد يبنى إذا سئل الخبير
وكيف تبين الأنباء دار ... تعاقبها الشمائل والدبور
ويقول فيها في مدحه ابن المدبر:
فهلا في الذي أولاك عرفاً ... تسدي من مقالك ما يسير
ثناء غير مختلق ومدحاً ... مع الركبان ينجد أو يغور
أخ آساك في كلب الليالي ... وقد خذل الأقارب والنصير
حفاظاً حين أسلمك الموالي ... وضن بنفسه الرجل الصبور
فإن تشكر فقد أولى جميلاً ... وإن تكفر فإنك للكفور
وقال سعيد بن حميد يرثي محمد بن صالح، وكانت وفاته في أيام المنتصر:
بأي يد أسطو على الدهر بعدما ... أبان يدي عضب الذنابين قاضب
وهاض جناحي حادث جل خطبه ... وسددت عن الصبر الجميل المذاهب
ومن عادة الأيام أن صروفها ... إذا سر منها جانب ساء جانب
لعمري لقد غال التجلد أننا ... فقدناك فقد الغيث والعام جادب
فما أعرف الأيام إلا ذميمة ... ولا الدهر إلا وهو بالثار طالب
ولا لي من الإخوان إلا مكاشر ... فوجه له راضٍ ووجه مغاضب
فقدت فتى قد كان للأرض زينة ... كما زينت وجه السماء الكواكب
لعمري لئن كان الردى بك فاتني ... وكل امرئ يوماً إلى الله ذاهب
لقد أخذت مني النوائب حكمها ... فما تركت حقاً علي النوائب

(1/157)


ولا تركتني أرهب الدهر بعده ... لقد كل عني نابه والمخالب
سقى جدثاً أمسى الكريم ابن صالح ... يحل به دانٍ من المزن ساكب
إذا بشر الرواد بالغيث برقه ... مرته الصبا واستجلبته الجنائب
فأبصر نور الأرض تأثير صوبه ... بصوب زهت منه الربا والمذانب
هذا آخر خبر محمد بن صالح رحمة الله عليه ورضوانه.
محمد بن جعفر
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني: لما ولي المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي، فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد على طبرستان ونواحي الديلم.
وخرج بالري: محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين يدعو إلى الحسن بن زيد فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور، فلم يزل في حبسه حتى هلك. حدثني بذلك أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن.
وأم محمد بن جعفر رقية بنت عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي: وكان ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
ثم خرج من بعده بالري أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، يدعو إلى الحسين بن زيد.
وخرج الكوكبي، وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير لم يحمل هذا الكتاب إعادتها لطولها، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم دون من خرج فلم يقتل.
القاسم بن عبد الله بن الحسين
والقاسم بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام
وأمه أم ولد.
كان عمر بن الفرج الرخجي حمله إلى سر من رأى، فأمر بلبس السواد فامتنع، فلم يزالوا به حتى لبس شيئاً يشبه السواد فرضي منه ذلك.
وكان القاسم رجلاً فاضلاً.
حدثني أحمد بن سعيد، قال حدثني يحيى بن الحسن، قال: سمعت أبا محمد إسماعيل بن محمد يقول: ما رأيت الطالبيين انقادوا لرياسة أحد كانقيادهم للقاسم بن عبد الله.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن منصور، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: دخلت أنا، والقاسم بن عبد الله نغسل أبا الفوارس عبد الله بن إبراهيم بن الحسين وقد صلينا الظهر، فقال لي القاسم: هل نصلي العصر فإنا نخشى أن نبطئ في غسل الرجل، فصليت معه، فلما فرغنا من غسله خرجت أقيس الشمس فإذا ذلك أول وقت العصر، فأعدت الصلاة، فأتاني آت في النوم، فقال: أعدت الصلاة وقد صليت خلف القاسم؟ فقلت: صليت في غير الوقت. قال: قلب القاسم أهدى من قلبك.
وكان اعتل فيما أخبرني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن ذوب مولاة زينب بنت عبد الله بن الحسين، قال: اعتل مولاي القاسم بن عبد الله، فوجه إليه بطبيب يسأله عن خبره، وجهه إليه السلطان، فجس يده فحين وضع الطبيب يده عليها يبست من غير علة، وجعل وجعها يزيد عليه حتى قتله قال: سمعت أهله يقولون: إنه دس إليه السم مع الطبيب.
أحمد بن عيسى بن زيد
قال أبو الفرج: وممن توارى فمات في حال تواريه في تلك الأيام.
أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين، عليه السلام.
ويكنى أبا عبد الله.
وأمه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث عبد المطلب.
وكان فاضلاً عالماً مقدماً في أهله، معروفاً فضله.
وقد كتب الحديث، وعمرو كتب عنه، وروى عنه الحسين بن علوان روايات كثيرة، وقد روى عنه محمد بن المنصور الراوي ونظراؤه.
وكان ابتداء تواريه في غير هذه الأيام، إلا أنه توفي بعد تواريه بمدة طويلة في أيام المتوكل، فذكرنا خبره في أيامه.
وقد ذكرنا بعض خبره في مجيء ابن علاق الصيرفي وصباح الزعفراني إلى المهدي بعد موت أبيه وإجرائه عليه الرزق ورده إلى الحجاز إلى أيام هارون الرشيد.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، عن أبيه، قال: ونسخت من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: وحدثني هاشم بن أحمد البغوي، عن جعفر بن محمد بن إسماعيل:

(1/158)


أنه وشى إلى هارون بأحمد بن عيسى، والقاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين وأمه أم ولد، فأمر بإشخاصهما إليه من الحجاز، فلما وصلا إليه أمر بحبسهما، فحبسا في سعة عند الفضل بن الربيع فكانا عنده. قال: فاحتال بعض الزيدية فدس إليهما فالوذجاً في جامات أحدهما مبنج، فأطعما المبنج الموكلين فلما علما أن ذلك قد بلغ فيهم خرج.
هكذا قال النوفلي.
وقال هاشم بن أحمد، عن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن رياح: أن أحمد بن عيسى كان قد خرج يوماً لبعض حاجته، فرأى الموكلين به نياماً فأخذ كوزاً فشرب فيه، ثم رمى به من يده ليعلم أنهم نيام أم متيقظون، فلم يتحرك منهم أحد، فرجع إلى القاسم فأخبره، فقال له: ويحك، لا تحدث نفسك بالخروج فأنا في دعة وعافية مما فيه أهل المحبوس.
فقال له: لست والله براجع، فإن شئت أن تخرج معي فافعل، فإني سأستظهر لك بشيء أفعله تطيب نفسك به، فاخرج فاتبعني فإنك إن لم تفعل لم تبق بعدي سليماً.
ثم خرج أحمد بن عيسى فأخذ جرة فشالها ليشرب منها، ثم رمى بها من قامته فما تحركوا، وخرج لوجهه.
وتبعه القاسم، فلما صارا خارج الدار خالف كل واحد منهما طريق صاحبه، وافترقا واتعدا لموضع يلتقيان فيه.
فلقي أحمد بن عيسى مولى للفضل بن الربيع، فدنا يتعرفه، فعارضه في الطريق. فصاح به: تنح يا ماص كذا وكذا، فخافه فتنحى وظن أنه أطلق، وجاء إلى الدار التي كان فيها محبوساً فنظر إلى الحرس وهم نيام فأنبهم وسألهم عن الخبر، فأيقنوا بالشر، ومضوا في طلب الرجلين، ففاتاهم فلم يقدروا عليهما.
ومضى أحمد بن عيسى حتى أتى منزل محمد بن إبراهيم الذي يقال له: إبراهيم الإمام، فقال لغلامه: قل له أحمد بن عيسى بن زيد. فدخل الغلام فأخبره، وعرف مولاه الخبر فقال له: ويحك هل رآه أحد؟ قال: لا، قال: أدخله، فدخل فسلم عليه وعرفه الخبر وقال له: لقد رأيتك موضعاً لدمي، فاتق الله في. فأدخله منزله وستره.
ولم يزل مدة ببغداد مستتراً، وقد بلغ الرشيد خبره، فوضع الرصد في كل موضع، وأمر بتفتيش كل دار يتهم صاحبها بالتشيع وطلب أحمد فيها، فلم يزل ذلك دأبه حتى أمكنه التخلص، فمضى إلى البصرة فأقام بها.
وقد اختلف أيضاً في تخلصه كيف كان، فلم نذكره كراهة الإطالة، إلا أن أقرب ذلك إلى الحق ما ذكره النوفلي من أن محمد بن إبراهيم كان له ابن منهوم بالصيد، فدفع إليه أحمد بن عيسى، وأقسم عليه أن يخرجه في جملة غلمانه متلثماً متنكراً، ولا يسأله عن شيء حتى يوافي به المدائن، ويخرجه عنها إلى نحو فرسخ من خارجها، وينتظر حتى يمر به زورق منحدر فيقعده فيه ويحدره إلى البصرة، ففعل ذلك، ونجا أحمد فمضى إلى البصرة.
رجع الحديث إلى حكاية هارون بن محمد: قال: ثم إن الرشيد دعا برجل من أصحابه يقال له: ابن الكردية، واسمه يحيى بن خالد فقال له: قد وليتك الضياع بالكوفة، فامض إليها وتول العمل بها، وأظهر أنك تتشيع، وفرق الأموال في الشيعة حتى تقف على خبر أحمد بن عيسى.
فمضى ابن الكردية هذا ففعل ما أمر به، وجعل يفيض الأموال في الشيعة ويفرقها عليهم ولا يسألهم عن شيء حتى ذكروا له رجلاً منهم يقال له: أبو غسان الخزاعي، فأطنبوا في وصفه، وأعرض عنهم ولم يكشفهم عنه إلى أن ذكروه مرة أخرى فقال: وما فعل هذا الرجل؟ إنا إليه لمشتاقون، قالوا: هو مع أحمد بن عيسى بالبصرة، فكتب بذلك إلى الرشيد، فأمره بالرجوع إلى بغداد، ثم ولاه البصرة مثل ما كان ولاه بالكوفة، فمضى إليها.
وكان مع أحمد بن عيسى بن زيد رجل من أصحاب يحيى بن عبد الله يقال له: حاضر، وكان ينقله من موضع إلى موضع، حتى أنزله في دار يقال لها: دار عاقب في العتيك، وكان لا يظهره لأحد، ويقول: إنما نزل في تلك الناحية هرباً من دين عليه. قال: فحدثني يزيد بن عيينة أنه كان يخرج إليهم فيقول لهم: علي دين ويسألهم. قال: فيقولون له: لو طلبك السلطان لم يقدر عليك فكيف لمن له عليك دين.

(1/159)


قال: وجاء ابن الكردية هذا إلى البصرة ففعل ما فعله بالكوفة، وجعل يفرق الأموال في الشيعة حتى ذكروا له حاضراً وأحمد بن عيسى، فتغافل عنهم، ثم أعادوا ذكره بعد ذلك فتعرض لهم بذكره ولم يستقصه، ثم عاودوه فقال لهم: إني أحب أن ألقى هذا الرجل، فقالوا له: لا سبيل إلى ذلك. قال: فاحملوا إليه مالاً يستعين به، وأعلموه أني لو قدرت على أن أعطيه جميع مال السلطان لفعلت، فأخذوا المال وحملوه إلى حاضر فقبله، وجعل ابن الكردية يتابع الأموال إلى حاضر بعضها ببعض حتى أنسوا به واطمأنوا إليه، فقال لهم يوماً: ألا يجيئنا هذا الشيخ؟ فقالوا له: لا يمكن ذلك. قال: فليأذن لنا نأته نحن. قالوا: نسأله ذلك، فأتوه وسألوه إياه فقال: لا والله لا آذن له أبداً، ويحكم ألا تنتهون؟ هذا والله محتال: فقالوا له: لا والله ما هو بمحتال. فلم يزالوا به حتى أجابهم إلى أن تلقاه، فلما كان الليل قال لأحمد بن عيسى: قم فاخرج إلى موضع آخر، فإن ابتليت سلمت أنت، فخرج أحمد، وبعث ابن الكردية إلى أحمد بن الحرث الهلالي، وكان أمير البصرة يأمره أن يبعث بالرجال إليه ليهجموا عليه حيث يدخل، ومضى هو حتى أتى الدار، وبعث بغلامه حتى جاء معه بالرجال فهجموا على حاضر، فقال لابن الكردية: ويلك غررتني بالله. قال: ما فعلت، ولعل السلطان أن يكون قد بلغه خبرك. فأخذ فأتى به محمد بن الحارث فحبسه ليلته، فلما كان من غد اجتمع الناس إليه، وأمر من أتاه بحاضر فجيء به فقال له: اتق الله في دمي، فوالله ما قتلت نفساً، ولا أخفت السبيل، فسمعته يقول: جاءوا بحاضر ولا أعلمه صاحبي الذي كان يجالسني، ويذكر أنه مستتر من غرمائه، فأدخل عليه، فخشيت أن يلحقني ما لا أحب، فنظر إلي نظرة فتوقعت أن يكلمني أو يستشهدني كما يفعل المستغيث فما فعل من ذلك شيئاً، إنما لحظني لحظة ثم حول وجهه عني كأنه لم يعرفني قط، فقال له محمد بن الحرث: إن أمير المؤمنين غير متهم عليك، فحمله إليه. فأتى به هارون الرشيد وهو في الشماسية، فأحضره وأحضر الحازمي رجلاً من ولد عبد الله بن حازم، وكان قد أخذ له بيعة ببغداد فوقعت في يد الرشيد فبدأ به، ثم قال: جئت من خراسان إلى دار مملكتي تفسد علي أمري وتأخذ بيعة؟.
قال: ما فعلت يا أمير المؤمنين.
قال: بلى والله قد فعلت، وهذه بيعتك عندي، والله لا تبايع أحداً بعدها. ثم أمر به فأعقد في النطع وضرب عنقه.
ثم أقبل على حاضر فقال: هيه صاحب يحيى بن عبد الله بالحيل، عفوت عنك وأمنتك، ثم صرت تسعى علي مع أحمد بن عيسى تنقله من مصر إلى مصر، ومن دار إلى دار كما تنقل السنور أولادها، والله لتجيئني به أو لأقتلنك.
قال يا أمير المؤمنين، بلغك عني غير الحق.
قال: والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك.
قال: إذاً أخاصمك بين يدي الله.
قال: والله لتجيئني به أو لأقتلنك وإلا فأنا نفي من المهدي.
قال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها لك عنه، أنا أجيئك بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تقتله؟ افعل ما بدا لك.
فأمر هرثمة فضربت عنقه، وصلب مع الحازمي ببغداد.
هذه رواية النوفلي.
والصحيح الذي ذكرته متقدماً أن المهدي قتله لأنه طالبه بعيسى بن زيد فقتله ولكن ذكرت كل ما روى في ذلك.
وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي، عن عمه محمد بن علي بن حمزة، عن المدائني، عن الهيثم، ويونس بن مرزوق: أن رجلاً رفع إلى صاحب البريد بأصبهان، أن أحمد بن عيسى وحاضراً بالبصرة وكور الأهواز يترددان، فكتب الرشيد في حملهما والقدوم بهما عليه، وكتب إلى أبي الساج وهو على البحرين، وإلى خالد بن الأزهر، وهو على الأهواز، وإلى خالد طرشت وكان على بريد طريق السند، بالسمع والطاعة لصاحب بريد أصبهان، وأمر له بثلاثين ألف، وأمره بالمصير إلى هذه النواحي، وطلب أحمد بن عيسى.

(1/160)


فورد الأهواز، وأظهر أنه يطلب الزندقة، وكان الذي أتاه بالخبر رجل بربري كان أحمد بن عيسى يأنس به، فلما قدم هذا الرجل واكن يعرف بعيسى الرواوزدي، أتى البربري أحمد بن عيسى كما كان يأتيه، فوصف له عيسى هذا وقال له: إنه من شيعتك ومن حاله ومن قصته، فأذن له فدخل إليه وهو جالس، ومعه ابن إدريس بن عبد الله، وكاتب كان لإبراهيم بن عبد الله، فبدأ بأحمد بن عيسى وابن إدريس فقبل أيديهما، وجلس معهما وآنسهما، وجعل يرسل إليهما بالهدايا والكسوة، واشترى لهما وصيفتين، فاطمأنا إليه وأكلا من طعامه وشربا من شرابه، فلما وقعت الثقة قال له: هذا بلد ضيق ولا خير فيه، فهلما معي حتى أوافي بكما مصر وإفريقية؛ فإن أهلهما يخفون معي ويطيعونني. قالوا: وكيف تأخذ بنا؟ قال: أجلسكم الماء إلى واسط، ثم آخذ بكم على طريق الكوفة، ثم على الفرات إلى الشام. فأجابوه فأجلسهم في السفينة، وصير معهم أعوان أبي الساج أمناء عليهم ومضوا.
ولما كان في بعض الطريق قال لهم: أتقدمكم إلى واسط لإصلاح بعض ما نحتاج إليه من سفرنا من كراء أو غيره، ومضى هو والبربري فركبا دواب البريد وأوصى الموكلين بهما ألا يعلمونهم بشيء ولا يوهمونهم أنهم من أصحاب السلطان، وأن يحتاطوا عليهم ما قدروا، ففعلوا ذلك ومضوا.
فلما كانوا ببعض الطريق حبسهم أصحاب الصدقة وقالوا: لا تجوزوا، فصاح بهم الموكلون: نحن من أصحاب أبي الساج وأعوانه جئنا في أمر مهم، فخلوا عنهم، وانتبه أحمد بن عيسى وأصحابه لذلك، فلما جاوزوا قليلاً قال لهم أحمد بن عيسى: أقدموا إلى الشط لنصلي. فقدم الملاحون، وخرجوا، فتفرقوا بين النخل وتستروا بها وابعدوا عن أعين الموكلين، والموكلون في الزورق لا يوهمونهم أنهم معهم، فلما بعدوا عن أعينهم جعلوا يحضرون على أقدامهم حتى فاتوهم هرباً وبعدوا عنهم. وطال انتظار الموكلين بهم، فلم يعرفوا خبرهم وما الذي أبطأ بهم، فخرجوا يطلبونهم، فلم يجدوهم، وتتبعوا آثارهم وجدوا في أمرهم، فلم يقدروا عليهم، فرجعوا إلى الزورق خائبين حتى أتوا واسط، وقد قدمها عيسى صاحب بريد أصبهان الذي دبر على القوم ما دبر، وقد وجه معه الرشيد ثلاثين رجلاً ليتسلم أحمد فأخبروه ما كان، فقال: لا والله ولكن ارتشيتم وصانعتم وداهنتم، وقدم بهم على الرشيد فضربهم بالسياط ضرباً مبرحاً، وحبسهم جميعاً في المطبق، وغضب على أبي الساج دهراً حتى سأله فيه أخوه الرشيد، فرضي عنه بعد أن كان قد هم بقتله.
ومضى أحمد بن عيسى وأصحابه فرجعوا إلى البصرة، فلم يزالوا مقيمين حتى مات أحمد بن عيسى، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثني علي بن أحمد بن عيسى: أن أباه توفي في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة سبع وأربعين ومائتين.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: سألت أحمد بن عيسى: كم تعد من السنين؟.
قال: ولدت يوم الثاني من المحرم سنة سبع وخمسين ومائة.
عبد الله بن موسى
وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وأمه أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ولها يقول وحشي الرياحي:
يعجبني من فعل كل مسلمه ... مثل الذي تفعل أم سلمه
إقصاؤها عن بيتها كل أمه ... وأنها قدماً تساوي المكرمه
وكان عبد الله توارى في أيام المأمون، فكتب إليه بعد وفاة الرضا يدعوه إلى الظهور ليجعله مكانه ويبايع له، واعتد عليه بعفوه عمن عفا من أهله، وما أشبه هذا من القول: فأجابه عبد الله برسالة طويلة يقول فيها: فبأي شيء تغرني؟ ما فعلته بأبي الحسن - صلوات الله عليه - بالعنب الذي أطعمته إياه فقتله.
والله ما يقعدني عن ذلك خوف من الموت ولا كراهة له، ولكن لا أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي، ولولا ذلك لأتيتك حتى تريحني من هذه الدنيا الكدرة.
ويقول فيها:

(1/161)


هبني لا ثأر لي عندك وعند آبائك المستحلين لدمائنا، الآخذين حقنا، الذين جاهروا في أمرنا فحذرناهم، وكنت ألطف حيلة منهم بما استعملته من الرضى بنا والتستر لمحننا، تختل واحداً فواحداً منا، ولكني كنت امرأ حبب إلي الجهاد، كما حبب إلي كل امرئ بغيته، فشحذت سيفي، وركبت سناني على رمحي، واستفرهت فرسي، لم أدر أي العدو أشد ضرراً على الإسلام، فعلمت أن كتاب الله يجمع كل شيء، فقرأته فإذا فيه: " يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة " .
فما أدري من يلينا منهم، فأعدت النظر، فوجدته يقول: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخرة يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " فعملت أن علي أن أبدأ بما قرب مني.
وتدبرت فإذا أنت أضر على الإسلام والمسلمين من كل عدو لهم، لأن الكفار خرجوا منه وخالفوه فحذرهم الناس وقاتلوهم، وأنت دخلت فيه ظاهراً فأمسك الناس وطفقت تنقض عراه عروة عروة، فأنت أشد أعداء الإسلام ضرراً عليه. وهي رسالة طويلة قد أتينا بها في الكتاب الكبير.
وأخبرني جعفر بن محمد الوراق الكوفي، قال: حدثني عبد الله بن علي بن عبيد الله العلوي الحسيني، عن أبيه، قال: كتب المأمون إلى بعد الله بن موسى وهو متوار منه يعطيه الأمان، ويضمن له أبن يوليه العهد بعده، كما فعل بعلي بن موسى، ويقول: ما ظننت أن أحداً من آل أبي طالب يخافني بعدما عملته بالرضا، وبعث الكتاب إليه.
فكتب إليه عبد الله بن موسى: وصل كتابك وفهمته، تختلني فيه عن نفسي ختل القانص، وتحتال على حيلة المغتال القاصد لسفك دمي.
وعجبت من بذلك العهد وولايته لي بعدك، كأنك تظن أنه لم يبلغني ما فعلته بالرضا، ففي أي شيء ظننت أني أرغب من ذلك؟.
أفي الملك الذي قد غرتك نضرته وحلاوته؟ فوالله لأن أقذف وأنا حي في نار تتأجج أحب إلي من أن ألي أمراً بين المسلمين أو أشرب شربة من غير حلها مع عطش شديد قاتل.
أم في العنب المسموم الذي قتلت به الرضا؟ أم ظننت أن الاستتار قد أملني وضاق به صدري، فوالله إني لذلك، ولقد مللت الحياة وأبغضت الدنيا، ولو وسعني في ديني أن أضع يدي في يدك حتى تبلغ من قبلي مرادك لفعلت ذلك، ولكن الله قد حظر على المخاطرة بدمي، وليتك قدرت علي من غير أن أبذل نفسي لك فتقتلني، ولقيت الله - عز وجل - بدمي، ولقيته قتيلاً مظلوماً، فاسترحت من هذه الدنيا.
واعلم أني رجل طالب النجاة لنفسي، واجتهدت فيما يرضي الله عز وجل عمي، وفي عمل أتقرب به إليه، فلم أجد رأياً يهدي إلى شيء من ذلك، فرجعت إلى القرآن الذي فيه الهدى والشفاء، فتصفحته سورة سورة، وآية آية، فلم أجد شيئاً أزلف للمرء عند ربه جل وعز من الشهادة في طلب مرضاته.
ثم تتبعته أتأمل الجهاد أيه أفضل، ولأي صنف، فوجدته جل وعلا يقول: " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظةً " فطلبت أي الكفار أضر على الإسلام، وأقرب من موضعي، فلم أجد أضر على الإسلام منك، لأن الكفار أظهروا كفرهم، فاستبصر الناس في أمرهم، وعرفوهم فخافوهم.
وأنت ختلت المسلمين بالإسلام، وأسررت الكفر، فقتلت بالظنة، وعاقبت بالتهمة، وأخذت المال من غير حله فأنفقته في غير حله، وشربت الخمر المحرمة صراحاً، وأنفقت مال الله على الملهين وأعطيته المغنين، ومنعته من حقوق المسلمين، فغششت بالإسلام، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله، وحكمت فيه للمشرك، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند، فإن يسعدني الدهر، ويعني الله عليك بأنصار الحق، أبذل نفسي في جهادك بذلاً يرضيه مني، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك، أو تخرتمني الأيام قبل ذلك فحسبي من سعي ما يعلمه الله عز وجل من نيتي، والسلام.
ولم يزل عبد الله متوارياً إلى أن مات في أيام المتوكل.
فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، قال: سمعت محمد بن سليمان الزينبي يقول: نعى عبد الله بن موسى إلى المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات، ونعى له أحمد بن عيسى فاغتبط بوفاتهما وسر، وكان يخافهما خوفاً شديداً ويحذر حركتهما، لما يعمله من فضلهما، واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتها لهما لو أرادوا الخروج عليه، فلما ماتا أمن واطمأن، فما لبث بعدهما إلا أسبوعاً حتى قتل.

(1/162)


وكان عبد الله بن موسى يقول شيئاً من الشعر.
أنشدني أحمد بن سعيد، قال: أنشدنا يحيى بن الحسن، قال: أنشدني إسماعيل بن يعقوب لعبد الله بن موسى:
وإني لمرتاد جوادي وقاذف ... به وبنفسي العام إحدى المقاذف
مخافة دنيا رثة أن تميلني ... كما مال فيها الهالك المتجانف
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن ... على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف
ولكن قتيلاً شاهداً لعصابة ... يصابون في فج من الأرض خائف
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى ... وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف
قال أبو الفرج: هكذا ذكر إسماعيل بن يعقوب، وهذا الشعر للطرماح بن حكيم الطائي، وكان يذهب مذهب الشراة، ولعل عبد الله بن موسى كان ينشده متمثلاً.
أيام المنتصر
وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت، ويخالف أباه في أفعاله، فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ولا مكروه فيما بلغنا، والله أعلم
أيام المستعين
يحيى بن عمر بن الحسين
فمن خرج فقتل في أيامه أبو الحسين بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ويكنى أبا الحسن.
وأمه أم الحسن بنت عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
كان خرج في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر، فأمر المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي فسلم إليه، فكلمه بكلام فيه بعض الغلظة فرد عليه يحيى وشتمه، فشكى ذلك إلى المتوكل فأمر به فضرب درراً، ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان، فمكث على ذلك مدة، ثم أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حيناً حتى خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم، وأظهر العدل وحسن السيرة بها إلى أن قتل رضوان الله عليه، وسنذكر خبره على سياقته.
وكان رضي الله عنه رجلاً فارساً شجاعاً، شديد البدن مجتمع القلب، بعيداً من رهق الشباب وما يعاب به مثله.
فحدثني محمد بن أحمد الصيرفي أبو عبيد، وأحمد بن عبيد الله بن عمار، وغيرهما: أنه كان مقيماً ببغداد، وكان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله، وكان ربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه، فيلوي العمود في عنقه، فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه.
قال أبو الفرج: حدثني أحمد بن عبيد الله، قال: حدثني أبو عبيد الله بن أبي الحصين: أن يحيى بن عمر لما أراد الخروج بدأ فزار قبر الحسين، وأظهر لمن حضره من الزوار ما أراده، فاجتمعت إليه جماعة من الأعراب ومضى فقصد شاهي فأقام بها إلى الليل، ثم دخل الكوفة ليلاً، وجعل أصحابه ينادون: أيها الناس أجيبوا داعي الله حتى اجتمع إليه خلق كثير.
فلما كان من غد مضى إليه بيت المال فأخذ ما فيه، ووجه إلى قوم من الصيارفة عندهم مال من مال السلطان فأخذه منهم، وصار إلى بني حمان وقد اجتمع أهله، ثم جلس فجعل أبو جعفر محمد بن عبيد الله الحسني وهو المعروف بالأدرع يساره ويعظم عليه أمر السلطان، فبينما هم كذلك إذا عبد الله بن محمود قد أقبل وعنده جند مرتبون كانوا معه في طسا سيج الكوفة، فصاح بعض الأعراب بيحيى: أيها الرجل أنت مخدوع، هذه الخيل قد أقبلت: فوثب يحيى فجال في متن فرسه، وحمل على عبد الله بن محمود فضربه ضربة بسيفه على وجهه، فولى منهزماً وتبعه أصحابه منهزمين.
ثم رجع إلى أصحابه فجلس معهم ساعة ثم خرج إلى الوزارة في عسكره ومضى منه إلى حنبلا.
وسار خبر يحيى بن عمر وانتهى إلى بغداد، فندب له محمد بن عبد الله بن طاهر بن عمه الحسين بن إسماعيل، وضم إليه جماعة من القواد، منهم خالد بن عمران، وأبو السنا الغنوي، ووجه الفلس، وعبد الله بن نصر بن حمزة، وسعد الضبابي، فنفذوا إليه على كره، وكان هوى أهل بغداد مع يحيى، ولم يروا قط مالوا إلى طالبي خرج غيره.

(1/163)


فنفذ الحسين إلى الكوفة فدخلها وأقام بها أياماً ثم مضى قاصداً يحيى حتى وافاه فأقام في وجهه أياماً ثم ارتحل قاصداً الفسين حتى نزل قرية يقال لها البحرية وكان على خراج تلك الناحية أحمد بن علي الاسكافي وعلى حربها أحمد بن الفرج الفزاري، فحصل أحمد بن علي مال الخراج وهرب به، وثبت ابن الفرج فناوش يحيى مناوشة يسيرة وولى عنه بعد ذلك، ومضى يحيى لوجهه يريد الكوفة فعارضه المعروف بوجه الفلس فقاتله قتالاً شديداً، فانهزم عن يحيى فلم يتبعه.
ومضى وجه الفلس لوجهه حتى نزل شاهي، فصادف فيها الحسين بن إسماعيل فأقام بشاهي، وأراحا وشربا الماء العذب وقويت عساكرهم وخيلهم.
وأشار أصحاب يحيى عليه بمعاجلة الحسين بن إسماعيل، وكان معهم رجل يعرف بالهيضم بن العلاء العجلي فوافى يحيى في عدة من أهله وعشيرته، وقد تعبت خيلهم ورجالهم فصاروا في عسكره فحين التقوا كان أول ما انهزم الهيضم هذا.
وذكر قوم أن الحسين بن إسماعيل كان راسله في هذا وأجمعا رأيهما عليه.
وقال قوم: بل انهزم للتعب الذي لحقه.
حدثني علي بن سليمان الكوفي، قال: حدثني أبي قال: اجتمعت أنا والهيضم يوماً فتذاكرنا أمر يحيى فحلف بالطلاق الثلاث أنه لم يكن له في الهزيمة صنع، وإنما كان يحيى رجلاً نزقاً في الحرب، فكان يحمل وحده فيرجع فنهيته عن ذلك فلم يقبل، وحمل مرة كما كان يفعل فبصرت عيني به وقد صرع في وسط عسكرهم فلما رأيته قد قتل انصرفت بأصحابي.
رجع الحديث إلى رواية ابن عمار.
قال: فلما رأى يحيى هزيمة الهيضم لم يزل يقاتل مكانه حتى قتل، فأخذ سعد الضبابي رأسه، وجاء به إلى الحسين بن إسماعيل، وكانت في وجهه ضربات لم يكد يعرف معها، ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى، فوجه إليهم الحسين بن إسماعيل أبا جعفر الحسني الذي تقدم ذكره يعلمهم أنه قد قتل، فشتموه وأسمعوه ما يكره وهموا به، وقتلوا غلاماً له، فوجه إليهم أخاً كان لأبي الحسن يحيى بن عمر من أمه يعرف بعلي بن محمد الصوفي من ولد عمر بن علي بن أبي طالب، وكان رجلاً رفيقاً مقبولاً، فعرف الناس قتل أخيه، فضجوا بالبكاء والصراخ والعويل وانصرفوا.
وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد، ومعه رأس يحيى بن عمر، فلما دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكاراً له ويقولون: إن يحيى لم يقتل، ميلاً منهم إليه، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء والصبيان يصيحون في الطرقات: ما قتل وما فر، ولكن دخل البر.
ولما أدخل رأس يحيى إلى بغداد اجتمع أهلها إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يهنئونه بالفتح، ودخل فيمن دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر، أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، وكان ذا عارضة ولسان، لا يبالي ما استقبل الكبراء وأصحاب السلطان به.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، وحكيم بن يحيى الخزاعي، قالا: دخل أبو هاشم على محمد بن عبد الله بن طاهر فقال: أيها الأمير، قد جئتك مهنئاً بما لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حياً لعزى به، فلم يجبه محمد عن هذا بشيء.
وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان، وقال إن هذه الرؤوس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة وزالت عنه الدولة، فتجهزن للخروج.
قال ابن عمار في حديثه: وأدخل الأسارى من أصحاب يحيى إلى بغداد، ولم يكن فيما رؤي قبل ذلك من الأسارى أحد لحقه ما لحقهم من العسف وسوء الحال، وكانوا يساقون وهم حفاة سوقاً عنيفاً فمن تأخر ضربت عنقه، فورد كتاب المستعين بتخلية سبيلهم فخلوا، إلا رجلاً يعرف بإسحاق بن جناح كان صاحب شرطة يحيى بن عمر فإن محمد بن الحسين الأشناني حدثني: أنه لم يزل محبوساً حتى مات، فخرج توقيع محمد بن عبد الله بن الطاهر في أمره يدفن الرجس النجس إسحاق بن جناح مع اليهود، ولا يدفن مع المسلمين، ولا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يكفن " فأخرج رحمه الله بثيابه ملفوفاً في كساء فومسي على نعش حتى جاءوا به إلى خربة، فطرح على الأرض وألقى عليه حائط، رحمه الله تعالى.
وقد كان خرج مع يحيى بن عمر جماعة من وجوه أهل الكوفة وأولي الفضل منهم، فسمعت بعض مشايخنا من الكوفيين يذكر - وهو محمد بن الحسين

(1/164)


أن أبا محمد عبد الله بن زيدان البجلي خرج معه معلماً، وكان أحد فرسان أصحابه. وقد لقيته أنا وكتبت عنه، وكنت أرى فيه من الحذر والتوقي من كثير من الناس، ما يدل على صدق ما ذكر عنه.
وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثي بأكثر مما رثي به يحيى ولا قيل فيه الشعر بأكثر مما قيل فيه.
واتفق في وقت مقتله عدة شعراء محيدون للقول أولوا الهدى في هذا المذهب، إلا أنني ذكرت بعض ذلك كراهية الإطالة.
فمنه قول علي بن العباس الرومي يرثيه، وهي من مختار ما رثي به، بل إن قلت إنها عين ذلك والمنظور إليه لم أكن مبعداً، لولا أنه أفسدها بأن جاوز الحد وأغرق في النزع، وتعدى المقدار بسبب مواليه من بني العباس، وقوله فيهم من الباطل ما لا يجوز لأحد أن يقوله، وهي:
أمامك فانظر أي نهجيك تنهج ... طريقان شتى مستقيم وأعوج
ألا أيهذا الناس طال ضريركم ... بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا
أكل أوان للنبي محمدٍ ... قتيل زكي بالدماء مضرج
تبيعون فيه الدين شر أئمةٍ ... فلله دين الله قد كاد يمرج
لقد ألحجوكم في حبائل فتنةٍ ... وللملحجوكم في الحبائل ألحج
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم ... لبلواكم عما قليل مفرج
أما فيهم راع لحق نبيه ... ولا خائف من ربه يتحرج
لقد عمهوا ما أنزل الله فيكم ... كأن كتاب الله فيهم ممجمج
ألا خاب من أنساه منكم نصيبه ... متاع من الدنيا قليل وزبرج
أبعد المكنى بالحسين شهيدكم ... تضاء مصابيح السماء فتسرج
لنا وعلينا، لا عليه ولا له ... تسجسج أسراب الدموع وتنشج
وكيف نبكي فائزاً عند ربه ... له في جنان الخلد عيش مخرفج
فإن لا يكن حياً لدنيا فإنه ... لدى الله حي في الجنان مزوج
وقد نال في الدنيا سناءً وصيتةً ... وقام مقاماً لم يقمه مزلج
شوى ما أصابت أسهم الدهر بعده ... هوى ما هوى أو مات بالرمل بحزج
وكنا نرجيه لكشف عمايةٍ ... بأمثاله أمثالها تتبلج
فساهمنا ذو العرش في ابن نبيه ... ففاز به والله أعلى وأفلج
فأصبحت لا هم أبسئوني بذكره ... كما قال قبلي في البسوء مورج
ولا هو نساني أساي عليهم ... بلى هاجه، والشجو للشجو أهيج
أبيت إذا نام الخلي كأنما ... تبطن أجفاني سيال وعوسج
أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفةً ... يباشر مكواها الفؤاد فينضج
أحين تراءتك العيون جلاءها ... وأقذاءها أصحت مراثيك تنسج
بنفسي وإن فات الفداء بك الردى ... محاسنك اللائي تمخ فتنهج
لمن تستجد الأرض بعدك زينةً ... فتصبح في أثوابها تتبرج؟
سلامٌ وريحانٌ وروحٌ ورحمةٌ ... عليك وممدودٌ من الظل سجسج
ولا برح القاع الذي أنت جاره ... يرف عليه الأقحوان المفلج
ويا أسفي ألا ترد تحيةً ... سوى أرجٍ من طيب رمسك يأرج
ألا إنما ناح الحمائم بعدما ... ثويت وكانت قبل ذلك تهزج
أذم إليك العين إن دموعها ... تداعى بنار الحزن حين توهج
وأحمدها لو كفكفت من غروبها ... عليك وخلت لاعج الحزن يلعج
وليس البكا أن تسفح العين إنما ... أحر البكاءين البكاء المولج
أتمتعني عيني عليك بعبرةٍ ... وأنت لأذيال الروامس مدرج
فإني إلى أن يدفن القلب داءه ... ليقتلني الداء الدفين لأحوج
عفاءٌ على دارٍ ظعنت لغيرها ... فليس بها للصالحين معرج

(1/165)


ألا أيها المستبشرون بيومه ... أظلت عليكم غمةٌ لا تفرج
أكلكم أمسى اطمأن مهاده ... بأن رسول الله في القبر مزعج
فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم ... بوجهٍ كأن اللون منه اليرندج
فلو شهد الهيجا بقلب أبيكم ... غداة التقى الجمعان والخيل تمعج
لأعطى يد العاني أو أرمد هارباً ... كما ارمد بالقاع الظليم المهيج
ولكنه ما زال يغشى بنحره ... شبا الحرب حتى قال ذو الجهل: أهوج
وحاشا له من تلكم غير أنه ... أبي خطة الأمر التي هي أسمج
وأين به عن ذاك؟ لا أين إنه ... إليه بعرقيه الزكيين محرج
كدأب علي في المواطن قبله ... أبي حسن، والغصن من حيث يخرج
كأني به كالليث يحمي عرينه ... وأشباله لا يزدهيه المهجهج
كأني أراه والرماح تنوشه ... شوارع كالأشطان تدلى وتخلج
كأني أراه إذ هوى عن جواده ... وعفر بالتراب الجبين المشجج
فحب به جسماً إلى الأرض إذ هوى ... وحب بها روحاً إلى الله تعرج
أأرديتم يحيى ولم يطو أيطل ... طراداً ولم يدبر من الخيل منسج؟
تأتت لكم فيه منى السوء هينةً ... وذاك لكم بالغي أغرى وألهج
تمدون في طغيانكم وضلالكم ... ويستدرج المغرور منكم فيدرج
أجنوا بني العباس من شنآنكم ... وشدوا على ما في العياب وأشرجوا
وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم ... فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا
نظار لكم أن يرجع الحق راجع ... إلى أهله يوماً فتشجوا كما شجوا
على حين لا عذرى لمعتذريكم ... ولا لكم من حجة الله مخرج
فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم ... وبينهم إن اللواقح تنتج
غررتم إذا صدقتم أن حالةً ... تدوم لكم، والدهر لونان أخرج
لعل لهم في منطوي الغيث ثائراً ... سيسمو لكم والصبح في الليل مولج
بمجر تضيق الأرض من زفراته ... له زجل ينفي الوحوش وهزمج
إذا شيم بالأبصار أبرق بيضه ... بوارق لا يسطيعهن المحمج
نوامضه شمس الضحى فكأنما ... يرى البحر في أعراضه يتموج
له وقدةٌ بين السماء وبينه ... تلم به الطير العوافي فتهرج
إذا كر في أعراضه الطرف أعرضت ... حراج تحار العين فيها فتحرج
يؤيده ركنان ثبتان: رجلةٌ ... وخيل كأرسال الجراد وأوثج
عليها رجال كالليوث بسالةً ... بأمثانهم يثنى الأبي فيعنج
تدانوا فما للنقع فيهم خصاصةٌ ... تنفسه عن خيلهم حين ترهج
فلوا حصبتهم بالفضاء سحابةٌ ... لظل عليهم حصبها يتدحرج
كأن الزجاج اللهذميات فيهم ... هنالك بأطراف الرديني مسرج
يود الذي لا قوه أن سلاحه ... هنالك خلخال عليه ودملج
فيدرك ثار الله أنصار دينه ... ولله أوس آخرون وخزرج
وتظعن خوف السبي بعد إقامةٍ ... ظغائن لم يضرب عليهن هودج
ويقضي إمام الحق فيكم قضاءه ... تماماً وما كل الحوامل تخدج
وقد كان في يحيى مذمر خطةٍ ... وناتجها لو كان في الأمر منتج
هنالكم يشفى تبيغ جهلكم ... إذا ظلت الأعناق بالسيف تودج
محضتكم نصحي وإني بعدها ... لأعنق فيما ساءكم وأهملج
مهٍ لا تعادوا غرة البغي بينكم ... كما يتعادى شعلة النار عرفج
أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم ... يكاد أخوكم بطنةً يتبعج
تمشون مختالين في حجراتكم ... ثقال الخطا أكفالكم تترجرج

(1/166)


وليدهم بادي الطوى ووليدكم ... من الريف ريان العظام خدلج
تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم ... ويشرع فيه أرتبيل وأبلج
فقد ألجمتهم خيفة القتل عنكم ... وبالقوم جاج في الحيازم حوج
بنفسي الألى كظتهم حسراتكم ... فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا
ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم ... كلابكم منها بهيم وديزج
الديزج: الذي كان نبش قبر الحسين في أيام المتوكل، ونبق فيه الماء، ومنع الناس الزيارة إلى أن قتل المتوكل.
وعيرتموهم بالسواد ولم يزل ... من العرب الأمحاض أخضر أدعج
ولكنكم زرق يزين وجوهكم ... بني الروم، ألوان من الورم نعج
لئن لم تكن بالهاشميين عاهةٌ ... لما شكلكم تالله إلا المعلهج
بآية ألا يبرح المرء منكم ... يكب على حر الجبين فيعفج
يبيت إذا الصهباء روت مشاشة ... يساوره علج من الروم أعلج
فيطعنه في سبة السوء طعنةً ... يقوم لها من تحته وهو أفحج
لذاك بني العباس يصبر مثلكم ... ويصبر للموت الكمي المدجج
فهل عاهةٌ إلا كهذي وإنكم ... لأكذب مسئولٍ عن الحق يلهج
فلا تجلسوا وسط المجالس وتخبثوا ... وأن يسبقوا بالصالحات ويفلجوا
وإن كنتم منهم وكان أبوكم ... أباهم فإن الصفو بالرنق يمزج
أروني امرأً منهم يزن بأبنةٍ ... ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج
لعمري لقد أغرى القلوب ابن طاهرٍ ... ببغضائكم ما دامت الريح تنأج
سعى لكم مسعاة سوءٍ ذميمةً ... سعى مثلها مستكره الرجل أعرج
فلن تعدموا ما حنت النيب فتنةً ... تحش كما حش الحريق الموجج
وقد بدأت لو تزجرون بريحها ... بوائجها من كل أوبٍ تبوج
بني مصعب ما للنبي وأهله ... عدو سواكم أفصحوا أو فلجلجوا
دماء بني عباسكم وعليهم ... لكم كذماء الترك والروم تهرج
يلي سفكها العوران والعرج منكم ... وغوغاءكم جهلاً بذلك تبهج
وما بكم أن تنصروا أولياءكم ... ولكن هنات في الصدور تأجج
ولو أمكنتكم في الفريقين فرصةٌ ... لقد أظهرت أشياء تلوى وتحنج
إذن لاستقدتم منهما وتر فارسٍ ... وإن ولياكم فالوشائج أوشج
أبى أن تحبوهم بد الدهر ذكركم ... ليالي لا ينفك منكم متوج
وإني على الإسلام منكم لخائف ... بوائق شتى بابها الآن مرتج
وفي الحزم أن يستدرك الناس أمركم ... وحبلهم مستحكم العقد مدمج
نظار فإن الله طالب وتره ... بني مصعب لن يسبق الله مدلج
لعل قلوباً قد أطلتم غليلها ... ستظفر منكم بالشفاء فتثلج
وقال علي بن محمد بن جعفر العلوي يذكر دخولهم على محمد بن عبد الله بن طاهر في التهنئة:
قتلت أعز من ركب المطايا ... وجئتك أستلينك في الكلام
وعز علي أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حد الحسام
ولكن الجناح إذا أهيضت ... قوادمه يدف على الأكام
وقال أيضاً يرثي يحيى:
تضوع مسكاً جانب القبر إن ثوى ... وما كان لولا شلوه يتضوع
مصارع أقوام كرام أعزة ... أبيح ليحيى الخير في القوم مصرع
وقال أيضاً يرثيه:
فإن يك يحيى أدرك الحتف يومه ... فما مات حتى مات وهو كريم
وما مات حتى قال طلاب نفسه: ... سقى الله يحيى إنه لصميم
فتى آنست بالروع والبأس نفسه ... وليس كمن لاقاه وهو سنوم
فتى غرة لليوم وهو بهيم ... ووجه لوجه الجمع وهو عظيم

(1/167)


لعمرو ابنه الطيار إذ نتحت به ... له شيم لا تحتوي ونسيم
لقد بيضت وجه الزمان بوجهه ... وسرت به الإسلام وهو كظيم
فما انتجبت من مثله هاشمية ... ولا قلبته الكف وهو فطيم
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي، قال: حدثنا محمد بن أحمد الحر، قال حدثنا محمد بن الحسين بن السميدع، قال: قال لي عمي: ما رأيت رجلاً أورع من يحيى بن عمر، أتيته فقلت له: يا بن رسول الله، لعل الذي حملك على هذا الأمر الضيقة، وعندي ألف دينار ما أملك سواها فخذها فهي لك، وآخذ لك من إخوان لي ألف دينار آخر.
قال: فرفع رأسه ثم قال: فلانة بنت فلان - يعني زوجته - طالق ثلاثاً، إن كان خروجي إلا غضباً لله عز وجل.
فقلت له: امدد يدك، فبايعته وخرجت معه.
الحسين بن محمد بن حمزة
والحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويعرف بالحرون.
خرج بالكوفة بعدي يحيى بن عمر، فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان في عسكر عظيم، فلما قارب الكوفة خرج الحسين الحرون عنها وخالفه الطريق حتى صار إلى سر من رأى، وقد بويع المعتز فبايع له، وانصرف مزاحم عن الكوفة.
فمكث الحسين الحرون مدة ثم هرب، وأراد الخروج ثانية فرد وحبس بضع عشرة سنة، فأطلقه المعتمد بعد ذلك في سنة ثمان وستين ومائتين.
فخرج أيضاً بسواد الكوفة، فعاد وأفسد فظفر به في آخر سنة تسع وستين ومائتين، فحمل إلى الموفق فحبسه بواسط فمكث في محبسه سنة سبعين وإحدى وسبعين، ثم توفي، فأمر الموفق بدفنه والصلاة عليه.
ولم يكن ممن يحمد مذهبه في خروجه فنسوق خبره ولقد رأيت جماعة من الكوفيين يعيرون من خرج معه بذلك ويسبونه به.
محمد بن جعفر بن الحسن
ومحمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علين بن أبي طالب عليه السلام كان خليفة الحسين الحرون، فخرج بعده بالكوفة، فكتب إليه ابن طاهر بتوليته الكوفة، وخدعه بذلك، فلما تمكن بها أخذه خليفة أبي الساج فحمله إلى سر من رأى، فحبس بها حتى مات.
وكان معه في وقت خروجه رجل من ولد محمد بن الحنيفة لم يقع إلى نسبه، فلما أخذ هرب إلى ناحية أرمينية فقتله غلمانه بها.
أيام المعتز
إسماعيل بن يوسف
وخرج في هذه الأيام: إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، فعاث وأفسد، وعرض للحجاج، وتبعه أمثال له، وقطع الميرة عن الحرم، وكرهت ذكره، إذ كان غرضي غير ذلك.
الحسن بن يوسف
وقتل في هذه الأيالة أخوه: الحسن بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وأمه أم سلمة بنت محمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، في حرب كانت بين أخيه إسماعيل وبن أهل مكة، أصابه سهم فقتله.
جعفر بن عيسى
وقتل في هذه الواقعة أيضاً: جعفر بن عيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر أبي طالب.
وأمه أم ولد.
أحمد بن عبد الله
وقتل عبد الرحمن خليفة أبي الساج بمكة: أحمد بن عبد الله بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي.
عيسى بن إسماعيل
وتوفي في الحبس: عيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وأمه فاطمة بنت سليمان بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله.
كان أبو الساج حمله فحبس بالكوفة فمات هناك.
جعفر بن محمد
وقتل بالري: جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وبين عبد الله بن عزيز، عامل محمد بن طاهر بالري.
إبراهيم بن محمد
وقتل: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي.
وأمه أم ولد.
قتله طاهر بن عبد الله في وقعة كانت بينه وبين الكوكبي قزوين.
أحمد بن محمد
وحبس الحرث بن أسد عامل أبي الساج بالمدينة: أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في دار مروان، فمات في محبسه.
أيام المهتدي

(1/168)


علي بن زيد بن الحسين
فممن خرج في هذه الأيام: علي بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمه بنت القاسم بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب.
كان خروجه بالكوفة، بايعه نفر من عوامها وأعرابها.
ولم يكن للزيدية وأهل الفضل والوجوه فيه هوى.
ورأيت من شاهده منهم ذامين لمذهبه.
فوجه إليه المهتدي الشاه بن المكيال في عسكر ضخم، وذلك قبل خروج الناجم بالبصرة.
فحدثني علي بن سليمان الكوفي، قال: قال لي أبي: كنا مع علي بن زيد ونحن زهاء مائتي فارس نازلين ناحية من سواد الكوفة، وقد بلغنا خبر الشاه بن المكيال ونحن معه نحيون، فقال لنا علي بن زيد: إن القوم لا يريدون غيري، فاذهبوا، أنتم في حل من بيعتي.
فقلنا: لا والله لا نفعل هذا أبداً. فأقمنا معه، ووافانا الشاه في جيش عظيم - لا يطاق، فدخلنا من رعبه أمر عظيم، فلما رأى ما لحقنا من الجزع قال لنا: اثبتوا وانظروا ما أصنع، فثبتنا وانتضى سيفه، ثم قنع فرسه وحمل في وسطهم يضربهم يميناً وشمالاً، فأفرجوا له حتى صار خلفهم، وعلا على تلعة فلوح إلينا، ثم حمل من خلفهم فأفرجوا له حتى عاد إلينا، وحمل الثالثة وحملنا معه فهزمناهم أقبح هزيمة، فكانت هذه قصته، إلا أن أهل الكوفة لم يخفوا معه لما لحقهم في أيام يحيى بن عمر من القتل والأسر.
محمد بن القاسم
ونحم الناجم بالبصرة.
فخرج إليه علي بن زيد ومعه جماعة من الطالبيين منهم: محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب.
وأمه لبابة بنت محمد بن إبراهيم بن الحسن بن عبيد الله.
طاهر بن أحمد بن القاسم
وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكانوا مع علي بن زيد في معسكر الناجم، فلما تبين علي بن زيد أمره ودعوته وما هو عليه كان يستميل قواده ويعرفهم خبره ويدعوهم إلى نفسه، فبلغ الناجم خبره فدعا به والاثنين الآخرين فضرب أعناقهم صبراً.
وهذا مما جرى في أيام المعتمد إلا أن خروجه كان في أيام المهتدي فذكرناه فيها.
الحسين بن محمد بن حمزة
وخرج في هذه الأيام: موسى بن بغا وهو مقيم بهمدان. ووجه كيغلغ لحرب الكوكبي بقزوين وكانت بينهما وقعة قتل فيها: الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
يحيى بن علي
وقتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز: يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد.
وأمه بنت عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قتل بقرية من قرى الري، في ولاية عبد الله بن عزيز.
محمد بن الحسن
وأسر الحرث بن أسد بالحار: محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي.
وحمله إلى المدينة فتوفي بالصفراء، فقطع الحرث رجليه، وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.
جعفر بن إسحاق
وجعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي قتله سعيد الحاجب بالبصرة.
موسى بن عبد الله
وموسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وكان رجلاً صالحاً، راوياً للحديث، قد روى عنه عمر بن شبة، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي. وغيرهم.
كان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد بن يحيى بن عبد الله بن موسى وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين، إلى العراق، فعارضته بنو فزارة بالحاجز فأخذوهم من يده فمضوا بهم، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم، ورجع مع سعيد الحاجب، فلما كان بزبالة دس إليه سماً فقتله، وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة ست وخمسين ومائتين.
عيسى بن إسماعيل
وعيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر. أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالحار، وحمله فمات بالكوفة.
محمد بن عبد الله
ومحمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

(1/169)


علي بن موسى
وعلي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
حبسه عيسى بن محمد المخزومي بمكة، فمات في حبسه.
محمد بن الحسين
ومحمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
حمله عبد الله بن عزيز عامل طاهر إلى سر من رأى.
علي بن موسى
وحمل معه: علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.
إبراهيم بن موسى
وإبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
حبسه محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور عامل المهتدي على المدينة، فمات في حبسه، ودفن في البقيع.
عبد الله بن محمد
وعبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن.
وأمه فاطمة بنت إسماعيل بن إبراهيم بن موسى.
حبسه أبو الساج بالمدينة، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور، ثم توفي في حبسه، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالقيع.
أيام المعتمد
أحمد بن محمد بن عبد الله
ظهر فيها: أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الحسن بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وأمه امرأة من الأنصار من ولد عثمان بن حنيف.
قتله أحمد بن طولون على باب أسوان، وحمل رأسه إلى المعتمد.
أحمد بن محمد بن جعفر
وأحمد بن محمد بن جعفر بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي.
حمله محمد بن ميكال مع أبيه إلى نيسابور، فمات أبوه قبله، وقد ذكرنا خبره متقدماً، وتوفي هو بعد في أيام المعتمد.
عبيد الله بن علي
وعبيد الله بن علي بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين.
قتل بالطواحين في وقعة كانت بين أحمد بن الموفق، وبين خمارويه بن أحمد بن طولون.
علي بن إبراهيم
وعلي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي.
قتل بسر من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله.
محمد بن أحمد بن محمد
ومحمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي.
وأمه أم نوفل بنت جعفر بن الحسين بن علي بن عمر بن علي بن الحسين.
ضرب عبد العزيز بن أبي دلف عنقه صبراً بآبة وهي قرية بين قم وسادة.
حمزة بن الحسن
وحمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قتله صلاب التركي صبراً ومثل به، وكان أسره في وقعة كانت بينه وبين هوذان الديلمي.
حمزة بن عيسى
وحمزة بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
قتل في الوقعة التي كانت بين الصفار والحسن بطبرستان.
محمد وإبراهيم ابنا الحسن
وقتل في هذه الوقعة أيضاً.
محمد، وإبراهيم ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
الحسن بن محمد
والحسن بن محمد بن زيد بن عيسى بن زيد بن الحسين.
قتل في هذه الوقعة أيضاً.
إسماعيل بن عبد الله
وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قتل في هذه الوقعة أيضاً.
محمد بن الحسين
وتوفي في السجن بسر من رأى: محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
وأمه ابنة عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
موسى بن موسى
وتوفي أيضاً في السجن بسر من رأى: موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات.
محمد بن أحمد بن عيسى
وحمل سعيد الحاجب: محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي.
أحمد بن محمد

(1/170)


وحمل ابنيه أحمد وعلياً فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس، وأطلق على ابن محمد وهو حي إلى الوقت الذي صنفت فيه هذا الكتاب، وقد كتبت عنه الأحاديث، وروى عن محمد بن المنصور المرادي كتب جده أحمد بن عيسى بن زيد في الأحكام.
الحسين بن إبراهيم
والحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي.
حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور، ثم حمله معه حين خرج إلى طبرستان. وتوفي في الطريق رضي الله عنه.
محمد بن عبد الله
ومحمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن.
توفي في حبس يعقوب بنيسابور وكان أسره بطبرستان، وتوفي في محبسه.
علي وعبد الله ابنا موسى
وسعى رافع بن الليث إلى رافع بجماعة من آل أبي طالب، وذكر له أنهم يريدون الخلاف عليه، فأخذ منهم أربعة وهم: علي وعبد الله ابنا موسى بن عبد الله بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي.
علي بن جعفر
وعلي بن جعفر بن هارون بن إسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
محمد بن عبد الله
ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليهم السلام.
أيام المعتضد
فممن قتل منهم فيها:
محمد بن زيد
محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو المعروف بالداعي، صاحب طبرستان.
كان إسماعيل بن أحمد المتغلب على خراسان بعث إليه قائداً من قواده يقال له: محمد بن هارون، وأمره بحربه، فوافقه على باب جرجان، فقتل في الوقعة، وجد جريحاً وبه رمق، فحمل إلى جرجان فمات بها.
وأسر ابنه زيد بن محمد.
وصلى عليه محمد بن هارون ودفنه. وذلك في شهر رمضان سنة تسع وثمانين ومائتين.
وحمل ابنه زيد إلى خراسان، فهو بها إلى الآن مقيم.
محمد بن عبد الله
ومحمد بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب.
كان أخذ في أيام علي بن محمد صاحب البصرة، فحبس ومات في خلافة المعتضد في حبسه.
أيام المكتفي
فممن قتل منهم فيها:
محمد بن علي
محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
علي بن محمد
وعلي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قتلا على الدكة مع القرمطي المعروف بصاحب الخال، من غير أن يكونا خرجا معه، وإنما اتهما فأخذا فقطعت أيديهما وأرجلهما، وضربت أعناقهما صبراً.
زيد بن الحسين
وزيد بن الحسين بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قتله القرمطي فيما يذكرونه في طريق مكة.
حدثني حكيم بن يحيى، قال: كان الحسين بن الحسين بن زيد شيخ بني هاشم وذا قعددهم، وكانت الأموال تحمل إليه من الآفاق.
فاجتمعنا يوماً عند جدك أبي الحسن محمد بن أحمد الأصبهاني، وجماعة الطالبيين، فيهم الحسين بن الحسين بن زيد بن علي، ومحمد بن علي بن حمزة العلوي العباسي، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، فقال جدك للحسين: يا أبا عبد الله، أنت أقعد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم، وأبو هاشم أقعد ولد جعفر، وأنتما شيخا ألا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يدعو لهم بالبقاء.
قال: فنفس محمد بن علي بن حمزة ذلك عليهما فقال له يا أبا الحسن، وما ينفعهما من القعدد في هذا الزمان ولو طلبا عليه من أهل العصر باقة بقل ما أعطياها.
قال: فغضب الحسين بن الحسين من ذلك ثم قال: لي تقول هذا؟ فوالله ما أحب أن نسبي أبعد مما هو بأب واحد يبعدني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الدنيا بحذافيرها لي.
قال حكيم: وكان للحسين ابن يقال له زيد، هو المقتول في طريق مكة.
وكان من فتيان بني هاشم؛ سخاءً، وظرفاً، وجمالاً.

(1/171)


وكان يعاشر أولاد المتوكل، فإذا دعوه رأى ما عندهم من الآلة والفرش والآنية، فيجيء إلى أبيه فيقول: إني أردت أن أدعو بني عمي هؤلاء وأتصنع لهم بمثل ما عندهم، فأعطني ما أنفقه، فيعطيه ويسرف، وربما صادف منه ضيقة فيقول: ليس عندي ما أعطيك، فيخرج مغضباً، ويحلف له أنه يخرج على السلطان، فيقوم إليه فيناشده الله ويبكي، فلا يجيبه، فيدخل إلى أمه، وكانت أم ولد - فيقول لها: إن زيداً طلب كذا وكذا، وحلف أني إن لم أعطه خرج على السلطان، فأعطيني من حليك بمقدار ما يريد، فتقول له: إنه يرهبك بهذا وليس يخرج فدعه مرة واحدة وجرب، فيقول لها: هيهات، ليس الأمر حيث تظنين. شنشنة أعرفها من أخزم.
ثم لا يبرح حتى تعطيه ما يريد.
محمد بن حمزة
ومحمد بن حمزة بن عبيد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قتله محمد بن طغج في بستان له، رضي الله عنه.
حدثني أحمد بن محمد المسيب، قال: كان محمد بن حمزة من رجالات بني هاشم وكان إذا ذكر ابن طغج لا يؤمره ويثلبه، ويستطيل عليه إذا حضر مجلسه، فاحتال ابن طغج على غلام لبعض الرجالة فستره ثم أعلم أنه في دار محمد بن حمزة وضراه به فاستعوى جماعة من الرجالة فكبسوه وهو في بستان، فقطعوه بالسكاكين، وبقي عامة يومه مطروحاً في البستان، وهم يترددون إليه فيضربونه بسيوفهم، هيبة له وخوفاً أن يكون حياً أو به رمق فيلحقهم ما يكرهون رضي الله عنه.
أيام المقتدر
فممن قتل منهم فيها:
العباس بن إسحاق
العباس بن إسحاق وهو الذي يقال له المهلوس بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قتله الأرمن بمدينة بأرمينية يقال لها دبيل.
حدثني بذلك الحسين بن محمد القطربلي.
المحسن بن جعفر
وقتلت الأعراب في بعض نواحي البر المحسن بن جعفر بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي.
وأدخل رأسه بعد ذلك إلى بغداد، وأظهر من قتله أنه كان دعا إلى خلاف السلطان فقتله لذلك.
وقتل بالكوفة رجل من الطالبيين لم يقع إلى نسبه، في الحرب التي كانت بين العباسيين والعلويين بسبب المسجد الذي بناه أبو الحسن علي بن إبراهيم العلوي في وسط المسجد الجامع في الموضع الذي كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يجلس فيه للقضاء، فإن العباسيين أنكروا ذلك وهدموه وصاروا إلى قبر أمير المؤمنين فشعثوا من حائطه وأرادوا هدمه، فخرج إليهم الطالبيون فقاتلوهم فقتل من العباسيين نفر، وقتل من الطالبيين رجل، فحمل ورقاء بن محمد بن ورقاء جماعة من الطالبيين وحرمهم وأولادهم إلى بغداد مقيدين ليشهروا ويحبسوا، فصادف ورودهم وزارة أبي الحسن علي بن محمد بن الفرات، فأحسن إليهم وخلى سبيلهم.
طاهر بن يحيى
وكتب إلينا أن صاحب الصلاة بالمدينة دس سماً إلى طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي، فقتله.
وكان سيداً فاضلاً، وقد روى عن أبيه وغيره، وكتب عنه أصحابنا.
وقتل القرمطي المعروف بابن الحباني بالكوفة عند وصوله إياها رجلاً من ولد طباطبا لم يقع إلى نسبه.
وقتل بناحية اليمامة جماعة منهم يقال لهم: بنوا الأخيضر، لم تقع إلينا أنسابهم. ثم استولوا عليها وعظم شأنهم فيها في عز القرامطة، وبلادهم في منعة لا يقدر معها عليهم.
ذكر محمد بن علي مقاتل جماعة منهم
ذكر محمد بن علي بن حمزة مقاتل جماعة من الطالبيين لم يتول قتلهم السلطان ولم يحصر أوقات مقاتلهم بتاريخ فذكرت ذلك بحكايته متبرئاً من خطأ، إن كان فيه، أو زلل أو سهو.
الحسن بن محمد
الحسن بن محمد بن عبد الله الأشتر بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي.
قتل في طريق مكة.
قتله بنو نبهان من طيء.
عبد الله بن محمد
وعبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
قتله السودان بالجار.
علي بن علي
وعلي بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن زيد بن الحسن بن علي بن علي.
قتله بنو مالك من جهينة بين الأعيفر وذي المروة.
القاسم بن زيد
والقاسم بن زيد بن الحسن بن عيسى بن علي بن الحسن بن علي.
وأمه بنت القاسم بن عقيل بن عبد الله بن محمد بن عقيل.

(1/172)


قتله طيء في موضع يسمى المعبال بين الوادي وذي المروة.
محمد بن عبد الله
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي.
قتلته طيء بالرويضات، رمي بسهم.
محمد بن أحمد
ومحمد بن أحمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي.
وأمه فاطمة بنت محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي.
قتله غلمانه بفرع المسور.
علي بن موسى
وعلي بن موسى بن علي بن علي بن محمد بن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب.
وأمه زينب بنت الحسين بن الحسن بن الأفطس.
قتل ببعض أعراض المدينة.
القاسم بن يعقوب
والقاسم بن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
قتله زياد بن سوار، ويقال: قتله بنو سليم، ويقال: بنو شيبان بموضع يعرف بعرق الظبية.
جعفر بن صالح
وجعفر بن صالح بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله.
وأمه من بني مخزوم.
قتله السودان أيام إسماعيل بن يوسف.
عبد الرحمن بن محمد
وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر.
وأمه من ولد طلحة بن عبيد الله.
قتله سليمان بن بشر السلمي.
أحمد بن القاسم
وأحمد بن القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن علي بن الحسين.
قتله الصعاليك على ثلاث مراحل من الري، وكان متوجهاً إلى نسا وأبيورد، وكان أهلها دعوه إلى أنفسهم فصار إليهم.
الحسين بن علي
والحسين بن علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.
قتل بتفليس من بلاد أرمينية، قتله قوم يقال لهم الصفارية.
محمد بن أحمد
ومحمد بن أحمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي.
قتله الأرمن بشمشاط.
محمد بن جعفر
ومحمد بن جعفر بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي.
وأمه امرأة من الأنصار.
مر بقوم من قعدة الخوارج فقتلوه.
القاسم بن أحمد
والقاسم بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وأمه من ولد الزبير.
قتل بالبجة من أرض الحبشة.
جعفر بن الحسين
وجعفر بن الحسين بن الحسن الأفطس بن علي بن الحسين.
الحسين بن الحسين
والحسين بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي.
قتلا وهما منصرفان من عسكر عبد الله بن عبد الحميد العمري.
وكان قد غلب على ناحية من نواحي البجة.
أحمد بن الحسن
وأحمد بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن عمر بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
زيد بن عيسى
وزيد بن عيسى بن عبد الله بن أبي مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قتلا مع عبد الله بن عبد الحميد في حرب كانت بينه وبين ملك النوبة.
علي بن محمد
وعلي بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن حمزة بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر.
قتله رجل من قيس بن ثعلبة بمعدن النحلة.
جعفر بن إسحاق
وجعفر بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب.
قتله العمري الذي غلب على أرض البجة صبراً.
محمد بن علي
ومحمد بن علي بن إسحاق بن جعفر بن القاسم بن إسحاق الجعفري.
قتله هذا العمري في حرب كانت بينه وبين إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
أحمد بن علي
وأحمد بن علي بن محمد بن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب.
قتله أخوه عيسى بن علي بينبع رضي الله عنه.
داود بن محمد
داود بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب.
قتله إدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى بينبع.
أيوب بن القاسم
وأيوب بن القاسم بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي.
قتل ببلاد النوبة.
جعفر بن علي
وجعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي.
قتل على باب نيسابور في وقعة كانت بين محمد بن زيد وبين أهلها.
الحسين بن أحمد الكوكبي

(1/173)


والكوكبي وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد الأرقط بن عبد الله بن علي بن الحسين.
وأمه بنت جعفر بن إسماعيل بن محمد بن علي بن الحسين.
قتله الحسن بن زيد، وكان قد بلغه عنه أنه يريد خلافه وأنه قد اجتمع.
عبيد الله بن الحسن
وعبيد الله بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي على ذلك، فدعا بهما فأغلظ لهما، فردا عليه، فأمر بهما فديست بطونهما، ثم ألقاهما في بركة فغرقهما فماتا جميعاً، ثم أخرجا فألقيا في سرادب فلم يزالا فيه حتى دخل الصفار البلد فأخرجهما ودفنهما.
وفي عبيد الله بن الحسن يقول سعيد بن محمد الأنصاري فيما حدثني به أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن:
يا كيف أنسيت قتلى قد مضوا سلفاً ... وصاحبي أمل أو ذقت سلوانا
صلى عليهم مليك الناس ما طلعت ... شمس وما حركت قمرية بانا
وقال أيضاً:
يا قتيلاً يا مسلماً لغشوم ... لو بسيف تلقاه كان قتيلا
عق آباءه وقرباه منه ... وعصى الله ربه والرسولا
الحسن بن محمد العقيقي
والعقيقي وهو الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمه أم عبد الله بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وكان ابن خالة الحسن بن زيد، وكان يخلفه بسارية فبلغه أن الحسن قد قتل في وقعة كانت بينه وبين الخجستاني فدعا إلى نفسه ووافى الحسن بعد ذلك مغلولاً، فانتقض أمر العقيقي ومضى إلى جرجان والتحق بالخجستاني، فسار الحسن بن زيد إليه فواقعه فهزم العقيقي ونجا فرجع إلى جرجان، فوجه إليه الحسن بن زيد أخاه محمداً فأمنه فخرج إليه على ذلك، فأمر به الحسن فضربت عنقه صبراً.
الحسن بن عيسى
والحسن بن عيسى بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين.
قتله الخجستاني بجرجان.
محمد بن حمزة
وذكر أن الحسن بن زيد سم محمد بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد.
ابن داود بن إبراهيم
وقتل إدريس بن موسى ابناً لدواد بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي.
إدريس بن علي
وإدريس بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن.
قتلته أم ولد رجل عمري بالمدينة.
سليمان بن علي
وقتل محمد بن علي بن القاسم بن محمد بن يوسف أخاه سليمان.
وجد بطبرستان مقتولاً.
ويقال: قتله الحسن بن أبي الطاهر.
أحمد بن عيسى
أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
الذين قتلوا في الحرب بين العلويين والجعفرين
وقتل في الحرب التي كانت بين العلويين والجعفريين عالم بينهم لا يحصى، وقد ذكرنا بعض ما وقع إلينا من ذلك، فمنهم: داود بن أحمد بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
قتله الجعفريون بالمضيق في حرب كانت بينهم وبين العلويين.
وقتل في هذه الأيام: علي، وأحمد ابنا إدريس بن محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري.
وأحمد، وصالح ابنا محمد بن جعفر بن إبراهيم.
ومحمد، وعبد الله ابنا داود بن موسى بن عبد الله بن الحسن.
ومحمد بن جعفر بن الحسن بن موسى بن جعفر.
وعلي بن محمد بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد بن علي.
وصالح بن موسى بن عبد الله بن موسى.
قتلوا في حرب كانت بين إدريس بن عبد الله بن موسى وداود بن موسى الحسني.
وإبراهيم بن عبد الله بن داود بن محمد بن جعفر بن إبراهيم.
وابن لدواد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر.
وقتل محمد بن الحسن بن جعفر بن موسى بن جعفر ثمانية نفر من الجعفريين وجدهم في موضع فقتلهم رضي الله عنهم أجمعين.
والحسين بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن الحسن. قتل بالمدينة في هذه الأيام.
وقتل بنو محمد بن يوسف أبا القاسم.
أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي وابنه محمداً.
وإبراهيم بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد.
وقتل الجعفريون في طريق اليمن: محمد بن يحيى بن محمد بن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.

(1/174)


وأحمد بن علي بن عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين.
ومحمد بن جعفر بن الحسن بن موسى بن جعفر بن محمد.
وقتل صالح بن موسى بن عبد الله أخو إدريس: محمد بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن.
ومحمد بن جعفر بن محمد بن إبراهيم الحسني.
وقتل في هذه الفتنة.
أحمد بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن.
ومحمد بن أحمد بن أحمد بن علي الحسني.
والحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي ويعرف بابن أبي رواح.
وعلي بن محمد بن عبد الله الفأفأء الجعفري المعروف بأبي شرواط.
وأحمد بن علي بن إسحاق الجعفري.
ومطرف بن داود بن محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري.
وقتل أصحاب أبي الساج في سنة حج.
صالح بن محمد بن جعفر بن إبراهيم.
والعباس بن محمد بن عمه.
وحملت رؤوسهما إلى الكوفة.
وقتل الحسين بن يوسف أخو إسماعيل بن يوسف في مكة في وقعة كانت بين أهلها وبين إسماعيل.
وقتل في هذه الواقعة مع إسماعيل: جعفر بن عيسى بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم الجعفري.
وقتل السودان عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن في تلك الأيام.
وولى المدينة موسى بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم الجعفري.
فوثب عليه محمد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن، وكان ابن عم الحسن بن زيد الداعي بطبرستان، ودعا إلى الحسن بن زيد، وقتل موسى بن محمد هذا وابنه علياً.
والحسين بن محمد بن يوسف أخو موسى هذا، وجه به أخوه إلى وادي القرى وقد عصى أهلها فقتلوه.
وقتل جعفر بن محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري.
قتله أصحاب إسماعيل بن يوسف.
والقاسم بن زيد بن الحسين بن الحسين بن عيسى بن زيد.
قتله طيء بذي المروة.
وعبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن جعفر بن إبراهيم.
قتله بنو سليم في منزله بالغابة.
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني: هذا ما انتهى إلينا من أخبار من قتل من آل أبي طالب رضوان الله عليهم ورحمته، منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي جمعنا فيه هذا الكتاب. وفرغنا منه وذلك في جمادى الأولى من سنة ثلاث عشرة وثلثمائة.
على أن بنواحي اليمن في هذا الوقت، وبنواحي طبرستان، جماعة من آل أبي طالب عليهم السلام، قد ملكوها وغلبوا عليها، إلا أن أخبارهم منقطعة عنا لقلة من ينقلها إلينا، بل لعدمهم وفقدانهم، وينبغي أن تكون لهم أخبار قد فاتتنا ولم نقدر على علمها، ولا ندفع أنه يكون فيما بعد منا منهم قتلى لم نعرف أخبارهم ممن سبيله سبيل من ذكرنا ممن خرج على السلطان وأظهر نفسه ودعا إلى ما كان سلفه يدعون إليه.
وكان كل من خالف هذا السبيل وقتل على ضدها منهم يستتر خبره ويخفى أمره. ويدرس ذكره.
ونسأل الله العصمة والتوفيق لطاعته فيما أتيناه ونحوناه من قول وعمل. وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(1/175)