الكتاب : مطلع البدور ومجمع البحور المؤلف : العلامة المؤرخ أحمد بن صالح بن أبي الرجال |
مطلع البدور ومجمع البحور
تأليف العلامة المؤرخ
أحمد بن صالح بن أبي الرجال
الجزء الأول
تحقيق
عبدالسلام عباس الوجيه………محمد يحيى سالم عزان
مركز التراث والبحوث اليمني
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
المقدمة:
الحمد لله الذي جعل علماء العترة للحق علماً، وجعلهم سفناً للنجاة [من الأهوال](2) وعِصَماً، وأبقاهم حفَّاظ الكتاب وتراجمه، ورُقَى الجهل الذي هو الدَّاء الدوى(3) ومراهمَه، فهم عند كل بدعةٍ يُكاد بها الإسلام يُظهرون الحقَّ، ويعلون، وينورونه، ويعلنون، ويردُّون عنه كيد الكائدين، وزيغ المبطلين، وانتحال الجاهلين، فهم على ذلك بوعد الصادق المصدوق لا يزالون على الحق ظاهرين. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وصفيُّه، وحبيبه، ونجيبه، ونجيه الذي اختاره على علمٍ، وزينه بالكمال والحلم، فلم يزل مصفياً لشرائع الإسلام لكل وارد، صادعاً بالحق في كل المصادر والموارد، حتى إذا أكمل الله به الدين، ورجُحت من الحق الموازين، ندبه الله إلى قربه فانتدب، وأحبَّ له دار الجزاء ونعم ما أحب، بعد أن أو ضح المحجَّة، وصرَّح الحجَّة، وقام خطيباً يوماً بعد يوم في ملأ بعد ملأ، وقوم بعد قوم، في ذلك يقول ما رواه مسلم في صحيحه، والترمذي، وأحمد في مسنده، والطبراني في الأوسط، وأبو يَعلَى، والحاكم في المستدرك مِن ثلاث طرق، قال في كل واحدة منها: صحيحة على شرط الشيخين، ولم يخرجاه - يعني من تلك الثلاث - وابن عقدة في الموالاة، والطبراني في الكبير والضياء في المختارة، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد بسندٍ جيد، وأبو موسى المدني في الصحابة، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء، وابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه بسندٍ جيَّد، والدَّولابي في الذرية الطاهرة، والبزَّار، والزرندي الشافعي،
__________
(1) في (ب): رب يسر وأعن يا كريم.
(2) سقط من (أ) وهو في (ب).
(3) الدوى: المَرَ. (القاموس المحيط - ص 1180).
وغيرهم بألفاظ مختلفة متفقة المعاني: ((إني تارك فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إنَّ اللطيف الخبير نبأني(1) أنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض))(2). إلى غير هذا الحديث مما طار كل مطار، وملأ النواحي والأقطار، فحفظت العترة الزكيَّة ما استُحفظت، وأحسنت الخلافة فيما عليه استخلفت؛ فهم علماء الملَّة الأعلام، وهم الملوك و(هم)(3) الحكام، وهم أهل العهدة في الإقدام والإحجام، ولذلك كان التجديد لأديان هذه الأمَّة من خصائصهم، ومن شأن المجدِّد لصنعة من مضى أن يكون هو العالم بمقدمات الصنعة وموادّها، بحيث يرضاه الصانع الأول خليفةً، وذلك فيما أخرج أبو إسماعيل الهرَوي من طريق حميد بن زنجويه، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يروى(4) في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ((إنَّ الله يمنّ على أهل دينه من رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي يبيّن لهم أمر دينهم))(5)، وروَاه
__________
(1) في (أ): أنبأني.
(2) حديث مشهور رواه أغلب المحدثين أصحاب الصحاح والمسانيد بطرق شتى وألفاظ مختلفة فمن أخرجه وفيه لفظ العترة الإمام زيد عليه السلام في المجموع 404، والإمام علي بن موسى الرضا في الصحيفة 464، والدولابي في الذرية الطاهرة166 رقم (228) والبزار 3/89 رقم (864) عن علي عليه السلام وأخرجه مسلم 15/179 والترمذي 5/622 رقم (3788 وابن خزيمة 4/62 رقم (2357) والطحاوي في مشكل الآثار 4/368-369، وابن أبي شيبة في المصنف 7/418، وابن عساكر في تاريخ دمشق 5/369 "تهذيبه، والطبري في ذخائر العقبى 16، والبيهقي في السنن الكبرى 7/30 والطبراني في الكبير 5/166 رقم (4969) والنسائي في الخصائص 150 رقم (276).
(3) زيادة في (ب).
(4) في (أ): يروي، وفي (ب): يروي، وفي (ب): نروي.
(5) الحديث جاء في سنن أبي داوود بلفظ: ((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها..)) برقم (4291).
العلامة السبكي من طريق أبي هريرة، (وأبو نعيم)(1)، وذكره الجلال السيوطي في منظومته، قال: وهو قويٌّ، وفي مرقاة الصعود وغيرها أيضاً، وكان أيضاً خاتمة الأئمة الذين تُمْلأُ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً منهم؟ وتنقطع في وقته المقالات إلا مقالته، وتضيع الدلالات إلا دلالته، وذلك آية (بينة)(2) وبرهان ظاهر أن مذهب أهل البيت هو المذهب، ولو لم يكونوا هم الأمناء والخلفاء لأعيى الخطب في حل مشكل ما رواه البخاري في صحيحه: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم(3) اثنان)) ولهذا، أعوزت المسالك من تصدَّى لشرح البخاري حتى هُدِي لذلك الشيخ ابن حجر في فتح الباري، فإنه قال ما لفظه: ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في بعض الأقطار دون بعض، فإن البلاد اليمنيَّة وهي النجود فيها طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة تلك البلاد معهم من أواخر المائة الثالثة، إلى أن قال: فبقي الأمر في قريش في قطر من الأقطار في الجملة، إلى آخر كلامه، ولو لم يكن العترة في هذه المثابة لكان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قد تركنا في طخيَاء مظلمة نتهارج، ونتفانى - والعياذ بالله - بغير هدًى ولا كتاب منير، ولم يصدق قوله - عزَّ وجلَّ -: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي? (المائدة: 3)، ولا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((ما عملت(4) شيئاً يقودكم إلى الجنة إلاَّ وقد دللتكم عليه))، وأيّ ضيعة؟ والله يصون مقامه أعظم من أن تبقى هذه الحنيفيَّة بغير أعلام هدى، يدعي كل أحدٍ أنه الحافظ لها والحائط لأكنافها، وهم مع ذلك شاهرو سيوف المخاصمة، ومشرعو سهام المكالمة، في التخطية والتصويب، والتصديق والتكذيب، قد تفرَّقوا فرقاً كثيرة وادَّعى البعض أنه صاحب السنة والجماعة، وخصمه صاحب البدعة والفرقة، ولم يكن المسمَّى بهذا الاسم
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) زيادة في (ب).
(3) في (أ): منها.
(4) لعلها ما علمت.
المستحق له مجهولاً عند العلماء، ولا متروكاً عن البيان، بل قد بينته الأخبار، فروى أبو داود: ((من أحب حسناً وحسيناً وأباهما وأمهما كان معي في الجنة، ومات متبعاً للسنة)) (1).
وفي ((الكشاف)) عند تفسير قوله تعالى: ?قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى? (الشورى: 23)، وروي أنَّها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودَّتهم؟ قال: ((علي وفاطمة وابناهما))(2) ثُمَّ ساق الكلام حتَّى قال: وروي أنَّ الأنصار قالوا: فعلنا، وفعلنا كأنهم افتخروا، فقال عباس أو(3) ابن عباس: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فأتاهم في مجلسهم فقال: ((يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي)) (4)؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي))؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي))(5)؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. قال: ((ألم تكونوا ضلاَّلاً فهداكم الله بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله))، قال: ((أفلا تجيبونني))؟ قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: ((ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم
__________
(1) الحديث بلفظ مقارب عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى سنن الترمذي (3733) مسند أحمد بن حنبل 1/76،77، كنز العمال 34161، 37613، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 4/206، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/288.
(2) الكشاف 4/ 223 ـ 224. طبعة دار إحياء التراث العربي، بيورت ـ لبنان. الطبعة الثانية 1421هـ ـ 2001.
(3) في (أ): وابن عباس.
(4) الحديث بلفظ مقارب عزاه صاحب الموسوعة إلى مسند أحمد بن حنبل 3/57، منصف عبدالرزاق 19918، تفسير الطبري 25/16، الدر المنثور للسيوطي 6/6.
(5) ملاحظة: قوله: ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي، فقالوا: بلى يا رسول الله. فكررت هنا ثلاث مرات ولم ترد في الكشاف إلا مرة واحدة.
يكذبُّوك فصدَّقناك؟ أولم يخذلوك فنصرناك))؟ قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا ومافي أيدينا لله ولرسوله فنزلت الآية))(1) وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((من مات على حبِّ آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبِّ آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة، ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان(2) إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة))(3) انتهى. فتدبر قوله: مات على السنة والجماعة.
وروى ابن يزداد في المصابيح، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: الجماعة ما وافق طاعة الله، وإن كان رجلاً واحداً.
__________
(1) المصدر السابق 4 /224.
(2) في (ب): فتح له بابان في قبره إلى الجنة.
(3) المصدر السابق 4/ 225.
وسأل ابن الكوَّا أمير المؤمنين - عليه السلام - عن السنَّة والبدعة والجماعة والفرقة؟ فقال: ((السنة ما سنَّه محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والبدعة ما خالفها، والجماعة جماعة أهل الحق وإن قلوا، والفرقة متابعة أهل الباطل وإن كثروا)) وفي الجامع الكبير للجلال السيوطي من طريق وكيع أن علياً - كرَّم الله وجهه - كان يخطب فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟ فقال: ((ويحك أما إذا سألتني، فافهم عني ولا عليك أن تسأل عنها أحداً بعدي، فأمَّا أهل الجماعة فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله، وأمَّا أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتبعني وإن كثروا، وأمَّا أهل السنة فالمتمسكون بما سنَّه الله لهم ورسوله وإن قلّوا، وأما أهل البدعة فالمخالفون لأمر الله وكتابه ورسوله، القائلون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا، وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها واستئصالها عن حَدبَة الأرض)).
وروى ابن حجر الهيثمي الشافعي، عن أحمد بن حنبل أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعليٍّ - كرَّم الله وجهه -: ((أنتَ أخِي، وأبُو ولدي، وتقاتل على سنّتي)) (1) انتهى. وأخرج الدار قطني في الفضائل عن معقل بن يسار، قال: سمعت أبا بكرٍ يقول: علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - عترة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أيَّ الَّذي حثَّ على التمسك بهم، وعلي هُو يعسوب المؤمنين، وهو رأس أهل البيت المطهَّرين؛ ولهذا قد روى ابن عقدة الحافظ أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا وصَّى بأهل البيت في أحد ألفاظ الحديث المتقدم فسَّره بعلي - كرم الله وجهه - وأقامه للناس، ولا ريب أن أهل البيت لا يخالفونه، ويحرصون(2) على الرواية عنه والانتماء إليه، وأمَّا العامَّة فلا تخصصون(3) مقامه تخصيصه، وإن ادَّعوا قيامهم بحقه فدعوَى عاطلة عن البرهان، بل قام البرهان من فعلهم على خلاف دَعوَاهم.
__________
(1) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى: كنز العمال 36491.
(2) في (أ): ويحرضون.
(3) لعلها بخصيصة.
فإن قائلهم يقول: لو شهد عليّ في باقة بَقْلٍ ما قبله، وجمهورهم إن لم يكونوا أجمعين يزنونه بميزان معاوية الطليق، ولا يجعلون لعلي - كرم الله وجهه - مزيّة، بل قالوا: كلاهما في الجنة، وهي شهادة منهم لغير مدعي، فإن معاوية لا يساعدهم على ذلك، فكيف بعليٍّ - كرَّم الله وجهه - وكيف يساعدهم معاوية وخطباؤه يشهرون اللَّعن لعلي - عليه السلام - على آلافٍ من المنابر؟ وكيف يساعدهم علي - كرم الله وجهه - وهو يقنت في صلاته بلعن معاوية؟ فهذه الطوائف زادت في معاداة علي - كرم الله وجهه - على معاداة معاوية له، فإنهم صوَّبوا معاوية في جميع معاداته لعليٍّ، فكانوا شركاءه فيما صنع، وزادوا على (1) ذلك بإرغام أنف أمير المؤمنين - صلوات الله عليه، وصانه عن الإرغام - بأن قالوا: عدوك الذي لعنته، ولعنك من أهل عليين، من الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصَّالحين. ولقد أحسن كرَّم الله وجهه في جوابه على من انتحل هذه المقالة في زمانه، فإنه حكى الماوردي صاحب (أدب الدين والدنيا) من الشافعية أنَّ رجلاً قال لأمير المؤمنين - كرَّم الله وجهه -: أنا أحبك، وأحب معاوية، فقال له - عليه السلام -: ((إذاً أنت أعور، فإمّا أحببتني وكنت صحيحاً، وإلاَّ أحببت معاوية وكنت أعمًى))، أو كما قال، فهي رواية بالمعنَى.
__________
(1) في (أ): في.
وقد قال الحكماء: صديق عدوك عدُوك، وليت شعري ما أبقى القوم لما رواه مسلم في صحيحه من قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - لعليٍّ: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلاَّ منافق)) (1) مِنْ معنًى، وما أبقوا للحديث المتقدم المشتمل على التوصية بأهل البيت من معنىً أيضاً(2) مع تظاهر طرقه ووضوح معاني ألفاظها، مع حاجة كل فريق منهم إلى نصرة إمامه برواية لا تصح، أو برواية لا ظهور لها في ذلك الإمام، أو بكثرة الأتباع، كما حكى نجم الدين البغدادي في ((شرح الأربعين النووية)) أنه رأى كتاباً لبعض الحنفيَّة في مناقب أبي حنيفة - رضي الله عنه - وافتخر فيه بكثرة الأتباع وجلالتهم، ثم قال معرضاً بباقي المذاهب(3):
أولئك أصحابي فجئني بمثلهم… إذا جمعتنا يا جرير المجامع
__________
(1) الخبر: أخبرجه الطبراني في المعجم الأوسط (2/337) عن عمران بن الحصين، والهيثمي في مجمع الزوائد (9/133)، والترمذي في السنن (5/643) برقم (3736) وصححه، ومن صحيح ابن حبان (15/367) رقم (6924) عن علي - عليه السلام - وفي مسند أحمد (1/128) رقم (1062)، وفي السنن الكبرى للنسائي (2/137) رقم (8485)، سنن ابن ماجة (1/45). هداية الراغبين ص(163 – 164).
(2) في (أ): من معنى أيضاً بظاهر طرقه.
(3) في (أ): معرضاً في المذهب.
ثم ساق البغدادي كلاماً غريباً من هذا القبيل حتى قال ما لفظه: وحتى جعل كل فريقٍ يروي السنة في تفضيل إمامه، فالمالكيَّة رووا: ((يوشك أن يضرب الناس الإبل فلا يوجد عالم مثل عالم المدينة)) (1)، قالوا: وهو مالك. والشافعيَّة رووا: ((الأئمة من قريش، وتعلَّموا من قريش، ولا تعلموها، وعالم قريش يملأ الأرض علماً))، قالوا: ولم يظهر من قريش بهذه الصفة إلا الشافعي. والحنفيَّة رووا: ((يكون في أمتي رجل يقال له: النعمان(2)، هو سراج أمتي، ويكون فيهم رجل يقال له: محمد بن إدريس هو أضرّ على أمتي من إبليس)). والحنابلة رووا: ((يكون في أمتي رجل يقال له: أحمد بن حنبل يصبر على سنتي صبر الأنبياء)) أو كما قال ذهب عني لفظه. انتهى ما أردت نقله من كلام نجم الدين البغدادي، وهو رجُل جليل، ترجم له الأسيوطي، وعدَّله من التصانيف مختصراً (الروضة) في الأصول، و(شرح الأربعين)، و(شرح التبريزي في مذهب الشافعي)، وغير ذلك، مات في رجب سنة عشر وسبعمائة، ومثل ما ذكره بل أضعافه قد ذكره الجويني، ولو لا خوف الإطالة لذكرت بعض ما قال.
وأمَّا الاستقصاء فهو يخرج بنا عمَّا أردناه، فإنه صنَّف كتاباً على أبواب الفقه في إظهار عوار مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد أجاب عليه بمثل ذلك من الحنفيَّة الشيخ الكردي، ولقد تكلم الجويني بمثالب للإمامَين مالك وأبي حنيفة، لا يجوز تقليدهم معها، والله يصونهم عنها، وليس هذا من غرضنا، لكن الحديث (ذو)(3) شجون.
__________
(1) الحديث بلفظ مقارب عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى التمهيد لابن عبدالبر 6/35، والانتقاء لابن عبدالبر 19،20.
(2) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى الموضوعات لابن الجوزي 2/49، الكامل في الضعفاء لابن عدي 1/182.
(3) سقط من (ب).
ولمَّا اطلعت فيما يسره الله لي من المطالعات على ما وضعه كل فريق لجماعته من التراجم البسيطة وغير البسيطة، وقد كان لأهل البيت من ذلك أكثر مما للفقهاء، فإن كل إمامٍ داعي من أئمتهم له في إمامته وصفاته الخلْقيَّة والخلُقيَّة مجلدات تساوي السيرة التي اعتنى بها ابن هشام، بل رُبَّما كان للإمام ثلاث سير يعتني بها ثلاثة من العلماء، ولكن الزيدية - كثرهم الله - اقتصروا على هذا النوع في ذكر علمائهم، ورأوا أنَّ العناية بالمتبوع تغني عن التابع، فإنَّ رؤساء الأمَّة هم دعاة آل محمد - صلوات الله عليه وعليهم - فاقتصروا على ذلك، ووقع الإخلال بذكر جماعَة من العلماء النبلاء أهل الكمالات في العلميَّات والعمليَّات ممن تشد إليهم الرحال (وتثني(1) عليهم الخناصر عند تعداد الكملة من الرجال)، مع أنهم ليسوا كغيرهم بل لهم مقام أجل إذ هم الأتباع الموافقون لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في الأقوال والأفعال.
وقد روى الحسين - عليه السلام - عن جده - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما رواه الطبراني في (الأوسط): ((الزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله - عزَّ وجلَّ - وهو يودّنا دخل الجنَّة بشفاعتنا، والذي نفس محمد بيده لا ينفع عبداً عملُه إلا بمعرفة حقنا)).
__________
(1) وتثني عليهم الخناصر عند تعداد الكملة من الرجال) غير موجود في (أ).
وعن أبي رافع - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه -: ((أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض رواء مرويين مبيَضَّة وجوهكم، وإن عدوك يردون عليّ الحوض ضمأى مقبحين)) (1) أخرجه الطبراني في (الكبير) من حديث محمد بن عبدالله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، وفي بعض الروايات: ((وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا))، ومن حديث علي - رضي الله عنه -: ((إن الله قد غفر لشيعتك ومحبي(2) شيعتك)).
وروى المحبّ الطبري عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي)).
وروى ابن عدي في الكامل عن أنس، عنه - صلى الله عليه وآله وسلم-: ((أحبوا أهل بيتي، وأحبوا علياً، من أبغض أحداً من أهل بيتي فقد حرم شفاعتي)).
وروى البخاري مرفوعاً: ((حب آل محمد خير من عبادة سنة))، وعن علي - كرم الله وجهه (في الجنة)- (3) ورواه أيضاً معاوية، وهو عجيب منه قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنَّ عظيمة)) ذكره الديلمي في (الفردوس)، وذكره ولده أيضاً.
__________
(1) عزاه صاحب موسوعة أطراف الحديث إلى مجمع الزوائد للهيثمي 9/131، المعجم الكبير للطبراني 1/298، الدر المنثور للسيوطي 6/379، واللآلئ المصنوعة للسيوطي 1/197، تنزيه الشريعة لابن عراق 1/366، الفوائد المجموعة للشوكاني 380.
(2) سقط من (أ) ومحبي شيعتك.
(3) زيادة في (ب).
وروى القاضي عياض في (الشفاء): ((معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - جواز على الصراط، والولاية لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أمان من العذاب))، وعن علي صلوات الله عليه، قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((يرد أهل بيتي ومن أحبَّهم كهاتين السبَّابتين))، ذكره المحب الطبري. وعن زين العابدين أنه قال: من أحبنا نفعه الله بحبنا ولو أنه بالديلم، أخرجه الجعابي في (الطالبيين)، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((أنا شجرة، وفاطمة حملها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، والمحبون أهل بيتي ورقها، هم في الجنة حقاً حقاً)) (1)، أخرجه الديلمي، وعن علي - صلوات الله عليه - رفعه: ((يا علي، إن أهل شيعتنا يخرجون من قبورهم (يوم القيامة)(2) على ما هم من الذنوب والعيوب وجوههم كالقمر ليلة البدر)) (3) الحديث رواه السخاوي. وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((من مات على حب آل محمد(4) مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً))، وفيه: ((مات مؤمناً مستكمل الإيمان))، وفيه: ((بشره ملك الموت،، ومنكر ونكير))، وفيه: ((يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها))،
__________
(1) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى اللآلئ المصنوعة للسيوطي 1/210، تذكرة الموضوعات 99، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 4/321، تنزيه الشريعة لابن عراق 1/414، الموضوعات لابن الجوزي 2/5، ميزان الاعتدال 1896، 8981، لسان الميزان لابن حجر 2/98، الكامل في الضعفاء لابن عدي 6/2451.
(2) سقط من (ب).
(3) الحديث عزاه في الموسوعة إلى الموضوعات لابن الجوزي (2: 7).
(4) الحديث عزاه في الموسوعة إلى تفسير القرطبي (16: 23)، وأخرجه ابن المغازلي برقم (52) ص 54، قال محققه وهو تفسير الكشاف للزمخشري ج/3 ص 82.
وفيه: ((فتح له في قبره بابان إلى الجنة))، وفيه: ((مات على السنة والجماعة))، وفيه: ((من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة وبين عينيه آيس من رحمة الله)) أخرجه الثعلبي.
ولأحمد في مناقبه عن الحسين - عليه السلام -: ((من دمعت عيناه فينا قطرة آتاه الله - عزَّ وجلَّ - الجنة)) والأحاديث في (هذا)(1) المعنى كثيرة، ومن ذلك عن علي - عليه السلام - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((من أحبنا بقلبه، وأعاننا بيده ولسانه كنت أنا وهو في عليِّين، ومن أحبّنا بقلبه، وأعاننا بلسانه، وكفَّ يده فهو في الدرجة التي تليها، ومن أحبنا بقلبه، وكفَّ عنَّا لسانه ويده فهو في الدرجة التي تليها)) (2)، رواه نعيم بن حماد.
وعن أبي هريرة قال(3) - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((خيركم خيركم لأهل بيتي من بعدي)) (4) رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات.
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال(5) - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((إن لله - عزَّ وجلَّ - ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ دنياه ولا آخرته))، قلت: وماهنَّ؟ قال: ((حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي)) (6)، أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الشيخ في الثواب.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) الحديث عزاه في الموسوعة إلى كنز العمال (37513)، والضعفاء للعقيلي (2/ 331).
(3) لعلها: قال: قال.
(4) الحديث عزاه في الموسوعة إلى السلسلة الصحيحة للألباني (1845)، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (7/277)، مستدرك الحاكم (3/311)، مجمع الزوائد للهيثمي (9/174).
(5) لعلها: قال: قال.
(6) الحديث عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى المعجم الكبير للطبراني 3/135، مجمع الزوائد للهيثمي: 1/88، 9/168، كنز العمال 308، أمالي الشجري 1/152، ميزان الاعتدال 6308، لسان الميزان لابن حجر 5/1.
وعن عليٍّ - كرَّم الله وجهه-: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ((من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لأحد ثلاثة: إمَّا منافق، وإمَّا لز نية، وإمَّا امرؤ حملت به أمه في غير طهر)) (1) أخرجه أبو الشيخ في الثواب.
وعن الحسين - عليه السلام -: ((من والانا فلرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والى، ومن عادانا فلرسول الله صلى الله عليه /8/ وآله وسلم عادى)).
وعن عبد الله أظنه الكامل - عليه السلام -: (كفى بالمحب لنا أنسه إلى من يحبنا، وكفى بالمبغض لنا بغضاً أنسه إلى من يبغضنا) رواه الجعابي.
وروى الجعابي - أيضاً - عن يحيى بن زيد بن علي - عليه السلام -: (إنما شيعتنا من جاهد فينا، ومنع من ظلمنا حتى يأخذ الله - عزَّ وجلَّ - لنا بحقنا) والأحاديث في الباب كثيرة والقليل يدل على الكثير.
وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((والذي نفسي بيده لا يبغضنا، أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار)) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأخرجه ابن حبَّان في صحيحه من طريق أخرى عن أبي سعيد - رحمه الله - بلفظ: ((لا يبغضنا أهل البيت رجل إلا أدخله الله النار)) (2) وترجم عليه إيجاب الحلول في النار لمبغِض أهل البيت، وفي مسند الديلمي: ((من أبغضنا فهو منافق)) (3).
__________
(1) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى الكامل في الضعفاء لابن عدي 3/1060.
(2) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى الدر المنثور للسيوطي 6/7، كنز العمال 34203.
(3) عزاه في الموسوعة إلى الدر المنثور للسيوطي 6/7.
وعن الحسن بن علي - عليهما السلام - أنه قال لمعاوية بن خديج: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار)) (1) أخرجه الطبراني في الأوسط.
وعن علي - عليه السلام - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((اللهم، ارزق من أبغضني وأهل بيتي كثرة المال والعيال كفاهم بذلك أن يكثر مالهم فيطول حسابهم وأن يكثر عيالهم فتكثر شياطينهم)) أورده الديلمي وابنه أيضاً.
وعن جابر أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً وإن شهد أن لا إله إلا الله)) أخرجه الطبراني في الأوسط والعقيلي.
وعن ابن عبَّاس أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((يا بني عبد المطلب، إني سألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء(2)، فلو أن رجلاً صفن(3) بين الركن والمقام يصلي(4) وصام ثم لقي الله (وهو)(5) مبغض لآل بيت محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل النار)) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم(6).
__________
(1) عزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى الدر المنثور للسيوطي 6/7.
(2) في (ب) ساقطة.
(3) صفن: صَفَّ قدميه. (القاموس المحيط) ص 1116).
(4) لعلها: فصلى.
(5) زيادة في (ب).
(6) في المستدرك 3/148،149: ((يا بني عبد المطلب، إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء، فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثُمَّ لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار)).
وعنه - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من سبَّ أهل بيتي فإنما يريد الله والإسلام)) أخرجه الجعابيّ في الطالبييِّن، وأخرج أيضاً(1) ((من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله))(2)، فدعتني الرغبة في الخبر إلى كتابة أسماء جماعة ظفرت بأسمائهم في كتب مفرَّقة على جهة التقريب لا التحقيق والاستقصاء، فإنه محال لكثرة عددهم مع تعدد الأزمنة، فإن الزيدية أقدم المذاهب أصلاً، فإن إمامهم - عليه السلام - هو شيخ الإمام أبي حنيفة، وأبو حنيفة أقدم الفقهاء الأربعة، وبلاد الزيدية متشتتة بالعراق وهم العدد، وبالحجاز فإن بوادي المدينة المشرفة على أصل الفطرة الأولى من مذهب آل محمَّد؛ لأنهم في باديتهم لا يخالطون، فبقوا على /9/ صفتهم، ومنهم من هو في اليمن النجود منه والعوالي وبعض بطون تهامة كما سيمر بك - إن شاء الله تعالى - بعض أحوالهم، وأمَّا المغرب فذكر من هنالك الدامغاني، وذكر بعض العلماء أنهم العدد الكثير، فإن(3) زيدية اليمن بالنسبة إليهم كالشعرة البيضاء في أديم الثور الأسود، هذا كلامه، فالاستقصاء محال لا سيما لمثلي، فإن التصدي لهذا الشأن يحتاج إلى همَّة سامية(4)، وإلى ترحل إلى مقامات أهل الإفادة، ووجدان أمهات وأسفار، وكل ذلك (عني)(5) بمراحل، غير أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((قاربوا وسدِّدوا))(6) وفي أمثال العامَّة: (غبار العمل خير من زعفران البطالة)، ولقد حدا بي(7) إلى هذه البغيَة أمران:
__________
(1) عزاه في موسوعة أطراف الحديث بلفظ (من آذاني في أهلي) إلى كنز العمال 6/469.
(2) في (ب): من آذى عترتي.
(3) في (ب): وإن.
(4) في (ب): فإن المتصدي لهذا الشأن محتاج إلى همة سامية.
(5) سقط من (أ).
(6) عزاه صاحب الموسوعة إلى مسند أحمد بن حنبل 2/248.
(7) في (ب): ولقد حداني.
أحدهما: التبرك بذكر العلماء والصَّالحين، والتسبب للدعاء لهم ولي من الراغبين في الخير، فإن هؤلاء الأجلاء محلهم عند الله مكين، فقد روي عن بعض السلف - رحمهم الله تعالى - في تفسير ?وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ? (الفتح: 4) جنود السماء: الملائكة، وجنود الأرض: الزيدية. وروي عن بعض السلف أيضاً: لو نزلت رايات من السماء نزلت على علماء الزيدية. وروي أيضاً فيهم: لو كان في الأرض ملائكة يمشون لكانوا علماء الزيدية، أو كما قال كل ذلك من كلام السلف الكرام - رضي الله عنهم - فهذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: تعريف الطالب الراغب بما عليه سلفه من الكمال، فقد جعل ذلك من طرق المقلدين إلى الترجيح للأئمة، فتقليد هؤلاء الأجلاء لأولئك الأئمة أعظم دليل على فضل الأئمة، مع أنه قد توهم كثير من الجهال أنه ليس لأهل البيت ولا لشيعتهم بسطة في الحديث والتفسير والأدوات، وذلك الظان أتي من قبل نفسه، ومن جهة قصور همته، فإن القصور لا ينتج الكمال، فإنه ما من علم عقلي أو نقلي إلا ولهم فيه السَّابقة الأولى واليد الطولى، كما سترى نعت جماعة – إن شاء الله تعالى - بالتحقيق في اللغة، وبعضهم في الأصول، وبعضهم في التفسير، وغير ذلك من العلوم الإسلامية، فلهم مثلما لغيرهم، فإنَّ هذه العلوم لم تختص بفريقٍ بل كل علم لَهُ رجال من جميع الطوائف، فمنهم من له في علم واحدٍ حظ كامل، فبرع فيه، ولم تشغله (عنه)(1) الشواغل، ومنهم من تَعدَّاه إلى ثانٍ أو ثالث، والعلوم هبَات، وكم من محقق لا يلحق، قد زاغ عن الحق، وقد قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - كما رواه القضاعي: (العلم نقطة أكثرها(2) الجهل) أو كما قال. وأهل البيت وشيعتهم همهم العمل، والناس صنفان: منهم من همَّه الرواية، ومنهم من همه الرعاية، وقليل العلم مع العمل كثير. وهاهنا كلام /10/ نفيس ذكره الحافظ السيد محمد بن إبراهيم، وعبّر عن هذا المرام بأوفى عبارة، والحق ما قال والله يحب الإنصاف، قال السيد المذكور في عواصمه ما لفظه: الإنصاف لا يشك من أنصف من نفسه، وترك العصبية في رأيه أن هذه الأمة المرحومة قد تقسمت الفضائل، وانتدبت كل طائفة منها لإتقان عمل فاضل، فأهل الأدب أتقنوا الإعراب، وأتوا في جميع أنواعه بما يأخذ بمجامع الألباب، وأهل القراءات حفظوا الحروف القرآنيَّة وبيَّنوا المتواتر والصحيح والشاذ في إعراب الآي السماوية؛ وأهل الحديث ضبطوا الآثار والسنن، وأوضحوا أحوال الرجال، وبيّنوا العلل؛ والفقهاء أوعبوا الكلام على
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): كَثَّرها.
الحوادث، وأفادوا معرفة اختلاف الأمة واجتماعها؛ وأهل الأصول ذللوا سبل الاجتهاد، ومهَّدوا كيفية الاستنباط، وكذلك سائر أهل الفنون المفيدة والعلوم النفيسة، وكل أبدع، وأجاد، وأحسن، وأفاد، وأكمل ما تعرَّض له، وزاد.
وممَّن ذكر هذا المعنى الإمام المؤيَّد بالله في كتابه في (إثبات النبوءات)(1)، والشيخ الصَّالح الشهرودي صاحب (عوارف المعارف)، فإذا عرفت هذا فلا يعزب عنك معرفة خصيصتين:
__________
(1) هو كتاب النبوات، طبع بعنوان: (إثبات نبوة النبي) بتحقيق خليل أحمد إبراهيم الحاج، وصدر عن دار الباز السعودية للطباعة والنشر.
الخصيصة الأولى: أن أهل البيت - عليهم السلام - اختصوا من هذه الفضائل بأشرف أقسامها وأطول أعلامها، وذلك لأنهم كانوا على ما كان عليه السَّلف الصالح من الصحابة والتابعين من الاشتغال بجهاد أعداء الله، وبذل النفوس في مرضاة الله، مع الإعراض عن زهرة الدنيا، وترك المتشابهات(1)، والاقتصاد في المأكول والملبوس، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والقيام بالفرائض والنوافل في أفضل أوقاتها على أتم هيئاتها، وتلاوة القرآن العظيم، والتهجد آناء الليل والنهار، والتحري والخوف من الله تعالى، والدعاء إلى الله - عزَّ وجلَّ - بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذل النصيحة للناس، وتعليمهم معالم الهدى، والاقتصار في العلم على ما اقتصر عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- ،(2) وعلى ما اقتصر عليه أصحابه المشهود لهم في كتاب الله تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وعلى ما اقتصر عليه التابعون الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنهم من خير القرون(3)، فإن جميع هؤلاء ما تشاغلوا بالإكثار من التواليف والتفاريع وجمع الحديث الكثير، وقد قال العلماء - رضي الله عنهم -: إن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم، والإفضل للمسلمين الاقتداء بالسلف، فإنهم كانوا على طريقة قد رآهم عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فأقرَّهم عليها، والله ما يعدل السلامة شيء.
__________
(1) لعله: المشتتهيات.
(2) في (ب): صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
(3) حديث ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم))، عزاه صاحب الموسوعة إلى: سنن الترمذي (2302)، (2303)، فتح الباري لابن حجر (7/6) (13/21)، إتحاف السادة المتقين للزبيدي (2/323)، تلخيص الحبير لابن حجر (4/204)، البداية والنهاية لابن كثير (6/286)، تفسير ابن كثير (7/493) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (2/53)، الأسرار المرفوعة لعلي القاري (271).
فنسأل الله السلامة، ولا شك أن عنايتهم بعد تحصيل ما لا بدَّ منه /11/ من العلم إنما كانت بالجهاد وافتقاد العامَّة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمحافظة على أورادهم في التهجد وقيام الليل ومناقشة النفوس وتهذيبها، وذلك أفضل مما كان عليه أكثر(1) المحدِّثين والفقهاء من الإخلال بكثير من هذه الفضائل الجليلة والنعوت الجميلة التي وردت نصوص الآيات القرآنية في وصف المؤمنين بذكرها، ولم يشتغل السلف الصَّالحون بغيرها، والذي كانوا عليه أولى من الإخلال به ، بسبب الاشتغال بجمع العلم الزائد على الكفاية، وقد نص الإمام المنصور بالله - عليه السلام - على مثل هذا الكلام في كتاب (المهذب)، واحتج بفعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفعل السلف الصَّالح، ولله دره ما كان أحسن استخراجه للفوائد من أفعال السلف الصالح وأحوالهم - رضي الله عنهم -، ثم ساق السيد محمد في هذا المساق كلاماً حسناً حتى قال: وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ذكر أويساً القرني، وأخبر أنه يشفع في مثل ربيعة ومضر، وجاء في فضله مالم يحضرني الآن، مع أن بعض أهل الحديث من أهل الحفظ الواسع والاطلاع التام على معرفة الرجال، ذكر أنه لم يرو عن أويس حديث قط، ولقد كان السَّلف يقلون الرواية جداً، فعن أبي عمرو الشيباني، قال: كنت أجلس إلى ابن مسعود حولاً لا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا قال: قال رسول الله استقبلته الرعدة، وقال: هكذا أو نحو ذا أو وهذا، مع أن ابن مسعود كان من أوعية العلم وأعيان علماء الصحابة وأهل الأصحاب والتلامذة، فلم تزد مروياته على ثماني مائة حديث وثمانية وأربعين حديثاً، وكذلك أضرابه من السَّابقين الأولين ونبلاء الأنصار والمهاجرين؛ هذا أبو ذر الغفاري الذي ((ما أظلت الخضراء أصدق لهجة منه)) (2)
__________
(1) في (ب): كثير من.
(2) الحديث عزاه في الموسوعة إلى: البداية والنهاية لابن كثير 7/165.
روى مائتي حديث وثمانين حديثاً؛ وهذا سلمان الفارسي الذي قال فيه عليٌّ - عليه السلام -: (إنه أدرك العلم الأوَّل والعلم الثاني)، روى ستين حديثاً، وهذا أبو عبيدة بن الجراح أمين الأمة روى أربعة عشر حديثاً، وأمثال هؤلاء السَّادة النجباء والأعلام العلماء الذين نص المصطفى عليه الصلاة(1) والسلام على أن غيرهم: (لو(2) أنفق مثل أُحُدٍٍ(3) ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصفه)(4)، ولقد روَى أبو أسامة عن سفيان الثوري أحد أقطاب الحديث التي تدور رحَاه عليها أنه قال: ليس طلب الحديث من عدَّة الموت، لكنه علم يتشاغل به الرجل، قال بعض حفاَّظ الحديث: صدق والله سفيان، فإن طلب الحديث شيء غير الحديث؛ فطلب الحديث اسم عرفي لأمور زائدة على تحصيل ماهيَّة الحديث وكثير منها مراقي إلى العلم، وأكثرها /12/ أمور يستعف بها المحدث، من تحصيل النسخ المليحة، ويطلب المعالي وتكثير الشيوخ والفرح بالألقاب والثناء وتمني العمر الطويل ليروي، وحب التفرد إلى أمور عديدة لازمة للأغراض النفسَانية لا للأعمال الرَّبانية، فإذا كان طلب الحديث النبوي محفوفاً بهذه الآفات فمتى خلاصك منها إلى الإخلاص؟ ومتى كان علم الآثار مدخولاً؟ فما ظنك بعلم المنطق والجدل وحكمة الأوائل التي تسلب الإيمان، وتورث الشكوك والحيرة؟ انتهى
__________
(1) في (ب): - عليه السلام -.
(2) الحديث عزاه في الموسوعة إلى: السنة لابن عاصم 2/478.
(3) زيادة في (ب): ذهباً.
(4) في (ب): ولا نصيفه.
قلت: والذي(1) اشتغل به أهل البيت - عليهم السلام - هو العلم النافع الذي روي فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنَّة قائمة، أو فريضة عادلة)) (2) رواه أبو داود في سننه إلى آخر كلام هذا السيَّد الحافظ، وحاصل كلامه أن الأئمة اشتغلوا بالعمل، وكذلك أقوال(3) أتباعهم، فإنهم لا يجيزون التخلف عنهم، وطريقهم في الورع مشهورة حتى إن بعض المتكلمين في الرجال جعل الدَّليل على أن عقدة والد الحافظ أحمد بن عقدة - رحمه الله - زيدي المذهب بأنه ضاع له درهم أو قال دينار، فطلبه الحاضرون حتى وجدُوه فلم يقبَله، وقال: من أين لي أنه درهمي؟ أو قال: ديناري، قال: وهذا يدل على أنه زيدي المذهب، فإنَّ هذه طريقة (علماء)(4) الزيدية، ومع هذا فلهم في العلم اليد المبسوطة.
هذا عبد السلام القزويني الزيدي ذكر ابن الدَّماميني الشافعي أنه جمع تفسيراً للقرآن لم يجمع في الإسلام مثله، فرغ منه في سبعمائة جزء، وسيأتي ذكره – إن شاء الله تعالى -، وهذا الإمام يحيى بن حمزة تعمَّر نيفاً على ثمانين سنة، قالوا: وعدَّت أيام عمره وكراريسه فأنافت الكراريس على عدَّتها، وفي ذلك يقول بعض العلماء:
لو عمرُه عدّ والتأليف منه أتى…لكل يوم كما قالوا بكرَّاس
__________
(1) في (ب): فالذي.
(2) الحديث عزاه في الموسوعة إلى: سنن أبي داود 2885، السنن الكبرى للبيهقي 6/208، جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر 2/23، سنن الدار قطني 4/68، كنز العمال 28659، أمالي الشجري 1/53، تفسير ابن كثير 2/195، تفسير القرطبي5/65.
(3) في (ب): وكذلك أقول: أتباعهم.
(4) زيادة في (ب).
وقال يوسف بن كنج الشافعي: إنه لا ينبغي أن يُفتى في مذهب الشافعي بحضرة السيّد المؤيد بالله والقصَّة مشهورة، وفي التحقيق أنَّ الزيدية منتسبون إلى علي بن أبي طالب وسبطيه وأمهما لإجماعهم على أنَّ الحق معهم، وإن انتسبوا إلى زيد بن علي - عليه السلام -، فما ذاك إلا لأنها وقعت فترة بعد قتل الحسين - عليه السلام - كادت تنسى أشهر صفات أهل البيت - عليهم السلام - وهي الجهاد، فقام زيد بسنة آبائه، فانتسب من وراؤه إليه لهذه الخصيصة، كما قال الإمام المهدي محمد بن عبد الله النفس الزكية: [فتح لنا والله زيد بن علي باب الجنة، وقال: ادخلوها بسلام آمنين] (1)، فلولا هذه لكان انتساب هذه العصابة إلى علي بن أبي طالب أولى، فإنه لا يستجيز زيد بن علي - عليه السلام - ولا غيره مخالفته، ولذلك ترى مجموعيه(2) /13/ مُنْتَسِبِيْن إلى عليٍّ - كرَّم الله وجهه -، وإن اختلف أهل البيت، فكما اختلف الفقهاء عن أئمتهم، بل اختلفت الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في التحليل والتحريم، فكما أن ذلك الخلاف لا يخرج الأمَّة عن كونها أمة، ولا الشافعي عن كونه شافعياً بمخالفته لإمامه، لوجهٍ، كذلك هؤلاء، فإن الاختلاف منشؤه قواعد أصولية في ترجيح القول الأوَّل لقوة دليله، كما قال قوم، والآخر لكونه ناسخاً كما قال آخرون، ولا شك أن زيد بن علي بعد سلفه شمس العترة المضيَّة آتاه الله مالم يؤت غيره، فهو كما قال الذهبي: جبل من علم، وكما قال هو في نفسه - عليه السلام - فيما رواه سهيل بن سليمان الرازي، عن أبيه، قال: شهدت زيد بن علي - عليه السلام -
__________
(1) رواه في هداية الراغبين عن النفس الزكية ص 178، وروى مثله في الروض النضير عن الإمام الحسين الفخي 1/105.
(2) أي المجموع الحديثي والفقهي للإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام -، طبع أكثر من مرة، وطبع مؤخراً عن مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية بتحقيق الأستاذ عبدالله حمود العزي.
يوم خرج لمحاربة القوم، فلم أرَ يوماً كان أبهى، ولا رجالاً أكثر قُرّاءً ولا فقهاً ولا أوفر سلاحاً من أصحاب زيد (بن علي)(1) - عليه السلام -، فخرج على بغلة شهباء وعليه عمامة سوداء، وبين يدي قربوس سرجه مصحف، فقال: (أيها الناس، أعينوني على أنباط الشام، فوالله لا يعينني عليهم أحد إلا رجوتُ أن يأتي يوم القيامة آمناً حتى يجوز على الصراط، ويدخل الجنَّة، فوالله ما وقفت هذا الموقف حتى علمت التأويل والتنزيل والمحكم والمتشابه والحلال والحرام بين الدفتين.. وقال: نحن ولاة أمر الله، وخزَّان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر)). قال الناصر للحق - عليه السلام -: معنى رعاة الشمس والقمر: (2) المحافظة على الصلاة. انتهى.
ومقام زيد (بن علي)(3) غني عن الإطناب والإكثار، وقد بسط العلماء في مصنفاتهم القول في الثناء عليه بإجماع منهم، ولو كتب ما في تأريخ الإسلام للذهبي من ذكره لخرج في مجلَّد.
قال في (هداية الرَّاغبين): وفي بعض كلام الباقر دليل عظيم على علم زيد - عليهما السلام - فإن الباقر إنما سمي بهذا الاسم لتبقره في العلم، والتبقر: التوسّع، فإذا اعترف الباقر لزيد بالسيادة فقد اعترف له بالزيادة(4).
قلت: يعني بقول الباقر هذا قوله فيه: (هذا والله سيّد بني هاشم)، وقوله لأبي خالد وأبي حمزة: (يا أبا خالد ويا أبا حمزة، إن زيداً أعطي من العلم علينا بسطة). انتهى
__________
(1) سقط من (ب).
(2) ما بين القوسين سقط من (أ) وهو في (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) هداية الراغبين ص:182.
قلت: فما ظنك برجل يقول فيه الباقر هكذا، والباقر من لا يخفى مكانه على أحد، ولقد ذكر الذهبي أن جابر الجعفي حفظ عن الباقر سبعين ألف حديث، ولنتبرَّك الآن بمن حضر اسمه الشريف من علمائنا، والرجاء في الله أن أقف على ما يكون به الكتاب حافلاً كافلاً لفوائد(1)، فإنه قد يتوهم المتوهم أني تصدَّيت للاستقصاء، فهذا ظن معلوم البطلان، ولقد تجاسرت على هذا النقل لما رأيت لبعض العلماء من الحنفية مثله، وابتدأت بإبراهيم بن أبي الفتوح وإن /14/ لم يكن محله على قواعد أهل المعجمات، تيمناً بالفتوح (إن شاء الله)(2) الرحماني، والله المستعان.
[حرف الألف]
إبراهيم بن أبي الفتوح(3) [ - ق 8] (4)
إبراهيم بن أبي الفتوح. قال السيد العلامة يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً في كتاب (الصِّلة): (كان هذا القاضي إبراهيم - نفع الله به - من علماء الكلام المبرِّزين فيه المحلقين، وفي أصول الفقه والفقه والعبادة وتلاوة الكتاب العزيز. وله من الخوف والزهد والحجا مالم(5) يمكن شرحه. كان حيّ الإمام الناصر يودّه ودّاً شافياً، وينشر من فضله، ويتفقد أحواله، ويعاتبه إذا طال(6) الغيبة عنه)، وكان له وَلد عارف ناسك، له يد في العلوم، درس على الفقيه الإمام أحمد بن مرغم بشبام. وحكى الفقيه العابد إمام العبَّاد إبراهيم الكينعي عن ولده محمد هذا حكاية عجيبة وكرامة لهذا ابن أبي الفتوح غريبة(7).
__________
(1) في (ب) بالفوائد.
(2) زيادة في (ب).
(3) مصادر ترجمة إبراهيم: أعمدة الطالب ص 205.
(4) مصادر الترجمة: صلة الأخوان في حلية بركة علامة الزمان (سيرة إبراهيم الكينعي) تحت الطبع (بتحقيقنا).
(5) في الصلة: مالا.
(6) في (ب): أطال.
(7) في (ب): كرامة عجيبة وحكاية لهذا ابن أبي الفتوح.
روى إبراهيم الكينعي - رحمه الله - عن القاضي محمد بن إبراهيم الأجازي(1)، قال: ووجدتها معلقة معه، وكان - رضي الله عنه - يحب إظهاره، لأنه كل ما كان يقرب إلى الله يحب(2) إظهاره ما لفظه: أقول وأنا العبد الفقير إلى الله محمد بن إبراهيم بن أبي الفتوح الزيدي، كنت واقفاً أنا ووالدي إبراهيم ووالدتي وامرأة لأبي أيضاً في صرح دارٍ نحن فيه(3) ساكنون ببيت حاضرِ(4)، من أعمال صنعاء، وفوق الصَّرح مخزان مغلق، وفوقه سقف آخر، والشمس حامية، ولا سحاب في السماء نراه، إذ نبع علينا ماء من وسط الخشبة لا من حولها بل من نفسها حتَّى سال من الخلوة(5) إلى الحجرة، ومن الحجرة إلى الدَّرج، فارتعنا وحارت أفكارنا، فهمَّت والدتي أن تصيح بالناس،(6) فقال والدي - رحمه الله -: اسكتوا ما أحد دارٍ بهذا غيري، فقلنا: أخبرنا، ولازمناه، فما أجابنا مدَّة مديدة نحواً من خمس أو ست سنين، حتى أتيت من شبام، من القراءة على حيِّ الفقيه الإمام أحمد بن مرغم، فلقيني والدي إلى قريبٍ من صنعاء، فوقفت معه تحت حجرة في بلاد سنحان، فسألته بالله ليخبرني عن ماء الخشبة، فقال: يا ولدي، إني ختَمت القرآن في تلك الليلة، وسألت الله إن كان راضياً عليَّ وراضياً بفعلي واعتقاداتي أن يريني آية باهرة أزداد بها يقيناً، وتكون لي بشارة، فخرج الماء من الخشبة، وأنا أشهد لكم بهذه الشهادة عن أبي، وعن مشاهدة الماء يخرج من [نفس] (7) الخشبة، فقلت له: يا أبة، كيف اعتقاداتك أعتقد بها؟ فقال: يا ولدي كما قيل:
لو شق صدري للقي وسطه ... سطران قد خُطَّا بلا كاتب
__________
(1) في الصلة: الأحادي، في نسخة، والأحاديث في نسخة أخرى.
(2) في الصلة: أحب.
(3) في الصلة: فيها.
(4) بيت حاضر: قرية أثرية في وادي الإجبار (وادي التناعم سابقاً) من بلاد سنحان، وهي منطقة غنية بالآثار الحميرية (معجم المقحفي ص: 145).
(5) الخلوة: الغرفة.
(6) في الصلة: في الناس.
(7) زيادة في الصلة.
العدل والتوحيد في جانب ... وحبَّ أهل البيت في جانب
إن كنت فيما قلته كاذباً ... فلعنة الله على الكاذب
/15/
إبراهيم بن الإمام الناصر [ - ] ه
السيد الأمير، الفارس الخطير، حامي الحقيقة، إبراهيم بن أمير المؤمنين أحمد الناصر بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام - كان وجه أهل بيته، عَلَماً، نَيِّراً، بطلاً، شجاعاً، مقدماً، وجيهاً، مقداماً نبيهاً، كان يكنَّى: أبا الغِطمَّش، قال ابن عنبة: كان فحلاً، وكان فارس أهله، وحكى عنه أنه كان يمس الناصر - عليه السلام - النَّقْرِسُ(1) فيمنعه عن القتال، فجاء خصم، فوثب عليه أبو الغطمَّش فقتله، وكثر عليه العدوَّ فجالد حتى رجع، فقال الناصر:
إن لا أثب [فقد](2) ولدت من يثب ... كل غلام كالشهاب ملتهب(3)
إبراهيم بن أحمد بن عامر [1018 - 1056] تق(4)
__________
(1) النَّقْرِسُ: بالكسر ورم ووجع في مفاصل الكعبين وأصابع الرجلين (القاموس المحيط ص: 746).
(2) كذا في الأصل وقد سقط من عمدة الطالب.
(3) في عمدة الطالب: الملتهب.
(4) من مصادر ترجمته طبقات الزيدية الكبرى (تحت الطبع)، بغية المريد خ وبهجة الزمن خ ، ملحق البدر الطالع ص3، طبق الحلوى، خ بغية الأماني والأمل خ، الجواهر المضيئة خ، أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم ترجمة رقم (5)، الجوهرة المنيرة (سيرة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم) خ.
السيد السند الشريف الفاضل إبراهيم بن أحمد بن عامر بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن الأمير(1) علي بن يحيى العالم البر بن محمد العالم التقي بن يوسف الأشل بن الإمام الداعي إلى الله يوسف الأكبر. كان من أعيان الوقت علماً وحلماً، وزهادة وكرماً، يقل نظيره في جميع ذلك، وبه في الكرم تضرب الأمثال. نشأ - رحمه الله - على طريقة سلفه الكرام في السمت(2) والصمت والعفَّة والعبادة وعزة النفس عن المطامع والرأفة بالمسلمين والتقلل من زينة الدنيا، مع تمكنه من ذلك، فإنه ربى في الأيام المسعودة التي فاض ظِلاَلهُا على كل حاضر وباد، وأثرى فيها الكل، وهو مع ذلك في بحبُوحة ذلك البيت المشيَّد، فإنه من فصيلة الإمام(3) وبمنزلة الولد له، ونشأ في حجره، وهو ابن أخت الإمام المؤيد بالله، وأمهما وأم الحسن والحسين واحدة، وعامر المذكور عمَّ الإمام القاسم - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): بن الأمير بن، وهو خطأ.
(2) السمت: هيئة أهل الخير. (القاموس المحيط ص 155).
(3) في (ب) زيادة: المؤيد بالله.
وكان الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - يخصّ إبراهيم بمزيد التكريم والتعظيم كما يقتضيه علوّه وشرفه، وكان الإمام حريصاً على إنزال الناس منازلهم، وكان لا يفارق الحضرة، ودرس على الإمام دروساً نافعة في كل فنّ، وعلى الشيوخ القادمين من الآفاق والملازمين للحضرة أيضاً، فما من فنٍّ في الغالب إلا وقد لقي الكمَلة من شيوخه؛ لأن الحضرة كانت مجمعاً للعلماء من الأعارب والأعاجم، ولمَّا اتفق في جهات(1) آنس وما صاقبها(2) من بغي بعض شيوخها، وجهه الإمام إلى تلك الأقاليم لتأديب أهل العُدوان بجيش كثيف فيه من عيون الدولة وأعيان المسلمين من يظن فيه الكفاية لذلك، كالسيِّد العلامة عز الدين ابن دريب الحسني الآتي ذكره، وغيره، فاستصلح السيد أحوال البلاد، وعاقب من يستحق العقوبة، وقبض شيئاً من سلاح البغاة، واستقر بالجهة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولمَّا ظهر صيت كرمه /16/ في الأقاليم جاء الناس على اختلاف أنواعهم إليه أفواجاً، فأماح(3) المستمنح(4)، وبذل الجزل حتَّى استأصل الموجود من المال في الجهة، ثُمَّ عين للوفد من ثمار ما قد بذرت حتَّى ضاقت الحال، فعاد إلى القرض فتناول أموالاً يجل حصرها، فلمَّا بلغ الإمام استدناه إلى الحضرة، وناصحه مناصحة الأب والأم التي ترأب وناصحه سيدنا العلامة حواري أمير المؤمنين أستاذ العلماء أحمد بن سعد الدين - طوَّل الله عمره - بمناصحة أهل الصدق والصداقة، ولمَّا اشتدَّ المرض بالسيِّد - رضي الله عنه - قال له القاضي كالمعتذر: بأن تلكم المناصحات وإن اشتدت عباراتها فمصدرها لله - عزَّ وجلَّ - فأجابه السيد بصوت خفي: إني أعدَّ ذلك من الإحسان، وإن ذلك طريق السلف الصَّالح أو كما قال، وأنشد:
ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... مالم ينلك بمكروه من العذل
__________
(1) في (ب): في جهة.
(2) أي ما داناها وقرب منها.
(3) ماحه: أعطاه.
(4) في (ب): المستميح.
محبتي فيك تأبى أن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الزَّلل
وكان له خط حسن على أسلوب المشق(1)، كما كان كخاله(2) الحسين بن القاسم - عليهم السلام - ورزق كتباً واسعة، اجتمع عنده مالا يجتمع عند غيره من نظرائه، وبلغني [عنه](3) - وأظنَّه(4) الذي أخبرَني - أنَّ هذه الكتب اجتمعت من فضلِ الله كسبب(5) الدُّعاء إلى الله، وذلك أنه استعار كتاباً من بعض أصدقائه فمنعه، فاشتدَّ غمه، وخلَى بنفسه، وبكى، ثم سأل الله أن يمنحه الكتب فامتلأت جوانب داره من طيِّها، ولهُ كرَامَات أخبرني [العبد الصالح](6) الفقيه إسماعيل الشبامي، وكان من عباد الله الصَّالحين الأخيار، وكان كثير الملازمة له لجامعَة التقوى أنه أخبره - قدَّس الله روحه - أنه مرَّ في بعض الأزقَّة بقرطاسٍ فنقله إجلالاً لاسم الله، وكان ذلك دأبه، فلمَّا نظر فيه لم يجد فيه كتابة فألقاه ومضى، ثم خطر بباله أن هذا قرطاس مظنة أن يكتب فيه اسم الله، فينبغي تكريمه، فرجع والتقطه، وإذا قد كتب في القرطاس بخط سويِّ ما لفظه: ولو بياض. وكان له شعر كثير. ورثاه جماعة من الفضلاء، ومولده…… (بياض) (7).
ووفاته في سادس عشر من شهر رجب سنة ست وخمسين وألف [وممَّا قاله السيد حسين الصاعي مؤرَّخاً لوفاته في آخر مرثيته قوله:
بسادس عشر في الأصم وفاتُه ... فتأريخه جا(8) خير بر بكى حدَّا](9)
__________
(1) المشق في الكتابة: مدُّ حروفها (انظر القاموس المحيط ص: 1192).
(2) في (ب): لخاله.
(3) زيادة في (ب).
(4) في (ب): وأظن أنه.
(5) في (ب): بسبب.
(6) زيادة في (ب).
(7) مولده في شوال سنة ثماني عشرة وألف كما في طبقات الزيدية عن ولده محمد.
(8) تحذف الهمزة ليستقيم الوزن.
(9) ما بين المعكوفين سقط في (ب).
ودفن في الحجرة عند باب قبَّة الإمام القاسم بشُهَارة(1) بجوار والده السيِّد العلامة شمس الإسلام أحمد بن عامر المتوفى في صفر سنة اثنتين وعشرين وألف، وكان عالماً عاملاً فاضلاً، وله بمكة مقام مع بعض علمائها، يقضي بشرف العلم وبشرفه أعاد الله من بركته.
إبراهيم بن أحمد بن مفضَّل [ - ] ه
السيد العالم الفاضل إبراهيم بن أحمد بن مفضَّل(2)، قال السيد أحمد بن عبد الله /17/: كان سيداً فاضلاً عاملاً، درس على الإمام المهدي علي بن محمد، فجوّد في علم الفقه والفرائض، وكان جامعاً لمحاسن الخلال، زاهداً متوكلاً، نسخ مدَّة ختماً كثيرة وكتباً عديدة، سكن بهجرة اللحمرة(3).
إبراهيم بن أحمد بن علي العبالي [1049 - 1071ه ] (4)
__________
(1) شُهارة بضم الشين المعجمة وقد تفتح: جبل مشهور في بلاد الأهنوم شمالي حجة، وهو من معاقل اليمن المشهورة، (انظر معجم البلدان اليمنية ص: 365 - 366).
(2) في (ب): المفضل.
(3) في (ب): اللحم.
(4) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (2) ومنه تاج العروس مادة (عبل) الجامع الوجيز خ، بغية الأماني والأمل خ، الجواهر المضيئة في معرفة رجال الحديث عند الزيدية خ، مصادر الحبشي 385 معجم المؤلفين 1/6، هداية العارفين ج 2/23، إيضاح المكنون 2/529، وأغلبها تستند إلى ترجمة المؤلف في كتابه هذا.
السيد النجيب إبراهيم بن أحمد بن علي العبالي، - رحمه الله ورضي عنه- نشأ في مهاد العلم مرتضعاً لثدي التقوى، لم يعرف من الدنيا غير العلم وإحيائه، والمذاكرة لأربابه في صباحه ومسائه، حتَّى بذَّ(1) الأقران، وصار على صغره كبير الشأن، قرأ العربية، وحقق، ووضع على (المغني لابن هشام) ما يجري مجرى الحاشية، ولم يرتبها، بل جمعها، وأراد درس الكتاب والتهذيب لها وقت القراءة، وقرأ الفرائض على أهلها، وكان له في القسمة والجبر والمقابلة تحقيق نافع، وقرأ في الفقه وحشَّى بخطه على شرح الأزهار، وهو خط مشق في الحسن العجيب، وقد وضع بخطه في غالب الفنون حواشي مفيدة، ولم تكن له [لهجة](2) بغير العلم وأهل العلم، حتَّى قال بعض العارفين: لم يخلق هذا السيد لغير هذه الوظيفة ولغير الجنة، وتوفي - رحمه الله تعالى - ولم يزد عمره على اثنتين وعشرين سنة، وكانت وفاته عند طلوع الشمس نهار الخميس في سابع وعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وألف سنة، وقراءته جميعها على شيخه وأستاذه ووالده المربي له عمَّه أخي أبيه السيد العلامة المحقق شيخ أهل زمانه في الأصول والعربيَّة [شجاع الدين](3) عزِّ الدين بن علي العبَالي(4) - أبقاه الله، ونفع بعلومه - وشيخ السيِّد شجاع الدين مولانا الحسين بن أمير المؤمنين - رضي الله عنه -.
إبراهيم بن أحمد [ - ]
السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن أحمد عمُّ الإمام أحمد بن الحسين، كان عالماً ويعرف شيئاً من الحساب على قواعد(5) الزيج، وكان يقول: نعم هذا المكان يشير إلى محل هجرة(6) كوم، ويولد فيه إمام في عينه كسرة وفي جنبه علامة. انتهى
__________
(1) بذَّ: أي غلب.
(2) سقط من (أ).
(3) سقط من (أ).
(4) انظر طبقات الزيدية الكبرى، القسم الثالث 2/ 67 ت (399).
(5) قواعد الزيج: الزِّيج (بالكسر) خيط البنَّاء. (القاموس المحيط ص189).
(6) هجرة كوم.
إبراهيم بن أحمد بن ساعد [ - ]
القاضي العلامة صارم الدين إبراهيم بن أحمد بن ساعد، عالم كبير ونحرير خطير، له عبارات فائقة ومعان في الإنشاء رائقة، تدُلُّ على كمال الذَّات وعلم بالأدوات - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن أحمد الشظبي [ - ](1)
القاضي العلامة إبراهيم بن أحمد الشظبي، توَّلى القضاء للإمام المنصور بالله، ذكره أبو فراس بن دعثم. انتهى
إبراهيم بن أحمد الحاشدي [ - ]
القاضي العلامة إبراهيم بن أحمد الحاشدي، عالم كبير، تولَّى القضاء للإمام المنصور بالله أيضاً - رحمه الله - ذكر هذا والذي قبله فاضل بن عياش بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن أبي عمره ولعله أبو فراس، فيحقق(2).
إبراهيم أحمد الراغب [ - 983]ه(3)
__________
(1) السيرة المنصورية ج1 ص383 و ج2 ص 965 باسم إبراهيم بن أحمد وسيأتي بعده، ولعلهما واحد هو إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسود الأقهومي، قال في السيرة المنصورية ص 354: وهو من خير عباد الله زهداً وورعاً وعلماً، وهو قاضي الإمام - عليه السلام - في تلك الجهات (أي جهات شظب).
(2) في السيرة المنصورية ذكر أبو فراس القاضي الفاضل شرف الدين إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسد القهمي الذي حضر إلى مسجد قاعة لمناظرة المطرفية، ويظهر أنه والأول شخص واحد، كما ذكر إيضاح السيرة المنصورية باسم إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسود الأقهومي وأنه قاضي الإمام في جهات شظب، وقال محقق السيرة: الأقهومي نسبه إلى الأقهوم من بلاد شظب.
(3) ملحق البدر الطالع (4)، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث (تحت الطبع) وفيه إبراهيم بن أحمد بن الورد الحجي المحلي الظفيري، ومن مصادر ترجمته أيضاً الجامع الوجيز للجنداري، والجواهر المضيئة للقاسمي.
الفقيه الجليل، العابد الناسك، الجامع بين فضيلتي العلم والعمل، إبراهيم بن أحمد المعروف بالراغب، كان من عيون الفضلاء في وقته في طريقتي العلم والعمل /18/، ولقي الشيوخ الأجلاء(1)، وأخذ عنه علماء أجلاء، وكان صنوه عبد الله بن أحمد على منهاجه، وكان عبد الله يسمَّى بالناصح وإبراهيم بالراغب، والذي سمَّاهما بهذين الاسمين الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين - عليه السلام - ترجم لهما محمد بن داود المحلي، والسيد عبد الله العلوي شيخ أهل وقته، وذكر المحلي أن موتهما سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة بالطاعون، وذكر السيِّد فخر الدين عبد الله العلوي أن موتهما سنة أربع وثمانين. ومن تلامذة الرَّاغب الفقيه الفاضل عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن مسعود الحوالي، ولعلَّنا - إن شاء الله - ننقل ترجمة الفقيه عبد الله بن سَعيد التي وضعها الفقيه اللغَوي عبدالله بن المهدي - رحمه الله -.
__________
(1) من مشائخه السيد عبد الله بن القاسم العلوي، والسيد الحافظ عبد الله بن الإمام يحيى شرف الدين.
إبراهيم بن أحمد الكينعي [ - 793]ه(1)
الفقيه الإمام، المتَألِّه الربَّاني، صارم الدين إبراهيم بن أحمد بن علي الكينعي - رضي الله عنه - كان من عبَّاد وقته المجتهدين في الطاعة على اختلاف أنواعها، من فكرٍ وذكرٍ وخشوع وخضوع وتذكّر بحقوق الله تعالى بالقول والفعل وهدَاية بالعلم، فإنه كان من أعيان علماء وقته، وممَّن تقل العبارات في كنه أحواله في المعامَلة الربَّانيَّة، وكان على ذلك من أوَّل نشأته - رحمه الله تعالى - وهو من بيت معمور بالعلم والعمل، كان أبوه أحمد من علماء وقته وعبَّاد دهره، وأمَّه كانت موصوفة بالإيثار، حميدة الآثار، وأخته مريم الآتي ذكرها - إن شاء الله تعالى - ومن عرف أحوال هذا الإمام عرف أنّ للَّه تعالى صفوَة من عباده علم قلوبهم، وأنَّها أصداف لجوَاهر الألطاف، فأرسل ودقه(2)، فسبحان المانح، وقد عني بترجمته جماعة منهم العلامة الأصولي ابن أبي الخير - رحمه الله تعالى - وللسيّد الهادي بن إبراهيم شيء في ذكر أحواله.
__________
(1) الكينعي: صلة الإخوان في حلية بركة أهل الزمان (سيرة إبراهيم الكينعي) تأليف السيد يحيى بن المهدي (تحت الطبع بتحقيقنا)، وهي الأصل الذي استند عليه مترجموه ومنهم المؤلف، والسيد إبراهيم بن القاسم في طبقات الزيدية (تحت الطبع)، والشوكاني في البدر الطالع 1 /4، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم ترجمة (3) وبقية المصادر هناك.
(2) ودقه: الوَدْق: المطر. (القاموس المحيط ص 854).
وترجم له السيد العلامة المتقن يحيى بن المهدي بن قاسم بن المطهَّر بن أحمد بن أبي طالب بن الحسن بن يحيى بن القاسم بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين بن الحسين ذي الدمعَة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه في الجنَّة وعليه وعلى عقبه السلام - الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - وبسط في الترجمة حتى كانت مجلداً حافلاً اشتملت على عجائب وغرائب، وعلى شيوخ إبراهيم وتلامذته وكثير من أحواله، قال فيها: أمَّا صفة ذاته الكريمة(1) المقدَّسة بالرَّحمَة والتحيَّة، فهو من أحسن الناس وجهاً وأتمهَّم خلقة وأقرب إلى الاصفرار والرِّقة، ربعة [من القوم] (2) ليس بالطويل ولا القصير، كأن بنانه الأقلام، ترعف بالبركة لمن قصده من الأنام، بوجهٍ أبيض قد غشيَه(3) نور الإيمان وسيما الصَّالحين، قد أحاط بذاته من كل مكان، صفاء قلبه على وجهه يلوح، ونوافح مسك الحكمة من فيْهِ تفوح، رقيق القلب، دائب الأطراق(4)، ذو سكينة ووقار، وحياء ما عليه غبار، سريع المشية، غير ملتفت إلا إلى قصده، إذا مشى كأنه راكع من الإطراق، أو خائف من ضارب الأعناق، إذا خرج نهاراً /19/ ازدحم الناس على تقبيل يده والتشبث بأهدابه والتبرك برؤية وجهه، وهو يكره ذلك، وينفر عنه، يغضب إذا مدح، ويقول: يا فلان، دع هذا، وكان يفرح، ويستبشر إذا نصح غير مرَّة، يقول: يا ليت لي مؤدِّباً(5)، ما وضع يده على قلبٍ قاسٍ إلا رقّ، ولا على أليم إلا برئ(6)، إذا تلا القرآن سمعت في جوفه
__________
(1) في صلة الإخوان: الزكية.
(2) زيادة من صلة الإخوان.
(3) في الصلة: غشاه.
(4) في الصلة: ذائب الأطراف.
(5) في الصلة: يا فلان، دع هذا لامرئ يفرح به، ويسر إذا نصح، سمعته يقول غير مرة: يا ليت لي مؤدباً، من رآه بديهة هابه، وانفتح له قلبه محبة [وساق كلاماً]إلى قوله: ما وضع يده.
(6) في الصلة: إلاَّ رَقَّ، واشنرح، ولا على أليم إلاَّ سرَّى عنه، ولعينيه فتح.
الأزيز، إذا رآه العلماء تواضعوا لرُؤيته [وعكفوا على اقتطاف حكمته] (1)، وإذا رآه أهل الدُّنيا حقروها، وعافوها، وإذا رآه أهل المعاصي أعجمهم(2) القلق.
ثم ساق السيد يحيى - رحمه الله - من هذا وأمثاله إلى أن قال: ولمَّا بلغ التكليف، وكمل عقله الشريف، وتوفي والداه - رحمة الله عليهما وعليه وعلينا معهم- ضرب أكباد المطيِّ بالارتحال إلى صنعاء اليمن ليرقى إلى درج الكمال، فأناخ مطيِّ سفره بعقوة(3) من استنار بعلمه، واستصبح بمصباح حكمته وفهمه، إمام أهل الشريعة المحمَّدية وسلطان علماء الحقيقة الربانية، السجَّاد في الليالي، والبكاء في صلواته من خوف البارئ، حاتم بن منصور الحملاني - قدس الله روحه - في الجنان - فحلق(4) عليه في الفقه مدَّة من الزمان، حتى حصَّل الفائدة من فقه آل محمد - عليه وعليهم السلام - قدر عشر سنين، فظهرت فائدته فحلق عليه، وأقرى فيه برهة من الزمان، وقرأ في الفرائض على الشيخ الأجل الخضر بن سليمان الهرش، حتى برز فيها على مشائخه، سمعت من القاضي العالم أحمد بن محمد الشامي - رحمة الله عليه ورضوانه - قال: ما في الجيل واليمن أفرض من إبراهيم بن أحمد سيما في الجبر والمقابلة، وسمعته يوماً قال: يمكنني أن أفهم ما في هذه البِرْكَةِ من أرطال الماء بالمساحة، وطالت صحبته مع الشيخ الخضر، ولم يفترقا حتى الممات، حجّا معاً سبع سنين، وتوفي خضر في البحر، ودفن في جزيرة، وأوصى إلى إبراهيم بكتبه. ثم إنَّ إبراهيم اتخذ صنعاء مسكناً؛ لأنها مجمع الفضلاء، فسكن في درب الفقيه أحمد بن حميد الآتي ذكره، وكان يتكسب على من يجب عليه ثُمَّ على إخوانه في الله تعالى بالتجارة، وكان يسافر إلى مكة المشرفة، وكانت له
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة في الصلة.
(2) في (أ): أعجلهم.
(3) بعقوة: العَقْوَة: شجرٌ، وما حول الدال والمحلة. (القاموس المحيط ص 1206).
(4) حلق: تحلَّقوا: جلسوا حَلْقَةً حلقة. (القاموس المحيط ص 808).
عجائب في تجارته من الصِّدق، حتَّى كان يقول للمشتري: انظر في السُّوق لعلَّ فيه أحسن من سلعَتي(1)، قال السيد يحيى: فلمَّا انتهى في التجارة على هذه الصِّفَة المحمودة والسيرة المفقودة، وجمع مع علمه مالاً من حلّه، وعاد به على إخوانه وأهله بقصده الحسن وببركة البيت العتيق الراحض(2) للفقر والمحن، لحظته عين الرَّحمَة من ربّ العباد، وأدركته عناية القرب والوداد، وقرأ كتاب الله بالتدبّر والخشوع، فعند ذلك وجل قلبه، ولبس سرابيل أهل الورع، وخالط أهل الخوف والعبادة، وقلق منه الوضين(3)، واستوحش من كل صديق أمين(4)، حتَّى شرب من عين الحياة شرب الهيم، وراض نفسه حتَّى كأنَّها حبة مقلاة وريشة في فلاة، فشرب بالكأس الرويَّة، وعكف على خدمة مولاه بالجارحَة والروية، سمعتُه يوماً يقول: أنا وقلبي في علاج أريْده لا يدخل إليه شيء /20/ إلا لله تعالى. ولا يخرج منه شيء إلا لله تعالى، قال السيد: ولقد سمعته مراراً يحاسب نفسه فأظن معه رجالاً معه يحاسبونه، قال لي يوماً: لو أعطيت الدنيا بجوانبها ومفاتيح الجنة كلها لما اخترت إلا وقوفي بين يدي الله تعالى(5) ساعة أناجيه فيها، ولا تخرج النفس الأمَّارة إلى النفس اللوَّامَة إلى النفس المطمئنة إلا بعد الرّياضة التَّامّة والمثاغرة(6) القويَّة والمخاصمة(7) العظيمة، والحرب خدعَة، والخير عادة. وكان - رحمه الله - يصوم الأبد إلا العيدين والتشريق، وترك إدام عشائه لئلاَّ يثقله
__________
(1) صلة الإخوان: الفصل الثاني والثالث بتصرف من المؤلف وحذف لبعض العبارات.
(2) الراحض: الغاسل.
(3) الوضين: بِطَانٌ عريضٌ منسوج من سيور أو شعر، أو لا يكون إلا من جلد. (القاموس المحيط ص1141).
(4) المؤلف ينتقي من عبارات صلة الإخوان هنا، ويختصر الكثير، وينتقل من فصل إلى آخر مقتطفاً.
(5) كلمة تعالى محذوفة من (أ) في مواضع كثيرة.
(6) في الصلة: المثاغرة، وفي النسخ المشاعرة.
(7) في الصلة: والمجاشمة.
عن القيام، ثم قال: كان يؤخِّر العشاء حتَّى قال: كم من ليلةٍ أسابق الفجر على عشائي، فتارة أسبقه، وتارة يسبقني، وكان إذا جاءه العشاء مأدوماً تركه وآثر به بعض إخوانه. وقال يوماً لتلميذه: إذا دخل عليك فقير فأعطه شيئاً، وإذا دخل عليك عالم فراجعه في المسائل، وإذا دخل عليك من أبناء الدُّنيا فاحتشمه، وعظمه(1)، واضرب له الأمثال. وكان إذا دخل عليه أحد من إخوانه أقعده على مصلاَّه ووقف بين يديه مطرقاً لعلَّها تطرق سمعَه كلمة حكمة، وكان كلامه - رحمه الله - نافعاً، فمن كلامه: (ليس الزاهد من لا يملك شيئاً، إنما الزاهد من لا يملكه شيء)، ومن كلامه - رضي الله عنه -: (بالفقر والإقتار والذُّل والإنكسار تحيا قلوب العارفين)، ومن كلامه - رضي الله عنه -: (يا أخي، جدّد السفينة فإن البحر عميق، وأكثر الزاد فإن الطريق بعيد، وأخلص العمل فإن الناقد بصير)، ومن شعره ما كتبه في ضمن كتاب إلى تلميذه السيد يحيى المؤلف لسيرته الذي عنه هذا النقل، وكتابه إليه من مكَّة من جُملته: (سلام عليك من قلب مشغول ومن نفسٍ معلول، أحوالي جميلة فوق ما تظنه من سكون قلب وقرار ودعة، وما طعمت لذّة الحياة إلا في مجاورتي هذه المباركة، حالي في مكة كبعض الزيالع ما بيني وبين أحد معرفة، ومن عرفني قطعته إلا هذا السيّد محمّد وإخوانه، وهم قوم عجم انتفع بهم، ولا يضرونني بشيء ، والنفس متطلعة إلى قدُومك إلى هذا البيت [الشريف](2)، وتزور جدَّك - صلى الله عليه وآله وسلم - [وعليكم أجمعين](3)، وقد صدر لك مَحبَى(4) من السيد وكوفية ومسبحة وسجَّادة.
إن كنت تسمع ما أقول وتعقلُ ... فارحل بنفسك قبل أن تك ترحلُ
ودع التشاغل بالذنوب وخلها ... حتَّى متى وإلَى متى تتعلَّلُ
تلهو وعمرُك يضمحل وينقضي ... والظَّهر منك بما قضيت(5) مثقلُ
__________
(1) في (ب): وعظه.
(2) سقط من (أ).
(3) سقط من (أ).
(4) مجبى: أي عطاءً.
(5) في (ب): كسبت.
كن كالذي حذر البيات فلَم يزل ... في ظلمة اللَّيل الطويل يقلقلُ
يدعُو الإله بذلةٍ وتملق ... وإليه ممَّا قد جنى يتنصَّلُ
فغداً يقوم من الحفيرة آمِناً ... يعلو النحيب ووجهه يتهلل(1)
إن كان جاهي أخلقته خطيئتي ... فبجاه أحمد راغباً أتوسّلُ
يُدنيك منَّا عن قريب عاجلٍ ... والله يستر أمرنا ويجمِّل
واعلم يا أخي أن ذكر الله منك من علامة ذكره لك فاستكثر منه، وأن اكتسابك الطاعة من علامة التوفيق فاستكثر منها، ووقوعك في الغفلة وكسب الذنوب علامة الخذلان فاجتنبها، والزّهد في الدنيا ممَّا يريح قلبك وبدنك فاطلبه، والتوكل على الله شرف الدُّنيا والآخرة فالزمْه، والموت آت غير فائت فالزم ذكره(2)، والدّنيا حانوت الشيطان فاخرج منها، والناس فتنة فالزم الخلوة(3)، ويا ليتك يا يحيى تأخذ معنا ممَّا أنعمَ الله علينا من برد اليقين وقرار الدِّعة ولذّة العيش وصفوة النعم من البارئ - جلَّ وعز - ثم ساق - رحمه الله - في الكتاب بعد هذا كلاماً نافعاً. ومن شعره - قدَّس الله روحه - وأعاد من بركاته من (4) المناجاة:
ببابك عبدٌ واقف متضرّع ... مقلّ فقير سائل متطلّعُ
حزينٌ كئيبٌ من جلالك مُطرق ... ذليل عليلٌ قلبُه متقطعُ
أنا الضَّارع المسْكين ممدُودة يديّ ... إليك فمالي في سوائك مطمعُ
أعنِّي أعني(5) من علاك بنظرَة ... إليَّ فقَلبي مستهام مفجعُ
فؤادي محزُون ونومي مشرَّد ... ودمعي مسفوح وقلبي مرَوعُ
فلا تبلني بالبُعد منك فإنَّه ... أشدُّ بلاء الخائفين وأوجعُ
إذا رجع القصَّاد منك بسُؤلهم ... فيا ليت شعري كيف عبدك يرجعُ
__________
(1) في (أ): يتهلهل.
(2) في صلة الإخوان: فأدم ذكره.
(3) في (ب): وفي صلة الإخوان: فافزع إلى الخلوة.
(4) في (ب): في المناجاة.
(5) في صلة الإخوان: أغثني أغثني.
وكان له رضوان الله عليه أدعية للحوادث والسَّاعَات محلها سيرته، فهيَ جامعَة للكثير الطيب. وكان في أوَّل أمره يغشى عليه، وتوجعه الغشاوة، وكان يخاف عليه التلف، لا سيما في المحل الأوعر والأموَاء(1)، وكثرت عليه الغشاوة حتَّى كانت تأتيه الفينة بعد الفينة، وحكى السيد عماد الدين أنه في آخر الأمر كان يغشى عقيب الصلاة ساعة أو ساعتين، وربَّما اتصَلت الغشاوة من الصلاة إلى الصلاة، ولكنَّه قال: لا يجد لذلك ألماً، وإن كان لا يستطيع لذلك حركة عضو ولو بالغ أشدَّ المبالغة، لكنَّه قال: عقلي معي بحيث إنه لا ينقض وضوئي ذلك الإغماء - رحمه الله تعالى - وكان له كرامات واستقصاؤها يخرجنا عن المقصود، إلاَّ أنا نذكر منها بركة أوقاته، وملكته لنفسه بحيث أنه لا يُمكن أن يخطر بالبال شيء من الأفعال والتروك الشرعية إلا وقد أجهد نفسه في موافقة أمر الشارع، وكان تلاوته كل يوم لختمتين كاملتين، وفي رمضان لثلاث ختم مع تسبيح وأذكار وفكر وغشاوات، ومع هذا فكان يشارك إمام وقته النَّاصر - عليه السلام - /22/ في غزو أعداء الله الباطنية وغيرهم، وكانوا يعدونه في سفرهم حرزاً - رضي الله عنه - ومن كراماته الاستسقاء بدُعائه على الاستمرار وما يعلم أنه يخلف، ومنها تأييد الله له بألطافه في حالاته، فكان لا يأكل إلا حلالاً، واجتمع بحصن المصاقرة(2) هو وأستاذه العبَّادة الحسن بن سلمان وجماعة من إخوانهما الأصفياء، فحضرت عصيدة فعوَّلوا على إبراهيم في الإفطار معهم فأسعدهم فمدَّ يده فلم تمتد، وكأنها عود يابس، فقال: قد ترجح لي الصيام، ثم بحث عن العصيدة فوجدها لوالٍ كان حاضراً يحرم عليه النزول على أولئك، وله نظير هذا في جهة الحيمة، ومنها الرؤيا الصَّالحة من الصَّالحين، فمنها الرؤيا الآتية - إن شاء الله - في ترجمة ابن هشيم، ومنها رؤيا العبد الصَّالح
__________
(1) الأمواء:
(2) حصن المصاقرة كذا في النسخ، وفي صلة الإخوان: حصن المصاقر ببلاد مذحج.
الطاهر بن أحمد عمر البحار الضمان(1)، أنه رأى بعد موت إبراهيم الكينعي الجنة وما وعد الله المتقين فيها من أنهار وقصور وثمار، ورأى منازل الأنبياء والصالحين، ورأى منزلة عالية قيل له: هذه منزلة إبراهيم بن أدهم، ثم رأى قصوراً عالية وأنهاراً جارية، ورأى فيها شيخه إبراهيم الكينعي وهي أعلى من منزلة إبراهيم بن أدهم، فقال: سبحان الله منزلة إبراهيم الكينعي فوق منزلة إبراهيم بن أدهم، فقال له قائل: لولا أنَّ منازل الأنبياء لا يحلها أحد من الآدميين لكان بها إبراهيم الكينعي، ومرَّ بين يديه تلميذه العارف عبد الله بن قاسم البشاري على كتاب (عوارف المعارف) فقال لشيخه إبراهيم: هل تسرّنا بكرامة لك لتشرح صدورنا؟ فقال: ما لي كرامَة إلا أني إذا أردت أمراً أو سفراً، وسألت الله الخيرة سمعت شخصاً يقول: افعل، أو لا تفعل، ومقامه - رضي الله عنه - شهير لا حاجة بنا إلى التطويل. وقد ترجَم له من سبق ذكره وترجَم له السيِّد العارف بالله النازل بِحَرم الله محمد بن علي التجيبي الحسيني البخاري - رحمه الله -. وكانت وفاته - رحمه الله - بصعدة المحروسة. قال السيِّد الكبير الخطير الهادي بن إبراهيم الوزير - عادت بركاته: أعلم وفقك الله أنه لمَّا وصل من جوار البيت العتيق، وقد وقف به ثلاث سنين ابتدأه المرض بحَلْى(2) ورفيقه العبد الصَّالح التقي العابد صبيح مولى آل ريدان، ولمَّا وصل إلى ناحية جازان شكا أهل الجهات تلك الجدب والعطش فدعا لهم ولسائر أهل البلدان فحصل ببركته ذلك المطر العظيم الذي عمَّ البلدان كلها يوم الأربعاء في شهر ربيع الأوّل، هكذا حكاه صبيح - رحمه الله -
__________
(1) في (ب): الطاهر أحمد بن عمر النجار الصنعاني. وفي صلة الإخوان: أحمد بن عمرو البخاري الصنعاني.
(2) حَلْى: بفتح الحاء وسكون اللازم، بلدة تهامية على شط البحر الأحمر في جنوب القنفذة، ويقال لها: حلى بن يعقوب. (معجم البلدان والقبائل اليمنية للمقحفي ص: 189).
فلمَّا وصل قريباً من صعدة، قال لصبيح: إني رأيت لعشرة من إخواني الجنة، وأمرت أن أبشرهم، فقال صبيح: من هم؟ فقال: السيد محمد بن حسن بن ثافي، والسيد قاسم بن أحمد /23/ القاسمي، والقاضي محمد بن حمزة، والفقيه أحمد بن يحيى الشرفي، والفقيه محمد بن صالح، والفقيه أحمد بن موسى بن درين، والفقيه علي بن جعفر الزوام، وأخوه سليمان بن جعفر، والفقيه سليمان الزعيتري، وأنت يا صبيح بن عبد الله.
قال السيد الهادي في هذا الكتاب الذي ذكرناه وهو إلى السيد يحيى بن المهدي: ولما توفي - رحمه الله تعالى - خرج أهل صعدة كافَّة العلماء والسادة والفضلاء والأمراء، وكان ذلك بُكرَة نهار الأربعاء سابع وعشرين من ربيع الأوَّل سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وفي يوم موته أكسفت الشمس، وتقدَّم السيِّد داود بن يحيى بن الحسين فصلى عليه، وهذا السيد هو الذي أوصَى إليه(1) الإمام المهدي علي بن محمد أنه يتولى الصلاة عليه، وقُبر رأس الميْدان غربي مدينة صعدة [وعمر عليه صبيح مشهداً] (2)، ووقف صبيح بعده أياماً ثم توفي، ودفن بمشهد الفقيه - رحمهم الله تعالى - قال السيِّد الهادي: ثُمَّ إني أنشأت أبياتاً رُسمت في حَجَر ضريحه:
يا زائر القبر فيه بهجة الزَّمن ... العابد الصدر نور الشام واليَمن
هذا(3) الذي صَحِبَ الدُّنيا بلا شَجنٍ ... فيها وكان بدار الخلد ذا شجن
هذا نظير أويس في عبادَته ... قدكان والقرني المشهور في قرَنِ
وكان كالحسن البصري في ورَعٍ ... وفي علوم هدًى تُعزَى إلى الحسن
إذا تضمخ محزون بتربته ... زالت عن القلب منه لوعة الحزن
__________
(1) في (ب): سقط إليه.
(2) في (ب): عمر عليه صبيح مشهداً، وهو هنالك مشهورٌ.
(3) في (أ): هو.
قال السيد الهادي - رحمه الله - للسيد يحيى: وأمَّا ذكرك من أَلْحده فهو الفقيه الفاضل يعقوب بن هبة الفاقي(1) وهو رجل من حَمَلة كتاب(2) الله العزيز، له تقوى ودين ويقين متين، أخبرني أنَّه لمَّا كشف وجهَه في لحده وجَد وجهه كأنه قطعة النور أو السراج المستنير شيئاً لم يُرَ في ميتٍ قبله - رحمه الله تعالى - ورثاه السيِّد الهادي بهذه القصيدة - رحمهم الله أجمعين -:
شجر الكرَامَة والسَّعادَة أينعي ... للقاء سيِّدنا الإمام الكينعي
وتزَّيني دار النَّعيم لِوَافِدٍ ... وافاك بالعمَل الزّكي المقنع
خَطب المليحَة فاستجاد صداقها ... بتزهُّدٍ وتعبّدٍ وتورع
لاحت له الدُّنيا تُريد خدَاعَه ... لكنَّه بغرورها لَم يخدَع
وتحسنت بزخارفٍ لوصَالهِ ... فأَبَى وطلَّقها طلاق مودِّع
قالت له: مالي أراك مولِّيا ... عنِّي وقد طابت مراعي مرتعي
وأنا المعجلة(3) المزيّنة التي ... تهوَى العقول لمنظري ولمسمَعي
فأجابَها أنت المليحَة برقعاً ... والشين كل الشين تحت البُرقعِ
أنت التي(4) فتنت عقول عبيدها ... جهلاً ويعرفها الذَّكي الألمعي
دار متى ما أضحكت في يومها ... أبكت غداً أفٍّ لها من مَربعِ(5)
وقراره الأحزَان والأوجَال والأو ... جاع والأشجان والمتوجع(6)ِ
أين الذين خدعتهم بحلاوةٍ ... وطلاوَةٍ ومصانعٍ وتصنعِ
ومَحافلٍ محشودةٍ ومنازِلٍ(7) ... مَعمُورة ومعَاقِلٍ وتمنَّعِ
كانوا مُلوْكاً فيك ثمت أصبحوا ... تحت الثرى في كل قبر(8) بَلقعِ
شربوا بكأس مرَّة ما دونها ... من مَلجإِ أبداً ولا مِن مَدفعِ
__________
(1) في الصلة: يعقوب بن هبة القلوة.
(2) في (ب): من حملة أهل الكتاب العزيز.
(3) في (أ): المعلجة.
(4) في (أ): الذي.
(5) في الصلة: مرتع.
(6) في الصلة: وقرارة الأحزان والأوجال والأفزاع والأوجاع والمتوجع.
(7) في الصلة: وجحافل محشودة ومجادل.
(8) في نسخة من الصلة: قفر.
أتغرّني دارُ الفناء بزينَةٍ ... مقطوعَةٍ في ظلها المتقطعِ
هَيهَات ذاك وقَد سمعت صفاتها ... بكلام مولانا البطين الأنزعِ
هذَا جَوابُ الكينعي وإنَّه ... بلسان حال أخِي العفاف الأورعِ
العالم العلم التقي الفاضِل ... المتنفل المتبتل المتطوع(1)
العابد المتزهِّد المتجرد المتجه ... ـد(2) المتسجّد المتركع
ما زال بين عبَادةٍ وزهَادةٍ ... وتلاوَةٍ وتخضُّه وتخشُّعِ
كانَت إذا قرَعت مسَامِع أذنهِ ... عظة يود بأنها لم تقرعِ
إذ كان من خوف يموت بجسمه ... والقلب منه في المحَلّ الأرفعِ
وإذا ذكرت الله جَلَّ جلالُه ... أسقى بهاء خدوده بالأدمعٍ
فكأنما وقفَت به أفكاره ... فوق الجحيم وفي الجنَان الأربعِ
فيذوب مِن وجَلٍ ويَهفو قلبه ... بالشوق بين تخوُّفٍ وتطمُّعِ
كان الظلام إذا سَجى أبصَرته ... كالقَوس بين تسجّد وترَكعِ
حيناً وقام إلى الصلاة وساعَة ... وجثا جَثو السَّائل المتضرِّعِ
وَيُسَرُّ لو أن يستطيل له الدُّجى ... ويسُوؤُه في الفجر قرب المطلعِ
وإذا رَأيت رَأيت أصفَر خاشعاً ... كمقَدَّم للقتل بين الأقطعِ(3)
قد ماتَ إلاَّ أنَّ في أعضَائِه ... حركات حيِّ القلب واعي المسمعِ
متبَلّداً في أمْرِ دنياه وَفي ... أخرَاهُ يَا لَك مِن ذكيٍّ لوْذعي(4)
عبد(5) الصلاة وسيِّد السَّادَات في ... فَضْلٍ وفي كرَمٍ ومجْدٍ أرفع
وأخو مرَقَّعَةٍ أحبُّ إليهِ مِنْ ... إكليل قيصَر في الملوك وتبع
حفظ الحديث مِنَ الوَصيِّ وقولَه ... رقَّعتُ واستَحيَيْت من مترقعِ
وتراهُ مِن صَومٍ كأَنَّ عظامَهُ ... قطع الأخِلَّة آذنت بتقطعِ
وأضالعٍ دقت لدقة فكره ... والفضْل أجمَع تحت تلك الأضلعِ
__________
(1) في (ب): المتوضع.
(2) لعلها: المتهجِّد.
(3) في الصلة: فوق الأنطع.
(4) لوذعي: اللوذعيّ: الخفيف الذكي، الظريف الذهن، الحديد الفؤاد، واللسن الفصيح، كأنه يلذع بالنار من ذكائه. (القاموس المحيط ص702).
(5) لعلها: عند.
يأيها القَبْرُ الَّذي في صعدة ... لأجلِّ مقبور به ومودعِ
أعلمت أنك روضة مخضرة ... مفترة في زهرها المتضوع(1)
بالمودع الملحود فيك ويا له ... من مودع بك ياله من مودع
فيك الزَّهادة والعبادَة كلّها ... والعلم والورع الشحيح بأجمَعِ
تاللَّهِ إنّك قد جمعتَ من التقى ... وعبادة الرَّحمنِ مَا لم يجمَعِ
كُن مضجَعاً لفتىً مضت ليلاته ... متجانفاً(2) عن طيبات المضجَعِ
يا يَوم إبراهيم كُل مفجَّعٍ ... بسوَاك في التحقيق غير مفجَّعِ
مِن أين مِثل أبي السَّعادَة في الورى ... يهْدِي إلى نهج الْهُداة الأوْسَعِ
إن العبادة بعده محزُونَة ... محرَابُهَا يبكي بأغْزَر مَدْمَعِ
وكذَا التلاوة والذين أفدتهم ... منهاج فضلك يا لهُ من مهْيَعِ(3)
يحيَى الَّذي يحيَا الْهُدى بحيَاتِهِ ... أعني رضيع هُدَاك أزكى مرضعِ
ما زَال مقطوع الفؤاد موَلعاً ... رغباً لمقطوع الفؤاد مُوَلِّعِ
يبكي عليك بقلبه وبعينهِ ... جزعاً ومن هذا الذي لم يجزعِ
لكن تجرَّع من فراقك غُصَّة ... هي عنده سلسَاله المتجرعِ
قد قال إذ عذلوه من برحائه ... ودموعُه كاللؤلؤ المتقطعِ
ليسَت دمُوعي هَذِه بمَدامعٍ ... لكنَّها كَلِمُ الخطيب المصقعِ
كانت فرائد لؤلؤٍ من وَعظهِ ... في مسمَعي فتحدَّرت من مدمَعي
قد كان واعظي الخطيب ولم يكن ... في جمعَةٍ أبداً ولا في مجمَعِ
لكن بأوقات السَّعَادَة كانَ لي ... فيهَا محاسِن وعظه المتفرعِ
ومنَ البَليَّة غِيْبَتي عن قَبْرهِ ... في صَعْدَةٍ قد كانَ يوم تجمع
خرجُوا بهِ في صُبح يومٍ أكسَفت ... شمس النهار بهِ لأمْرٍ مفضِعِ
يا ليت أني كنت حاضرِ موتهِ ... فأكُونُ بينَ مودّعٍ ومشيعِ
وأكونُ من حمَّالة النعش الذي ... حمَلته أجنحَة الكرام الرّكعِ
__________
(1) في (ب): المتقطع أو المتنوع.
(2) متجانفاً: تجانف: تمايل. (القاموس المحيط ص 736).
(3) المهيع: الطريق.
أصرَيع آيات الوعيد إذا تلا التَّـ ... ـالي وردَّد(1) منطق المترجعِ
وطبيب أسْقام الذنوب وراهم الأقراح من نغل الفؤاد الموجعِ
[مَنِ تصْرَعُ الآيات بعدك خشية ... هيهَات بعدَك ما لها من مصرعِ](2)
ومَن المداوي ذي القلوب إذا شكت ... رين الذنوب وشرب سمّ منقعِ
يا نفس إبراهيم أنت كريمة ... في داره بدعائه لمَّا دُعِي
أنت المرادة عند ربّك فاسمعي ... بالمطمئنَّة حين قال لك(3) ارجعي
صَلَّى عليك الله نفساً أزلفت ... في الخلد في غرف القصور الرَّفعِ(4)
قال السيد الهادي بن إبراهيم بن الوزير: لكل بيتين(5) عارفة من جزاءٍ، وعارفتي في هذه الأبيات على الله. انتهى
إبراهيم بن أحمد بن علي الأكوع [ - ق 7](6)
__________
(1) في الصلة: ورجَّع.
(2) البيت ليس في صلة الإخوان، وفيها بيت آخر وهو:
وطبيب أسقام الذنوب ومرهم الـ أفراح من ثفل الفؤاد الموجع
(3) في الصلة: لها.
(4) لعلها: الرُّفع.
(5) في (ب): لكل تأبين عارفه.
(6) من مصادر ترجمته أيضاً طبقات الزيدية الكبرى (تحت الطبع) ترجمة رقم 14 قال إبراهيم بن علي بن الحسن بن أحمد الأكوع، ويقال: إبراهيم بن أحمد بن علي، والأول أشهر، أخذ على عمه أحمد بن محمد الأكوع (شعلة) قال: مما سمع عليه (المجموع) لزيد بن علي و (أمالي أحمد بن عيسى) و (حديقة الحكمة) وكتاب (الشهاب) للقضاعي، وكتاب أنساب الطالبية، قراءة وإجازة ومناولة وغير ذلك، وأخذ عنه الإمام المطهر بن يحيى، والسيد محمد بن المرتضى الحسيني، أخذا عنه كتاب الأنساب، قلت: وعن الطبقات ومطلع البدور ترجم له السيد القاسمي في الجواهر المضيئة والأكوع في أعلام الأكوع ص 26 وفي هجره.
الفقيه العارف القاضي إبراهيم بن أحمد بن علي الأكوع - رحمه الله - كان شيخاً معمَّراً عالماً، أخذ عن الحافظ شعلة وعن غيره، وأخذ عنه الإمام المطهر بن يحيى - عليهم السلام - ورأيتُ له ترجمَة - رحمه الله - وفيها ذكر مبلغ عُمُرِه، وأنه تعمَّر كثيراً وقبره بِحُوث(1)، ولم تحضرني الترجمة - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن أرج العراقي الزيدي [ - ق 5] (2)
الشيخ العالم إبراهيم بن أرج العراقي الزيدي - رحمه الله تعالى - كان فاضلاً، وهو الذي رَوَى أنَّ متظلماً شكا إلى المؤيَّد بالله من علي بن سرحان(3) على عظيم منزلته وكونه الأمير على ناحية سنحان(4)، فأمر الإمام - عليه السلام - علي بن سرحان أن يقف مع خصمه، فادَّعى عليه بقرة، فأنكر علي بن سرحان، ولم يكن للمدَّعي بينَة فحلَّف الإمام علي بن سرحان(5) المذكور، ثم قال المدعي: ما غرضي هذا إلاَّ ليعرف الناس أن في الزَّمان إماماً يتساوى عنده الملِك والبقار. انتهى
إبراهيم بن إسحاق [ - ق 4]
الشيخ العلامة(6) الكبير إبراهيم بن إسحاق، صاحب الهادي - عليه السلام - وعين وقته، واستمرت أيامه حتى بايع للناصر، وكان من عيون زمانه، ذكر ذلك عبد الله بن عمرَ - رضي الله عنه - وجعله من نضراء محمَّد بن سَعيد، وأبي جعفر محمد بن سليمان الكوفي رحمهما الله تعالى.
__________
(1) حوث بضم الحاء المهملة وسكون الواو بلدة مشهورة في الظاهر الأعلا من بلاد حاشد (معجم المقحفي ص: 198).
(2) سيرة الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسن الهاروني خ، تأليف الإمام المرشد بالله خ.
(3) في سيرة المؤيد بالله: علي بن سرجاب.
(4) في (ب): منتحان.
(5) في سيرة المؤيد بالله: علي بن سرجاب.
(6) في (ب): العالم.
إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج [ - ق2 ه ] (1)
سيد السَّادات، أبو الأئمَّة، بركة المسلمين، إبراهيم طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي وصي رسول الله صلى الله عليه وابن عمّه، فضله أشهر من الشمس، فلا حاجة إلى التطويل لقصد التعريف بحاله، وإنما هو للتبرك باسمه عليه وعلى سلفه الصلاة والسلام، قالوا: لُقَّب بطباطبا؛ لأن أباه أراد يقطع له ثوباً وهو طفل، فخيَّره بين قميص وقبا، فقال: طبا طبا، يعني: قبا قبا، وقيل: بل السواد، وطباطبا بلسان القبطيّة سيّد السَّادات ، نقَل ذلك أبو نصر البخاري /27/ عن الناصر للحق(2)، وكان ذا خطر وتقدم ورياسة، وعقبه أنفع عقب كما تراه، وتشاهده، وإن كان أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كلهم بركة للإسلام ونفع، شملنا الله ببركاتهم.
__________
(1) إبراهيم طباطبا من مصادر ترجمته: عمدة الطالب ص 199، وفيها نص سبب تسميته عن أبي نصر البخاري عن الناصر للحق سيرة الإمام المنصور بالله القاسم العياني تأليف القاضي الحسين بن أحمد بن يعقوب تحقيق الحسني ص 143، وفي مشاهد العترة الطاهرة لعبد الرزاق كمونه ص 288، ونقل عن حميد المحلي في الحدائق أنه مات في حبس الهاشمية.
(2) عمدة الطالب ص 199.
كان سكنه - عليه السلام - بوادٍ في شامي ينبع(1) يسمَّى العيص(2)، وذكر المنصور بالله الإمام القاسم بن علي - عليه السلام - فيما رواه الحسين بن أحمد بن يعقوب حكاية له غريبة، قال الحسين بن أحمد: وسألناه - يعني القاسم بن علي - عن روايةٍ رويت عن جدّه القاسم بن إبراهيم - عليهما السلام - أنه صحبُه إنسان شيعي له، فلمَّا خلوا اغتر الإمام، فأنشط في حلقه وتَراً معه فقطع(3) الإمام القاسم بن إبراهيم الوتر بمبرأة كانت معه، وقتله، فسألناه ما صحة ذلك؟ فقال: ما نعرف هذه الرواية ولا روَى لنا أحد من سلفنا أنه قتل في عصره أحداً، ثم ذكر أباه إبراهيم بن إسماعيل فقال: كان أبوه إبراهيم بن إسماعيل بوادٍ في شامي ينبُع يسمَّى العيص يعمر(4) بعض ضياعه، وكانت قد ظهرت دعوته، وشهر استحقاقه للمقام، فكان الخليفة يخافه لذلك، فلم يزل يعمل فيه حتى أرسل من أحاط به في ضيعته وهو في غفلةٍ من أمره، فقُبِض - عليه السلام - ومضوا به حتى أوصلوه الخليفة، فلمَّا وصل(5) جعلوه في السجن والخليفة يومئذٍ ببغداد في سجن العَامَّة فطوَّلوا سجنه، وأثخنوه بالحديد،
__________
(1) ينبع، قال في معجم البلدان 5 /450 هي عن يمين رضوى لمن كان منحدراً من المدينة إلى البحر على ليلة من رضوى من المدينة على سبع مراحل وهي لبني حسن بن علي، وكان يسكنها الأنصار وجهينة وليث، وفيها عيون عِذاب صغيرة، وواديها بليل.. الخ، قلت: وهي اليوم مدينة شهيرة في السعودية.
(2) والعيص، من أودية المدينة كما في هامش سيرة الإمام المنصور ص163 نقلاً عن وفاء الوفاء 4/ 1270، وفي معجم البلدان 4/173: موضع بلاد بني سليم، به ماء يقال له ذيبان العيص، قال: وقال ابن إسحاق في حديث أبي بصير: خرج حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام.
(3) في النسخ: فقطعه، وفي سيرة الإمام المنصور: فقطع.
(4) في السيرة: يغمر.
(5) في السيرة: وصلوا.
وكان أخذه وولده القاسم حمْل في بطن أمِّه، فأقام في السجن سبع عشرة سنة، ثم عمل فيه رجل من شيعته من أهل المدينة مع بعض الحبَّاسين، فلمَّا أسعفه، واستخرجه في ساعة غفلة من الناس، وكان شيعيَّه هذا حطاباً والحطب هنالك يجمع، ويحتكر حتَّى ربما اجتمع عند صاحبه مثل التلِّ، فعمل في وسط ذلك الحطب بيتاً من الحطب، وفيه مصالحه ثم أدخله إياه، فلمَّا فقد من الحبس طلب، وحفظت أقطار الدُّنيا عليه، وقلبت المدينة كلها خزائنها(1) ودهاليزها(2) ومنازلها فلم يجدوه مع ستر الله وعونه لوليّه، فأقام في ذلك الحطب سنَة، فلمَّا دار عليه الحول اكترى له صاحبه في الموسم محملاً، وجعل كراءه لامرأة، فكان في ذلك المحمل يحجب، ويصان كما تصان الامرأة حتى وصل مكة، ودخل في الناس، وتنكَّر، وخرج يلتمس أهله وأولاده، وكان ولده القاسم لمَّا ولد بعده شبَّ، ونشأ أديباً لبيباً عالماً جواداً، فانتقل بأهله إلى جبال الأشعر(3) وتحرَّز فيها من الظالمين، فلم يزل أبوه يسير حتى وصل منازل أهله، فأتى فنَاء ولده، ووجده قاعداً في حلقةٍ في جماعة وهو فيهم منظور إليه، مردود مجلس الجماعة عليه، فتوسمه فقال: إن كان عاش ولدي فهو هذا. فسلَّم على الجماعة فردُّوا أحسن التحيَّة عليه وقال: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا القاسم بن إبراهيم، قال: فأين أبُوك؟ قال: في رحمة الله، قال: فأنا هو، قال: غلطت [قال] (4) ليس كما قلت إن له منذ قبض وقتل ما يداني العشرين سنة، قال: فأنا هو قد حبست، وطال ذلك،
__________
(1) في السيرة: خرابها.
(2) الدهليز بالكسر ما بين الباب والدار، فارسي معرَّب، والجمع الدهاليز (مختار الصحاح 213).
(3) الأشعر: بالفتح ثم السكون وفتح العين المهملة وراء الأشعر: جبل جهينة ينحدر على ينبع من أعلاه هامش السيرة ص 144 عن وفاء الوفاء 4/ 1126، وفي معجم البلدان 1/ 198: الأشعر بالفتح ثم السكون وفتح العين المهملة وراء.
(4) سقط من المطلع وهو في السيرة.
وسلمَّ الله، ثم أخلاه من الجمَاعة، ثم سأله أعاد عمتك فلانة وأمَّك فلانة وأختك، وسأله عن أهله، فقال [له](1): دع عنك هذا، فإنه ربَّما يأتي بعض مردة بني آدم بمثل هذا، ولم يقربه إلى معرفة فقال: امض إلى أهلك فأعلمهم بما ذكرت لك، فمضى إلى أهله فأخبرهم بخبر أبيه ونكرته له، فقالت له أمّه: على أبيك علم لا ينكر(2)، قالت: في صدره ضربتان بسيف معترضتان على ثدييه(3) أثرهما لا يغبا، فإن كان ذلك فهو أبوك. فعاود إليه فقال له: في صدرك ضربتان أثرهما بادٍ ؟ فقال: نعم، فأراه ذلك، فلمَّا أراه حق معرفته، وتبادرت عيناه لذلك، واعتنقه، وقدَّمه إلى فلم ينكروه حينما رأوه، فهذا ما يجري على الصَّالحين في جنب(4) الله من أعدائه.
إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم [ - ]
الإمام الكبير شيخ الأئمَّة والعلماء، صدر زمانه إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - إمام كبير وأستاذ خطير، أخذ عنه جلة من العلماء وهو شيخ شيخ أبي العبَّاس الحسني، وذلك أنَّ أبا العبَّاس تلميذ أحمد بن سهيل(5) الرازي، وأحمد بن سهيل(6) أخذ عن إبراهيم هذا.
__________
(1) سقط من المطلع وهو في السيرة
(2) لعل هناك كلاماً سقط بعد قوله: لا ينكر، فلعله قال: وما هو ......
(3) في السيرة: ثديه.
(4) في السيرة: في حب الله.
(5) لعله: سهل، انظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (84).
(6) لعله سهل.
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الحياني [ - حياً 595 ه ]
السيد الإمام الحافظ إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الحياني، كبير العلماء ورحلتهم، قرأ عليه عمرو بن جميل النهدي الزيدي شيخ الإمام المنصور بالله، وسمع عليه عمرو بن جميل أمالي السمَّان الزيدي بقرية الحي من رستاق الري(1) سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وقال عمرو: هو الإمام العالم الزاهد الورع التقي النقي شهاب الدين عماد الإسلام والمسلمين، مفتي الشريعة، مقتدَى علماء الشيعة، وسنذكر - إن شاء الله - شيخه عمرو بن جميل في ترجمة يحيى بن إسماعيل الحسيني الإمام الكبير(2).
إبراهيم بن إسماعيل المعروف ببارستان(3)
الشيخ المحدّث الثقة مسند العراق إبراهيم بن إسماعيل المعروف ببارستان(4) الاستراباذي(5)، كان شيخاً عالماً إماماً في الحديث، قراءته على المستعين بالله علي بن أبي طالب بن القاسم الحسني الذي ترجم له الحفاظ، ومن تلامذته الشيخ الإمام أستاذ العارفين(6) عبد الحميد بن عبد الغفار بن أبي سعد الاستراباذي أستاذ الكني - رحمهم الله جميعاً - ذكر ذلك الشيخ علي بن حميد القرشي.
__________
(1) الري: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرين فرسخاً، سميت الري أي (العجلة) بالفارسية، وقيل: وللري قرى كبار كل واحدة أكبر من مدينة، والري ذات تأريخ كبير، انظر معجم البلدان 3 /116 - 122.
(2) هو ومن يليه واحد كما ترجمه في الطبقات الكبرى رقم (5) تحت الطبع.
(3) انظر الطبقات الكبرى ترجمة (5).
(4) في (ب): ببارسان.
(5) الاستراباذي، نسبة إلى استراباذ، وهي بلدة من بلاد حازندران بين سارية وجرجان، انظر الأنساب للسمعاني 1/ 130 - 132.
(6) في (ب): أستاذ العراقين عبد المجيد بن عبد الغفار بن أبي سعد الاستراباذي، وفي طبقات الزيدية الكبرى 1/67: عبدالمجيد بن عبدالحميد الاستراباذي.
إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسد [ - ]
القاضي العلامة إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسد، ولي جهة شظب من جهة الإمام المنصور بالله، ولعلنا قد نقلنا له ترجمة، وكان إليه الخطبة، واتصل بحصونه، وقبض الحقوق(1).
إبراهيم بن بالغ الوزيري [ - ق5ه تقريباً](2)
الفقيه العالم الكبير إبراهيم بن بالغ الوزيري، من أهل مدر(3) من المشرق من أرض حاشد، صحب أبوه الهادي إلى الحق - عليه السلام - /29/، فأخذ عنه أصول الدين سماعاً، واستثبت في علمها حتى كان إماماً، وتفرد(4) بنفسه، وانقطع عن الناس في كثير من أمره، ولزم الخمول، ولم ينتصب للرِّياسَة انتصاب من يحب الثناء ويريد السمعة، فغفل عنه من تعرَّض لغيره من أهل الدنيا، وجعل الهمَّ هماً واحداً حتى لقي ربَّه نافعاً منتفعاً في دينه مستريحاً من أذيَّة الطغام وسفهاء العوام، وبسببه - والله أعلم - صارت مدر من منازل الصَّالحين.
__________
(1) سبقت ترجمته باسم إبراهيم بن أحمد الحاشدي، وقد ذكر في السيرة المنصورية في أكثر من موضع باسم إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسد القهمي، وباسم إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسود الأقهومي، وسبق الكلام عنه.
(2) ترجمه في الطبقات الكبرى القسم الثالث، تحت الطبع برقم (9)، ومن مصادره طبقات مسلم اللحجي خ، والجواهر المضيئة عن الطبقات خ، قال في الطبقات: يروي أصول الدين سماعاً عن أبيه عن الهادي للحق، وسمع عليه علي بن محفوظ الزيدي، قال: وذكره مسلم اللحجي، وذكر في موضع أن إبراهيم يروي عن الهادي وعن المرتضى محمد بن يحيى.
(3) مدر بفتح أوله وثانيه قرية باليمن على عشرين ميلاً من صنعاء، وهي قرية عامرة في أرض كانت هجرة علم، وبها آثار قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام (مجموع الحجري 4/ 698).
(4) في الطبقات الكبرى 1/ 261: يتفرد بنفسه.
إبراهيم بن بشر القاسمي [ - ]
السيِّد العلامة النسَّابة إبراهيم بن بشر القاسمي - رحمه الله - كان من علماء أهل البيت - عليهم السلام - مطلعاً على الأنساب، مرجوعاً إليه فيها وفي غيرها، وهو من أولاد أحمد المعروف بالخضر بن جعفر بن الإمام القاسم بن علي.
إبراهيم الغمر بن الحسن [76 - 145ه تق](1)
السيّد الطيّب المطيب الزاكي إبراهيم الغمر بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، إمام جليل القدر عظيم المنزلة، وناهيك بشرفه وتبسطه في بحبوحَة الشرف العالي، وسمِّي بالغمر لجوده، ويُكنَّى أبا إسماعيل.
قال السيد النَّسابة ابن عنبة: وكان سيداً شريفاً، روى الحديث، وهو صاحب الصندوق بالكوفة مزار قبره(2)، وقبض عليه أبو جعفر المنصور مع أخيه، وتوفي في حبسه سنة خمس وأربعين ومائة، وله تسع وستُّون سنة، وروى ابن عنبة عن بعض المتكلمين في شأنه: أنه مات قبل الكوفة بمرحلة، وسنُّهُ سبع وستون، وكان السَّفاح يكرمُه، وهذا الإمام أشهر من أن يذكر، وإنما هذا تبرك بذكره - عليه السلام - وعلى سلفه وعقبه الطاهر سلام الله ورحمته وبركاته.
إبراهيم بن حميدان القاسمي
السيد الجليل العالم إبراهيم بن حميدان القاسمي - رحمه الله تعالى - ذكره أبو فراس بن دعثم، ووصفه بالفضل والصدق، وروي عنه أنه قال: كنت شاكاً في أمر الإمام - عليه السلام - مخطئاً في أفعَاله وأقواله وأنا أسر ذلك من العوَام، وأظهره على من أثق به وأنا أظن أني مصيبٌ، فرأيت في النوم ذات ليلةٍ شخصاً ينشد بصوتٍ حسن:
الحمد لله عزَّ الدين وارتفعا ... ونصر آل رسول الله قد طلعَا
__________
(1) عمدة الطالب ص 78/ مقاتل الطالبيين 172، أعيان الشيعة 2/124 - 125. (التحف شرح الزلف ص: 91).
(2) في عمدة الطالب: وهو صاحب الصندوق بالكوفة يزار قبره، قال محقق عمدة الطالب: قبره قريب من كرى سعد بن أبي وقاص المعروف على يسار المجنة الجديدة للذاهب إلى شريعة الكوفة وهو مزار معروف حتى اليوم.
والأرض معشبَة من بعد ما مَحِلت ... وراح عن جانبيها الظلم وانقشعَا
وذا بعبد الإله الطهر مالكنَا ... العالم العلم العلاَّمة الورعَا
فيا لآل عليٍّ آل فاطمةٍ ... يا(1) آل هاشم يا للمسلمين معَا
أوبُوا إليهِ معاً من كل ناحيةٍ ... بالصَّافِنات وخلو الكبر والطمعَا
قال الشريف المذكور: فعُدت على ما كنت عليه، وعلمت أن قد أخطأت في أمري، وظلمت نفسي، وأثمت في اعتقادي في الإمام - عليه السلام - وعلمتُ أن هذه الرؤيا لطف من الله، فتبت إليه من سوء فعلي.
إبراهيم بن حسن
الفقيه الفاضل العالم إبراهيم بن حسن من هجرة الأوطان، ترجم له ولأخيه موسى (وابن أخيه موسى)(2) وابن أخيه الحسن السيد العارف العابد يحيى بن المهدي، قال في حق إبراهيم: كان من العلماء الأفاضل، وكان من عيون القادة الأماثل، وكان درسه هو وأخوه موسى على السيد الإمام المهدي بن القاسم(3) - عليه السلام - والتحيَّة والرضوان./30/
إبراهيم بن الحسن بن سعيد(4) [ - 1071]ه
__________
(1) في (ب): يال هاشم.
(2) زيادة في (أ).
(3) في (ب): بن قاسم.
(4) من مصادر ترجمته: تحفة الأسماع والأبصار (سيرة الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم)، وأعلام المؤلفين الزيدية ص: 48، ترجمة (8)، ومنه: ملحق البدر الطالع ص: 5، وفهرس مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير ص: 176، هامش تاريخ اليمن (مختصر عن طبق الحلوى لابن الوزير ص: 100، 172) ومؤلفات الزيدية 3/152، بغية المريد - خ - ومطلع البدور - خ - (وهو هذا الكتاب الذي بين يديك).
القاضي العالم حوَاري أمير المؤمنين صارم الدين إبراهيم بن الحسن بن سعيد بن محمد بن جابر بن علي بن عواض بن مسعود بن علي بن حسن العتابي النوفي المعروف بالعيزري، ونسبه إلى بني نوف بطن من همدان يسكنون جبل أهنوم، كان رفيع المنزلة كثير المكارم، مراقباً لحقوق الله - عزَّ وجلَّ - توَلَّى القضاء والكتابة لإمام الزمان المتوكل على الله - أيَّده الله وحفظه - وانتقل إلى جوار الله بصنعاء المحميَّة في شهر ربيع الأوَّل(1) سنة إحدى وسبعين وألف عند وفادة الإمام - سلام الله عليه - إليها متوجهاً إلى شهارة، ولم يكن بينه وبين السيِّد العلامة أحمد بن الهادوي بن هارون الهادوي في الوفاة إلا أيام قليلة، وكان صديقاً له، واتعظ القاضي بموت السيد رحمهما الله، وبلغني أنه لمَّا تم قبر السيد - رحمه الله - تفوَّه القاضي - عادَت بركاته - كالمتمني لجواره، وقبره بجوار قبره، فما كان إلا أيام نحو أسبوع أو أكثر بقليل، وقد نقل إلى جوار الله - رحمة الله عليه -.
إبراهيم بن الحسين بن محمد
الفقيه الفاضل المحقق صارم الدين إبراهيم بن الحسين بن محمد بن علي النحوي، ومحمد بن علي هذا هو محمد بن علي بن أحمد بن أسعد المشهور بسابق الدين بن يعيش إمام النحو وسلطان علمائه، وسيأتي ذكره - إن شاء الله تعالى - ترجم للفقيه صارم الدين بعض أولاده العلماء الكملاء آل النحوي أعاد الله علينا من بركاتهم، وهؤلاء أهل بيتٍ شهير فضلهم سامٍ وللَّهِ الحمد، قدرهم أهل عبادة وزهادة وفضل واسع، ولم يذكر المترجم له متى كان مولده ولا وفاته - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن حثيث الذماري(2) [ - 1041]ه
__________
(1) زيادة في (ب): من شهور.
(2) من مصادر ترجمته: طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/68 ترجمة (8) ومنه: النبذة المسيرة - خ - المستطاب - خ - الجامع الوجيز - خ - ملحق البدر الطالع ص: 4.
الفقيه العارف المذاكر حجَّة أهل الفروع إبراهيم بن حثيث الذماري، من قرية ذي العليب من بلاد جهران، وليس من الفقهاء(1) بني حثيث أهل القبَّة(2) الذين ينتسبُون إلى الفقيه محمد بن حثيث، فإن محمد بن حثيث أصله من قايفة(3)، وكان فاضلاً أيضاً، كان إمام الفقه محققاً مناظراً قليل النظير في الإصابة والحفظ وجودة النظر، وعليه يُعوِّل الفقهاء، ورجع شيوخه إليه في أوائل أمره وغصن علومه رطيب، واتفق في أوائل مَنْشَئِهِ تردد مع فقهاء مدينة ذمار وهم أهل الورع والتحفظ إلى حدٍ تقصر عنه العبارة، سمعتُ شيخنا العلاَّمة إبراهيم بن يحيى السحولي عند ذكر أحوالهم في بعض الأيام يقول: لو اتفق أولئك العلماء في(4) مسألة ما استجزت خلافهم، لما يراه من الحفظ للعلم والتحفظ في العَمل، فدار بينهم إشكال أوجب أنهم يتجنبون الوضوء بماء المدرسة الشمسية بذمار، وذلك أنه تولَّى نزع الماء من البئر ولد دون التكليف، فقالوا: هذا(5) على أصل الإباحة، والمباح يملكه الناقل له أو المحيي على قواعد المذهب فهو إذاً ملك للصبي فبأي وجهٍ خرج من ملكه وإباحته، كلا إباحةٍ فتنبَّه القاضي إبراهيم للمسألة وقال: إن ذلك فيما كان مباحاً لم يسبق فيه حق، أمَّا ما قد سبق فيه حق فلا يملكه الفاعل، فطالبوه بالمأخذ فأبرزه من كتب المذهب الشريف فتوضؤوا، واطمأنت نفوسهم. وتعمَّر القاضي صارم الدين مدة وتأخرت به الأيام /31/ حتى وفد على الإمام الأجل المؤيَّد
__________
(1) لعلها: فقهاء.
(2) ذكرها المقحفي في معجم البلدان والقبائل اليمنية ص: 506 باسم قبة حثيث، وقال: قرية في قاع جهران وتعرف باسم عليب، تهدم منها 98 منزلاً في زلزال ديسمبر 1982ه. انتهى
(3) قائمة: وتسمى أيضاً قيفة من قبائل رداع وهي بطن من مراد، ومن أقسامها: قيفة ولد ربيع، وقيفة آل غنيم، وقيفة آل محسن يزيد، وقيفة آل مهدي (انظر المصدر السابق ص: 528).
(4) في (ب): على.
(5) في (ب): زيادة: الماء على أصل.
بالله ابن الإمام المنصور بالله - عليهما السلام - وأجلَّه الإمام وعظَّم قدره، وكان في الحضرة علماء منهم القاضي العلامة سعيد بن صلاح الهبَل - رحمه الله - وكان إمام الفقه، فأثنى على القاضي صارم الدين، وشوَّق ألباب الطلبة للقائه، وحثهم على سماع (معيَار النجري) عليه؛ لأنه خرِّيته(1) الماهر فعوَّل(2) عليه إمامنا المتوكل على الله حفظه الله، فاشترط للسَّماع حضور نسخة صحيحة معيّنة، وقرؤوا عليه، وحضر الأعيان، ولم يبعد القاضي سعيد عنهم وقت السماع، ولكنه استنكر تبلد طبع القاضي وأنه لم يبق على عهده، وكان القاضي صارم الدين لا يبالي بالجهال ومن لا يتحرَّز في دينه، وكان يأخذ دراهم على الفتيا، فذاكره تلميذه القاضي العلامة محمد بن صلاح الشامي(3)، فقال: هؤلاء بأيديهم حقوق لله تعالى وولاتهم يومئذٍ الأتراك، وأظهر للقاضي محمد بن صلاح شواهد أن تلك الدراهم كانت [تصل](4) إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - أعاد الله من بركته - ولم أتيقن اسم والده فكتبته في هذا المحل والله الهادي، ووفاته يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة إحدى وأربعين وألف.
إبراهيم بن خيران [ - ](5)
الشيخ العلامة ترجمان علوم الأئمة صارم الدين إبراهيم بن خيران، من أجلاء العلماء والأعلام الأجلاء، وهو الذي ينسب إليه بعض العلماء (الكامل المنير)، وبعضهم ينسبه إلى نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وناهيك بهذا الشيخ الذي التبس ما صنفه بما صنفه هذا الإمام الجليل - رحمهم الله جميعاً - ومن اطلع على هذا الكتاب علم محل الفقيه المذكور من العلم.
__________
(1) خرِّيته: الخِرِّيت كسكّيت: الدليل الحاذق. (القاموس المحيط ص152).
(2) في (ب): معول.
(3) في (ب): محمد بن صلاح السلامي.
(4) سقط من (أ).
(5) أعلام المؤلفين الزيدية ص: 50 ترجمة (11).
إبراهيم بن سليمان بن أحمد [ - 722 ه ]
الفقيه الفاضل العارف إبراهيم بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال بن سرح بن يحيى صنو الفقيه الفاضل إمام المذاكرين صاحب (الروضة)(1) محمد بن سليمان، ترجم لإبراهيم صنوه العلامة موسى بن سليمان الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - وأثنى عليه بما يستحقه، وقال: توفي في أوَّل يوم من ربيع الأول من شهور سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، قلت: وقبره بالطفّة المشهورة بظفار - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن طماح [ -]
الفقيه العالم إبراهيم بن طماح من هجرة ذي حُوْد(2) من بلاد المقُري، عالم تقي له خزانة كتب ومقام فاضل - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي النجم [ - ]
القاضي العلامة حاكم المسلمين إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أبي النجم، قاضي صعدة المحروسة وحاكمها ومفتيها في الحلال والحرام وعالمها، كان قاضياً فاضلاً ممدحاً بالشعر، وأهل بيته أهل مكارم عديدة، وسيمر بك ذكر جماعة من أهل بيته في أثناء هذا الاختصار، وذكر نسبهم وتوليهم للقضاء كما سيأتي من أيام عمر بن الخطاب، ولله القائل:
الأسعدون بنو أبي النجم الأُلى ... ظعنوا وثوب الدهر منهم عاطرُ
المنعمُون ولا جواد منعم ... والمطعمون ولا كريم ناحرُ
والطيبون فلا فعال آثمٌ ... والحاكمون فلا قضاء جائرُ
__________
(1) ويسمى الروضة في فروع الفقه، لمحمد بن سليمان بن أحمد المعروف بابن أبي الرجال، جمعها عنه تلميذه محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي الحبيش (انظر أعلام المؤلفين الزيدية ص: 903).
(2) هجرة ذي حود هجرة عامرة معروفة من مخلاف المنار (مخلاف مقري) وأعمال آنس في الغرب من ذمار مع ميل نحو الشمال، وتبعد عنها بنحو ثلاثين كيلو متر (هجر الأكوع 2/ 760).
إن أصبحوا تحت التراب فذكرهم ... مثل على ظهر البسيطة سائر(1)
ولم يمرَّ بي في بيوت الزيدية بعد آل محمَّد - صلوات الله عليه وعليهم - أكثر مناقب من أهل هذا البيت، وكان هذا القاضي صارم الدين ممدّحاً بالشعر، فمن ذلك ما قاله السيد إبراهيم بن محمد بن مدافع الديلمي:
إما بلغت إلى شريف مقامه(2) ... فالثم ثراه تشرفاً بترابه
وانزل بساحة سيِّد من سادةٍ ... يَعلو الأنام بفضله ونصَابه
تلقى لإبراهيم نشر عوارفٍ ... كالمسك ينفح في فناء(3) جلابه
في بُعده ودنوّه ومقاله ... وفعَاله وشفاهه وكتابه
وخلائقاً تحكي الرياض ونائلاً ... متواصلاً والفضل في آدابه
صنو التقى وأخو المكارم والعطا ... وأبو الحيا والمجد من أترابه
إلى آخرها، وقال فيه آخر:
يا أيها القاضي الذي لم يزَل ... في كل حال خلقه مرتضَى
ومن نداهُ عارض واكف ... وعزمُه كالصَّارم المنتضَى
ومن حمَى أحسَاب أسلافهِ ... وحاطها بالفضل أن تقبضَا
ومَن يؤمُّ المجد إن غيره ... عن غيره جنَّب أو أعْرضَا
إنِّي لم أمدحك للمرتجى ... لكنني أثني على ما مضَى
لا زلت أهلاً للهدى والحدَا ... وللمعالي والحجَا والقضَا
واختصرنا ما قيل فيه - رحمه الله تعالى - من التقريض خوف الإطالة، ولمَّا مات أبَّنهُ جماعَة منَ الفضلاء فقال فيه القائل:
لئن غاب من أبنا أبي النجم كوكبٌ ... كريم إلى كل القلوب محبَّبُ
__________
(1) حاشية في (ب)، قوله: الأسعدون إلى آخره، هذه هي في القاضي العلامة صارم الدين إبراهيم بن يحيى بن أبي النجم لا في إبراهيم بن عبد الله كما ذكر المؤلف - رحمه الله - كما هو موجود الآن والحمد لله تمت، وكذلك كلمة السيد إبراهيم بن مدافع الديلمي وما بعدها والترثية في إبراهيم بن يحيى بن أبي النجم، وأمَّا كلمة الإمام المعتضد بالله فهي في إبراهيم بن عبد الله هذا، والجواب عليها وما بعدها فلينظر تمت والله الموفق.
(2) في (ب): إلى شريف جنابه.
(3) في (ب): قناء.
له خلق بالمكرمَات مفضَّضٌ ... وعلم وحلم بالحيَا مذَهَّبُ
حَميٌّ كميّ أريحيّ مشيّع ... عليم بأعقاب الأمور مهَذَّبُ
وَفي قومهِ بأسٌ وعزّ ونجدة ... وليسَ لنا عن مذهب القوم مذهبُ
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دُعوا ... أجابُوا وذكراهم من المسك أطيَبُ
أئمتنا الهادون والسَّادَة الأُلى ... لنا عندهم حقٌّ عظيم ومرحَبُ
زكيُّ الهُدَى والمجد منهم وصنوه ... سُلَيمان والباقون صِيْدُ وأسحبُ
وقد كان إبراهيم للنَّاس عنْ يَدٍ ... وكانَ لنا منه من الماء أعذبُ
/33/
فغادرنا فيه الزمان فيا لها ... مقدرة في صادق ليس يكذبُ
وقد كان إبراهيم جفنة طارق ... إذا جاء والليل البهيم مطنبُ
وقد كان إبراهيم سم محارب ... إذا الحرب يوماً جمرها يتلهَّبُ
فيبكيه خطيُّ وسيف ومنبر ... وكتب وأفراس وحيه ومذهبُ
إلى [آخر] ما قاله ورثاه الإمام المعتضد بالله أمير المؤمنين الداعي بن المحسن:
أرى الموت كل به مرتَهنْ ... فصبراً على حادثات الزَّمنْ
أوائلنا ظعنوا قبلنا ... ونحن بِأثْرِ الذي قد ظَعَنْ
فما أحسن العيش لو أنَّه ... يدوم شِرينا بأغلى الثمنْ
ولكن رأيت صروف الزما ... ن لا تتقى بحصين الْجُنَن(1)
أطفن ببلقيس في عرشها ... وأخرجن من قصره ذا يزنْ
ورعن سلامة ذا فائش ... وأنزلن في هوَّةٍ ذا جَدَنْ
وقيس المتوَّج في حضرمو ... ت وقد عزَّ عصراً فما يمتهنْ
وأقصد أسهمها التُّبَعِيْن ... وزلزلنهم من سوامي القَنَنْ
فهل بعد ذلك مستعتبٌ ... على الدهر في سارح أو يَفَنْ(2)
نظنُّ المنازل أوطاننا ... ونجهل أن القبور الوطنْ
فنخربُ داراً إليها المعاد ... ونعمُر من دارسات الزمن(3)
فمن مبلغٍ قاضي المسلميـ ... ـن وعلام شيعتنا باليمنْ
__________
(1) الجُنن جمع جُنَّة بالضم وهو ما استترت به من سلاع، والجُنَّة: السترة (انظر مختار الصحاح ص: 114).
(2) الشارخ: الشاب، واليَفَنُ محركة الشيخ الكبير.
(3) جاء في حاشية (أ)، (ب): الدمن.
عزاء إليكم تقي الهدى ... بسبطك وارث علم السنن
فنعم السّمي سميَّ الخليل ... رضيع لبَان السخا والمنن
يعزُّ هداك مليك السما ... فإنَّ العزاء يزيلُ الحزَنْ
بموت الرسول وهلك البتو ... ل ومثوى الحسين الرضي والحسنْ
فما دُمت دامت مباني العلا ... لآل أبي النجم في كل فنْ
فقوَيتهم في مساعيهم ... وشدَّدت من أزرهم ما وَهَنْ
وكنتم قضاةً لآل الرسو ... ل تقفُون آثارهم في السننْ
وما لامكم قبلها لائمُ ... ولا شاب إعراضكم من دَرَنْ
فتعساً لقاضٍٍ يباري علا ... كِ بصعدة كالبلس وسط القرنْ
ولا نابك الدهر من بعدها ... وسلمت من طارقات المحنْ
وأجاب والد القاضي صارم الدين وهو القاضي الوحيد عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي /34/ النجم عن هذا الشعر فقال:
كتابك يا ذا الوفا والمننْ ... يفرّق جمع جيوش المحنْ
ويأسو القلوب ويَنْفِي الكرُو ... ب ويقطع سبل دواعي الإحنْ(1)
ويشفي الصدور وينمي الحبو ... ر(2) ويهدي السرور وينفي الحزنْ
ولِمْ لا وأنت وحيد الأنا ... م وعالم عصرك في كل فنْ
وربك غشَّاك من نوره ... بهاءً فأنت فريد الزّمنْ
وكم لك من أثر ظاهرٍ ... خلفت الحسين به والحسنْ
وأشبهت قاسم في فعله ... ويحيى الإمام مقيم السُّننٍ
دَعوت إلى المنهج المستقيم ... وهدم كنَائس أهل الوثنٍْ
وبايعك النَّاس ثمَّ انثنوا ... وأسقط أكثرهم في الفتنْ
فيا ليت شعريَ فِيْمَ النجاة ... وطوبَى لمن قرَّ ثم اطمأنْ
علينا ملائكة حافظون ... وكل بما قد جنى مُرْتَهِنْ
فيا ربِّ عوناً فإنَّ الكريم ... يجيب الحزين ويهدي السنن
عسَى ولعَلَّ مليك السما ... يُجمِّع شمل بني المؤتمنْ
ويحرسهم من مهاوي الهلاك ... ويوقظهم من سِنَاةِ الوَسَنْ(3)
غبطت أبا النجم لما أتا ... ه داعي المليك ومسدي المننْ
وكان كبدرٍ عراه المحاق ... لِسَاناً فصيحاً ووجهاً حسَنْ
__________
(1) الإحن: جمع الإحنة وهي الحقد.
(2) الحُبور: السرور.
(3) السِنَّةُ والوَسَن: النعاس.
وكنت أرجِّيه بعد المما ... ت يقضي الدّيُون وينفي الدَّرنْ
فحالَ القضَاء على شخصهِ ... حميد السجايا رحيب العطنْ(1)
إلى الله أشكو الذي نالني ... عسَى الله يجبر هذا الوَهَنْ
يُهوِّن وجدي أني امرء ... أُرَجي المنيَّة أن تأتَينْ
أجاوره في ثرى قبره ... وأشتمَّ أعظُمَه والكفَنْ
وأرجُوه يشفع يوم الحساب ... فيسكنني الله فيما سكَنْ
ولولا الإجابة حتم لما ... جَعَلْتُ الجواب لقَلبي شجنْ
سلام الإله ورضوانه ... عليك فأنت رضيع الفطنْ
وما زلت تكسو الجيوب العراة ... كسيت من الرِّيش غالي الثمنْ
وقال والده فيه رحمهما الله تعالى /35/:
وخير لنا منه ثواب ورحمة ... وخير له منَّا الإله مجَاوِرُ
رضيت قضَاء الله فيه وإنني ... لرَبي على إحسَانِه اليوم شاكِرُ
وقال فيه:
لئن كانَ إبراهيم وَلَّى بيومهِ ... فما أنا عَن ريب الزَّمان جزوعُ
أيا وحشة فارقت شخصك سيّدي ... فراق حبيب ما إليه رجُوعُ
لو(2) كانَ يغنيني البكا لتفجَّرت ... عيُوني دماً إذ ما بهنّ دموعُ
لئن غبت عن عيني حبيبي فإنني ... أراك بقلبي والأنام هجُوعُ
وأرجُوك في يوم القيامة شافعاً ... وإنَّك من هَول الحساب شفيعُ
رضيت قضاء الله في كل حادِث ... وقلبيَ من حزنٍ عليك وجيعُ
فلا تبعدن إنَّ المنيَّة دعوَة ... يجيبُ لها كل الأنام مطيعُ
يُهوِّن وُجْدي أنَّني بك لاحق ... وأنّي إلى ما أنت فيه سريعُ
وقد كنت أرجو أن تكون مشيِّعي ... وقاضي ديُوني والدموع هَمُوْعُ(3)
فحال قضاء الله دون إرادتي ... وكل لحكم الحادثات صريعُ
ولو(4) كنت تُفدَى ياأبا النجم بالفدا ... بذلتُ الفدا والأقربون جميعُ
أقمت فروض الله قبل وجوبها ... ولا يستوي عبد وفى ومضيعُ
ورثاه يوسف بن جعيد وغيره - رحمهم الله أجمعين -.
__________
(1) أي رحب الذراع، وهو كناية عن سعة صدره ولطف أخلاقه.
(2) في (ب): ولو.
(3) الهموع بفتح الهاء: السائل، وبالضم: السيلان، وقد هَمَعَت عينه أي دمعت (مختار الصحاح ص: 699).
(4) في (ب): فلو. وهي الصواب.
إبراهيم بن علي بن المرتضى [741 - 782]ه(1)
السيد العالم الكامل إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضَّل(2) - رضوان الله عليه ورحماته - كان إماماً، جليلاً، عَلَماً، عالماً، نبيلاً، مفخراً للإسلام - قدس الله روحه - ترجم له جماعة أجلاء، منهم السيد العابد يحيى بن المهدي الزيدي، قال فيه: كان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً، قد براه الخوف، وأنحلته العبادة، وكان وجهه يتلألأ نوراً، وكان يُرى نور وجهه من بعيد، وكان مصفار اللون من خوف الله تعالى، وله وظائف في العبادة والتلاوة، وله ولأهل بيته ما يعجز إلا من وفقه الله، روَى لي السيد الأفضل أحمد بن الهادي بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة - عليه السلام - أنَّ هذا إبراهيم - أعاد الله من بركاته - كان يؤثر بطعامه وطعام أهل بيته الفقراء، ورُبَّ ليلةٍ يضمرونها، وكان من لبَاسهِ العَبَاء والخشن من الصوف، قال: وكان يلبس الشملة، فإذا كان الليل طرحها على أولاده من شدة البرد وفراشه الحصير، وعبادته وزهادته وأوراده الصَّالحة قبلة للصَّالحين وقدوةً للعارفين، وله كرَامَات ظاهرة وفضائل باهرة. انتهى كلامُه. توفي - رحمه الله - يوم الاثنين في رجب سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة بهجرة الظهراوين(3) من أعمال شظب(4)
__________
(1) صلة الإخوان (تحت الطبع) الفضائل (خ)، المستطاب (خ)، الطبقات الكبرى القسم الثالث تحت الطبع ترجمة (20) وفيها مولده 741ه.
(2) في (ب): مفضل.
(3) الظهراوين، كانت هجرة عامرة تدعى هجرة شظب نسبة إلى الجبل الذي يقع فيه، وأحياناً تدعى هجرة بني حجاج نسبة إلى العزلة التي يقع فيها جبل شظب، وهي شرق السودة وجزع عناش مقبرة شهيرة تقع بين هجرة الظهراوين وجبل سرارة وتسمى اليوم عشان (هجر الأكوع 3/ 1340).
(4) شظب جبل قرب السودة من محافظة عمران، وإليه تنسب سودة شظب من مدارس العلم في اليمن، وفيه قبور جماعة من العلماء، وهو جبل واسع يطل على مركز السودة (المقحفي 356، مجموع الحجري 3/ 452).
ودفن مع كرام /36/ بجزع عناش - رحمه الله -. انتهى
وترجم له غيره، قال ولده السيد العلامة الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - عند أن ذكر طرفاً من أحواله، وقال معتذراً عن الاستيعاب والإطناب: تركنا ذلك لأنه لا أقبح من ثناء الأبناء على الآباء، وإن كنت لا أذكر إلا حقاً كان - رحمه الله - عبداً صالحاً مطيعاً لمولاه، مخبتاً من مخافته، ثم قال: لم يكن فنُّ من الفنون إلا وله فيه اليد الطولى، وتمكنت قراءته في علوم العربيَّة والآداب والأصولين، وكانت قراءته على شيوخ أعلام، وأئمة علم كرام، منهم السيد محمد بن الحسن بن باقي من آل الهادي - عليه السلام - ومنهم السيد العلامة الكلامي القاسمي في علم الكلام محمد بن يحيى بن مكني(1)، ومنهم القاضي العلامة محمد بن حمزة بن مظفر في علوم العَربيَّة، والفقيه الأفضَل الأعمَل الأكمل، إمام علم الحديث أحمد بن سليمان الأوزري، والفقيه العالم يحيى بن حاتم الجنبي، وكانت قراءته في الفقه على شيوخ كثيرة، وكان وسيم الخلق، طويلاً، بادياً، أشم الأنف، واسع الجبين، ماكن الأعضاء، سبط الأنامل، أقرب إلى النحافة في جسده من دون رقه كثيرة، كان يمشي الهوينا، وقال له بعض الفضلاء في ذلك، فأجابه مبتسماً: ?الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا? (الفرقان: 63) ولم يكن في فنٍّ من فنون العلم إلا وله شاة في قطيعه، وكان معظم قراءته في الهجرة اليحيويَّة، وكان فصيحاً بليغاً خطيباً مِصْقعاً مجيداً في الشعر ومن شعره:
وجدنا هذه الأجسام تملي الأدلَّة للعقول على الحدوثِ
يعاورها اجتماع وافتراق ... ونيطت بالتحرك والمكوثِ
أيعقل أنها من غير شيءٍ ... أقيمت في الأماكن والحيوثِ
وكتب إليه ابنه العلامة الهادي بن إبراهيم من صعدة شعراً، وطلب جوابها فأجابه بقوله:
هزَزت حساماً مشرفيّاً من الفم ... صليل غراريه فصيح التكلُّم
__________
(1) في طبقات الزيدية الكبرى 1/79: مكين.
وأبرزت للأبصار إبريز منطقٍ ... فكان سلاف السامع المتفهِّم
وجئت بألفَاظٍ رقاق تضمنت ... بديع معانٍ كالرحيق المختم
وكنت إذا المعنى تمنع صَيده ... أصبت بسَهم(1)اللفظ شاكله(2) الرمي
ومنها:
ألا إنَّ لي سبطاً تسمَّى تيمُّناً ... بكنيته(3) يحيى بن الحسين المعَظِّم
ففاضَ عليه النور من اسم جّده ... فجاء جوَاداً مَصْقعاً علماً كَمي
قَرأ (استبقوا الخيرات) قبل احتلامه ... فعَضَّ على الماضي بنان التندمِ
وأنشد له بعض العلماء من أولاده وقد أقام بحوث أيام الخريف:
إذا ما شئت من عللٍ تداوَى ... فخيَّم بالخريف لدى شراوَى(4)
به عنب يحاكي التبر لوناً ... وأحلا في المذاق من الحلاوَى
وحكى بعض الفقهاء أهل المعارف وهو الفقيه الفاضل أحمد بن يحيى الزباري /37/ - رحمه الله - أنه صحب السيد عادت بركاته في بعض أسفاره وقد تقدَّم من شظب إلى ذمار إلى حي الإمام الناصر ، فلمَّا وصلوا الصَّرارة رأوا حصن ثلا فقال السيد - رحمه الله تعالى -:
كأنه طائر هيَّا قوادمه ... لئن يطير ولمَّا ينشر الرِّيشا
قال الفقيه: فرويت ذلك لصنوه السيِّد شمس الدين أحمد بن علي، فاستجاده، وقال: ينبغي أن يكون قبله:
أما رأيت ثلا في نصب قامته ... يبدي لنا عن حضيض الأرض تكميشا
إبراهيم بن علي بن أمير المؤمنين [ - 978]ه(5)
__________
(1) في (ب): سهم.
(2) ينظر في صحة البيت.
(3) لعلها: بكنية، وإلاَّ فلن يستقيم الوزن.
(4) شراوَى: اسم منطقة ينظر إليها في المعجم.
(5) روح الروح خ، السلوك الذهبية خ، المذاهب السنية خ (أعلام المؤلفين الزيدية ص: 58 ت: (19).
السيد الكامل إبراهيم بن علي بن أمير المؤمنين يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضَّل المنصور بن المفضَّل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن يحيى بن أحمد بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام -. كان عارفاً محققاً لعلوم المعقول، مرجعاً للشيوخ فيها، وله ما يجري مجرى التحشية على كتابي نجم الأئمة في النحو والصرف، ومن شيوخه والده علي بن أمير المؤمنين، وكان علي المذكور أستاذاً محققاً، وكان لأبيه فيه ظنُّ حسَنٌ لعلوّ منصبه وقوَّة ذهنه، ومن شعره فيه:
أعظم بدارٍ حوت بحوراً ... ثلاثةً وهيَ وسْطُ بَر
فبحر جودٍ وبحر علمٍ ... وبحر نزْلٍ لوفد بِرٍّ
شيدتْ بخير الشباب طراً ... الأعلم الحصْرم الأبرِّ
عليٌ المرتضى المرجَّا ... لحفظ دين الهدى الأغرِّ
الباقر العلم في صباه ... والفارس الأغلب الأكرِّ
بلغ فيه الإله سُؤلاً ... لكُلِّ مجدٍ وكل فخرِّ
ولا ريب أنه أحاط بعلوم غير أنَّ قدميه لم يثبتا في المزالق الدحضة، فكان منه ميل في العلوم وتمذهب، واشتغال بالتصوف المتعارف به، وشرح شيئاً من كلام ابن العربي، وما أبقى من أنوار سلفه في صدره ما يعوَّل عليه كما قيل والله أعلم، وجفا والده جفوة لا تليق بالعلم كما فهمتُه من هذا الشعر الحميني أوَّلُه:
جانا(1) من سواد الاكباد والاعيان ... مرتضانا وعين الاطهار الاعيان
جرح ينكى جروح من قبله ألوان ... وانتكاء الجروح بالجرح ميزان
ومنها:
لم يكن في الحساب خيبة ظنوني ... لا ولا جري أدمعي من جفوني
من ثمر مهجتي وقرَّة عيوني ... الظنون تنعكس وذا الدهر قبان(2)
أنت يا مهجة الفؤاد ... يا علي الفتى الجواد
إنما العلم يُستفاد ... من به خص إن له صان
إنما العلم عند أهله وديعة ... وإلى الفوز في القيامة ذريعة
/38/
__________
(1) لعلها: جاءنا.
(2) لعلها: قدبان.
ربَّما تكره النفوس الرفيعة ... ما به الفوز واتلُ إن شئت قرآن
صلحكم يا علي على أني أهجر ... وتهتك محارمي ثم أحصر
وتضيع حقوقي الله أكبر ... بيننا يا علي رقيب وديّان(1)
انتهى، وقد ذكره القاضي أحمد بن صلاح القصعة فأحسن ذكره، قال: قرأت عليه (أصُول الأحكام)(2) إلا أنها لم تكمل قراءتي عليه، وكان فيه من محبَّة المذاكرة والمراجعَة والمساءلة وحسن الإنصاف في ذلك من نفسه ما يقتضي الترغيب في ذلك، وكانت له اليد الطولى في السماعات في كل فنٍّ على حيّ والده وغيره من أكابر علماء العترة وشيعتهم، وطلب الإجازة منهم ومن غيرهم من مشاهير العلماء، من علماء العامَّة، وقد كان جمع شرحاً عجيباً في تخريج أحاديث (أصول الأحكام) من (شرح التجريد)(3) و(شرح الأحكام)(4)
__________
(1) انظر ذيل البسامة للسيد العلامة داود بن الهادي، والمطبوع مع مآثر الأبرار للزحيف 3/1401 - 1402.
(2) كتاب أصول الأحكام في أحاديث الحلال والحرام، للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليه السلام - المتوفي سنة 566ه، وهو مشهور، احتوى على (3312) حديثاً، ونسخه الخطية كثير’ (انظر أعلام المؤلفين الزيدية ص: 114) وكتاب أصول الأحكام، هو الىن تحت الطبع بتحقيق الأستاذ عبدالله حمود العزي.
(3) كتاب شرح التجريد في الفقه، للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام - المتوفي سنة 411ه، شرح فيه كتابه التجريد في فقه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وجده القاسم الرسي - عليهما السلام - وهو من أشهر كتب الزيدية في الفقه، وقد طبع مصوراً على مخطوط ضمن منشورات دار أسامة - دمشق.
(4) كتاب شرح الأحكام في الفقه للعلامة علي بن بلال الآملي - رحمه الله تعالى - من أعلام القرن الخامس الهجري، وهو شرح لكتاب (الأحكام) للإمام الهادي يحيى بن الحسين، قال الجنداري: من أجل الكتب، مسند الأحاديث، وفيه ما يكشف عن معرفته وحفظه للأسانيد وإطلاعه على علم الحديث (المصدر المذكور ص: 662) وقد قام العلامة المجتهد محمد بن الحسن العجري حفظه الله تعالى بتأليف كتاب أسماه: (أعلام الأعلام بأحاديث شرح الأحكام) وقد طبع مؤخراً وصدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.
وغيرهما من كتب أئمتنا - صلوات الله عليهم - وله أشعار منها: …… (بياض)
وفاته(1) في جبل حبّ(2) من أعمال بَعْدَان في رجب سنة ثمان وسبعين وتسعمائة، رجعنا إلى ذكر إبراهيم، تخرج على أبيه، قالوا: ولبس الخرقة والله أعلم بحقائق الأحوال، وكتب إليه الإمام الحسن بن علي - عليه السلام - لإجابة الدعوة فيقال: إنه اعتذر بعدم المعرفة بكماله، ومن تلاميذه الشيخ لطف الله بن الغياث، وفي أوَّل مجلس جلس بين يديه لم يتأهب له السيد حق التأهب لظنه أنه لا يحوجه إلى العناية، وكانت القراءة في الرضي، فلمَّا عرف همّة الشيخ وإتقانه استمهل منه للغد وتهيَّأ له واستعدَّ، ومن شعره:
لا تعذلاني إذا غلطت فقد ... يغرق في اليم مبتغي الدرر
ما أجدر الوهم في العلوم بمن ... يقارع المشكلات بالنظر
وقبره بشبام، وعليه قبَّة عمرها الأمير أحمد بن محمد بن شمس الدين، توفي بتأريخ……… (بياض)
إبراهيم بن علي بن الحسن بن العفيف [ - ]
السيد العالم إبراهيم بن علي بن الحسن بن العفيف - رحمه الله - قال السيد العلامة أحمد بن عبد الله: كان سيداً كاملاً، له معرفة جيَّدة وخط جيِّد، نسخ كتباً كثيرة، وله وضعة حسنة. انتهى
إبراهيم بن علي بن يحيى المذحجي [ - ]
الفقيه الفاضل(3) إبراهيم بن علي بن يحيى المذحجي، كان فقيهاً عارفاً أستاذاً محققاً، من تلامذة السيد العلامة يحيى بن صلاح بن محمد الآتي ذكره.
إبراهيم بن علي العراري [ - ق 8 ه ] (4)
__________
(1) حاشية في (ب): وفاته بالسم والأتراك محيطون بحصن حب من جميع جوانبه، فسمه بعض خواصه رجلٌ يسمى ابن عرجلة كما ذكره السيد عيسى بن لطف الله بن المطهر بن شرف الدين - رحمه الله -.
(2) حبَّ بفتح الحاء وتعشديد الباء، حصن من عزلة سِيْد في بَعْدَان (انظر معجم المقحفي ص: 147).
(3) في (ب): الفاضل أبو إسحاق إبراهيم.
(4) مصادر ترجمة العراري: صلة الإخوان (تحت الطبع) طبقات الزيدية الكبرى ترجمة (12)
الفقيه العالم إبراهيم بن علي العراري، كان عيناً من أعيان وقته، ترجم له السيد يحيى بن المهدي الزيدي - رحمه الله تعالى - فقال ما لفظه: الفقيه الإمام شحَّاك الملحدين، وناظورة المسلمين /39/ إبراهيم بن علي العراري - رضي الله عنه وأرضاه - وكان جامعاً للعلوم، مجتهداً فيها محلقاً، لم يسبقه أحد من أهل زمانه، انتهى بلفظه.
قلت: وكان له مناظرات مع فضلاء زمانه يطول شرحها، وكان يقول: لا علم إلا بالعمل، وجوَّز أن يكون أحد الفقهاء أفضل من أحد الأئمة السابقين، وردَّ عليه السيد الحجَّة علي بن المرتضى، والإمام الواثق، والشريفة صفيَّة بنت المرتضى، ولها كتاب في الرد عليه سمته: (الجواب الوجيز على صاحب التجويز).
إبراهيم بن علي بن أحمد الأكوع(1)
العلامة الفاضل إبراهيم بن علي بن أحمد الأكوع العالم المحقق، أستاذ الإمام المظلل بالغمام، وهو يروي عن غير شعلة - رحمهم الله جميعاً -(2).
__________
(1) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1 /71 ترجمة (14) ومنه: الجواهر المضيئة - خ - أعلام آل الأكوع ص: 26، هجر الأكوع 1/496.
(2) تقدمت ترجمته.
إبراهيم بن فليح [ - ق 7 ه ]
الفقيه العالم إبراهيم بن فليح بن أسعد بن منصور بن الجوفي - رحمه الله - كان من أكابر العلماء، وكان محققاً في الفقه …… (بياض) مستنداً(1) بالأدلة على قواعد الأصول، له كلام واسع في مسألة من أقرض غيره عشرين صاعاً فطلب من المستقرض أن يردَّ مثلها وقت الغلاء، فقال: بع مني عشرين صاعاً حتى أقضيك إياها فباعها منه وقضاه إياها، ولها أطراف تكلم فيها بكلام العلماء واستدل بالدليل [قال المصنف - رحمه الله - في هامش المسودة](2): واعلم أن الفقيه إبراهيم بن فليح ممن خدعه الشيخ أحمد الرصّاص فخالف على الإمام المهدي ثم لمَّا اتفقت الغزوة التي غزاها داود بن المنصور وعلي بن وهَّاس عن أمر أخيه الحسن إلى درب السوق، وكشفت حرم الفقيه إبراهيم وأخواته، فكانت لطفاً للفقيه وراجع نفسه، واستغفر ربَّه، وأناب، واعتزل الناس حتى مات.
إبراهيم بن قاسم [ - ق6 ه ] (3)
السيد العالم الخطير إبراهيم بن قاسم - رحمه الله - من ولد الإمام يوسف، كان من العلماء النقَّاد، ومن أهل الذكاء الوقَّاد، وهو الذي جمع كتاب (العقد) في أصول الدين إلى باب الإرادة، وتتمة الأمير الحسن بن أحمد الآتي ذكره، وكان له خط حسن ومن شعره وفيه التجنيس المقلوب:
يا من غداً لي ضائماً ... نفسي لهجرك ضامية
ما زال حسنك قائماً ... ولظى اللوائم قامية
والوجد مني دائماً ... والعين منهم دامية
أيلام مثلي هائماً ... بك والمدامع هامية
مذ غبت لم أك نائماً ... وثمار وجدي نامية
في بحر دمعي عائماً ... أرعى العهود العامية
__________
(1) في (ب): مستدلاً.
(2) زيادة في (ب).
(3) إبراهيم بن قاسم: أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (22) ومنه الترجمان خ والمستطاب في تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي ج1/ 551، شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ص 34.
وجواد طرفي سائماً ... في روض خدٍ سامية
كالطير يغدو حايماً ... وشريعة الماء حامية
ما انفك طرفي شايماً ... تلك البروق الشامية /40/
طلباً لوصلك رايماً ... ويد النوى لي راميَة
قال - رحمه الله -: هذه العشرة الأبيات فيها أربع صناعات، وقد أمنت من الحادي عشر أن يأتي لأحدٍ من البشر.
الأول منها :لزوم ما لا يلزم من آخر النصف الأول في أربعة حروف ألف وياء وميم وألف. الثانية: مسألة آخر البيت. الثالثة: القلب المعروف عند أرباب البديع. الرابع: كمال كل نصف شعراً على انفراده عن الآخر، وأمَّا تعذر الحادي عشر، فأمر زائد على جميع هذا فاعرفه موفقاً.
إبراهيم بن محسن الحسني [ - ](1)
السيد الأمير المقدام إبراهيم بن المحسن بن الحسين بن علي بن عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - أمير منشور الرَّايات والأعلام، مشهور الآراء والعلوم، عدَّه في (طبقات الزيدية) من كبارهم، وذكره في خيارهم، وسرد له ملاحم في القرامطة مع الناصر أحمد بن يحيى. قال مسلم: وأنا أحسب أن إبراهيم بن المحسن هذا أحد العلويين الذين بورور(2) ونواحيها من بلاد بكيل وحاشد، أخبرني بذلك رجل منهم فيه خير يقال له: أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن المحسن.
قلت أنا: وفي ظني أن المحسنين من العبَّاسيين منسوبون إليه - رحمه الله تعالى - ومما قيل فيه من الشعر قول (أبي)(3) عبد الله التميمي:
ما زلت بالسيف تمضي جاهداً قدُماً ... حتى ملَكتَ قنان الرأس من شظب
دون الذي شرف الإسلام صارمُه ... ومجده وحمَى بحبُوحَة العرب
الناصر الدِّين أعلى دين والده ... عن القرامط بالهنديَّة العضب
إلى آخر الأبيات.
__________
(1) طبقات مسلم اللحجي، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 72 ترجمة (15)، ومنه: الجواهر المضية، وهجر الأكوع.
(2) ورور: جبل من بني جُبَر حاشد من ناحية ذيبين وهو المعروف الآن بظفار داود (مجموع الحجري 2/766)، وفي معجم البلدان: ورور بفتح الواو وسكون الراء حصن عظيم باليمن من جبال صنعاء في بلاد همدان.. إلخ.
(3) سقط من (ب).
قلت: وحفيده أحمد بن علي بن إبراهيم كان موصوفاً بالعلم إلا أني لم أثق له بالسلامة من مذهب مطرَّف بن شهاب، ولم أعرف حاله، ولعله مصون - إن شاء الله - وأحمد هذا حكى أخبار جدِّه إبراهيم صاحب الترجمَة، وقال: إنه ولي للناصر أعمال المشرق والجوف الأعلى ومطرة(1) وملَح(2) وبران(3) ومسورة(4)، ثم ولي أعمال ريدة والبون، وقال: مسكنهم بأرض مال الله، وإن جده المحسن والد إبراهيم، هاجر إلى الهادي - عليه السلام - وذكر ……(5) وأحمد بن علي بن إبراهيم المذكور أنه اجتمع الأشراف وسائر الناس إلى طلحة الملك بناحية الجراف(6) من ظاهر بني صريم وهم لا يرون إلا أن الحسين بن القاسم - عليهما السلام - قتل بذي عرار(7) فعزوا فيه إلى أخيه علي بن القاسم بن علي والأشراف لم ينصرفوا حتى أقبل أخوه الأمير جعفر بن القاسم من بلاد خولان، فلمَّا تلقاه الأشراف معزِّين غضب وقال: لا يكون - إن شاء الله - ومال ناحية بوجوه أهله وبوجوه الأشراف فلامهم على الاعتراف بقتل الحسين، وقال: بمثل هذه العقول تلاقون الناس، إن همدان وكرنا، فإذا نسبنا إليهم قتله ونقمنا بالثأر لم يصلح، وإن كتمنا لحق النقص، فأظهروا حياته.
__________
(1) مَطَرة بفتح الميم والطاء، وقد تكسر الطاء كما في معجم استعجم: وادٍ بين نهم وأرحب (معجم المقحفي ص: 605.
(2) مُلَح: محلة في نهم من عزلة عيال غفير في بوادي المنيح (الوادي الرابع من أودية الجوف) (المصدر السابق ص: 627).
(3) بران: بلد في ناحية نهم في السوق الشمالي من صنعاء على بعد يومين (معجم الحجري 1/107).
(5) بياض في (أ)، وفي (ب): ذكر أحمد بن إبراهيم.
(6) الجراف: قرية حميرية في بلاد حاشد على مقربة من خَمِرَ في شرقيها (المصدر السابق ص: 116).
(7) عرار: بلدة من ناحية ريدة البون (المصدر السابق ص: 435).
إبراهيم الْمُلَيْح بن المنتصر بالله [ - ](1)
السيد الكبير، المقدم الخطير، عاقد الألوية، زينة الأندية، إبراهيم الْمُليح - بالتصغير - بن المنتصر بالله محمد بن المختار بن الناصر بن الهادي، جليل المقدار، جليل الآثار على منهاج سلفه، وله شأن عظيم وخطر جسيم.
إبراهيم بن محمد الوزير (صارم الدين) [834 - 914]ه(2)
السيد الحافظ إمام المحققين، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزيري، الإمام الكبير، الحافظ الشهير، ترجم له تراجمة أعلام، كولده الهادي بن إبراهيم، والعلامة السيِّد أحمد بن عبد الله وغيرهما، وقد عوَّلت على نقلهما، فنقلت منه شطراً قال السيد الهادي - رحمه الله تعالى -: قرأ بمدينة صنعاء وصعدة على عدَّة من المشائخ في الأصُولين والعربية والفروع الفقهية والأخبار النبويَّة والسير والتفاسير وجميع الفنون في سائر العلوم،
__________
(1) إبراهيم بن محمد المختار، ورد ذكره في سيرة الإمام المنصور القاسم العياني ص 28، 64، 69، 84، 112، وفي صفحات كثيرة، انظر فهرس السيرة، ففي كتاب الإمام القاسم العياني إلى كافة أهل نجران، ذكر أنه قد ولى المترجم وشريف آخر وأمرهم بطاعته ص 28 ولقي الإمام إلى مذاب سنة 389ه بعد أن فرط في الولاية، ثم عزم الإمام ألاَّ يرده إلى ولايته في نجران، كما عزم على عزل أخيه يحيى بن محمد من ريدة، فولاية البون، ثم عاد وعطف عليهما، وبقي والياً على نجران، ونزعه الإمام من التصرف في الخراج في ولايته، فعاتب الإمام وحاول الخروج عن طاعته، وجرت له من الإمام أمور كثيرة وحروب، وكان شوكة في طريق الإمام - عليه السلام - وحرباً عليه، انظر سيرة المنصور القاسم العياني.
(2) المصادر: الطبقات الكبرى القسم الثالث ترجمة (21) المستطاب خ الترجمان خ، مآثر الأبرار خ تحت الطبع، اللآلئ المضيئة خ تحت الطبع، تأريخ بني الوزير خ، أئمة اليمن 1/374، وانظر بقية مصادر ترجمته في أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (30) وفي مقدمة الفلك الدوار للمترجم بتحقيق الأخ/ محمد يحيى سالم عزان ط1 ص 16 - 27.
فمن شيوخه السيد الإمام المبرِّز [جمال الدين](1) علي بن محمد بن المرتضى من أولاد المرتضى بن مفضل جد الإمام المهدي أحمد بن يحيى، ومنهم الفقيه العلامة المحقق أحد الأعلام فخر الدين مطهَّر بن كثير بن(2) الجمَل، ومنهم الإمام فخر الإسلام ملحق الأصاغر بالأكابر عبد الله بن يحيى بن المهدي الحسيني، ومنهم الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان(3)، ومنهم القاضي العلامة جمال الدين خاتمة العلماء المحققين علي بن موسى الدواري، قرأ عليه بصنعاء وصعدة في الأصولين جميعاً والعربيَّة، ومنهم والده - رحمة الله عليه - قرأ عليه (شرح الجمل) وبعض كتب الحديث بسندها إلى جده السيد عزّ الدين محمد بن إبراهيم، ومنهم العزولي(4) الواصل إلى صنعاء من الديار المصريَّة، وقرأ عليه (جمع الجوامع) و (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، ومنهم الشيخ العلامة بقيَّة العلماء الكبراء المحققين المكثرين إسماعيل بن أحمد بن عطيَّة، وقرأ عليه في التفسير
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): بن كثير الجمل.
(3) حاشية في (ب): ويروى بطريق أبي العطايا عبد الله بن يحيى بن المهدي الحسيني، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر بن يحيى - عليهم السلام - كما هو معلوم للمطلع، والله الموفق كتبه محشياً يحيى محمد المؤيدي.
(4) في (ب): الغزولي، وفي طبقات الزيدية الكبرى 1/ 80: العرولي.
والأصول وفي الفرائض وأخبار الناس وعلم الأنساب، وكان الشيخ في ذلك منفرداً لا يشق غباره، ومنهم ولد أخي الشيخ إسماعيل، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطيَّة، وقرأ عليه في الكلام أيضاً، وكثير من الكبراء والفضلاء وأهل الأسنان، وبارك الله تعالى فيما حصَّله فانتفع به، ونفع على يده عدَّة من الطلبة والمسترشدين، وصنَّف تصانيف مفيدة في أصول الفقه وغيره، وصارت كتبه السماعيَّة والنظرية أمَّهات معتمدة له فيها عناية تامَّة، عضدت تلك العناية عناية سماويَّة، وجمع من الفوائد، وقيَّد من الشوارد ما غاب عن أذهان الأذكياء، وذهل عنه كثير من الحفَّاظ، وله أبحاث واعتراضات صحيحة على كثير من الأئمة المصنفين، واستدراكات في أوهام صادرة عنهم، قد وضعها وبيَّنها وقيَّدها بالكتابة في مواضعها من الكتب، وله اطلاع كامل على أخبار المتقدمين والمتأخرين من أهل البيت وغيرهم، وفي علم رجال الحديث وغيرهم، والأنساب العامَّة والخاصَّة وأحوال الناس وأيَّامهم والمصنفين، وأسماء الكتب وأخبار التواريخ، وله مشائخ وطرق في علم الأسماء وعلم الصنعة وإجازات في ذلك، وفي سائر ما ذكرنا من العلوم من جميع أولئك المشائخ الذين سمع منهم(1)، ومن غيرهم من علماء ذلك العصر في الجهات، ومن مشائخه الفقيه العلامة شمس الدين أحمد بن سلميان العسكبة /42/، والقاضي صارم الدين إبراهيم بن يحيى الشامي(2)، والفقيه الفاضل محمد بن سليمان الحجي، والقاضي العالم يحيى بن قاسم العذري، والقاضي العلامة محمد بن سليمان النحوي في المنطق، وله في الفروع موضوع جيِّد هو على (الأزهار)(3) بمنزلة (المستدرك على
__________
(1) في (ب): عنهم.
(2) في (ب): الثائي.
(3) ويسمى هداية الأفكار إلى معاني الازهار في فقه الأئمة الأطهار - خ - وشرحه مؤلفه - رحمه الله تعالى - بشرح أسماه: منتقح الأنظار الموصل إلى هداية الأفكار - خ - (انظر عن النسخ الخطية للكتابين أعلام المؤلفين الزيدية 69 - 70).
الصحيحين)(1)، وله أيضاً موضوع في المعاني هو على (التلخيص)(2) بهذه المثابة، وله في الحروف العربيّة كتاب حسن(3)، وله في الفصاحة اليد الطولَى وله أشعار جيِّدة(4)، لكنها في الغالب ماهي إلاَّ في جمع الفوائد وتقييد الشوارد وسير الأئمَّة، منها القصيدة المسمَّاه (بجواهر الأخبار) المعروفة (بالبسَّامَة الجامعة لأخبار من قام من أهل البيت بالإمامة والاحتساب) وهي قصيدة فائقة رائقة جامعة نافعة شرحها بعض الفضلاء من الشيعة بصعدة بجزأين(5) وهي تحتمل أكبر من ذلك، وله في الخط وضعة حسنه قويَّة كخط والده في القوَّة، إلا أن خط والده أبهى وأجمل، وخطه أبقاه الله أجلى وأوفق بقلم النسخ، والخط الحسن يزيد الحق وضوحاً، وأمَّا السحر الحلال والعذب الزلال فهو ما يسقط من قلم شيخ أهل البيت المطهَّرين أبي عبد الله - رحمه الله تعالى - لكن ولده أربَى على الأوائل بكثرة الاطلاع وملازمة الدَّرس آناء الليل وأطراف النهار، وإمرار ذهنه على أكثر كتب المتقدمين والمتأخرين وقلمه على جميع ما وجده من فائدة فيها، وكان ذلك بداعٍ لم يعارضه صارف ولا
__________
(2) ويسمى التخليص على التلخيص في المعاني والبيان (انظر المصدر السابق ص: 70).
(3) وذكر الجنداري في الجامع الوجيز - خ - أن للمترجم له كتاب في علم الحرف.
(4) في (ب): وله في الفصاحة اليد الطولى شنشنةُ أعرفها من أخزم وله أشعار جيدة. وفي (أ): كذلك إلا أنه مسح قوله: أعرفها من أخزم.
(5) الذي شرح البسامة للسيد صارم الدين الوزير - رحمه الله - هو القاضي العلامة المؤرخ محمد بن علي بن يونس الزحيف الصعدي - رحمه الله - المعروف بابن فند، المتوفي بعد سنة 916ه، وسمى شرحه للبسامة: (مآثر الأبرار في تفصيل مجملات جواهر الأخبار) ويسمى أيضاً: ((اللواحق الندية بالحدائق الوردية) وقد طبع في ثلاثة مجلدات، بتحقيقنا بالاشتراك مع الأخ خالد قاسم المتوكل، وصدر ع نمؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.
مانع، وإعراض عن جميع أشغال الدُّنيا وملاذّها، مع ما أمدَّه الله لذلك من إعانته، فله الحمد على ذلك كثيراً، والله يزيده من خيراته، ويفيض عليه من فواضل بركاته، وينفع به وبصالح دعواته. انتهى كلام السيد الهادي ابن إبراهيم في والده - رحمهما الله تعالى - نقلته بألفاظه.
قال السيد الجليل أحمد بن عبد الله - رحمهم الله - ما لفظه: وأقول إنَّى للإنسان لسان يفصح عن بعض فضائل هذا الإمام، أو قلم ينسج غلالة أوصافه الحميدة، كُلاَّ إنَّها لتكلَّ الألسنة والأقلام، أربى على نحارير علماء الأوائل، وحقق دقائق الفنون تحقيقاً يقال للمتطاول إليه: أين الثريَّا من يد المتناول؟ وجمع أسباب المحامد والفضائل جمعاً لا يدخل تحت رجاء الرَّاجي ولا أمل الآمل، ومصنّفاته شاهدة بصدق المقال، وضبط كتبه في جميع غرائب الفنون فضلاً عن مأنوساتها، ينادي على سعة تبحره في هذا المجال، قيَّد أوابد(1) الفوائد بقلمه في الهوامش والمتون، وحلَّ مشكلات الأمهات بنتائج فكرته الصَّافية في جميع الفنون، إعجامه إعراب، ورموزه كافلة بحلِّ المشكلات الصعاب، فمن كتبه صحِّحت الكتب من بعده، ومن نتائج فكرته نقلت الحواشي التي جرى بها قلم تصرّفه ونقده، ومن مصابيح عنايته أنارت أرجاء المدارس وورى زنده، وفي أثره سلك الناس وواضح قصده، فهم عَيَالٌ عليه، ومقتبسون منه، وراجعون إليه، هذا مع دين متين، وورع شحيح، وخُلُقٍ سجيح، وبرارة نبوءة، وتأله ولاية /43/ وعبادة علويَّة وزهادة هدويَّة، لا تراه أبداً إلا قارئاً أو مقرئاً، أو كاتباً أو مصلياً.
إلى الثمانين انتهى سنينه ... قد كاد يبلغها تماماً أو قَدِ
لم يلق إلا قارياً أو مقرياً ... أو كاتباً أو ساجداً في المسجدِ
__________
(1) الأوابد: الوحوش ومن أعجاز الأوابد هي الدواهي أو القوافي الشرَّد. تاج العروس ج4/328، باب الدال.
عطيَّة إلهية، ومنحه سماوية، وسعادة حقيقية، وخصائص مصطفوية، ?وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ? (البقرة: 105).
أخبرني المقري العالم محمد بن أبي بكر الجبني الشافعي أن سيّده الهادي بن إبراهيم أخبره بتعز حين بلغهم وفاة سيدي إبراهيم، قال: واجتمع الناس بالجامع بتعز للقراءة عليه ثلاثة أيام بأمر الشيخ عامر بن عبد الوهاب، وكان مجمعاً عظيماً، وفخَّم الشيخ موت السيد تفخيماً كثيراً، قال: أخبره سيدي الهادي أن والده كان لا يفتر عن المطالعة لحظة ولا ساعة، ولقد كان مع كبر السن وضعف البصر لا يصبر عن المطالعة حتى يؤتَى بالسراج وقت المغرب، بل يقرب إلى باب المنزل فيقتبس ما بقي من ضوء الحجرة. وأخبرني ثقة من الشيعة أنه سمع في حياة سيدي إبراهيم أنه لم يقبض درهماً [في](1) مدَّة عمره، وبلغني من شحيح ورعه أنه كان في منزله دارٌ يفد إليه الطلبة، وكان فيه بساطان من الصدقة، وكان يحتاج المرور فيه إلى كمَّة(2)، فكان لا يمرُّ حتى يُطوى البساطان عن موضع مروره لئلا يطأهما. وممَّا تفرد به من الفضائل، واختص به من المحامد الغَيرة المحمودة على الْمذَهَّب، والحميَّة والحماية لطرازه المذهب، وله على أعداء أهل البيت [من الردود](3) نظماً ونثراً ما يشفي وحر الصدور شفاء درك الثأر المثيم(4)، وتغلي منه مراجل أفئدة النواصب كغلي الحميم، وله التعليقات النفيسة في فضائل أهل المذهب وتراجمهم وغرائب مسائلهم وأقوالهم وكراماتهم، نقل في (الفصول)(5) نصوص الأئمة، وجرَّد كتاب (الهداية)(6) لهذا الغرض الخاص، فجاء كتاباً فرداً في جمع نوادر المسائل ونظم
__________
(1) سقط من (ب).
(3) سقط من (أ).
(5) الفصول هو كتاب للمؤلف - رحمه الله - ويسمى الفصول اللؤلؤية في أصول الفقه، طبع مؤخراً بتحقيق الأخ/ محمد يحيى سالم عزان (وانظر عنه أعلام المؤلفين الزيدية ص: 69).
(6) تقدم التعريف به.
أشتات أقوال الأئمة وشيعتهم، وفي حواشيه من التحف والفوائد والفرائد مالا يوجد في غيره أصلاً ولا يعلم مظانه من الكتب غيره، بل لا يعرف وجودها غيره، ولهذا قال الإمام المتوكل على الله شرف الدين - عليه السلام -: لا ينبغي لشيعي أن يخلو عنه، وأمر بتحصيله لنفسه [الكريمة](1)، وما أحسن قوله يشير إلى تفرده بما أشرت إليه:
وإني وحبي للنبي وآله ... وما اشتملت مني عليه ضلوع
وإن أفلَت منهم شموس طوالع ... يكون لها بعد الأفول طلوع
كما قال قيس بن الذريح ونظمه ... ألذّ من الماء القرَاح بديع
إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... أبت كبدٌ من قولهنَّ صديع
/44/
وكيف أطيع العاذلات وهجرها ... يؤرِّقني والعاذلات هجُوع
أبى الله لي غير التشيع مذهباً ... ومن قال سني فلست أطيع
بنو المصطفى لي أسرة وجماعة ... ومذهبهم لي روضة وربيع
أصمٌ إذا حدثت عن قول غيرهم ... وإن حدثوني عنهم فسميع
وتالله إني في التشيع واحِد ... وإن كثرت منهم لديَ جموع
__________
(1) سقط من (أ).
وكان الفضلاء في زمانه يعترفون بفضله، ويخضعون لشرفه ونبله، فكان القاضي العلاَّمة محمد بن مرغم - رحمه الله تعالى - يزوه إلى منزله كثيراً، وكذلك الفقيه العلامة محمد بن إبراهيم الظفاري يزوره في كل جمعة في غالب الأحوال، وكذلك الفقيه العالم الصالح علي بن يحيى العلفي - نفع الله به - كان يزوره في كل جمعة، وكان يجهش بالبكاء حال رؤيته، إذ كان يرَى به ملكاً كريماً، وغيرهم من العلماء والفضلاء فيتبرك بزيارته القريب، ويرد سهل أخلاقه العذبة الأهيل والغريب، وتواصله من البعيد كتبه ورسائله، ويتبسَّم نظره من جواباته في رياض ما تمليه أفكاره، وتنمنمه أنامله، ومن أعذب ما جرى منه [في ذلك](1) ما أجاب به [على](2) الإمام الهادي عز الدين بن الحسن - رحمه الله ونفع به - وقد كتب الإمام إلى والده كتاباً فتولّى الجواب عن والده وكتبه والده بخطه، وقال: وهذا الجواب للوَلد إبراهيم، مالي فيه إلا الرَّقم بالقلم، ومن يشابه أباه فما ظلم، فكان من الجواب هذان البيتان:
أعزّ الهدى منَّا عليك تحية ... تخصُّك ما هبت صباً وجنوبُ
لئن بعدت منَّا ومنك منازل ... لما بعدت منا ومنك قلوبُ
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) سقط من (ب).
وعلى الجملة فخلائقه غرر وحجول، وطرائقه يعرض شرح محاسنها ويطول، هذا ولم يزل - رحمه الله - على ما وصفناه من أحواله، وشرحناه من جميل خلاله، مشتغلاً بالعلم والعمل، منقطعاً إلى الله - عزَّ وجلَّ - مجتمع الشمل بأولاده الكمَلة الذين لم يوجد مثلهم، قرير العين لمَّا رأى هديَه هديهم، وفضله فضلهم، حتّى كانت سنة عشر وتسعمائة، وطلع سلطان اليمن على صنعاء فملكها، وساوى حكم الزمان بين حدَّادها وملكها، ففرَّق السلطان بينه وبين أولاده، وأراد السلطان إنزاله اليمن، قال السيد يحيى بن عبد الله - رحمه الله -: فأجاب بأن أقسم بالله لا نَزَل فتركه السلطان وبرَّت قسمه بعد علم السلطان بما له من المنزلة الرفيعة والوجاهة عند الله؛ لأنه كان يأمر بتعمد بيته بالمدافع فيصرف الله ضرَّها لا بوجهٍ يظهر لأنه دار بارزه، فعلم أنَّ ذلك من دعائه - عادت بركاته -(1)، وأنزل السلطان ولده الهادي إلى رداع وأحمد إلى تعز، وبقي السيد الصارم بعد ذلك إلى سنة أربع عشرة وتسعمائة، وأسعد الله روحه الطاهرة إلى معارج قدسه، ونقلها إلى مستقر رحمته وأنسه، /45/ فكانت وفاته قبل العشاء الأخيرة من ليلة الأحد ثاني عشر شهر جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وقبره - رحمه الله - في جربة الروض المقبرة المشهورة بصنعاء عند قبور أهله - رضي الله عنهم - مشهور مزور - رحمه الله تعالى - ورثاه السيد البليغ المفوّه عز الدين محمد بن المرتضى بن محمد بن علي بن أبي الفضائل فقال:
نعم هكذا موت الْعُلاَ والمكارم ... ووقع الخطوب المعظلات العظائم
وغربة هذا الدين حتى غدا كما ... حكى المصطفى مستغرباً في العَوالم
يعزَّى بإبراهيم دين محمّد ... ومذهب يحيى بن الحسين بن قاسم
وتصنيف كتب في العلوم مفيدة ... وتحقيق أخبارٍ وضبط تراجم
وكل حديث ثابت الأصل مسند ... صحيح رواه محكماً كل عالم
ونحوٌ حكاه سيبويه وشيخه ... وتصريف ألفاظٍ وخط روَاقم
__________
(1) في (ب): بركته.
وتبكي أعاريض الخليل بن أحمد ... وعلم المعاني بعده أي هائم
وتندبه الأقلام والصحف جملة ... ويبكيه منثور ومنظوم ناظِم
ينوح عليه كل فضلٍ ورتبة ... تناهى لأولاد الوصي وفاطم
وَمِن فقده وجْهُ الفصاحَة عابسٌ ... وقد كان مسروراً ضحوك المباسم
يرى بعده روض البلاغة ذاوياً ... وقد كان مخضرّاً بديع الكمائم
وأمَّا تواريخ الزَّمان فقد خلت ... وعطَّل منها كل آتٍ وقادم
لقد كان للدين الحنيف دعامةً ... وهل قام بيت قد خلا عن دعائم
لقد كان عيناً للأنام وموسماً ... لأخذ أصول الدين أسنى المواسم
فحصت خوافي ريشه وتطايرت ... وألحق خافيها بقصِّ القوادم
أبا أحمد جُوزيت عنَّا برحمَة ... وقُدِّست من ساعٍ إلى الله قادم
ولو كان مقبولاً فداء لميتٍ ... فدَينَاك يا خير الهُداةِ الأكارم
وكنَّا بأموالٍ نقيك وأنفسٍ ... ولكنَّما الدُّنيا كأحلام نائم
فقد طال ما أحيَيْت في غسق الدُّ ... جى وقمت بها لله أفضل قائم
وبالصوم قد قضيت كل هجيرةٍ ... فبوركت من محي مُصًلٍِّ وصائم
ويا غائباً لا يرتجى منه أوبَة ... عليك دموع العين مثل الغمائم
لئن كنت عنَّا غائباً فقلوبنا ... لديك جزاك الله أزكى المراحم
هجرت وقد واصلت حوراً كواعباً ... وممدود ظلٍ سجسجي النسائم
عليك أبا الهادي سلام ورحمة ... من الله ما ناحت شوادي الحمائم
إبراهيم بن محمد بن الهادي الوزير [- 943 ه ](1)
صارم الدين إبراهيم بن محمد بن الهادي بن إبراهيم بن محمد المتقدم ذكره مؤلف (الفصول)، كان هذا [السيد جليلاً، نبيلاً، جواداً، سمحاً، عارفاً، فصيحاً، مقولاً، له غرر القصائد في إمام زمانه الإمام شرف الدين - عليه السلام - كما تخبر بذلك سيرة الإمام، ومن شعره:
جبين زمان الهنا مشرق ... وروض بلوغ المنى مورقُ
لملك على غرة الدهر من ... سواطع أنواره رونقُ
تزوج بنت الإمام شرف الدين، وكان هذا السيد من عيون زمانه واختصه الله بالشهادة في التُرَيبَة(1) من أعمال زبيد حين نزل مطهر بن الإمام وصنوه شمس الدين إلى هنالك، وكان استشهاده في يوم الأربعاء ثامن شهر جمادى الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة، ورثاه السيد الإمام شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الوزير فقال:
إذا تذكرت إبراهيم عاودني ... من فقده نار حزن أحرقت كبدي
وما الليالي ولا الأيام مبلية ... حزني عليه ولكن إن تزد يزد
ظللت أسأل عنه داره حقباً ... عيت جواباً وما بالدار من أحد
واختاره الله جاراً في الجنان له ... أكرم وأعظم بجار الواحد الأحد
غدا شهيداً حميداً يوم ملحمة ... عظمى تفرق بين الأب والولد
وكان فيها لأحزاب الظلال يد ... كمثل ما كان للأحزاب في أحُد
ظلت تدوس جيوش الدم جثته ... فرداً وحيداً بلا عدِّ ولا عددِ
حري عليه ولهفي دائماً أبداً ... وقل لهفي عليه دائم الأبد
قد كان لي عضداً في كل نائبة ... فأفردتني يد الأيام عن عضد
هذا وإنِّي على ما قد بليت به ... من الحوادث ذو ظهر وذو جلد
لي عن أخي عوض في الله جلَّ فقد ... أعاض سبحانه بالأهل والولد
ثُمَّ الصلاة على المختار ما طلعت ... شمس النهار على الأغوار والنجد](2)
__________
(1) التُرَيْبَة بضم التاء من فوق وتشديدها وفتح الراء وسكون الياء المثناه من تحت، وفتح الباء الموحدة، وسكون الهاء، بلدة عامرة بالشرق من زبيد بمسافة عشرة كيلو متر، وهي من بلاد الأشاعر (معجم المقحفي ص: 90).
(2) ما بين المعقوفين من ترجمة هذا السيد سقط من (أ).
إبراهيم بن محمد بن أحمد [ - 832 ه ]
السيد الجليل(1) صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد المرتضى - رحمه الله - قال في ترجمةٍ له: كان من أساطين العلم والتقوى، وممَّن يفزع إليه في العلميَّات والعمليَّات للإفادة والفتوى، وأخذ عنه جماهير من العلماء، ولقي مشيخة من أهله الكرام، كانت وفاته - رحمه الله - في السَّادس والعشرين من محرَّم الحرام سنة اثنتين وثلاثين وثمانيمائة، وقبره بصنعاء المحروسة.
إبراهيم بن محمد بن محمد [ - 792 ه ]
السيد النجيب إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن المفضَّل، قال السيد أحمد بن عبد الله: كان ولداً صالحاً مجتهداً في العلم راغباً في تحصيله، فائقاً لنظرائه في علوم العربيَّة، ودرس في علومها، وأتقن أصولها، وكان له تقوى وخير كبير، وكان يُرجَّى أن يجعله الله تعالى بدلاً من سلفه، فاختار الله تعالى ما هو أولى، وفاته في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
إبراهيم بن أبي الحسن العلوي [ - ]
السيد المسند أبو طاهر إبراهيم بن أبي الحسن محمد بن عمر العلوي الحسيني الكوفي، إمام جليل المقدار، نبيل الآثار، من أعمدة المذهب وأوتاده، ومن شيوخه وجهابذة إسناده، قرأ على الشيخ أبي الفضل محمد بن عبد الله الشيباني. انتهى
__________
(1) في (ب): الماجد.
إبراهيم بن محمد الديلمي [ - ]
السيد البليغ المقول إبراهيم بن محمد بن الحسين الديلمي، أظنه المشهور بابن مدافع، سيد كامل الصنعة في النظم مجيد، وله المراثي والممادح الغر في القضاة آل أبي النجم، ومن جملة مرثيته للقاضي فخر الدين جعفر بن عبد الله:
إذا ما رأت عيناي حيّاً بغبطةٍ ... أتيح لهم خطب من الدَّهر فاجع
وإن عاش قوم في المسرَّة برهة ... أديلوا بغمِّ نازلٍ لا يدافع
أمن كلِّ وجْهٍ زائر الموت طالع ... وفي كلِّ دارٍ طائر الفوت واقع
وفي كل يوم للمنيَّة عسْكر ... له ذابلات في النحور شوارع
طمعنا ضلالاً في البقاء وإنما ... رأت أكذب الآراء تلك المطامع
ورُمنا انصراف الحتف عنَّا وقد رأى ... وأسمع منه الصدق راءٍ وسامع
مضت قبلنا قوم تحدث عنهم ... بأخبارهم صدق الحديث المواضع
وباد الورَى قرناً فقرناً فلَم يصن ... عزيز ولم تدفع يد الحتف شافع
وَلم يُنج ملكاً خيله ورجالُه ... ولا دافعت عنه القرَى والمصانع
ولكنَّها الآجال تمضي بأوِّلٍ ... وآخِرنَا لا شك والله تابع(1)
إبراهيم بن محمد بن الجَدُوبَة [260 - 330 ه تقريباً] (2)
إبراهيم بن محمد بن الجدوبة الصنعاني الشاعر، وجدوبة بيت من الفرس، الذين يقال لهم: فرس العدن، والمراد بالعدن ثانية، وكان إبراهيم أشعر أهل عصره، وسلك في شعره مسلك الكميت، ومن ترثيته في الهادي - عليه السلام -.
وغالت بنيه في الزمان غوائله ... وهَت عضد الإسلام واندق كاهله
ذكر ذلك السيد صارم الدين - رحمه الله تعالى -.
قلت: وفي هذه الطبقة، وفي هذا القرن /47/ إبراهيم بن الجدّ شاعر مفلق، رثى الهادي - عليه السلام - بالقصيدة الرَّائيَّة التي أوَّلها:
دموع مرتها واستهل غزيرها ... حرارات ثكل ليس يخبو سعيرُها
هو الثكل الأثكل البنين وإنمَّا ... يعفى على ثكل البنين شهورُها
وثكل أمير المؤمنين مجدد ... على الأرض ما هبَّت عليها دبورُها
ألا خابت الأيام ماذا تعاقبت ... علينا به آصالها وبكورُها
برتنا كما تبرى القداح بدوها ... وكرَّ لنا بالمصمئل(3) كرُورُها
لقد ضُمِّن الهادي إلى الحق حفرة ... مطهرة طابت وطاب نشورها
فصارت بُطون الأرض تزهو وطالما ... زهت بأمير المؤمنين ظهُورُها
وكانت قلوب المؤمنين بعدله ... مطهرة طول الحياة ودورُها
__________
(1) في (ب): وآخرنا والله لا شك تابع.
(2) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (27) ومنه مصادر الحبشي 313، صفة جزيرة العرب 87، مصادر الفكر اليمني في العصر العباسي 1/ 297، قصة الأدب في اليمن 157، الإكليل 1/441، شعراء اليمن في الجاهلية والإسلام من اسمه إبراهيم.
(3) المصمئل: المشتد. (القاموس المحيط ص 941).
فقد أصبحت من بعده اليوم إذ ثوى ... مطهرة أمواتها وقبورُها
وكان لأهل الأرض في الأرض رحمة ... فلما تولَّى فاجأتهم شرورُها
أتخلو قلوب المؤمنين من الأسى ... وقد مات يحيى بن الحسين أميرُها
وأصبحت الدنيا وأمَّة أحمدٍ ... مُعطَّلة أمصَارُها وثغورُها
ألا أبلغا خولان في مُستقرِّها ... وهمدان ما أهدَى إليها مسيرُها
أناشدُكم بالله في منع دينكم ... وفي حرَم غال عليكم مهورُها
وفي بلدة كانت لكم قبل تبع ... بكم منعت آطامها وقصورُها
متى وَلَّى ابن رسول الله بين ظهوركم ... وسيرة عدل كان فيكم يسيرُها
دعوا عنكم الشحناء في ذات بينكم ... وكونوا له عوناً على من يثيرُها
فقد طال ما ذدتم عن الدين بالقنا ... وبالخيل تغدو بالأعنَّة فورُها
فعودوا لها لله درٌّ أبيكم ... ودرُّ نساءٍ ربَّأتكم حجورُها
فما هذه الكفار إلا عصابة ... مجمَّعة من كل فج نفيرُها
كلابٌ تعاوت فاستجاشت جموعها ... على غير دينٍ وابن فضل عقورُها
أما فيكم يا قوم طرّاً قبيلة ... يغار لبيع المحصنات غيورُها
ألم يأتكم ما نال صنعاء إذ طغت ... وكيف على الطغيان كان نكيرُها
ألم تخربُ البنيان منها فأصبحت ... تعفى على تلك المحاريب مورُها(1)
ألم تحرق الدُّور المشيدة عنوة ... ويُهدم(2) من بعد المساجد سُورُها
/48/
ألم تذبح الأطفال ذبحاً كأنها ... عقائر تجري بالدماء نحورُها
ألم تنهب الأموال نهباً فأصبحت ... وأعداؤها منها غنيّاً فقيرُها
ألم تقتل الأبطال صبراً وذلة ... ويصلى بأصناف العذاب أسيرُها
ألم يغبنوا عن دينهم ونبيئهم ... وتحبط من بعد الشقاء أجورُها
ألم يطحن الشيخ الكبير برغمه ... تدير الرحى أرَابُه(3) ويديرُها
وإني لأخشى مثلها بعد برهةٍ ... عليهم وأياماً يطول قصيرُها
__________
(1) مورها بالضم: الغبار المتردد، والتراب تثيره الرياح. (المرجع السابق ص 444).
(2) في (ب): وتهدم.
(3) لعلها: أرْآبُهُ أو آرَابه ليستقيم الوزن.
يطوف عليهم فتنة مُرحجنَّة(1) ... تثير بقايا القوم فيها مثيرُها
ولو نصحوا لله في ابن رسوله ... كما نصحت قلف(2) العبيد حميرُها
لما زالت النعماء فيهم مقيمة ... طوال اللَّيالي ما أقام ثبيرُها(3)
ولكنَّها خانته واستنصرت بهم ... عليه فقد ذلَّت وذلَّ نصيرُها
وما غضبت صنعاء يوماً لربِّها ... فقد رضيت حولين عنها نشُورُها
فعوذا من البلوَى التي نزلت بهم ... فإني لكم يا قوم منها نذيرُها
وأنتم إذا ما الحرب شدت لدى الوغى ... وقامت على رجلٍ وفارَ قُدورُها
تخطفتم الأقران خطفاً كأنها ... محاسير عريان وأنتم صُقورُها
وقد كرهت عدل الإمام قبيلة ... ومالت بها لذَّاتها وخمورُها
وكانوا ذوي ملكٍ وعزٍّ ومنعَةٍ ... فأمسى أجيراً لابن فضل كبيرُها
وما غيَّر الله المهيمن نِعمَةً ... بقَومٍ ولم يبد الغيَار كفورُها
فائدة
وقد كان إبراهيم هذا يلتبس علي بابن أبي البلس الخيواني الزيدي الشاعر المجيد لجامعَة مدحهما ليحيى - عليه السلام - وكان بليغاً، والقصيدة السينيَّة التي منها:
لو كان سيفك قبل سجدة آدمٍ ... قد كان جرَّد ما عصا إبليس
من شعره - رحمه الله - وقد اكتفينا بذكره هنا.
إبراهيم بن محمد البوسي [ - ق8 ه ](4)
__________
(1) مرجحنَّة: رحى مُرْجَحِنَّةٌ: ثقيلة. (القاموس المحيط. ص 1105).
(2) قلف: الأقلف: من لم يُخْتن. (المرجع السابق ص 781).
(3) ثبيرها: ثبير الخضراء. (المرجع السابق ص336).
(4) أعلام المؤلفين الزيدية ص: 86 - 69 ترجمة (29) وانظر بقية المصادر فيه.
الفقيه العالم الفاضل زين الدين أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن سليمان بن علي بن محمد بن عبد الأعلى بن محمد البوسي - رضي الله عنه - قال بعض علماء (أهل)(1) المذهب فيه ما لفظه: القاضي الأجلُّ العلامة، الصَّدر الحبر المدرة(2) الأفضل النبيه البارع شرف الحفَّاظ، إمام الشريعة المحمّديّة، شيخ العصابة الزيديَّة صارم الدين، عمدة العلماء الراشدين، إبراهيم بن محمد بن سليمان، أعلى الله قدره ويسر بخير الدنيا والآخرة أمره، وساق استملاءه من شيخه إلى آخر كلامه.
قلت: هو مفخر للإسلام، ولهذه العصابة، له براعة وإتقان، وهو المتلقى لإملاء (الحفيظ)(3) من أستاذه لسان الشرع يوسف بن محمد الأكوع، وهذا (الحفيظ) من أجلّ كتب المذهب وأحواها للشوارد، بحيث لا ينبغي /49/ تركه لطالب تحقيق، وهو مخدوم بالشروح، وفيه يقول القاضي زين الدين المذكور:
حفظ (الحفيظ) مقال كل موافق ... وغدا يفيض بزاخرٍ متدافقِ
متوشحاً بمسائلٍ منثورةٍ ... متطوِّقاً بمسلسلٍ متعانقِ
مترادف متكانف متضمن ... لدقائق مشروحة وحقائقِ
جمعت علوم الفقه في أثنائه ... فتكللت بمحاسن وحدائقِ
لمهذَّبٍ حبرٍ نبيهٍ قد جلى ... جيد المسائل بالبيان الرَّائقِ
ونشا على عشق العلوم فلم يكن ... أبد الزمان لغيرها بالعاشقِ
فتطلّعت أنفاسه لسوابقٍ ... مأثورة وتفرَّدت بلواحقِِ
يا سالكاً في الفقه منهج مهتدٍ ... لا تقصدن سوَى (الحفيظ) الفائقِ
جمع (الكفاية) و(الزيادة) و(المنَى) ... حصر المسائل كلها باللاَّئقِ
سبعون ألفاً جرّدت في متنه ... من بعد ألفٍ بالمقال الصَّادقِ
__________
(1) زيادة في (أ).
(2) المدرة: تُراجع من الأصل.
(3) الحفيظ في الفقه منه نسخة بخط المؤلف في مكتبة السيد محمد بن محمد زبارة وأخرى خطت سنة 779 رقم (27) وثالثة خطت سنة 806ه برقم 134 فقه، ورابعة رقم 142 وخامسة خطت سنة 771، رقم 151 G، الأمبروزيانا.
أنشد هذا الشعر له الشيخ عبد الجليل بن حسين بن مشرع - قدَّس سرُّه - ولهذا الشيخ نسخة (الحفيظ لنسخة)(1) مخدومة أحسن الله جزاءه، وكان زين الدين ممن يسر له الشعر، وله (نظم التذكرة) على رويّ واحدٍ المسمَّى (بالزهرة الزاهرة) (2)، وإليها (الفرائض) (3)، وفي الأصول لكني لم أره، بل أخبرني بعض الشافعيَّة أنه في كتبه(4)، وكل ذلك على رويّ واحدٍ، ومن العجيب أنه الذي جمع (الحفيظ) والفقيه حسن بن محمد النحوي شرحه، والفقيه الحسن ألَّفَ (التذكرة) وزين الدين نظمها، ومن شعره - رحمه الله تعالى - تقريراً لقول الشيباني:
إن الثمانين وبُلِّغْتَها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
فقال:
وأحوجت عينَي بعد الضيا ... إلى سؤال الناس من بالمكان
وأحوجت رجلي بعد القوَى ... إلى التعصِّي وركوب الأتان
ولم يحضرني عند كتابة هذا تأريخ موته(5)، ولعلي أثبتها - إن شاء الله تعالى - وقد يوجد في تراجم الأصحاب الموثوق بهم أن البوسي ناظم التذكرة هذا اسمه محمد وتكرر هذا، ولكني وجدت هذا أثبت والله أعلم.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) الزهرة الزاهرة في فقه العترة الطاهرة نظمها في أربعة آلاف وخمسمائة وثمانين بيتاً على روي واحد، وعليها شرحٌ من نسخة في الامبروزيانا برقم 76 c وأخرى بالمتحف البريطاني برقم 429 ذكرها بروكلمان، وقد شرحها العلامة الحسين بن الناصر المهلا في أربعة مجلدات باسم المواهب القدسية شرح المنظومة البوسية.
(3) لم أجد له نسخة خطية، وفي طبقات الزيدية: وسماه بالزهرة الزاهرة في فقه العترة الطاهرة، وفيها الفرائض والأصولين.
(4) أي في الزهرة الزاهرة وليس كتاب ......... .
(5) بعد سنة 779 ه التي كتب فيها نسخة من كتاب (الحفيظ).
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم [ - ]
الفقيه العلامة إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد - كذا ذكره بعض النسَّابين مكرراً - ابن يوسف بن محمد بن يزيد بن مزهر بن كريب بن الوضاح بن إبراهيم بن ماتع بن عوار بن مانع الفياض بن عامر بن بطرس بن ذي حوال بن عوسجة، كان عالماً، وأهل هذا البيت سابقون في الفضائل، وسنكرر أخبارهم - إن شاء الله تعالى - ونسب هذا العلامة يلتقي بنسب أسعد بن أبي يعفر الذي عمر مجنب (جامع صنعاء الشرقي) في سنة نيف وستين ومائتين في كريب ابن الوضاح؛ لأنه أسعد ابن أبي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر عبد الرحمن بن كريب بن الوضاح.
إبراهيم بن محمد الكرري [ - ](1)
الفقيه الإمام العلاَّمة إبراهيم بن محمد بن الكرري، شيخ العلامة علي بن إبراهيم بن عطيَّة - رحمه الله تعالى - في كتب المذهب وغيرها، وهو من تلامذة الحسين بن محمد بن علي بن يعيش النحوي.
__________
(1) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 76 ترجمة (18).
إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي [ - 1008] (2)
الفقيه المذاكر صارم الدين إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوَالي - رضوان الله عليه - قال الفقيه اللغوي الأديب عبد الله بن المهدي - رحمه الله تعالى - في ترجَمته ما لفظه: كان من حفّاظ مذهب أهل البيت الطاهرين، بل إمام حفّاظ المذاهب الأربعة - نفع الله بهم - وكان أوحد أهل زمانه حفظاً للأدلَّة ولأقاويل السَّلف - نفع الله بهم - إذا تكلم على المسألة من الفقه احتجّ لها بما عليها من الحديث النبوي، وبما تفرع عليها من أقاويل الصَّحابة والتابعين والفقهاء وأقوال أهل البيت حتى كأنَّما يغترف من بحر، ويحتج لكل صاحب مذهب من الكتاب والسنة في قوله، وينصف كل عالم من علماء الأمَّة، بريئاً من التعصّب لمذهبه أو مذهب غيره، قد ملئ يقيناً من فضل علماء المذاهب الأربعة مع قيامه بمذهب أهل البيت - عليهم السلام - الذي هو مذهبُه، وكان طول زمانه مشتغلاً بالتدريس والإفادة، يحكى أنه أقرأ (التذكرة) خمسة وخمسين مرَّة، مع إجماع فقهاء أهل البيت على فضله وإتقانه وتحقيقه، وكانوا يرجعون إليه في كل أمرٍ ينوبهم، لا يدفعون مسألة يمليها، أو يفتي بها مع بحثهم عنها أشدَّ البحث، يوردون الشُبَه فيحلُّها، ولا يستدركون عليه شيئاً في فتيا أو تدريس، وكان من تواضعه إذا وجد الفتوى من فقيه غلطاً لم يكتب جوابه عنده الذي هو الصَّواب، ويكتب الفتوى في ورقة أخرى ويقول: ربَّما وهم بعض الأصحاب بكذا.
__________
(2) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 77 - 78 ترجمة (19) وانظر بقية مصادر ترجمته فيه.
وكان كثيراً ما يهمّ بالعزلة فيقف على شيء من أغاليط الفقهاء في فتاويهم وأقضيتهم فيقول: وجب عليَّ شرعاً ترك العزلة، ويجتهد في إفادة الطلبة، وكان أحسن الناس خلُقاً، وأسهلهم جانباً، وأكرمهم نفساً، صدقاته وأياديه تفيض فيض الوبل، وكان عذب الفكاهة كريم السجية، يتعهَّد أصحابه، ويزورهم، وكانت قلوب الخلق مجمعَة على محبته، وتعظمُه الملوك والرؤساء لدينه وعلمه وورعه، ولا يردُّون شفاعته، ويسترّون برؤيته، وكان محبوباً عند كل أحد، وإ ن لم يخل فاضل من حسدٍ.
قال السيد الأكرم فخر الدين كاتب ترجمته، وقرأت عليه (الأزهار) وشرحه (والتذكرة) وبعض (البحر) و (صحيح البخاري) جميعه، وكان يتكلم بما تفرع من فوائد الحديث، ويذكر احتجاج العلماء به من أهل المذاهب ومن السلف الماضين، يغرف من بحرٍ لا تكدِّره الدلاء، ويملي من سيب /51/ تتقاصر عنه الأنواء، وبالجملة ففي وصفه يحتار لُبُّ الواصف، وقد أردت أتبرك بقطرة من محاسن ذكره، فكتبت هذه الأحرف والله ينفعني به ويعيد من بركته، وكانت وفاته - رحمه الله - في شهر ربيع الأول من سنة ثماني وألف وقبره (بهجرة الظهرين)، - حرسها الله بصالحي عباده - إلى جنب قبر السيد الفاضل الجليل علي بن فاضل الحمزي - نفع الله به - في القبَّة المعروفة، كتب ذلك حفيده، وولده عبد الله بن المهدي بن إبراهيم عفا الله عنه، انتهى بحروفه، وفي أثناء الترجمة ما يدُل على أنه نقلها عبد الله المذكور: من ترجمة كتبها السيد فخر الدين، ويظهر أنه أراد منها شيئاً، قال حفيده المذكور وقد رثاه مولانا السيد المقام المنطيق المفوَّه علم الآل ومدرهم، عزَّ الدين محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين - عليه السلام - بقصيدة مطلعها.
نبئت أنَّ الحبر إبراهيما ... ازْكَى الورَى سمتاً وأكرم سيما
علم الشريعة خير أرباب الحجى ... خُلقاً وخَلْقا كالربيع وسيما
بحر فرات بالعلوم تلاطمت ... أمواجُه لمَّا زخَرن علوما
قالوا: ثوَى فانحلّ سلك مدامعي ... وغدا فؤادي بالأسى مكلوما
أسفاً على علمٍ عَفَى لمَّا ثَوَى ... فمريع مرعَاهُ استحال هشيما
ومنها:
يا وجه آل حوال أرباب النُّهى ... وأَولى المعالي والفخار قديماً
إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى [100 تقريباً - 184 ه ]
الشيخ المحدث، إمام العدليَّة، وحجَّة أهل الحديث، إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني، شيخ الإمام الشافعي - رحمه الله - كان من علماء الزيدية ورؤساء أهل العَدل، أمَّا كونه عدليّاً فأشهر من الشمس على رؤس الرّبا، كما ستعرفه من سياق ترجمته الآتية، وأمَّا كونه زيدياً فنقله الشيخ العالم الزَّاهد السَّعيْد وليُّ آل محمد القاسم بن عبدالعزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - قدّس الله روحه في الجنة-. وهو من الحفاظ الأثبات، وممَّن لا يمترَى فيما نقله.
قال السيد السمهودي الشافعي: وثقه الشافعي، وابن الأصبهاني، وابن عدي، وابن عقدة، وغيرهم. قال الشيخ المحدّث أحمد بن سهل في قصصه لأيام فخ: إنَّه لما خرج يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن الحسن من الحبشة كاتب يحيى الناس، فلقيه العلماء من أهل الأمصار، وأجابه خلق كثير، قال: وأظنه حاكياً عن المدايني: وقد أخبرني هارون بن موسى، قال: حدَّثني عبد العزيز بن يحيى الكناني، قال: لمَّا انصَرف يحيى وإدريس من أرض الحبشة، كاتب الناس، وواعدهم الموسم بمنى في شعب الحضارمة، قال: فوافاه سبعون رجلاً من خيار أهل الأرض في ذلك الزمان، قال: وكان فيهم جماعة من أهل مكة، قال هارون: وكأنه(1) أومَأ إليَّ أن أكون فيهم(2) ولم يصرّح بذلك، قال: فشاورهم، فأشاروا عليه، واتفق رأيهم على أن يوجَّه في أمصار المسلمين، ويستنصرهم على جهادهم، فإنه ما من أعمال البِّر شيء يعدل جهادهم ولا أفضل من نصرتهم عليهم، قال: فاستخار الله وكاتب أهل الآفاق، ووجَّه إليهم الرسل، فوجَّه إلى أهل العراق ثلاثة، وإلى أهل المغرب ثلاثة، ومعهم أخوه إدريس، قال له: يا أخي، إنَّ لنا راية في العرب(3) تقبل في آخر الزمان فيظهر الله الحق على أيدي أهلها، فعسى أن تكون أنت أو رجلاً(4) من ولدك فتوجَّه إدريس إلى المغرب مع أصحابه، فصار إلى القيروان، ثم إلى إلزاب(5)، ثم إلى مليانة(6)، ثم صار إلى طنجة، فأعظمه أهلها، وأكرموه، وقاتل عبد الوهاب بن رستم، فأزالهم(7) عن بعض تلك المخاليف، واتسع سلطانه، وتزايد أمره، وأقام زماناً حتى دسّ إليه هارون الرشيد من قتله بالسّم، وله قصة ولمن وجّه إليه سأذكرها - إن شاء الله تعالى -
__________
(1) في (أ): وكان.
(2) في أخبار فخ ص 163: وكان أومأ إلي أن يكون كان فيهم.
(3) في (ب): في الغرب، وفي أخبار فخ: في المغرب.
(4) في أخبار فخ: رجل.
(5) إلزاب: لعلها منطقة ببلاد المغرب.
(6) مليانة: لعلها منطقة ببلاد الغرب.
(7) في أخبار فخ: فأزاله.
قال: ووجَّه إلى مصر وما يليها ثلاثة، وكتب معهم الفقيه إبراهيم بن أبي يحيى الذي يقال: إنه أستاذ محمد بن إدريس الشافعي، وكان من دعاة يحيى وجُلة(1) أهل زمانه(2) إلى أبي محمد الحضرمي: (سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي على محمدٍ عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى المستوجبين الصلاة من أهله. أمَّا بعد فقد بلغني حبك أهل بيت نبيئك عامَّة، ويحيى بن عبد الله خاصَّة، لمكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم، ولموضعهم الذي فضلهم الله به من بيننا، فلقد وفقت لرشدك بمودتك لهم؛ لأنهم أحقُّ الناس بذلك منك ومن الأمَّة، وأقمنهم(3) أن يقربك حبُّهم إلى ربِّك؛ لأنهم أهل بيت الرحمَة وموضع العصمة وقرار الرسالة، وإليهم كان مختلف الملائكة، وأهل رسول الله وعترته، فهم معدن العلم وغاية الحكم، فتمسَّك بصاحبك، واستظل بظله، وأعنه على أمره، وارض به محلاً، ولا(4) تبغ به بدلاً، فإنه من شجرة باسقة الفرع، طيَّبة النبع، ثابتة الأصل، دائمَة الأكل، قد ساخت عروقها فهي طيبَة الثرَى، واهتزت غصونها فهي تنطف النَّدى وأورقت مبصرة، ونورَّت مزهرة، وأثمرت موفِّرة، لا ينقص ثمارها الجناة، ولا تنزعها(5) السقاة، فمن نزل بها وأوَى إليها ورد حياظاً(6) تفيض، ورعى رياضاً لا تغيض، وشرب شراباً رويّاً هنيئاً مريئاً متلألئاً غريضاً فضيضاً، فروى وارتوى من قرار رواء بدلاء ملأى(7)، مبذولة غير ممنوعة، معروضةَ غير مقطوعة، فاستمسك بالعروة الوثقى من معرفة حق الله عليك في نصرة يحيى وتحريم حرمته، واستغنم الظفر بما يلزمك من حفظه لمكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومكان
__________
(1) أخبار فخ ص 164: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى.
(2) في أخبار فخ: ومن أجلة أصحابه وأهل زمانه.
(3) أي أجدرهم، ومنه القمين، بالشيء أي الجدير به.
(4) في (ب): ولم تبغ.
(5) في (ب): شرعها.
(6) لعلها: حياضاً.
(7) في أخبار فخ: ملأ.
الوصي بعده الإمام، ومكان أهله منه، واحفظ(1) دين الله فيه خاصَّة وفي أهل البيت عامَّة، وأحبَّهم(2) جميعاً حباً نافعاً، واجعَل حبّك إياهم حبّاً دائماً من غير تقصير ولا إفراط ولا احتراق ولا اختلاق، تجمعهم إذا تفرقوا، ولا تفرَّق بينهم إذا اجتمعوا، ولا تصدق /53/ عليهم أهل الفرية من الرَّافضة الغلاة، فإنَّهم أهل العداوة للقائمين بالحق من عترة الرسول، وسوء النيَّة فيهم، والجرأة على الله بالإفك والشنآن، وهم أهل الخلابة(3) وقلة المهابة للعواقب، واعلم أن من اعتقد ترك ما نهي عنه في السِّر الباطن، وأظهر الحق في المواطن، ولزم التقوى، وحفظ حق ذي القربى، وتجنب في حبِّهم الجور والحزونة، وسلك الطريقة الوسطى، وسارَ فيهم بالقسط والسهولة، وأقرَّ بالفضل لأهله، وفضَّل ذا الفضل منهم بفضله وتبريزه به، ودعا إلى الله وإلى كتابه وسنَّة نبيئه، ولم يرَ الإغماض في دينه، ولم ينقض مبرماً، ولم يستحل محرّماً، ومن كانت هذه صفته لحق بالصَّالحين من سلفه وبخير آبائه الطاهرين، فتدبَّر ما وصفت لك، وميّزه بقلبك، فإن كنت كذلك لحقت بأهل الولاية الباطنة والمودَّة الواتنة،(4) التي لم تُغيّرها فتنة، ولم تصبها أبنة(5)، فتسكن خير دارٍ عند أكرم جار، بأهنأ راحة وأفضَل قرار، في مقام لا يشوبه المكاره(6) والغل، ولا يعاب أهله بسوء الأخوَّة والبخل، يتلاقون بأحسن تحيَّة، بصُدورٍ بريَّة، وأخلاقٍ سنيَّة، لا تمازجها الريبة، ولا تَنْسَاغ فيها الغيبة، قد وصلهم الله بحبْله فاتصلوا به، وجمعهم على(7) جواره فاستبشروا به، فعلى ذلك يتآخون، وبه يتواصلون، ويتحابُّون بالولاية، ويتوادُّون بحسن الرعاية، فهم كما قال الله:
__________
(1) في أخبار فخ: وحفظ.
(2) في أخبار فخ: وأحببهم.
(3) في أخبار فخ: الخلابة، وفي نسخة: الخلافة.
(4) أي الثابتة.
(5) الأبنة: التهمة والعيب.
(6) في أخبار فخ: في مكان لا تشوبه الكاره والغل.
(7) في أخبار فخ: في.
?كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ? (الفتح: 29) الآية، وهم مثل من خلاَ من قبلهم مستهم البأساء والضراء، ونالهم المكروه واللأوى والشدَّة والأذى، وامتحنوا بعظيم المحن والبلوى، فصبَروا لله على ما امتحنهم به، وأخلصوا لله ما أرادوا منه، فجازاهم الله على ما أسلفوا(1)، وكافاهم بجميل ما اكتسبوا، وأحبَّهم لعظيم ما صبَروا له، والله يحب الصَّابرين، ورزقنا(2) الله وإياك تراحم الأبرار وتواصل الأخيار، الذين لهم عقبى الدار، وفتح لنا ولك أبواب الحكمَة، وعصمنا وإياك بحبل العصمَة، وشملنا بجميل النعمَة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته(3).
إبراهيم بن محمد بن سلامة [ - ]
الفقيه العارف إبراهيم بن محمد بن سلامة، كان عالماً فاضلاً من عيون وقته، أخذ عنه فضلاء نبلاء، منهم السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله -.
إبراهيم بن محمد بن يوسف [ - ]
الفقيه النبيل إبراهيم بن محمد بن يوسف، كان من أعيان أعوان الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليه السلام - وأسر معه يوم معبر، وسجن معه - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن محمد بن نزار [ - ق8 ه ] (4)
__________
(1) في أخبار فخ: فحاباهم على ما أسلفوا.
(2) في (ب): رزقنا.
(3) أخبار فخ: من ص 163 - 168.
(4) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (31)، المستطاب خ، مصادر الحبشي 414 مؤلفات الزيدية 3/179.
الفقيه العلامة المفسر، أوحد القضاة، إبراهيم بن محمد بن علي بن يحيى بن نزار الصنعاني. كان صدراً من صدور الشريعة وبدراً من بدور الشيعة، وله إجادة في الترسُّل - رحمه الله - وإحسان في العبارات، قرأ على محمد بن أحمد بن عمران، وعلى الإمام محمد بن المطهَّر كل ذلك في (الكشاف) /54/ وقرأ على علامة الزيدية الفضل بن أبي الحسين الدَّمتي - رحمه الله - وله رواية فيه عن الفقيه محمد بن أحمد العلماني، وعن الفقيه محمد بن سليمان بن أبي الرجال - رحمهم الله جميعاً - وله تلامذة فضلاء كملاء من أعلام المائة الثامنة، ومن كتبه (إشراق الإصباح في فضائل الخمسة الأشباح) (1).
إبراهيم بن محمد الضحاك [ - ]
ولي آل محمد، السلطان الكبير، المقدام الخطير، أبو حاشد، إبراهيم بن محمد الضحاك. ذكره صاحب الطبقات في الطبَقة الأولى معَ أخيه أبي جعفر وإبراهيم بن المحسن وأضرابهم. قال: وكان رجلاً له قدر ودرجة وشجاعة، وشرف في قومه، وطاعة في همدان، ورأي وديانة، ومودَّة خالصة لآل محمد - عليه السلام - ومواقف محمودة، انتهى.
وعدَّ عبد الله بن عمرو في كتابه أيام الناصر للحق أياماً لأبي حاشد، هي غرر في وجه الزمان وحجول، قال: وعقد له الناصر ولاية على القدمين(2)، وما قاربهم، وأخرج معه المتابعين(3) من همدان وأهل الفضل والبصائر، وأمر عبد الرحمن بن عبد الله بن الأقرعي معه.
__________
(1) إشراق الإصباح في فضائل الخمسة وذويهم، قال الحبشي: نسخة خطية بقلم المؤلف سنة 753ه في 165 ورقة بمكتبة أحد أهالي صنعاء، مصورة بمعهد المخطوطات العربية.
(2) القدمين:
(3) في (ب): المبايعين.
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل [ - ]
الفقيه الفاضل المحقق صارم الدين إبراهيم بن محمد بن إسماعيل صاحب الظهرين، من شيوخ الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين بن شمس الدين، وله إلى الإمام نصائح، وممَّا وجَّه إليه الإمام أيام سيَادته قبل الدعوة الميمونة بسبع عشرة سنة، وقد بلغ من العمر ثماني عشرة سنة:
شكراً لمن عرض لي في مقالي ... فنظم اللؤلؤ رطباً وقال
ما للفَتى بالجد فخرٌ ولا ... بثروة المال ولا بالجمال
ولا بقوم سابق أمرهم ... ولا بعزٍّ سابق الشأوِ عال
ولا بأن صار مليكاً ولو ... دَان له مرقا مهب الشمال
إن كان في مهوَى الرَّدى هاوياً ... مرتبكاً في لجِّ بحر الضَّلال
وإنما فخر الفتى إن غدا ... حليته الدفتر في كل حالِ
يفتض أبكار معانٍ له ... عزَّت على أفكار كل الرجال
ويقسم السَّاعات من عمره ... في طاعة الحيِّ الذي لا يزال
حتى يجوز السّبق من بين من ... جاراه في مضمار خيل المعال
يا نسل إسماعيل يا ذا الذي ... جالت به الأوهام كم من مجال
لا تحسبن أنيَ ممَّن إذا استميل عن علياه بالمال مال
فوالّذي أوسعني همَّة ... قعساء تسمو فوق شمِّ الجبال
ما أقْبَلُ الدنيا ولو أقبلت ... إن كان في أخراي منها اختلال
ولا أمنِّي النفس بالرزق إن ... لم يحصُل الرزق بدون السُّؤال
/55/
فهذه سُبْلي التي اقتفي ... أهليَ طراً في القرون الخوال
ثم صلاة الله تترى على ... محمدٍ مع آله خير آل
إبراهيم بن محمد حنش [ - 837 ه ] (1)
__________
(1) تاريخ شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ص 57 - 61، قال الشامي: وقد نشأ في أواخر القرن الثامن الهجري، وتوفي في الثلث الأول من القرن التاسع عام 837ه قبل تلاشي دولة الرسوليين وظهور دولة بني طاهر 858ه، وهو عصر كانت العجمة فيه قد طغت على العالم الإسلامي وسادت الأدوات الصناعية والفنون اللفظية والبديعية، وأفرط الشعراء والكتاب في تعشقها وممارستها.
الفقيه العلاَّمة إبراهيم بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن حنش - رحمه الله - عالم، من شعره:
أَلِفٌ، إلى ربي العزيز الكافي ... أقبلت طالب جوده (الوكافِ)
باءٌ، بليت بنفسِ سوءٍ همُّها ... كسبُ الذنوب وقلةُ الإنصافِ
تاء، تعبت من الذنوب وحملها ... قد (أنقضت) ظهري بحمل جافِ
ثاءٌ، ثرى قبري أصير موسَّداً ... فيه وأبعث يوم حشر حافيِ(1)
جيمٌ، جمال القوم مدح محمدٍ ... بدر الظلام وسيد الأشرافِ
حاءٌ، حماه الله عن أعدائه ... وكفاه شر (غوائل) الأسلافِ
خاءٌ، خيار الخلق طراً أحمد ... معطي العطاء بغير ما(2) إسرافِ
إلى آخر القصيدة، وأظنه صاحب المسائل إلى السيد علي بن محمد بن أبي القاسم، وله في المنصور بالله:
سلام الله طول الدهر مهما ... جرى في اليم بالريح الجواري
على من صار(3) للآتي مزاراً
ً ... بحصن ظفار يالك من مزارِ
وذلك سيد السَّادت تا ... ج الأئمة كلهم سامي النجارِ(4)
إمام العالمين بلا امتراءٍ ... حمام الظالمين ذوي الضرارِ
ملاذ الطالبين غياث عافٍٍ ... له فضل مع السَّارين ساري
غمام الجود قاموس الأمالي ... حليف المجد مرتفع المنارِ
أفاض على الورى علماً غزيراً ... أفاضة حافظ حفظ اقتدارِ
وصنَّف في فنون العلم جمّاً ... بتحقيق ببسط واختصارِ
وأضحى فائقاً عملاً وعلماً ... ومعروف المناقب باشتهارِ
فما أن فارق القضبان حتَّى ... أتاه الموت يا لك من فخارِ
فها هو شبه يحيى في زكاء ... وفي التطهير عن دنس الصَّغارِ
فها هو شبه عنترة شجاع ... يجل عن المبارز والمبَاري
هو المنصور بالرحمن حقاً ... به انتشر الهُدى أي انتشارِ
لقد عظمت فضائله وحلت ... وحلَّق ذكره فوق الدراري
بصدق وداده أرجو خلودي ... مع الأبرار في دار القرارِ
__________
(1) الصواب: حاف.
(2) في (أ): من غير ما.
(3) في (أ): على من هو للآتي مزاراً.
(4) النار: الأصل.
إبراهيم بن محمد التميمي [ - ](1)
ومنهم البليغ، المقول، ناصر الدين، إبراهيم بن محمد التميمي، صدر صدور الشريعة الذي لا يلحق، وبدر بدور الشيعة الذي لا يمحق، كان من أعيان زمانه فصيحاً بليغاً مفوَّهاً شاعراً مجيداً، له كل قصيدة غرَّاء، ومن شعره لمَّا بويع للناصر أحمد بن الهادي - عليهما السلام - بمسجده الذي فيه قبره بصعدة، ركب إلى صعدة القديمة في ذلك اليوم، فاجتمع إليه خلق كثير، قيل: إنهم كانوا فيما بين صعدة والغيل فقال إبراهيم المذكور قصيدة فائقة وكلمة رائقة، أولها:
عادات قلبك يوم البين أن يجبا ... وإن تراجع فيه الشوق والطربا
وخرج إلى المدح فقال:
قوم أبوهم رسول الله حسبُهم ... بأن يكون لهم دون الأنام أبا
من ذا يفاخر أولاد النبي ومن ... هذا يداني إلى أنسابهم نسبا
قوم إذا افتخر الأقوام واجتهدوا ... وجدت كل فخار منهم اكتسبا
لولا الإله تلافانا بدينهم ... لما فتينا عكوفاً نعبد الصُّلَبا
أقام جبريل في أبياتهم حقباً ... يتلو من الله في حافاتها الكتبا
أنتم أناس وجدنا الله صيَّركم ... لنا إليه إذا لذنا بكم سببا
لا يدفعُ السوء والبلوى بغيركم ... عنَّا ولا ينجز الوعد الذي كتبا
وأنتم حزبُه من دون غيركم ... ومن يكن حزبه منكم فقد غلبا
لا يصلح الدين والدنيا بغيركم ... ولا يقال لمن سامى بكم كذبا
من عابكم حسداً عاب الإله ومن ... عاب الإله فقد أودى وقد عَطَبا
ومن يكن سلمكم يسلَم بسلمكم ... ومن يُحاربكم جهلاً فقد حَرَبَا
لم يفرض الله أجراً غير حبِّكم ... لجدِّكم خاتم الرسل الذي انتخبا
حق الصلاة عليكم والدعاء لكم ... فرض على كل من صلَّى ومن خطبا
تشوف(2) الملحدون النوك مذ علموا ... أن الإمام علينا اليوم قد عتبا
__________
(1) شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ص 31 - 33، قال: ولم يذكر ابن أبي الرجال سنة وفاته، ويظهر أنه عاش إلى سنة 325ه.
(2) في (ب): تشوق.
فقلت لا ترفعوا جهلاً رؤوسكم ... فيأخذ السَّيف من هاتيك ما انتصبا
إن الإمام وإن أبدى معاتبه ... منا ليشبه فينا الوَالد الحدبا
كانت أمور وكان الله بالغها ... ومحنة منه قد كانت لنا أدبا
وقد تولى أمور الناس خيرهم ... بعد الإمام فتمَّ الأمرُ أو كربا
صنو الإمام ومن سدَّ الإمام به ... نهج الثغور ولمَّ الصدع فارتأبا
هذا أبو حسنٍ والجود في قرن ... أمسى بذي يمنٍ أمْناً لمن رهِبا
ساس الأمورَ وكانت قبل مهملة ... وقام فينا بدين الله محتسباً
إذا تحجب أهل المال وامتنعُوا ... لم نلقه خشية الإنفاق محتجبا
/57/
صلب له شيم، أقواله نعم ... أفعاله كرم، يرتاح إن طلبا
يُعطي الجزيل ولا يرضى القليل ولا ... يجفي الخليل لذنب جد أو لعبا
لمَّا بدا ابن رسول الله منصلتاً ... يوم العروبة(1) في خولان إذ ركبا
تحفّه عصب ضاقت بهم عصب ... من حولهم عصب يتلو بها عصبا
رجال سعد بن سعد والربيعة إذ ... أتوا إليه جميعاً جحفلاً لجبا
كأنَّه اليمّ إذ جاشت غواربه(2) ... إذا تلاطم موج البحر وارتكبا
أو كالعريض إذا التفَّت سحائبُه ... وطبَّق الأرض والآفاق وانسكبا
راق العيون وسُرَّ المسلمون به ... وساء من عاند الإسلام فاكتأبا
كأن أشباب نار الحرب بينهما ... لو أنَّها اضطرمت كانا لها حطبا
على شفا جرفٍ هارٍ مواقفهم ... لا يستطيعون من (إسفائها)(3) هربا
حتى تداركهم منّا(4) فأنقذهم ... رب بجدك منها أنقذ العربا
فألَّف الله بالإحسان بينهما ... بنهيكم(5) فأماط الحرب واصطحبا
تلك الصنائع عند العالمين بكم ... لا يعدلون به(6) الأورَاق والذَّهبا
__________
(1) أي يوم الجمعة.
(2) في (أ): عوارمه.
(3) في التحف: إشعاعها.
(4) في (ب) والتحف: حتَّى تداركهم منها.
(5) في التحف: بيمنكم.
(6) في التحف: بها.
فأنتم رحمة فينا لأوَّلنا ... وآخرينا(1) فهذا الشكر قد وجبا(2)
إبراهيم بن مسعود بن أبي القرم [ - ]
العلامة، النحوي، برهان الدين، إبراهيم بن مسعود بن أبي القرم الربيعي، قرأ على الأمير أحمد بن القاسم الوهاسي (المفصل وشرحيه) لصدر الأفاضل وابن الحاجب، وعنه العلامة. ابن نزار الصنعاني - رضي الله عنهم -.
إبراهيم بن الإمام المنصور [ - ]
السيد الأمير الكبير صارم الدين إبراهيم بن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله، أثنى عليه بعض من ترجم له، وذكر أنه رأى رؤيا عجيبة للإمام أحمد بن الحسين، ولم يتصل بي من خبره غير هذا.
إبراهيم بن عيسى [ - ]
الفقيه الوحيد الزاهد، إبراهيم بن عيسى، من أعيان المائة السابعة. قال الشريف يحيى بن القاسم: هو إمام الجمعة الفقيه الزاهد الورع، تقي الدين، قدوة المسلمين، إبراهيم بن عيسى.
إبراهيم بن أبي المحاسن بن إبراهيم [ - ]
الفقيه المجاهد برهان الملة صارم الدين إبراهيم بن أبي المحاسن بن إبراهيم، علاَّمة شهير، جاهد مع الإمام أحمد بن الحسين - سلام الله عليه - وكان حجَّة من الحجج، وهو ابن عمّ العلامة الحسن بن أبي الفتح بن أبي القاسم بن أبي عمرو - رحمهم الله تعالى -(3).
إبراهيم بن المفضَّل بن منصور [ - 729 ه ] (4)
__________
(1) في النسخ: وآخرنا، وأثبته من التحف، فهو الصواب.
(2) انظر العقيدة هذه في التحف شرح الزلف ص: 193 - 195.
(3) حاشية في (ب): نقلت هذه الترجمة في هذا المحل كون المصنف - رحمه الله - لم يثبت اسم أبيه وإنما أثبت كنيته، وإذا وجدت كتبت في محلها إن شاء الله تعالى.
(4) تأريخ بني الوزير خ، المستطاب خ، طبقات الزيدية القسم الثالث تحت الطبع، الجامع الوجيز - خ -.
السيد، الفاضل، الورع، الكامل، إبراهيم بن المفضَّل بن منصور - رحمه الله تعالى -. قال السيد شمس الدين أحمد بن عبدالله - رضي الله عنه -: كان سيداً، عالماً، عاملاً، ماجداً، فاضلاً، ورعاً، زاهداً، عليه سيما السيادة والعبادة، مشهور بالعلم والورع والتقزُّز والطهارة والعفاف الذي لا وراءه، وكان تلو أخيه المرتضى في الفضل في محاسن الأخلاق، والانقطاع إلى العلم والاشتغال به والتحصيل لفنونه، ولازم الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهَّر - عليه السلام - وله عليه قراءة جيّدة وسماعات حسنة وكثرت ملازمته له، فلم يكن ليساوي به أحداً من الأقارب والأباعد، لما كان عليه من الفضل والبركة والصَّلاح العظيم، وكان جامعاً بين العلم والعمل، وله إجازات بخط الإمام - عليه السلام - وكان الإمام يعظِّمه نحواً من تعظيمه لأخيه المرتضى، ولا يكنِّيه إلا بجمال الدين، لا يذكره باسمه أبداً، ومن عظيم ورعه أنه لم يأخذ من الإمام شيئاً قط، ولا قبض منه ماله قيمة شرعيَّة، ووصل ولده المهدي بن إبراهيم ومعه كتاب قد ختمه يطلب فيه شيئاً من الإمام، فردَّه أبوه، وقال: لا سبيل إلى ذلك، ورجع لا سأل، ولا أعطي. وكان يُعرض عليه من الإمام وغيره أشياء كثيرة لا يأخذ منها شيئاً قط على نحوٍ من طريقة أخيه المرتضى - رحمه الله -. وكان يقتدي به في جميع أموره. وخرج زائراً له إلى (شظب) من (وقش) فأصابه ألمٌ هنالك، فتوفي هنالك وقبره (بجزع عياش(1)))، وتأريخ وفاته على حجر قبره منقوش سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وكان رجل يقال له: ابن الطواشي من خواصّه وممَّن يلازمه، قال: وصل السيد إبراهيم بن المفضل زائراً لأخيه المرتضى - رحمة الله عليهما - وهو راكب لبغلٍ عظيم الجثة والثمن، فلمَّا مات السيِّد، وأخرج - يعني ذلك البغل - لم يزل يضرب برأسه الحجر حتَّى مات، وقال: كان السيد آدم اللون، عظيم البر بأخيه، فخرج يوماً يصبّن ثياب أخيه
__________
(1) لعلها: عناش وقد مرت.
فمرَّ به رجل لا يعرفه، فقال له: أنت عبد السيد المرتضى؟ قال: نعم أنا عبْده. انتهى
إبراهيم بن منصور البشاري [ - ق 6 ه ] (1)
الشيخ الإمام المحقق شحاك الأعادي إبراهيم بن منصور البشاري العنسي - رحمه الله تعالى - الإمام المتكلم، كان يسكن (بشار) من بلاد (عنس)(2)، ولمَّا قدم مطرف رأس المذهب المنحوس ونهدابن الصباح إلى (ذمار)، لقيهما إبراهيم المذكور فناظرهما، ودارت بينه وبين مطرف مسائل في إدراك الأعراض، ولم يحصلا من إبراهيم على طائل، ثم توجَّها إلى بلد (التراحم) وهي خاو فجرى بينهما وبين الشيخ محمد بن أحمد الترجمي، كلام طويل، واستزلاَّه بغرورهما.
إبراهيم بن موسى الجون [ - ]
السيد الإمام الكبير إبراهيم بن موسى الجون - عليهم السلام - قال الشريف بن عنبة: كان سيداً شريفاً. انتهى
إبراهيم بن موسى الثاني [ - ]
ومن العلماء حفيده صارم الدين إبراهيم بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - مات في حبس المهدي العبَّاسي(3).
__________
(1) المستطاب خ.
(2) بشار قرية عامرة في عزلة الميثال من ناحية الحدا وأعمال ذمار، كانت هجرة مشهورة في المائة الرابعة والخامسة للهجرة (هجر الأكوع) عدها الهمداني من مخلاف عنس وبينون.
(3) في مشاهد العترة الطاهرة ص226 ودفن بالبقيع إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن - عليه السلام - قال أبو الحسن العمري: قبره بالبقيع، مات في حبس المهتدي، وقال أبو الفرج في مقتل الطالبيين ص 532: حبسه محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور عامل المهتدي على المدينة فمات في محبسه، ودفن في البقيع.
إبراهيم بن المهدي بن جحاف [ - 1011 ه ](1)
السيد العلامة إبراهيم بن المهدي بن علي بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن عليان بن الحسن بن محمد بن حسين بن جحاف، وهو محمد بن الحسين بن محمد الأميرذي الشرفين - رحمهم الله -. كان عالماً كاملاً من عيون أهل زمانه الفضلاء، وحبس (بكوكبان) مع الجماعة الذين أسروا مع الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - وأجلاء الأفاضل، ولكنه انتقل عقب الأسر في عام أحد عشر وألف، ودفن في (القبَّة) الجامعَة لقبور جماعَة من الأعيان، وهي قبَّة المطهر بن شمس الدين، وقبر السيِّد - رحمه الله تعالى - عن يسار الدَّاخل من بابها الغربي وثالث القبور، وإلى جنبه حيّ الفقيه الفاضل العالم الطاهر صلاح بن عبد الله بن داود بن أحمد الشظبي الموهبي العمري، شيخ الإمام المؤيَّد بالله - سلام الله عليه - ومؤدبه، ووفاته في جمادى الآخرة عام خمسة عشر وألف - رحمه الله تعالى - وكان من حكماء وقته وعلمائه، وله صناعة في تدبير العامَّة، ومعرفة الموَارد والمصادر على قانون العقل بحيث إن فطرته السليمة في ذلك تذكر بـ (كليلة ودمنة) و (سلوان المطاع) وأشباههما، وكان أسر السيد إبراهيم - رحمه الله - مع السادات ومع الإمام المؤيّد بالله في حياة والده من (حصن شهارة)، والقصة مستوفاة في البسائط، والسيّد المذكور من مشائخ الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - وفي السادات آل جحاف إبراهيم بن المهدي والد الهُدَى بن إبراهيم، وهو غير هذا - رضي الله عنهم - كما سيأتي عقيب هذه.
إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف[ - 944 ه ](2)
__________
(1) من مصادر ترجمته: سيرة الإمام المؤيد بالله الجوهرة المنيرة خ، وفيها توفي بكوكبان سنة 1011ه لسبع ليالي بقين من شهر صفر، المستطاب خ، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث (تحت الطبع) ملحق البدر الطالع 12.
(2) من مصادر ترجمته: الجامع الوجيز - خ - ملحق البدر الطالع 12، أئمة اليمن 1/416.
السيد العلامة إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن قاسم بن يحيى بن عليان بن الحسن بن محمد بن الحسين بن جحاف محمد بن الحسين بن محمد بن جعفر بن الإمام القاسم بن علي - رحمهم الله تعالى -. قال السيد صارم الدين إبراهيم بن يحيى بن الْهدى: كان - رحمه الله - من أفاضل السّادة وأعيانهم، طلب العلم واشتغل به، وارتحل إلى البلاد، وصحب الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين - رحمه الله - قبل الدعوة، ووصل معه الإمام إلى محروس (حبور) (1)، وأقام في بيت السيِّد إبراهيم الذي في الموقع عند بيت والده السيد المهدي بن أحمد في حافتهم المشهورة، وكان أولاد السيد المهدي بن أحمد الذين أدركوا الإمام شرف الدين يعيِّنون لأولادهم المجالس التي كان يقعد فيها الإمام شرف الدين ويتبرَّكون بها، من ذلك حجر أبيض في المجلس الذي قبلي الجامع(2) حجر معروف قعد عليه الإمام شرف الدين، وكان السيِّد إبراهيم من خواصّ أصحابه، وممن أخذ له البيعة من أعيان القبائل، ثم وجَّهه الإمام شرف الدين من صنعاء هو والسيد الفاضل قاسم بن عاهم إلى جهة (الأهنوم)(3) وبلاد القبلة، وكان في جبال الأهنوم إذ ذاك الإمام مجدالدين من آل المؤيد بالله، وكان السيد قاسم بن عاهم أمير العسكر، والسيد إبراهيم والي البلاد، ولمَّا وصلوا إلى أطراف بلاد (ظُليمة)(4)
__________
(1) حبور، بلدة مشهور من ناحية ظليمة، فيها مركز الناحية (وانظر معجم المقحفي ص: 150).
(2) لعلها: قبلي جامع حجر.
(3) الأهنوم: ناحية معروفة في الشمال الغربي من صنعاء (تتبع حالياً محافظة عمران) فيها قرى كثيرة وجبال شامخة، وحصون منيعة، ومدارس علمية، ومساجد عامرة، ومزارع طيبة، ومن بلدان الأهنوم المشهورة: معمرة، وعلمان، والمدان، وشهارة (وهي المعروفة قديماً باسم معنق، وتعدّ من أمنع حصون اليمن) والعيازرة، والجملول، والمحراب، وغيرها (انظر عن الأهنوم معجم المقحفي ص: 51 - 52).
(4) ظليمة بضم أوله، ناحية بالشمال الغربي من حجة، منها مدينة حبور، ولذلك يقال لها: ظُليمة حبور (انظر المصدر السابق ص: 414).
و(عُذَر)(1) وصل إليهم مشائخ البلاد وأعيانهم، وبايعوا للإمام شرف الدين، ورجع الإمام مجد الدين إلى بلاد (الشام) بغير حرب ولا قتال، كل ذلك بعناية السيد إبراهيم وحسن نظره ومحبته للصلاح وحسن التوسط، ولمَّا قرر أعمال البلاد وولاَّها رجع إلى عند الإمام شرف الدين إلى (صنعاء) وأقام عنده أياماً، ثم أمره بالخروج إلى (ظفار)، وولاَّه أعمال البلاد القبليَّة جميعاً، وفوَّضه في أمورها، وبلغ من حسن رأي الإمام في السيِّد أن وضع له علامته الشريفة بخط يده في أوراقٍ متعدَّدة ليكتب تحت العلامة ما عرف أنه الصَّلاح، وبقي منها بقيَّة، مات السيد وهي عنده، وتوارثها أولاده في أيديهم. قال السيّد إبراهيم بن يحيى - رحمه الله -. ولم يزل على ذلك إلى أن اختار الله له ما عنده، فتوفي في يوم الأحد لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان المعظم في الأيام الفاضلة من الشهر الكريم عام أربعة وأربعين وتسعمائة سنة، وذلك بمحروس ظفار، وقبره مشهور مزور عند باب مشهد الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة أعاد الله من بركاته، وكان والده إذ ذاك مريضاً مدنفاً - أعني السيِّد الفاضل المهدي بن أحمد - فكتم أولاده عنه الخبر لئلا يجتمع عليه غمُّ ذلك مع كرب المرض، قال: وروي أن السيّد المهدي - رحمه الله - أفاق إفاقة فقال لهم: ما أتاكم من خبر من الوَلد إبراهيم؟ فقالوا: خير. فقال: قد أتاني من عزَّاني فيه وقد توفي، فعلموا أن ذلك لإرادة الله زيادة ثوابه على ما بلغه من خبر وفاته، ثم توفي بعد ذلك بسبعة أيام، وذلك يوم عيد الفطر غرَّة شوال من شهور السنة المذكورة رحمهما الله تعالى.
إبراهيم بن نعيم العبدي [ - ق2 ه ] (2)
__________
(2) معجم أصحاب الإمام زيد بن علي.
الشيخ الأجل فخر عباد الله الصَّالحين إبراهيم بن نعيم العبدي، من أجل فقهاء تابعي التابعين، كان من الخارجين مع زيد بن علي - عليهما السلام - مع العصابة المكرَّمة الخارجة لله - عزَّ وجلَّ - معه أشباه أهل بدر - رضي الله عنهم - وهم عدد تتزيّن الأيام بذكرهم(1)، ذكره في علماء الزيدية الشيخ العالم القاسم بن عبد العزيز البغدادي - رحمه الله -.
إبراهيم بن الهادي [ - ]
السيد العلامة الفاضل إبراهيم بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - كان كاملاً فاضلاً(2) فصيحاً مجوداً، يفتخر به أهل عصره الشريف أعاد الله من بركاته.
إبراهيم بن يحيى بن الحسين [ - ]
السيد العلامة الأمير الخطير إبراهيم بن يحيى بن الحسين بن حمزة بن أبي هاشم - رحمه الله تعالى - كان عالماً، عاملاً، مجاهداً، سابقاً، وله روايات في محامد الإمام المنصور بالله ومكارمه وكراماته.
إبراهيم بن يحيى بن محمد [ - 803 ه ] (3)
__________
(1) في (ب): تتزين بذكرهم الأيام.
(2) في (ب): كان فاضلاً كاملاً.
(3) تأريخ بني الوزير، اللآلئ المضيئة - خ -.
السيِّد المقدام، العالم الهمام، إبراهيم بن يحيى بن محمد بن أخي الإمام علي بن محمد المهدي لدين الله سلام الله عليه. كان هذا السيد كما قال السيد شمس الدين: أحد العلماء الزعماء، وتولَّى الجهاد مع الإمام في (صعدة) ونواحيها، واشتدت يده على الأشراف بني حمزة، وكان مقيماً بمسجد دبة(1) بمدينة صعدة المحروسة، فلما دخل الإمام المهدي وأعوزته الحال إلى سائس لجنوده ومقدَّم على ألويته وبنوده، أخرجه من ذلك المسجد وهو على حال الطلب، فألفاه على أحسن ما طلب، حرّك أسداً باسلاً، وهزَّ رمحاً عاسلاً، وقال له - رحمه الله -: ما حاصله: سترى نفعه فأنجز الله عدته. وقال السيد شمس الدين في حقه: كان من أكمل الناس وأعلاهم مرتبة ومنزلة، إنما كان في عداد الأئمَّة، لا في عداد السادات والأمراء، اشتغل بالعلم، فبرَّز فيه غاية التبريز وأحرز فنونه جميعها، وكان السيد الإمام عبد الله بن يحيى من تلامذته، ويسند إليه في كثير من مسنداته، وبلغنا أن من حوامله على طلب /61/ العلم الطلب الشديد ما لزمه من الأنفة من حديثٍ وقع إليه من ابن عمه الإمام الناصر صلاح بن علي، وذلك أن السيد إبراهيم بن يحيى قال له في أيام الطلب والقراءة: ما هذا بيدك؟ يشير إلى كتاب كان بيده، فقال: هو نحو بعيداً منك، فقال: أو تقول ذلك؟ ستعلم به. فأمعن في الطلب للعلوم حتَّى حوَى المنطوق والمفهوم، ثُمَّ إنَّه كان في صعدة والإمام المهدي علي بن محمد بها مقيم مشتغل بحرب الأشراف، والسيد مقيم في طلب العلم، وكان الأمير يحيى بن أحمد القائم بأمر الإمام ومقدّمهُ على العسكر، وكان الأمير لا يزال يغضب، ويرضى، ويطلب المطالب الشَّاقة، فشقّ ذلك على الإمام، فأمر لولد أخيه السيد
__________
(1) حاشية في ورقة منفصلة في النسخة (ب): مسجد دبة هذا الجامع في حارة الجربة، واقع في جهة الغرب من هذه الحارة، وهو مغلق الآن لا تقام الصلوات فيه، وقد كانت النساء يؤدين الصلاة فيه ثُمَّ أغلق.
إبراهيم بن يحيى من المسجد المعروف بمسجد دبة، وقال له: قد عرفت فعل الأمير يحيى بن أحمد معنا، ولم نجد في الأصحاب من يكفينا، ويقوم مقامه، فهل من همَّةٍ تدعوك إلى أن تكفينا هذا الأمر، وتحدوك إلى فضيلة الجهاد، وكان الإمام يخيل فيه بعض ما يروم، فقال له: إنك ستجد - إن شاء الله - مني ما هو فوق ظنك. ثم قام فقاد العسكر (والمقانب) والجيوشُ وأغرق في نكاية الأشراف، وتبعهم في البلاد، وكمُل في أمر السيَاسَة لما لم يكمل له الأمير يحيى بن أحمد ولا غيره من الناس، وكانت له فراسة جيدة وهمَّة عالية، ونزل بلاد السَّلطنة وبلغ أقصى التهائم، وأقام (بحرض)، ودخل (زبيد)، وركب بها في وقتٍ يسير سبعين رأساً من الخيل، وأقام على ذلك في زمن الإمام علي وولده الإمام الناصر. ثم وقع في نفس السيد إبراهيم وأخيه محمد وولده علي بن إبراهيم ما وقع في أوَّل أيام الإمام المنصور بالله علي بن صلاح، فرأى المصلحة في منعهم من صعدة فأقاموا بصنعاء من غير أن يظهر لهم تنكر ولا أمرٌ يشعر بدخول شيء في النفس، وترك أولادهم في (المنصورة)، وأقام في المدينة الأمير الباقر وغيره، وكانَ السيد إبراهيم بعد ذلك زعيم عسكر المنصور بالله بصنعاء، وله أيام وقتالات عظيمة للأمراء آل يحيى بن الحسن (والإسماعيلية)، منها الوقعَة العظيمة (بالحتارش) التي قتل فيها السيد محمد (بن)(1) السيد علي بن أبي القاسم، وأخبار السيِّد صارم الدين كثيرة وأوصافه (جميلة)(2) شهيرة، توفي بذمار في سنة ثلاث وثمانمائة وقبره - رحمه الله - بجربة صبير(3) بالقرب من قبر سيدي الهادي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) زيادة في (ب).
(3) كذا في (أ)، وفي (ب): صنبر، قال في حاشية (ب): صنبر بالمعجمة مقبرة في ذمار الكبرى ذكره السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله -.
إبراهيم بن يحيى بن القاسم [ق9 ه ](1)
السيد العلامة المحقق، إبراهيم بن يحيى بن القاسم الهادَوي - رحمه الله، وأعاد من بركاته -؛ قال بعض الفضلاء عند ذكره: كان بحراً زاخراً، وخضماً لا يحد(2) لكنهه ماخراً(3)، وعلماً من الأعلام أضحى الدهر فاخراً، وتمنَّى المتقدم أن يكون معه آخراً، وله في صناعتي الشعر والإنشاء ما يبهر الألباب، ويسحر إن أحب ذلك وإن شاء. وفد إلى صنعاء كتاب (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) في النحو لابن هشام في أيامه على يدي العلامة أحمد بن محمد اليريمي(4) الشافعي، وقد كان قدم به العلامة الرَّحال عبد الله النجري - رحمه الله - /62/ ولمَّا اطَّلع السيد صارم الدين على النسخة التي جاء بها اليريمي قرضها، وقال ما نصه: يقول الفقير إلى كرم ربه، اللائذ بعفوه عن ذنبه، إبراهيم بن يحيى بن قاسم الهادوي - عافاه الله في الدارين -: لمَّا وصل الأخ في الله الفقيه الأفضل، الأعلم الأعمل، النابه الأديب، الفطن اللبيب، شهاب الدين أحمد بن محمد اليريمي - أبقاه الله - إلى صنعاء (المحروس)، مصحوباً بما يشرح الصدور، من علوم الأعلام الصدور وبما يقرُّ العيون، من فنون الأعيان العيون، أولئك السَّادة المقيمون (ببغداد) المحروس، والرَّبع الخصيب المأنوس، قوم عليهم في معالم العلم يُعول، فيُجمل وصفهم، ولا يُفصل.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها السَّاري
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ص: 75 ترجمة رقم (38) ومنه مصادر الفكر للحبشي ص: 328.
(2) في (أ) سقط: لا يحد.
(3) تحتاج إلى تفسير وتوضيح.
(4) حاشية في (ب): كان في نسخة الأصل التريمي، ثُمَّ صلح إلى ما تراه، وهو اليريمي من خط السيد إبراهيم بن يحيى صاحب الترجمة - رحمه الله - من هامش نسخة مغني اللبيب، ووجدته أيضاً بخط السيد إبراهيم بن محمد الوزير - رحمه الله - كذلك في تقريضة للمغني في هامش نسخة آل الوزير.
وكان مما استصحب من دفاتر علومهم وذخائر معلومهم كتاب العلامة ابن هشام المسمَّى بـ(المغني في دقائق مسائل الإعراب) فأتحفني بعاريته أياماً، وهو بغيتي المقصودة، وضالتي المنشودة، وكنت ولعت به أياماً سلفت في نسخة بديعة، ورَوضة مريعَة، فيما جلبه من (مصر) في أيامه إلى صنعاء الفقيه الأفضل(1) فخر الدين عبد الله بن محمد النجري أبقاه الله، وقفت معي مدَّة، فلمَّا وقفت على هذه النسخة المباركة عادني عيد من تذكار المعاهد الأدبيَّة، وشاقني شوق إلى مغاني معاني العربية فقلت:
شغلتني هموم قلب كئيب ... عن لحوق بكل حبر لبيب
وزمَانٍ غريبُه كأهيل ... متعد أهيْله كالغريب
ليتني بعت من زماني نصيباً ... من زمانٍ مضى ببعض نصيب
والغريب العجيب أن زماني ... منكر العرف كالغريب العجيب
أصلح الله أحوالي وأحوال المسلمين بمنّه وكرمه(2).
ثم هذه الأبيات قلتها في هذا الكتاب بعد هذه الأسطر، وهي كما يعلم الله من القلب (الوقيم)(3) إلى هذا (الرقيم)(4) مساعدة للفقيه شهاب الدين المذكور آنفاً أبقاه الله، والمأمول من الناظر فيها بسط العذر وقبول الاعتذار، فهذا مأقط عثار(5)، شائك(6) مضمار، والحمد لله الواحد القهَّار، وصلى الله على نبيئه المختار(7)، آناء الليل وأطراف النهار.
على حاجةٍ مني نظرت إلى المغني ... ولي نحوه شوق الفقير إلى المغني
فقلت لطرف الطرف أخليت فارتع ... المحاسن من مجنى البديع فما يجني
سمعتُ به حتى إذا ما نظرته ... رأت منه عَيني فوق ما سمعت أذني
__________
(1) في (ب) زيادة: العلامة.
(2) في (ب): أسأل الله صلاح أحوالي وأحوال المسلمين بمنه وكرمه.
(3) وقمه: إذا أحزنه أشد الحزن، والتوقيم أيضاً: الإطناب في الشيء، وتحفظ الكلام ووعيه (القاموس المحيط ص: 1507).
(4) الرقيم: المكتوب.
(5) المأقط كمنزل: موضع القتال أو المضيق في الحرب (المصدر السابق ص: 850).
(7) في (ب) زيادة: وآله الأخيار.
فهنَّيت نفسي وصله مُتَمثلاً ... ببيتٍ جرى قبلي كأني به المعني
إذا ازددت معنَى دونه كل شاعرٍ ... فإني نزيل لابن زائدة معن
ومن باد في الأعراب يطلب علمهم ... ويكتسب الإعراب في شاسع المدن
ومن تك(1) من مقصوده فهو ضائع ... وأسْرع ما ينحط لحناً إلى اللحن
/63/
ثنيت عناني نحوه فوجدته ... هو النحو لكني بأوصافه أثني
به أجتني الغصن الطري وأجتلي ... معارف عرفاني وأجلو به ذهني
كأَنَّ جميع الكتب في النحو قبله ... تراب على الصفوان(2) في وابل المزن
كَأَنّ الذي رام البلاغ بغيره ... إلى مشكلِ المعنى سراجٌ بلا دُهنِ
كأنَّ وجوه الكتب مالم يكن بها ... مجرَّدة عن مِلحها وعن الحسن
تغَرَّب إليه تعرب القول أينما ... أتاك وتنقاد المعاني بلا وهن
وتبني على التحقيق فيما تُبِيْنُه ... إذا سألوا عن معرب القول والمبني
على ابن هشامٍ رحمة الله حيثما ... ثوَى وسقَاه وابل المنِّ والأمن
ودام به(3) (المغني) عن الكتب مغنياً ... يعين على المعْنَى الدقيق ولا يُعني
__________
(1) في (ب): ولم يَكُ.
(2) الصفوان: الحجر الأصلي، والوابل: المطر الشديد.
(3) في (ب): ودام لنا.
انتهى كلامه، وهو سكر نباتي، لا يعرف لطائفه إلا من أدرَّ الله على قلبه سحائب الألطاف، وهذا الكتاب المسمّى بالمغني كتاب حَريٌ بالمقال، وقد قرّض له الفضلاء في كل عصر كالقيراطي والدّماميني، قال مصنف الكتاب - رضوان الله عليه - ما لفظه: وكاتب هذه العبد الحقير في أيام كلفه بالعربيَّة وحبِّه لها جرى مع أولئك قبل أن يعرف من سبقه بالتقريض، وممَّن قرَّضه أيضاً السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد بن الوزير السَّابق ذكره في أيام كتابة السيِّد إبراهيم بن يحيى بن القاسم السابق ذكره كتبا التقريض في وقتٍ واحدٍ، فقال: لمَّا وصل الفقيه الأديب العارف النجيب شهاب الدين أحمد بن محمد اليريمي إلى صنعاء المحميَّة - حرسها الله بالإيمان- شرح وروده الصدور، وما أهداه من غرائب الأمور، وكان من جملتها هذا الكتاب البديع، وكان من تفضُّله أن آثرني به مدَّة على غيري من الأصحاب فقلت ذاكراً لتفضله مادحاً للكتاب:
سلام على المغني سلام مودع ... وإن كان تسليم المحبين لا يغني
تأمَّلته إحدى وعشرين ليلة ... أرُوضُ به فهَمي وأجلو به ذهني
وكنت إليه قبل ذلك صادياً(1) ... صدا الأرض إذ لم يأتها وابل المزن
فلمَّا حباني أحمد منه نظرة ... رأى منه طرفي فوق ما سمعت أذني
وما أحمدُ إلا لبيبُ مهذَّبٌ ... عليه لساني كل آونَةٍ يثني
حبا من بصَنعَاء اليمان بتحفةٍ ... وجاء بها يمشي إليهم على اليمن
كأن معانيه شموس طوالع ... تزيدُ على الشمس المنيرة في الحسن
تفجَّر بحر النحو منه فكله ... عيُون من الإعراب يذهَب باللَّحن
وحبّره لفظاً ومعنى مصنِّف ... بما صيغ من مدحٍ لمغن هو المغني
وسماه بالمغني وتلك إشارة ... فخذها إذا ما كنت حبراً من المعني
ونَصَّ عروساً فيه يُعرب إنه ... مبين خفايا معرب النحو والمبني
يقرّب للأفكار ما كان شاسعاً ... وليس عليها بعده عالم يبني
/64/ انتهى كلامه - رحمه الله -.
__________
(1) أي عاطشاً من الصدى، وهو العطش.
وممن كتب في التأريخ المذكور السيد السمتي ذو المقام الرَّفيع القدسي أحمد بن عبد الله بن علي بن محمَّد بن أبي القاسم الهادوي فقال ما صُورته: طالع في هذا الكتاب العبد الفقير إلى رب الأرباب، السَّائل من الله توفيقه بخير الأعمال والخواتم، أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أبي القاسم، الهَادَوي نسباً ومذهباً، فوجَده اسماً على مسمًّى، وكاشفاً فنّه لكلِّ معنى، فللَّهِ درُّ مصنِّفه الحبر العلام، المعروف بابن هشام، لقد نسجه على أبدع منوال، وحبَّره بأبلغ مقال، فما أحقّه بقول من قال:
وفي كتابك فاعذُر من يهيم به ... من المحاسن ما في أجمَلِ الصُّور
كأنما صنعت يمناك منه لنا ... ثوباً من الوشي أو عقداً من الدُّرر
والله يحسن إلى مهديه، ويعطيه من فضله أفضل ما يعطيه، آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. من خط قائلها. انتهى كلامه.
ولعلها تأتي لهذا الشمسي ترجمة - إن شاء الله تعالى -.
ومن شعر السيد الفصيح المقول صارم الدين إبراهيم بن يحيى قوله يمدح [ابن] الناصر، وكان من فصحاء صنعاء:
أيدري ما الشجي به الخليُّ ... أجدك يستوي ظمأٌ(1) وريُّ(2)
يقول العاذلون هواهُ غيٌّ ... وقول العاذلين هو الغويُّ
وأولَى من يُرَقُّ له ويُرْثَى ... إذا اعتلق الغرامُ به البريُّ
وأرعى النجمَ من كلفٍ بسعدى ... لأرقب طيفَها وهو البطيُّ
وأنَّى زار طيفٌ ذا سهادٍ ... له قلبٌ بحرقته صليُّ
يُقلِّبه الهوى ظهراً لبطنٍ ... ويَخلقُ صدرَه(3) نشرٌ وطيُّ
لَجَاجُ اللاَّئمين عليَّ جهلٌ ... وداءُ الحب لو علموا دويُّ
بسمعي عن سماع اللوّم وَقرٌ ... وقَلبي لاتباعهُمُ عَصِيُّ
دعاني العاذلُون لترك وجدي ... لأحبابي فقلت: الرشد غيُّ
__________
(1) انظر القاموس هل هي (ضمأ) أم (ظمأ).
(2) وانظر قصيدة السيد إبراهيم بن يحيى التي أوردها المؤلف هنا في مآثر الأبرار للزحيف 3/1179 - 1192.
(3) في (ب): صبره.
أبي الحبِّ(1) ميلاً عن هواهم ... وهل يسلوا الهوى إلاَّ دعِيُّ؟
(فلمَّا استيأسوا خلصوا نجيّاً) ... وقلبي للغرام بهم نجيُّ
وما ذاك الغرام أردت لكن ... جرَى في كتبه القلم الوحيُّ
عزَلت (الاعتزال) إلى ذويه ... فهَل شعرُوا بأنِّي (أشعَريُّ)
أما لَو أبصروا قسمات حُبِّي ... لضلوا رشدهم وعمُوا وغيُّوا
وقالوا عند ذاك بلا مراءٍٍ ... وقد وضحَ الجمال اليُوسفيُّ
أصاب الشيخ إلاَّ فعل إلا ... بتقدير وأخطا (الجُبَّائيُّ) (2)
لعل الله يدركني بلطفٍٍ ... فمن عاداته اللطفُ الخفيُّ
أجب داعي الصبابة غير وانٍٍ ... فذا (الوسميّ) يعقبه الوليُّ
وذر ثوب الحيا خلقاً سليماً(3) ... وذا ثوب الربيع العبقريُّ
ربابُ المزن هاميةٌ حمانا ... وخدُّ الأرضِ عن طربٍ نديُّ
تضاحكت الرياضُ فثغر هذا ... لجينيٌّ وهذا عسجديُّ
وشقَّ شقيقُها الأكمامَ تيهاً ... وماد الغصنُ واهتزَّ النديُّ
وغُرَّد طيرِها شربوا كؤساً ... فخير العيش صرف (صرخديُّ) (4)
إذا ما سفَّها هَرِِمٌ أعادت ... له ما يفعل الناشي الصَّبيُّ
لعمرك ما ارتوَى منها بلالاً ... فَلِمْ يرجع لها خلقٌ وزيُّ
وكم (مُحدَودَبٍٍ) كِبَراً حساها ... فجاءك وهو معتدلٌ سويُّ
وكم من مصمتٍٍ شربٍ الحميّا ... فأصبح وهو منطيقٌ (بديُّ)
أدرها عانساً بكراً عجوزاً ... حَصاناً لا يقاربها الفتِيُّ
تَمشَّى في المفاصِلِ مشيَ بُرءٍ ... إلى سَقَمٍٍ فتاركها غَبيُّ
إذا حُسِِيَتْ من الإبريقِ ليلاً ... أتى الإصباحُ وانجابَ العشيُّ
لها روحٌ سماويٌّ بسيطٌ ... له جسمٌ زجاجيٌّ (كَرِيُّ)
وريحٌ لوْ أتَى الموتَى وحيُّوا ... بنهكته ولونٌ (عندميُّ)
عقيقٌ ذائبٌ تطفو عليهِ ... جُمَانٌ لؤلؤيٌّ جوهَريُّ
__________
(1) لعلها: الحبِّ.
(2) في (ب): الجَبيُّ، وفي مآثر الأبرار: وأخطأه الجنّي.
(3) في (أ): خلفاً سليماً.
(4) صرخدي: صَرْخَد: بلد بالشام ينسب إليه الخمر. (القاموس المحيط ص279).
فلو نظر (ابن سيَّارٍ) إليها ... لصحَّ الجوهرُ الفردُ الخفيُّ
تعرَّت عن شوائبِ كلِّ ذاتٍ ... فشاربُها عن البأسا عَريُّ
أماهي تكسب البخلاء جوداً؟ ... أما الغدَّار يشربها وقيُّ(1)؟
أما الهياب يأخذها فيسطو؟ ... أما الجافي بصنعتها(2) حفيُّ
محرَّمةٌ ولكن عن أُناسٍٍ ... وما يصفونه شيءٌ فريُّ
فلم يسعد بها إلا سعيدٌ ... ولم يشقى بها إلاَّ شقيُّ
فخذها من يدي رشإٍ أغنٍّ ... كأن جبينه قمرٌ مُضِيُّ
وطلعَةُ وجهه صُبحٌ ولكن ... أَثيثَ جعيدِه ليلٌ دجَيُّ
تبارك من برى هذا وهذا ... يَقلِّهما القوامُ السَّمهَرِيُّ
تناوَل خمرةً من وجنتيه ... ومن فيه فطعمُهما شهيُّ
ثلاثٌ كلها نشواتُ خمرٍٍ ... هنيُّ شربُها أبداً مَرِيُّ
وأفضلُ شِربِها مِنْ فيه يُسبي ... وأفضل ما اغتبطت به السبيُّ(3)
لقد بتنا وقصَّرَ طُولَ ليلي ... مُنادٍمتي الغزالُ (العوهجيُّ) (4)
له طرفٌ يُميت به ويُحيي ... وعتقٌ في الرشاقة (عيطليُّ)(5)
أُعاتبُه على مطلي فَيُغضي ... حياءً وهو عن ديني مَليُّ
ويعلم كنهَ فقري واحتياجي ... لِما يحويه وهو به غبيُّ
فقال: دع العتاب وغنِّ صوتاً ... أَعَارضكَ (العريفُ الجعفريُّ)
وجس العود رفقاً بعد سبر
ٍ ... وأنطقهُ فناطقُه الرويُّ
تعالى الله ذا عربيُّ لفظٍ ... يخاطب ذا وهذا أعجميُّ
وحرَّك رأسَهُ طرباً وغنَّى ... ألا يا دارَ ميَّةَ، أين ميُّ؟
وقلَّب طرفَه بفُتورِ لحظٍٍ ... له فتكٌ بعاشقه أريُّ(6)
كأنَّ على نواظره السَّواجي ... حساماً سلَّهُ البطلُ الكميُّ
__________
(1) في (ب) ومآثر الأبرار: وَفِيُّ.
(2) في (ب) ومآثر الأبرار: بصبغتها.
(3) في (ب): السني.
(4) العوهجي: الطويل العنق.. وفي حقوية خُطَّتان سوداوان. (المرجع السابق ص196).
(5) عيطليٌّ: العيطل: الطويلة العنق في حُسْن جسم. (القاموس المحيط ص951).
(6) أري: الأرُّ: السَّوْق. المرجع السابق ص 322.
أميرَ المؤمنين وخيرَ ملكٍ ... له في الدَّولَةِ الحظُّ السنيُّ
مليكٌ هاشميٌّ طالبيٌّ ... إمامٌ فاطميٌّ حيدَريُّ
هِزَبْرٌ (هيزريٌّ)(1) أصيَديٌّ ... خِضَمٌّ أوحديٌّ أمجديُّ
لبيبٌ نابِهٌ يقظٌ أريبٌ ... أديبٌ سيّدٌ مَلِكٌ (سريُّ)
وقورٌ ناهظٌ يَمٌّ لِهامٌ(2) ... زكيٌّ ماجدٌ (ندسٌ(3)) ذكيُّ
بليغٌ مصقعٌ حرقٌ هضُومٌ ... أبيٌّ طائعٌ عفٌّ جريُّ
له خَلْقٌ وخُلْقٌ ذا وضيٌّ ... يلين له الجمادُ وذا رضيُّ
له أيدٌ(4) وأيدٌ في المعالي ... وناهيك الحليمُ الأجوديُّ
تقيٌّ لا يُعابُ ولا يَعيبُ الأنَامَ سميدُعٌ شهمٌ نقيُّ
يَطُولُ وجدُّه المختارُ فخراً ... ولا يُعلَى ووَالدُهُ عليُّ
حكى جَدَّيه مذ كنَّى وسمَّى ... وبيَّنَ مُلْكَه ريٌّ وزيُّ
فذا المنصورُ بالمنصورِ سُمِّي ... لوالدِهِ بكنيته سَميُّ
همُ الشمُّ الأولى سادوا وشَادوا ... فنشرُ فخارِهم عبقٌ ذكيُّ
تليدُهمُ لعافيهم (ثواءٌ) ... وطارفُهم لمن ينتاب فيُّ
همُ خيرُ الأنام بلا مراءٍٍ ... وأفضلُ من بهم تُحدى المطيُّ
تعنعن ملكه (شأوًا) بشأوٍٍ ... وليٌّ أو وَصيٌّ أو نبيُّ
فسلني عن مناقبه بياناً ... فعند (جُهينة) الخبرُ الجليُّ
لهُ فضلٌ تَقَرُّ به الأعادي ... وكفّ بالنَّدى سمحٌ سَخِيُّ
وعلمٌ لو تقسمه البرايا ... لأصبح كلُّ ميت وهو حيُّ
وبأسٌ ضمه كرمٌ تليدٌ ... تُقِرُّ بِهِ [له](5) (عبسٌ) و(طيُّ)
وحِلمٌ لو تعلّمه (ابن قيس) ... لما قاسته (تيمٌ) أو (عديُّ)
وفَهمٌ لو تأمَّله (إياسٌ) (6) ... لآيس أن يقال له: ذكيُّ
وحزمٌ خصَّه (العباسُ) منه ... بأوفَره وعزم (مُوسَويُّ)
وتدبيرٌ أنافَ على (ابن حَربٍ) ... حنيفيٌّ حفيٌّ أحنَفيُّ
__________
(1) هيزري: لم أجدها في القاموس.
(2) لهام: كثير الخير. (المرجع السابق ص1070).
(3) ندس: فَهِمٌ. (المرجع السابق ص533).
(4) أيَدٌ: قوة.
(5) سقط من (ب) وفي مآثر الأبرار: تقوُّله.. الخ.
(6) إياس: لم أجدها، ويبدو أنه اسم رجل ذكي.
وخلُقٌ من رسول الله سبطٌ ... وخَلْقٌ منه معروفٌ بهيُّ
أميرَ المؤمنين فدتك نفسي ... لما هذا النّوالُ (البرمكيُّ)
وكم هذي العزائمُ والسيُّوفُ الـ ... صَّوَارمُ والعواسِلُ(1) والقِسِيُّ
وكم هذي الذَّوابلُ والدُّروعُ الـ ... سَّوابلُ والحميصُ(2) (اليحصبيُّ)
وكم هذي الجواشنُ والخيولُ الـ ... صَّوافنُ منتهاها أعوَجيُّ
وكم هذي المغافرُ والمواضي الـ ... بواترُ والحناجرُ والمُدِيُّ
وكم هذي البوارقُ أعقبتها الـ ... صَّواعقُ ما مُقاوِمُها حجيُّ
وكم هذي الترائكُ قد تلتها الـ ... عواتكُ والشواقصُ والنصيُّ(3)
وكم هذى الصواهلُ جللتها الـ ... قساطلُ إن ذا أمرٌ بهيُّ(4)
وذي السيدانُ بالآسادِ تسعى ... وهذي (العيسُ) رَقَّصها الحَديُّ
وكيف ترى يغاث الطير مهما ... دنا منها الغداة (المصرحيُّ)
فإن يك رأي من فيها عناداً ... فذاك الرَّأيُ مسفوهٌ رديُّ
وإن العدلَ مشرَعُهُ زُلالٌ ... وإن البغيَ مرتعُه (وبيُّ)(5)
(وَرُبَّتما) رعيت(6) لذاك لكن ... ليحمدك المقام الهادويُّ
أزرها (مكة) فلقد تسامت ... إلى مرآك واشتاقت (حَلِيُّ(7))
وجَدَّ (بجُدَّةٍ) للقاك وجدٌ ... وهام بك المقام الأبطحيُّ
وطاب (لطيبةٍٍ) منك اقترابٌ ... وأسْعَفك الجنابُ اليحيَويُّ
ولجت في مجيء منك (لنجا(8)) ... ورَجَّى ذاك (آملُ) و(الغَرِيُّ)
__________
(1) العواسل: عَسَل الرمحُ: اشتد اهتزامه. (القاموس المحيط جزء 95).
(2) الحميص: لم أجدها في القاموس.
(3) عواتك: عتكت القوس: احمرّت قِدَما. (المرجع السابق ص873). والشواقص: الشِّقْصُ بالكسر: السهم.. والفرس الجواد (المرجع السابق ص574). النصي: حقاق الإبل (المرجع السابق ص584).
(4) في (ب): بعضها: ولم، وبعض الأبيات: وكم.
(5) بعده في (ب) ومآثر الأبرار: زيادة البيت الآتي:
أجدك كل ذا من أجل هذا……فلا واهٍ يراك ولا وَنيُّ
(6) في (ب) ومآثر الأبرار: رغبت.
وأذعن ما (وراء النَّهر) طوعاً ... فسرو الحال فيه أسعديُّ
ودونك خذ مفاتيح الدُّنا عن ... تداني ذا وأنت بها حريُّ
وإني قائلٌ بك عن يقينٍ ... وإن ضلَّ الكفورُ الملحديُّ
وإني عارفٌ بصلاح فعلٍ ... وإني عن سواك إذاً بريُّ
وخُذْهَا بنت ليلتها عروساً ... لها من درِّ ألفاظِي حُلِيُّ
لها الأقلامُ أعلامٌ وفكري ... حسامٌ والبُحورُ لها الدويُّ
يُقَصِّرُ عندها الضليل(1) نظماً ... و(همَّام) المجيد (الحنظلي)
وأعيت (جرولاً) وكذا (جريراً) ... ولم ينطق بمشبهها (الرضيُّ)
وأنست بالقريض(2) (أبا نواس) ... ولم يبلغ بلاغتها (الصفيُّ)
فللقلب الترقرقُ والتعفي ... وللبحر التدفقُ والأذيُّ
ودم والوقت زهر فيه زهو ... وعزك أقعَسِيٌّ سَرْمَدِيُّ
ودام لأحمدٍ مني صلاةً ... مدى الأيَّام ما غنَّى الحديُّ
وقد ترجم لهذا السيد صارم الدين أحمد بن عبد الله فقال: هو السيد إبراهيم بن يحيى بن القاسم بن أحمد، كان شاعراً، أديباً، عارفاً، مشاركاً في العلوم، وله أدب وظرف.
قلت: وقفت على إجازة له من الشيخ العلامة نظام الدين إسماعيل بن أحمد بن عطيَّة النجراني في علوم العربيَّة جميعها وغيرها، تدلَّ على جلالة قدره في العلم وسعة مسموعاته، وأمَّا بلاغته فهي شهيرة.
ومن شعره ما نقلته من خطه ولفظه لمَّا وقفت على قصيدة الصنو صارم الدين إبراهيم بن محمد بن الهادي كتبت على ظهر القصيدة(3):
هذا هو السحر الحلال وإنني ... حاوَلت أقرب منه شأواً فابتعد
وأجابني لمَّا دعوتُ شبيهة ... ما الأسدُ يا مسكين أكفأ النقد(4)
فأتيت ساحل بحره مُلتقطاً ... لفاظ(5) ما عنه تعاظم فانتقد
هذا أبوه لسان آل محمدٍ ... لا غرو في صدق المخيلة في الولد
ومن شعره هذه الأبيات:
__________
(1) الظليل: امرؤ القيس الشاعر الجاهلي.
(2) في مآثر الأبرار: في القريض.
(3) في (ب): الكتاب.
(4) غير موزون ولا مفهوم. يراجع.
(5) في (ب): لقاط.
يا من يدوم وتفنى الخلق قاطبة ... وعنده خلقهم والبعث سيان(1)
اغفر ذنوببي وكن عوني وهب أملي ... ورَمَّ(2) حالي وأصلح سيدي شاني
واكتب نجاتي من النيران يوم غدٍ ... واطمس صحيفة إجرامي وعصياني
وكن معيني إذا ما الموت حاضرني ... وابتزَّ ثوب حياتي ثوب أكفاني
وكن أنيسي إذا أودعت مقبرتي ... وصدَّ عني أحبابي وإخواني
وخلَّفوني وحيداً رهن جَندَلَة ... وحشو ثوب ومأكولاً لِدِيدان
وجاءني للسؤال المنكران فما ... عذري وأنت ثبتي ثُمَّ تبياني
وصاح في الصور إسرافيل صيحته ... للبَعث إذ كل قاصٍ عنده داني
فالوَزْن يومئذٍ بالحقِّ تنصُبه ... رجِّح بجودك يا ذا الجود ميزاني
وسيق ناسٌ لجنَّاتٍ مزخرفةٍ ... وسيق ناس لتعذيبٍ بنيران
يا سيدي فاعفُ عني قبل ذاوية(3) ... وقل لرضوان ذا في جمِّ رضواني
وقد تشفع فيه جدُّه ولَهُ ... مقام فضلٍ لدينا عامرُ باني
لا ذخر لي غير ظنِّي فيك تغفر لي ... بجاه خير البرايا سر عدنان
ثم الصلاة عليه والسلام وكل الآ ... ل ما عُدَّ بعد الواحد الثاني(4)
انتهى، وتوفي بصنعاء وقبره على يسار الخارج من باب اليمن، وهو أقرب إلى الباب، وعليه قبَة ولوح، وهو مشهور - رحمه الله تعالى -.
إبراهيم بن يحيى بن صلاح بن أبي الفضائل [ - ]
__________
(1) في (أ): وعنده خلفهم والناس شتان.
(2) معنى قوله: رمّ حالي أي أصله.
(3) في (ب): قبل ذاوية.
(4) بين هذه الأبيات وبين القصيدة الأولى بون شاسع جداً، فلعل هذه من محاولاته الشعرية الأولى.
السيد الأديب، حسنة الأيام، إبراهيم بن يحيى بن صلاح بن محمد بن أبي الفضائل، قال السيد الهادي بن إبراهيم: ولد نجيب، تربَّى في حجر المملكة، ونشأ بها وهو في حكم الملوك، وله نزاهة وشرافة في النفس ونفس توَّاقَّة، متعلق بالعلوم والقراءة والمطالعة والكتب، لا يلوي على غير ذلك، ولم يزل على تلك الصِّفة مع خاله المؤيَّد بالله محمد بن الناصر أيام صنوه المنتصر أحمد بن الناصر، ولمَّا ملك السلطان عامر صنعاء، ونقل الأشراف إلى تعزّ، وكان هذا السيِّد من أعاظم أشرافها بل ملوكها، نقله إلى تعز فتعاورته العلل، وتجرَّع الصّاب)(1) نهلاً بعد عل(2)، فأذن له السلطان عامر بالانتقال إلى (جُبن)(3) فأقام [بها](4) إلى سنة عشرين وتسعمائة، ثم طلع صحبة عامر في تلك السنة إلى صنعاء، فحدث به ألم فاجع أُسْكِتَ به من أول وقوعه، وكان طلع إلى القصر ليتفق بعامر، فعاد إلى بيته عليلاً، ومات عشيَّة يومه ذلك، ودفن بقبَّة خاله السيد المؤيَّد، وقبره مشهور، وعليه لوح فيه شعر حسن، وكلام حسن، ويقال: إن عامر أسقاه السمَّ لما كان يراه من تعظيم أهل صنعاء له، وكان له أبَّهة وجلالة، وسماة ملكية، فلا يمرّ بأحدٍ إلا قبَّل(5) يده، وكبَّره، وعظَّمه، والله أعلم.
__________
(1) الصَّاب بتخفيف الباء: عصارة شجر مُرٍّ (مختار الصحاح ص: 372).
(2) النَّهَلُ: الشرب الأول، والعُلَلُ: الشرب الثاني، يقال: علل بعد نهل (المصدر السابق ص: 683 ، 451).
(3) جُبَن: بضم الجيم وفتح الباء، مدينة من قضاء رداع بالجنوب الغربي منها، سكنها السلاطين بنو طاهر (858 - 933ه = 14454 - 1517م) وبها قبورهم (معجم المقحفي ص: 109).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): وقَبَّل.
إبراهيم بن يحيى بن الهدى الجحافي [991 - 1065 ه ] (1)
السيد العلامة، الناسك، صارم الدين، إبراهيم بن يحيى بن الهدَى بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد الحجافي - رحمه الله تعالى -. كان هذا السيِّد الجليل من أهل الملكة لنفسه والرِّياضَة الكليَّة بحيث لا يُروَى عنه رواية في الغالب لكثرة حفظه للسانه، وإنما يجري مع الأصحاب بالتبسّم والاستماع لمقالهم وإظهاره التعجب والاستغراب لما يُروَى كأنه لا يعرف شيئاً.
/70/
فتراهُ يُصغي للحديث بسمعه ... وبقلبه ولعلَّه أدرَى بهِ
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (40) شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ترجمة (18) ص 81 ، 82، طيب السمر خ، طبقات الزيدية القسم الثالث تحت الطبع، الجواهر المضيئة خ، خلاصة الأثر 1/404، مصادر العمري 271، مصادر الجبشي 27، 226، 494، ملحق البدر الطالع 13، وغيرها وكلها عن هذا الباب.
وكان مع ذلك متقناً(1) لأمور دينه ودنياه، عاكفاً على كتب الطريقة، مواظباً على الجماعة في المسجد الجامع (بحبور)؛ حتَّى [إنه](2) لا يروي أحد أنه تخلَّف عن المسجد في وقت صلاة إلا لعذرٍ عظيم، وذلك مشهور من حاله، وكان متوليّاً للقضاء، راضية عنه قلوب الناس، لما يعلمون من صدقه وإنزاله الناس(3) منازلهم، ووقوفهم عند صميم الشرع، وله (شرح على المفتاح في الفرائض)(4)، أجاد فيه، وقرأت عليه الناس، وانتفعوا به، وأتى فيه باصطلاحاتٍ غير اصطلاحات الأصحاب، ثم جعل لذلك مقدَّمة ليعرف الناس منها مقاصده، وله (شرح لأبيات الجعبري في التلاوة لآي الفاتحة)(5) ومخارج حروفها، وله أشعار فائقة رائقة وخمَّس قصيدة الصَّفي الحلّي النبويَّة التي طالعها:
فيروزج الصبح أم ياقوتة الشفق ... بدت فهيجت الورقاء في الورق
وأحسن في ذلك كل الإحسان، وهي دائرة بأيدي الأدباء بصعدة وبلادها، وممَّا نقل ولده العلامة إسماعيل بن إبراهيم من خطه قال: وأظنه من شعره:
وإذا أسبَل الظلام رِوَاقاً(6) ... وهدا معشر به فاستراحوا
فأنا رافع الأكف إلى من ... خطرة القلب عنده إيضاح
قائلاً: رب أنت تعلم بالحال ... ففيم السّؤال والإلحاح
وإذا اليأس رام هدم رجائي ... قال حسن الرَّجا له: لا براح
ولعمري ما يهزم اليأس ظنِّيَ ... والإله المؤمَّل المستماح
لو تكون السماء والأرض رتقاً ... أو تحول السيوف والأرماح
هذه نيّة الكرام لعمري ... وبها طال ما استراحوا وراحوا
كلما جاءهم من اليأس كأس ... فلهم من رجائهم أقداح
__________
(1) في شعراء اليمن نقلاً عن مطلع البدور: متقياً.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): للناس.
(4) فتح الفتاح الفائض في شرح مفتاح الفرائض خ، منه نسخة في المتحف البريطاني رقم 3995 وأخرى في الفاتيكان فهرس ثالث برقم (1134/2).
(5) لم أجد له نسخة خطية.
(6) الرِواق بالكسر: ستر يمدَّ دون السقف (مُختار الصحاح).
وكان بينه وبين السيدين السبطين الكريمين الحسن والحسين ابني الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - سلام الله عليه - غاية التحابِّ والتصادق والمفاكهات الأدبيَّة، وكان بينه وبين الفاضل العارف عبد الحميد بن أحمد المعافا مراسلة تشتاقها أعناق الغيد أطواقاً، وتنافس فيها الحور أنطاقاً، ومولده - رحمه الله تعالى - في رمضان عام واحدٍ وتسعين وتسعمائة، وتوفي وقت الظهر يوم الخميس رابع عشر شهر شعبان سنة خمس وستين وألف في مدينة حبور المحروس، وله أولاد نجباء قد أحرزوا قصب السبق في الفضائل بلا مدافعة، منهم مولانا السيِّد ضياء الدين(1) حواري أمير المؤمنين المتوكل على الله:
[إسماعيل بن إبراهيم جحاف]
إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى(2) المذكور، علامَة محقق في الأصول والفروع والعربيَّة والطب مع آداب وحافظة، يقلُّ نظيره في ذلك، أطال الله للإسلام عمُره، وقد تولى القضاء بالحضرة المتوكليَّة /71/ وله شعر جيد الصنعة، فمن ذلك قوله:
لقد آن أن تُعصى النفوسُ الطوامحُ ... وتُرْدعَ بالتقوى القلوبُ الجوامحُ
فقد أنذَر الشيبُ الملمُّ وصرَّحت ... زواجره والشيبُ لا شك ناصحُ
أُعاتِبُ نفساً لا أعاتبُ غيرَها ... على اللَّهو حتَّى طوَّحتها الطوائحُ
وأزجر قلبي عن هوَاه بوعظه ... وهل ريض ياللناس بالسوط فارح(3)
إلى كم أُرجِّي عزمةً أنتهي بها ... إلى الخير والآمال غادٍ ورائحُ
ويمنعني من ذاك أمرٌ كتمته ... ودهرٌ عن الأحرار ناءٍٍ وجانحُ
فوا أسفا أن لا حياة لذيذةً ... ولا عملٌ يرضى به الله صالحُ
وله في هذا المعنى:
يا فارجَ الهمّ بتيسيره ... وكاشف الشدَّة والبأسِ
خذ بيدي يارب وانظر إلى ... ضعفي وإخباتي وإبلاسي
ولا تكلني يا إلهي إلى ... نفسي وتدبيري وإحساسي
__________
(1) في (ب): ضياء الإسلام.
(2) حاشية في (أ): السيدان الإمامان إسماعيل بن يحيى بن إبراهيم بن الهدى، ولم يترجم لهما القاضي ترجمة مفردة لتأخر وفاتهما.
(3) في (ب): قارح.
فالعجز والظلم معاً شيمتي ... نتيجتا جهلٍ وإلباس؟
وله في الرقائق(1) والإخوانيات ما يفوق، ويروق، مع أنها بداية على طرق التمام(2)، وأرسلت إليه مفاكهاً على يد فتىً اسمه عنبر بقليل من العود الرطب فأجاب مع الرسول بديهياً:
يا واحد العصر بلا مِرية
ٍ ... ومعدن الجود بلا منكر
أحسنت إذا أرسلت يا ذا العُلا ... هَديَّة العود مع عنبرِ
ولم تزل بيننا المفاكهة - أدام الله حياته - فهو حياة الأرواح.
[استطراد في ذكر أخي المترجم له، واسمه يحيى بن إبراهيم جحاف]
__________
(1) قلت: ترجمه زبارة في ملحق البدر الطالع ص55، فقال: مولده سنة 1024ه، وأخذ عن والده والحسين بن علي جحاف والسيد عبد الرحمن بن حسين جحاف وغيرهم، وأورد بعض أشعاره وقال: ومات المترجم له بحبور في شعبان سنة 1097ه.
(2) في (ب): الثمام.
وله أخ اسمه يحيى سيد أبناء وقته علماً وعملاً، يذكر بالأوائل من سلَفهِ الكرام في كل طرائقه، وهو المتولي للقضاء بقرية حبُور في هذه الأعصار، بعد أن كان عزف نفسه عن الخلطة، وأراد السكون في شواهق الجبال فلزمه تكليف الإمام، فعاد إلى وطنه، ونشر العلم، وأحيا المعالم، وهو في النحو الغايَة، وله (شرح على الحاجبيَّة)، عظيم الشأن، لُبَاب نجم الدين وخلاصه، وهو الآن في الفقه المجلّي في رهانه، وله ما يجري مجرى (الشرح لنهج البلاغة)، وله خط عجيب قد كتب به غرائب وعجائب(1)، وله شعر في الذَّروة ينهج فيه منهج العرب الأولى، والله يديم حياته للإسلام(2)، ولهما أخ [محمد](3) ثالث من الفضلاء النبلاء، وهذا البيت معمور بالفضلاء في كل عصر، والله يؤتي فضله من يشاء.
__________
(1) في (ب): عجائب وغرائب.
(2) السيد يحيى بن إبراهيم بن يحيى جحاف، قال زبارة في ملحق البدر الطالع ص 226، مات في حدود سنة 1103ه، وانظر ترجمته في أعلام المؤلفين الزيدية رقم 1162وكتابه في شرح نهج البلاغة هو باسم (إرشاد المؤمنين إلى معرفة نهج البلاغة المبين) خ، سنة 1093ه، موجود بالأمبرزيانا، وأخرى بمكتبة الجامع الكبير في ثلاثة مجلدات، ومن مصادر ترجمته مصادر الحبشي 131، 337 وطبقات الزيدية الكبرى خ تحت الطبع، ونشر العرف 2/814، 3/ 298 - 300، زهر الكمائم خ، النفحات المسكية خ، بغية المريد خ، الجواهر المضيئة خ، معجم المؤلفين 13/182، الأعلام 8/134.
(3) زيادة في (ب).
إبراهيم بن يحيى الشجري السحولي(1) [987 - 1060 ه ]
القاضي، الفاضل، صارم الدين، إبراهيم بن يحيى بن محمد بن صلاح الشجري، السحولي، - رضي الله عنه - كان من السَّابقين في الفضائل، العلماء العاملين الأفاضل، قال ولده العلامة الخطيب، زينة الوقت محمد بن إبراهيم أسعده الله في ترجمته ما لفظه: مولده - قدس الله روحه - ليلة الجمعة ثالث /72/ وعشرين من جمادى الأولى عام سبعة وثمانين وتسعمائة بمدينة ذمار، وسَمعت منه، ووجدته بخطه، وأظنُّه له:
مسقط الرأس ذمار ... وهي من خير الديار
وفاته ضحوة يوم السبت لعشرين خلت من جمادي الأولى سنة ستين وألف، ودفن بعد صلاة الظهر بالمقبرة المعروفة بجربة الروض بباب اليمن، عدني مدينة صنعاء، ونقل إلى مشهده المزور بجنب مسجده المبارك (بمحروس السَّعدي) ليلة سابع عشر من شوال من تلك السنة، ووجد على حاله التي وضع عليها لم يتغيَّر شيء من جسده المكرَّم ولا من كفنه المبارك، تصديقاً لما ورد في العلماء سيما علماء العدل والتوحيد أن الأرض لا تأكل أجسادهم.
__________
(1) إبراهيم السحولي من مصادر ترجمته: شعراء اليمن من اسمه إبراهيم ترجم (17) مصادر العمري ص 262 البدر الطالع 1/197، مساجد طيب 53، 57، الإعلام 1/80، بغية المريد خ، المستطاب خ، طبقات الزيدية الكبرى خ، مصادر الحبشي 218، 127، معجم المؤلفين 1/127، معجم المصنفين 4/48، الجواهر المضيئة خ، تاريخ اليمن، طبق الحلوى ص 123، وهامش ص 66، تاريخ اليمن لأبي طالب ص 26، بغية الأماني والأصل خ، وانظر بقية مصادره ومؤلفاته في كتاب أعلام المؤلفين الزيدية ترجمه رقم 39 ص 75 - 76.
قلت: ورثاه ولده محمد أبقاه الله جامع الترجمة بقصيدتين طويلتين، وابن أخيه حسنة الزمان الأديب المنشئ أحمد بن الحسن بن يحيى - رحمه الله - وكلاهما مجيدان، والسيد البليغ أحمد بن محمد الآنسي - رحمه الله تعالى - وغير هؤلاء من الفضلاء. قال ولده محمد أيده الله: منشؤه مدينة ذمار، وقرأ بها القرآن قراءة مجوَّدة، وقرأ الفقه والفرائض والكلام وطرفاً من العربيَّة، ونظم الشعر الكثير، إلا أنه غرَّقه حين غرَّق ما اجتمع عنده من الأوراق مخافة عثور الظلمة فيها على ما يوجب عندهم القتل، وحصَّل شطراً صالحاً من علم الفلك، ومن الغرائب أنَّه عرَّفه المنازل رجل مكفوف البصر.
شيوخه بذمار: والده، والقاضي محمد بن علي الشكايذي، والقاضي المعافا بن سعيد، والقاضي محمد بن ناصر الدين الفلَكي وغيرهم.
أخبرني أن من جملة ما قرأ على الفلكي (اللامع)(1) في الفرائض للعصيفري، وكان القاضي صلاح بن محمد يحضر مستمعاً بلا نسخَةٍ، وكان يسبق إلى فهم بعض الدَّقائق فينشد:
تبارك الله ربي في تصرّفه ... هذا يصيد وهذا يأكل السَّمكة
واشتهر من تجرُّده للطلب وهمته العاليَة مدَّة إقامته في ذمار مالم يشاركه فيه أحد، حتى إنه كان قليلاً ما يطفئ السِّراج، وكان والده إذا احتاجه لحاجة مهمَّة خرج يطلبه في المسجد على وجهٍ لا يشعر به فيجده مكبّاً على الكتاب، فيرجع قبل أن يراه يقضي الحاجة بنفسه على جلالة قدره.
قالوا: مثلاً يذهب إلى الوادي لقضب البقرة؛ لأنهم - قدَّس الله أرواحهم - كانوا أهل الزهد، كما جاء في عيسى - عليه السلام -: (خادمه يداه، ودابَّته رجلاه) وكان يُعيد ستين شرفاً، وكان يُعيد في الخميس والجمعة قراءة الأسبوع، وأعاد أظنَّه في ثلاثة أيَّام انقطعت القراءة فيها من أوَّل الكتاب إلى كتاب الحج.
__________
(1) كتاب اللامع شرح مفتاح الفرائض، ويسمى أيضاً: شرح المفتاح في الفرائض - خ - منه نسخة رقم (16)، مجاميع بالمكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء.
ومن كراماته في طفولته ما سمعت منه: أنَّ والده قال: إنه أخرجه معه أول خروج إلى المدرسة الشمسَّية بذمار، فلمَّا وضعه بباب المسجد جرى إلى المحراب وسجد فيه سجدة طويلة، قال: قال والده: فحصل معي من السرور ما لا مزيد عليه، وكان ما كان، أَلِفَ النُّسك والعبادة والخلوة طفلاً، وهكذا النجباء. أقول: وعند هذه الكرامة التي ذكرها ولده أبقاه الله تعالى /73/ أذكر كرامة له أخبرني بها بعض السَّادة، قال: إنه كان هذا السيِّد عاملاً ببلاد (سنحان)(1)، فحصل شجار بين أهل قريتين في مراعي، فجاء كتاب من الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - أن القاضي يخرج لافتقاد ذلك بنفسه، فخرج - رحمه الله - وبات ببعض القرى، ثم توجَّه إلى محل الشجار، فوصله ضحوة فمرّ ببعض الشعاب، وقضى الحاجة، ثم أحسن وضوءه وصلَّى ما تيسَّر له، فذهب السيد المذكور من محلٍ ينظر ما يصنع، فرآه بعد الصلاة يدعو مستقبل القبلة ويبكي بدموع غزيرة، فلمَّا تمَّ له ذلك أشرف على الموضع المتشاجر فيه، فخرجت ظبية من تحت حجر بالقرب منهم وتوسطت محل الشجار، فقال القاضي والناس ينظرونها: ما اسم المحل الذي هي فيه؟ قالوا: كذا، قال للكاتب: اكتب اسم المحل، ثُمَّ أخذت في المحل فسألهم فقالوا: اسمه كذَا، فأمر الكاتب فلم تزل الظبية حتَّى قطعت محل الشجار، فقال لهم: ما ترون هل هذا يصلح فقد يسّر الله هذه الظبية بفضله، فقالوا وقال الحاضرون: هذا أحسن حكم وأعدله لأمور عديدة، فعاد من ذلك المحل.
__________
(1) سنحان، بفتح السين وسكون النون وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون، اسم مشترك بين عدد من البلدان والقبائل اليمنية، أشهرها قبيلة سنحان في الجنوب الشرقي من مدينة صنعاء (انظر معجم المقحفي ج 327 - 328).
رجعنا إلى ما قال ولده حفظه الله، قال: وما زالت تسمو حاله في العلم والعمل وجميع الكمالات حتَّى انتقل والده(1) إلى صنعاء بأهله في عام عشرة بعد الألف، واستكمل(2) فيها العلوم، وما زال في درس وتدريس إلى أن استوفى ما وهبه الله له من العمر النفيس.
مشائخه في صنعاء والده، والمفتي، والقاضي أحمد بن معوضة الحربي، والفقيه إبراهيم بن يحيى حميد، والفقيه أحمد الضمدي، والسيد الحسن بن شمس الدين بن جحاف، والسيد صلاح المضواحي، والسيّد محمد بن الناصر، والسيد صلاح بن الوزير، والفقيه عبد الرحمن بن محمد الحيمي الآخر، وأمَّا الفقيه عبد الرحمن بن عبد الله الكبير فلم يدركه؛ لأن وفاته سنة ثلاث بعد الألف وغير هؤلاء المذكورين، وخاتمة شيوخه القاضي عبد الهادي بن أحمد الحسوسة، قرأ في صنعاء النحو، والصَّرف، والمعاني، والعروض، واللغة، والتفسير، والحديث، والأصولين، والمنطق، وكان له في كل فنٍّ من هذه الفنون اليد الطولى، فأمَّا الفقه والأصولان فلا يشق فيهما غباره، سمعت(3) أنه قرأ (الكافية) على الضمدي، وكان يطالع ثلاثة عشر شرحاً، ومن جملة ما قرأ على المفتي (الكشاف)، ورأيت بخطه المبارك أنه قرأه في أربعة أشهر، قال: وكان والده يحضر هذه القراءة بلا نسخة ولا درس، وكثيراً ما يذكرهم أشياء قد مرَّت في مواضعها المعينة فيعجبون من حفظه.
__________
(1) والده: زيادة في (أ).
(2) في (ب): فاستكمل.
(3) في (ب): سمعت منه أنه.
قلت: وعلى ذكر قراءته - رحمه الله تعالى - (الكشاف)، بلغني أنه رأى قبل فتحها بيويمات(1) أن الزمخشري - رحمه الله - درس في (الكشاف) بالجامع، لعلَّه في الموضع الذي قرأوا فيه ولم أتحققه، رجعنا إلى كلام ولده: ولمَّا ظفر بالقاضي عبد الهادي الحسوسة أيام إقامته بصنعاء حاكماً، وهو الرحلة في علم الكلام، أعاد عليه سماع كتب الكلام من (الخلاصة) إلى (تذكرة /74/ ابن متويه)، وجملة ما قرأ عليه ثلاثة عشر كتاباً من الكبار، وكان القاضي عبد الهادي يقول: ما رأيتُ ممَّن قرأ عليَّ على كثرتهم مثل القاضي إبراهيم، وكان له أحوال في الدَّرس والتدريس يختصّ به، كان يقوم إلى الجامع من آخر الليل، فإذا صلَّى الفجر وضعت له الإزار مطويَّة على نحو ثوب حتى تكون كالوسادة الصَّغيرة، فيقعد عليها قِعدة واحدة من عقيب الفجر إلى أن يتعالى النهار، يقرأ عليه في (الأزهار) طلبَة يزيدون على المائة في أكثر الأحوال، يملي عليهم املاءً في غاية الحسن والسعة (والسهولة)(2) وجميع الفوائد، يسمع من مؤخر الجامع إلى المقدَّم على جهة التفصيل، وكثيراً ما يقوم بعد تمام القراءة إلى القراءة على القاضي عبد الهادي في نحو (الغايات) إلى قريب الظهر، وكثيراً ما يخرج من هذه القراءة لصلاة الظهر ويدرس عقيبها في نحو (البيان) و(الفصول) فلا يتناول في هذه الحال طعاماً إلا بعد العصر، ولا يخلو في غالب الوقت عن مذاكرة بعد العصر وبعد العشاء الآخرة في البيت، وأمَّا بين العشائين فلا يخليه عن صلاة التسبيح وغيرها من النوافل، وأكثر هذه القراءات لا تخلو عن تعليق، هذه أحواله فيما يتعلق بالدَّرس والتدريس على وجه الاختصار، وأمَّا التصنيف فاشتغاله به قليل، ألَّف (الدُّر المنظوم في معرفة الحيّ القيّوم) في سنّ الصغر؛ لأنه قال فيه:
نظمتُه نظمُ اللآلئ والدُرر ... قصْداً لعفو الله في شهر صفر
__________
(1) تصغير الأيام.
(2) سقط من (أ).
من سنة السبع عقيب الألفِ ... من هجرة المختار فاسمع وصفي
وهذا الكتاب لم ينقله من المسوّدة ولم يهذِّبه ولم يطلع عليه أحد، وكأنه رأى تركه أولى ووضع (حاشيه على الثلاثين مسألة) جعلها في هوامش نسخةٍ بخطه لبعض المبتدئين فنقلها الناس نقل الشروح فتصرفوا فيها وغيَّروها عن وضعها، فهذا سبب ما قد ترى فيها من الخلل(1)، وعلَّق (حاشية على الأزهار) وشرحه لم ينقلها أيضاً من المسوَّدة، ولم يرتِّبها حقّ ترتيبها، ولا أعاد فيها نظر، ولا قرئت عليه وتناقلها الناس بعده، فقدَّموا وأخَّروا، وكثيراً ما صحَّف النسَّاخ فيها، والله المرجو أن يقيّض لها من يداوي عللها، ويسدُّ خللها(2)، وله السؤالات إلى الإمام القاسم - عليه السلام - المعروفة (بالسؤالات الصنعانية)(3)، وآخر مؤلفاته - قدَّس الله روحه - (الطراز الْمُذهب في إسناد المذهب) (4)
__________
(1) الدر المنظوم في معرفة الحي القيوم خ، وهو نفسه شرح مصباح العلوم (الثلاثين المسألة) مخطوط منه نسخ في مكتبة الجامع الغربية برقم 94 ، 150 علم كلام، ورقم 62 نحو، ورقم 63، 167 مجاميع، وفي المتحف البريطاني نسخة رقم 3989 وأخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي، وانظر كتابنا مصادر التراث في المكتاب الخاصة.
(2) حاشية السحولي على الأزهار وتعرف باسم القدر المختار من نفحات الأزهار، منه خمس نسخ في الجامع الكبير المكتبة الغربية من رقم 114 إلى 118، ورقم 99 فقه، وثلاث نسخ في المتحف البريطاني، إحداها باسم هداية الأفكار، وأخرى مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي، ونسخة خطت 1074ه في مكتبة السيد محمد بن عبد الملك المروني بصنعاء وأخرى خطت في سنة 1178ه في مكتبة آل الهاشمي بصعدة، وأخرى بمكتبة السيد عبد الرحمن شائم هجرة فللة صعدة، وأخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي بصنعاء خطت سنة 1065ه.
(3) انظرها في مؤلفات الإمام.
(4) الطراز المذهب في معرفة أسناد المذهب، منه أربع نسخ خطية ضمن مجاميع (17، 71، 68، 118) المكتبة الغربية الجامع الكبير، ونسختان في المتحف البريطاني ضمن مجموعين رقم 2076 ، 3908، وفي الأمبروزيانا برقم 2567، والفاتيكان رقم 1198 - 2، وفي جامعة الرياض رقم 1272، وعلى هذا الكتاب شرح بعنوان (التثبت والجواز عن مزالق الاعتراض على الطراز) ليحيى صالح السحولي خ، الأمبروزيانا، ونسخة مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي.
وأمَّا صفاته الشريفة فلا نطوِّل ذكرها(1)، وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً، وفضلاء عصره مجمعون على زهده وورعه، ووقاره وخشوعه، وجلالة قدره، وشفقته بالمسلمين، وبرَّه بالأقربين والأبعدين، وكثرة عبادته، وغير ذلك من الأوصاف الجميلة. من مواظبته على العبادة أنه ما طلع الفجر فيما أعلم وهو نائم، وأمَّ الناس في الجامع منذ ملكت اليَدُ الإماميَّة صنعاء سنة تسع وثلاثين إلا مدَّة قليلة في آخر عمرة، عَسُرت عليه الموَاظبَة لعوائق /75/ عديدة، وما سجد للسَّهو في هذه المدَّة كلِّها إلا مرَّة [واحدة](2) في وفاة صنوه الحسن - رحمه الله - سلم في صلاة العشاء على ركعتين وسلم معه أكثر الناس، فأعاد الصلاة وأعادوا جميعاً، وقرأ ?أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ? (الماعون: 1).
ومن خشوعه وخشيته أنه كثيراً ما سمع منه البكاء، فمن ذلك ما سمعته ورأيته أنا وغيري، كنا نقرأ عليه (شرح القلائد) للنجري، فبلغنا مسألة إنطاق الجوارح، فوضع الكتاب، وما زال يبكي بأعلى صوته(3) حتى سمعه من مرَّ على الباب، والقراءة كانت في البيت بصنعاء، وكلما فتح الكتاب غلبه البكاء، فقام وتركنا القراءة ذلك اليوم، ما رأيت، ولا سمعتُ في أهل عصرنا بمثل هذا، ولها نظائر.
ومن تقليله للطعام ما قد ذكرته، بل ما قد علمت منه، ترك الطعام أياماً متوالية، وفي شهر رمضان يفطر بلحوح ولبن، ثم يقوم للصلاة فلا يفرغ الناس من العشاء إلا وقد أكمل صلاة التسبيح، ثم يقوم الليل فلا يتسحَّر إلا بالقهوة. ومن إكثاره للذكر أنه كان يقرأ في شهر رمضان في المدَّة السَّابقة خمسة وأربعين ختمة، وسمعت منه في معرض الزجر عن الاشتغال بما لا يحتاج إليه من كثرة الكلام مع الناس لا سيما في الطريق، قال: الإنسان يقرأ من الجامع إلى البيت حين يخرج من صلاة العشاء سورة يس ثلاث مرَّات، وكم بين الجامع والبيت.
__________
(1) في (ب): بذكرها.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): بأعلى الصوت.
ومن إيثاره للزهد تأخيره التأهّل إلى سن الكهولة مع وفارة المقتضيات وكثرة المرغبات رغب كثيراً في بعض قرابته، فاشتغل عنها بما هو بصدده، فتزوجت بعد أن أذن، وولدت وبلغت ابنتها سنّ الزواج فتزوجها، ولم يعرف غيرها مدَّة حياته. ومن زهده أنه لم يمدَّ عينه إلى شيء عرض عليه، وكثر عليه في قَبوله من زهرة الدُّنيا من الدُّور والعقار وغيرها، مع أن يده العليا في ذلك، وكان يقول: أعظم مفسَدة في طلب العلم الخروج من صنعاء للخريف. ومن حسن خلقه الكريم مخاطبته للكبير(1) والصغير بيا أخي، وكان للطلبة في الغاية من اللطافة وهم له في غايَة المهَابَة، وكان إذا سأل المبتدئ سؤالاً ركيكاً وجهه [له](2) بأحسن(3) توجيه، وقال: مراد أخي فلان كذا وكذا. وأمَّا ذكاؤه وحفظه فمِمَّا لا يختلف فيه اثنان. وأمَّا بلاغته فقد عُرِفَتْ في خطبه ورسائله وفتاويه ومحاورته أشعاره. ومن جملة شعره تبرّكاً بذكره نقلته من خطه قاله في آخر مدَّته:
يا ربّ إني ضعيف ... لا ذخر عندي ولا زاد
وقد قصَدتك ضيفاً ... فاصنع معي صنع الاجوَاد
ومنه:
رَفعَ الله المصطفى جنَّة الخلد ... وأبقَى لنا ذوي الفضل آله
فهم الإِنس بل هم الإنس كل الإنس لا أوحشوا على كلِّ حاله
/76/ ومنه:
يا سَادَتي لي عليكم ... في كشف ضرِّي مُعوَّلْ
وقد علمتم منَ الحال ... (المختصَر) و(المطوَّلْ)
ومنه:
يا سيدي لي إليك حاجة ... وعندكم تكره اللَّجاجة
فأنجزوني بما وعدتم ... ولا يكن وعدكم (إزاجة)
ومنه:
صُرِفْتُ عن بابك يا سيدي ... ظلماً وإبراهيمُ لا ينصَرفْ
يا عجباً للدَّهر في حكمه ... هل من مَجير منه أو منتصفْ
يمنع منعاً طالبٌ(4) للهُدى ... منكم ويحظى بكم المنحرف
ما سمِعَت أذناي(5) ببحرٍ غدا ... يمنع منه من أتَى يغترِف
__________
(1) في (ب): للصغير والكبير.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): أحسن.
(4) في النسخ: طالباً، والصحيح طالبٌ، نائب فاعل.
(5) لعل الصواب: أذني لئلا يختل الوزن.
ومن شعره:
إليك علوم العقل منظومة على ... مراتبها فاتبع بها الرسم بالقلمْ
فعِلمٌ بحالِ النفس ثُمَّ مشاهدٌ ... بَديهتُها والحصرُ في سائر القسمْ
تَعلُّقُ فعلٍ فهمُ قصدِ مخاطبٍ ... جليٌّ أمُورٍٍ فاستَمع نظمَ من نظمْ
وثامنُها علمُ اختيارٍ وتاسعٌ ... به ميّز الإحسان عن ظلم من ظلَم
وآخرُها علمُ التواترِ رُتبةً ... بها كملَ المقصودُ من حصرها وتمْ
[استطراد ذكر عيسى بن لطف الله]
قلت: نظم علوم العقل ما كان من نظم السيد بديع الزمان عيسى بن لطف الله مؤلف (روح الروح)(1) في التأريخ، وهو تأريخ بديع ألَّفه للوزير محمَّد، لكنه جعله لدَولة الأروام صورة، وهو لأهل بيته آل الإمام شرف الدين حقيقة، ونحا فيه نحو (قلائد العقيان) من التسجيع، وكان هذا السيِّد آية من آيات الله في آدَابه وحفظه ومفاكهاته، كل من أدرك عصره من الفقهاء والنبهاء يُروي عنه غرائب وعجائب، وكان من أحفظ الناس للتواريخ (والماجريات)، وطال عمره، وكان في آخر عمره مع المولى شرف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد، وكان سلوة الهموم وجلوة الغموم، ازدادت أيام المولى الحسن حسناً، وارتفعت صفاتها الحسنَى بحسن الأداب(2)، وكان لا يجر على أحد ضرراً مع تمكنه، وكان علمه حقيقة التنجيم والاصطرلاب، والذي جرَّ إلى ذكره أنه كان يلبس لباس الأمراء والكبراء من أصحاب الدَّولة من الجوخ وغيره، فمرَّ ببعض الطلبة بشهارة، فتكلموا في شأنه فقال بعض الطلبة: كأني به ما يعرف علوم العقل فنظمها أرجوزة، فقال:
وضعتُ شيئاً للثقاة البررة ... نظم علوم العقل تلك العشرة
/77/
أوّلها يا جعفر بن عيسى ... لقيت خيراً ووُقيت بُؤساً
__________
(1) كتاب روح الروح فيما حدث بعد المائة التاسعة من الفتن والفتوح، وهو كتاب في تاريخ اليمن من سنة (965ه)، (انظر عنه كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ج (739 - 740).
(2) في (ب): الأدب.
علمي بنفسي في الطوى وفي الشبَعْ ... كذاك في الصحَّة أو وقت الوجَعْ
بَديهَةٌ: فخمسَةٌ في العددِِ ... أقل من عدَّة عشر فاقتدي
وخبرةٌ: كسر الزجاج بالحجر ... فاعلم بهذَا نلت غاياتِ الوطر
مُشَاهدٌ: هذا(1) السماء فوقنا ... والأرض ذات الصَّدع صارت تحتنا
دائرةٌ: زيد غدا في الدَّارِ ... أم خارجُ الدَّار فلا تمار
والقصدُ: في معرفة الخطاب ... في الابتدا منه وفي الجوابِ
تواترٌ: كمكة(2) في الأرض ... وقصْدُها من لازمات الفرض
جَليُّ أمرٍٍ: علمُه بما أكَل ... وقت الغداء والعشا وما فعل
الحسنُ: الصِّدقُ من الإنسان ... كذا القبيحُ: الكذبُ باللسّان
ولمَّا مات رثاه مولانا العلاَّمة محمد بن إبراهيم بن المفضل بن علي بن الإمام شرف الدين وأحد علماء المعقول والمنقول وبقيَّة الزمان - أدام الله إسعاده - فقال:
ورْقَاء بانات اللوى والأجرعِ ... لفِراق خيرَ بني الْهُدَى نُوحِي معي
نجمٌ ثوى ما كنت أحسب قَبله ... أن النجومَ تغيبُ تحت اليرمِع(3)
ما كان يقصر عن بلاغة لفظه ... (قُسٌّ) (4) ويعني في الرواة (الأصمعي) (5)
وإذا تكلَّم ناظماً أو ناثراً ... فالْمُوسَويّ(6) لديه عيُّ مُدَّعي
عيسى بن لُطف الله زينة وقته ... وحفيد من أزرَى بنحب وتبع
وهي طويلة توفي في [سنة1084ه ومولده سنة 986 ه ] (7).
__________
(1) لعلها: هذي.
(2) في النسخ مكة، والصحيح ما أثبتناه لأجل الوزن.
(3) اليرمع:
(4) قس بن ساعدة الأيادي، المتوفى نحو سنة 23 قبل الهجرة، من حكماء العرب وكبار خطبائهم في الجاهلية (الأعلام 5/196).
(5) عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي [122 - 216 ه ] أحد أئمة اللغة والأدب (الأعلام 4/162).
(6) لعله الشريف الرضي.
(7) ما بين المعقوفين بياض في النسخ، وهو زيادة من كتابنا (أعلام المؤلفين الزيدية).
ولنعد إلى تمام الترجمة الشريفة للقاضي العلاَّمة صارم الدين، قال وَلده: من كرامَاته أنه حفظ القرآن غيباً في شهر في سنِّ الكهولة، كان يُسْمِعُ له أخوه أحمد كل يوم جزءاً، فلمَّا ختم أضاف الأصحاب فقال له والده: ما هذه الضيافة يا إبراهيم؟ فقال: قل للوالد يا أخي أحمد، فقال: ختم أخي غيب القرآن فبكى - قدس الله روحه - من السرور.
يا عين صار الدمع عندك عادة ... تبكين في فرحي وفي أحزاني
هذا وابتلي قدّس الله روحه في آخر مدَّة بولاية القضاء بمدينة صنعاء في أواخر خلافة مولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله وأوائل خلافة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم - عادت بركاتهم - واستمرَّ عليها إلى وفاته قدر عشر سنين، فأوَّل دخوله في ذلك أصابه من الاهتمام والاغتمام، ما حرمه الهجوع ونفى عنه المنام، /78/ وترك لأجله أياماً وليالي الشراب والطعام، وكان إذا دخل المنزل لا يغلق بابه لاشتداد الغمِّ، وحين علم الله حسن نيته وصلاح طويته أفرغ عليه الصَّبر، وشرح منه الصَّدر، ويسَّر له الأمرَ، فنهض بذلك العناء نهوضاً أنبأ عن علم غزير، وورع كثير، وكمال كبير(1).
__________
(1) في (ب): وورع كبير وكمال كثير.
وكان يقول: (القضاء صناعة العلم جزء منها)، وكثيراً ما كان يطيل مجلس الحكم حتى إنَّه ربما جلس مجلساً واحداً من بُعِيْدِ الشروق إلى قُبِيْلِ الغروب، ومع اشتغاله بهذا التكليف قلباً وقالباً ما ترك التدريس، بل كان لا يخلو عن ثلاثة أربعة دروس، وأمَّا في أيامه الخالية التي أسلف فيها أعمَاله الزاكية، فقد كان يجمع فوق العشرة الدُّروس درساً وتدريساً، وحين مرض مرَضَ الوفاة وعليه قراءات إحداها في (منهاج القرشي)(1).
هذا ما سنح من أحواله رحمه /79/ الله تعالى على وجه الاختصار، ولفظ (السحولي) ليس كما يظنّ إلى الجهة المعروفة، وإنما سببه أنه وَلِد والده يحيى بن محمد في يوم وصول قافلة من السحول فأطلق عليه هذا اللفظ لهذا السبب، ثم غلبت حتَّى كادت تنسِي النسبَة الحقيقيَّة، وهي (الشَجَرِي) - بالمعجمة والجيم مفتوحتين والمهملة - نسبة إلى (بني شجرة)(2) بطن من (عنس)(3) الحي المعروف باليمن من مشارق ذمار.
قلت: وفي علماء مقري من يتسمَّى بالشجري وهوَ (……)(4).
__________
(1) منهاج القرشي يسمى كتاب: منهاج التحقيق ومحاسن التلفيق، ويسمى أيضاً: المنهاج تقويم الاعوجاج، وهو من الكتب المعتمدة في أصول الدين، ومؤلفه هو القاضي العلامة يحيى بن حسن القرشي المتوفي سنة 780ه، (عن الكتاب ومؤلفه انظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص 1097 - 1098.
(2) بنو شجرة: بلدة في عنس شرقي ذمار، إليها ينسب بنو الشجري (معجم المقحفي ص: 345).
(3) عنس: بفتح العين ثم سين مهملة، ناحية واسعة غربي ذمار بمسافة 41 كيلو متر، تبعها الأخباريون إلى عنس بن زيد بن أدد بن زرعة بن سبأ الأصغر، وهي من المناطق الغنية بالآثار القديمة (انظر المصدر السابق ص 468).
(4) بياض في النسخ جميعها.
وأقول بعد هذه الترجمة الشريفة: من كرامات هذا القاضي - عادت بركاته - هذا الولد العلامة الفارس في علوم الاجتهاد، فإنه الآن عين الوجود بصنعاء، وهو خطيبُها، وهو ينحو بتأديتها نحو والده، ويقتفيه، والولد كما قيل سر أبيه، وهو مدرس في الأصولين والنحو والتصريف والمعاني والبيان والتفسير والفقه، وله النظم البديع والروض المريع، وله كل معنىً عجيب أينما توجَّه في معاني الشعر، ومن أراد الإشراف على شريف صنعته فعليه بتلويح المشوق، وله إليَّ - حفظه الله - جملة قصائد، ومن شعره إلى بعض إخوانه:
أعيدَا لسَمعي ما حلا لي وما مرَّا ... أحاديث حالٍ كنتُ فيه وقد مرَّا
زمان تقضَّى بالأماني والمنى ... ولم يبق لي ممَّا ذكرت سوى الذِّكرى
بسفح اللِّوى عصر الصَّبابة والصَّبا ... سقى الله ذاك السفح والناس والعصرا
مضى ومحيّا العيش أبيض مشرقٌ ... كأنِّي به قد كنت في الجنَّة الخضرا
أجرّ ذيول العجب من خفض عيشتي ... كأني في مُلكٍ وفي رفعَةٍ كَسْرَى
يُطاوعني دهري إذا ما أمرته ... ويقسم أني لستُ أعصِي له أمرا
وهي طويلة، وكم أعدُّ من فرائده - أدام الله أيامه وكثَّر أمثاله -(1).
__________
(1) حاشية في (ب): ذكر القاضي العلامة محمد بن إبراهيم السحولي عافاه الله ورحمة الله وبركاته عليه: كانت وفاته يوم …… في شهر …… من سنة 1110 ه بمحروس رداع في مقبرة العابد، وبجواره القاضي حسن الثلائي - رحمه الله - وذلك في أيام مولانا أمير المؤمنين الناصر لدين الله محمد المهدي، وكان مقيماً لديه وملازماً حضرته، حتَّى توفاه الله سبحانه قدس الله روحه.
إبراهيم بن يحيى الثائي [ - ]
الفقيه الفاضل، إبراهيم بن يحيى الثائي. كان من العلماء المبَّرزين /78/، مدَرساً، حافظاً للشريعة، تَخرَّج عليه فضلاء، منهم السيد صارم الدِّين - رحمه الله - وظني أن والده هو العلاّمة يحيى بن محمد الثائي المرادي المذحجي، شيخ الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ولعَلَّ هذه النسبَةَ بالمثلثة بعدهَا ألف ثم هاء، وهي من بلاد العَرش(1) من أحسن البلاد وأطيبها، وهي بلاد رداع.
إبراهيم بن يحيى بن المتميز [ - 1037 ه ]
إبراهيم بن يحيى بن المتميز الصعدي، كان من عباد الله الصَّالحين وأهل التقوى والخشوع، مدرساً وقلَّ ما دخل أحد من الطلبة في أيامه إلا ودرس عليه، وكان كثير التبسُّم، ثُمَّ يبكي بعد ذلك بكاءً شديداً، وكان حليفاً للقرآن مع كثرة البكاء عند التلاوة، حتى إنه روي أنه كان في آخر عمره يقرأ كل يوم ختمة - رحمه الله - وله أولاد نجباء منهم محمد بن إبراهيم، كان على منهاج والده فاضلاً مدرّساً بسَّاماً خشوعاً - رحمه الله - توفي - رحمه الله - في شهر رجب سنة سبع وثلاثين وألف.
إبراهيم بن يحيى بن محمد [ - ]
الفقيه المحقق إبراهيم بن يحيى بن محمد بن حسن بن حميد بن مسعود المقرائي بلداً، الحارثي المذحجي نسباً، كان علامة في الفروع والفرائض مشارفاً على غيرهما، وكان محققاً لعلوم الفرائض والجبر والمقابلة، أخذ عن والده المحقق خاتم الفرضيِّين يحيى بن محمد الآتي ذكره، وقرأ عليه العلماء خاصَّة في هذا الفن الشريف، وتوفي في …… وقبر (بجربة الرَّوض) - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) العَرْش: عزلة من ناحية رداع في الجنوب منها (المصدر السابق ص ص438).
إبراهيم بن يحيى بن عبد الله [ - ]
الفقيه الفاضل إبراهيم بن يحيى بن عبد الله بن أبي النجم قاضي صعدة وحاكمها، ومفتيها وعالمها، قال بعض من ترجم له: كان بصعدة يشد(1) إليه الرحال، ويضرب أكباد الإبل إليه العيونُ من الرجال، كان في رأس سبعمائة من الهجرة النبوية، وجه صعدة وعينها، وغرَّتها الشادخة وزينها، ممدحاً بالشعر الغالي السعر، ومن جملة ما قيل فيه عند بنائه الذي أعرب عن السعادة، وجرى في مجاري اليُمن على أحسَن عادة، ما يذكر بما قيل من التهاني، إلى ابن سهل الحسن بن هاني فقال بعضهم:
يَا لهَا من مسرَّةٍٍ ونعيمٍٍ ... وسُرورٍ وطالعٍٍ مستقيمِ
فبِها صعدَةُ أنارت رُباها ... واستَطاب السرورُ طيبَ النسيمِ
وتغَنَّى الحمامُ شجواً وبشراً ... بمسرَّات ذي الفخارِ الصَّميمِ
ابن يحيى الجوادُ تربُ المعالي ... الحليمُ العليمُ نجلُ العليمِ
الحسيبُ النسيبُ عمّاً وخالاً ... الكليمُ الكريمُ سبطُ الكريمِ
أشرفُ النَّاسِ عُنصراً وفخاراً ... ومحلاًّ من حادثٍٍ وقديمِ
هوَ غيثٌ إن ظنَّ غيثٌ غياثٌ ... للحيّ وغوثُ قلبِ اليتميمِِ(2)
وحِمامُ العداةِ سُمُّ الأعادي ... ومرَامُ (العُفَاةِ) مُغْنِي العديمِ
ذو حفاظٍٍ وعفَّةٍٍ ووَقَارٍٍ ... وسخاءٍٍ ورَبٍُّ دين قويمِ
/80/ حاكمٌ حكمهُ على الناس حتمٌ ... أعدَلُ الناسِ عن يدٍٍ في الخصُومِ
ثاقبُ الفهمِ ثابتُ العزمِ ركنٌ ... كلُّ يومٍ ملابسِ التعظيمِ
ومنها:
يا مدَاوِي الكلومِ يا سِبْطَ يحيى ... يا كريمَ الأكُفِّ بحرَ العلوم
يهنك العرسُ يا كريمَ المحيَّا ... يا عزيزَ القضاة(3) يا ابن الزَّعيمِ
يا بني النجمِ قد علوتُم وطلتُم ... بالمعالي على رؤوس النجومِ
عَقُمَ الدَّهرُ ما أتى بكرامٍٍ ... مُذْ نشأتم ولم يكن بعقيم
فإليكم ألوكة(4) ذات نظمٍ ... كاللآلي من الصديقِ الحميمِ
__________
(1) في (ب): تشد.
(2) عجز البيت غير موزون.
(3) في (ب): يا زعيم القضاة.
(4) هكذا في النسختين.
وقال الفقيه الجليل علي بن زيد بن علي بن قرَّة:
أحسِن بمعهد (رامَةٍ) من منزلٍِ ... وبعيشنا الماضي القديم الأوَّلِ
ومعاهد الغِيدِ الأوانسِ والدُّمَى ... يمشين بين (مُدَملجٍ) ومَخلخَلِ
ومن(1) سقاهن (العهادُ) بصوبه ... من كل عاد في السحابِ مجلجل
يا راكباً إمَّا عرضت فبلغاً ... منّي السَّلام على الجواد المفضل
وانزل بإبراهيمَ فخرِ زمانِه ... الماجد ابن الماجد ِ المتطوّلِ
غصنٌ نما في دوحَةٍٍ قضويَّةٍ ... أغصانُها فوقَ السّماكِ الأعزَل
ومفاخرٍٍ ومكارمٍٍ شرفُوا بها ... إرثاً من النجم الكبير الأوَّلِ
فرووا شريعة أحمدٍٍ وعلومِه ... بعليّ اسنَادٍٍ نَمَوْهُ إلَى عَلي
ولاهمُ عمر القضا فكساهُم ... ثوباً قشيباً في القضاءِ فما بَلي
فهمُ نجوم الأرضِ في غسقِ الدجَا ... يحمونها من ملحدٍٍ ومُعطِّل
__________
(1) لعلها: وبمن ليستقيم الوزن.
وسماحةٍ ورجاحَةٍٍ وعدالةٍٍ ... طَالت على فلك العلومِ الأطولِ
وليُهنهم عرسٌ لهم في ضمنهِ ... شرفٌ أبرَّ على المعادي والولي
عُرسٌ ملائكةُ السماءِ شهوده ... والناسُ بين مكبِّرٍ ومهَلِّلِ
ومسرّة علمَ الزمانُ بأنَّها ... زارت على شرطِ السرور الأكملِ
فلأنتم ساداتُ أهل زماننا ... المنعمُون على الزّمان (الْمُمحل)
وبدُورُ علمٍ لا تغيبُ ومعشرٌٍ ... غيثٌ لسائلِ نائلٍٍ ومؤمِّلِ
ما زارهم للجود يوماً قاصدٌ ... إلاَّ وقُوبِلَ بالنوَالِِ الأجزَلِ
أيدٍٍ تفيضُ ببرها لوُفودها ... والكاشفون لكلِ خطبٍٍ معضَل
ومهابةٍٍ وسماحةٍٍ وعزَائمٍٍ ... يغنيك عن حد الحرار المنصل
/81/
ما زلتم في حفظ عيشٍ دائمٍٍ ... في نعمةٍٍ تترى وعمرٍٍ مقبلِ
وقال القاضي محمد بن يوسف:
مرحباً بالوصالِ بعدَ الصدودِ ... واتفاق بمرهفاتِ القدودِِ
فاترات العيونِ بيض التَّراقي ... باسمات الثغور زهر الخدودِ
إلى أن قال:
وأهنِّي فخر الهدى القاضيَ الندبَ حليفَ النَدَى (بخودٍٍ خرودِ)
غادَةٍ تنتهي إلى شرف الأصل ... وتزهُو على الغزال بجيدِ
ومنها:
هم نجوم القضاة قدماً لعمري ... (عُمَرٌ) قد أقامهم بشهودِ
والحر يريُّ في (المقامات) أثنى ... فيهم في كتابه المشهودِ
يا بني النجم أنتم أنجم الأرض ... وأهل السِّباق في كل جود
ولنقتصر على هذا القدر من ترجمته.
إبراهيم اليوناني ومحمد اليوناني [ - ]
[العلامة الفقيه إبراهيم اليوناني، وكذلك محمد اليوناني، كانا عالمين من عيون وقتهما، شهدا بيعة المتوكل على الله المطهر بن محمد] (1).
قال المصنف - رحمه الله تعالى -:
من اسمه أحمد
أحمد بن إبراهيم أبو العباس الحسني(2) [ - 353 ه ]
تاج الأمّة وسراج الأئمَّة، حافظ الشرائع ومفتيها، خافض البدائع ومفنيها، مطلع أشعَّة (المصابيح) ومظهر موازين التراجيح، ترجمان السنَّة، المعمل في الخصوم مواضي السيوف والأسنَّة، السيد الشريف، الإمام أبو العبَّاس، أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني - رضي الله عنهم - هو حجَّة لله باهرة، ومحجَّةٌ إليه ظاهرة،
__________
(1) هذه الترجمة موجودة في حاشية (ب).
(2) طبقات الزيدية خ الجداول خ، الفلك الدوار ص 103، اللآلئ المضيئة خ، ج 2/42، المستطاب خ، رجال الأزهار، أعيان الشيعة 2/465، التحف شرح الزلف 74 ، فهرس أسماء علماء الشيعة ومصنفيهم 21/34، معجم المؤلفين 1/136، طبقات أعلام الشيعة، نوابع الرواة 17، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (42) وانظر فيه بقية المصادر هناك.
له العلوم الواسعة، والمؤلَّفات الجامعَة كـ(المصابيح) (1) و(النصوص) (2) وغيرهما، والذي ألَّف من (المصابيح) هو إلى خروج يحيى بن زيد - عليهما السلام - والتتمَّة لأبي الحسن علي بن بلال الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى -.
قال علي بن بلال: كان الشريف أبو العبَّاس الحسني - رضي الله عنه - ابتدأ هذا الكتاب فذكر جملة أسامي الأئمَّة في أوَّل ما يريد (ذكر) خروجهم، فلمَّا بلغ إلى (ذكر) (3) خروج يحيَي بن زيد إلى (خراسان) حالت المنيَّة بينه وبين إتمامه، فسألني بعض الأصحاب إتمامه، فأجبت إلى ملتمسهم محتسباً للأجر، وأتيت بأسمائهم على حسب ما رتّب هو، ولم أقدِّم أحدهم على الآخر.
__________
(1) كتاب المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت، منه نسخة خطية بالجامع الكبير المكتبة الغربية رقم (79) تاريخ، وأخرى بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي، ونسختان بمكتبة السيد محمد بن حسن العجري، ونسخ كثيرة مصورة خطية، وهو تحت الطبع، بتحقيق الأخ/ عبد الله بن عبد الله الحوثي، تحت إشراف مؤسسة الإمام زيد.
(2) النصوص لم أجد له نسخة خطية، وقد ذكره المؤلف، والسيد يحيى بن الحسين في المستطاب، وسماه (شرح النصوص) وهو في مجلد.
(3) زيادة في (أ).
قال الحاكم - رحمه الله - في حقّه: هو فاضل عالم، يجمع بين الكلام وفقه الزيدية، وكان السيد أبو عبد الله بن الداعي في أول أمره اختلف إليه يتلقن منه مسائل الفقه، ثم خرج إلى فارس فأكرمه عماد الدَّولة علي بن بويه، ثم خرج إلى (بغداد) واختلف إليه السيدان أبو طالب وأبو الحسين، وبلغ أبو العباس في فقه الزيدية مبلغاً عظيماً، وله كتب في ذلك، وشرح كتب الهادي كـ(الأحكام) (1) و(المنتخب)، وله (كتاب في النصوص) وغير ذلك، انتهى كلام الحاكم.
قلت: شرحه (للأحكام) موجود، وأمَّا شرحه (المنتخب) فغير موجود، ولم أعرف (النصوص) له /82/، إلا أني رأيت له كتاباً في غاية الحسن مبوَّبٌ على أبواب الفقه يذكر فيه الخلاف بين القاسم والهادي وبين أبي حنيفة والشافعي ويورد الحجَّة، وإذا روى الحديث ساقه بإسناده، ويعبِّر فيه عن أبي حنيفة بالكوفي(2).
__________
(1) شرح أحكام الهادي، وقف عليه المؤلف، وقال يحيى بن الحسين في مجلدين: الأحاديث التي أوردها فيه مسندة كما روي.
(2) هو كتاب ما تفرد به القاسم والهادي - صلوات الله عليهما - دون الفريقين من مسائل الحلال والحرام وغيرها من الأحكام مخطوط، ضمن مجموع بمكتبة السيد المرتضى بن عبد الله بن علي بن عثمان الوزير، هجرة بيت السيد، وادي السر بني حشيش، في مجلد منزوع الغلاف.
ومن شيوخه عبد الرحمن بن أبي حاتم، والقاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي وغيره، وله تلامذة أجلاَّء - رضي الله عنه - واشتهر عند الناس أنه خال السيِّدين، وممن ذكر ذلك السيد(1) الإمام المهدي في ديباجَة (الغايات) في شرح قوله: أكابر الأئمَّة، والمشهور عند النسابين غير هذا، قالوا: أمَّ السيدين حُسَينيَّة وأبو العباس حسني، وهي أم الحسن بنت(2) علي بن عبد الله الحسني العقيقي، قال بعضهم: يحتمل أن يكون أخاً لأمهما من أمَّها، وفي (تعليق الفقيه يوسف) - رحمه الله - بعد أن ذكر أن أبا طالب صنَّف (التحرير): وقد أقام في الدرس والتدريس ثمانين سنة، وأنه دعا إلى الإمامة وهو شيخ كبير، وأنَّه كُنِّي أبا طالب بولد صغير أو كنية لا غير، وأنه قد روي أنه أكبر من المؤيَّد بالله، وأن علم أبي طالب كان عقداً وحصراً، وعلم المؤيَّد بالله كان نثراً، ما لفظه: وكان درسهما على أبي العباس وهو خالهما، وقيل: عمهما، ودرسا على قاضي القضاة عبد الجبار.
أحمد بن إبراهيم تاج الدين [ - ]
السيد العلامة، أحمد بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - كان فاضلاً، عالماً، مبرزاً، - رضي الله عنه -.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في النسخ: ابن.
أحمد بن إبراهيم الوزير(1) [862 - 916 ه ]
السيِّد العلامة(2)، أحمد إبراهيم بن محمد بن عبدالله الوزير - رحمه الله -. ترجم له صنوه السيد الجليل الهادي بن إبراهيم - رحمه الله تعالى - فقال: له معرفة تامَّة، وفصاحة، ورجاله، وكفاية لأهله ووجاهة (ورجاحة)(3) ونزاهة، وعلوّ منزلة، وشعر ومكاتبات حسنة، ومعرفة بالأساليب، وله عند الناس معرفة وحظ لا يكاد يتعسَّر عليه مطلب، وله همَّة عليَّة، ونفس أبيَّة، وعزيمة هاشميَّة علويَّة هادويَّة، وله حسب على جميع أهله ومن يتعلق به، وله نفع كنفع الملوك، ويُخاف ويُرجى، وسمع على أبيه في الفنون جميعها، ولكنَّه لم ينقطع إلى ذلك مع فراغه(4) والعلوم بالتكرار، وتكرر الأنظار، انتهى ما ذكره السيد جمال الدين.
__________
(1) تأريخ آل الوزير، طبقات الزيدية الكبرى، تحت الطبع، الجواهر المضيئة خ، تحت الطبع، أئمة اليمن 1/378، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (43).
(2) في (ب): السيد الجليل أحمد.
(3) زيادة في (أ).
(4) في (ب): بعد فراغه.
قال السيد العلامة، شمس الإسلام، أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله تعالى -: ولا بدَّ من زيادة يُعرف بها تأريخ وفاته وحاله بعد ذلك، مولده - رحمه الله - يوم الجمعة منتصف شهر محرَّم سنة اثنتين وستين وثمانمائة، ولم يزل - رحمه الله - على ما وصفه به صنوه - رحمه الله - من محاسن الخلال وجلالة الأحوال، ولمَّا سطعت أنوار الدعوة المنصوريَّة دعوَة محمد بن علي السِّراجي - صلوات الله وسلامه عليه - كان سيِّدي أحمد أوَّل من لبَّى نداءها، وأعظم الأركان الذي تشيَّد به هداها، ناصر وعاضد، ونابذ وجاهد، وجمع وحشّد، وجدَّ واجتهد، لا سيما أيام المحطتين على صنعاء المحروسة بالله، وقيام الإمام لحرب السلطان فإنه قام أتمَّ القيام، ونفع أتمَّ النفع، في حشد /83/ الجنود، وجمع العروض والنقود، وكان عند الإمام - عليه السلام - وعند العظماء من أهل تلك العصور والأعوام بالمحل المنيف والمنزلة العاليَة، وكان السلطان ينحرف عنه، ويبغضه لما سبق منه من السَّعي في حربه، ويتحامل على أهله بسببه، فلما نقل الأشراف من صنعاء نقله إلى (تعز)، فتعاورته الآلام، وتداولته الأسقام، وهو مع ذلك مقيم على التدريس في جامع تعز، ومنقطع إلى الإقراء وتحصيل الكتب بخطه، وكان والده السيد صارم الدين يَرق له، فأكثر شعره في أيام تلك المحنَة إليه، فمنه:
على أحمدٍ منَّا سلامٌ مضاعفٌ ... سلامُ خَليلٍ غابَ عنه خليلُه
وقفنا على نظمٍ أتى منه رائقٍ ... تضمَّن ما يُشفي القلوبَ فصُولُه
وبالغ في شكوَى تفرُّقِ(1) شملِنا ... وشقَّ به أمرُ البعادِ وهَولُه
__________
(1) في (ب): نفرق.
فاذهب عنه الله ذلك عاجلاً ... فقُوَّتُه تكفيه ذاكَ وحولُه
وما الأمرُ إلاَّ مثلما قال جَدُّه ... وقد راق في أسماعنا ما يقولُه
إذا كنتَ عبداً للإله ولازماً ... لنهج قويم مستبينٍ سبيلُه
ومالي إلاَّ أن يشاء مشيئةٌ ... كذلك قال الله ثم رسولُه
فقد نلت ما تَرجوه(1) منه بفضله ... وذُلِّلَ لي صَعبُ النَّوى وسهُولُه
فبشراي بعد اليَأس وهي خطيئةٌ ... بوجدان ما كان العُدول تحيلُه
وكم سائلٍ مولاه تفريج(2) كربَةٍ ... فأُعْطِي ما يَهوى ووافاه سُؤلُه
وله إليه - رحمه الله - عليهما:
كُلَّما هبَّت جنوبُ وصِبا ... من تعزٍّ زاد قلبي وصَبَا
وتذكرت أحيباباً بها ... لهمُ عامٌ بهاتيك الرُّبا
لم تزل أنفسنا تذكرهم ... مثلما تذكر أيام الصِّبا
ليت من عادت له أيَّامُه ... وحللنا في نواديه (الحبَا)
وشربنا منه كأساً مسكراً ... ولثمنا منه ثغراً أشنبا
__________
(1) في (ب): ما أرجوه.
(2) في (ب): تنفيس.
يا ليالينا التي قد سلفت ... وقضينا منه فيها عجبا
يا رعا كُنَّ إلهي كلَّما ... فرخُ قُمَريٍّ تغنَّى طرَبا
هل أراكنَّ لعهدي حُفَّظاً ... أم تناسيتنَّ ما قد ذهبا
واجتماعاً بالأحيباب معاً ... بُرهَة لم نلق فيها نصبا
ثم حال الحال منَّا بعدها ... بافتراقٍ مثلما أيدي سبا
/84/
لا يَرى الظاعن من بَلدته ... منه إن أُزعج عنها كوكباً
قد رضينا ما قضا الله لنا ... وبما قدَّر أو ما كتبا
ولعلَّ الله أن يُعطيَنا ... ما سألناهُ ويَقضِي الأرَبا
ويُديلُ البعد بالقرب لنا ... ويُهيِّيي منه سَهلاً طلبا
برسَولٍ صادِقٍ أرسلَه ... وبنيه الأكرمين النُّجبا
نحن منه بضعَةٌ صالحةٌ ... وهو لا ينجب إلاَّ طيِّبا
وكفانا شرفاً في قومنا ... أنَّنا نَدعُوه جداً وأبا
من دعى منَّا إليه يستجب ... وإذا يُدْعا إلى الغيرِ أبى
يعرف العاقل منَّا رُشْدَه ... ويُطيعَ الحقَّ فيما وجَبا
وله إليه قصائدٌ كثيرة(1) وأظنه سمع بتعزّ على علمائها شيئاً من كتب السنَّة، فقد وقفت على إجازات له منهم؛ وكانت وفاته - رضوان الله عليه - في اللَّيلة التي أسفر صباحها عن اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل أحد شهور سنة ستّ عشرة وتسعمائة، وقبر (بالأُجَيْنَاد)(2) مع من هنالك من الأشراف، - قدَّس الله أرواحهم -.
أحمد بن إبراهيم العراري [ - ]
الفقيه الفاضل أحمد بن إبراهيم العراري(3) - رحمه الله - ذكره السيِّد العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة(4)، وهو الرَّاوي للكرامة العظمى للإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - بسندها إلى الفقيه العلامة يحيى بن سعيد الشظبي أنَّه رأى في ورق الذرة مكتوباً ما لفظه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، يحيى بن حمزة إمام حقٍّ، أو قال: إمام عدل، شكَّ أحمد بن إبراهيم المذكور في اللَّفظ.
أحمد بن إبراهيم الميتكي
الفقيه الفاضل العارف أحمد بن إبراهيم الميتكي، كان عالماً، عابداً، - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) مجموع من أشعاره مخطوط بمكتبة السيد المرتضى عبد الله الوزير هجرة السد بني حشيش.
(2) الأُجَيْنَاد: هي مقبرة تعز (معجم المقحفي ص15).
(3) في (ب): الغزاري.
(4) لعله في كتابه المفقود سيرة الإمام يحيى بن حمزة وأولاده.
أحمد بن إبراهيم بن أحمد
الشيخ العالم، محيي المآثر والمعالم، غصن الفضل الباسق، وواسطة العقد المتناسق، أحمد بن إبرهيم بن أحمد بن عطية بن أخي الشيخ إسماعيل، كان شيخاً جليلاً وعالماً نبيلاً، وله تلامذة وشيوخ، ومن تلامذته السيِّد صارم الدين وغيره.
أحمد بن أبي الفضائل
الشيخ جمال الدين، أحمد بن أبي الفضائل بن أبي عبد الله السقرطي - رحمه الله تعالى - من زيديَّة الكوفة وعيُونهم، أخذ عن السيِّد تقي الدِّين أبي الغنائم ابن [……](1) بن أحمد بن أبي الفتوح الحسني، وأخذ عنه عدَّة منهم الشيخ محي الدين صالح بن منصور بن أبي الطاهر الخطيب بالكوفة وغيره. انتهى
أحمد بن الكني(2) [ - ق6 ه ]
الإمام الرحال الفقيه الكبير المقدم الشهير تاج الدين أحمد بن أحمد بن الحسن، وربمَّا قيل: أحمد بن الحسن البيهقي البروقني القادم من العراق /85/ إلى حوث سنة عشر وستمائة في زمن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - وسمع عليه المشيخة هنالك، وله سماعات منها على عالم الزيدية شعيب بن بيسنون(3)، وذكره أيضاً شعلة، وقال: يقال له: أحمد بن أحمد، وقد يقال له: زيد بن أحمد، فله اسمان حينئذٍ، وهو غير البيهقي الراوي لحديث صلاة التسبيح، وهو شيخ الإمام أحمد بن سليمان قدم اليمن سنة أربعين وخمسمائة، وستأتي ترجمته، وبيهق: قرى مجتمعة بنواحي نيسابور، خرج منها عدَّه علماء من أصحابنا - رحمهم الله تعالى - وغيرهم، وستأتي ترجمتهم.
__________
(1) بياض في النسخ.
(2) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/103 ترجمة رقم (34).
(3) كذا في النسخ، ولعله شعيب بن داستون.
أحمد بن أبي الحسن الكني [ - ]
الشيخ الإمام، الأستاذ الهمام، أبو العبَّاس، ويقال: أبو الحسن أحمد بن أبي الحسن بن علي القاضي الكني(1) - رحمه الله -. هكذا ذكر نسبه الشيخ عطيَّة وغيره، وذكر في نسبه غير هذا، وهو أنه قطب الدين أحمد بن الحسن بن أحمد بن أبي الفتح بن عبد الوهاب الكني الأردستاني(2) - بفتح الهمزة وسكون الرَّاء والدال والسين المهملات ثُمَّ مثناة من فوق ثُمَّ ألف ونون، نسبة إلى أردستان، بلد على ثمانية عشر فرسخاً من أصفهان.
كان من أساطين الملَّة وسلاطين الأدلة، وهو الغاية في حفظ المذهب، لقيَه بعض شيوخ اليمن بمكة، وأجاز لجميع من في اليمن شبيه ما فعل ابن مندة وغيره، ومن شيوخ الكني - رحمه الله تعالى - الشيخ أبو منصور عبد الرحيم بن المظفر بن عبد الرحيم بن علي الحمدوني الزيدي - رحمه الله - قراءته عليه في ذي الحجَّة سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، (وكنَّ) قرية من قرى (الري).
__________
(1) طبقات الزيدية القسم الثالث تحت الطبع، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمه (54)، رجال الأزهار الجواهر المضيئة تحت الطبع، لوامع الأنوار 1/295، إجازات المسوري خ، وفي أعلام المؤلفين. له كتاب: المناظرة بين المشرقي الاثني عشر مع المغربي الشيعي والرد عليهما جميعاً خ، 772ه في 30 صفحة ضمن مجموع مكتبة السيد المرتضى الوزير، وكتاب كشف الغلطات، ذكره بعض مترجميه.
(2) كنّ بالتشديد اسم جبل، وكنَّ أيضاً من قرى قطران، كما في معجم البلدان 4/484، وأردستان: مدينة بين قاشان وأصبهان أهلها كلهم أصحاب الرأي ولهم رساثيق كثيرة، وينسب إليها طائفة من أهل العلم في كل فن انظر معجم البلدان 1/146.
أحمد بن تُبَّع [ - ] (1)
العلامة الفقيه الكبير، أحمد بن تُبَّع، عالم كبير، مسكنه الهجرة من ظاهر (بلد بني شاور)(1)، وهو من طبقة العلامة الحسن الظهري الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - قال ما معناه: هذا أحمد، وله أخ غاب عني اسمه، اشتهرا بابني تُبَّع، تنعت الزيدية بذكرهما فتحسن، وبصفتهما فتجيد، وروى بإسناده عن مطرف ابن شهاب شيخ المطرفية، قال: كان بهجرة بني شاور (أخوان) من المسلمين يقال لهما: ابنا تبع، وكان أحدها يقال له: أحمد فأتاه بعض فقراء المسلمين فأعطاه شيئاً وهو ساهٍ، ثم ذكر أنه أعطاه من غير نيّة، فقال: تفضَّل يا أخي واردد عليَّ ما أعطيتك، فردَّه عليه والناس ينظرون إليه، فلمَّا صار في يده دفعه إلى السائل مرَّة ثانية، فأخذَه وانصرف، فعجب الناس بما صنع، وقيل له في ذلك، فقال: نعم أعطيته أوَّل مرَّة وأنا ساهٍ، فأردت أعطيه عن نية مني، فإنه قد جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى))، وكذلك في الحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((يا أبا ذر، وليكن لك في كلِّ شيء نيّة حتى في الأكل)).
__________
(1) لعل مصدر الترجمة طبقات مسلم اللحجي.
(2) بني شاور قرية وحصن في عزلة بني القدمي من ناحية لاعة، تقع شمال بني العوام من أعمال حجة، وبني شاور عزلة تابعة لناحية كحلان عفار، تتكون من حصن عزان وبيت قدم وبيت الظربي، هجر الأكوع 1/148.
أحمد بن أسعد اليمني [ - ]
الفقيه المنطيق، العارف العلامة، أحمد بن أسعد اليمني الزيدي(1) - رحمه الله تعالى - /86/ كان ذكاؤه شعلة قبس من تراجمة الحكمة، وله مقامات، وممَّا استحسنه من قوله، ما كتبه بعد أن فعل الأمير شمس الدين أحمد بن المنصور بالله القصيدة المشهورة إلى سلطان اليمن، فعارضه المذكور وبلغني عن بعض شيوخي أن هاتين القَصيدتين أرسل بهما إلى العراق؛ لأنه بلغ العلماء باليمن أن الأمير شمس الدين راسل أهل العراق وتجرَّم(2) من حجّة الله عليه الإمام المهدي، فخشي العلماء أن تقدح الشبهة في قلوبهم على بعد الشقة فأرسلوا بقصيدة الأمير وعراضها، ليعلموا أن الأمير قد انحط عن ذروته، وتهافت بالوفادة إلى سلطان اليمن التركماني المعروف بالغسَّاني، وقضية نزول الأمير إلى اليمن: أنه بعد أن كان ما كان من تلك الأمور الموجعة والنكوص على الأعقاب - نسأل الله السَّلامة - نهض الأمير شمس الدين فيمن معه قاصداً(3) إلى مدينة (زبيد)، وهنالك السلطان، فلما هبطوا (نقيل صيد) علم السلطان بإقبالهم إليه، فأمر بإنصافهم في الطرقات، وساروا حتى بلغوا زبيد لأيام دون نصف شهر، فلمَّا علم بهم السلطان خرج من مدينة زبيد في لقائهم، وقد كان أمر جنده وأهل تلك النواحي بلقائهم إلى جانب الطريق، وعظَّم شأنهم، ورفع في أعيان الناس مكانهم، فلمَّا التقى الأمير شمس الدين رحَّب به، وعظَّمه، وأمر له بالمضارب والخيام، وأمر بالسماطات والألوان الأنيقة إلى محطتهم وهي خارج الباب المسمَّى بباب الشبارق، وأقام
__________
(1) حاشية في (ب): لعل محل هذه الترجمة بعد ترجمة أحمد بن أسعد المفسر، وهي الثالثة منها، قلت: وأحمد بن سعد وردت بعض قصائد في سيرة الإمام المهدي أحمد بن الحسين خ، وفي اللآلئ المضيئة للشرفي، وكلاهما تحت الطبع والتحقيق، وفيهما وفي غيرهما من كتب التأريخ الفترة قصة نزول أحمد بن عبد الله بن حمزة إلى سلطان بني رسول.
(2) وتجرَّم: تبرَّم واشتكى.
(3) في (ب): قاصدين.
الأمراء عنده تنقل الكرامات المختلفة، ولم تمض إلا الليالي القلائل حتى عرضت لهم الحمَّى الوبائية فلم يبق منهم إلا القليل، فتوفى منهم الأميران جعفر بن عبد الله بن الحسن بن حمزة، وأحمد بن جعفر بن الحسين، وجماعة من أجنادهم وأخدامهم، ثم إن السلطان لمَّا رأى ما نزل بهم خلا بالأمير شمس الدين، وراجعه فيما لا بدَّ لهم منه، ثم أمر للأمير شمس الدين بنيف وأربعين ألف دينار من الدَّنانير الملكية، كل دينار أربعة دراهم، كل درهم ثلثا قفلة، وأمر لهم جميعاً بالكساء النفيسة، وخصَّ البعض بشيء وحده، وأمر معهم بعصابة من جنده، فصدروا عنه شاكرين لإحسانه، وكان السلطان يأمر له بالافتقاد والملابس حالاً بعد حالٍ، وكتب الأمير شمس الدِّين هذه القصيدة إلى السلطان يستنجده، وإليها يسَاق الحديث هذا بطوله، فقال:
لعلَّ الليالي الماضيات تعودُ ... فتبدُو نجوم الدَّهر وهيَ سُعُود
عفى منزل ما بين نعمان واللّوى ... وجرت به للرامسات برود
وكانت به العين الغواني أوانساً ... فأضحت به العين الوحوش ترود
مجرُّ أنابيب الرماح ومبتنى ... قباب ظبا ريقهنَّ برود(1)
/86/
__________
(1) العجز غير موزون.
فيا دارنا بين العيينة والحما ... هل الرَّوض روضٌ والزرود زرودُ
وكيف بمن أضحى ظفار محلَّه ... ومن بات قد حالت عليه زبيدُ
هوايَ بنجدٍِ والْمُنَى بتهامةٍ ... متى يلتقي بالمتهمين نجودُ
وإن امرءً تبقي مواثيق عهدِه ... على مثل ما لاقيتهُ لجليدُ
فهل لجنوب الريح أن تلثم الثرى ... بنشر تحيَّاتٍ لهنَّ صعود
على أربعٍ بين الصعيد وصعدة ... وبين (براشٍ) لي بهنّ عهود
مشاعر حج الطالبين فلا إذاً ... قريبٌ ولا نجح الرجاء بعيد
كَرُمْنَ فلا يخشى الغوائل عندها ... مبيتٌ ولا يخشى الهَوانَ طريد
ملاعب أمهَار الجياد ومنتهى ... مجامع لا تشقى بهنَّ وفود
وأبراج أشباه المها في كناسها ... عليهنَّ من نسج العفاف برود
نعمنا بها أيام لا البغي نافث ... بنار، ولا بين الرجال حَقُود
ظلاليَ فيها للورى غير (قالصٍ) ... وبرِّي حوضٌ لستُ عنه أذود
وقَوميَ يوم الرَّوع جنْ(1) وفي الندى ... بحورٌ وحلمٌ كالجبال ركودُ
فنحن نطولُ الشهبَ عزّاً وتنتهي ... إلى الأفق أيدينا ونحنُ قعودُ
إلى أن دعا داعٍ إلى البغي في الورى ... وأعلن منهم كاشحٌ وحسود
ودلَّ عليَّ الحلمُ قومي وانتشت ... ممالك لم تنظم لهنَّ عقود
وأنكر إحساني الذين جلودهم ... عليهم إذا استشهدتهنَّ شهود
لقد كفرتنا الناس كلَّ صنيعة ... كأنَّا نصارى مِلَّةٍ ويهودُ
وكم مات من قومٍ فحيوا بحلمنا ... وكم أخلفت سحبٌ وَنحنُ نَجُودُ
بسطنا على العربِ المكارمِ بسطةً ... لنا أبطرَتْهم والضَّلولُ جحودُ
ولمَّا صبرنا ظنَّت الناسُ أننَّا ... على كل خسفٍٍ سادرون هجودُ
ولما قصدت الملك ذا التاج يوسفاً ... علمت بأن الهم ليس يعودُ
دعوت فلبَّاني فتى لا مزيد ... ملولٌ ولا واهي اليدين بليدُ
ومالي لا أزجي الركاب إلى ذرى ... به الشهب شهبٌ والصعيد صعيدُ
أعان وأعداني على الدَّهر من له ... مكارمُ لا يُحصى لهنَّ عديدُ
وألقَيت كفِّي في أناملَ لم تخن ... عهوداً ولم تُخلف لهنَّ وعودُ
وما ابن أبي حفصٍ بدون الذي دعا ... به الحميري الملك وهوَ فريدُ
/88/
أعاد إليه ملك غمدان وابتنى ... مفاخرَ في الدنيا لهنَّ خلودُ
مكارم سنَّتها الملوك ويوسفٌ ... لآثار ما سنَّ الملوك يشيدُ
صبرت على حمل العظائم فانتهت ... إليك العُلا إن الصبُورَ سعيدُ
فسوحُك مقصودٌ وكفُّكَ قاهرٌ ... وجندُكَ منصورٌ وأنت حميد
وفي كلِّ يومٍ أنت تبدُو على العدا ... بخطبٍ وتُبدي بالندى(2) وتعيدُ
سبيل فتىً لا العيش يطرق همّه ... ولا الموت مما يتقيه يحيدُ
ويعلم أن الدهرَ ليس بدائمٍٍ ... وأن خلودَ المكرماتِ مفيدُ
أنخنا بك(3) الآمال وهي ركائبٌ ... لأرسانها لطف الإله يقودُ
__________
(1) لعلها: جنٌّ
(2) في (ب): في الندى.
(3) في (ب): لك.
وقد كنتُ عرَّيت الرَّكائب برهةً ... وأطرقتُ حتَّى لا يقال: مُريد
وداويت لابن العم داءً وجدته ... على الخطبِ ينمُو خطبُه ويزيد
فأدنيت من أمواج بحرِك لُجَّة ... أصولُ بها فيهم معاً فأبيدُ
وحفَّ بسرحي العرب والعجم واغتدى ... بعزك ركني اليوم وهو شديدُ
كذا يستعين الحُرُّ بالحرِّ واثقاً ... بربٍّ له كل الملوك عبيدُ
بمن بشَّرَ المظلوم في كلماتهِِ ... بنصْرٍ له أهل السماء جنودُ
إذا أمطرت منّا ومنك سحابةٌ ... لها الدَّم قطرٌ والصليل رُعودُ
تولَّت أسودُ الغابِ وهي فرائس ... وظلت جبال الأرض وهي تميدُ
ولما اشتهرت هذه القصيدة وما تضمنته من الرموز والكنايات أجاب عنها الفقيه الأجل العالم أحمد بن أسعد اليمني المذكور، فقال:
منازل فيها(1) قائمٌ وحصيدُ ... قفارٌ بها عوذ الوحوش هجودُ
وآثارهم بين العيينة والحما ... عليهنَّ من نسج العقاب برودُ
ولم يَبق ما بين الصعيد وصعدةً ... أنيسٌ من الحيِّ الذين تريدُ
ينوح عليها المترفون فوُجدهم ... إذا ذكروا تلك العهود جديدُ
ويبغون في الدُّنيا خلوداً وجنَّةً ... وليس لحيٍّ في الحياة خلودُ
يوَدُّون من فرط الصَّبابة والأسى ... لو انَّ الليالي الخالياتِ تعودُ
قضى الله أن تَفْنَى الديارُ وأهلُها ... وردَّ الذي يُفني القضاءُ بعيدُ
تبدَّلَ شمس الدينِ بعد يقينِه ... من الرَّيبِ مالا يرتضيه مجيدُ
ولما دعا داعٍ إلى الحق صادقٌ ... سرت فيه أضغانٌ له وحُقُودُ
ووالَى عليه الكافرين ولم يزل ... لكل إمامٍ كائدٌ وحسُودُ
/89/
وفي صونه(2) ما زال يعمل كيده ... ومن كايدَ الرحمن فهو مكيدُ
فأهلك أخيار الوَرى وهُداتهم ... كما فعلت بالأنبياء يهودُ
وكم نالت الأحياء منهم فبعضهُم ... قتيلٌ وبعضٌ في البلاد طريدُ
وشاد مع الكفار مهدوم دينهم ... وهدم ما كان الهداةُ تشيدُ
__________
(1) في (ب): منها.
(2) في (أ): وفي (صوته)، وفي حاشية على (أ): (منونه)، وفي (ب): في مندنه - بدون نقاط وغير واضح.
ومالت(1) به الأهوا شمالاً وإنَّها ... لعارٌ عليه والذَّوائبُ سودُ
فكيف بشيخ قد حنى الدهر قدحه ... كفى ذائداً بعد المشيب يذودُ
وما انفك يقتاد الجنودَ لقائمٍ ... كريمٍ له أهلُ السماءِ جنودُ
إمامٌ دعا بالحق لمَّا تنكرت ... رسومُ الهُدى وانهدَّ منه مشيدُ
إذا سار سار النصرُ أو صال صولةً ... غدت عدنٌ مرعوبةٌ وزبيدُ
فساد الورى طُرّاً غلاماً ومثلُه ... إمامٌ لأولاد البتول يسودُ
وأضحى زمامُ الملكِ بين أناملٍٍ ... له كغوادي المزن حين يجودُ
ودانت له الأملاكُ قسراً فمنهم ... شقيٌّ ومن شاء الهُدى فسعيدُ
وطرَّد شمس الدين كل مُطرّدٍ ... فأمسى بأطرافِ البلاد يرودُ
وأصبح يرجي(2) الأرحبيات وافداً ... خميلاً كما يزجي الركاب وفودُ
يحن إلى سوح المظفر مُولَعاً ... بتقريضه حتَّى يقال لبيدُ
وحفَّت به غلفُ العلوجُ وحولُه ... دنانٌ وأوتارٌ تَرُنُّ (وغيدُ)(3)
فمن مبلغاً عنِّي الأميرَ وحزبَه ... لقد مرَّ نهجاً ما اقتفاه رشيدُ
وكاثرَ ما قد شاءَه لوليِّه ... مليكٌ له كلُّ الملوكِ عبيدُ
(وأعْوا) (4) رجالاً من قريش كأنهم ... إذا شجَّرت سُمر الرِّماح أسودُ
بها ليل من آلِ النبيء عليهم ... سرابيلُ من نسج الحديد سرُودُ
وقد كان يرجو من بنيه مشيعاً ... فأدَّى القضا ما كان عنه يجيدُ
فيا ليت شمس الدين أمسى محلُّه ... ببلقَعَةٍ يحوي عليهِ لُحودُ
ألم يأنَ أن تخشى القلوبُ وتتقي ... سعيراً له صُمُّ الصخورِ وقودُ
وأن ينتهي أهلُ النهى عن جرائرٍ ... عليها رقيبٌ لا يضلُّ عتيدُ
ويكفي بني الزَّهراءِ أنَّ نحوسَهم ... لقائمهم لو يعلمون سعودُ(5)
وأن قتيلَ الظالمين معَذَّبٌ ... وأن قتيلَ المؤمنين شَهيدُ
/90/
وأنَّ لهم فيه سموّاً وعزَّةً ... يدين لها نافي الإله جحودُ
إمامكمُ المهديُّ حقًّا وإنه ... لأكرَمُ من تهفو عليه بنودُ
__________
(1) في (ب): ومرَّت.
(2) لعلها: يزجي.
(3) في (ب): وعود.
(4) في (ب): وأغوى.
(5) في (أ): سعيد.
له شرفٌ يعلو الورَى وجدُودُه ... لكم حين تعداد الجدود جدودُ
تقيٌّ نقيُّ العرضِ قد تعلمونه ... بكسب المعالي مبدئٌ ومعيدُ
لأهل التُّقى منكم شفاءٌ ورحمةٌ ... وللضِّد منكم علقمٌ وصديدُ
مَلِيكٌ تحامته الملوكُ مهَابةً ... وكادت له شمُّ الجبالِ تميدُ
ودانت له الأقدارُ عفواً فلم يعش ... له بين قطر الخافقين نديدُ(1)
وأشبه ذي وَجهٍٍ بوجه محمدٍ ... وفيه علاماتٌ عليه شهودُ
مُطهرَةٌ أخلاقهُ وطباعهُ ... وعلمٌ على علم الأنام يزيدُ
فضائلُه سارت بها الركبُ في الورَى ... ومنكم عليها حاضرٌ وشهيدُ
دعاكم إلى نفي المعاصي فمنكمُ ... وليُّ حما عن دينه ومريدُ
وهامت بكم آراؤكم فكأنكم ... عن الرُّشدِ أغلالٌ لكم وقيودُ
وسامحتم في دينكم كلَّ ملحدٍ ... وما الناس إلاَّ ملحدٌ وعنيدُ
وكانت لكم في الاحتساب زخارفٌ ... من القول لم تُنظم لهنَّ عقودُ
أبحتم بها الأرواحَ والمالَ بُرهةً ... عليها رجالٌ راكعونَ سجودُ
فلمَّا دعا من أكملَ الله أمرَه ... نأى منكمُ مستنصرٌ وعنودُ
أذب عن المهدي ديناً وإنني ... إلى الله بالود الصحيح أهودُ
وإن حال من دون الإمام مخاوفٌ ... عسيرٌ علينا جوَبهنَّ وبيدُ
لعمرك ما قد قلتُ فيه مقلِّداً ... ولي بصرٌ لولا الخطوبِ حديدُ
وصاحبتُه عشرين عاماً وإنّه ... ليُقبسُ من أنوارِه ويُفيدُ
أتوقُ إلى نفي المناكيرِ شيِّقاً ... ولكن حظِّي في الأمورِ زهيدُ
عند(2) بني الزهراء من دون دينهم ... طعانٌ ومني خطبةٌ وقصيدُ
على آل طه رحمَة الله إنّهُ ... حميدٌ لطيفٌ بالعبادِ مجيدُ
قلتُ: وهاتان قصيدتان فائقتان، وقد كان أخبرني شيخي الذي نسبت إليه الرواية أن القصيدة التي أرسل بها إلى العراق وهي هذه القصيدة للعلامة البليغ الحجَّة القاسم بن أحمد الشاكري - أعاد الله من بركته - وهي على هذه الزنة والقافية(3)/91/:
__________
(1) في (ب): ضديد.
(2) غير موزون بسبب هذه الكلمة.
(3) في (ب): والتقفية.
أحبابنا إن الهوى لجديد ... وإن مكاني منكما لبعيدُ
وإنَّ رُبا صنعاء وهي محلتي ... وداركم وهي اللَّوى وزرودُ
وكم رمتُ لقياكم وقد حال بيننا ... أساودُ تلقى دونكم وأسودُ
وزورا يغواها القطا ليلَ وردِه ... ويعيا بها الخرِّيتُ(1) وهو جليدُ
ولم ينسني شحطي(2) هوى (مي) نازحاً ... ولا نبذت منها لديَّ عهودُ
ولم أنسها يوم النوى ودموعُها ... عقيقٌ على لبَّاتها وفريدُ
وغيضت من دمعي أكفُكفُ دمعها ... ومن لي بكفٍّ السحبِ وهي تجودُ
وقد جعلت تسري يديها على يدي ... دلالاً ويمناها عليَّ برود
وأدنيتها شماً وضمًّا فساعفت ... وحالت برودٌ بيننا ونهودُ
لها عقدات الرملِ ردفٌ وملدهُا ... قوامُ ونوَّار الشقيقِ خدودُ
وقافيَةٌ غرَّاء ما حاك نسجَها ... عبيدٌ ولا ألقى عليه هبيدُ
سهرت لها ليلَ التمامِ فلم أنم ... غراراً وأصحابي لدَي هجودُ
يبيت فؤادي يجمع الفكر شملها ... ويضحي بنظم الشعر وهيَ عقودُ
قريضاً أعارته المحاسن حسنها ... وقامت بإحساني عليه شهودُ
وألحمته بالليل نسجاً ونُشِّرتْ ... صباحاً على المهدي منه برودُ
ملابسُ أبلغن العنايةَ حقَّها ... قشائبُ لا يبنى لهنَّ جديدُ
عقائلُ أبكارٍ المعاني كأنَّها ... من الحورِ لم تُهصر لهنَّ قدودُ
وكم طلبت أكفاءها قبل وقته ... فأكدت واض الزند وهو صلودُ
فحلَّت على كفؤٍ كريمٍ فخيَّمت ... وحان لها بعد الهيام ورودُ
بأفصحَ من يرقى المنابرَ خاطباً ... وأهيبَ من رفَّت عليه بنودُ
فتىً لا يهابُ الجيشَ يطفو حبابُه ... حديداً ولا يثني خطاهُ وعيدُ
وقد جمع اللهُ المحامدَ كلَّها ... له وله كل الأنام عبيدُ
وملَّكُه الدُّنيا مع الدين فاغتدى ... يُحَكّمُ فيما يشتهي ويزيد
وأضحى له في الفضلِ والبأسِ والنَّدَى ... مكارمُ لا يُحصى لهنَّ عديدُ
أقام على صنعاءَ يومَ قيامِه ... بجيشٍ تكاد الأرضُ منه تميدُ
/91/
__________
(1) الخريت: الدليل الحاذق.
(2) شَحْطي: بُعْدِي. (القاموس المحيط ص620).
وزلزلها بالحربِِ من كل جانب ... وفيها جيوشٌ جمَّةٌ وجنودُ
وأنزل أربابَ الحصونِ أذِلَّةً ... أسيرٌ ومغفورٌ له وطريدُ
وقاد إلى الأعداء جيشاً كأنه ... خِضَمٌّ له من حافتيه مدودُ
وما كان غير ابن الحسين بعزمه ... بشيرٌ ولا تلك الجياد يقودُ
فأدركتهم عن سبع عشرة ليلة ... صوارمَ لم تنقض لهنَّ لبودُ
ولم يشعروا حتى مدت جنباتهُا ... وثارَ لها نقعٌ ولاح حدِيدُ
بدت والمعادي يَقرعُ السِّنَّ نادماً ... وقد جاءهُ ما كان منه يحيدُ
ولاذوا(1) بعفو الله ليلاً وأصبحوا ... يخبُّ بهم قب الأباطل قودُ
ولولا نجو أصبَّت عليهم سيوفُه ... ونال شفاها سيدٌ ومسودُ
وكانوا لها في الناس ذكرى وعبرة ... كما ذكرت في الهالكين ثمود
قلت: وهذه القصيدة لا يناسب إرسالها إلى العراق كما ترى، ولعلَّه وقع اللَّبس والله أعلم.
أحمد بن أبي السعد العصيفري [ - ق7 ه ]
الشيخ الطاهر العالم، أحمد بن أبي السَّعد العُصَيفري - رحمه الله تعالى -. من أعلام المائة السابعة، كثير العلم، أظنه صنو الشيخ الفضل بن أبي السعد بن عزوي بن أحمد - رحمهم الله تعالى -.
أحمد بن أسعد المفسر [ - ق9 ه ](2)
الفقيه العلامة الأصولي أحمد بن أسعد المفسر - رحمه الله - كان من أعيان المائة التاسعة، وهو الذي لخص عنه الفقيه العلامة مَعُوضة بن صالح الشيعي كتاب (مراقي الأصول إلى كشف أسرار جوهر الأصول)(3) تأليف العلامة ابن أبي الخير - رحمه الله تعالى - قال الفقيه معوضة: إنه قرأ الكتاب الملخَّص المذكور على العلامة أحمد بن أسعد سنة ثماني وثمانين وثمانمائة.
أحمد بن جعفر [ - ق 7 ه ] (4)
__________
(1) في (ب): فلاذوا.
(2) أعلام المؤلفين الزيدية ص 86 ترجمة 52، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 4/15، مؤلفات الزيدية ج 1/324، ج 2/255.
(3) سقط من (أ).
(4) السيرة المهدية، خطية.
السيد الفاضل العلامة أحمد بن جعفر، من عيون المائة السابعة، ذكره السيد العلامة يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن جناح الضمدي [واستطرد في علماء ضمد]
السيد(1) الفاضل شهاب الدين، أحمد بن جناح الضمدي - رحمه الله -. هو من بيتٍ ثابت العماد في التشيّع والولاء لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي أهل بيته الجلة الكبار والخيرة الخيار، وسيأتي ذكر قوم منهم، وهذه الهجرة الضمديّة(2) - عمرها الله بالتقوى - مطالع لشموس العلم والآداب، حتى اشتهر أنه لا يخلو عن مجتهدٍ وشاعر، وهو كذلك لم يعرف ولم يسمع أنه قد خلي، هذا زماننا فيه العلامة الصَّدر وجيه الإسلام عبد العزيز بن أحمد النعمان:
[عبد العزيز أحمد النعمان الضمدي المتوفي سنة 1078 ه ] (3)
__________
(1) في (أ): السيد، وفي (أ): الفقيه.
(2) ضمد بفتح الضاد والميم ثم دال مهملة، قرية من تهامة الشام في المخلاف السليماني (انظر معجم المقحفي ص 397).
(3) هو عبد العزيز بن محمد، انظر عنه: البدر الطالع 1/357، وطبق الحلوى ص 20، 32، والجواهر المضيئة خ، والجامع الوجيز خ، وبهجة الزمن خ، وتحفة الأسماع والأبصار سيرة المتوكل إسماعيل خ، وتأريخ اليمن لمحسن أبي طالب ص 107، ومعجم المؤلفين 5/223، وفيه عبد العزيز بن أحمد، وانظر عن مؤلفاته ومصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 550، ترجمة (551).
من كبار العلماء وصدور الحكام، إليه قضاء (زبيد) المحروسة وبندر (المخا) - عمرها الله بالعَدل - وهو من عباد الله الصَّالحين وفضلاء الكملاء، (بليغ) (1) مجتهد(2) متظلع من العلوم، وله مؤلفات منها (شرح على الموشح) في النحو، سمَّاه (البغية)، ومنها (السلم) في أصول الفقه شرح (المعيار) /92/ كتاب الإمام المهدي - عليه السلام - ومنها تخريج أحاديث (الشفاء) في الحديث(3)، من كتب المحدِّثين وعزو كل حديثٍ إلى كتاب من كتبهم، وإن كان أئمتنا لهم روايات ورجال غير أولئك، إلا أنَّ هذا من فضل الله اتفاق المروي، وقد اعتنى أيضاً بحاشيَة على (الشفاء) وعلى ذكره أذكر رؤيا رآها أطال الله عمره؛ لأنها موعظة وهو وحيد الزمان كامل الصفات، لقيته بصعدة وهو من عيون العلماء، وأنا إذ ذاك حدَث السن، وله تلاوة وخشوع وصفات حميدة، وله عدَّة رسائل في أمور متعددة، منها: رسالة في المقامات المعروفة عند الكعبة، ومنها رسالة ينحو منها نحو الملائمة للأقوال، ورسالة أرسلها إليَّ فيما يأخذه الإمام من الرعيَّة، نعم، وهذه الرؤيا هي ما حكاه أبقاه الله، قال: نمت ليلةَ السَّبت ثاني عشر(4) من صفر سنة ثمان وثلاثين وألف، حصل معي ألم فأمسيت تلك الليلة قلقاً متكدِّر الخاطر، فرأيت بتلك الليلة من يُعطيني ثلاثة أبيات، ثُمَّ بعد مضي ثلث الليل أعطاني ثلاثة أبيات
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): مجيد متظلع.
(3) تخريج أحاديث شفاء الأوام للأمير الحسين لعبد العزيز الضمدي، منه نسخة في مكتبة الأوقاف رقم 310، وثانية ج2، ج3 رقم 303، وفي المكتبة الغربية ج1 رقم 37 حديث، وج2 برقم 73، ومجلد رقم 157، حديث وهو نسخة كاملة من الشفاء وتخريجه، ونسختان من المجلد الأول خطتا سنة 1163ه بمكتبة آل الهاشمي بصعدة) ونسختان من المجلد الثاني إحداهما بنفس التاريخ، والأخرى مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي عن مخطوطة بمكتبة آل الجلال.
(4) في (ب): تاسع عشر.
أخرى، وهي المتأخرة في الرقم على هذا الترتيب وهي:
أرجن(1) على طاعة الرحمن واصطبر ... واذكر منازل أهل الفضل والنظر
فليس يدرك إلا من له سبقت ... عناية من ذوي الألباب والفكر
اجعل حياتك في الدُّنيا منغَّصة ... تعلو بذلك في الأخرى على البشر
يا نائماً كم قيام الليل تتركه ... وأنت في نومك الموفور(2) لم تدر
لله درُّ أناسٍ خوطبوا فلهوا ... واستيقظوا حين كان الليل بالسحر
إنَّ الزمان تقضَّى وانتهى عجباً ... والذَّنب أضحىكعدِّ الرَّمل والحجر
انتهى. ولا بدَّ من كتابة من عرفت اسمه من علماء أولئك، وقد كان القاضي فخر الدين عبد الله بن علي النعمان.
[عبدالله بن علي الضمدي المتوفي نحو 1057 ه ] (3)
__________
(1) كذا في النسخ: أرجن.
(2) حاشية في (ب) وكذلك في (ب): في يومك الموفور. قال في الأصل: الموعور.
(3) عبدالله بن علي بن محمد بن علي بن سن بن النعمان الضمدي الشقيري، من أهل شقير بغرب ضمد، توفي نحو سنة 1057ه وقيل: نحو: 1050ه، وفي مجلة العربي 6/152، إنه أنجز العقيق اليماني سنة 1068ه، ومن مصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 605، ومعجم المؤلفين 6/93، والأعلام 4/106، والموسوعة اليمنية 2/622، ومؤلفات الزيدية 2/279.
كتب كتاباً سمَّاه (العقيق اليماني في ذكر أهل المخلاف السليماني) (1) وقفت عليه مرَّة بأبي عريش ولم يتيسَّر لي النقل منه، وهذا ابن جناح لا أعرف جناح المذكور، هل هو اسم(2) أو لقب، فقد أثبت اسمه هكذا، ومن جملة أهل بيت هذا (ابن)(3) جناح المقبور بصنعاء الذي يعتقد فيه الناس وعليه مسجد معمور، وكان عامياً لا فضيلة له، وأظنَّ القاضي أحمد بن جناح هذا في زمان(4) الإمام صلاح الدِّين - عليه السلام - والقصيدة التي إلى الإمام استنصاراً على صاحب جازان التي أوَّلها:
ببيض المواضي لا ببيض الكواعب
وهي من غرر القصائد له، وأغارت خيل الإمام معه من صعدة، ولكنَّها سبقت غارة صاحب مكة قبل غارة الإمام والقصَّة مشهورة /93/ وعلى ذكر ضمد هذه البلدة المباركة أذكر ما حضرني من شعر العلامة ابن قنبر فيها، وكان ابن قنبر من علمائها وفصحائها، له قصائد سحارة(5) إن يسَّر الله نقلت شيئاً منها، قال - رحمه الله -:
ما ضمد يا صاح إلاَّ جنة ... وهل تُساوي جنةً جهنم
نسيمها وتربها من عنبر ... وماؤها الكوثر عذبٌ شبم
إذا تغنَّى سحراً قُمرِيُّها ... أيقظ منها من نيام نَغَم
وإن تلا الأسحار في مسجدها ... تالٍ به عنك يزول السقم
ومنها:
لا يهتكون حُرمة الجار ولا ... يُعرف عيب منهم وفيهم
__________
(1) العقيق اليماني في وفيات وحوادث المخلاف السليماني تأريخ إلى سنة 1057ه منه نسخة خطت سنة 1086 بمحروس قرية شقير بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي، أخرى مصورة بمكتبي صورها الأخ وليد الربيعي من أبناء مدينة زبيد وللمؤلف أيضاً كتاب الوافي بوفيات الأعيان المكمل لغربان الزمان خ، رقم 218، 219 تأريخ المكتبة الغربية، وله كتاب جوهرة المغاص في معرفة الخواص خ بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي.
(2) في (ب) أو عالم.
(3) زيادة في (ب).
(4) في (ب): في زمن.
(5) كذا في النسخ.
ولعلها طويلة ولنعد إلى ذكر أحمد بن جناح - رحمه الله - كان مجيداً في الشعر، ومن شعره ما أفاده بعض شيوخي - رحمه الله - وقال: هي أطوَل من هذه:
ركنت إلى الدُّنيا مع العلم أنني ... سأصبح في بطن الثرى متوسدا
وجاهرت بالعُصيَان(1) للَّهِ عالماً ... عقوبته للظالمين له غدا
وخضت بحور المهلكات تعمداً ... مع العلم مني أنَّ في خوضها الردا
علمت طريق الحق ثم هجرتها ... عياناً ولم أمدُد إليها له يدَا
وكم من كبيرٍ خنته متيقّناً ... وملتبس والَيته متعمّدا
وما جئت شيئاً جاهلاً بصفاته ... ولا سرت في اثنائه مُتَرَددا
بغير حياءٍ أركب الذنب عارفاً ... مُجازات ربي ضاحكاً متمردا
إذا ما رآني من رأى قال جيِّدٌ ... ولي مخزيات لو رآها تردَّدا
أُصَلِّي صلاتي غير دارٍ بفرضها ... وما سنَّ فيها معرضاً متعمدا
صيامي وذكري لا لربي وإنما ... أُريد به كيما أُرى متعبدا
أيفعل هذا من يخاف عقوبةً ... ويأتيه من يخشى به أن يخلَّدا
وأفتي بما لا علم عندي وإنما ... أردت به فوق السماكين مقعدا
وألاَّ يقول الناس لي أنت جاهل ... فأركبُ نفسي شعثها متجردا
أقوم بجوف الليل أتلو محبة ... لرؤية أهل الفضل لي متهجّدا
وأصغي إلى الخيرات للناس مظهراً ... وباطن أمرٍ لا أفارق معبدا
وأظهر للإخوان وُداً وإن نأوا ... طعنت بهم طعناً على الناس موردا
/94/
أقول بهم قول الصداقة حاضراً ... وإن غبت عنهم كنت بالذَّم منشدا
كلامي لأرباب الوفاء خديعة ... ووعدي لهم بئس المواعيد موعدا
أُرَى أنني في الصَّالحين ولو أُرَى ... على عثراتي كنت عنهم مطردا
فظاهر أمري مؤمن وخفيَّه ... ظلوم غشوم ذا مشيب وأمردا
إذا ما ذكرت النار والحشر في غد ... وتعذيب أهل الظلم فيها مؤبدا
حزنت لذكر النار لا عن مخافة ... وقمت كئيباً مغضباً متنهدا
أطأطئ رأسي ثم أطرق خاشعاً ... كأني إذ أبصَرتني ممن اهتدى
__________
(1) لعلها: بالعِصيَان.
وبالله ما ذئب بأسرع وثبة ... على غنمٍ مني إلى الظلم إن غدا
صلاتي وتسبيحي وذكري حبائلٌ ... أصيَّد فيها الرزق زوجاً ومفردا
ومهما خلت في الدَّار منفرداً بها ... هجمت على اللَّذات غاوٍ ومرشدا
أصاغر خدِّي مُعرضا متكبراً ... على الناس(1) ......................
وإن يك لي ذنب سترت عظيمة ... وكنتُ لعَيب الغيرفي الأرض منشدا
أرىفي عيون الناس من جهلي القذا ... وأترك جذعاً بين جُفنَيّ مسَندا
قبيح على الإنسان يرفعُ نفسه ... ويُلبسُها علماً وفضلاً وسؤددا
مع العري من ثوب الفضيلة ساترٍ ... بغير إزارٍ منه فيها ولا ردا
وأقبح من هذا وأشنع أنه ... من الفضل عار لائم من تزودا
فيا رب لا طفني إذا جئت حاملاً ... كتابي بكفّي يوم حشري مسوّدا
حفيظاً محيطاً لا يغادر جامعاً ... من الفعل ما قد كان فيه مرصدا
أقلب وجهي حيث لا ذي صداقة ... بمغنٍ ولا خلّ بكفيه لي ندا
عليّ(2) لربي في القيامة رتبة ... أود بها لو كنت من عظمها سُدى
فكن لي إلهي عند ذلك راحماً ... ولا تخزني واغفر ذنوبي تمجُّدا
بحقك لا واخذتني بجريمةٍ ... ولا راعني يوم الندا منكم الندا
وقل قدّموا عبدي إلى جنة العلا ... بعفوي وغفران الذنوب مخلدا
فإذ جاءنا مستغفراً متعذراً ... تركنا له في جهله ما تعمّدا
وكل أخٍ أو صاحبٍ أو قَرابةٍ ... سمحنا لهم ماكان في الكتب مُرصدا
/96/
وحاشاك أن تبدي إلى الناس في غد ... من الشر ما بيني وبينك قد بدا
رجائي وظنيِّ فيك غفران زلَّتي ... إذا جئت في الأخرَى بها متقلِّدا
وستر عيوني المفضحات تكرماً ... وتفريج كربي راحماً متغمدا
أحمد بن الناصر الكبير [ - ق 4 ه ]
__________
(1) بياض في (أ) و (ب).
(2) غير موزون.
الشريف الخطير، شهاب الدين، أبو الحسن(1)، أحمد بن الناصر الكبير الحسن بن علي بن الأشرف(2) - عليه السلام - كان عالماً كبيراً، طُلب للإمامة بعد أبيه فامتنع، وله أخ أديب بليغ لكنَّه جنح إلى مذهب الاثني عشريّة، ووضع لسانه حيث شاء من أعراض الناس، ولهما أخ وهو أبو القاسم، كان بليغاً، ذكره صاحب (اليتيمة)، وذكر مكاتبته للقاضي علي بن عبد العزيز، ولعلنا نذكره - إن شاء الله تعالى -.
أحمد بن الحسن بن أحمد [ - 1080 ه ] (3)
__________
(1) لعل الصحيح أبو الحسن؛ لأن المكنَّى بأبي الحسن من أولاد الناصر الأطروش هو علي الشاعر.
(2) في النسخ: الأشرف، ولعل ما أثبتناه الصحيح.
(3) ومن مصادر ترجمته: البدر الطالع 1/45، ونفحة الريحانة 3/331، وطيب السمر - خ - ومعجم المؤلفين 1/189، ومصادر الحبشي 335، وإيضاح المكنون 1/284، والأدب اليمني في عصر خروج الأتراك 259 - 265 وتأريخ أبي طالب ص 74، وانظر بقية المصادر في أعلام المؤلفين الزيدية ص 88 ترجمة 55.
السيد، العلامة، شمس الدين، أحمد بن الحسن بن أحمد بن حميد الدين بن مطهر بن أمير المؤمنين يحيى شرف الدين - عليه السلام -(1). كان هذا السيد زينة الأوان، وفريد الزمان في آدابه حفظاً وإنشاء، مع تقوى وصلاح وخيريَّة كاملة، لا يحب إلا شعار العلم مع تمكنه من المقامات الملوكيَّة، لاقتعاده على صهوَة(2) الملك من جهات عديدة، فهو من الزهاد على علم - جزاه الله خيراً - وكان له معرفة بالأدوات، محافظاً على قوانين العلم، وما أحقَّه بقول أخيه وابن عمِّه مولانا بهجة الزمان حافظ العلوم محمد بن إبراهيم بن المفضَّل - أدام الله حياته- في مساق تقريض كتابه المسمَّى (بترويح المشوق في تلويح البروق) (3) بعد كلام باهر، وسحر ساحر: واحد الزمان علماً ونظراً، وحامل لواء المعارف النقليَّة حديثاً وأثراً، ومحقق دقائق العلوم العقليَّة، فكأنه المراد بالحادي عشر، وجامع العلوم الأدبيّة الذي أقام قناتها، ونشر أعلامها وبثَّ في البلاد دعاتها، فهو إمام الاثني عشر(4). وساق من هذا السلاف إلى أن قال: ذلك الماجد العلامة ذو الفطنة المشتعلة، والهمَّة التي للنجوم منتعلة:
أحمد نجل الحسن المرتضى ... بدر كمال الآل شمس العلا
من فاق علماً ورقا مرتقى ... على سماوات المعالي علا
كم سائل هل أنجبت ماجداً ... أمّ الليالي مثله؟ قلت: لا
__________
(1) في (ب): - عليهم السلام -.
(2) أي مقعده، استعارة من صهوة الفرس، وهو مقعد الفاسر منه (انظر القاموس المحيط ص 1682).
(3) ترويح المشوق في تلويح البروق، ذكر فيه ما دار بينه وبين أدباء عصره من مساجلات، منه نسختان في المكتبة الغريبة رقم 10 أدب، وفي مجموع (25) ص 56 - 129، وثانية خطت سنة 1066ه بقلم المؤلف في دار الكتب المصرية رقم (136) أدب، وله أيضاً شرح قصيدة له اسمها أرج الفرج التالية، منهج المهج خ المكتبة الغربية برقم 112.
(4) حاشية في (ب): وأراد بالاثنى عشر علوم الأدب فإنها اثني عشر.
فالدهر إذ جاء به آخراً ... يودّ لو صدرَه أوَّلا
جدَّد مجداً لبني المصطفى ... أقام فخر السابقين الألى
روَى أحاديث عُلاهم وقد ... صحَّحها أسندَها سَلسَلا
وجملة المدح لهم والثنا ... ذيَّلها تمَّمها كمَّلا
/97/
يا شايد البيت الرفيع الذي ... علا على هام السهى منزلا
جادَ بك الدهر على بخله ... وحقَّ في مثلك أن يبخلا
أنت خضم العلم تيَّاره ... وأنت بدر الأدب المجتلا
لا فقدت بدرك دار العلا ... وبيت آل المصطفى لا خلا
قلت: وهذا الكتاب آية تنبه على جلالة قدر هذا الشريف، فقد جمع غرائب عجاب، وغرائب كعاب، ومغزاه فيه يظهر من قوله في خطبته بعد الحمد والثناء ومِمَّا ينبغي في الخطبَة: فإني ممَّن منحه الله وله المنَّة الرَّغبة في نيل الآداب، والتقاضي لأسباب النظم على شرائط أربابه، ولا بدَّ للنظم من أسباب، وما زلت أروض جامح الطبع في الصبا، وأتدرب في صناعة الشعر، واتخذ سبيلي في بحر أعاريضه سرَباً، تارَة ألتقط درة النحر، وتارة استخرج حصاً وجزعاً من تيَّار ذلك البحر، حتى شهد لي بالإجادة والوجادة أهل الحل في هذا الفن والعقد، وكل نقاب ألمعي يميز معيار فكره مبهرج الألفاظ ومغشوش المعاني بالوزن والنقد، فانخرطت في سلك الأدباء، وتأخرت عن مزاحمة أكابرهم إجلالاً وأدباً، وحين ربَّيت (بنات)(1) فكري في حجر القريحة، وجلوت منها للسَّامعين دُمَى تترك كل قريحة بحبرتها قريحة، تخوّفت عليها من الضياع بعد بروزها إن لم يضمها ديوان المجلَّد، وتبوأ من الطروس جناب(2) ليبقَى في أعقاب الباقين ذكرها المخلد؛ لأني لست بأبي تمام فيُشرح شعري المنسي بذكري(3) حبيب، ولا أبي الطيب المتنبي فيشرح بمعجز أحمد.
وكم من سمي ليس مثل سميّه ... وإن كان يُدعى باسمه فيجيب
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): جنات.
(3) لعلها: بذكرى.
فما زلت أستخير الله دهراً، وكلما قدَّمت في هذا العزم رجلاً أخَّرت أخرى، لعجزي عن ترصيف أسطار البلاغة، وقصور فهمي عن إدراك فضيلتي الصناعة والصيَاغة، فأزمعت على إتمام(1) هذا الخاطر، وأقدمت على ما لستُ من أهله إقدام المخاطر، وأنشدت بيتاً أشجِّع (به)(2) جبان(3) عزيمتي الذي نكص، وانتهزتُ الفُرصَة من هذا الخاطر المنبه، والحازم من افترص الفرص.
وكن ماضياً كالسَّيف فالمقت في عسى ... ودع عنك عسى فهيَ أعظم علَّة
فاجتهدت في جمع ما شذَّ من أشعاري، واقتديت بأبي العلاء في (سقط زنده)، وإن كان زندي لا يُسمَّى واري، فوقع اختياري على أن أفتح باب ترتيبه، وأبذل الطاقة في أسلوبه المنظور بعين القبُول -إن شاء الله - وتبويبه، بتقديم المدح النبَوي، والبداية بذكر ذلك الجناب المصطفوي، لعَليِّ أكون في عداد خدَّام هذه /98/ الحضرة لتجذبني كفُّ العنَايَة المحمَّدية، ويلحظني مقلة الحظ بنظرة:
هاك شعراً لولاك ما كان يسوى ... دانقاً لو أسام فيه الشراء
غير أنّي لكونه فيك أسمو ... وأسامي بفضلك النظراء
__________
(1) في (ب): على تمام.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): جنان.
ثم ما دار بيني وبين أساطين هذا الفنّ من المبَادي والمراجع، وما تحلَّى به عاطل هذا الدَّهر من سموط(1) المبادي والمراجع، فإن ذكر الفتى عمره الثاني، ومنازل الدَّفاتر تحفظ أخبار الأمم من الباقي والفاني، فابتدأت بمن هو لكتاب النبلاء عنوان، ولعين أعيان الفضلاء في عالم الإنسان إنسان، من تبلَّجت من سماء معارفه مطالع البدور في منازل(2) الكمال، وتنزهتا(3) الألباب من آدابه في منازل السرور التي طاب نشرها، وطال، ناظم اللآلئ المتسقات في نظم الورقات(4).
إمام المعارف نقَّادها ... وناهيك في نقدها من إمام
إمام اطلع ذهنه شمس العلوم على كل أفق، وسلسل أحاديث الدراية والرواية عن أوثق نقله(5) وأكرم طرق.
دار الثناء على القطب الَّذي اتفقت ... فيه العقولُ فما قولُ لمختلف
قد قدَّمته على السَّادات همَّتُه ... في الفضل تقديم بسم الله في الصحف
ما ارتدى إلا بثوب علا، ولا ترددت مناسبه الكريمة إلا بين بيوت مفاخر هي أشرف كل قبيل وملأ.
قوم لذكراهم على صحف العلا ... أصل الفخار وكل ذكر ملحقُ
حافظ مآثر آبائه، ومعيد على وجه المعارف نَظْرَة نعيمه وبهائه، أمَّا الآدات فقد وقف على(6) نقطة بيكارها، واختصَّ من مقصورات حور الأفكار (بعون الله)(7) بعونها وأبكارها.
إمام إذا هزَّ اليراع مفاخراً ... بيمناه قال: الرمح لست هناكا
وقالت له العليا: فداك ذوو العلا ... وإن قلَّ شيء أن يكون فداكا
علوت فأدركت النجوم فصغتها ... كلاماً ففقت العالمين بذاكا
وحزت معاني القول من كل وجهةٍ ... فألق علينا نبذة لثناكا
__________
(1) سموط: مفردها: سِمْط: قلادة أطول من المِخْنَقَة. (القاموس المحيط ص619).
(2) في (ب): في منازه السرور.
(3) لعلها: تنزهت.
(4) حاشية في (ب): ناظم اللالئ فيه التورية لأن للسيد عز الإسلام كتاب اللالئ المتسقات في نظم الورقات.
(5) لعلها: نقلة.
(6) في (ب): في.
(7) زيادة في (ب).
عزُّ الإسلام، واسطة عقد بني الإمام، محمد بن إبراهيم بن المفضَّل بن علي بن أمير المؤمنين، - حرس الله خلقه - الذي تشتاق إلى وجهه الأرواح، ويثني عليه بنو الدنيا والآخرة، ولسان الإمساء والإصباح، وأدام شخصه الكريم، فبه عرفت الفاعل والمفعول، وفرقت بين الفاضل من هذا الناس والمفضول./99/
آمين آمين لا أرْضى بواحدة ... حتَّى أضيف إليها ألف آمينَ
ثم ذكر حال التَّالي، المقدَّم في مفاخره ومن غرائب كراماته اجتماع المقدم فيه والتالي، إمام ألسنة النقال النقاد، عالي الإسناد المقصر عنه صاحب (فتح الباري) و(فتح الجواد)، ما فاهت بمثل ذكره أفواه المحابر، ولا كسرت على مثل مديحه صفحات الدفاتر.
بحر علم وإن نشأ(1) فابن(2) بحر ... في ضروب البيان والتبيين
سابق في ميدان الاجتهاد لا يجارَى في ميدانه، ولا يُروَى (بدايع البداية) إلا عن زهره وحسانه، إن حلَّق قصر عنه أهل الطول والطُّول، وأفاد في دروسه العامرَة بأهل الفضائل (جامع الأصول)، و(منتهى السؤل)، يملك الأدب بلا إملال، وينثر من كلماته الجامعَة للبلاغة جواهر عوالي عوال(3)، إن كتب كبت خيل(4) العبدين(5) خلفه، وأغضَى (ابن مقلَة) على قذائه(6) وشجى قلبه من الحيرة (طرفة)، من رام لحاقه في ذلك رأى إعناته(7)، وسلم لما قاله في مشابهه، واستغفر الله (جمال الدين ابن نباتة).
يا كاتباً تبَّ مسعى من يناضله ... فراح يحمل من أقلامه حطبا
حلفت أنك أذكى من حوى قلماً ... ينشي البديع وأزكا من نحا أدبا
__________
(1) في (ب): تشأ.
(2) ابن بحر: يقصد الجاحظ و(البيان والتبيين) أحد مؤلفاته.
(3) في (ب): غوال.
(4) في (ب): جيل.
(5) يقصد با العبدين: عبد الحميد الكاتب وابن أبي الحديد.
(6) يقصد: طرفة بن العبد، الشاعر الجاهلي.
(7) العنت: لقاء الشدة أو الفساد، ومنه: عنت فلان فلاناً إعناتاً أي أدخل عليه مشقة. تاج العروس ج3/93، باب التاء.
وعلى الجملة فما رأى مثل نفسه، ولا رأيت نظيره، فما أشبه يومه في الفضل بأمسه، وإلى الله المشتكى من دهرٍ أبعَدني عنه، فما ذكرت قُطر سكناه إلا وجفوني تقطر، ولا تفكَّرت في مجالس أنسه إلا وعليها سحاب شوقي تمطر.
من لي بقيلة ذاك الباب تأدية ... فاغتدى ساجد الأمداح مقتربا
عبد الرحمن بن محمد الحيمي أعاد الله عليَّ أيام أفراحي بقربه، وعمرَ فؤادي الخافق بجناح الشوق لفراقه بحبِّه، فلا أنسى جميل أياديه، وما استفدته من عوارف المعارف في سدته العليَّة وباديه:
إذا تذكرتها ناديت من حرق ... ودمع عيني على الخدِّين في سبق
يا جنَّة فارقتها النفس مكرهة ... لولا الترجِّي لأفنت لوعتي رمقي
ثم اذكر الثالث الوارث مجد آبائه لا عن كلالة، فأكرم بفخري الموروث والوارث، روضة العلم المتفتقة أكمامها عن أفانين الكلام، وربوة الأدب ذات القرار العاليَة على شامخ يذبل وشمام، بدر المنير الطالع في أشرف الدَّرج، وبحر البلاغة الَّذي صدق من قال حدث عن البحر ولا حرج، فاضل يطير قلبي عند ذكره، وأسلسل أحاديث المعالي عن حسي نظمه ونثره، جمال الإسلام الذي أحيا مأثري أسلافه، وحوى فصول البدائع الجامعَة لأنواع البيان وأصنافه.
إنّي إذا صغت في قاضي القضاة حُلا ... مدحيَ يظهر فكر بارع وفم
رام الأقاصيَ حتَّى حاز غايتها ... تبارك الله ماذا تصنع الهمم
/100/ محمد بن إبراهيم بن يحيى(1)، نشر(2) الله ببقائه موات العلم والآداب وأحيا، وذكره الله فيمن عنده، فكم ذكرني على البعد بمكتوب، وأهدَى إليَّ سطور بلاغةٍ آراءه بجميع المحاسن واللَّطائف مصحوب، وكم أنزل عليَّ من (سماء)(3) عارضته الفيَّاضة مع عبور الأوراق.
أكرر ذكراه فيحلو ويغتدي ... له دمع عيني مُرسَلاً يخجل القطر
فكيف تزول عن ذكرى مجالسه المعمورة بالعلوم والآداب، ومفاكهته الشهيَّة التي تبيّن مجمل السنَّة ومخصوص الكتاب، فهو الذي اختصَّني من بين أقرانه بأخوَّته، وآثرني في حالتَي البعد والقرب بفتاويه وفتوِّته، جمع الله به ثانياً كما بدأ، وثبت فؤادي على حبِّه دائماً أبداً.
ثم السيد المفوَّه، الآخذ كتاب البراعة بحذاقةٍ وقوَّة، الفطن الأحوَذي(4) الأديب، الرامي عرض البلاغة بقوس فكرته المصيب، روض الأدب الذي هو بالفصاحة مكتسٍ، صديقي ومؤنسي، أحمد بن محمد الآنسي، ذو معانٍ ألفاظها ينفث السحر على بُعدها من التعقيد، وأمَّا مجالس أنسه ومحاضرته، ومواطن آدابه الغضِّ، وبديع مذاكرته، فقد اجتنيت من زهرها زهراً، سقى الله صنعاء والأخلاء والدَّهرا.
__________
(1) السيد محمد بن يحيى بن إبراهيم صاحب العارضة، سيد جليل فاضل، لا يختلف فيه اثنان، كانت وفاته رحمة الله عليه في أبي عريش أمام الإمام الناصر محمد بن المهدي، وكان ملازماً له رحمة الله عليه (هامش في ب).
(2) في (أ): نشر، وفي (ب): نعش.
(3) سقط من (أ).
(4) الأحوذي: الخفيف الحاذق، والشمر للأمور القاهر لها، لا يشذ عليه شيء. (القاموس المحيط ص314).
ثم أذكر حال الصَّاحب الكافي، والصَّديق الَّذي هو على مرِّ البُعد في كلِّ حالٍ مصافٍ، من تخرج في الآداب فأبدع، ووضح بدره في المعارف فأشرق في آفاقها وترفع، فكم شاهدت له مسطور، ومهرق بلاغته إن لم يكن سورة النور، فإنه صورة النور، من بمجالسته فرغت هضاب السرور، ورباه محمد بن لطف(1) الله للَّه أيامه في (الجراف)، وتناولي من رياض مفاكهته غصناً بلا خلاف، وقد شد الروض على فضل السحب المنسكب، وتلا قارئ الأطيار على قدَّ القضيب الذابل (اسجد واقترب)، وقد أسكن تلك الجنات ممّا كتبه حوراً عين، واسند فرائد قلائده إلى (السبكي) تارة وأخرَى إلى (زين الدين).
إيهٍ بعيشك بدر الدين سد فلقد ... أدلجت في الفضل فينا أيَّ مدلج
هذا وليل الشباب الجون مقتبل ... فكيف حين يضيء الشيب بالسُّرج
يسر الله لنا إلى (شريف)(2) تلك المعاهد الإسعاف، وجمع لنا فيها مفترقات الأماني من سائر الأوساط والأطراف:
إذا ذكر الجراف صبت قلوب ... إلى أوطانه سُقِيَ الجرافُ
انتهى ما بلغ إليه علمي من مناقب هؤلاء الخمسة أمراء الكلام.
خمسةٌ أمجادهم ماهم ... أكرَم من يشرب صوبَ الغمام
وربَّما أذكر غير هذا على سبيل الاستطراد، ومن الله أستمدُّ التمام وعليه التوكُّل والاعتماد /101/.
قُلْتُ: وهذه الخطبَة غرَّة في الخطب وشامة، وقد أخذتها قبساً من نور ذلك الترويح لمن لفت عنقه نحو ذلك التلويح وشامه، وينبغي أن أذكر شيئاً من ملح الكتاب وهي عديدة كثيرة؛ لأنه - عادت بركته - ملأه بالفوائد من كل نوع فمن المديح النبوي:
__________
(1) حاشية في (ب): محمد بن لطف الله الخواجة، كان من الكمال الأدباء وهو ممن وفد للتجارة - أعني والده لطف الله الخواجة - إلى صنعاء اليمن، فكان له هذا الولد ممن تأدب وقرأ في صنعاء وصار معدوداً من أهل المعارف والكمال، واخترمته المنية وهو شاب في محروس الجراف وقضى نحبه في شهر …… (بياض) من سنة 1069ه.
(2) سقط من (أ).
لولا الحِما القبلي والأبرقُ ... ما بات قلبي راجفاً يخفقُ
ولا تولَّهتُ بأهل النَّقَا ... جادهم المستَرسل المغدق
ولا تمسَّكت بذَيل الصِّبا ... لعلَّني من طيْبَةٍ أنشقُ
أحبابنا هاجرتم عبدكم ... ما آن أن تحنوا وأن ترفقوا
وهبكم(1) أدبتموه فلا ... تجاوزوا فيه ولا تغرقوا
فكاتبوه إن علمتم به ... خيراً ومُنُّوا حرِّروا واعتقوا
إذا تذكرتُ زماني بكم ... كدتُ بدَمعي حسرة أشرَق
ميقات وصلٍ كادَ من ذكره ... كَلِيمُ قلبي بعده يصعَقُ
أشكوكم جداً عثوراً وكم ... يوقعه المدحض والمزْلِقُ
إن لم يساعدني وإلا فلا ... شكاية تَحدي(2) بها الأينقُ
إلى جناب العزِّ رحب الذرا ... من رَوضه بالأمن لي تورقُ
محمد المختار أزكى الورى ... فإنه بي منكم أشفقُ
أرسله الله على فترة ... فانتعش المغرب والمشرقُ
وجاء والكفر له ظلمةٌ ... أشرق فيها وجهُه المشرِقُ
وكم له من غزوة فيهمُ ... وفيلق يتبعه فيلقُ
وخصَّه الله بفرقانه ... فكلّ مقدام له يفرَقُ
وليلة الإسرا التي حاز في ... مضمارها السبق فلا يُلحقُ
وفات فيها الكل حتى أمين الوحي فهو السَّابق المطلقُ
أدناه مقداراً إلى القاب أو ... أدنا وهذا الشرف المغرقُ
مرتبةً ما نالها قبله ... شخص ولا من بعده يُخلقُ
ومنها:
يا مالكي كن شافعي في غدٍ ... إن أجحم الشافعُ والمشفقُ
فلِي ذنوب لم أطق حملها ... يعنَى بها الأشقر والأبلقُ
إن عنَّ لي في خلوة ذكرها ... رأيتني من خجلة أطرقُ
/102/
وقع على حط ذنوبي إذا ... ما أوثقتني في غدٍ تطلقُ
فإنَّ آمالي غدت جمَّة ... فيك وقطعي أنها تصْدُقُ
فجاهُك الواسع لي عدَّة ... به غِنَى الدارين استرزقُ
صلَّى عليك الله في حضرة الـ ... ـقدس صلاة نشرها يعبقُ
والآل والأصحاب ما حنَّت الـ ... ـعيس فحنَّ المغرم الشيَّقُ
__________
(1) لعلها: وَهَبْكُمُ.
(2) لعل الصواب: تُحدى أو تُحدا.
ومن المراسلة بينه وبين أخيه مولانا الحافظ(1) العلامة محمد بن إبراهيم ما كتبه مولانا شمس الدين يستنجزه تمام قراءة (المنتهى) سنة إحدى وستين وألف.
أُنْهي حديث (المنتَهى) ... إليك فهو مُعضل
فأوضحوا لي متنَه ... فإنه مُعَلَّلُ
فأجابه المولى العزي أدام الله فوائده:
يا عالماً عاد به ... لنا الطراز الأوَّلُ
أمَّا حديث (المنتَهى) ... فالوقف عنه أجملُ
قال السيد شمس الدين - رحمه الله -: وكتب إليَّ يستدعِيني في بلد (شبام) - حرسها الله -:
يا شمس هذا الأوان ... وعين أهل الزمان
ومن له في المعاني(2) ... بيت رفيع المباني
إن تسعدوا بحضورٍ ... ففيه كل الأماني
ونحن إن غبت عنَّا ... لفظ بغير معاني
قال فأجبته:
يا فائق الارجَاني(3) ... بالنظم والهمذاني
ومن إذا قال شعراً ... أزرى بشعر ابن هاني
أمرتني بتدَانٍ ... والحظ لي في التداني
قد قلت للقلب بشرى ... بالقرب بل بشرَيان
قال: واستصحبت هذه الأبيات ولبست الثياب، وكنت قبل الجواب جواب، كما قال سيدنا وجيه الإسلام، وقد استدعاه بعض الأدباء فكتب إليه:
كتبت إليَّ ترغب في حُضوري ... وربَّ الفضل دعوته تجابُ
فقبَّلت الكتاب وقلت سمعاً ... لأمرك مالكي وأنا الجواب
ومن مراسَلة السيد شمس الدين(4) قدَّس الله روحه وأستاذه عبد الرحمن ما كتبه عبد الرحمن إليه من صنعاء إلى كوكبان سنة ستين وألف عقيب فراقه لحضرته حين سماعه للكشَّاف /102/:
سارَ دمعي مني إليك رسولاً ... حين أخليت ربعهُ المأهولا
وفؤادي استقرَّ إذا أنت فيه ... يتراءاك بكرة وأصيلا
ونسيم الصَّبا تحمل من وصف اشـ ... ـتياقي فيه حديثاً طويلا
حبَّذَا قربك الذي كان أندى ... في فؤادي من النَّسيم بليلا
قرب الله عهدكم من ليالٍ ... لم أكن لاقترابهنَّ مَلُولا
__________
(1) في (ب): العلامة الحافظ.
(2) في (ب): المعالي.
(3) لعلها: الجرجاني، فهو شيخ البلاغيين.
(4) في (ب): ومن مراسلة السيد الشمسي.
أتلظَّى جَوًى وفرطَ حنينٍ ... إن تذَكَّرت ظلَّهن الظليلا
وإذا ما احترقت شوقاً فقولي ... ليت لم أتخذ فلاناً خليلاً
كنت أجني ثمار أنسك فيهنَّ ... فبدَّلت بالنَّوَى تبديلا
فأجابه السيد قال: والقلم يعثر في البطاقة، وولجت من الجسارة باباً ليس له من طاقة:-
طلب الشوق من فؤادي كفيلاً ... مذ تَرَاءى وجه الرَّبيع صقيلاً
ومشَى الغصنُ في المطارف لمَّا ... عقد الطَّل فوقه إكليلا
صاحبي صاح بي لواعج شوقٍ ... يا أخا الصَّبوة الرَّحيل الرحيلا
آه والشَّوق ما تأوَّهت منه ... لزمانٍ ذكرت منه الجميلا
أي دهرٍ أسدَى إليَّ جميلاً ... مُذ أرآني ذاك الكريم الجليلا
وخليلاً ما قلتُ لمَّا افترقنا ... ليت لم أتَّخذ فلاناً خليلا
كان يومي به كلمحَة طرفٍ ... فغدا للفِرَاق حَولاً كميلا
لإمامٍ حازَ العلوم فروعاً ... باسِقاتٍ قد أينعت وأصُولا
كم أرتنا فصوله اللُّؤلؤيّات ... إلى منتهى الأصول وصولاً
حجَّة صيَّر المفاخر أوضا ... حاً على طرف عزمه وحجولا
راسخ في العقول لو فاخر السيـ ... ـف(1) لأغضى في جفنه مفلولا
جمع الله شملنا وأرانا ... من أسارير وجههِ المأمُولا
وللفقيه عبدالرحمن إلى السيِّد مقاطيع، وحقَّ لهما فلقد كان مقامهما رحلة للطالبين ونزهة للناظرين، وأمَّا مراسلته هو والعلامة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى السحولي، فهي أشهى من السُّلاف المروَّق، أشجى من سجع المطوق، وقد كتبت هذه القصيدة الأصل للسيِّد والتخميس للقاضي:
ألممت بالرَّوض حيَّاهُ وحيَّاكا
فقابل الشمس بدر كان إياكا
فكان منك وإن لم تدر حيَّاكا(2)
/105/
في النرجس الغضِّ إلمام بريَّاكا ... وفي الغزَالة شبْهٌ من مُحيَّاكا
ما ماس قدُّك في برديك وانعطفا
ولا انثنى منك خصرٌ خلته اختطفا
إلاَّ وكاد القنا يحكيك لو لطفا
وكاد يحكيك غصن البان منعطفا ... هيهات ذلك ما حاكاك من حاكا
__________
(1) حاشية في (ب): السيف يعني الآمدي.
(2) حاشية في (ب): حياكا أي قبيلتاك.
يا تَائهاً ليس يدري من يلاحظه
يا من يُغالظ رقّاً لا يُغالِظه
يا غائظاً قاتلاً من أنت غائظه
يا شادناً فتكت فينا لواحظه ... ظلماً ومدَّت لأهل الظلم أشراكا
أظلنا لحظك الساجي وأذهلنا
لكنَّه بعظيم السِّحر أخبلنا
وطال مطل فأبلانا وبلبلنا
رفقاً ولا تتعالى في المطال لنا ... يكفيك ما صنعت في الناس عيناكا
قولوا لطرفٍ حماني رقدتي ورقد
وسدَّدَ السهم ينوي قتل كل أسد
وقدَّ قلباً شجياً في هواه وقد
يا طرفة قد تجاوزت الحدود وقد ... أسرت في الناس سفاحاً وسفاكا
أنهي الدِّماء فكم فتكاً وسفك دما
ولا تراعي ذماماً أو ضعيف ذما
ولا ليالي مرّت في منيع حما
مرَّت لياليك بالأثل الخصيب فما ... أمرَّها حين ما مرَّت وأحلاكا
أيام تسرع إسعافاً بمطلبنا
أيام تسعدنا الدنيا بمأرَبِنا
أيام يمرح مشجينا بمطربنا
أيام يأمرك الحسن البديع بنا ... والتيه يا ساحر الألفاظ ينهاكا
ظلمت بالهجر فالأرجاء مظلمة
وملت من مللٍ والنفس مؤلمة
نسخت آيات ود وهي محكمة
/104/
يا ليت شعري وبعض الظنّ مأثمة ... من بالمتيم في ذا الهجر أغراكا
قبلت ما قاله ذاك الحسود وذا
وقول باغضني الباغي كذا وكذا
فالقلب والطرف مني في أذى وقذا
أهملت دارك أعني القلب وهو إذا ... عمرته كان فيما مرَّ مرعاكا
ياشُهد يامسك في ذوقٍ وطيب شذا
يامن رضاب ثناياه ألَذّ غذا
يا حبَّذا منك ثغراً لا يقول بذا
شش
يا ضيعة العمر للصب المشوق إذا ... ما اعتاض نور الأقاحي من ثناياكا
ياحسرة القلب إن لم أشف طول ألم
وزلَّت النّعل إن جار الهوى وظلم
وخيبة السَّعي إن عصر المشيب ألم
وصفقة الغبن إن مر الزمان ولم ... أبلغ رسيس فؤادي مرَّة فاكا
واشتفي من جَوَى وجدٍ قد اشتعلا
ولوعةٍ تركتني في الهوى مثلا
أحيَى وأيسر ما لاقيت ما قتلا
لولاك ما سفحت عيني العقيق ولا ... لثمت ثغر عذولي حين سمَّاكا
أرسلتَ طيْفك والأجفان قد رقدت
يهديه نار جوًى في أضلع وقدَت
فدتك نفسي يا طيف الحبيب فدت
يا طيف من أنا أهوَاه لقد حسدَت ... شهب الدَّياجي جنح اللَّيل مسراكا
أذكيت نار غرامي كي تحرقني
أبكيت عيني مريداً أن تغرقني
من الفراق ابتغاءً أن تعرقني
خُضْتَ المفاوز نحوي كي تؤرِّقني ... أهلاً وسَهلاً لقد أبعدتَ مرماكا
يا طيف من بثنيَّات العراق ثوى(1)
إذكرتني حلو عيش مرَّ قبل نوى
ياطيف ما حال رملي (مكثب)(2) ولوى
/106/
يا طيف شرَّفتني جدَّدت عهد لوى ... حيَّا الحيا عهده الماضي وحيَّاكا
فديت مرسل ذاك الطيف ما فعلت
ألحاظه سلسلت دمعي وما سألت
فديت غرَّة بدر مهجتي نزلت
يا بدر أفق سما قلبي لقد جعلت ... لك الجوارح أبراجاً وأفلاكا
انتهى ما نقلته من شعرهما، وبالجملة فهما للبلاغة عينان نضَّاختان، ومراسلتهما جنتان ذواتا أفنان، فيهما من كلِّ فاكهةٍ زوجان، ما شدا على أغصانهما إلا قمري فضل وعندليب، بدائعهما معجزات للمتنبي، ناسخات لذكرى حبيب.
وأمَّا ما كتبه إلى السيِّد الأديب شمس الدين أحمد بن محمد الآنسي فمن ذلك جواب قصيدة أرسلها السيِّد شمس الدين أحمد بن محمد الآنسي إلى شبام مبنيَّة على التلميح مطلعُها:
غرام ألَمَّت بي طلائعها شمسا ... ووجد على الجودي من مهجتي أرْسا
وشوق تجلَّى للقلوب لو انَّه ... أصاب جبال الطور قد بسَّها بسَّا
ومن لي وطوفانُ الصَّبابة قد طغى ... وفار به التنّور مستملكا حسّا
ومنها في المديح:
وما الحمدُ إلاَّ للذي وقف الهوَى ... على أحمدٍ من أفقه أطلع الشمسا
وهي طويلة والميل إلى الاختصار وجواب السيد شمس الدين أحمد بن الحسن - رحمه الله تعالى -:
أبدر سماء أطلع الطرس(3) أم شمسا ... أم الزهر قد ألمستها راحتي حتَّى لمسا
أم السحر فاجاني على غير عوده ... فأذهلني عقلاً وأفقد لي حسا
ومنها في المديح:
__________
(1) في (ب): نوى.
(2) الكثب: الجمع ومنه الحديث (جئت علياً قرنفل مكثوب). تاج العروس ج2، باب الباء.
(3) الطرس بالكسر: الصحيفة. (القاموس المحيط ص512).
ولم لا وقد قاسى فراق أخي الِّذي ... فِرَاق له جرح بطيب اللِّقاء يؤسى
أخو فطنةٍ ما نالها هرمسٌ ولا ... إياسٌ ولا النظَّام حزراً ولا حدسا(1)
وهذا القدر كافٍ إذا المقصد التنبيه، وبينهما قصائد، هي للمعاني البديعة شباك ومصائد. وأمّا الأديب محمد بن لطف الله الخواجا - رحمه الله تعالى - فممَّا كتبه إلى السيد من صنعاء إلى كوكبان قصيدة يلغز فيها بذكر الغيل الذي خرج إلى الجراف من قريب سور صنعاء المحميَّة على يد مولانا العلامة عزّ الدين محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين - سلام الله عليهم أجمعين -.
أوُّلها:
فؤاد له في الظاعنين مسير ... وجسم بصنعا موثقٌ وأسيرُ
أأحبابنا إن فرَّق(2) الدَّهرُ بيننا ... وعاد صفاء العيش وهو كديرُ
/107/
وذبت اشتياقاً للقا وصبابة ... وهاجَ بقلبي لوعةٌ وزفيرُ
فكم رُمت أن أمضي إليكم مع الصّبا ... فيمنعني دهري وتلك تسيرُ
ومنها:
وقالوا أتبكي في أزال من الأسى ... وعنها جيوش النائبات تسيرُ
فنحت وأسرابٌ من الطير عُكَّفٌ ... وعبرت والريح السحاب تثيرُ
وهل نافعي أن الرياض تدبجت ... وطال بها للسَّاجعات هديرُ
وألبسها فصل الرَّبيع برودُه ... وفاح شذَاها صنْدَل(3) وعبيرُ
وغنَّت على رقص الغصون حمامُها
... وصفَّق فيها جُدوَلٌ وغديرُ
وللبُعدِ في الأحشاء ما لو أقَلَّه ... الرَّواسي لنادَى بالثبور ثَبِيرُ
وفارَقت مخدوماً رَعَى الله عهده ... وداناه سعدٌ مقبلَ وسرورُ
ومنها في المديح:
إذا زار روضاً ذاوياً حنَّ جذعه ... كما اهتزَّ تيهاً منبرٌ وسريرُ
فنعماه عن أحمد مالك النّدى ... يسلسل أخبار الندى ويدَيرُ
ألا يا بني يحيى الكرام علوتم ... على رتبٍ ما طالهنَّ (ثبيرُ)(4)
ومنها في صفة النَّهر:
__________
(1) هرمس: لم أجدها في القاموس. إياس: لم أجدها في القاموس. النظّام: شيخ الجاحظ.
(2) في (ب): باعد.
(3) وفي (ب): مندل. والصندل: نوع من البخور العطرة.
(4) الثبير: الجبل.
جواد على الجيران لكنَّ فيضه ... إذا جاءت السحب الغزار غزيرُ
بسيطٌ مديدٌ وافرٌ متداركٌ ... طَويلٌ ومن جاراه فهوَ قصيرُ
فأجابه السيد شمس الدين بقصيدة طالعِها:
ألاطفُ فيك الرّيح حين تسيرُ ... وأفهمُ رَمْزَ البَرق حينَ يشيرُ
(وألتاح) نحوَ الشرق إن عبر الصبا ... وعبَّر عنها في العبور عبيرُ
وأطوى بها نشر السلام وإنما ... لِمَيِّتِ صبري عند ذاك نشورُ
إلى أن قال في حلِّ لغزه في النَّهر:
وإن شئت حلاً للذي قد عقدته ... لظنك بي أني بذاك جديرُ
فذلك صبٌّ في سواقيه هائمٌ ... يمرُّ على ساحاتِها ويَمُورُ
إلى هنا ما أردت نقله للترويح من (الترويح)، وفي ذلك التصريح، بذكر(1) هذا الفاضل يستفاد من (التلويح).
قال هذا الفاضل - رحمه الله -: وسميته بترويح المشوق انتظاراً لرَوح الله وفرجه الَّذي أنا فيهما طامع، وفي (تلويح البروق) تشبيه لأذهان الأذكياء بالبروق لظهور الجامع. قال - رحمه الله -: ولو قيل (تلويح البروق في ترويح المشوق) لاستقام، ومن لطائف هذه التسميَة أن(2) جاء التأريخ فيها لتمام الكتاب عفواً، انتهى.
/108/ قلت: توفي - رحمه الله - بداره بروضة حاتم(3) وحُمِل إلى روَضه خزيمة(4) لهذا اتفقت اللطيفة للفقيه بديع الزَّمان حسن بن علي بن جابر الهبل، حيث قال: بيتين مرثياً بهما هما أفضل من قصائد للَّه درّه:
يا قبر أحمد كم حويت ... مكارماً ومحامداً
شهدت بذاك خزيمة ... وكفى خزيمة شاهدا
__________
(1) في (ب): بفضل.
(2) في (ب): أنه.
(3) روضة حاتم وتسمى روضة أحمد، شمال صنعاء بمسافة خمسة كيلو متراً في الطريق إلى مطار الحربة، واسمها القديم (المنظر)، وعرفت بروضة حاتم نسبة إلى ما فيها السلطان حاتم بن أحمد اليامي (السلطان الثالث من سلاطين آل الصليحي)، (انظر معجم المقحفي ص: 276).
(4) خزيمة بضم الخاء وفتح الزاي: اسم المقبرة صنعاء الغربية، ما زالت إلى اليوم تحمل هذا الاسم، (المصدر السابق ص: 214 - 215).
ووفاته - رحمه الله - في [بياض في المخطوطة والمعروف أنه توفي سنة 1080 ه ].
ورثاه العلامة محمد بن إبراهيم السحولي - رحمه الله - بقصيدة بليغة فقال:
جزعي عليك مدى الحياة معي معي ... حتى أوارَى في الضريح البلقع
ويقل أن تجري عليك حشاشتي ... ونَفيض(1) بعدك مهجتي في أدمعي
ويقل فيك إذا هجرت مشاربي ... ومطاعمي وهجرت بعدك مضجعي
ويقل أني لا يمرُّ بخاطري ... أحدٌ سواك ولا يمرُّ بمسمعي
لو أنني وفِّيت حقك كان في ... ميعاد مصرعك المروع مصرعي
ليت المنون تريد منَّا فِدية ... حتَّى بمثنى أو ثلاث ومربَع
أوْلَيتُها(2) طوعي فكنت أمرتُها ... لبقاك تنزع مهجتي من أضلعي
فجع على فجع ولا مثل الَّذي ... ألقى لفقدك من فضيع تفجُّعِ
لولا التيقن أنني بك لا حق ... وكربعك الخالي سيخلو مربعي
لقتلت نفسي أو أرحت مع الوحو ... ش العصم في شم الشوامخ أربعي
سحقاً ليوم جا بأشأم طالع ... ولليلة طلعت بأنحس مطلع
صُمَّتْ عليك جميع آذان الورى ... تنعي وأتقى من نُعي
ما مثل يومك مرَّ يوم في وجيع الر ... زء حقّاً أو فضيع الموقع
صدع القلوب ومادت الدنيا به ... وله الشوامخ أوشكت بتصدع
والشمس كاسفة وقد طلعت على ... الآفاق وهي كأنها لم تطلع
ما مثل يوم رحلْت نحو خزيمةٍ ... وعلى سريرك رحت خير مشيَّع
قد شيعتك صواهلٌ وذوابلٌ ... ومناصلٌ مثل البروق اللُّمع
وأئمَّة من آل أحمد سلسلوا ... لحديث يومك مُرْسَلات الأدمع
فارقْتَنا كرهاً برغم أنوفنا ... وبرغم كم من أصيَدٍ سميدع(3)
ما كنت أخشى أن أودع مالكي ... هذا الوداع ولا أراه مودع
هذا وداع لا تلاقيَ بعده ... إلا إذا ما حان يوم المفزع
يا خيرة الأطهار يا ابن مُطهَّرٍ ... وابن الإمام الحبر يحيى الأورع
/109/
يا أحمد المسعود وقت حياته ... ومماته حقاً وزاكي المنبع
ما قبل لحدك ملحد شمس الضحى ... هبطت إليه من المحل الأرفع
__________
(1) لعلها: وتفيض.
(2) لعلها: أوْ لَيْتَها.
(3) العجز غير موزون.
ما مت أنت وإنما مات التقى ... حقاً وكل تحرج وتورع
والعلم والعمل الَّذي هو صالح ... والحلم مشفوع بخلق أوسع
يا قادر الدُّنيا الدنيَّة قدرها ... يا ذاخر الدُّنيا(1) ليوم المرجع
لله درك من إمام عاملٍٍ ... علاَّمةٍ (ندسٍ) (2) ذكيٍ ألمعي
كم قد رأيت بلطف ذهنك مرَّة ... ما لا يُرى وسمعت مالم يُسمع
من للمعارف والعوارف والمعا ... لي والمعاني والبيان الأبدع
من للبلاغات التي عزباؤها ... وصلت إليك عن البطين الأنزع
من للعلوم دقيقها وجليلها ... ولحلِّ مشكلها بفهمٍ مسرع
جمت مناقبك التي لم يُؤتها ... أحد سواك ولا وعاها من يعي
طابت وطبت (ورقتما) كل الورى ... في منظر أبد الزمان ومسمع
طُوِيَ البساطُ بساط كل فضيلة ... لا يدَّعيها بعد يومك مدَّعي
بأبي من الخلائف من تراه خليفة(3) ... وتراه يأسو كل كلم موجع
ما غير صنويك اللذين هما هما ... علياهما طبع بغير تطبَّع
ما غير نجليك اللذين نراهما ... رقيا إلى أعلى محلٍ أرفع
ورثاك ما أورثته عن سيد الكونين والثقلين خير مشفع
صلى عليه الله ثم عليك يا ابن الأكرمين صلاة غير مودَّع
وعليك لا برحت عزالي رحمة ... تسقي عبير ترابك المتضوع
والله ندعوه بجبر مصابنا ... بك فهو أولى من أجاب ومن دُعي
وهو الذي نرجوه يجمع شملنا ... في جنَّة الفردوس أسنى المطمع
وإلى هنا أرثيك واعلم أنني ... جزعي عليك مدى الحياة معي معي
أحمد بن الحسن المؤيَّدي [ - 1003 ه ](4)
__________
(1) في (ب): الحسنى.
(2) الندس: الفهم الفطن الكبير. تاج العروس ص9، باب السين.
(3) الصدر غير موزون.
(4) أحمد بن الحسن بن علي بن صلاح المؤيدي الضحياني المتوفى بضحيان في ذي القعدة سنة 1003ه من مصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ص 95 ترجمة (65)، وذروة المجد الأثيل خ، سيرة الإمام الحسن بن علي بن داود خطية (مؤلفات الزيدية 2/150، تراجم آل المؤيد - خ - 103.
السيد العلامة، أحمد بن الحسن المؤيَّدي الضحياني، عرف بطالب الخير، كان من أعيان وقته وعلماء زمانه، وصحب الإمام الحسن بن علي بن داود، ثم الإمام القاسم - عليهما السلام - وهاجر إلى (العُصَيْمات)(1)، واتفق له هنالك كرامَة، وهو أنَّ بعض الناس سبَّه - رحمه الله - فجاء كلب جرَّ لسانه، أخبرنا بذلك ولده السيد الفاضل محمد بن أحمد، وكان من الفضلاء، وله معرفة، وتعمَّر كثيراً رحمهما الله جميعاً، وللسيِّد أحمد بن الحسن (شرح على الحاجبية)، وهو في التحقيق حاشية السيد محمد بن عز الدين، إلا أنه هذَّب وزيَّد /110/، ونقص وهيَ أجمع للفوائد، ولعلَّه ما فعل ذلك إلا لوصيَّة السيد محمد بن عز الدين - رحمه الله - فإنه ذكر ذلك، وفي آل المؤيَّدي من اسمه أحمد بن الحسن طالب الخير من أعيان الرؤساء، شجاع باسل، وهو غير هذا فاعرفه.
أحمد بن الحسن الشاوري [ - 916 ه ]
الفقيه، العلاَّمة، البليغ شمس الإسلام، أحمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم الشاوري. خطيب الجامع بصنعاء صاحب اللَّسن والبلاغة، والخطب التي هي أساور مصاغة، ترجم له العلامة أحمد بن عقبة، وأنشد له قصيدته التي وجَّهها مرثية في العلامة محمد بن الحسن بن أحمد بن عقبة الآتي ذكره، وهي قصيدة تدُلُّ على كمال وبراعة أوَّلها:
سلام على الدنيا سلام وداع ... فما عيشها إلا قليل متاع
سهام المنايا في مقاتل أهلها ... صوائب قد أعيوا(2) لها بدفاع
وأيدي الرَّزايا كل يوم تنالهم ... بخطب له يرتاع كل شجاع
وما برحت أحداثها تستفزهم ... وتصرع من أمسى شديد صراع
وتفرق منهم كل شمل مفرق ... وتننزلهم في الوهد(3) بعد يَفَاع(4)
__________
(1) العُصيمات بضم العين وفتح الصادر، بطن من بطون حاشد (معجم المقحفي ص: 449).
(2) في (ب): عيَّوا.
(3) الوهد: الحفرة.
(4) اليَفَاع: المرتفع من كل شيء، يكون في الشرق من الأرض والجبل والرمل وغيرها (معجم الوسيط 2/1065).
وتقصي عن الأبناء وجه أبيهم ... وما بينهم إلا كقيد ذراع
وكم قرعت من مسمعٍ لملمَّة ... وقارعة تنسي بيوم قراع
وصالت على أهل الممالك صولة ... تقود برغم الأنف كل مطاع
وألوت بمن في الأرض شرقاً ومغرباً ... وأوَدت بمرَعيٍ ومن هوَ راعي
وما الناس نحو الموت إلا كمثلِ ما ... ترى مرَّ طير في الهواء سراع
فهل يا عباد الله معتبر بما ... يراه وبالأخبار عند سماع
وهل صارف عن هذه الدار وجهه ... وساعٍ إلى مافيه يُحمد ساعي
له من عقال العقل عنها صوارف ... ونحو الذي يبقى لديه دواعي
فما النَّاس إلا هالك وابن هالكٍ ... وما بين منعي إليه وناعي
وقد صح أن الموت قالع كل من ... أقام ولو في شامخات قلاع
وأن ليس للأعلين يعرف رتبة ... ولا للذمام الماضيات يراعي
ولو ذاده فضل عن المرء أو تُقى ... ونجَّاه مجد أو تطاول باعِ
لجانب سوح الماجد الأكرم الذي ... فضائله تُروَى بغير نزاع
إلى آخرها، وأحسن غاية الإحسان، وستأتي ترجمة محمد - رحمه الله - ووفاة محمد المذكور سنة ست عشرة وتسعمائة.
أحمد بن الحسن الفرزاذي(1)
الشيخ الأجل أحمد بن الحسن بن علي بن إسحاق الفرزاذي العراقي - رحمه الله تعالى - من أهل التحقيق، لقيه القاضي الصَّدر جعفر بن أحمد اليمني في رحلته إلى العراق، وهو شيخه في (الجواهر والدرر) وغيرها(2).
أحمد بن الحسن بن أبي القاسم [ - ]
الشيخ المحقق المسنِد أحمد بن /111/ الحسن بن أبي القاسم بابا الأزوني(3) - رحمه الله تعالى - من تلامذة الإمام المرشد بالله - عليه السلام - وهو شيخ الكني المتقدم ذكره - رحمه الله -.
أحمد بن الحسن بن عواض [ - ق7 ه ]
__________
(1) سند أمالي المرشد، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/110 ومنه: الجواهر المضيئة، لوامع الأنوار، الأمالي الصغرى للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام -.
(2) في (أ): وغيرهما.
(3) في حاشية (أ): الأذوني.
الفقيه الفاضل الكامل، أحمد بن الحسن بن عواض السفياني، كان فقيهاً صالحاً، وله مسائل، ووجَّه إليه الأمير الحسين (الأجوبة العقيانية في المسائل السفيانية في مخالطة الظلمة) (1) وله الشروح الستة انتزعها من شرح القاضي زيد، ذكر ذلك ولده العلامة محمد بن أحمد بن حسن بن عواض - رحمهم الله - ونقل عنه أنه أفتى بجواز نكاح زوجة الجدِّ أبي الأم، ووافقه على ذلك السيد العالم يحيى بن الداعي، قال في (الروضة). و(الغدير): وقد أحسن الأمير الحسين في (التقرير) الرَّد عليهما.
أحمد بن الحسن الرصاص [ - 621 ه ] (2)
__________
(1) الأجوبة العقيانية خ، سنة 1063ه، ضمن مجموع بمكتبة الأوقاف رقم 662.
(2) من مصادر ترجمة الرصاص أعلام المؤلفين الزيدية ص 91 ترجمة 62، الحدائق الوردية خ، المستطاب خ طبقات الزيدية خ، الجامع الوجيز خ، الجواهر المضيئة خ سيرة الإمام عبدالله بن حمزة في 156 وغيرها، انظر أعلام المؤلفين.
الشيخ الأصولي المتكلم، شحاك الملحدين، شفاء الموحدين، الشهاب، المتقد، النقاب المنتقد، أحمد بن الشيخ الجليل الحسن بن محمد الرَّصاص، مؤلف (الخلاصة) في علم الكلام(1)، كان من أهل العلم الغزير والمجد الخطير، وله في الأصولين مؤلفات كثيرة(2)، وفاته - رحمه الله تعالى - عشية [السبت](3) لثمان ليال بقين من محرم أول شهور إحدى وعشرين وستمائة - رحمه الله - وله (كتاب مناقب أمير المؤمنين) (4) وهو غير صاحب (الفعلة)(5).
أحمد بن حجلان الوادعي [ - ق6 ه ]
__________
(1) الخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في قواعد التابعة (علم الكلام) منه ست نسخ خطية في مكتبة الأوقاف بالجامع، وثلاث نسخ في المكتبة الغربية، ونسخة في الإمبروزيانا، ونسخة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي، وأخرى بمكتبة السيد المرتضى بن المفضل هجرة السر خطت سنة 813ه.
(2) من أهم مؤلفاته مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم، والدرر المنظومات في سلك الأحكام والصفات، والوسطة في مسائل الاعتقاد الهادية إلى سبيل الرشاد، وحقائق الأعراض وأحوالها وشرحها، والتذكرة وغيرها، انظر تفاصيلها وأماكن مخطوطتها في أعلام المؤلفين الزيدية.
(3) ما بين المعقوفين بياض في المخطوط، وأثبته من طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/109.
(4) اسمه الشهاب الثاقب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، منه نسخة في مكتبة الأوقاف برقم 16 في مجاميع ونسختان في الغربية ضمن مجموعي (10) (17) ونسخة بمكتبة السيد محمد بن عبد الملك المروني بصنعاء، وأخرى بنفس المكتبة.
(5) ما بين القوسين سقط من (أ) وهو في (ب) وصاحب الفعلة هو الذي نكث بيعة الإمام أحمد بن الحسين المعروف بأبي طير - عليه السلام - واشترك في قتله.
الفقيه العلامة، ظهير الدين، أحمد بن حجلان الوادعي، عالم كبير، رأس خطير، من بيتٍ ورثوا الرياسة كابراً عن كابر، وكانت تناط بهم الأمور، ويستصلح بهم الجمهور، ويفهم من كلام العلامة أحمد بن محمد بن حسن بن عقبَة أن مسكنهم الأصلي هجرة مُعِين(1) من جبل صعدة، ولي أحمد بن حجلان هذا نواحي صعدة ومخاليفها جميعها(2) لقبض الواجبات وحفظ بيت المال والتصرّف به على مقاصد الشرع بأمر الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - قال العلامة علي بن نشوان: كان (العلامة)(3) أحمد بن حجلان رجلاً عالماً ورعاً، حليماً مجرِّباً، جيّد المعرفة، حسن السياسة، عدل القضيَّة، رؤوفاً بالرعيّة.
قلت: وله - رحمهم الله - مآثر صالحة وأخبار طيبة - رضي الله عنه -.
أحمد بن الحسين بن الأكوع(4) [ - ]
الفقيه الأستاذ شيخ الإمام المنصور بالله أحمد بن الحسين الأكوع الحوالي - رحمه الله تعالى - كان من أئمَّة الأثر الحفَّاظ، ومن شيوخ الأئمة - عليهم السلام -.
أحمد بن الحسين بن عيسى [ - ]
الفقيه الفاضل الصالح العالم شهاب الدين أحمد بن الحسين بن عيسى البارقي(5) - رحمه الله تعالى - ذكره العلامة يحيى بن محمد بن الحسن بن حميد المقرائي، وعدَّه في تلامذة الفقيه يوسف - رحمهم الله جميعاً -.
أحمد بن حميد بن سعيد [ - 773 ه ]
__________
(1) ولعلها التي ينسب إليها بنوه مُعِينَ بضم الميم وخفض العين وسكون الياء - وهم قوم من خولان بن عمرو بن الحاف في صعدة، إليهم ينسب الصوفي الكبير مدافع بن أحمد بن محمد المعيني، ثم الخولاني، عاش في القرن السابع الهجري (معجم المقحفي ص: 614).
(2) في (ب): جميعاً.
(3) زيادة في (أ).
(4) من مصادر ترجمته طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/115 - 116 رقم (42).
(5) في (أ): الباقري.
شيخ الأئمَّة وترجمان علومهم، الفقيه الإمام، العابد الناسك، أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي - رضي الله عنه - هو كما قال الواثق في حقه: ينبوع العلم الفوَّار، وزبرقان الفلك الدَّوار، طراز علالة الكراسي وطود الحكمة الراسي.
أريب رست للعلم في أرض صدره ... جبال جبال الأرض في جنبها قفُّ
يحل العقود الفلسفيَّات فكره ... ويستغرق الألفاظ من لفظه حرفُ
فاتح الأرتاج ودرّة التاج.
وإنَّ صخراً لتأتم الهداة به ... كأنَّه علم في رأسه نار
/112/ واسطة العقد الفريد أحمد بن حميد بن سعيد مدَّ الله مدَّته وحرس مهجته، وترجم له السيد العلامة يحيى بن المهدي الحسيني(1) في كتاب (الصلة) والمقرائي في (النزهة).
__________
(1) في (ب): يحيى بن المهدي بن الحسين.
قال السيد عماد الملَّه - رحمه الله - ما لفظه: كان أحمد بن حميد أعاد الله من بركاته عالماً فاضلاً ورعاً، يرى لأهل بيت محمدٍ أبلغ ما يرى لنفسه، ويهتش عند رؤيتهم اهتشاش النّهم الصرم مالم أرَه في غيره، كافاه الله عنَّا بالحسنى، حكى لي أنه قرَأ سورة (كهيعص) وانتهى إلى ذكر الأنبياء - عليهم السلام - إبراهيم الخليل، وإسماعيل، ويعقوب، وموسى، وهارون، وإدريس - صلوات الله عليهم أجمعين - فارتعش قلبُه وقال: يا لك من شرفٍ يعظِّمهم الله، ويذكرهم عنده، أو ما معناه هذا، فسمع قائلاً لا يراه يقول: وأنت منهم وأنت منهم، وكان نفع الله به في علم الكلام كعبدالجبار قاضي القضاة، وفي ولاء الورع كعمرو بن عبيد، وفي ولَاء أهل البيت كالصَّاحب الكافي - رضي الله عنه -. انتهى(1)
أحمد بن حميد المحلي [ - 701 ه ](2)
__________
(1) من مصادر ترجمة أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي المتوفى 773ه، صلة الإخوان خ، والنزهة لابن حميد خ، وطبقات الزيدية خ، الجواهر المضيئة، ولوامع الأنوار 2/315، والمستطاب خ، ومصادر الحبشي 158، وأعلام المؤلفين الزيدية ص 105، ترجمة (77)، وانظر بقية مصادر ترجمته هناك، ومن مؤلفاته: قنطرة الوصول إلى تحقيق جوهرة الأصول فرغ من تأليفه سنة 752ه خ، منه نسخة بخط المؤلف في 191 ورقة رقم (1795) مكتبة الأوقاف الجامع الكبير، مصورة بدار الكتب المصرية رقم (263).
(2) من مصادر ترجمة المحلي، الطبقات الكبرى خ، إجازات القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري خ، وأعلام المؤلفين الزيدية ص 105 ترجمة76.
القاضي، المحقق، الجليل، شهاب الدين، أحمد بن حميد بن أحمد المحلي - رحمه الله تعالى - كان من عيون وقته علماً وفضلاً، وتولَّى القضاء، وله مقالة مشهورة في العتق، توفي يوم الجمعة ثاني شهر صفر سنة إحدى وسبعمائة، وقبره بجميمة سخدا(1) مشهور مزور، عليه مشهد هنالك، وكان من أكابر شيعة الإمام المطهر بن يحيى، وذكره في كتابه إلى (جيلان) الموجَّه إلى الفقيه العلامة الصدر شمس الدين داعي أمير المؤمنين أبي محمد القاسم بن أحمد بن سليمان الجيلي الزيدي الناصري صاحب (بيهجان)، فقال: وقد ذكر بعض من في عصره من علماء أهل البيت - عليهم السلام - وشيعتهم: ونحن نعلمكم أيّدكم الله والحمد لله رب العالمين أن فينا من العلماء المبرزين والحكماء المميزين عدداً كثيراً وجمّاً غفيراً من العترة الهادية المهدية، وأشياعهم من الفرقة الناجيَة الزيدية، فمنَ العترة شموس علم باهرة، وأقمارُ فهمٍ زاهرة، فمنهم من أولاد القاسم بن إبراهيم جماعة وافرة، يُرَجّون للإمامة، ويؤهلون للزعامة، ويحف بهم من علماء الزيدية نجوم علم منيرة، وأقمار فهم مديرة وعيُونهم المشاهير:
أحمد بن حميد
الفقيه العالم ابن العالم جمال الدين، أحمد بن حميد، محيط بالأصولين إحاطة الهالة بالقمر، ومحتَوٍ على الفروع احتواء الأكمام على الثمر، ضارباً في علم الفرائض بالحظ الوافرِ، ومن العربيَّة بنصيب غير قاصرٍ، أشبه أباه الشهيد خُلُقاً وعلماً وماثله خَلْقاً وحلماً، ومن أشبه أباه فما ظلم، ثم ساق الإمام علي هذا النمط وذكر جماعة من الشيعة - رضي الله عنهم - ورثاه السيِّد سليمان بن محمّد الحمزي - رحمه الله - فقال:
بحر من العلم عمَّ الدين زاخره ... وبدْر تمٍّ أضاءتنا بوَادره
وطود حلم تذرى الشمّ راسخة ... وغيث جود أغاث الأرض ما طره
/113/
__________
(1) في (أ): تخذا، وهو تصحيف، والصحيح ما في (ب)، وهي جميمة سخدا بمهملتين بينهما معجمة.
وذو شمائل مثل الروض ضاحكة ... جناته(1) حاكياً للزهر زاهره
أحيا الإله به الإسلام ثم مضى ... فمات عن موته البادي وحاضره
من للمنابر حقاً لا يلم بها ... من المصاقع خطيب لا يناظره(2)
ومن لمثكلةٍ أو من لأرملة ... بعد الجمال ومن للعرف أمره
لا مثل ذلك يأتينا الزمان به ... ولا قريع له في الدهر قامره
فإن مضى فحميداً عاش ثم بقت ... عنه مآثر لا زالت مآثره
ولم يزل من حسام الدين والده ... ذا همَّةٍ عالم للحق ناصره
فكل عين لفقد الفذ باكية ... وكل قلب قريح منه ذاكره
ذاك الصراط جميع الخلق سالكه ... ومنهل وارد فيه وصادره
سقَى الضريح الذي وارَى صفائحه ... وجهاً كريماً من الوسمي باكره
ولا ألم بآل بعده أبداً ... رزءٌ ولا كان إلا ذاك آخره
أحمد بن حميد بن أحمد [ - 802 ه ]
الفقيه الفاضل، أحمد بن حميد بن أحمد بن حميد، كان من العلماء - رحمه الله تعالى - سمع من والده حميد الصَّغير، توفي - رحمه الله - يوم الأربعاء سابع وعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة، وقبره ببيت النجار.
أحمد بن حنش الكندي [ - نحو670 ه ] (3)
__________
(1) في (ب): ضاحكة أزهارها.
(2) العجز زائد على الوزن.
(3) أحمد بن حنش، من مصادر ترجمته: أعلام المؤلفين الزيدية ص 106 ترجمة 78، طبقات الزيدية خ، الجواهر المضيئة خ، مؤلفات الزيدية 2/325، 350.
الفقيه الفاضل الرئيس(1)، أحمد بن حنش الكندي الشهابي - رحمه الله - نسبه إلى شهاب بن العاقل الأكبر بن ربيعة بن وهب بن ظالم بن معاوية بن كندة، واسمه ثور بن عقير بن عدي بن الحارث بن مرَّة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، هذا هو الصَّحيح في نسبهم ونسب بني شهاب لا إلى الأشعث بن قيس، هكذا حقّقه المحققون، ونسب الأشعث منحط قد وصمه أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - وكفى به، كان عالماً، قال في تأريخ السَّادة ما لفظه: أحمد بن السلطان حنش الكندي الشهابي، كان وصل أحمد هذا من بلاده يجاهد مع الإمام المنصور بالله - عليه السلام - بآلة الحرب على ما كانت عليه قبائل الزيدية، وكان يسكن الحيمة(2) وفيها واد ينسب إليه ويعرف الآن بوادي حنش، فساقه اللطف إلى طلب العلم الشريف والرغبة فيه إلى أن بلغ به وبأولاده إلى حيث عرف في أمر الدين. انتهى
قلت: ويقال: إنه - رحمه الله - صنّف كتاباً في الفقه(3)، وقبره بظفار، وفاته(4) في عشر السبعين وستمائة.
أحمد بن داود بن يحيى [ - ] (5)
__________
(1) في (ب): الرائس.
(2) الحيمة: بلاد واسعة بالغرب الجنوبي من صنعاء بمسافة 37 كيلوا متر إلى أوائلها، وهي قسمين: الحيمة الداخلية، والحيمة الخارجية (انظر عن تفاصيل ذلك معجم المقحفي ص: 204 - 205).
(3) لم أجد له نسخة خطية، وتنسب إليه القصيدة المعشرة (قصيدة طويلة في مدح الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - في كل قافية عشرة أبيات من قافية الهمزة إلى قافية الياء) خ، منه نسخة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي بضحيان منسوبة على أحمد بن حنش الكندي، فعله من أحفاده.
(4) بياض في المخطوطة.
(5) أحمد بن داود من مصادر ترجمته الترجمان خ، ومآثر الأبرار 3/1079.
السيد الفاضل الكامل أحمد بن داود بن يحيى بن الحسين، قال ابن المظفر - رحمه الله -: هو علامة وقته وفقيه أهل البيت - رحمه الله - وقد ترجم له غير ابن المظفر، وأثنى عليه كثيراً - رحمه الله - وأعاد من بركاته.
أحمد بن داعي الديلمي [ - ق5 تقريباً](1)
الفقيه الإمام أحمد بن داعي الديلمي البيهجاني - رحمه الله تعالى - هو المعروف بداتشي، قال يوسف حاجي الناصري يقال له: فقيه داتشي(2)، قبره في بيهجان في بلكر مزور، له من الكتب (تعليق الإبانة) و(تعليق التحرير)، وكتاب جوابات (تعليق)(3) الملاحدة.
قال يوسف بن الحسن الجيلاني في ردّه على أبي مضر: إن كتابه في تحريم مصالحة الملاحدة./114/
أحمد بن راشد الينبعي [ - 819 ه ]
الفقيه العالم، الزاهد، شمس الدين: أحمد بن راشد الينبعي، الزيدي، قال الشريف محمد بن أحمد الفاسي المالكي في تأريخ مكة المسمَّى (بالعقد الثمين في تأريخ البلد الأمين): كان قاضي ينبع، وكان يتولى الأحكام بوادي ينبع من (بلاد)(4) الحجاز بولاية من الإمام الزيدي صاحب صنعاء، ولي ذلك سنين كثيرة حتى مات، وكان يتوقف في شهادة كثير من المخالفين لمذهب الزيدية، حجَّ سنة تسع عشرة وثمانمائة فأدركه الأجل بعد الحج يوم النفر الأول أو الثاني من هذه السنة، ودفن بالمعلامة، وبني على قبره نصب.
__________
(1) أحمد بن الداعي، من مصادر ترجمته: طبقات الزيدية خ، اللآلئ المضيئة خ، الجواهر المضيئة خ، تأريخ الأئمة الزيدية في الجيل والديلم ص 163، وانظر عنه وعن مؤلفاته أعلام المؤلفين الزيدية ص 107 ترجمة (79).
(2) في أعلام المؤلفين الزيدية: داتش.
(3) زيادة في (أ)، وفي أعلام المؤلفين الزيدية.
(4) في (ب): من وادي الحجاز.
أحمد بن رميح النخعي(1) [ - 375 ه ]
الشيخ الإمام الكبير، المحدِّث الخطير، أحمد بن رميح النخعي المروزي، صاحب التصانيف المفيدة والمحاسن العديدة، قال الحاكم: أقام باليمن (بصعدة)، ثم قدم (بغداد) فأكرموه وأخذوا عنه، قال الذَّهبي: ما المثَل فيه إلا كما قال ابن معين في عبد الرزاق: لو ارتدّ ما تركنا حديثه، واستَدعاه أمير صعدة من بغداد فأدركته المنية في (الحجفة)، وثَّقه الحاكم وغيره.
أحمد بن الريان [ - ]
الفقيه العلامة، أحمد بن الرَّيان عالم كبير، كان ينزل (بمدر)(2) من بلاد (حاشد)، وكان مألفاً للزيدية ومجمعهم للفضائل، وينفق عليهم، ولا يفارقون مجلسه في السمر للتلاوة والصَّالحات، ويعطيهم زبيباً، ورؤي أن زوجته تولت إخراج الزَّبيب لهم فأرادت أن تكيل لهم فمنعها وقال: الله أعطانا بغير كيل وأهل هذا البيت أهل نعمة، وكان ذكرهم مستمر إلى الأعصر المتأخرة نحو سبعمائة أو ثمانمائة سنة، وتزوج القاضي أحمد بن سليمان بن أبي الرجال - رحمه الله - منهم(3)، ولهم أخبار، وسيأتي ذكر بعضهم.
أحمد بن زيد البيهقي(4) [ - ق7 ه ]
__________
(1) من مصادر ترجمته: أعلام المؤلفين الزيدية ص: 167 - 168 ترجمة رقم (155) واسمه فيه: أحمد بن محمد بن رميح بن عصمة النخعي النسوي ثم المروزي، أبو سعيد (وانظر بقية مصادر ترجمته فيه).
(2) مدر: مدينة أثرية في أرحب شمالي صنعاء (معجم المقحفي ص: 574).
(3) في ب: فيهم.
(4) من مصادر ترجمته طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/120 - 121 ترجمة رقم (47).
الشيخ الأكرم معين الدين، أحمد بن زيد البيهقي الحاجي(1) المروقني(2) الزيدي، ذكره الشريف المرتضى بن شراهنك، وأثنى عليه، وقال: وهو من تلامذة الشريف المرتضى حسيب الأبوين، أكرَم من تحت الخافقين، ملك السَّادة والنقباء علي بن ناصر الحسيني السرخسي، مؤلف (أعلام نهج البلاغة) وأحمد بن زيد المذكور، اجتمع به عمرو بن جميل النهدي العازم إلى (قطَابر)(3) المجيز للإمام المنصور بالله وابن الوليد، وكانت الإجازة صحوة النهار يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الآخر سنة ست وستمائة، وكان اجتماعهما بشاذاباج نيسابور في مدرسة الصَّدر يحيى بن إسماعيل بن علي(4) الحسيني في الضفة الشرقيَّة في شهر رمضان سنة ستمائة، وحضر معهما تاج الإسلام سالم بن أحمد بن سالم البغدادي، والشيخ العالم افتخار البحار أحمد بن محمد الواسطي، وقرؤوا جميعاً (نهج البلاغة) على تاج الشرف(5) يحيى بن إسماعيل، فالمملي هو الشيخ معين الدين أحمد بن زيد صاحب الترجمة ويحيى بن إسماعيل، هو الإمام الفاضل المبلغ دعوة الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة إلى مَلِك خوارزم، وهو علاء الدين - رحمه الله - وسيأتي ذكره، فإنه من مفاخر الزيدية. انتهى
أحمد بن ساعد بن فليته [ - ]
الفقيه العلامة، روض الأدب المتفتق، وبحر العلوم المتدفق، أحمد بن ساعد بن فليته بن أسعد بن علي الهاشمي نسباً، والهمداني بلداً، والعدلي مذهباً، الحاكم - رحمه الله - بذمار، من تلامذة القاضي العلامة عبد الله بن الحسن الدواري.
__________
(1) في (ب): أحمد بن زيد الحاجي البيهقي.
(2) في طبقات الزيدية: البروقني.
(3) قُطَابر بالضم: ناحية من قضاء جماعة في بلاد صعدة، بالجهة الشمالية من مدينة ساقين (معجم المقحفي ص: 518) تسمى اليوم قَطَابر بالفتح.
(4) سقط من (ب).
(5) في (أ): على باب أشرف.
قال السيِّد العلامة عماد الدين يحيى بن المهدي: فيه من العلم والفضل والورع والزهد ما شهرته تغني عن ذكره. قال السيِّد العلامة الهادي ابن إبراهيم: هو /115/ حملاني.
قلت: لعله نسبه إلى البلد، ورأيت بخط الحاكم المذكور أنه هاشمي النسب، همداني البلد. انتهى
أحمد بن سعد القدم [ - ق7 ه ] (1)
العلامة الأجل اللسان البليغ، وجه الزيدية وعالمها، أبو الحسن، أحمد بن سعد القدم. كان من الكمال بمحل عظيم، له في الأدوات والعلوم العقلية والشرعية القدم الراسخة، ترجم له فاضل بن عباس أبو دعثم الزيدي - رحمه الله - وأنشد من شعره في الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة.
رد من هواك لأسمى حيثما وردا ... واسمح بدمع غريب طال ما جمدا
لا تنه قلبك عن أمرٍ تحاولُه ... واقصُد به من رياض الحب ما قصدا
وقل لذي كبدٍ بالشوق قطعها ... من أين تلقى إذا قطعتها كبدا
بدت عشاء فقلت الشمس قد رجعت ... لأي حالٍ أم البدر التمام بدا
نصت قضيباً وعنَّت فوقه قمراً ... وجللته من اللَّيل البهيم رِدا
وهذا شعر فائق كما تراه ومن مديحها:
ولو رأيت أمير المؤمنين بجيش الـ ... ـكردي(2) والمورد الصعب الذي وردا
وأنفسُ الخلق والأكباد قد مُلِئت ... والأرض ترفل من أقطارها زردا
أبصرت صورة إنسانٍ على فرس ... قد أُلبِسَت تحت أثواب التقَى أسدا
انتهى.
أحمد بن سعد الدين المسوري [1007 - 1079 ه ]
__________
(1) من مصادر ترجمة أحمد بن سعد القدم: السيرة المنصورية 1/117، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 4/15، وأورد له في السيرة المنصورية أو الموجود منها قصيدة أخرى رائية غير التي أوردها المؤلف هنا.
(2) زائدة عن وزن البيت.
شيخنا العلامة، وسيدنا الفهّامة، حجّة الإسلام، وفخر الملة، شمس الدين، أحمد بن سعد الدين بن الحسين بن محمد بن علي بن محمد بن غانم بن يوسف بن الهادي بن علي بن عبد العزيز بن عبد الواحد بن عبد الحميد الأصغر بن عبد الحميد الأكبر المسوري - حفظه الله تعالى -(1)، هو شيخنا وشيخ الشيوخ، وأستاذنا وأستاذ أهل الرسوخ، العلامة الذي تعطو له أعناق التحقيق، وتكتنف بساحاته أنوار التوفيق حافظ الشريعة، حائط علوم الأئمة والشيعة الوسيعة، الماضية سيوف أقلامه في الأقاليم، والمحكمة آراؤه وعلومه في أنواع التعاليم والتحاكيم، فهو الذي يسَّر الله له العلم فصار جُمَّاعَه، وهيَّأ له أسبابه فهو أستاذ الجماعة، أمَّا الحديث فهو (الحاكم) المستدرك، وأمَّا التفسير فهو (محمود) الرواية والدراية المدرك، وأمَّا علوم المعقول فهو المطلق التصرَّف فيها، فهي بين مقيَّد ومعقول. وأمَّا الكتابة فهو المقتعد لمهادها الوثير، وهو قاضيها الفاضل الأثير فيها و(ابن الأثير)، رسائله المثل السَّائر في الأطراف، وأمرها ونواهيها الفلك الدائر القاطع لدابر أهل الخلاف، مقتبسُة من أنوار الكتاب، ناطقة بالحكمة وفصل الخطاب، يتشعشع منها البارق النبوي ويلوح، ويتضوّع منها العابق العلوي ويفوح، فكأيّن من مرفوع بالباطل خفضته، ومخفوض بعوامِل النصب وأهله رفعته، لا
__________
(1) من مصادر ترجمة المسوري: المستطاب خ، طبقات الزيدية خ، النبذة المشيرة في سيرة الإمام القاسم خ، بغية المريد خ، الجوهرة المنيرة خ، البدر الطالع 1/58، جامع المتون خ، بهجة الزمن خ، خلاصة الأثر 204 - 207، نفحة الريحانة 3/529، طبق الحلوى 98 ، 37، تأريخ اليمن لأبي طالب 82، 109، المؤرخون اليمنيون في العصر الحديث 48، مصادر أيمن السيد 238، الجواهر المضيئة خ، الأدب اليمني في عصر خروج الأتراك 238، مصادر الحبشي 334، 56، 57، 128، أعلام المؤلفين الزيدية ص109، ترجمة 82، وانظر بقية مصادره ومؤلفاته هناك.
جرم أن خطه هو الخطى العاسل، وكلمه السديد هو الأسد الكالم الباسل، مع لطافة طبع تكاد تسيل، ولين جانب يتعطف بالرفق /116/ ويميل.
وفضاضة يَلقى بها العاصين لا ... يلويه كونهم ذوي إكرَامهِ
فلا ريب أنَّ هذه الأمَّة كالمطر، وأنَّ هذا العيان يصدق ذلك الخبر، ومع ذلك فهو يباري بكرَمه الرياح الموارة، فهو غياث النزول وعتاد السيارة، كم انحل بكرمه وشفقته من أسير، وكم انحلَّ بميسور كرمه من عسير.
كأنَّ للمال في كفيه أجنحة ... فإن يقع منه شيء فيهما يطر
مع ثبات لِوَثبات النوازل، وتحمُّل لإثقال تئط منها البوازل، فالعجب من تلك الصَّلابة مع طبعه الشفيق الرقيق، ومن تلك الجلادة مع لطافَة فهمٍ كأنَّما ينظر إلى الغيب من سَترٍ رقيق، مع زهدٍ وورع شحيح، وعزف نفسٍ عن العاجل الذي صار الناس له بين قتيل وجريح، مع تمكنه من نفيس أعلاقه، وقبضه بالبنان لو شاء على مفاتيح أغلاقه، فإنه لم يزل في دور الخلافة آمِراً في مهمَّات الأمور، على رأيه المسَدَّد لولب فلكها المسعود يدور، غير أنه علم الغَاية، فلَوَى لِوَاء عزمه وطوَى عن المطامع رأيه، وأقبل على مأدبة القرآن، فاستبطن وامتلأ، وكادت تناجيه معاني القرآن إذا تلا، ونظر في العلوم الإسلاميَّة فاستخلص الزَّبد من لبنه، وأسَّس قواعدها بجواهر النبوءة لا بآجره ولبنه، ومع ذلك يقوم الليل إلا قليلاً، ويقطع أيامه صلاة وتلاوة وتسبيحاً وتكبيراً وتهليلاً، فقد ظهرت عليه آثاره، وزهرت على جبينه أنواره، ولم يزل يقرع المنابر، ويحلِّلها ويكلِّلها بإبريسم الوعظ والجواهر، بكلمٍ نبويَّة، وحِكَمٍ علويَّة، تهد الصلد الصفوان، ولا يقاس بها حكم (قيس) ولا (خالد بن صفوان).
بمعانٍ لَو كنَّ في سالِف الدهر ... لسكت مسامع (السكاكي)
وبالجملَة فينبغي لي قبض عنان القلم، فإني لا أجد عبارة لوصفه فهو أشهر من نارٍ على علم، رُبِّي أيّده الله في(1) مهاد الهدى، ورضع من أخلاف أخلاق الأئمة الذين بهم يهتدى، اتصل بالإمام المجدد المنصور، علم الهداية الظاهر المشهور، الإمام القاسم بن محمد بن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله (وسلم)(2)، المنعوت في الملاحم المذكورة، وغصن شبابه رطيب، وبُرد كماله قشيب، فبسق غصنه ودوَّح، وسبق جواده القرح، وكتب للإمام في الإنشاء، وأحسن فيه ما شاء، وكان الإمام يؤثره على الكفاة بكتب الوزير والباشا، ثم لمَّا أفل ذلك البدر استهلَّ الناس الهلال، فاجتمع الفضلاء للخوض في الجامع لخصال الكمال، فاجتمعت الكلمة من الكملة، أن جملة الشروط في المؤيَّد بالله من غير استثناء، متصلة(3) غير منفصلة، فحث القاضي - أيده الله - (في عقد الإمامة)(4) وأوضع، وسعى إلى أن أجمع فريق العلماء على ذلك أجمع، فعُقدت الولاية المسعودة، ونصبت أعمدَة أفياء ظلالها الممدودة، ثم وازر وظاهر، وجاهد وناصر، بعزماتٍ تعدَّ عندها العزمات /221/ زمعات(5)، وسطوات أصبحت لها جميع الأعداء جموع تكسير منهزمات، فكم نُشرت برأيه من رايات، وقامت(6) للحق بسعيه من علامات وآيات، بهمَّةٍ من فوق الفلك، وفكرة من تحت الدَّرك، وكم حظ الناس على حظوظهم من المناصرة، وكم أطال في شحذ الهمم القاصرة، وفي خطابهِ وخطبه ومنظومه وكتبه كقصيدته إلى بعض الأمراء.
كل يوم على الأعادي إغاره ... فسحاب على العدى مطَّاره
__________
(1) في (ب): ربي - رحمه الله - في مهاد المهدي. وفي الحاشية أيده.
(2) سقط من (ب).
(3) في (أ): المتصلة.
(4) سقط من (أ).
(5) حاشية في (ب): قال: (ظ) زعمات.
(6) في (ب): يسرت للحق.
ونحو قصيدته التي إلى سيف آل الرسول الحسن بن القاسم - عليهما السلام - يستنهضه على الأروام، وكان ولله الحمد على يدي ذلك السيِّد السريِّ بلوغ ذلك المرام، وأنشأ القصيدة وما قد كان شيء من ذلك، وأوَّلها:
كذا وأبيك تقتنص المعالي ... وتنتج للَّذي صبر اللَيالي
ويثمر(1) غرسُ من بذَرَت يداه ... سيوف الهند والقضب العوالي
ويحرز كل خصل ذو هموم ... يسابقها إلى أسنى الخصال
فضمر خيله ليحوز جنَّـ ... ـات عدن لا إلى ذات الوصال(2)
ومن يغضب لرب العرش يجزى ... السلامة والعلو بكل حالِ
ومنها:
ومن يقد الجيوش إلى عداه ... ينَل ما ليس يخطره ببالِ
ومن يخرج إلى الرحمن تنقد ... له الأعداء كرهاً كالموالي
كمثل أبي محمدٍ المؤدَّى ... بهمته فريضة ذي الجلال
سليل القاسم الحسن المرجَّى ... ضحوك السن إن دُعِيت نزال
فريد شدَّ عزمة هاشمي
ّ ... تزلزل حوبها أرض الجبال
وكما كمل به قصيدة السيد المجتهد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - التي قدمها إلى بين يدي الإمام الناصر - عليه السلام - وأسّس عليها كتابه (نهاية التنويه في إزهاق التمويه)، وكمَّلها(3) القاضي - أيده الله تعالى - وخمسَّها، وقدَّمها إلى بين يدي إمامه المؤيَّد بالله - عليه السلام - ثم وجَّهها الإمام - عليه السلام - إلى الشاه عبَّاس وهي من غرر القصائد وأول تكميل القاضي هوَ:
معاذاً برب العرش جل جلاله ... فموعدُه فيكم صريح مقاله
فحجَّته(4) فينا النبي وآله ... وكيف وفيكم للإله حباله
وما لحبال الله في الناس قاصمُ
بكم حجج الله المنيرة تظهر ... ودين الهدى في الشرق والغرب يوزر
ليصدق فيكم إنما أنت منذر ... وفيكم دلالات لقوم تذكروا
/118/
علومكم للعالمين مراهمُ
بذاك استمرّت فيكم دعوة الهدى ... يقوم بها من يشهر السيف للعدى
إذا ما مضى ماضٍ تلاه مجددا ... وعمَّا قليل يظهر الله مرشدا
__________
(1) في (ب): وتثمر.
(2) في (ب): الآصال.
(3) في (ب): فكملها.
(4) في (ب): وحجته.
تزول به في العالمين المظالم
ولم تزل المملكة المؤيَّديّة مؤيّدة وأعمدتها بحمد الله مثبتة موطدة، حتَّى إذا آنَ لصَدرها القفول، وحان لبدرها الأفول، وطلعت شمس الخلافة المتوكليَّة، وأضاءت أنوارها الشاملة الكليَّة، وهكذا البيت النبوي يلوح شارقُه إذا أفل غاربُه.
نجوم سماء كلما انقضَّ كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه
فاستنار بالقاضي - أبقاه الله -(1) أبراقها، وتدلت من رياض عدلها غصونها وأوراقها، فهو الآن عذيقها المرجب، وجذيلها المحكَّك، يصدق لي ما رأيته في المنام، في سابقاتٍ من الأيام، وهي أني رأيت سيّد الجميع إمام المسلمين المتوكل على الله رب العالمين - حفظه الله - يستخلص فضّة من معدن، والقاضي أيّده الله تعالى يسبك تلك الفضَّة ويُصفيها، ويتمم محاسنها ويوفيها، رأيتها قبل أن يكون لمجلس الإمامة حلساً ولجسم وزارتها نفساً، فهو الآن مدره الحضرة، وعمدة تلك الأسرة، وكان مَولده - أيَّده الله تعالى- في ثاني شهر شعبان سنة سبع وألف، وتولى تربيته والده سعد الدين، علامة الإسلام وفخر المسلمين، فغذاه بعلومه النافعة، وأفعم صدره بالحكم الجامعَة، كان والدُه العالم الربَّاني، نسيج وحده في العالم الإنساني، أعاد الله من بركته ورحمه، وأخذ عن عمِّه عبَّادة الزمان، وعلامة الأوان، حواري أهل بيت النبوءة الأخيار (وواسطة عقد العلماء الأحبار)(2) علي بن الحسين بن محمد المسوري، - رضوان الله عليه - فاستمرأ من علومه سحائب، واستثمر من رياض علمه الغرائب ثمار الرغائب، ولقي مع ذلك عدَّة من الشيوخ الجلَّة، وثافن بركبتيه البراجمة الأدلة، حتَّى سبق في العلوم وحده، وميَّزته نقطة البيكار بالوحدة، ودرس عليه العلماء النبلاء، وتخرج عليه الكملاء الفضلاء، وتجمَّل بين يديه الأحبار بتجمُّل المحابر حتى لحق الأصاغر منهم بالأكابر، ولا جرم(3) أنه الحافظ للجواهر،
__________
(1) في (ب): أيده الله.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): فلا جرم.
وكان غيره حاطب ليل، وأنه أحد الكمَلة الذين لمح إليهم أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في كلامه لكميل: أولئك الأقلُّون عدداً والأعظمون عند الله قدراً، إلى آخر كلامه.
ومما تطوقته من النعم التي لا أطيق شكرها، ومن منن الله العظيمة القدر التي لا أقدر قدرها، اتصالي بجنابه، ومثولي برحابه، ينهلني من صفي علومه ويعل، ويكثر لي من فوائده ولا يقل، فتارة ألقَى القاضي (أحمد بن أبي داود) في الأيادي، وآونة ألقى به (قُساًّ الحكيم الإيادي)، وحينا ألقى به (مالك بن دينار)، قد ترك الدنيا فما أراه /119/ مالك درهم (كإبراهيم بن أدهم)(1) لغير العطاء ولا مالك دينار (كمالك بن دينار)(2)، وتارة ألقى به (الضحَّاك بن قيس) حلماً، غير أنه قد امتلأ من بحر (علي بن أبي طالب) علماً.
لو زرتَه لرأيت الناس في رجُل ... والدَّهر في ساعة والأرض في دار
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) زيادة في (ب).
ولقد أريت في بعض المنامات، ما يقضي أن السعادة لي بلزوم تلك المقامات، رأيت هوَّة حاجمة(1) ذات أخطار، قد وقع فيها رجال ذوو أخطار، ومن الناس من يمرّ عليها ويجوز ويفوز بالنعمة في جناتٍ هنالك ويحوز، فبينا أنا في حيرة الإبلاس، أضرب أخماساً من الفكرة بأسداس، وإذا بوالدي قد حضر عادت بركاته، وهذا الأستاذ دامت نعمته فأنقذاني من تلك الهوة، وعلمت أن ذلك بدعائهما لا بحولٍ مني ولا قوَّة، ولم أزل ما ثلاً بين يديه متشرفاً بالوقوف لدَيه، فقرأت عليه من عوين العلم ما أسأل الله أن يبارك لي فيه كـ(الكشاف) لجار الله إلى أوَّل سورة الأحزاب، وشطراً من تفسير الإمام أبي الفتح الديلمي المسمَّى (بالبرهان)، و(البساط) للناصر و(الإفادة) لأبي طالب و(الأسانيد اليحيويَّة) إلا قليلاً منها، و(الأساس) متناً من غير شرح مع معرفة المعاني، و(أمالي المؤيَّد بالله)، و(أمالي أبي طالب)، كراراً، و(أمالي المرشد الخميسيات)، والموجود في حضرته من (أمالي قاضي القضاة)، و(نهج البلاغة)، والكثير من (محاسن الأزهار)، وكتاب الشهادات خاصَّة من (الشفاء)، وبعض (أصول الأحكام)، ولمعا من (مجموع القاسم) ومن (أسنى المقاصد وجميع الشمائل) لابن عفيف، و(الأربعين حديثاً) للشريف السَيلقي - رحمه الله تعالى - و(الأربعين حديثاً الجزرية من رواية آل محمد)، و(سلسلة الإبريز)، و(القصَص الحق) للإمام (شرف الدين)(2) - عليه السلام - وأشعار جده الحسين بن محمد المسوري - رحمه الله تعالى - الملصَقة إلى (قواعد عقائد آل محمد) - عليهم السلام - للدَّيلمي نسخة سيِّدنا الحسين بن محمد المسوري - رحمه الله تعالى - وأشعاره حفظه الله الآلهيَّات والنبويَّات والحكميّات، وهي أشعار كثيرة عوذة من البلايا، ولقد أخبرني الثقة أنه أرسل بعض قصائده إلى الحرم النبوي، ولمَّا أدخلت من الشبَّاك أخبر الرائي لذلك الراوي، أنها انجذبت إلى قبر(3)
__________
(1) في (ب): جاحمة.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): قرب محله.
محله صلوات الله عليه وعلى آله، وقرأت عليه رسائله وهي واسعة في علوم عدة لا آتي على حصرها، ومن كبارها وهي كتب لا رسائل: (الرسالة المنقذة من الغواية في طرق الرواية) (1) و(مختصر جلاء الأبصار) المسمَّى [تحفة الأبرار](2) و(تنوير البصيرة إلى أتقى سريرة) (3)، وغيره(4)، وله حضارة في الأجوبة علويَّة، كقوله لبعض علماء نجد من بلد الأحساء، لمَّا سأله عن الفلك الأعلى الذي كلف به من لم يكلف به، واستغرق أعمار الأعمار، فقال له القاضي: أنا مشغول في الأرض، فليس لي عهد بالسماء، وهذه على أساليب الأجوبة العلويَّة، نحو قوله - عليه السلام - لما سُئل كم من المشرق إلى المغرب. فقال: مسير الشمس يوماً أو كما قال.
__________
(1) انظر نسخها الخطية في أعلام المؤلفين الزيدية وقد طبعت محققة سنة 1417ه.
(2) بياض في المخطوط وهو تحفة الأبرار المنتزعة من جلاء الأبصار في أخبار العترة الأطهار خ، منه نسخة في مجموعة 122 مكتبة الأوقاف، وأخرى ضمن مكتبة السيد العلامة محمد بن محمد الكبسي - رحمه الله - مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي.
(3) منه نسخة خطت سنة 1071ه ضمن مجلد رقم (700) مكتبة الأوقاف، وأخرى مصورة ضمن مجموع بمكتبة السيد محمد بن عبد العظيم الهادي.
(4) وله من المؤلفات أيضاً: مجموع إجازات وأسانيد القاضي أحمد بن سعد بن المسوري خ، عندي نسخة مصورة منه وديوان شعره جمعه أحمد بن محمد الضبوي الضحياني بعنوان الدر الثمين من أشعار القاضي أحمد بن سعد الدين خ، بمكتبة المؤرخ زبارة، وغيرها انظر أعلام المؤلفين الزيدية.
ومن لطائف سيدنا - أبقاه الله تعالى -: أن بعض العلماء عاد من صنعاء بعد قراءة علوم الأدب، فذكر للقاضي ما ناله من التحقيق، والقاضي - أيَّده الله تعالى- في المهمَّات /120/ التي وصفنا، ثم قال للقاضي: ومن جملة ما حققنا مسألة أشياء هل هي لفعاً أو فعلاً، ثم وجَّه السؤال إلى سيدنا عن هذا البحث فقال له عافاه الله سريعاً: لا تسألوا عن أشياء، وأنا أسأل الله العظيم البر الرؤوف الرحيم أن يصلي ويسلم على سيدنا محمد، وعلى آل محمَّد وأن يمتع الإسلام بوجوده، وأن يشمله وإياي ببِّره الهامل(1) وجوده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
[قال المصنَّف - رحمه الله - بخط يده الكريمة بعد موت القاضي - رحمه الله - ما لفظه](2): يقول المكلوم قلبه، المثلوم لبّه، الجزع لفراق الحبيب، المتجرع من كأس الأسى بما كان يرجو أنه ليس للكرام فيه نصيب، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، كاتب هذه كنت حرَّرت هذه السطور، والقاضي عادت بركاته صدر الصدور ونور هالات المحافل والبدور، قبل أن تمد إليه المنية يدا، ولا سمع من تلقاء ربه للرحيل نداء، وذلك في عصور شهر شوال من سنة ثماني وسبعين وألف، وكان - رضي الله عنه - كتب إليَّ في شعبان من هذه السنة ما هذا حاصله: (وصلت كتب سيِّدي الكريمة، الحديثة والقديمة، واقتضى الحال التسامح عن الجواب، لعوَارضٍ وأسباب، وعجز فيما تحت الثياب، وأسأل الله لي ولكم ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات الثبات، والمغفرة لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، وهذه الثانية والسَّبعون من السنين أشرف طلوعها مع ثاني شعبان، أدخله الله على الجميع بالرضوان، وغفر لنا ورحمنا وكتبنا في الأبرار، الذين كتبت لهم رحمته التي وسعت كل شيء، وقد قال الناصر بن الهادي -صلوات الله عليهما -:
أبعد الأربعين رجوت خلداً ... وشيبك في المفارق قد علاكا
__________
(1) في (ب): الكامل.
(2) العبارة التي بين المعقوفين ليست للمصنف ولعلها لأحد النساخ.
كأنك بالذي لا بدَّ منه ... من امر الله ويحك قد أتاكا
وأحسن طلائع (ابن رزيك) حيث قال:
أبعد خمسٍ وأربعين لقد ... ما طلت إلا أن الغريم كريم
فكيف وكيف) هذه ألفاظه - رحمه الله تعالى - إلا لفظة الثبات فأظنها سقطت فعوضتها والمسلمين والمسلمات بدل على المؤمنين والمؤمنات، فأثار لوعظه هذا كميناً، وأظهر من العبرة والإدكار داءً دفينا وبعد هذا عرض له ألمٌ في الحضرة المتوكليَّة لم تستقرَّ الأغذية في معدَته فدخل إلى (شهارة) المحروسة، وجاءنا كتابه يذكر ذلك العارض ووهن القوى، فلم تزل قلوب المسلمين به مشتغلة، ونيران الوجد منهم مشتعلة، حتى لم نشعر إلا بكتب الأصحاب الجلَّة الخيار بمعمور شهارة يخبرون بانتقال روحه الكريمة من هذه الدار إلى الآخرة التي هي دار القرار، وأنه توفي - رضي الله عنه - يوم الثلاثاء سادس عشر شهر محرم غرَّة سنة تسع وسبعين وألف، وقبره في جوار المنصور بالله والمؤيَّد بالله - سلام الله عليهما - وعليه، وأخرجت المصاحف للتلاوَة /121/ في الجامع، واجتمع الخلق يقرأون القرآن ووجهه الكريم مقابل القبلة وبقي على هذا ساعات طويلة حتى يصلح التجهيز؛ لأن الوقت لم يكن وقته - أعاد الله من بركته ورضي عنه -.
قال المصنف - رحمه الله -: وكتبت أنا هذه القصيدة على عادة الفضلاء وهي:
رُوَيدكما فالصَّبر لا أستطيعه ... تمنع عن قلبي وكان يطيعُهُ
وقد كنت جلداً يألفُ الصبر خاطري ... يقولون لي رحب الجنان وسيعهُ
فها أنا يرثى لي عدوي من الأسى ... فؤادي تُشوَّى بالجحيم طلوعهُ
وذاب فؤادي فالدموع نجيعة ... فهذا فؤادي في دموعي(1) جميعُهُ
يحق لمثلي ما لَقيت وإنَّه ... ليخفَى على غيري فلست أُذيعهُ
فلَولا دُموع العين أبدَت سرائري ... كتَمت ولكن ضرَّ سري دمُوعُهُ
وهل ينبغي لي أن أرى متبسماً ... وقد هُدَّ من حصن الكمال منيعُهُ
__________
(1) في (ب): في عيوني.
ومال شمام العلم وهو شمارخ(1) ... وما كان ظَنِّي أن يميل رفيعهُ
وغاض خضم البحر(2) وهو (عطامط)(3) ... وغاب عن الأفق اليماني ربيعهُ
وغيب شمس الدين شيخ شيوخنا ... وأقوت من العلم الشريف ربوعهُ
وقد كان بحراً لا يجف عبابُه ... وقد كان بَدراً لا يزال سُطوعهُ
يترجم عن آي الكتاب بمنطقٍ ... يزيد على نظم البديع بَدِيِعهُ
فيظهر من سرِّ الكتاب عجائباً ... إذا ما رآها الألمعي تروعهُ
يراها لعجز الناس حجراً ممنعاً ... عليها من السَّتر الغليظ منيعهُ
إلى أن تجلى فانجلت مثل غيَهب ... تحلت به للناظرين شموعهُ
وكم معجزٍ أبداه كالشمس واضحاً ... أضاء الفضا لمَّا استبان طلوعُهُ
ودعا كل معنًى للكتاب ... (4)
أهاب بمعنى الذكر يأتي فجاءه ... البطيء كما قد جاء طوعاً سريعُهُ
فبخ لمن معنى الكتاب يطيعه ... ألا إنه فرد الزمان فزيعهُ
ووالله ما أغرقت في وصف حاله ... وذلك أدنى الوصف كيف رفيعُهُ
وإن أنس لا أنس الأصول فإنه ... حسام ومن ضلَّ الرشاد صريعُهُ
هو الليث والتوحيد والعدل غيله ... إذا صال في غيٍّ يفر قطيعُهُ
وهيهات لا يبقى من السرج طالعٌ ... وقد جاء من بطن العرين ضليعُهُ
ومن عجب أقلامه حين تنبري ... بميدانها والخير فيها جميعُهُ
من الصمّ إذ تدعو الصواب يجيبها ... فذاك أصم والصواب سميعُهُ
/122/
فكم رايةٍ تلوَى بميمون رايه ... وحسن قضاء الله جل مطيعُهُ
برأي يشق الشعر شقاً وإن مضى ... على صم صفوان يكاد يميعُهُ
وتوفيق رب لم يفارقه ساعة ... إذا نام فالتوفيق ذاك ضجيعُهُ
وكيف يرى التوفيق يترك سوحَه ... كبيراً وفي منشاه كان(5) رضيعُهُ
وحب بني المختار كان غذاؤه ... إذا ضيَّعته الناس ليس يضيعُهُ
__________
(1) شمارخ: الشمراخ: رأس الجبل، وأعالي السحب. (القاموس المحيط ص 245).
(2) في (ب): الجود.
(3) عطامط: لم أجدها في القاموس.
(4) الشطر الثاني من هذا البيت بياض في الأصل.
(5) في (ب): وفي منشأة وهو رضيعه.
قرَا ودرَى واستخلص الزبد وانتقى ... وشتَّان شهد المجتني وضريعُهُ
تنوح عليه الصَّالحات جميعها ... نواح ذليلٍ هدَّ منه منيعُهُ
وتبكي عليه المكرمات لأنها ... صنيعته فليبك فيه صنيعُهُ
وتبكي محاريب بها كان باكياً ... وكان بها جنح الظلام ركوعُهُ
وتبكيه أعواد المنابر كلِّها ... فما منبر إلا بكته فرُوعُهُ
لعمري لم أسمع خطابة خاطبٍ ... يشابهه ألفاظه وخشوعُهُ
دعوني وشأني فالبكا بعض حقه ... ولم يقض حقّاً من يفيض دموعُهُ
وما أنا والسلوان لو كان مسعدي ... وأملكه ملكاً لكنت أبيعُهُ
ولكنَّ لي عند الحوَادث أسوة ... إذا ذكرت في الخطب هانَ فضيعُهُ
ممات صفيِّ اللَّه والآل بعده ... ولي أمل أنَّ النبيَّ شفيعُهُ
وإن له في جنَّة الخلد منزلاً ... يروق جميع العالمين رفيعُهُ
وكان لدينا كالهلال وديعة ... فرد بكره ذا الهلال وديعُهُ
وصار إلى أهلٍ وسهلٍ ومرحبٍ ... وروض يروق الناظرين مريعُهُ
عليه سلام الله ما عقب الضحى ... ظلاماً وما وافى بليلٍ هزيعُهُ
أحمد بن سعيد بن صلاح [ - 1061 ه ] (1)
__________
(1) من مصادر ترجمته: سيرة الإمام القاسم بن محمد النبذة المنيرة خ، سيرة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم الجوهرة المنيرة خ، بغية المريد خ، بهجة الزمن خ، الجامع الوجيز خ، طبقات الزيدية خ، ملحق البدر الطالع 23، وغيرها.
القاضي العارف شمس الدين، أحمد بن سعيد بن صلاح الهبَل، كان من العلماء الكبار والنحارير الخيار، حافظاً لقواعد المذهب غاية الحفظ، وله تقريرات على والده - عادت بركاته - ثم أعاد القراءة على السيِّد العلامة محمد بن عزِّ الدين المفتي - رحمه الله تعالى - وكان السيِّد يعدُّه أجل تلامذته ويعدُّه لتهذيب مسائله(1)، وكان له في أصول الفقه قدم ثابتة ومشاركة في سائر العلوم.
توفي - رحمه الله - بصنعاء المحميَّة في [جمادى الآخرة عام واحدٍ وستين وألف](2)، وقبر بجوار السيِّد عبد الله بن إبراهيم الديلمي الفتحي رحمهما الله تعالى بتربته التي بجوار مسجد الأبهر على يمين الداخل، ورأى بعض الفضلاء قبل موته انهدام الجامع الكبير من الجهة التي كان يدرس فيها - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن سليمان الأوزري [ - 810ه تقريباً](3)
__________
(1) كما قرأ على القاضي إبراهيم بن يحيى السحولي، ومن تلاميذه المؤلف، والسيد محمد بن الحسين الكبسي، والسيد أحمد بن القاسم، والسيد صالح السراجي، والأمير محمد بن الحسن، وعبد الله الصعيتري وغيرهم.
(2) بياض في المخطوطتين، وأثبت تاريخ وفاته من طبقات الزيدية.
(3) من مصادر ترجمة الأوزري: طبقات الزيدية الكبرى خ، المستطاب خ، الجواهر المضيئة خ، الجامع الوجيز خ، تحفة الزمن خ، لوامع الأنوار 2/71، مجموع بلدان اليمن وقبائلها 1/930 وأخذ علم الحديث على الشيخ إبراهيم بن محمد بن عيسى بن مطير الحكمي، والشيخ محمد بن خير الجبرتي، وأجازه الإمام يحيى بن حمزة في كتابه الانتصار، ومن تلاميذه المطهر بن محمد بن سليمان، والقاضي يوسف بن أحمد، قال في الطبقات: ولعله توفي في العشر بعد الثمان والمائة.
الفقيه الإمام المحدِّث شمس الإسلام، أحمد بن سليمان الأوزري، من علماء صعدة المحروسة /123/ وكان إمام الحديث، رحل إليه العامَّة والخاصّة وهو الذي حكى عنه في (الغيث) ما حكاه من الصبر على كلفة الركوع، وله إلى الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - سؤالات أجاب عنها الإمام - عليه السلام - وقرأ عليه الإمام صلاح الدين محمد بن علي بن محمد كتاب (البخاري) في المنصورة بصعدة، وحضر تلك القراءة أجلاء الوقت، وكانت للإمام - عليه السلام - في تلك القراءة العناية الكاملة، قال الأوزري - رحمه الله -: ما قرأ عليَّ قط أحد أبلغ من قراءة مولانا - يعني الإمام الناصر - ولا سمع عليَّ مثل سماعه، وروى الفقيه - رحمه الله - للإمام كرامَة في وقت القراءة.
ويقال: إن قبره - رحمه الله - في (حمراء علب)(1) بالقرب من صنعاء، رأيت ذلك بخط بعض الطلبة (والله أعلم بصحته)(2)، وقيل قبره في صعدة في مقبرة الفرضين، روى بعض المشائخ أنه قد شاهد ضريحه مكتوب عليه اسمه، وهو معروف مشهور مزور، كذا روى عن السيّد العلامة عبدالله بن المهدي الكبسي - رحمه الله - والله أعلم بصحَّته.
أحمد بن سليمان العلوي [ - ]
السيد الشريف، العلامة، البليغ، اللسان أحمد بن سليمان العلوي العباسي - رحمه الله -. كان من وجوه العلماء وعيون البلغاء، له القصائد الغرّ والمقام المنيف، ومن شعره في الإمام السعيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - تهنئة:
ألذّ الهَوى ما كان أعرَى عن الهجر ... وأسلم من ليل التباريح والهجر
وما أخلَصت فيه العذَارى ودادها ... ولم تطو أسرار القلوب على غدرِ
طربت وقد ولّى الشبابُ وقلَّما ... أرَى طَرباً بعد الشباب لذي حجر
وكان زجرت النفس عن سرعة الهوى ... مراراً فلم يقصر فصمت عن الزجر
__________
(1) حمراء العَلِب بفتح العين وكسر اللام: قرية في بلاد سنحان في السفح الجنوبي من جبل نقم (معجم المقحفي ص: 191).
(2) زيادة في (ب).
فكن لي عذيراً في البكاء فإنني ... أسير هوًى أولى من العذل العذري
فلست بناسٍ عهد ليلَى وحبَّها ... ولا تاركاً تذكار من حلَّ في حجري
ولا صارفاً عن حبّ أحمد مهجتي ... إمام الهدَى المهدي ذي العزّ والفخر
مجدد رسم الحق بعد دروسه ... وكالي سرح الدين من شيع الكفر
لك الله كم أقررت من عين مسلم ... وأبكيت عيناً من غَويٍّ أخي فجر
وعطَّلت داراً من ضلالٍ فأصبحت ... بسعدك داراً للتلاوة والذكر
وكم مأتمٍ للنائحات أقمته ... على الكفر بالبيض المشطبة البتر
وثغر ضلالٍ خضته فأبحته ... كفلت به للذئب زاداً وللنّسر
/124/
وأن ابن أم خاضَ ما خضت جهرة
... لسنحان مطبُوع الفؤاد من الصَّخر
وقد حار فكري في مديحك أنه ... يقصر عنه واسع النظم والنثر
وأعوزني تعداد وصفك فانطفا ... ذكائي ولم أبلغ عشيراً من العشر
وكيف وأنت الجامع الفضل كله ... كريم المساعي وافر الصيت والقدر
مُهين نفيس المال حتى تركته ... لغَيرك راضٍ بالقليل عن الكثر
فلم يتخذ غير المعالي خبيَة ... ولم يكتسب غير المكارم من ذخر
وطبت ثناء طبَّق الأرض نشره ... وراحت(1) به الأفواه في البدو والحضر
أجلَّك رب العرش في الرتبة التي ... تقاصر عنها رتبة الأنجم الزهر
وآتاك ما لم يُؤت قبلك داعياً ... من الفضل حتَّى قيل ذا آية الدهر
وأورثك العلم العظيم ومكنت ... يمينك من نهَي الخلافة والأمر
وجاءتك طوعاً كل دارٍ منيعةٍ ... فصار ذلولاً ذو الشراسة والقَسر
وألقى هداد طوعه متقاصراً ... لبَأسك منفض الردود من الذَّعرِ
وأصبح لمَّا صار ملكك عالياً ... على الشهب مفتر البشاشة والبشر
تطأطأ فروعُ الرَّاسِيَات لفرعه ... وأقصر عن أقدامه قمَّة النَّسر
وأضحى (بَراش) دار نُسكٍ تحلّه ... نجوم الهُدى أهل الشفاعة في الحشر
وبدل بالإلحاد دين محمدٍ ... ودرس المثاني بالمزَامير والخمر
وكان من العنقاء أبعد مطلباً ... وأصعَب من نيل الكواكب والبدر
__________
(1) في (أ): وراحت، وفي (ب): ورحت.
فجاء مُطيعاً يستشيط لما مضى ... له آنِفاً في عين ملكك من عصر
وقد بذل المأمون غاية جهدهم ... لكي يملكوه وامتطوا كاهل العسر
فلم يبلغوا منه مراماً وقهقروا ... وما قصَّروا بل أعوَزت ساعة البر
وقد عرضت لي برهة لم أقم له ... بمدحٍ ولم أفرغ لتقريضه فكري
ولم أنسه لكن عرتني حيرة ... (وقوذعت) حتَّى خلتني جئت بالنكر(1)
وليس براش غاية القصد كله ... ولا هو شاد للسَّهام التي تسري
وكيف ومن دون الذي أنت طالب ... ممالك كسرَى والممالك في مصر
وقد أهلَك الله الضلال وأهله ... وأفنيتهم بالمشرفيَّة والسمر
انتهى، ووراء هذا القدر أبيات، وكان الشريف تخلَّف عن حضور وقعة براش، فعتب عليه.
أحمد بن سليمان العنسي(2) [ - ]
القاضي، الهمام، الرئيس(3)، العابد، العالم، اللسان، شمس الدين أحمد بن سليمان العنسي - رحمه الله - حاكم صنعاء وعالم الديار، كان يجمع مع العلم التيقظ والنباهة، ولذلك جعله /124/ الإمام المهدي أحمد بن الحسين حاكماً بصنعاء بعد فتحها مع ما يرقب(4) من الدوائر، كما كان ذلك، وقد كان بليغاً مجيداً منطيقاً.
ومن شعره يهنئ الإمام بفتح صنعاء وهرب أسد الدين التركماني عنها:
أرأيت كيف ترنح الأغصان ... تحت الشموس تقلها الكثبانُ
أم هل رأيت جآذراً ألحاظها ... من سحرها روت لها أجفانُ
لا تعذُلنّ أخا الصبابة في الهوى ... يغري لعذل العاذل الولهانُ
يا حبَّذا وادي الغوير فإنه ... لملاحة البيض الدمَى ميدانُ
لَم أغش أفنية الملوك زهادة ... فالربح من دنياهم خُسرانُ
حتَّى بلغت إلى زمان خليفةٍ ... أعلى وأشرف من نمت عدنانُ
الهاشمي(5) وحبَّذا من منصب ... هو للمكارم والعلا عنوانُ
نصّ النبي عليه نصاً ظاهراً ... من فضله في كفه برهانُ
__________
(1) في (أ): بالفكر.
(2) هو المذكور في مآثر الأبرار 2/872 في أخبار الإمام أحمد بن الحسين أبو طير.
(3) في (ب): الرائس.
(4) في (ب): ما يرتقب.
(5) في (أ): القاسم.
هي آية من معجزي المهدي لا ... يسطاع في إعجازها جحدانُ
لولا النبوة بالنبي محمد ... ختمت، لنصَّ بأحمد القرآنُ
يكفي أمير المؤمنين بأنه ... خير الأنام اختَاره الرحمنُ
لا يستقيم لمسلمٍ إسلامه ... إلا بطاعته ولا كتمانُ
وملاحم شهدت بها البيض الضَّبا ... والصَّافِنَات الْجُرد والمرَانُ
بلغت ثلاث مئين من سطواتها ... خضع الملوك وذلَّت الأقرانُ
انظر إلى أسدٍ يحاول ثعلباً ... من بأسه تاهت به الغيظانُ
لم يحمه سهل ولا وعرٌ ولم ... يسلم له قصرٌ ولا إيوانُ
مطرت عليه سحائب بنوائب
ٍ ... من أحمدٍ فطغى به الطوفانُ
هدمت أكفَّ الحق شيد بنائه ... فتشابه الصحراء والعمرانُ
نصر من الله استتب وبعده ... فتح تدينُ لقهره البلدانُ
صنعاء مشرقة بأيمن مقدمٍ ... للحق في أثنائه سُلطانُ
لبست مطارف بهجة تطريزها ... من كل مجدٍ فخره أفنانُ
زحفت رسيس الرجس من قوم بها ... كانوا كأنَّهم بها ما كانُوا
والأرض للمهدي ختم ملكها ... فله ملائكة السما أعوانُ
واستبشرت ببقاء مملكةٍ علت ... شرفاتها وعلت بها أركانُ
لا تسمع الطارات في غرفاتها ... أبداً ولا العيدان والألحانُ
/126/
فالملك مبتهج وَآلُ محمدٍ ... والعلم والإسلام والقرآنُ
وكأنني ببراش ملك أميره ... كف الأنام يقوده الإذعانُ
هُنيتها من أوبَة ميمونة ... يدنو لأدنى مجدها (كيوانُ)
لا زلت للإسلام بدر خلافةٍ ... لا يعتري تكميله نقصانُ
أحمد بن أبي الرجال [ - ق8 ه ]
القاضي الصدر، جليل الرتبة والقدر، شمس الإسلام، أحمد بن أبي الرجال - رضي الله عنه -. كان صدراً جليلاً وبدراً جميلاً، وتسمَّى بقاضي القضاة، ووسع الله في عمره وذات يده، وجمع من الكتب مالا يجمعه إلا القليل من علماء الديار اليمنيَّة - حرسها الله تعالى - ووقف لها الأوقاف النافعة، وكان قبل ظهور الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - قائماً بوظيفة القضاء، ووقع من الإمام (- عليه السلام -)(1) معارضته في قضاء دار (الضريوة) بثلا، ثم بعد الدعوة، تولى له القضاء وعرف بقاضي القضاة، وهو فيما يحكي السَّبب المهيج لأخيه محمد بن سليمان على الرحلة للعلم إلى صعدة، ثم إلى مكة وغيرها، وله قضيّة فيها بعض الطول، وقلَّ ما حكى عنه الخلاف لاشتغاله بالقضاء، وقد نسب إليه وجوه من ذلك في الشركة وفي الزكاة وفي الأيمان فيمن قال: هو بريء من الإسلام. وله تكميلات لما لم يجب عليه الأمير علي بن الحسين في (القمر المنير)(2)، وكان الأمير علي بن الحسين قد أذن له في إصلاح (القمر المنير) خاصَّة للإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - ومقتضى ذلك أن هنالك ما يجب التنبيه له، والله سبحانه أعلم.
أحمد بن سليمان [ - ق7 ه ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) القمر المنير في حل عقود التحرير في الفقه (حاشية على كتاب التحرير للإمام أبي طالب الهاروني) قال الحبشي: - خ – سنة 659ه جامع 314، لعله (المنهج المنير) ج2، مكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة.
الفقيه الفاضل الكامل، أحمد بن سليمان صاحب الحليلة. كان عالماً فاضلاً، وهو ممن كتب وراء كلام الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام -(1) في المسألة المشهورة وذلك أنه كتب الإمام ما نصُّه: من خالف الإمام وانتصر (بالغزِّ) ونصرهم ونصروه، إن ذلك يقتضي الكفر، وإذا كان كذلك ثم تابوا سقط عليهم ما تعلق بذممهم من حقوق الله المحضَة، ومن المظالم أيضاً، ولم يبق عليهم غير الدَّين والوديعَة، فإن تغلبوا أو شهروا سيوفهم وفي أيديهم الودائع والدَّين في ذممهم فهي لازمة عندنا، وما كان تحت أيديهم من الطين يوم التغلب، ثم أسلموا عليه وقرره الإمام في أيديهم فهو لهم والإسلام يجُب ما قبله، وما ثبت في الذمَّة بالرضى كالدّين والوديعة والمهر وجب قضاؤه، وعلم الإمام المهدي علامته الشريفة، والكلام منقول بخط أبي الفتح بن أبي الفضائل وقرره الفقيه أحمد بن سليمان صاحب الحليلة المذكور، وقرره أبو الفتح بن مدافع، والسيد سليمان بن هيجان، والفقيه سعيد بن محمد الحارثي، والفقيه محمد بن سعيد الشظبي، والإمام الحسن بن محمد، والفقيه عبد الله بن زيد، والإمام المطهر بن يحيى، ثم كتب القاضي أحمد بن سليمان بن أبي الرجال بعد علامتهم فقال: ما فعله الإمام وحكم به في أموال المرتدين فهو ثابت لا يجوز لأحد نقضه؛ لأنه إمام زمانه وحجة أوانه، وساق كلاماً بعد هذا، والله أعلم./127/
أحمد بن سليمان العسكبة [ - ]
الفقيه العارف شمس الدين أحمد بن سلُيمان العسكبة، كان عالماً صالحاً كبيراً ذكره صاحب (الصِّلة)، قال السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله تعالى -: وأحسب أنه الرَّاوي لكرامة الإمام الناصر، وذلك أن بعض أهل الفساد وقف بالقرب من قبر الإمام بجوار قبته، فرأى الإمام في بعض الليالي يقول له: أسأت جوارنا، وآذيتنا بفسادك، إن انتهيت وإلا ضربت عنقك بهذا السيف وشهره عليه، فلمَّا أصبح انتقل عن البيت مرعوباً.
__________
(1) في (أ): أحمد بن سليمان.
أحمد بن سليم النحوي
الفقيه الفاضل شمس الدين أحمد بن سليم النحوي(1)، كان عالماً كبيراً، وتولَّى القضاء، وأخذ عنه جماعة من الأئمة، ترجم له بعض عقبه، - رحمهم الله تعالى - وذكره ابن مظفر.
أحمد بن سهل الرازي [ - ق4 ه ] (2)
العلامة الفقيه المحدث، أحمد بن سهل الرازي. صاحب أيام فخ(3)، أحد الحفَّاظ، لقي الشيوخ وتلقف عنه الجلة، أخذ عن السيد الإمام الحسين بن القاسم الرسي والد الهادي، وعن محمد بن القاسم، وعن سليمان بن موسى، وعن محمد بن يوسف، وعن موسى الثاني، وعن إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبيدالله بن العباس بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه في الجنَّة - وعن محمد بن منصور وحمدان، عن محمد بن منصور، عن القاسم بن إبراهيم، هؤلاء شيوخه من أصحابنا وغيرهم، وأخذ من المحدّثين عن أبي عمر بن شيبة، وحسن بن عبد الواحد الكوفي، وأحمد بن حمزة الرازي، وعيسى بن مهران، وهارون الوشا، ومحمد بن عمرو بن خالد أبو علامة، والحسن بن إبراهيم بن يونس وغيرهم جمٌّ غفير، وأخذ عنه شيخ العلوم بالريّ أبو زيد عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم، وكان أبو زيد هذا عالماً كبيراً - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن شايع اللوزي [ - 1080 ه ]
__________
(1) في (ب): أحمد بن سليمان النحوي.
(2) من مصادر ترجمة أحمد بن سهل الرازي: المستطاب خ، مقدمة أخبار فخ طبعة دار الغرب الإسلامي بيروت، أعلام المؤلفين الزيدية ص 113 - 114، ترجمة 74، وله كتاب أخبار فخ، وخبر يحيى بن عبد الله - عليه السلام - وأخبار إدريس بن عبد الله من نسخة خطية في مكتبة الأوقاف رقم (2347) وعندي نسخة مصورة من ضمن مجموع بخط العلامة شيخ الإسلام أحمد بن سعد الدين المسوري، وقد طبع بتحقيق ودراسة الدكتور ماهر جرار سنة 1995م ثم طبع ثانية من مركز آل البيت بصعدة.
الفقيه العارف، الناسك العابد، أحمد بن شايع اللوزي - رحمه الله تعالى -. كان عابداً، وكان يسكن مدينة ثلا، منزله قريباً من المدرسة، وكان ورعه شحيحاً، لم يبايع الإمام القاسم - رضوان الله عليه - لعدم إياسه من الإمام الحسن بن علي بن داود - عليه السلام - وله كتاب مجلد جمع فيه نصوص العلماء في تخطئة(1) الصوفية، وذكره الإمام القاسم - عليه السلام - في (الكامل المتدارك) بقوله:
زجروا الَّذي ينهاهم عن منكرٍ ... مثل ابن شايع التقي المهتدي
وصنَّف سيرة تشتمل على أيام الإمام الناصر الحسن بن علي بن داود - عليه السلام -(2).
أحمد بن صلاح بن الهادي [ - ]
السيد العلامة أحمد بن صلاح بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، كان من العلماء الأخيار أهل البيت من الصلحاء، وكان مجيداً في الشعر مسخراً له.
أحمد بن صلاح القصعة [ - 1018 ه ] (3)
__________
(1) لم أجد له نسخة خطية.
(2) سيرة الإمام الناصر الحسن بن علي بن داود من سنة 976 - 993 خ، المكتبة الغربية كما في مصادر الحبشي، وأخرى بالأمبروزيانا رقم 135، أخرى خطت سنة 1131 بخط أحد أحفاد صاحب السيرة بمكتبة آل الهاشمي، مصورة بمكتبة السيد عبد الرحمن شايم، ومن مصادر ترجمة اللوزي المستطاب خ، البدر الطالع 1/204، خلاصة الأثر 2/29، مصادر الحبشي 287، 431، الموسوعة اليمنية 1/52، المؤرخون اليمنيون في العصر الحديث 37 ، 38، أعلام المؤلفين الزيدية - ص 116 - 117 ترجمة 86.
(3) من مصادر ترجمة القصعة: سيرة الإمام الحسن بن داود خ، ملحق البدر الطالع 36، مؤلفات الزيدية 1/441، ذيل أجود المسلسلات ص 260، طبقات الزيدية الكبرى 1/148 - 151 ترجمة رقم: 55، أعلام المؤلفين الزيدية ص 121 - 122 ترجمة (91)، مجموع إجازات القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري خ.
القاضي العلامة بصري زمانه، بلخي أوانه(1)، حاتم السماح، وأحنف الرحاح، عمار التشيّع، شمس الدين، أحمد بن صلاح بن الحسن(2) بن محمد بن علي بن المهدي(3) بن علي بن حسن بن عطية بن محمد بن المؤيد الدواري /127/ المعروف بالقصعة(4)، كان من كبار العلماء الأخيار، زاهداً في الدنيا، كثير الإحسان صادق المودة لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولقي لذلك تعباً شديداً حتى إنه كسر ظهره بعض الأروام في محبتهم، وكان لا ينظر إلى الظلمة، دخل كراراً إلى أمير صعدة المحروسة، وجرى بينهما عتاب وأمور يطول شرحها، ومع ذلك لم يعرف وجه الأمير، لقيه في الصحراء فعدل إليه وخاض معه ثم انصرف، وكان مع القاضي رجل من الأشراف(5) الحمزيين، فسأله كيف وجه الأمير وأشاب أو لم يشب(6)، وكان يسمَّى المقشقش - بقافين وشينين معجمات - لأنه كان إذا حضر طعامه - رحمه الله - بصعدة أمر رسوله يحفل بمن في الجامع من الغرباء. وكان في العلوم بحراً لا يجارَى سيما في علوم أهل البيت - عليهم السلام - ذكر القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس عنه أنه كان عند الإملاء في علم الكلام يزبد من أشداقه، وكان مع الإمام الحسن في سماع شرح الرسالة الشمسيَّة على الرجل الشيرازي القادم إلى صعدة، وكان يقول الشيرازي: إن عاش السيد وقاضيه كان لهما شأن عجيب. وصنف كتاباً في أنواع الحديث مبسوطاً(7)، وله كلامات متفرِّقة في علوم متعددة، وقبره بصعدة، وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث وعشرين من شوال سنة ثماني عشرة وألف، وأمُّه - رحمه الله - جارية هندية؛ لأن والده كان كثير السفر إلى الهند.
__________
(1) في (ب): أمانة.
(2) في (ب): بن حسن.
(3) في (ب): بن مهدي.
(4) في (ب): القضعة.
(5) في (ب): من أشراف.
(6) في (ب): أو لما يشب.
(7) لم أجد له نسخة خطية.
قال سيدنا أحمد بن سعد الدين - رحمه الله -: وأحفظ أن مولده في (كنباية)، ومن مشيخته العلامة الحسين المسوري، والسيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي مؤلف (الحاشية على الكافية)(1)، قرأ عليه (الحاجبية) وحاشيته عليها، وبعض (المفصل)، وبعض (مقدَّمات البحر) و(الأزهار)، وشرع عليه في (أحكام البحر)، ثم عاق الحمام، ومن مشيخته علي بن الإمام شرف الدين، والسيّد فخر الإسلام مطهّر بن تاج الدين، وأثنى عليهم بما سنذكره - إن شاء الله - في تراجمهم، وقرأ على إبراهيم بن علي بن الإمام، وعلى العلامة ابن نسر الأهنومي.
أحمد بن صلاح بن مرغم [ - ]
القاضي الورع، شمس الدين، أحمد بن صلاح بن مرغم - رحمه الله - كان عالماً بالفقه محققاً، قرأ في (التذكرة) أربعين سنة، وكان من القائمين بالقسط، الصَّابرين على ما أصابهم في جنب الله لا تأخذه في الله لومَة لائم، وكان من الزهد بمكانٍ لا يلحق، وكان يأتزر - رحمه الله - ويلتف بكساء، ويعتم في العام القابل بفضل كسائه الذي كان يلتف به في العام الأوَّل، وكان يتورع من أخذ الزكاة؛ لأن نسبه - رحمه الله تعالى - إلى سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((سلمان منَّا))، وبنو مرغم بصنعاء نسبهم غير هذا النسب، وكان هذا القاضي آية من آيات الله في ورعه ودينه - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن صالح [ - ]
الفقيه الفاضل شمس الدين، أحمد بن صالح، - رحمه الله - من علماء حوث - المحروسة بالله - ولم أظفر بشيء /129/ من أخباره الصّالحة، إلا أنه ذكره السيد العلامة المطلع المتضلع الهادي بن إبراهيم الوزيري - رحمه الله - في وسيلته فقال:
وبابن عواض وابن صالح الذي ... بحوث غدا في الفضل غير ممثل
وذكر في شرحها أنه أحمد بن صالح - رحمه الله -.
__________
(1) الحاشية على الكافية، منه نسخة خطية بمكتبة آل الهاشمي بصعدة، خطت سنة 1067ه.
قلت: ومن بني الحملاني عالم شهير فاضل كبير - رحمه الله - وهذه الوسيلة وسيلة عظمى من نظم السيد جمال الإسلام، علامة العترة الكرام الهادي بن إبراهيم، رويّها اللام أوَّلها:
إليك إله العالمين توّسلي ... بأحمد المختار أكرَم مُرسَل
وهي مشهورة عليها حواشٍ ولها شرحٌ رأيته بصعدة، ولم أظفر به بعد وقوفي عليه، وسمَّاها (رياض الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار) (1) أعاد الله من بركته وبركتهم.
أحمد بن صالح العنسي [ - 1069 ه ] (2)
__________
(1) سيأتي ذكرها في ترجمة السيد الهادي.
(2) من مصادر ترجمة العنسي: النبذة المشيرة سيرة الإمام القاسم بن محمد خ، طبق الحلوى، وفيات سنة 1069ه، الجامع الوجيز خ، بهجة الزمن خ، الجواهر المضيئة خ، طبقات الزيدية الكبرى 1/ 147 ترجمة: 53 ، أعلام المؤلفين الزيدية ص 122 ترجمة 92، وله شرح على المؤثرات في أصول الدين.
القاضي، العلامة، المتكلم، الأصولي، العابد، الزاهد، أحمد بن صالح العنسي - رحمه الله - كان من أجلاء العلماء وأخيارهم، وأهل الإلتفات إلى الله، والحلم الكبير، والعقل الراجح، وشاهد ذلك زهده في هذه العاجلة، كان من خواص مولانا العلامة الحسين بن الإمام القاسم - عليهما السلام - وعيبة سرَّه، وقرينة في قراءته على الشيخ العلاَّمة لطف الله بن الغياث - رحمه الله تعالى - ثُمَّ انقطع بآخَره إلى العبادة ببئر العزب غربي صنعاء، واشتغل بجليل الكلام ودقيقه وبذكر قول قاضي القضاة أن الفقه قد يقرأه أهله لمقاصد، وأمَّا علم العدل والتوحيد فلا يقرأ إلا لله(1) وشرح الرياضة، ولعله لم يتم شرحه - رحمه الله - وله كرامات منها رؤيته لنور في مواضع ومناجاة بعض الجنِّ له بأخبار خاصَّة (به - رحمه الله -)(2)، (و)(3) نقل إلى جوار الله في [آخر] صفر سنة تسع وستين وألف، وقبر بخزيمة مقبره صنعاء المشهورة، قريب من قبر السيد محمد المفتي - رحمهم الله -.
أحمد بن عامر الصباحي [ - 1045 ه ]
__________
(1) في (ب): فليس إلا لله.
(2) سقط من (أ).
(3) سقط من (ب).
القاضي العلامة المجاهد شمس الدين أحمد بن عامر بن محمد الذماري الصبّاحي - رحمه الله تعالى - كان من أهل العلم بالفروع، والثبات في الأمور، مقداماً، رئيساً(1)، صادعاً بالحق، جواداً متلافاً، له مع علمه بمعالم الدين علم بمعالم الرمي بالبندق، فكان يضرب به المثل، وله في البسالة آثارٌ، وحسبه أنه لمَّا غزا الأروام (هجرة شوكان) (2)، ووقع في أيديهم وكتفوه خرج من بينهم هرباً مع وجود أهل النجدة فيهم والقوَّة، وتولى القضاء لمولانا سيف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين، وكان مع ذلك من رؤساء الجند - أعاد الله من بركته - توفي قبل والده بعد أن طلع من الحما ليلة الأحد من شهر رجب الأصب سنة خمس وأربعين وألف ودفن (بقبَّة التهامي في عاشر).
أحمد بن عبد الرحمن المؤيدي [ - ]
السيد العارف شمس الدين، أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبدالرحمن المؤيَّدي - رحمه الله تعالى - كان من غصون الدَّوحة المصطفويَّة /131/ وعيون الأسرة المرتَضويَّة، كان مُطلعاً على الأخبار والأذكار، وله معرفة بالعربيَّة والفقه، وعاجله الموت ولم يقض وطره من الفقه - رحمه الله - وله شعر حسن في أنواع مختلفة، لم يحضرني منه إلا بيتان لاطف بهما بعض أترابه السَّادة العلماء - رحمهم الله جميعاً - لمَّا كثر عليه ذلك السيد - رحمه الله تعالى - كتابه اسمه في كتبه العلمية، فقال:
يا كتاباً لست أدري كم به ... من رسوم ضاق منها الورق
إن يكن تقبل منه فدية ... فقليل فيه يعطى الورق
وكان مهيمناً على أخبار أهله حُفظَهَ لآثارهم - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن عبد الله بن محمد [ - ]
__________
(1) رائساً في (ب).
(2) شوكان: بلدة في بني سحام من خولان العالية، ينسب إليها بنو الشوكاني. وشوكان أيضاً: قرية في مخلاف منقذة من بلاد ذمار، منها بعض آل الشوكاني الساكنون في صنعاء (معجم المقحفي ص: 368).
السيد الكبير المسنِد الإمام الحجَّة أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - من عيون أهل البيت وشيوخهم وحفَّاظ علومهم، أخذ عنه أحمد بن شهاب الرازي الزيدي الحافظ وغيره.
أحمد بن عبد الله الوزير [921 - 985 ه ] (1)
__________
(1) من مصادر ترجمة الوزير: المستطاب خ، طبقات الزيدية خ، الجواهر المضيئة خ، الجامع الوجيز خ، الفضائل تاريخ بني الوزير للمترجم له خ، أئمة اليمن 1/483 - 488، ملحق البدر الطالع 36، الأمالي الصغرى رجال السند 59، الأعلام 1/166 وغير ذلك انظرها في أعلام المؤلفين الزيدية ص 129 - 130 ترجمة 101.
السيد العلامة مفخر العصابة المطهرة شمس الدين أحمد بن عبد الله بن محمد(1) بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم بن الوزير بن علي بن المرتضَى بن مفضّل بن منصور بن العفيف محمد بن مفضل بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن يحيى بن أحمد بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام - كان من العلماء الفضلاء، الجلَّة النبلاء، أثنى عليه المخالف والموالف، وله في كلِّ فنٍّ قدم راسخة، وله النظم الرَّائق، وقد ذكر شيوخه - رحمه الله - في كتاب أهله الذي قضى فيه على أثر السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - فقال: أمَّا أحمد بن عبد الله - عفى الله عنه - فمولده في ليلة اليوم الثاني عشر ليلة الأحد بعد صلاة العشاء من شهر ذي القعدة من شهور سنة إحدى وعشرين وتسعمائة. سمع علوم العربيَّة على جملة مشائخ العصر الفقيه العلامة نسر بن أحمد الطربي، والسيد العلامة النحوي المحقق صلاح بن الإمام عزِّ الدين بن الحسن، والقاضي العلامة محمد بن عطف الله البركي(2)، والسيد العالم الفاضل شرف الدين بن محمد الحميري، والسيد العلامة المفوَّه عبد الله بن أمير المؤمنين، هؤلاء مشائخه في علم النحو، والسيد العلامة البقيَّة فخر الدين عبد الله بن القاسم في علم الصرف والمعاني وأصول الفقه والنحو، والسيِّد العلامة البليغ المطهر بن محمد بن تاج الدين الحمزي في علم المعاني وأصول الفقه، والفقيه المقرئ العلامة محمد بن أبي بكر الحرازي، سمع عليه (مشكاة المصابيح) في علم الأثر، ومن مشائخه في الحديث الفقيه العلامة صالح بن الصديق النمازي، وفي الفقه شيخه المحقق العلامة يحيى بن محمد بن حميد، وفي الفرائض الفقيه المذكور والقاضي العلامة إبراهيم بن محمد بن سلامة، والله تعالى أسأل،
__________
(1) في (أ): بن محمد.
(2) في (أ): التركي بالتاء. وفي (ب): البركي، وفي (ب) أيضاً حاشية: البركي بالباء موحدة من أسفل بعدها راء مهملة بعدها كاف وياء نسبة.
وبحق كتابه العظيم ونبيئه الكريم أتوسَّل أن يفقهني في دينه، ويعلمني تأويل تنزيله، ويصرف عني ما صرفني عن ذلك، ويقدر لي ما رجوته من فضله، وأمَّلته من كرمه من صلاح النفس /130/ والأهل والولد، ومن التوفيق إلى الأعمال المقربَة إلى سعادة الأبد، إنه جواد كريم.
انتهى كلامه - رحمه الله تعالى - ولم يذكر من محامده شيئاً، وهو الذي يليق بمقامه، ويكفيه فخراً أنه كان إذا دخل إلى مقام الإمام شرف الدين، وتكلم معه ثم خرج، قال الإمام: هكذا فلتكن السادة، ويثير همم أولادهم(1) بذكر السيد والثناء عليه، ولولا استياق الكلام إلى ذكر نفسه في الكتاب المشتمل على نسبهم الشريف ما ذكر نفسه وذكر النفس غير مستنكر، فقد ترجم لنفسه الحافظ ابن مندة، والجلال السيوطي في حسن المحاضرة وغيرهما، وقد ترجم للسيد شمس الدين السيِّد العلامة محمد بن عبد الله بن علي المعروف بأبي علامة المؤيدي أعاد الله من بركته، - وقدَّس روحه - فقال: لقد كان هذا السيد الفائق على أقرانه بل هو الغرَّة في دهره والفريد في عصره، والذي جمع بين العلم والعمل، وحاز الفضائل عن كمل، إليه انتهت العلوم النبويَّة، وعليه عكفت المفاخر والشمائل الحسنيَّة، ومنه تفجرت ينابيع البلاغة والفصاحة والحِكَم العلويَّة، فهو إمام أهل الطريقة، ويعسوب أهل الحقيقة، ولقد كان موزّعاً لأوقاته في أنواع الطاعات، فليله للصلوات، ونهاره للإقراء والقراءات، كثير الحنين غزير الدموع، شمس الهدى وبه الإسلام يفتخر، وكان في سنة أربع وثمانين وتسعمائة تهيَّأ للحج إلى بيت الله الحرام، فتمّ له ذلك على أحسن حال وأشرف مقام، وأدَّى المناسك العظام على الوفاء والتمام، وأراد المجاورة ثم الزيارة لجده سيد الأنام - عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام - فعرَض ما منع عن ذلك، وصُدَّ عن الوقوف هنالك، فنهض راجعاً إلى بلاده لما نبا صرْف الدَّهر عن مراده، ونوى أن يقيم باقي عُمُرِه بين
__________
(1) في (ب): أولاده.
أولاده، فلمَّا انتهى إلى المدينة (الصَّعديَّة)، وشاهد القراءة في جميع المشاهد الهدوية، وحفَّ به عيون السادة اليحيَويَّة، وعكفوا عليه يستصبحون من أنواره، ويلتقطون نفيس الدرر من تياره، فوقف بها للتدريس والإفادة بكل معنًى نفيس، ولازمه حيّ الإمام المتوكل على الله عبد الله بن علي بن الحسين بن الإمام عزالدين في أيام سيادته، وكانا لا يفترقان أكثر أوقاتهما، قرأ عليه في علم الحديث وغيره، ولقد كان يتمنَّى في أكثر أوقاته أن يقبر في مشهد جدّه الهادي بن الحسين - رضوان الله عليه - ومن العجائب أنَّه كان كثير الصلوات في الليل تحت الصَّومعة الصغرى، قريباً من المكان الذي قبر فيه فاستجاب الله دعاءه، وأعطاه ما تمنَّاه، ولمَّا توفي في شهر ربيع الأوَّل سنة خمس وثمانين وتسعمائة، اعتنَى السيد الإمام بخراب منزلتين كانتا هنالك وجعل قبره في موضعهما، وعمر حي السيد شمس الدين أحمد بن الحسين بن عزالدين وهو يومئذٍ رئيس صعدة عليه مشهداً، وانتظم في سلك ذلك النادي بمشهد الإمام الهادي، وله من المصنفات شرح أرجوزة النمازي في نسب الإمام /132/ شرف الدين(1) وهو يدل على غزارة علمه بحسن سبكه، وصناعة نظمه، ومنها في الحديث (الأحاديث المستحسنة الدائر على الألسنة) (2)،
__________
(1) شفاء الصدور بشرح سلسلة النور خ، الجامع الكبير الغربية رقم 106 تأريخ، وأخرى بمكتبة السيد المرتضى الوزير بالسر – خ - سنة 1291ه منسوبة لعبد الله بن علي الوزير.
(2) - خ - مكتبة الجامع الغربية رقم 33 حديث، وأخرى بمكتبة الأوقاف رقم 437، وله أيضاً ترجمة السيد العلامة علي بن المرتضى بن المفضل خ، ضمن مجموع إجازات القاضي أحمد بن سعد الدين، ونظم حِكم الإمام علي خ، مكتبة الجامع 36 مجامع، والإقناع في قطع الأطماع خ، في 290 صفحة بمكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة، والرسالة المضيئة في التنبيه على عقائد أئمة الزيدية خ، بمكتبة هولندا، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية.
أخذه من كتاب (السخاوي). انتهى
قلت: وهو مكثر في الشعر مجيد، وله قصيدة سينيَّة مطلقة مكسورة الرويّ أوَّلها(1):
ممَّن سقاهم ربهم جنَّة ... من خمرةٍ شفافة الكأس
ودخل صعدة المحمية مستنصر بالإمام أحمد بن الحسين لما اشتد الحصار في قاع حوشان(2) على مطهر بن الإمام - رحمه الله - وعمل في هذا لمعنى قصيدته التائية التي أولها:
هات الأحاديث عن أحبابنا هات ... ما حال أهلي وجيراني وساداتي
ومنها(3):
ومنها(4):
قال سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله -: لمَّا قال السيد القصيدة اعترض بعض الأدباء في مؤآخاة العجز للصدر فحوّله السيد - رحمه الله - فقال:
هات الأحاديث عن أحبابنا(5) هات ... يا نسمة روحت قلبي بنسمات
ولسيدنا العلامة الحسين بن محمد المسوري قصيدة مع هذه القصيدة إلى الأمير أحمد بن الحسين مساويَة في الوزن والرويّ والمقصد أوَّلها:
إن النفوس النفيسات السريَّات ... هيَ المرادة في بعث السريَّات
وهي التي إن تراخت عن إغاثة من ... يرجو إغاثتها غير الحريات
وهذا كتاب كتبه إلى السيد الإمام العارف عبد الله بن الإمام شرف الدين - عليه السلام - تهنئة للسيد - رحمه الله - بالحج، وفيها دلالة على جلالته في صناعة الإنشاء:
__________
(1) بياض في الأصل.
(2) حوشان: هو القاع الفسيح فيما بين شبام وكوكبان، ومدينتي ثلا وحبابة (معجم المقحفي ص: 200).
(3) بياض في الأصل.
(4) بياض في الأصل.
(5) في (أ): أخبارنا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده، أمَّا بعد، أهدى سلاماً يحكي رقَّة أخلاق (من تحلى /133/ بأخلاق النبوة)(1)، وطيب أعراق من استولى على أقطار الشرف في العترة الطاهرة بنوةً وأبوَّة، وإكرام يحكي ذكاء نشر الألوّة(2)، وصفاء لون المرآة المجلوة، وتحيَّات مباركات، وصلوات متداركات إلى مقام سيدي حقاً، ومالكي صدقاً، سيد سادات العترة، ووجه شرفها الواضح التحجيل والغرَّة، ولسانها بلاغة وبراعة، وعالمها المقدَّم في شرف تلك الصناعة، فخر الدين، سليل الأئمَّة الهادين، عبد الله بن أمير المؤمنين، فإن أحق الخلق أن تهدي إليه جليل التهاني، وتنضى براعات البلاغة في وصف ما أوتي من الفضل الرحماني، ومنح من الألطاف الهادية إلى قطع علائق الأماني الباطلة لاجتناء ثمرتي الأمان والأماني، من سمعت أذناه في عالم الذر أذان إبراهيم الخليل، فأناب وأجاب في عالم الكون بالحج لبيت الله الملك الجليل، قد قدح زناد التوفيق نار أشواقه الكامنة، وأثارت رياح الأرياح بواعث أتواقه الباطنة، وقطعت عنه حبائل التسويف لِسَنةٍ بعد سنة، وأيقضه عن سنَة الغفلة عمَّا أوجبه على الفور مع الاستطاعة من لا يأخذه نوم ولا سنة، فانحدر بمروة الوجوب جايباً، واستمر ليؤدي فرضاً واجباً.
وهمَّ فألقى بين عينيه همَّه ... ونكب(3) عن ذكر العواذل جانباً
فأعرض عن الأوطان والإخوان، وتجشم من متاعب الأسفار ما خضع له الجلد من الرجال واستكان، وبذل النفس والنفيس في تحصيل هذا المرام عظيم الشأن، وأنشد لسان حاله (وقد والى بين الوجيف)(4) من ترحاله والوجدان:
فواللَّهِ لولا الحجُّ ما اعتضت باللِّوا ... لواءً ولا بالود عن أهله وداً
ولا وجدت أيدي المطايا عشيَّة ... بنا وهيَ أدنى ما يسير بنا وخدا
تأمُّ بنا البيتَ الحرامَ كأنَّها ... قسيٌّ ترامى في أعنتها جردا
__________
(1) سقط من (أ).
(2) الألوة: العودة الهندية.
(3) في (أ): وذكر.
(4) سقط من (أ).
إذا لفحت(1) الهجير جبينَه الوضاح، وألغب تواصل المسير جواد همته الوقاح، وشكا إليه فلذة كبده الصغير سموم تهامة اللفاح، ورقت سِنَة الكرى في عينه، وأظهر السري ما أبطن من كلاله وأينه، ضرب همته بسوط الأشواق، وأقام نفسه في مقام العبودية على وثائق الأسواق، وحداها بقول من قال من الحذَّاق:
أسعِد أخي وغنِّني بحديث من ... حل (الأباطح) إن رعيت إخائي
وأَعِده عند مسامعي فالروح إن ... بعد المدى يرتاح للأنباء
وإذا إذا أَلَمٌ ألمَّ بمهجتي ... فشذا أعيشاب الحجاز دوائي
وإذا أنضى طي المراحل ركائبه الرواحل وأنصب، تطلع قطع السبائب بواضحة /134/ النجاب، فلم يبق منها إلا جلود على عظام شواحب، حاطت ضميره المليحة المحجوبة، والكعبة المنصوبة التي وجَّه إليها وجه شعره وصلواته، وواصل إليها السُّرى في روحاته وغدواته:
أتيناك نجتاز الفيافي طلائحاً ... قلائصُنا حتَّى لقد أدَّها الرحلُ
إذا ما ذكرنا في ضنى الحزن أننا ... إليك قصدنا عاد وهو لنا سهلُ
فكأنما أنشط ذكراها عقاله، وأذهب ما تجلَّى من أنوارها في أسراره (أينه وكلاله)، فأهرق كأس منامه، وانتهز فرصَة اغتنامه، إذا صعد (نشزاً) هلل وكبّر، وإذا هبط لبَّى تلبيَة، بعد تلبيَة وأسديت إليك مقتدياً بابن عمر، إليك تعد قلقاً وضينها، معترضاً في بطنها جنينها، مخالفاً دين النصارى دينها، وإذا أسهل وأصعد، فكأنه سيف على علمٍ يسلّ ويغمد، ترنحه القلاص في (وخدانها)، وتمايله تمايُل الغصون على كثبانها، فمَا أحقَّه بما تمثل به أبو حفص عمر حين جعلت ناقته تعليه وتخفضه، وتبسطه وتقبضه:
كأن ركابها(2) غصن بمروحةٍ ... إذا تمشت به أو راكب ثمل
__________
(1) في (ب): نفحت.
(2) في (ب): كان راكبها.
حتى إذا شارف مواقيت الحج الأكبر، وورد مشارع المشاعر الشريفة أشعث أغبر، والتزم في (يلملم) بغرر السعادة العظمى، فما أجل وأطهر، فحينئذٍ تطَهَّر من أوضاره(1)، وحلَّ إزاره ملابسه وأوزراه، وتجرَّد عن أثواب إجرامه، ودخل بسلام إلى الحرم الأمين في ثوبَي إحرامِه، قد أحرم بحجَّة الإسلام، وتسنم ذروة الفوز الأكبر بذلك الإحرام، يكرِّر التلبية خاضعاً مستكيناً، ويكرر(2) التكبير فينة ففينة وحيناً فحيناً، حتى إذا انجلى له جمال الكعبة البيت الحرام، وظهر له جلال متنزل ملائكة الله تعالى ومطاف أنبيائه - عليهم السلام - أدهشته(3) أسرَّه(4) ذلك الجمال البديع، وأخرسه أنوار ذلك المشهد المريع، (فارفضت) عبراته لا يملك نظامها المحلول، واستعرت زفراته وأنَّ أنين (الوالهة) الثكول، وناداه ما عاوده من معقوله بقول من يقول:
هذه دارهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع في الأجفان
ثم أتى بتحيَّة البيت في طواف القدوم، والتمس الأركان الشريفة، واعتنق ملتزمها ودمعُه (مسجوم)، وصلَّى واجب ركعتيه خلف المقام المعلوم، وورد سقاية الذبيح صلوات الله عليه وعلى نبيئنا وعلى آله مطلعاً على مائها متضلعاً منه، فهو (لما يشرب(5) منه) كما قال نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - ما زهرت النجوم، وانقضَّت الرجوم، ثم نهض للسَّعي بين الصّفا والمروة مبتهلاً من الدُّعاء بما استحسن الهادي - عليه السلام - إلى الحي القيوم.
قد فاز من قبَّلها ومن مسح ... ومن على أركانها للدَّمع سح
/135/
ومن أصح نية ومن نصح ... في عمَل ومن لحن فيه يصح(6)
وقبَّل الركن الشريف الأسحما ... وأسبل الدمع عليه مسجما
__________
(1) الأوضار: الأوساخ.
(2) في (ب): ويردد.
(3) في (ب): أدهشه.
(4) لعلها: (أسره) بين قوسين.
(5) في (أ): فوقف اليوم الحج الأكبر.. إلخ، وهي زيادة غير مستحسنة لأنها سترد في الفقرة التي تليها.
(6) العجز غير موزون.
ملتزماً من خلفه ملتزما ... ينجي من الهلك إذا البحر طما
بحر الذنوب إن في أموَّاجه ... ما ليس ينجي منه في ارتجاجه
إلا الطواف إن في مُوَّاجه ... فلك النجا للوفد من حجَّاجه
فازَ فتى عن القبيح أقلعا ... وبالطواف في الدُّجا تولَّعا
ومن نمير زمزمٍ تضلَّعا ... وأفرغ الدَّمع وفيها اطَّلعا
ثم سعى بالمروتين والصَّفا ... وكان من جملة إخوان الصَّفا
متبعاً هدي النبيء المصطفى ... وسالكاً شعب الهداة الحنفا
ثم نهض يوم التروية إلى منى، فصلَّى بها العصرين والعشائين وفجر يوم السعادة والهناء، ونهض إلى عرفات بالتهليل والتكبير والتلبية معلناً، فوقف في ذلك الموقف المشهود، وتحرَّى لوقوفه، فوقف يوم الحج الأكبر ما بين الصَّخرات السود، فذلك موقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - المحمُود، رافعاً يديه بالدُّعاء المأثور، واضعاً خدَّيه على العفر مستغفراً للعزيز الغفور، جامعاً للعصرين بأذانٍ وإقامتين، مفيضاً إلى مزدلفة بعد الغروب من بين العلمين، فلمَّا وصل جُمعا، وبات فيها جامعاً بين العشائين تأخيراً جمعاً، دفع قبل الشروق إلى منى دفعاً، ذاكراً لله كما أمر سبحانه عند المشعر الحرام وبمحسره يسعَى، ولمَّا استقرَّ بمنى ثلاثها المعدودات، وبات واجب لياليها الثلاث المباركات المشهودات، ورمَى جمارها الثلاث بسبع سبعٍ مرتبات، قضَى تفثه مُحلِّقاً مقصراً، وفكَّ زرار إحرامه محلِّقاً لا مقصراً، ونفر يوم الصدر إلى بيت الله مع وفَّاده وحداناً وزمراً، فطاف طواف الزيارة المفروض، وفض قماع دمع عينه المفضوض، مواضباً على الفرائض والنوافل، مغتنماً لفضيلة الصلاة في بيت الله الحرام التي تفضل مائة ألف صلاة في غيره كما قال سيد الأواخر والأوائل، متنعماً بمشاهدة الكعبة البيت الحرام في البُكر والأصايل، مجانباً لمحظوري الحرم والإحرام، لئلا يخدش جبين ما ساق الله إليه من الفضائل الحلائل، فذلك لعمري، بل لعمر الله هو الحري بأن يُهنَّى بقول
القائل:
هنيئا مريئاً قد نزَلتم بسَاحَة
س ... يعم جميع العالمين نوالُها
هنيئاً لكم زُرتم لذي العرش كعبة ... مباركة طابت وطاب حلالهُا
ألا ليت شعري كيف أنتم وقد بدا ... لكم وتجلَّى نورها وجمالُها
/136/
وكيف بكم لمَّا حواكم مقامها ... وجل لكم عند الطواف جلالُها
وكيف سمعتم ضجة الوفد حولها ... وقد رفعت أستارها وحجالُها
وكيف رأيتم كعبة الحسن تجتلَى ... وقد لاح من خدِّ المليحة خالُها
وكيف شربتم شربة من سقايَة ... يطفي حرارات النفوس زلالُها
وما حال هاتيك المواقف خبِروا ... ألا خبِّروا من حالها كيف حالُها
وحين قضى مناسكه التسعة، وأزمع على الصدور، واطمأنَّ بما سناه الله تعالى له من تمام الحج المبرور، وسعيَه المشكور، أكمل عدَّة المناسك بطواف الوداع، وآب إلى أوطانه بأرباح السعادة الأبدية لا أرباح المتاع، وأنشد لسان حاله لمَّا استقلت ركائب ترحاله ما يلذ في الأسماع:
ولمَّا قضينا من منى كل حاجةٍ ... ومسح بالأركان من هو ماسحُ
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطيِّ الأباطحُ
ولمَّا كان سيدي فخر الدين - حفظ الله مهجته من الأسواء، وأقرَّ قراره في دياره على ما يحب ويهوَى - قد أحلَّته العناية الإلهية من هذه الفضلة(1) العظمى ذروة سنامها، ومنحته الألطاف الرَّحمانية الإتيان بفرائضها ومندوباتها على كمالها وتمامها، ونشرت عليه يد التوفيق خوافق رَاياتها وأعلامها، وألبسته في عوارض الأسفار مطارف وقايتها وعافيتها وسلامتها، وجَّه إليه مملوكه هذه القطعة نائبة عنه في أدّاء حق التهنئة، لاثمةً أكفه بالتسليم مائة بعد مائةٍ، مخاطبة له بما قال الإمام المنصور في نظمه المشهور:
آبت بأوبتك العلياءُ والظفرُ ... إلى منازلنا والشمسُ والقمرُ
__________
(1) في (ب): الفضيلة.
جامعة له بين تهنئتين، لما جمع الله له (في عام)(1) حجتين مبرورتين، ووسيلتين مقبولتين، شفع حجه بحج زيارة والده وإمامه، وساوَى بين حالي بدء سفره الميمون وختامه.
تمام الحج أن تقف المطايا ... بسوح أبيك يا فخر الأنامِ
فما بدأت به تلك المطايا ... كما عادت له حين الختامِ
لقد وردت إلى بلدٍ حرامِ ... كما صدرت إلى سوح حرامِ
وقد صدرت بخيرات جسامٍ ... كما وردت بخيرات جسامِ
ليهنك ثم يهنك نيل فضلٍ ... توام نلته في فرد عامِ
وعمَّك ذو الجلال بكل خير ... وخصك بالتحيَّة والسلامِ
وهذا جواب السيد فخر الدين عبد الله بن أمير المؤمنين عليه رحمهما الله تعالى/137/: بسم الله الرحمن الرحيم، مني إلى صنوي ورفيقي البر الرفيق، وقسيم روحي الشفيق(2)، زيت ثمرة زيتونة الشجرة النبوية، ونور مصباح مشكاة الكعبة العلويّة، مهجة أنسي، ومنية حسي، ومَنْ نفسُه أخوَّةً وأبوَّةً ومحبَّةً وبنوَّةً نفسي، بل هو في الحقيقة حقيقتي، وفضلي المميز لي عن جنسي، والأخص من صفتي المشخصة لي في أنسي، فهو الذي أعبر(3) عنه بأنا، ويشير إليه غيرُنا بألقابنا والكنى، أوما تراه حين جردني عنه في مثال خياله، رأى صفه نفسه فأطلق في المدح شقشقة مقاله، فكان الذي أثنى على نفسه بما رأى بي من أسمائه وصفاته:
كما يعجب الحسناء صورة وجهها ... بما حكت المرآة من قسماته
__________
(1) زيادة في (ب) وفي (أ): لما جمع الله بين حجتين مبرورتين.
(2) في (ب) زيادة: الشقيق.
(3) في (ب): يعبر.
ولولا خوف الوقوع في دركات الإلحاد، لرفعت بحالنا في درجات قول أهل الاتحاد، وذلك سيدي وحياة روحي وجسدي، وباعتبار أخي ووالدي وولدي، من هو بين الأنام في الكمال أحمد، أحمد بن عبد الله بن أحمد، أحمد الله مساعيه، وبلغه آماله وأمانيه، وأطال في التوفيق والخيرات بقاءه، وعجَّل في الأوطان والأوطار لقاءه، فلقد نشر بنشر ذلك الكتاب رفاتي، ونفث في روعي وسمى(1) روح قدس بلاغته ما نفخ في مواتي روح حياتي، ما ذاك إلا لإقامة شخصي مثالاً في سره الحيِّ الحيي، فحرك خامدي وأذكى تذكار كلامه ظلام ذهني الغبي، فصاحة أساليبه (وحصافة تراكيبه)(2) ورصانة مبانيه، وحصانة معانيه، كطيور إبراهيم الخليل الأربعة، أراني الله بها كيف يحيي الموتى، ومعنى ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله معه، فعلى كريم غرته، وبهي بهجته، سلام يحاكي أزهار روض كلامه بهجة وطراوة(3)، وعبقة ورقّة وطلاوة، وإكرام يشابه فواكه فكاهات قطوف جنان خطابه لذّة ذوق وحلاوة، ورحمة من الله واسعة الأرجاء، رحبة الفناء، شاملة كلما يشار إليه بِهُنا وهنا، وتحيَّات طيبات مباركات تحياتها ترتاح بها الأرواح، وتحيا بها القلوب وتنزاح بها الأتراح، وتفرج بها الكروب على مرِّ الليالي والأيَّام، وكرِّ الشهور والأعوام، وما تفضَّل به سيدي من الدعاء بالهناء على ما منَّ الله تعالى به من تلك النعمة التي أنعمَ بها من قضاء فرِيَضة الحج إليه، والتلبية لندائه على لسان خليله صلى الله عليه، وشفعها بإتمام ما ذلك متوقف عليه الإسعاد والتوفيق واللطف الكريم إلى حضرة والدنا القدسيَّة، والتبرُّك بالتملِّي(4) بغرته الكريمة النبوية، وتطهير السرائر بمشاهدة أسارير وجهه الوضيَّة، والتقدس في نمير كوثر أخلاقه الرضيَّة، وتكفير الذنوب بالتشرف بما أمكن من خدمته التي هي البغيَة السنيَّة، الغنيمَة البادرة الهنيَّة
__________
(1) لعلها: وسمعي.
(2) سقط من (أ).
(3) في حاشية (ب): جزالة.
(4) في (أ): والتملي.
/138/ فلله الحمد على نعمه الشاملة، وفواضله الكاملة، وعوارفه الجليلة الموَاقِع، ومعارفه الجميلة البدائع، فما زالَ سيدي متلَبّساً بكل فضيلة، وملبساً غيره خبر تفضلاته الفضيلة، تلك نعمَة لا يؤدى شكرها إلا بالاستكانة والخضوع، في أرض العجز والخشوع والخنوع، فلله الحمد كما هو أهله لا نحصي ثناء عليه، وهو كما أثنى على نفسه تقدس وتحمَّد، وتنزَّه وتفرَّد، وأفضَل صلواته وبركاته وسلامه على أفضل أنبيائه محمدٍ وعلى آله، ثم ليعذرني المولَى المالك، في قصُوري لا تقصيري عن مجاراته من البلاغة في تلك المسالك، فما كان ومتى كان وأنَّى يكون كمال أحد ككمالك، سيما مع أحوال أجمدن شعاع الأذهان، وأخمدن نيران البلاغة والبيان، حتَّى كلَّ اللَّسن وانعقد اللِّسان، والمملوك ممتثل لما أشرت إليهِ، وهو الذي كان مبناه قبل ذلك عليهِ، لا برحتم راشدين مُرشدين، مُسْعِدين مُسْعِدِين(1)، ولا بد - إنشاء الله - من الإتفاق قريباً بمنِّ الله وحوله، وفضله وطوله، ثم رجوع إلى مقام الإمام، - عليه أفضل التحيَّة والسلام - هذا وسيدي بحفظ الله وحسن رعايته وأولاده ومن تحوطه شفقة قلبه، ومن بحضرته متحفون بشريف السلام، الخاص والعام، وعليه أفضل السلام والإكرام، والدعاء منكم مسؤول، كما هو لكم مبذُول، كتبنا الله من أحبَّائه، وخصَّنا جميعاً بأفضل حبائه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
ولمَّا استبطاه مطهر بن الإمام وعاتبه كتب إليه كتاباً تمثل فيه بقول طرفة بن العبد:
كليني لهمٍ يا أميمةَ ناصب ... وليلٍ أقاسيه بطيِّ الكواكب
وفتح التاء من أميمة، فلمَّا رأى ذلك السيد الأديب محمد الحوثي الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - اعترض بأنه مفرد ومبني على الضم، فقال السيد شمس الدين - رحمه الله -: عرفت هذا قبل أن تخرج من بطن أمِّك.
__________
(1) لعل إحداهما بفتح العين.
قلت: والوجه في الفتح أن التاء مقحمة بين الميم والفتحة بعد الترخيم، فكان أصله يا ميمة فحذفت(1) التاء للترخيم ثم أقحمت هذه التاء مزيدة بين الميم وحركتها؛ لأن الحركة بعد الحرف، فحركت بحركة الميم وصارت الميم ساكنة، ثم فتحت لأجل تاء التأنيث، وهذا رأي أبي علي الفارسي.
وقال بن مالك: إن هذه الفتحة على التاء لاتباعها حركة ما قبلها فهي كفتحة دال يا زيد بن عمر(2)، وجوّز أبو حيان الفتح والضم في كل منادَى معرفة مختتم بتاء التأنيث.
انتهى، وهذا عارض من القول.
أحمد بن الإمام عبد الله بن حمزة [ - 656 ه ] (3)
الأمير الكبير، الشريف الخطير، المتوكل على الله أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة القائم بأمر الله ابن الإمام النفس الزكيَّة أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن /139/ القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - كان من كبراء الأمراء والسراة الجلة العلماء، محقق في اللَّغة والنحو والأنساب وأيام العرب، وله في سائر العلوم قدم ثابتة مع ولوع بالمكارم والشرف وفصاحة أبطحيَّة، وكان أبوه أمير المؤمنين نصحَه في صباه، وألهمه طريق أهله الهداة، فتلقَّى البعض وأعرض عن البعض والقصيدة التي نصحه بها هي:
ألا ليت شعري يا أحمدُ ... وللقول ناقده ينقدُ
أتصبح كالبيت للزائريـ ... ـن وكالبدر حفَّت به الأسعدُ
وكالليث يزأر في الدارعيـ ... ـن ونار الحروب بهم تُوقدُ
__________
(1) في (ب): فحذف.
(2) في (ب): عمرو.
(3) من مصادر ترجمته: مآثر الأبرار للزحيف خ، طبع في ثلاثة مجلدات، اللآلئ المضيئة للشرفي خ تحت التحقيق، السيرة المنصورية (انظر الفهرس) أنباء الزمن ليحيى بن الحسين خ، الجامع الوجيز للجنداري خ، أعلام المؤلفين الزيدية ص 132 ترجمة 105 تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 3/66، 211 - 215، وغيرها.
وكالبحر تطفو قراقيره(1) ... ويدفعها اللجب المزبدُ
وتُعرف بالعلم والصَّالـ ... ـحات ويحمدك الوفد إن أوفدو
وتحمي حماكَ وتبني علا ... ك ويزهو بك (الدَّست) والمسجدُ
وتعتقب الخيل عند الصبا ... ح وقد صرَع الأصيدَ الأصيَدُ
وتردي الكمي بفوَّارة ... وتقحم فيها السنانَ اليَدُ
وتضرب بالسيف ثبت الجنا ... ن وكفَّ الشجاع به ترعدُ
وتلوي جيادك خلف الجيا ... د وقد ضاق بالشارد المشردُ
فتمنعها وهيَ مطرُودةٌ ... فترجع من حينها تطرُدُ
وتعلم حين يطيش الحليـ ... ـم وتصدر قومك إن أوردوا
ويأتيك للعلم مسترشد ... ويأتيك للمال مُسترفدُ
فتنبي أخا العلم بالغامضا ... ت حتَّى يعود بها يرشدُ
وتعطي أخا المال ما يبتغي ... من المال فهو غداً ينفدُ
وتحمي على الظالمين الجها ... د بضَربٍ يشيب له الأمرَدُ
وتخفض للصالحين الجنا ... ح وإن لامك القوم أو أحمدوا
وتغلظ رُكناً على الفاسقيـ ... ـن وإن شايعوك وإن أسعدوا
إذا كنت مضطلعاً بالقيا ... م عليهم وسيفك لا يُغمدُ
ودَينُ جدودك دين الإلـ ... ـه وغيرهم جاحدُ مُلحدُ
وجدُّك يحيى سليل الحسيـ ... ـن وهادي الأنام فلم يهتدُوا
وجدك حمزة من جانبٍ ... فهذا الهلالُ وذا الفرقَدُ
فما عذر مثلك إن لم تكن ... كآبائك الشم إن عددوا
__________
(1) قراقِيره: القُرْقُوْر: السفينة. (القاموس المحيط. ص429).
/140/ ولقد كان من الشرف بمكانٍ عظيم وله وقائع عظيمة، ولم يضع من مقداره إلا ما كان من أمر الإمام الشهيد السّعيد أحمد بن الحسين سلام الله عليه، وقد نقل عنه التبرِّي وما يدَلُّ على الندم والله أعلم، وكان من خلصان أعوان الإمام، وله فيه المدائح وحسبه الرِّسالة التي وجهها إلى الناس، وهي من أعجب الرسائل وغررها مع اختصارها، ولم تحضر لي(1) عند الرقم، وهو ممَّن ذكر قضيَّة التنين، وحاصلها ما كتبه الشيخ أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص المعروف بالحفيد بخط يده، لم أنقض(2) منه حرفاً أعلمه ولا زدت عليه: (حسبنا الله وحده مسح الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على المقعد الزمن (بصعدة)(3) وهو المشهور بالتنين ومشيه على الأربع لا يعرف إلا كذلك معلوم بالتواتر لنا وللخلق بصعدة، ومن وردها عياناً، وقد كان بلغ أن ناساً من شامي صعدة يقولون: إن كان يمسح على الزَّمن فليمسح على التنين، واتفق ورودهم صعدة في ذلك الأوان، فحين مسح عليه قام يرتعش وانصب عرقاً كما شاهده من حكى قضيته، وصار في تلك الأيَّام سليماً يمشي على قدميه قائماً متنصباً، وفي ذلك يقول الأمير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين - عليه السلام - شعراً:
أضاء على الإسلام نورُك وانجلَى ... بوجهك ليلُ الهم وابتسم الدَّهرُ
وقد علمت آل النبيء محمدٍ ... بأنك أنت الفُلْكُ لما طغى البحرُ
وإنَّك لأوَانٍٍ ولا أنت طائشٌ ... ولا مضمرٌ سرّ الحقودِ ولا وغْرُ
ولا عجبٌ إن زادك الله حجَّةً ... سماويَةً ما بعدها للورى عذرُ
رآك لها أهلاً فزدت تواضعاً ... فزادك تكبيراً به من له الكبرُ
__________
(1) في (ب): ولم تحضرني.
(2) لعلها: أنقص.
(3) زيادة في (ب).
وكانت له في الإمام قصائد غرّ، ولم يزل كذلك والأمور تشتد وهو يستعطف الإمام - عليه السلام - وينسب إيغار الصدور(1) إلى أصحابه، حتَّى عظم الخطب فمن استعطافه للإمام:
أُعيذك أن تنافسني مطالاً ... وقد صدقت سواي بك الظنونُ
وكان الحقُّ إن أنصفت أني ... وقد أُخِّرت أولهم أكونُ
يعزّ عليّ أن ترضى بسخطي ... على زمني وإرضائي يهونُ
ذوَى غصني بحبسك من سماءٍ ... وكم تبقى على العطش الغصونُ
سأستر تحت أثوابي هُزالاً ... إذا أبديتُه شمت السمينُ
ومهما يستعن غيري فإني ... عليك بحسن رأيك أستعينُ
وأمَّا شعره في نسبَة إيغار الصدر إلى أصحاب الإمام فقوله إلى القاضي ركن الدين مسعود بن عمر العنسي - رحمه الله تعالى - /141/:
يا خليلاً مولعاً بالوفاء ... وصفيي إذ خانني أصفيائي
ليت أنَّ النسيم إن هبَّ وهناً ... من ظفارٍ ينبيك عن إنبائي
لا الديار الديار بعد التنائي ... يابن عمرو ولا الورى بالوراء
جهل الناس حقنا وتناسوا ... كلَّ عهدٍ وأعلنوا بالجفاءِ
ما ذنوب الذين هم في المحاريـ ... ـب سجودٌ وما ذنوب النساءِ
ويتيمٍ ومقعدٍ وضريرٍ ... من غصون النبوءة الكرماءِ
ظلموا الفاطميين ظلماً وألغوا ... فيهما اليوم حقَّ أهل الكساءِ
تلك في صعدة بتول وهذى ... في ظفارٍ شبيهَة الزَّهراءِ
قل لعلوان ما جرائم قومٍ ... لم يكونوا للدين بالأعداءِ
أنبهِ بالّذي ذكرت وكرر ... فعساه يشجيه بعض شكائي
وعليه مني سلام محبٍّ ... ذاكرٍ في الصباح والإمساءِ
وإمام الزمان كرّمه اللـ ... ـه بريءً فاعلم من السفهاءِ
خالفوا أمرَه وحاشوا بما قا ... ل ومالم يقل من الأسْواءِ
غير أن الإنكار قد كان فرضاً ... من إلهِ السماء على الزَّعماءِ
فكأني يابن الأكارم ما ألبـ ... ست قومي ملابس النعماءِ
كيف كانت رعايتي لبني الده ... ـر وحفظي لحرمَة العلماءِ
وظلالي الظليل في كل حي ... من نزارٍ ويعرب العُرَباءِ
__________
(1) في (ب): إيغار الصدر.
ظنَّ قوم أني عجزت وما حا ... ولت إلا السكون للدَّهماءِ
وتفصيل هذه الأمور مبسوط في السير البسيطة، وحكى في (السمط الغالي الثمن) أنه لمَّا: قتل الإمام السعيد بيد هذه العصابة المركوسة الناكصة على الأعقاب، كتب أحمد بن الإمام صاحب هذه الترجمة إلى سلطان تعز ما لفظه: نجدد الخدمة، ونشكر النعمة، للِّه تعالى، للمقام العالي السلطاني، خلد الله مُلكه، وينهي صدورها من المصنف بِشُوَابة(1) ورأس الإمام أحمد بن الحسين بين يدي وخاتمه في إصبعي:
وأبلجَ ذي تاج أشاطت رماحُنا ... بمعترك بين الفوارس اقتما
هوى بين أيدي الخيل إذ فتكت به ... صدور العوالي ينضح المسك والدما
وكان من سعادة السلطان ويمن طيره، أن قُتل عدوُّه بسيف غيره، انتهى والله المستعان من هذه الشنعاء والزلَّة التي ساءت منظراً وسمعاً، وكتب الأمير علي بن يحيى والي الملك بصنعاء ما لفظه شعراً:
قتل ابن الحسين قدس الله رب السماء ترابه
قتلته يأيها الملك الندب بنوحمزة بوادي شوابه
/142/
فتبًّا لها ولا بيض الله تعالى وجوهها من عصابة(2)
__________
(1) شُوابة، بضم الشين المعجمة وفتح الباء: واد مغيول من أعمال (ذي بين) في بلاد بكيل، ينحدر ماؤه إلى الجوف، وإليه تنسب قرية شوابة شرقي ريدة (معجم المقحفي ص: 366).
(2) في (ب): تبالها لا بيض الله تعالى وجوهها من عصابة. وفي (ب): حاشية لفظها يستقيم بيتاً أن يقال ثم تبالها ولا بيض الله تعالى.. الخ، وأقول: وجزاهم رب الأنام عن الإسلام والمسلمين حق عقابه، قاتل الله قاتليه فما راعوا لربي حقاً ولا للقرابة، كتبه الفقير إلى الله مجد الدين بن محمد المؤيدي عفا الله عنه سنة 1365ه، وهذا الذي يدخل تحت ........ من الغضب لله تعالى ولرسوله، وقد أنصف ربنا من الباغي على إمام المسلمين ........... من أبناء النبيين عاجلاً ولعذاب الآخرة أشد وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قلت: كلام علي بن يحيى هذا فات عني من أين نقلته، والذي في (السمط الغالي الثمن) أن لفظه قتل ابن الحسين لا قدس الله.. الخ (بزيادة لا)(1) وهو الأظهر من أحوال العدو.
وكتب العلامة الحسن بن أحمد الحيمي، بقلمه على السمط أصل الشعر بإثبات حرف النفي لا قدس الله تراب القائل والمقول إليه، توفي صاحب الترجمة في …… ودفن بصعدة في جبانة العيد، ورثاه القاضي ركن الدين مسعود بن عمر فقال:
يا زفرة في الحشا تعلو وتنحدرُ ... ترفقي فعسى أن يكذبَ الخبرُ
يا قائلاً قال: مات ابن الإمام عسى ... تعني سواه بفيك التربُ والحجرُ
ما بي وبالدين والدنيا لآفكة ... عمياء ظلت لها الأقطار تستعرُ
مالي إذا بان في أمنيَّة أربٌ ... ولا لنفسي عن مكروهةٍ حذرُ
آل النبي أبو دهماء كلهمُ ... فإن تولى فلا عين ولا أثرُ
وقال فيه أيضاً:
يا دهر حسبك من توهين أسبابي ... يا دهر أفنيت أركاني وأحبابي
يادهر يادهر كم ضعضعت من جلد ... يادهر يا دهر كم فللت من ناب
يأيها الدَّهر لو مهَّلتني بهم ... شهراً لعلي أقضي بعض (أوصابي)
ما بي على المجلس المحروس جانبه ... عن السفاه وداء اللّوم والعاب
مابي على دفعات الجود زاخرة الـ ... أمواج ما دونها للناس من باب
أحمد بن عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة: [ - ](2)
السيد العالم العابد أحمد بن عبد الله بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة. كان عالماً فاضلاً. ذكره السيد العماد في كتاب (الصلة) - رحمه الله -.
أحمد بن عبد الله أبي القاسم [ - ] (3)
السيد الإمام النحوي الكبير أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أبي القاسم. كان - رحمه الله - كاملاً فاضلاً، وقد سبق ذكره عند ذكر السيِّد إبراهيم بن يحيى في تقريظ كتاب (المغني) لابن هشام.
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) صلة الاخوان في حلية بركة علامة الزمان إبراهيم الكينعي للسيد يحيى المهدي (تحت الطبع بتحقيقنا).
أحمد بن عبد الله القاعي [ - 390 ه ] (1)
الفقيه البليغ المجاهد، أبو الفلاح، أحمد بن عبد الله القاعي - رحمه الله -. كان من عيون الشيعة المعتنين بأمرهم، ومن وجوه أصحاب الإمام المنصور بالله القاسم بن علي، وشهد معه المشاهد، وكان فصيحاً جيّد البديَهة، يستحضر الكلام الفائق عند تلاحم المضايق، حكي عنه أنه لمَّا ثار من ثار بصعدة المحروسة على الإمام وغلقوا أبوابها، فخرج القاسم - عليه السلام - عجلاً على قدميه حتى لحقه خادمه في فناء الحصن بفرسه، فسار حتَّى صار على باب الحدبة في غربي صعدة، فألفى الباب مصفَّداً موصدا، فأمر به فكسر، فارتجز أحمد بن عبد الله المذكور عند خروج الإمام من الحصن:
نحن مفاتيح الدروب والدير(2) ... والمنجنيقات لها نحن الحجر
كم من قتيل قد قتلنا(3) لم يحر ... يشهر عينيه وقد زاغ البصر
/143/
نحن الذي نوردها خيراً وشر ... إذا تلظت مثل نيران الحفر
يقودنا الطاهر مولانا الأغر ... القاسم المشهور يُدعى مشتَهر(4)
وقال بعد ذلك في مكانه:
قد علمت ذات وشام حففا ... كأنه الشهد الذي فيه الشفا
أنا حماة الدين أصحاب الوفا ... نكفيك ما همَّك يابن المصطفى
أيماننا والبيض تبدي ما خفى ... من كُلِّ من عاند أو من خالفا
نروي السنان والحسام المرهفا ... ونترك الطير علينا عُكَّفا(5)
وقال أيضاً عند كسر الباب:
نهوي مع القاسم في دهم الظلم ... كبارق القبلة يهوى لم ينم
نتم بالعهد ونوفي الذِّمَم ... والسُّمر في إيماننا يرعفن دم
__________
(1) سيرة الإمام المنصور القاسم العياني، تأليف الحسن بن أحمد بن يعقوب، طبعت بتحقيق الأستاذ عبد الله بن محمد الحبشي ص 103، 104، 183، 187، وذكر له أراجيز غير التي أوردها المؤلف - رحمه الله -.
(2) في سيرة المنصور: والزبد.
(3) في (ب): قد صرعنا وكذا في سيرة المنصور.
(5) تكملتها في السيرة المنصورية ..............
والقاسم المنصور فينا كالعلم ... يحكم بالحق ويجزي من ظلم(1)
أحمد بن عبد الله الدواري [ - 807 ه ] (2)
__________
(1) في سيرة المنصور بعد هذه المقطوعة: فأمر بكسر الباب أصحابه فكسروه، ودخل منزله في دار بني الملاح، ودخل معه أصحابه، ثم أمر بالفلاح أحمد بن عبد الله القاعي أن يسير في أسواق صعدة ومعه جماعة من أصحابه، وينادي بالأمان في الأسواق، ويأمر الناس بالسكينة وينهي بعضاً عن مضرة بعض، ففعل ذلك، فبينما هو يدور في الأسواق ويصيح بالأمان بأمر الإمام - عليه السلام - إذ عدا عليه وعلى أصحابه جماعة المليح والحسن بن محمد الذين معهما من خدمهما ومن مال من أهل القرية إليهما، فهزموهم إلى دار الإمام - عليه السلام - ولحقوا أبا الفلاح في أعقاب الناس فقتلوه - رحمه الله -. سيرة الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني ص 184.
قلت: وكان نهوض الإمام - عليه السلام - من عيان إلى صعدة في يوم الأربعاء لثلاث عشرة باقية من شهر جمادى الأولى سنة 390ه وبهذا يتضح أن المترجم له قد استشهد في نفس السنة.
(2) من مصادر ترجمته: طبقات الزيدية القسم الثالث خ تحت الطبع ج 1/325، 360، المستطاب خ، ج 2/52، اللآلئ المضيئة للشرفي خ، ملحق البدر الطالع ص 38، معجم المؤلفين 1/278، مصادر الحبشي 117، 193 أئمة اليمن لزبارة 1/294، الجامع الوجيز خ، الجواهر المضيئة خ ص 2، أعلام المؤلفين الزيدية ص 131، ترجمة 104.
الفقيه الكامل، العلامة ابن العلامة، أحمد بن عبد الله بن الحسن الدواري - رحمه الله -. كان من كبار العلماء الفضلاء - رحمه الله تعالى - ترجم له جماعة، وهو المؤلف لكتاب (التلفيق بين اللمع والتلعيق(1)) (2)، وله (الجزاز المصقول شرح وازعة ذوي العقول)، و(الوزاعة) هذه تأليف السيد العلامة الهادي بن إبراهيم رحمهما الله جميعاً وممن ترجم له السيد القاضي تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المالكي في تأريخه (العقد الثمين)، فقال ما لفظه: أحمد بن عبدالله بن الحسن بن عطيَّة بن محمَّد بن المؤيَّد الزيدي، توفي محرماً ملبياً، توفي في ليلة الخميس الرَّابع من ذي الحجَّة سنة سبع وثمانمائة، ودفن بالمعلاة. انتهى
__________
(1) لعلها: التعليق.
(2) التلفيق الجامع بين مسائل اللمع والتعليق (فقه)، منه نسخة خطية في 238 صفحة، مكتبة جامع الإمام الهادي بمدينة صعدة.
وكان حجَّه - رحمه الله - هو وصهره السيد العلامة الهادي بن إبراهيم الوزيري، زَوج أخت القاضي المذكور، وهيَ الفاضلة العالمة مهديَة بنت القاضي عبد الله بن الحسن، وهيَ من الفضليات، قال بعض العلماء: حكمها في الفضل على النساء كحكم أبيها وفضله على الرجال، وصحبهما في ذلك السفر السيد المرتضى بن الهادي بن إبراهيم، وحصل لموت القاضي - رحمه الله - موقع عظيم لجلالته ومكانته، سيما عند السيد الهادي لمكان الصداقة وعلمه حقيقة بفضله ولصهره، وكانت بينهما رحمهما الله أيام الحج مراسلات وأشعار منها القصيدة الآتية، ولمَّا وصل السيد الهادي إلى (فلَلة)(1) عند رجوعه التقاه الإمام علي بن المؤيَّد وخطب كل واحدٍ منهما خطبة بليغة، متضمنة تهنئة وتعزيَة وترحيباً وفنوناً كثيرة وفصولاً عديدة لم يسمع بمثل ذلك فيما بين أحد من أهل ذلك العصر، ورثاه السيد - رحمه الله - ولم أظفر بترثيته. /144/ ورأيت بمدينة (إب) قصيدة من السيد الهادي حرَّرها بحلي من أعمال تهامة يذكر فيها صنعاء و (طيب أوقاتها و) (2) ساحاتها وساعاتها، فأجابه القاضي بقصيدة بليغة وذكر فيها صعدة، ولم يحضرني ما نقلته في إب، ثم رأيت القصيدتين في تأريخ السادة، إلا أنه ذهب أوَّل قصيدة السيِّد نحو عشرة أبيات أو أكثر، ولعلِّي أكتبها من نسختنا وأظن أولها:
نسيم الصّبا هل تحملين لنا عهدا
وذكر في تأريخ السادة أن الشعر والجواب(3) لم يكن للقاضي شمس الدين، لكنه صنعه له بعض الفقهاء آل النعمان من (ضمد) وهذا الموجود من شعر السيد:
(4)
وأصفر من لون السفرجل لونه ... يحاكي من البيض الترائب والنهدا
__________
(1) فللة: هجرة علم قديمة في بني جُماعة بصعدة، بالقرب من هجرة قُطابر، يقال: إن أول من اختطها هو الإمام علي بن المؤيد سنة 836ه (معجم المقحفي ص: 497).
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): إن الشعر الجواب.
(4) بياض في المخطوطتين مقدار نصف صفحة.
وقان من الرّمان يحكي احمراره ... من البيض في صنعا الأنامل والخدَّا
ومن عنبٍ كل الفواكه حوله ... تراه أميراً وهو ينظرها جندا
فلله صنعا ما ألذَّ سكونها ... وأطيَب معناها وأحسنها مهداً
فلا ماؤها مرٌ ولا جوُّها وبا ... ولا قيضها جمراً ولا عيشها كدا(1)
وما هي إلا جنَّة الخلد في الدُّنا ... إذا بلدٌ في حسنها تشبه الخلدا
ولا سيما أن صافح الغيث أرضها ... وكاد الثرَى منها يكون لها ندا
قلت: أذكرني كلام السيد - رحمه الله - في طيب ترب صنعاء ما ذكره أبو حيَّان التوحيدي(2) أنه سأل بعضهم عن صنعاء فوصفها ومما وصف تربها، فقال: إذا سجد المصلي لم يرفع رأسه إلا كرها لطيب العَرف من ترابها نقلت هذا بالمعنى:
وتالله لولا الحج ما كنت سامحاً ... بها غير أنَّ الله ألزَمَه العبدا
وقائلة: كيف الذين ترحَّلوا ... إلى الحج أشياخاً وأصبيَة مُردا
فقلت لها: ما حال من قذفت به ... شطون النوى فازداد من أهله بعدا
وكم نفنف(3) قد جازه بعد (نفنف) ... ونبَّه في أقطاره الجثم (الربدا)
/145/
وكم قطع البيداء تعلى شموسها ... وعين المها من حرّ رمضائها رمدا
وكم قذف الحر بأحر(4) هجيرها ... وقد وقيد الشمس ناظرها قدا
__________
(1) حاشية في (ب): حق الإعراب الرفع في قوله: ولا قيضها جمراً ولا عيشها كدا؛ لأن لا لا تعمل في المعرفة إلا شذوذاً كقوله: فلا الحمد منسوباً ولا المال باقياً، أما كذا فوجهه أن يكون من الاقواء، وورد في كلام الفصحاء كقول امرئ القيس:
عوجا على الطل المحيل لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابن جذام
قامت لتصرعني فقلت لها اقصري
إني امرؤ جزعي عليك حرام
وغير ذلك أو ثبوت العمل لا للضرورة في المعرفة والله الموفق. كتبه المفتقر إلى ربه مجد الدين محمد بن منصور المؤيدي.
(2) راجع تأريخ بني الوزير.
(3) نفنف: كل مهوى بين جبلين.. والمفازة. (القاموس المحيط ص 792).
(4) لعلها: بحر ليستقيم الوزن.
إلى أن بلغنا بطن مكة ترتمي ... بنا العيس نبغي من مشاعرها قصدا
ولمَّا بلغناها على دلج السرى ... نشد إليها كل دعلية شدا
رأينا بها ما يملأ العين قرَّة ... ويطوي من البين المشيب ما أسدا(1)
فشكراً لأيدي العيس إذ بلغت بنا ... وحمداً لمن في السَّير سخرها حمدا
بلغن بنا البيت الذي حج آدم ... من الهند لمَّا اعتاض بالجنة الهندا
إلى حرَم شاد الخليل أساسه ... وشرَّفه قدراً وعظمه مجدا
إلى قبلة الإسلام والحرَم الذي ... يحج إليه الناس إلا من ارتدا
إلى حيث أهدى البدن أحمد رسَّفاً ... فيانعم ما أهدى ويانعم من أهدى
ولمَّا رأينا كعبَة الحسن خلتها ... عرُوساً وفيها الخال قد زين الخدَّا
نقبل منها خالها الأسود الذي ... يبيض من وجه الأماني ما اسودا
وطفنا ببيت الله نلثم ركنه ... نمسحه كي ندرك الفوز والرشدا
فيا ربّ زده هيبة وجلالةً ... وجدد لنا من لثم أركانه عهداً(2)
قال السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله تعالى -: قلت هذه القصيدة من المخلاف السليماني، ونحن متوجهون إلى مكة المشرفَّة - حماها الله تعالى - فلمَّا وقف عليها الفقيه (……)(3) بن النعمان الضمدي عارضها بمدح صعدة وطيبها وطيب مائها وجوّها على لسان القاضي شمس الدين أحمد بن عبد الله الدواري وبرأيه، وقد رأينا إثباتها في هذا الديوان المبارك لحسنها ورشاقة مساقها وترصيفها واتساقها:
إذا هب من نجد نسيم الصبا ندا ... وصافح منه ذيله الآس والوردا
بكيت كما يبكي الحمام صبابة ... وذبت بها شوقاً وذاب الحشا وقدا
وما زلت يشجيني بكاهنَّ كلما ... بكين على الأغصان ذكَرنني نجدا
إذا ما ذكرنا بير حوجل قطعت ... بها النفس أوكادت تذوب لها وجدا
وإن لاح برق بالصعيد فمقلتي ... على الخد مني خد مدمعها خدا
يشوقني من بئر عائد ماؤها ... فاشتاق منها ماءها البارد العدا
__________
(1) في (ب): ما أشدا.
(2) في (ب): العهدا.
(3) بياض في المخطوطتين.
منازل ما أشهى هواها وماءها ... وأطيبها عيشاً وأعذبها وردا
ويحجب عنها دوحها الشمس إن بدت ... وتسحب من برد النسيم بها بردا
وتالله ما أنسيت عهداً وإنما ... من البعد لم أحدث بساكنها عهداً
/146/
ولا اعتضت من ماء العذيب ومائه ... عذيباً ولا (بالشيح) شيحاً ولا رمدا
أحنّ إليها وهي منِّي قريبة ... فكيف إذا ما ازددت من أرضها بعدا
ولولا وجوب الحج ما اعتضت بالّلوا ... لواءً ولا بالوُد من أهله وُدا
ولا وخدت أيدي المطايا عشيَّة ... بنا وهيَ أدنى ما تسير بنا وخدا
نؤم بها البيت الحرام كأنها ... قسيٌ ترى ما في أزمَّتها جردا
يشوقها برق(1) الحجاز إذا بدا ... فيبدي شجاها وهو أهون ما أبدى
ولمَّا نزلنا الغور غور تهامةٍ ... ذكرنا الصَّعيد الطيب الأخضر الأندا
ورقراق أمواه عذاب بصعدةٍ ... كأنَّ فتيت المسك من فوقها مُسدا
نزف إليها الشوق من كل جانبٍ ... وجدّ بنا لما المسير بنا جدا(2)
ولكننا نرجو من الله عفوه ... ونطلبُه فضلاً ونطلبه رُشدا
ونطلب من ألطافه البر والهدى ... ولا يهتدي من ليس من ربه يُهدى
أمعلمنا(3) من صعدةٍ كيف صعدةٌ ... أفدنا بما عاينت من وصفها الأندا
وهل ماؤها السلسال شهد كعهدنا ... أم الدَّهر ضرَّ البارد السلسل الشهدا
وهل طلها طلق وطل غصونها ... إذا حرَّكته الريح تحسبه عقدا
بلاد تحاكي جنة الخلد حسنها ... وتحسبها من حسن بهجتها الخلدا
أحمد بن عبد الله بن أبي القاسم [ - ] (4)
السيد العلامة، الصدر، المفيد، أحمد بن عبدالله بن أبي القاسم - رحمه الله تعالى -. ترجم له السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله، وذكر في موضع ما يدل على أنه من أعيان الوقت وأهل الرفعة - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن عبيد [ - ] (5)
الفقيه العالم شهاب الدين أحمد بن عبيد - رحمه الله تعالى - ذكره السيد العلامة في وسيلته فقال:
__________
(1) في (أ): برد.
(2) في (ب): حدا.
(3) في (أ): أيعلمنا.
وبابن عبيد والشقيفي ذي النهى ... أبي القاسم الكشاف كل مجمل
ولم أتحقق شيئاً من حاله - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن عبد الأعلى الضميمي [ - ق7 ه ] (1)
الفقيه، الإمام، العلامة، الأجل، الأفضل، الأكمل، أحمد بن عبد الأعلى الضميمي - رحمه الله -. شيخ معمَّر جليل القدر جميل الذكر، بحر من بحار العلم الزاخرة، وهو (مذحجي) الأصل، سكن بلاد بني (حُبيش)، وهو من جهة(2) العلامة أحمد بن علي الآتي ذكره، وفد هذا العلامة - رحمه الله - على الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - إلى (براقش)(3)، وبايع وأعلم الإمام أن عشيرته وجميع جهته سامعون له مطيعون، ثم قام أعاد الله من بركته بين يدي إمامه بهذا الشعر:
الله أكبر روح القدس أم بشر ... أم كوكب ضوؤه في الأفق منتشرُ
في حلقة القوم نور ساطع شرق ... حسناً وآيات مجد ليس تنحصرُ
/147/
لمَّا علا ورأت عيني طلائعه ... غشوته وغشاه البدو والحضرُ
فكم تجشمت من تيهاء مظلمة ... كالترس(4) ليس لأنسيٍّ بها أثرُ
وكم توردت والآمال طامحة ... منها موارد لا يرجى لها صدرُ
حتَّى انتهيت إلى من لا يقاس به ... إلا أوائله الوضاحة الغرَرُ
أنشدتُ نفسي وقد عاينتُ غرَّته ... هذا الإمام الذي قد كنت أنتظرُ
هذا ابن حمزة سيف الله مشتهرٌ ... في كفِّه مرهف العرنين مشتهرُ
هذا ابن حمزة عبد الله يشهد بالـ ... ـفضل المبين عليه الخبر والخبرُ
__________
(1) في السيرة المنصورية المطبوعة ذكره مع أخيه محمد بن عبد الأعلى، وذكر للأخير أكثر من قصيدة، وهذه القصيدة للمترجم ربما في الجزء المفقود من السيرة.
(2) حاشية في (أ)، (ب): معنى من جهة: من قرابة.
(3) براقش: من أهم المدن الأثرية في اليمن، وتقع بالجهة الجنوبية الغربية من مدينة معين، ضمن مدن وادي الجوف، وقد عرفت براقش قديماً باسم (يثل)، (معجم المقحفي ص: 67).
(4) الترس: التُرْس من جَلَد الأرض: الغليظ منها. (القاموس المحيط. ص 495).
هذا ابن فاطمة الداعي وطائره الـ ... ـميمون في كلّما يأتي وما يذرُ
هذا الَّذي أفصحت عن ذكر والده ... وفضله محكمات الآي والسورُ
مهذَّب الجد وضاح شمائله ... يغضي لها الأبهيان الشمس والقمرُ
إذا تهلل مثل البدر مبتسماً ... تهللت من نداه البدن والبدرُ
وإن يُدَمِّر(1) مات الموت من فرَق ... ومار بالأرض منه الخوف والحذرُ
إن صال أو قال أو جادت أنامله ... فالغيث والليث (والصمصامة) الذكرُ
يفتر مبتسماً والحربَ عابسةٌ ... إذا هي ابتلت الأعطاف والعدرُ(2)
أغر تحسب نصل السيف في يده ... جماً يجول به في الحومَة القمَرُ
يا آل ياسين أنتم في الورى وزرُ ... وملجأ حين لا ملجا ولا وزرُ
أنتم ينابيعُ علمٍ لا تغيض وفي ... أيديكمُ القضب المشطوبة البترُ
أنتم أناس أقام الدين صعدته ... بكم وفيكم وأنتم ظفرة الظفرُ
ولا تظلكم الرايات في رهجٍ ... إلا أطل عليها الفتح والظفرُ
وكم لكم يا بَني الزهراء من شرفٍ ... صاف تبسم عنه(3) بارق كدِرُ
فالحمد لله قد قامت قناتكم ... آل العباء وقام العدل والظفرُ
يا آل أحمد أنتم خير من وخدت(4) ... به الركاب ومن سارت به السيرُ
وأنتم عصمة المستعصمين وأمن المؤ ... منين وأنتم للورى عصرُ
في منشأ نشأت منه التلاوة لا ... حيث المزاهر والعيدان والوترُ
وأذهب الله عنه الرجس تطهرة ... له وجاء به القرآن والأثرُ
والأمر والدين والبيت العتيق لكم ... وزمزم والصَّفا والحجرُ والحجَرُ
بحر تغلغل في كنه العلوِّ إذا ... تغلغلت قصرت من(5) دونه الفكرُ
/148/
يا آل احمد إن الله خصَّكم ... دون الأنام بمالم يُؤته بشرُ
وقال قومٌ هم في الفضل مثلكم ... ولا أرى اليوم تحقيقاً لما ذكروا
أنَّى وطينة عليين طينتكم ... وطينة الناس إلا أنتم العفَرُ(6)
__________
(1) في (ب): وإن تذمر.
(2) العدر: لم أجدها.
(3) في (ب): مازق.
(4) في (ب): وجدت.
(5) في (ب): في.
(6) في (ب): الغفر.
الناس أرض وأنتم آل أحمد في ... أفق العلو عليهم أنجم زهرُ
وذكركم بعض أركان الصلاة وما ... رأيتهم قط في أذكارها ذكروا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... وذلك الدين ليس الجبر والقدرُ
انتهى، وأقول لله در هذه القصيدة التي بنيت بيوتها بالجواهر، ونورت من أرضها الزهور، وأنورت من سمائها الزواهر، والحمد لله رب العالمين.
أحمد بن عبيد المعلم[ - ق3 ه ]
الفقيه، الإمام، الحافظ، مسند المذاهب، أحمد بن عبيد المعلم - رحمه الله تعالى - من كبار الزيدية وجلّهم، جعله في طبقات الزيدية من نقَلَةِ علوم آل محمد؛ لأنه قال في ترجمة الإمام الفقيه أبي الحسن علي بن أحمد بن (أبي)(1) حريصة - رحمه الله - ما لفظه: وقد كانت له، وابن(2) الفتح، وابن الطهري، وأحمد بن عبيد المعلم، ومحمد بن طالب عناية بالرواية، وقراءة كتب آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - (3) وسماع، الحديث عنهم وعن شيعتهم إلى آخر كلامه.
أحمد بن عبد ربه(4) [ - ق7 ه ]
الشيخ العالم أحمد بن عبد ربه - رحمه الله تعالى - من تلامذته محمود بن يحيى بن علي بن الحسين الجيلاني، قرأ عليه، ومن جملة مقروءاته مجموع زيد بن علي - عليهما السلام - والأربعين العلويَّة، وأجاز الشيخ أحمد لتلميذه المذكور بشهر القعدة سنة تسع وخمسين وستمائة.
أحمد بن الإمام عز الدين(5) [873 - 940 ه ]
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): ولابن الفتح.
(3) في (ب): كتب آل محمد صلى الله عليه وعليهم.
(5) ملحق البدر الطالع 38 - 39، معجم المؤلفين 1/312، مصادر الحبشي 209، الجامع الوجيز - خ - الجواهر المضيئة - خ - 12، 13، أئمة اليمن 1/411، التحف شرح الزلف 149، ذروة المجد الأثيل - خ - 58 - 59، 90 - 91، مطمح الآمال - خ - تراجم علماء آل المؤيد - خ - مشجر السيد صلاح الجلال - خ - مؤلفات الزيدية 1/398، مصادر التراث اليمني في المكتبات الخاصة، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (116).
السيد الكبير النحوي أحمد بن الإمام عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - كان من العلماء الكبار محققاً في الأدوات، وقد كان يقال له: (سيبويه)(1) لعلوِّ شأنه في النحو وتعمَّر - رحمه الله - كثيراً، ورحل للحديث إلى المدينة المصطفوية، واستصحب كتباً من خزانة والده وغيرها، فنهبت في ديار حرب، وله أسئلة على (خطبة الأثمار) أجابها السيد العالم عبد الله بن الإمام شرف الدين نيابة عن والده، وذكره السيد العلامة محمد بن عز الدين في (شرح التكملة) - أعاد الله من بركاتهم - وتَولى القضاء لأخيه الإمام الحسن ولابن أخيه الإمام مجدالدين، وله (مصنَّف حاشية على تذكرة الفقيه حسن النحوي)، و(كتاب في أحوال الإمامة)، وما يلزم الإمام وما لا يلزمه.
قال شيخنا: كان الإمام المؤيَّد بالله يحبُّه ويولع به، وروَى شيخنا عن شيخه السيد العلامة داود بن الهادي أنَّ السيد شمس الدين هذا لم يكن في صغره متعلقاً بالعلم كإخوته - عليهم السلام - فأمره أبوه عز الدين وهم إذ ذاك (بساقين) (2) أن يكون إمام الصلاة للإمام وإخوته الكرام وغيرهم فامتنع فلم يعذره، فأقبل على العلم حتى بلغ الغاية، ومولده ضحى يوم الخميس لثمان بقين من شوال سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وتوفي في الفناء الكبير سنة أربعين وتسعمائة، وكان ابتداء الطاعون بهجرة فلَلة غرَّة شهر الحجّة سنة أربعين وتسعمائة وانقطع /149/ نصف (شهر)(3) صفر سنة إحدى وأربعين.
أحمد بن عز الدين الحميري(4) [ - ق7 ه ]
__________
(1) سقط من (أ) وهو في (ب).
(2) ساقين: بلدة في الجهة الغربية من صعدة، من قضاء خولان بن عمرو بن الحاف، بها مركز قضاء خولان (معجم المقحفي ص: 298).
(3) سقط من (ب).
الفقيه الأصولي المحقق شهاب الدين أحمد بن عز الدين الحميري - رحمه الله تعالى - من المصنفين المتبحرين في أصول الفقه، ولعلَّه صاحب المجموع في الأذكار، وإن لم أتحقق ذلك، وهو من ساكني هجرتي (حوث) ومسلت، وصحب الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وكان خدينه، وله عليه حق التربية، فإن القاضي هذا كان خدناً كلفاً بالإمام أيام سيادته - أعاد الله من بركتهم - وهو من علماء صعدة المحروسة، وهم أهل بيت فضل، والله أعلم.
أحمد بن العفيف بن منصور(1) [ - ق 8 ه ]
السيد العلامة النبيل، أحمد بن العفيف بن منصور - رحمه الله تعالى -. ترجم له بعض السَّادة آل الوزير، قال: كان سيداً، فاضلاً، ورعاً، له بصيرة وافرة، ومعرفة كاملَة، وفضل غير قاصر سكن (بالشرف)(2)، وسبب ذلك أنه زوّج ابنته من الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر - عليهما السلام - وكان الإمام - عليه السلام - في ذلك الزمان ساكناً في (مفتاح الشرف) (3)، ونقلت إليه زوجته الشريفة المذكورة، وكان أبوها يتردد إلى الإمام لزيارة ابنته، فعوَّل الإمام(4) عليه السكون في الديار الشرفيَّة فساعده، وسكن (الرحاء)، وكان له في الفقه معرفة كاملة جيدة، وأراد الإمام - عليه السلام - إحياء تلك الجهات بالفتيا لأهلها، وتوفي في الشرف في زمن الإمام - عليه السلام -.
أحمد بن علي بن الهادي(5) [878 - 924 ه ]
__________
(1) المستطاب - خ - تأريخ بني الوزير - خ -.
(2) الشرف: ويسمى شرف حجور، وهو جبل واسع في الشمال الغربي من حجة، ويشكل أحد قضواتها (معجم المقحفي ص: 351).
(3) مفتاح الشرف، وتعرف بالمفتاح ناحية من قضاء الشرفين وأعمال حجة، بالشمال منها (المصدر السابق ص: 617).
(4) - عليه السلام -: زيادة في (ب).
(5) المستطاب - خ - طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث - ترجمة رقم (65).
السيد العلاَّمة الكامل، أحمد بن علي بن الهادي بن علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن حسن الملقب زغيب بن علي بن عبد الله الملقب أيضاً زغيب بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن الإمام يوسف الدَّاعي بن يحيى بن المنصور بن أحمد بن الناصر بن الهادي إلى الحق - عليه السلام -.
قال الفقيه ابن المظفر في (ترجمانه): هذا السيِّد ممن جمع بين العلم والعمل والجود والكرَم، (ولهم) الهمَم العلويَّة، والشناشِن(1) والمكارم الحاتمية والأخلاق النبوية والآداب السنيَّة (والوصائف السنية)(2) والنفوس العصامية، والروايات الأصمعيَّة، والأعراف الزكية، والأحوال الرضيَّة، والحالات المرضيَّة، محيي علوم الدين، وارث علوم آل طه وياسين، كعبة القاصدين، كهف الوافدين والمسترشدين، رحب الباع ، خصيب الرباع، هاشمي النسب والطباع، أمتع الله الإسلام والمسلمين بحياته، وأعاد من فضله وبركاته، وأسعده الله وأسعد به في جميع أوقاته، ثم قال ابن المظفر - رحمه الله تعالى - بعد هذا، وفاته - قدس الله روحه ونوّر ضريحه - في شهر رجب سنة أربع وعشرين وتسعمائة (سنة)(3) سعيداً شهيداً، في (قفل مدوم) في الشرف، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وصائرون ومنقلبون، رزقنا الله شفاعته وشفاعة آبائه الأبرار الأطهار، وجمع بيننا وبينهم في دار النعيم والقرار، انتهى.
أحمد بن علي الضميمي(4) [ - نحو 656 ه ]
__________
(1) الشناشن:
(2) سقط من (أ).
(3) زيادة في (ب).
(4) الجواهر المضيئة رقم (79)، سيرة الإمام عبد الله بن حمزة (انظر الفهرس)، سيرة الإمام أحمد بن الحسين (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (75).
الفقيه العالم الزاهد أحمد بن علي الضميمي - رحمه الله - أظنه من قرابة العلامة المعلي وهما شهيران كبيران، وهذه نسبة إلى وادي ضميم، وأظنه بالضاد المعجمة /150/ قرب بلاد الأعماس(1) شرقي ذمار، وكان من خلصان الزيدية وأولياء الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وجاهد معه، وكثرت رحله في الجهاد - رضي الله عنه - وقد ذكره أبو فراس في جماعة المنصور بالله، وله شعر من ذلك:
متى يعل(2) بمواحي(3) النسك(4) الخدم ... من الخميسين في اللبَّاتِ والقممِِ
متى تجردها كالملح صافية ... بيضا وتغمدها مخضوبة بدمِِ
متى أرى أسلات(5) العرب مشرقة(6) ... مما يسيل عليها(7) أنفس العجمِ
فيستقي عللاً من بعدما صديت ... دهراً ويشفي غليل المجد والكرمِ
من كل نكس(8) سفيه الرأي ليس له ... في المجد من قدم صدق ولا قِدمِ
يا ما لدهري لقد أنكرت حالته ... أكلُّ أيامهِ في الأشهرِ الحرُمِِِ
مالي أرى جمراتِ الحربِ ليس لها ... في ظلمة الخطْبِ من ضوءٍ ولا ضرمِ
وقد تلفَتُّ في قيس أحرضها ... قومي وما كنت في قيسي(9) بمتَّهمِ
وقمت بين ذرا(10) عيسى(11) فما سمعت ... نصحاً وقد أصبحت لحماً على وضمِ
وقلت للقلب(12) من ذهل وإخوتها ... على مقالٍ نصيحٍ واعظٍٍ فهمِ
وقلت كم تشتكي سود المنون إلى ... سيوفهم ما بها من سورة القزمِ
وقلت من تحلى بين الملوك بني ... أبي الكراديس أهل البأس والكرمِ
إن الجياد إذا راحت مسلمة ... من قادح الكلم لم يسلم من الكلمِ
أحمد بن علي بن أبي الفتح(13) [ - ق8 ه ]
__________
(1) الأعماس: عزلتان في الحداء: أعماس الجبل، وأعماس الضَلع (معجم المقحفي ص 39).
(6) في (ب): مشرفة.
(7) في (ب): عليه.
(8) نكس: المقصر عن غاية الكرم (القاموس المحيط ص 535).
(9) لعلها: قيسٍ.
(10) لعلها: ذوي.
(11) في (ب): عنس.
(12) في (ب): للغلب.
السيد العلامة، شمس الدين، أحمد بن علي بن أبي الفتح - رحمه الله -. كان عالماً كبيراً، ذكره الإمام(1) في (الغيث)(2)، وذكر المسائل الدائرة بينه وبين العلامة ابن تريك الآتي ذكره - رحمهم الله جميعاً -.
أحمد بن علي بن عمران(3) [ - ق8 ه ]
الفقيه الإمام العلامة أحمد بن علي بن عمران الشتوي الهمداني، علامة خطير، وإمام نحرير - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن علي بن غراب(4) [ - ]
الفقيه العالم النبراس أحمد بن علي بن غراب - رحمه الله تعالى - ذكره صاحب (صلة الإخوان)، قال: وكان معروفاً بالبصيرة والفضل والفهم الوافر، وذكره ابن عمار(5)، حضره الإمام الناصر - عليه السلام -.
أحمد بن علي بن مرغم(6) [ - بعد سنة 790 ه ]
الفقيه العلامة شمس الدين أحمد بن علي بن مرغم - رحمه الله -. عالم كبير، من تلامذة العلامة جار الله الينبعي - رحمه الله - ذكره المقراني.
__________
(1) أي الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى - عليه السلام -.
(2) كتاب الغيث المدرار، المفتح لكمائم الأزهار في الفقه، تأليف الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى - عليه السلام - المتوفي سنة 840ه، شرح فيه كتابه المعروف (بالأزهار في فقه الأئمة الأطهار)، وكتاب (الغيث) شرح كبير في أربعة مجلدات ضخمة، منه نسخ كثيرة مخطوطة في مكتبتي الأوقاف والغربية بالجامع الكبير بصنعاء، وفي المتحف البريطاني، وفي عشرات المكتاب الخاصة منها نسخة بمكتبة السيد العلامة المجتهد الكبير مجد الدين المؤيدي خطت سنة 886ه (وانظر عن نسخة المخطوطة كتابنا مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن).
(3) الجواهر المضيئة ترجمة رقم (75)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (71).
(5) في (ب): وذكره من عاد.
(6) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث 1/ 169 - 170 ترجمة رقم (72)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (131) وانظر بقية مصادر ترجمته فيه.
أحمد بن علي بشاري(1) [ - 998 ه ]
الفقيه القاضي العلامة أحمد بن علي بن بشاري بن يحيى بن إدريس بن داود بن سلامة بن محمد بن يحيى بن عمرو بن علي بن أسعد العنسي - رحمه الله تعالى - عالم ترجم له بعض قرابته، قال: توفي يوم الثلاثاء ثامن شهر رجب سنة ثمان وتسعين وتسعمائة.
أحمد بن علي الشامي(2) [ - 1071 ه ]
__________
(2) بغية المريد - خ - طبق الحلوى (انظر الفهرس)، الجامع الوجيز - خ - ملحق البدر الطالع ص 36، نشر العرف 1/148 استطراداً في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن الشامي، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة (67).
السيد العلامة شيخ العلوم شمس الدين أحمد بن علي الشامي، كان من أوعيَة العلوم يتوقد ذكاء، عالي الهمَّة في جميع الأمور، وله قدم سابقة في الجهاد، وولي أموراً كثيرة للإمام المنصور بالله القاسم بن محمد كنواحي الحيمة وخولان، وكان له في أيام الإمام القاسم عمل مشكور، وفتح حصن /151/ جبل اللَّوز(1) على يده و (على)(2) يد القاضي العلامة علي بن أحمد بن أبي الرجال - رحمه الله - وكان القاضي جماعته (بنو جبر) وجماعة السيِّد - رحمه الله - (بنو شداد)، إلا أن اليد كانت لبني (جبر)، وفي أيام الإمام المؤيد بالله شهد المشاهد مع شيخه مولانا (الإمام)(3) السيِّد العلامة الحسين بن القاسم - عليهما السلام - وكان ينوب في القضاء، وأثرى - رحمه الله - ثروة واسعَة، يضرب بها المثل، ثم كفَّ بصره، فوقف بصنعاء - المحميَّة بالله - متوفراً على إحياء العلم الشريف ونشره بهمَّةٍ ساميَة، وقرَّر عليه الطلبة مفيدات التقارير، وكان سريع الفهم، فقد يرى في اليوم الثاني غير ما رآه في اليوم الأوَّل، وما فتح قراءة في كتاب إلا وأتمَّه معونة من الله - عزَّ وجلَّ - ولهمَته فإنه على الاستمرار، وما دخل وقت الظهر إلا وهو على طهارة في المسجد، مسجد البستان، وأوقاته الأخرى كذلك، وكان له حظ في الفتيا - رحمه الله - بحيث إنه يفهم مقصد السائل قبل تمام قراءة السؤال، ولقد عجبت من فهمه للمقاصد حتى إنَّ بعض أهل الفتيا يأتي ليتلقن حيلة في دعوَاه فيصرح في الجواب بالتحرير من الحيلة - رحمه الله -.
وشيوخه جماعة أجلاء منهم: السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي، والسيد العلامة الحسين بن (الإمام)(4) القاسم، والقاضي إبراهيم السحولي عالى،- رضي الله عنهم -.
__________
(1) جبل اللوز: من جبال خولان الطيال في بني سحام، (معجم المقحفي ص: 552).
(2) زيادة في (ب).
(3) زيادة في (ب).
(4) زيادة في (ب).
وتوفي بصنعاء في منزله (ببئر العزب)، ودفن في البستان في (حوطة)(1) عدني مسجد سيدي الحسين بن القاسم - رحمه الله تعالى - (……)(2) (توفي السيد العلامة شمس الإسلام الصدر علي الشامي - رحمه الله تعالى - في شهر شوال من شهور سنة إحدى وسبعين بعد ألف سنة)(3).
أحمد بن علي المعافى(4) [ - 1000 ه ]
السيد العلامة شمس الدين أحمد بن علي المعافى الحسني. من ولد عبد الله بن الحسن الكامل، كان سيداً عالماً من عيون وقته، وراسله بعض العلماء للدعوة قبل دعوة السيد العلامة عبد الله بن علي بن الحسين المؤيَّدي، وكانت بينهما مراسلة شافية حاصلها إذعانه للسيد عبد الله بن علي، وكان هذا السيِّد من تلامِذَة العلامة محمد بن علي بن عمر الضمدي - رحمهم الله تعالى - وله شعر حسن، من ذلك ما أنشده في يوم السبت في صبحة(5) الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بهجرة (الجراف) بحضرة الإمام شرف الدين - عليه السلام - يمدحه - سلام الله عليه - منها:
تلألأ الأفق نوراً وازدهى طرباً ... وماس في حللٍ منشورةٍ عجبا
وطار هذا الزمان الغضُّ منظره ... للمسلمين وراقت عيشه الأدبا
وفاقت الأرض فخراً بالذي لبست(6) ... من التفاخر حتَّى طالت الشهبا
وعزَّ دين إله العرش وانتضيت ... سُيُوفه واستقام الحق وانتصبا
وافترَّ عن لؤلؤٍ رطبٍ وعن بردٍ ... ثغر الخلافة حتَّى ضاء والتهبا
وجرَّت الحورُ أذيالَ السرور ضحىً ... ولم تؤد من الأفراح ما وجبا
__________
(1) في طبقات الزيدية الكبرى 1/166: ودفن في خزيمة، وقيل: بل قبره في حوطة مسجد البستان، والله أعلم عدني مسجد سيدي الحسين بن القاسم.
(2) بياض في الأصل.
(3) ما بين القوسين زيادة في حاشية في (ب)، قلت: وذكر في طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث 1/ 166 وفاة المترجم له سنة ثلاث وسبعين وألف سنة.
(4) المستطاب - خ -.
(5) لعلها: صبيحة.
(6) في (ب): كسبت.
فلا أثام على بيضاء إذا برزت ... ولا جناح على حبر إذا لعبا
/152/
إن كان فيما مضى من دهرنا عجبٌ ... للسالفين فقد ردَّ الذي ذهبا
بأعظم الخلق طرّاً منصباً وعُلاً ... وأشرف الناس جداً فاضلاً وأبا
وهي طويلة.
أحمد بن علي بن المحسن(1) [ - ]
السيد الأمير بن الأمير أحمد بن علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - أثنى عليه ابن السيد جلال الدين، وترجم له، ووصفه بالعبادة والعلم - رضي الله عنه -.
أحمد بن علي بن المرتضى(2)[ - ق8 ه ]
السيد العالم، الفصيح، الحجَّة، شمس الدين، أحمد بن علي بن المرتضى بن المفضل - رحمهم الله - قال السيد العلامة الهادي إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الوزير: هو - رحمه الله - معروف بالفضل مشهور في علمه وجوده وسخائه وطهارته وعبادته، نشأ على منهاج قويم وطريق مستقيم، وولع بالقراءة والتحصيل والاجتهاد في طلب فنون العلم، وهو تلو المرتضى أخيه في فضله وقراءته، ومعرفته في العربيَّة أكمل من معرفة أخيه المرتضى، له فيها معرفة كاملة وتحقيق تام، وله منظومة في الكلام بديعة بليغة (وكاملة)(3)، سماها (منظومة الأدلة في معرفة الله)، وله في الشعر يد طولى، ولو أوردنا كثيراً من محاسنه لطال الكلام، ولكن لا بد من التنبيه والقصد من السياق كله الإشارة لا الاستقصاء والاستيعاب، فذلك لا يمكن، فمن جملة أبياته قوله:
إذا مستحقٌ لم ينل ما استحقَّهُ ... وأصبح ذو حقدٍ له منه مانعاً
فقد ظلموا خير الأنام ابن طالبٍ ... وعدوه في دست الخلافة رابعا
وله:
__________
(2) مؤلفات الزيدية 3/70، مصادر الحبشي 115، المستطاب - خ - الجامع الوجيز - خ - الجواهر المضيئة - خ - ترجمة رقم 74، تأريخ بني الوزير - خ - الروض الأغن (1/64)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (70)، مصادر التراث في المكتبات الخاصة (طبع مؤخراً)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (130).
(3) زيادة في (ب).
يقولون ما أوصى الرسول إلى امرئٍ ... إليه أمور المسلمين تؤولُ
فيا عجباً أبقى الرسول عظيمةً ... وعلَّمنا المختار كيفَ نبُولُ
وله:
نصحت ومن حق النصيحة أنها ... تفيد الذي يوماً لها منك يقبلُ
ويورثك التهمَى ويمنعك الإخا ... وهذا لعمري في النصيحة مشكلُ
فإن تخفها تحرمْ صديقك نفعها ... وإن تبدها ما إن عليها معوَّلُ
وله محاسن وقصائد، وخشية التوسعة يمنع عن ذكر ذلك، وهو صاحب البئر الذي في طرف الجراف إلى ناحية ذهبان(1) المعروفة الآن ببئر السيد، وهو المقصود بالنسبَة إليه، وكانت ملكه، وهو الذي حفرها، واستخرج ماءها، وجاء الإمام الناصر (- عليه السلام -)(2) إليه وهو يحفرها، ويبنيها، ووقف عليها، واستحسنها ودعا له بالبركة فيها والإعانة على عمارتها. انتهى كلام السيد جمال الدين
قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله -: وهذه البئر المشار إليها صارت إلى سيدي أمير المؤمنين شرف الدين - عليه السلام - وهي موضع هجرته، ومكان نزهته، وقد أحدَث هو وأولاده - أيدهم الله تعالى - آباراً كثيرة، ودوراً عظيمة /153/ وغروساً وسيعَة، وصار هذا المكان من أحسن متنزهات الدُّنيا أدام الله تعالى ملك مالكه أمير المؤمنين، وحرس بحراسة ذاته سرح(3) المسلمين. انتهى كلام السيد أحمد.
__________
(1) ذهبان: قرية شمالي صنعاء فيما بين ثقبان والجراف، وقد اتصل عمرانها بمدينة صنعاء، وهي منسوبة إلى ذهبان بن نوف بن ثعلبان بن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة، (معجم المقحفي ص: 252).
(2) سقط من (أ).
(3) سرح: السرح: المال السائم (القاموس المحيط ص 217).
قلت: وأفادني حيُّ السيد العابد علي بن لطف الله بن المطهر بن الإمام، وكان تأريخاً جامعاً؛ لأنه تعمَّر مع يقظته ومحاضرته لأهله، والكملة من الرجال، فتلقف عنه الأصحاب مُلَحاً وفرائد كثيرة، فأفادني - رحمه الله - أن الدور الشامخة العالية العلالي الملوكيَّة، كانت ستاً وأربعين، فهدَمتها (الأروام) حسداً لملوك العرب أن يكون لهم مثل ذلك كما فعلوا في دار السلطان عامر في (ثلا)(1).
أحمد بن علي الدواري(2) [ - بعد سنة 884 ه ]
القاضي العارف شمس الدين أحمد بن علي الدواري الهاجري - رحمه الله - كان عالماً محققاً مدرِّساً في صنعاء المحميَّة بالله تعالى في عام أربعة وثمانين وثمانمائة. قرأ عليه جمهور من الفضلاء منهم الفقيه يحيى بن محمد بن أحمد بن أبي الرجال - رحمهما الله تعالى - قرأ عليه صدر المفصّل إلى التصريف والموشح، وكتاب الموطَّأ لمالك بن أنس الأصبحي. ومن شعر القاضي أحمد بن علي المذكور مقرِّضاً للخبيصي شرح الحاجبيَّة:
ألا حبّذا شرحُ الخبيصي فإنَّه ... لشرحٌ لتبيينِ الغوامضِ ضامِنُ
حوَى نُكتاً مرويةَ عن أئمَّةٍ ... لهم في بحار النحو خاضت سفائنُ
فلا تعرضنْ عن درسه متكاسلاً ... ولاتسمعنْ من هو عن النصح راعنُ
وطوبى لمن شرح الموشح شغله ... ومن هو على شرح الموشح راحِنُ(3)
ولعله - رحمه الله - شارح (المدخل في علم المعاني والبيان) تصنيف عضد الدين الأيجي، وكان فراغه من تسويده في أواخر شهر جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة بالجراف قبلي مدينة صنعاء، وهو أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد الدواري.
__________
(1) ثلا: بالضم وينطقونها اليوم بالكسر. مدينة وحصن بالشمال الغربي عن مدينة صنعاء بمسافة 45 كيلو متراً، سميت نسبة إلى ثُلا بن لباخة بن أقيان بن حمير الأصغر. (معجم المقحفي ص 258).
(2) مؤلفات الزيدية 2/76، مصادر الحبشي 380، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (127).
أحمد بن علي بن سابق الدين النحوي(1) [ - ]
(العلامة الفاضل أحمد بن علي بن إدريس بن حسين بن محمد بن سابق الدين النحوي - رحمه الله - كان علامة فاضلاً، صنَّف في علم القراءة، وكان كاتباً مجيد الخط، محققاً في العلوم، ترجم له بعض أولاده، والله أعلم)(2).
أحمد بن علي التوتو(3) [ - ]
الفقيه (العلامة)(4) الفاضل الكامل شمس الدين أحمد بن علي التوتو - رحمه الله تعالى -. كان من فضلاء وقته، وكان على طريقة(5) أستاذه العابد إبراهيم الكينعي - رحمه الله - وكان - رحمه الله - من أهل الدنيا والثروة فيها، فلمَّا رأى الكينعي زهد فيها وعفَّ، وعلى عوارف شيخه عكف، وهو حدث السن، فخالط قلبه الخوف، وأشرب قلبه حبَّ الله والدار الآخرة، واقتدى بأحوال شيخه إبراهيم وأقواله وأفعاله، وهو من فضلاء وقته وعبَّاد دهره، تستميح منه الدعاء والبركات، وتقتدي به في الباقيات الصَّالحات. انتهى بلفظه من كتاب (الصِّلة).
أحمد بن علي بن أبي القاسم(6) [ - ]
الفقيه، الفاضل، النبيه، أحمد بن علي بن أبي القاسم بن محمد بن الحسين اليمني، - رحمه الله - المعروف بابن الشقيف، ترجم له العلامة القاضي (الفاسي)(7) المالكي، وذكر نسبه هكذا، ثم قال: المكي الزيدي، عني قليلاً بالعربيَّة والشعر، ومدح السيِّد حسن صاحب مكة وغيره وهجا صاحب ينبع. قتل غيلة، ولم يعرف قاتله.
/153/ أحمد بن علي بن عمر(8) [ - ق 8 ه ]
__________
(2) الترجمة سقطت من (أ) وهي في (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (أ): وعلى طريقة أستاذه، وفي (ب): وكان على طريق أستاذه.
(7) سقط من (أ)، وهو في (ب).
(8) تقدمت ترجمته باسم أحمد بن علي بن عمران الشتوي، ومن مصادر ترجمته: الجواهر المضيئة ترجمة رقم (75)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (71).
الفقيه العالم أحمد بن علي بن عمر - رحمه الله - كان عالماً محدِّثاً من شيوخ الشفاء وأرباب الإسناد، وعنه أخذ الحسين بن معين، وعنه أخذ سليمان بن فاضل الحجازي - رحمهم الله - وأظنه أحمد بن علي بن عمران بن الحسن، وإنما يقصر على الكاتب ألف ونون من جده، والله أعلم.
أحمد بن علي بن أحمد(1) [1003ـ 1040 ه ]
القاضي العلامة الفاضل شمس الدين أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن أبي الرجال - رحمهم الله تعالى - كان من الفقهاء النبلاء الفضلاء، وأتقن من العلوم جملة واسعة، قرأ علوم العربيَّة بأنواعها، وعلم الكلام على مذهب الأئمة وقرأ الفقه، وأتقن فيه، وجوَّده. وله مشائخ أجلاء في كل علم، منهم الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - وفَد إليه إلى (وادعَة)(2)، فلما عرف الإمام نباهته وأهليته، جعل له منزلاً قريباً من منزله، وأمره بنقل جميع مصنفات الإمام الموجودة يومئّذٍ بخطه، وخطه من أجلِّ الخطوط وأنهاها(3)، وأبينها وأجلاها، ثُمَّ قرأها جميعاً على الإمام، ثُمَّ أذن له فدخل صعدة فقرأ علوم العربيَّة على السيد العلامة صارم الدين داود بن الهادي المؤيدي - رحمه الله تعالى - وعلى القاضي شمس الدين أحمد بن يحيى حابس، وقرأ عليه علم الكلام، وكتب مقروءاته جميعها بيده وخطه، ثُمَّ رحل إلى (شهارة) فقرأ أصول الفقه على السيد المجتهد العلامة أحمد بن محمد بن لقمان - رحمه الله - وكتبها بخط يده، وقرأ أيضاً في علم الكلام
__________
(1) الجامع الوجيز - خ - المستطاب - خ - 2/169، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (119).
(2) وادعة: من قبائل حاشد الهمدانية، تنسب إلى وادعة بن عمرو بن عامر بن ناشج بن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد، وهم يتوزعون في جهات مختلفة، منها وادعة حاشد في بلاد حاشد على مقربة من خمر، ومنها وادعة الشام شرقي صعدة من ناحية الصفراء، ومنها وادعة عسير شمالي نجران بغرب (معجم المقحفي ص: 687).
(3) في (ب): وأبهاها.
على القاضي العلامة بقيَّة المتكلمين عبد الهادي بن أحمد الحسوسَة - رحمه الله - وأثنى عليه بعبارة تفيد أنه من أجلَّ من قرأ عليه في هذا العلم، روَاها سيّدنا العلامة علي بن سعيد الشريحي المقري - رحمهم الله جميعاً - وتولى القضاء بأمر إمامه المؤيَّد بالله - عليه السلام - بجهات عديدة منها حَيْس(1) من نواحي تهامة، وصلح بواسطته خلائق؛ لأنه كان حسن الأخلاق كامل الصنعة في جذب القلوب إلى الحق، ومن عجيب ما اتفق أن بعض تلامذته من الشافعيَّة أحب أهل البيت - عليهم السلام - وتمسَّك بولائهم، فاتفق أن حضر ذلك الشافعي في حضرة بعض ساداتنا الأعلام بمدينة تعز، وحضر يومئذٍ بعض الناصبيَّة فقرأ الناصبي: ?مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ..? (الأحزاب:40) الآية، ومقصوده معروف بهذا، فقرأ الفقيه المتخرج بالقاضي شمس الدين على الفور عقيب قراءته: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ? (آل عمران:61) وهذه ملحة حسنة استفدتها من سيدي أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين المنصور بالله - سلام الله عليهم -. وله أشعار حسنة، منها جوابه على السيد الناصر بن محمد صبح الغرباني الخارج أيام الإمام القاسم /155/ - عليه السلام - وادَّعى أنه الإمام المنتظر، ورام من والد القاضي المذكور المناصرة، فخذل عنه لوجوب ذلك شرعاً عليه وعلى السيد أيضاً، فإنه كان قد التزم أحكام
__________
(1) حَيْس بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت، ثم سين مهملة، مدينة بالجنوب من زبيد بمسافة 35 كيلومتر، نسبت إلى بانيها الحيس بن يريم بن ذي رُعين بن كريب بن نعامة بن شرحبيل الحميري، وهي بلدة اشتهرت بالصناعات الفخارية خاصة آنية (الحيس) وكذا اشتهرت بزراعة القطن (المصدر السابق ص: 203).
الإمام القاسم - عليه السلام - ولكنَّها غرَّته الأماني، ولمَّا لم يطاوعه القاضي كتب إليه:
قل لعلاَّمة هلمَّ إلينا ... نحن ساداتكم عيال الرسولِ
عندنا العلم لا تطولوا علينا ... تصبحوا في الهوان يوم القفولِ
قال ربي بأننا طاهرينا ... فعل ربي وهل له من مثيلِ
نحن لحم الرسول بحور علوم(1) ... وارثون(2) الرسول خير الكهولِ
إن تميلوا عن الدلالة يوماً ... عن إمام الزمان زاكي الأصولِ
سوف تأتونه وعما قريبٍ ... تطلبون الوصال عند الوصولِ
نصرنا كائن بأمر عزيز ... قاهر قادر كثير الفصولِ
ليس أمثالكم لنا من نصير ... حسبنا ربنا مزيل الطلولِ
كيف حال امرئٍ يقول مقالاً ... باهتاً خائناً لآل الخليلِ
نحن في هذه أئمة حق ... رغم أنف البغيض شبه الهبولِ
نحن في الحشر شاهدون عليكم ... عند ربي وعند جدي الرسولِ
وتركت بيتين لركتهما، فأجابه القاضي شمس الدين - رحمه الله تعالى - بأمر إمامه المؤيد بالله؛ لأن السيد ناصراً استمر على استمرار الخلاف مدة خلافة الإمام القاسم، وصدر من خلافة ولده فأمره الإمام بالجواب، وقد كان اقتصر على البعض من هذا الجواب، ولم يذكر مآثر سلفه وسابقتهم، فأمره الإمام بزيادة قوله:
وسمعنا مقالة منك تنبي ... بمفاهيمها عن التغفيلِ
قولكم ما لمثلنا النصر فيما ... رمت من ارتكاب خطب جليلِ
إلى آخر القصيدة وهي هذه:
عترة المصطفى الكرام دليلي ... وهُداتي إلى سواء السَّبيلِ
اتبع السَّابقين منهم مطيعاً ... عادلاً عن مسالك التعطيلِ
وإذا كان منهم ذا اقتصادٍ ... كنت ممَّن يراه بالتبجيلِ
وأناوي سواهم لا أبالي ... لكثير تقوله أم قليلِ
وإذا طلت كان طولي بحقٍ ... عد عن قولك العريض الطويلِ
/156/
لست في ابتداع قال وقيلٍ ... من فريق يخوض في التطويلِ
كن من الآخرين إن شئت إمَّا ... رتبة لا تنال بالتبجيلِ
__________
(1) لعلها: أبحر علمٍ ليستقيم الوزن.
(2) هكذا: مع أن الإضافة تتطلب حذف النون.
فاطوٍ عمَّا تريد من تلك كشحاً ... قد سبقتم وقنتم بالفحولِ
سَبق علمٍ ودرية واختبارِ ... حسبما قد علمت بالتفصيلِ
ومع السبق لا سباق(1) وإلاَّ ... فهوَىً والهوَى من التضليلِ
وسمعنا مقالةً منك تنبي ... بمفاهيمها عن التغفيلِ
قولكم ما لمثلنا النصر فيما ... رمت من ارتكاب خطب جليلِ
نحنُ أنصار قائم الحق لا من ... ليس في وقتنا لها بأهيلِ
وبنا تنصر الخلائف قدماً ... وسوانا يُعاب بالتخذيلِ
سل تخبرك عن مواقف صدقٍ ... عزَمات لنا بحدّ الصقيلِ
هِزمٌ(2) كان فيه هزم الأعادي ... وكشهران(3) والرجو(4) والنقيلِ(5)
وسواها وكم أعدُ حروباً ... كم أسيرٍ بها وكم من قتيلِ
كم جرت من وقائع نحن فيها ... رُؤساء لحاشد وبكيلِ
تحت رايات من بهم ظهر الدين ... واستوى عدلهم على كل جيلِ
نحن ممن يشن غارات قوم ... ويقود الرعيل بعد الرعيلِ
وبهذا وذاك نبغي رضا الله ... وما قد قضاه في التنزيلِ
لا لدنيا كما زعمت لدينا ... أي دنيا رأيت تقضى بميلِ
وسلام الإله كل غداةٍ ... تبلغ المصطفى وكل أصيلِ
وكانت وفاته - رحمه الله - في صنعاء المحروسة، ودفن عند العلامة النحوي، وكتب عليه سيدنا العلامة وجيه الإسلام عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي أبياتاً وهي:
__________
(1) في (ب): شقاق.
(2) هِزَمٌ: بكسر ففتح. قرية كبيرة في أرحب شمال مدينة صنعاء بمسافة 38 كيلو مترا. (معجم المقحفي ص:1821).
(3) شَهران: قرية في جبل عيال يزيد. (المرجع السابق ص 882).
(4) الرَّجو: قرية في أرحب شمال صنعاء بجوار قرية (مُدَر) الأثرية. والرَّجو: من قرى الأشراف في مأرب. (المرجع السابق 675).
(5) النَّقِيْل: بفتح فكسر. قرية في بلاد الروس من أعمال محافظة صنعاء. (المرجع السابق ص 1760).
يا قبرُ حلَّ بك الأديب اللَّوذعي(1) ... وثوَى بلحدك ذو المقام الأرفعِ
وعلا بتربتك اليفاع مهذب ... كانت محاسنه تعز على النعي
أضحى لك الفخر العليُّ بأحمدٍ ... وبما أنيل من المفاخر أجمع
حمداً لوجهِ الله إذ أمضى لنا(2) ... ما يرتضيه وإن علا في المفجع
مولده - رحمه الله - في عشيَّة الجمعة حادي شهر شعبان سنة ثلاث وألف، ووفاته ليلة الجمعة سادس شهر ربيع الآخر سنة أربعين وألف سنة.
أحمد بن علي الوعلاني(3) [ - ]
الفقيه العلامة شمس الدين أحمد بن علي الوعلاني - رحمه الله - ذكر لي بعض مشائخي شيئاً من محاسنه /157/ ثم وجدت أبياته، وقد كان أفادني بعضها شيخي المذكور، وقد اقتصرت من ذكره على هذه الأبيات الموجهة إلى السيد محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم - رحمهم الله تعالى -:
أهدِي إلى نجران بسراً ومن ... نجران في الأيام يُهدَى الرُّطَبْ
رثاث طرحها قد وجب وأقصد الهندِ بأخلاق أثوابْ
لكنَّه من لم يكن واجداً ... وعارض المُهدين أهدَى الحطبْ
أيا ابن عبد الله نجم العلا ... منزه العرض كريم النسبْ
يا بن النجوم الزهر من هاشمٍ ... أشرف من في عجمها والعربْ
محبكم يرغب في مدحكم ... يذكركم في نظمه والخطبْ
وما له في غيركم حاجةٌ ... لو كان يعطيه كنوز الذهبْ
لم تسمح النفس بمدحي الذي ... لا يعرف الحق لأهل الأدبْ
ولا بإعطاء الدر من لم يكن ... يعرف قدر اللؤلؤ المنتخبْ
ودهرنا صار عظيم الجفا ... لم يبق في أبنائه من يهبْ
ولم أكن ممَّن له حيلة ... في مهنَة الكسب وسُوء الطلبْ
فقمت للحرث بلا طاقةٍ ... والحرث يا مولاي فيه النصبْ
فما الذي تنظر في شأننا ... لا عظَّك الدهر بناب النوبْ
انتهى الموجود، ولعله من آل المكين وهم من ولد فروة بن مسيك الصحابي - رضي الله عنه -.
__________
(1) اللّوذعي: الخفيف الذكي، الظريف الذهن، الحديد الفؤاد، واللسن الفصيح، كأنه يلذع بالنار من ذكائه. (القاموس المحيط ص 703).
(2) في (ب): بنا.
أحمد بن علي بن سلامة(1) [ - ]
القاضي العلامة المفيد شمس الدين أحمد بن علي بن سلامة القيسي - رحمه الله تعالى - من أعيان أعلام المائة الثامنة، وكان حاكماً بشظب، ذكر ذلك السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (رياض الأبصار)(2) هو والقاضي العلامة أحمد بن علي بن حرمل، كما سنذكره (إن شاء الله)(3) عند ذكره قريباً.
أحمد بن علي بن حرمل(4) [ - ق 8 ه ]
الفقيه الجليل النبيل أحمد بن علي بن حرمل - رحمه الله - وهو أيضاً من أعلام المائة الثامنة كما ذكره السيد جمال الدين حيث قال:
وفي شظب بالحبر نجل سلامةٍ ... وبابن السعود المحتبى(5) وابن حرمل
وهذا ممن ذكره (من)(6) أهل وقته، وهو من أعلام المائة الثامنة، وكان ابن حرمل حاكماً أيضاً.
أحمد بن علي بن محمد(7) [ - ق 9 ه ]
__________
(2) رياض الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار وشيعتهم الأخيار (أرجوزة) للسيد العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير المتوفى سنة 822ه، ورياض الأبصار، خطي منه نسخة خطت سنة 1055ه ق 217ـ 231 رقم (3154)، مكتبة الأوقاف، أخرى (197 مجاميع، ثالثة 255 مجاميع غربية، رابعة امبروزيانا 119، أخرى بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي خطت سنة 1139ه ضمن مجموع، أخرى ضمن مجموع بمكتبة السيد عبدالرحمن شايم خطت سنة 1173، أخرى مصورة بمكتبة الهادي.
(3) زيادة في (أ).
(5) لعلها: المجتبى.
(6) كذا في (ب)، وفي (أ): ممن ذكره أهل وقته.
(7) مؤلفات الزيدية 2/309، نشر العرف 3/316 (طبع مركز الدراسات) استطراداً في ترجمة يحيى بن حسن الآنسي، صلة الإخوان - خ - أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (126).
الفقيه الفاضل العالم أحمد بن علي بن محمد بن علي الأعقم (- رحمه الله -)(1) من قَريَة مسطح(2) من بلاد (آنس)، كان عالماً عابداً، له تفسير مفيد مشهور عند الزيدية -كَثَّرهم الله - يكتبونه في هوامش المصاحف. وأخبرني بعض من ينتمي إليه وهو الأخ الفقيه العلامة محمد بن عبد الله الآنسي - رضي الله عنه - أنه من عقبه، وأن قبره بصنعاء عند قبر السيد المهدي وابن حجاج، وأنَّ له ابناً عالماً فاضلاً قتل بمعبر(3) مع جماعة الإمام المهدي /158/ - عليه السلام - ووالده علي المذكور له إجازة من العلامة أحمد بن سليمان الأوزري في السير(4) والرياض للفقيه يوسف - رحمه الله - وذكره بعض المنتمين إليه أن اسمه ونسبه كما ذكر هنا.
أحمد بن علي مرغم(5) [ - ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) مسطح: بلدة قبلي جبل الشرق آنس، كانت قديمة من هجرات العلم التي يقصدها الطلبة (معجم/ المقحفي ص: 591 - 592).
(3) معبر بفتح الميم وسكون العين وفتح الباء الموحدة بعدها راء، مدينة بالجنوب من صنعاء بمسافة 68 كيلومتر في وسط قاع جهران، عليها تشرع طريق صنعاء - تعز، وقيل: إنها سميت كذلك لأن الطريق كان يفترق عندها إلى صنعاء شمالاً، وإلى عدن جنوباً (المصدر السابق ص: 609).
(4) لعلها: السنن كما في أعلام المؤلفين الزيدية ص: 148 ترجمة رقم: 126.
(5) صلة الإخوان - خ - المستطاب خ - مكنون السر - خ - مصادر الفكر العربي والإسلامي للحبشي ص 46، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 131، مؤلفات الزيدية 1/265، 3/75، هجر الأكوع ص 23، مكتبة الأوقاف 314، فهرس المكتبة الغربية ص 62، الروض الأغر 1/64، وطبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 169 - 170 ترجمة رقم : 72.
القاضي الإمام الكبير، شيخ الشيوخ، أحمد بن علي مرغم من مراغمة صنعاء، شهير كبير، قرأ عليه الإمام علي بن محمد، والسيد محمد بن الحسن بن أبي الفتح - رحمه الله - وأجاز للسيد محمد في الثالث من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة بمسجد الخراز بصنعاء. ومن شيوخه - رحمه الله - الشيخ علي بن إبراهيم (بن)(1) عطيَّة، والشيخ علي تلميذ الإمام يحيى، والإمام يحيى - عليه السلام - قرأ على علي بن سليمان البصير، وعلي بن سليمان، قرأ على الشيخ محمد بن سليمان بن جعيد، وابن جعيد قرأ على شعلة.
أحمد بن علي المعروف بابن الفصيح(2) […ـ …]
الفقيه العلامة شهاب الدين عين زيديَّة الكوفة أحمد بن علي المعروف بابن الفصيح - رحمه الله - ذكره العفيف الصراري في أشياخ مشيخته - رحمه الله - وذكره السيد أحمد بن عبد الله في إسناد مختصر جامع آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - .
أحمد بن علي بن جعفر(3) [ - ]
الفقيه العلاَّمة العارف شمس الدين أحمد بن علي بن جعفر بن تريك الصعدي - رحمه الله - هو من فصيلة العلامة المطهَّر بن محمد بن حسين بن محمد بن يحيى بن تريك الشهير الآتي إن شاء الله ذكره، وكان لأحمد فضيلة في العلم، ورأيت لوالده علي - رحمه الله تعالى - حسباناً مني أنه والده أثراً ودلائل على مكانة في العلم والله أعلم.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 170 - 171 ترجمة رقم: 73. قلت: وترجم له خير الدين الزركلي في الأعلام 1/175 باسم أحمد بن علي بن أحمد الكوفي البغدادي، أبو طالب فخر الدين بن الفصيح، وذكر مولده سنة 680ه ووفاته سنة 755ه، وذكر أنه من فقهاء الحنفية.
أحمد بن عيسى بن زيد(1) [ 158 - 240 ه ]
الإمام السيد الحجَّة، فقيه آل الرسول أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سلام الله عليهم(2)، كان يلقب بفقيه آل محمد، ويعرف بالمختفي لأنه اختفى ستين سنة، قال الشريف ابن عنبة: وأمه عاتكة بنت الفضل بن عبد الرحمن بن العبَّاس بن الحارث هاشميَّة، وهو عالم فقيه كبير زاهد ورع، مولده سنة ثماني وخمسين ومائة، ووفاته سنة أربعين ومائتين، عمي في آخر عمره، وكان أحمد بن عيسى قد بقي في دار الخلافة منذ تسلمه الهادي بعد وفاة أبيه عيسى، ولمَّا مات الهادي كان عند الرشيد إلى أن كبر، وخرج، ثُمَّ اختفى، فقال شيخنا أبو نصر البخاري: طلبَه المتوكل فوجده في بيت ختنه بالكوفة، وهو إسماعيل بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن بن عبد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب وكانت تحته أمة الله بنت أحمد بن عيسى بن زيد، فوجده وقد نزل الماء في عينيه فخلى سبيله، وحكى الشيخ أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني الكبير أنه توفِّي إسحاق الموصلي المغني في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين، نعي إلى المتوكل فغمه، وحزن عليه، وقال: ذهب صدر عظيم من جمال الملك وبهائه وزينته، ثُمَّ نعي إليه بعده أحمد بن عيسى بن زيد - عليه السلام - فقال: تكافأت الحالتان، وقام الفتح بوفاة أحمد، وما كنت من وثبته على مقام الفجيعة بإسحاق، فالحمد لله على ذلك، /169/ هذا كلامه، وأوَّل ما طالعت هذه الحكاية في
__________
(1) معجم رجال الاعتبار (طبع مؤخراً)، معجم الرواة في أمالي المؤيد بالله، رأب الصدع ج 3/118، ربيع الأبرار ج 8/399، أعيان الشيعة ج 3/56 - 59، الأعلام ج1/192، مقاتل الطالبيين 399، طبقات الزيدية - خ - لسان الميزان لابن حجر ح 1/62، مشاهد العترة الطاهرة 200، 38، عمدة الطالب 321، سر السلسلة العلوية 89، الفلك الدوار 62، التحف 45، مؤلفات الزيدية ج1/153، 195، ج 2/218.
(2) في (ب): - عليهم السلام -.
كتاب الأغاني كتبت على حاشية الكتاب بيتاً بدهني في الحال.
يرون فتحاً مصيبات الرسول ويغـ ... ـتمون إن مات في الأقوام عَوَّادُ
هذا كلام الشريف بن عنبة - رحمه الله - وكتب شيخنا وسيدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين بعد هذا (البيت)(1) ما لفظه: قال الفقير إلى الله تعالى أحمد بن سعد الدين بن الحسين بن محمد المسوري - ثبته الله وغفر له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات -: ولمَّا وقفت على هذا البيت تقَّربت إلى الله - عزَّ وجلَّ - وإلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأهل بيته بإجازته بخمسة أبيات هي:
لأنهم لا يرون الدين غير هوى ... وأنهم لكتاب الله جحادُ
وأن همَّة أهل البيت شامخة ... إلى الهدى وأماني القوم إلحادُ
كم بين من شغله القرآن يدرسه ... وللورى منه تعليم وإرشادُ
وبين من بالملاهي كان مشتغلاً ... وسعيه في بلاد الله إفسادُ
شتَّان كلٌ له هم يؤرقه ... وعنده فيه أغوار وأنجاد
__________
(1) سقط من (أ).
قال سيدنا - رحمه الله -: وما أنسب هذه الأبيات بما في كنز الأخبار في الأخبار في ترجمة المتوكل العباسي المذكور، قال فيه: ولم يكن فيه أحد ممن تقدّمه من أهل بيته ظهر في مجلسه العبث والهزل والمضاحك مثله، وسعى إليه بأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم وغيرهم من شيعته، وأنه قد عزم على الخروج والوثوب بالدَّولة في دار الخلافة، فوجَّه إليه ليلةً عِدَّةٌ من الأتراك، فهجموا منزله على غفلةٍ، فوجدوه في بيتٍ منه مغلق عليه وعليه دراعة صُوف مفترش الرمل والحصى، صافّاً قدميه في الصلاة، يترنَّم بأياتٍ من الوعد والوعيد، ولم يوجد في منزله شيء مما قيل، ولا حالة يتعلق بها عليه، وحملوه إلى المتوكل على حالته تلك، فلمَّا دخلوا عليه أعظمه، وأكرمه، وأجلسه إلى جانبه، ومدَّ يده إليه بكأس خمر كان في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، والله ما خالط لحمي ودمي قط فأعفني منه فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً استحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للشعر، قال: لا بدَّ أن تنشدني فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرقاب فلم ينفعهم القللُ
واستنزلوا بعد عزٍّ من معاقلهم ... وأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا ... أين الأسرَّة والتيجان والحللُ
أين الوجوه التي كانت منعمة ... من دونها تضرب الأستار والكللُ
/160/
فأفصح القبر عنهم حين ساءله ... تلك الوجوه عليها الدود تقتتلُ
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا ... فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا
قال: فأشفق من حضر على علي بن محمد - رضي الله عنه - وظنوا أن بادرة ستبدر إليه على سكره، قال: فوالله لقد بكى بكاءً طويلاً حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضر، وأمر برفع الشراب، ثم قال: يا أبا الحسن، لقد لينت منَّا قلوباً قاسية، وذكَّرتنا ما أنساناه النعيم، فأقسم بالله عليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر له بها ورُد إلى منزله من ساعته مكرماً.
وتوفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى المذكور - عليهم السلام - في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين بسامراء.
أحمد بن عيسى بن عبد الله(1) [ - ]
السيد الكبير حافظ الزيدية ومسندهم أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال الشريف ابن عنبة ما معناه: وكان شريفاً جليلاً، زاهداً، نسَّابة، عالماً يلقب بالفنفنة، قال أبو عبد الله بن طباطبا: الفنفنة لذي قد تفنن في العلوم.
قال شيخ الشرف: فما رأيت في صفَة عيسى عليه الصلاة والسلام ابن(2) الخصال الفنفنة حينئذٍ سكنت إلى اللقب - يعني هذا - ومن عقب هذا الشريف الشريف أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عيسى المعروف برغوث، كان له قدر .
أحمد بن عيسى الملقب(3) بجار الله [ - ق 8 ه ]
القاضي العلامة الجليل أحمد بن عيسى الملقب بجار الله - رحمه الله -.
قال السيد عماد الدين يحيى بن المهدي الحسيني: كان جامعاً للعلوم حاز من الكمال والإفضال ما لم يسبقه إليه أحد، مشمّر في الجهاد والقيام في حرب الباطنية، ونصر الإمام(4) علي بن محمد مع فضل ظاهر مشتهر. انتهى
__________
(2) لعلها: من.
(3) الجواهر المضيئة، ترجمة (81)، صلة الإخوان - خ - طبقات الزيدية الكبرى القاسم 1/ 176 - 177 ترجمة رقم: 78.
(4) سقط من (أ): المهدي وهي في (ب).
وذكره السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - وذكر أيضاً السيد يحيى بن المهدي في الصِّلة أحمد بن عيسى الشجري، وأفرده بذكر فقال في سياق لا بالاستقلال: وكان متولياً حافظاً للأموال والواجبات، ولعله هذا - رحمه الله تعالى - ويحتمل أنه غيره، والله أعلم.
أحمد بن عيسى(1) بن محمد [ - ]
العلامة الصالح الفقيه أحمد بن عيسى بن محمد المدحجي(2)، كان هو وصنوه محمد بن عيسى من العلماء الصَّالحين وهما الروائيان(3) لكرامة الإمام يحيى بن حمزة المشهورة، وذلك أنهما شهدا على شهادة جماعة ثقات يشهدون أنَّ رجلاً وصل لزيارة قبر الإمام - عليه السلام - وبيده قطعة حديد، فوضعها على قبر الإمام، ثم خرج بها إلى الحداد ليصنعها له شيئاً، فأوقد عليها الحداد فلم تعمل فيها النار شيئاً.
أحمد بن الفهد(4) [ - ]
الفقيه العامل العالم(5) أحمد بن الفهد - رحمه الله تعالى - كان هو وصنوه (محمد)(6) عالمين فاضلين، وهما من (كحلان) تاج الدين، وصحبا الإمام عز الدين بن الحسن، واستشهد أحمد - رحمه الله - في يوم (نسرين) (7)، وقبره مشهور مزور.
أحمد بن القاسم بن يوسف(8)
السيد الجليل العلامة شمس الدين أحمد بن القاسم بن يوسف بن المرتضى بن المفضل. كان سيداً عالماً بليغاً منطيقاً، له همَّة ساميَة ومعرفة بالعلوم، ولمَّا قتل بنو الروية أباه القاسم كما يأتي - إن شاء الله تعالى - ذكره، وجَّه الإمام الناصر - عليه السلام -/161/ هذه الكلمة البليغة أثار بها حفيظته أوَّلها:
لا تؤثرن على النهوض مقاماً ... إن اللَّيالي منك والأيَّاما
ولك الزَّمان فما أبحت محلل ... منه وما حرَّمت كان حراما
ولك النجوم فسعدها لك لاحقٌ ... إن سرت سار وإن أقمت أقاما
__________
(2) لعلها: المذحجي.
(3) لعلها: الراويان.
(4) مكنون السر.
(5) في (ب): الفقيه العالم العامل أحمد.
(6) سقط من (أ).
(7) نسرين: موضع شمالي صعدة (معجم المقحفي ص: 658).
أولست من شهب السماء تعلقت ... فذّا سوالف مجده وتواما
وهوت(1) من فرقٍ خلافتك التي ... هويت لقربك إذ أتتك غلاما
فأصبت منها ما سليمان بن دا ... ود أصاب وما بلغت فطاما
لا تنس ثأراً منك عند رُؤية ... جهلت به وأضاعت الأحلاما
وأرت رؤية قاسماً من غيِّها ... بمناصل غادرنه أقساما
طمأنه(2) هجر النجيع متونها ... أفطرن من دمه وكنَّ صياما
خفروا ذمام الله إذ فتكوا به ... والله أو قالوا أراد ذماما
ما ضرَّ(3) من لاقَى الحمام وشكره ... باقٍ فلو دام الزمان لداما
فبنوا الرويَّة في المظالم قد غدت ... غوغاً قياماً يبتغون قياما
وبغت على آل الرسول سفاهة ... منها وعدَّتها له إكراما
يا من أقام قناة دين محمدٍ ... ما زلت ملكاً تعمر الإسلاما
مِل مَيلَةً تدع النواصب سُجَّداً ... طوعاً لأمرك والفسوح قياما
حتى كأنَّ بني الروية بعدها ... مرُّوا بمقَلة نائم أحلاما
استنجد الثقلين عن كَثَبٍ إلى ... ظفرٍ فما رضيَا سواك إماما
حصن على كل الحصون معظم ... تذري ثبيراً في العلا وشماما
والأرض ترجف والعيون سواهر ... والأرض نار والنهار ظلاما
ما نال ابني قاسم بأبيهما ... لقيَا هواناً في الملا وملاما
وتأمَّلا وعداً منيت(4) به فما ... وجدا له نقضاً ولا إبراما
كن حيث حلَّ بك الرجاء فإنه ... يحيي النفوس ويشفي الأسقاما
فالله يا مهدي الكتائب بعدها ... يُهَدى إليك تحيَّة وسلاما
__________
(1) لعلها: وهويت، ليسقيم الوزن.
(2) لعلها: ظمآنة.
(3) في (ب): من ضر.
(4) في (ب): مننت.
وبعد هذه الإثارة نهض الإمام ونكاهم، وقتل منهم سبعين رجلاً، وحمَّلهم سبعين ديَة لاستخفافهم بالشريعة وبابن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عقوبة لهم، وكان قتلهم له - عليه السلام - في موضع يسمَّى (ظلامة) من بني قشيب بجهة آنس، وهو جدّ الأشراف بني المنتصر السَّاكنين في الدروع(1) والعزِّ، وجدّ السيد محمد بن عبد الله جدّ السادة الساكنين بهجرة(2) بني جرموز.
/161/ أحمد بن القاسم بن محمد
السيد الإمام الكبير العالم الشهيد أحمد بن القاسم بن محمد بن جعفر الصَّادق (- عليهم السلام -)(3)، ترجم له المنصور بالله، وقد رَسَم على نفسِه أن لا يذكر إلاَّ فاضلاً وشهيراً، قال: قتل على ثلاث مراحل من الرَّي، وكان متوجهاً إلى (نساولورود) (4)، وكان صالحاً فاضلاً كاملاً، وقتله أيَّام المقتدر العبَّاسي.
أحمد بن القاسم
الشريف الهمام، الأمير الأجل الشمسي أحمد بن القاسم بن عم الإمام أحمد بن الحسين - سلام الله عليهم- أحد أعضاد الحق، استقام له بعد ابن عمِّه الإمام المهدي مقام عظيم بحجَّة وما والاها، وبعد قتل الإمام قصده الأمير المبارز ابن طاس(5)، ثم رجع عنه وتعقبه الأمير علي بن يحيى العنسي من قرَابة القاضي عبد الله بن زيد، كان من أعيان السلطان المظفر، أقطعه صنعاء، وأقطعه مواضع عدِّة، ولمَّا وصل الأمير علي بن يحيى إلى وادٍ يقرب من بلاد حجَّة كتب إلى الأمير الشمسي بيتاً واحداً وهو:
__________
(1) الدُرْوَع: بضم الدال وسكون الراء وفتح الواو ثم عين مهملة: حصن من مخلاف بني قشيب في آنس (معجم المقحفي ص: 234).
(2) هجرة بني جُرْمُوز: مركز إداري من مديرية بني الحارث، وأعمال محافظة صنعاء. يبتعد عن صنعاء شمالاً بنحو 25 كيلو متراً. (المرجع السابق ص 319).
(3) سقط من (أ).
(4) نسا ولورود: لم أجد لها ترجمة في معجم المقحفي.
(5) في (ب): بن برطاس.
أبا حسن ما جئت طالباً بمقترف ... لكن غير مقترف أطلب(1)
فأجابه العلامة نظام الدين قاسم بن أحمد الشاكري على لسان الشمس - رحمهما الله تعالى -:
أبا حسن قد يجلب اليوم ما ترى ... وقد ربّما احتكت بالأفعى عقرب(2)
ثم رجع الأمير علي بن يحيى ولم يصر كبيرة.
أحمد بن القاسم بن وهاس [ - ]
السيد الإمام اللغوي الأديب أحمد بن القاسم بن وهاس بن أبي هاشم، كان عالماً أديباً، قرأ على عمِّه الأمير الحسن بن وهَّاس، وقرأ عليه في العربية برهان الدين بن الربيعي - رحمه الله -.
أحمد [بن القاسم] بن عبد الله بن إسماعيل [ - ]
السيد الأمير الخطير شمس الدين، أحمد الطاهر الحسيب النجيب بن القاسم، قدوة أهل عصره بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن إسماعيل أبي البركات (بن أحمد بن القاسم المجاهد بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليه السلام - قال السيد يحيى بن القاسم الحمزي)(3) - رحمه الله - كان من أعيان أهل الزمان وأهل الفضل والإحسان.
أحمد بن القاسم المنصور بالله(4)[1007 - 1076 ه ]
__________
(1) يستقيم الوزن إذا صار: أبا حسنٍ ما جئت أطلب مقترفاً ولكن جئت غير مقترفٍ أطلبُ
(2) في (أ): أبا حسن قد يجلب اليوم ما ترى. وفي (ب): أبا حسن قد يجلب النوم ما ترى. ولعل (بالأفعى): بالأفاعي ليستقيم الوزن.
(3) سقط من (أ) وهو في (ب).
(4) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 178 - 179 ترجمة رقم (80) ومن هامشه: بهجة الزمن - خ - اللطائف السنية - خ - الجامع الوجيز - خ - ملحق البدر الطالع (42)، سيرة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم - خ - الجواهر المضيئة، ترجمة رقم (84)، إجازات الأئمة - خ - .
السيد السامي النبراس شمس الدين، أحمد بن القاسم المنصور بالله بن محمد بن علي اليوسفي - رحمه الله - كان رئيساً جليلاً سامياً مهيباً، من أعضاد الدين، وأعمدة المسلمين من أهل الحميَّة على الإسلام، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتولَّى الأعمال الكبيرة في صعدة لوالده - رحمه الله - ولأخيه، وكمل، وسارت بذكره الركبان، وقد كان تولَّى (الشرف)، ثم تولَّى صعدة المحروسة، وكانت أيام الشدَّة وهو أميرها وسلطانها، فأحفل(1) إليه القريب والبعيد وآوى إليه أرباب البيوت، فأنزل الجميع منازلهم، وأطعم الطعام، وكان وجوده من رحمة الله بخلقه في تلك الشدَّة، وكان يأمر باصطناع الطعام الواسع، ثم يأمر بتفريقه بالليل على أيدي أهل الفضل، وممّن أحب أن يتولى ذلك القاضي الرئيس الحسن بن علي الأكوع، والفقيه الفاضل صالح (بن صلاح)(2) العفاري، واستمرَّ على ذلك الإحسان حتَّى عطف الله بعواطفه، ومع ذلك فهو يجيز الشعراء بالمنح والرَّغائب إلى صنعاء وغيرها، ولذلك مدحه الكثير من الفضلاء. وادَّخر عدَّة للحرب كاملة، ولمَّا كان الفتح على أعداء الله الّذي /163/ تعقبه الفتح المبين، كان من حسن تدبير الله ما ألهم إليه الإمام المؤيَّد بالله الذي هو خرِّيت(3) البهم الماهر، فجعل إخوته الثلاثة قلباً وجناحين، فجعل هذا الشمسي في أوساط الجهة في السمت ما بين صعدة وصنعاء، وجعل الحسن - رضي الله عنه - الآتي ذكره في الجانب الشرقي، والحسين - أعاد الله من بركته - في الجانب الغربي، وأوقعوا بأعداء الله الوقائع، وأنزلوا بهم الرَّوائع حتى استقامت القناة العلوية، والحمد لله رب العالمين، ثم استقرت ولايته على بلاد حاشد وبكيل والمغرب إلى ما يصاقب (كحلان) من (ثلا) وبلادها (وقارن)(4)
__________
(1) في (ب): فأجفل.
(2) سقط من (أ).
(3) الخرِّيت: الدليل الحاذق.
(4) قارن: قرية في البون الأعلى، تتبع إدارياً ناحية جبل عيال يزيد، بالشمال الغربي من عمران (معجم المقحفي ص: 501).
وغير ذلك، وكان أيام إقامته بصعدة قرأ على شيوخ قرنَه بهم والده، ثم أخوه - عليهم السلام - من أجلاء العلماء كالقاضي علي المسوري وصنوه سعد الدِّين فإنهما كانا من أهل العهدة الدينيَّة والدنياوية، والقاضي سعيد الهبل، وكان محفوفاً بعلماء أكابر كالسيد داود بن الهادي، والسيد علي بن إبراهيم الحيداني، وكان عنده من أهل الرَّأي والحرب من ذكرنا، والحاجَّان الكاملان أحمد بن عواض الأسدي، وأحمد بن علي بن دغيش الصريمي العبشمي(1)، وكان إليهما النهاية في الحزم والكمال، فأما الحاج أحمد بن عواض فما أشبهه بأبي السرايا - رحمه الله تعالى - وله مع ذلك تفقه وعرفان على قواعد الأئمَّة، وأمَّا الحاج أحمد بن علي فكان صاحب رأي يشبه الحباب بن المنذر كما قال بعض أعيان وقته جهلت من هو، وهو أحد رجلين القاضي عامر بن محمد أو الحاج أحمد ما لفظه أو معناه: الرَّأي عند الحاج أحمد بن علي بن دغيش أو كما قال. وكان متورعاً، ولا يأكل من ذبائح العامَّة المحكمين للطواغيت كبلاد بني جماعة وبني خولي(2)، وصبر على ذلك، وكان لا يتوضأ من آنية الأدم التي من ذبائحهم، وكان الإمام القاسم - عليه السلام - يتوضأ منها، ويتعمّد أن يفعل ذلك، والحاج - رحمه الله - يرى عند أن يقوم الخطيب إلى المنبر، وكانت الجن يقرأون على الحاج المذكور - رحمه الله - وهذا عارض لكنه مقارب لما نحن فيه، فلمَّا سكن السيد شمس الدين أحمد بن الإمام بعد وضع الحرب أوزارها بصنعاء قرأ على القاضي العلامة إبراهيم بن يحيى السحولي والقاضي العلامة أحمد بن سعيد الهبل، وكان يحضر مقامهم الفضلاء، وعمر الجامع المقدس في الروضة وهو من عجائب الدنيا، أمَّا في الإقليم اليماني فما له نظير وإن كانت البلاد اليمنيّة المباركة معمور فيها المساجد الكبار، فهذا فيه كيفيّات،
__________
(1) في (ب): الغشمي.
(2) بنو خولي: - بفتح الخاء – قبيلة من قبائل مُنَبِّه، شمال غرب مدينة صعدة. (معجم المقحفي ص 588).
وما ترك وجهاً محسناً إلا فعله، فهو في الغاية، ووقف له أوقافاً واسعة - أعاد الله من بركته- وتولَّى قبله(1) ذلك الجامع الفضلاء، وهو الآن نقطة البيكار ودرة التقصار، وكما يقال: روضة في الروضة، بلغنا أن الأعاجم/164/ يكتبون في نقوشهم صُورته. وبعد موت الإمام المؤَّيد بالله دعا دعوة، اختلفت ساحَاتها بالإجابة، وخطب له على المنابر جميعها إلا ما كان بالمدن الوسطى من اليمن وضوران، ثم كانت أمور عادت إلى السلامة واستقرت هذه الدعوة المتوكلية المسعودة عمر الله بها الإسلام وأهله، وتولَّى المولى شمس الدين صعدة وبلادها عن أخيه، ثم انتقل إلى جوار الله بها، وعمرت عليه قبَّة فائقة الشكل بحيث إنها زينة(2)، وقد ذكرنا أنها قيلت فيه المدائح فلنذكر من ذلك ما تيسر - إن شاء الله تعالى - من ذلك ما مدحه به السيِّد العلامة صلاح بن عبد الخالق الحجافي(3) - رحمه الله تعالى -:
ما أصبح الجود يدعى أشرف الرتبِ ... إلا وفي نيله الأقصى من التعبِ
ولو حوى كل مجدٍ غيره ملك ... من السياسة والإقدام والأدبِ
__________
(1) لعلها: قبلة.
(2) حاشية في (ب): ومن كراماته ما روي عن السيد العلامة إبراهيم بن محمد الملقب (ابن حورية) وذلك أنه كان بينه وبين الوالد أحمد بن القاسم - رحمهم الله - في الحياة شيئاً، وكان السيد إبراهيم بعد موت الوالد أحمد إذا دخل صعدة لا يزوره، ويتعمد ترك دخول قبته، فرأى في بعض لياليه في منامه كأنه مارٌّ من تحت قصر من عقيق أحمر لم ير مثل ذلك العقيق، فعجب في نفسه ثُمَّ رفع نظره فإذا أحمد بن القاسم - رحمه الله - في كوةٍ مشرفة، فسأله لمن ذلك القصر؟ فقال: لي، أكرمني به بسبب إطعامي الطعام في سنة المجاعة، وما عَدَّ لي الله على عمارة جامع الروضة فوق ذلك، فدخل السيد إبراهيم - رحمه الله - صبح تلك الليلة قاصداً زيارته وداره، فلما خرج منها سأله بعض من كان عنده فأخبره السبب، ولله الحمد كثيراً.
(3) لعلها: الجحافي.
لعد عطلاً من المجد الرفيع وإن ... حوَى يسيراً فليس الرأس كالذنبِ
هي المواهب للجزل النفيس على ... حرص الملوك على الأموال والنَّسبِ
وما رأيت مدى عمري ولستُ أرى ... أهدى لمجدٍ على لطف من السببِ
ولا أقل اعتلالاً حين يسأله ... وقد توارى الملوك الصَّيد بالحجبِ
ولا أهش لبذل العرف حين غدا ... من يسأل العرف يخشى ذروة النوبِ
ولا أشد ادكاراً للصَّديق وقد ... جرَى التناسي من ابنٍ مشفق لأبِ
من أحمد بن أمير المؤمنين ومن ... سارت مناقبه في العجم والعربِ
الأشرف النسب بن الأشرف النسب بن الأشرف النسب بن الأشرف النسبِ
مؤيَّد(1) الرأي ماضي العزم إن وقفت ... سياسة العز بين العجز واللعبِ
قد جرَّبته خطوب الدهر فانفرجت ... عن فارجٍ لم يَخَفْ خطباً ولم يهبِ
وهزَّ منصلة المنصور والده ... فما مقالك في الصمصام ذي الشظبِ
ثم المؤيَّد مولانا المؤيَّد مُذ ... دعاه كشف عنه ظلمة الكربِ
وقال فيه العلامة العابد علي بن الحسين المسوري - رحمه الله تعالى -:
أنت لهذا الأنام سيدُهُ ... وأنت في ذا الزمان أوحدُه
(وأنت شمس الهدى المضيَّة إن ... ليل ظلال أظل أسودهُ)(2)
وأنت سيف الإله سلك في ... رؤوس أهل العناد يغمده
ليث على المعتدين مرتعه ... لحومهم والدماءُ مورده
سهم إله السماء رائشه ... إلى نحور العُدَى(3) يسدده
إن طال من فاسقٍ تمرُّده ... فأنت تعينه(4) ثم تنجده
/165/
جودك في العالمين ينعش من ... كانت خطوب الزمان تقعده
فطالب العرف أنت ترفده ... وخائف الجور أنت تنجده
أنت الذي فعله علا وزَكا ... كمثل ما طاب قبل محتده
صفات علياك لستُ أحصرها ... والرمل والقطر من يُعدده
ألبسك الله ثوب مفتخرٍ ... ما الدَّهر يبليه بل يجددُهُ
كفاك فخراً بأن نماك إلى الـ ... ـعلياء من ذا الزمَّان(5) أسعده
__________
(1) في (ب): مؤيدي.
(2) في (ب): تقدم البيت الثالث على الثاني.
(3) لعلها: العدا.
(4) لعلها: تغنيه.
(5) في (ب): الأنام.
إمامنا من سمت مكارمه ... أجلُّ هذا الورى وأرشده
خير بني أحمد النبي ومن ... لدينه لم يزل يشيده
القائم القاسم بهزه ... لباب أوصافه وسؤدده
واسمح الناس بالعطاء إذا ... عضَّ زمانٌ بما حوت يده
يبذل ما ليس ينتهي أمل ... إليه ممن أتاه يقصده
أيده الله من بنيه لمن ... طاب علاه وطاب مولده
فمن إذا قيل من لحاجتنا ... قلنا وحيد الزَّمان أوحده
بلّغه الله ما يؤمِله ... وشاد بنيانه وخلَّده
أحمد بن القاسم الشامي(1)
الفقيه النبيل عضد الدين أحمد بن القاسم الشامي - رحمه الله تعالى - كان من العلماء (النبلاء)(2) الكملاء البلغاء المجيدين المكثرين في الشعر، وله غيرة وحميَّة على الإسلام لا يألو في العزيمة لله جهداً وسنذكر من شعره ما يدل على علوِّ منزلته في كل ما وصفناه به، وله في الإمام المهدي علي بن محمد قصائد مستجادة، وله إلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى متاحفات، وكان من أشياعه ومحبيه، ولهما الكرامة المشهورة، وذلك أنه كان(3) الإمام يخرج هو وشيعته، ومنهم الفقيه المذكور من المسجد ليلاً والجو تضطرب رياحه، وذلك في جهة المغرب وهي من حزون البلاد(4)، وهذا الإمام مكين الجاه عند الله عظيم المنزلة أودع الله فيه(5) أسراراً كثيرة، وكفى بأمرين، أحدهما: علومه فإنها أشهر ما في أيدي أهل اليمن بل والحجاز والعراق، كما أشار إلى ذلك - عليه السلام - بقوله:
قد صار ما منعُوه في حَلي وفي البيت العتيق وينبع وعراق
__________
(2) سقط من (ب).
(3) المفروض: أنّ الإمام كان يخرج.
(4) في (ب): فيرون ضياءً يأتمون به إلى منزل الإمام.
(5) في (ب): لخلقه.
والثاني: ذريته: فإن له عقباً واسعاً مباركاً - رضي الله عنهم - وكان له شيعة أطهار، منهم هذا العلامة، قال في اللآلئ المضيَّة حاكياً عن الإمام شرف الدين - عليه السلام - ما لفظه: وكان الفقيه أحمد بن قاسم من الفضلاء العلماء البلغاء المصنفين /166/ وممَّن كان يعتقد عليه أنه متمكنٌ من الاسم الأعظم حتى روى له بعض مشائخي أنَّه أخبره فاضل من تلامذة الفقيه أحمد المذكور أنه احتاج إلى طير عقيب دواءٍ استعمله ولم يجد ثمنه، فقال له الفقيه: مرّ إلى ذلك السرب(1) إلى سرب طير من اليعاقيب، وخذ واحدة منها، ولا تزد، فسار ذلك التلميذ، وجعل يجس الأسمن من تلك اليعاقيب وهي ساكنة حتى أخذ خيرته منها، وله في أحجار قبره من جبل جح جح من (الحيمة) كرامَة باقية، وهي أن يخرج من ذلك الحجر بلَّة لمن أراد الاستشفاء ببركته لأي ألم يصيبه فياخذ بقطنة من تلك البلة، ويمسح به موضع الألم فيشفيه الله تعالى. انتهى
__________
(1) في (ب): الشرف.
قال السيد أحمد في اللآلئ: وكان للفقيه أحمد هذا من الحث على جهاد الباطنية مالم يكن لأحدٍ غيره مما يطول ذكره مع الأئمّة - عليهم السلام - والمحتسبين، ومات مثاغراً (1) في جبل جح جح، ومنهم ابن الغياث المشهور، كان فقيهاً فاضلاً عالماً نسخ (الغيث) بخط يده نسخة هي أصح ما يوجد، ومن عجيب أمره أنه - رحمه الله - دفن بعد موته في موضع فنبع من عنده ماءٌ، وكان لورثته أرض تحت ذلك الماء غير أن أرض غيرهم أقرب، فجاء ورثته يطلبون من الأقربين أن يشاطروهم في الماء فمنعوهم، فقال الورثة: هذا ببركة والدنا فما ينبغي أن نحرم منه، فأجابهم الأقربون إلى الماء بما معناه: ?ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ? (الحديد:21) هذه هبة لنا من الله، فاستأذن ورثة الفقيه أولئك أن ينقلوا ابن الغياث المذكور، فأذنوا لهم فنقلوه إلى أرض لهم، فانقطع الماء ونبع من عند قبر الفقيه - رحمه الله - وهذه قضيَّة مشهورة متناقلة، ولقد أخبرني من انتفع بذلك الماء، والله حسبي وكفى. وهذا عارض من القول فلنرجع إلى ذكر الشامي - رحمه الله - ومفاكهته للإمام المهدي، كتب إليه أبياتاً يستعير منه نسخة (البحر)(2) فقال:
يا من غدا للهدى كالروح في البدن ... لا تسترد كتاباً أنت عنه غني
فإن في بحرك الزخَّار ما جمعوا ... في الشرق والغرب والشامات واليمن
زدني كميعاد موسى أستفيد(3) به ... بحق سبطيك شمس الدين والحسن
فأجابه الإمام المهدي - عليه السلام - بقوله:
__________
(1) في (ب) زيادة: لهم.
(2) هو كتاب (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار) موسوعة فقهية أصولية رائعة، من تأليف الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى - عليه السلام - المتوفي سنة 840ه، وكتاب البحر الزخار، طبع وهو مشهور.
(3) المفروض: (استفدْ)؛ لأنه فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب الطلب. ولكن الوزن يتطلب (استفيد).
نفيسُ درٍّ علا عن أنفس الثمن ... لو انه ملك داودٍ وذي يزن
أفاضه بحر(1) من حجر المعارف ربّـ ... ـاه بأغذية القرآن والسنن
محيي إياساً وسحباناً وأحنف والـ ... ـنعمان والفضل والبصري والقرني
واهاً لمن كان هذا حاله ويرى ... أن يستعير كتاباً وهو عنه غني
لكن أهلاً وسهلاً أنت في سعة ... خُذ ما التمست من الإمهال في الزمن
/167/
لولاه وقف لمحصور سمحت به ... عطيَّة وهو عندي أيسر المنن
ولما وقع من السيد الحافظ محمد بن إبراهيم انحراف عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام - بعد أن كان متعلقاً بمحبَّة الإمام، مثنياً عليه كما روي في سيرة الإمام أن السيد قال في وصف الإمام:
إذا كان فضل المرء في الناس ظاهراً ... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصفِ
ألم تر نور الشمس في الأفق بادياً ... غنياً من المدح المرصَّع بالرصفِ
وروى غير صاحب السيرة من شعر السيد مثنياً على الإمام ومادحاً لكتابه البحر:
غَرق الضلال ببحرك الزخَّارِ ... فافخر على الأقران(2) أي فخارِ
أوتيت من بين الأئمة آية ... تبقى مع الأقران في الأعصارِ
لم يؤتها بعد النبيء خليفة ... كلا ولا حبر من الأحبارِ
بهرت فلم يسطع عدوك ردها ... بتهاونٍ فيه ولا إنكارِ
شهدت بأنك بعد جدك أحمد ... مهدينا المشهور في الآثارِ
فلقد أصيب(3) معانديك مصيبة ... ما فوقها إلا عذاب النارِ
فافخر وقل موتوا بغيظكم أسىً ... كمداً فقد نقم الإله بثأري
لا عيب لي إلا تمام فضائلي ... وظهورها فيكم ظهور نهارِ
هذا كتاب البحر فارعوا سمعكم ... في جنةٍ وقلوبكم في نارِ
هيهات لا يأتي الزمان بمثله ... لو أجمع الثقلان في الأقطارِ
بخٍ(4) لهذا الملك لا من ملكه ... فرس وبغل وانتجاب حمارِ
قال الفقيه أحمد بن قاسم أبياتاً يعنِّف السيد في انحرافه بعد هذا المدح فقال:
محمد حاق بك الافتضاحْ
__________
(1) لعلها: البحر.
(2) في (ب): مع القرآن.
(3) في (ب): أصاب.
(4) لعلها: وبَخٍ.
... بجحد وضوح ضياء الصباحْ
أتنكر فضل الَّذي فضله ... سرى في الأقاليم مسرى براحْ
وقد كنت من قبل أن تشتري ... بدينك دنياك وقت الصلاحْ
شهدت بتفضيله في الملا ... وتصنيفه الموجزات الصحاحْ
فإن كنت أنكرت ما قلته ... فأنت مُسيلمة أو سجاحْ
فيا من تبرأ من دينه ... ليحظى لدى مَلك ذي سماحْ
فأعطاه بعض دنانيره ... ليهجو إمام الهدى فاستباحْ
لقد بعت ثوب الهدى بالعمى ... وبدلت ثوب الجزا بالفلاحْ
فبع بعدها ملبس المؤمنين ... بزنار أهل الخطايا القباحْ
/168/
فقد عرف الناس منك الوفا ... لإبليس بالعهد حتى استراحْ
وإنَّ الذي نلته بالأذى ... هو البدر تلهثه بالنباحْ
قلت: والذي نسبه الفقيه شمس الدين إلى السيد عز الدين من ثلب الإمام هو ما في القصائد الضاديات المشهورة، وهي مقاولات أفحش السيد على الإمام بما لا يليق في القصيدة الآخرة، وهي مائة وأربعون بيتاً والموجب لتلك الحدَّة الغضب، والإمام - عليه السلام - قد قال في قصيدته للسيد محمد بالموجب الغضب وهي من قبل قصيدة السيد، ولو لم يكن إلا قوله - عليه السلام -:
هذا مقال(1) من زلّت به القدم ... عن منهج(2) الحق أو في قلبه مرض
ولمَّا وقف عليها السيد - رحمه الله - ما ترك من التهجين ممكناً، وقد كان أهل عصره يناصحونه بترك الغضب لجلالته كالسيد الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم وصنوه السيد الهادي - رحمه الله تعالى - وله إليه جملة نصائح، فمن ذلك قوله:
مالي أراك تقول فيهم هكذا ... وبغير مذهبهم تدينُ وتقتدي
__________
(1) في (ب): هذي مقالة.
(2) في (ب): مسلك.
ولم يكن المتصدي لمقاولة السيد ومناضلته(1) الفقيه أحمد الشامي فقط، ولكن جرت عادة الزيدية أنهم لا يبقون على أشياعهم، ولا يقيلون لهم عثرة، ولذلك خرج من التشيع جماعات لسُوءِ مقالة الجهَّال، فالواجب معرفة فضل هذا الفقيه وقدحه في السيد قد سبقه ولحقه الإمام المهدي، والإمام شرف الدين والسيد الهادي وغيرهم، ويجب علينا أن نعلم فضيلة السيد في العلم وأنه سابق لا يجارَى، وأنه قد كان هجن على أهله، وأساء القول، ثم رجع، وله العبادة والصيام والقيام والعلم الواسع، ولكنَّه غير معصوم(2).
ومما اتفق لي أني رأيت في النوم أني في مسجد الطاي بصعدة وأنا يومئذٍ أريد كتابة ترجمة للسيد محمد - رحمه الله - ورأيت الاضطراب الحاصل، فحبست قلبي فرأيت أني في المسجد المذكور والسيد الهادي بن إبراهيم حاضر، وحضرت الصلاة فقدّمني للإمامة فتقدّمت، وصليت، ثم تنحيت عن موقف الصلاة، فأقبلت الشريفة صفيَّة أخت السيدين رحمهما الله وعليها لباس سابغ لا يُرى منها شيء، ثم قالت لي: محمد بن إبراهيم فاضل أو قاربت التصريح بأنه أفضل من الهادي رحمهما الله، وقد تركت ما كان بين الفقيه أحمد الشامي والسَّادة بعد علمي بحمد الله لمقصد حسن من ذلك أنه كما قال الله: ?تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ? (البقرة:134)، ومنها أن السيد قد راجع بالإنابة، ومنها أن الفقيه أحمد ليس هو الناقم على السيد بل غيره، ولم أترك ذلك إلا لقصد ولا سيما وجهَّال الزيدية /169/ لا يعرفون صنعة التأريخ، فترى كتبهم محشوة بالطعن واللَّعن، وما هذا آداب المؤرخين، والله المستعان. وقد كان السيد صحب الإمام وأنفذ إليه هذه الأبيات إلى ثلا وأظنها من أوّل ما كان بينهما:
أعالمنا هل للسؤال جواب ... وهل ينهل العطشان منك عبابُ
وهل تكشف الظلماء منك بصائر ... يدلُّ عليه سُنَّة وكتابُ
__________
(1) في (ب): ومناصلته.
(2) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
وهل حسنٌ مني إذا كنت سائلاً ... أم البحث يا بحر العلوم يعابُ
وهل جاء في شرع التناصُف أنه ... يُكدر من صافي الوداد شرابُ
وهل قد سعى بيني وبينك جاهل ... ظنين يُريك الماء وهو سرابُ
فهل غرَّكم فيَّ الخمول فإنما ... أنا السيف خبراً والخمول قِرابُ
وهل يُزدرَى بالسيف من أجل غمده ... ويحقر من وهن المحل عقابُ
وهل لكثير الشوق والوجد راحم ... وهل للمساكين الضعاف صحابُ
وهل عابد في الدَّهر ودّك عامراً ... فهاهو ذا يا بن الكرام خرابُ
وهل مثمر حوكي مُلاءً رقائق ... تهزُّ صلاب الصخر وهي صلابُ
وهل عاطف للودِّ منك تلطف ... وهل قاطع للهجر منك عتابُ
وهل لمحلاتي إذا لم يحلها ... رجوع إلى من خطها وإيابُ
وهل لسلامي منك ردٌّ فإنه ... يخصك مني ما استهل سحابُ
قلت: وقد تعقب هذا ما حكاه السيد العلامة محمد بن عبد الله بن الهادي والد السيد صارم الدين فإنه قال: لمَّا كان في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة في سنة الفناء سعى الفقيه الأفضل العابد الزاهد المحاسب لنفسه المجاهد محمد بن علي بن إسماعيل - رحمه الله - فيما بين الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى - رحمه الله - وبين السيد الإمام الحجّة حافظ العصر محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى - رحمه الله - في المباراة فيما جرَى بينهما من المسائل والرسائل والقصائد والمخالفة في العقائد، فكان ذلك وتم، واجتَمع شمل أهل البيت، وانتظم والحمد لله رب العالمين، ليعلم ذلك من وقف عليه من الأولاد والسَّادة الأمجاد والأصحاب، وطُوي ما جرى فيما بينهم طيَّ السجل للكتاب.
قلت: وما كان بين السيد محمد بن إبراهيم والسيد العلامة حقاً وصفه بهذه الصفة بعض أهل الأنساب علي بن محمد بن أبي القاسم الآتي ذكره، فإنه عاد أمرهما إلى الوفاق.
قال السيد محمد بن عبد الله بن الهادي: لما كان في سنة نيف وثلاثين وثمانمائة اتفقت مباراة فيما بين الوالد عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي بن /170/ المرتضى - رحمه الله - وبين السيد العلامة جمال الدين علي بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر - رحمهم الله - فيما جرى بينهم من المراسلات والعقائد العلميات والمسائل العمليات، وكانت هذه المباراة في مواقف متعددة، وأمر السيد جمال الدين ولده صلاحاً يقرأ عليه كتاب (التلخيص) في علمي المعاني والبيان، فقصده لسماع هذا الكتاب، وكذلك الفقيه أحمد بن قاسم الشامي طابت نفسه وأمر ولده بالقراءة على السيد، ومدحه بالقصيدة الكافية، لكن السيد محمد تعب من قوله:
وما زال يحكي ضعفها وهو ضاحك
وبالجملة فختام أحوال السيد محمد خير أعماله وفضله في العلم والعمل واسع، ومن كان له فطنة وذكاء عجل بالمقالات وتنقل فيها كما قاله اليافعي وغيره في الغزالي - رحمه الله - وأخبار الفقيه شمس الدين - رحمه الله - كثيرة، وأشعاره في نكاية الظالمين واسعة القوافي مشحونة بها التواريخ.
قال بعض علماء التواريخ: كان الفقيه أحمد بن قاسم نقمة على الباطنية، وتوفي - رحمه الله - في …… ودفن …… في قرية تسمَّى مصنعة الحجادب من بلاد (الحيمة)، وقبره مشهور مزور. انتهى
أحمد بن أبي القاسم الضمدي(1) [ - ]
الفقيه البليغ المقول العارف أحمد بن أبي القاسم الضمدي، كان من أعيان وقته وفضلاء الشيعة، صحب الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وله فيه أشعار حسنة بليغة فيها الحماسة والمدح، وهو الذي روى وكان من عباد الله الصالحين أن السحاب ظللت الإمام القاسم في بلاد (عذر) وأنه حرص على معرفة حقيقة ذلك، فرأى السحاب تدور حيث يدور، ومن أشعاره: (2)
__________
(2) بياض في (أ) و (ب).
أحمد بن أبي القاسم بن صلاح(1) [ - ق 9 ه ]
الفقيه العلامة الفاضل أحمد بن أبي القاسم بن صلاح، مؤلف كتاب (سلوة الأحزان /171/ في سيرة أهل البيت - عليهم السلام - وأخبارهم الحسان)، كتاب يدل على علو طبقته - رضي الله عنه -.
أحمد بن قاسم بن أحمد(2) [ - ]
الفقيه العلامة أحمد بن قاسم بن أحمد بن صبرة الحميري نسباً، العدلي مذهباً، تلميذ السيد الصارم إبراهيم بن محمد، قرأ عليه جامع الأصول، وأجازه، وأثنى عليه السيد كثيراً.
أحمد بن قاسم الخولاني(3)[…ـ ق11 ه ]
__________
(1) مؤلفات الزيدية ج 2/98، مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن للحبشي ص 424 - 425، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم : 137.
(3) مؤلفات الزيدية ج 2/131، مصادر الحبشي 218، طبقات الزيدية - خ -.
القاضي الكامل شمس الدين أحمد بن قاسم الخولاني المعروف بالسباعي - رحمه الله تعالى - كان من خلصان الشيعة وأهل العلم والسَّابقة وتعويله(1) على الفقه، إلاَّ أنه وَاسع الرّوايات لالتفاته إلى ذلك، مع ما أمتعه الله به من العمر، ولقي جماعة كثيرة، فكان يَروي عن أجلاء كالسيد العلامة صلاح بن أحمد بن الوزير، كان راويَه لأخبار السادة من طريق هذا السيد، ولقي العلامة صارم الدين إبراهيم بن يحيى بن الحسن المقرائي المعروف بابن حميد، وسمع عليه شرح الفتح، وقال لي - رحمه الله - في معبر بحضرة مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله: إنه ليس لأحدٍ سماع في شرح الفتح غيره فيما يعلم، وإنما الطريق للناس الإجازة، وكان خطه حسناً، وتولى القضاء بمدينة رداع للإمام المؤيَّد بالله(2) في صدر خلافته، ولمَّا نقله الله إلى جواره تَولَّى القضاء ولده القاضي العلامة علي بن أحمد السباعي، وهو عند كتابة هذه حاكم ذلك الإقليم، وهو من عيون الوقت - أمتع الله تعالى به - وشرح القاضي أحمد بن قاسم الأزهار، وأظنه لم يتم، ومما ذكر في ذلك الشرح مسألة ما لو سقي الزرع بالغرف بالقصاع، كان حكمه حكم الدَّوالي والخطارات في أنه يجب فيه نصف العشر، وكان القاضي شجاع الدين عامر بن محمد - رحمه الله - إذا أملأ هذه المسألة يقول: هي مسألة السباعي، والمسألة منصوصة، في الكتب معروفة، - رحمهم الله جميعاً - توفي في…… ودفن بمدينة رداع المحروسة بالله. انتهى
أحمد بن الأمير بدر الدين(3) [581 - 644 ه ]
__________
(1) في (ب): وتعويله في العلوم.
(2) زيادة في (ب): وصنوه المتوكل على الله.
(3) من مصادر ترجمته: مآثر الأبرار 2/818، أعلام المؤلفين الزيدية ص: 160 - 161 ترجمة (147، وانظر بقية مصادر ترجمته فيه.
الأمير الخطير الكبير السامي تاج الدين ويكنى بالمقتدر بالله أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام -(1)، هو والد الإمام إبراهيم بن تاج الدين.
قال الفقيه محمد بن فند: كان من سادات العترة وعلماء الأسرة، وكان من المجاهدين في سبيل الله والبائعين أنفسهم من الله، له كرامات مشهورة، وله تصانيف في أصول الدين، وتوَلى للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بصعدة بعد أخيه مجد الدين إلى أن مات الإمام المنصور بالله، ثم تولاها بعده أولاد الإمام المنصور بالله، ثم مات في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وستمائة، وقبره بمسجد الهادي بصعدة.
قال ابن فند: ومن كرامات الإمام إبراهيم أنه ابن تاج الدين هذا، وأن جده بدر الدين وعمُّه الأمير الكبير شرف الدين الحسين بن محمد، وعمُّه الثاني الحسن بن بدر الدين، وعمه الثالث الأمير الشهير الشهيد /172/ مجد الدين يحيى بن محمد، فإنه بلغ مع صغر سنة في العلم والجهاد مبلغاً لم يبلغه غيره. انتهى(2) وسنذكرهم - إن شاء الله تعالى -.
قلت: وعمر السيد تاج الدين - رضي الله عنه - ثلاث وستون سنة.
أحمد بن محمد بن الهادي(3) [ - 710 ه ]
السيد الأمير العظيم المكانة في الفضائل أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين، أثنى عليه السيد الأمير صلاح بن الجلال، ووصفه بمكارم الخلال وبالجملة فكان من أهل التبريز، ومات بالشرف - رضي الله عنه -.
أحمد بن محمد بن أحمد(4) [ - ]
__________
(1) زيادة في (ب): الصلاة.
(2) مآثر الأبرار 2/ 921 - 922.
(3) طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) 1/ 185 - 187 ترجمة رقم: 83، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم: 175، ومنه الجواهر المضيئة - خ - .
السيد العالم التقي الزاهد أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المطهر الزيدي نسباً ومذهباً، من أفاضل أوانه وعيون زمانه، كان أبوه من العلماء الكبار، هاجر إلى (يناع)(1)، وتلا السيد شمس الدين تلو أبيه وحذَا حذوه، وتوفي (بيناع) من أعمال (الحيمة) أو قريباً منها، وأمَّا أبوه فقبره (بيناع)، وأمَّا هذا فذكر بعض المؤرخين أنه كان قريباً من يناع مهاجراً، وبها توفي - هذا لفظه - وهو مجمل.
أحمد بن محمد بن المطهر(2) [ - ]
السيد الإمام الصوَّام القوَّام أحمد بن محمد بن المطهر بن الحسين الزيدي نسباً ومذهباً، المدفون ببيت بحر، كان من علماء العترة وسادات الأسرة، ذكره السيد الهادي بن إبراهيم الصغير - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن محمد بن المرتضى(3) [ - ]
السيد العلامة أحمد بن محمد بن المرتضى - رحمه الله تعالى - قال السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله -: كان - رحمه الله - شريف الهمَّة، ناهض العزيمة، طامح الأمل في الزكي من العمل، وكان إلى الجهاد أميل، وكان يعتني باقتناء السلاح والعدَّة للحرب وحُبِّب إليه الطيب، قال - رحمه الله -: وكان خطيباً مصقعاً مهيباً جانبه.
أحمد بن محمد بن الإمام يحيى(4) [ - ]
السيد العلامة شمس الدين احمد بن محمد بن الإمام يحيى بن حمزة - رحمه الله تعالى - ترجم له السيد العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة - عليه السلام - فقال: كان عالماً فاضلاً صالحاً، اشتغل بالعلم والقراءة حتى استفاد فائدة ظاهرة في العربيَّة وأصول الدين والفقه، وكان فيه زهادة كليَّة وخير كثير، وتوفي - رحمه الله تعالى - (بحوث) وقبر في (مروانة) المقبرة المعروفة (بحوث).
__________
(1) يناع: حصن منيع في عزلة الجدعان بالحيمة الداخلية، وحو حصن شاهق فيه آثار خرائب قديمة، وفي عرضه الجروف الواسعة المنحوتة نحتاً (معجم المقحفي ص: 717).
(4) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث - ترجمة رقم (88).
أحمد بن محمد بن إدريس (1) [ - نحو 850 ه ]
السيد الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن إدريس بن الإمام يحيى بن حمزة - رحمهم الله تعالى - المعروف بالأزرقي الأخير.
قال السيد العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة: نشأ في طلب العلم والفائدة، واشتغل بالقراءة، وله فهم حسن وطريقة صالحة ومكارم أخلاق وفضل كثير، لم يزل مشتغلاً حتى استفاد في العربية، وقرأ فيها كتبها المعروفة، وجوّد فيها وفي علم الكلام وأصول الفقه، وقرأ في كتب الفقه، وهو الآن مشتغل به بعد إحرازه لما ذكر أوّلاً من الفنون مع رغبَة ووفور فهمه، وله من التصانيف (جامع الخلاف)(2) زاده(3) من توفيقه السماوي وبسط له من المدد الإلهي. انتهى بحروفه
ورأيت بخط القاضي العلامة الهادي بن عبد الله بن أبي الرجال شعراً نسبة إليه مرثية في السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم - رحمهم الله جميعاً - أوَّلها: /173/
لقد أصبح الإسلام وهو مصابُ ... لمن جلَّ فيه نازلٌ ومصابُ
أصيبت به أعلامه وعلومَه ... وكلٌّ بسهم النائبات مصابُ
وهدَّ له ركن ودكَّت شوامخ ... وثل له عرش وحل حجابُ
وأقماره قد أكسفت وشموسه ... وأنجمُه غارت وغار شهابُ
ولم لا وقد أحلَى على ابن محمد ... وأقفر عنه مسجد وكتابُ
__________
(1) فهرس الغربية، فهرس الأوقاف، مصادر الحبشي 186، المستطاب - خ - رجال الأزهار (6)، الجواهر المضيئة ترجمة 99 ص 18، لوامع الأنوار ج 2/260، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث، ترجمة رقم (89)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (149).
(2) ويسمى: جامع الخلاف، وصادع الأصداف عن فرائد الدر الشفاف ورفع أطراف الطراف عن تخقيق مذاهب العترة والفقهاء من جميع الأطراف - خ - منه نسخة خطت سنة 851ه برقم: 1183 أوقاف، ثانية غربية رقم (275) فقه، ثالثة في مجموعة (1228) غربية الجامع الكبير، ويسمى أيضاً: جامع آل محمد، منه نسخة مصورة بدار الكتب المصرية.
(3) في (ب): زاده الله.
وصارت قفاراً سملقات(1) مهامهاً ... معاني علوم ضمهن ترابُ
وهي أطول من هذا القدر - رحمه الله تعالى - وللسيد الأزرقي الصَّغير (جامع الخلاف) كتاب مشهور مفيد، وعاجَله الأجل قبل إتمامه؛ لأنه شرع فيه حال الدرس في ذلك العام، فكان تصنيف بإزاء كل عشر عشراً، فإذا تقدم أهل القراءة بعشور كثيرة انتقل إلى حيث بلغوا، وتمَّمه مطهر الجمل - رحمه الله تعالى - نعم، وأمَّا(2) الأزرقي الكبير فهو المعروف بالمنتقم لدين الله - أي الذي أخذ بثأر الدين - ممن طمس آثاره، وهو أحد دعاة جيلان في المائة السادسة، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن حمزة [ - ]
السيد العلامة أحمد بن محمد بن حمزة بن يحيى من خلصان أهل العلم والفضل، ومن تلامذته إمام الحديث الأمير الحسين صاحب الشفاء، وله عنه روايات.
أحمد بن محمد بن علي [ - 1007 ه ]
السيد العالم الفاضل شمس الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الهادي الهروي الحسيني(3) - رحمهم الله - كان عالماً جامعاً لفضائل عديدة، وذكره الوالد الفاضل الهادي بن عبد الله بن أبي الرجال - رحمه الله - وأنشد له شعراً:
العلم من أفضل الأعمال والقربِ ... بذاك قد قال أهل العلم في الكتبِ
ومن يوفق بالنيّات يحرسه ... فأجره أجر من صلَّى على الكثبِ
ومن تراه صموتاً في المجالس ذا ... لُبٍ يفوه بذكر الله لَم يخبِ
من لم يُحط بالأمانات التي وضعت ... من الإله عليه باء بالغضبِ
أنا مشير فإن المستشار له ... حق فإقبَلٍ وسلم يا أخا الأدبِ
خير العباد فتىً مستأمنٌ ورعٌ ... يقوم في آلِهِ بالعدل والحسبِ
__________
(1) سملقات: السَّمْلَق: كجعفر: القاع الصفصف. القاموس المحيط ص825.
(2) في (ب): وأما أحمد الأزرقي.
(3) في (ب): الحسني.
هذا(1) ذكره القاضي الهادي، وذكر في موضع آخر السيد العلامة أحمد بن محمد بن الهادي المحرابي - رحمه الله - وأنشد له هذه القصيدة الآتية، ولعله هذا الذي له الترجمَة، وكان السيد شمس الدين أحمد المحرابي من أمراء العترة وشرفائهم(2) وكبرائهم، ملموحاً إليه بعين الاجتهاد، ولم يرض الإمام القاسم بالدعوة إلى نفسه إلا بعد عرض الدعوة على هذا السيد الجليل، وكان قد اشتهر ذكره، وبَعُدَ صيته، وقام مع الإمام قيام السَّابقين، وله مآثر حميدة، واستشهد - رحمه الله - في (مسور المنتاب)(3) ومعه صنوه علي، وكان تلوه في الفضائل، كانت شهادتهما - أعاد الله من بركتهما - في (بيت عِذَاقة)(4) في حرب كبيرة، واستشهد /174/ معهم عشرة رجال صبح يوم السبت تاسع شهر ربيع الآخر سنة سبع وألف، والمعتني في القبَّة عليهما السيد المجاهد عامر بن علي - رحمه الله - ومما يذكر من علمه أنه شرح قصيدة امرئ القيس بن حجر اللاميَّة: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل، ولم يفتح كتاباً. ومن شعره - رحمه الله -:
ما بال عينيك منها الماء ينحدر ... كأنه سائل في الجوِ ينهَمرُ
وما لجسمك أمسَى ساحباً(5) ونبت ... بك المضاجع ثم اعتادك السهرُ
وبت ترعى السُّهى في الليل ترقبُه ... والقلب حيران طول الليل يفتكرُ
أذاك مِن أنْ نأى خِلٌّ شغفتَ به ... صافي الوداد حسين طيب عطرُ
__________
(1) في (ب): هكذا.
(2) في (ب): وسرواتهم.
(3) سميث مسور المنتاب لتمييزها عن غيرها من البلدان المعروفة باسم مسور في اليمن، ومسور المنتاب ناحية كبيرة من توابع محافظة صنعاء، وكانت من قبل من توابع محافظة حجة (انظر معجم المقحفي ص: 594).
(4) بيت عِذَاقة بكسر العين، وقد تضم مدينة كبيرة في جبل مسور، بها مركز قضاء مسور التابع لمحافظة صنعاء، وتنسب إلى عذاقة بن مسور بن عمرو بن معدي كرب بن شرحبيل بن ينكف، وهي بلدة جميلة ذات غيول وينابيع غزيرة (المصدر السابق ص: 434).
(5) لعلها: شاحباً.
حوراء قدزانها قدٌّ تميله ... إن جدت السير كاد الردف ينهصرُ
كأنما الشمس تبدُو في الجبين ضحى ... والخد ورد بهيُّ اللَّون منتشرُ
ونحرها مشرق والجيد منتصبٌ ... كأنها ظبية قد مسَّها ذعرُ
غيداء لا تنزل الأكدار ساحتها ... إذا بدت من حياهَا تخجل القمرُ
لمياء في شفتيها حوة(1) لعس(2) ... قد زانها دعج العينين والحوَرُ(3)
هيفاء خطارة درم مرافقها ... كأنما ريقها بالخمر مُعتصرُ
إذا نظرت إليها وقت خطرتها ... مع التبرُّج يوماً رابك النظرُ
لو ناجت العصم من أعلى مناكبها ... حنَّت إليها وزال الرعب والحورُ(4)
أو راهبين لمالوا نحوها وصبوا ... وضيَّعُوا الدين والأحساب وابتدرُوا
أم كنت تعرف آيات فقد جعلت ... أطلال ألفك بالمرتاع تعتذرُ
فأنتَ في الدَّهر في ضيقٍ وفي تعب ... من أجل ذَلك مهمُومٌ ومعتمرُ
فقلتُ كلاَّ فإني عنه في شغلٍ(5) ... بحادث دونه الأهوَال والخطرُ
تحار فيه عقول العارفين به ... من خطبه تحدث الأفزاع والفكرُ
لا تعذُلوني فإني مشفق حذر ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذرُ
الدينُ مخترمٌ والحقُّ مهتضم ... وفضلُه في جميع الأرض مُحتَقَرُ
عفَت رسوم الهدَى أقوت معالمه ... كأنَّه ما مضَى الأنباء والنُّذُرُ
مِن بعد ما مات خير المرسلين معا ... شجى(6) به الثقلان الجنُّ والبشرُ
صلَّى عليه إله الخلق ما طلعَت ... شمس النهار على الأرضين والقمرُ
وساق على هذا السياق، وذكر الحوادث التي كانت بعد جدِّه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
__________
(1) حُوَّة: حمرة إلى السواد. (المرجع السابق ص 1175).
(2) لَعَسٌ: بالتحريك سواد مستحسن في الشفة. (المرجع السابق ص 530).
(3) في (ب): والخور.
(4) لعلها: والخور.
(5) في (ب): عنه مشتغل.
(6) في (أ): سحى.
/175/ أحمد بن محمد بن أحمد [ - ]
السيد الزكي العلامة الأزهد شمس الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عز الدين المؤيَّدي - رحمه الله تعالى - كان من العلماء الأخيار أهل العمَّة(1) في تحصيل العلم والرئاسة وحصَّل كثيراً طيِّباً، وقد كان أراد وضع شرح على الشافية، وكان فضله - رحمه الله - كلمة إجماع، بل قد كان يقول بعض أهل زمنه: إنه منقطع القرين، سمعت السيد العلامة أحمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله - مع كونه من الكمال ومعرفة أحوال الناس بحيث هو، يقول: عندي أن السيد أحمد بن محمد رجل اليمن، ما كان في وقته من يبلغ حيث بلغ، فذكرت له رجلاً كان السيِّد يثني عليه فقال: (لا)(2) ولا فلان، وكان ورعاً لا يأكل إلا من الحلال الطيِّب، وكان إذا خرج بالعساكر إلى البلاد الشامية (بني جُمَاعة)(3) (وبني خُولي(4)) و(العروصور) (5) لا يأكل إلا من طعام يخصّه، ويفعل للجند الموائد الواسعة، ولقد كانت توضع بين يديه قطعة لحم منتنة؛ لأنه كان يذبح لنفسه ويقسم له ذلك، أعاد الله من بركته، وله شعر عظيم. من شعره(6):
وتوفي - رحمه الله - بصعدة في (……)(7) ورثاه، صنوه الصَّارم مولانا السيد الإمام المجتهد صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد حفظه الله بقصيدة وهي:
صبٌ بأهل الحما هاجت صبابته ... فدمعه لا يرى إلا صبابته(8)
__________
(1) في (ب): الهمة.
(2) سقط من (ب).
(3) بنو جُمَاعة بضم الجيم وفتح الميم، بطن من خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، لهم بلاد واسعة من أعمال صعدة، تعرف ببلاد بني جُماعة (معجم المقحفي ص: 126).
(4) بنو خولي: قد تثرجمت ص 191.
(5) لعلها: والعرّ وصور. والعُرّ: بلدة في جبل ساقين. (المرجع السابق).
(6) بياض في (أ) و (ب).
(7) بياض في (أ) و (ب).
(8) بياض في (أ)، (ب).
/177/ ومولانا الصارم ناسخ برود هذه المرثيَّة(1) هو زين الوجود وعين الموجود، ترجمان الشريعة، متبحر في العلوم جميعها، مصنف، له (شرح الهداية(2) بتنقيح الأنظار)(3) في ثلاثة مجلدات حافلة كل، مجلد يأتي مثل (شرح الأزهار لابن مفتاح)، وله (الرَّوض الحافل شرح الكافل)(4)، وله كتاب في (صناعة خط المصاحف)(5)، وله (القصص الحق المبين في البغي على أمير المؤمنين) وغير هذه، وله أشعار عظيمة، وهو أحد شيوخي، والحمد لله رب العالمين.
وكان والدهما السيد محمد بن أحمد رايساً(6) من أعيان آل محمد، مملوءاً بالوقار والرجاح، وهو الذي فتح صعدة للإمام القاسم أعاد الله من بركتهم.
__________
(1) في (ب): الترثية.
(2) في (ب): المسمى بتنقيح.
(3) ويسمى تنقيح الأنظار شرح هداية الأفكار (فقه) نسخة منه في المكتبة الغربية بالجامع الكبير صنعاء برقم (100) فقه، وأخرى في (257) ورقة برقم (1118) في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير، وأخرى بمكتبة آل الهاشمي صعدة، أخرى ج3 خط بعناية المؤلف سنة 1078ه في (965) صفحة من كتاب العارية إلى باب ميراث الملاعنة، مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي، ومكتبة السيد عبدالرحمن شايم، أخرى الجزء الثاني في (608) صفحات جامع الإمام الهادي بصعدة.
(4) ويسمى أيضاً الروض الحافل الجامع لما شئت من معاني الكامل في أصول الفقه، منه نسخة خطية في (186) صفحة بمكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة.
(5) ويسمى خط المصحف العثماني، ولعله: اللمعة الذهبية في شيء من القوانين الخطية، ذكره في ذروة المجد الأثيل.
(6) لعلها: رئيساً.
أحمد بن محمد بن صلاح(7) [ - 1069 ه ]
السيد الهمام العالم شيبة الحمد أحمد بن محمد بن صلاح القطابري - رحمه الله - من شيوخ شيوخنا المحققين، وأجلاء العلماء المتقنين(1)، وكان في العربيَّة إماماً محققاً سيما في أيام شبيبته - رحمه الله - وكان شيخاً معمراً، واتَّصل بالإمام القاسم، وكان من المناضلين عن منصب الإمام والمتكلمين معه، وله قصيدة جواب على السيد العلامة عبدالله بن علي بن الحسين المتعارض هو والإمام القاسم، فمن جواب السيد أحمد بن محمد بن صلاح القطابري - رحمه الله - وقد أجاب(2) عنها جمَّ عددهم، فقال السيد من جملة قصيدته:
وتقول في الأشعار أحدث قاسم ... سُوءاً وما حدَث أتى من قاسمِ
إلا الحروب المضرمات على العِدا ... الناقمات بكل عادٍ ظالمِ
من جرَّع الأعداء سُماً ناقعاً ... في كل مأقط(3) مضرم متلاحمِ
بأسنَّةٍ عند اللقا وصوَارمٍ ... ورداه حرب مقدمين بقاصمِ
وبنادق تحكي الرعود قواصفا ... ورصاصها حتف العدو اللاحمِ
وشوازب(4) كالشهب تهوي في الهوى(5) ... رصداً يخاطف خطفه من راجمِ
يحملن كل فتىً هزبرٍ(6) أروعٍ ... ثبت الجنان لدى الوقائع باسمِ
سَل عنه ذات السَود أو أسنافهم ... (وثُلا) و(ذَا مُدَعٍ)(7) و(ذات مرازمِ) (8)
/177/
تخبرك عن نبأٍ يقين أنها ... سقت العدو بها كؤوس علاقمِ
وهي طويلة ختمها بقوله:
والله يرعى للشرائع حقه ... ويديم بهجته بعزٍّ دائمِ
__________
(1) في (ب): المتقين.
(2) في (ب): وقد أجاب علماء جم عددهم.
(3) مأقط: أضيق المواضع في الحرب. (المرجع السابق ص 634).
(4) شوازب: جمع شازب: الأتان الضامر.
(5) لعلها: الهوا.
(6) الهزبر: اسم من أسماء الأسد.
(7) مُدَع بضم الميم وفتح الدال جبل منيع يطل على مدينة ثلاء من الغرب الشمالي، وفي سفحه تقع قرية مُدَع، وهو منسوب إلى مُدَع بن سعد بن عوف (معجم المقحفي ص: 575).
(8) أسماء معارك حدثت بين الإمام القاسم وخصومه.
ما دام فهو حتُوف كل معاند ... وشحاك(1) أفئدَةٍ وشجو حلاقمِ
والله يختم بالرِّضا أعمالنا ... والمؤمنين وتوبة للنادمِ
ثم الصلاة على النبي وآله ... ما غرَّدت في الأيك ورق حمائمِ
وله مرثية في الإمام - عليه السلام - جمع فيها الرثاء والتهنئة بقيام وَلده إمام اليمن ناعش الحوزة المؤيَّد بالله - عليه السلام - وتعمَّر - رضوان الله عليه- وكان في أيام الإمام المؤيَّد بالله من عيون أهل بيته، وتولَّى جهة (بلاد)(2) آنس المحروسة، ثم استقرَّ ببلاده منوطة أعمالها به حتَّى كانت أيام هذه الإمامة المسعودة النبوية أيام مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله - صلوات الله عليه- وأخذ منها بشطر صالح، ثم انتقل إلى جوار الله في شهر ربيع الآخر من عام تسعة وستين وألف في وادي(3) (قراض) من بلاد (آل أبي الخطاب)، وقبره بصرح المسجد بقرية (آل يعيش) مشهور مزور - رحمه الله تعالى - وتجاوز عنه، وزار السيد العلامة شرف الدين الحسن بن أحمد الجلال - أمتع الله بنافع علومُه - إلى (رُغَافة)(4). قال السيد الحسن عافاه الله تعالى:
فأهلاً بأقدامٍ حَبَتْني زيارةً ... وما كنت أهلاً للنهوض إلى عندي
ولا غَرو إن زار العظيم محقراً ... فقد ينهض المولَى إلى ساحَة العبد
فأجابه السيد شمس الدين - رحمه الله تعالى -.
بل أنتم النفر المستوجبون لأن ... نمشي إليكم ولو مشياً على الخدِّ
لأنكم من سلالات النبي وقد ... حزتم بفضلكم مجداً إلى مجد
أحمد بن محمد بن أحمد [ - ]
__________
(1) الواو زائدة عن الوزن.
(2) سقط من (ب).
(3) وادي قُرَاض: بضم ففتح فسكون - وادٍ معروف في مديرية باقم، شمالي مدينة صعدة، ومن أعمالها. (المرجع السابق ص 1258).
(4) رُغَافة بلدة في أرض بني جماعة بالغرب الشمالي من مدينة صعدة بمسافة (37) كيلومتر (معجم المقحفي ص: 271).
الفقيه العالم أبو إسحاق أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك بن عبد الباعث - رحمه الله - من بحار العلم وكبار العلماء، وولده إسحاق أشهر منه على أن هذا في الفضل شهير، ترجم له السيد الهادي، وابن المظفر، وغيرهما.
أحمد بن محمد بن أحمد [ - ]
العالم الكبير الفقيه الأجل شمس الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عبدالواحد بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أبي القاسم بن علي المحلي الصنعاني - رحمه الله - والد الفقيه الإمام العلامة حميد بن أحمد، كان الفقيه شمس الدين عالماً كبيراً، وجهه الإمام المنصور بالله - عليه السلام - إلى بلاد (قاعة)(1)، - كما ذكره بعض أولاده - لمناظرة الباطنية، وقبره - رحمه الله - (بثلا) خارج باب المناخ(2) من مدينة ثلا، ويقال: قد سمعت تلاوة القرآن من قبره، وأظنه وجَّه الإمام لمناظرة المطرفيّة على الباطنية، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن أحمد [ - ]
الفقيه الفاضل العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال بن سرح بن يحيى بن عبد الله بن عبد الله العمري - رحمه الله آمين - كان عالماً فاضلاً، وهو جد الفقيه محمد بن سليمان المذاكر - رحمه الله - وكان من جماعة المنصور بالله، ويقال: إنه كان/177/ يشبهه في الخلقة، وأمره بالوقوف بهجرة قاعة لمناظرة المطرَّفيّة. وانتقل إلى جوار الله بقاعة، وقبره هناك، وقاعة بلدة من محاسن البلاد، غربي (البون)، وقد كانت عامرة آهلة ثم خربتها همدان وانتقم الله منهم، ثم عمرت، وسكنها بعد ذلك طوائف مطرفيَّة ومخترعة.
__________
(1) قاعة حصن وبلدة غربي عمران، تشرع منها الطريق إلى حجة (معجم المقحفي ص: 504).
(2) في (ب): المياخ.
روى ثعلب أحمد الزيدي الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - فيما رواه عنه محمد بن أبي الخير بن زريون الصنعاني المعاصر للإمام أحمد بن سليمان أن عبد الملك بن وهيب خرب قاعة، وأذل أهلها، لأنهم قتلوا أهله، فرأى ثعلب المذكور في النوم سبعة رجال عليهم ثياب نظيفة في أوَّلهم رجل بيده عصا قد أقبل حتى وقف على ماجل قاعة على الحاجب، وأشار بعصاه إلى قريَة قاعة، وقال:
ألا أيَّتها القريَة أما متّ أياماً ... فلا بد إله العرش أن يحييك أعواما
وأن يُهلك أقواماً بما أولوه أقواما ... وأن ينصر مظلوماً وأن يهلك ظلاَّما
فلم يلبث أن خرج علي بن محمد الصليحي فقتل همدان، وذلل بني وهيب، وكان قيس بن وهيب سيد همدان في عصره فقتله بحاز،(1) ودوخ البلد، ثم عمرت قاعة إلى الآن، والله أعلم.
أحمد بن محمد بن أحمد(2) [ - ]
الفقيه الفاضل العالم أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال - رحمه الله - كان عالماً، قال الفقيه محمد بن سليمان المذاكر صاحب الروضة: إنه كان من تلامذة القاضي جعفر بن أحمد - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن محمد بن الحسن(3) [ - 656 ه ]
__________
(1) حاز: قرية أثرية مشهورة في ناحية همدان طرف قاع المِنَقَّبْ (المصدر السابق ص: 142).
(3) أئمة اليمن ج 1/171 - 176، معجم المؤلفين ج 2/90، مصادر الحبشي 156، مطلع البدور - خ - المستطاب - خ - طبقات الزيدية - خ - الموسوعة اليمنية ج 1/62، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي ج 3/209 - 211، الجواهر المضيئة ص 19، مؤلفات الزيدية ج1/381 ج2 /123 ، ج3/77، مصادر التراث اليمني في المكتبات الخاصة (تحت الطبع)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 151.
الشيخ العالم المجتهد الأصولي أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن أبي طاهر محمد ابن إسحاق بن أبي بكر بن عبد الله بن الرصاص، نسبه من جهينة بن زيد، ابن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، وكان بعض أجداده مع الهادي إلى الحق - عليه السلام - المشهور بالحفيد، كان عالماً متبحراً لا يشق غباره في العلوم، من أساطين العلماء وسلاطين الكلام وآية العدل والتوحيد، وله في العلوم القدم الرَّاسخة، وله على ذلك آيات بينات منها الجوهرة(1) التي هي مدرس العصابة، وله ثلاثة كتب تجري منها مجرى الشرح، هكذا رأيته(2) ثلاثة كتب وبخط بعض مشائخنا، له كتابان كالشرح للجوهرة وهما (الوسيط) و(غرَّة الحقائق) لها، وله كتاب (الشجرة) في الإجماعات ولم نره إلى الآن، ولعله قد فقد والله المستعان، وما كان مثله مما يغفل عنه، وله في كل شيء من العلم قدم مع بلاغ(3) في إنشائه رائعة، وله رسالة تخرج في مجلد متوسط إلى العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - سمَّاها (مناهج الإنصاف العاصمة عن شب نار الخلاف) وذلك بسبب رسائل دارت بين القاضي عبد الله - رضي الله عنه - وبين الفقيه العلامة علي بن يحيى الفضلي، وكان الشيخ وجيهاً رئيساً /179/، ولذلك كان منه ما كان إلى الإمام الشهيد السَّعيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - فالله المستعان.
__________
(1) ويسمى جوهرة الأصول وتذكرة الفحول في علم الأصول (أصول فقه) منه نسخة خطت سنة 866ه برقم (1524)، وأخرى برقم (1529) بمكتبة الأوقاف جامع صنعاء، ومنه نسخة في مكتبة آل الهاشمي بصعدة رقم (164) خطت سنة 698ه.
(2) في (ب): مذكوراً زيادة.
(3) لعلها: بلاغة.
إذا تأمل المتأمل مكانة هذا الشيخ في العلم، وما يشيده(1) من ذكر آل محمد في رسائله، ويعطر بذكرهم المجالس، ثم كانت هذه الهفوة - وأعوذ بالله من حب الدنيا - وقد كان الإمام يعرف من الشيخ شيئاً من هذا، وكان يجزل عطاءه حتى إنه أقطعه في صنعاء المحميَّة بعض منازل الملحدة الباطنية.
قال السيد يحيى بن القاسم: وقيمة ذلك نحو ثلاثين ألفاً ولم يعط(2) حميداً شيئاً، وقد ترجم للشيخ شمس الدين الخزرجي وغيره، ووصف خلقته وزرقة في عينيه.
ومن إنشائه كتابه إلى جيلان وديلمان.
قال السيد العلامة يحيى بن القاسم - رحمه الله -: وقد نقلنا منه ما يتعلق بسيرة المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - فأفهمت عبارته أنه أوسع من هذا، من الفقير إلى الله تعالى أحمد بن محمد بن الحسن إلى جهة الجيل والديلم مع الأخ البر رحيم داد:
هل رَكْبُ مكةَ حاملون تحيَّةً ... تُهدَى إليكم من محبٍ مغرَمِ
أغضَى الجفون على معينٍ ساجمٍ ... وطوى الضلوع على جَوى متقدمِ
إن لم يبلِّغها الحجيج فلا رمَوا ... بالجمرتين ولا سقوا من زمزمِ
__________
(1) في (ب): شيده.
(2) في (ب): ولم يعط الإمام حميداً شيئاً.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله، كتابي إليكما أيُّها الحِبران الكاملان، و(1)الصدران الفاضلان، شيخا الإسلام الداعيان إلى الله وإلى أرباب الفضل، وولاة العقد والحل.. إلى قوله: ?سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ? (يس:58)، تحيَّة من عند الله مباركة (طيبة)(2) تفيض بالخيرات أنوارها(3)، ويتوالى من ذي العرش حياؤها، وتضيء حنادس البعاد لآلئها. سلام على معاهد العلم وربوعه الذي طهر البر عراصها وأنديتها، وأزاح الدين الحنيف عن بشر التقوى ساحاتها وأفنيتها، وساد على دعائم الْهُدى سادات الورى ذراها وأبنيتها، بقرارة جيلان وديلمان، وذات الرسم الباقي الأثر الخالد من حديث الطوفان؛ فهناك حط الفضل رحله، وطنّب رواقه، وألقى الفقه بعاعه(4) وأرخى عن عزٍ إليه دقاقه. وإنّ أرضاً كان الناصر للحق - عليه السلام - مرسي أوتادها، وضارب أسدادها، وخائض غمارها، ومعين فوَّارها، ومشكاة أنوارها، وناهج محجتها على واضحة ليلها كنهارها، لأرض محفوفة بفخامة خطرها، ونماء سعيها، وبجليل ذكرها، و(5)لا جرم أنه لأثرٌ شامخ الشرفات، باذخ القذقات، راسخ القواعد والأساس، محكم القرائن والأمراس..
__________
(1) سقط (الواو) في (ب).
(2) سقط في (ب).
(3) في (ب): أنواها.
(4) يقال: ألقى عليه بعاعه أي نفسه، والسحاب ألقى بعاعه أي كل ما فيه من المطر (انظر القاموس المحيط ص: 909).
(5) سقط (الواو) في (ب).
إلى قوله: فهو - عليه السلام - أبو عذرها، وطليعة سرها، التي هتفت به الصحف الغوائر، وآذنت به قبل أوانه البشائر، وترتبت(1) بذكره الأسفار وابتهجَت الدَّفاتر؛ حتَّى رعف به الزمان، وتبلج به ذلك /180/ الأوان، فلم يزل يدندن حول تلك الدِّيار، ويحوم عليها بأسفار وتطيار وعقر وأمرار، وعزم لا يلويه وكل، وحزم لا يلقيه(2) دجل، حتى أعطي مقاليدها إذِ رام إصلاحها، ونبذ إليه الأسعاد مفتاحها، إذ حاول افتتاحها..
إلى قوله: فورد ضريح صريبتها من ورد من أئمَّة الْهُدى، وأقمار الدُّجى، الذين أضاءت أنوارهم المشارق والمغارب، ورتع في رياض علومهم الأعاجم والأعارب، سلام الله وبركاته(3) على تلك الأرواح في مساءٍ وصباح ما انفك السلف من أئمتنا ينحو من ذلك المنهاج، وتلمع ضوء لآلئهم من تلك الهالات والأبراج، وتنبأ(4) نورها من العراق تناويب وإدلاج، فأوَّل من عشا إلى ضوء نارها فاتبعه، وسام برق الحيا في رباها فانتجعه، السيد الإمام أمير المؤمنين المهدي لدين الله أبو عبد الله محمد بن الحسن الدَّاعي - عليه السلام - فأحيا تلك المآثر التي ما يفنى(5) على مر الجديدين أثر.
__________
(1) لعلها: وتزينت.
(2) في (ب): لا يثنيه.
(3) في (ب) زيادة: وصلواته.
(4) في (ب): ويتناوبوها.
(5) في (ب) زيادة: لها.
إلى قوله: ثم تلاه الإمامان اللَّذان هما هلالا هالة الملة المحمدية، وواسطة عقد النحلة الحنيفية، كما أن قطر اليمن ما زال فكر أئمة الزيدية وأشياعهم من لدن الهادي إلى الحق - عليه السلام - إلى هذا الأوان، ينادون فيه بالصوت العالي، ويخفق فيه كوكب مذهبهم المتلألي، ويرث الأول التالي، فهم كذلك يأثرون فيه قرناً بعد قرن، ويروونه خلفاً بعد خلفٍ من آل القاسم - عليه السلام - وأشياعهم الكرام.. إلى قوله: ولقد جمع الله تعالى للإمام المنصور ذي المجد المعمور، والشرف الموفور، والعلم المأثور، والسيف المشهور، أمير المؤمنين والخليفة الصَّادع بالحق المبين، حليف القرآن، ماضي الجنان واللسان، أبي محمد عبد الله بن حمزة بن سليمان، كريم الحظين، من أحيا دين آبائه الأكرمين، في هذين القطرين، واقتفى سنن هذين الإمامين المحتذي لمثالهما، الناسج على منوالهما، حتى اشتدَّ الأمر، وانتظم البحر، واتصل السؤدد والمجد فحق حينئذٍ على كل ناحيَة أن يكون له على كل من فيه طليعَة ورقيباً، وأن يسمعهم صوته مؤذناً ومهيباً، أن هلم فإن طالع سعدنا قد بارى فلق الصباح، وإن أملنا الذي كنَّا نعدُّ له الأيام ونستهل له طوالع الشهور والأعوام، قد أذن بالنجاح، وحيعل بالفلاح، نعم فأصدرنا - أعزكم الله - هذه الكلمة المسطورة، والأحرف المزبورة، عجالة من مستوفر، وقبساً من مختار، ولمعة من بارق، ونبذة من طارق، وغرفة من بحار، وصبابة من تيار، كم أشاهد متحملها - أحسن الله توفيقه، وأبهج له طريقه - على حين أزمع الترحال، وشد الرحال، في يوم الأربعاء من ذي القعدة سنة ست وأربعين وستمائة /181/ عن نعم صفا الله بالإقبال مشارعها، وقرن بالسعود مطالعها، وروض بنيل الأماني مكارعها ومرابعها، وحقق من آمال المخلصين دانيها وشاسعها، وأرى قرَّة العين شاريها وبايعه(1)، وفتح عن أجفان السرى وأضمحها أبصارها ومسامعها.
__________
(1) لعلها: وبائعها.
فحمداً لله(1) سبحانه يدر بالمدرار المزيد غمائمه، ويفوح بنهج القبول لطائمة. أسعدت فوائد الزمن، بقيام قائمنا باليمن، فصاح طائر آل زيد على فَنَنٍ(2).
فليهنكم ما سناه الله وأدناه، وحبانا وإياكم من هذه الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، التي قضى الإيمان ديانها(3)، ووصل بعز السعادة أسبابها، وضرب على العز قبابها، ومدَّ بالتمكين وشدَّ - وله الحمد - أطنابها. ولا بد من إيداع هذه المكاتبة طرفاً من تعريف نعوته وسماته التي حاكت ضياء الغزال، وأعشب لوردي الهالة حدودها، قطرة من مطرة، ومجَّة من لُجَّة، وهاؤم اقرأوا كتابيه، ثم استقرئوه تجدوه علانية، فليس الخبر كالعيان، وما أفلح من (مان). هو الإمام المهدي لدين الله أمير المؤمنين أبو الحسين أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن أبي البركات، وهو إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): له سبحانه.
(2) الفَنَن: الغصن.
(3) ذبابها: الحرف الأول والثاني غير معجمين في الأصل.
نشأ - عليه السلام - بين التنزيل والتأويل، ودرج بين التحريم والتحليل، بين آباءٍ بررة، وأجداد طهرة، ما بعد هؤلاء الذين سميناهم إلا من ينفحُ عرف الصلاح من ثيابه، ويشد(1) حبائل التقوى بأهدابه. فنسبه كله سلسلة الذهب الصريح غير المؤتشب، بين إمام سابق، ومقتصد لاحق، وغصن (سامر) (2)، عن أصل في ذروة المجد باسِق. ولمَّا ترعرع غصناً سَرَعْرَعاً(3)، سلك من وراية آبائه الأكرمين طريقاً متبعاً، وسبلاً مهيعاً(4). فلم يتوقل(5) في درج العلم حتَّى تسنَّم ذراها. وتفيَّأ في ظليل ذراها، ثُمَّ لان له من الغوامض جامحها، فأسلس قيادها، ووطئ شدادها، وأعلى نجادها، وأسال وهادها، وجاش خلالها، وخاض أعدادها وأوسالها. فهذا علم الكلام وأصول الدين قد قرأ فيه فصّل وحصّل، ودقّق وحلّل حتَّى وقف منه على المكنون، وجمع أبكاره والعون. ثُمَّ أصول الفقه وهو النمط الأوسط بين التصرف العقلي والتحكم الشرعي، فلقد جلَّى جوَاده في مضماره، وتغلغل في أنجاده وأغواره، وتكشف له دقائق غرائبه وأسراره. وأمَّا في الفروع فلَه اليد الطولى والقدم الرَّاسخة. وأمَّا الفرضيات فله فيها أوفر الحظ والنصيب، وقد رمَى في أغراضها بالقدح القامر(6) والسهم المصيب، وله فيها غوص الماهر الألمعي، ومحض الناظر اللوذعي. وأمَّا علوم الأدب فقد مَتَّ(7) فيها بحبل متين، ونسب من مبادئ اللغة ومعرفة مفرداتها، ثم معرفة حركاتها وأوزانها إلى حد الكفاية وزيادة. ثم علوم /180/ القرآن الكريم، فقد اندرجَت تحت هذه وازداد من وراء ذلك قراءة ما وضعه
__________
(1) في (ب): وتشد.
(2) لعلها: سامق بمعنى طويل.
(3) السرسرع: الطويل، والثياب الناعم اللدْن، والسرعرع كالسرع، أيضاً، وهو قضيب الكرم الغض ليَستَثنيه، أو كل قضيب رطب (انظر القاموس المحيط ص: 940).
(4) المهيع: الطريق الواسع البين.
(5) وقَلَ في الجبل بَقِلُ: صعد (القاموس المحيط ص: 1381).
(6) أي الغالب.
(7) المتُّ: المدُّ.
المفسّرون من أهل البيت - عليهم السلام - وأشياعهم من علماء الإسلام، فاطلع ذلك الفجاج، وأخذ يعرى تلك الأدراج، حتَّى أضحى مجاله فيها رحيباً، وجواد حلبته لعوباً. ثم الآيات النبويّة، والأحاديث الصحابية، والسير المقتضية، فقد أخذها أخذ مثله، وعلقت بخاطره إلى حد أعوز الطوف بمثله وشكله.
هذه - رحمكم الله، وأعز بكم دينه - أودية العلم وغيطانه وحدائق الحكم و(مصلاته)، قد ملك رباها وحمى حماها، ورعَى كلاها، وملاك ذلك جودة الاستنباط وحضور البال ويقظة الخاطر وانتباه الذهن، وحسن الفحص عن لطائف المغمضات، واستثارة دقائق العوص المهمَّات(1)، ولقد رأينا منه عجائباً في كتاب (بغية المرتاد)، وهو جواب عن مسائل فقهيَّة وهي عديمة النص في الأغلب، سأله عنها الشيخ الصدر العالم محي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني، فحلَّل عقدها، وفتح سددها، وقوم بالإيضاح أودها، وأفاض عليها خليجاً من بحر علمه الزخَّار، وفيض مدده التيَّار، وينبوع علمه الفوَّار، حتى حسرت عن لثامها للاختبار، وكشفت برقعها للنضار(2)، قد نظم في سلكها اللؤلؤ والنضار، وكاد برقها يذهب بالأبصار، ثم فاتحَه الكلام من فاتحه (من)(3) علماء اليمن، فرأى منه ما يبهر العقول نوراً، ويرُد الطرف دونه حسيراً.
__________
(1) لعلها: المبهمات.
(2) لعلها: للنظار.
(3) في (أ): سقطت (من).
وأمَّا ورعه وعفافه، وزهادته وعبادته، وسلامَة السريرة وصفاء الطويَّة، والخشية الدخيلة لبارئ البريَّة، فشيء ظهر ظهور النهار، واشتهر اشتهار دجلة في الأنهار. متقنّع بالحياء، تلمع من جبينه أشعَّة التقوى. ذو سمتٍ قويم، وهدي مستقيم. لم يعرف المجون، ولا شِيْنَ بالمتحفات ولا اقتحمته العيون. نور النبوَّة في أثناء قسماته، وماء الخلافة مطرد على صفحاته. ما زال منذ نشأ يفعة(1) تلحظه العيون بالجلالة، وتهيب إليه القلوب بالزعامة، وتهشُّ نحوه النفوس للإمامة، وتشير إليه الأصابع الخاصَّة والعامة. ولقد تمخضت به الليالي شمساً في أفق العلياء، وسراجاً من مشكاة الضياء، وأصلاً مغرسه سرة البطحاء، وغصن شجرة طيِّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. ولقد عاشرناه من لدن الحداثة حتَّى الغاية المعاشرة وألطفها، فما رأيناه ضاحكاً بصوتٍ عال، إنما ضحكه(2) التبسم، ولا واعلا في ود المزاح، ولا مكاثراً في الكلام، ولا أزرابه الباءة(3) والحال، أنصع الناس خلقاً، وأثقلهم طبعاً، وأكرمهم نفساً، وأنداهم كفاً، وأحفصهم(4) طاشراً، وأهداهم مجلساً، وألينهم عريكة، وأوطاهم جناباً، وله من تعظيم جلال الله وهيبة أمر الله، والجنوح لسلطان حقه، والطوع لحقه، والمسارعة إلى رضاه، والكلف بإحياء دينه ونصرته على حرب الباطل وشياطينه، والإعراض عمَّا سوى ذلك من القبيح وكثير من المباح والمكروه في الأقوال والأفعال والأحوال، مالا ينادي(5) المعرفة /183/ بالصفة، ولا يقوم فيه الكتاب بالخطاب. وهذه نعوته وسماته قبل تصديه للزعامة، واضطلاعه بأعباء الإمامة،
__________
(1) يفع الغلام إذا راهق العشرين (وانظر القاموس المحيط).
(2) لعلها: واغلاً.
(3) لعلها: الحاجة، من قولهم: حاجة مبيئة أي شديدة.
(4) ينظر وقوله وأحفصهم لعله من حفصه يحفصه: جمعه الاسم الحفاصة بالضم، وحفص الشيء من يده ألقاه.، وقوله: ظاهراً: لم اهتد لمعناها فتراجع المخطوطات.
(5) في (ب): منه المعرفة.
عرفنا ذلك، وعرفه غيرنا ممن شاهده وعاشره.
ولمَّا تمَّ بنعمة الله نوره، وامتدَّ صوته وصيته، وسار ذكره في الآفاق، واصطحبت بتمجيده زمر الرفاق، وقد شخصت نحوه الأبصار، وامتدَّت إليه الآمال في كشف الغمَّة، وهداية الأمَّة، وعلم هو بعين الفرض، وسعى من يقوم بنصرته إليه بالنّص والنهض، من أكابر آل محمد - عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام - وعيون العلماء الأعلام، ما هم ملؤوا مسامعه بالبعث والحث البليغ على تلافيه الدماء، وقيامه بأمر الدهماء، كالأمير الكبير المتوكل على الله الداعي إليه أبو محمد أحمد بن الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين، فإنه لحظه بمخايل النجابة، فصدقت مخيلته، ودعاه إلى القيام والتصديق للأمر العام، وبذل ما يجب من نصرته. وكذلك الأمير الكبير شيخ العترة ذي الشرفين عماد الدين صنو أمير المؤمنين، وجلَّة العلماء وهاماتهم دعوه إلى ذلك، وسلكوا بتوجيه الآمال فيه أوضح المسالك. وفي أثناء ذلك يظهر من كراماته وفضائله وبركاته والشفاء بثنائه، وأدرك كثير من الناس حاجة وطره على وفق الندر له ما جبلت(1) القلوب معه على محبته، وتواطأت الألسنة على معرفة حقه. وهو بحر لا يساجل(2)، لو ذهب ذاهب يصف ما اتفق له من ذلك لاستوعب الطوامير(3). ثم قوى في خاطره إتيان ثلاء من البلاد الحميرية لحاجةٍ عرضت، (ولُبَانة)(4) سنحت. فخرج من (ذي بين)(5) وكان قد نزله وأقام فيه سنين، فتسامع به الناس في طريقه، فحفوا به، واكتنفوا بركابه حتى دخل ثلاء في خلقٍ كثير، وحفل عظيم، وتحدث الناس عن لسان حال الإمام
__________
(1) أي خلقت.
(2) لا يساجل بالجيم أي لا يكاثر، أصله من النزع بالسجل، وهو الدلو المليء.
(3) الطوامير، جعم الطومار، وهو الصحيفة (القاموس المحيط ص: 554).
(4) اللُّبانة بالضم: الحاجة.
(5) ذي بين: مدينة بالشمال الغربي من صنعاء بمسافة 94 كيلومتر، بها مركز مديرية ذي بين التابعة لمحافظة عمران (انظر معجم المقحفي ص: 254).
لما كانوا يرتقبونه، ويؤملونه؛ وتلقاه إذ ذاك المشائخ الأجلاء آل منصور بن جعفر - ورئيسهم يومئذٍ الشيخ سيف الدين صدر العرب منصور بن محمد - بالإنصاف والإتحاف، وألقوا بنفوسهم منحطين بين يديه باذلين له النصرة بالنفوس والحصون والأموال، فلم ير إلا القيام مستخيراً لله تعالى، واثقاً به، ومتوكلاً عليه، ومتبرئاً من الحول والقوة إلا به، فقام داعياً إلى الله تعالى على سنن آبائه الأكرمين، متحلياً بحلية الإمامة، ناهضاً بأثقال الزعامة، مشتمراً(1) على نصف السَّاق، سائقاً أعداء دين جده - صلى الله عليه وآله وسلم - أعنف مساق، غير واهٍ ولا وَانٍ حتى أسمع الناس من قاصٍ ودانٍ، لم يعقه(2) ريب المبطي ولا أناة الملتكي.، حتى خفقت بنوده، ووفرت جنوده، وأرعدت فرائص الكافرين، وزلزلت أقدام الجاحدين، ولمَّا ولي هذا الأمر العام ازدادت جلالة(3) الفضل، وحصا البندقية على الحك وضوحاً وظهوراً، واستطارت في الآفاق نوراً، فصار له من سعة /184/ الصدر ولين الجناب، ودماثة(4) الأخلاق، واحتمال السداد، والاضطلاع بالأعباء الثقال ما يشينه الشامة، ولا يزري في الخاصة والعامة قال:
متبذل في القوم وهو مبجَّلٌ ... متواضع في الحي وهو معظَّمُ
يعلو فيعلم أن ذلك حقه ... ويذلّ فيهم نفسه فيكرَّمُ
لا يحسب الإقلال عدماً بل يرى ... أن المقلَّ من المروءة معدمُ
تفيض يداه على العفاة، لا ينحو به التعقيب ولا يرهقه.
تعود بسط الكفِّ حتى لو انه ... ثناها لقبضٍ لم تطعه أناملُه
عطاء لو اسطاع الذي يستميحه ... لأصبح من بين الورى وهو عاذله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبحر ساحله
وله من دماثة الرأي، ورصانة الحلم، ورسوخ النظر، ويقظة القلب ما هو ظاهر السبيل، واضح الدليل. [انتهى ما نُقِلَ من إنشاء الشيخ أحمد الرصاص].
__________
(1) في (ب): مشمّراً.
(2) في (أ): لم يعقه المنظي، ولعله تحريف.
(3) في (ب): خلال.
(4) الدماثة: سهولة الخلق.
وهذا الشيخ كان آية من آيات الله فصيح اللسان، لا يتردد أحد في سعة علمه، لولا ما كان منه من قضية إمامه الذي شهد باستحقاقه الإمامة، وقام خطيباً له من غير ما مجلس ومحفل، وتكلم بكلام هو حجَّة عليه، وقد ذكر بعض العلماء وأظنه الفقيه الحسن بن علي حنش - رحمه الله - أنه كان ندم، والله أعلم، ولفظ الفقيه المذكور: الشيخ الإمام العلامة المجتهد شمس الدين، وشحاك الملحدين أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص - رحمهم الله - كان له من غزارة العلم وسعة المعرفة ما يبهر العقول، ومن المصنفات الوسيعة المفيدة ما يريع العقول، ومن الرسائل القاطعة شبهة(1) الملحدين، والنافعة لأهل اليقين ما شهد له بحسن المقصد والاعتقاد، روى أن دَرَسته كانوا خمسمائة، وكان فيهم سبعون أحمد، وله من الخطب والحكم والمواعظ ما شهدت بغزارة علمه وسعة معرفته وجودة فهمه، لولا ما نقم عليه في شأن الإمام الذبيح الشهيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - ولكن قد رويت(2) توبته وهو الأولى بمثل هذا الرجل، ولقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((يحمل هذا العلم من أمتي عدولها)) إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة، فمِمَّن روَى توبته الفقيه محمود الجيلاني - رحمه الله - قال: روى لي الفقيه العلامة عيسى بن يحيى أن الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد الرصاص - رحمه الله تعالى - عرف أنه قد ندم وتاب من قيامه على الإمام المهدي - عليه السلام - فلمَّا مرض أخبره بمثل هذا، وأخبره بالتوبة من ذلك، قال له الفقيه عيسى: لعلك أن تعرِّف الناس، فقال الشيخ: تكون تأتي إليّ إما البكرة أو قال العشي، فأتاه وقد صار على حالةٍ لا يتمكن من الكلام، وروى هذا الفقيه محمود الجيلاني أن الفقيه أحمد بن حنش قال له: أشهد أني من التائبين من قيامي على المهدي، فإنه قد كان مصيباً من المحقين.
__________
(1) لعلها: شبهة.
(2) في (ب): روت.
قال الفقيه العلامة عبد الله بن زيد صاحب (الإرشاد)(1)، قلت: وقد ثبت /185/ أنه يقبل خبر الواحد في التوبة ولا يقبل خبره في التكفير والتفسيق، وقد نقل توبة الحفيد العلامة حميد(2) بن أحمد بن حميد - رحمه الله تعالى - ومما قيل في أمره مع المهدي - عليه السلام - قصيدة أوَّلها:
الويل كل الويل للرصاصِ ... ولحزبه الداني معاً والقاصي
ومنها:-
يا ويلهم يوم القيامة من لظَى ... من شد أغلال وسفع نواصي
يدعون يوم الدين هل من منقذٍ ... طلب المناص ولات حين مناصِ
حرصوا على قتل الإمام وهم على ... الكفار والفساق غير حراصِ
ومنها:ـ
رخصت نفوس بني النبيء عليهم ... ونفوسهم في الشرع غير رخاصِ
فأذاقهم ذو العرش غب فعالهم ... وكذاك سوف يذيق كل معاصي
لم تمض خمسة أشهر حتى فني ... من لم يكن في التوب والإخلاصِ
وهي طويلة لا حاجة إلى ذكرها، وعند الله الفصل بالعدل سبحانه وتعالى.
قال السيد العلامة صلاح بن محمد بن صلاح بن علي بن عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة - عليه السلام -: كانت وفاة الشيخ أحمد الرصاص المعروف بالحفيد ضحوة يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان سنة ست وخمسين وستمائة.
ومن مشائخه الشيخ محي الدين محمد بن أحمد الوليد القرشي، والشيخ حسام الدين حميد بن أحمد المحلي. انتهى
أحمد بن محمد بن نشوان(3)[ - ق 7 ه ]
__________
(1) هو كتاب الإرشاد إلى نجاة العباد، للاقضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي - رحمه الله - وموضع الكتاب في الزهد والإرشاد إلى مكارم الأخلاق وغير ذلك، وقد طبع بتحقيقنا بالاشتراك مع الأخ العلامة المحقق محمد قاسم الهاشمي، وصدر عن مكتبة التراث الإسلامي - صعدة.
(2) في (ب) زيادة: بن أحمد رحمهما الله.
(3) الجواهر المضيئة ترجمة (102)، إجازات الأئمة (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (92).
القاضي العلامة شمس الدين أحمد بن محمد بن نشوان بن سعيد بن سعد بن أبي حمير بن عبيد بن القاسم بن عبدالرحمن الحميري - رحمه الله تعالى - من أئمَّة العلوم وحفَّاظ اللغة والشرعيات، كان من شيوخ الناطق بالحق الأمير الحسين بن محمد - عليهما السلام - ولأحمد هذا ولد علامة اسمه مراثد من كبار العلماء بمراثد، هذا عالم ابن عالم بن عالم بن عالم، ولنشوان ولد علامة غير محمد، وعلي اسمه مراثد أيضاً.
أحمد بن محمد بن مطهر(1) [ - ]
العلامة المحقق شيخ التفسير أحمد بن محمد بن مطهر النحوي، كان عالماً عاملاً، من شيوخه السيد علي بن محمد بن أبي القاسم، والفقيه جار الله الينبعي، وكان من عيون وقته.
أحمد بن محمد ين يحيى(2) [ - ]
الفقيه العلامة الخطير أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن حنش، فقيه عالم كبير، من تلامذة أحمد بن محمد بن مطهر النحوي السابق قبله.
أحمد بن محمد بن لقمان(3) [ - 1039 ه ]
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة (105)، نزهة الأنظار - خ - طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث ترجمة رقم (94).
(3) بغية المريد - خ - البدر الطالع 1/118، مصادر العمري 158، المستطاب - خ - 2/165، معجم المؤلفين 2/146، خلاصة الأثر 1/302، هدية العارفين 1/157، مصادر الحبشي 129، 161، 384، 499، الجواهر المضيئة - خ - ص 16، ذروة المجد الأثيل - خ - مؤلفات الزيدية 1/408 ، 413، 414، 2/140، 147، 366، 381، 3/113، سيرة الإمام القاسم - خ - طبقات الزيدية - خ - الجامع الوجيز - خ - التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 171.
السيد الإمام المحقق الأستاذ شمس الدين أحمد بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليهم السلام - كان علماً من أعلام الشريعة المصطفوية، وصدراً في صدور العصابة الهاشمية، محققاً في كل العلوم الإسلامية معقولاتها ومنقولاتها، وأمَّا أصول الفقه فروَى عنه القاضي العلامة أبو القاسم البيشي - رحمه الله - أنه قال: هو عندي بمثابة الفاتحة، ووصفه مولانا السيد العلامة الحسين بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد بالاجتهاد، وناهيك به، ومن شهد له /186/ خزيمة فهو حسبه، وكان استقراره بشهارة إماماً بجامعها، مدرساً بالجامع جميع الأوقات، واتفق له في اليوم الواحد ثمانية دروس مع درس وغيب، ومحله - رحمه الله - نازح عن الجامع بمسافة بعيدة، ويصلي الصلاة في الجامع، ومع ذلك فإنه كان مقتر العيش إلى الغاية، وما زاده ذلك إلا كلفاً بالعلم وحرصاً عليه، وألَّف في الفنون منها (شرح الأساس)(1) في علم الكلام (وشرح الكافل) (2)، وهو شرح مفيد موافق للكتاب بتعريه عن ذكر الخلاف ونهى - رحمه الله - أن يكتب في هذا الكتاب صورة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بغير لفظها كما يتعارف الناس من كتابة هذه الصورة (صلعم) ونحوها، وأمر فيه بإثبات الترضية على الصحابة إذا ذكروا مجتمعين؛ لأنهم مع الإجماع جماعة معصومة، وشرح
__________
(1) ويسمى كشف الإلباس عن قواعد الأساس، منه نسخة خطية في (219) وثقه برقم (618) بمكتبة الأوقاف بالجامع الكبير، أخرى مصدرة عن مخطوطة خطت سنة 1046ه بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي.
(2) ويسمى الكاشف لذوي العقول، عن وجوه معاني الكافل نبيل السؤل في علم الأصول، في أصول الفقه، وهو كتاب شهير، طبع مراراً، ويدرس في مدارس العلوم الشرعية، ونسخة الخطية في الكثير من المكتبات، ومنه (27) نسخة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير، و(11) نسخة في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير أيضاً.
(تهذيب المنطق) وحشا على (المفصّل) و(الفصول اللؤلؤية)، وأول (المنهاج) لجده، ونظم (الشافية) وشرح (البحر) بجزءٍ كتبه من أوساطه، كأنه جعل ذلك إمَّا تتميماً لأحد الشروح، أو وافق قراءة من ذلك المحل، رأيته بخطه - رحمه الله تعالى - [وله (البحار المغرقة في الرد على صاحب الصواعق المحرقة)] (1) ولم يزل على ما وصفناه بشهارة حتى كانت الفتوحات ا لإمامية في الإقاليم جميعها، فاقتضى نظر الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - أن يرسله إلى الطويلة(2) فتوجَّه السيد - رحمه الله - فكان(3) على يديه فتح، وانضافت إليه عساكر من وجوه أصحاب الدَّولة بكوكبان؛ لأن الرجل جليل القدر نسباً وحسباً، وكان له سعي صالح وعزيمة صادقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتولى الخطبة بنفسه غيباً - رحمه الله - وكان عنده من العلماء أعيان كثيرون، ثم لمَّا اقتضى نظر الإمام - عليه السلام - التوجه إلى مكة المشرفة بعد دخول الإصباحية إليها وجههُ بعسكرٍ كثيف، وبلغ الليث على مراحل يسيرة من مكة، وكان بينه وبين (الإصباحية) هنالك حرب بحضرة الشريف الأجل زيد بن محسن سلطان مكة أخيراً - رحمه الله -.
__________
(1) ما بين المعكوفين ذكر في حاشية (ب)، وكتاب البحار المغرقة للصواعب المحرقة (رد فيه على كتاب ابن حجر الهيثمي في كتاب الصواعق المحرقة) ومن كتاب البحار المغرقة نسخة خطية برقم (27) علم الكلام - بالمكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء، خطت 1332ه في (131) ورقة.
(2) الطويلة: مدينة بالغرب من كوكبان بمسافة 25 كيلومتر في سفح جبل القرانع، بها مركز قضاء الطويلة المطل على بلاد المحويت من الغرب، وإلى الجنوب على بلاد حراز والحيمة (معجم المقحفي ص: 405).
(3) في (أ): فكانت.
ومما روي عن الشريف زيد أنه قال: ما رأيت أشجع من السيد أحمد بن محمد بن لقمان، وحكوا عنه أنه قال للشريف زيد حين تلاحم الحرب: يا زيد، أنا وأنت من ذرية علي بن أبي طالب فما يليق بنا الفرار، فثبتا ثبات الأشراف، ولمَّا كانت الدائرة على أصحابهما، وكذلك عادة الحرب لا تزال دولاً أبى السيد أحمد من الفرار، واستقر في محل يرمي بالبندق.
وأثبت في مستنقع الموت رحلَه ... وقال له من تحت أخمصك الحشرُ(1)
__________
(1) ورد البيت في ديوان الشاعر كما يلي: وأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من تحت أخمسك الحشرُ
فجاء بعض الشيعة من أهل تهامة فحملوه، ثم رجع إلى بلاد تهامة المخلاف السليماني، وتولى أعماله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأزال كثيراً من بدع الجهال، ومن أنفع ذلك قضيَة مرجانة، وصفة ذلك أنه كان بجهة (بيش) أو قريب منه رجل يدَّعي أنه امرأة وتسمَّى بمرجانة، فكان الناس يأتون إليه بالحريم للمداواة /187/ من الحبل يظنونه امرأة، ومن عجيب الامتحان أنه قد يتفق ذلك، فلبث الأمر على اللبس حتَّى جاء بعض الأشراف من أهل تهامة - رحمه الله - بامرأته إلى محل المذكور يريد المداواة، وكانت الشريفة رحمها الله من الطاهرات، فعرفت حقيقة الحال، فدافعت حتى اتصلت بزوجها، وأخبرته بالحقيقة، فعرَّف السيد، فاستجلى السيد - رحمه الله - حقيقة الحال فاتضحت، فقتله، وكان من العجائب أن الله كشف ستره، ورمَى به السيل إلى موضع عال، وانتفخ ذَكَرُهُ وكبر. ومن عنايات السيد - رحمه الله - مسألة الختان فإنهم بتهامة وأطراف الحجاز يسلخون الجلد عن الذكر والعَانة إلى قريب من السرة كما يسلخ أديم الكبش، فيفنى بهذا من يفنى، وإنما السلامة مظنونة، ويمقتون من لم يفعل ذلك، وينسبونه إلى الْخَوَرِ(1) في طبعه، فأزال ذلك، واستقر أياماً، فعرضت له عوارض من المرض، اقتضت طلوعه إلى قلعة غمار(2)، فمرض أياماً، ثم نقله الله إلى دار كرامته في وقت الفجر من يوم الخميس تاسع شهر رجب من عام تسع وثلاثين وألف، ودفن عند مسجد غمار بالقبَّة التي فيها السيد العلامة أحمد بن المهدي، وولده صلاح الدين - رحمهم الله جميعاً - ووفاة السيد صلاح الدين ووالده في ذي الحجة عام أربعة وأربعين وألف، وموت السيد أحمد بن المهدي قبل ولده.
__________
(1) الخور بفتحتين: الضعف.
(2) غَمَار: قلعة في جبل رازح من بلاد صعدة، وهي غير (غَمَر) القبيلة المعروفة هناك. (معجم المقحفي ص 1183).
أحمد بن محمد بن يحيى(1) [ - ]
الفقيه العالم العابد الفاضل أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أحمد حنش، كان عالماً فاضلاً موصوفاً بالخير والصلاح، وهو صنو إبراهيم السابق ذكره رحمهما الله، وهما من عقب أحمد بن يحيى المذكور صنو العلامة المجتهد و(2) محمد بن يحيى حنش وإليهما عدد من أهل بيتهما والكثير من أهل هذا البيت من عقب محمد بن يحيى المذاكر، وكان أحمد بن يحيى صنو محمد بن يحيى عالماً أيضاً، ولمَّا حج الفقيه أحمد بن محمد بن يحيى المذكور صاحب الترجمة هذه، وعاد من الحج، كتب إليه الإمام العلامة الحافظ(3) الإسناد محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن الوزير والد السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد مؤلف (الفصول) هذه القصيدة.
ساق السرور إليَّ في الأحداجِ ... ما جاء من خبر مع الحجاج
قالوا لنا عن أحمد بن محمدٍ ... بمقالة كالشهد بعد أجاجِ
في مكة وافوه فاز بحجة ... لصعود يرقَى الفضل كالمعراجِ
كم طاف بالبيت العتيق وكم سعى ... ودموعه كالعارض الثجاجِ
يبكي سروراً بالوصال وربما ... أبكى السرور الطرف غير مداجِ
يا فوز من أمسى وبحر غرامه ... يوم اللقا متلاطم الأمواجِ
نعمت يدٌ من نعم نالت أنعماً ... بعناقها في حلة الديباجِ
بالله عن سلمَى سلوا لي أحمداً ... هل لم يفز منها بما هو راجِ
قالوا لنا ما زال يسكب دمعه ... خوف الفراق وصولة الإزعاجِ
/188/
وأقام(4) في عرفات يدعو ربه ... بلسان صدق واضح المنهاجِ
ويقول للحجاج سلمى قد سبت ... لبى بنا ظرها الغضيض الساجي
فهم لفرط هواه قد رقوا له ... لكنهم حسدوه لبس التاجِ
حسدوه فوزاً قد حواه وغبطةً ... طالا به شرفاً على الأبراجِ
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة (106)، هجر الأكوع (3/1309)، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث، ج1 ترجمة رقم 95.
(2) الواو زيادة في (أ).
(3) في (ب): حافظ.
(4) في (ب): ورأوه.
وله أرى في قلب سلمى فوق ما ... في قلبه من صبوةٍ ولجاجِ
ولسوف يبلغنا هوى سلمى له ... وسؤالها عنه مع الحجاجِ
للفضل أهلٌ يعرفون بوسمه ... والروح يحفظه دَمُ الأوداجِ
يا شمس دين الله يا بن محمدٍ ... يا خير محجاج وخير محاجي
يا من حوى العلم الشريف ومن سما ... ببراعة وفصاحةٍ وأحاجي
ومن الذي في الحلم يسبق أحنفاً ... وله لسان بلاغة العجاجِ(1)
وإذا دجا الديجور بات ملازماً
ً ... محرابه جنح الظلام الدَّاجي
لتنسُّكٍ وتعبُّدٍ وتهجدٍ
ٍ ... وتلاوةٍ من قلب عبدٍ ناجي
يا من يقابل ضيفه ببشاشةٍ ... عن نور وجهٍ واضحٍ وهَّاجِ
إني لمحتار البديهة باهتٌ ... ماذا أقول وكيف عنه أحاجي
أأكون بالفوز العظيم مهنئاً ... لك يا سما ملجا اللهيف اللاجي
أم أمنح الفوز الهني ليحبني(2) ... بالاعتراف مخاطباً ومناجي
لا بل أهنيه بأنك زرته ... شرفاً فعاج الفوز خير معاجِ
لما رجعت عقيب حج نلته ... متتوجاً عنه بأعظم تاجِ
أما الهني(3) فلكل أخوتك الأولى ... نعموا بقربك حين جئت مناجِ
سروا بذاك فهاهم في لذَّةٍ ... مزجت من العليا بخير مزاجِ
يحيى وصالح والفتىِ ابراهيمهم ... في الفضل فتَّاحون كل رتاجِ
قد تمم الخلاَّق جمعك شملهم ... بالقرب في (الاغلاس) والإدلاجِ
لا زلتم في نعمةٍ وسعادة
ٍ ... ما عجَّ في الفلوات ركب (نعاجِ)
ثم الصلاة على الذي لو زرته ... للقاك في الأولاد والأزواجِ
فأجابه صنوه صارم الدين إبراهيم بن محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش الماضي ذكره - رحمه الله -:
كشف الهموم بصنعَةٍ وعلاج ... طرس(4) حكته فرائد المواجِ
ما إن يقاس به أزاهير الربا ... من بعد غيث هامر ثجاجِ
وكأن لذته وطعم مذاقه ... عسل مصفَّى لم يشب بمزاجِ
/189/
وأريجه كالمسك فض ختامه ... عطر فنفحته بكل فجاج
بهر العقول فما يُطاق لوصفه ... بل يعجم الفصحا بغير حجاج
__________
(1) في حاشية (ب): الحجاجي.
(2) ليحيبني.
(3) لعلها: الهنا.
(4) طرس: صحيفة.
لو أنَّ كعباً كان شاهد نظمه ... لغدا جزيل الصمت غير ساحي(1)
ولذاب من كمدٍ ومن حسدٍ أسىً ... وكذاك رؤبة والد العجاجي
لله ما أهداه من متفضل ... أضحى علاه واضح المنهاج
متزهدٍ متواضعٍ متهجدٍ ... سبط الخلائف خيرة الأفواج
نشر الكمال عليه رائق برده ... وغدا لهُ ملكاً بغير لجاج
ملك العلوم بفهمه وذكائه ... وسما بسؤدده على الأبراج
عز الهدى والدين ذاك محمد ... سبط الخلائف عصمة المحتاج
لله أيام به سمحت لنا ... كالخابطي الظلما أتوا بسراج
أهدى نظاماً كالجواهر نضدت ... فعددته من جملة الإفراج
الحج للبيت العتيق وأوبةٌ ... بسلامةٍ ميمونة الانتاج
والله يشكر سَعيه وصنيعه ... وينيله في الدَّهر ما هو راجي
ويمنُّ باللقياء في عجلٍ علَى ... حالٍ حلا بتفاكهٍ وتناجي
والله أسأل أن يجيب دعاءه ... بنبيئه المختار ذي المعراج
صلَّى عليه إلهنا مهما سرَى ... برق فأشرق في الظلام الداجي
هذا وسلمَى بعد تركك وصلها ... تشكو البعاد إلى ذوي الأخداج
وتقول علَّ محمداً يدنو لنا ... في إمرَة الزوار والحجَّاج
فلقد تقدم حبَّه من بعده ... والفضل للمتقدم (الهملاج(2))
وتقول حاشاه يبدل عهدنا ... في مشهد العجاج والثجاج
فلقد عرفنا من صحيح وداده ... ما يوجب التشمير في الإدلاج
أرجو إلهي أن يبيح(3) بجوده ... وصلاً له عن كل شوق ناجي
ويزور أحمد جدَّه خير الورَى ... ويعود عوداً (فالج(4) الفلاجي)
وعليك ما أملا السلام مكرراً ... ما عُدَّ بالأفراد والأزواج
__________
(1) هكذا في الأصل. ولعلها مساجي ليستقيم الوزن.
(2) الهملاج: بالكسر، من البراذينِ: المهملج (المرجع السابق ص 205).
(3) في (ب): يتيح.
(4) فالج: الفالج: الفائز من السهام. (المرجع السابق ص 197).
أحمد بن محمد بن القاسم(1) [975 - 1055 ه ]
__________
(1) البدر الطالع ج 1/119، معجم المؤلفين ج 2/112، نشر العرف ج 1/67، مصادر الحبشي 55، 127، 118، 384، 437، 456، المستطاب - خ - بهجة الزمن - خ - الجواهر المضيئة ص 16 - خ - طبق الحلوى هامش ص 8، المؤرخون اليمنيون ص 44، مؤلفات الزيدية ج 1/500، ج 2/184، 209، 256، 397، ج 2/239، بغية المريد - خ - بغية الأماني والأمل في تراجم أولي العلم والعمل - خ -. وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 158.
السيد العالم الزاهد شمس الدين أحمد بن محمد بن صلاح بن محمد بن صلاح بن أحمد بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الأمير داود بن المترجم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم بن /190/ سليمان بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن القاسم الحراري، نسبه إلى (حرارة قرية بالبون) بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - سلام الله عليهم - الشرفي - رحمه الله - كان خاتم المحققين، فصيحاً، بليغاً، مطلعاً، شديد الفهم، له عناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان جليل القدر في صدور العامَّة والخاصة، وكان من أعيان أصحاب الإمام القاسم وتولَّى له، ثُمَّ صحب الإمام المؤيّد بالله - عليه السلام - وفي أوائل الدعوة المتوكلية أدام الله ظلالها وانتقل أيام المؤيد بالله من (شهارة) إلى معمرة من بلاد هنوم(1)، وكان مقصوداً إلى هنالك بالنذور وللتبرك والأدعيَة ولحلّ المشكلات، وكان من التقشف والورع بمكان عظيم، وصنَّف في أصول الدين (شرح الأساس الكبير)(2) ، و(شرحه الصغير)(3)، و(شرح الأزهار) بشرح سمَّاه (ضياء ذوي الأبصار)(4)
__________
(1) كذا في (أ) و(ب) ولعلها الأهنوم.
(2) ويسمى (شفاء صدور الناس في معاني الأساس)، الشرح الكبير على الأساس في علم أصول الدين للإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - كتاب شهيد، وفير النسخ في المكتبات الخاصة (انظر عنه كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 171، وكتابنا مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة).
(3) ويسمى (عدة الأكياس المنتزع من شفاء صدور الناس) ص: 1414ه، وانظر عن نسخة الخطية المصدرين المذكورين.
(4) ويسمى ضياء ذوي الأبصار في الكشف على أدلة الأزهار، منه نسخة خطت سنة 1061ه برقم (1163) مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير، وفي المكتبة الغربية بنفس الجامع برقم (169) منه، ومن المجلد الأول برقم (170 - 171)، ومن الثاني برقم (171 - 172) فقه، ونسخة من المجلد الأول خطت سنة 1075ه إلى باب الرضاع، بمكتبة السيد محمد بن عبدالملك المرواني، وثلاث مجلدات مصورة عن نسخة بخط المؤلف سنة 1041ه برسم الحسين بن القاسم - مكتبة السيد العلامة عبدالرحمن بن حسين شايم، وثلاثة مجلدات مصورة في مكتبة السيد العلامة محمد بن عبدالعظيم الهادي، وأخرى مصورة عن نسخة فيها المؤلف بمكتبة السيد العلامة محمد بن حسن العجري، أخرى في مجلدين مصورة بمكتبة السيد العلامة يحيى راوية.
، وله رسائل كثيرة، وشرح (البسَّامة) بشرح متوسط يخرج في أربعَة مجلدة كبار،(1) وتمم البسَّامة أيضاً وله أشعار من ذلك ما كتبه إلى صنوه السيد العلامة التقي الرائس الحسن بن محمد الشرفي - نفع الله ببركاته - وذلك أن السيد الحسن نزل إلى الشرف، وتزوج فيه، ولم يرجع إلى(2) ما هو بصدده، فكتب إليه يحثه على الرجوع:
أيا صاح كم بين امرئ ذي شهامةٍ ... له همم تعلو على الكوكب العالي
عشيق جنيات المعالي متيَّمٌ ... بأبكارها صب بها غير مكسال
يرى حلق التدريس جنة روحهِ ... يقطف من حافاتها الثمر الحالي
يحكم عقلاً قد أنار على هوى ... خذول غرور للمطيعين قتال
وآخر أعشاه امرؤ القيس إذ عشا ... بعشق هوى نفس لربات أحجال
فقال: يمين الله أبرح قاعداً ... ولو قطعوا رأسي هناك وأوصالي
ومن شعره - رحمه الله تعالى - تمام(3) البسَّامة قصيدة السيد الإمام صارم الدين - رضي الله عنهما - وذلك بدعوة الإمام القاسم - عليه السلام - وولده المؤيَّد بالله:
ثم ابتدا الدعوة الغرَّاء من قمرٍ ... إمامنا القاسم المنصور في صفرِ
من قام لله لا يلوي على أحدٍ ... وباع مهجته من ربه فبري
__________
(1) ويسمى اللآلئ المضيئة في أخبار أئمة الزيدية، مخطوط اختصر فيه شرح البسامة للزحيف، وزاد عليه الحوادث المتأخرة، انتهى فيه إلى سنة 1053ه، منه نسخة بالجامع (107) تأريخ، أخرى امبروزيانا (101)g، ثالثة مصورة بمعهد المخطوطات العربية رقم (1945) تأريخ، والمجلد الأول منه إلى عهد الإمام الهادي - عليه السلام - بكتبة الوالد العلامة محمد بن قاسم الوجيه، ولدي نسخة مصورة منه، ونسختان مصورتان للمجلد الأول والثاني بمكتبة السيد العلامة محمد بن عبدالعظيم خطتا سنة 1034ه بمكتبة آل الهاشمي بصعدة، ونسخة بمكتبة المولى العلامة مجد الدين المؤيدي، ونسخة من المجلد الثاني خطت سنة 1069ه) بمكتبة جامع المدان.
(2) في (ب): لما هو بصدده.
(3) وطبعت بآخر مآثر الأبرار 3/1426 - 1429.
والأرض ترفض بالفجَّار قد ملئت ... بالظلم والجور والعدوان والنكرِ
وكان أول نشر الحق رَايته ... من قارة وبدا نور لذي بصرِ
فسلَّ سيفاً على الأتراك قاطبة ... وصب عزماً على الفجَّار كالقدرِ
وكان منه عليهم كل ملحمةٍ ... يشيب من هولها الأطفال في الصغرِ
حكت وقائع صفين التي سلفت ... والنهروان فكم يومٍ حمَى وعري
/191/
منها نغاش وأسناف وريشتهم ... أضحوا بها فوق ظهر الأرض كالجزرِ
وكان منه بنجد السلف(1) محلمة ... لكنها بين آل الطهر بالغررِ
ومن يحدثك مما كان في مُدَعٍ ... وفي ثلا قلت ماذا الفعل من بشرِ
وفي المرازم(2) من خولان ملحمةٌ ... لكنها بين آل الطهر بالغررِ
أما مواطن ساقوفٍ وفي هِزَمٍ ... وفي الجبال اضطرام البعض في الأخرِ
وحاز عم إمام الفصل واشتهرت ... له المناقب مثل الشمس والقمرِ
وحجة النصب والفجار كان بها ... وقائع ومصاب السَّادة الطهرِ
وكان في الفايشي ما كان من خبر ... وبعده يوم غربان على الأثرِ
وسودة ابن المعافا كم بها عبراً ... أفنت خلائق وانهدَّت على الأثرِ
ونكَّس الله رايات الضَّلال معاً ... وجاء بالنَّصر من غزوٍ لمنتصرِ
وقبل غزوٍ تلاقَى القوم في حمكٍ ... ففاز فيه جنود الحق بالظفرِ
وبالحضائر في واديه كان به ... حصد الأعاجم حصد(3) اليانع الثمرِ
ويوم أثلة يومٌ هال مشهده ... والموت يحدو بهم من عرصة الهجرِ
وكم أعد وأحصي من وقائعه ... بالظالمين أولى الفحشاء والنكرِ
نيفاً وعشرين عاماً لم تزل نقماً ... سيوفه في ذوي الإفساد كالشَّررِ
وفي مواطن للتمحيص قد شهدت ... لأهلها بعظيم الشأن والظفرِ
وبالشهادة فيها فاز فائزهم ... بأعظم الحظ عند الله والذخرِ
كيوم رحبان والشامات لا سقيا ... ونوعه(4) وشفيع مقتضى الغيرِ
__________
(1) لعلها: السقف.
(2) في (أ): الملازم، وهو تحريف.
(3) في (أ): حصْيد.
(4) لعلها: ونوعه.
وكان فيها وما في بينهما(1) عجب ... للناظرين أولي الألباب والفكرِ
كم من خوَارق للعادات باهرة ... كرامة الله يأتيها(2) على قدرِ
كالجمع ولَّوا بلا حربٍ وقسهم(3) ... والأسد مذعورة ذلَّت من البقرِ
هذا ولم يولد الدهر الخؤون صفا ... ولا رثا للورَى من بعد فاعتبرِ
وقام من بعده من خصَّه كرماً ... إلهه بعظيم الفضل والخطرِ
مؤيّد الدين حامي سرحه بضبا ... هنديَّة وقناً خطيَّة سمرِ
كهف الأنام وغوث المسلمين معاً ... سبط الأنام فتى الصمصامة الذكرِ
والله يحفظه والله يكلؤه ... كلاءة لكلا الإسلام والبشرِ
/192/ ومن شعره - قدس الله روحه -:
قل للذين يسرهم ما غمّنا ... ممن رواه بشرهم يرمينا
من حاسدٍ أو من عدوٍّ ظالمٍ ... لم يخش من ربِّ البرية فينا
لا تعجلُوا فالصبر أفضل جنةٍ ... ولنا عوائد لم تزل تأتينا
وإذا تأخَّر نصرنا من ربّنا ... لمصالحٍ واختار ذاك رضينا
ووفاته في ثلث الليل الأخير من ليلة الأربعاء الثالث والعشرين من ذي القعدة عام خمسة وخمسين وألف بمعمرة من جبل هنوم، وقبره مشهور مزور، ومولده سنة خمس وسبعين وتسعمائة.
أحمد بن محمد بن المنتصر(4) [ - 1016 ه ]
__________
(1) لعلها: (بينها) ليستقيم الوزن.
(2) في مآثر الأبرار: تأتيه.
(3) في مآثر الأبرار: تقتهم.
(4) بغية المريد، طبقات الزيدية الصغرى، طبقات الزيدية الكبرى ترجمة رقم (84)، الجامع الوجيز.
السيد العالم الكبير شيخ البحر الزخَّار ومدرسة، مستند الأصحاب أحمد بن محمد بن المنتصر بن نهشل بن داود بن جعفر بن قاسم بن يحيى بن جعفر بن الحسين بن الأمير ذي الشرفين محمد بن جعفر بن الإمام القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام - كان هذا السيِّد جليل أوانه ونبيل زمانه، من تلامذة الإمام شرف الدين - عليه السلام - وقرأ عليه شيخ الأئمة الحسن بن شرف الحمزي، وتوفي سنة ست عشرة وألف سنة، ودفن بقبَّة الحويت في (الظفير) (1)، وفي هذه القبَّة جده جعفر بن قاسم وبجنبه الفقيه مسعود بن محمد الحويت صاحب المدرسة والفقيه ناجي، وبعد ذلك دفن فيها السيد يحيى بن أحمد(2) بن المنتصر المذكور(3).
/192/ أحمد بن محمد بن الناصر(4) [ - ]
__________
(1) الظفير: جبل وبلدة في الجهة الشمالية من حجة بمسافة 17 كيلو متر، وهي من الهجر العلمية القديمة التي كان يقصدها الطلبة، وشهدت العديد من الملاحم العظيمة بين الأتراك وأهل اليمن، وفيها قبر الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، المتوفي سنة 840ه، مؤلف البحر الزخار، والأزهار وغيرهما، وُلد الإمام شرف الدين المتوفي سنة 965ه، وينسب إلى الظفير العلامة لطف الله بن محمد الغياث الظفيري المتوفي سنة 1035ه، وكان من كبار علماء العربية المحققين، وله فيها وفي غيرها مؤلفات، (وانظر معجم المقحفي ص: 413).
(2) في (ب) زيادة: بن محمد بن المنتصر.
(3) بياض في (أ) و(ب).
السيد الجليل الإمام الورع شهاب الدين أحمد بن محمد بن الناصر بن أحمد بن الحسين - عليهم السلام - كان من سادات آل محمد صلى الله عليه وآله(1) وسلم، كان عابداً زاهداً ذكره صاحب (الصلة)، وذكره بالفضل، وحكى أن الإمام المهدي علي بن محمد كان يجلّه ويعظمه، وهو الذي جاء إلى الإمام رسولاً من الشريفة بنت الإمام يحيى بن حمزة تطلب أن يتوجه إلى ولدها يحيى بن المهدي أن يلبس الثياب للتجمل، فإنه كان يلبس شمةه - رحمه الله - فقال له الإمام: سبحان الله مثلك ومثلها من يتكلم بهذا من زهد في هذه الحرمة التي افتضح الناس بأكلها يقوم في وجهه حتَّى أهله، إنَّا لله وإنا إليه راجعون، صدق الإمام المؤيَّد بالله حيث يقول في (سياسة المريدين): من دخل في طريقنا هذه، نسبه أهل الزمان إلى استيلاء السوداء عليه وتغير المزاج.
__________
(1) في (ب): وآله الأخيار، كان عابداً.
قال السيد يحيى بن المهدي: حكى لي السيد أحمد بذلك، فلمَّا كان بالغد دخلت على الإمام مع السيد أحمد - رحمه الله - فاستفتح الإمام كلامه بحمد الله والصلاة على رسوله، وتبسم طويلاً، وقال: يا ولدي إن السيد شمس الدين ذكر أن /194/ والدتك الشريفة المطهرة قابلية تقاتلنا(1) نقابلك أن تسر قلبها، وتلبس الثياب، وتترك الشملة، وقد ساعدناها، وكلمناك، وإن كانت هذه عندي فرية مرية في كل شيء، وكشف الشملة عن عنقي، وقبله بنفسي(2) من شقيق، فإني لأجد برد شفتيه إلى وقتي هذا، وفاضت عيناه بالدموع، وقال: هذه مناقلة خير يا شمس الدين إن لم تنفعه وتعينه، فلا تضرّه، فكأنه وقع في قلبه أن السيد - رحمه الله - وقع في نفسه شيء من كلام الإمام، فقال الإمام: إنَّا كلنا ما فينا خير مَنْ كزين العابدين وعبد الله بن الحسن؟ أشر أحوالهم عندهم هي أحسن أحوالنا اليوم، فقال بعض الحاضرين: كيف ذلك يا مولانا؟ قال: أشر أحوالهم عندهم وهي أحسن أحوالنا تنسم(3) الحفظة من سيئآت لم تكن، انتهى كلام الإمام. ونقلته للتبرك به أعاد الله من بركته.
أحمد بن حاتم بن الحسين [ - ]
__________
(1) في (ب): يقاتلنا.
(2) في (ب): نفسي.
(3) في (ب): ينسم.
السيد الشريف الباسل العلم العلامّة العامل أحمد بن محمد بن حاتم بن الحسين العلوي العباسي، من ولد العباس بن علي بن أبي طالب، قمر آل الرسول - سلام الله عليهم أجمعين - كان عالماً فاضلاً، كامل الصفات، حميد الذات بليغاً مفوهاً، ومع ذلك فله الهمَّة العالية في الجهاد، وتكتيب الكتائب، وتقنيب المقانب له البلاء الحسن في المشاهد الهائلة مع الإمام أحمد بن الحسين - عليهم السلام - وكان من أهل التقدم والحفاظ يلي أمر الجند في بعض الغزوات، وكان له من أهل بيته الكريم حاشية، ومن شعره في الإمام أحمد بن الحسين يوم (حضور) من الأيام المشهورة بين الإمام وسلطان اليمن الأسفل، وذلك أن سلطان اليمن طمع في أخذ حصن الشيخ سيف الدين منصور بن محمد المسمى بالنوّاش، فرد الله كيده فأعمل الحيلة بخراب حضور الشيخ(1)، فجهّز عساكره، وقوَّاهم بالسلاح، وجعل كميناً في سوق(2) القرية يقطع المادة من قبل الإمام، وتقدَّم السلطان إلى نقيل كثير، فلمَّا بلغ أصحابه تقدمه أخربوا(3) القرية، ثم قدَّم الإمام الكتائب كتيبَة بعد كتيبة فيهم أهل النجدة، وفي كل كتيبة رئيس من الكفاة، فتلازم الناس بالقتال إلى قريب من نصف النهار، ولحق أعداء الله الفتور والملل ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فانكسر أصحاب السلطان وقتِّلوا تقتيلاً، ونهبت أسلحتهم وأثقالهم، وذلك يوم الأحد لليالٍ خلون من جمادى الآخرى سنة ستمائة وست وأربعين:
__________
(1) حضور الشيخ جبل شامخ في الغرب الشمالي من صنعاء، يطل على مدينتي ثُلا وعمران، ويصالي المصانع من الجنوب الشرقي، ولذلك يدعى حضور المصانع، وبينما أسماه الهمداني حضور بني أَزْد، وارتفاعه (3200) متراً عن سطح البحر، وفي الجنوب منه تقوم قرية حضور الشيخ التابعة إدارياً لناحية ثُلا (معج المقحفي ص: 180 - 181).
(2) في (ب): شق القرية.
(3) في (ب) زيادة: في.
كذا فليكن شد(1) العلا والمكارم ... لمن يبتغي ملك الملوك الأكارمِ
ومن رام إطفاء الضَّلالةِ لم يجد ... سبيلاً لغير المرهفات الصوارمِ
وبالسَّمهرِّيات الدقاق لدى الوغى ... وبالأعوجيَّات الجياد الصلادمِ
وكل طويل الباع أروع باسل ... جميل المحيَّا من ذؤابة هاشمِ
خليليَّ إمَّا تسألاني فإنني ... خبيرٌ بأن العزَّ تحت اللَّهاذمِ(2)
/195/
ألم تريا جُند الإمام وقد أتت ... إليهم جيُوشٌ من جنود الأعاجمِ
فلم تك إلاَّ لحظة العين بيننا ... وهبَّت رياحُ النصر عند التفاقمِ
فولَّى جنود الظلم والله ناصر ... ونحنُ عليهم كاللِّيوث الضراغمِ
نسوقهم بالسَّيف كالشاء ساقَها الـ ... ـذئاب وسوق الصقر بكم الحمائمِ
فلم تتجلَ الحرب إلا وقد غدت ... جماجم أرحاسٌ) عقيب جماجمِ
فكم من قتيل ٍفي الفلاة مجدَل ... ومستسلم من ماله غير سالمِ
وكم من جواد أعجمي مطهم(3) ... وأسمر خطيٍّ وأبيض صارمِ
وفضفاضة مثل (الأضاة) وبيضهر(4) ... تلوحُ كما لاحت نجوم النعائمِ
فآبت جيوش الظالمين بحسرةٍ ... وأُبْنَا إلى أوطاننا بالغنائمِ
وولَّى ابن يحيى هارباً متحفراً ... وقد كان معدوداً لكشف العظائمِ
وقال ألا يا ليتني متُّ قبلها ... ولم يك مالي قسمة في الغنائمِ
وليت (حضوراً) لم أكن حاضراً بها ... ويا ليتها كانت كأحلام نائمِ
ويا ليت أن ابن الرسول وملكه ... هباء ولم يلبث(5) ثياب الهزائمِ
وهذا القدر كافٍ دليلاً على فصاحته - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن محمد بن الضحاك(6) [ - ]
__________
(1) في (ب): شيد.
(2) اللهذم كجعفر، والذال معجمة: القاطع من الأسنة (القاموس المحيط ص: 1498).
(3) المطهم: السمين الفاحش السمن (المصدر السابق ص: 1464).
(4) فضفاضة: درع فضفاضة: واسعة. المرجع السابق ص599). الأضاءة: المستنقِع من سيل وغيره. (المرجع السابق ص 1159).
(5) في (ب): يلبس.
(6) الإكليل 10/67 - 68، مآثر الأبرار 2/ 646.
العلامة الخطير الأمير الشهير، زعيم الجنود النَّاصريَّة، حتف الطائفة القرمطية، ثقة أمير المؤمنين أبو جعفر أحمد بن محمد بن الضحاك بن العباس الهمداني، ذكره في طبقات الزيدية مع الطبقة الأولى، وذكر له عبد الله بن عمرو الزيدي مشاهد حميدة ولأخيه أبي حاشد إبراهيم بن محمد، وكان يلي ما يليه السلاطين الكبار وما يتولاه العلماء الخيار، وينيبه الناصر بن الهادي مناب نفسه، قال في الطبقات: كان من فصحاء الناصر وأهل الثقة عنده والزعامة وجودة الرَّأي وصدق المودة، ومن عظماء الأقدار.
أحمد بن محمد بن سعيد(1) [249 - 332 ه ]
__________
(1) معجم الرواة في أمالي المؤيد بالله 136 - 140، طبقات الزيدية القسم الثاني - خ - الجداول - خ - أعيان الشيعة ج 3/112 - 116، تأريخ بغداد ج 5/14، تذكرة الحفاظ 1/39، العبر في تأريخ من غبر (5/230)، معجم المفسرين1/56، بغية الوعاة 1/410، رجال النجاشي 1/103، فهرست العلوي 228، منهج المقال 43، هدية العارفين 1/80، المنتظم 6/336، روضات الجنات 58، معجم رجال الحديث 2/274، لسان الميزان 1/263، الضعفاء الكبير 1/69 - 70، المجروحين 2/111، ميزان الاعتدال 1/72، الضعفاء المتروكين 41، الكامل في الضعفاء 1/137، الأنساب 4/112، منتهى المقال 43، تنقيح المقال 1/85، مؤلفات الزيدية، انظر الفهرس، إيضاح المكنون (انظر الفهرس)، معجم المؤلفين 2/106، الوافي 7/365، الفلك الدوار 147، البداية والنهاية 11/209، فهرست الطوسي 28 - 29 الوافي بالوفيات 7/ 995، مرآة الجنان 2/311، النجوم الزاهرة 3/281، الأعلام 1/217، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (156).
إمام المحدثين ابن عُقْده، هو أبو العبَّاس أحمد بن محمد بن سعيد، مولى بني هاشم، المعروف بابن عقدة، الحافظ العلامة المتقن البحر، كانت كتبه ستمائة حملة، وكان يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت - عليهم السلام - وبني هاشم، ويحفظ مائة ألف حديث بأسانيدها، وقيل: كان يذاكر في ستمائة ألف حديث، كان حافظاً عالماً مكثراً، جمع التراجم والأبواب، وانتشر حديثه في البلاد، وهو أحد أعلام الشيعة المحدثين، خرَّج حديث غدير خم من مائة طريق وخمس طرق، وكان سبقه إلى ذلك محمد بن جرير الطبري، خرَّجه من سبع وسبعين، وألَّف في ذلك كتاباً سمَّاه كتاب الولاية. ولد سنة تسع وأربعين ومأتين، ومات /196/ سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وعُقْدَة - بضم العين المهملة وسكون القاف وفتح الدال المهملة.
ومن مشائخ ابن عُقْدَة محمد بن منصور المرادي عالم الشيعة - رحمه الله تعالى - وممَّن أخذ عن ابن عقدة أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، قال الشيخ جمال الدين(1) مطهر محلي الأماني في كتابه المسمَّى بخلاصة الأقوال في أسماء الرجال: أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله بن زياد بن عجلان بن سعيد بن قيس الشيعي الهمداني الصوفي(2) المعروف بابن عُقْدة، يكنَّى أبا العباس، جليل القدر عظيم المنزلة، كان زيدياً جارودياً، وعلى ذلك مات، وإنما ذكرناه من أصحابنا لكثرة روايته عنهم، وخلطته بهم وتصنيفه لهم، روَى جميع كتب أصحابنا، وصنَّف لهم وذكر أصولهم، وكان حفظة.
__________
(1) في (ب): قال الشيخ جمال الدين الحسن بن مطهر الحلي الإمامي.
(2) في (ب): الكوفي.
قال الشيخ الطوسي: سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها، وأذاكر ثلاثمائة ألف حديث، له كتب ذكرناها في كتابنا الكبير، منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصَّادق - عليه السلام - أربعة آلاف رجل، وله كتاب سمَّاه (التأريخ الكبير)، ذكر من روى الحديث من الناس كلهم وأخبارهم، ولم يكمل، وكتاب (السنن)، قيل: إنه حمل بَهْمة(1)، وله كتاب(2) مروي عن علي - عليه السلام - وكتاب (الجهر بالبسملة)، وكتاب (أخبار أبي حنيفة)، وكتاب (الشورى)، وذكر أشياء كثيرة.
قال الغوري: قال لي عبد الغني: سمعت الدار قطني يقول: ابن عُقْدَة: يعلم ما عند الناس، ولا يعلم الناس ما عنده، انتهى.
[وقال الدار قطني: أجمع أهل بغداد أنه لم يُرَ بالكوفة من ابن مسعود إلى زمن ابن عقدة أحفظ منه. انتهى] (3) وذكره الذهبي في (النبلاء) وأطال جداً، وذكر تزيده وتزيد أبيه وساق قضية أبيه في الدِّينار الذي ضلَّ عليه، فطلبه حتى وجده فلم يقبضه وقال: من أين لي أنه درهمي؟ قال بعض العلماء: وهذا دليل على أنه زيدي لورعه، فإنَّ هذا دأب علماء الزيدية، والله أعلم. ونقل أن ابن عُقْدَة - رحمه الله - من ولد سعيد بن قيس الهمداني صاحب أمير المؤمنين - عليه السلام -.
__________
(1) في أعلام الزيدية: بهيتمة فيحقق.
(2) في (ب): مَن روى.
(3) ما بين المعكوفين موجود في (ب).
قلت: وقضيَّة(1) الدينار ما حكاه أبو علي النقال، قال: سقطت من عُقْدَة دينار(2) فجاء بنخال ليطلبها، قال عقدة: فوجدتها ثم فكرت فقلت: ليس في الدنيا غير دينارك، فقلت للنخال هي في ذمتك وذهبت وتركته، قال البقال: وكان يؤدب ابن هشام الجرار فلما حذق الصبي وتعلم وجه إليه أبوه بدنانير صالحة فردها، فظن ابن هشام أنها استقلت فأضعفها له، فقال: ما رددتها استقلالاً ولكن سألني الصبي (إذا علم القرآن)(3) فاختلط تعليم النحو بتعليم القرآن فلا استحل أن آخذ منه شيئاً لو دفع إليَّ الدنيا، قال ابن النخال الراوي عن أبي(4) النفال: كان عُقْدَة زيدياً ورعاً ناسكاً، سمِّي عُقْدَة لتعقيده في التصريف، وكان ورَاقاً جيد الخط، وكان ابنه أحفظ من في عصرنا للحديث. انتهى
/196/ أحمد بن محمد الزمخشر(5)[ - ]
الشيخ المحدث المتكلم أستاذ الحاكم شهاب الملة أبو حامد أحمد بن محمد بن إسحاق النجار - رحمه الله - قرأ عليه الحاكم الإمام أبو سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي رحمهما الله وتخرج عليه، ولمَّا توفاه الله قرأ الحاكم على الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله، وأبو حامد المذكور هو الذي روى أنه بعث السيد أبو الحسين المؤيَّد بالله(6) قاضي القضاة عماد الدين يلتمس البيعة، قال: وكان قد قرأ عليه وفي مجلسه تخرج بعد أن قرأ على أبي العبَّاس.
__________
(1) في (ب): وقصة.
(2) في (ب): دنانير.
(3) في (ب): أن أعلم القرآن.
(4) في (ب): أبي علي البقال.
(6) في (ب): إلى قاضي القضاة.
قال الحاكم: وسمعت أبا حامد يقول: إن المؤيَّد أتى باب قاضي القضاه في وقت اختلافه إليه بعد هزيع من الليل، وقرع الباب ففتح ودخل وعرض شبهةً عرضت له فحلّها، وقال: في مثل هذا الوقت يتعنَّى السيد، فقال: خفت أن أموت على هذه الشبهة فأكون شاكاً، وهذا أستاذ الحاكم، ومن الاتفاق الغريب أن للحاكم - رحمه الله - تلميذاً هو الشيخ أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمي المقيم بجشم فاتفق اسم التلميذ والأستاذ والأب والجد - رحمهم الله -.
أحمد بن محمد بن سليم(1) [ - ]
الفقيه الفاضل أحمد بن محمد بن سليم(2) - رحمه الله - ذكره السيد العلامة يحيى بن قاسم الحمزي في جماعة الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وأثنى عليه بالعلم.
أحمد بن محمد بن القاسم(3) [ - 640ه ت]
__________
(2) في (ب): سليمان.
(3) المستطاب - خ - إجازات الأئمة للمسوري - خ - نزهة الأنظار ليحيى بن محمد بن حميد - خ - أعلام آل الأكوع (42)، هجر الأكوع 1/496، سيرة الإمام أحمد بن الحسين أبو طير - خ - ثبت الذريقي - خ - الجواهر المضيئة - خ - لوامع الأنوار (انظر الفهرس) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (90).
الشيخ العلامة المحدث حافظ الشريعة أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن محمد بن عبيد بن زيد بن مزهر بن كريب بن الوضاح بن إبراهيم بن ماتع بن عون بن ماتع الفياض بن عامر بن فطرس بن ذي حوال بن عوسجة بن أبي زاد بن ذي حوال بن يريم بن ذي مقار، وأحمد هذا هو المشهور بشعلة، وأبوه محمد بن القاسم كان من الفضلاء، عمِّر خمساً وثمانين سنة، وقبره (بحوث) حول البركة المسمَّاه (المصكعة) من جهة المشرق، وأبوه القاسم بن محمد، هو المعروف بالأكوع، ومحمد بن إبراهيم والد القاسم هو الذي هاجر إلى (شهارة)، وفي آل الأكوع شعلة آخر، وهو شعلة بن محمد بن علي بن إبراهيم الأكوع - رحمه الله - من شيوخ الأئمة الكبار، وإليه الإسناد في كثير من الكتب، وعدَّه السيد علم الدين يحيى بن القاسم في شيوخ الإمام أحمد بن الحسين.
قال يحيى بن محمد بن حميد المقرائي: وقبره بحوث في المحابر - رحمه الله -.
أحمد بن محمد الكوفي[ - ]
الشيخ العارف الفاضل أحمد بن محمد بن التلام(1) الكوفي - رحمه الله تعالى - من أتباع الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، قال الشيخ الفاضل يوسف حاجي الناصر - رحمه الله -: هو الذي جمع بين (المنتخب) و(الأحكام) كتابي الهادي - عليه السلام - وقد عدَّ يوسف المذكور من أصحاب القاسم بن إبراهيم - عليه السلام - أحمد بن محمد الحسيني، وجعل نسبه كما ترى حسينياً، ولعله الذي سبق ذكره في كلام ابن حميد.
أحمد بن محمد بن علي(2) [ - ق 9 ه ]
__________
(1) سقط في (ب): التلام.
(2) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (166)، المستطاب - خ - مصادر التراث اليمني في المكتبات الخاصة، مصادر الحبشي ص: 421.
الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد الرصاص الجهني من البيت الشهير/198/ بالعلم: كان عالماً فاضلاً، قرأ على السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم الكشاف وأجازه له بعد السماع، وهو الذي له القصيدة النونيَّة في ذكر السودة وأحوال المعافا. وانتهى
أحمد بن محمد بن حسين(1) [879 - ]
الفقيه الفاضل أحمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسن بن عقبة بن أحمد بن علي بن يحيى بن سليمان بن عبد الله بن عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وعمر(2) وهو أبو ثور صاحب النجدة، ومالك الصمصامة ذو الآثار والمشاهد في الجاهلية والإسلام، كان أحمد المذكور رفيع الهمَّة شريف المنزلة، له النظم والنثر، وهو صاحب القصيدة الشهيرة النبويّة المسمّاة بالعرائس العقبية في الجهات الشظبيَّة من البحر الكامل التي أوَّلها:
أَلِهمَّةٍ سَامَتْ سهيلاً في اليمن ... وعزيمة منك اشترت شرخ الزَّمن
وهي في مقاصد عدَّة وذكر فيها العلامة معافا بن عمرو صاحب السَّودة، وقرأ بصنعاء على العلاَّمة محمد بن أحمد بن مرغم وعلى الفقيه علي بن عبد الله الرقيمي، وله إليه أبيات عديدة تنقل - إن شاء الله تعالى-.
مولده - رحمه الله - تعالى نصف الليلة المسفر عنها صُبح ثالث أو رابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وثمانمائة - رحمه الله - وحقق المذكور في علوم الأدوات والنجوم على قواعد الإسلام، وشرح التذكرة شرح(3) عاقت عنه محاجزات الأيام، وتوفي بصنعاء وقبر عند باب اليمن.
أحمد بن محمد البغدادي الأبنوسي(4) [ - ]
الشيخ المحدِّث الرحلة شمس(5) أحمد بن محمد البغداذي الأبنوسي - رحمه الله - شيخ الإمام أبي طالب، ومن تلامذة شيخ الزيديَّة عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغداذي - رحمهم الله جميعاً -.
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (150)، وانظر بقية مصادر الترجمة فيه.
(2) لعلها: عمرو هو.
(3) لعلها: شرحاً.
(5) في (ب): شمس الدين.
أحمد بن محمد بن داود(1) [ - 880 ه ]
الفقيه الفاضل شمس الدين أحمد بن محمد بن داود الخالدي - رحمه الله تعالى -.
قال القاضي العلامة محمد بن صلاح الفلكي الفرائضي - رحمه الله - كان من الأعيان وزينة الأوان، قطباً من أقطاب الإسلام، ودارت بها رحى عَدل الإمام المطهر بن محمد بن سليمان - رحمه الله - قال في آخر كتابه الذي صنفه في الفرائض: كان الفراغ من تأليفه يوم الإثنين ثالث شوال سنة سبع وستين وثمانمائة، وذكره الفقيه محمد بن فند، وأنه ممن لقي الإمام عزِّ الدين بن الحسن من شيعة اليمن، وكان هذا الفقيه عالماً كبيراً، له مسائل في اللغة غريبة، له شرح المفتاح في الفرائض.
[وله كتاب معتمد في علم المنطق يسمى بـ(الجوهر الشافي)(2) ذي النكت اللطاف)، وذكر فيه أن معتمده في النقل (شرح المطالع) وهو كتاب جليل جداً غاية ونهاية، ومن عاين رأى لأكثر مما سمع في حق هذا الكتاب. ولهذا الفقيه العلامة كرامةٌ كبرى ذكرها سيدي العلامة فخر الدين عبدالله بن الإمام شرف الدين، نقل من خطه وفيها طول ولم يحضرني الكتاب التي نقلت فيه بخط ابن الإمام] (3).
قلت: وله(4) شرح على كافية ابن الحاجب، وكان سيدي الحسين بن الإمام القاسم - رحمه الله - يثني عليه كثيراً، وهو حري بذلك.
__________
(1) المستطاب - خ - الجواهر المضيئة ترجمة 107، مصادر التراث في المتحف البريطاني 228 - 230، أئمة اليمن 1/346، مصادر الفكر للحبشي 264، 379، 204، 499، أعلام المؤلفين الزيدية (153)، معجم المؤلفين 2/101، الأعلام 1/83، الروض الأغن 1/17، مؤلفات الزيدية 1/184، 264، 385، فهرس المكتبة الغربية، فهرس مكتبة الأوقاف، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) ترجمة رقم (96)، كتابنا مصادر التراث في المكتبات الخاصة (طبع مؤخراً).
(2) في أعلام المؤلفين الزيدية: الجوهر الشفاف، والنكت اللطاف.
(3) ما بين المعكوفين موجود في حاشية (ب).
(4) في (ب) زيادة: وله شرح على التذكرة.
أحمد بن محمد النجري(1) [ - ]
الفقيه الفاضل العالم أحمد بن محمد النجري النسَّاخ - رحمه الله - من كبار العلماء، قرأ عليه الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام - الكشاف، ذكره ابن فند، وإليه لمح السيد العلامة الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - بقوله:
ويا ابن الفتى النسَّاخ أحمد ذي الثنا ... سليل التهاليل الخشوع المرتل
/199/ وذكره الأهدل في تأريخه، وقال: أصله من (خُبَان)(2).
أحمد بن محمد سابق الدين(3) [ق 7ه - ق 8ه تقريباً].
الفقيه العالم المصنف شمس الدين أحمد بن محمد سابق الدين بن علي بن أحمد بن سعد بن أبي السعود بن يعيش الصنعاني(4) العنسي المدحجي - رحمه الله - علامة محفوف في علوم الإسلام، ذكره(5) فضائل نسبها بعض ولده إلى كنز الأخبار وغيره، وقال له مصنفات.
أحمد بن محمد المقري(6) [ - ]
الفقيه الفاضل العالم شمس الدين أحمد بن محمد المقري - رحمه الله تعالى - قال فيه بعضهم مترجماً له: هو الفقيه النبيل، جليس بيت الكرم، والناشئ في البيت الذي طهَّره الله كما طهر الحرم، كان للإمام الناصر خديناً، وله في الفضائل قريناً انتهى، وقد ذكره السيد الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - أيضاً.
قلت: وظني أنه الذي حكى بعض شيوخنا أن العلامة الحسن النحوي أجاز له تعليقة على (اللمع)، وكان القاضي الحسن - رحمه الله - ممتنعاً من إجازة ذلك، كما حكاه في خطبة (الزهور).
__________
(1) تحفة الزمن، الجواهر المضيئة (111)، مآثر الأبرار - خ - إجازات الأئمة - خ - طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث، ترجمة رقم (100).
(2) خُبَان بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة، ناحية واسعة بذي عين شرقي ظفار وجنوبه، وهي تعرف اليوم باسم السدة (معجم المقحفي ص: 210.
(3) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (164).
(4) في (ب): الصنعاني اليمني العنسي.
(5) في (ب): ذكر له.
أحمد بن محمد السلفي(1) [ - ]
الفقيه الفاضل شهاب الدين أحمد بن محمد السلفي الحميري - رحمه الله - من العلماء المتمكنين، قرأ على الشيخ العلامة علي بن إبراهيم بن عطيَّة في الحديث، وأثنى عليه الشيخ ثناءً كثيراً - رحمهم الله جميعاً -.
أحمد بن محمد بن عثمان(2) [ - ]
الفقيه الفاضل أحمد بن محمد بن عثمان - رحمه الله - كان عالماً له فتاوى واختيارات، نقلت عنه في الإيمان، وذكره فيما أحسب ولده - رحمه الله تعالى - وذكر أن هذا العلامة أحمد بن محمد بن عثمان، كان يسكن (المصنعة) ببلاد خبان، فأشار الإمام الناصر صلاح الدين بانتقالهم إلى جهة ثلاء، قال الفقيه يوسف - رحمه الله -: رأيت خط سيدي ووالدي أحمد بن محمد بن عثمان يروي عن العلامة الحبر محمد بن يحيى بن حنش، ثم أسند المذهب بطريق الإسناد المعروف - رحمه الله تعالى - وقبر أحمد بن محمد بن عثمان في ثلا بموضع يقال له: قسم الصليحي في أسفل المدينة.
أحمد بن مسعود(3) [ - ]
الفقيه العلامة شمس الدين أحمد بن مسعود - رحمه الله - ذكره العلامة ابن المظفر وعدَّه في تلامذة شيخ الإسلام شمس الدين جعفر بن أحمد - أعاد الله من بركاتهم-.
أحمد بن مسعود الرشيدي[ - ق 6 ه ]
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة 108، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة (97).
(3) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (103)، أعلام المؤلفين الزيدية.
الفقيه الفاضل المجاهد شمس الدين أحمد بن مسعود الرشيدي - رحمه الله - كان من العلماء الأخيار وحظي بالشهادة بسيوف الملاحدة الباطنيَّة (بحراز)(1) مع الإمام علي بن محمد في غزوته التي غزاها أيَّام سيادته واقتصاده، ولعلنا نذكرها - إنشاء الله - في ترجمة السيد المهدي بن إبراهيم أبو الفضل - إن شاء الله تعالى-.
أحمد بن المفضل بن العفيف(2) [ - ]
السيد الإمام الرئيس(3) العلامة أحمد بن المفضل بن منصور بن العفيف بن مفضل - رحمه الله - قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله - رحمه الله -: كان سيداً فاضلاً عالماً ورعاً كريماً، طابت أعراقه، وحسنت أخلاقه، وفاقت شمائله، وظهرت فضائله، وكان على منهاج سلفه الأطهار في الفضل والورع، وكانت إقامته (بوقش) (4)، قال بعض شيوخ وقش: لم يكن لأحد من الشارة الحسنة والهيئة الرائقة والجلالة والمهابة ما لأولاد مفضل بن منصور، وكانت أسنانهم مرتبة: المرتضى ثم أحمد ثم إبراهيم ثم منصور.
__________
(1) حراز بفتح الحاء والراء المهملتين صقع واسع غربي صنعاء بمسافة 18 كم، مركزه مناخة في رأس جبل حراز، ويشمل قضاء حراز التابع إدارياً لمحافظة صنعاء على ناحيتي مناخة وصعفان (وانظر معجم المقحفي ص: 164 - 165).
(2) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (105).
(3) في (ب): السيد الإمام الرائس.
(4) وقش: محل أثري في ناحية البستان (بني مطر اليوم) غربي صنعاء (انظر معجم المقحفي ص: 701).
قال سيدي الهادي: حدَّث(1) الوالد العلاّمة السيد عزالدين/200/ محمد بن إبراهيم بن مفضل، قال: حدثني الفقيه العلامة شرف الدين حسن بن محمد النحوي، صاحب التذكرة، قال: كنت صبياً في سن التعليم فرحت مع أبي إلى جامع صنعاء، فاتفق مرَّة بهؤلاء السادة، فرأيت منه تعظيماً كلياً وتجليلاً سنياً، لم أر منه مثل ذلك لأحدٍ فقلت لأبي: من هؤلاء يا أبت؟ فقال: أولاد مفضل بن منصور. قال الفقيه حسن: وكان هؤلاء الإخوة كالملائكة في الناس. وقال الفقيه: كان السيد المرتضى يُعرف بالوسامة الباهرة والفضل العظيم وما كأنَّه إلا ملك يمشي على الأرض، وكان المرتضى أعلمهم وأشهر بالعلم، وأحمد أشهرهم بالمروَّة والإتقان، وإبراهيم أكثرهم مواظبة على الجهاد، وكان المرتضى لهم في محل الوالد يعترفون بفضله، ويشهرون(2) بارتفاع قدره ومحله، لا يعرض بينهم شيء مما يعرض بين الإخوة قط، وكان أحمد بن مفضل له نفاسة عظيمة، ووجه عند الناس وإجلال كليٌّ، فكانت تأتيه الأموال من جميع جهات المغارب المحاذية لهم و(حضور) كله وبني شهاب(3) والخيام(4) وسائر البلاد التي هو فيها والمتباعدة عنها والقريبة منها، فيصرف جميع ذلك في مستحقه، ولا يترك منه شيئاً، فكانت نفسه شريفة، ومقاصده صالحة زليفة، وكان مع هذا صاحب معرفة وبصيرة تامَّة، وتولَّع بالعلم، وقرأ على الأمير صلاح الدين، صلاح بن إبراهيم تاج الدين ونسخ (شرح الجمل)، ووصل هو وأخوه إبراهيم لزيارة أخيهما المرتضى إلى (شظب)، وكانت أختهم الشريفة الفاضلة أم البركات في (الشرف) زوجَة لابن عمهم أحمد بن العفيف، فأمرهما أخوهما المرتضى أن يتقدَّما إلى الشرف لزيارتها، فامتثلا أمره ورجعا بعد تأدية
__________
(1) في (ب): حدثه.
(2) لعلها: ويشهدون.
(3) بنو شهاب عزلة من ناحية بني مطر (المصدر السابق ص: 364).
(4) في المصدر السابق ص: 4265: بيت خيام بضم الخاء المعجمة بلدة عامرة بالسكان في وادي الأهجر من أعمال شبام كوكبان.
الحق، وتوفي أحمد بن مفضل بوقش بعد أن عمرَّه(1). ومن عجيب ما روي عنه ما اتفق له مع الشريف المرتضى - رحمه الله - حين توجَّه إليه للعلم، وذلك أنه لمَّا سار إليه لطلب العلم أكرمه، ورفع محله، وقال له لمكان قرابته منه: هل لك في الزواجَة؟ قال: لا أكره ذلك، قال: فإني قد زوجتك ابنتي فلانة، فعقد له في تلك الحال، ودخل بأهله - رحمه الله -.
وقريب من هذه القصة قد اتفق لمفضل بن منصور وذلك أن السيد محمد بن المطهر الحسيني الزيدي خطب إليه ابنته فأجابه، وأضافه، فلمَّا أمسى ودخل معهم لأكل الطعام، قال له: قف في المنزل، ثم قال لامرأته أصلحي شأن ابنتك ولا يكن بد من ذلك، فاعتذرت بعدم الإمكان لأمور، منها أنها لا تجد قميصاً لها، فقال: ألبسوها قميصي - جزاه الله خيراً -.
قلت: واعلم أنه قد يتكرر ذكر وقش في هذه التراجم، وهو بالواو بعدها قاف بعدها شين معجمة من أطراف بلاد بني شهاب، كانت مطالع الكمال، وغاية شد الرحال، فيها الخطيب الملاق(2)، والعالم الزاخر الأمواج، والزاهد الناسك /201/، وفيها قبور جلة من العلماء من السَّادة وغيرهم، وإلى ذلك يشير بعض السادة - رضي الله عنهم -:
في الشعب من وقشٍ عقول راجحة ... ومشائخ سلكوا الطريق الواضحة
والآن قد صارت خربة بقول القائل:
مدارس آيات خلت عن تلاوة ... ومنزل ذكرٍ مقفر العرصات
وفيها يقول السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزيري:
لا تجزعي إن ضمئت يا وقشُ ... أو امتحى من بناك ما رقشُوا
أو(3) غاب عنك الأولى دعوا شفقاً ... تعاهدتك العهاد يا وقشُ
فقد عفت مثلك البلاد معاً ... ومسَّها مثل مسك العطشُ
غارت بحار العلا وأنجمها ... معاً فعم العطاش والعطشُ
مكة تشكوهما وطيبة والأمـ ... ـصار لا جرعة ولا غَبَشُ
داعي العلا والعلوم ليس له ... بها مجيب قد عمَّها الطرشُ
__________
(1) في (ب): عمر.
(2) كذا في (أ)، وفي (ب): المسلاق.
(3) في (ب): إذْ غَابَ.
فانتظري كانتظارها فرجاً ... من الذي الميت منه ينتعشُ
ومسجد الشمس منك لا كسفت ... له شموس ولا انطوت فرشُ
يا باكياً من مضى اعتبر بهم ... فقد تفانى السَّادات والحبشُ
وبادر الفوت لا تطع أملاً ... مثبطاً فالحليم منكمشُ
وافزع إلى الله من مساخطه ... كعاقل(1) القلب راعه الحنشُ
وذكرها في القاموس فقال: وقش قرب صنعاء(2).
قلت: والذي اتخذها مهاجراً الشيخ العارف أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الهيثم بن كهلان بن محمد بن أبي البعير، والظاهر أنه حميريّ النسب، وكان رئيساً في الزيدية(3)، وله حميَّة على الإسلام وصناعة في الدعاء إلى مذهبه، وله آثار. وسبب عمارتها أنه كان مقيماً مع جماعته من الزيدية (بسناع)(4) فلحقتهم نكبات من الدولة ولم يأمنوا على أديانهم مع شحّهم في الدين المعروف، فاضطروا إلى الخروج عن سناع، ولم يسمح أحد منهم بفراق أخيه، وقالوا: نخشى أن نموت في شعاب الأرض، وتضرَّنا الأودية بالوباء فترددوا في الرحلة، فقال لهم إبراهيم بن أبي الهيثم: ويحكم اطلبوا الموت ما دمتم تجدونه قبل ألاَّ تجدوه إذا طلبتموه - يعني في النار - ففطنوا لمقالته فبكوا، ثم تفرَّقوا.
__________
(1) في (ب): كغافل.
(2) القاموس المحيط ص: 787.
(3) في (ب): أهل التطريف، ولكنه كان عجيب الحال والمعاملة لله - عزَّ وجلَّ - وللناس. اه
(4) سناع بفتح السين والنون، ثم ألف وعين مهملة، وقد تحذف الألف فيقال: (سنع) وهي قرية شراقي حدة على بعد خمسة كيلومتر من صنعاء، وكانت هجرة علم، وبها قبر القاضي العلامة جعفر بن عبدالسلام الأنباري، المتوفي سنة 573ه، وكان عالم الزيدية (وانظر معجم المقحفي ص: 328).
قال الحسين بن عبد الله الأصبحي أحد الزيدية ببلاد حاشد: فصار إبراهيم بن الهيثم إلى (مدر) من مشرق حاشد فابتنى بها داراً جيدة، فاعتقد أهل مدر أنه قد استوطنها، ففرحوا، فقال لهم: ماهي وطني إلا ما دمت لا أرى الله يُعصى، ثم إنه بلغَه أن قوماً من أهل القرية شربوا خمراً فارتحل. انتهى كلام الحسين بن عبد الله.
ثم إن الشيخ إبراهيم جعل يجول في البلاد، فطلب ما يصلح له ولإخوانه /202/ خالياً من السكان، له جيران يسلم أذاهم، لهم حماية وكفاية، فأصاب وادي وقش فأعجبه، وأعجبه جيرانه من بني شهاب وحمير من أهل البروية وأهل حَضُور وقومهم من قضاعة نحو بني مطر فإنهم من خولان قضاعة وبني سويد وهم منهم، وحرثان وهم قوم من نهد، فاستوطنها، وعمر بها مسجده المشهور، ولقد كان مؤلفاً وله شهرة ولمسجد الشمس أيضاً، وفيهما يقول الشاعر:
العبد(1) يشهد أن العبد أنت له ... شهادة عدلت في مسجدي وقشِ
وفيه يقول السيد العلامة إبراهيم بن محمد الوزير - رحمه الله تعالى -:
ألا يا(2) مسجد ابن أبي الهيثم ... حليف التقى الأمجد الأعلم
الأبيات إلى آخرها، وأقام إبراهيم بها حتى مات، وقبره كان في الأعصر الآخرة مشتهراً، قالوا: ولم يشتهر من قبور من سكن وقش من مخترعة ومطرفية من الشيعة غير قبره.
أحمد بن مقبل بن زيدان [ - ]
__________
(1) في (ب): العيد.
(2) كذا في (أ) و (ب). ولعلها: (أيا) وإلا فلن يستقيم الوزن.
العلامة الشهير أحمد بن مقبل بن زيدان الطائي العالم الكبير، من أعيان زمانه، ومن(1) عيون أهل أوانه، صحب الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وأهل هذا البيت يتكرر ذكرهم، وسنذكر نسبهم - إن شاء الله - وقد أثنى عليه السيد يحيى بن القاسم الحمزي، وعدَّه من وجوه الحاضرين لدعوة الإمام المهدي، ولمَّا فتح الله صنعاء للإمام المهدي - عليه السلام - ولَّى أعمالها الأمير الخطير الحسن بن محمد بن إبراهيم القاسمي، وجعل هذا العالم من قرنائه.
أحمد بن معوضة الجربي(2) [ - 1015 ه ]
__________
(1) في (ب): وعيون أهل أوانه.
(2) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم: 104و الجواهر المضيئة عن الطبقات، ترجمة رقم (155).
الفقيه العالم المذاكر أحمد بن معوضة الجربي - رحمه الله - منسوب إلى الجربتين بالقرب من بلاد آل عابس أقرب إلى شرقي الجهة الذمارية، كان عالماً عابداً ورعاً في الغاية من الورع، وكان إمام الفقه. قرأ عليه السيد العلامة عبد الله بن أحمد المؤيَّدي - رحمه الله - واستقرَّ الفقيه بذمار، ثم دخل صنعاء واشتهر مقامه، وصيَّر إليه الناس واجباتهم ليصرفها في أربابها، فكان لا يقبل ذلك، ويتولى قبضه بل يتركه عند أربابه، ثم يفعل للمستحقين ورقاً بأيديهم، وكان لا يجعل لنفسه مع فقره - رحمه الله - ما يفعل لرجل من ضعاف المسلمين، وأضر في آخر زمانه، فتوجَّه للعبادة بمسجد داود بصنعاء، وكان من رعايته للعلم - رحمه الله - ولأهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا دخل مسجد داود السيد العلامة عبد الله بن أحمد المؤيَّدي في أوساطه، لم يأت من جانب القبلة وإن كان بينه وبين السيد مسافة من المسجد، بل يأتي من ورائه ويلزم قائده - رحمه الله - بذلك، ويعلل ذلك بما ذكرته - رضي الله عنه - وله ولدان عالمان نجيبان الأكبر منها محمد بن أحمد، كان على طرز(1) أبيه في الورع والتقشف، مبارك العلم، من قرأ عليه منحه الله، وكان إمام المسجد بداود ولا يفارق المسجد إلا عند مبيته، وكان متواضعاً يقضي حوائجه بنفسه، وكان لا يسأل أحداً، وله من وظيفة المسجد شيء يسير /203/ يكتفي به، ولم يتكفف أحداً مع سعة جاهه واعتقاد الناس فيه، ثم ولده العلامة عبد الله بن أحمد، كان عالماً يتوقد ذكاء، وله في علم الكلام جليله ودقيقه اليد الطولى، وله في الفقه ترجيحات، وهما حريان بإفراد التراجم لهما رحمهما الله، فإن أمكن فهو ذكر نعمان، وانتقلا جميعاً إلى جوار الله - عزَّ وجلَّ - بالروضة(2) من صنعاء، وقد استفاض عند كثير ممن يثق به رؤية
__________
(1) الطراز والطراز: الهيئة، وقال الأزهري: الطرز: الشكل (انظر مختار الصحاح ص: 390).
(2) في (ب): بالروضة من أعمال صنعاء.
النور من عند قبورهم - رحمهم الله -.
وكانت وفاة العلامة أحمد الجربي - رحمه الله - سنة خمس عشرة بعد الألف، وقبره بجربة الروض بصنعاء.
أحمد بن منصور صاحب الكينعي(1)
الفقيه، العابد، العالم، أحمد بن منصور صاحب الكينعي رحمهما الله، كان من علماء الطريقة، ذكره السيد في كتاب الصلة، وحكى عن الكينعي - رضي الله عنه - أنه قال: ما رأيت مثل أخي الفقيه أحمد بن منصور - رحمه الله - في المراقبة في الخطاب، كانت إذا خرجت من فيه اللفظة لاحظها، وانزعج إن لم تكن لله - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن منصور بن أحمد(2) […ـ 770ه تقريباً]
أحمد بن منصور بن أحمد اللاهجي الناصري، علامة كبير من شيوخ أحمد بن مير الحسني، وذكره السيد فقال: الفقيه العالم الفاضل الكامل المحقق المدقق الشهابي شهاب الدين أحمد بن مسعود(3) بن أحمد اللاهجي الناصري - حرس الله نقطة الإسلام بطول بقائه-.
أحمد بن موسى الطبري(4)[268ه - 340 ه ]
__________
(2) الجواهر المضيئة عن الطبقات (117)، إجازات الأئمة (خ)، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) ترجمة رقم 106.
(3) في (ب): منصور.
(4) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (180)، مطلع البدور (خ)، المستطاب (خ)، تأريخ مسلم اللحجي (خ)، الجواهر المضيئة ترجمة (120)، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي (1/159 - 166)، مصادر الفكر العربي والإسلامي للحبشي (194)، الروض الأغن (1/286)، مؤلفات الزيدية (1/169، 174، 2/411)، طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) ترجمة رقم (108).
علامة الشيعة الفقيه الرباني الراجح أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري - رحمه الله تعالى - حافظ السنن الماضي على أقوم سنن، شيخ الإسلام - رضي الله عنه - كان له من العناية بإحياء الملَّة بعد موت ابني الهادي إلى الحق - عليهم السلام - أضعاف ما كان في حياتهم، وكان أحمد بن موسى من الطبريين القادمين إلى اليمن، فقتل في سبيل الله منهم من قتل، ورجع منهم إلى طبرستان من رجع بعد سقوط فرض الجهاد لفقد سادات الأمَّة في ذلك العصر من الأئمة - عليهم السلام - وكان أحمد بن موسى أراد الرجوع إلى طبرستان مع من رجع، وذلك بعد أن ساء ظنه بشيء من أمور اليمن، فهمَّ بالرجوع فهبط إلى تهامة يريد الاستعانة على سفره بنائل سلطان زبيد الحسين بن سلامة مولى المظفر بن علي بن زياد، وكان جليل القدر وصنوه شعيب كان نائبه بعدن، وكان الكلاعي الآتي ذكره - إن شاء الله - من كتَّابه، فلمَّا قدم زبيد أمسى بدارٍ من دور ناحيتها(1)، فرأى في نومه الهادي إلى الحق قد وقف عليه وقال: يا أبا الحسين، تخرج وتترك التعليم لأصول دين الله في اليمن، اتق الله ودع عنك هذا، فكرَّ راجعاً إلى صنعاء وصعدة وأعمالهما، ولم يتفق بملك زبيد لإضرابه عن السفر.
قال - رحمه الله -: فلما رجعت فكرت في الإقامة باليمن فرأيت أربعة: أسد، وذئب، وثعلب، وشاة، فتفكرت في أثبتهم، فوجدته الأسد، فكان أحبهم إليَّ فنزلت صنعاء، وجاورت ابن الضحاك فقال لي: ادع إلى مذهبك، وأظهر حبَّ أهل بيت نبيئك صلى الله عليه وعليهم، وتكلَّم بما تريد /204/، ولا تخف من هذه العامّة فدخل جامع صنعاء، وتكلم، ودعا إلى مذهب الهادي إلى الحق فاستجيب له، ولم يلبث أن صار له حزب وشيعة، فصلى بهم في المسجد، ولأبي الحسين المذكور أخبار وغرائب.
وله محاسن بعدن وصنعاء تدُل على تيقظ كامل ونباهة لا يلحق(2).
__________
(1) في (ب): أمسى بدارٍ من دورها ومن دور ناحيتها.
(2) لعلها: لا تلحق.
ومن ملح أخباره - رضي الله عنه - أنه كان له جار من اليهود بصنعاء، وكان داره - رحمه الله - بقرب من مسجده بالسَّائلة عند سمرة غربي صنعاء، وكان سطح الدار لذلك اليهودي، وكان لأبي الحسين منزل تحت ذلك السطح، وكان فيه خرق يتغوّط فيه اليهودي، ويبول هو وأولاده، فأضرَّ ذلك بأبي الحسين، وعسر عليه التحول في ذلك الحال، فأمر من فعل له في ذلك الخرق كهيئة القصب وجعل بعضها فوق بعض إلى ذلك الفتح المفتوح، ثم أمر بها فجصصت وأحكمت، فكان يقع ما يتغوطونه في ذلك القصب، فاتفق أن أبا الحسين - رحمه الله - مرض فدخل جيرانه وأصحابه يعودونه، وكان اليهودي المذكور ممن دخل ، فرأوا ذلك القصب فأنكروه، فسألوه عن ذلك، فقال: ما هو إلاَّ خير، كان هناك خرق فربَّما مر به صبي فيكون فيه شيء، فلمَّا سمع ذلك اليهودي فكر في نفسه وقال: ما هذا الاصطبار إلا عن دين صحيح، وما هذه إلا أخلاق الأنبياء، وآلُ الله، فأسلم، وحسن إسلامه - رحمه الله -.
وهذه القصَّة قد اتفق نظيرها لشيخ الشيعة إمام الشيعة بالعراق محمد بن منصور المرادي صاحب القاسم - عليه السلام - مع جارٍ مجوسي بالكوفة على هذه الصفة وأسلم المجوسي، حكى هذه القصة عن محمد بن منصور السيِّد أبو العبَّاس أحمد بن إبراهيم الحسني في كتابه في الرد على (ناجل) الخلاف بين القاسم ويحيى وبين الناصر للحق - عليهم السلام - وقد اتفق مثله لأبي حنيفة - رحمه الله - وما ذاك إلا أن المعلم والأستاذ واحد، وهو المبعوث لتمام مكارم الأخلاق - صلوات الله عليه وعلى آله -.
ومن عجائب الاتفاق والشيء بالشيء يُذكر ما حكي عن ابن أبي عباد التميمي وزير الأمير أبي العتاهية عبد الله بن بشير بن طريف صاحب الهادي إلى الحق - عليه السلام - وهو في طبقة عالية في الفضل حري بإفراد ترجمة، فإنه من كبار الأمراء وعظماء السلاطين، وكانت تحت يده مملكة، وهو المستدعي للهادي إلى اليمن، ونسك وأذاب شحمه، وقلل لحمه بالصوم، وكان يقول: اذهب الشحم واللحم النابتين من السحت، فما زال كذلك مصابراً مجاهداً محتسباً خاشع القلب، مكافحاً لأعداء الله، متعرضاً(1) لنفسه لطلب الشهادة حتى ختم الله بها، وأعطاه طلبته، وقصَّة ابن أبي عباد معه أنه خلا مجلس أبي العتاهية يوماً من الغلمان، وقد اشتد عطشه واشتاق إلى الماء وطلبه فقام الوزير إلى البرادة فأتاه بكوز من ماءٍ، فلما دنا منه أمسكه في يده ولم يناوله إياه، ثم قال: سألتك بالله أيَّها الأمير لو منعت هذه الشربة /205/ بِمَ كنت تشتريها؟ قال: بنصف مملكتي هذه، فسكت ثُمَّ ناوله وقال: اشرب يهنا، فلما فرغ أخذ منه الكوز، وقال: سألتك بالله لو حبست في جسدك هذه الشربة فحصرت فيه بِمَ كنت تشتري خروجها من بدنك؟ قال: بالنصف الثاني من المملكة، فقال: أصلح الله الأمير مملكة لا تساوي إلا شربة من ماء، ما هي من شيء، فانتبه الأمير وقال: لا شيء، ويحك: فما نصنع، وكيف السلامة مع ما نحن فيه، وكيف الخلاص منه؟ فقال: تبعث إلى شريف فاضل قد بلغنا خبره من آل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ينزل بنواحي الرس وأعمال المدينة، يقال له: يحيى بن الحسين، فلعل الله ينجيك به وعلى يديه، فاستدعاه من الحجاز، وأعطاه مملكته بصنعاء، وقد ذكر الشريف علي بن محمد بن عبيد الله العلوي العباسي ما يدل على فضل هذا الوزير بهذه القصة، اتفقت بصفتها مع محمد بن أبي السماك مع الرشيد.
__________
(1) لعلها: معرضاً.
وكان هذا الشيخ أبو الحسين - رضي الله عنه - بمقام الوراثة النبوية حقاً، فإن أخلاقه ودعاءه إلى الله من العجائب على صنوف شتى، وسنذكر من ذلك طرفاً، فمن ذلك مناظرته للنَقوي عبد الله بن كليب أو ابنه سلمة في القَدَرِ، فإنه لما أحصر النقوي تفل بوجه أبي الحسين، بعد أن ظهر للعامة إحصار النَّقَوِي، ولم يبق إلا الجهالة، فلاذ بها، فبزق إلى وجهه، فضحك أبو الحسين وقال: أجمعت العلماء أن الريق طاهر.
وحكي أنه كان بناحية أثر من الخشب رجل تاب على يده - رحمه الله - وكان عامياً جاهلاً، فمكث أبو الحسين يداريه، ويرفق به لئلا يظهر له من أمر الدين شيء يشق عليه، فيرجع على عقبيه، ويعصي ربه، فاتفق أنه أصاب الناس مجاعة عمت الناس، وكان الخشبي المذكور من أهل النعم والثروة، فرزق الله أهل جهته ثمرة صالحة وزراعة ثقيلة راحت بها حالهم والناس في الشدة، فأتى هذا الرجل أبا الحسين وقد رأى غلاء الطعام وقد غلبه شح النفس وثقل عليه إخراج زكاة البر من البر، فقال: يا أبا الحسين هل تكون زكاة البر من الشعير؟ ففطن أبو الحسين فقال: نعم، فأخرج مكان مكيال من البر مكيالاً من الشعير ودفعه إلى المساكين، فحيي به بشر كثير من ضعفاء المسلمين ذلك الوقت، فأنكر أصحاب الحسين ذلك عليه، وأتوه في ذلك فقال: يا قوم، هذا شيء قلته عن رأي لا عن شرع، غلب على ظني أني لو قلت لا يجزي على البر إلا البر ثقل عليه، فأخل به وبخل، وإ ذا بخل قالت له نفسه قد عصيت الله في واحدة ومن عصاه في واحدة كمن عصاه في أكثر، فيترك الصلاة ويرتكب المعاصي، وإذا ثبت على الديانة فسيتعلم - إن شاء الله - ويخلص نفسه، ونظرت إلى المساكين، فعلمت أن الشعير أنفع لهم من العدم، فكان الأمر كما قال أبو الحسين صلح ذلك الرجل، واستدرك أمره، وعوّض الزكاة براً، ورسخ في قلبه حب الله، وصلحت حاله.
وحكي عنه - رضي الله عنه - أنه كان له جار بصنعاء /206/ يشرب الخمر ويؤي شُرَّابها، وكان يخفى على أبي الحسين أمره في أوائله، ثم إنه بلغ أبا الحسين أنه قد جمع جماعة من الفسقة لشرب الخمر، فذهب أبو الحسين يستكشف الحال وليؤدي ما يجب لله، فقضى نظره بأخذ كبش وقصد ذلك الجار إلى بيته، فقرع الباب، فخرج إليه الجار وهو لا يظنه جاء إلا يريد الإزالة، فقابله أبو الحسين بالمعروف من خُلقِه، وقال: بلغني أن عندك ضيفاً والجار مسؤول عن جاره، فهذا كبش استعن به، فاستحيا الرجل، وخرج، فلما أصبح نحا ما في منزله، وغسل ثيابه، واستغفر، وأناب.
وحكي عنه أنه مر بشريف سكران قد تضمخ بقيئه أو بوله، وهو ملقى في شارع من شوارع صنعاء، فلما رآه حزن لذلك ورأى بهداية الله وتثبيته أن أخذ قناعه فمده ووضع فيه الشريف، ثم لفه به واستعان بمن يحمله إلى منزله - أعني منزل الشريف - فقرع الباب، فأجابت امرأته فأمرها بالفتح وأن تنحى من البيت(1)، ففعلت، ثم دخل فألقاه في جانب وأمرها بإغلاق الباب حتى يفيق، فلما أفاق أخبرته امرأته ولامته أشد اللوم، وقالت: يراك الطبري على هذه الحال، فاستحيا كثيراً، وندم ندامة كبيرة، وتاب توبة نصوحاً، ثم اعتزل الناس بعد صحبته لأبي الحسين مدة، وسكن في عزلته بدار الشريف ما بين حدين(2) والحمراء(3) أقرب إلى محاذاة الحمراء على غيل ابن برمك(4) تعرف بدار الشريف - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): وأن تنتحي جانباً من البيت.
(2) حدين: موضع غربي صنعاء (معجم المقحفي ص: 163).
(3) وتسمى حمراء العَلِب بفتح العين وكسر اللام وهي قرية في بلاد سنحان في السفح الجنوبي من جبل نقم (انظر المصدر المذكور ص: 191).
(4) في المصدر السابق ص: 487: غيل البرمكي، وقال في تعريفه: هو من المنابع المائية التي كانت تسقي القاع الشمالي لصنعاء، وكان مأتاه في قرية بيت عُقَيب، وقرية غيمان شرقي صنعاء، ونسبته إلى محمد بن خالد البرمكي الذي استخرجه لما ولّي صنعاء للرشيد سنة 183ه. انتهى بلفظه.
وحكي عنه - رحمه الله - أنه كان واسع الجاه مقبول الشفاعة، وكان بصنعاء من ضعفاء المسلمين ومساكينهم خلق كثير، ومن الأشراف أرامل وأيتام، فكان يتكسب عليهم، وكان له إخوان باليمن يرون له حقاً عليهم، فكان يزورهم ويلتمس للضعفاء المذكورين شيئاً منهم، فخرج في بعض السنين إلى إخوانه باليمن فاستماحهم للمساكين، ففعلوا وعاد بأكسية وأمتعة ونقد، ورجع إلى صنعاء، فلما وصل إلى طرف الحمراء وهو الجبل الذي يتصل بجبل نقم المطل على صنعاء مما يلي علب من أرض (الأبناء)(1) فخرج عليه لصوص، فأخذوا ما معه، فلما حازوه قال: يا وجوه العرب هل لكم في رأي من المروة والكرم، قالوا: وما هو؟ فقال: قد صرت كما ترون في أيديكم، وما أحد يتوهم أنكم تتركوني إلا تكرماً منكم عليّ، وأنا قد جئت من بُعدِ أهوي بهذه العروض لمساكين خلفي أعينهم ممدودة إليه، فهل لكم في رأي تحوزون به شرف الذكر والشكر مني ما بقيت، وذلك أن تجعلوني بمثابة واحد منكم أحوز سهماً أعود به على من خلفي، فيثيبكم الله، وتأخذون هذا حلالاً، فرقوا لكلامه، وقسموا له نصف المتاع، وكانوا قد تركوا ثيابه لم يسلبوها عنه تكرماً منهم واستحياء لجلاله وهيبته، وكان تحت ثيابه وعاء دنانير، فأخرج /207/ إليهم الدنانير [بعد أن قسموا له النصف] (2) وقال: قد بقي نصيبكم من هذه الدنانير، فأعجبهم ذلك، ثم بايعهم بنصيبه من الدنانير في نصيبهم من العروض والثياب التي هي أنفع للمساكين، فبقي عليه من ثمنها ثلاثون ديناراً، فقال : لو تبعني أحدكم لهذه البقية لم ير إلا خيراً، فقد لزمني لكم ذمام الصحبة والمعرفة، فقال أحدهم: هذا شيخ لا يأتي منه إلا خير، فسار معه حتى دخل صنعاء فتلقى الشيخ أبا الحسين أصحابه وسلموا عليه، ثم استلف تلك الدنانير ثم عمد إلى كبش فأمر بذبحه، فذبح وطبخ وأرسل
__________
(1) الأنباء: قرية في بني حشيش التابعة لمحافظة صنعاء (انظر المصدر السابق ص: 9).
(2) ما بين المعكوفين زيادة في (ب).
بطعام، وذلك اللحم والدنانير مع ذلك الرجل، وقال: هذا الطعام لأصحابك لأني أظن عهدهم بالطعام بعيد، فلما وصل ذلك الرجل إلى أصحابه رقت قلوبهم، وخشعت، وأناب منهم من أناب، وصار أولئك من أصحاب الطبري - رحمه الله - ومع هذا الحلم الكثير وامتلائه من الحكمة كان يتطلبها من صغير وكبير.
روي أنه خرج يوماً من منزله بصنعاء ومعه بعض أصحابه، فرأى الطبري بعض السكارى أمامهما فقال لصاحبه: أسرع بنا فلعلنا ندرك من هذا فائدة وحكمة، فالتفت إليه صاحبه متعجباً من قوله ذلك، فقال: وما يستفاد من مثل هذا؟ قال(1): يتسمع، فلما أدركا السكران قال له الطبري: يا غلام، احذر تسقط، فالتفت إليه وقال: احذر أنت أن تسقط، فأما أنا فإذا سقطت سقطت من طولي، وأنت إذا سقطت سقطت من بنات نعش، فالتفت الطبري إلى صاحبه وقال: سمعت ما هاهنا، فأخذها موعظة في نفسه وانصرف.
ومما حكي عن الطبري - رحمه الله - من سعة الصدر والتأدب بقوله(2): ?وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ? (لقمان:17) ما روته أعيان الزيدية أنه استدعي - رحمه الله - بصنعاء المحروسة إلى مناظرة قاضيها، ولعله من آل النقوي، وأحسبه عبد الله بن كليب أو ولده سلمة، ولما حصره في المسألة، وذلك بمشهد من أهل صنعاء واجتماع(3) العامة والخاصة خرج وضاق صدره، فبزق في وجه أبي الحسين فضحك إليه، ومسح البزاق(4)، فلما رأى سعة صدره وقوّة قلبه مع جرحه هو وإساءته إليه بكى فيما يقال.
__________
(1) في (ب): فقال.
(2) في (ب) زيادة: تعالى.
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): ومنع البزاق.
وروي أن الطبري - رحمه الله - قال: أجمعت العلماء أن الريق طاهر، كان جواب المسألة، فلما انصرف الطبري عن ذلك المجلس قال لبعض أصحابه وكان قد أحس منه التزكية لذلك القاضي في باب العبادة والزهد وحسن الظن له بالسلامة، وأقسم الطبري - رحمه الله - قسماً (لعَتُلٌ) وهو خمّار كان بصنعاء يدعو إلى منزله وبنات كنَّ له الفسّاق وشراب الخمور فيما يذكر ، أقرب إلى الله من هذا القاضي، ثم أخذ بيده فأتى عتلياً فقال له: ويحك ما دعاك إلى ما أنت عليه من شرب وفسق، فقال: سوء الرّأي وخبث النفس وسقوط الهمة، فقال له الطبري: أفتقول: الله جبرك على ذلك؟ قال: معاذ الله، الله أكرم من ذلك، فقال الطبري لصاحبه: أما تسمع /208/ ما قال هذا إذ قد سمعت ما قال ذلك.
قلت: ويشبه هذا ما حكى محمد بن أسعد الجنبي من جنب جهران وذمار، وكان من الجند، ثم تاب وتاب معه ولده، وكانا على طريقة الفقه والتعبد لكنهما لبسا ثوب التطريف، وكان محمد بن أسعد متوسعاً في العبادة، ثم سكن شظب مهاجراً، ثم اعتزل الناس، وسكن بأهله في جانب بعيد على مُزْدَرَعْ ليبعد عن العصاة، وكان له مولى حبشي يقال له فرج قد صحب من أعلام الزيدية بشراً، وأخذ عنهم في أصوله وفقهه، وتخلق بأخلاق العبادة والفضل، وكان ببلاد شظب مزيِّن قد صحب فرجاً - المذكور - وانتفع به، وكان المزيّن يدخل السوق ليعمل شيئاً ينتفع به، فمر به أبو العمر اللحجي شيخ المطرفية، فوقعت عين أبي العمر على رجل من عبّاد الأباضيّة ومجتهديهم قد نهكته العبادة، فصار أسود كأنه خشبة محرقة، وهو يتمشى في السوق برفق، وقد رفع أطراف ثيابه لئلا يصبها شيء يكرهه، وتواضع وتخشع فقال أبو الغمر: وكان يومئذ شاباً حدثاً ينخدع لمثل هذا المزيِّن، وكان شديد البغضة للخوارج والمجبرة والمشبهة، فيقطع عليهم بالنار، ويتبرأ منهم، ويتهلل بالدعاء عليهم، وكان اسمه سليمان بن صبيح، فقال له أبو الغمر: يا سليمان، أنا أوافقك في ضلال الإباضية إلا هذا الشيخ العفيف الخاشع لله، أما ترى ما هو عليه من الصورة وأنت تزعم أنه هالك، فقال سليمان: ويحك، أرأيت إن كان يقول بالجبر وينسب إلى الله أفعال خلقه، ويعتقد منه خلق الفساد في الأرض ماذا ترى؟ قلت: أرى أنه هالك إذا كان هذا منه، فقال: أدركه، ثم اسأله عن ذلك، فأدركه أبو الغمر وكان الرجل من بطن من (الحائريين) بينهم وبين أبي العمر رحم، فرفق به وقال: يا خال، ما تقول في الكفر والإيمان، مَن خلقهما؟ فقال: الله يا بني، فأكد عليه أبو العمر حتى تيقن دخيلته، وعاد إلى المزيِّن فأوسع المزيِّن في سبه، وكان هناك عبد زنجي يعرف بالحمّامي لم يفصح كما ينبغي، يقول(1) في ناحية السوق غير مستر(2) بين الخمارين،
__________
(1) يبول. ظ
(2) مستتر. ظ.
ويعصر لهم الخمر، ويكسح لهم الدور وبيوت الماء، يعيش في أخبث مهنة يكون ولا يكاد يلقى إلا سكران أو حامل نجاسة، وعلى أقبح صورة في الدين والدنيا، فقال المزيِّن حالفاً بالله العظيم: إن الزنجي أقرب إلى الله من هذا الأباضي وأهون عذاباً في النار منه، الذي قد أعجبتك هيئته وخشوعه، ثم التفت المزين إلى الحمامي فرفع بصره عليه سريعاً فدعاه فقال: يا حمامي، أخبرني من حملك على ما أنت عليه من شرب الخمر، وقطع الصلاة، والتمرغ في النجاسات والأوساخ وحمل الأقذار، أنت أم الله تعالى، فكأنه ارتاع ثم رفع صوته هاشي أنبيلاً هاشي أنبيلا، يكررها ويرددها، ومعناها: حاش لله حاش لله، وأنبيلاً عندهم: اسم الرب سبحانه، ثم التفت، فقال: يا سليمان، هملتني نفسي، هملتني نفسي، همامي كيبة همّامي كيبة، معناه: حملتني نفسي، حملتني نفسي، حمامي خيبة، وخيبة بمعنى خبيث يستعمله العامة.
محفوظ [ - ]
/209/ محفوظ، هو شيخ الزيدية، رحل إليه الطبري - رحمه الله - لسعة كتبه، فإنه كان وأهل بيته من أهل الرئاسة، وكان أكثر ذخرهم الكتب الإسلامية، كتب آل محمد أصولاً وفروعاً، ومحفوظ المذكور جد آل محفوظ علماء ريدة من أعمال البون، واتفق أن الطبري - رحمه الله - أيام إقامته عندهم اشتهى اللحم، فأخذ درهمين وشرى بهما لحماً من السوق، وكان محفوظ لا يرى ذلك ولا يفعله، فقالت له امرأته: أنت لا تأكل لحم السوق، وهذا الطبري أكل منه، أنت(1) أعلم أم هو؟ فقال: بل هو، لكني أورع، فلفضل القوم معاً ذكر ذلك محفوظ لأبي الحسين الطبري، فقال: صدقت يا بني، ودليل ذلك قول الله سبحانه: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ? (فاطر:28).
أحمد بن موسى النجار [ - ]
__________
(1) في (ب): أأنت أعلم.
الفقيه المكين العالم الأفضل تقي الدين أحمد بن موسى النجار الصعدي - رحمه الله - من أعلام المائة السابعة، كان عالماً صدراً - رحمه الله - من فقهاء صعده المحروسة، من المجاهدين في سبيل الله مع الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - واستشهد في حرب الحصبات(1) يوم استشهد رايس(2) الشيعة حُمَيْدُ المحلّى - رحمه الله - وهو حرب بين أصحاب الإمام والبغاة أحمد بن المنصور وأسد الدين التركماني، ورايس المسلمين الأمير الكبير أحمد بن يحيى بن حمزة، وأسر الأمير - رحمه الله - ذلك اليوم.
أحمد بن موسى بن عمران (3) [ - قبل 801 ه ]
الفقيه العلامة العابد شهاب الدين أحمد بن موسى بن عمران بن عيسى العباسي - رحمه الله - فقيه محقق عالم عامل حليف القرآن، كان من أصفياء الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليهما السلام - وأود أنه ذكره الفقيه العلامة ابن المظفر وغيره، وكنت رأيت له ترجمة، ذكر فيها وردهُ من القرآن، وأنه كان حليفاً للقرآن، وكان إماماً في العلوم محققاً في الفرائض مؤلفاً(4)، له شرح على الدرر، وكان مع الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى في يوم (معبر)، وحبس مع الإمام هو والعلامة سليمان النحوي، والعلامة إبراهيم بن محمد بن يوسف، والمقري معوضة بن حسين، والمقري الورد العماد(5)، وقيد هؤلاء الجلة - رحمهم الله تعالى - بقيود ثقيلة، ومات هذا العلامة أحمد بن موسى في الحبس أعاد الله من بركته، ورثاه الإمام المهدي بقصيدة مطلعها:
يا عين جودي بدمع منك مدرار(6) ... على تقي صبور خير أخيار
__________
(1) الحصبات: مرتفع جبلي يقال له (نقيل الحصبات) يقع في بلاد السواد، جنوب شرق مدينة ثلا. (معجم المقحفي ص 469).
(2) لعلها: رئيس.
(3) المستطاب - خ - 2/17، مصادر الحبشي 263، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 181.
(4) في (ب): مؤلفاً فيها.
(5) في (ب): الورد بن العماد.
(6) في (ب): مدراري.
وهي تنيف على عشرين بيتاً، وهو الذي دار بينه وبين الإمام المقاولة التي حكاها في (الغيث)(1) في قوله تعالى: ?رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ? (إبراهيم:40) إنه إذا قنت به المصلي فأثبت الياء حال الوقف.
قال الإمام - عليه السلام -: الأقرب عندنا على أصول المذهب أن صلاته لا تفسد؛ لأن لذلك نظيراً، وهو لو وصل لأن المقصود صورة اللفظة. وخالفه الفقيه العلامة أحمد بن موسى المذكور - رحمه الله - ووقعت بينهما مراجعة معروفة.
قلت: قال إمام زماننا المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين - عليه السلام -: في هذه /210/ المراجعة غفلة، فإن إثبات الياء وصلاً ووقفاً ثبت رواية عن أحد السبعة (القراء)(2)، رواها البزي، والله أعلم. والعلامة المذكور هو مصنف (أسرار الفكر في كشف معاني الدرر) (3)، والمراد بالدرر(4) كتاب الأمير علي بن الحسين في الفرائض، قال في ديباجته - رحمه الله -: وقد صار هذا الاسم علماً لهذا الفن؛ لأنه قد غلب عليه كما أن الفقه قد صار علماً لعلم الحلال والحرام، وإن كان في الأصل لكل مفقوه، وكذلك علم الكلام لعلم التوحيد، وإن كان في الأصل لكل كلام، وكذلك علم النحو لعلم العربية، وإن كان في الأصل لكل منحو أي مقصود.
__________
(1) وهو الغيث المدار المفتح لكمائم الأزهار في الفقه، للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى - عليه السلام - المتوفي سنة 840ه، وهو شرح كبير لكتاب (الأزهار) في أربعة مجلدات ضخمة (انظر عن نسخه الخطية كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 207).
(2) سقط من (ب).
(3) لم أقف له على نسخة خطية.
(4) ويسمى: درر الفرائض في الجلي منها والغامض - خ - قال الحبشي: منه نسخة خطت 811ه، جامع (24) فرائض، أخرى خطت سنة 834 نفس المكتبة (32) فرائض، ثالثة خطت سنة 709ه المتحف البريطاني رقم (3788)، أخرى خطت سنة 868ه في (282) صفحة، بمكتبة جامع الإمام الهادي - عليه السلام - بصعدة.
وهذا الفن ينطلق في لسان العلماء على أربعة فنون: الأول: التوريث.
والثاني: الجذور، والكعاب، والدقائق، والثواني، والهندسة، واستخراج الخبي، والأعداد المضمرة وغير ذلك مما دَّونه الحساب.
والثالث: المساحة، وعلم اليد، وهو الوهم في الضرب والقسمة والنسبة والجمع والتفريق والتضعيف والتنصيف والجربانات والزكوات وملاقاة الأنهار، وهذه الثلاثة لم تخل من الوجود وإن عز تحريرها.
والرابع: علم الرّمل، فإن بعض العلماء قد عدَّه من علم الفرائض، والأمير لم يقصد إلا الفن الأول.
أحمد بن موسى بن مقبل سهيل [ - 1045 ه ]
الفقيه العارف شهاب الدين أحمد بن موسى بن مقبل سهيل (- رحمه الله -) (1)، هو من أجلاء الشيعة وأهل الصدق لله تعالى والاستقامة الكلية، وكان شيخاً معمراً، حضر بيعة الإمام الحسن بن علي - عليه السلام - واستقامت الدعوة المؤيدية، وبسط الله ظلالها، وتفيأ المذكور في رافع الظل منها، وكان يلي قبض زكوات بصعدة وبيوت أموال، ويبرى عن شيء منها لولاية صحيحة، وعمله أكثر من علمه، وكان وافر العقل إلى الغاية، فهو مصداق قولهم في الفقه: أزهد الناس أعقلهم، وكان من شيوخ الطريقة، كان يدخل إلى محله لهذه الأعمال الصالحة، وغداه خبز قفار بغير إدام، يدخل في كمه ولا يزال تارة تنزع نفسه إلى الأكل، فيمنعها ويقول لها: الصدقة أفضل، فإذا تمكن منها تصدق بقوته، وقد يؤثر الأكل لمصالحه، وكان مشرفاً على الطب، وعلى يديه الشفاء، وله مسائل أوردها إلى الإمام القاسم، وهو ممن سمعته يروي أنه اطلع هو والقاضي العلامة أحمد بن صلاح الدارري(2) على حديث في الإمام القاسم بن محمد، وكان من أهل الود الخالص لآل محمد يؤثرهم على نفسه وأهله، وكان بنو الهادي بالضيعة يرونه أباً لهم، واتفقت له كرامة، وذلك أنه كان ليلة في مضجعه وليس عنده شك في صحة العمارة بالبيت الذي هو فيه، فرأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - يقول له: قم فإن بيتك سيخرب، فاستيقظ الفقيه، واستعاذ بالله من شرها، وظن ذلك عبارة عن أمر دينه، وعاد إلى نومه فرأى أمير المؤمنين مرة أخرى يناجيه بمثل ذلك، فاستعاذ، ثم نام مرة أخرى، فرأى أمير المؤمنين جذب بيده حتى لم /211/ يستيقظ الفقيه إلا وهو قائم، فخرج من المكان ثم انهدم سريعاً، - رحمه الله - توفي بصعدة المحروسة، ودفن بموضع، ثم نقله ولده العابد يحيى بن أحمد إلى محل آخر بعد سبعة أشهر فوجده على صفته لم يتغير منه شيء، وفاته في تأريخ سنة خمس وأربعين وألف، وقد ذكر في المشجرات تقريب من
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) كذا في (ب).
هذا نسب إلى نزار، والله أعلم.
أحمد بن مهدي الحسيني(1) [ - ]
السيد، العابد، الزاهد، العالم، أحمد بن مهدي الحسيني نسباً ومذهباً - رحمه الله - قال - في ترجمته - بعض المعتنين بهذا الشأن:كان من عباد الله الصالحين، ومن علماء آل محمد العاملين، وأحسب أنه صنو السيد العلامة يحيى بن المهدي الزيدي - رحمه الله -.
قال السيد يحيى بن المهدي: أخي وقرة عيني أحمد بن المهدي بن قاسم، وهو مبرز في العلوم مستمر(2) في طاعة الحي القيوم، نشأ على العلم والعبادة منذ بلغ عشر سنين، وحج(3) ابن ست عشرة سنة.
أحمد بن المهدي بن الهادي(4) [ - ]
السيد العالم أحمد بن المهدي بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام - كان فاضلاً عالماً صالحاً براً، من عيون أهل البيت، أعاد الله من بركته، كذا ترجم له بعض السلف من أهل بيته - عليهم السلام -.
أحمد بن المهدي بن المحسن(5) [ - ]
السيد العلامة شمس الدين أحمد بن المهدي(6) بن المحسن - رحمه الله تعالى - قال ابن مظفر - رحمه الله تعالى -: كان عابداً زاهداً فاضلاً عالماً، وللأمير تاج الدين مرثية فيه تنبئ عن(7) فضله.
أحمد بن المهدي بن محمد(8) [ - 1044 ه ]
__________
(2) في (ب): مشمَّر.
(3) في (ب): وحج وهو ابن ستة عشرة سنة.
(6) في (ب)زيادة: بن علي.
(7) في (أ): على.
(8) الدرة المضيئة.
السيد الكريم العالم أحمد بن المهدي بن محمد بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن المؤيدي - رحمه الله - كان عارفاً في الفروع موصوفاً بالتدريس لكتاب (البحر)، وقرأه عليه الفضلاء، واشتهر بالرئاسة والإمارة، تغفل(1) الناس عن وصفه بالعلم إلا الخواص كما ذكر في الأمير بن مأكولا، وكان من كملاء الرجال البارعين في الرئاسة القائمين بوظائفها، واسع الأخلاق، واجتمع لديه من آل يحيى بن يحيى خلق كثير، وغزا غزوات إلى نواحي الشام وتهامة، وكان رحب الفناء مطعاماً موصوفاً بالحلم، وسيأتي ذكر ولده خاتمة المحققين صلاح بن أحمد - رحمه الله - توفي بجبل رَازِح(2)، ودفن بالقبة عند المسجد المشهور بقلعة غمار - رحمه الله - وهو أحد الذين افتتحوا صعدة، وكان مناط الأمر بيد السيد العلامة محمد بن أحمد بن عز الدين أحد أفراد وقته علماً وفضلاً، وهو والد(3) الإمام المحقق إبراهيم بن محمد المؤيدي، وكان هذا السيد الجليل من أهل الوفاء والرياسة مقدماً في الفضائل، ولم يرض السيد أحمد بن المهدي أن يلي شيئاً من الأمور مع وجوده، وإنما كان تبعاً له، وفتح صعدة، هذا من العجائب؛ لأنه توجّه السيدان من شهارة وبين يدي السيد محمد مرفع يضرب وليس معه عسكر، فقال الأمير قرأ جمعه من أمراء الأتراك(4)، وكان محبوساً بشهارة: عرفت دوائر صعدة مستهزءاً بهم، فلم يصل السيدان إلى صعدة إلا بإمارة كاملة، ودخلوها عنوة من سورها واجتمع بهم شيوخ سحار، وكانوا من الكمال بمحل عظيم، ودخلوها في صبيحة واحدة على وجه لا يخطر ببال. ومن عجيب ما اتفق ما أخبرني به شيخي العلامة /212/ أحمد بن سعد الدين - قدس الله روحه - قال: دخل السادة صعده وقت الفجر، وبلغني الخبر إلى
__________
(1) في (ب): فغفل.
(2) رازح بفتح الراء بعدها ألف ساكنة ثم زاي مكسورة فحاء مهملة، هي أحد قضوات محافظة صعدة (معجم المقحفي ص: 258).
(3) في (ب: وهو والد السيد الإمام.
(4) في (ب): الترك.
هجرة(1) ابن المكردم ببلاد الأهنوم، ذلك الوقت عقيب صلاة الفجر، وامتلأت الأسماع من العامة والخاصة بذلك الخبر، ولم يزل الناس يتحدثون بذلك حتى كاد يظهر لهم أنه لم يأت الخبر من جهة معروفة، فكادوا يتشككون في ذلك، فوصل الخبر وقت العتمة، والله أعلم.
أحمد بن المهدي البهكلي
الفقيه العلامة شهاب الدين أحمد بن المهدي البهكلي(2) - رحمه الله - كان فقيهاً فاضلاً موصوفاً بالعلم، قرأ في المشاهد النحوية(3)، ومن شيوخه السيد العلامة محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن القاسم، والسيد محمد بن صلاح بن يحيى بن محمد بن يحيى بن القاسم - رحمهم الله - وله إليهما أبيات شعرية أعاد الله من بركتهم أجمعين، وهي:
أمحمد ومحمد لله من ... جبلين يحمَى كل من بكما احتمى
هل عطفه بالوصل تشفي غلتي ... ويلذَّ عيشي حيث كنت وكنتما
وتعود أعيادي بطيب وصالكم ... وأرد أنف من اعتداني مرغماً
قد كنتما عيشاً يمدَّ ظلاله ... ستراً على مثلي ويمطر أنعما
كم عمَّ برُّكما وأيم الله من ... كلف إليه ونال فضلاً منكما
وعدت رياض الناس روضانية ... بكما تشعشع نورها متبسما
فشربتما كأس الوصال روية ... في حضرة قدسية جمعتكما
ولبستما من عبقري كرامة ... حلل الرضا لا العبقري المعلما
كان(4) الولاية حلقة مرقومة ... بكما وعز في سموّكُما سما
والهدي تاجاً للزمان مرصعاً ... بجواهر العلم الذي علمتما
ومتى أعود إلى (قطابر) نازلاً ... بالربع من ذاك الجناب مسلما
وأهلُّ بالإحرام زائر سادة ... من زار تربتهم أهل وأحرما
هي روضة مزجت بطينة طيبة ... وسمت فناسبت الحطيم وزمزما
وعراصها غنم الغنا ومنى المنى ... وحطيم(5) بحر في البرية قد طما
وأبلَّ خدي بالدموع لفقد من ... بكت الأنام لهم كما بكت السما
__________
(1) هجرة ابن المكردم: لم أجد لها ترجمة في معجم المقحفي.
(2) في (ب): البهلكي التهامي.
(3) اليحيوية.ظ
(4) لعلها: كأن.
(5) في (ب): وخضم.
قمران بالذكر الجميل تجملا ... وتجللا وتسربلا وتعمّما
غوثان إن عرت الخطوب وإن قسا ... قلب الزمان فما أبر وأرحما
فلذا وذا خلق أرق من الصبا ... وألذ من ماء العذيب مع الظما
فعليهما مني السلام ورحمة الـ ... ـرحمن ما صلى الإله عليهما
أحمد بن مير الحسني(1) [ - ]
السيد الإمام شمس الملة أحمد بن مير الحسني الجيلي القادم بجامع آل محمد من العراق(2) /213/ إلى اليمن إمام عظيم المقدار تفتخر به العصابة، قدم اليمن من العراق، فزهت به البلاد لمكان علمه وعمله، وصحبه عند خروجه إلى اليمن عالم كبير يسمى الحسن، وإليهما لمح السيد الهادي بن إبراهيم بقوله:
وبالحسنيين الذين تغشمرا(3) ... إلى خير داع كل مرتٍ وهو جل(4)
__________
(1) الفلك الدوار ص 236، التحف، ص 121، الجواهر المضيئة - خ - ص 21، مؤلفات الزيدية 2/230، المستطاب 2/12 - خ - أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (182)، طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (109).
(2) ويسمى: الجامع الكافي في فقه آل محمد في الحديث في ستة مجلدات، لأبي عبدالله العلوي محمد بن علي بن الحسن بن علي المتوفي سنة 445ه (انظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 946).
(3) الْمَرْتُ: المفازة بلا نبات، أو الأرض لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها (المصدر السابق ص: 205)، والهوجل: المفازة البعيدة لا علم بها (المصدر السابق ص: 1382).
(4) أي أقبلا، من قولهم إشمر السيل أي أقبل، (وانظر القاموس المحيط ص: 579).
وهو أعني السيد شمس الدين - رحمه الله - الذي روى أن أبا الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله كان يناظر علماء المدينة ويقول بقول علماء الكوفة، فقال له بعضهم: يا أبا الطاهر، لا تفعل، فإن الوادي من هاهنا سال، فقال: أجل من هاهنا سال، لكنه استنقع عند أولئك، وبقيتم بغير شيء، انتهى. يعني بالوادي علياً - عليه السلام - وقد ترجم له السيد يحيى بن المهدي الحسيني، فقال: كان هذا السيد من العلماء المبرزين الراسخين المجتهدين العباد الزاهدين الورعين المتقشفين، خرج من الجيل والديلم لزيارة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن رسول الله، وقد توفي - عليه السلام - فزار الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد بصعدة، وسار إلى اليمن لزيارة ولده الإمام الناصر، وهو سيد يقرئ في (مصنعة(1) بني قيس)، ولزيارة القاضي الحسن بن سلمان الآتي ذكره - نفع الله بهم الجميع - ولهذا السيد تصانيف في العلوم، وفي الزهديات ما يشفي، رأيت له كتاباً نفيساً في مكة المشرفة يسمى (صفوة الصفوة) في زهد الصحابة - رضي الله عنهم - وفي علم المعاملة وفيه ما يدل على فضله وكرم أصله.
قال في آخره أبياتاً، قال: قائلها أحمد بن مِيْر الحسني استحسنتها وهي:
يا(2) نفس(3) إن تطلبي عافيةْ ... لا بد أن تلزمي(4) زاويةْ
فأكثر أبناء هذا الزما ... ن سباع إذا فتشوا ضاريةْ
أكفٌ عن الخير محبوسة ... وألسنة بالخنا(5) جاريةْ
فطوبى لمستحلس(6) بيته ... قنوع له بلغة كافيةْ
نداماه دون الورى كتبه ... فلا إثم فيها ولا لاغيةْ
فإن ضاق يوماً بها صدره ... تضجَّر من خفية خافيةْ
ومير - بكسر الميم وبعدها ياء تحتانية وراء - بمعنى سيد.
__________
(1) مصنعة بني قيس: من قلاع بني قيس في الرَّضْمة، جوار قرية الوَشَل. (معجم المقحفي ص 1549).
(2) لعلها: أيا. ليتقيم الوزن.
(3) في (ب): أيا نفس.
(4) في (أ): تلتزمي.
(5) الخنا: الفحش.
(6) أية يعكف ببيته ولا يفارقه.
أحمد بن نسر بن مسعود(1) [ - 670ه ت]
القاضي الفرضي العلامة أحمد بن نسر بن مسعود بن عبد الله بن عبد الجبار العنسي مؤلف (الوسيط)(2) - رحمه الله - كان عالماً خطيراً، ويشهد بذلك كتاب الوسيط المذكور، ألفه للعلامة الشاكري - رحمه الله - قال في خطبته: وبعد فإنه لما سمع عليّ الفقيه الأجل الأكمل رفيع القدر والمحل نظام الدين ولسان المتكلمين وقريع الميادين القاسم بن أحمد الشاكري - طوّل الله عمره، وأعلى في الدارين درجته - مذاكرة في الفرائض ألقيتها عليه على وجه الإجمال، من غير أن آتي له في شيء منها بمثال على الحد الذي كنت سمعته عن شيخي - جزاه الله عني خيراً - فسألني بعد ذلك المساعدة إلى تعليقها، وبيان كل مسألة منها وتحقيقها /214/، فأجبته إلى ما قال، وأسعفت له بالسؤال وأوضحت كل مسألة منها بمثال، انتهى ما أردت نقله، وقد نقل الفقيه العلامة(3) تأريخ إلتماس الشاكري لذلك قال: في سنة خمس وستين وستمائة، قال: نقله من خطه - رحمهما الله جميعاً -.
أحمد بن الهادي بن علي(4) [ - 1042 ه ]
__________
(1) الجواهر المضيئة ترجمة (123)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (185)، مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن (تحت الطبع)، الروض الأغن 1/88، مصادر الحبشي 216 باسم الحسن بن أحمد بن نسر ، مؤلفات الزيدية 3/148، نزهة الأنظار - خ - طبقات الزيدية الكبرى قسم الثالث ترجمة رقم (112).
(2) الوسيط في علم الفرائض كتاب شهير، منه نسخة خطية برقم (3) فرائض المكتبة الغربية، بالجامع الكبير بصنعاء، وأخرى ضمن مجموع مكتبة آل الوزير في هجرة السر، خط سنة 812ه بخط ممتاز، ثالثة بمكتبة السيد العلامة محمد بن محمد المنصور ضمن مجموع، ونسخة مصورة عنها بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي خطية سنة 1073ه.
(3) في (ب): العلامة المقراي.
(4) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (114).
السيد العلامة شمس الدين أحمد بن الهادي بن علي بن مهدي بن محمد بن الهادي بن محمد بن الحسن أبي الفتح بن مدافع بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الإمام الناصر أبي الفتح الديلمي المدافعي، نقل ترجمته ولده السيد العارف الهادي بن أحمد. كان سيداً عارفاً في الفقه، قرأ على القاضي العلامة شيخ المشائخ عامر بن محمد الذماري، وكان يثني عليه القاضي، واشتهر على ألسنة الفقهاء تسميته بالباقر لتبقره في العلم، وقد كان يضرب به المثل، سمعت السيد العلامة صلاح بن علي بن عبد الله بن علي بن الحسين المؤيدي (شارح الكافل) - رحمه الله - يصف بعض العلماء الأجلاء ويقول: علمه يشبه علم هذا السيد، وكان للسيد خصال حميدة، وخرج للجهاد بالديار الصنعانية، وكان له تلامذة رحلوا إليه منهم الفقيه العلامة محمد بن الهادي بن أبي الرجال، وتخرج عليه ووقف عنده بالهجرة، اليحيوية مدة، وعلق كل منهما بصاحبه لعلاقة الفقه حتى إنه أخبرني الفقيه محمد الخشب من ملازمي خدمة السيد - رحمه الله - أنه لما وصل السيد هجرة سناع تمنى الانقطاع إلى العلم والكون(1) في تلك الهجرة بشرط كون الفقيه محمد بن الهادي عنده - أعاد الله من بركتهم - وأمليت في حضرة إمامنا المتوكل على الله رب العالمين - حفظه الله تعالى - مسألة في الطمأنينة بعد تكبيرة الإحرام في سجود السهو، هل يثبت أو لا؟ فقال الإمام - أيده الله - هذه مسألة كان الفقهاء يختبرون فقه الرجل بها. قال: ولما وصل السيد العلامة أحمد بن هادي الديلمي إلى شهارة رصده الطلبة في هذه المسألة، ففعل ما هو الصواب، فعرفوا فقهه - رحمه الله تعالى - توفي أحد شهري ربيع في سنة اثنتين وأربعين وألف.
أحمد بن الهادي بن هارون [ - ]
__________
(1) في (ب): والسكون).
السيد الجليل شمس الدين أحمد بن الهادي بن هارون الهدوي - رحمه الله تعالى - كان سيداً سرياً ذكي القلب، ثابت الحصاة(1)، له فراسة صادقة، ينبغي أن يقال فيه: إنه(2) من المحدثين بهذه الأمة، وله في العربية مسكة حسنة وفي الفقه، واشتغل بأمور الإسلام العامة، فإنه كان من أهل الكمال والرئاسة والسد للثغور، ينوب في مقامات لا ينوب غيره فيها، ولو توفر على العلوم مع سعة ذكائه أنسى بالأوائل. وكان اشتغاله - مع الجهاد وعلو الهمة - بالتقوى. وكان جزل الطباع، مسدد الرأي، ليس فيه ولا في آرائه رعونة؛ لأنه كان ذكي القلب، واستفاد التجارب مع ترو(3)، من المأثور عنه في التروي: إذا شريت عنزاً سهرت ليلة، يريد أنه لا يقدم على الأمور جزافاً. وكان الإمام المؤيد بالله يرعى مقامه، ويعده لمهمّات كثيرة، وولي أمر صعدة شهوراً بالنيابة عن مولانا العلامة محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين /215/ بأمر الإمام، ووجهه الإمام في غزوة نجران التي أذلت الملحدين، جعله نائباً عن مولانا عز الإسلام المذكور - حماه الله - ولكنه لم يكن بد من توجه المولى العزي بنفسه الكريمة؛ لأن النصاب من العسكر ما اجتمع عند تجهز السيد - رحمه الله - فاقتضى بطريق مولانا عز الإسلام النفوذ بنفسه، وولي السيد شمس الدين ذمار المحروسة عن أمر إمامنا المتوكل على الله. ولبث - رحمه الله - مدة عاملاً ببلاد خولان، سكن حيدان(4)، وحف به علماء لم يدخل في العمل إلا بهم، منهم القاضي محمد بن الهادي بن أبي الرجال - رحمه الله - الماضي ذكره قريباً، ولي القضاء، ومنهم القاضي العلامة الرايس المجتهد محمد بن علي بن جعفر - رحمه الله - ولي قبض بيوت الأموال، وكانت الأعمال علوية نبوية تزين بها التواريخ،
__________
(1) الحصاة: العقل والرأي. المرجع السابق ص (1172).
(2) في (ب): أنه.
(3) في (ب): تروي.
(4) حيدان: مدينة مشهورة بالغرب الجنوبي من صعدة، بمسافة 70كم (انظر معجم المقحفي ص: 201).
وذكر الإمام المؤيد بالله أنه لما ألح على السيد في هذا العمل واستدناه، رأى ليلة وصول السيد إلى حضرته قائلاً يقول له:
بشراك يا بن الطهر من هاشم ... بما جد دولته تحمد
بأحمد المنصور من هاشم ... بورك ممن(1) اسمه أحمد
وهما البيتان اللذان رآهما السيد الأمير سليمان بن محمد بن المطهر والد الإمام أحمد بن سليمان - رحمهم الله جميعاً - وكان هذا السيد الجليل لا يعرف أحد كنه ما عنده من العلم، لذكائه، فإذا(2) توسط في المسألة مع أي عالم فَهِمَ المقاصد والمتفرعات على البحث فيمليها آخذاً لها من كلام معارضه. وكان له في تعبير الرؤيا حظ سيما في أول أمره، وإلا فإنه أخبرني بآخره من الأمر أنه قلَّ ما عنده من المدد في ذلك، فمن عجيب تأويله الرؤيا أنه عرض(3) الفقيه محمد بن الهادي بن أبي الرجال رؤيا فقال له: هذا الرائي في بيته خشبة انكسرت فليفتقدها، فعزم الفقيه فوجد الخشبة انكسرت تلك الليلة، فأخبر السيد - رحمهما الله - بذلك. فقال السيد: وينبغي أن أصلح الخشبة أنا لأني الذي عبّرت الرؤيا. ومن عجيب ما اتفق وهو إلى وصفه بالفراسة أقرب أنه كان القاضي العلامة الحسن بن أحمد الحيمي - رحمه الله - وزيراً لمولانا سيف الإسلام عضد أمير المؤمنين أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين - حفظهما الله - وأبقاهما عند دخوله بالجنود إلى (وصاب)(4) وديار الشام، وكان مولانا صفي الدين يعوِّل على آراء القاضي، وحق له أن يعوِّل(5)، فإن هذا القاضي كان عذيقها المرجب وجذيلها المحكك(6)
__________
(1) في (ب): في من.
(2) في (ب): فإنه إذا توسط.
(3) في (ب): عرض عليه.
(4) في (ب): بوصان، قلت: ووصاب: جبل متسع بالغرب الجنوبي من صنعاء بمسافة 182كم، ويشمل ناحيتين: وصاب العالي، ووصاب السافل (انظر معجم المقحفي ص: 699).
(5) في (ب): يقول.
(6) قوله: كان عذيقها المرجب، وجذيلها المحلك، هو من كلام الحباب بن المنذور، قاله في سقيفة بني ساعدة، وهو بلفظ: أنا عذيقها... الخ، وصار مثلاً، والعذيق: تصغير العذق، والمرجب: المسند بالرجبة، وهي خشبة ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجر وكثر حملها اتخذوا ذلك لضعفها عن كثرة حملها، والجذيل: تصغير الجذل، وهو عود ينصب للإبل الجرباء تحتك به، فتستشفي به، والمحلكة الذي كثر به الاحتكاك حتى صار أملس، والمعنى: فهو أني ذو رأي يستشفى به في الحوادث، لا سيما في مثل هذه الحادثة، وإني في ذلك كالعود الذي يشفي الجرباء، وكالنخلة بكثرة الحمل من توفر مواد الآراء عندي (هامش في مآثر الابرار 1/ 229 - 230).
، فرأى القاضي في النوم أنه والمولى صفي الدين تحت ثوب واحد، فأراد أن يعرض الرؤيا، فقال للسيد أحمد بن الهادي: يا مولانا رجل رأى أنه وآخر قال له السيد - رحمه الله -: اترك قصص الرؤيا وأنا أقصها وأعبَّرها لك، قال القاضي: هات تمم الرؤيا. قال: نعم، رأيت أنك أنت وسيدي أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين تحت ثوب واحد، قال القاضي: والله ما غادرت شيئاً /216/، وابتهر القاضي لذلك، فقال له السيد: لا تعجب هذه رؤيا قد رأيتها لنفسي أنا وسيدي زعيم المسلمين الحسن بن الإمام، وأوَّلها لي شيخي أحمد بن موسى سهيل(1)، وكان من الحسن مكانك لابنه(2). وله من هذا القبيل شيء واسع، ومن عجائبه أنه لما عمر داره التي في الضيعة خرج مولانا الحسن بن أمير المؤمنين - عليه السلام - لطيافتها فوجده قد جعل ساحة تحت الدار واسعة وهيّأ فيها مرابط الخيل، ولم يكن له إذ ذاك شيء، فتعجب المولى شرف الدين فقال له السيد: إن شاء الله ننتقم من الأتراك، ونملأ هذه خيلاً، فمن عجيب الاتفاق أن السيد دخل بعد قضية نجد محترب(3) بخيل عدد تلك الرباطات التي هيأها، ذكر لي هو - رحمه الله - ذلك. وكان له كرامات ودعوة مستجابة، وكان له في أعلا بيته بالضيعة غرفة، ذكر لي أنه إذا غفل عن بيته ظهر فيها سراج وتلاوة، ومثل هذا سيأتي في ترجمة القاضي محمد الجملولي - رحمه الله - وذكر لي أنه جاءه رجل له مقام عجيب في الاتصال بعالم الجن له نكت تشهد بهذا، فقال: إن بعض الجن توصَّى إلى السيد - رحمه الله - أنه إذا صرع أحد من المسلمين كتب له السيد - رحمه الله - ثلاث عشرة مرة، قل هو الله أحد، ثم يكتب اسمه أحمد بن الهادي بن هارون، وفعل ذلك السيد، وشفي به من شفي. كانت وفاته - رحمه الله - بصنعاء المحمية في (……)(4) ودفن بخزيمة - رضي الله عنه - وأمرني
__________
(1) في (ب): بهذا التأويل.
(2) في (ب): وكان مكاني من الحسن مكانك من ابنه.
(3) في (ب): مخيرب.
(4) فراغ في (أ) و (ب).
المولى السيد الكريم بن الكريم بن الكريم محمد بن المتوكل على الله بن المنصور بالله - سلام الله عليهم - أن أكتب شيئاً يكتب(1) على صخرة، فكتبت:
هذا الضريح الذي فوق الضراح سما ... وحاز من بعد أفلاك السماء سما
فيه الهمام ضياء المكرمات(2) ومن ... للذكر والغزو شق (الحندس) البهما
ما زال بالحرب والمحراب مشتغلاً ... إن قيل ماذا الذي تهواه قال هما
قد حالف الخط والخطي مدته ... ما زال ينشر فيها العلم والعلما
عليه أسنا سلام الله ما حمدت ... فيه الصفات وما مزن السحاب همى
__________
(1) في (ب): يرقم.
(2) في (ب): المبهمات.
وذكرت بعد هذا النظم شيئاً يسيراً من النثر، وكان بينه وبين مولانا العلامة محمد بن أمير المؤمنين(1) المذكور أنس لا يقاس به غيره، وكان خريجه تهذّب بكثير من طباعه؛ لأنه لما وجهه والده أمير المؤمنين إلى (البيضاء) بجنود وافرة إلى ناحية البيضاء أصحبه هذا السيد الجليل، وكان له بمنزلة الأب الذي يرأب، واتفق رأيهما، وتطابقت مقاصدهما، وحمد /217/ أثرهما، وممن صحب المولى العزي في هذا السفر القاضي العلامة الزاهد المحقق محمد بن علي بن صالح العنسي - أسعده الله -(2)، وتخرج عليه(3) أيضاً المولى العزي، فهو أستاذه في المعقول والمنقول، وهذا السيد الجليل من سلاطين الإسلام، ومن حسنات الأيام، لم أر أحرص منه على دينه، ولا أوقف منه عند الشبهة، ولا جرم أنها شنشنة من أخزم، وكان اقترانه بهذين الفاضلين أتم وأحزم، فهكذا القرناء الصالحون والله حسبنا وكفى. وتوالى موته - رحمه الله - وموت القاضي العلامة حواري أمير المؤمنين إبراهيم بن الحسن العيزري، وكان صديقاً للسيد والقاضي العلامة الحسن بن أحمد الحيمي - رضي الله عنهم - والسيد الأديب أحمد بن الحسن بن حميد الدين السابق ذكره، وكان هؤلاء أعيان الوقت، ولي بهم الجميع - رحمهم الله - الأنس الكبير والألفة، فاقتضت الحال كتابة هذه الأبيات، وذكر تواليهم - رحمهم الله تعالى -:
نوا(4) زال غابت عندهن الطوالع ... فهاهي سود أوجهاً والمطالعُ
وها كل مجد قد وهى منه طوده ... وغاض من الشرع الشريف مشارعُ
وكل فؤاد للغضى فيه منزل ... وكل المآقي للعقيق مواضعُ
ففي كل قلب نار حزن تذيبه ... فذا كل قلب في العيون مدامعُ
فكيف سلوي بعد فقد أحبتي ... وقد حال صخر دونهم ويرامعُ(5)
وصاروا بعيداً والمزار مشاهد ... نيام لهم بين التراب مضاجعُ
__________
(1) في (ب): - رضي الله عنه -.
(2) في (ب) زيادة: تعالى.
(3) في (ب): وتخرج أيضاً عليه المولى.
(4) في (ب): نوازل.
(5) يرامع: لم أجدها في القاموس.
أناجيهم والقلب قد عبثت به ... سيوف هموم كلهن قواطعُ
أأحبابنا هل تسمعون نداءنا ... أم استك منكم يا رفاق مسامعُ
أما كنتم من قبل ذا فصحاءنا ... ومفخرنا إذ تحتوينا المجامعُ
أما كنتم نور البلاد جميعها ... بدور كمال في البلاد سواطعُ
فما ذاك المجد(1) بعد ثباته ... أجيبوا فإني للمقالة سامعُ
عليكم سلام الله عندي جوابكم ... إذا حال من دون الجواب موانعُ
قضيتم وقد قضيتم كل مأرب ... وسارت لكم بين الأنام شوايعُ
فطوبى لكم طبتم على كل حالة ... مقالة صدق ما بها من ينازعُ
ونحن بلينا بالمصيبة بعدكم ... ننوح كما ناح الحمام السواجعُ
218/ولو أننا نقضي لكم بعض حقكم ... لما ذاق منا بارد الماء ناقعُ
ولا جال في مجرى سوى ذكر عهدكم ... ولا نام ليلاً في المضاجع هاجعُ
فأنتم لنا والله كنتم أحبة ... منابرنا تزهو بكم والجوامعُ
ولكننا نأوي إلى حصن ربنا ... فذلك حصن في الحوادث مانعُ
هو الصبر إن الصبر حصن ذوي الأسى ... يقاتل عن أصحابه ويمانعُ
وإن لم يك الصبر الجميل يطيعنا ... وذاب بنار تحتويها الأضالعُ
رجعت(2) إلى التفكير في كل أسوة ... فيأتي لنا صبر سوى الصبر طائعُ
ألم يك قد مات النبي وآله ... وعطل عنهم في المعالي المرابعُ
وما المال والأهلون إلا وديعة ... ولا بد يوماً أن ترد الودائعُ
وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه ... يحور رماداً بعد إذ هو ساطعُ
فلي أسوة في واحد بعد واحد ... وثالثهم يتلوه في العد رابعُ
بها ليلُ بسامون في كل حالة ... سواء رخاء حركت أو زعازعُ
على كل حال هم جبال جهينة ... وهل حركت رضوى الخطوب الروائعُ
على أنهم في الخصب والجدب أبحر ... فمن أين تأتيهم(3) فنعم الشرائعُ(4)
فقل لابن هارون الذي هو أول ... تلاك رجال للزمان صنائعُ
وفَوالَك لَمَّا أَن رأوك سبقتهم ... إلى مورد منه النفوس كوارعُ
__________
(1) في (أ): فما ذاك المجد.
(2) في (ب): رجعنا.
(3) في (ب): تأتيها.
(4) في (ب): المشارع.
لأنك سباق إلى كل غاية ... وغيرك في مجرى الفضائل تابعُ
سبقتهم جرياً إلى الجنة التي ... جناها لمن يجنيه دانٍ ويانعُ
تلاك حواري الإمام أخو العلا ... وصارمنا السيف الذي هو قاطعُ
وقاضي قضاة المسلمين خطيبهم ... إذا خاض قاضيهم وخاض المصافعُ
زهود عن الدنيا الجميع بأسرها ... وليس له عنها إذا رام دافعُ
وثلثه الحيمي عالمنا الذي ... يناضل عن عليائنا وينازعُ
عليم حليم في الأمور مجرب ... محكك قد حكّته دهراً وقائعُ
أعان أمير المؤمنين بعزمه(1) ... بها في جنان الدهر منه مجامعُ
تجاوز براً بعد بحر ومجهلاً ... على مجهل فيها أمور روائعُ
إلى أرض سنار وجاوز أرضها ... إلى سجد والأمر و(2)الله فاجعُ
فصاول قوماً أهل مكر وسارعوا ... إلى خدعه والله عنه يدافعُ
/219/ وكم من أمور كان فيها مجلياً ... وبرهانه فيها لمن شك قاطعُ
وجدد وجدي والأسى يبعث الأسى ... نعي شريف منه سكت مسامعُ
وأرسل جفني (عندم) الدمع عن دمي ... يسلسله والطرف دام ودامعُ
شريف رضي مرتضى في خصاله ... بديع معان منه تنشا (3) البدائعُ
حكى فعله ماضي الجدود فأمره ... يشابه حسناً أمرهم ويضارعُ
سليل حميد الدين أحمد من له ... محامد إن عددتها ضاق واسعُ
عليهم جميعاً ألف ألف تحية ... تزورهم ما خرَّ لله راكعُ
واطلب من ذي العرش جبر قلوبنا ... فتلك خطوب للقلوب صوارعُ
واطلب منه اللطف في كل حالةٍ ... يلين به قاسٍ ويقرب شاسعُ
فإنا على تصميمنا في أمورنا ... وما ردنا(4) عنهن للرشد وازعُ
كأنا على أمر من الموت كلنا ... وما نبهتنا ذي الخطوب القوارعُ
فنحن كسرح إن ير الذئب مقبلاً ... يرعها وإن ولَّى فهن رواتعُ
على أننا قد ندعي في حلومنا ... دعاوي وهذا الفعل فيها ينازعُ
ولكن لنا في الله جل مطامع ... وليس بظني أن تخيب المطامعُ
__________
(1) يعني عزمه إلى أرض الحبشة.
(2) في (ب): تالله.
(3) في (أ): ينسى.
(4) في (ب): ومازدنا.
إلهيَ وفقنا لتقواك إنها ... لأربح شيء إذ تعد البضائعُ
وقدس بروضات الفراديس صحبنا ... تداني لهم فيها الثمار اليوانعُ
فقد قدموا ضيفاً يجودك سيدي ... وقبلهم طه المشفع شافعُ
وأحسن لنا منك الختام تفضلاً ... فأنت جواد ما لجودك مانعُ
أحمد بن يحيى بن يحيى(1) [ - ]
السيد الأمير الكبير ينبوع العلم شمس الدين أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن الأمير العالم المعتضد بالله عبد الله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم ترجمان آل الرسول بن رسول الله - صلوات الله عليه وعليهم- كان هذا الأمير الخطير من أكابر العلماء فاضلاً، ترجم له ابن المظفر، وقال: كان عابداً، ورعاً، زاهداً، انتهى.
قلت: وهذا والد الأميرين الخطيرين شيبتي الحمد محمد ويحيى المعروفين بالأميرين بدر الدين وشمس الدين - رضوان الله عليهم -. وأُمُّ هذا الأمير وأم إخوته الحسين والمحسن ومحمد وعلي والحسن عربية من الجوف، وهي مريم بنت ناصر /220/ من بني عمران.
أحمد بن يحيى بن أحمد(2) [ - ]
الأمير الشريف شهاب الدين أحمد بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - ترجم له ابن المظفر - رحمه الله - فقال الأمير الفاضل العالم ترجمان الدين أحمد بن(3) المهدي بن شمس الدين، قال: ومحله من الفضل معروف، وترجم له غيره، فأثنى عليه كثيراً.
قلت: وهذا والد الأمير المؤيد - أعاد الله من بركتهم -.
أحمد بن يحيى بن حمزة(4) [ - 748 ه ]
__________
(3) في (ب): أحمد المهدي.
(4) صلة الإخوان، طبقات الزيدية الصغرى.
السيد العلامة الأسعد شمس الدين أحمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بن رسول الله - سلام الله عليهم - ترجم له السيد العلامة يحيى بن المهدي في كتابه (صلة الإخوان)، فقال: كان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً متواضعاً متحنناً على المسلمين، خادماً للدرسة والمساكين بنفسه، زاهداً في اللباس وركوب الخيل، انتهى كلامه.
وترجم له السيد فخر الإسلام عبد الله بن الهادي بن الإمام يحيى - عليه السلام - فقال - ما لفظه - كان عالماً صالحاً فاضلاً زاهداً، اشتغل بالعلم وطلبه، وأخذ عن والده، وكانت فيه نصاصة نبوية وبهجة مؤيدية(1)، وجمال فائق، وكمال رائق، وكان أحب أولاده إليه(2)، ولم يزل في أخذ العلم وإعطائه، ملازماً لوالده، مشتغلاً بالقراءة عليه حتَّى توفي [في] عنفوان الشباب وبلوغ الكمال، ولما توفي - رضي الله عنه - في حياة والده وجد عليه موجدة شديدة حتَّى روي عنه - عليه السلام - أنه دخل عليه بعد موته وهو مسجى بثوب، فكشف عن وجهه وأخذ يُقَبِّلُه وهو يقول: والله يا أحمد ما أرضى عليك ثواباً إلا الجنة، ثُمَّ صلى - عليه رحمة الله ورضوانه عليه - وكانت وفاته بهرّان(3) عند الزوال من يوم السبت يوم ثاني شهر ربيع الآخر سنة ثماني وأربعين وسبعمائة رحمة الله ورضوانه عليه (……)(4).
أحمد بن يحيى بن صلاح(5)[ - 933 ه ]
__________
(1) في (أ): نبوية.
(2) في (ب): وكان أحب أولاده يعني الإمام إليه.
(3) هران: جبل بركاني شمال مدينة ذمار (معجم المقحفي ص: 677).
(4) فراغ في (أ).
(5) الفضائل (تأريخ بني الوزير - خ ـ).
السيد النجيب الأروع شمس الدين أحمد بن يحيى بن صلاح بن محمد بن أبي الفضائل - عليهم السلام - ترجم له السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد بن الوزير، وهو حين كتابة الترجمة حي، فقال بعد أن ذكر السيد صارم الدين إبراهيم بن يحيى بالنجابة، وذكر أنه رُبِّىَ في حجر المملكة، ونشأ بها، وهو في حكم الملوك، وله نزاهة وشرافة في النفس، ونفس تواقة تتعلق بالعلوم والقراءة والمطالعة والكتب لا يلوي على غير ذلك، ثم قال في صنوه أحمد صاحب الترجمة هذه، وله مثل أخيه في الجلالة والمنزلة الرفيعة والحالة، واشتغل بالعلم وطلبه في أوائل صباه، ومال إليه كل الميل، وأقبل كل الإقبال، وله همة وقَّادة(1)، وقريحة منقادة، واستنفاد(2)، وهو الآن في زمان الطلب، وبر والده وكفاه وهو رجل لبيب أديب مدبر، محكم لا يفوته شيء من أعمال الدين ولا من أعمال الدنيا(3) على صغر سنه غاية الأحكام، وله أخلاق حسنة وطرق في المحاملة(4) والمخالقة والمقابلة، انتهى.
__________
(1) في (ب): وله فطنة وقادة.
(2) في (ب): واسناد.
(3) في (ب): ولا من أعمال الدنيا له على صغر.
(4) في (ب): المجاملة.
قال السيد شمس(1) الدين أحمد بن عبد الله(2) الوزير - رحمه الله -: ذكر سيدي الهادي - رحمه الله - سيدي أحمد بن يحيى - رحمه الله تعالى - وهو في سن الصغر، ولم يختلف حاله عما ذكر سيدي الهادي /117/ حتى توفي والده - رحمه الله - وملك عامر البلاد، فأنزله اليمن، وكان يسكن بأولاده (رداع)(3)، ويلازم عامراً في أسفاره وفي حضره في غالب الأحوال على سبيل الرهائن، وإن كان يظهر لهم خلاف ذلك فإنه كان يجلهم ويكرمهم ويفعل إليهم من المعروف ما لا مزيد عليه، وكان قد قاسى شدائد هائلة لما طلع الأتراك إلى رداع وأهله بها، وسلمه الله، وسلم أولاده، وانتقل إلى صنعاء في أيام تلك الفتن والزلازل موفور العرض والمال بحمد الله تعالى، وحفظ خزانة الإمام الناصر صلاح بن علي وأرجعها إلى صنعاء على مشقة عظيمة، ولم تزل تحت يده حتى توفي في صنعاء بطاعون سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله - وقبره بقرب المحاريق، انتهى.
أحمد بن يحيى اليحيوي(4) الرغافي [ - ]
__________
(1) في (ب): شمس الإسلام.
(2) في (ب): بن الوزير.
(3) رداع: مدينة كبيرة شرقي ذمار بمسافة 35كم، وتعرف برداع العرش (معجم المقحفي ص: 265).
(4) الدرة المضيئة.
السيد العارف صاحب المكارم شمس الدين أحمد بن يحيى اليحيوي الرغافي - رحمه الله - كان - رحمه الله - من شيوخ العلم، إماماً في الفقه مدرساً، له جماعة من الطلبة، يتعلقون به من أعيان الوقت، كانوا عنده (بهجرة رغافة)، وكان كريماً طاهر القلب واسع الأخلاق وكثير(1) الشفقة على المسلمين قليل الشكوك في الطهارات الظاهرة، وإنما يتحرز ويتورع في المأكل وحل الأموال، وكان عفيفاً حسن الظن بكل أحد - رحمه الله تعالى - وهو جد السيد العلامة النحرير الحسن بن أحمد الجلال، - عافاه الله - من قبل أمه الشريفة الطاهرة العابدة - أعاد الله من بركتهم أجمعين- واشتهر ظهور النور من قبره - رحمه الله - وقيلت في ذلك الأشعار الفائقة.
أحمد بن يحيى بن أسعد الصعدي [ - 646 ه ]
الفقيه الشهيد الرائس العلامة أحمد بن يحيى بن أسعد بن يحيى بن الحسين بن حليفة(2) الصعدي قرين الكتب والكتائب، خدين المناقب والمقانب - أعاد الله من بركته - من جملة(3) العلماء وكبار الفضلاء عالماً عاملاً، وكان خاصة أمير المؤمنين الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام - ولأجله أظهر الله كرامته لعبده وابن بنته الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وذلك أن أسد الدين محمد بن الحسن التركماني خرج من (براش) يريد اليمن يستنصر بالملك المظفر، فأمر الإمام من أعيان دولته الأمير الكبير المقدم أسد الدين محمد بن سليمان بن موسى يحفظ حصن وادي (الزيلة) بأعلى وادي يكلا (4) ، وأمر هذا العلامة أحمد بن يحيى بعسكر كثيف إلى محل آخر وهو الناظر من قبل الإمام في أعمال البلاد السنحانية.
__________
(1) في (ب): كثير الشفقة.
(2) لعله: خليفة.
(3) في (ب): من جلة.
(4) يكلا: مدينة خربة أعلا عزلة الكميم بالحدا، وتعرف خرائبها اليوم بالنخلة الحمراء، رواديها يسمى الزيلة (معجم المقحفي ص: 716).
قال السيد يحيى بن القاسم: وكان حسن السيرة، شديد العزيمة على أعداء الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، فحط في موضع يسمى (سيّان)(1) من بلاد سنحان، واجتمع عنده شيوخهم مظهرين النصيحة ومبطنين للنفاق، ولم يزل الإمام يكتب إليه بكتب التحذير من غدرهم، فحسن الفقيه بهم الظن، فلما وفر لهم أسد الدين التركماني الجعل طلبوا من الفقيه - رحمه الله - أن يبرز لهم لمشورة ابن عمهم، فخرج إلى سفح جبل شامي قرية سيّان /222/ قبره معروف هنالك، غير بعيد من القوم، فلما برزوا للمشورة وثب عليه جماعة من شيوخهم الضلال والفقيه في خلال ذلك يكبر، ويذكر الله تعالى، وكان ذلك بكرة الخميس لست ليال خلون من شهر جمادى الآخرة(2) سنة ست وأربعين وستمائة، والكرامة التي لمحنا إليها هي انهدام الصخرة التي كان الفقيه يعقد فيها العقود لربه - عزَّ وجلَّ - ولأمير المؤمنين، وصفة القصة ما ذكره السيد يحيى بن القاسم، وصفة(3) القصة في ذلك: أنه كان في بعض الليالي وسمعنا هدة عظيمة في الليل ونحن في محطة العمري، فمن الناس من ظنها رجفة إذ لم يكن ذلك الوقت فيه مطر ولا شيء مما يدل على ذلك، فلما كان من الغد تحدث الناس بأن الصخرة المعروفة وهي الصخرة التي كان حي الفقيه شمس الدين أحمد بن يحيى الزيدي ثم الصعدي يجمع سنحان عندها لكونها ذات كهوف وظلال وراحة في أيام الصيف، وقد أخبرني غير واحد ممن أثق به أنه كان إذا جمعهم أكد عليهم الأيمان والمواثيق لأمير المؤمنين، فلما كانت تلك الأيام بعد قتله بمدة وهي دون الشهر لا أحفظ عدد أيامها تحدث الناس بذلك وأكثروا، فسار أمير المؤمنين في تلك الأيام لينظر إلى هذه العجيبة، وسار معه خلق كثير من الناس، قال السيد شرف الدين - رضي الله
__________
(1) سيان بفتح السين المهملة وتشديد الياء المثناة من تحت قرية عامرة جنوبي صنعاء من بلد ذي جُرْت سنحان بالقرب من مقولة (معجم المقحفي ص: 336).
(2) في (ب): الأخرى.
(3) في (ب): ولفظه.
عنه - وكان بينها وبين المحطة مقدار ميل أو يزيد عليه، والله أعلم. فلما وصلنا إليها رأينا عجيبة لا يبلغها الواصف، وهو أن هذه الحجرة تفلقت شعوباً كأنما هي حجر النورة إذا رشت بالماء، ولعل مساحة هذه الحجر مائة ذراع، والله أعلم.
قال السيد شرف الدين - رضي الله عنه -: سألت أمير المؤمنين ما الذي يروى عنه في ذلك، فقال: إني لا أتحقق إلا أن رجلاً من العسكر عند أن أشرفنا على وادي العمري وقابلنا تلك الحجر التي كان الفقيه أحمد بن يحيى يجمع إليها سنحان ويحلفهم تحتها، فقلت له كلاماً فيه معنى الدعاء، وقد أنسيته، ثم روى الناس عن الإمام - عليه السلام - أنه دعا على الحجر وعلى سنحان، فكان ما كان من أمر الله.
قلت: وقد ذكرها علماء ذلك العصر، من ذلك قول العلامة اللسان ركن الدين مسعود بن عمرو العنسي:
ألم تبصر التنين فارق سقمه ... على طول عهد منهما متقدمِ
دعوت فصارت في مفاصل جسمه ... حياة الذي أفنى قبائل جرهمِ
وهضبة سنحان التي قد دعوتها ... فجاءت وكانت منتمى كل أعصمِ
وأعمى كساه النور رب دعوته ... وقد كان في جنح من الليل مظلمِ
وأرضاً وطئت الترب منها فأعشبت ... وغيثاً دنا لما دعوت ألا أقدمِ
وهذه قضايا لمح إليها القاضي - رحمه الله - من قصيدة طويلة، وذكر ذلك السيد الإمام /223/ يحيى بن القاسم الحمزي من قصيدة فقال - رضي الله عنه -:
أوما إلى هضب الكميم بكفه ... فتبددت أحجاره تبديداً
وقال العلامة عيسى التهامي - رحمه الله - الآتي ذكره: وأومأ إلى فضائل أيضاً منها قصة الملك عمر بن علي بن رسول، وأرسل هذه الأبيات مع ابن صغير له طال سقمه(1):
ألمي لا يطاق مالي سوى اللـ ... ـه إذا ما دعوته يشفيني
فادع لي الله دعوة تبلغ العر ... ش سريعاً كدعوة التنينِ
كم سقيم ومقعد عاد هذا ... ذا شفاء وذا كبعض الغصونِ
وعدو لما دعوت عليه ... قصدته الأحباب بالسكينِ
__________
(1) زيادة في (ب): فقال.
وإلى الآن قرب يكلي بسنحا ... ن على مهيع بها مستبينِ
جبل بايعوا عليه وخانوا ... فتداعى وانقض رأي العيونِ
ولعلنا نذكر شيئاً بالعرض من هذه الفضائل لهذا الإمام - عادت بركاته- (1).
أحمد بن يحيى الذماري(2) [ - ]
الفقيه العالم الفاضل شمس الدين أحمد بن يحيى الذماري - رحمه الله - كان فاضلاً، ذكره بعض العلماء بالتبع لطريقة لطيفة، وذلك أن السيد العلامة إبراهيم بن علي بن المرتضى تقدم من شظب إلى ذمار قاصداً للإمام الناصر - عليه السلام - فلما وصلوا الصرارة(3) أو حصن ثلا فقال السيد صارم الدين - رحمه الله -:
كأنه طائر هيا قوادمه ... لأن يطير ولما ينشر الريشا
قال الفقيه شمس الدين المذكور، فرويت ذلك لصنوه السيد شمس الدين أحمد بن علي بن المرتضى، فاستجاده، وقال: ينبغي أن يكون قبله:
أما رأيت ثلا في نصب قامته ... يبدي لنا عن حضيض الأرض تكميشاً
انتهى، وقد أثنى بعض السادة الكبار على الفقيه المذكور - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن يحيى بن أبي النجم(4) [ - ]
القاضي العلامة أحمد بن يحيى بن أبي النجم - رحمه الله تعالى - ذكره بعض القضاة آل أبي النجم، وأثنى عليه، وذكر نسبهم - رحمهم الله - في ترجمة القاضي المذكور، فقال: هو القاضي عماد الدين عمدة القضاة الأمجدين أحمد بن يحيى بن محمد بن حسن بن أحمد بن محمد بن علي بن سليم(5) بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن إبراهيم بن حمزة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن حمزة بن علي بن إسحاق بن أبي النجم، وأبو النجم يمني يعربي من ولد الملك وليعة، وابن(6) الملك مرثد ابن الملك عبد كلال، وهو ملك مؤمن صالح بن التبع عمرو بن تبع بن حسان بن أسعد، وأنشد ذلك الفاضل:
ثلاثة يشرق أنوارها ... لا بدلت من مشرق مغرباً
__________
(1) في (ب): بركته.
(3) الصرارة: قرية في جبال عيال يزيد غرب عمران (معجم المقحفي ص: 378).
(5) في (ب): سليمان.
(6) في (ب): ابن.
/220/ آل أبي النجم لقد طبتم ... أصلاً وفرعاً وثناً أطيبا
لكم شهود بالذي حزتم ... بيض الأيادي ثم بيض الطبا(1)
مزقتم المال لشيد العلا ... حتى غدا شتى كأيدي سبا
وغيركم يجمعه جاهداً ... فحاز في الدارين منه شبا(2)
وليدكم يزهو به منبر ... يثغر للعلياء قبل الصبا
فخلد الله مساعيكم ... في المجد ما هبت نسيم الصبا
أحمد بن يحيى بن حنش(3) [ - 737 ه ]
الفقيه العالم المحقق أحمد بن يحيى بن حنش، صنو الفقيه العلامة المذاكر المجتهد مؤلف (التمهيد)(4) و(القاطعة)(5) محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش، وسيأتي ذكره وذكر والدهما إن شاء الله، يحيى بن أحمد صاحب كتاب (أسرار الفكر)، ولأحمد هذا عقب، وكان عالماً كبيراً يقال إنه تغيب (اللمع)، وتوفي في الرابع عشر من محرم سنة سبع وثلاثين وسبع مائة، وقبر إلى جنب والده يحيى بن أحمد رحمهما الله.
__________
(1) الطبا: لعلها الظُبَا: حدُّ سيف أو سنان ونحوه. (المرجوع السابق ص 1202).
(2) شبا: جوانب أسَلَة النعل. (المرجع السابق ص 1193).
(4) ويسمى: التمهيد والتيسير لفوائد التحرير (مجلدات) شرح فيه كتاب التقرير للأمير الحسين بن بدر الدين، وهو شرح كتاب التحرير للإمام أبي طالب الهاروني - منه نسخة خطية خطت سنة 800ه أمبروزيانا (83).
(5) ويسمى القاطعة في الرد على الباطنية (مجلدان) ولم أجد له نسخة خطية.
أحمد بن يحيى بن سالم الذويد(1) [ - 1020 ه ]
__________
(1) الأعلام 1/271، ومنه تحفة الإخوان للقاضي الجرافي 32 - 37، 55، شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز 1310ه - 1312ه بلوغ المرام، المقتطف، تأريخ الواسعي، الموسوعة اليمنية 1/65، أئمة اليمن في القرن الرابع عشر لزبارة، المستطاب (خ)، الجامع الوجيز (خ)، مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن 373، مصادر الحبشي، مصادر العمري، مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة في اليمن، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 197. طبقات الزيدية الكبرى ترجمة رقم 116.
الفقيه المحدث إمام المعقولات أحمد بن يحيى بن سالم (بن موسى)(1) الذويد بن علي بن محمد(2) الصعدي - رحمه الله - كان عالماً غريب الصفات، قليل النظير في وقته، جمع أنواعاً من العلم، أما الشرعيات فإمامها على الإطلاق، وله (شرح على تلخيص) المفتاح تأليف القزويني، بسط فيه، وفي كل علم له قدم راسخة، ولقد بلغ في الطب(3)، كما قيل مبالغ ابن زهر، وعلم الرمل ولواحقه والزيجات، وحل السحر، وقرأ التوراة، وكان آية من آيات الله مع مكارم أخلاق، يفصح النسيم العبور لطفاً ويخجل شميم العبير عرفاً، روي أنه قدم صعده من صنعاء المحروسة ضحوة نهار، ولم يصل إلى منزله إلا وقد آن وقت العصر يقف مع كل من لقيه، ويوفيه حقه، وكان من أهل الثروة والمالية الواسعة، ولكنه كلف بالكتب وتحصيلها، وكان بعض إخوته كلفاً بالتجارةووالدهم إذ ذاك حي، فاجتمع للفقيه شمس الدين خزانة ملوكية من غرائب الكتب، وكانت قد تفرقت في الخزائن بعد موته؛ لأنه - رحمه الله - وقفها، ثُمَّ اجتمع منها بواسطة الفقيه الأديب اللبيب أحمد بن عبده الطحم الجافي جمهور بعد المائة(4)، في ذهني أنه أخبرني أن الكتب أربعمائة وخمسون مجلداً، ولعله أخبرني عن الموجود في أيدي الناس لا عما جمعه، وكان الفقيه العلامة سيبويه زمانه أحمد بن علي دياس المعروف يعارضه منقطعاً إليه يكتب له الكتب ويحشيها، وكان هذا المعروف بديَّاس آية من آيات الله في علم العربية لا يلحق، ولقد رأيت له تحشية على (الموشح) وافية من كتب لا يعرفها أهل اليمن، ومن الدائر على الألسنة أنه حفظ (الكشاف) غيباً، ولكنه غير ستير الحال، ولا يسلك(5) مسالك العلم، ألقى نفسه /225/ ببير الدرب بصعده، وأما
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): أحمد بن يحيى بن سالم الذويد بن علي بن محمد بن موسى الصعدي.
(3) في طبقات الزيدية الكبرى: الطب، كما أثبته، وفي النسختين: الطلب.
(4) في (ب): يعدُّ بالمائة.
(5) في (ب): بسالك مسالك العلم.
هذا الفقيه شمس الدين فكان من أهل الاستقامة، وسمع الست الأمهات واستجاز منه، وقرأ عليه شيخ الشيوخ السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي - رحمه الله - وكان له تلامذة، ولما مات فر منهم هائماً على وجهه من فر بعد أن رثاه بقصيدة لم تحضرني عند الرقم، وكان من تلامذته الفقيه مهدي الشعيبي، ورثاه بأبيات أيضاً، ومن المراثي المقولة فيه من تلامذته:
سل المجد هل أضحى مقيماً بصعده ... وهل ضربت بالسوح فيها(1) مضاربه
ومن عجيب أمر أحمد بن يحيى بن سالم - رحمه الله - أنه كان يعرف الأكسير، طلع إلى براش بقرب الغيلي، وهو شرقي الغيلي جبل أسود، ومعه القاضي العلامة حاكم المسلمين يحيى(2) بن أحمد بن حابس، فقال له: في هذا المحل قدر ذراع(3) مقدرة الأكسير الذي يخلص به الأمر، فحاوله أن يعرفه فلم يفعل، وتجاوزا إلى محل آخر، وعرفه بذلك، وفاته - رحمه الله - في يوم الاثنين خامس عشر من جمادى الأولى سنة عشرين بعد الألف، ودفن في قبة قبلي القرضين(4) من جهة الغرب - رحمه الله تعالى -.
أحمد بن يحيى الضيائي الأهنومي(5) [ - ]
__________
(1) في (ب): منها.
(2) لعل الصواب: أحمد بن يحيى بن أحمد.
(3) في (أ): قدر أذرع.
(4) لعله: الفرضتين.
(5) المستطاب - خ - 2/92، أعلام المؤلفين الزيدية، وفهرست مؤلفاتهم ترجمة رقم (201)، وهو فيه باسم أحمد بن يحيى الضبياني الحاتمي، طبقات الزيدية الكبرى ترجمة رقم 119.
العلامة المتكلم لسان التوحيد أحمد بن يحيى الضيائي الأهنومي، ثم الظليمي، إمام المتكلمين وشيخ شيوخهم، قرأ عليه المحققون، وكان مترجماً عن الحق صادعاً به، وله مقامات في ذلك، ومن شيوخه سراج العطار، منها قيامه في المسجد الجامع بحضرة الإمام شرف الدين، وقد خطب بعض الخطباء معلناً بنسبة الأفعال إلى الله، فقام في الحال وضرب بثوبه، ومنها قضيته ببلاد ذي جبلة حكاها لنا شيخنا أحمد بن يحيى حابس، قال: حكاها له الإمام القاسم - عليه السلام - ليلة عيد بحبور، وصفتها أن الضيائي خرج إلى بادية صنعاء، ثم تشوقت نفسه إلى التجاوز إلى ذمار، فلما وصل(1) إلى ذمار حربه الشوق، فما زال حتى وصل إلى ذي عقيب من أعمال ذي جبلة، فدخل المسجد، ولما آن تغليقه أمر السادن أن يخرج كل أحد فدخل الضيائي بين الحصير، فلم يشعر به السادن، فاستقر ساعة، فدخل شيخ معه شابّان(2)، فقرأوا في علم الكلام، وكلما مروا بمسألة بين العدلية والأشعرية قال الولدان لشيخهما: فما قالت المعتزلة بعد هذا؟ قال: لا أدري، فقالا: ليت إنا نجد رجلاً منهم ليعرف هل يقر لهم حجة، فلما كثر هذا قام الضيائي وقال: أنا معتزلي يريد أنه عدلي؛ لأن مقالة المعتزلة موافقة للعدل، فأعادوا المعشر، وكان الضيائي يحفظ (الخلاصة) و(الغياصة)(3) غيباً، فرد الحجج وجاء بالمطالبات، فتعلق به الولدان، وقالا: الحق معك لا يجوز لك أن تتركنا، فمنع، وكان يتندم على عدم المساعدة، وكان بحراً من بحار العلم. وله نكتة ظريفة، أخبر بها القاضي العلامة الهادي بن عبد الله بن أبي الرجال - رحمه الله - قال(4) لما زار قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دعا عند الشباك بدعاء، فهم بعض الجهال أنه محب لآل محمد، فقال: هذا الزيدي، وصاح به، /226/ وآذاه، فضربه القاضي، فاجتمع الناس، وقالوا: ما هذا؟
__________
(1) في (ب): فلما وصل ذمار.
(2) زيادة في (ب): معهم شمعة.
(3) في (ب): أو الغياصة.
(4) زيادة في (ب): إنه.
قال القاضي: هذا رجل يسبني ويقول يا زيدي(1)، فقال الرجل: هو والله زيدي، فقالوا له: يا قليل الخير، تسبه عند رسول الله، وقالوا للقاضي: اضربه، فكان يضربه، ويقول عند أذنه أنا والله زيدي. وله نكتة حسنة مع الإمام مجد الدين بن الحسن، وقبره - رحمه الله - بصنعاء، ويقال: إن الذي سماه الضيائي الإمام شرف الدين.
أحمد بن يحيى حابس(2) [ - 1061 ه ]
__________
(1) في (ب): ويقول أنا زيدي.
(2) الجوهرة المنيرة (سيرة المؤيد - خ ـ)، سيرة المتوكل على الله إسماعيل - خ - بغية المريد - خ - المستدرك على معجم المؤلفين ص 112، ومنه المورد مجلد (3) العدد (1) ص 228، سيرة القاسم بن محمد النبذة المشيرة (خ)، البدر الطالع 1/127، مصادر العمري 266، هداية العارفين 1/159، الأعلام 1/257، معجم المؤلفين 2/202، طبقات الزيدية القسم الثالث، المستطاب - خ - مصادر الحبشي 219، 162، 385، الجواهر المضيئة - خ - ص 22، تاريخ اليمن طبق الحلوى 128، مؤلفات الزيدية انظر الفهرس، مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة (باليمن). وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 193.
القاضي العلامة حافظ علوم الزيدية شمس الدين أحمد بن يحيى(1) حابس - رحمه الله - عالم كبير، وإمام شهير، تولى القضاء بصعدة المحروسة بعد موت أبيه يحيى بن أحمد، وولي الخطابة بجامع الهادي - عليه السلام - والإمامة، ونشر العلوم، ويسَّر للطالبين مظنونها والمعلوم، وكان في صغره سريع البادرة يلتهب ذكاءً، ولم يكن له في صغره همة تتعلق بغير العبادة والعلم، حتَّى إني سمعته - رضي الله عنه - يقول: ما كنت أظن أني أخالط أحداً، ولا أخوض في مجال دنيوي، بل قد كان راض نفسه على(2) العزلة وآوي(3) إلى كهف بجهة قراض، وما صاقبها، وشرح (تكملة الأحكام)(4) المعروف بالفائدة، وعمره ثماني عشرة سنة، وهو الذي ينقل عنه شيخ الشيوخ السيد محمد المفتي، ويسميه الشارح المحقق، وشرح (الشافية)(5) في التصريف بشرح لم يتمه؛ لأنه رأى (المناهل) للشيخ لطف الله، فوافق مراده وفي شرحه فوائد، رأيت منه شيئاً مفيداً.
__________
(1) في (ب): بن حابس.
(2) في (أ): عن العزلة.
(3) لعلها: وأوى.
(4) ويسمى: شفاء الأسقام في توضيح التكملة للأحكام مخطوط منه نسخة بخط المؤلف كتبها سنة 1019ه بمكتبة السيد محمد بن عبدالملك المروني، وثانية وثالثة في المكتبة الغربية جامعة صنعاء برقم (52) تصوف ورقم (26) بلاغة ونسخة كثيرة، انظر: كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 200 - 201.
(5) لم أجد له نسخة خطية.
وكان إماماً في العربية، ولما بلغ الأمير رحب مكانته في العلم سيما التصريف، توسل إليه بالوسائل ليجتمع به، فازداد بعداً - أعاد الله من بركته - وقرأ في الشام قراءة نافعة، ثُمَّ رحل إلى الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - وتلقى منه فوائد غريبة. مما سمعه من فِيْهِ - أعاد الله من بركته - أنه كان له في حبور مكان بالقرب من مكان الإمام القاسم، فخرج الإمام ليلة العيد للسمرة، فوافق القاضي في مكانه، فأخذ معه في المذاكرة، فأحب الإمام الإلقاء عليه، فأملى له عدة فوائد، من جملتها جواب الإمام - عليه السلام - على العلامة ابن الصلاح الشافعي في الجزم بتعديل الصحابة جميعاً، وهو الذي نقله القاضي شمس الدين في شرحه على (الكافل)(1) واشتغل الإمام عن السمرة بإملاء تلك الفوائد، لكنه استحضر الأعيان إلى مكان القاضي - رحمه الله - ودار - رحمه الله - في جهة الأهنوم هو والسيد العلامة شمس الإسلام أحمد بن محمد بن لقمان الماضي ذكره، والسيد ناصر صبح(2) الغرباني، فكانوا مجتمعين، وكل واحد يقري الآخرين في فن، وشرح الكافل الذي ذكرناه شرح مفيد مبسوط، ولم يكن قبل
__________
(1) ويسمى الأنوار الهادية لذوي العقول إلى نيل الكافل بنيل السؤل، خطي، منه نسخة خطت سنة 1091ه برقم (1467ه)، وثانية خطت سنة 1080ه، برقم (1466)، وثالثة برقم (1512ه) مكتبة الأوقاص بالجامع الكبير بصنعاء، وف يالمكتبة الغربية بنفس الجامع نسختان منه برقم (22 ، 23) أصول ثقة ومنه نسخة خطت 1340ه في مكتبة السيد محمد بن يحيى بن عباس، وأخرى في مكتبة العبيكان برقم (78)، وأخرى مصورة من نسخة خطت سنة 1341ه بمكتبة القاضي عبدالله بن أحمد الرقيحي في مركزية، وهناك نسخ خطية كثيرة من مكتبة آل الهاشمي، والسيد محمد بن عبدالعظيم الهادي، والعلامة حسن بن يحيى سهيل، والعلامة عبدالرحمن شايم كل ذلك بصعدة، وانظر كتابنا مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة باليمن.
(2) في (أ): صبيح.
سنة ثماني وأربعين، خرج إلى صنعاء، فيسر الله لي إخراجه من صعدة فاشتهر بصنعاء، واطلع عليه سيدنا العلامة صارم الدين إبراهيم بن يحيى السحولي، ودرس فيه ولده العلامة محمد بن إبراهيم، وقال لي القاضي صارم الدين: يا ولدي كنت جاهلاً لمقام القاضي شمس الدين، ولقد عرفت فضله، فأنا في كل يوم أبتهل إلى الله أن يمتع المسلمين بوجوده - رحمهم الله أجمعين - وللقاضي (التكميل)(1) /227/ كتاب جامع حافل في الفقه، كمل شرح ابن مفتاح بحواصل وضوابط وتقريرات على مشيخته الأجلاء القاضي سعيد الهبل وغيره، وكان يستحضر بعض الأيام جماعة من الفقهاء كالفقيه علي القصار - رحمه الله - والفقيه علي الخيواني، فكان هذا الكتاب مغنياً عما سواه لمن أراد الوقوف على نهوض(2) المفرعين - رضي الله عنهم - وله كتاب (المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن)(3) وكتاب (سلوة الخاطر)(4) لا يستغني عنه فقيه سيما من علقت
__________
(1) التكميل على شرح ابن مفتاح (تكملة شرح الأزهار) منه نسخة خطية في مكتبة جامع شهارة، خطت سنة 1064ه في مجلدين، ومثلها في مكتبة الأوقاف برقم (1093) و(1092)، وفي المتحف البريطاني نسختان، انظر مصادر العربي، ونسخة في مكتبة جامع المدان الجزء الأول إلى كتاب الطلاق.
(2) كذا في (أ) وفي (ب). والظن أنها: نصوص.
(3) المقصد الحسن والمسلك الواضح السنن (من أجل وأهم مؤلفاته) منه نسخة خطية بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي، وسبع نسخ بمكتبة الأوقاف من رقم (1034) على الرقم (1037) وبرقم (1039) إلى الرقم (1041)، وسبع في الغربية من رقم (222) إلى الرقم (225) فقه، وأيضاً برقم (98) فقه، وفي مجموعة 82، ومنه نسخة أخرى امبروزيانا 99، أخرى بمكتبة العلامة محمد بن علي بن لطف الشامي، مركز بدر، أخرى ضمن مكتبة آل الهاشمي بصعدة، خطت سنة 1083ه، مصورة بمكتبة السيد العلامة يحيى راوية - رحمه الله - أخرى خطت 1364ه بمكتبة جامع المداني.
(4) لم أجد له نسخة خطية.
به أمراس القضاء، وولاية الأحكام، جمع فيه غرائب، وابتدأه بطبقات، وختمه بسيرة لآل محمد - عليهم السلام - الدعاة، وأدخل فيه شطراً من المساحة وما يحتاج إليه المتدين من معرفة الطالع والغارب، وقد عَلِقَ به الفضلاء وصار متناقلاً - أعاد الله من بركته - وكان تأليفه ونحن بصعده، وربما أمرني بكتابة شيء يمليه علي وأنا إذ ذاك صغير السن، وكان يضرب به أعاد الله من بركته المثل في سعة الصدر والاحتمال والإغضاء، وله شرح على الثلاثين المسألة(1)، جمع فيه فأوعى، وتخرج عليه خلائق، وكان باخرة لا يتوسع للمناظرة، ولا في الإملاء، بعد أن كان الغاية في ذلك، ولعله جنح إلى ذلك حفظاً للنفس من الوقوع في أخطار لا ينجو منها إلا من أخذ الله بيده، توفي - رحمه الله - قبيل الفجر يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وألف، ودفن عند قبور سلفه الأخيار، وكان يقول لتلامذته: إذا زاروا المشاهد هذا قبر فلان الحاكم، وهذا قبر فلان من آبائه، حتى يأتي على آخرهم ويشير إلى فراغ، ويقول: وهذا قبري، - رحمه الله - وكان كذلك، وله شعر قليل، وقع في يدي منه أبياته في كتابه الشفاء شرح التكملة، وهي (……)(2).
أحمد بن يحيى بن أحمد بن مظفر(3) [ - بعد 855 ه ]
__________
(1) ويسمى كتاب الإيضاح في شرح المصباح الشهير بشرح الثلاثين المسألة في أصول الدين، وقد طبع بمراجعة وتصحيح حسن بن يحيى اليوسفي، وصدر عن دار الحكمة اليمانية بصنعاء (ط1 سنة 1420ه - 2000م)، (وانظر عن نسخه الخطية كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 2000).
(2) فراغ في (أ) و (ب).
القاضي العلامة شمس الدين أحمد بن يحيى بن احمد بن مظفر فقيه محقق عالم، قرأ على والده مصنف (البيان)(1)، وفرغ من سماع (البيان) على والده في مسجد الإمام عبد الله بن حمزة بظفار في صفر سنة خمس وخمسين وثمانمائة(2).
أحمد بن يحيى بن حنش(3) [ - 1054 ه ]
__________
(1) ويسمى: البيان الشافي المنتزع من البرهان الكافي، في الفقه، من أشهر كتب الفقه على مذهب الإمام زيد بن علي - عليهما السلام - وقد طبع مصوراً على مخطوطة في مجلدين، وطبع ثانية في أربعة مجلدات عن وزارة العدل، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ص: 1093.
(2) وهو والد القاضي العالم الكبير محمد بن أحمد صاحب الترجمان، وفي الذهن أن أحمد توفي في حياة والده (من حاشية (أ) ).
القاضي العلامة المجاهد شمس الدين أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله - كان فاضلاً تقياً صالحاً مرضي الحال مجاهداً في سبيل الله، وولي القضاء لسيف الإسلام مولانا الحسن بن أمير المؤمنين، وكان له عنده مقام رفيع يفوّض إليه أعمالاً، وكان أهلاً لذلك، وتولى للإمام المؤيد بالله - عليه السلام - (يَريم)(1) و(الشِعِر)(2) (وخبانين)، وحضر في فتح عدن مولانا صفي الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين عند افتتاحها عن أمير المؤمنين المتوكل على الله - حفظهما الله تعالى - ثُمَّ سكن القاضي (بظفار)، ونقله الله إلى جواره في مشاهد سلفه، ودفن بالقرب من المشهد المنصوري، ثُمَّ بدا لهم نقله لما عرفوه من مقصده أو ما ينزل(3) منزلة الوصية منه بأنه يقبر في (الظفة) المقبرة المشهورة، فأخرج بعد /228/ (......)(4) (وألفوه لم يتغير - رحمة الله عليه-)(5). قال القاضي أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله - ذكر لي الصنو القاضي أحمد بن سعد الدين أن ميلاده في شهر شعبان من سنة سبع وألف، وأنا ولدت في شهر شوال منها، انتهى من خطه، توفي وقت الظهر يوم الخميس سادس عشر شهر ريبع الآخر سنة 1054ه.
أحمد الفحاش(6) [ - ]
العلامة الشاعر البليغ المعروف بأحمد الفحاش، من حمير من بني صريم، أحد الناقمين على الحسينية مذهبهم، كان شاعراً مجوداً بليغاً والله أعلم.
أحمد النيروسي الروياني(7) [ - ]
__________
(1) يريم بفتح الياء المثناة من تحت وخفض الراء ثم ياء ساكنة ثم ميم، مدينة في قاع الحقل جنوبي ذمار بمسافة 40 كم، وفي سفح جبل يصبح المطل عليها من ناحية الشمال الشرقي (معجم المقحفي ص: 710).
(2) الشِعر بكسِر الشين المعجمة والعين ناحية تابعة للنادرة، وهي منطقة غنية بالآثار، كتاب المنتوجات الزراعية والغيول (انظر المصدر السابق ص: 257).
(3) في (ب): أو ينزل.
(4) كذا في (أ) وفي (ب).
(5) ما بين القوسين حاشية (ب).
الشيخ العارف شهاب الدين أحمد النيروسي الروياني - رحمه الله - ترجم له العلامة يوسف حاجي الناصري - رحمه الله - قال: وهو تلميذ لعبد الله بن الحسن الإيوازي الروياني، وأستاذ لعلي بن الحسين الآبري الأيوازي، وهو منسوب إلى النيروس قرية من قرى الرويان، نسب إليها هذا، والحسن بن زيد الآتي ذكره، وأبو جعفر، وغيرهم.
أحمد الفرضي الحوالي(1) [ - ]
الفقيه العلامة شمس الدين أحمد الملقب بالفرضي الحوالي(2) - رحمه الله - عالم كبير تخرج به خلق، وانتفعوا به.
قال السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله - عليهم السلام -: هو الذي عرفت كتبه في السودة(3)، ووقع في جانبه ما وقع، ثم فر مهاجراً إلى مكة، ثم دخل مصر واستقر هناك، قال: وكان قد قرأ علم الفرائض وأحكمه، ثم إنه حصل كتب الاجتهاد وقرأها على رجالها، انتهى.
أحمد الكوكبي(4) [ - ]
الشيخ الفقيه العارف أحمد الكوكبي - رحمه الله - من علماء العراق، وأهل الفتوى والترجيح، عارض الأستاذ في مسألة ما إذا انقطع المصرف للوقف فرجح تبعاً لغيره مرجحاً بالدليل أنه يعود إلى المصالح وقفاً، وذلك خلاف ما رجحه الأستاذ وزمانهما مختلف، غير أنه كتب أحمد الكوكبي،(5) والله أعلم.
من اسمه أحوز - بالحاء المهملة بعدها واو ثم زاي معجمة -
أحوز(6) [ - ]
__________
(2) في (ب): الخولاني.
(3) السودة بضم السين المهملة آخرها هاء مدينة كثيرة في ذروة جبل حجاج من متوسط جبال السراة في بلد حاشد وبالشمال الغربي من محافظة عمران بمسافة 44كم. (المقحفي ص: 333).
(5) في (ب): أحمد الكوكبي على الأستاذ.
أحوز، الشيعي الكبير، من جهابذة أصحاب الهادي - عليه السلام - كان من أهل المحل عنده وسأله يوماً عن الخليفة بعده والقائم بالأمر من آل الرسول - صلى الله عليه(1) وآله وسلم - بعد وفاته، فأبطى(2) عنه في الجواب، ثم أعاد السؤال فقال: يا أخي، محمد - يعني ابنه - عليه السلام - قال: ثم من: قال: يا أخي، أحمد - يعني ابنه الناصر لدين الله - عليهم السلام - قال: ثم من قال: حسبك إن عمرت عمر ثلاثة أئمة.
من اسمه إسحاق
إسحاق بن إبراهيم بن الحسن(3) [ - ]
السيد الإمام إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - من أسلاف الزيدية وكبارهم، هلك شهيداً بيد المنصور العباسي.
إسحاق بن جعفر(4) [ - ]
الشريف الأمير العامر إسحاق بن جعفر الصادق، ويكنى أبا محمد ويلقب المؤتمن، ولد بالعريض، وكان أشبه الناس برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ومرض آخر عمره، وزَمِن(5)، وادّعت فيه طائفة من الشيعة أنه كان إماماً، وكان محدثاً فاضلاً، روى عنه سفيان بن عيينة قال: حدثني الثقة الرضي، انتهى.
إسحاق بن أحمد بن محمد(6) [ - 555 ه ]
القاضي العلامة ركن الدين إسحاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الملك بن عبد الباعث - رحمه الله - كان من أجل العلماء قدراً، ومن حجج الله، لقي الحاكم أبا سعيد - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): صلى الله عليهم أجمعين.
(2) في (ب): فأبطأ.
(5) يقال: رجل زَمِن أي مبتلى.
(6) الترجمان - خ - المستطاب - خ - الجواهر المضيئة - خ - نزهة الأنظار (خ)، اللآلئ المضيئة - خ - 2/235 - 236، مؤلفات الزيدية 1/294، لوامع الأنوار 1/300، 2/40، تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 1/517، مصادر الفكر العربي والإسلامي في اليمن للحبشي (173)، معجم المؤلفين 2/231، رجال الأزهار 7، الروض الأغن 1/96، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (208)، وانظر طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - بتحقيقنا ترجمة رقم (124).
قال السيد الهادي بن إبراهيم: كان القاضي إسحاق من علماء /229/ الزيدية، وعظماء أنصار العترة النبوية، وله في الإمامات تصانيف جمة ورسائل كثيرة، وكانت زيديته خالصة، وهو صنو القاضي جعفر في العلم والبراعة إلا أن أكثر مصنفاته في الإمامات وأحكامها، ورسائله في سيرها وأغراضها، وله رواية واسعة عن أكابر العترة النبوية، ومن طالع رسائله ومصنفاته(1) عرف صحة محبته لأهل البيت - عليهم السلام - وأنه فيها السابق المجلي.
يحكى أن الشيخ الكبير المعظم الخطير المسمى السعد بن أبي الليل الحائري ثم الخولاني وصل من مغارب صعدة فدخل مسجد الهادي - عليه السلام - قاصداً للقاضي إسحاق المذكور، وكان إمام محراب الهادي - عليه السلام - والخطيب بصعدة للإمام - عليه السلام - فقال للقاضي: قد كنت أتمنى أن ألقاك وحدك وأنا رجل جاهل لا أقرأ ولا أكتب، وقد قمنا مع هذا الإمام وقتلنا وقتلنا وأعطيناه الزكاة من أموالنا، ولا ندري أنحن على صواب أم على خطأ؟ وأنت اليوم أكبر علمائنا، وقد أردت ان أجعلك بيني وبين الله، وما هديتني إليه فعلت وإن استكتمتني حديثاً كتمته، وأقسم له على ذلك بأيمان مغلظة من أيمان وطلاق ونذر أنه لا يخرج له سراً، استكتمه إياه فغضب عند ذلك القاضي إسحاق، وقال: أفأكون على هذا السن في هذا المكان الشريف أخطب له في مسجد الهادي على منبر المرتضى والناصر - عليهم السلام - في كل جمعة في مثل هذه المدينة، وأدعو له، ويكون عندي له غير ما أبدي، أتجعلني منافقاً، وتعب من كلامه تعباً عظيماً فاستعطفه واعتذر إليه، وقال: قد قلت لك في أول كلامي: إني رجل جاهل، فأقبل إليه القاضي فقال: أنت مصيب في جهادك ، وهو الإمام فزد في جهادك جهاداً أو مع اجتهادك اجتهاداً. انتهى.
__________
(1) في (ب): مصنفاته ورسائله.
قال السيد الهادي: وسمعت من يروي أن الدعاء عند قبره مستجاب، قد جرب ذلك، قال: وقبره - رضي الله عنه - تجاه المنصورة بصعدة إلى جهة المغرب، وهو مشهور مزور، وفاته(1) - رحمه الله - سنة خمس وخمسين وخمسمائة. قال: وله تعليق معروف على الإفادة، وكان فقيهاً بارعاً - رحمة الله عليه -.
قلت: وهذا المنبر موجود، الآن في المقدم الذي عمره شمس الدين بن الإمام وهو الجامع المسمى بذي النورين، وفيه مكتوب: هذا ما أمر به أحمد بن يحيى أن يوضع في المسجد، وقد ذكر ذلك الأمير الحسين في كتاب (الشفاء) في باب صلاة الجمعة.
إسحاق بن الحسن بن محمد(2) [ - ]
إسحاق بن الحسن بن محمد صنو العلامة علي بن الحسن، يعرفان جميعاً بابني صيني؛ لأن أباهم كان أصلع أو حليقاً، فكان يبرق بريقاً يشبه الصيني، وهما من العلماء من قرابة القاضي تبَّع، كانا يسكنان حجر بني صارم من مشرق حاشد، ونسبهم من بني عباد من حمير.
إسحاق بن محمد بن القاسم القاسمي(3) [ - ]
الشريف الأمير العالم إسحاق بن الأمير محمد بن القاسم القاسمي - رحمه الله - كان نبيلاً جليلاً، ذكره العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله -.
إسحاق الجيلي(4) [ - ]
القاضي العلامة إسحاق الجيلي - رحمه الله - كان قاضياً للمؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام - ذكره الملاحاجي يوسف الناصري - رحمه الله -.
من اسمه إدريس
إدريس بن إدريس بن عبد الله(5) [ - ]
/226/ الإمام السيد مفخر العترة الطاهرة إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - كان من عيون آل محمد الناظرة، علماً واسعاً وفصاحة وعبادة، وإقداماً وعزيمة، قد افتخر به وبأهل بيته العلماء.
__________
(1) في (ب): توفى.
(5) مآثر الأبرار 1/463 - 465، الزيدية لصبحي ص: 113، التحف شرح الزلف ص: 143، ومنه الأعلام 1/278.
قال ابن أبي الحديد في معاريض مفاخرة بين بني هاشم وبني أمية: فإن افتخرت بنو أمية بملوكها في الأندلس من ولد هشام بن عبد الملك واتصال ملكهم، وجعلوهم بإزاء ملوكنا بمصر، قالوا لهم: إلا إنا الذين(1) أزلنا ملككم بالمغرب كما أزلنا ملككم بالشام والمشرق كله؛ لأنه لما ملك قرطبة الظافر من بني أمية خرج عليه علي بن حمود بن منصور بن أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقتله وأزال ملكه وملك قرطبة، دار ملك بني أمية، وتلقب بالناصر، ثم قام بعده أخوه القاسم بن حمود، وتلقب بالمأمون، ثم قام بعده يحيى بن علي بن حمود، وتلقب بالمعتلي، فنحن قتلناكم وأزلنا ملككم في المشرق والمغرب، انتهى(2). والظاهر أن إدريس بن عبد الله قام ودعا، ولهذا لم نترجم له وإن كنا غير محيطين بالخمس أو السدس من أعداد الأهلة والنجوم - أعاد الله من بركتهم- وهو الذي في (العيون)، وكلام (البحر)، والسيد صارم الدين أنه دعا وولده إدريس صاحب الترجمة في ذهني أنه قد ذكر له دعوة، ولم نجد عند الرقم لها ذكر بعد البحث، لكنه من القائمين بالقسط، وكانت تحت يده ممالك ونحوت(3) لما مات والده بالسم، وذلك أنه بعد قضية الفخي - عليهم السلام - انهزم إدريس بن عبد الله إلى المغرب بعد أن كان انهزم إلى فارس(4) وطنجة، ومعه مولاه راشد، فدعاهم فأجابوه فاغتم الرشيد، وساقته سجايا غدره إلى إرسال سليمان بن جرير الرقي متكلم الزيدية، وأعطاه سماً فورد سليمان إلى إدريس متوسماً بالمذهب فَسُرَّ به، وأقام يرتقب الفرصة حتى دخل إدريس الحمام فأرسل إليه سليمان بسمكة، فحين أكل منها هو ومولاه راشد أنكر نفسه، وقال: بطني أدركوا سليمان، فطلب فلم يوجد، فخرجوا في أثره فأدركوه، وقاتلهم، فضرب في وجهه وفي يديه
__________
(1) في (أ): إن الذي.
(2) انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15/287.
(3) في (ب): وثخوت.
(4) لعلها: فأس.
ضربتين وانقطعت إحدى أصابعه، وفاتهم هرباً، وفي ذلك يقول بعض شعراء العباسيين:
أتظن يا إدريس أنك مفلت ... كيد الخليفة أو يقيك فرار
فليدركنك أو تحل ببلدة ... لا يهتدي فيها إليك نهار
إن السيوف إذا انتضاها شخصه ... طالت فتقصر بعدها الأعمار
ملك كأن الموت يتبع(1) أمره ... حتى يقال تطيعه(2) الأقدار(3)
قلت: وكان الجعل لسليمان بن جرير مائة ألف درهم، فالله المستعان، وقد قيل: إن الذي سمه الشماخ(4) مولى لبني العباس، وأرجو أن يصح، وإن كانت الرواية لما تقدم متظاهرة، (كان ابنه إدريس بن إدريس)(5) غير أن الزيدية - صانهم الله - لا يسودون غررهم الواضحة /231/ فلما كان من أمر إدريس بن عبد الله ما وصفناه كان ابنه إدريس بن إدريس حملاً في بطن أمه، و[أمه] أم ولد بربرية، فوضعت المغاربة التاج على بطنها فولدته بعد أربعة أشهر، قال الحافظ داود بن القاسم الجعفري: ما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجهاً، قال علي الرضا بن موسى الكاظم - عليه السلام -: إدريس بن إدريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت، والله ما ترك فينا مثله، قال أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطيار: أنشدني إدريس بن إدريس لنفسه:
لو مال صبري بصبر الناس كلهم ... لَكَلَّ في روعتي وضل في جزعي
بان الأحبة فاستبدلت بعدهم ... هماً مقيماً وسلماً غير مجتمعِ
كأنني حين يجري الفم(6) ذكرهم ... على ضميري مجبول على الفزعِ
يأوي همومي إذا حركت ذكرهم ... إلى جوارح جسم دائم الجزعِ
انتهى.
__________
(1) في (ب): متبع.
(2) في (ب): يطيعه.
(3) انظر الأبيات في مآثر الأبرار 1/462.
(4) في (ب): السماح.
(5) ما بين القوسين سقط من (ب).
(6) في (ب): يجري الهمَّ.
قلت: وقبر إدريس بن إدريس بفاس، وقبر والده بموضع يقال له: زرهون، (وهذا البيت الإدريسي أعاد الله من بركته - معمور بأنواع الفضائل، ولهم الأقدام الراسخة في كل مقام شريف، وفيهم إدريس المتلقب بالمتأيد، وإدريس بن يحيى الغيلي وغيرهم إلا أنهم تسموا بالخلافة، وقد ذكر منهم الذهبي في (النبلاء) الجم، وذكر مآثر حميدة.
قال السيد محمد بن إبراهيم في عواصمه: وقد ذكر ابن حزم في جمهرة النسب: له خلائق لا يحصون من آل محمد في الغرب، سابقين ومقتصدين، وذكرهم الدامغاني في رسالته، وإلى تأريخ هذه الأوراق والغرب مشرق بوجوههم غاية الإشراق، وبأيديهم - ولله الحمد - فتح مدنها الكبار والإغلاق، قدم منهم السيد الشريف المسمى بالطاهر بن عبد الله بن الحسني الإدريسي، قدم اليمن في حدود سنة ثماني وأربعين وألف، واجتمع بالسيد العلامة هاشم بن حازم الحسني سلطان زبيد عن أمر الخليفة المؤيد بالله، وكان من أعيان الأسرة الطاهرة، كلفاً بالعلم كما سيأتي - إن شاء الله تعالى - ذكره، فاجتمع به السيد الطاهر وقرَّت عين كل منهما بأخيه، ثم نهض إلى الحضرة الحسنية بحصن ضوران وأجازه المولى شرف الدين بجوائز ما يخطر ببال ذي همة من الملوك، فضلاً عن أن يفعلها، ثم توجه إلى محل الخلافة المؤيدية، فرأى من الإحسان ما هاله، ثم عاد إلى الغرب فأخبرني شيخي المحقق أحمد بن أحمد الشامي القيرواني القادم عام أربع وخمسين وألف أنه من أهل هذا البيت الشريف من أوساطهم وملوكهم، وأنه لما دخل من اليمن بهذه المواهب أحرب بها هنالك طوائف بغت عليه، قال: ولكنه لم ينتصر، وكان هذا السيد علامة يحفظ (جمع الجوامع) في أصول الفقه غيباً، أخبرني بذلك غير واحد، وممن أخبرني به شيخي القيرواني وكان له في علوم المغاربة ثبات، ومن شعره مما كتبه إلى سيدي الأديب صلاح الدين صلاح بن أحمد بن /232/ عز الدين المؤيدي - أمتع الله بلطائفه، وأمتعه بإلطافه - لما كتب السيد صلاح الدين ببيتين
ملغزاً باسم الشريف الطاهر المذكور:
اسم الذي محبته ديني في ... يوم تمتحن السرائر
بالغت في تصحيفه فرأيته ... للعين مثل الشمس ظاهر
فأجابه السيد الطاهر:
مولاي بالصدر الذي من صحبتي ... وبقلب آلاف وثاني محبتي
إلا عطفت على متيمك الذي ... قد صار رقا في هواك توقفه
مراده بصدر صحبتي الصاد، وقلب الألف لام ألف، وثاني محبتي الحاء، ومجموع ذلك صلاح، انتهى.
إدريس بن الحسن بن علي بن المؤيد(1) [ 853ه - ]
السيد الفاضل الكامل إدريس بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد، قال الإمام عز الدين - عليه السلام -: ولد في شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وهو من أعيان السَّادة وأهل الفضل والورع، وانتقل إلى يسنم(2) بأمر صنوه الإمام عز الدين بن الحسن المترجم له - عليهما السلام - فأقام مدة، ثم أمره بالانتقال إلى مدينة الدهشاه من أودية آل جابر، وانتقل إليها وولاه الإمام النظر في أمورها وإقامة حدودها وجمعها، وإمامة الصلاة في جامعها الذي عمره الإمام، وسياسة أهلها وتنفيذ أحكام الشريعة فيها، وقبض الأخماس وكمل في ذلك ووافق رأي الإمام - عليه السلام -.
إدريس بن سليمان بن أحمد(3) [ - ]
الأمير الكبير العالم إدريس بن سليمان بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن الناصر بن محمد بن عبد الله بن المختار بن الناصر بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام - ذكر بعض أحواله بعض ولده السادة، ووصفه بالعلم الكثير والرياسة وعلو المحل، وذكر السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله - أنه جد الإمام الناصر لدين الله من قبل الأم؛ لأن والدة الإمام الناصر صلاح الدين دهماء بنت إدريس المذكور.
إدريس بن موسى الثاني(4) [ - 300 ه ]
__________
(2) يسنم: من قبائل صعدة في الشمال الغربي منها، يسمى بها دار عظيم في وسط جُمَاعة، ويسقى بالآبار، ويصب ماؤه إلى نجران (معجم المقحفي ص: 712).
السيد الإمام إدريس بن موسى الثاني - عليهما السلام - كان جليلاً، قال ابن عنبة: أمه أم ولد مغربية، وكان سيداً جليلاً، مات سنة ثلاث مائة فأعقب وأكثر.
إدريس بن علي بن عبد الله(1)[ - 714 ه ]
الأمير الخطير الشهير العلامة المعتصم بالله إدريس بن علي بن عبد الله بن يحيى بن الحسن بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - المعروف بالحمزي - رحمه الله - علامة كبير جليل المقدار وحيد زمانه، ترجم له جماعة.
قال الخزرجي في تاريخه: هو مرتب على السنين - ما لفظه - وفي العشرين من شهر ربيع الآخر.
__________
(1) المستطاب (خ)، أئمة اليمن (1/218)، مصادر الحبشي (412)، مصادر العمري (52 - 54)، العقود اللؤلؤية (1/324، 325، 410)، قرة العيون (انظر الفهرس)، العسجد المسبوك حوادث سنة 714ه (خ)، السلوك 2/309، العطايا السنية (87) استطراداً في ترجمة أبيه، طراز أعلام الزمن (خ)، ملحق البدر الطالع (53)، معجم المؤلفين 2/218، ومنه الدرر الكامنة 1/345 ، 346، كشف الظنون (1512)، اللآلئ المضيئة 2/435 (خ) مؤلفات الزيدية 2/86، 388، تراثنا (فصلية) العدد الأول السنة الثالثة ص (56)، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (206)، الروض الأغن (1/96)، وانظر طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ويسمى (بلوغ المراد إلى معرفة الإسناد) طبع بتحقيقنا ترجمة رقم (123).
قلت - يعني بعد سبع مائة - توفي الشريف عماد الدين إدريس بن علي بن عبد الله بن الحسين بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة، وكان شريفاً ظريفاً شجاعاً كريماً (متلافاً)، كان عالماً عاملاً لبيباً أريباً(1) متصفاً بصفات الإمامة، وكان شاعراً فصيحاً بليغاً، وهو مصنف كتاب(2) كنز الأخبار، وهو كتاب كبير ممتع، وله عدة تصانيف /233/ في فنون كثيرة ومدحه عدة من الشعراء، فكان يجيزهم الجوائز(3)، وكان رحمة الله عليه غاية في الجود والكرم والشجاعة. انتهى
قلت: وكتابه (الكنز)(4) من أجل كتب التواريخ قدر أربعة مجلدة، فرغ من تأليفها يوم الإثنين في رجب الأصب من سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وأظنه غريباً في بابه، يألفه كل أحد، وله كتاب سماه كتاب (السبول في فضائل البتول)(5).
ومن فوائده: أن أحاديث أصول الأحكام ثلاثة آلاف حديث وثلاثمائة حديث واثنا عشر حديثاً.
قال السيد صارم الدين: وذكر مثل هذا ولده محمد بن إدريس صاحب التفسير.
ومن شعره في سيف:
ومنصلت يبكي الدماء وقلما ... بكت عينه إلا تبسم عن نصرِ
من البيض إلا أنه كلما انبرى ... يحادثه يختال في حلل حمرِ
ومن شعره:
ونحن لمن يبغي الهدى ويريده ... سفينة نوح عصمة للخلائقِ
ومن ضل عنا راكباً غير فلكنا ... هوى ثاوياً في موجه المتدافقِ
وسيان في الرشد الكتاب وهدينا ... بذلك جاء النص من خير صادقِ
__________
(1) في (أ): أرباً.
(2) في (أ): كتاب الأخبار.
(3) في (ب): الجوائز السنيّة.
(4) يسمى: كنز الأخيار في معرفة السير والأخبار (في أربعة مجلدات مرتبة على السنين، ذكر حوادث كل سنة مع عناية تامة بتراجم رجال الزيدية وأئمتهم، فرغ من تأليفه سنة 713ه)، منه نسخة خطية بالمتحف البريطاني، وأخرى خطت 729ه مصورة بمعهد المخطوطات العربية (1184) تأريخ.
(5) لم أجد له نسخة خطية.
وقد سبق ذكر وفاته ووجدت في موضع أن وفاته - رحمه الله - في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبعمائة، ولعل فيما نقلناه عن الخزرجي سقط، ووالده الأمير علي بن عبد الله سيف الإسلام الناصر للحق، توفي في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وستمائة، وفيه تمثل أخوه بقول زياد الأعجم:
مات المغيرة بعد طول تعرض ... للسيف بين أسنة ورماح
وكان السيد إدريس المذكور يخالط السلاطين باليمن، وروي أنه لم يمت حتى تاب إلى الله من ذلك توبة نصوحاً، وعاهد الله مراراً، وله مسائل على الجبرية في فنون غلطاتهم حيرت ألبابهم - رضي الله عنه -.
وممن روى هذا العلامة علي بن محمد بن داعر، وممن ترجم للأمير إدريس السلطان الأشرف(1) بن العباس الرسولي، وأجاد في وصفه، وذكر شيئاً من محاسنه - رضي الله عنه -.
إدريس بن علي[ - 603 ه ]
السيد الكبير إدريس بن علي من ذرية الإمام السراجي، وإدريس صنو الإمام الوشلي، وكان عالماً فاضلاً، قبره في الرجا من بلد بوسان من الشرف الأعلى، وهو المقدم من القبرين إلى جهة القبلة في قبة الرجا، كانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة، والقبر الذي عنده المؤخر قبر السيد العلامة علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن المؤيد، وسيأتي ترجمته - إن شاء الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): إسماعيل بن العباس.
واعلم أنه قد يقع اللبس بين هذا الأمير والأمير المعتصم بالله إدريس بن عبد الله بن داود الحمزي لاتحاد النسبة والزمان وللجلالة(1)، وكانت بيده حصون وممالك، وله هبات وعطايا، وبينه وبين سلاطين اليمن علقة، وهو الذي مدحه العلامة أحمد بن قاسم الشامي في /234/ القصيدة التي مدح بها الإمام علي بن صلاح، ويناقض شعر ابن الأنف الذي وجهه إلى الإمام والأمير من حصن ذي مرمر(2) بعد طول الحصار له فقال:
سلام على الدار التي في عراصها ... منازل قوم لا يذم لهم عهد
منازل أولاد النبي محمد ... وحيدرة نعم الأبوة والجد
فحاتم هذا العصر إدريس ذو الندى ... وأولاده الأملاك ليس لهم ند
إذا جئتهم يا صاح فالثم أكفهم ... ولم لا ومن راحاتها يطلب الرفد
وهن لهم بالعيد ما زال عائداً ... عليهم بأحقاب وطالعه السعد
وقل إن نوى(3) دار وشط بنا النوى ... فودكم لا يستحيل له عهد
ولكن عدتنا من لقاكم جحافل ... وهندية بيض وخطية ملد
وخيل كأمثال السعالي شوازب ... وفرسان هيجاء لباسهم السرد
جنود أمير المؤمنين التي اعتدت ... فضائله في الناس ليس لها عد
أحاطوا بنا من كل باب ووجهة ... وصاروا وهم من دون حاجاتنا سد
ولكننا من(4) شامخ متمنع ... يقصر عنه الشامخ الأبلق الفرد
ندافعهم بالله جل جلاله ... وجند إلهي جند من لا له جند
وصلى إلهي كل يوم وليلة ... على أحمد المختار ما سبح الرعد(5)
فأجابه الشامي فقال:
أتتحف داراً بالسلام وأهلها ... أحق بها إذ فاتك الهم والرشد
كأنك أبصرت المنازل قفرة ... فحييتها لما ألم بك الوجد
وكيف وهم فيها حلول وإنما ... تحيا إذا لم يبق منهم بها فرد
__________
(1) لعلها: والجلالة.
(2) ذي مرمر حصن تأريخي شهير بالشمال الشرقي من صنعاء بمسافة 18كم ويرتفع الحصن عن سطح البحر بنحو 2547 متراً (معجم المقحفي ص: 255).
(3) في (ب): ثوى.
(4) في (ب): في شامخ.
(5) انظر العقصيدة في مآثر الأبرار 2/1068ـ1069.
تقر بأولاد النبي محمد ... وتنكرهم سراً وهل تنفع الجحد
أينكر ضوء الشمس من هو مبصر ... وقد لا ترى أنوارها الأعين الرمد
ووبخت إدريس المتوَّج ذا العلا ... بقولك قوم لا يذم لهم عهد
كأنك قلت العهد منك مضيع ... بإهمالكم لكن سرك لا يبدو
وقلت أمير المؤمنين له اغتدت ... فضائل لا تحصى ولا هي تعتد
وذا منك إقرار وعلم بأنه ... إمام فلم عن دينه الحق ترتد
أتزعم أن السر في قائم لكم ... هو الغاية القصوى التي ما لها حد
يجيء على ظهر البراق وكفه ... به ذو الفقار العضب فارقه الغمد
/235/ وهي طويلة جيدة(1)، ويقرب من ذلك الأمير إدريس بن علي والأمير إدريس بن عبد الله بن داود ذكراً.
إدريس بن عبد الله بن علي بن وهاس(2) [ - ]
الأمير الخطير العلامة إدريس بن عبد الله بن علي بن وهاس - رحمه الله -. قال في تاريخ السادة آل الوزير: إنه دعا قبل السيد محمد بن يوسف، ولفظه بعد ذكر السيد محمد: وقد كان دعا قبله السيد الإمام بقية كبراء أهل البيت - عليهم السلام - إدريس بن عبد الله بن علي بن وهاس، وتكنى بالمهدي، ولكن لم تنقض له الدنيا بشيء منها وانزوت عنه أيضاً، ومات قبل محمد بن يوسف، وكان كريماً عظيماً، سليم الصدر، كثير الشفقة والحنو على أهل البيت وشيعتهم، وكان ركناً من أركان البيت الأعز الأطول، وبقية صالحة من أهل ذلك الطراز الأول.
إدريس بن محمد بن يحيى بن عبدالله(3) [ - ]
__________
(1) انظر العقيدة في المصدر المذكور 2/1069 - 1070.
السيد الإمام الحجة إدريس بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - كان من الكبار الجلة الخيار، وهو الذي حكى عنه محمد بن منصور أنه كان يصلي صلاة الضحى على أنها تطوع، قال بعض العلماء: وقد نقل مثل هذا عن إدريس بن عبد الله، ولعل إدريس بن محمد هو المراد، وصلاة الضحى روى أبو الجارود فيها عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - أنه كان يراها أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما قدم إلى المدينة قال: ((صلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة فيما سواه، إلا الكعبة))، فكانت الأنصار إذا زارت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو جاء أحد منهم من ضيعته صلاها في المسجد، فرآهم الناس يفعلونها فاعتقدوها سنة، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يصلها.
إدريس بن محمد بن علي السليماني(1) [ - ق 7 ه ]
السيد الشريف العلامة ركن الدين إدريس بن محمد بن علي السليماني - رحمه الله - إمام عظيم القدر متكلم في العلوم، له في المذهب ترجيحات، وهو المشهور بإدريس التهامي، وكان في أيام الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وتخلف عن بيعته بعد اتفاق الكل عليها، له كتاب في (أحكام الدور دار الإيمان والكفر والفسق)، - رحمه الله -.
__________
(1) مؤلفات الزيدية 1/82، مصادر الحبشي 507. (أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 207).
قال بعض المطلعين على أحواله: كان مسكنه الحميمية بلدة بين العترة(1) والدهناء بلدة عظيمة واسعة، وكانت ولايتها للسيد وأهل بيته، فخرج عليهم السيد البعجلي، وكان السيد حويسة وابن أخيه من قرابة السيد إدريس بمحروس صعده للقراءة، فلما خرج البعجلي قتل السيد إدريس والسيد وهاس وغيرهم، فخرج السيد حويسة من صعده، وكانت طريقه الحجاز، ومرَّ على الأمراء بني يعقوب بحلى، فاستنصرهم، فأغاروا معه، وأنشد السيد حويسة قصائد طنانة في هذا المعنى، وهلك السيد حويسة قبل النصفة التي طلبها من اليعقوبي، ولكنها تمت النصفة من اليعقوبي، وقام بما أمله فيه الشريف، ومن قصائد الشريف حويسة قوله:
عنت لنا بخيمات اللوى بقرُ ... للأنس والجن في ألحاظها حَورُ
وكل أبيض بالقيراز مقتفر ... كأنه قمر بالليل مقتفرُ
/236/ وكل أبيض مسود غدايره ... كأنهن على رحن الدجى عذرُ
يلوح(2) منها مساويك الأراك على ... ما في السواد وبيض ظلمه السكرُ
فقمت معترضاً للشرب من كلف ... أطفو على الأرض أحياناً وأستترُ
لأنظر الأغيد الميّاس نظرة ذي ... ود فقلت لعيني لأبقي النظرُ
فصادفتني بوجه ما به كلف ... كأنه في تلالي نوره قمرُ
أو الغزالة من ديجور فاحمها ... مرت بنا وعليها الليل معتكرُ
تقول: هيهات أنا(3) عيسى فمنك على ... فوديك(4) للشيب نار منه تستعرُ
فقلت: ما في بياض الشيب من عتب ... وصاحب الشيب رب الحلم ينفرُ(5)
وفي الصبا طرق للجهل بينة ... وصاحب الجهل ممقوت ومحتقرُ
كان السواد سراجاً بيناً فخبا ... فاستسود الحب لما استبيض الشعرُ
دع الحسان وخل البيض إن لها ... جيشاً من الشعر المبيض ينكسرُ
__________
(1) في (ب): العثيرة، ينظر ففي أعلام المؤلفين: العنيزة.
(2) في (ب): تلوح.
(3) لعلها: يا ليستقيم الوزن.
(4) الفود: معظم شعر الرأس مما يلي الأذن وناحية الرأس (القاموس المحيط ص: 392).
(5) العجز غير موزون.
ولا تعد عتادات سوى بتر ... كالملح منها عظيم العظم ينبترُ
أو شزَّب(1) كالسعالي فوقها جَرَدَ(2) ... كالجن نحو حياض الموت تبتدرُ
والخيل والليل والأساد في قمص ... من السوابع والصهالة الذمرُ
ولي من المجد بيت ما له عمد ... إلا الذوابل والهندية الذكرُ
بنيته بسيوف من مهندة ... والناس غيري بناهم كله مدرُ
أنا الجواد وكل الناس عن طرف ... على البسيطة حاشى من صفا حمرُ
ورثت جدي في شيد العلا وأبي ... إن الأصول عليها تنبت الشجرُ
أقمت بعمة حتى زاد زائدها ... وكان من خصمها قد مسها ذعرُ
فأصبحت دورهم قفراً معطلة ... يرعى فلاها حمير الوحش والبقرُ
فما جزتني إلا بالخبيث على ... ما جئت من طيب والله مختبرُ
أصغو لقول حسود خاب ما صنعوا ... فينا ونم لئيم كاذب أشرُ
لكي يفرِّق شملاً كان مجتمعاً ... والله يترك شملاً منه ينتثرُ
ويترك القرية الزهراء مظلمة ... عيونها الشمس قد أزرى بها العورُ
وإن يكونوا بني أعمامنا ظفروا ... بنا العداة فلا والله ما ظفروا
فكيف يظفر قومٌ بعدما نشبوا(3) ... فينا ونحن ذعاف السم والصبرُ
نحن الأسود ولكن ما لنا ظفر ... سوى السيوف ونعم الناب والظفرُ
وبعد مقتل إدريس وبعد أخي ... العلياء وهاس يرجى العظم ينجبرُ
/237/ وفرحة وبنية نلتقي أبداً ... إلا على الشر حتى ينقضي العمرُ
ثلاثة قتلوهم من لطائفنا ... ورابع قبر الإحسان إذ قبروا
فهدم المجد تهديماً لفقدهم ... وحير النيران الشمس والقمرُ(4)
فإن سلمت وأبقاني الزمان لهم ... وطال لي ولهم في دهرنا عمرُ
فوا (السلاهب)(5) و(اللدن) الرواعب ... والبيض القواضب عند الروع تشتجرُ
__________
(1) شزَّب: جمع شازب، وهو من الأُتُن، الضامر، والسعالي، الغول (انظر المصدر السابق).
(2) الجَرَد: عيب معروف في الدواب (المصدر السابق).
(3) في (أ): يشبوا.
(4) العجز غير موزون.
(5) السلاهب: جمع السهلب، وهو من الخيل ما عظم، وطال عظامه (انظر القاموس المحيط ص: 126).
لأمطرنَّ عليهم من أسنتها ... وعربها سحباً بالودق تنهمرُ
كما بدوا بأناس طال ما صفحوا ... عن قتلهم وعفوا من بعدما قدروا
انتهى.
إدريس بن عبد الله بن أحمد الصنعاني(1) [ - 855 ه ]
الفقيه القاضي العلامة إدريس بن عبد الله بن أحمد بن ساعد الصنعاني - رحمه الله - قاضي صنعاء وحاكمها، ومفتيها وعالمها، من بيت محتفل بالعلماء، توفي - رحمه الله - سنة خمس وخمسين وثمانمائة، ومن شيوخه العلامة حسين بن أحمد بن ساعد الآتي ذكره إن شاء الله تعالى، وأجازه بإجازة قال فيها: في شأن (الغياصكة) في علم الكلام و(الغياصة) التي وضعها شرف الدين محمد بن يحيى بن حنش، وضع أكثرها وباقيها وضعه والده(2) يحيى بن محمد.
إدريس بن الإمام يحيى(3) [ - ]
الشريف(4) السامي ركن الدين إدريس بن الإمام يحيى بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وكان من حماة الإسلام وجلة العترة الكرام، شحاك أعداء الله بقوله: ولعله ترجم له صاحب (الصلة)، فقال: كان عالماً فاضلاً، حاز خصال الكمال برمتها، وله جهاد عظيم كر على مائة فارس وخمسمائة فارس(5)، وهو في قدر عشرين فارساً ومائة رجال، فلحقهم وكسرهم وقتل منهم وأسر من الغز والأشراف والعرب، وكانت له كرامات وبركات، انتهى كلام السيد عماد الدين في كتاب الصلة - رحمه الله -.
__________
(2) في (ب): ولده.
(3) صلة الاخوان، طبقات الزيدية الصغرى.
(4) في (ب): السيد الشريف.
(5) في (ب): قانس.
وقال السيد الإمام العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة في ترجمته إدريس بن أمير المؤمنين: كان عالماً فطناً ذكياً، واشتغل على والده - عليه السلام - وقرأ عليه من تصانيفه في العربية أكثرها، ومن تصانيفه في علم الكلام وأصول الفقه وغيرها، وكان فارساً شجاعاً كاملاً في موافقة الناس وملاقاة القبائل ومصادمة الحروب، ومع ذلك لا يخلو من العبادة وأفعال الخير وملازمة القراءة، ورزقه الله من صناعة الخط حظاً وافراً، وأعطاه منه نصيباً كاملاً، وكتب من تصانيف والده - عليه السلام - كتباً، وقرأها عليه وأجازها له، وأثنى عليه في تحقيقها وبحثها وتنقيرها(1).
قلت: وكان الإمام يحيى يكنى بابنه إدريس هذا ، من ذلك قول بعض العلماء من عقب الإمام يمدح الإمام حين اطلع على (الإيجاز)(2) في المعاني والبيان:
لله در أبي إدريس إن له ... فكراً يلين له المستصعب القاسي
كم في مؤلفه الإيجاز من نخب ... تكررت بين أنواع وأجناس
لو عمره عد والتأليف فيه أتى ... لكل يوم كما قالوا بكراس
إدريس المغبري(3) [ - ]
__________
(1) لعلها: وتنقيحها.
(2) ويسمى الإيجار لأسرار كتاب الطراز في علوم البيان ومعرفة الإعجاز في البلاغة للإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - المتوفي سنة 749ه، وكتاب الإيجاز مخطوط منه نسخة خطت سنة 744ه بخط المؤلف بالمكتبة الغربية رقم (1) بلاغة، أخرى رقم (1830)، ثالثة رقم (1610) مكتبة الأوقاف، رابعة ذكرها الأستاذ المحبشي بمكتبة دار التراث برقم (4299).
/238/ السيد العالم الفاضل إدريس المغبري - رحمه الله تعالى - كان عالماً عاملاً تقياً معاصراً للإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليه السلام - وهو الذي نقل عنه العلامة(1) عبد الله بن مفتاح بن أبي القاسم بن مفتاح أن مسائل (الأزهار) منطوقها ومفومها سبعة وعشرون ألف مسألة، وروى ذلك عنه الفقيه سليمان الجهراني - رحمهم الله جميعاً -.
قلت: هذا العدد كما تراه، وقد روى القاضي العلامة عامر بن محمد لمسائل (الأزهار) و(التذكرة)(2) عدداً، وقد كتبته في كتبي إلا أنه غاب عني وقت الرقم، وقد عد الفقيه العلامة الحسن العدوي البكري - رحمه الله - مسائل التذكرة، فقال في آخر نسخته التي كتبها لنفسه:
تمت ونسأل من ذي العرش معناها ... والحمد لله أولاها وأخراها
نسخاً وضبطاً وتصحيحاً على مهل ... أيضاً سماعاً على تفحيص فحواها
أيضاً ونظماً كحرز آخر لجب ... عشرين ألفاً وبل يا صاح ضعفاها
تمت على كف عبد خائف وجل ... لكن له رحمة في قصده الله
بالله يا من رأى تنظيمه ادع له ... ليدخلا(3) من جنان الخلد أعلاها
فليس ذا بعزيز إن نظرت إلى ... عفو الذي صاغ أنفاساً وسواها
وقد عد مسائل (الحفيظ)(4) العلامة زين الدين أبو القاسم إبراهيم بن محمد البوسي، فقال:
__________
(1) في (ب): وهو الذي نقل عنه العلامة الفقيه.
(2) ويسمى التذكرة الفاخرة في فقه العترة الطاهرة في الفقه لمؤلفه العلامة الحسن بن محمد النحوي، المتوفي سنة 791ه، فرغ مؤلفه من تصنيفه سنة 790ه، ولا زال مخطوطاً منه (17) نسخة في مكتبة الأوقاف، وخمس نسخ بمكتبة جامع شهارة، ونسخة بمكتبة المرتضى المحطوري، ونسخة كثيرة (انظر كتابنا مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة في اليمن).
(3) لعله: لتدخلا.
(4) هو كتاب الحفيظ في الفقه، لمؤلفه العلامة يوسف بن محمد الأكوع المتوفي بعد سنة 749ه، وكتاب الحفيظ لا زال مخطوطاً، ومنه نسخة بأمبروزيانا (2184).
يا سالكاً في الفقه منهج مهتد ... لا تقصدن سوى الحفيظ الفائق
جمع الكفاية والزيادة والمنى ... حصر المسائل كلها باللائق
سبعون ألفاً جردت في متنه ... من بعد ألف بالمقال الصادق
انتهى.
من اسمه أزهر
أزهر بن راوع المرادي(1) [ - ]
أزهر بن راوع المرادي - رحمه الله - ذكره في علماء الزيدية، الشيخ العالم القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - قال: من تلامذة الإمام زيد بن علي، وكان فاضلاً نبيلاً - رحمه الله تعالى -.
من اسمه أسعد
أسعد بن أحمد(2) [ - ]
السطان البليغ الفاضل أسعد بن أحمد صنو السلطان حاتم، كان من الزيدية، موالياً للعترة، بليغاً منطيقاً في الغاية من البلاغة، وللسلطان أسعد أشعار منها ترثيته في المنصور بالله.
أسعد بن الحسن العذري(3) [ - ]
القاضي العلامة أسعد بن الحسن العذري، كان فاضلاً عالماً من وجوه أهل العلم.
أسعد بن الحسن بن ناصر الشتوي(4) [ - ]
الشيخ الفقيه العالم أسعد بن الحسن بن ناصر الشتوي، صنو العلامة عمران، كان عالماً مرجعاً قبلةً للطالبين، إلا إن شهرته في الفضل دون أخيه عمران، وقد يكون للظهور والخفاء أسباب، وهذه النسبة المشهورة على الألسنة أنها بكسر الشين المعجمة وسكون المثناة الفوقية، ورأيت بخط عمران ضبطها بفتح الشين والتاء، ولعلها أثبت، ونقلت في ظني أن هذه النسبة إلى بني شتي بطن من عذر من قبائل (همدان)، والله أعلم.
أسعد(5) بن الحسين العباسي(6)
__________
(4) سيرة الإمام أحمد بن الحسين.
(5) في (ب): قدم الشريف أسعد بن الحسين على الشيخ الفقيه العالم أسعد بن الحسن بن ناصر الشتوي.
الشريف أسعد بن الحسين العباسي - رحمه الله - ذو مناقب /239/ دثرة، ومفاخر كثرة، وأحد الفصحاء والأبطال النصحاء، وحسبه أنه في قضية يوسان من أعمال الشرف لما توافقوا للحرب بباب الحصن المعروف بالمحراس، وخرج البغاة من الحصن لقيهم الشريف أسعد بوجهه البسَّام وحسامه القصَّام، وهو يقول - رحمه الله -:
لمثل هذا اليوم سميت الأسد ... أضرب ضرباً لم يعانيه أحد
بسعد مولانا الإمام المعتمد ... أرجو بذاك الفوز من فرد صمد
لم يتخذ صاحبة ولا ولد ... (……)
فطرد البغاة - أحسن الله جزاءه -.
أسعد(1) بن علي المري(2) [ - ]
القاضي العلامة أسعد بن علي المري، ذكره الشيخ أبو فراس، وأثنى عليه، وترجم السيد يحيى بن القاسم للقاضي أسعد بن علي العنسي وأثنى عليه وزمانهما واحد، فلا أدري هما رجلان أم واحد.
أسعد بن علي العنسي(3) [ - ]
الفقيه الفاضل والقاضي الكامل أسعد بن علي العنسي قاضي صنعاء، ولاه قضاءها الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وكان من كبار العلماء وخيارهم.
أسعد بن عمرو(4) [ - ]
__________
(1) في (ب): ذكر بعد القاضي العلامة أسعد بن الحسن العذري.
(3) انظر طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (125)
الفقيه الأفضل أسعد بن عمرو من علماء الزيدية، والذي يظهر لي من حاله أنه كان يميل إلى التقشف، وإن لم يحقق التحقيق الذي ينبغي، وكان يستقل بآراء في العلم، ويستظهر لذلك، إلا أنه يلوح مما بينه وبين الإمام المنصور ما ذكرته، وله مسائل منها ما يصرح بأنه لا يثنيه عنها جواب مجيب، وأجاب عليه الإمام في مسائل بالجواب المشهور (بالرسالة القاهرة)، قال في خطبة تلك الرسالة: أما بعد، فإن مسائل الشيخ المكين الموفق - إن شاء الله - أسعد بن عمرو - أرشده الله - وصلت إلينا إلى صنعاء اليمن، ونحن في أشغال تبلبل البال، وتسدُّ منهاج الجواب والسؤال، فرأيت إيثار النظر فيها من مهمات الدين وموجبات رضا رب العالمين؛ لأنه أوردها إيراد المسترشدين، فأمرنا الإخوان، أرشدهم الله بتوفيقه وتأييده ولا أخلاهم عن عونه وتسديده، والشيخ(1) الأجل الأوحد عمدة الموحدين محيي الدين ولي المؤمنين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، والقاضي الأجل نظام الدين عمدة المجاهدين سيف أمير(2) علي بن زيدان الطائي في جماعة من الإخوان - أكثر(3) الله أعدادهم ولا قطع إمدادهم بقراءتها، فقرؤوها علينا على(4) مسألة مسألة، ونحن نلقي على أذهانهم ونفرغ في آذانهم الأجوبة على تلك الأسئلة مبرهنة معللة، إما مفصلة وإما مجملة، على قدر احتمال الحال(5)، وأخذ الإمام علي هذه الصفة، ثم وصف الاشتغال فقال: كم بين من لا همّ له إلا النوم، والاغتسال والعوم، ومن يقطع بعض ليله في تسيير المقانب، وجل نهاره في تكتيب الكتائب، فتارة يفوز سهمه، وتارة يخيب، ومرة يخطئ، ومرة يصيب.
فلا تعذليني في الهدايا فإنما ... تكون الهدايا من فضول الغنائم
وليس بمهدٍ من يضل نهاره ... جلاداً و يمسي ليله غير نائم /240/
__________
(1) في (ب): الشيخ.
(2) في (ب): سيف أمير المؤمنين.
(3) في (ب): كثر.
(4) في (ب): لا توجد لفظة على.
(5) في (ب): إجمال الحال.
خميص الحشا إما على السرج حانياً ... وإما على فضل من الترس عائم
وأنشد:
يا قوم قد أكلتموني(1) باللوم ... وما لقيت عامراً قبل اليوم
والآن قد لقيتهم فلا لوم ... سيان(2) هذا والعتاب واللوم
والمضجع البارد في ظل الدوم
أسعد(3) بن منصور(4) [ - ]
أسعد بن منصور، عالم كبير فاضل شهير، قبره في السودة.
من اسمه إسماعيل
إسماعيل بن أحمد بن القاسم(5) [بعد 300ه - ]
الشريف الفاضل العلامة أبو البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم، شريف كامل المنصب عالي الهمة شريف المنزلة، كان بعد ثلاث مائة من الهجرة.
إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن(6) [ - ]
الإمام العلامة أبو الأئمة الكرام إسماعيل الديباج بن إبراهيم الخضر(7) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - شهرته مغنية عن الإطناب، وظهور أحواله الكريمة مجزية عن الإسهاب، كان يسمى بالديباج مطلقاً، وأخوه محمد - عليهما السلام - يسمى بالديباج الأصفر؛ لأنه كان كل منهما كسبيكة الذهب، وكان يكنى أبا إبراهيم ويسمى الشريف الخلاص، وشهد فخّاً - رحمه الله - وذهب إلى جوار الله أيام المنصور العباسي.
إسماعيل بن إبراهيم بن عطية(8) [ - 794 ه ]
__________
(1) في (ب): أكلهتموني.
(2) في (ب): شتان.
(3) في (ب): ذكر بعد القاضي العلامة: سعد بن علي المري.
(4) نفحات العنبر - خ - أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (212).
(6) مآثر الأبرار 1/425 - 427.
(7) في (ب): إبراهيم المحض.
(8) طبقات الزيدية القسم الثالث ترجمة رقم (128)، مؤلفات الزيدية 1/191، 2/175، ملحق البدر الطالع ص 56، معجم المؤلفين 2/255، كشف الظنون 1376، مصادر الحبشي 376، وفيه إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم النجراني، المستطاب - خ - 2/50، الجواهر المضيئة - خ - ص25، لوامع الأنوار 2/72.
الفقيه الفاضل الشيخ الكامل إسماعيل بن إبراهيم بن عطية من آل النجراني - رحمه الله - كان جامعاً للعلوم من أعلام المائة الثامنة، وهو من تلامذة مطهر بن تريك، وأظنه شارح الحاجبية، فإنه كان إماماً لا يلحق في علوم القرآن، ومن تلامذته محمد بن داود النهمي، والسيد الكبير العلامة الهادي بن إبراهيم رحل إليه إلى صعدة فقرأ عليه كما قال السيد الهادي الصغير في علوم العربية نحواً(1) ومعانياً وبياناً، وكذا تفسير القرآن، وقال في صفته: الشيخ العلامة، إمام المحققين، وترجمان أهل عصره أجمعين.
قلت: وكان من تلامذته السيد علي بن محمد بن أبي القاسم، والسيد علي - رحمه الله - شيخ علي بن موسى الدواري، وعلي بن موسى شيخ السيد صارم الدين، ومن مصنفاته (الأسرار الشافية والخلاصات الكافية)(2)، وله على (الكافية) شرح أخصر من هذا، توفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة عن نيف وسبعين سنة، وهو ممن حضر بيعة الإمام علي بن صلاح، خرج من صعدة مع الذين خرجوا إلى صنعاء، منها لذلك المهم.
إسماعيل بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم(3) [ - 808 ه ]
__________
(1) في (ب): نحواً و تصريفاً ومعانياً وبياناً.
(2) في (ب): في كشف معاني الكافية، قلت: ومن الكتاب نسخة خطية بالمكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء برقم (492)، مجاميع، والكتاب تحت التحقيق تقوم بتحقيقه طالبة في جامعة صنعاء، رسالة ماجستير.
(3) طبقات الزيدية القسم الثالث ترجمة رقم (129)، هداية الراغبين - خ - لوامع الأنوار - خ - الجواهر المضيئة - خ - وانظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (215).
الشيخ الجليل العلامة إسماعيل بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عطية النجراني المداني، شيخ العربية والتفسير، مكانته في الفضائل مكانة عمه السابق ذكره، وله مشائخ عدة وأحفاد وتلامذة، فمن مشائخه السيد أبو الحسن علي بن محمد بن أبي القاسم، وقرأ عليه الكشاف والتجريد، ومن شيوخه السيد عبد الله بن يحيى بن المهدي الزيدي المعروف بأبي العطايا، ومن تلامذته السيد العلامة المعروف بحافظ الإسناد محمد بن عبد الله بن الهادي الوزيري - رضي الله عنهم -.
إسماعيل بن أحمد البستي(1) [ - 420ه تقريباً]
الشيخ الإمام لسان المتكلمين إسماعيل بن أحمد البستي /241/ - رحمه الله - حافظ المذهب وشيخ الزيدية بالعراق، وإليه نسبة المذهب كما في تعاليق العلماء على (الزيادات) وعلى (اللمع)، وشهرة ذلك أظهر من الشمس، وإن كان قد وهم بعض علمائنا بجعله جامع (الزيادات)، وجامع (الزيادات) هو الشيخ الأستاذ ابن تال - رحمه الله -.
قال الحاكم - رحمه الله -: أخذ البستي عن القاضي، وله كتب كثيرة وكان جدلاً حاذقاً يميل إلى الزيدية، وصحب قاضي القضاة، وكان إذا سئل بمسألة(2) أحال عليه، وناظر الباقلاني، فقطعه لأن قاضي القضاة ترفع عن مكالمته.
إسماعيل(3) بن جعفر الصادق(4) [ - 138 ه ]
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (235) واسمه فيه: إسماعيل بن علي بن أحمد بن محفوظ البستي الزيدي، أبو القاسم، ومنه: معجم المؤلفين 2/279، ورجال الأزهار 7، مؤلفات الزيدية 1/147، 308، 2/455، 3/85، الجواهر المضيئة - خ - ص: 26، المستطاب - خ - معجم المفسرين 1/91.
(2) في (ب): إذا سئل عن مسألة.
(3) في (ب): ذكر بعد الإمام إسماعيل الديباج.
السيد الكبير الإمام الشهير إسماعيل بن جعفر الصادق، يكنى أبا محمد، ويعرف بالأعرج، كان من أكبر أولاد أبيه وأحبهم إليه، وكان(1) يحبه حباً شديداً، وتوفي في حياة أبيه بالعريض فحمل على رقاب الناس إلى البقيع فدفن به سنة ثماني وثلاثين ومائة قبل وفاة أبيه جعفر الصادق بعشرين سنة.
إسماعيل بن شهردوير بن يوسف(2) [ - ]
الشيخ الأكمل الأعلم بهاء الدين إسماعيل بن شهردوير بن يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الديلمي المرقابي - رحمه الله - كان هو وأبوه وجده وأخوه من بيت علم خطير، ذكرهم الملا يوسف حاجي الناصري - رحمهم الله جميعاً -.
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي(3) [ - 167 ه ]
الفقيه الكبير المحدث إمام التفسير إسماعيل بن عبد الرحمن السدي - رحمه الله - إمام كبير وعلامة شهير، من أجلاء العلماء، وأظنه ذكره في تلامذة زيد وأتباعه الإمام العلامة، ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): كان.
(3) أسماء التابعين الرواة عن الإمام زيد - عليه السلام - 15، ومنه الجداول - خ - طبقات الزيدية - خ - حياة الإمام زيد دراسة وتحليل (قسم أصحاب الإمام ورواة حديثه)، تهذيب الكمال 3/132، ومنه الجرح والتعديل 1/185، الميزان 1/236، الكامل 1/274، التأريخ الكبير 1/361، سير أعلام النبلاء 5/264، ثقات ابن حبان 4/220، التابعين 2/23، تقريب التهذيب 1/273، أعيان الشيعة 3/378، شذرات الذهب 1/174، الكنى والألقاب 2/311، طبقات المفسرين 1/110، معجم المفسرين 1/90، معجم المؤلفين 2/276، معجم الأدباء 7/13 - 16، الأعلام 1/313، تأريخ أسماء الثقات ص50، طبقات ابن سعد 6/323، طبقات خليفة 163، تأريخ ابن معين 1/249، ترجمة رقم 1637، روضات الجنان 101، 102، لوامع الأنوار 1/353، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (231).
قال ابن الجوزي: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة المعروف بالسدي، مولى بني هاشم، كوفي، يروي عن أنس.
قال يحيى القطان: ما رأيت أحداً يذكره إلا بخير، ما تركه أحد، وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة.
قال المنذري: السدي هذا(1) أخرج له مسلم في صحيحه. قال ابن عدي: هو عندي صدوق لا بأس به.
وقال في (بغية الألباب) تأليف أحمد بن علي بن عبد السلام التكريتي المختصر من معجم الأدباء لياقوت:
إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب السدي الأعور، صاحب التفسير، يكنى أبا محمد، وقيل عبد الرحمن بن أبي كريمة مولى زينب بنت قيس بن محرمة(2) من بني عبد مناف، حجازي الأصل، سكن الكوفة، مات سنة 167ه. روى عن أنس بن مالك وغيره، وهو السيد(3) الكبير، روى عنه الثوري وغيره، كان إسماعيل بن أبي خالد يقول: السدي أعلم بالقرآن من الشعبي، وإنما سمى السدي؛ لأنه نزل (بالسدة)، وكان أبوه من كبار أهل أصبهان، لقي جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقيل: لأنه كان يبيع الْخُمُر، يعني المقانع في سدة الجامع - يعني باب الجامع -. وقيل: لأنه كان يجلس في المدينة بموضع يقال له: السدة، وكان شريك يقول: ما ندمت على رجل لقيته ألاَّ أكون كتبت كل شيء لفظ به إلا السدي.
__________
(1) في (أ): وهو.
(2) لعلها: مخرمة بالخاء المعجمة.
(3) في (ب): وهو السدي الكبير.
إسماعيل بن عباد(1) [324 - 385 ه ]
__________
(1) مقدمة ديوانه 6 - 9، ومنه أخبار أصبهان 2/138، البداية والنهاية 11/314، بغية الوعاة 196، شذرات الذهب 2/163، معاهد التنصيص 2/152، وفيات الأعيان 1/206، الأنساب للسمعاني، معجم الأدباء 6/168، معجم البلدان 6/8، النجوم الزاهرة 4/170، معالم العلماء 136، يتيمة الدهر 3/267، تأريخ أبي الفداء 2/130، لسان الميزان 1/414، كتاب (الصاحب بن عباد، تأليف محمد بن حسين آل ياسين)، أنباء الرواة 1/202، تأريخ بن خلدون 3/108، الإمتاع والمؤانسة 54، الضرير 4/40 - 81، فهرست ابن النديم 194، مرآة الجنان 2/441، تأريخ ابن كثير 11/314، تأريخ الأدب العربي 1/136، مقدمة رسائل الصاحب، ظهر الإسلام 1/133 - 134، تأسيس الشيعة 161، كشف الظنون 1/796، هداية العارفين 1/209، طبقات الزيدية - خ - معجم المؤلفين 2/274، المستدرك على معجم المؤلفين 124، ومنه مقدمة حسين علي محفوظ لرسالة في الهداية والضلال للصاحب 326 - 385، وانظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (230).
فخر الملة جامع المحامد، ولي آل رسول الله، شحاك الأعادي، الصاحب كافي الكفاءة إسماعيل بن عباد - رحمه الله - كان نسيج وحده في كل فضيلة، ما ظننته خلا عن ذكره كتاب من كتب التواريخ، إن ذكر الأدباء فهو إمامهم وحجتهم، أو المتكلمون /242/ فعليه تعويلهم، والوزراء فما يمشون إلا تحت لوائه، ولا يتفيّأون إلا في ظل فنائه، أو الفقهاء من جميع المذاهب، فحضرته منبع أعين(1) جميع العلوم، وصنف له الإمام الكبير أحمد بن الحسين الهاروني المؤيد بالله - عليه السلام - (البلغة)(2) على مذهب الهادي - عليه السلام - وهي كتاب لطيف محتفل بفوائد وزوائد، وناهيك لهذا الصاحب الجليل بعناية هذا الإمام العظيم شأنه وحضوره مجلسه المعمور بالفضائل،بل مدحه بقصيدته الزهراء(3) الشهيرة الطائرة السائرة، وكان الإمام(4) أبو طالب من أهل الحضرة، وأيضاً وينقل عن الصاحب وقاضي القضاة وغير هؤلاء، وكان إذا تمنى الناس المراتب والأموال تمنى لقاء السيد المؤيد يحل له الشبه، ومن كلماته: ما تحت الفرقدين مثل السيدين يريد المؤيد بالله والناطق بالحق، ومن كلماته المستحسنة حين توسط بينهما لإصلاح شيء وقع يشبه ما وقع بين الحسنين السبطين - عليهما السلام - فلم يتيسر للصاحب ما رام فقال: شأنكما، وما قد شانكما، وكان الكلام مسخراً له، ولقد أحسن القاضي الجرجاني - رحمه الله - فيه حيث يقول في وصفه بالسبق في ميدان الفصاحة:
ولا ذنب للأفكار أنت تركتها ... إذا احتشدت لم تنتفع باحتشادها
سبقت بأفراد المعالي وألفت ... خواطرك الألفاظ بعد شرادها
فإن نحن حاولنا اختراع بديعة ... حصلنا على مسروقها ومعادها
وفي كتب هذا الشأن ما يغني عن الإطالة، وما أحراه بقوله:
أولم تر الدنيا تطيع أوامري ... والدهر يلزم كيف شئت جنابي
__________
(1) في (ب): منبع لمعين.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) في (ب): الزهراء الفائقة.
(4) في (ب): وكان الإمام وكان أبو طالب.
والعيش غض والمسارح(1) جمة ... والهم أقسم لا يطور ببابي
وولاء آل محمد قد حيز لي ... والعدل والتوحيد قد سعدا بي
من بعد ما اسودّت مطالب طالب ... باب الرشاد إلى هدى وصواب
عاودت عرصة أصبهان وجهلها ... ثبت القواعد محكم الإطناب
والجبر والتشبيه قد جثما بها ... والدين فيها مذهب النّصابي
فكنفتهم دهراً وقد ثقفتهم ... إلا أراذل من بني الأذناب
ورويت من فضل النبي وآله ... ما لا يبقِّي شبهة المرتاب
وذكرت ما خص الوصي بفضله ... من مفخر الأعمال والأنساب
ودرى الذي كان التعرف دأبه ... أن الشفاء له استماع خطابي
وله في العدل والتوحيد رسائل وقصائد شغل بها قلوب الأعداء، وأشعلها ناراً بفصاحة وبلاغة وإبراز البراهين العقلية والنقلية بتلك العبارات، ولله /243/ دره حيث يقول:
لو قيل للمجبر المعتوه إن له ... أباً يريد فساداً طاح من عصبه
وظل يدفع ما قد قيل من أنف ... مجدداً عجبه فيه إلى عجبه
فكيف قال يريد الله فاحشة ... يذمها من رياء العبد أو كذبه
لولا التجاهل عز الله معتلياً ... عما يفوه ذوي الأجبار في خطبه
وهو المريد صلاح الخلق أجمعهم ... كذاك أنبأنا في النص من كتبه
والذم يلحق عند الناس(2) موجبه ... والإثم يحصل في ميزان مكتسبه
وما أدل قوله في هذه القصيدة على فضله وشرفه وهي طويلة أولها:
لو كانت الدنيا كنوزاً في يدي ... لوهبتها من حيث لا تكفيني
ما قدر منقرض وقيمة نافد ... ومحل ماض أن يليق يميني
العدل والتوحيد كل معاقلي ... وولاء آل الطهر جل حصوني
لا علم إلا ما أناضل دونه ... وأفاضل الدنيا يناضل دوني
يا آل أحمد قد جددت لمدحكم ... لما رأيت الحق جد مبين
سبق الوصي إلى العلا طلابها ... حتى تملكها بغير خدين
شمس ولكن ليس يعرف قرصها ... وضبارم(3) لم يستتر بعرين
__________
(1) في (ب): والمفارح.
(2) في (ب): عند الخلق.
(3) الضُّبارم: الأسد، والرجل الجريء على الأعداء (القاموس المحيط ص: 1460).
جذب النبي بضبعه(1) يوم الغديـ ... ـر ووكَّد التعريف بالتعيين
ختم الرقاب بنصه لولاية ... ختم الرقاب خلاف ختم الطين
يوم أغر أضاء غرة هاشم ... يوم هِجَان(2) ساء كل هجين(3)
أذكر له بدراً وسعي حسامه ... في هجر روح أو وصال منون
واذكر له أحداً وقد أرضى الردى ... ورضي الردا أسخاط كل وتين(4)
ثم اذكر الأحزاب واذكر سيفه ... أسد يلاقي الحرب (بالتبين)(5)
واذكر يهود بخيبر إذ شلها ... مثل البغاث يشل بالشاهين
وأذكر حنيناً حين أصبح سيفه ... يلقى المناحر عن هوى وحنين
أجرى دماء المشركين فلو جرت ... في موقف لرأيت ألف معين
واذكر مؤاخاة النبي وقوله ... ما قال في موسى وفي هارون
قد سدت الأبواب إلا بابه ... لو كان يُعْرَفُ موضع التبيين
وبراءة ارتجعت وملك أمرها ... يا رب شأن ناسخ لشاءون(6)
يا هل أتى يوحي بمفخر ما أتى ... ليغض طرف الناصب المغبون
أرواة أثار النبي من الذي ... يدعى قسيم النار يوم الدين
من بابه في العلم وهو مدينة ... إيهٍ وصاحب سره المخزون /244/
من زوَّج الزهراء حين تزاحموا ... في خطبة كشفت عن المكنون
من(7) جذ أصل الناكثين وجذ حبـ ... ـل القاسطين وحاط عز الدين
من كان حتف المارقين الفاسقيـ ... ـن وجسهم في دمنة التحسين
يا أمة ملك الضلال زمامها ... وتهالكت في حالها الملعون
أجزاء من هذا ذوائب فضله ... وثمار علياه بغير غصون
__________
(1) الضَّبع: العَضُد، والجمع أضباع كفرخ وأفراخ (مختار الصحاح ص: 376).
(2) أي كريم من قولهم: امرأة هجان أي كريمة.
(3) يقال: رجل هجين بيّن الهُجْنَة، والهجنة في الناس والخيل إنما تكون من قِبَل الأم، فإذا كان الأب عتيقاً أي كريماً والأم ليست كذلك كان الولد هجيناً، والإقراف من قِبَل الأب (المختار الصحاح ص: 691).
(4) الوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه (المصدر السابق ص: 708).
(5) لعلها: بالتبيين.
(6) كذا في (أ) و (ب)، ولعل الصواب: لشئون.
(7) الجذَّ: القطع.
ألا يقدَّم والفضائل شَهَدٌ ... والفخر أقعس(1) مشرف العرنين
وتراق مهجته ويقتل نسله ... وتباح(2) مهجته لشر قطين
أجرى الشقي دم الوصي فشفقت ... حلل الجنان أكف حور عين
وكذا الدعي ابن البغي سطا على ... ولد النبي بحقده المدفون
فبكت ملائكة السماء بكربلا ... والدين بين محرق ورئين(3)
وجرى على زيد ويحيى بعده ... ما ألبس الإسلام ثوب شجون
هاتا أمية راجعت ثأراتها ... فيها بسمل ضلالها الموضون(4)
فيقول: لم تسلم ولم تؤمن ولم ... تعصم بحبل في اليقين متين
فإذا بنو العباس تحذو حذوها ... فأسأل عن المنصور أو هارون
وأسأل ولا يغررك ما قد لبَّسوا ... أو دلَّسوا من قصة المأمون
وهلم جراً فالجرائر بينهم ... فوضى وكم من زفرة وأنين
آل الهدى من بين مقتول ومأ ... سورٍ ومسموم إلى مسجون
والله يجزي الظالمين بناره ... كي يعلموا الأنباء بعد الحين
يا سادتي إن ابن عبَّاد بكم ... يرعى رياض العز والتمكين
وبكم يدافع ما ينوب وعنكم ... يرجو الشفاعة عن أصحِّ يقين
هذى قريعة(5) وقتها وافتكم ... في معرض التحسين والتزيين
إن قِسْتَ أشعار الفحول بحسنها ... فَقِسْ القَتَادَ(6) بروضة النسرين
وإليك يا كوفي أنشد واتّئد ... وأجد على التطريب والتلحين
وله مقاطيع من الشعر في معنى سري، فمن ذلك في أمير المؤمنين كرم الله وجهه:
ما لقوم إذا يقال علي ... صار في ورد خدهم يا سمين
كل هذا لمولد فيه خبث ... وعلى الحق شاهد مستبين
وله:
عليك بالعلم فادخره ... فعنده الفضل والكمال
__________
(1) أي المرتفع.
(2) في (أ): وتباج.
(3) في (أ): ورائن.
(4) السمل: الخلق من الثياب، وقوله: الموضون أي المنسوج من وضن الشيء يضنه فهو موضون، ووضين: ثنى بعضه على بعض وضاعفه ونضَّده، والنسع: نسجه (وانظر القاموس المحيط).
(5) أي خيار الشعر: إشعاره له من القريعة، وهي خيار المال.
(6) القتاد: شجر له شوك، والنِّسرين بالكسر: ورد.
/245/ العلم إما افتقرت مال ... وإن حويت الغنى جمال
وله:
الزم الصدق إنه ... طية العلم والأدب
كذب المرء شينه ... لعن الله من كذب
وله:
احذر الغيبة فهو الفسق لا رخصة فيه ... إنما المغتاب كالآكل من لحم أخيه
وله:
إذا هممت بأمر ... فقدِّم الاستخارةْ
وإن عزمت عليه ... فكرِّر الاستشارةْ
وله:
يا طالباً سمت السداد والرشد ... لا تحسدنَّ كيف ما كنت أحدْ
كي لا تضيف كمداً إلى كمد ... فليس للحاسد إلا ما حسدْ
وله:
حفظ اللسان راحة الإنسان ... فاحفظه حفظ الشكر للإحسان
فآفة الإنسان في اللسان
وله:
إياك والحرص إن الحرص مهلكة ... فاقنع بما هو مرزوق ومقسومُ
ما زاد حرص امرئ في رزقه وكفى ... إن الحريص على العلات محرومُ
وله:
إذا ما دهاك الخطب تخشى ضراره ... فلا تنتظر نصراً سوى نصر خالقك
فإن قلَّ مال أو تأخر وقته ... فلا تترقب غير إحسان رازقك
وله:
احفظ السر وارعه ... إن إظهاره خطرْ
لا تذعه وإن وثقـ ... ـت بمن يكتم الخبرْ
فقديماً رووا لنا ... عن ذوي العلم بالأثرْ
احفظ السر مثلما ... تحفظ السمع والبصرْ
وله:
إذا أدناك سلطان فزده ... من التعظيم واحذره وراقبْ
فما السلطان إلا البحر عظماً(1) ... وقرب البحر محذور العواقبْ
وله - رحمه الله - إلى بعض الطالبيين مرض فزاره الصاحب وقال:
يا سيداً أفديه عند شكائه ... بالنفس والولد الأعز وبالأبِ
لم لا أبيت على الفراش مسهداً ... وقد اشتكى عضو من اعضاء النبي
/246/ وله - رحمه الله - في الشمعة:
ورائق القدِّ مستحبِ ... يجمع أوصاف كل صبِّ
صفرة لون وصب(2) دمع ... وذوب جسم وحر قلبِ
وله إلى بعض الأشراف لما تأخر عن زيارته:
إذا لم يكن لركوب الشريـ ... ـف سوى أن يلم بداري غرض
وأفقده الدهر مركوبه ... فإن عليَّ احتمال العوض
وله في السيد الإمام المؤيد بالله - عليه السلام -:
__________
(1) لعلها: غطماً بالغين المعجمة في أوله والغطم: البحر العظيم.
(2) في (ب): وسكب دمع.
سقم الشريف سقامي ... يضيق عنه مقامي
ولو تحملت عنه ... عوارض الأيام
وكان يفديه روحي ... من كل داء عقامي(1)
لما قضيت حقوقاً ... لمشيتي واهتمامي(2)
ففضله ضوء بدر ... يجلو سحاب ظلام
وحلمه الحلم يزري ... بيذبل وشمام
وعلمه سيح بحر ... أو لا ففيض غمام
يأتي بسحر حلال ... في لطف سحر حرام
واليت أبناء طه ... فهم موالي الإنام(3)
أذبُّ عنهم بكفي ... وصارمي وكلامي
وأصطفيهم لودي
ذ ... ومدحتي وسلامي
وشانئاً لرجال ... قالوا بنكث الذمام
وليس غير علي ... بعد النبي إمامي
إن شئت فأكتم حديثي ... أو شئت أظهر كلامي
وله فيه:
كيف كان الشريف أيده اللهْ ... فهو نجم النجوم بدر الأهلهْ
ولو اني استطعت كلَّفت نفسي ... سقمه كله وخففت كلهْ
قصر الله عنه باع الليالي ... وفداه النصاب من كل علةْ
وبعيد أن يقبلوا في فداء ... فعلى الحال حالهم لعنة الله
قلت: وهذا الرجل لم يكن همه إلا المكارم ولا عشقه إلا الأكارم، فكان بابه مطافاً للنبلاء، ومقاماً للفضلاء، إليه يسعون، ثم يقفون ويحجون، ويعتمرون، وما بلغه ذكر فاضل إلا واستدناه وراسله، كأن ذلك الفاضل هو المتفضل، وقد مرَّ ما حكيناه من تمنيه لقاء المؤيد بالله، ولما استدنى القاضي أبا بشر الفضل بن محمد الجرجاني فحين وصل إلى باب الري كتب إليه الصاحب ممتثلاً:
سقى الله دارات مررت بأرضها ... قادتك نحوي يا زياد بن عامرِ
أصائل قرب أرتجي أن أنالها ... بلقياك قد زحزحن حرّ الهواجرِ
__________
(1) العَقام بالفتح: الداء الذي لا يُبرأ منه، وقياسه الضم إلا أن المسموع هو الفتح (مختار الصحاح ص: 448).
(2) في (ب): باهتمامي.
(3) في (أ): الإمام.
قال هارون بن علي المنجم: وكان الصاحب يستحسن هذين البيتين، ويقول: هذا الشعر إن أردت كان أعرابياً في شملته، وإن أردت كان عراقياً في حلته هو في نقاء شعر العرب، وسلامه شعر الحضر، وقد ذكر الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين مراسلته هو والإمام /247/ أبو أحمد العسكري، ولكني أذكرها من رواية الشيخ محمد بن معين التي رواها في كتاب (زاد المسافر)؛ لأنها أبسط، ولفظه: روينا عن السلفي رواية(1) وهو أن الصاحب أبا القاسم إسماعيل بن عباد كان يتمنى لقاء أبي أحمد العسكري، ويكاتبه على ممر الأوقات، ويستميل قلبه فيعتل بالكبر والشيخوخة، إذ عرف أنه يعرض بالقصد إليه والورود عليه، فلما أيس منه الصاحب احتال في جذب السلطان إلى ذلك الصوب، وكتب إليه حين قرب من عسكر مكرم كتاباً يتضمن علوماً نظماً ونثراً ومما ضمنه من المنظوم قوله:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتمُ ... ضعفنا فما نقوى على الوجدانِ
أتيناكم من بعد أرض نزوركم ... وكم منزل بكر لنا وعوانِ
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ... بملئ جفون لا بملئ جفانِ
فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذاً له، فأملى عليه الجواب عن النثر نثراً وعن النظم نظماً، وبعث به إليه في الحال، وكان في آخر جواب(2) أبياته التي ذكرها على الارتجال:
وقد حيل بين العبر(3) والنزوان(4)
__________
(1) في (ب): قصة.
(2) لعلها: جوابه.
(3) في (ب): العير.
وهو تضمين إلا أن الصاحب استحسنه ووقع ذلك موقعاً عظيماً، وقال لو عرفت أن هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها، وكنت قد ذهلت عنه، وذهب عليَّ ثم إن(1) أحمد قصده وقت حلوله عليه ومعه أعيان أصحابه وتلامذته في وقت لا يمكن الوصول إليه إلا لمثله، فتلقاه وأقبل عليه بالكلية بعد أن أقعده في أرفع موضع من مجلسه وتفاوضا في مسائل، فزادت منزلته عنده، وأخذ أبو أحمد منه بالحظ الأوفر وأجرى على المتصلين به إدراراً كانوا يأخذونه إلى أن توفي، وبعد وفاته قال الحاكم في (العيون): وكان بويه بن الحسن ألقى إليه مقاليد أمره، وكذلك عضد الدولة فكان يسير سيرة تليق بأهل الدين من العدل في الرعية والأفضال على أهل الفضل ثم قال: ولقد صدق أبو بكر بن الخوارزمي حيث قال:
وكنت أطالب الدنيا بحر ... فكنت الحر وانقطع الكلام
وكنت أعد أفكاري لوقت ... فكان الوقت وقتك والسلام
وكان - رحمه الله - يهتز للمديح، ويظهر أريحيته، ولما أنشده خازنه أبو محمد الأصفهاني قصيدته التي طالعها:
ما بال قلبك نهباً بين أهوائي ... وما لرأيك شورى بين آرائي
[و] منها:
كنا نهيم بسعدى برهة وإذا ... هويت عزة يبغي وصل عفراء
صبية الحي لم تقنع بها سكناً ... حتى علقت صبايا كل أحياء /244/
ما مثل رامة داراً في الديار ولا ... مثل الرباب حبيباً في الأحباء
ولا يطيب الهوى إلا لمنفرد ... بالحب ناء عن العذال أباء
ومنها:
أما رأت عينه أسماء واحدتي ... وقد ثوت من فؤادي في السويداء
أدعي بأسماء نبزاً في قبائلها ... كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
ومن مديحها:
نعم تجنب لا يوم الغطاء كما ... يجنب ابن عطاء لفظه الرائي
قالوا: فلما سمع الصاحب - رحمه الله - مديح هذه القصيدة زحف من دسته طرباً:
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ... تهلل واهتز اهتزاز المهند
__________
(1) في (ب): ثُمَّ إن أبا أحمد.
وترجم الجلال الأسيوطي للصاحب ترجمة لطيفة، قال: إسماعيل بن(1) عباد الطالقاني، أبو القاسم الوزير، الملقب بالصاحب، كافي الكفاة، ولد في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وأخذ الأدب عن ابن فارس وابن العميد، وسمع من أبيه وجماعة، وكان نادرة عصره، وأعجوبة دهره في الفضائل والمكارم، حدث وقعد للإملاء، وحضر الناس الكثير عنده بحيث كان له ستة مستملون، وكان في الصغر إذا أراد المضي إلى المسجد ليقرأ تعطيه والدته ديناراً في كل يوم، وتقول له: تصدق بهذا على فقير ففير تلقاه، فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وصار يقول للفرَّاش كل ليلة: اطرح تحت المطرح ديناراً أو درهما لئلا ننساه، فبقي على هذا مدة، ثم إن الفراش نسي ليلة من الليالي أن يطرح له الدرهم والدينار فانتبه وصلى وقلب المطرح ليأخذ الدينار والدرهم(2) ففقدهما فتطير من ذلك وظن أنه لقرب أجله، فقال للفرَّاش: خذوا كل ما هنا من الفراش وأعطوه لأول فقير تلقونه حتى تكون كفارة لتأخير هذا، فلقوا أعمى هاشمياً يبكي على يد امرأة، فقالوا: تقبل هذا؟ فقال: ما هو؟ فقالوا: مطرح ديباج ومخاد ديباج، فأغمي عليه، فأعلموا الصاحب بأمره، فأحضره ورش عليه، فلما أفاق سأله، فقال: اسألوا هذه المرأة إن لم تصدقوني، فقالوا له: اشرح، فقال: أنا رجل شريف لي ابنة من هذه المرأة خطبها رجل فزوجناه ولي سنتان، أخذ القدر الذي يفضل عن قوتنا، أشتري لها به جهازاً، فلما كان البارحة قالت أمها: اشتهيت لها مطرح ديباج ومخاد ديباج، فقلت: من أين لك ذلك؟ وجرى بيني وبينها خصومة إلى أن سألتها أن تأخذ بيدي وتخرجني حتَّى أمضي على وجهي، فلما قال هؤلاء هذا الكلام حق عليَّ أن يغشى عليَّ. فقال: لا يكون الديباج إلا مع ما يليق به، ثُمَّ اشترى لها جهازاً يليق بذلك المطرح، وأحضر زوج الصبية ودفع إليه بضاعة سنية، وبقي
__________
(1) قال إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد الطالفاني.
(2) في (ب): الدرهم والدينار.
الصاحب في الوزارة ثماني عشرة سنة /249/ وشهراً لمؤيد الدولة ابن ركن الدولة علي بن بويه وأخيه فخر الدولة، وهو أول من سمي بالصاحب؛ لأنه صحب مؤيد الدولة من الصبا وسماه الصاحب، فغلب عليه هذا اللقب، ولم يعظم وزيراً مخدومه ما عظمه فخر الدولة، ولم يجتمع بحضرة أحد من العلماء والشعراء والأكابر ما اجتمع بحضرته، وعنه أنه قال: مدحت بمائة ألف قصيدة عربية وفارسية ما سرني شاعر كما سرني أبو سعيد الرستمي الأصبهاني بقوله:
ورث الوزارة كابراً عن كابر ... موصولة الإسناد بالإسناد
يروي عن العباس عباد وزا ... رته وإسماعيل عن عباد
وللصاحب من المصنفات المحيط في اللغة عشرة مجلدات(1) [ومن] رسائله، (الكشف عن مساوئ المتنبي)(2) (جوهرة الجمهرة) (ديوان شعر)(3) وغير ذلك(4)، مات ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وأغلقت مدينة الري، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون جنازته فلما خرج نعشه صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة، وقبَّلوا الأرض، ثم نقل بعد ذلك إلى أصبهان، وشهرته تغني عن الإطناب ومن شعره:
قال لي: إن رقيتي ... سيء الخلق فداره
قلت: دعني وجهك الـ ... ـجنة حفت بالمكاره
انتهى كلام الجلال السيوطي.
__________
(1) قال في أعيان الشيعة: يوجد منه مجلد في دار الكتب المصرية، ومجلد في بعض مكاتب كربلاء.
(2) طبع في مصر.
(3) طبع بتحقيق الشيخ محمد بن حسن آل ياسين ثلاث مرات آخرها سنة 1412ه عن مؤسسة قائم آل محمد.
(4) ومن مصنفات الصاحب بن عباد - رحمه الله -: كتاب الوزراء، والإبانة عن مذهب أهل العدل، بحجج القرآن والعقل (طبع)، والتذكرة في الأصول الخمسة (طبع)، ورسالة في الطب (طبع)، ورسالة في الهداية والضلال (طبع)، وكتاب الإمامة، ونهج السبيل في الأصول، والإبانة في تفضيل أمير المؤمنين (انظرها كاملة في كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 235 - 236).
قلت: وكان نقش خاتمه - رحمه الله -: شفيع إسماعيل في الآخرة محمد والعترة الطاهرة.
قال شيخ الزيدية محمد بن أحمد بن الوليد القرشي - رحمه الله -: ولما مات الصاحب رثاه أحمد بن إبراهيم الظبي(1)، فقال:
أيها الباب لِمَ علاك اكتئاب ... أين ذاك الحجاب والحجابُ
قل بلا ريبة وغير احتشام ... مات مولاي فاعتراني انتحابُ
مات من كان يفزع الدهر منه ... فهو الآن في التراب ترابُ
قال: ولأبي النجم المنجم في ترثيته:
لا تحد عنك ترهات أماني ... عز البقاء على الزمان الفاني
أنظر إلى كافي الكفاة وذله ... من بعد ذاك العز والسلطان
بطشت به الأيام بطش محكم ... فيه فاخلت منه كل مكان
أمسى مسمى في الحديث ولم يكن ... في الشعر يكنى قبل أخذ أمان
إن لم يكن في الناس أول نازح ... عن داره قسراً فليس بثاني
انتهى كلام ابن الوليد.
قلت: ومن أعجب ما روي أن أبا القاسم بن أبي العلا الشاعر الأصبهاني، قال: رأيت في المنام قائلاً يقول لي: لِمَ لا ترثي الصاحب مع فضلك وشعرك، فقلت /246/: ألجمتني كثرة محاسنه فلم أدر بما أبدأ، فقال: أجز:
ثوى الجود والكافي معاً في حفيرة
فقلت:
ليأنس كل منهما بأخيه
فقال:
هما اصطحبا حييَّن ثم تعانقا
فقلت:
ضجيعين في لحد بباب دريه
فقال:
إذا ارتحل الناؤون عن مستقرهم
فقلت:
أقام إلى يوم القيامة فيه(2).
قلت: وباب دريه محله عند باب أصفهان، ورثاه الشريف الرضي ذو الحسبين أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الموسوي - رحمه الله تعالى -(3):
أكذا المنون يفطر الأبطالا ... أكذا الزمان يضعضع الأجبالا
أكذا تصاب الأسد وهي مذلة ... تحمي الشبول وتمنع الأغيالا
أكذا تقام عن الفرائس بعدما ... ملأت هما همها الورى أو جالا
أكذا تحط الزاهرات عن العلا ... من بعد ما شات العيون منالاً
__________
(1) في (ب): الضبي.
(2) قوله: القيامة فيه سقط من (أ).
(3) في (ب): فقال.
أكذا تكبُّ البزل(1) وهي مصاعب ... تطوي البعيد وتحمل الأثقالا
أكذا تغاض الزاخرات وقد طفت ... لججاً ووارده الظمي زلالا
يا طالب المعروف حلِّق بحمة ... حط الحمول وعطَّل الأجمالا
وأقم على يأس فقد ذهب الذي ... كان الأنام على نداه عيالاً
من كان يقرى الجهل علماً باقياً ... والنقص فضلاً والرجاء نوالا
ويجبن(2) الشجعان دون لقائه ... يوم الوغى ويشجع السؤالا
خلع الردا ذاك الردا أنفاسه ... عنا وقلَّص ذلك السر بالا
خبر تمخض بالأحبة ذكره ... قبل اليقين وأسلف البلبالا
حتى إذا جلَّى الظنون يقينه ... صدع القلوب وأسقط الأحمالا
الشك أبرد للحشا في مثله ... يا ليت شكي فيه دام وطالا
ذ
جبل تسنمت البلاد هضابه ... حتى إذا ملأ الأقالم زالا
إن قطع الآمال منك فإنه ... من بعد يومك قطع الآمالا
ما كنت أول كوكب نزل الدنا ... وسما إلى نظرائه فتعالا
أنفاً من الدنيا بتت حباً لها ... ونزعت عنك قميصها الأسمالا
ذا المنزل المطعان قد فارقته ... وغداً تبوأ منزلاً محلالا
لا رزء أعظم من مصابك إنه ... وصل الدموع وقطَّع الأوصالا
يا آمر الأقدار كيف أطعتها ... أو ما وقاك جلالك الآجالا
كم حجة في الدين خضت غمارها ... هدراً لفينق(3) يحمطا(4) وصالا /251/
فسنان رمحك أو لسانك موسعاً ... طعناً يشق على العدى(5) وحلالا
إن نكس الإسلام بعدك رأسه ... فلقد رزي بك موئلاً ومآلا
واهاً على الأقلام بعدك إنها ... لم ترض غير بنان كفك آلا
منها:
سلطان مجد كنت أنت تعزه ... ولرب سلطان أعز رجالا
إن المشمر ذيله لك خيفة ... أرخى وجلد(6) بعدك الأذيالا
ما كنت أخشى أن يزل لحادث ... قدم جعلت لها الركاب قبالاً
__________
(1) البُزْل: جمع بازل، وهو البعير، أو الناقة وذلك إذا كان تاسع سنيه، وليس بعده سن تسمى.
(2) في (أ): ويجبر.
(3) الفينق: الفحل المكرم لا يؤدذى لكرامته على أهله ولا يكرب.
(4) في (ب): تحطما.
(5) في (ب): وجدالا.
(6) في (ب): وجرّد.
دفع الزمان لك النوائب دفعة ... وتصوب الوادي إليك فسالاً
ومنها:
طلبوا التراث فلم يروا من بعده ... إلا علاً وفضائلاً وجلالا
هيهات فاتهم تراث مخاطر ... حفظ الثناء وضيع الأموالا
قد كان أعرف بالزمان وصرفه ... من أن يثمر أو يجمع مالا
مفتاح كل ندىً وكل معاشر ... كانوا على أموالهم أقفالا
ومنها:
يا طالباً من ذا الزمان شبيههُ ... هيهات كلفت الزمان محالا
إن الزمان أظن بعد وفاته ... من أن يعيد لمثله أشكالا
ومنها:
صلى الإله عليك من متوسد ... بعد المهاد جنادلاً ورمالا
كسف البلا ذاك الهلال المجتلا ... وأجر ذاك المقول الجوالا
ورأيت كل مطية قد بدلت ... من بعد يومك بالزمام عقالا
طرح الرجال لك العمائم حسرة ... لما رأوك تستروا إجلالا
قالوا: وقد فجئوا بنعشك سائراً ... من ميل الجبل العظيم فمالا
وتبادروا شق(1) الجيوب وعاجلوا ... عظ الأنامل يمنة وشمالا
ما شققوا إلاَّ كساك وألموا ... إلا أنامل نلن منك (سحالا)(2)
من ذا يكون معوضاً ما مزقوا ... ومعولاً لمؤمل وثمالا(3)
وهذا القدر من القصيدة، منبه على ما وراءه، وشعر الشريف شريف الشعر، ولله دره، والصاحب حري بأكثر من ذلك، وجملة عدد القصيدة هذه مائة بيت واثنا عشر بيتاً، رحمة الله عليهم أجمعين.
إسماعيل بن عباد بن محمد(4) [ - ]
وفي أهل الوزارة وعلوم الأدب من اسمه إسماعيل بن /252/ عباد بن محمد أبو القاسم الكاتب الأصبهاني، قال السلفي: من بيت الرياسة والكتابة، فاضل في الأدب والنحو، بارع في الترسل، وهذا مظنة الالتباس، ولهذا أنبهنا(5) عليه.
إسماعيل بن عبد الله بن أبي النجم(6) [ - ]
__________
(1) في (ب): وتبادروا عظ الجيوب.
(2) أي بيض، استعارة له من السحل، وهو الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن.
(3) الثمال: الملجأ.
(5) في (ب): نبهنا.
(6) مآثر الأبرار 2/909.
القاضي الرائس حاكم المسلمين المجاهد في سبيل الله إسماعيل بن عبد الله بن أبي النجم رحمه الل،ه من البيت الذي لاح بشر مجده، وفاح نشر نده، وناهيك بقول الإمام إبراهيم بن تاج الدين سلام الله عليه، فيهم:
لآل أبي النجم الكرام مكارم ... تحل محل النيرات الثواقب
لهم عادة بذل النوال إذا سطت ... يد الدهر وانسدت وجوه المطالب
ونشر فنون العلم في كل مشهد ... إليهم له تحدى قلاص الركائب
وإخلاص دين للإله وعفة ... وفعل وقول صادق غير كاذب(1)
وكان هذا القاضي علامة صدراً مقدماً في وقته ذا مكانة في الفضائل على أنواعها وأجناسها، وله شعر كثير، من ذلك ما كتبه إلى الأمير الناصر للدين عز الدين محمد بن المتوكل على الله قصيدة منها:
أو كنت تعلم للنبي من معشر ... سلكوا سبيل الرشد للمتبصرِ
أشياعكم دون الأنام وحبذا ... أشياع والدك النبي الأطهرِ
من دوحةٍ قضوية علماء من ... أبنا ملوكٍ للورى من حميرِ
لما دعا المنصور جدك أقبلتْ ... منا إليه عصابةٌ لم تخصرِ
فحمى جوانبها وعظَّم شأنها ... وأحلَّها فوق السماك النيرِ
وكذاك والدي التقيّ وما جرى ... فيه لوالدك الغمام الممطرِ
مولى البرايا أحمد وغياثهم ... في النائبات وكل أمر يعتري
وأنا الذي عاينته وخبرته ... وبذاك يخبر غائبٌ عن حاضرِ(2)
ما إن كفرت صنيعكم وودادكم ... فاسأل به أهل البسيطة تخبرِ
تزهو المنابر من ثنائي فيكمُ ... بفرائد فاقتْ فريدَ الجوهرِ
وترى المحافل عند ذكري مدحكم ... تعلو على ضوء الهلال الأنورِ
فعلام يهضمني زنيمٌ رتبتي ... أو أن يؤخر في المقام تصدري
أو أن أعد مقصراً لما عدى(3) ... بصداي المعروف فوقَ المنكرِ
أو ان أضام وأنت ذخري والذي ... ألقى به ريب الزمان المعتري
أبذا رضيت فإنني أرضى به ... أم أسخطوك فماله من مصدرِ
يا ناصر الدين الحنيف ودافع الـ ... ـخطب الجليل وعصمة المستبصرِ
__________
(1) مآثر الأبرار 2/908.
(2) في (ب): عن حضر.
(3) لعلها: غدا.
253/ أنت المرجى في الخطوب إذا عرت ... واعتاض أبيضها بلونٍ أقترِ
والحاطم الجبار في وهج الوغا ... ومديره بالذل بعد تجبرِ
والواهب الجرد العتاق سوائماً ... والموقد النيران للمتنورِ
والكاشف الفحشاء لا فعّالها ... والباسط النعماء للمستمطرِ
إن كنت تنكر ما أقول فإنني ... أرضى التناضل في المقام الأشهرِ
ليفوز سابقه بأفضل سبقة ... ويؤخرن مقدماً بمؤخرِ
فلأنت عز الدين مولانا الذي ... ورث الخلافة عن أبيه وحيدرِ
فكفاك عاصمة(1) العلوم إذا عرت ... لا يستطاع لمنجد أو مغورِ
تنموك أبناء النبوة(2) الأوْلى ... شادوا منار الدين للمتبصرِ
كأبيك شمس الدين سيد هاشمٍ ... والناصر الملك الهمام القسوري
أو ذا المتوج من غدت أيامه ... تحدي بها حوض الركاب الضمّرِ
القائل الفعال داود الذي ... أحيا شجاعة حيدر في خيبرِ
سائل به صنعاء ثم برا شها ... وأسأل به القلاب أيَّة مخبرِ
واسأل به جيش الطغاة بصعدة ... ما ذا أنال من العذاب الأكبرِ
وقال - رحمه الله - في مقرعة لقريش: كانت له وهي في الرياض:
مجمعة آداب كل كريمة ... ومن شأنها إعطا الجموع قياده
إذا أسرعت يمنى يدي بشلها ... تناجي ضميري عندها وفؤاده
وله - رحمه الله - أبيات إلى الأمير نجم الدين محمد بن سعيد صاحب الحرم الشريف، وذلك أنه قبض على القاضي جعفر بن عبد الله صنو القاضي إسماعيل فقال:
ما بال عينك عنها(3) النوم ممنوع ... وحبل ودِّك بعد الوصل(4) مقطوعُ
وأنت تشكو أناساً كنت تمنحهم ... خلاصة الود فيما عنك مسموعُ
فقال: إن زماني السوء(5) روعني ... بحادث لم يحدثني به روعُ
سطت علينا أناس نحن شيعتهمْ ... قد طال مِنَّا لهم في الدين تشييعُ
وضيعوا حقنا في عقر دارهمُ ... وحرمة البيت هل في البيت تضييعُ
__________
(1) في (ب): غامضة العلوم.
(2) لعلها: النبوات ليستقيم الوزن.
(3) في (أ): منها.
(4) في (أ): الود.
(5) في (أ): السواء.
والظن فيما أتانا أنه خطأ ... لم يعتمد والخَطَا في الشرع مرفوعُ
وإن نجم الهدى تأسو عوارفه ... كلماً به لذوي الإسلام ترويعُ
وترأب الصدع إذ أعمارنا نفدت ... والأولون وما في العود تصديعُ
254/بل كم رأينا صدوعاً في الورى وترى ... عمودنا اليوم أضحى وهو مصدوعُ
لكنْ مكارمُ نجمِ الدينِ شاهدةٌ ... بأن في كفه الإحسانُ مجموعُ
سارتْ عوارفه في كل ناحيةٍ ... فكل ربعٍ بجودٍ منه مربوعُ
فاضتْ أياديه في الدنيا فكل يرى ... فيها ندى ما بقي سهل ولا ريعُ
وفارس الخيل يحمي المرهفات إذا ... خف الثقيل وفي الأعناق توديعُ
والخيل تبدأ مهاراً مقنعة ... من الشواني بثوب فيه تقطيعُ
حمي(1) الحجاز فلم يظفر به ملك ... وكم له نحوه حشد وتجميعُ
إلى أن قال:
أشكو إليك أبا المنصور قارعةً ... نالت أخي فكأني اليوم ملسوعُ
ولست في نقص مالٍ فهو محتقرٌ ... عندي ولكنْ لأمر فيه تشنيعُ
وإن توقيع ديوان الصغار حوى ... منا الأولى ما حواهم قبل توقيع
وكان القاضي إسماعيل بن عبد الله ممن عضد الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام - واستشهد معه، لعل ذلك يوم قضية أفق(2) الكائنة في نهار الجمعة النصف من شهر جمادى الأولى من يسنة أربع وسبعين وستمائة، وهي قضية مشهورة بين الإمام وجنود السلطان المظفر يوسف بن عمر بن رسول، وكان المتولي للحرب من قبل السلطان الشعبي وتطرقت المحنة إلى جنود الإمام من حيث كانوا يظنون النجاة والله المستعان، واستشهد القاضي إسماعيل، ورثاه الإمام بترثية طنانة:
خطب ألم فأنساني الخطوب معاً ... وصير القلب في أشغافه قطعاً(3)
وهاض مني القوى حتى غديت أخا ... عجزٍ وقد كنت للأعباءِ مضطلعا
__________
(1) لعلها: حمى.
(2) أفق: قرية في ناحية معبر جهران وأعمال آنس بالقرب من ذمار بمسافة 13 كم، وتعرف قديماً باسم أفيق (معجم المقحفي ص: 41).
(3) وانظر القصيدة في مآثر الأبرار 2/909 - 912.
فصرت أظهر صبراً إذ شعرت به ... تجمّلاً وفؤادي مضمر جزعاً
وذاك قتل شجاع الدين أحمد من ... أمسى بكل خصال الفضل قد جمعا(1)
حاز السماحة والعلياء من قدمٍ ... والحلم والعلم والإقدام والورعا
ذو همة لم تزل قعساءَ ساميةً ... لو ضمها صدر هذا الدهر ما اتسعا
وعزمة مثل حد السيف ماضية ... لو لاقت الصخر يوماً لان وانصدعا
إن عد أهل السخا فهو السخي بما ... تحوي يداه إذا ما باخلٌ منعا
أو عد أهل الهياج المشعلين لها ... فهو الذي بلبان الحرب قد رضعا
وقتل قاضي أمير المؤمنين صلا ... ح الحق من لم يزل للدين متبعاً
سمح اليدين كريم الوالدين له ... كف يفرق في العافين ما جمعا/255
من لم يزل لجميع الخلق معتصماً ... عند الخطوب وللعافين منتجعاً
الصاحب الثقة المأمون جانبه ... والحافظ الود إن دانى وإن شسعا
وقتل نجل سعيد صارمي(2) بيدي ... إذا نبى(3) السيف واستعملته قطعا
كان الهزبر إذا ما الحرب مسعرة ... ولم يكن عندها نكساً ولا ورعاً
لهفي عليهم جميعاً لو شهدتهم ... لكنت أول من نحو الحمام سعى
وإنما الكل في بحر يعوم به ... من البلاد وطير الموت قد وقعا
ولم يولوا ولا وليت منهزماً ... وكلهم ذاق من كأس الردى جرعاً
ولم أظن(4) بنفسي عن مصادمة الـ ... ـموت الزؤام ولكن القضا دفعا
بل قد رميت بها(5) في جحفلٍ لجبٍ ... وبالجواد ولم أضمر بها فزعاً
فذدتهم عن دخول الباب إذ عزموا ... على الدخول وكلٌّ منهمُ رجعا
حتى إذا جاء من خلفي ومن قبلي ... عساكر يحمل الإنصاف والقطعا
فأمسكوا الرمحح من خلفي مغادرة ... والسيف قد أمسكوه والجواد معا
وكنت في موضع مستصعبٍ حرجٍ ... لم ألق فيه لسعي الطرف متسعاً
لم يبق لي حيلة في الدفع عن أحدٍ ... منهم وأُلقيتُ فوق الأرض منصرعاً
__________
(1) وانظر القصيدة في مآثر الأبرار 2/918 - 920.
(2) لعلها: صارم، ليستقيم الوزن.
(3) لعلها: نبا.
(4) لعلها: أضن، بمعنى أبخل.
(5) في (ب): لها.
ثم انتهيت إلى سوحٍ به ملكٌ ... يحل بيتاً من العلياء مرتفعاً
فجاد بالعفو والإحسان شيمته ... وكان للخير والمعروف مصطنعا
إني أقول ونار الحزن في كبدي ... سقياً ورعياً لعهد منهم ولعا
ورحمة الله لا تفنى مكررة ... عليهم ما خفى برق وما لمعا
هذا عزائي لكل المسلمين فمن ... يبلغه عني فربي حاطه ورعاً
ثم الصلاة على المختار من مضر ... وآله السادة المحيين ما شرعا
فأجابه بعض(1) الزيدية فقال:
أهلاً بطرسٍ(2) علينا نجمه طلعا ... نظماً ونثراً بطرس واحد جمعا
من أفضل الناس من عربٍ ومن عجمٍ ... وخير داع إلى الدين الحنيف دعا
خليفة الله من أحيا لنا سنناً ... ومن أمات لدينا سعيه بدعا
مهذباً نجل تاج الدين أشرف من ... أفنى وأقنى ومن أعطى ومن منعا
الباسط الكف للعافين باذله ... إذا السحائب ضنت جاد واندفعا
كهف الطريد إمام العصر سيدنا ... أعز من بالهدى والدين قد صدعا
رثى رجالاً أصيبوا فالقلوب(3) على ... ما نالهم ذهبت من أجله قطعاً
باعوا من الله أرواحاً فأسكنهم ... في الخلد أشرفها مرأى ومستمعا
سلوا السيوف ولم يخشوا ولا وهنوا ... في حومة الموت لا هدلاً(4) ولا فزعاً
فكل عين عليهم أمطرت ديماً(5) ... وكل نفس عليهم أشربت جزعاً
مالي وللدهر لا تنفك نائبة ... منه تنوب فهلا ارتدَّ وارتدعا(6)
وفي سلامة مولانا لنا عوض ... عما مضى أن تناسى الدهر أو فزعا
وهكذا الحرب ما زال الكمي بها ... يغشو(7) المهالك صراعاً ومنصرعاً
جاءت إليك من الرحمن عارفة ... كستك أمناً وثوب الأمن قد رفعا
لله ملك أفاد المسلمين معاً ... بعفوه عنك مجداً طال وارتفعا
أبو الهزبر الذي في ظل دولته ... أضحى نطاق العلا والفخر متسعا
__________
(1) في (ب): بعض علماء الزيدية.
(2) طرس: صحيفة.
(3) في (ب): بالقلوب.
(4) هدلاً: هَدِلَ المشفر كعرج: استرخى (المرجع السابق ص988).
(5) ديماً: سحباً.
(6) في (ب): ارتدَّ واندفعا.
(7) لعلها: يغشى.
خير الملوك وأعلاهم وأحسنهم ... تصرفاً في الورى إن ضر أو نفعا
يا ليت شعري والأوهام طامحة ... تساور الناس والآمال والطمعا
هل تشتفي من أمير المؤمنين ولو ... بنظرة تذهب الأوصاب والوجعا
للدين عبرة وجد قط ما رقأت ... وللمكارم طرف قط ما هجعا
وبارق للندى ما انفك مؤتلقاً ... فمذ أسرت خفى نوراً وما طلعا
عليك مني سلام الله ما ودقت ... وطف(1) وما انهل شؤبوبٌ وما لمعا(2)
إسماعيل بن علاء(3) [ - ]
الفقيه العلامة بهجة الإسلام إسماعيل بن علاء - رحمه الله تعالى - من كبار الزيدية ومشاهيرهم، كان عالماً عاملاً لغوياً أصولياً، ذكره العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - وله رسائل وردود على المطرفية الغوية، ومن أرجوزة له:
يا أخويَّ من بني عقيل ... كم مشرك بالواحد الجليلِ
يزعم أن خلق كل جيل ... بحكمة الأربعة الأصولِ
بالماء والنار وبالفيول(4) ... وبالهوى المعلق المحمولِ
تحفظ في التقوى بلا دليل ... .. إلى قوله:
كنا وإياكم معاً إخواناً ... حتى نطقتم ذلك البهتانا
مقالة تخالف القرآنا ... ما قالها من عبد الأوثانا
وهي طويلة، وله قصيدة في الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني - سلام الله عليه - في قضية بني ربيعة: /257/
ألا اقصرا عني لامكما(5) الهبل ... وكفا عناني في الملامة والعَذَلْ
ملامكما لي عنوة فتجنبا ... ملام فتىً عن ثوبه العار قد غَسَل
دعاني فقد أقصرت عن طرق الصبا ... وتبت عن اللذات واللهو والغزل
أراني مشغوفاً بحب فضيلةٍ ... وقد جاز عنها الناس وانقطع الأمل
أعاتب حاديها وأندب دارها ... وهل يرعوي الحادي لئن حل أو رحل
ويوم افتراق الحاد يوم فراقنا ... لأحبابنا لا عاش حاد ولا حمل
__________
(1) سحابة وطفاء: أي مسترخية الجوانب من كثرة مائها.
(2) في (ب): همعا.
(3) تأريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 2/23 - 24، أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (234).
(4) لعلها: بالهيولي.
(5) لعلها: ملامكما.
وقائلة لي كيف حالك بعدنا ... هلم فخابرنا(1) فقد طالت الطول
أقد هدم المنصور آطام صعدة ... وأنكر في بعض الملامة أو قتل
فقلت لها سرباً عريضاً عرمرماً ... كعارض عاد ينسف السهل والجبل
عريضاً من البونين حوثاً مجلجلاً ... يعز(2) على من زار أوطانه الحيل
بوارقه لمع الصوارم والقنا ... وراعده زجر الصواهل والرحل
ومد له من أرض أفنان سيله ... ومن أرض بشَّان تنصف واستقل
ومن ولد الملطوم جر سحائباً ... وأسبل في بلدان سفيان واستهل
فلما لبسنا السرد والْتَفَّ جيشنا ... وصرنا بجنح الليل بالحنط والعقل
وشنت سواريه بكيل وحاشد ... وكل صريح الجد ضرغامة بطل
يقود بنا حامي الحقيقة ماجد ... حليف الندى المنصور والسيد الأجل
أبوه رسول الله لولاه لم يكن ... لنعلم ما دفع الزكاة ولم يصل
فصلى عليه الله ما ذر شارق ... وصلى على أرواح آبائه الأُوَل
وفينا رباط الخيل والزعف والفنا ... وفينا ذوو الرأي المراجيح والجهل
ولا تعد للهيجاء إلا بجاهل ... ورب حليم دبر الأمر فاعتزل
لنا عارض بالغيل أول خيله ... وآخر شعث الخيل يطلع من (أسل)
دلفنا إلى أوطان صعدة جهرةً ... ورايتنا فوق العجاجات(3) كالظلل
وقد هربوا أرض الربيعة أهلها ... وقد أسلموا البيض الكواعب والنفل
فلم نتكشف خيفة العار محرماً ... ولم يلهنا عن حرب أعدائنا الحول
شننا إلى أرض الربيعة غارة ... (شماريس) شوساً(4) ليس يقرعنا الوهل
وقد هبطوا مثل الزنابير باللقا ... وهم بين ذي الترس المفلس والمحل
258/ بصعب المراقي يحسر الطرف دونه ... مع النجم لو دب الذباب به لزل
فما كان إلا أن دلفنا إليهمُ ... وقد حصب السربال واختلف الأمل
__________
(1) في (ب): فجابرنا.
(2) في (ب): تعز.
(3) العجاجات: العَجاجة: الإبل الكثيرة العظيمة. (المرجع السابق ص 194).
(4) شماريس: لم أجدها في القاموس. شوساً: الشَوَس: محركة: النظر بمؤخر العين تكبراً أو تغيظاً. (المرجع السابق ص 511).
وقد قطرتْ منهم صفائحنا دماً ... وريان شريان الربيعة قد هطل
فلما رأيت الأمر قد جد جده ... ودارت كؤوس الموت واقترب الأجل
هتفت بهمدان بن زيد بن مالكٍ ... بقوم يرون الموت أحلى من العسل
فكان اعتناقاً بالصوارم والقنا ... منازلة الأبطال والموت قد نزل
فلما توجهنا تولوا حبالهم ... فلم ينجهم منا قرار ولا جبل
تقسمت الأسياف والسمر لحمهم ... فصار لكل في صناعته عمل
فصار لأطراف الرماح نحورها ... وللبيض أطراف الربيعة والقلل
وحال سواد الليل من دون مرتقى ... ولولاه لم نسأم طراداً ولم نمل
وَبِتْنَا نياماً بين لحم مترب ... بوادي(1) علاف في الأراجيز والرمل
وعدنا صباحاً فاستبحنا حصونهم ... ورحنا بحل طال ما(2) كان لم يحل
__________
(1) وادي علاف: بفتحتين، وادٍ في غربي مدينة صعدة بمسافة نحو 20 كيلو متراً (معجم المقحفي ص 1103).
(2) لعلها: طالما.
مما يدل على علو طبقة إسماعيل بن علاء في الفصاحة أنه رأى(1) أن علي بن محمد الصليحي دخل البون مرة فحط على بركة (جَوْب)(2)، فقام على رجليه، وكشف عن ساعديه، وأقبل على ملوك اليمن، وكان معه آل الكِرْندي وملوك المعافر(3) ومخلاف (الْتعْكَر)(4) ونواحيها وبنو مروان ملوك أَشْيَح(5) وأعمال ألهان(6) وبنو السخطي ملوك يحصب. وكانوا يسكنون منكث وذروان وبنوابي الفتوح ملوك خولان العالية وابن شاذل ملك عدن، ونحوهم كالحواليين والهياثم والأبنوع(7) وآل معن وغيرهم من أعاظم اليمن، فقال: يا سلاطين ويا مشائخ، من كان أشجع (من) (8) الجاهلية؟ قالوا: عنترة وفلان وفلان، قال: والله إن عند(9) الأكبر بن وهيب وبني رعفان - يعني الحمارين - أشجع من عشرة من أولئك، ثم قال: من أكرم من(10) الجاهلية؟ قالوا: حاتم، قال: والله إن أبا عفير اللغوي أكرم منه، رجل يقري(11) الحاج من عدن إلى ريدة من صميم ماله، ثم قال: من أشعر الجاهلية؟ قالوا: امرؤ القيس بن حجر. قال: والله إن إسماعيل(12)
__________
(1) في (ب): روى.
(2) جَوب بفتح الجيم وسكون الواو قرية في البون من محافظة عمران (معجم المقحفي ص: 134).
(3) الْمَعَافِر بفتح أوله وكسر الفاء، هو الاسم القديم لبلاد الحجرية (المصدر السابق ص: 607).
(4) التعكَر: جبل عال منيف يقع في أرض ذي القلاع من مخلاف جعفر، ويطل على مدينة ذي جبلة ومدينة إب من الجنوب، وعلى مدينة ذي سُفال والجند من الشمال، وكان من معاقل الصليحيين الهامة، (المصدر السابق ص: 91).
(5) أشْيَح بفتح أوله: حصن شهير بالمناعة والعزة، وموقعه في بني سويد من بلاد آنس، ويعرف الآن بحصن ظفار، وهو في الشمال الغربي من ضوران بمسافة 30كم (المصدر السابق: 34).
(6) ألهان: جبل في آنس (المصدر السابق ص: 46).
(7) يتحقق فلعلها: الأيفوع.
(8) سقط من (ب).
(9) لعلها: عبد.
(10) في (ب): من أكرم أهل الجاهلية.
(11) أي يحسن إليه.
(12) في (ب): لإسماعيل.
بن علاء أشعر منه، ثم قال: من أعلم(1) الجاهلية؟ قالوا: قس بن ساعدة الإيادي، قال: والله إن تبَّعاً لأعلم منه، ثم ركض برجله الأرض، ثم قال: اليوم ملكت اليمن، اليوم ملكت اليمن، يريد أنه لم يعتد بما كان قبل ملكه لأحياء همدان.
قلت: والقاضي تبع عالم كبير من الزيدية ستأتي(2) - إن شاء الله تعالى - ترجمته /259/ وإسماعيل بن علاء هو هذا - رحمه الله - وأبو العفر اللغوي - بالعين المهملة - كان سكن ريدة شهيراً في عصره وعبد الأكبر من آل وهيب رؤساء همدان الذين ذللهم الصليحي، ويدل على شجاعته أن قيس بن الضحاك سلطان همدان في عصره خرج بعد قتل أبيه وقومه للمختار بن الناصر بن الهادي للحق - عليه السلام - وكان قيس يتولاه، ويتعصب له، وقد علَّمه المختار القرآن أيام حبسه عنده بتَلْغُم(3) وهو حصن ريدة، فخرج قيس على أبيه وقومه حتى قتل قتلة المختار، وذكر أن أباه فيمن قتل، ودخل البون في جيوش كادت تملأ ما بين جبليه، فهرب منه الناس إلى جبال حضور المصانع فقصد آل ربيح بن حمار بصليت(4) من البون، فأتى آل وهيب إلى عبد الأكبر المذكور، فقالوا: ما وقوفك هاهنا وقد هرب الناس؟ فقال: إن لي صاحباً لا أعمل إلا برأيه، فاذهب فأشاوره. قالوا: فدخل على فرسه في معلفه، وكان مخاطباً للفرس أهرب أم لا؟ فصهل الفرس، فخرج إليهم، وقال: إن صاحبي أبى الفرار، وأنا له مطيع، ولم يبال بكثرة الجيوش، انتهى.
__________
(1) في (ب): من أعلم أهل الجاهلية.
(2) في (ب): سيأتي.
(3) تلغم بفتح المثناة من فوق وإسكان اللام وضم الفاء وقصر خرب كان قائماً في ريدة مقابل لقصر ناعط (معجم المقحفي ص: 93).
(4) في المصدر السابق ص: 383: الصلت بالكسر: بلدة خربة في حقل البون، ذكرها الهمداني، وبها آثار قديمة. انتهى
إسماعيل بن علي بن الحسين(1) [373ه تق - 445ه(2)]
الشيخ الإمام الرحال أبو سعد(3) إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد بن زنجويه الرازي السمان - رحمه الله - رئيس(4) الزيدية وعالمهم، صاحب الرحل الكبار، متفق على إمامته وجلالته. وكتابه (الأمالي)(5) من أجل كتب الزيدية في الحديث.
قال الحاكم في العيون: واحد عصره في أنواع العلوم، والكلام والفقه والحديث، دوخ البلاد، ولقي المشائخ(6) وهو في الزهد والورع ما يليق بأهل الدين، وكان يصوم الدهر، ولم يحظ من الدنيا بشيء، وربما درس بالري وربما درس بالديلم، وله كتب كثيرة في الكلام، انتهى.
وقال الذهبي: مولده سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، وقال ابن عساكر: قدم دمشق طالب علم، وكان من المكثرين الجوالين، سمع من نحو أربعة آلاف شيخ. وأسند الذهبي عنه أنه قال: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام.
__________
(1) معجم المفسرين 3/209، ومنه العبر 3/209، الرسالة المنظومة 59، معجم المؤلفين 2/281، ومنه سير أعلام النبلاء 11/161، كشف الظنون 1890، ابن عساكر 8/35، طبقات الزيدية الصغرى، الوافي 9/156، تذكرة الحفاظ 3/300، الرسالة المتطرفة 59، أعيان الشيعة 2/389، لسان الميزان 1/321، ميزان الاعتدال 1/239، طبقات المفسرين 1/109، شذرات الذهب 3/273، النجوم الزاهرة 5/51، هداية العارفين 1/210، الأعلام 1/316، إيضاح المكنون 1/181، 602، 2/18، لوامع الأنوار 1/25، النابس 33/ وانظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ت (237).
(2) انظر آخر الترجمة.
(3) في (ب): أبو أسعد.
(4) في (ب): رائس.
(5) الأمالي في الحديث، وتعرف بأمالي السمان، لم أجد له نسخة خطية، وقد نقل منه العلامة علي بن حميد القرشي - رحمه الله - المتوفي سنة 635ه، نقل منه الكثير الطيب في كتابه مسند شمس الأخبار المنتفى من كلام النبي المختار، وهو مطبوع.
(6) في (ب): ثُمَّ هو.
قال عبد الرحيم بن مفضل: وفاته في سنة ثلاث وأربعين. قال: وكان عدلي المذهب.
قال الذهبي: يعني معتزلياً، وصنف كتباً كثيرة(1) ولم يتأهل. وقال أبو محمد عمر بن محمد الكلبي: وجدت على ظهر جزء مات الزاهد أبو سعد إسماعيل بن علي السمان في شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمائة، شيخ العدلية وعالمهم وفقيههم ومحدثهم، وكان إماماً بلا مدافعة في القرآن والحديث والرجال والفرائض والشروط، عالماً بفقه الزيدية، وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه، وكان تأريخ الزمان وشيخ الإسلام، انتهى.
إسماعيل بن المحسن(2) [ - ق 11 ه ]
العلامة الفاضل المناضل عن الشيعة(3) إسماعيل بن المحسن إمام، عالم له عناية /250/ بالشرع وحمايته، له ردود على المخالفين وإبطال لشبه أرباب البدع، وفيما وضعه من الرسائل دلائل على علم وسيع ومحل في الفضائل رفيع، أعاد الله من بركته.
إسماعيل بن محمد الأصبهاني(4) [ - ]
الشيخ الفاضل إسماعيل بن محمد الأصبهاني، كان من عيون العلماء وحفيده العلامة إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل المذكور عالم أيضاً، وآل الأصبهاني الذين بصنعاء من عقبه، وكان فيهم الفقه والمعرفة.
[مع المعيد لدين الله]
__________
(1) انظر عن مؤلفاته صاحب الترجمة كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 250.
(2) انظر كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم (241).
(3) في (ب): الشريعة.
ولإسماعيل بن محمد النكتة الظريفة، وذلك أن المعيد لدين الله كتب من هران(1) ذمار إلى صنعاء كتاباً، فأجابوه بخط إسماعيل بن محمد، فشابه خطه خط المعيد، وكتب مثل كتابته، فحلف إن ظفر به ليقطعن يده، فلما دخل صنعاء دخل إليه إسماعيل بن محمد، وقال: يا بن رسول الله، روي في الحديث عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - : ((تشبهوا بالصالحين من أهل بيتي))، فإن كنت منهم فقد تشبهت بك، وإن لم تكن منهم فهذه يدي فاقطعها، فقال: بل منهم، وصفح عنه.
قلت: وكان المعيد متهماً في نسبه ودينه.
قال القاضي أحمد بن أبي يحيى والد القاضي جعفر: إنه من أهل الري، وروى غيره أنه حبس بمصر هو وعلي بن محمد التهامي المدَّاح لآل دعبل بن الجراح الطائيين بمصر، فاعتقلا معاً بخزانة دار البنود التي فيها المثل المشهور بين المصريين: خزانة البنود داخلها مفقود، وخارجها مولود، فدرس المعيد مذهب الباطنية هنالك، وذكر يحيى بن المسلم الساري الصعدي عن مشائخه أنه خرج داعياً للباطنية، وروى الكلاعي: أنه كان يقول: هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن جعفر الصادق، وكان يقول في كتابه:(2) المعيد لدين الله الدامغ لأعداء الله، ووصل هران ذمار وقتل هنالك، وكان لا يزال ينشد - والبلاء موكل بالمنطق - هذين البيتين:
البدر في داركم يغيبُ ... وعندكم يقتل الغريبُ
يا قوم في داركم سقامي ... وعندكم يوجد الطبيبُ
فقتل غريباً كما قال، وقد روى هذا الشعر:
يا قوم قد كان لي حبيبُ ... وهوَّ من ناظري قريبُ
حتى قلاني وخان عهدي ... فالموت من دون ذا يطيبُ
__________
(1) هِرَّان: جبل بركاني أسود.. وقد اتصل عمران مدينة ذمار بجبل هران، وتقوم في مواجهة الجبل مباني جامعة ذمار [حالياً]، كما تمر بجواره طريق ذمار إلى صنعاء. (معجم المقحفي ص 1814).
(2) في (ب): وكان يقول في كتابه: اسمه المعيد لدين الله.
حبيَ في داركم ثلاثٌ ... النايُ والعودُ والقضيبُ
وكان كثيراً ما يتمثل:
لولاكم(1) كان يلقى كل ذي خطل ... للعلم منتحل بين النحاريرِ
ولم(2) أشد على من لا يقوم لها ... من وقعة السمر والبيض المنابيرِ
وكان ينشد:
نهج الهداية واضح لمريده ... والناس عن نهج الهداية في عما(3) /261/
ولقد عجبت لهالك ونجاته ... موجودة ولقد عجبت لمن نجا
وروي أنه كتب إليه بعض أهل صنعاء كتاباً فيه مسائل فاستحمقه، فقال مجيباً في ظهر الورقة:
كتابك أعمى لا المعاني مبينة ... ولا اللفظ مفهوم ولا الخط واضحُ
يلبس حتى كل ما فيه مشكل ... وهجن حتى كل ما فيه فاضحُ
وروى نشوان بن سعيد الحميري أن المعيد المذكور كان واقفاً (بالمِنَقَّب)(4)، وكان رجال الزيدية يأتونه فيدنيهم ويأتيه رجال الباطن فيقصيهم، ثم ينشد:
ألا رب نصح يغلق الباب دونه ... وغش إلى جنب السرير يقرب
قالوا: وهو أول من قدم اليمن برسائل إخوان الصفا، وإخوان الصفا أربعون رجلاً من أبناء العجم، وصنعوا هذه الرسائل، ودسوها على المسلمين.
إسماعيل بن محمد(5) [ - ]
__________
(1) في (ب): لولائم.
(2) في (ب): لم أشد.
(3) في (ب): عمى.
(4) المِنَقَّب: قاع متسع أسفل مدينة ثُلاء (معجم المقحفي ص: 636).
الفقيه الفاضل التقي إسماعيل بن محمد، من عيون أصحاب الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد بن رسول الله صلى الله عليه(1) وآله وسلم، ذكره السيد العلامة يحيى بن المهدي الحسيني - رحمه الله - وقال: كان والياً للمغرب كِبَة(2) وعتمة(3) وأبزار(4) وبلاد سماه(5) وقفر حاشد(6)، وكان يأتي بالمال إلى الإمام على الجمال، والدواب - رحمه الله تعالى -.
إسماعيل الفزاري الطحان(7) [ - ]
السيد(8) المسند الإمام أبو سعيد إسماعيل الفزاري الطحان - رحمه الله تعالى - من كبار الزيدية وحفاظهم وأهل السابقة مع إمام الأئمة الولي زيد بن علي - عليهما السلام - وهو من أعيان من أخذ عنه. ذكره القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمهم(9) الله تعالى-.
إسماعيل بن الميالهجي(10) [ - ]
__________
(1) في (ب): وعلى آله وسلم.
(2) يبحث عنها في معجم الحجري، فلعلها: كبة أدكنة.
(3) عُتُمة بضم العين والتاء المثناة من فوق وفتح الميم وسكون الهاء بلدة مشهورة بالغرب الجنوبي من ذمار بمسافة 62كم (معجم المقحفي ص: 427).
(4) أبزار: عزلة في بني بحر وأعمال عتمة، إليها ينسب حميد أبزار، وكذا مسجد الأبزر في صنعاء.
(5) سماه بفتح السين والميم عزلة من مخلاف الربيعة بناحية عُتمة وأعمال ذمار، وهي من الهجر العلمية الشهيرة، تخرج منها جماعة من العلماء والفضلاء والأدباء، وإليها ينسب بنو السماوي (انظر المصدر السابق ص: 324ـ 325.
(6) قفر حاشد: أرض واسعة من جبال يريم شرقاً حتى جبال وصاب العالي غرباً، ومن مغرب عنس شمالاً حتى المخادر جنوباً، وهي الآن مديرية القفر (وانظر المصدر السابق ص: 521).
(8) في (ب): الشيخ المسند.
(9) في (ب): - رحمه الله تعالى -.
(10) طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - بتحقيقنا ترجمة رقم (135).
إسماعيل بن الميالهجي عالم كبير، ذكره الشريف أحمد بن مير الحسني. قال: هو من مشيخة باجويه - رحمه الله - ووصفه بالعلم والزهد.
من اسمه الأشعث
الأشعث بن أبي صفية(1) [ - ]
الأشعث بن أبي صفية، إمام كبير حجة، ترجم له الحفَّاظ، وذكره في الزيدية، ترجم له البغدادي - رحمه الله -.
الأشعث الزيدي(2) [ - ]
الشيخ المحدث الأشعث الزيدي، عم سعيد بن حثيم - رحمهم الله - من أتباع زيد بن علي(3)، وحفاظ مقالته، ذكره البغدادي وغيره، -رحمة الله عليهم-.
[من اسمه امندوار] (4)
[امندوار] العراقي(5) [ - ]
القاضي العلامة العراقي ملخص المذهب القاضي: امندوار(6) الأفخر(7) - رحمه الله تعالى - ذكره بهذه العبارة بعض الناصرية، وعده في أتباع الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن رسول الله، وذكر في هامش (الزيادات) أنه ولي القضاء، وقيل: إنه القاضي الذي أوصى إليه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني وصية موته التي في كتاب (الزيادات)(8)، وقيل: القاضي علي، وقيل: بندار - عليه وعلى آله الصلاة والسلام -.
__________
(3) سقط من (ب).
(4) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
(5) كتاب الزيادات في الفقه فتاوى ومسائل، للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام - المتوفي سنة 411ه مخطوط، وعليه زيادات وشروح وتعاليق عدة، منها شرح القاضي أبي مضر، في مكتبة الأوقاف عدة نسخ بأرقام (1132، 1133، 1134، 1135، 1136)، ونسخة في المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء برقم (130) فقه.
(6) في (أ): مندوار، وما أثبته من (ب)، وقوله: القاضي أسقط من (أ).
(7) في (ب): الأفخم.
أمير الدين بن عبد الله بن نهشل(1) [ - 1029 ه ]
السيد الكبير العلامة الشهير شيخ الأمة، وحافظ علوم الأئمة، أمير الدين بن عبد الله بن نهشل بن المطهر بن أحمد بن عبد الله بن عز الدين بن(2) محمد بن إبراهيم بن الإمام المظلل بالغمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليهم السلام - توفي بهجرة حوث /262/ ليلة الثلاثاء 29 جمادى الآخرى سنة 1029ه.
حرف الباء
بالغ الوزيري(3) [ - ق4 ه ]
بالغ الوزيري، من أهل مدر من المشرق من أرض حاشد، أخذ عن الهادي - عليه السلام - حقائق العلم وأصول العدل والتوحيد، واستثبت في علمها حتى كان إماماً، وتفرد بنفسه، وانقطع عن الناس في كثير من أمره، ولزم الخمول، وجعل همه واحداً حتى لقي ربه. وابنه إبراهيم قد سبق ذكره، وكان إبراهيم علامة، ولم ينشأ التطريف إلا من بعد أيامه. وكان بالغ الوزيري من أشد الناس عناية بمدر، وإن كانت من قبله مأهولَة، ومن المجامع لهمدان، ووصلها الهادي - عليه السلام - وولي قضاها العلامة علي بن الحسن بن سرح العمري، إلا أن الوزيري شاد فضائلها، وتركته عمرت بالصالحات.
__________
(1) النبذة المشيرة (سيرة الإمام القاسم بن محمد) - خ - الجواهر المنيرة سيرة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم (خ)، تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من الأخبار سيرة المتوكل إسماعيل (خ)، بغية المريد (خ)، اللآلئ المضيئة (خ)، خلاصة الأثر 3/52، المستطاب (خ)، الجامع الوجيز، ملحق البدر الطالع (131)، سيرة الإمام الحسن بن علي بن داود لأحمد بن شائع الدعامي (خ)، إجازات الأئمة (خ).
(2) في (ب): عز الدين محمد.
(3) الجواهر المضيئة (خ)، طبقات مسلم اللحجي (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - بتحقيقنا، ترجمة رقم (139).
باجويه(1) [ - ]
الشيخ العالم باجويه، وحيد وقته، وهو والد الفقيه محمد بن باجويه، وقرأ عليه ولده المذكور، وهو من تلامذة إسماعيل الميالهجي السابق ذكره، والميالهجي من تلامذة العلامة أبي علي صاحب تعليق الإبانة.
بشير الرحال(2) [ - 145 ه ]
بشير الرحال - رحمه الله تعالى - كان من أتباع الأئمة الأعلام، ومن خلص الزيدية الكرام.
قال الحاكم: كان عالماً زاهداً، قال للمنصور: هذه الدنيا قد أصبتها، مالك في الآخرة من حاجة، حتى غضب عليه. وكان يقول: إن في قلبي حرارة لا يسكنها إلا برد العدل أو حر السيف.
__________
(1) الجواهر المضيئة (خ)، إجازات الأئمة، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (140) بتحقيقنا.
(2) مآثر الأبرار 1/434 - 345 والتحف شرح الزلف ص: 102، ومنه الجداول - خ - .
وقيل له: ما تسرعك إلى الخروج على المنصور؟ فقال: أرسل إليَّ بعد أخذه لعبد الله بن الحسن فأتيته، فأمرني بدخول بيت فدخلته فإذا بعبد الله بن الحسن مقتولاً، فسقطت مغشياً عليَّ، فلما أفقت أعطيت الله عهداً، ألاَّ يختلف في أمره سيفان إلا كنت مع الذي عليه منهما. وروي أن أهل البصرة قحطوا فخرجوا للاستسقاء، فلما استقر الإمام على المنبر ابتداء بشير، فقال: شاهت الوجوه، انتهكت لله كل حرمة وارتكبت له كل معصية، وأخذت الأموال من غير حلها، ووضعت في غير أهلها، فو الله ما أنكرتم ذلك بسيف ولا لسان، ولا قلتم يوماً هلموا إلى الجبانة لندعو الله يكشف عنَّا ذلك، حتى إذا غلت أسعاركم تقولون: اللهم، اسقنا الغيث. اللهم لا تسقهم، فخافوا من تعرض السلطان له، فسكتوا وسمي رحَّالاً؛ لأنه كان له في كل سنة رحلة إلى حج أو غزو. وكان بشير خرج فيمن خرج من المعتزلة مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وبايعوه، وقاتلوا معه، فلما أصيب إبراهيم بباخمرا بسهم، أسنده بشير إلى صدره وجعل يردد ?وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا? (الأحزاب:38) حتى قضى نحبه، وكان حضر الوقعة مع إبراهيم عليه مدرعة صوف متقلداً سيفاً حمائله تسع يتشبه بعمار بن ياسر، وقتل بشير بعد ذلك، قتله المنصور(1).
بندار(2) [ - ]
__________
(1) ذكر الزحيف - رحمه الله - في مآثر الأبرار 1/435 أنه لما أخذ بشير الرحال الإمام إبراهيم بن عبدالله - عليه السلام - على حجره، وهو يقول: ((وكان أمر الله قدراً مقدوراً))، قال: ثم حمل عليه جند الظلمة، فحزوا رأسه، ورأس بشير الرحال، وأمروا بهما إلى أبي جعفر. انتهى. وذكر السيد العلامة المجتهد مجد الدين المؤيدي حفظه الله تعالى في التحف ص: 102 أن بشير الرحال استشهد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله، في ذي الحجة 145ه، وذكر أنه الصحيح.
الشيخ القاضي الأمير خالصة أمير المؤمنين أحمد بن الحسين الهاروني، وبهجة محافلة بندار - رحمه الله - كان عالماً كبيراً، وكان يحفظ للإمام(1) /263/ أموال الله، ويعضده، وتولى له القضاء، وبندار بلسان فارس: الأمين، وكان كذلك - رحمه الله - وهو غير محمد بن بررس، فذاك من الفقهاء غير هذا، والله أعلم.
الباقر بن محمد بن يحيى(2) [ - ]
السيد العالم الأكرم الباقر بن محمد بن يحيى بن القاسم - رحمه الله - من تلامذة السيد إبراهيم بن محمد، مؤلف الفصول، قرأ عليه علوم العربية.
قال في تأريخ السادة: وكان سيداً منظوراً.
أبو بكر الموحدي(3)
أبو بكر الموحدي القاضي من العراقيين، مؤيدي المذهب، ذكره ملا يوسف، وذكره المرشد بالله أيضاً.
أبو بكر بن أبي القاسم بن أحمد(4) [ 986 - 1017 ه ]
الفقيه العالم رضي الدين أبو بكر بن أبي القاسم بن أحمد بن أبي بكر بن محمد بن علي بن محمد بن حسين بن يوسف بن علي بن يحيى العبيري، كان عالماً أديباً مهاجراً مجاهداً، مولده في شهر رمضان سنة ست وثمانين وتسعمائة سنة، وتوفي - رحمه الله - في سابع وعشرين من شهر رجب سنة سبع عشرة وألف سنة بشهارة.
__________
(1) في (ب): - عليه السلام -.
حرف التاء باثنتين من أعلى
تاج الدولة أبو الحسين(1) [ - 387 ه ]
تاج الدولة أبو الحسين بن عضد الدولة من آل بويه الديلمي، ذكره في علماء الزيدية وأهل بيته في (الشافي)(2)، ولا جرم أن أهل الديلم خصوصاً الشيعة في جميع تلك الأزمنة زيدية لا يعرف أحد غير ذلك، وقد ترجم له جماعة.
قال الثعالبي في اليتيمة: هو آدب أسرته وأشعرهم وأكبرهم، وكان يلي (الأهواز) فأدركته حرفة الأدب، وتصرفت به الحال حتى أدركته النكبة والحبس من جهة أخويه أبي الفوارس وأبي الفخار، ولست أدري ما فعل الدهر به إلا أن أنشدني أبو سعيد بن دوست، قال: أنشدني محمد بن المظفر العلوي النيسابوري، قال: أنشدني أبو العباس البلخي القوال بسوق الأهواز، قال: أنشدني تاج الدولة أبو الحسين بن عضد الدولة لنفسه:
سلام على طيفٍ ألمّ فسلَّما ... وأبدى شعاع الشمس لمَّا تكلَّما
بدا فبدا من وجهه البدر طالعاً ... لذي الروض يستعلي قضيباً منعما
وقد أرسلت أيدي العذارى بخده ... هداراً(3) من الكافور والمسك (سحما)(4)
وأحسب هارُوتا(5) أطاف بطرفه ... فعلمّه من سحره فتعلما
ألمَّ بنا في دامس الليل فانجلى ... فلمَّا انثنى عنَّا وودع أظلما
وأنشدني بديع الزمان له هذين البيتين ثم وجدتهما لغيره:
هب الدهر أرضاني وأعتب صرفه ... وأعقب بالحسنَى من الحبس والأسر
__________
(1) الأعلام 1/196، ومنه: يتيمة الدهر 2:5، والكامل لابن الأثير 9:15.
(2) كتاب الشافي في الجواب على الرسالة الخارقة للفقيه عبدالرحيم بن أبي القبائل، وكتاب الشافي من تأليف الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة - عليه السلام - المتوفي سنة 614ه، وهو في أربعة مجلدات طبع بتحقيق العلامة الكبير مجد الدين المؤيدي وعلماء آخرين في مجلدين كبيرين، وصدر عن مكتبة اليمن الكبرى سنة 1406ه، ونسخه الخطية كثيرة، انظر في ذلك كتابنا مصادر التراث الإسلامي في المكتبات الخاصة باليمن (طبع).
(3) في (ب): لعله عذاراً.
(4) لعلها: سجما بالجيم في ثابتة من سجم الدمع إذا سال فيحقق.
(5) صرفه للضرورة الشعرية.
فمن لي بأيام الهموم التي مضت ... ومن لي بما أنفقت في الحبس من عمري
ووجدت مجموعاً من شعر تاج الدولة بخط أبي الحسن علي بن عبدان فاخترت منه قوله في أرجوزة:
ألا شفيت غلتي
وصارم مهنَّد
وليلة أحييتها
كأنما نجم الثريا ... من العدا بآلة
ماض رقيق الشفرة
منوطة بلية(1)
في الدجى ومقلتيا
/264/
جوهرتا عقد على ... نحر فتاة طفلة
أنكرني ابن(2) أبي ... وفعل بعض إخوتي
يظن(3) أني أحمل الـ ... ـضيم فاين همَّتي
تقنع بالأهواز لي ... وواسط بالبصرة
لست بتاج الدولة ... سرير تاج الملة
إن لم يرد بغداد عمـ ... ـا كتب كتيبتي(4)
وعسكرٍ عرمرم ... يملك كل بلدة
حشوا الجبال والفلا ... مواكب من غلمتي
نصرتهم مني ومن ... رب السماء نصرتي
وقوله من قصيدة:
أنا ابن تاج الملَّة المنصور تا ... ج الدولة الموجود ذو المناقب
أسماؤنا في وجه كل درهم ... وفوق كل منبر لخاطب
وقوله من قصيدة:
أنا التاج المرصَّع في جبين الـ ... ـممالك سالكٌ سُبُلَ الصلاحِ
كتائبنا يلوح النصر فيها ... براياتٍ تطرز بالنجاحِ
تكاد ممالك الآفاق شوقاً
ً ... تسير إليَّ(5) من كل النواحي
ألا لله عِرض لي مصونٌ ... وقاه المجد بالمال المباحِ
وأنشد له الثعالبي بعد النكبة:
حتَّى متى نكبات الدهر تقصدني ... لا أستريح من الأحزان والفكرِ
إذا أقول مضَى ما كنت أحذره ... من الزمان رماني الدهر بالغِيَرِ
فحسبي الله في كل الأمور فقد ... بُدلت بعد صفاء العيش بالكدرِ
تُبَّع بن المسلم(6) [ - ]
__________
(1) في (ب): بليلة.
(2) في (ب): بنو أبي.
(3) في (ب): تظن.
(4) في (ب): كثيبي.
(5) في (ب): إليك.
القاضي تبَّع بن المسلم، علاَّمة همدان في عصره، وأحد شيوخ الزيدية المشهورين بالعلم والعمل، ونسبهم في قوم يقال لهم: بني(1) عباد من حمير، وأهل بيته من بيوتات العلم في البون في(2) المشرق من أرض حاشد، وكان يسكن جَوْب ابن الصباح، وله بها منازل، كان أخربها الصليحي ثم تداركها ولده العلامة محمد بن تُبَّع بالحضور عند الصليحي وتعريفه، وحرَّق منها البعض، وآل عباد كانوا كثيري المناظرة للمطرفية، ولهم الذبُّ عن مقالة الحق وفيهم العلماء، ومنهم من تعلق بالتطريف إلا أن غالب هذا البيت هو الاستقامة، ولهم مقامات عظيمة. وكان بحوث(3) عدد كثير من حملة القرآن وطلاب العلم والآداب وجماع الكتب الجليلة، وقالة الشعر، ورواة الحديث، ومن شعرائها ربيعة الشاعر الذي هجا الصليحي، وله معه خبر مذكور هرب منه إلى (الشِّحْر)(4)، فلم ينفعه فاستجار بسلمة بن محمد الشهابي.
__________
(1) لعلها: بنو.
(2) في (ب): وفي المشرق.
(3) في (ب): بجوب.
(4) الشِّحْر بكسر الشين المشددة وسكون الحاء مدينة وناحية منبسطة في محافظة حضرموت، تطل على البحر الهندي، وتعتبر ثاني ميناء في محافظة حضرموت (انظر معجم المقحفي ص: 347).
وكان تبع المذكور من أهل العلم الواسع كما أسلفنا، ذكره عن الصليحي في ترجمة إسماعيل بن علاء، وكان متواضعاً يتزيَّا بزيِّ الفقراء، ولباسه المرقعات، ولم يختلط بالسلاطين إلا أنه لقي الصليحي بقاعة(1) البون، وذلك أن وصيَّة حوث المشهورة التي كان الهادي إلى الحق - عليه السلام - /265/ يليها في أيامه أخذها الصليحي فلم يُرَ تبَّع - رحمه الله - إلا أن يطالعه فيها، وكان الصليحي بمسور أيام استفتاحه(2) لها، فلقيه قافلاً عنها بقاعة (البون) (3) فقيل له: هذا القاضي تُبَّع فرفع مكانه، وأقبل عليه يحدثه، وسأله عن حديث افتراق هذه الأمة فأجابه باختصار حسن، فصرفه مكرماً، وولاه القضاء والجمعة، وفارقه ولم يختلط به غيرها، وكان لا يرى جواز ذلك، وروي أنه - رحمه الله - دخل مسجد عقبات من سواد البون، فوجد فيه أحمد بن مظفر الصليحي أيام مخالفتهم للناس قبل أخذ جبل مسار(4) فسلم عليه تُبَّع وهو لا يعرفه، ثم قال له تُبَّع: من الرجل؟ فقال: رجل متطبب، فقال تبع: فأخبرني عن عظم كذا، وعرق كذا، وكم في الجسد عروق؟ وكم فيها كذا؟ وأتاه بغرائب. فلم يجبه بشيء، وكان يقول أحمد بن المظفر بعد أن عرفه يقول: تبع فيلسوف متضلع.
__________
(1) البون في (ب) ساقطة.
(2) في (ب): افتتاحه.
(3) البون في (ب) ساقطة.
(4) مسار: عزلة من ناحية مناخة وأعمال حراز، وإليها ينسب حصن مسارالمشهور الذي اتخذوه الصليحيون مركزاً لهم (معجم المقحفي ص: 589).
ولمَّا دخل المعيد لدين الله الذي سيأتي ذكره صنعاء في قوَّة سلطانه، جاء الناس إلى تُبَّع يستفتونه في خلطته، وهل هو إمام حق؟ وسألوه أن يجتمع به. فقال: ما اجتمع به، لكن هذه مسائل إذا أجاب عنها فهو عالم، فلمَّا وقف عليها المعيد وطالبوه الجواب اعتذر بعدم القرطاس فأحضروه، فاعتذر بالدواة، فأحضروها، فقال لهم: هذه (سماقيات) والله لئن ظفرت به لأخرجن لسانه من قفاه، فتخوَّف منه تُبَّع وسكن بجبل صليل، وكان المعيد يتقرب إليه أن يخالطه فأبى، وعوَّل على السلطان يحيى بن أبي حاشد بن الضحاك أن يتوسط، فقال له يحيى: وما تتخوف من تُبَّعٍ إنما هو متخلي، والعجب منك تدخل صنعاء بعشرة آلاف سيف ثم تخاف منه.
توران شاه بن خسروشاه(1) [ - ]
شيخ الزيدية، حافظ علوم الأئمة، مرجع الإسناد أبو الفوارس توران شاه بن خسروشاه المتلافحي العراقي - رحمه الله، وأعاد من بركته - هو قطب الإسناد للمذهب الشريف، وإليه يرجع أهل المذهب، وهو شيخ العلامة الكني و (قال)(2) ورزقان(3) بن اسفنجا كذا قال الملا يوسف الحاجي - رحمه الله - وتوسطه في إسناد المذهب وترجيحه المقالات في جميع كتب المذهب الشريف - رحمه الله -.
حرف الثاء المثلثة
ثابت بن أبي صفية(4) [ - ]
الشيخ الكامل ثابت بن أبي صفيَّة - رحمه الله - لعله أخو الأشعث بن أبي صفية الماضي ذكره، عدَّه في الزيديَّة الشيخ المخلص القاسم بن عبد العزيز البغدادي.
__________
(1) الجواهر المضيئة (خ)، الطراز المذهب في إسناد المذهب (خ)، تأريخ قزوين في ترجمة محمد بن فضيل كما ذكر، لوامع الأنوار (خ)، وانظر طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - طبع بتحقيقنا ترجمة رقم (141).
(2) زيادة في (ب)، وفي الأم بياض.
(3) في (أ): وروفان بن اسفتحا.
أبو ثابت بن محمد فوزية [ - ]
الشيخ أبو ثابت بن محمد فوزية قين(1) - رحمه الله - علامة الناصريَّة، ومقرر علومهم، له التآليف(2) وإليه يرجع في الروايات وتقرير القواعد، وله تلامذة.
قال الملا يوسف: من تلامذته الأستاذ ابن الشيخ أبي جعفر صاحب تعليق الإبانة والجوابات.
حرف الجيم
الفقيه جابر […ـ…]
الفقيه الأمجد الأوحد جابر /266/ بن ……(3) - رحمه الله - مذكور في توقيع أسانيد السيد العلامة صلاح بن الجلال - رحمه الله تعالى -.
جابر بن مقبل(4) [ - 623 ه ]
الشيخ الرائس مولى آل محمد مخلص الدين جابر بن مقبل، كان عجيبة من العجائب في تقواه وصدقه وتحديثه، وثبات حصاة لُبِّه، لم يؤثر عنه إلا النباهة والكمال، وكان ممدحاً بالشعر من الأفاضل والعلماء والرؤساء، وكان يلي من عظائم الأمور ما لا يليه إلا صناديد(5) الأشراف. وله إجازات من الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في عدَّة علوم. ومن شعره ما وجهه بعد قضيَّة بينه وبين الأروام إلى صديق له كان غائباً:-
عمران لو عاينت أقدامنا ... على خميس مرجحن طحونْ
وقد تدانت وتدانيتها ... بوارق تغشَى ضياء العيونْ
كباشه الروم أُسُود الوغى ... والترك والملحا ذات القرونْ
وصاح راعي الفرس في قومه ... بلفظة العجم ألا تعطفونْ
فلم يجيبوه وقد برقعتْ ... بمرهفات أخلصتها الفنونْ
فراح من ساعته قارعاً ... للسِّن منكوباً خليعاً حزينْ
جار الله بن أحمد الينبعي - رحمه الله -(6) [ - بعد 740 ه ]
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) في (ب): التواليف.
(3) بياض في (أ) و (ب)..
(4) مآثر الأبرار 2/858.
(5) في (ب): إلا الصناديد الأشراف.
(6) الجواهر المضيئة (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - ترجمة رقم (142)، المستطاب (خ)، نزهة الأنظار (خ)، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (255).
الفقيه العلامة جار الله بن أحمد الينبعي - رحمه الله - من أعيان العلماء الأجلاء، من شيوخه…… ومن تلامذته…… وذكره……(1)
جبريل بن الحسين بن بدر الدين(2) [ - ]
الأمير المعظم العلامة زين الدين جبريل بن الحسين بن بدر الدين - رحمه الله - قال الفقيه العلامة ابن مظفر - رحمه الله -: له بسطة في العلم، وكان من الأخيار الصالحين الفضلاء المتقين، وقبره (برغافة).
جبريل بن المؤيَّد(3) [ - ]
السيد الكريم بهجة الدنيا زين الإسلام جبريل بن المؤيَّد - عليهما السلام - هو ولد الأمير المؤيَّد - رحمه الله - قال ابن المظفر: كان فاضلاً تقياً، براً زكياً، وأولاده نجباء قادة، فضلاء سادة.
قال السيد جلال الدين: وقبره بقطابر. انتهى
من اسمه جعفر
جعفر بن أبي هاشم [ - ]
السيد الأمير الكبير الخطير فخر الدين جعفر بن أبي هاشم، كان رائساً، مقداماً، عالماً، شجاعاً، قائداً للمقانب، وكان من دعاة الإمام أحمد بن الحسين، وفيه يقول العلامة عبد الله بن محمد بن أبي النجم حاكم صعدة:-
يا من له وعليه نورٌ يزهرُ ... لمَّا اصطفاه لفضله المتكبرُ
لمَّا دَعوت إلى إمامة(4) أحمد ... عزَّ الهدى بك واستطم المنكرُ
كل يباري من محاج بلاده ... يا فخر دين الله بل يا جعفرُ(5)
أعطاك ربك ما تشاء بفضله ... والله يفعل ما يشاء ويقدرُ
حزت المفاخر والمناقب كلها ... وخصائص الرحمن لا تستنكرُ
/267/
يا بن الأئمة من قريش ومن لهمْ ... شرفٌ أشم وعزة لا تقهرُ
ولهم من السلف الأكارم خير من ... ركب المطايا أحمد المتخيرُ
وعقيل والحسنان سبطا أحمد ... منهم وفارسها المسمَّى حيدرُ
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) الترجمان (خ)، طبقات الزيدية الكبرى - القسم الثالث - طبع بتحقيقنا ترجمة رقم (144)، الجواهر المضيئة (خ).
(3) الترجمان (خ).
(4) ظنن في (ب) بقوله: إجابة.
(5) ورد هذا البيت في (ب) كما يلي: …كل ينادي من فجاج بلاده… يا ناصر الدين الذي لا ينكر.
خدمتْكُمُ الأملاكُ يا أهلَ الكسا ... والناس من طينٍ وأنتم جوهرُ
فبكم هدى الله الأنام لدينه ... وبكم يذل الظالمُ المتجبرُ
يا صفوة العلم المظلَّل بالغما ... مة والفضائل والمناقب سبرُ(1)
وكذاك سبط سليله المهدي من ... فاق الأئمَّة ظاهراً لا ينكرُ
وخليفة المنصور حيدر دهره ... نور الخلافة من جبينك يزهرُ
يا فخر دين الله يا خير الورى ... منك الفضائل والمناقب تنشرُ
والناس نحوك كالحجيج بمكَّة ... هذا يحط به وهذا يصدرُ
وإذا تصادمت الخيول بموقف
ٍ ... فلأنت أنت الفارس المتشهرُ
ولقد دعاك إمام حق سائق ... فأجبته ولك السنام الأكبرُ
فظفرت بالتوفيق من رب السما ... وشفيت مهجته وأنت مظفرُ
فقد الجيوش إلى العدا مستظهراً ... نور الهدى يبدو عليك وتظهرُ
بيديك كل قبيلة وفضيلة ... والرأي عندك والأوامر تصدرُ
والناس بين يديك يا فخر الهدى ... الخيل يمرغ(2) في الوغى والعسكرُ
وعدوك المخذول عند لقائه ... ولأنت تسعد باللقاء وتنصرُ
اسمع أمير المؤمنين مقالتي ... لا يشكر الرحمن من لا يشكرُ(3)
واصدع بأمرك ما عليك غضاضةٌ ... السيف(4) ينفذ كلما تتصورُ(5)
أعطاك شمس الدين راية ملكه ... لمَّا رآك بأمره تستظهرُ
والسيف في يمناك يعمل حده ... ولأنت تورد في الأمور وتصدرُ
ثم الصلاة على النبي وآله ... وعليك ألف تحيَّةٍ تتكرّرُ
__________
(1) كذا في النسختين.
(2) في (ب): الخيل تمرع.
(3) في (أ): لا تشكر.
(4) في (ب): فالسيف.
(5) في (ب): يُتصور.
جعفر بن أحمد بن يحيى(1) [ - 573 ه ]
القاضي(2) شيخ الإسلام ناصر الملَّة شمس الدين وارث علوم الأئمة الأطهرين، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى بن عبد السلام - رحمه الله تعالى - شيخ الزيدية ومتكلمهم ومحدثهم.
قال العلامة ابن فند الصعدي ما لفظه: عالم الزيدية المخترعة وإمامها، وكان أبوه عالم الباطنيَّة وحاكمها وخطيبها، والذي إليه يصدرون، وعلى رأيه يعتمدون، وأخوه يحيى شاعرهم ولسانهم، قيل: قتله عبد النبي بن مهدي /268/، فهدى الله القاضي جعفر فانقطع إلى الزيدية، ورحل إلى العراق(3).
__________
(1) الأمالي الصغرى رجال السند 69 - 72، مصادر الحبشي 40، 96، 174، 69، 97، 98، مصادر العمري 128، 105، معجم المؤلفين 2/132، طبقات الزيدية - خ - رجال الأزهار 9، 10، الأعلام 2/121، مقدمة خلاصة الفوائد بقلم إسماعيل الوزير، الترجمان - خ - تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي 1/538، 552، 558، كاشفة الغمة للهادي بن إبراهيم - خ - المستطاب - خ - الجواهر المضيئة - خ - 27، الموسوعة اليمنية 1/320، مؤلفات الزيدية (انظر الفهرس)، الحدائق الوردية - خ - طبقات فقهاء اليمن 180، السلوك 1/343، العطايا السنية - خ - العقد الفاخر الحسن - خ - الفضائل (تاريخ بني الوزير) - خ - اللآلئ المضيئة - خ - مآثر الأبرار 2/769 - 477، الأنوار البالغة - خ - الجامع الوجيز - خ - هجر العلم 957، إجازات المسوري - خ - الفلك الدوار (انظر الفهرس)، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 257.
(2) في (ب): القاضي الحجة.
(3) مآثر الأبرار 2/769.
قال السيد الهادي - رحمه الله - في كتاب (كاشفة الغمَّة): إن القاضي جعفر كان من أعظم أعضاد الإمام أحمد بن سليمان وأنصاره، قال: وطال ما ذكرهما الإمام المنصور بالله - عليه السلام - واحتج بكلامهما فيقول: قال: الإمام والعالم(1)، أفتى بذلك الإمام والعالم، وقد قيل: على أهل اليمن نعمتان في الإسلام والإرشاد إلى مذهب الأئمة - عليهم السلام -:(2) الأولى الهادي، والثانية القاضي جعفر - رحمه الله تعالى - وكان ابتداء وقفته للإمام - عليه السلام - بذمار وقت مخرجه إلى زبيد فاعتذر إليه من(3) أمور كانت منه مع المطرفيَّة فيما سبق، ولمَّا وصل العراق تبين له أنه على غير شيء، فعذره الإمام - عليه السلام - وجعله في حل، وقال له: هل علمت يا قاضي أحداً ممن لقيته بالعراق يقول شيئاً مما تقوله المطرفية، وتعتقده أو يعمل به، أو وجدث ذلك في كتاب(4)؟ قال: لا، قال: فإنه يجب عليك أن تردهم عن جهلهم، وتنكر بدعهم، فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: ((إذا ظهرت البدع من بعدي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله))، فقال له القاضي: قد عرفت ما تقول، ولكن القوم كثير، وقد صاروا مِلأَ يمننا هذا، ولو أنكرت عليهم لرموني عن قوسٍ واحدة، وأنت يا مولانا تقرب وتبعد(5)، وإني أخافهم، ولا طاقة لي بهم، فوقع كلام الإمام في أذن القاضي، وهو ممَّن علم وعمل فتقدم، وأظهر كتبه التي وصل بها من العراق، وتعرَّض للتدريس والتعليم في (سناع)، فلمَّا تسامع به الناس وصلوا إليه من بعيدٍ وقريبٍ فعند ذلك وقع مع أهل (وقش) من الغمِّ مالا مزيد عليه لوجهين: أمَّا أحدهما فغاروا منه، وعلموا أنه يستميل الناس عنهم، ويأخذ ما يعتادونه منهم، والثاني: أنه يبين للناس ما يكتمونه من
__________
(1) في (ب): ذكر الإمام والعالم أفتى بذلك الإمام والعالم.
(2) زيادة في (ب).
(3) في (ب): إليه في أمور.
(4) في (أ): أَوَحدث ذلك في كتاب؟
(5) في (ب): تبعد وتقرب.
مساوئهم وقبح اعتقادهم، فانصرفوا، وعملوا الملاقي، وكتبوا إلى جميع أصحابهم، وتكلموا على القاضي بما ليس فيه، وهجوه، وقالوا للناس: هو باطني ابن باطني.
فقال: هلموا إلى المناظرة، فأظهر(1) ما فيكم وأظهروا ما فيَّ بين يدي حاكم، فقالوا: ومن الحاكم؟ قال: إمام الزمان، فأبوا ذلك.
فقال: هلموا نتناقش عند العامَّة، [و]ضرب لهم مثلاً فقال: مثلي ومثلكم مثل رجال عشرة، صحبهم رجل أجنبي حتَّى دخلوا منزل رجل، فأضافهم ذلك الرجل، وأكرمهم، وتركهم في منزله آمناً لهم، فوجدوا له صندوقاً فيه ألف دينار، فقام العشرة، وكسروا قفل الصندوق، واستخرجوا الألف، فأخذ كل واحد منهم مائة، وصرَّها في ثيابه، وذلك الأجنبي ينظرهم، فلمَّا جاء صاحب البيت نظر الصندوق قد كسر، وأخذ(2) منه المال، فقال لهم: إنكم قد أخذتم من الصندوق ألف دينار وقد أمنتكم /269/، فقال العشرة: أما ترضانا شهوداً لك أن هذا الرجل الأجنبي أخذها ونحن ننظر، فقال الرجل الأجنبي: أمَّا أنا فلم آخذ شيئاً، ولا(3) أقول إنهم الآخذون، ولكن فتشنا فما قام أحد منا بعده، ففتشه فلم يجد معه شيئاً وفتشهم، فوجد مع كل واحد منهم مائة. ضرب(4) لهم القاضي هذا المثل فلم يستمعوا، ولجَّوا في جهلهم وطغيانهم، ونزل إليهم إلى وقش، وأمر لكتب الأئمة التي هي معهم في وقش، وقال لهم: تدبروا(5) ما في هذه الكتب ليُعرف الذي خالفها منَّا ومنكم(6).
__________
(1) في (ب): وأظهروا.
(2) في (ب): وقد أخذ منه المال.
(3) في (ب): ولا أنا أقول.
(4) في (ب): فضرب.
(5) في (ب): تدبر.
(6) انظر مآثر الأبرار 2/771 - 772.
قال مصنف سيرة الإمام أحمد بن سليمان - عليه السلام -: فلم يسمعوا كلام القاضي جعفر بل آذوه وقام في وجهه رجلان باطنيان: يقال لأحدهما: مسلم اللحجي من أهل شظب، والآخر يقال له: يحيى بن حسين، يلقب الفقيه، فآذياه، وسبَّاه، فعاد إلى سناع ومعه جماعة من الأشراف، منهم الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى، وغيره من أعيان السَّادة الهدويين والحمزيين والقاسميين، ومن أعيان الشيعة عدَّة.
وكان للقاضي في مسجد سناع مدرسة فعارضه المطرفية بمدرسة أخرى في جانب المسجد، فقام بعض الأشراف فأطفأ سراجهم، فقاموا فأطفؤوا مصباح القاضي، ووقع بينهم كلام، وارتفع القاضي إلى منزله فرجموا بيته بالليل. وقد كان القاضي - رحمه الله - ضرب لهم مثلاً آخر، فقال: مثلهم(1) ومثلي كمثل قوم عراة في مسجد في ظلمة وأصواتهم مرتفعة بالقراءة والصلاة وهم يصلون عراة إلى غير قبلة، فدخل عليهم رجل بمصباح فوجدهم على أقبح حال عراة فأجمعوا على الذي دخل بالمصباح يلعنونه ويسبونه، فقال: ليس لي جرم غير أني دخلت بالمصباح، فقالوا: بلى إنك أظهرت شيئاً كنَّا نكتمه. وآل الكلام إلى أن الإمام - عليه السلام - بعد أن بلغه ما لقي القاضي من المطرفية قال: قد وجب علينا نصرته، فلم يزل يطوف البلاد، وهو ينهى الناس عن مذهبهم ويحذرهم منه، حتَّى أثر ذلك مع أكثر الناس، ونفروا منهم إلا القليل كما هو مذكور في سيرة الإمام - عليه السلام -.
وللقاضي جعفر مصنفات في كل فنٍّ عليها اعتماد الزيدية، وكان له قصد صالح ووجاهة، ولهذا استفاد عليه جماهير علماء الزيدية في وقته، وصاروا أئمة يضرب بعلمهم المثل حتى قيل: هم معتزلة اليمن، وقبره مشهور مزور بسناع من أعمال صنعاء(2). انتهى
__________
(1) في مآثر الأبرار مثلكم.
(2) مآثر الأبرار 2/772 - 774.
وقال في تأريخ السادة - رحمهم الله -: كان القاضي العلامة شمس الدين جعفر بن أحمد - رحمه الله تعالى - في بدء أمره يرى رأي المطرفيَّة، حتى وصل زيد بن الحسن البيهقي من خراسان، وقرأ عليه القاضي جعفر فرجع عن مذهب التطريف إلى الاختراع، وأراد المسير مع البيهقي لما عزم لتمام أخذه عنه، فمات البيهقي بتهامة قبل وصوله العراق، وتقدم القاضي جعفر إلى العراق إلى تلميذ البيهقي الكني فأخذ عنه ورجع، وكان يقال: سار وهو أعلم أهل اليمن، ورجع وهو أعلم أهل العراق، وجعل الله البركة /270/ فيه.
وأبوه أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى قاضي الإسماعيليَّة وخطيبهم وصاحب رأيهم وأخواه علي ويحيى كذلك، وقتل يحيى المذكور أصحاب بن مهدي بحصن الجمعة، وكان شاعر الإسماعيلية وفصيحهم.
قلت: ونزل القاضي جعفر إلى إب لمناظرة العمراني صاحب البيان، الحنبلي الأصول، الشافعي الفروع، ولم يجتمع به، وإنما دارت بينهما مراسلة، وجَّه القاضي كتاباً ينصحهم فيه، وقال بعض المؤرخين لليمن الأسفل: إنه اجتمع بعلي بن الفقيه عبد الله بن (يحيى)(1) بن عيسى بن أيمن بن الحسن بن خالد اليرمي - بالياء بعدها راء مهملة نسبة إلى اليرمة قرية في وادي زبيد - وهو رجل كما قال ابن سمرة: نسبه في نزار، وكان الفقيه المذكور حنبلياً رأيه ورأي صاحب البيان المعروف بالعمراني، من شافعية الفروع، وهما حنبليان يكفِّران الأشاعرة، وكانت طائفة اليمن الأسفل تكفِّر الأشاعرة، واختلف العمراني وهو يحيى بن أبي الخير بن سالم بن أسعد بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عمران بن ربيعة بن عيسى، نسبته في عك بن عدنان، وولده طاهر المعروف بأبي الطيب، فكان يحيى يكفّر طاهراً ولده؛ لأنه أشعري، وطاهر يكفر يحيى؛ لأنه حنبلي، وكان طاهر من مذهب الأشاعرة، وقام خطيباً بذلك، ثُمَّ رجع بعد موت أبيه، فكان نزول القاضي جعفر لمناظرة يحيى بن أبي الخير، فحاص(2) ابن أبي الخير عن المجادلة، فوقف القاضي جعفر بإب على قلة من الصديق وعدم رفق، ثُمَّ أوى بعد أن بلغه تحزب الفقهاء وإرادتهم البطش كما يفعل العاجز عن الحجة، فأوى إلى الشيخ محمد بن أحمد بن إسماعيل المسكني صاحب حصن شواحط(3) بقرب الملحمة(4)، فآواه الشيخ المذكور، وعوَّل عليه في طلب القوم للمناظرة، فوصل إليه اليرمي، فأفحش على القاضي، وتسفه، وأضحك نفسه والحاضرين بحماقات لا تليق بالعلماء.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) أي فضاق.
(3) شواحط بفتح الشين المعجمة والواو وخفض الحاء ثم طاء مهملتين حصن مشهور في السحول فوق وادي الجنات (معجم المقحفي ص: 366 - 367).
(4) الملحمة: قرية بأسفل حصن شواحط، تقع في سفحه الشمالي الشرقي.. وهي في عزلة السحول بناحية المخادر وأعمال إب (المصدر السابق ص: 328).
فقال له القاضي بنصائح، ورام منه خُلِقَ العلماء، فما كفَّ. فقال الشيخ صاحب الحصن :كيف يقول هذا في مجلسك؟ فما أفاده، وأورد عليه الحنبلي قوله تعالى: ?وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ? (الصافات:96)، وزعم المؤرخون من أصحابه أنه لم يجر(1) جواباً، والذي روى أن هذا المجلس جملة ما اشتمل عليه التفحش من الحنبلي، وأن القاضي أرسل برسائل(2) العمراني، وهي عندنا موجودة مطوّلة، ويدلّ لهذا أن العمراني بعد هذا صنَّف كتاباً كالجواب عمَّا صدَّره القاضي إليه، واشتمل كتاب العمراني على الرد على الأشعرية والمعتزلة جميعهم.
ومن مصنفات القاضي - رحمه الله - (النكت وشرحها)(3) كتاب عجيب، وكتاب الحنابلة هذا وغيره وجملة ما وجَّهه إلى المطرفيَّة خاصة ما ذكر في كتابه (الدلائل الباهرة، في المسائل الظاهرة)(4)، وأن جملة ما وجهه إلى هذه الطائفة المطرفية الكتب ما سأذكره تشرفاً بذكره وهي: كتاب (تقويم المائل، وتعليم الجاهل)، وكتاب /271/ (قواعد التقويم)، وكتاب (أركان القواعد)، وكتاب (شهادة الإجماع)(5)، وكتاب (تعديل الشهادة)، وكتاب [الإحياء على الشهادة] (6) وكتاب (العمدة)، وكتاب في (إنجاز العدة)، وكتاب (منهاج السلامة)، وكتاب (الرافعة بالتنبيه، بشبهات التمويه)، وكتاب (تحكيم الإنصاف)، وكتاب (المسائل الكوفية)، وكتاب (الضامنة الوافية).
__________
(1) لعلها: يجد.
(2) زيادة في (ب): إلى.
(3) طبع مراراً.
(4) كتاب الدلائل الباهرة في المسائل الظاهرة (مخطوط) منه نسخة خطية في (76) ورقة ضمن مجلد رقم (647) بمكتبة الأوقاف بالجامع الكبير بصنعاء.
(5) ذكره الحبشي بعنوان: شهادة الإجماع على عقائد الزيدية، وذكر أن منه نسخة خطية: بمكتبة المدرسية الشمسية بذمار.
(6) ما بين المعقوفين زيادة في (ب)، قلت: وكتاب الإحياء على شهادة الإجماع منه نسخة خطية بالمدرسة الشَّمسية بذمار، ومصور بمعهد الجامعة العربية وذلك حسب مصادر الحبشي.
قال - رحمه الله - في هذا الكتاب: واتبعت هذه المصنفات البسيطة بمختصرات قريبة التناول منها: المسائل العقليَّة، ثم المسائل الإلهية، ثم المسائل النبويَّة القاسميَّة [ثم المسائل العلوية] (1)، ثم المسائل الهادويَّة، ثم المسائل المرتضاوية، ثم المسائل المهدية، ثم مسائل الهدية، ثم المسائل المسكتَة، ثم المسألة الشافية، ثم المسألة الوافية، ثم الرسالة الناصحة، ثم الرسالة الفاتحة، ثم الرسالة القاهرة، ثم الدلائل الباهرة، ثم الرسالة الجامعة، ثم المطيعة السامعة، ثم المسائل القاطعة(2)، ثم المسائل الرافعة، ثم رسالة المؤاخاة، ثم رسالة المصافاة، ثم المسألة النافعة، ثم المسائل المطرفيَّة. انتهى(3)
__________
(1) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
(2) المسائل القاطعة في أصول الدين (30) مسألة في الاعتقاد - خ - ضمن مجموع بمكتبة السيد المرتضى بن علي بن عبدالله الوزير بهجرة السر ببني حشيش محافظة صنعاء.
(3) ومن مؤلفات القاضي جعفر - رحمه الله -: كتاب شرح قصيدة الصاحب بن عباد في أصول الدين، وكتاب خلاصة الفوائد في علم أصول الدين أيضاً، وكتاب الأربعون الحديث وشرحها، وكتاب التقريب في أصول الفقه، وكتاب مسائل الإجماع، وكتاب النقض على صاحب المجموع المحيط فيما خالق فيه الزيدية في باب الإمامة، وكتاب نظام الفوائد، وتقريب المراد للرائد (أمالي)، وكتاب حدائق الأزهار في مستتحسنات الأجوبة والأخبار وغيرها (انظر عنها كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية ص: 279 - 282).
ومن تلامذته السيد حمزة بن سليمان والد المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وإبراهيم بن محمد بن الحسين، وعبد الله بن الحسين، والأميران الكبيران بدر الدين وشمس الدين، والسيد يحيى بن عمار السليماني، والأمير القاسم بن غانم السليماني، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ محيي الدين حميد بن أحمد القرشي، وسليمان بن ناصر، وأحمد بن مسعود والقاضي إبراهيم بن أحمد الفهمي، وسليمان بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي الرجال، والحسن بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وأحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وعلي بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن أبي الرجال، وعبد الله ومحمد ابنا حمزة بن أبي النجم، وجماعة كثيرة من أهل صنعاء. وفاة القاضي جعفر - رحمه الله - سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
جعفر بن الحسن بن الحسن(1) [ - ]
السيد الإمام الكبير جعفر بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - كان يكنَّى أبا الحسن، وكان سيِّداً فصيحاً، يُعدُّ في الخطباء من بني هاشم، وله كلام مأثور، حبسه المنصور مع إخوته، ثم تخلَّص، وتوفي بالمدينة وله سبعون سنة، ذكره الشريف ابن عنبة.
جعفر بن الحسن الشمري(2) [ - بعد سنة 470 ه ]
__________
(2) جاء في (ب): أبو جعفر الشيخ العلامة أبو جعفر الزيدي الآملي - رحمه الله تعالى - هو غير صاحب الإبانة، ذكره الملا يوسف وسيأتي ذكر صاحب الإبانة فيمن اسمه محمد، وذكر في الحاشية أن هذه الترجمة محلها آخر الكتاب كما هي القاعدة إلى الكنية بعد الاسم.
الفقيه شجاع الدين جعفر بن الحسن الشمري من علماء صعدة، كان عالماً، واتفقت منه هفوة أنه خطب للصليحيين الباطنية على منبر الهادي - عليه السلام -(1)، فأنف لذلك الأمير الفاضل، فنهض بنفسه، ولم يرض بنائب غيره حتى دخل صعدة فقبض على الشمري المذكور، ورجع به إلى شهارة، فلبث في سجنها إلى سنة سبعين وأربعمائة، وبقي محبوساً قدر ست سنين إلا شهرين، فتفادَى نفسه بقدر ثلاثة آلاف دينار، فأخرج هو ومن معه من المحابيس، فمدح الفاضل الشعراء من الزيدية بذلك فقال شاعرهم:
قُدنا من الجبل المنيع جيادنا ... لدن الأعنة كالصخور صلادما
فمضين شعثاً كالشعار(2) قواطناً ... وسلكن شرقاً كالضباء سواهما
/272/
يتبعن أشمط هاشم وإمامها ... نجل الأئمَّة ذا المهابة قاسما
الماجدَ الورعَ التقيَّ الزاهدَ البرّ الكميّ الأريحيَّ العالما
يقصدن هجرة جده الهادي بها ... أكرم بها وبه إليها قادما
متعصباً لمَّا طغت واستعملت ... سكان صعدة رأيها المتقدما(3)
ودعا المخلع فوق منبر جدنا ... قدماً إليه المارق المتلاحما(4)
فرجعن بالأسرى وكنَّ مرادنا ... دون الغنائم والآياب غنائما(5)
جعفر بن أحمد بن جعفر [ - ]
الأمير الكبير عضد الدين جعفر بن أحمد بن جعفر بن الحسين بن القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم - عليهم السلام - أمير خطير وعلاَّمة شهير، فصيح متكلم، ومن شعره بعد قضيَّة الحشيشيين مع الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وسيأتي ذكرها - إن شاء الله تعالى-.
هنيئاً كلَّما كر الجديد ... بما أولاك ذو العرش المجيدُ
ولا زالت تصاحب كل يومٍ ... معاليك السعادةُ والسعودُ
أمير المؤمنين فداك قومٍٍ ... رضى فعالهم غدر عتيدُ
__________
(1) وذلك في 463ه (انظر مآثر الأبرار 2/722).
(2) في (ب): كالعشار.
(3) في (ب): المتقادما.
(4) الشطر هذا لفظه في مآثر الأبرار (قدنا إليه الماقط المتلاحما) والماقط: الحبل.
(5) وانظر الأبيات في مآثر الأبرار 2/722.
أراد الناكثون لك انتقاصا ... ويأبى الله إلا ما يريدُ
وصدق قول أهل الحجر فيهم ... فعال كلهم فيه مزيدُ
ملأت صدورهم خوفاً ورعباً ... فحلَّ لهم من الفرق العتيدُ
وكم للناكثين بعثت جيشاً ... تضيق به السهولة والنجودُ
فلا تغضِ على غدْرٍ لقوم ... قيامهم لذلك والقعودُ
فجيشك لا يزال له معار ... وخيلك ما يفارقها اللبودُ
وكم رامت بك الأعداء غدراً ... وفتكاً لا يحد له حدودُ
فحاق بهم وأفناهم جميعاً ... كما فنيت بأشقاها ثمودُ
وسلمك الإله ولا ظهير ... ولا حولٌ لديك ولا ودودُ
سوى ا لفذ النظام وأي كاف ... يقرُّ بفضله بيض وسودُ
وجاد بمهجةٍ كرمت وأنَّى ... بمهجته هنالك من يجودُ
وقام بكلما ترضى وتَهوى(1) ... مقاماً ماله أبداً جحودُ
فدمت مسلماً من كل سوء ... سنينا ما لأيسرها عديدُ
وأراد بالنظام العلامة نظام الدين القاسم الشاكري - رضي الله عنه - وقضية الحشيشيين مع الإمام أحمد بن الحسين، رأيت نقلها برُّمتها لغرابتها.
قال السيد الأمير يحيى بن القاسم الحمزي ما لفظه: نحن(2) نبرأ إلى الله من اختراع الكذب، ونسأله التوفيق للصدق، والسبب(3) /273/ أن أمير المؤمنين المهدي لدين الله لمَّا عظم أمره عند ملوك الأرض خاف كل منهم على ملكه، فاستغاث صاحب اليمن بخليفة بغداد، وأمعنوا في كيده بالسمومات وغيرها من أنواع المكر، فدسوا عليه الحشيشيَّة وهم فرقة من الملاحدة القرامطة المعطلة، قوم يأتون من تخوم(4) خراسان، يعرفهم أهل تلك الناحية إلى بلدٍ تعرف بالموت في نواحي الديلم، لا يسكنها إلا الباطنية المعطلة أعداء أهل الإسلام، ولهم ملك معروف يستعبدهم حتى يعتقدون وجوب طاعته في كل أمرٍ فيدسّهم على الملوك، ويأخذ بهيبتهم قطائع جليلة من الملوك.
__________
(1) في (ب): تهوى وترضى.
(2) في (ب): ونحن.
(3) في (ب) زيادة: في ذلك.
(4) في (ب): من تخوم بلاد خراسان.
قال السيد شرف الدين - أيده الله -: أخبرني من لا أتَّهم أن هؤلاء إذا أتى بهم(1) صاحب الموت أدخلهم إلى دار أعدَّها لهم، فيها أنواع الفواكه والملاذ والمآكل النفيسة الطيبة والأنهار المطردة، فيرون شيئاً لم يروه قبل، ولا يدخلون تلك إلا بعد أن يسقوا شيئاً من المسكرات تزول معه عقولهم، فلا ترجع عليهم عقولهم إلا في تلك الدار، ثم لا يخرجون عنها مدة، فإذا أراد أن يدس واحداً منهم أو جماعة أمرهم فسقوا شيئاً يزيل عقولهم، ثم يخرجون، فإذا خرجوا تركوا في أخس مكان، حتى يروا من الهوان ما تقطَّع قلوبهم معه حسرة لما كانوا عليه، ثم يدس إليهم من يسألهم عن حالهم؟ فيقولون: لا ندري كنَا في دار كذا وكذا من النعيم، ثم صرنا إلى هذه الحالة من الهوان فيقول لهم: فإني أدلكم على أمرٍ ترجعون به إلى دارٍ أعظم ممَّا رأيتم فيقولون: وكيف لنا بذلك؟ فيؤتى بهم إلى تلك الدار التي كانوا فيها، فيمتلون(2) فرحاً، ويفتح لهم باباً(3) إلى شيء ينظرونه من بعيدٍ، بينهم وبينه حجاب من زجاج، من ورائه صور ناس عليهم أنواع الملابس وحولهم من الملاذ وحلي الذهب والفضة والجواهر وتصاوير الأطيار وأشياء عظيمة يفتنون(4) بها، ويصبون إليها، ويستصغرون تلك الدار التي كانوا عجبوا بها فيقول لهم القائل: أرأيتم تلك الصورة؟ فيقولون: نعم، فيقول: ذلك فلان، كان أمره مولاه أن يقتل فلاناً الملك، فقتله وقُتل، وانتقل روحه إلى هذه الصورة ثم هو في هذه النعمة أبداً، فإن أردت تنال هذه الدرجة فامتثل أمر مولاك، فيقول: حبّاً وكرامة. فيقول: إن حدثت نفسك بالسلامة بطل أجرُك، وغضب عليك مولاك أبداً. وتنتقل إلى دار الهوان وتنتقل روحك إلى كلب أو خنزير وغير ذلك أبداً، فيقول: كلا، وربما يختبرهم سلطانهم فيشير إلى الواحد فيرمي بنفسه من شاهق أو يقتل نفسه، وهذا ما نقل إلينا من
__________
(1) في (ب): إلى صاحب الموت.
(2) في (ب): ليمتلؤون.
(3) في (ب): باب.
(4) لعلها: يفتتنون.
هؤلاء الذين لم يسمع بمثلهم في الدنيا ودسيستهم على الملوك، إما بأن يأتوهم في هيئة صناع من الصنع النفيسة الغريبة، وإمَّا في هيئة الغرباء والصوفة، وإما في هيئة /274/ المماليك الذين يباعون فيبيع الواحد منهم أخاه أو ابنه ممن يريد قتله من الملوك، فمنهم من يقتل بسكين تسمَّى الحوصة(1) محكمَة الصنعة طولها من نحو ذراع بمقبضها مسقيَّة مسمومة، ومنهم من يقتل بهيئة(2) على هيئة الإبرة، أو على القطبة الحسكة(3) من الحديد المسمومة، ويقيم الواحد منهم السنين الكثيرة حتى تمكنه الفرصة ممن يريد، ولهم حيل وتدخلٌ على الملوك لا يبلغ إليه أحد سواهم، ولم يعلم بدخولهم اليمن على أحد من الملوك قبل إمامنا إلا أن يكونوا غير قاصدين لأحد، هذا فيما ظهر، والله أعلم.
قال الراوي: والسبب في وصول الحشيشي إلى اليمن أن سلطان اليمن ذلك الأوان وهو يوسف بن عمر بن علي بن رسول لمَّا قام في حرب الإمام كتب إلى الخليفة، وأعلمه بما هو فيه من المدافعة عن مُلك الخليفة، وهو المعتصم بن المستنصر بن الناصر صاحب بغداد كتاباً، وأرسل إليه رسولاً وأموالاً وملابس نفيسة، وعقد له السَّلطة(4) في اليمن وولاَّه من تحت يده، فطال بذلك، فلمَّا كان في أيام طلوع هذا السلطان إلى صنعاء وخروج الإمام عنها وجَّه رسولاً إلى الخليفة يقال له: ابن أبي الفهم، فأمر الخليفة إلى صاحب الموت، فوجَّه إليه بحشيشيين: أحدهما رجل قد طعن في السنِّ أعوَر لعينٌ طويل القامة، جليل المشاس(5)، شيطاناً مريداً، والآخر غلام حدث السن في سن الشباب كامل الخلق، واسم هذا الشيخ فيما حُكي: يوسف بن حسن، زعم أنه من الموصل، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): الحوصبة.
(2) في (ب): بهيئات.
(3) الحسك: ما يعمل من الحديد على مثال حسك السعدان، وهو من آلات العسكر (مختار الصحاح ص: 136).
(4) في (ب): السلطنة.
(5) المشاس: لم أجدها في القاموس.
فلمَّا وصل هذا الرسول إلى زبيد كتم السلطان أمر الحشيشيين، واستدعى رسولاً من الإمام وأظهر أنه راغب في الصُّلح، فوجَّه إليه الإمام القاضي التقي المخلص يحيى بن الحسين بن عمَّار من أهل الدين والعلم والحزم والثبات في أموره، وأمرَه أن يدري بأمر السلطان، فإن كان صادقاً كانت المراجعة والعمل على معلوم، وإن كان غير ذلك لم يكن قد ظهر، وهو - عليه السلام - مقيم في حصن حلب(1)، وفي حال ذلك استدعى السلطان للرسول [من عند الإمام](2) [و]وجْه الحشيشيين مع ابن أبي الفهم إلى صنعاء وأمر لهما بالملابس النفيسة والمركوب، ولم يدر أحد بهما، وأظهر أنهما رسولان مشرفان على خزائن الحصون أو نحو ذلك، فلمَّا وصل ابن أبي الفهم إلى صنعاء التقاهم السلطان أحمد بن علوان بن بشر بن حاتم بن أحمد بن عمران بن الفضل اليامي، وهو خلصَة السلطان وبطانته وموضع سرٍّ له وأمانة فأسَّر إليه ابن أبي الفهم الأمر، ووصل السلطان، وظهر من أمرهم أن هذا ابن أبي الفهم وصل بخزانه، وأنه يريد الصلح بين الإمام وبين السلطان، وأن هذين الرجلين شاهدان أو نحو ذلك، وربّما أظهروا أن تسليم حصن كوكبان للإمام وأن يؤخذ عوضه حصن هداد للسلطان، وانتشر الكلام، ومالت خواطر الناس إلى ذلك، واضطرب أشد الناس لذلك /275/ لأمرٍ يرجع(3) إلى نفسه من مكرٍ أو خديعة، وتقدَّم أحمد بن علوان والحشيشيان(4) إلى حصن كوكبان، وأظهروا للوالي تسليم الحصن، فاضطربت أموره، وأظهروا افتقاد الخزائن والشحن(5)، وكاتب ابن علوان الإمام، وأراه الرغبَة من السلطان في الإصلاح، وأظهر أنه يريد الوصول، وأنه يطلب الرفاقة والذمَّة الأكيدة، فلم يبق عند الإمام - عليه السلام - شك في رغبة القوم في الصلح وأن وراءهم
__________
(1) حصن حلب من حصون المصانع وأعمال ثُلأ، وهو خراب (معجم المقحفي ص: 187).
(2) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
(3) في (ب): راجع.
(4) لعله: والحشيشين مفعول معه.
(5) في (ب): والسجن.
أمرٌ أوجب ذلك، فأمر بالذمَّة فلم يلبث أن قدم الشيخ من الحشيشيين ومعه رجل من مولدي الغزّ يقال له: ابن التائه يقال: إنه خدع في صحبَة الحشيشي، والظاهر يحكم عليه بالبغي والعدوان، فوصل الرجلان آخر يوم الخميس، وهو السادس من ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وستمائة، فأذن أمير المؤمنين - عليه السلام - بإنصافهما وإكرامهما، واستأذن الرجلان في السلام، فأذن أمير المؤمنين - عليه السلام - لهما، وكان عنده السلطانان الأجلان الناصران شجاع الدين جابر بن أسعد، وأسد الدين محمد بن الوشاح في عصابة من أجواد قومهم قريب من الخمسين، فقيل لأمير المؤمنين في الحزم والحذر من كيد الحشيشية، وكان معه من الأجواد مالم يمكِّن الحشيشي معه أن يثب، فدخل الحشيشي وسلمَّ على الإمام هو وصاحبه والإمام على نهاية الحذر منهما في ذلك الأوان، وخرج هو وصاحبه بعد ساعة، وكان من الغد وهو صبيحة يوم الجمعة، فأظهر الحشيشي أنه مريض، فلمَّا حضر وقت الجمعة خرج أمير المؤمنين إلى موضعٍ في الحصن وصلَّى بالناس صلاة الجمعة، وجاء إليه رجل من أهل ثُلأ، فأشار إليه أن يحزم من الحشيشي، فلم يصدِّق الإمام وخصوصاً بعد ما لم يثب في الليلة التي وصل فيها. ثم إن أحمد بن علوان وصل إلى حصن ثلاء لمَّا علم من المشائخ أهل ثلاء أنهم اضطربوا من شائعَة تسليم حصن كوكبان، وهم في ذلك الأوان محاربون للإمام - عليه السلام - ومباينون له، فطيَّب نفوسهم وهو يقوم، ويقعد، ويتطلع الكائنة من الحشيشي، فلمَّا كان بكرة السبت عند طلوع الشمس حصل الحشيشي وصاحبُه، وأظهر أنه يريد صرم الأمور والوداع والرجوع إلى ابن علوان، وأنه ما وصل إلا شاهداً؛ لأن السلطان قد بلغه أن ابن علوان لا يريد صلحاً بين الإمام وبينه، فأمر الإمام أن يخلى له المكان، فلم يبق مع الإمام إلا ثلاثة، وهم عمدة خواصه: الفقيه العلامة الأوحد نظام الدين خاصّة أمير المؤمنين القاسم بن أحمد الشاكري، والفقيه الطاهر التقي
داعي أمير المؤمنين محيي الدين معلى بن عبد الله القسي، ثُمَّ البُهلولي، والشيخ الطاهر المخلص تقي الدين خاصَّة أمير المؤمنين عبد الله بن يحيى بن علي الصعدي، وأمر أمير المؤمنين أن تقف على السلاطين ومن معهم في مجلسٍ قريب منه وخدمه وأتباعه كل واقف في موضعه من القصر /276/، فلما دخل الرجلان على الإمام إلى مجلسه وهو على مرتبته التي ينام عليها والمجلس في طوله إلى مقدار خمسة عشر ذراعاً، فلما دخل الرجلان، وكان الإمام في شرقي المجلس وأصحابه في غربيه، فرد السلام وتحدث بحديث غير طائل ولا منظم، ثُمَّ استأذن الإمام وأصحابه أن يلقي إلى الإمام حديثاً سراً فتوهم الكل أن معه حديثاً من السلطان، فدنا من الإمام قليلاً حتَّى بقي بينهما نحو ذراع وبينه وبين أصحابه أذرع، هذا تقدير، ثُمَّ تحدث بحديث كحديث السكران، وقد قيل: إنه أكل ذلك اليوم من الحشيشة التي تسكر بها الصوفية وقطع للإمام، وكلما تحدث معه الإمام أو سامه أمراً احتمل بثيابه فاستنكر الإمام حديثه، ثُمَّ طلب من الإمام أن يكتب له ورقة أمان، وأن يكون يختلف هو وابن أخيه ولم يكن عنده أنه يظفر في كرّته، وأزمع على القيام والوداع على غير طائل ولا ريدة في أمر من الأمور. قصَّة وثبة الحشيشي على الإمام - عليه السلام - قال الراوي: ثُمَّ إن الإمام أشار إلى الفقيه نظام الدين أن يدنو ليحسن في خروج الرجلين بلطف وأدب لما رأى حديثه غير منتظم، وتزلجا عنه، ويخبرهم أن ما حديثه بطائل، فدنا الفقيه نظام الدين من الإمام فشاوره الإمام في أذنه اليسرى وعينه مع الرجل وهو باسط يديه على فخذيه، ثُمَّ إن الفقيه أراد الجواب على الإمام فشاوره مقابلاً لأذنه اليمنى، فعند ذلك ستر ما بين الحشيشي والإمام(1) لحظة، فحصلت له الفرصة فجذب سكيناً حوصبة عظيمة قريباً من عظم ذراع بمقبضها قد كان أعدها في باطن فخذه، ثُمَّ قام في أسرع ما يكون وانحط على الإمام بعد أن
__________
(1) في (ب): وبين الإمام.
رفع يده، وتطاول على قدميه خيفة أن يكون الإمام دافناً لدرع أو نحوه، فأحسَّ به الإمام - عليه السلام - فوثب قائماً في الأرض وفضل عمامته في الأرض فوقعت رجله فيها أو في ناحية الفراش، فسقط على جنبه الأيمن، فوقعت الطعنة في موضع المحجمة من كتفه الأيسر، فمرت نحواً من ثمان أصابع إلى نحو عظم صلبه بعد أن أخذت نيفاً وخمسين طاقاً في العمامة، وطاقات في فوطةٍ جديدة عليه، وثلاث طيارات في عطف سوحه والدراعة وما تحتها، ودنا عدو الله يطعن الثانية فوثب عليه الفقيه العلامة نظام الدين القاسم بن أحمد الشاكري، فقبض على السكين بيده، ووقعت الواعية في الدار، وصرخ الصارخ، وكانت ساعة لم ير الناس مثلها، ولم يشك أحد أن الإمام قد قتل، وقام الإمام وطعنته ترش من خلفه (دماً)(1)، فأحس بالحرائم أنها قد خرجت على الناس فشغله ذلك عما معه، فخرج فردَّهن، وقد كان ابن التائه دخل على الحرائم فقيل: إنه أراد أن يقتل ولد الإمام الصغير المسمى الناصر محمد بن أحمد، وقيل: أراد أن يستجير، والله أعلم.
ثُمَّ قال الإمام أمير المؤمنين لأصحابه: اقتلوا الرجل، واشتغل بستر الحرائم، ودخل الناس على الحشيشي /277/ وقد شدَّ الفقيه العالم يديه وضغطه إلى جدار(2) حتى ما استطاع حراكاً معه، فدخل عليه رجلان من خدم الإمام فضرباه على رأسه بالسَّيف حتى صرعاه، ثم وقع فيه من دخل، وعاب(3) الناس في الدار، فنهب من الدار شيء من الثياب والحرير، وقتل ابن التائه في دار الحريم بغير أمرٍ من الإمام وصرخ(4) الصَّارخ إلى ثُلاء في الحال، فوقع عند المشائخ من ذلك مصيبَة عظيمة، وخاف أحمد بن علوان على نفسه.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): جدر.
(3) لعلها: وعاث.
(4) في (ب): وبلغ.
قال السيد شرف الدين - أيده الله- : وقد أخبرني من لا أتهم أنهم أهموا به عند ذلك، وراح من ساعته، وتفرق المبشرون من المفسدين والمعاندين إلى صنعاء وذي مرمر وغيرهما، وإلى اليمن وإلى بلاد الباطنية بقتل الإمام - عليه السلام - وتفرَّق المبشرون من عند الإمام - عليه السلام - بسلامته، وكانت الوقعة على مضي ساعة ونصف من يوم السبت ثامن ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وستمائة.
قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم - رضي الله عنه -: كنت ذلك اليوم قريباً من قرية نغاش قاصداً إلى الإمام - عليه السلام - ومعي من بني العم جماعة، فلم نشعر حتى لقينا البشير فظننا أنه مبشر بتسليم كوكبان، فبشر بسلامة أمير المؤمنين من الحشيشي، فأقسم بالله لقد ترآى لي عند ذلك ظلمة على الأرض، وأصابنا مالا يعلمه إلا الله، ولم نصدق للإمام بسلامة، وبقينا نقلب الأمر ظاهراً وباطناً هل نقدم، فإن كان الإمام قد قضى عليه فإنه لا يمكنَّا أن ندخل حصن حلب(1)، ولا ندري كيف يكون أو نعود فربّما الإمام سالماً فنندم، فرأينا القدوم، فأخذنا من ساعتنا تلك نثب في الجبل وثباً حتى وصلنا حصن حلب آخر النهار، فاسترَّ بوصولنا أمير المؤمنين ومن معه، وما صدقنا لمولانا الإمام بسلامة حتَّى رأيناه، وسقطنا عليه، ومنَّ الله علينا بمنَةٍ لا توازيها منّة فالحمد لله كثيراً، ثم أخذ أمير المؤمنين في علامات الكتب إلى أقطار البلاد إلى المشرق والمغرب، والظاهر وصعدة والجوف وحصون اليمن وبراش وغير ذلك يعلمهم بما منَّ الله عليهم من سلامة إمامهم وقتل عدوهم ويأمرهم بالشدَّة فإنه سالم، وفي أَجَلِّ نعمة، مع عظم(2) ما كان [فيع] من التعب.
__________
(1) في (ب): خلب.
(2) في (ب): عظيم.
قال السيد شرف الدين - رضي الله عنه -: كنت خشيت أن يكون السكين مسموماً، فأمرت للسكين وتدبَّرتها، فرأيت في فقارها شيئاً لاصقاً رقيقاً كالسندروس، والذي غلب على ظني أنها مسمومة، وقد أخبر بذلك عدَّة من الناس، وإنما دفع الله عن ابن نبيئه، وبيّن للخاص والعام عظيم فضله وبركته، وكنت كثيراً ما أساله - عليه السلام - هل يحس معه في قلبه ألماً أو ضعفاً؟ لأن السمَّ يسري ألمه إلى القلب. فيقول: ما أجد شيئاً من ذلك، فلمَّا مضت ليالٍ على شدة الوجع والألم قطعنا على السلامة من السم، ثم أقبلت القبائل من أطراف الأرض يهنئون بسلامته، ويحمدون الله على ذلك، وهو - صلوات الله عليه - يظهر التجلّد، /278/ ويقوم لكثير من كبار الناس على شدة التعب وسهر الليل، أقام القوم في صنعاء في فرحةٍ وسرور أياَّماً ويكسون وينعمون، ومن أخبر للإمام بسلامَة أهانوه، وكادوا يهلكونه حتى صح لهم أن الله تعالى ردَّ كيدهم، ووصل إليه أخوه أبو المظفر سليمان بن يحيى، بعد أيام وأقام أمير المؤمنين أياماً قريباً من نصف شهر، وخرج يسير إلى جانب الحصن فاسترَّ الناس، وكان يوم سرور وفرح، وإقامة الجراحة مانعة له من صلاة الجمعة قريباً من شهرين، ثم صلى بعد ذلك.
قال السيد شرف الدين - أيده الله -: وقفت معه خمسين يوماً أو قريباً منها ما فارقته ليلاً ولا نهاراً إلا في النادر، وباشرته بنفسي أنا وجماعة من الأبرار، فلم أر أحداً أصبر منه ولا أكثر منه تجلداً، وفي خلال ما هو فيه من التعب لا يترك حاجة لأحد إلا قضاها على أحسن ما يكون، فجزاه الله خيراً، ووصل في خلال ما حدث النوبة المشائخ الأجلاء أهل ثُلاء وتغمَّموا مما جرَى، وهنَّوا بسلامته، وأمروا بالغنم والضيافات، وتألموا، ولم يبق أحد من عيون الناس حتى وصل وهنأ ويشتفي بمقابلته - عليه السلام - وجاءت القصائد من العلماء، فمِمّن قال في ذلك مهنئاً السيد الشريف الأمير المنيف يحيى بن القاسم بن يحيى الحمزي - رحمه الله تعالى -:
عفا بالعقيق ربعه ومآثره ... وأقفر من ربع ببرقاء دائره
وودَّعت سلمى قبل ذاك ولم أكن ... أرى أن ذاك الرَّبع يرفض حاضره
وقد أد منها لاعج لا أرى له ... مكاناً ولا انفك منه أثابره
فلله عيناً من رأى مثل كله ... حجاب على بدرٍ بذلك قاهره
من العابريات(1) الرشوف كأنها ... عكوف على شربٍ دعتها جآذره(2)
لعوب هضيم الكشح يرميك طرفها ... بما اكتنفت تحت الحجاب محاجره
وأخذ على هذا الأسلوب ثم قال:
إلى خير من تهفو الخوافق فوقه ... إذا دلكت عند النزال عساكره
إلى الأفق البهلول خير بني الورى ... وخير مليكٍ حين تبدو بشائره
إلى من به أضحى لدين محمدٍ ... شعار على القطب الشمالي طائره
ومنها:
إليك أمير المؤمنين زففتها ... أساليب كالرَّوض الذي راض ناظره
ومنها:
وكم كربةٍ فرجتها بكتائب ... وقد علقت للموت فيها أظافره
بعزمٍ كحد السيف والسيف دونه ... رددت به الملك الذي أنت قاهره
__________
(1) في (أ): العابرات.
(2) الجآذر جمع الجؤذر بفتح الذال وضمها: ولد البقرة الوحشية (انظر مختار الصحاح ص: 90).
وكتب القاضي ركن الدين مسعود بن عمرو العنسي - رحمه الله - إلى خواص الإمام /279/ فسألهم(1) بأبيات طالعها:
بحق ذمام عهدكمُ وعهدي ... وحرمة صحبتي كيف الإمامُ
ألا كيف الذي تهوى الرواسي ... لدعوته وتنصدع السلامُ
وكيف(2) يد كمثل يمين عيسى ... إذا مسحت أزيل بها السقامُ
ظللت وقد أتاني العلم أخفى ... تردني عبرتي ولها انسجامُ
وبتُّ على الفراش كأنَّ جنبي ... تعرض دون مضجعه السهامُ
يوافيني السُّها(3) فأقول مهلاً ... ترفَّق بي فإني لا أنامُ
أأنسى أنعم المهدي عندي ... فأنكرها إذا يئس الذمامُ
ألا تبَّت يمين فتًى ترامت ... به من أرض بغداد الأكامُ
أراد السُوء بالإسلام كفراً ... وطغياناً فعاجله(4) انتقامُ
كما فعل ابن ملجم في علي ... وأخَّر عن خليفتنا الحمامُ(5)ُ
ومن الناظمين للتهاني الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، وكان إذ ذاك أيام سيادته لكنَّه الغرَّة الشادخَة في العترة فقال:
رامُوك والله رام دون ما طلبُوا ... وكيف يُفْرَقُ شمل وهو جامعُهُ
عوائد لك تجري في كفالته ... لا يجبر الله عظماً أنت صادعه
كم قبل ذلك من فتق منيت به ... والله من حيث يخفى عنك راقعه
ضاقت جوانبه واستدَّ مخرجه ... وأنت فيه رحيب الصدر واسعه
رداً إليه وتسليماً لقُدرته ... فيما يحاوله أو ما يدافعُه
ولمَّا وصل هذا الشعر النبيل من هذا الرجل النبيل أمر الإمام من يجوب(6) عليه فقال بعضهم:
أهلاً بطالع ما قد سر طالعه ... طرس(7) من الشرف العالي يطالعُهُ
أهلاً بروضة لفظٍ جاد زخرفها ... (شابوب) صنعة من حلت ضائعه
شَمْلُ المسرَّةِ والسلوان مجتمعٌ ... عندي ومسطور سيف الدين جامعه
__________
(1) في (أ): فساهم.
(2) قبل البيت في (ب): ومنها.
(3) السُّها: كوكب خفي يمتحن الناس به أبصارهم (مختار الصحاح).
(4) في (ب): يعاجله.
(5) الحِما بالكسر: الموت.
(6) لعلها: يجيب.
(7) الطِّرس بالكسر: الصحيفة.
أهدَى لنا طبقاً من كاغدٍ(1) وبه ... من طيب الكلم الممنوع يانعه(2)
يشفي بموقعه مرْأىً ومستمعاً ... كأنما حسن الأفلاك طائعه
قلت: وقد يظهر للإمام المهدي أحمد بن الحسين شعر مع اقتداره عليه.
قال السيد الإمام يحيى بن القاسم: لقد رأيته يقول النظم ويصوغ القريض، ثم يقول: إن الشعر من مظان العتب والانتقاد، ولا أرى بتركه بأساً، أو كما قال في هذا المعنى /280/، وعلى ذكر أبيات المنصور بالله الحسن بن بدرالدين أذكر قصيدة له عذبة، الناشئة بتجارة لله دره ما أرق حاشيته وأعذب ناشيته وهي:
سقيا ورعياً لدارهم ورعى ... إذا سقى الله منزلاً ورعى
يا دار حور العين(3) ما صنعت ... أحبابنا باللَّوى وما صنعا
أرقني بعد بينهم وهنا ... برق على عقر دارهم لمعا
مثل حوانس الرداء ما هجعت(4) ... عيني له موهناً وما هجعا
وأين صنعاء من رغافة أو ... قطابر بعد ذا وذاك معا
أيعلم البرق حال ذي ولع ... صير ملتف قلبه قطعا
أربة الحال ما أرى كلفي ... بكم شفى غلة ولا نجعا
لولاك يا رملة المحجر ما ... رأيت خوطاً(5) من جوهر طبعا
ولا رأينا نخلة قمراً ... وجنح ليل وطفلة جمعا
لي عنك شغل لو تعلمين بما ... أوجبه ربنا وما شرعا
هذا إمام الزمان أحمد بالـ ... حق وأمر الإله قد صدعا
إن قال فالدرُّ لفظ منطقه ... أو صال فالليث حيثما وقعا
الصادق السابق المقابل في الـ ... ـمجد كما قيل في الذي سمعا
الألمعي الذي يظن بك الـ ... ـشيءَ كأن قد رأى وقد سمعا
طاب شمالاً(6) وعنصراً وزكا ... فرعاً وأصلاً فعد ممتنعا
الواهب الجرد في أعنَّتها ... والضارب الهام والطُّلَى(7) جمعا
__________
(1) الكاغد: القرطاس، ومعرَّب (القاموس المحيط ص: 42).
(2) في (ب): قانعة.
(3) لعلها: العيون، ليستقيم الوزن.
(4) الصدر غير موزون.
(5) الخوط: الغصن الناعم.
(6) في (أ): شمائلاً.
(7) الطُّلَى: الأعناق.
في ماقطٍ(1) لو يشق ذو الرعب القشعم(2) حتبي قياثة(3) وقعا
حيث ترى البيض وهي ساجدة ... والنقع بين الصفوف قد صدعا
حيث ترى الطير وهي رائعة ... دما عبيطاً(4) والنقع مرتفعا
يا سيد العالمين كلهمُ ... وخير من قام سابقاً ودعا
أحييت ميتاً من الهدى حقباً ... لولاك لم ينتعش ولا ارتفعا
فأمعن الكفر بعده هرباًً ... والفسق لا يلقيان منتجعا
وكنت كالنيرين ما طلعاً ... إلاَّ وطال الظلام وانقشعا
بل كنت كالليث حول أشبله ... والسيف مهما(5) هززته قطعا
بل كنت كالموت للعصاة إذا ... حل على معشرٍ فلن يدعا
/281/
لا أكذب الله إنني رجل ... وجدت خصل الكمال فيك معا
العلم والفضل والشجاعة والـ ... ـرأي وفيض السماح والورعا
وهي كما ترى قصيدة فائقة رائقة، ولهذا طولت بها هذا الترجمة إذ هي - إن شاء الله- زينة لهذا الرقيم، والقصيدة هذه نيف وخمسون بيتاً(6)، لكن هذا الذي ظفرت به، والله سبحانه أعلم.
وجعفر بن أحمد المذكور صاحب الترجمة هو الراوي عن الشريف، فليته بن جعفر أنه حدث في شهر المحرم سنة 596 ه على وفاء 23 شهراً من قيام الإمام المنصور بالله - عليه السلام - عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليه وعلى آبائه الطاهرين أفضل الصلاة والسلام -. انتهى
__________
(1) المقط: الشدة، والماقط: أضيق المواضع في الحرب (وانظر القاموس المحيط ص: 889).
(2) القشعم: اسم من أسماء الأسد.
(3) في (ب): جنبي قبَابة.
(4) العبيط من الدم الخالص الطري.
(5) في (أ): كلما.
(6) قوله: بيتاً، سقط من (أ).
حبس الدخان ما غطى الأرض حتى إنه كان الإنسان لا يكاد يرى صاحبه إذا بَعُدَ عنه قليلاً، وأقام ذلك إلى شهر رجب سنة 597ه(1)، وكثرت في ذلك الأقاويل، وتحدَّث الناس بضروبٍ من الكلام والظنون، قال: ثم حدث في تلك السنة من الصواعق سيما في المغارب ومخلاف صنعاء .
قال الراوي: وكان في تلك السنة حدث في جهة الشام من راحة ونواحيها وجع الأريبة وأظنه من الطاعون ورم يصيب الإنسان في مراقه فربما مات في يومه، وربما مات في الثاني أو الثالث، ومنهم من ينفجر بماء ربما يسلم صاحبه، فروي أن بلاداً خلت من سكانها وأهلها وصارت ماشيتهم سائمة لا مالك لها، ثم تناقض(2) ذلك بعد وفاء سنة.
__________
(1) في (ب): 970ه. ولعله وهم من الناسخ.
(2) لعلها: تناقص.
قال السيد يحيى: وقد حدثني والدي عز الدين شيخ العترة الطاهرين القاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم - رحمه الله - وكان من صلحاء أهل البيت - عليهم السلام - وأخيارهم وممن صحب الإمام المنصور بالله - عليه السلام - من وقت الدرس إلى أن توفي - صلوات الله عليه - في أوَّل سنة أربع عشرة وستمائة، وعاش بعده إلى شهر جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وستمائة، ومات وهو في سن كبير ابن تسع وثمانين سنة، وتوفي والده يحيى بن القاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم مجداً مرابطاً صابراً مع الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - سلام الله عليه - في دخلة صنعاء سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، وأب أبيه هو الشريف العالم الإمام القاسم بن يحيى بن حمزة، وكان من أشرف أهل زمانه، ومن علماء أهل البيت والمشار إليه، وهو أول من أجاب(1) المتوكل على الله أحمد بن سليمان بن المطهر في عدَّة من أهله، وقعد بعد ذلك لعلةٍ عرضت له، وقد ذكره الإمام المتوكل على الله في أوّل سيرته: أخبرني والدي المذكور أولاً وساق الحديث لهذه الرواية أنه كان في سنة حدثت في المغرب صواعق لم ير الناس مثلها /282/، وأخبرني أنه سمع يوماً خريراً فرفع بصره فرأى مثل الجبل الأسود منقضاً في نهج (حجَّة) إلى نهج (لاعة)(2)، فلما صار إلى هنالك وقعت الصاعقة، وأخبرني بما كان في الشام من الورم.
__________
(1) في (ب) زيادة: الإمام.
(2) لاعة: بلدة معروفة من أعمال محافظة حجة في الجنوب منها، إليها تنسب عدن لاعة، التي هي اليوم خرائب وأطلال (معجم المقحفي ص: 547).
قال السيد يحيى: وأقام الناس في خطب وفزع من حدوث هذه الصواعق، ومن العجائب التي لم تجربها العادة أنك لا ترى بارقاً معترضاً في السماء، بل ينشق في الطول انشقاقاً منكراً، فلما كان في شهر شعبان اتصلت الكتب من مكة من زعيمها وهو الشريف الأمير أبو نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الحسني الموسوي، واتصلت الأخبار من غيره من العلماء من هنالك، وكثر الكلام بحدوث حادثة، قال في كتابه، وقال غيره ما هذا معناه: إنه لمَّا مضت ليلتان من شهر جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة وقعت الزلزلة العظيمة في مدينة الرسول (- صلى الله عليه (1)وآله وسلم-)(2) [ثم سكنت](3) وذلك يوم الثلاثاء، ثم كان بعد ذلك وقعت زلزلة عظيمة حتى سقط بعض قناديل الحرم المحمدّي - صلوات الله على صاحبه - واضطربت الجدرات(4) وتمايل بعضها، وظن أهل المدينة أنها القيامة، فلاذوا بالقبر الشريف، ثم استمرت الزلزلة إلى يوم الجمعة، ثم حدث دخان عظيم إلى الحمرة، وفي(5) شرقي قبا عند مآثر بني قريظة على أميال من المدينة، ثم طلعت منارات لها أعمدة صاعدة في الهواء، وكان لها قصيف ولجب، فأمر صاحب المدينة من يأتيهم منها بخبر، فما اسطاع(6) أحد أن يقربها فرقاً من قصيفها، وعند ذلك شاع ذكرها في البلاد، وأخذ الناس في الأهبة للمعاد، وروى أهل تلك الناحية أن ضوءها رئي على مسيرة أربع عشرة مرحلة، وأكثروا أصنافاً من الحديث. انتهى
__________
(1) سقطت ما بين القوسين من (ب).
(2) في (ب): ثُمَّ سكتت.
(3) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
(4) لعلها: الجدران.
(5) في (ب): في.
(6) في (ب): فما استطاع.
جعفر بن أمير المؤمنين الحسن [ - ]
الشريف الأديب الرئيس(1) الكبير أبو القاسم جعفر بن أمير المؤمنين الحسن بن علي الناصر الكبير الأطروش، إمام الجيل وحجَّة الزيدية - عليه السلام - كان شريفاً ذا همَّة في الرئاسة، ترجم له صاحب (اليتيمة)، وذكر ما كتبه إلى القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني فقال(2):
/283/ وذكر الشريف ابن عنبة أنه لما مات الناصر أرادوا أن يبايعوا ابنه أبا الحسين أحمد بن الحسن فامتنع من ذلك، وكانت ابنة الناصر تحت أبي محمد الحسن بن القاسم الداعي الصغير، فكتب إليه أبو الحسن(3)، فاستقدمه وبايعوه، وغضب أبو القاسم جعفر بن الناصر، وجمع عسكراً وقصد (طبرستان)، فانهزم الداعي، ووافى أبو القاسم بن الناصر يوم النيروز سنة ست وثلاثمائة وسمَّى نفسه الناصر، وأخذ الداعي (بدماوند) وحمله إلى الري إلى ابن وهودان فقيَّده، وحمله إلى قلعة الديلم [فلما قتل علي بن وهودان خرج الداعي](4)، وجمع الخلق وقصد جعفر بن الناصر، فهرب إلى جرجان فتبعه الداعي، فهرب الناصر راجلاً إلى الري، وملك الداعي الصغير طبرستان إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة ثم قتل بآمل، قتله مرداويح. انتهى
وذكر أحمد بن علي بن عبد السلام التكريتي في كتابه الذي اختصره من كتاب ياقوت الحموي المسمَّى (بمعجم الأدباء) وكتاب التكريتي اسمه (بغية الألباء من معجم الأدباء) ما نصه: ورد أبو القاسم جعفر بن الحسن الأطروش العلوي الملقب بالناصر جرجان مستولياً عليها، وكان أديباً شاعراً خطيباً، ومعه ابن أبي دهمان الأديب، فقال ابن أبي دهمان يوماً للسلامي: قلت - يعني الحسين بن أحمد بن محمد السلامي - إن الناصر مائل إليك، مقرب لك أفضل تقريبٍ، فأهد إليه من قولك هدية تكون لك عنده تحية، فأنفذ إليه السلامي بهذين البيتين:
__________
(1) في (ب): الرائس.
(2) قال في (ب): بياض في الأم، ولعله يوجد إن شاء الله.
(3) في (ب): أبو الحسن بن الناصر.
(4) ما بين المعقوفين زيادة في (ب).
شكا الدين والجود حاليهما ... فأشكاهما الله بالناصر
فأيَّد ركن الهدى بالتقى ... وعمَّ الورَى بالنَّدى الغَامر
فلما دخل السلامي من الغدّ إلى أبي القاسم قال: قد حملوا إليَّ هديتك، وتحيتك ووجدت حروفها قليلة جامعة، ومعانيها جليلة رائعة كالجوهر الخفيف وزنه، الغالي ثمنه، فبُّرك بهما عندنا مقبول، وحبلك موصول وذمامك محفوظ.
قال السلامي: أيها السيد، قد زينت تلك الهدية بجميل وصفك، وشهَّرتها بلطيف لطفك، وأعطيتني بها غاية الأعطية وحبوتني بها نهاية الأحبية، فما ربح أحد منتحلي هذه الصناعة ما ربحته على هذه الصناعة(1)، فعمل مبرور، وسعي مشكور، وأنا بحسن العوض مغمور، وبكريم المثوبة مبهور، فالتفت أبو القاسم على(2) من حضره وقال:
لا يكمل الفضل للمذكور بالحسب ... إلا بزينة فضل العلم والأدب
انتهى، قلت: والسلامي المذكور هو الأديب البليغ الحسين بن أحمد بن محمد السلامي الأديب المؤرخ، مات في سنة ثلاثمائة وهو من وجوه الأدباء ومشاهيرهم.
جعفر بن الحسين بن الحسن [ - ]
السيد الكبير جعفر بن الحسين بن الحسن الأفطس، ترجم له المنصور بالله، وقد ذكر أنه قتله المقتدر العباسي، وأثنى المنصور بالله عليه و- عليهم السلام -.
/284/
__________
(1) في (ب): البضاعة.
(2) في (ب): إلى من حضره.
جعفر بن علي بن محمد(1)
السيد الكبير جعفر بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم، كان سيداً فاضلاً كبيراً، وكانت الإمامية تسميه جعفر الكذاب، كأنهم يقابلون به جعفر الصادق - عليهما السلام - ووجه غضبهم أنه لما مات الحسن العسكري أخو جعفر المذكور، والإمامية تزعم أن الحسن هو والد محمد المنتظر، فاستحكم جعفر المذكور بانقطاع ذرية الحسن، وحاز جعفر ميراثه، وأظنه ورد اليمن أو أحد من ولده، فإنه جدّ آل الطيب بصنعاء وجدّ أهل حوث وجماعة بالظاهر، فمنهم الإمام يحيى بن حمزة، وإذا كان هو الوارد إلى اليمن فقد ذكر بعض المؤرخين خروج جد الفقهاء آل أبي الرجال مع رجل من هذا البطن من العراق.
جعفر بن عبد الله بن أبي النجم [ - ]
القاضي العلامة ركن الدين جعفر بن عبد الله بن أبي النجم - رحمه الله - كان عالماً عاملاً حاكماً محكماً، واتفق له بمكة المحروسة أن حبسه الأمير نجم الدين أبو نمي الحسني صاحب الحرم، وكانت هذه من الحوادث لعلوّ منصب أهل هذا البيت، وكتب صنوه إسماعيل الأبيات التي سلفت، وأظنه تعقب ذلك خروجه، وكان وصوله حرياً بما قال القائل فيهم من قصيدة أولها:
يا خليلي أسعداني فإني ... مهجتي جذوة ودمعي سجومُ
وقفا بي على الرسوم قليلاً ... ما عسى أن يغنيه عني الرسومُ
ثم قال مهنئاً:
فرح قد أظلهم ثم ثاني ... قد تلاه حواهما التنظيمُ
قادم الحج ثم تطهير سبطيـ ... ـه الزكيين غبطة ونعيمُ
ركن دين الله(2) صفوة عبد الـ ... ـله ذي العلم والأريب الحليمُ
زار ذات الأستار ثمت قضى ... وطراً منه ركنها والحطيمُ
وأتى الأعماد إذ سنه الـ ... ـله فباهى به الورى التنعيمُ
ولمَّا انتقل إلى جوار الله الكريم رثاه السيد العلامة إبراهيم بن محمد بن الحسين الديلمي - رحمه الله - الماضي ذكره فقال:
ينازع نفسي في الأسى ما ينازع ... وتخفق أعضائي وتهمي المدامعُ
وتسعر أحشائي بنارٍ كأنه ... من الوجد أضحت تحتويها الأضالعُ
__________
(1) هذه الترجمة لا توجد في (ب) على هذا الترتيب فهي متقدمة.
(2) لعلها: الإله ليستقيم الوزن.
تنكرت الأحوال فانحط شامخ ... وضيق معمور وضيق واسعُ
إذا ما رأت عيناي حياً بغبطةٍ ... أتيح لهم خطب من الدهر فاجعُ
وإن عاش قوم في المسرَّة برهةً ... أديلوا بغم نازل لا يدافعُ
أمن كل وجهٍ زائر الموت طالعُ ... وفي كل دارٍ طائر الفوت واقعُ
/285/
وفي كل يوم للمنية عسكرٌ ... لها ذابلات في النحور شوارعُ
طمعنا ضلالاً في البقاء وإنما ... أرى أكذب الآراء تلك المطامعُ
ورمنا انصراف الحتف عناوقد رأى ... وأسمع منه الصدق راءٍ وسامعُ
مضى قبلنا قوم تحدث عنهم ... بأخبارهم صدق الحديث المواضعُ
وباد الورى قرناً فقرناً فلم يصن ... عزيزٌ ولم يرفع يد الحتف شافعُ
ولم ينج ملكاً خيله ورجاله ... ولا دافعت عنه القرى والمصانعُ
ولكنها الآجال تمضي بأوَّل ... وآخرنا والله لا شك تابعُ
ولمَّا نعى الناعون نحوي جعفراً ... فزعت لفخر الدين والموت رائعُ
وأقلقني ما كاد تهوي لعظمه ... صخور أبانٍ أو تهد متالعُ(1)
على سيدٍ سمح الخليقة ماجد ... كريم المحيَّا أنجبته المراضعُ
أديب لبيب لم يزنَّ بزينة ... حليم عليم بارع إذ يراجعُ
له شرف سامٍ وفضل وعفَّة ... ولطفٌ وجودٌ فايض وتواضعُ
ومجد علَى مجد البريَّة باذخ ... أناف فلم يبلغ لأدناه قارعُ
قريع خطوب إن نزلن فجعفر ... يعود غنياً من لديه المقارعُ
وسبط صناديدٍ كرام جميعهم ... لآل النبيء الهاشمي بشائعُ
قفوا نهج أهل البيت حبَّاً وغيرهم ... إلى دينهم بالكرْه والرغم راجعُ
وما ضاع دين الله فيهم وأنه ... لفي الغير ممن قد عرفناه ضائعُ
فلا غروَ أن نرتاع مما يروعهم ... ونشرك في أحرابهم ونتابعُ
بكت جعفراً كتب العلوم وضيفه ... وبيت به يمضي الدُّجى وهو راكعُ
وكم منبرٍ يبكي عليه وجامعٍ ... ينوح وكم غصت عليه المجامعُ
فمن للقِراء(2) من للقراءة بعده ... ومن للقا إمَّا اقتربن المصارعُ
__________
(1) أبان ومُتَالِع: جَبَلان. (المرجع السابق ص1082).
(2) لعلها: للقِرى.
ومن يلتقي أخدانه ببشاشة ... ومن للأعادي بالمساءة قامعُ
وهذا القدر كافٍ من هذه القصيدة.
جعفر بن القاسم بن علي(1) [ - 450 ه ]
السيد الكبير الأمير العلامة جعفر بن القاسم بن علي - رحمه الله - كان عالماً مقداماً خطيراً، ولي صعدة عن أمر أبيه وهو والد الأميرين الفاضل وذي الشرفين، وتوفي بصنعاء، وقبره بمقابر آل الصليحي، وحضر علي بن محمد(2) دفنه، وحضره ولده السيد الفاضل، وكان أسيراً في يد الصليحي فأطلقه، ويروى أن من أسباب موت جعفر بن القاسم أن الصليحي لمَّا اشتدت وطأته(3) في اليمن /286/ أجمع(4) رؤساء اليمن من الأشراف ونحو بني السخطي والأينوع وبني عتمى ملوك مخلاف عتمة والحوالين والهياثم وبني مروان أهل أشيح، وآل أبي الفتوح سلاطين خولان العالية، وآل الروية سلاطين مذحج وغيرهم، وأمرهم ألاَّ يفارقوه خوفاً منهم، ثم إنه تجهز يغزو الكرنديين إلى قلعة السوا(5) والسمدان(6)، وهي بلاد وبيَّة ليهلك منهم من يهلك، فكان كما ظن هلك الناس وكان الصليحي لا يضرُّه الوباء؛ لأنه نشأ في بلاد (الأحروج)(7) من حراز، فلما حاصر (الكرنديين) نزلوا على حكمه بأمانٍ عقده جعفر بن القاسم، ثم قبر الصليحي في عهده فحصل مع جعفر أثر عظيم لذلك، فكان سبب ذلك.
موته في سنة خمسين وأربعمائة، ذكر ذلك مفرح بن أحمد الربعي وغيره.
__________
(2) في (ب): الصليحي.
(3) في (ب): على اليمن.
(4) في (ب): جمع.
(5) السوا: عزلة كبيرة من ناحية المواسط وأعمال الحجرية، اتخذها الملوك بنو الكرندي مركزاً لهم وذلك في القرن الرابع الهجري (معجم المقحفي ص 331).
(6) السَمَدان، بفتح السين المهملة حصن شامخ في بلد الرجاعية من بلاد الحجرية، غربي مركز تربة ذُبْحَان بمسافة 15كم (المصدر السابق ص: 325).
(7) الأحروج هو الاسم القديم لناحية الحيمة غربي حضور (المصدر السابق ص: 16).
جعفر بن محمد بن مفضل [ - ]
السيد العلامة الشهير زين الدين جعفر بن محمد بن مفضل بن حجاج - رحمهم الله - كان جليل القدر واسع المعرفة مثرياً، وكان أخوه منصور بهذه المثابة إلا أن هذا الشريف أطول من أخيه عمراً، وأكثر معرفةً ومالاً.
قال السيد أحمد بن عبد الله - رحمه الله -: وله خط جيد، فيه حلاوة وقوَّة على الوضعة الأولى، وضعة نشوان وأهل ذلك الزمان، وله اتساع في العلوم كلي، وكان له ثروة وعبيد وأموال مختلفة في جهاتٍ عديدة، وتوفي بوقش - رحمه الله تعالى -.
جعفر بن محمد بن شعبة(1) [ - ]
الشيخ العلامة بهاء الدين جعفر بن محمد بن شعبة النيروسي - رحمه الله تعالى - صاحب الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم - عليه السلام - وهو صاحب المسائل(2) المشهورة بمسائل والنيروس(3) قرية من قرى الرويان، نسب إليها من أصحابنا جماعة، وكثيراً ما يلتبس صاحب القاسم هذا بصاحب المؤيد بالله، وهو الحسن بن زيد وسيأتي - إن شاء الله تعالى-.
جعفر بن محمد بن جعفر(4) [ - ]
السيد الأمير الكبير الخطير جعفر بن محمد بن جعفر بن القاسم بن علي الرسي، أحد أعيان العلماء وأكثر الناس زجراً للحسينية عن معتقدهم، وهو أمير شهارة المحروسة بعد سلفه.
جعفر(5) بن يحيى بن أبي يحيى(6) [ - ]
__________
(1) رجال الأزهار 10، لوامع الأنوار 1/342، مؤلفات الزيدية 1/75، المستطاب - خ - وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة رقم 260.
(2) في (ب): الرسائل.
(3) قوله: والنيروس، سقط من (أ).
(5) في (ب): هذه الترجمة متقدمة على السيد الأمير الكبير الخطير جعفر بن محمد.
القاضي العلامة المكين جعفر بن يحيى بن أبي يحيى، كان من عيون أصحاب الإمام المنصور بالله - عليه السلام - وعليه وقائع، ودخل الأعداء عليه حصن حقل على صفةٍ ذكرها أهل التأريخ، لكنَّه تحصَّن - رحمه الله - بقول وناسٍ ونجدة، ووثب من محلٍ بعيد هائل، وما تمكن الأعداء من دخولهم عليه إلى حقل إلا بمكائد وأغطية، وإلا فإنه من أمنع الجبال باليمن.
قال ابن الكلبي: إن الحبشة لم تتمكن من حقل مع استيلائها على اليمن.
أبو جعفر باجويه(1) [ - ]
أبو جعفر باجويه العلامة الكبير، ترجم له ملا يوسف حاجي في متأخري الناصريّة، وأحال على شهرته، والله المستعان.
أبو جعفر الزيدي [ - ]
السيد الكبير أبو جعفر الزيدي - أعاد الله من بركته - كان من أخدان المؤيدبالله أحمد بن الحسين الهاروني في العراق /287/ واستدعاه غير مرّة ليستخلفه، فأبى ولم يجبه لاشتغاله بنفسه وإقباله على زهده، ذكره المرشد(2) بالله بن الموفق - عليهما السلام -.
أبو جعفر الزيدي الآملي(3) [ - ]
الشيخ العلامة أبو جعفر الزيدي الآملي - رحمه الله تعالى - هو غير صاحب شرح الإبانة، ذكره الملا يوسف، وسيأتي ذكره صاحب الإبانة في محله فيمن اسمه محمد.
__________
(1) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (140).
(2) في النسختين: المؤيد بالله، وظنن فوقها في (ب) بقوله: (ظ) المرشد بالله، وهو الصحيح كما أثبته.
(3) تأخرت هذه الترجمة في (ب) إلى ص 339.
جعفر الطائي
جعفر الطائي ويقال له: الوقار، وهو والد العلامة محمد الوقار الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى - الضبي النسب، وإنما نسب إلى طي لأنه كان وأهله ينزلون بجبل طي وهو من (ضبه تراد)، كان عالماً هاجر(1) إلى الهادي - عليه السلام - وكان يألفه السادة الأمراء الهاديون(2)، وكان وجيهاً لديهم لمكان علمه وهجرته إلى الهادي - عليه السلام - وأحسبه أوّل من وفد اليمن من هذا البيت المعروف بآل الطائي، كأبي العنب(3) وغيره.
جعيد بن الحجاج الوادعي(4) [ - ]
الفقيه الكامل جعيد بن الحجاج الوادعي صهر نشوان بن سعيد الحميري، كان هذا الفقيه عالماً بليغاً فصيحاً، وهو قائل الشعر الذي طار في الآفاق، واتَّهم الناس أنه لنشوان بن سعيد لما يعرفونه من حال نشوان، وذلك أن القاسميين قد كان فيهم من يعتقد أن الحسين بن القاسم بن علي - عليهما السلام - هو المهدي المنتظر، وأنه لم يقتل، وتلبس بهذا المقال جماعات فحول منهم كالأمير فليتة العالم الكبير، ولم نذكره في هذه التراجم لتصريحه بهذه المقالة، ومن شعره:
أنا شاهد لله فأشهد يا فتى ... لفضائل المهدي على فضل النبي
وهو الذي قبض الإمام أحمد بن سليمان وأسره بعد أن عمي، هكذا قال ابن فِنْدِ بعد أن عمي، فغضب لذلك رجال همدان عاصيها ومطيعها حتى قرامطتها، وأنفوا أشد الأنفة فنزلوا على فليتة مستشفعين في أمره بقولٍ يقول فيه قائلهم:
نحنُ بني هاشم لكم خدمٌ ... بحبِّكم نلتَوي ونلتزمُ
أنتم لنا كعبة نلوذ بها ... وسوحكم من جهاتنا حرَمُ
فلا ترد الوجوه عابسة ... عنك وقد قابلتك تبتسمُ
__________
(1) في (ب): عالماً عاملاً.
(2) في (ب): الهادويون.
(3) في (ب): الغيب.
فنزل إليهم فليتة، فحلفوا ألا يبرح حتى يرسل الإمام فأرسله على كره منه، وهذا عارض من القول، وأمَّا الفاضل وذو الشرفين فقد قيل: تركهما للدعوة لاعتقادهما حياة عمهما الحسين، وصرَّح بعض المؤرخين بهذا، وقال السيد العلامة صالح بن عبد الله الغرباني القاسمي(1) - رحمه الله - أنه يحفظ أنهما تركا الدعوة لأن أعيان الدولة ورؤساء القبائل كان فيهم من هذه عقيدَته، فلو صرح أحدهما بدعوته لصرَّح بتخطيئة هذه /288/ الدعوَى الفاسدة، فيعود الأمر إلى الشقاق، والعدُوُّ إذ ذاك قوي الشوكة، والشعر الذي ذكرنا لجعيد ونسب إلى نشوان قوله:
أما الحسين فقد حواه الملحد ... واغتاله الزمن الخؤون الأنكدُ
فتبصروا يا غافلين فإنه ... في ذي عرار ويحكم مستشهدُ
فلما ظهر هذا الشعر هاج القاسميون، وظنوه لنشوان، فقال الأمير عبد الله بن القاسم بن جعفر:
أما الصحيح فإن أصلك فاسد ... وجزاك منا ذابل ومهنّدُ
فأجاب نشوان يذب عن نفسه بقصيدة طويلة منها:
من أين يأتيني الفساد وليس لي ... نسب خبيث في الأعاجم يُوجدُ
لا في علوج الروم جدٌ أزرَق ... أبداً ولا في السود خالٌ أسودُ
إني من العرب الصميم إذا امرؤٌ ... غلبت عليه العجم فهو مولَّدُ
فدع السفاهة إنها مذمومةٌ ... والكف عنها في العواقب أحمدُ
والله ما مني نظام جاءكم ... فيه يقول حوَى الحسين الملحدُ
ولقد أتيت به فقمت مبادراً ... عجلاً أمزِّق طرسه وأقدِّدُ
فأشاعه من ظن أن ظهوره ... في الناس مكرمة عليها يُحسدُ
أغضبتم أن قيل مات إمامكم ... ليس الإمام ولا سواه يُخلَّدُ
لا عارَ في قتل الإمام عليكم ... القتل للكرماء حوضٌ يوردُ
إن النبوءة بالنبي محمد ... خُتمت وقد مات النبيء محمدُ
إلى أن قال:
فدع التهدد بالحسام جهالةً ... فحسامك القطاع ليس له يدُ
من قد تركت به قتيلاً أنبني ... ممن توعده ومن تتهددُ
إن لم أمت إلا بسيفك إنني ... لقرير عين بالبقاء مخلدُ
__________
(1) في (ب): القاسمي.
انتهى ما نقلناه، وقد آل أمر نشوان مع الأشراف إلى ما سيأتي تفصيله بعد [في] ترجمته، وتصافحوا، والحمد لله رب العالمين.
الجلال بن صلاح بن محمد(1) [710 - 784 ه ]
السيد الأمير الكبير علم الزيدية، ومفخر الأسرة اليحيويّة، الجلال بن صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدي بن علي بن المحسن - رحمهم الله، وأعاد من بركتهم - قال ابن المظفر - رحمه الله -: كان من الفضلاء العُظماء العلماء وشيخ بني الزهراء، من عيون آل محمد ومن أنصار الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد - عليه السلام - وُلد في جمادى سنة عشر وسبعمائة، وتوفي في شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وقبره بمشهد الإمام الهادي إلى الحق بصعدة، واسمه /290/ محمد، لكنَّه اشتهر بالجلال، فذكرناه في هذا الحرف.
__________
حرف الحاء المهملة
حاتم بن منصور(1) [ - 765 ه ]
الفقيه الفاضل العابد بصري أوانه زين الدين حاتم بن منصور - رحمه الله تعالى - قال في ترجمته السيد العلامة يحيى بن المهدي بن القاسم الحسيني - رضي الله عنه - ما لفظه: الفقيه الإمام حاتم بن منصور الحملاني - رضي الله عنه وأرضاه- وهو كما وصفت في أوَّل الكتاب إمام من أئمة الشريعة المحمديَّة، سيد من أهل العبادة، وقدوة لمن أراد الزهادة، وغيث لمن أمَّه من أهل الفقر والفاقة، كان زميلاً في درس العلوم للإمام المؤيَّد بالله ذي العزة يحيى بن حمزة، وكان شيخهما في العلوم وقدوتهم في طاعة الحي القيوم الفقيه الإمام قدوة زمانه وغوث أوانه محمد بن خليفة بهجرة حوث - حرسها الله بالصالحين - وكان شيخ محمد بن خليفة السيد السند الإمام الصوام القوَّام، المتنزه عن قبض الحلال والحرام محمد بن وهاس، وروي(2) أنه - عليه السلام - ما نكح ولا ذبح ولا فتح باباً ولا قبض درهماً حتى لقي الله تعالى، وكان هذا حاتم بن منصور - رحمه الله - قد براه الخوف، وأنحلته العبادة حتى إنه كان يُرى كالشن (البالي)(3) من الخوف والبكاء، ما رُئي على رأسه عمامة قط، وكان يلبس الثوب إلى نصف ساقه، ولا يسدل الثوب في صلاته.
روى لي سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي - رحمه الله - قال: صلَّى حاتم بن منصور زُهَاء أربعين سنة بالجماعة إماماً، ما ترك صلاة واحدة بالجماعة يعلمها، ولا في مدَّة الأربعين سجد لسهوه إلا ستّ مرات، وما يدع البكاء في الصلاة الجهريَّة والمخافتة، وما يترك صلاة التسبيح في اليوم مرَّة(4) وقت الضحى ولا في الليل مرَّة حتى لقي الله تعالى.
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية، ترجمة 264، المستطاب (خ)، الجامع الوجيز، صلة الإخوان (تحت التحقيق)، اللآلئ المضيئة (خ)، مآثر الأبرار (خ) طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث ترجمة رقم (148).
(2) في (ب): روي.
(3) سقط من (ب).
(4) زيادة في (ب): في.
روَى لي الثقة أنه قبض روحه وهو يصليها مستلقياً من المرض، وكان محلقاً وشيخ أهل زمانه في أصول الدين وأصول الفقه(1)، وله موضوعات ومسائل فقه مروية وأنظار واجتهاد، فعراه الخوف، وأذهل لبه، فترك نشر العلم، واشتغل بالعبادة، وقد أخذ منه بالنصيب الأوفر - إن شاء الله - وكان لا يدَّخر شيئاً حتى ليومه، بل يؤثر به إخوانه، ويواسي بما فتح الله له أهل الفاقة من المسلمين، وكان يدّان المئين والألوف من الدراهم والدنانير في تزويج الفقراء من دَرَسَتِهِ وإخوانه، ومن شكا عليه العنت وما خلَّف شيئاً من متاع الدنيا إلا ثوباً وكوفيَة ونعلاً، وكان تحته بساط خَلِقٌ وفروة عارية، وتولَّى قضاء ديونه، وتولَّى مشقة أطفاله ولده الفقيه الفاضل الزاهد محمد بن حاتم بن منصور.
روَى لي ولده هذا أن تاجراً من أهل صنعاء، وكان صالحاً فقيهاً جاءه ليودعه وهو يريد التجارة إلى مصر فقال له حاتم: يا فلان، لو خيرتُ بين أن أحوز هذا /290/ الذي يشغلك أو أكون أعمَى أصَمّ لاخترت العمى والصمم، وكان لا تأخذه(2) في الله لومة لائم، جاءه يوماً أمير صنعاء وملكها معتذراً في حد سارق وجده أخذ على أخ من إخوته ثوباً في الليل، فسلم على الفقيه، وأراد تقبيل يده، فانزوى عنه الفقيه، وعف عن مس يده كأنها ثعبان، فقال: يا سيدنا قد فعلنا بهذا السارق، وصنعنا، فقال له الفقيه - أعاد الله من بركاته -: يا عبد الله، هذا السارق يأخذ الناس بالليل، وأنت تأخذهم بالنهار، فبهت ذلك الأمير، وولى منكسر القلب مسود الوجه.
__________
(1) زيادة في (ب): والفقه.
(2) في (ب): لا يأخذه.
وله من مكارم الأخلاق ومحبَّة أهل البيت والإحسان إليهم سيما إلى آل الإمام يحيى بن حمزة مالا يمكن وصفه لكثرته، وكان للمسلمين ولإخوانه في الدين والأرامل والمساكين والضعفاء والمرملين كالوالدِ الشفيق يتحمَّل لمصالحهم ومرافقهم الصعب، فجزاه الله عن آل محمد وعن إخوانه المسلمين أفضل ما جزى محسناً على إحسانه آمين آمين. وقبره مشهور مزور بصنعاء على باب اليمن بمشهد الإمام الصوام القوَّام علم الإسلام خليفة زين العابدين المختص بالكرامات من رب العالمين المهدي بن قاسم بن المطهر بن أحمد بن أبي طالب بن الحسن بن يحيى بن القاسم بن محمد بن القاسم بن الحسين بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين بن الحسين بن زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - فهما ضجيعان وتوأمان وأليفان في حياتهما ومماتهما حباهما الله بالرضاء والرضوان وأسكنهما غرف الجنان.
رضيعا لبان ثدي أم تحالفا ... بأسحم داج عوض لا يتفرق
وكتب حيّ السيد الإمام عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بخط يده الكريمة في لوح على قبر حاتم بن منصور هذين البيتين:
عمَّت فضائله فعمَّ مصابه ... فالناس فيه كلهم(1) مأجورُ
والناس مأتمهم عليه واحد ... في كل درا رنَّة وزفيرُ
انتهى كلام السيد يحيى - رحمه الله، وأعاد من بركته -.
قلت: وهذان البيتان اللذان كتبهما السيد فخر الدين - رحمه الله - على لوح حاتم من شعر التيمي كما حكاه القاضي التنوخي - رحمه الله - ولهما ثالث وهو:
ردَّت مناقبه إليه حياته ... فكأنه من نشرها منشورُ
وبخط بعض العارفين توفي ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وسبعمائة - رحمه الله تعالى -.
حاتم بن أحمد بن عمران(2) [ - 556 ه ]
__________
(1) في (أ): كله.
(2) الأعلام 2/151، ومنه: العسجد المسبوك - خ - واللطائف السنية - خ -.
السلطان البليغ الهمام شجاع الدين حاتم بن أحمد بن عمران بن المفضَّل بن علي بن زيد بن المعمر بن الصعب الفضل(1) بن عبد الله بن سعيد بن غوث بن الغز بن مدكر بن اليام(2) اليامي، كان عالماً /291/ باللغة محققاً حافظاً لأيام العرب وأمثالها وأشعارها، متكلماً في كل نوع من أنواع الكلام بعبارات ملوك العلماء، والمشهور أنه من غير طائفة الزيدية كثرهم الله وقوَّى أعضادهم، ويفهم ذلك أيضاً من قول الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان مجيباً عليه في كتاب وجَّهه السلطان إليه؛ لأنه أراد الدخول في طاعة الإمام، فلم يقبله لأمور عرفها، فتكلم السلطان بكلام جاف وتمثل بقول أبي الطيب:
كدعواك كل يدَّعي صحة العقل ... ومن ذا الذي يدري بمافيه من جهلِ
فأجابه الإمام - عليه السلام -:
إذا كنت لا تدري بما فيك من جهل(3) ... فذاك إذاً جهل مضاف إلى جهلِ
ولم أنتحل ما ليس فيَّ وإنما ... مقالي حق قد يصدقه فعلي
ومن جهل الرحمن والرسل لم يكن ... بمعترفٍ يوماً بحق بني الرسلِ
وكل بلاد الله غيرك عارف ... بما فيَّ من أصلٍ شريف ومن فضلِ(4)
فهذا من كلام الإمام - عليه السلام - فيه اللمح بقوله: ومن جهل الرحمن إلى آخره، إلا أن المذكور كما يقال: باطني، لكنه ذكر الأمير الحسين مؤلف الشفاء أن الأمير فليتة اعترض على الإمام أحمد بن سليمان بالاستعانة بالسلطان حاتم وولده علي، فرد عليه الإمام كلاماً قال فيه: فأما السلطان الأجل علي بن حاتم فإنه مبائن للباطنية بالقول والفعل، محارب لهم على ذلك هو وأبوه وجده، أمَّا هو فحربُه لهم ظاهر مشهور(5)، وأما أبوه حاتم فكان يمقت الباطنية، ويتبرأ منهم، وله شعر يقول فيه:
__________
(1) في (ب): بن الفضل.
(2) في (ب): بن يام اليامي.
(3) في (ب): ومآثر الأبرار إذا كنت لا تدري بما فيك من جهل، كما أثبته، ولفظ الشطر في (أ): إذا كنت لا تدري بأنك لا تدري.
(4) مآثر الأبرار 2/791.
(5) في (ب): مشهور ظاهر.
برئت من الذويب ومن علي ... ومن ماذون همدان بريتُ
موادين عموا وغووا هداهم ... فإن شايعتهم فلقد عميتُ
ظموا ورويت من ماءٍ معينٍ ... ولو أني صحبتهم ظميتُ
شقوا بخلافهم للدين حقاً ... وخالفت الغواه فما شقيتُ
ولو أني أشاء شهرت منهم ... فضائح لا تواريها البيوتُ
أأخشى الناس في ديني وأغضي ... كأني بعد ذلك لا أموتُ
وقومي مذكر وشبا حسامي ... لساني مثله لولا الصموتُ
فإن ترني وإياهم جميعاً ... فقل كيف التقَى ضبٌّ وحوتُ
ولو وردوا الفرات ونجَّسوه ... ولم يك طاهراً حتَّى تموتوا(1)
__________
(1) مآثر الأبرار 2/797 - 798.
الذويب المذكور في هذا الشعر الذويب بن موسى والذويب الماذون الوادعي، كان في /292/ عصر الإمام أحمد بن سليمان والسلطان المذكور، وكان ماذوناً له، وهي مرتبة من مراتب أهل الباطِن، يسمَّى صاحبها ماذوناً، وقبر الذويب المذكور بحوث، وكان باطنياً مع أن هذا المذهب في الظاهر غريب، لكن المال والسلطان أظهراه، وكان الذويب صاحباً لمحمد بن زياد الماربي الشاعر المفلق، ولعله يأتي ذكره، فقد ينسب إلى الزيديَّة - رحمهم الله - وإن كان متهتكاً ميّالاً إلى الدنيا، وقد مدح الناس والملوك، وأجاد ماشاء في مديح المفضَّل بن أبي البركات، ولم يحظ بطائل من نائل، فقدم الذويب بن موسى برسالة من جعفر بن محمد بن جعفر بن القاسم الحسني الرسي الأمير بشهارة علَى المفضل، فدخل عليه ذات يوم وعنده ندماؤه، وقد انتشى فأنشده من أشعار المازبي في مدائحه ما هزَّه، وارتاح له، فقال: ما تقول في هذا؟ قال: محمد بن زياد المازبي، قال: لئن وقعت عيني عليه لأغنيه(1)، فأمر إليه يصل من حيث كان، وكان بنجران فوصل، وامتدحه فأعطاه ألف دينار، ثم ألف بعد ألف حتى صار من أغنى الناس، لكنه كان المارني متلافاً لا يبقي لنفسه شيئاً، وعلي المذكور في شعر حاتم هو علي بن جراح(2) الشاكري، ومثل ما نقل الأمير الحسين، نقل السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير - رحمه الله - ونقل عن الإمام أحمد بن سليمان ما نقله الأمير الحسين.
قال السيد الصارم، قال الإمام - يعني أحمد بن سليمان - السلطان علي بن حاتم مبائن للباطنيَّة وأبوه حاتم قتلوه(3).
__________
(1) في (ب): لأغنينه.
(2) في (ب): حراج.
(3) ظنن عليها في (ب) بقوله: ظ وأبوه حاتم قبله.
قلت: علي المذكور في الشعر علي بن حراج الشاكري، والذويب أظنه هو الماذون كما سبق، وفي عبارة السيد صارم الدين أن الذويب وعلي بن حراج وأحمد بن عبد الله هم المذكورون في هذا البيت، وهذا أصرح شيء مما هو عليه ولا سيما من هذه الطريق، وأمَّا عداوته للإمام ونكثه وبغيه فأمر لا يخرجه عن الانتماء إلى غير الباطنيَّة، فكثير من الزيدية المائلين إلى الرِّئاسة قد فعل، وأضله الله على علم، ومن شعر السلطان في الإمام قوله:
رأيت إماماً لم ير الناس مثله ... أبرّ وأوفى للطَّريد المشَّردِ
عفا ووفى حتى كأني عنده ... أخ أو حميم لستُ عنه بمبعدِ
ومما قاله أخوه أسعد:
ملكت فاسجح منعماً يا بن فاطمٍ ... وشيَّد مباني هاشمٍ ذي المكارمِ
إلى قوله:
فإن كنتَ قد بلغت عني مقالةً ... فقد تبت يا مولاي توبة نادمِ
وكان السلطان المذكور مع ما وصفناه من معارفه له معرفة بالطب والنجوم/293/ وغيرها، وله أشعار وأخبار، ولم أنقل له(1) إلا مستغرباً لزيديته، وفي أولاده من يتظهر بالتزيد والمحبَّة كعلي بن سعد بن علي بن حاتم، كان محباً مخلصاً، وعلي بن حاتم المذكور الذي استعان به الإمام أحمد بن سليمان جليل القدر، وكانت صنعاء بيده بعد أبيه، فلمَّا خرج سيف الإسلام تحصَّن بأهله بذي (مرمر)، وأمَّا محمد بن حاتم العالم الشاعر فهو مصنف كتاب (الصريح)، وعقبه على ما يقال قضاة غولة (سعوان)، وقد يلتبس السلطان حاتم بحاتم بن الغشم، وحاتم بن القبيب بجوامع جمعتهم توجب اللبس، فبنو القبيب نسبهم يلتقي بحاتم بن أحمد في الغوث بن الغز لأنهم بنو القبيب بن سعد بن الغوث، وأما بنو الغشم فهم من آل عبيد بن أوام بن حجور بن أسلم بن عليان بن زيد بن غريب بن جشم بن حاشد، هذا ما وضح لي من نسبهم، وقد نسبهم بعض السَّادة من آل الوزير جميعاً إلى الحجازيين القادمين لقصر الصليحي وهو مشهور، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): ولم أنقل إلا مستغرباً.
حاتم بن الغشم(1)[…ـ 505 ه ]
/294/ حاتم بن الغشم اتفق له قضيَّة مع أبي السعود الأبهري، وفيها دلالة على كمال حاتم، وذلك أنه لما عقل ملوك همدان سباء بن أحمد بن المظفر الصليحي، وزريع بن العباس اليامي، والمفضل بن أبي البركات الحميري، والحرَّة الصليحيَّة عن صنعاء لسبب غزوهم لأبين ولحج تحدَّث بنو شهاب لغزو صنعاء لقلَّة من فيها، فاتفق حضور أبي السعود، فقال: يا مَوالي، هذا غير صواب؛ لأن صنعاء لا تفتح بالهوينا، وفيها حاتم بن الغشم، وأنتم غير مستبقين للمظفر، فإذا غلبتم قصدتم إلى بلادكم، وكانت الذلة، فسمعوا مشورته، ولم يكن لأبي السعود غرض غير النصح المحض لقومه، فبلغ حاتماً ذلك واتفق دخول أبي السعود صنعاء لبعض حوائجه، فلم يشعر إلا برسولٍ حاتم، ففزع فأمَّنه، ثم دخل إليه فتلقاه إلى الحجرة من داره بالترحيب والتكريم، وقال: أهلاً بك يا أبا حسَّان ثم أمره بالجلوس في موضع كرامَة من المجلس، ولم يدر أبو السعود ما السبب؟
وقيل: إنه أحضر طعاماً للإكرام، واعتذر أبو السعود عنه، ثم إن حاتماً أمر خادمه سعيد بن نصرة فأتى بدفترٍ تسميَه كتاب الحسنات والسيئات، فعلم منه على موضع من باب الحسنات، ثم ناوَله أبا السعود، وإذا فيه أبو السعود بن أبي ثور رجل من الشيعة حضر مشورة بني شهاب فقال: كذا وكذا، وإذا هو قد أثبت جميع كلام أبي السعود، ثم أمر له بمائة دينار وجبة وقميص وثوب وعمامة، فلم يقبل لكنه سأله أن يسهل له الحجاب.
الحارث بن سعيد بن حمدان(2) [320ـ 357 ه ]
__________
(1) الأعلام 2/152.
(2) الأعلام 2/155 وانظر بقية مصادر الترجمة فيه.
الأمير الهمام المتفق على جلالته، خاتمة الملوك الشعراء ولي آل محمد أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان - رحمه الله - من بيت أناف شرفه، وأشرقت على النيرات غرفه، جمعوا كل فضلٍ، وحازوا كل خصل، ألسنتهم للفصاحة، ووجوههم للصباحة، وأكفهم للسماحة، وكان أبو فراس في سماء معاليهم بدراً، وفي محافلهم الزاهرة صدراً، عدَّه في الزيدية، وعدّ أهل بيته الإمام المنصور بالله في كتابه الشافي، وغير الإمام أيضاً من علماء العراق.
قال الثعالبي في حقه: كان فرد دهره، شمس(1) عصره أدباً وفضلاً، وكرماً ونبلاً، ومجداً وبلاغة وفراعة،(2) وفروسيَّة وشجاعة ، وشعره سائر مشهور بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع وسمة الظرف وعزّة الملك، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز، وأبي فراس يُعَدُّ أشعر منه عند أهل الصنعة ونقَدة الكلام، وكان الصاحب يقول: بُدِئ الشعر بملك - يعني امرئَ القيس - وختم بملك - يعني أبا فراس - وكان المتنبي يشهد له بالتقدم ويتحامى جانبه، ولا(3) ينبري لمباراته، ولا يجتري على مجاراته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان /295/ مهيباً له وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً، وكان سيف الدَّولة معجباً جداً بمحاسن أبي فراس وتميزه بالإكرام على سائر قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه في غزواته، ويستخلفه على أعماله، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ويوفيه حق سؤدده، ويجمع بين آدابي السيف والقلم في خدمته، حكى ابن خالويه قال: كتب أبو فراس إلى سيف الدولة وقد شخص من حضرته إلى منزله بمنبج كتاباً صدره: كتابي أطال الله بقاء مولانا من المنزل، وقد وردته ورود العالم(4) الغانم، مثقل الظهر وقراً وشكراً، فاستحسن سيف الدولة بلاغته، ووصف براعته، وبلغ أبا فراس ذلك فكتب إليه:
هل للفصاحة والسما ... حة والعلا عني محيد
إذ(5) أنت سيدي الذي ... ربيتني فإني(6) سعيد
في كل يومٍ استفيـ ... ـد من العلا(7) واستزيد
وكتب إليه يعاتبه:
قد كنت عدَّتي التي أسطو بها ... ويدي إذا اشتد الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملَّته ... والمرء يشرق بالزلال الباردِ
__________
(1) في (ب): وشمس.
(2) في (ب): وبراعة.
(3) في (ب): فلا ينبري.
(4) في (ب): السالم الغانم.
(5) في (ب): إن أنت.
(6) لعلها: فأنا ليستقيم الوزن.
(7) لعلها: العلاء، ليستقيم الوزن.
وعزم سيف الدَّولة على الغزو واستخلاف أبي فراس(1)، فكتب إليه قصيدة منها:
قالوا: المسير فهزَّ الرمح عامله ... وارتاح في جفنه الصمصامة الخذمُ
حقاً لقد ساءنا قول أمرٌ ذكرت له ... لولا(2) فراقك لم يوجد له ألَمُ
لا تشغلن بأمر الشام تحرسه ... إن الشام على من حلَّه حرمُ
وإن للثغر سوراً من مهابته ... صخوره من أعادي أهله القممُ
لا يحرمني سيف الدين صحبته ... فهي الحياة التي تحيا بها النسمُ
وما اعترضت عليه في أوامره ... لكن سألت ومن عاداته نعمُ
أقول لله در هذه العبارة، ولقد علم اللبيب كيف يقول في هذا المقام العظيم وكتب إليه يستعطفه:
إن لم تجاف عن الذنو ... ب وجدتها فينا كثيرة
لكن عادتك الجميـ ... ـلة أن تغض على بصيرة
ومن شعره في الإخوانيات:
ما كنت مذ كنت إلا طوع خلاَّني ... ليست مؤاخذة الإخوان من شاني
إذا خليلي لم تكثر إساءتُه ... فأين موقع إحساني وغفراني
يجنى عليَّ وأحنو دائماً أبداً ... لا شيء أحسن من حانٍ على جاني
وقال: /296/:
ما صاحبي إلاَّ الذي من بشرهِ ... عنوانه في وجهه ولسانهِ
كم صاحبٍ لم أعنَ عن إنصافهِ ... في عشرة وعنيت عن إحسانهِ
ومن شعره في التشبيه:
كأنما الماء عليه الجسرُ ... درج بياض خط فيه سطرُ
كأننا لما تهيا الغيرُ ... أسرَة موسى حين شق البحرُ
وجلس يوماً في البستان البديع والماء يندرج في البرك، فقال في وصفه - وكل واصفٍ فإنما يشبه الموصوف بما هو من جنس صناعته - وبما تكثر رؤيته له-:
انظر إلى زهر الربيع ... والماء في برك البريع(3)
وإذا الرياح جرت عليـ ... ـه في الذهاب وفي الرجوع
نثرت على بيض الصفا ... ئح بيننا حلق الدروع
وله في الحكمة:
غَنا النفس لمن يعقل ... خير من غِنا المالِ
وفضل الناس في الأنفس ... ليس الفضل في الحال
وقال:
المرء نصب مصائب لا تنقضي ... حتى يُوارَى جسمه في رمسه
__________
(1) في (ب): على الشام.
(2) في (أ): لولى.
(3) ساقط من (أ).
فمؤجل يلقَى الردى في أهله ... ومعجَّل يلقَى الردى في نفسه
وقال:
أنفقْ من الصبرِ الجميلِ فإنه ... لم يخشَ فقراً منفقٌ من صبرهِ
والمرءُ ليس ببالغٍ في أرضهِ ... كالصقر ليس بصائدٍ في وكرهِ
وقال:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
ومن دقائقه - لله دره -:
قمر دون حسنه الأقمارُ ... وكثيب من النقا يستعارُ
وغزال فيه نفار وما ينـ ... ـكر من شيمة الصباء النفارُ
ومن رومياته وهي قصائد ومقاطع من غرره - رحمه الله تعالى - لمَّا أسرته الروم في بعض وقائعها وهو جريح قد أصابه سهم في فخذه، فمن ذلك قوله:
فلا تصفنَّ الحرب عندي فإنها ... طعاميَ مذ بعت الصبا وشرابي
وقد عرفَتْ وقع المسامير مهجتي ... وشقق عن زرق فضول إهابي
ولججت في حلو الزمان ومُرِّه ... وأنفقت من عمري بغير حسابِ
/297/ وله القصيدة الميميَّة الدالَّة على وده الصادق لآل محمد - عليهم السلام - وذلك جواب على ابن سكرة العبَّاسي لمَّا فخر بقصيدته السينية المهملة التي أجاب عنها السيد الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - قالوا: إن أبا فراس خالفه في الروي استحقاراً له:
الدين محترمٌ(1) والحق مهتضمُ ... وفيء آل رسول الله مُقْتَسَمُ
والناس عندك لاناس فتحفظهم ... سوى الرعاء (ولا شاء) ولا نعمُ
إني أبيت قليل النوم أرَّقني ... قلب تخالج فيه الهم والهممُ
وعزمة لا ينام الليل صاحبها ... إلا على ظفر في طيِّه كرمُ
يُصان مهري لأمرٍ لا أبوح به ... والدرع والرمح والصمصامة الخذمُ
وكل مائرة(2) الصبغين مسرجها ... ريب(3) الجريرة (والخذارف) (4) والقدم(5)
وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا ... يوماً ورأيهم رأي إذا اعتزموا
يا للرجال أما لله منتصرٌ ... من الطغام ولا للدين منتقمُ
__________
(1) لعله: مخترم.
(2) مائرة الصبغين: لم أجدها في القاموس.
(3) في (ب): ريث.
(4) الخذراف: نبات رِبْعي إذا أحسن بالصيف يبس.
(5) في (ب): والقمم.
بنو عليٍّ رعايا في ديارهمُ ... والأمرُ يملكه النسوان والخدمُ
محلؤون(1) فأصفا وردهم كدر ... عند الورود وأوفى وردهم لممُ
في الأرض إلا على أملاكها سعة ... والمال إلا على أربابه ديمُ
وما البعيد بها إلا الذي ظلموا ... وما الغني بها إلا الذي حرموا
للمتقين من الدنيا عواقبها ... وإن تعجَّل منها الظالم الأثمُ
لا يُطغين بني العباس ملكهمُ ... بنو عليٍّ مواليهم وإن رغموا
وتفخرون عليهم لا أباً لكم ... حتى كأن رسول الله جدكمُ
وما توازن يوماً بينكم شرفٌ ... ولا تساوَتْ بكم في موطنٍ قدمُ
ولا لوالدكم مسعاة والدهم ... ولا ينيلكم(2) من أمهم أمم
قام النبيء بها يوم الغدير لهم ... والله يشهد والأملاك (والأجمُ(3))
حتى إذا أصبحت في غير صاحبها ... قامت تنازعها الرويان(4) والرخمُ
وصُيرت بعده شورى كأنهم ... لا يعقلون وُلاة الدين أين همُ
تالله ما جهل الأقوام موضعها ... لكنَّهم كتموا وجه الذي علموا
ثم ادَّعاها بنو العبَّاس إرثهم ... وليس فيها لهم قدمٌ ولا قدمُ(5)
لا يذكرون إذا ما عُصْبَة ذكرت ... ولا يُحَكَّم في مالٍ لهم حكم
/298/
ولا رآهم أبو بكر وصاحبه ... أهلاً لما طلبوا منها وما زعموا
فهل همُ يدَّعوها غير واجبةٍ ... أم هل أئمَّتهم في أخذها ظلموا
أمَّا عليّ فقد أدنى قرابتكم ... عند الولاية لولا تكفر النعمُ
أيُنكر الحبر عبدُ الله نعمته ... أبوكم أم عبيد الله أم قثمُ
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن ... آباهم(6) العلم الهادي وأمَّهمُ
لا بيعة ردعتكم عن دمائهمُ ... ولا يمين ولا قرب ولا ذممُ
هلاَّ صفحتم عن الأسرى بلا سببٍ ... للصافحين ببدر عن أسيركمُ
__________
(1) في (ب): مخلأون.
(2) في (ب): ولا نتيلتكم.
(3) الأَجْم: بالفتح: كل بيت مربع مسطح. (المرجع السابق ص 992).
(4) في (ب): الزويان.
(5) في حاشية (ب): ومالهم قدم فيها ولا قدم.
(6) لعل الصواب أبوهم.
هلاَّ كففتم عن الديباج ألسنكم ... وعن بنات رسول الله شتمكمُ
ما نزهت في رسول الله مهجته ... من السياط فهلاَّ نُزّه الْحَرمُ
كم غدرة لكمُ في الدين فاضحة ... وكم دم لرسول الله عندكمُ
أأنتم آلَه فيما ترون وفي ... أيديكم من بنيه الطاهرين دمُ
هيهات لا قُرّبتْ قربى ولا رحم ... يوماً إذا أقضت الأخلاق والشيمُ
كانت مودَّة سلمانٍ له رحماً ... ولم يكن بين نوح وابنه رحمُ
ما نال منهم بنو حربٍ وإن عظمتْ ... تلك الجرائم إلا دون نيلكمُ(1)
ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت ... عن ابن فاطمة الأقوال والتهمُ
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته ... وأبصروا بعض يوم رشدهم وعمُوا
عصابة شقيت من بعدما سعدت ... ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا
يا بئس ما لقيت منهم وإن بليت ... بجانب الطف تلك الأعظم الرممُ
لا عن أبي مسلمٍ في نصحه صفحوا ... ولا الهبيري يحيى الحلف والقسمُ
ولا الأمان لأزد الموصل اعتمدوا ... فيه الوفاء ولا عن عمهم حلموا
أبلغ لديك بني العباس مالكة ... لا يدَّعي(2) ملكها أملاكها العجمُ
إن المنابر(3) أضحت في منابركم ... وغيركم آمنٌ فيهن محتكمُ
وهل يزيدكم من مفخرٍ علم ... وفي الخلاف عليكم يخفق العلمُ
خلوا الفخار لعلاَّمين إن سئلوا ... يوم الفخار وعمَّالين إن علموا
لا يغضبون لغير الله إن غضبوا ... ولا يضيعون حق الله إن حكموا
ولا ببيت لهم خنثى ينادمهم ... ولا يرى لهم قرد له حشمُ
ما في بيوتهم للخمر معتصرٌ ... ولا ديارهم للسوء معتصمُ
/299/
فالركن والبيت والأستار تعرفهم ... وزمزمٌ والصفا والحجرُ والحرمُ
تنشأ التلاوة من أبياتهم حقباً ... ومن بيوتكم الأوتارُ والنغمُ
منكم عليَّة أم منهم وكان لكم ... شيخ المغنِّين إبراهيم أم لهمُ
__________
(1) سقط بيت من (أ)، وهو في (ب):
يا جاهداً في مساوئهم تكتمها غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
(2) في (ب): لا تدعي.
(3) في (ب): أي المفاخر.
إذا تلوا آيةً غنَّى أمامكم ... قف بالطلول التي لم يعفها القدمُ(1)
/300/ حاشد بن……(2) [ - ]
الفقيه العلامة حاشد بن ……، كان فقيهاً نحوياً مطلعاً فصيحاً من أدباء وقته، وله رسائل وآداب، وكان يسكن وقش المحروس، ومن غريب ما روي عنه المقامة المشهورة إلى الإمام محمد بن المطهر.
حكي أنه كان الإمام المطهر بن يحيى وولده محمد بن المطهر وصلا إلى وقش فدخل الإمام محمد بن المطهر مسجد الشمس - وكان يدعى يومئذ بالأمير عز الدين يريد الطهور - وترك في المسجد شملة صعدية، وفوطة حجية، كانتا عليه، فدخل القاضي حاشد المسجد المذكور، فأعجباه(3) فأنشأ في الوقت مقامة على لسان حالهما يريد الاستحصاء لهما. قال القاضي حاشد: كتبته في قرطاس وتركته عليهما، فلما فرغ الإمام - عليه السلام - من صلاته أعطانيهما ومائة دينار، واعتذر لقلة العطية، فقال: حدث بعض أهل الحضرة، قال: دعاني ولعي بالأسفار، إلى مداومة الأسفار وشجعني طمعي في نيل الأخطار إلى اعتساف ركوب الأخطار، فنهضت من مسقط رأسي، ومقرَّة ربوتي وكناسي، إلى أن أقصد بلداً أسلِّي بها نفسي، وأفرق بين غدي وأمسي، فبينا أنا أسير، وأنا في كهف الهمِّ أسير، إذ هجم السير إلى بلدة قديمة التأسيس، كثيرة الأنيس، قليلة الحسيس، رياضها مخضرَّة، وأزهارها مفترَّة، نسيمها عليل، وأنهارها تسيل:
بلد به ما تشتهي وتريدهُ ... مهج النفوس وما تلذ الأعينُ
الليل فيها مشرق والمزن فيها مغدق والطير فيها معلنُ
__________
(1) قال في (ب): إلى هنا انتهت القصيدة بعد المقابلة إلا أن في بعض أبياتها تقديم وتأخير.
(2) بياض في (أ) و (ب).
(3) لعلها: فأعجبتاه.
فلما علقت بها ركابي، وتعلقتْ بمحبتها أسبابي، تقت إلى أن أحضر بها صلاة الجماعة، وأبدأ بتأدية الفرض في تلك الساعة، فدخلت المسجد محالفاً للخشوع، وراوحتُ منها ما بين السجود والركوع، وحين قضيت المفروض والمسنون، وجنحت من الحركة إلى السكون، نظرت إلى شملةٍ صعديَّة، وفوطة حجيَّة قد برزا للنضال، ومراجعة القيل والقال.
فقالت الشملة: ما أدق غزلي، وألذ وصلي، وأزكى أصلي، وهيهات أن تكون الفوطة مثلي؛ نسجت في علاف، وغسلت بالصَّابون الصاف، وتداولتني أيدي الأشراف، وجُعلت للتجمل فوق اللحاف.
فإذا التحفت فإنني ... لجلالتي فوق الفوطْ
أنا (والسقلاط(1)) المفـ ... ـصل للإمارة في نمطْ
من قال يفضلني الحريـ ... ـر فقد تكلم بالغلطْ
ثم سكتت. فلما سمعت الفوطة فخرها، وأنها تعدَّت طورها جرى دمعها /301/ من التبرم رذاذاً، وقالت: يا ليتني متُّ قبل هذا، أزعمت يا دليلة الحُرافُ ورديَّة الأوصاف، أن تردي بحري،(2) وأن تشركيني في أمري، وأنا من القطن النفيس، والمحمول في الأعنَّة على ظهور العيس(3)، غزلتني البنات الأبكار، ونسجتني أكف الأعمار، فريحي أرج، ومنظري بهج، وقدي غنج وصدر(4) من عدمني حرج، ولهت بمحبتي القلوب، ونسجت في قرية الذنوب، وتنزهت عن درن العيوب، ومن ألقاني عين الدرة، أجهلت هذا أيتها الغرَّة.
فتجهَّزي في خدمتي ... واستغفري عمَّا فَرَطْ
فلقد كذبْتِ وما صدقـ ... ـت وفهْتِ عمداً بالشططْ
وخلطت قولك بالمحا ... ل ولسْتِ أوَّلَ من خَلَطْ
واستخبري عني وعنـ ... ـك وسائلي أهل الشرطْ
__________
(1) السِّقِلاَّط: بكسر السين والجيم: الياسمين، وشيء من صوف تلقيه المرأة على هودجها أو ثياب كتان مُوَشِيَّة، وكأن وَشْيه خاتم. (المرجع السابق 2ص616).
(2) لعلها: بجري.
(3) العيس بالكسر: الإبل البيض يخالط بياضها شُقرة. (المرجع السابق ص518).
(4) في (ب): وبصدر.
ثم سكتت وهي للغيظ كاظمة، ومن حديث الشملة واجمة، فتبجحت الشملة تبجح المذنب، وقالت: يا سيدتي، لم أعتب، فإن كنت قد أخطأت في المقالة، فالإقالة الإقالة، غير أن العجب داخلني، والعقل المستعمل زائلني، حين رأيت شعرتي بيضاء، وحاشيتي سوداء، فظننت أني أحسن الملابس، وأزين ما دخل المجالس:
فالصَّفح أولَى إن سمحـ ... ـت عن التمادي في السخطْ
وعليّ أقسم لا رجعـ ... ـت إلى الذي قد قلت قط
فلما سمعت الفوطة اعتذارها، فاءت إلى صحبتها وجوارها. قال صاحب هذه المقالة: فناجاني وهمي أن أسألهما عن شأنهما، ومن الذي وضعهما في مكانهما.
فقلت لهما: أراكما متعريين عن المالك، متعرِّضين للمهالك، ألستما ممن يدخلكما في رقة، ويجعلكما من جملة رزقة؟ فبدرت الشملة تقول:
أنا في حمى الملك الذي ... لا يُستباح له حمى
نجل الخليفة والذي ... أعطى الجزيل وأنعما
عز الهدى وأعز من ... في كاهل العليا سما
من رام أخذي قاهراً ... رام السُّها والمرزما
ثم أنشأت الشملة تقول:
حمينا به من كل عادٍ وسارقٍ ... ومن ظالمٍ يخشى سطاه ومارقِ
بعزِّ أمير المؤمنين ومن غدَا ... يُقرُّ له بالفضل كلُّ الخلائقِ
ثم قالت: إن أردت التمالك فاسبق قبل أن يلحق، فمن هانت عليه هبَة الفرس والبغلة، هانت عليه هبَة الفوطة والشملة، ومولانا يهتز للنداء والسلام.
/302/ كمل الجزء الأول من مطلع البدور ومجمع البحور، ويتلوه الجزء الثاني(1) فلله الحمد وبه أستعين.
__________
(1) زيادة في (ب): وذلك بعناية سيدي الصنو القاضي العلم العلامة شيعي آل محمد أحمد بن الحسن صالح بن محمد بن أبي الرجال، وذلك بخط الفقير إلى الله تعالى الحسن بن محمد بن صالح بن أبي الرجال غفر الله لهم أجمعين.
مطلع البدور ومجمع البحور
تأليف العلامة المؤرخ
أحمد بن صالح بن أبي الرجال
الجزء الثاني
تحقيق
عبدالسلام عباس الوجيه………محمد يحيى سالم عزان
مركز التراث والبحوث اليمني
بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر وأعن يا كريم
من اسمه الحسن
الحسن بن إبراهيم بن عبد الله
الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، كان وجيهاً متقدماً في الفضل ملموحاً إليه للمقامات العلية والرتب العلوية، وأمه - عليه السلام- أمامة بنت عصمة العامرية من بني جعفر بن كلاب، وكان المهدي العباسي خاف منه فأخذت له منه زوجته منه أماناً لما حج المهدي، وكان المنصور الدوانيقي قد بالغ في طلبه وطلب عيسى بن زيد بعد قتل إبراهيم قتيل باخمراء فلم يقدر عليهما.
الحسن بن إبراهيم بن سليم
الشريف الأمير الكبير الحسن بن إبراهيم بن سليمان(1) [بن الإمام القاسم بن علي بن عبدالله](2) بن محمد بن القاسم الرسي، كان من وجوه الكبراء وعيون الأمراء (فراغ) (3) تلافي مخلاف العضد أيام ابني عمه الأميرين الخطيرين [ذي الشرفين الفاضل] (4) وحصارهم للصليحي.
الحسن بن أحمد بن يحيى [ - 840 ه ]
الحسن بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى السيد الجليل العارف الحسن بن أمير المؤمنين(5) أحمد بن يحيى.
__________
(1) في (أ): سليم، والصحيح سليمان، وكذا في سيرة الأميرين الجليلين، وكان له وقعات كبيرة تضمنتها هذه السيرة، وهو شاعر مجيد انظر بعض شعره ص227 منها.
(2) فراغ في النسخ، ولعل ما أثبتناه هو الصحيح، وسليمان هو من أولاد الإمام القاسم العياني كما ذكره في الحدائق الوردية ص120.
(3) في (ب): ثلا في مخلاف.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): المهدي لدين الله أحمد بن يحيى.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد بن الوزير - رحمه الله -: كان سيداً كاملاً، وهو الذي تولى سيرة أبيه(1)، وغلب عليه حب الإمارة على ما عليه أولاد الأئمة. قال: وتوفي(2) ولا عقب له، وذكره ابن فند - رحمه الله - فقال: كان من الفضلاء الأعيان أهل العلم الكثير والإتقان، انتهى(3).
قال السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله -: قبره مع والده في تابوته يلي الجانب العدني، مات عقيب موت والده - عليه السلام- بأربعين يوماً. قال: وكذا أولاده في الفناء الأكبر سنة أربعين وثمانمائة.
قلت: ووفاة والده أمير المؤمين - عليه السلام- يوم السبت(4) عند طلوع الشمس قدر نصف منزله، ومرض ستة أيام، ومات في اليوم السادس وهو الثاني عشر من شهر صفر سنة أربعين وثمانمائة بالطاعون، وقبره بظفير حجة.
الحسن بن أحمد المهدي بن علي(5) [618 - 646 ه ]
السيد العالم الحسن بن أحمد المهدي(6) بن علي بن المحسن، كان من أهل العلم والفضل، وله تصانيف(7) في أصول الدين، وهو تمام (العقد الثمين في معرفة رب العالمين)، صنف أول العقد السيد إبراهيم بن قاسم من ولد الإمام يوسف إلى مسألة الإرادة، وتممه هذا الأمير، كان مولده نصف ربيع الأول من سنة ثماني عشرة وستمائة، ومات سنة ست(8) وأربعين.
__________
(1) هو كنز الحكماء وروضة العلماء في سيرة الإمام المهدي، منه نسخة خطت سنة 1071هـ في 84 ورقة رقم (2376) مكتبة الأوقاف وثانية رقم (115) تاريخ المكتبة الغربية، وثالثة خطت سنة 1093 بمكتبة السيد محمد بن محمد الكبسي.
(2) في (ب): وتوفى.
(3) مآثر الأبرار ج ص ، مصادر الحبشي 491 التحف شرح الزلف 123، مؤلفات الزيدية 2/389.
(4) في (ب): الأحد.
(5) الجامع الوجيز في مصادر الحبشي 106 مؤلفات الزيدية 2/267 المستطاب. ح تحت التحقيق أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (279).
(6) في (ب): أحمد بن المهدي.
(7) في (ب): وله تصنيف.
(8) في (ب): سبع وأربعين.
الحسن بن أحمد بن قاسم بن علي
السيد الحسن بن أحمد بن قاسم بن علي بن تاج الدين، كان من العلماء الكملاء الفضلاء النبلاء، ذكره صاحب اليتيمة(1) - رحمه الله -.
الحسن بن أحمد بن يوسف
الحسن بن أحمد بن يوسف بن محمد الضهري(2)، هو من فقهاء الشيعة اليحيوية، وكانت له عناية بقراءة الكتب على السلف كمحمد(3) بن الفتح بن يوسف ومحمد بن الفتح، قرأ على المرتضى محمد بن يحيى - عليهما السلام- وكتب ابن الضهري نسخاً من الأحكام كثيرة، وهو من شيوخ الحسن بن داية الآتي ذكره.
قال الشيخ أبو الغمر اللحجي الزيدي: أحسب ابن الضهري ممن انتقل من ناحية صنعاء إلى صعده أو آباؤه.
قال أبو الغمر: ورأيت في كتب فقه مجموعة بخط يحيى بن محمد بن جعفر بن أبي رزين فتاوى وروايات كثيرة عن الأشراف من آل المختار وابن بريه /2/ (فراغ) الطائي وابن الضهري، ورأيت مكتوباً على ظهر نسخة من نسخ الأحكام عن ابن الضهري (فراغ) الهادي إلى الحق - عليه السلام- أكل لحيحاً(4) في موضع، ثم سئل عنه كيف يعمل (فراغ) يعمل بمخ الصلب، فقاءه - عليه السلام- فقأه وقال هذا هو الحرام المحض (فراغ) وهذه رواية لا أدري ما صحتها إذ ليس ما ذكر فيها حاله ظاهر (فراغ) (5) - عليه السلام- يقول عليه(6) إذ قد نص - عليه السلام- على الحلال والحرام (فراغ) والطحال وما أشبهها، ولم يفصح في المخ بشيء، انتهى.
__________
(1) في (ب): التتمة.
(2) نسبة إلى وادي ظهر المعروف من مخاليف صنعاء (طبقات الزيدية ق3 ترجمة 491ج1).
(3) في (أ): لمحمد.
(4) في (أ): نجيحاً، والصحيح لحيحاً أو لحوحاً، وهو رقاق الذرة المعروف يشت على إناء من الفخار ويدسم الإناء الذي توقد النار تحته بمخ دسم لكي ينزع القرص بسهولة.
(5) فراغ في (أ) و (ب).
(6) كذا.
قلت: على أن ذلك بجهة كفار التأويل عند يحيى - عليه السلام- أو أراد (فراغ)(1) السلام خاصة لشدة عيافته وتكرهه لذلك حتى يبلغ (فراغ) حكاية فعل، والله أعلم(2).
الحسن بن أحمد بن أفلح [بعد سنة 378 ه ]
الفقيه العلامة الحسن بن أحمد بن أفلح - رحمه الله - أحد العلماء الكبار والمشيخة الخيار (فراغ) (3).
الحسن بن أحمد الحبيشي [ق8 ه ]
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) الفراغات في الترجمة من الأصل، وفي كتاب الطبقات سمع كتاب الأحكام، للهادي للحق يحيى بن الحسين بن القاسم - عليه السلام - على محمد بن الفتح بن يوسف، وصح له سماعه في شهر ربيع الآخر من شهور سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة ومحمد بن الفتح سمعه على الإمام المرتضى محمد بن يحيى الهادي للحق ومحمد بن يحيى سمعه من أبيه الهادي للحق وسمعه عليه جماعة منهم الشريف علي بن الحارث، ويوسف بن أبي العشيرة، والحسن بن محمد بن داية، وعبدالكريم بن حرار أو نزار، وكان سماعهما عليه سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. (طبقات الزيدية الكبرى، القسم الثالث ج1 ص85 ط1 بتحقيقنا.
(3) في الطبقات الكبرى: سمع الأحكام للهادي للحق من أوله إلى آخره على الحسن بن محمد بن داية، وهو سمعه على الحسن بن أحمد الضهري، وكان سماع الحسن بن أفلح في شهر رمضان سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. قال أبو السعود محمد بن وضاح أخبرني علي بن مطهر بن شهاب، عن أبيه أن هذه الرواية محروسة محفوظة عن الثقاة من مشائخ المتقدمين. قال أبو السعود: نقلت هذه في سناع سنة 472هـ. (الطبقات الكبرى القسم الثالث ج1 ص293 ترجمة 155).
الفقيه العلامة المحقق الحسن بن أحمد بن داود الحبيشي - بالحاء المهملة بعدها باء موحدة من أسفل بعدها ياء مثناة تحتية بعدها شين معجمة - وهو بصيغة التصغير، قيل: منسوب إلى (الحبيشية) من مشارق بلاد يحصب، كان عالماً محققاً، قرأ على العلامة الحسن بن محمد النحوي - رضي الله عنه - وللحبيشي تعليق على الزيادات سماه منتهى الإرادات، أخذ فوائد عن شيخه النحوي - رحمهم الله جميعاً -(1).
الحسن بن أحمد العنسي [ق7 ه ]
__________
(1) لعله من علماء القرن الثامن وأوائل التاسع الهجري، فشيخه النحوي توفى سنة 791هـ. من مؤلفاته: منتهى الإرادات في تحصيل مسائل الزيادات تعليق على الزيادات، أخذ فوائده من شيخه النحوي. قال الحبشي: في الجامع نسخة خطية بعنوان تعليق على الزيادات لعله كتابنا هذا جامع 319 فقه. انظر مصادر الحبشي ص192 المستطاب 2/4خ أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 273.
القاضي العلامة المحقق المتقن الحسن بن أحمد العنسي - رحمه الله - قيل في حقه: لو كان باليمن وحده لعلا صيته وارتفع ذكره، كان علامة محققاً، سكن مسلب من بلاد الظاهر، وهذا من أعلام المائة السابعة، والحسن بن أحمد العنسي العلامة هو الذي استوفد الإمام القاسم بن علي العياني إلى بلاد عنس، وكان قومه أعز أهل اليمن، ولم يكن لهم سلطان، فطلب من الإمام عزمه ففعل، وكان من كبار العلماء، وهذا (فراغ)(1)
__________
(1) خلط في هذه الترجمة بين علمين، لعلهما بنفس الاسم الأول، هو الحسن بن أحمد بن نسر بن مسعود بن عبدالله بن عبدالجبار العنسي، عالم فقيه فرضي، من علماء القر، السابع الهجري، تلقى علومه على العلامة أحمد بن القاسم الشاكري وعلي بن مسعود النويرة، ولعله عاش بعد سنة 665هـ التي فرغ فيها من مؤلفه الوسيط ومن مؤلفاته: الوسيط في الفرائض، ألفه لشيخه علي بن مسعود النويرة، ملخص من كتاب شيخه العصيفري، وفرغ من تأليفه 665هـ، ومن نسخه مخطوطة منها نسخة خطت سنة 953هـ برقم 46 فرائض، وأخرى خطت 1094هـ برقم 22 فرائض، مكتبة الجامع الكبير صنعاء، وأخرى ذكرها الحبشي في الإمبروزيانا، وأخرى خطت سنة 867هـ بمكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة، وله أيضاً كتاب جامع الخلاف في الفرائض، مكتبة الجامع؟ رقم 27 فرائض، وله أيضاً (الدرر في الفرائض) خط سنة 822 مكتبة الجامع رقم 27 فرائض. وله أيضاً رسالة في الرد على من قال: إن الجمعة من فروض الأعيان في سنة 1083هـ بمكتبة آل الهاشمي ضمن مجموع برقم 153. انظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 282 ومصادر الحبشي 261، ومصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن عبدالسلام الوجيه، انظر الفهرس.
أما الثاني الذي استوفد الإمام القاسم العياني إلى بلاد عنس، فهو غير الأول، وقد سهوت في كتاب أعلام المؤلفين فنقلت ترجمة ابن أبي الرجال ولم أتحقق؛ لأن الإمام القاسم العياني [310 - 393]هـ بينه وبين الحسن العنسي الأول حوالي 300 سنة تقريباً.
.
الحسن بن أحمد النعمان
العلامة الحسن بن أحمد النعمان، هو الفقيه اللسان البليغ الحسن بن أحمد النعمان الضمدي من مشاهير المخلاف وعيون أهله من البيت المعمور بالعلوم، قدم صنعاء، وله أشعار منها قصيدته في الإمام شرف الدين، وقرئت هذه القصيدة بمسجد الحشحوش (بالجراف):
على الرملة (الوعساء) رنَّح لي قدا ... فقد فؤادي قدَّة جهزةً قدا(1)
وأضرم نار الحسن في وجناته ... لقتلي فما كانت سلاماً ولا برداً
وأسبل ليل الجعد فوق متونه ... لزورة صب ذاب من صده وجدا
وحاول أن يخفي على رقبائه ... فنم به الخلخال إذ نضَّر اليدّا
فيا من لصب كل شيء يروده ... يردده عن سؤل مهجته رذا
غريق دموع مات إلا أقله ... له زفرات تحرق الحجر الصلدا
يهيجه سجع الحمامة في الضحى ... إلى (جؤذر) لو قابل القمر ارتدا
ثوى كنفي نجد وفي الغور مسكني ... ألا فسقت أمواج دمع الهوى نجدا
/3/ فوا حر قلبي ذيب من لاعج الجوى ... وندَّ لذيذ النوم عني إذا ندا
ووا رحمتا يا رحمتا لي من الهوى ... وقد كنت قبل العشق احسبني جلدا
فلما ابتلاني صرت رقاً لرقه ... فوا عجباً للغيد تستقنص الأسدا
ولست ببدع إن هلكت صبابة ... فدون الذي لاقيت يهلك من أبدا
ويا قاتل الله الغواني إنها ... لأعظم ذنباً من سفوك الدماء عمداً
أذاعوا بأني قد نقضت عهود من ... هويت معاذ الله أن أنقض العهدا
أمثلي لا يرعى مودة شادن ... على وفرة الواشين يمحض لي الودا
نعمت به والدهر مثل(2) جفونه ... وقد عقدت عنا صروف النوى عقداً
ولم أنس لا والله ليلة وصله ... فافرشني زنداً وألخفني نهدا
وبت به أحيا وأفنى صبابة ... واقطف بالتقبيل من خده الوردا
إلى أن بدت رايات صبح كأنه ... محيا أمير المؤمنين رأى الوفدا
إمام الهدى يحيى الذي ظهرت له ... مكارم شتى يحصر(3) الحصر والعدا
__________
(1) في (ب): فقد فوادي قده جهرة قداً.
(2) في (ب): نال.
(3) في (ب): تحصر.
ومن رام(1) عزاً لم يرم قط قبله ... ودوخ كل الأرض واخترم الأعدا
ورد على آل النبي خلافة ... تقمصها بعد الوصي من ارتدا
وألبسها صرف القضاء بزعمها ... سلالة مروان ألا بعدوا بعدا
وقال بنو العباس بل نحن أهلها ... لأنَّا ورثنا بعد خير الورى البردا
فقام أمير المؤمنين بنصرها ... وخلصها فيمن تعدى بها الحدا
وألبسها عزاً ورفعاً وبهجة ... وعدلاً به يستغرق الشكر والحمدا
فلله يحيى تاج آل محمد ... ومنعم من في الأرض من كفه رفدا
ومن سار فينا مثل سيرة جده ... فأصبح شرب الحق من سعيه شهدا
إمام براه الله للحق رحمة ... فكل غوي من هدايته يهدى
فطوبى لنا من معشر قام جدنا ... بيحيى الرضا بحر المكارم مذ جدا
وكف أكف الدهر عنا بسعيه ... كما فل عنا من ضروس الردا حدا
وحكمنا في كل ما كان طارفاً ... وكل (تلاد) لا رأينا له فقدا
فيا أيها البحر الذي موجه الغنى ... إليك نظاماً رائقاً يفصح العقدا
أتاك به عبد يدين بودكم ... فجد غير مأمور لمن أخلص الودا
ودم يا إمام الحق ترجى وتتقى ... وما زلت منصوراً على كافة الأعدا
الحسن بن أحمد بن محمد [ت856 ه ]
/4/ العلامة الفاضل الحسن بن الزاهد أحمد بن العالم الشهير المحدث الحافظ محمد بن أحمد بن حسن بن عقبة، كان عالماً، توفي - رحمه الله - يوم السبت سابع وعشرين من شهر صفر سنة ست وخمسين وثمانمائة، ودفن (بالقرضين) بصعدة، وعنده ولده محمد العلامة - رحمهم الله - وإليه لمح العلامة أحمد بن محمد بن عقبة في قصيدته التي أولها:
أوان على صنعاءبالصرف قد (أخنا) ... وأبدلها عن سهل مرحبها حزنا
فأذكرني عصراً (بساقين) قد مضى ... حنانيك ما أمراه عيشاً وما أهنا
نشأت به حتى إذا ما تميمتي ... فراها شباب قلت هجراً لذا المغنى
إلى أرض صنعا مهرعاً متسرعاً ... لما فرض الباري علي وما سنا
لدى نجباء ماجدين فأمطروا ... نزيلهم من جود صيبهم مزنا
__________
(1) في (ب): نال.
هنيئاً مريئاً منبتاً درراً على ... صفائح سمعٍ حاصد محرز ذهناً
مشائخ تقوى قدس الله سرهم ... وأوسعهم من فيض رحمته منا
إلى أن قال:
ولما ارتقيت الأربعين شرحت من ... غوامض فن الفقه محتجب المعنى
بتذكرة النحوي رفوا محرراً ... فلا يجد النقاد في أيّه طعناً
وعاق عن الاتمام صول حوادث ... تعم وتعمي القلب والعين والأذنا
وأخذ على هذا الأسلوب يصف رحلته عن صنعاء الرحلة الثانية، وذلك بعد استيلاء الترك على صنعاء في رجب سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، فقال منها:
فأزمعت في أثناء ذاك زيارة ... رحلت لها صرفاً غزيرته وهناً(1)
إلى الحسن المذكور لمح بقوله:
بصعدة في القرضين حي سميدع ... وحي أبيه قادم الابن في السكنى
الحسن بن أحمد بن صالح اليوسفي(2)[ت1071هـ وقيل سنة 1070 ه ]
القاضي العلامة الحسن بن أحمد بن صالح اليوسفي الجمالي المعروف بالحيمي، كان - رحمه الله - من عيون الزمان وحيداً في صفات الفضل منقطع القرين في كل فضيلة، يعد في الحكام، بل هو الحري بقول أبي الطيب المتنبي:
قاض إذا التبس الأمران عَنَّ له ... رأي يفرق بين الماء واللبن
__________
(1) في (ب): وحَناً.
(2) انظر مؤلفاته ومصادر ترجمته في كتاب أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 274.
وهو في العلماء الجلة محقق في الفقه، وأشرف على(1) العربية وبآخرةٍ من أيامه أعاد الله من بركته، أشرف على أيام العرب إشرافاً كلياً، وعلى الأمثال حتى كان يأتي على أمثال المستقصي غيباً مع علمه بصاحب المثل وقصته ، وعرف الحديث، ومع ذلك معدود في أعيان الدولة المحمدية /5/ النبوية، فإنه صحب [الإمام](2) المؤيد بالله وجعله سفيراً له إلى ولده سيف الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين أيام بُعده إلى جهة يافع، فأحسن القاضي السفارة وحمد أثره وانتضمت به الأمور، وأما الإمام المتوكل على الله فكان القاضي أحد أساطين الدولة من الكفاة الناهضين في الوزارة والمشورة، وهو السابق في هذا المضمار، هو عذيقها المرجب وجذيلها المحكك، وهو من أبرع الكتاب في الحضرة، وله مع ذلك ولايات وأمور منوطة به نحو أقاليم الحيمة، وكانت أعمال كوكبان تصدر وتورد عن رأيه، ومع هذه الكلف كان صدره أوسع من الدهناء وعظائم الواردات لا تغير له ذهناً، لأصحابه منه الحظ الأوفر من الأدبيات والملاطفات الإخوانيات توالتدريس في العلوم على أكمل وجه، وكان مظهره مظهر أمير، وقلبه قلب مستكين خاشع فقير، أقول هذا ولا ينبئك مثل خبير، فلقد كنت منه بمنزلة الأخ(3) الشقيق، والحميم الرفيق الشفيق، أعرف أحواله - رضي الله عنه - إجمالاً وتفصيلاً، وكانت له في النظم[والنثر](4) يد طولى، وسابقة أولى، وبالجملة فما من فضيلة يحتاج أهلها إلى شيوخها عند مهماتهم [إلا] (5) وهو في ذلك بغية الطالب ووجهه الإمام المتوكل على الله - أدام الله أيامه، وأعلى على جميع الأعلام في الخافقين راياته الخافقة وأعلامه - إلى جهة حضرموت لما اتفقت الفرقة بين السلاطين آل كثير منهم من تخلف عن رسوم رسمت عليه، فقدمه الإمام يفتقد معالم الحق، ومن هو على قدم الصدق من السلاطين ، ومن تنكب عن
__________
(1) في (أ): في العربية.
(2) زيادة في (ب).
(3) في (ب): الصنو.
(4) زيادة في (ب).
(5) زيادة في (ب).
السداد منهم، ويزيل المناكير، ويظهر المعالم، ويقرر من القضاة من رضيه، ففعل - رحمه الله - ذلك، وكان فتحاً مبيناً ومقدمة لنزول الجنود المتوكلية تحت لواء المولى زعيم المسلمين أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين كما ذلك مبسوط فيما أحسبه بالسيرة المتوكلية، وكان الإمام - عليه السلام- قد وجه القاضي شرف الدين داعياً إلى مدينة دنيبا من أعمال الحبشة إلى السلطان سحيم(1) وذلك أن السلطان أرسل مراسلة أطمع في نفسه، وأفهم أنه قابل للحق، فسارع الإمام إلى إرسال رجل من ورثة الأنبياء، فإن ذلك كبعثه نبي مع اتساع الإقليم، فتوجه من بندر المخا نصف شعبان سنة سبع وخمسين وألف، وتقدم في طائفة من المسلمين نحو خمسين رجلاً، ولست بالمحصي لعدهم يقيناً، فاستقر(2) ببندر (بثلول)، وتزوج ابنة السلطان سعد الدين بن كامل الديلكي(3) صنو السلطان سحيم، وكان السلطان يومئذ هو سحيم المذكور، وأقام نحو خمسين يوماً، ثم توجه فلبث في الطريق مدة مجموعها من وقت شخوصه إلى دخوله محل السلطان تسعة أشهر، ولقي في الطريق أهوالاً جساماً، ولكن الله سبحانه تولاه وتولى من معه بحياطته، ولما وصلوا إلى السلطان كان ذلك اليوم(4) يوم عيد للنصارى، فتقدم القاضي وقد أظهر السلطان بشارته(5) وأبهته، وجَمعَ مرازبته /6/ وكبار مملكته، فدخل القاضي - رضي الله عنه - لابساً لشعار الإسلام من الثياب البيض، وكان معه من الفقهاء جماعة، فعظم وصوله، وكان السلطان غير مريد لما فهموه منه إنما مقصده مراسلة الملوك للملوك، وأنه يرسل إلى مقامه رسول يفاوضه(6) في إصلاح طريق الحبشة من أطراف الحبشة مما يسامت المخا إلى دنيبا، ومع ذلك فهو يريد الفخر بالمراسلة، فلما استقر القاضي أراد السلطان أن يخلع عليه فوجه بخلعة من الحرير الخالص وسوارين من ذهب خالص، فقال
__________
(1) في (ب): سجد.
(2) في (ب): واستقر.
(3) في (ب): الديلكي.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): سشارته.
(6) في (ب): مفاوضة.
القاضي - رحمه الله -: هذا لا يحل في شريعتنا، فتوجه إليه بأعيان من أصحابه، فقال: هذا لا يحل، وأنا والحمد لله من حملة العلم المحمدي، فما أخالف، وقد كان النصارى غضبوا قبيل هذا على عالم لهم يسمى الأبون بلسانهم، وكل عالم يكون بذلك المنصب يسمونه الأبون، فعابوا عليه أشياء، ففعلوا به أموراً فات عني تحقيقها، فقال لهم القاضي لما لم يرضوا عنه: ألستم عبتم على الأبون مخالفته للشريعة العيسوية؟ قالوا: نعم، قال: وهذه إن فعلتها في الملة المحمدية هفوة أخاف ألاَّ أجد الإقالة فيها، فسأل السلطان رجلاً بخارياً يزعم أنه شريف، له بعض فقه عن هذا، فقال الأمر كما قال القاضي هو محرم في شرع محمد - صلوات الله عليه - فقال له السلطان: فما بالك تلبس الحرير؟ قال: أما أنا فوجدتكم على هذه الحالة، فتركت ديني أو كما قال، فأعفاه السلطان عن لبس ذلك حينئذ، ولكن القاضي تلقى ذلك بالقبول واتخذ به موئلاً لأولاده ومزدرعاً؛ لأنه استطاب ذلك الوجه واستقر عند السلطان وهو مبجل معظم لا يعبأ بالسلطان ولا أخلاقه الكافرة، بل ظهر صيته وعلت كلمته حتى كان أصحابه يبطشون بالنصارى ويضربونهم، وشاع عندهم أن العرب تأكل الناس، فهابوهم، ولقد وصف لي - رحمه الله - أن بعض النساء المسلمات رغبت في دين النصارى للتزويج(1) برجل منهم، وكان لها بنت رغبت(2) في البقاء في الإسلام، فرام النصارى الذين تزوجت أمها منهم إدخالها في دينهم قسراً فهربت إلى بيت القاضي، فجاؤوا إلى ذلك المحل في وقت الأصيل، والقاضي متنزه في صحراء أمام منزله وعنده أخوه الفقيه المجاهد محمد بن أحمد الحيمي.
__________
(1) في (ب): للتزوج.
(2) زيادة في (ب).
قال - رحمه الله -: وعليهم سلاحهم وعدتهم، وهم أهل أبدان بسيطة وروا وفيهم العدد، فتلقاهم محمد بن أحمد صنو القاضي بسيفه، فلم يستقم في وجهه أحد، وهم فيما أحسب أكثر من عشرين رجلاً، وضرب واحداً منهم بالسيف وهابهم الأقرب والأبعد، وخاف السلطان سطوة القاضي ولم يجد مناصاً، فتربص للقاضي - رحمه الله - الدوائر وتنزه السلطان إلى فوق بحر النيل وسعى بعض السفهاء بتحريق محل القاضي وهو من (الخص)، فاحترق مكان القاضي وبعض النفائس التي كانت معه من كتب وغيرها، ثم وقاه الله فتحرز، ثم أن القاضي طالب السلطان في إيابه إلى الديار الإسلامية /7/ فتثاقل عنه، فتوسل بوزير من الوزراء.
قال القاضي - رحمه الله -: هو أعقل من رأيت منهم. فقال للقاضي: يا قاضي هذا السلطان قد فضحنا إليك، ولكن متى كان في الظهيرة غداً، قلنا للسلطان يترك شرب الخمر لتجتمع به، فركن القاضي على هذا، فلما كان في الظهيرة أو قبيلها توجه في أصحابه لذلك الموقف كما سبق الوعد به من الوزير، فأقبلوا على دار السلطان وهي دار لا نظير لها ولا شبيه، عمرها بعض الأفاقيين للسلطان على أسلوب غريب، فوصل القاضي إلى قرب الدار وقد انتشر الخدم في الأبواب وفتحت الطاقات، وهيأت أحوال السكر، واجتمع أهله، فلم يشعروا إلا بالقاضي - رحمه الله - فعشر الرماة الذين بين يديه فهرب السلطان من إيوانه وهرب الوزراء والخدم وأجفلوا إجفال الظبا، فدخل القاضي والدار يباب لو أراد ما أراد تمكن، فلما عرف الوزير السابق ذكره أولاً النكتة سارع إلى القاضي واعتذر بأنه لما يتقدم إلى السلطان في هذا المطلب فأمهله القاضي، واجتمع بالسلطان وأخذ في أهبة توجيه(1) القاضي فوجهه بعد مدة، وكان مجموع مدة إقامته عند السلطان نحو ثلاث سنين، ووجه معه السلطان وزراء الضيافة فاتفقت في الطريق كائنات لولا وقاية الله والرجوع إلى الحزم والنجدة ما عادوا، فلله الحمد رب الإحسان، ووصل القاضي إلى شهارة، فلقاه الإمام - عليه السلام-(2) الطبول، وعظمه كثيراً، ثم لم يزل في الحضرة أو في منزله بشبام لمهمات لا يقوم بها غيره، وقد صنف رسالة مشتملة على أحوال هذه الرحلة، وفيها عجائب وغرائب(3)، ومن أعجب ما أكتبه هنا ما أخبرني به أن في إقليم الحبشة سحائب تمطر
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): عليه الصلاة والسلام.
(3) تسمى (حديقة النظر وبهجة الفكر في عجائب السفر) من نسخة برقم 70 تاريخ غربية وأخرى ضمن مجموع 216 غربية باسم الروضة الندية في تحقيق الرحلة الحبشية) وقد طبع في ألمانيا ثم أعيد طبعه في مصر سنة 1958م و سنة 1972م ومنه نسخة خطية في مكتبة السيد العلامة محمد بن محمد الكبسي.
النار، وليس لها وبل غير النار، فيقع على البلد فيهلكه وسحائبها معروفة، وهي لا تزال على ذلك، ولا يستغرب أهل الحبشة أمرها، ومن شعره أيام إقامته هنالك:
على كل سعي في الصلاح ثواب ... وكل اجتهاد في الرشاد صواب
وليس على الإنسان إدراك غاية ... ودون مداها للعيون(1) حجاب
ولو علم الساعون غاية أمرهم ... لما كان شخص بالشرور يصاب
فقل لأمير المؤمنين لقد دعا ... وحق له بعد الدعاء يجاب
ولكن دعا قوماً يظنون أنهم ... رموا غرضاً في دينهم فأصابوا
تراءى لهم لمع فهم يحسبونه ... شراباً فأضحى ذاك وهو سراب
يقولون إن الله جل جلاله ... هو الروح عيسى إن ذا لعجاب
وحيناً وقالوا بالأقانيم فرية ... فيحصرها ضبط لهم وحساب
وقالوا هي الرب الثلاثة كلها ... بذلك أفتت فرقة وأجابوا
/8/ولكن يقولون الثلاثة واحد ... وهن لتكميل الإله نصاب
وهذا ضلال بَيّنٌ وجهالة ... تفطَّر منه الصم وهي صلاب
عذيري من دين خسيس مآله ... نكال وخزي دائم وعذاب
لقد ضاق ذرعي لاحتباسي بأرضهم ... وكدَّر مني مطعم وشراب
وحبَّب أوطاني إلي بأن لي ... بها جيرة طاب الزمان وطابوا
وللعدل والتوحيد منها مسارح ... وربع مُنيفٌ شامخ وجناب
فهل لي إلى تلك المنازل عودة ... وهل لي إليها مرجع ومآب
وهل أَرِدنّ للشرع مورده الذي ... تدل عليه سنةٌ وكتاب
وهل أسمعن؟ صوت المنادي بجمعة ... ينادي بأعلى صوته فيجاب
وهل أنظر الدار التي ضربت لها ... مدارس علم حولها وقباب
فإن لم يكن يا دهر عتباً فطالما ... عتبت فلم ينفع لديك عتاب
ولكنني أقفو مقالة شاعر ... فللقول حكم بالغ ولباب
إلى الله أشكو أنني في منازل ... تحكم في آسادهن كلاب
تمر الليالي ليس للنفع موضع ... لدي ولا للمعتفين جناب
أرى الكفر مقشوع القناع وأهله ... يظنونه خيراً فخاب وخابوا
فشمر أمير المؤمنين لحربهم ... فهم نقد(2) البيدا وأنت عقاب
__________
(1) في (ب): للعيوب.
(2) في (أ): بعد.
وأنت سليل القاسم القائم الذي ... رمت شهبه أهل الضلال فغابوا
إذا طلعت منهم طلائع مارد ... تلقاه من تلك الرجوم شهاب
وناد بني المنصور من آل قاسم ... تجدهم ليوث الحرب ليس تَهابُ
وقل يا بني الهادي أجيبوا إمامكم ... يجبك شيوخ منهم وشبابُ
يفادون بالأرواح دون إمامهم ... ويصدق طعن منهم وضراب
وناد بأبناء المكرم حمزة ... يجبك سيوف منهم وحراب
إذا صبح الأعداء منهم سرية ... تصب منهم جيشاً وليس تصاب
ولا تنس أشراف القواسم إنهم ... أسود لديها صولة ووثاب
هم السم للأعدا يرون قتالهم ... يسيراً وإن قالوا الحروب صعاب
وناد بني الحور الكرام بأسرهم ... لتجلب خيل منهم وركاب
هم القوم كل القوم يا أم مالك ... على الحرب شب الأصغرون وشابوا
/9/ ومن كان من آل الحسين فإنهم ... هم الغلب يوماً كان فيه غلاب
أولئك أبناء الشهيد الذي به ... أصبنا وكم غم القلوب مصاب
ومن بعد هذا ناد من كان يقتدي ... بزيد إماماً حبذاك صحاب
فهم نعم أشياعٍ لآل محمد ... ونعم رجال النائبات حساب
إذا أقبلت يوماً طوائف جمعهم ... يضيق لهم عن سبطهن رحاب
فحسبك بعد الله من قد ذكرته ... ويمطر بالنصر العزيز سحاب
ولا تسمعن قول العذول فربما ... يشير بقول بالخمول يشاب
يقول بلاد الكافرين بعيدة ... وقد حال من دون البعيد عباب
وكل مشير لا يرى غير ظنه ... وليس على ما يقتضيه يعاب
ورأي الذي قد شاهد الحال راجح ... على رأي من لم يشهدوه وغابوا
ولله علم سابق في أمورنا ... فما كان فيه ليس عنه ذهاب
فيا رب وفقنا وأيد إمامنا ... فأنت لكل في الأمور مثاب
وصل على المختار والآل ما جرى ... على كل حال في الزمان خطاب
وأصحابه الغر الذين مشوا على ... مناهجه فيما يدين وجابوا
وله - رحمه الله - أيام إقامته:
من لقلب ولطرف ما هجعٍ ... ولصب لم يزل حلف الوجعْ
ولمحزون نأى عن داره ... وعن الأحباب كيف المرتجع
كل يوم وله من همه ... ما أطار النوم عنه ووزع
وأشاب الرأس من أهواله ... وتجلّى بالجلا بعد الضلع
أنكرت عينيّ ما تألفه ... وتجافى الجنب طيب المضطجع
ولقد زاد فؤادي وصباً ... ما رأت عيناي من أهل البدع
صرت في أرض قليل خيرها ... وكثير الشر فيها يصطنع
أهلها صنفان أما فرقة ... فنفت خالقها فيما صنع
جعلت رباً نبياً مرسلاً ... جاء بالصدق وبالحق صدع
ثلَّثوه وهو رب واحد ... جل عن ذلك ربي وارتفع
لم يلد كلا ولم يولد ولا ... شاركه(1) [من] أحد فيما ابتدع
إن رباً صلبوه عنوة ... بيد الأعداء ما فيه طمع
/10/ كيف يرجى بعد هذا نفعه ... وهو لما احتاج ما قط نفع
قهروه وهو رب قاهر ... بطل الوصف بهذا واندفع
قد زعمتم ذاك فيما بينكم ... كيف رب ظلموه ما منع
وجهلتم أن ربي صانه ... وإلى السبع السموات طلع
جاءكم عيسى بقولٍ بيّنٍ ... سمع البعض وبعض ما استمع
إنه عبدٌ نبيٌّ مرسلٌ ... دينه التوحيد لكن لم يطع
إن ديناً هذه أحكامه ... ضيق ليس به من متسع
يفضح الإنسان إن دان به ... ويريه الخزي في يوم الفزع
ورأينا فرقةً ظالمة ... تركب الفحش وتأتي بالقذع
تدعي الإسلام لكن ما درت ... شارع الإسلام ما كان شرع
ينظر المنكر في ساحاتهم ... وعليه الناس جمعاً وجمع
لا ترى لله منهم طاعة ... سيما الاثنين وايام الجمع
رب مشغول بأسباب الهوى ... يَتبع اللهو تراه يتبع
عشق الخمرة لا يثنيه عن ... حبها لاح ولا عنه نزع
أبداً لا ترتجى توبته ... وإذا استرجع فيها ما رجع
وإذا بصَّرته سبل الهدى ... فبعينيه عن الرشد لمع(2)
قلبه الأغلف في حيرته ... ختم الله عليه وطبع
آمنوا بالجبت من طاغوتهم ... فهو في فصل الشجار المنتجع
ما لقول الله أو قول النبي ... أبداً عندهم من مستمع
آه من حزن لدين المصطفى ... قد رأيناه على صلع ربع
فلعل الله أن يرفعه ... ويرى الكفر يقيناً قد خضع
__________
(1) العجز غير موزون إلاَّ إذا سُكّنت الهاء.
(2) لمع: لَمَع بالشيء: ذهب. (القاموس المحيط، ص 703).
ويديل الحق من أعدائه ... وضليع الكفر يضحي قد ضلع
بيد القائم نجل المصطفى ... خير من صام وصلى وركع
كم جموعِ للخنا شتتها ... وشتات في رضا الله جمع
يا بني المنصور أنتم عصبة ... أسد حرب ليس يثنيها الجزع
فانصروا الداعي منكم واذكروا ... حرب بدر ثم ردوه جذع
/11/ فالذي قام بها والدكم ... وجبال الكفر فيها قد صدع
والفتى إن يتَّبع والده ... فهو شيء لم يكن بالمبتدع
جاهدوا الكفار في الله فقد ... شمت برق النصر عن ذاك لمع
طهروا بيعتهم عن رجسهم ... فعسى تطهر هاتيك البيع
أنتم السادات من كل الورى ... ورؤوس الناس والناس تبع
أنتم كالشهب مثلاً قاله ... جدكم والشيعة أمثال القزع؟
قل لمن فاخر آل المصطفى ... هل محل النجم يرقى يا لكع؟
فهم حراس دين المصطفى ... وبهم من عاند الشرع انقمع
وصلاة الله مني ما سرى(1) ... في الدجى برق وما الطير سجع
تبلغ المختار عني دائماً ... وعلى عترته أهل الورع
وعلى أصحابه أهل الهدى ... ما ارتدى الجو بسحب والتفع
وكانت له - رحمه الله - القصائد الغر الإخوانيات والحكميات، وطالما راسلنا(2) بالشعر، وله في الرؤيا ما يشهد أنه من نوع النبوءة (والحكم)(3)، ولما انتقل إلى جوار الله في ذي الحجة عام واحدٍ وسبعين وألف سنة، كان يقول عند النزع: بل الرفيق الأعلى. ورأيت له من الرؤيا الصالحة أشياء كثيرة حضرني ما أخبرني به السيد العالم محمد بن عبد الله القطابري اليحيوي - أبقاه الله -.
__________
(1) في (ب): شرى.
(2) في (أ): أرسلنا.
(3) ساقط من (ب).
قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأمرني أن أكتب كتاباً إلى القاضي الحسن (بن أحمد)(1) الحيمي، كأنه أيام موته، فقال: اكتب إلى ولدي الحسن بن أحمد الحيمي، هكذا رواه. وعمر عليه ولده العلامة بدر الدين محمد بن الحسن بن أحمد الحيمي مشهداً رغبة في الطاعة حول أبيه، والولد المذكور العلامة(2) من عيون الوقت في علمه وأدبه(3) وفصاحته، وله أخوان نجيبان إن شاء الله، ورثى القاضي المذكور فُضلاَء، وقلت قصيدة لترثيته - رحمه الله - بل قصائد، ولكني أستحسن هنا ما كتبته عقيب موته واعظاً لنفسي لمكان خصوصته - رحمه الله - فهو مثير القريحة لهذه الكلمة المكلومة:
رويدكما فالعتب ضر فؤادي ... كفى ما ألاقي من عنا وسهادِ
إذا السحب شنت ماءها شن مدمعي ... أروّي كما رَوَّتْ فلا وبوادي
أنوح كما ناح الحمام لشجوه ... كلانا معنَّى بالغرام وصادي
ولكنها تبكي على الدوح إلفها ... من الورق(4) إذ كن الجميع شواد
يغنين فوق الأثل والأثل مائل(5) ... له من مغاني الساجعات تهاد
ليبكي لها من كان في الشجو مثلها ... وكل شجي للشجي ينادي
ومن طبع أرباب القلوب بكاؤهم ... إذا سمعوا بين الخمائل شادِ /12/
وإن عبرت ريح النسيم ترنحوا ... وباحوا بأسرار فهن بوادِ
وما أنا إلا واحد في عدادهم ... علقت بهم من بعد بُعد مهادي
ولكن لهم شجوٌ ولي غير شجوهم ... ويجمعنا أنا الجميع صواد
فإن(6) دموع العين مني ومنهم ... جواد جرى في الخد إثر جواد
ولكنني لم أبك من فقد لَعْلَعٍ ... ولا هاج قلبي ذكر عهد سعاد
ولكن تذكرت القلوب(7) فأفلقت ... فؤادي وعوَّضت الكرى بسهادي
مضى العمر مني والشبيبة أعرضت ... وغير صبغ الشيب صبغ فؤادي(8)
__________
(1) ساقط من (ب).
(2) في (ب): والوالد العلامة المذكور.
(3) في (ب): وآدابه.
(4) الورْق: جمع ورقاء، وهي اليمامة.
(5) في (أ): والأثل دونه.
(6) في (ب): وأن.
(7) في (ب): الذنوب.
(8) في (ب): سوادي.
وفي كل يوم ارتجي لي توبة ... وقلبي من وادٍ يسير لواد
كأني في أمن من الموت والبلى ... وكيف أماني والنذير مناد
وفي كل يوم من أخلاء راحل ... له قائد نحو الممات وحاد
وكانوا أخلاء الصفاء وجيرتي ... أود فداهم لو يساعد فاد
كفى واعظاً لي واحد بعد واحد ... ولو كان قلبي من أصن جماد
كفى واعظاً موت الذي قد ألفته ... وأمحضه في الله صفو ودادي
نزيل فؤادي قدس الله روحه ... وعظم أجري في نزيل فؤادي
تخيرته للود في الله والإخا ... فأسعفني سؤل ونلت مرادي
ونلت أخاً ليث وغيث وزاخر ... بعلم وبدر في الدياجر باد
فما خانني والله في العهد والإخا ... سقى قبره المسعود صوب عهاد
ففي موته لي عبرة إن عبرتها ... ففي موت أهل الود أنصح هاد
فيا رب وفقني لرشدي إنني ... أضعت بخبطي في الضلال رشادي
ويا سيدي يا مالكي قد تراكمت ... همومي لما أن ذكرت معادي /13/
وفكرت في سهوي ولهوي وغفلتي ... وتضييع نفسي يا إله لزادي
وإني جهول خابط في جهالتي ... بكفي ضلالي والخيال قيادي
أضيع ساعاتي على غير طائل ... كأني لنفسي مبغض ومعاد
قعاقع ما من خلفها المزن واكف ... وقدح وما خلفت غير رماد
فيا سيدي يا خالقي أنت ذخرتي ... وأنت عتادي دائماً وعمادي
تدارك مسيئاً أوقع الذنب قلبه ... فبات من البأساء فوق قتاد
يعاني أموراً في افتكار معاده ... وحق لمثلي ذكر حال معادي
وذكر لحود مظلمات جوانب ... أبيت بها وحدي بغير مهاد
يسائلني(1) فيها نكير ومنكر ... فيا رب يسر للجواب سدادي
ولو أن غايات المخوف وفاتنا(2) ... لكان وفاتي والممات مرادي
فليس بدنيانا الدنية غبطة ... سباع بلاياها الشداد عواد
لها في بنيها كل يوم وليلة ... هموم تماسي دورهم وتغادي
ولكن بعد الموت أشياء شرحها ... يطول فوالهفي لقلة زادي
وفي عرصات الحشر ضيق بأهلها ... ومن عطش يرجون كل ثماد(3)
__________
(1) في (ب): يسألني.
(2) في (ب): مماتنا.
(3) ثِماد: الماء القليل. (القاموس المحيط ص259).
ومن بعد ذاك الصحف تنشر كلها ... يرى كل شيء في الصحائف باد
وميزان قسط لا يحيس شعيرة ... يوازن ما بين الهدى وفساد
فطوبى لعبد مال بالغي رشده ... وقبحاً لغي مائل برشاد
ومن بعد ذا جنات عدن لأهلها ... يناديهم بالرحب خير مناد
لهم غرف ممهودة بأرائك(1) ... فبخ بخ بها من غرفة ومهاد
وإما جحيم شرها متراكم ... لسكانها بالويل أي مناد
عليها من الأملاك أَيَّةُ عصبة ... شداد على العاصين أي شداد /14/
فيا رب بالقرآن كن لي موئلاً ... ألوذ به مما يخاف فؤادي
ولي شافع فيما طلبت محمد ... فإن ولاه طارفي وتلادي
وحبي له كنزي فلست بمعدم ... فذاك غنا فقري وذاك عتادي
على بابه أبركت رحلي وقلت ذا ... مناي فعن رحلي أخفف زادي
وناديت يا مختار إني وافد ... فأصغ فما حي سواك أنادي
أغثني من الأمر الذي أنا أشتكي ... وشرد من عيني طيف رقادي
أعوذ بك اللهم من شر واحد ... مناه ضراري دائماً وعنادي
وقلبي في كفيه حاشاك لم يزل ... يقلب بين الأصبعين مقادي
وطاوعه جيش الهوى فهو جنده ... بكل مصاغ في الورى وجلاد
بأحمد خير المرسلين وآله ... وصل عليهم ما ترنم شاد
الحسن بن أحمد
القاضي العلامة الحسن بن أحمد، ذكره بعض علماء آل أبي النجم، كان عالماً مجوداً، وأنشد له من الشعر:
تراني عزمت مع من عزم ... وقوضت نحو السهول الخيم
وقصدي من الناس أهل العفاف ... وأهل العلوم وأهل الكرم
أريد بني النجم من فخرهم ... على النجم والنجم تحت القدم
هم القوم من فخرهم ظاهر ... فليس بمكتتم من كتم
ومن هو يكتم شمس النهار ... وبدر التمام إذا ما استتم
قضاة الأئمة والحاكمون ... كما أمر الله أو ما حكم
وفيهم عماد الهدى والرئيس ... وفيهم أخو النجدات العلم
وفيهم محمد بدر الهدى ... وصدر الهداة حميد الشيم
بحور العلوم دواء الكلوم ... ثقال الحلوم سوامي الهمم
هم الغيث في الجدب للعالمين ... وللوافدين إذا ما (سجم) /15/
__________
(1) في (ب): بنمارقٍ.
هم الأكرمون هم الأحلمون ... هم المنعمون على من ألم
الحسن بن إسحاق بن زيد [ق2 ه ]
الحسن بن إسحاق بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، نجم من نجوم آل الرسول، وشمس ما يعتريها نقص ولا أفول، وهو أحد من قتل في قضية السوس في أيام أبي السرايا - رحمه الله تعالى(1) -.
الحسن بن البقاء [نحو 670 ه ]
الشيخ الإمام الحسن بن البقاء هو الشيخ العلامة المفسر المحدث الفقيه المصنف في العلوم حجة الإسلام، الحسن بن البقاء بن صالح بن يزيد بن أبي الحياء التهامي ثم القيسي، كان آية من آيات الله البينات محققاً في العلوم جميعها، له التفسير والكامل في الفقه، لم ينسج شيء على منواله حافل يتخرج في مجلدات يستدل فيه بالأدلة الناصعة(2) النافعة، ويخرجها من أحاديث آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - كالعلوم والأمالي المؤيدية والطالبية والسمانية والمجاميع والمسندات لآل محمد - عليهم الصلاة والسلام - وله في الفرائض(3)
__________
(1) في مقاتل الطالبيين: الحسن بن إسحاق بن علي بن الحسين، وأمه أم ولد قتل في وقعة البسوس مع أبي السرايا لما خرج عن الكوفة ص4230، وفي حاشية المقاتل شرح وتحقيق أحمد صقر: وفي نسخة والحسين بن إسحاق بن الحسين بن زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وفي الخطية (الحسن بن إسحاق بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ورفعه إلى السرايا حوالي سنة 200هـ.
(2) . في (ب): الناجعة النافعة. ولم أجد لهذين الكتابين نسخاً خطية.
(3) الوافي في علم الأدلة على الفرائض الجلي منها والغامض، ضمن مجموع خُطّ سنة 867هـ في 62 صفحة باسم الحسن بن البقاء، وأخرى باسم الوافي في علم الفرائض باسم الحسن بن صالح القيسي في سنة 714هـ في 112 صفحة، كلاهما في مكتبة جامع الإمام الهادي بصعدة.
وانظر عنه وعن مؤلفاته ومصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 272، والطبقات الكبرى القسم الثالث ترجمة 156.
كتاب الوافي، وهو كاسمه وافٍ، تعلق فيه بعلم الفرائض والأدلة عليها، وأقوال المخالفين والحجة عليها، والذي غلب في ظني أن هذا الكتاب هو عمدة البحر الزخار، وأصله الانتصار في علم الفرائض، فإني قابلته مقابلة، فلم يظهر تفاوت، وتولى القضاء للإمام أحمد بن الحسين، وله - رحمه الله - أشعار كثيرة، وكان بليغاً متضلعاً من اللغة، يزاحم كبار أهلها، ومن شعره - رحمه الله - في الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام-:
إن الحمائم يوم بطن سويقة ... أورثن سامع سجعهن سقاما
ذكرن ربعاً بالطويق ومنزلاً ... وبجنب رابية العوير خياما
قَذَفَتْ بساكنها نوى مشطوبة ... وبركن بعد قطينهن قياما
وبسفح أبنية العقيق تناضباً ... خضر الفروع نواعماً وبشاما
أشتاقها وأحب ساكن سوحها ... حباً أذاب جوانحاً وعظاما
يا عاذلي على الحنين لدمنةٍ ... درست لفقد أنيسها أعواما
سحبت(1) بها وطف السحاب ذيولها ... والعاصفات اجتثت الأعلاما
/16/ لم يبق فيها غير أشعث جادل ... جعلوا له يوم الرحيل حطاما
بل رب قائلة أفق عن ذكرها ... وامدح من القوم الكرام إماما
من عصبة شهد الرسول بفضلهم ... جعلوا لمن جحد الكتاب حماما
من آل أحمد سيداً من سيد ... سمح السجية ماجداً قمقاما
وهي طويلة، وله أشعار مستجادة - رحمه الله - توفي بظفار(2) وقبر في ساحة القبة المنصورية، وموته في(3) السبعين وستمائة، وكان موته وموت العلامة أحمد بن حنش - رحمه الله تعالى - في وقت متقارب، وقبرا متقاربين، وكتب على لوح العلامة أحمد بن حنش بن عبد الله بن سلامة السرياني التهامي(4) ما لفظه: والعبارة عنه من اللغة، وعن هذا العلامة حسن بن البقاء:
هذان قبران حل المجد قعرهما ... والمتقي والتقى والعلم قد لحدا
حازا اللذين أبانا للهدى سبلاً ... وآثرا العلم والتعليم فاجتهدا
__________
(1) في (ب): سحيت.
(2) سقط من (أ): بظفار.
(3) في (ب): وموته في عشر السبعين.
(4) في (ب): الشهابي.
كافاهما الله بالإحسان أنهما ... قادا إلى الخير واختارا لنا رشدا(1)
هذا قبر الفقيه الأوحد المهاجر عن أهله وأوطانه الراغب فيما وعد الله من جنانه، جمال الدنيا والدين أبي الحسن أحمد بن حنش بن عبد الله بن سلامة السرياني الشهابي والذي يليه من جهة الغرب إلى جانب القبة قبر الفقيه الفاضل العالم العامل شرف الدين حاكم المسلمين الحسن بن البقاء، وكانت وفاتهما رحمة الله عليهما في مدة متقاربة يجمعها عشر السبعين وستمائة سنة.
الحسن بن جعفر الحسني [ - 30 ه ]
الحسن بن جعفر الحسني أمير مكة، هو أبو البركات، ويقال: أبو الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد الأكبر والد الشريف شكر - رحمه الله - الآتي ذكره، قال ابن عنبة: كان صاحب الشجاعة والنجدة وقوة البدن والفصاحة، وله في الأيد(2) حكاية مع أخته كأنها أرسلت إليه دراهم يبيعها حنطة، فأخذ الدراهم ففركها بين أصبعيه حتى ذهب ما عليها من النقش وردها مع الحنطة، وقال: هي زيوف، فأخذت أخته كفاً من الحنطة ففركته بيدها حتى صار دقيقاً، ثم أرسلت به إليه وقالت: حنطة مغشوشة، ومن أشعاره - رحمه الله -:
وصلتني الهموم وصل هواك ... وجفاني الرقاد مثل جفاك
وحكى لي الرسول أنك غضبي ... يا كفى الله شرما هو حاكي
/17/ حكي أنه توجه إلى الشام سنة إحدى وأربعمائة، ودعا إلى نفسه، وتلقب بالراشد بالله، ووزر له أبو القاسم الحسن بن علي المغربي زمن الحاكم العبيدي، فكانت أمور آخرها اضمحلال أمره فاعتذر إلى الحاكم فقبل عذره وقتل وزيره المغربي ثم رجع الحجازي ولم(3) يزل حاكماً بمكة حتى مات في سنة ثلاثين وأربعمائة، ورثاه السيد رئيس الزيدية علي بن عيسى بن حمزة بقصيدة أولها:
__________
(1) في (ب): الرشدا.
(2) الأيد: القوة.
(3) في (ب): فلم يزل.
يا جادك الوابل من حفرة ... أي فتى واريت رحب الذراع(1)
الحسن بن جعفر القاسمي
الشريف الحسن بن جعفر القاسمي كان من عيون الرؤساء العلماء، وله أشعار مستجادة، ومن شعره يخاطب الأمير الأعظم محمد بن المنصور بالله عبد الله بن حمزة بعد قضية (عصر) التي أبلى فيها الأمراء، ولعلنا نذكرها بتيسير الله، فقال الشريف الحسن يخاطب الأمير الناصر لدين الله محمد بن الإمام:
عاداتك النصر والخطي مشتجرُ ... يا خير من قلدته أمرها مضرُ
لولا عزائمك اللاتي عرفت بها ... ما كان للدين عن أعدائه وزر
لكن حميت ببيض الهند حوزته ... والشاهدان بذاك السمعُ والبصرُ
أما المديح فلا يأتي بأيسره ... لأن كل مديح فيك مختصرُ
ماذا يقول ذوو الإسهاب في رجل ... آباؤه برسول الله تفتخرُ
أم ما الزيادة في وصف امرئ نزلت ... في وصفه وعلى آبائه السورُ
تالله ما غاصت الأفكار في طرق ... من غير مدحك إلا غاصت الفكرُ
لكن أردنا نؤدي بعض مفترض ... من التهاني فلا ألوت بك(2) الغير
كل الأنام سليم ما سلمت لهم ... وما بقيت فذنب الدهر مغتفر
عليك للمجد أن تبني قواعده ... وما عليك إذا لم يسعد القدر
إن النبوءة أعلى كل منزلة ... قد شاب رونقها التنغيص والكدر
هل كان مثل رسول الله من أحد ... أو كان يبلغه في وصفه بشر
فكان يوم حنين ما علمت به ... من العزيمة لولا معشر صبروا
هون عليك وإن تأتيك نائبة ... فالجرح مندمل والكسر منجبر
18/ والدهر يومان يوم مشرب آسن ... مر المذاق ويوم مشرب خصر
فارفض أحاديث هراجين لو قصدوا ... إحداث شيء من العليا ما قدروا
__________
(1) انظر المزيد عن ترجمته في أعيان الشيعة 5/38 وهو أبو الفتوح الحسن بن أبي محمد جعفر بن أبي جعفر محمد الأمير بن محمد الثائر، ابن موسى الثاني ابن عبدالله بن موسى الجوفي بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
(2) في (أ): به.
فكم من الناس غال يدعي حكماً ... يقول لو كان لي التدبير ما قهروا
وفي الحقيقة لو نابته نائبة ... لم يدر فيها لما يأتي وما يذر
وهل أتى النقص إلا من زعانفه ... في السلم تسطوا وفي الهيجاء تنكسر
ضلوا السبيل فباعوا رشد أنفسهم ... في الغي تلك لعمري بيعة غرر
أما الرسول(1) فأهل الصبر ليس لهم ... عن مورد الحرب تعريج ولا صدر
وهي أكثر من هذا، وهي قصيدة شهيرة.
الحسن بن أبي الحسن الحسني
الشريف العالي العالم الفصيح الأمير الكبير الحسن بن أبي الحسن بن مسلم الحسيني أمير المدينة المشرفة، كان عالماً فاضلاً رئيساً(2) بليغاً عالي الهمة، ورد اليمن، وكان بينه وبين ابن عمه المهنا ابن أبي هاشم قطيعة وفتنة حاز المهنا البلد دونه، فاستنصر الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني - عليه السلام- فعظمه الإمام وأخدمه نحو المائة، وكان يطلبه المعونة على المهنا فلم يسعفه الإمام، ومن شعره إلى الإمام أول وصوله:
رحل الأحبة غدوة(3) وتحملوا ... وجرى ببينهم غراب يحجل
القصيدة الفائقة بكمالها.
الحسن بن الحسن الهوسمي [ق5 ه ]
__________
(1) في (ب): الرسوس.
(2) في (ب): رائساً.
(3) في (ب): غدوة.
الشيخ الإمام حافظ المذهب ولي آل رسول الله جامع الزيادات ومتمم المصابيح أبو القاسم بن تال - بالتاء المثناة من أعلى - هو الحسن بن الحسن الهوسمي علامة، تشد إليه الرحال، ويسند إليه الرجال، نسيج وحده، وفريد وقته، وقيل: إنه مولى السيدين أو أحدهما - رحمهما الله -(1).
الحسن بن أبي الحسن العلوي(2)
الشريف الخطير العلامة الكبير أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد بن عمر بن علي العلوي الحسيني الزيدي - رضي الله عنه - عالم يهتدى بمناره، وعامل يقتدى بآثاره، قرأ على الشيخ أبي الفضل محمد بن عبد الله الشيباني الزيدي - رحمه الله - وغيره، وفي المشيخة. انتهى
الحسن بن الحسين بن زيد [199 ه ]
__________
(1) وقيل: اسمه الحسين، روى مذهب المؤيد بالله ويحيى والقاسم، عن الإمام المؤيد بالله عن السيد أبي العباس الحسني عن يحيى بن محمد بن الهادي، عن عمه أحمد بن يحيى بن الهادي، عن أبيه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وله طرق أخرى عن المؤيد بالله إلى الإمام الناصر الأطروش، ومن طريقه إلى الإمام زيد بن علي عليه السلام، ويقال له أبو القاسم لا يوازي الجامع للإفادة، والجامع للزيادات، والإفادة في فقه المؤيد بالله الهاروني، منها خمس نسخ في مكتبة الأوقاف والجامع الكبير بأرقام بالأرقام 1174، 1175، 1136، 1213،1337، وسادسة في الغربية رقم (14) فقه، وأخرى مصورة بمكتبة السيد سراج الدين عدلان منسوبة إلى الحسين بن الحسن الهوسمي. انظر طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث بتحقيقنا ج3 ص1292، ترجمة 820، وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 291، وانظر مصادر ترجمته هناك.
(2) هذه الترجمة ساقطة من (أ).
الحسن بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- كان مقداماً في الخطوب، كشافاً للكروب، محققاً في العلوم الإسلامية، حافظاً للقواعد، قتل يوم قنطرة الكوفة في الحرب القائمة بين أبي السرايا - رحمه الله - وهرثمة بن أعين(1).
حسن بن حسين السودي [ق8 ه ]
الفقيه العلامة حسن بن حسين السودي - رحمه الله - كان من دعاة الحق القائمين بالقسط وأهل بيته كذلك، وكان مسكنهم بجهة المخالب، وذكر الشريف /19/ الأهدل أحواله فإنه(2) حصل بينه وبين أحمد بن زيد الشافعي(3) ما حصل لميل هذا العلامة إلى عترة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.
قال الأهدل: إن حسناً المذكور وولده - الآتي ذكره إن شاء الله - أظهرا مذهب الزيدية (بالظافر وملحان(4)).
الحسن بن حميد بن مسعود المذحجي الحارثي [850 ه ]
العلامة الحسن بن حميد بن مسعود بن عبد الله المقراي المذجحي الحارثي فقيه فاضل عالم كامل، له كتاب (المنهج المستبين) في أصول الدين، وشرح على الحاجبية بسيط وغير ذلك(5).
__________
(1) في مقاتل الطالبيين ص422: وهو القتيل يوم قنطرة الكوفة في الحرب التي كانت بين هزيمة والي السرايا، وأمه أم ولد، وانظر خبر تلك الحرب في الطبري حوادث سنة 199سنة 200هـ وفي أعيان الشيعة 5/510، روى عن أبيه الحسين، وروى الصدوق في الخصال بسنده عنه.
(2) في (ب): وأنه.
(3) كذا في النسخ، ولعله أحمد بن زيد بن علي بن حسن بن عطية الشاوري، قتل سنة 763هـ.
(4) مِلْحَان: سلسلة جبلية في غربي المحويت. (معجم المقحفي ص1635).
(5) قرأ على السيد أبي العطايا عبدالله بن يحيى في كتب أهل المذهب، وأخذ عنه ولده محمد بن الحسن، وله من المؤلفات أيضاً مجموع الفوائد، والإسرار فيما يتعلق بالفلك الدوار، وقد مات بصنعاء في ربيع الثاني سنة 850هـ، انظر طبقات الزيدية الكبرى القسم الثالث 1/299، ترجمة 160، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 299 وفيهما مصادر ترجمته.
الحسن بن زيد النيروسي [ق5 ه ]
العلامة الفاضل الحسن بن زيد النيروسي صاحب المؤيد بالله، من كبار أصحابه، وقد مضى النيروسي صاحب القاسم - عليه السلام - والنيروس قرية من قرى الرويان.
الحسن بن سلمان [ق 8 ه ]
الحسن بن سلمان - رضي الله عنه - هو شيخ أهل الشريعة وإمام الحقيقة على الحقيقة، الزاهد الورع، إمام العلوم منبع الخيرات.
قال السيد الإمام يحيى بن المهدي الحسيني - رضي الله عنه - في رحل العلامة العبادة إبراهيم الكينعي وزياراته - رضي الله عنه -: كان - يعني الكينعي - يزور في كل عام شيخه في الدين، وقدوته في التقوى واليقين، إمام أهل السنة والكتاب، ولبابة أولي الألباب، زاهد اليمن والشام، والسيد الحصور القوام، المبرأ من مقارفة الآثام، ولي العترة الكرام، الباذل نفسه لهم من كافة الأنام، تاج أهل الإيمان القاضي حسن بن سلمان، تَوَّجهُ الله بتاج كرامته، وأزلفه بجواره وأعاد من بركاته، فهو منشأ البركات في اليمن والذي أسس الحسنات والسنن، ثم قال السيد عماد الدين - رحمه الله - وهو وأهله من خلاصة شيعة آل محمد الطاهرين، ومن المجاهدين لأعدائهم المعتدين، نشأ على الزهد والورع والخوف والفزع، ما لا يمكن شرحه، ولا يتكلف(1) وصفه، وحاز العلم والعمل، ما كان يوجد في وقته مثله من أحد في علم الفقه والأخبار النبوية والتفاسير سيما في فقه الناصر - عليه السلام - كان لباسه شملتين من خشن الصوف(2) وكوفية صوف، وكان يأكل الطيبات، ويقول هي تستدعي خالص الشكر. وكان يحيي الليل قياماً والنهار ذكراً وفكراً ودرساً للعلوم، وكان يلزم الخلوة، ويقف في المساجد المهجورة، ويغلق عليه فيها، وعمر مائة سنة ونيفاً وثلاثين سنة، فلما عجز عن القيام كان يحيي الليل صلاة من جلوس /20/ وكان له كرامات تروى، وفضل، يحكى منها أن خدم غز اليمن قصدوهم إلى بلدهم وادي الحار(3) فلزموه،
__________
(1) في (ب): يتكيف.
(2) في (ب): لا غير.
(3) جنوب غرب مدينة ذمار.
وساروا به نحو اليمن، كل رجل ممسك بيد وفارس من خلفه، قال لي - رحمه الله - رمحه بين جنبيه، فجعلت أقرأ سورة يس وإذا أنا مستقيم والرجلان سائران والفارس وأنا مستقيم حتى ولَّوا عني بحمد الله(1).
الحسن بن سليمان بن أبي الرجال [ق8 ه ]
الفقيه العارف الحسن بن سليمان بن أبي الرجال - رحمه الله -(2)، أخذ عليه السيد صلاح بن الجلال وغيره، وهو صنو العلامة محمد بن سليمان الآتي ذكره، وسيأتي ذكر ولده محمد بن الحسن - إن شاء الله تعالى - وأهل الجب من تهامة يذكرون أنهم من عقبه، وهم عدد كثير بقرية بيش، يعرفون بآل المهتدي والمخابرة وآل الطيب وآل الحسن بن قاسم، وليس الأمر كما ذكروه، فإن الفقيه محمد بن سليمان نسبهم إلى جده الحسن بن سرح بن يحيى ، والله أعلم.
الحسن بن سعيد العيزري [ت1038 ه ]
__________
(1) انظر: صلة الإخوان تحت التحقيق، الطبقات الكبرى 1/302، ترجمة 164.
(2) في (ب): هو فقيه كامل عارف.
القاضي العلامة الحسن بن سعيد العيزري - رحمه الله - هو القاضي النبيه العالم الفقيه أستاذ المشائخ المناصر المعاضد حميد المرادات والمقاصد، كان - رحمه الله - من أهل العقل الرصين والثبات في الأمور والشهامة الكلية، وكان حميد الرأي موثوقاً به في جميع علاَّته، وكان محققاً في علوم العربية والأصولين جميعاً، والفقه والفرائض، رحل إليه كثير، ومن تلامذته شيخنا العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - قرأ عليه فيما أحسب إلى الكنايات في كتاب نجم الدين الرضي شرح الكافية، وتخرج عليه وانتفع بعلمه وحلمه(1)، وكثيراً ما يروي عنه. ومن تلامذته ولده صارم الدين المتقدم ذكره - رحمه الله - ورحل القاضي الحسن إلى عبد الله المهلا النيسائي إلى باب الأهجر، وقرأ على ابن قيس الثلائي في الفرائض، وشهد مواقف الجهاد وباشرها بل النصر الذي يسره الله للإسلام في المساوحة(2)، كان له فيه اليد البيضاء، وأمام الفتوحات كان بحضرة المولى شمس الدين أبي طالب أحمد بن الإمام القاسم متولياً للقضاء، ومن أبيات قالها إجازة لنصف بيت رآه في النوم السيد العلامة أبو طالب أحمد بن القاسم - عليهما السلام- بعد فتح عمران رأى أنه قال في منامه /21/:
أقمنا عار عَاثِرنا فقاما
فقال القاضي - رحمه الله تعالى -:
شددنا خيلنا العرب الكراما ... وحرمنا الإقامة والمناما
وجددنا عرار العزم حتى ... أقمنا عار(3) عاثرنا فقاما
وشردنا الأعادي وانتقمنا ... بمن الله أقواماً طغاما
بنصر الله دمرنا عدانا ... ونرجو أن يكون لنا لزاما
ونملك أرضهم شرقاً وغرباً ... مع السروات نمتلك التهاما
مع الحرمين نملك كل أرض(4) ... وبغداد ومصر والشآما
أسرنا من ثلا صفراً وقوماً ... من الأروام نحسبهم غماما
ومن عمران آية قسورى ... مع الأمرا تركناهم سواما
__________
(1) في (ب): بحلمه وعلمه.
(2) في (أ): المساحة.
(3) . ط: ثأر.
(4) مع الحرص نملك أرض بصرى.
توفي - رحمه الله - بكرة يوم الخميس التاسع عشر من المحرم سنة ثماني وثلاثين وألف، ودفن بالعيازرة عند المسجد المبارك(1).
الحسن بن شرف الدين الكحلاني [948 - 1028 ه ]
السيد العلامة الحسن بن شرف الدين، هو السيد الميمون العلامة المجاهد صاحب المكارم والكرامات عضد أمير المؤمنين الحسن بن شرف الدين بن صلاح بن يحيى ويلقب بالهادي بن الحسين بن المهدي بن محمد بن إدريس بن علي بن محمد الملقب بتاج الدين أحمد بن يحيى بن حمزة [بن سليمان بن حمزة](2) بن علي بن حمزة بن أبي هاشم(3) النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين العالم بن الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي سلام الله عليهم، كان عالماً عاملاً زاهداً واسع الأخلاق دمثها متبلج المحيا للضيوف، حنقاً على أعداء الله، وهو الذي افتتح حصن ثلا وعفار على وجه تمنعه العادات، فإنه دخل حصن ثلا عنوة ودخل عفار على ضيق مسلكه على (……)(4) ومما روي عنه أنه حين تقدم على أحد الحصنين صلى ما شاء الله، ثم قال: استوهبت من الله هذا الحصن وسماه، فانفتح بيد القهر والعلو - بفضل الله سبحانه - مع سهوله على أهل الحق، ومن شعره - رحمه الله - يحرض المسلمين على الجهاد:
أمثلكم يطيب له المنام ... ويهناه الشراب أو الطعامُ
ويضحك ضاحكاً عجباً ولهواً ... حراماً ذلكم منكم حرامُ
/22/ وكيف يلذ للأحرار عيش ... وسوح ثلا تعاوره الطغامُ
وشرد ساكنيه بكل نجد ... وأعقبه لهم بُومٌ وهامُ
__________
(1) العيازرة قرية صغيرة في جبال الأهنوم جنوب غرب مدينة شهارة، كانت هجرة علم مشهورة وهي على رأس جبل عال يقابل مدينة شهارة. وترجمة المذكور في طبقات الزيدية 1/300 رقم (168) وانظر أيضاً المستطاب خ، والجوهرة المنيرة خ، وبغية المريد خ، والجامع الوجيز خ، وكلها تحت التحقيق.
(2) في (ب): أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي.
(3) في (ب): الإمام.
(4) في (ب): بياض في الأم.
فحيناً من يغاش الترك يعدو ... وأحياناً يعاديه شبامُ
أحصن ثلا حماه الله يرضى ... بأن يعلوه قهر واهتضامُ
ومولانا الإمام له جنود ... يضيق السهل منها والأكامُ
وسادات الأنام بكل قطر ... لكل منهم جيش (لهامُ)
فصِح فيهم واسمع إن أجابوا ... ونبههم إذا ما هم نيامُ
وقل أحبابنا كم توعدونا ... أما يرجى لموعدكم تمامُ
فيا أنصار مولانا قعدتم ... فليس يرى لقعدتكم قيامُ
غفلتم بل رقدتم ثم نمتم ... فكم ذا تغفلون وكم تناموُ
أجدوا في الجهاد فقد دعاكم ... إمام ما يقاس به إمامُ
إمام من بني المختار طابت ... أرومته وأسلمه كرامُ
وبدر من بني الزهرا تجلى ... يزول بنور غرته الظلامُ
فنحمد ربنا إذ قام فينا ... الأخ البر وهو منا غلامُ
فجازاه الإله جنان خلد ... تحيى حين يدخلها سلامُ(1)
توفي - رحمه الله - يوم الجمعة سابع ذي القعدة من عام ثماني وعشرين وألف، وصلى عليه الإمام القاسم - عليه السلام- عقيب خروجه من صلاة الجمعة، ودفن في مؤخر مشهد ذي الشرفين - عليه السلام- أيمن الباب الغربي من غير فصل، وعمره نحو ثمانين سنة(2)، وفي قبره يقول السيد البليغ محمد بن عبد الله الحوثي في آخر تعزيته للإمام القاسم - عليه السلام- عند موت السيد الحسن - رحمه الله تعالى -:
شرف على شرف بحصن شهارة ... فاعجب لقبة قبر ذي الشرفين
حوت المفاخر والمحامد والتقى ... والمجد أجمع من كلى الطرفين
__________
(1) في (ب): السلام.
(2) في طبقات الزيدية: قرأ على خاله أحمد بن محمد بن المنتصر الظفيري مما سمع عليه أصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان وغيره. وأخذ عنه حسين بن صلاح الشرفي، والقاضي سعد الدين بن الحسين المسوري، وولده القاضي أحمد بن سعد الدين. انظر الطبقات ترجمة 163ج1 ص301، والجوهرة المنيرة سيرة الإمام محمد بن القاسم، وكذلك النبذة المشيرة سير الإمام القاسم بن محمد، وملحق البدر الطالع 69.
وتوفي ولده السيد العابد الكريم المفضال، قرين العبادة وخدين الزهادة، محمد بن الحسن آخر يوم الجمعة آخر شعبان من عام ثلاثة وستين وألف، ودفن إلى جنب والده، وكان من وجوه /23/ أهل البيت المطهرين لا يغلق بابه دون طارق، ولا يفارق حضرة الإمام في سعة ولا ضيق، وكان إذا جاءه طلاب الإمام وما قد حضر طعامه أخذ من شيء يسمى الرهي - بالراء المهملة - وهو من مقدمات اللحيح فيتناول ما يسد الرمق، وكان ميموناً في مقاصده وعلمه، من قرأ عليه فتح(1) الله عليه، أعاد الله من بركته.
الحسن بن شمس الدين بن جحاف [ - ت1055 ه ] (2)
__________
(1) في (ب): فُتِحَ عليه.
(2) انظر أيضاً عن مؤلفاته ومصادر ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 302، طبقات الزيدية الكبرى 1/303 ترجمة 165.
السيد العلامة الحسن بن شمس الدين بن جحاف، كان سيداً عالماً، سهل الطريقة دمث الأخلاق متواضعاً، يألف الفقراء ويألفونه، أقام بصنعاء المحروسة بجوار مسجد الأخضر في الجانب القبلي من صنعاء، كان له بيت ملتصق بالمسجد من جهة اليمن ينسب إلى الإمام الفقيه العابد إبراهيم الكينعي، ولم يجدد السيد - رحمه الله - فيه عمارة إلا في آخر أيامه، عمر له السيد الرئيس(1) محمد بن الحسين بن علي بن جحاف غرفة، وكانت مأوى الفضلاء لا يزال مقامه محجوجاً مزوراً بعيون العلماء في غالب الأوقات كالقاضي صارم الدين إبراهيم بن يحيى، والقاضيين العالمين محمد وعبد الله ابني أحمد الجربي، والعلامة الوجيه عبد الرحمن الحيمي وأضرابهم، وكان مقامه مجمعاً لكل فضيلة، وأكثر هؤلاء تلامذة له، وكان يعول عليه في علم الكلام والعربية والمنطق، قرأ (الرسالة الشمسية) قراءة تحقيق على الشيخ الكبير الرحال أحمد بن علان الشافعي، قدم من مصر واستقر بمسجد الزبير - بالزاي بعده باء موحدة ثم(2) تحتية باثنتين ثم راء مهملة بصيغة التصغير - وكان إماماً في العلوم فاضلاً، وهو أخو الشيخ محمد بن علي بن علان الشهير بمكة، إلا أن الرتبة في الفضل متفاوتة، فإن هذا أحمد كان وحيداً مع عبادة تامة كاملة وانفراد عن الناس، فقرأ السيد الحسن والسيد العلامة علي بن بنت الناصر، والسيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي - رحمهم الله - وتمموا (الرسالة الشمسية) في ثمانية عشر شهراً، قراءة تحقيق، وأجازهم الشيخ وقدمهم في الإجازة على ما عرفه في ترتيبهم(3) في التحقيق، فبدأ بالسيد علي بن بنت الناصر، ثم السيد العلامة محمد بن عز الدين، ثم السيد الحسن المذكور، وكنت من المواضبين لحضرته لكمال أنسه وحميد صفاته، فإنه كان روضة أريضة، وقرأت عليه (المطول) شرح سعد الدين التفتازاني للتلخيص وهو الشرح الذي يسمى بالهروي كا
__________
(1) في (ب): الرايس.
(2) في (ب): ثُمَّ ياء تحتية.
(3) من مرتبتهم.
قاله الدماميني، ولبثنا بقراءته تسعة أشهر، وكان يمتعنا بأخبار الفضلاء، فإنه تعمر كثيراً، وكان يروي عن السيد علي بن بنت الناصر /24/ ما تقر به العين، من الكمال والعقل الرصين، والعلم الراسخ والتحقيق والشرح المتين، ودارت بينهما أبيات تدل على فضل علي بن بنت الناصر، وذلك أن علي بن إدريس البعداني الذي كان بصنعاء كان لبقاً في المقال مسلطاً على الأعراض جسوراً على الفضلاء، فدار في مجلس السيد علي بن بنت الناصر بين جماعة من الفضلاء بمحضر السيد الحسن ومنزله، مفاكهة ومراجعات أدبيات وعلميات، فكان من الفقيه علي بن إدريس ما علق به من السخريات وما لا يليق بالفضلاء، فكان ذلك سبباً لتجنب السيد علي بن بنت الناصر لمجلس السيد الحسن فدارت بينهما معاتبات أنشدنيها السيد الحسن وفاتت عني لعدم التقييد، وأرجو من الله الظفر بها، فهي فيما جمعته (بحبور) عند أولاد حفيده السيد يحيى بن علي بن الحسن، ولم أحفظ إلا بيتاً من نظم السيد علي بن بنت الناصر، وهو:
بسوحك حيات وأنت ابن آدم ... وذاك اللعين المبتلى نجل إبليس
(1)وكان للسيد الحسن نظم حسن واتفق أن الباشا حبسه لما ظنه فيه من خلطته للإمام القاسم، فكتب من الحبس إلى تلميذه القاضي العلامة إبراهيم بن يحيى الشجري السحولي - رحمه الله -:
أيا صاحبي إما حبست فلا تكن ... قنوطاً فإن اللطف يا صاحبي ساري
لعل وراء الغيب أمر يسرنا ... بقدرة من في علمه الخالق الباري
فذيل البيتين القاضي صارم الدين - رحمه الله - فقال:
وإني لأرجو غارة نبوية ... تفك بعون الله عسري بإيساري
وعوناً على دفع النوائب عاجلاً ... فيا خالقي حقق رجائي وإضماري
ومما كتبه السيد إلى القاضي - رحمهما الله - ملاطفاً.
يا فقيه الأنام يا من عليه ... عمدة المسلمين فقهاً ونحوا
وله في الأصول حظ جزيل ... في قياس وفي صفات وفحوا
ما الذي يفعل المحب إذا ما ... شاقه شادن من الترك أحوا
__________
(1) قال في (ب): بياض في الأم.
وقوام كغصن بان ووجه ... من بدور الكمال أسنى وأضوا
هل له أن يقبل الثغر منه ... افعلوا للمحب في ذاك فتوى
فأجابه القاضي - رحمه الله تعالى -:
قد حكمنا بمنع ذاك وإن الـ ... ـحكم لا شك قاطع كل دعوى
فاسلُ عما ذكرت وادرع الصبـ ... ـر وخذ في نهج الشريعة مثوى
إنه عندنا حرام وأما ... عند أهل الهوى فخذ فيه فتوى
قلت: وهذه آداب العلماء(1) وملاطفاتهم، وقد ذكرني هذا ما كتبه بعض العلماء إلى الشيخ العلامة أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي نسباً الطحاوي المنسوب إلى طحا من قرى الصعيد، المولود سنة ثمان وثلاثين أو تسع وثلاثين ومائتين المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وهو:
أبا جعفر ماذا تقول فأفتنا ... إذا نابنا خطب عليك نعوّلُ
ولا تنكرن قولي وأبشر برحمة ... من الله في الأمر الذي عنه نسألُ
أفي الحب عارٌ أَمْ من العار تركه ... وهل من لحا أهل الصبابة يجهل
وهل ذا مباح فيه قتل متيم ... يهاجره أحبابه ويواصل
[فرأيك في رد الجواب فإنني ... بما فيه تقضي أيها الشيخ أفعلُ](2)
فأجابه الطحاوي:
سأقضي قضاءً في الذي عنه تسألُ ... وأحكم بين العاشقين فأعدلُ
فديتك ما بالحب عار علمته ... ولا العار ترك الحب إن كنت تعقلُ
ومهما (لحا) في الحب لاحٍ فإنه ... لعمرك عندي من ذوي الجهل أجهلُ
ولكنه إن مات في الحب لم يكن ... له قَوَدٌ عندي ولا منه يُقتلُ
ووصلك من تهوى وإن صدّ واجبٌ ... عليك كذا حكم المتيم يفعل
فهذا جواب فيه عندي قناعة ... لما جئت عنه أيها الشيخ تسأل
ونظير هذا ما حكاه المؤرخون ونقلته عن (تحفة الزمن) عن (طبقات الأشناني) في ترجمة أبي محمد البافي - بالموحدة والفاء - أنه جاءه غلام حدث بيده رقعة فدفعها إليه فنظر فيها متبسماً ثم أجاب عليها وردها وكان فيها بيتان وهما:
عاشق خاطر حتى اسـ ... ـتلب المحبوب(3) قُبله
__________
(1) في (ب): رحمهم الله.
(2) ساقط من (أ).
(3) في (ب): المعشوق.
أفتني ما زلت تفتي ... هل يبيح الشرع قتله
فأجاب:
أيها السائل عما ... لا يبيح الشرع قتله
قُبلة العاشق للمعـ ... ـشوق لا توجب قتله
ويشبه هذا ما نسب إلى أبي محمد عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى -
سألت الفتى المكي هل في تزاور ... وضمة مشتاق الفؤاد جُناحُ
فقال معاذ الله أن يُذهبَ التقى ... تلاصقُ أكباد بهن جراح
/26/ فقال عطاء: والله ما قلت هذا، ومما تقوَّله الشاعر على عطاء قوله:
سألت الفتى المكي ذا العلم ما الذي ... يحل من التقبيل في رمضان
فقال لي المكي أما لزوجة ... فسبع وأما خلة فثماني
قلت: وقد أحببت نقل هذا للأدباء وإلا فقد رأيت إنكاره من عطاء - رحمه الله تعالى -.
وأخبرني السيد الحسن - رحمه الله - أن مولانا السيد العلامة ضياء الدين إسماعيل بن إبراهيم بن جحاف - أبقاه الله - كان يتردد إلى منزله لسماع (الشرح الصغير على التلخيص) فجاء يوماً والسيد الحسن - رضي الله عنه - غائب، فكتب بخطه في الجدار:
وصلت إلى ربعكم سادتي ... فلم ألقكم في الجناب الرحيب
فعدت إلى منزلي آيباً ... وأيقنت أن اللقا عن قريب
قال: فكتبت تحته:
وصلت إلينا ولم تلقنا ... وكنا نحب لقاء الحبيب
فحظ حرمناه لكننا ... نفوز الغداة بأوفى نصيب
وأخبرني السيد الحسن - رحمه الله - قال: كنت يوماً بمنزلي هذا والسيد البليغ محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين يصلي أحد العصرين إما الظهر أو العصر، غاب عني في ذلك المحل - يشير إلى الجانب الغربي إلى نحو القبلة من الحجرة بمسجد الأخضر قرب الباب الداخل إلى المسجد - قال: فأتم الصلاة ثم دخل إليّ وقال: يا مولانا اكتب ما حضرني الآن، فإنه حضرني حديث عبد الله بن عمر الذي رواه أئمتنا ورواه مسلم، قال: قال لي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وأعدد نفسك في الموتى فإذا(1) أصبحت نفسك فلا تحدثها بالمساء، وإن أمسيت فلا تحدثها بالصباح..)) (2) إلى آخر الحديث، فعقدت ذلك فقلت:
صاح إياك والركون إلى الدنـ ... ـيا فإن الرحيل عنها قريبُ
كن بها مثل عابرٍ لسبيل ... أو غريب فأنت فيها غريبُ
فالحياة الدنيا طريق إلى الأخـ ... ـرى وما استوطن الطريق أريبُ
وكانت بينه وبين السيد لقمان - رحمه الله - مشاعرات حسنة، ومن شعره - رحمه الله - من قصيدة نبوية:
مالي أرى الغادة الحسنا فأهجرها ... وأهجر الكأس واللذات والطربا
وأهجر الخود معسولاً مقبلها ... وكنت من قبل أهوى أن يقال صبا
27/ ما ذاك إلا لأن الدهر يكسبني(3) ... حلماً وأفضله ما كان مكتسباً
وقال لي زاجر من نية صلحت ... والوجد يشرقني بالدمع منسكباً
لا درَّ دّرَّك يا هذا أما نظرت ... عيناك ما قد أتى في الدهر أو ذهبا
ومن شعره - رحمه الله تعالى -:
هذا الجفاء الذي ما دار في خلدي ... أذاب نفسي وأذكى النار في كبدي
وخانني كل من قد كنت آمله ... يا للرجال وحتى خانني جلدي
وصاحب كنت مغبوطاً بصحبته ... دهراً وكان عليه كل معتمدي
فخانني وده عمداً وصيرني ... مع الأسى ودواعي الشوق في صعدي
لكنه كان مطوياً على إحنٍ ... ولم يقل منشداً بيتاً ولم يزد
__________
(1) في (ب): وإذا.
(3) في (ب): أكسبني.
أبدي التجلد أحياناً فيفضحني ... ريق يجف وخدٌّ(1) بالدموع ندي
وله (شرح على لامية الطغرائي)، تم في سبعة عشر كراسة، لكنه لم يظهره - رحمه الله - ولكنه كان يملي من فوائده في المجالس كثيراً (2) مما سمعته عنه في شرح قول الطغرائي
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل
قال: ذكرت في شرح هذا البيت رأي الأمير الحسن بن ناصر القاسمي الغرباني، فإنه لما أراد الإمام القاسم [بن محمد](3) - عليه السلام- الدعوة تردد من أي محل يظهرها، فكل أشار بما عنده، فقال الأمير الحسن، وكان متين الرأي ثابت الحصافة(4): الرأي أن تكون الدعوة من بلاد نازحة نحو بلاد أبي زيد بالحقار؛ لأنها إذا ظهرت الدعوة شنت (الأروام) (5) الغارات وتعطلت الأماكن المعمورة بهم، فنعقبهم عليها، وكان هذا من أحسن الآراء، توفي السيد الحسن في(6) (……)(7) ودفن بجربة الروض مقبرة صنعاء عند العلامة النحوي - رحمهم الله جميعاً -.
الحسن بن أبي الشوك الرجوي [ق ]هـ
الحسن بن أبي الشوك الرجوي، هو الشيخ الكامل الحسن بن أبي الشوك، كان ينزل الرجو (8) من مشرق حاشد، وكان له تصرف علم وديانة، وقدر عند أهل العلم، روى أنه كان في أيام المعيد لدين الله الذي قد سبق ذكره في ترجمة إسماعيل الأصبهاني، فسئل الحسن، هل هذا هو إمام أم لا؟ قال: ليس بإمام ولكن أكتم علي، فخرج الرجل من ساعته حتى أتى المعيد، فأخبره فأمر بإحضار الحسن، فلما دخل عليه قال: يا حسن أحقاً إنك قلت إني غير إمام، قال: نعم، للسائل وأمثاله إنما إمامه ثورُه وإنما أنت /28/ إمامي وإمام أمثالي، فضحك المعيد وقال: بارك الله فيك.
__________
(1) في (أ): وريقٌ.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) زيادة في (ب).
(4) . في (أ) و (ب): الحصاة.
(5) الأروام: الأتراك.
(6) في (ب): في.
(7) في (أ) و (ب): فراغ، ووفاته سنة خمس وخمسين وألف كما في المستطاب للسيد يحيى بن الحسين بن القاسم.
(8) الرجو:
الحسن بن صالح بن حي [100- 169]هـ (1)
الحسن بن صالح بن حي - رحمه الله - هو الإمام المحدث شحاك أعداء الله، ولي آل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحسن بن صالح بن حي الزيدي صهر عيسى بن زيد - عليهما السلام-.
قال أبو سليمان الداراني: ما رأيت أحداً الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن حي، قام ليلة إلى الصباح بعم يتساءلون يرددها فلم يختمها حتى طلع الفجر.
وقال إسماعيل بن خالد: شكوت إلى الحسن بن صالح بن حي الفقر والحاجة، فقال: أما تخاف الغنى ثم لم يزل يحدثني في الفقر حتى تمنيت أني أحوج مما أنا فيه، ثم دخل البيت فأخرج عشرة دراهم، وقال: ما نملك غيرها فخذها.
وسئل الحسن عن غسل الميت فغشي عليه، وجعل يختلج بدنه كالسمكة يخرج من الماء.
وعنه، الناس يحتاجون إلى العلماء كما يحتاجون إلى الطعام والشراب.
ونظر إلى القبور فقال: ما أحسن ظاهرك وإنما الدواهي في باطنك.
وكان يقسم الليل بينه وبين أخيه علي وأخته - رحمهم الله - فمات علي وأخته، فقام بوظيفتهما الليل كله، وإلى الحسن تنسب الصالحية من الزيدية (2)، قال أبو نعيم: كتبت عن ثمانمائة محدث فما وجدت أحسن من الحسن بن صالح، وقال أبو زرعة: اجتمع فيه إتقان وفقه وعبادة وزهد، وكان مذهبه ترك الجمعة مع الظلمة، ويخرج عليهم بالسيف.
__________
(1) من مصادر ترجمته: طبقات الزيدية الكبرى القسم الثاني (خ) سير أعلام النبلاء 7/361 طبقات ابن سعد 6/374، حلية الأولياء 8/317 تهذيب التهذيب 1/139، مشاهير علماء الأمصار 110، لوامع الأنوار 1/329، وانظر بقية مصادر ترجمته ومؤلفاته في أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 303.
(2) والمبادئ والآراء التي تنسب إلى هذه الفرقة محل نظر، فهي من روايات الخصوم، وكذلك بقية الفرق المنسوبة إلى الزيدية التي تجادل أن تجعل الزيدية تابعين لغير آل البيت، بينما الحسن وغيره نسب إليهم ما نسب تبع لأئمة آل البيت فما وافق الأئمة من أقوالهم فهو منهم.
وروى عنه الذهبي حديث المنزلة بإسناد متصل، حكى ذلك في ترجمته، ولما نقل الزعفراني موته إلى المهدي العباسي خرّ ساجداً، وكان صهراً لعيسى بن زيد.
وروي أنه لما مات عيسى بن زيد - رحمه الله - صلى عليه الحسن بن صالح - رحمه الله - وتوفي بعده بستة أشهر، وقيل بشهرين، ووصل رجل إلى المهدي العباسي، فبشره بموتهما، فقال المهدي: جئتني ببشارتين يجل خطرهما، موت عيسى والحسن، ولا أدري بأيهما أنا أشد فرحاً، فاسألني حاجتك.
قال أبو مخرمة في اللطيفة العشرين من المائة الثانية: الحسن بن صالح بن مسلم بن حيان الهمداني من تور(1) همدان، فلقبه حي، سمع سماك بن حرب وإسماعيل السدي وعاصماً الأحول وغيرهم.
روى عنه عبد الله بن موسى بن جعفر ويحيى بن آدم الرقاشي(2) وغيرهم، وكان فقيه الكوفة وعابدها.
قال وكيع: كان يشبه سعيد بن جبير، كان هو وأخوه علي وأمهما قد جزأوا الليل ثلاثة أجزاء، فماتت أمهما فقسما الليل بينهما فمات علي فقام حسن الليل كله، توفي سنة سبع وستين ومائة، وقيل: توفي سنة تسع - بتقديم التاء - والله أعلم.
الحسن بن صلاح [ق10 ه ]
السيد الحسن بن صلاح، السيد العلامة الحسن بن صلاح بن علي بن المؤيد سيد سَرِيّ عظيم المقدار، وهو صنو السيد الإمام العلامة علي بن صلاح الذي طالبه الإمام شرف الدين بالدعوة فلم يسعده.
الحسن بن عبد الله القطابري [ق10 ه ]
__________
(1) في (ب): ثور.
(2) في (ب): الرقاشي.
السيد العلامة البليغ الحسن بن عبد الله القطابري - رحمه الله تعالى - /29/ كان سيداً عالماً عاملاً فاضلاً بليغ الشعر، ومن شعره المشهور ما هنأ به الإمام مجد الدين بن أمير المؤمنين الحسن بن أمير المؤمنين الهادي عز الدين بن الحسن - عليهم السلام- ورثى به والده الإمام الحسن، فاشتملت على التهنئة والتعزية مع حسن السبك، وقل ما يتفق هذا، قالوا: وأول من جمع بينهما عطاء بن أبي الصيفي مهنياً ليزيد بالخلافة ومعزياً في أبيه معاوية، وشعر السيد - رحمه الله - هو هذا:
الأمس يبكي وهذا اليوم قد ضحكا ... وضل يضحك من بالأمس كان بكا
يوم عزاء وتعديد على ملك ... ثوى ويوم نرى من بعده ملكا
بالأمس غيب في بطن الثرى قمر ... واليوم لاح هلال زين الفلكا
كذا الزمان وفي أفعاله عبر ... والشر والخير في أفعاله اشتركا
وهكذا الدهر ما زالت عجائبه ... حيناً تسر وحيناً تشرق الحنكا
لئن فقدنا إماماً كان عمدتنا ... فقد وجدنا إماماً للفقيد حكا
وإن مضى ناصر الدين الحنيف فقد ... أعاضنا الله بالداعي وما تركا
جلت خلافة مجد الدين كربتنا ... حتى كأن أباه القرم ما هلكا
وأصبح الدين من بعد العبوس به ... مستبشراً ضاحكاً لا يعتريه نكا
والشرك أصبح في ويل وفي حرب ... لما (رأى)(1)سيف مجد الدين وانتهكا
واستبشرت مكة عند القيام به ... وطيبة طار منها القلب إذ ملكا
لأنه صاحب العدل الذي وردت ... به الملاحم والنهج الذي سلكا
مهدي عيسى الذي جاءت به سير ... ولم أكن في الذي بينت مؤتفكاً
أما ترى الأرض قد عمت بدولته ... خصباً وشمر عنها الجدب وانفركا
__________
(1) سقط من (أ).
قلت: وهذا الإمام الممدوح حري بأن تمدحه الملائكة والروح، كان من العلم بمحل لا يلحق، ومن الهداية في فلك لا يغيب نوره ولا يمحق، وأما علوم العربية فكان نسيج وحده، وله (شرح على الموشح) (1)، وكان من الزهد والورع بمحل عظيم، وكانت بسطته على أكثر الإقليم المتوسط من اليمن، وكانت الحصون بيده، فلما اطلع على أمور من الأمراء تقضي بها السياسة منع منها، فكان بها إنحلال الحال وأعظمها مسألة الرهائن، فإنه لم يرض بهم، وقال: (لا تزر وازرة وزر أخرى)، وكانت له كرامات، منها: أن الشيخ بشار صاحب الدرب المشهور بدرب ملوح لما مر عليه هارباً إلى الحجاز في زمرة من الفضلاء طالبه بحصان نجيب كان الإمام يركب عليه، وقال: هذا لا ينبغي أن يكون إلا لمن عليه عهدة طريقة الحاج /30/ لنجدته، ولم يترك للإمام خيرته، فجمع الإمام أصحابه ورتبوا أشياء من الذكر، فلم يكن إلا إلى هزيع من الليل، وقد ورم الشيخ ثم انتقع، وكان بذلك هلاكه، ولما حضرت الإمام مجد الدين الوفاة جعل وصيه الإمام شرف الدين وأرسلوا إلى الإمام شرف الدين بسجادته وشيء من أعمال عبادته، فبكي الإمام شرف الدين كثيراً، ثم قال: لو علمت حال مجد الدين ما قمت هذا المقام، فذكر له العلامة الزريقي فضائل مجد الدين وبسط فيها كثيراً أعاد الله من بركاتهم. وكان للإمام مجد الدين في الأدب مع كمال رجاحته وزهده وفكرته حظ عجيب، وهذا ديدن أهل هذا البيت المؤيدي - عليهم السلام- روي أنه كان بعض أصحابه راكباً لحمار فتردى من فوقه فقال الإمام بديهاً ملاطفاً له:
أفي الصحيرات(2) ألقتك المقاديشُ ... ولم تكن تلقاك (3) العرب المطاييشُ
فظل بينك والبطحا معانقة ... فوها إلى فيك تقبيل وتخميشُ
__________
(1) لم أجد له نسخة خطية، وعن الإمام مجد الدين [886 - 942]هـ ومؤلفاته ومصادر ترجمته، انظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 857.
(2) في (أ): الصخرات.
(3) في (أ): يضنك.
كانت وفاته بالحرجة في (……)(1) وله عقب هنالك ومشهد مشهور مزور، وخزانة كتب - عليه وعلى سلفه السلام -.
أبو الحسن بن أبي العباس [ - ]
أبو الحسن بن أبي العباس، أبو الحسن العالم الكبير بن أبي العباس القرضي الكتكتاني(2)، نسبه إلى قرية من قرى قلوم رودما(3)، وبها قبره - رحمه الله - ترجم له الملا يوسف حاجي.
حسن بن عبد الرزاق [ - ق7هـ تقريباً]
العلامة الفقيه حسن بن عبد الرزاق صاحب الرد على المطرفية وأحد المنكرين عليهم، ذكره القاضي عبد الله في الرسالة المنقذة (4).
الحسن بن عبد الله بن زيد العنسي [بعد سنة 689 ه ]
الحسن بن عبد الله بن زيد، القاضي العالم بن العالم الحسن بن عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - كان عالماً عاملاً، قرأ على الإمام المظلل بالغمام المطهر بن يحيى - نور الله ضريحه - وأثنى عليه الإمام، ونوه بذكره، وصحبه في أيام (تنعم)، وقرأ عليه أيام الحرب هنالك أصول الأحكام والمجموع وكان الفراغ من السماع آخر شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وستمائة.
الحسن بن عز الدين بن المهدي الجحافي [ق10 ه ]
السيد العالم الحسن بن عز الدين بن المهدي بن أحمد بن الجحافي - رحمه الله - كان عالماً فاضلاً جليلاً نبيلاً(5)، وهو والد السيد عبد الرحمن بن الحسن العالم المشهور الآتي ذكره وكان والده العلامة عز الدين بن المهدي، أحد العلماء الكملاء الفضلاء، تولى القضاء ببلاد ظليمة للإمام شرف الدين - عليه السلام- ولعلنا نذكره في محله إن شاء الله تعالى.
الحسن بن عزوي العصيفري [ق11 ه ]
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب)، ووفاة الإمام مجد الدين بن الحسن بن عز الدين في الحرجة من بلاد شريف سنة 942هـ، ومدة خلافته 14 سنة.
(2) في (ب): الكتاني.
(3) في (ب): رودمان.
(4) لعله من المعاصرين للإمام عبدالله بن حمزة عليه السلام.
(5) في (أ)، وفي (ب): تكيلا.
الحسن بن عزوي العصيفري، الفقيه البليغ فصيح آل محمد، كان عالماً فاضلاً، من بيت علم معمور بالخير حميري النسب شيعي الحسب، ومسكن أهل هذا البيت بميتك (1) بنواحي عفار، وأكثر شعره - رحمه الله - في نصرة الإسلام وتهييج أرباب الحق، وكان شعره واضح المعاني فصيح المباني، فمن شعره يوم فتح الإمام المنصور بالله (2) لصنعاء /31/:
ظهرت حجة العلي الكبير ... بالإمام المؤيد المنصورِ
بسليل النبي من طاهر العتـ ... ـرة من فرع شبر وشبيرِ
ألبس الناس من محياه نوراً ... قد بدا والأنام في ديجورِ
وعليه من الجلالة برد ... ليس من سندس ولا من حريرِ
ومحيط به مهابة عزم ... فهي سور عليه من غير سور
ذا ابن من سبح الحصى في يديه ... واستقى للحجيج وجه الهجير
ذا ابن خير الأنام عن وحي جبريـ ... ـل وقول النبي يوم الغديرِ
وهي طويلة، ومن شعره في الإمام المنصور بعد أخذ الإمام للسلطان شهاب في آخر القصة التي تمر - إن شاء الله - بعضها في ترجمة ابن ثسبيب، هي أن السلطان أوى إلى براش ثم استسلم للإمام:
أقمت من دين أحمدٍ أوده ... وأنجز الله فيك(3) ما وعَدَه
يا رافع الظلم عند شدته ... وماهد العدل خير من مهده
وأنت(4) أنت الذي لهيبته ... فرائص الظالمين مرتعده
ويلٌ(5) لمن خانه وعانده ... ويل لأعداء دينه المرده
ويل لمن لم يدن بطاعته ... وأنكر الفضل فيك أو جحده
كيف يحب النبي ويبغضه ... وقد رأى حب والد ولده
__________
(1) مَيْتك: هو الاسم القديم لبلاد عَفَّار، بالشرق الشمالي من مدينة حجة. (معجم المقحفي ص1693).
(2) الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي عليه السلام [967 - 1029 ه ]
(3) في (ب): منك.
(4) سقط في (ب): أنت.
(5) في (أ): ويلي.
قلت: تأمل معنى هذا البيت، فإن مقصده - رحمه الله - كيف يجتمع حب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وبغض ولده الممدوح، وقد شاهد الناظر حب الوالد لولده، فما يرضي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بحبه وبغض أولاده:
طوبى لمن سار تحت رايته ... ومن حذا حذوه ومعتقده
طوبى لأرض مشت بها قدم ... له وطوبى لمنبر صعده
لا يعقد الدهر ما يحل ولا ... يحل ريب(1) الزمان ما عقده
وهي طويلة، وسيمر - إن شاء الله - في ترجمة جد الناظريين - رحمهم الله - شيء من شعره، وأحسب من أهل بيته الأديب الكاتب أحمد بن عزوي الصنعاني، خالط بني طاهر، وكان فصيحاً بليغاً، ومن شعره الجواب على الشيخ الحافظ عبد الرحمن الديبع في مدح زبيد وتعظيمها على الجبال، وقصيدته هي:
أسكن زبيد تجد ما تشتهي فيها ... فهي التي(2) تذهب الأسوا وتنفيها
زبيد لا شك عندي أنها خلقت ... من جنة الخلد يا طوبى لثاويها
وجودها(3) العين لا شيء يشابهها ... ولا يشابه معنى من معانيها
تنسى بكل بلاد الله ساكنها ... وليس شيء من البلدان ينسيها
وحسب هاتيك فخراً أن سيدنا ... محمداً قد دعا قدماً لواديها
وليلها طيب فيما رواه لنا ... الشيخان عن طيب الأخلاق زاكيها
/32/ وفي حديث سطيح أن بقعتها ... مرحومة رحم الباري محييها
كأنها حرم في الأرض قد أمنت ... تجبى الثمار إليها من بواديها
ونخلها يشبه الغادات زينها ... في جيدها حلية ذو العرش مبديها
وإن ترد علماء الدين تلق بها ... ما تبتغي منهم علماً وتفقيها
بها الأشاعر لا قلت جماعته ... يأتي إلى الصلوات الخمس يحييها
وجامع قد زهى أقطارها حسناً ... سامي المساجد من أقطارها تيها
أحياه مالكنا بعد الممات كما ... أحيا من السنة البيضاء باليها
العادل الظافر الميمون عامر من ... له البلاد قد انقادت نواحيها
ومن به أمنت كل البرية ما ... تخشاه واندفعت عنها مساويها
__________
(1) سقط من (أ): ريب.
(2) في (أ): الذي.
(3) في (ب): وحودها.
ما زال بالله محروساً وخالقه ... بكل ما يشتهي الأقدار يجريها
زبيد لا هم يغشى قلب ساكنها ... فالله يحرسها والله يكفيها
ينال كل امرئٍ ما يشتهيه بها ... وينجلي هم من أمسى يدانيها
من قاس أرض زبيد بالجبال فقد ... أخطا الصواب ولم يدرك معانيها
لا بارك الله في سكنى الجبال فما ... لذي تهامة يوماً راحة فيها
سوى الجبال التي في فضلها وردت ... أخبار خير عن المختار نرويها
أما (تعز) التي من فوقها (صبر) ... فلا سقى ربنا بالغيث ناديها
فيها صنوف من البلوى منوعة ... ما في الخلائق من بالعد يحصيها
من قمل وكتان خالدين بها ... لا يتركان دماً في جسم أهليها
وعسرة وعقاب في مسالكها ... بها يعاقب(1) من يا صاح يأتيها
وثقل ماء من الأحجار عنصره ... ذي قسوة لقلوب الناس يهديها
أنوف ساكنها طالت وأنفسهم ... حقيرة همها ما كان يرديها
في باعهم قصر عن كل مكرمة ... تطاولت نحوها الأيدي لتحويها
فعد عنها ولا تبغ المقام بها ... واسكن زبيد تنل كل المنى فيها
إلا إذا كان سلطان الوجود بها ... فإنه من أليم الداء يشفيها
الظافر الملك العدل الذي أمنت ... به البرايا جميعاً من أعاديها
ثم أخذ الشيخ على هذا النمط وهو مجيد فيه، إلا أن الشهاب بن عزوي حَبْلُ شعره أمتن وأقوى، وإن كان في الحديقة المسندة إلى الشيخ لين فإسناد حديقة الشهاب أنضر وأروى، وهي قوله /33/:
خفف على النفس من أشياء تخفيها ... فما ارتجالك نظم الشعر يشفيها
فأنت من غيظك المكروه في تعب ... فالله يطفئه والله يطفيها
من أنت حتى تذم الشم قاطبة ... وإنما ذمها ذم لمرسيها
لم تبلغ الشم طولاً يا بني ولم ... تخرق برجلك أرضاً أنت ماشيها
ما كنت تنقم إلا أنها ارتفعت ... على بلادك فخراً فهي تحنيها
إن البقاع إذا قام الوِهَادَ لَهُ ... بحجة أصبحت زوراً دعاويها
فالأرض من قبل قد كانت تمور على البحر المحيط بها لولا رواسيها
__________
(1) في (ب): معاقب.
فهل أتاك بها بالسبق شاهده ... فانظر إلى نصها إن كنت قاريها
وفي الأحاديث خير الناس ذوغنم ... بدينه فر يرعى في أعاليها
والوحي هل كان والتكليم في جبل ... مبداه حقق لنا إن كنت تقريها
لو شاد شداد في أرجائها إرماً ... ما كنت تنظرها بالخسف تمويها
أو كان يحصب من أرض الخصيب فقل ... سقى المهيمن بالأمطار ناديها
أو كان (غمدان) أو (غيمان) قد عمرا ... فيها فيا حبذا أرضاً تسميها
هل كان في أرضكم قصر يماثله ... فحجة لك في الدعوى تقويها
وأين تبع فيهم ذو الكلاع إلى ... خير الدلائل ما الإنسان مبديها
وكن بفضل(1) رجال الفضل مقتدياً ... واسكن بنفسك أرض القوم تنحيها
سل ابن يحيى الذي في ذي السفال ثوى ... هو ابن ابي الخير مولاها وواليها
أين ابن علوان قطب العارفين وأيـ ... ـن البحر علماً نفيس الدين مفتيها
أين الجنيد وأين الصردفي وأيـ ... ـن الأصبحي وسلمان الذي فيها
أين ابن حمزة يحيى أين ناصرها ... أين المؤيد والمنصور داعيها
أين المظلل بل أين المطهر بل(2) ... أين الممهد والهادي ومهديها
جبال علم على شم الجبال حووا ... من المفاخر ما لا الرمل يحصيها
لو لم يكن لجبال الأرض مفخرة ... إلا (تعز) لقال الناس يكفيها
أرض كساها الرضا من ربها حللا ... مطرزات بديعات حواشيها
الفخر ناسخها والعز ناشرها ... والسعد ملحمها والمجد مسديها
والأرض إن سعدت بالفضل أو شقيت ... فالله مسعهدها والله مشقيها
هذي تعز فقل لي ما ذممت بها ... أحسن شادنها أم حسن شاديها
ومنها:
أما يروقك أن الدهر مبتسم ... بين الثمار التي طابت لجانيها /34/
وروضة جمعت من كل مختلف الـ ... ألوان أعيت قوافي النظم منشيها
غصونها الخضر قد مالت على كثب ... قامات غزلانها باللين تحكيها
كأن أيدي الغمام الجون ترشفها ... من كأس خمر الحَيَا ريّاً وتسقيها
والياسمين على النسرين تنشره ... مر الرياح على الأغصان أيديها
__________
(1) في (ب): فكن بفعل.
(2) في (ب): أين.
والطل ناثر منثور ومنتظم ... لآلئ لم تك الأصداف تبقيها
والطير تسجع في أغصانه طرباً ... كأن قس عكاظ خاطب فيها
والنهر منهمر كالشهد من صبر ... وحكمة الله في الأضداد تجريها
جداول كالأفاعي السود في صبب ... تطاردت فهي تحكي جود مجريها
لها صليل كحلي الغانيات إذا ... أمسى يداعبها بالكأس معطيها
تسقي حدائق غلباً كل فاكهة ... فيها دنا يانعاً للقطف دانيها
والريح في لجج الغدران ناسجة ... سوابغاً لم يكن داود يصغيها
والنرجس الغض أعيان مكحلة ... مفتحات على الحاني مآقيها
والنوقر اصفر مما فيه من حرق ... فالماء ينفثها نفثاً ويرقيها
والفل نمت تحفيه لثته ... لما تضوع نشر المسك من فيها
وللسفرجل والرمان منظره ... يغري القلوب ويشهيها ويلهيها
والكرم قد فر منه النخل منهزماً ... إلى تهامة منه الله يقصيها
وللقصور اللواتي في أزقتها ... نور به زحزحت عنها دياجيها
تزهو بكل فتاة طرفها غنج ... تمسي الأعارب لا الأحبوش تسبيها
من كل من عينها نعساء فاترة ... كأن هارون بالأسحار يحظيها
وكل منعطف كالغصن قامتها ... تكاد أنك فوق الكف تلويها
كأنَّ مبسمها في الجيد حلبةُ ... والحسن عن ذات حسن الحسن يغنيها
لا فاتك الرشد قل لي ما الذي نقصت، عن جنة الخلد أو ما نقص أهليها
ثم أخذ على هذا الأسلوب، وهي قصيدة كما ترى فصيحة تدل على غزر ديمته.
الحسن بن علي بن علي الأفطس [ - ق2 ه ]
السيد الإمام الحسن بن علي بن علي الأفطس، كان إماماً في كل فضيلة مقدماً في كل خصلة نبيلة.
قال أبو طالب - عليه السلام-: كان يحمل راية النفس الزكية. وقال ابن عنبة: قال أبو نصر البخاري: خرج الأفطس مع محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية وبيده راية بيضاء ولم يكن معه أشجع منه، ولا أصبر، وكان يقال له: رمح آل أبي طالب /35/ لطوله وطَوله.
وقال أبو الحسن العمري: كان صاحب راية محمد بن عبد الله الصفراء.
قال البخاري: ولما قتل محمد بن عبد الله، اختفى الحسن، فلما دخل الصادق العراق ولقي المنصور قال له: يا أمير المؤمنين تريد أن تسدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: نعم، يا أبا عبد الله. قال(1): تعفو عن ابنه الحسن بن علي بن علي، فعفا عنه(2).
الحسن بن علي الحسيني الجويني [ق6 ه ]
السيد الإمام الحافظ الحسن بن علي الحسيني الجويني، كان من حفاظ العترة وبدور الإسناد المشرقة، قرأ عليه ابن أخيه العلامة يحيى بن إسماعيل رسول المنصور بالله - عليه السلام- إلى خوارزم شاه، (أمالي أبي طالب) و(الصحيفة) وغيرهما، وكان بحراً من البحار وحبراً من الأحبار(3).
الحسن بن علي الأشل [ - ]
__________
(1) في (ب): فقال.
(2) وفي مقاتل الطالبيين ص 250: كان مع الأفطس وهو الحسن بن علي بن علي بن الحسين، علمٌ لمحمد أصفر فيه صورة حيه، وكان مع كل رجل من أصحابه من آل علي بن أبي طالب علم، وانظر أعيان الشيعة 5/205 - 206، وفيه الكثير من التوقلات التي ردها الأميني ودافع عنه، وبقية مصادر الترجمة هناك.
(3) في الطبقات: الحسن بن علي بن أإحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد محمد بن أحمد بن عبدالله بن الحسن الأفطس بن الحسين بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الهاشمي العلوي، المعروف بالجويني: السيد بدر الدين. يروي صحيفة علي بن موسى الرضا، عن الشيخ الإمام عمر بن إسماعيل، عن الشيخ الزاهد علي بن الحسن العبدلي سنة 1598هـ وذكر بقية رواياته إلى أن يقول: وأخذ عنه جميع ذلك ما بين سماع وإجازة ولد أخيه عماد الدين يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد الحسيني. (الطبقات الكبرى القسم الثالث 1/309، ترجمة 170.
السيد العلامة الحسن بن علي بن يحيى بن محمد الأشل. قال السيد الإمام يحيى بن القاسم: كان من عيون أهل البيت وأطهارهم، وصفه بالعلم الغزير، وأنه من ثقات آل محمد وعيون علمائهم، وروى عنه ملحمة من كتب سلفهم في الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام-.
الحسن بن علي بن المؤيد [804 - 891 ه ]
السيد الكبير الحسن بن علي بن المؤيد والد الإمام الأعظم الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن - رحمهم الله - ترجم له العلامة ابن المظفر والزحيف الصعدي، فقال الزحيف ما لفظه: اعلم أن هذا السيد - رحمه الله - كان في عصره من أعيان السادة، والواسطة من القلادة، والمقصودين بالوفادة، والمعروفين من مكارم الأخلاق بالحسنى وزيادة، وكان من البقية المنظور إليهم بعد وفاة أبيه، وحاز قصب الرئاسة منهم، وهو الذي أتم أساس أبيه للمسجد(1) المقدس، ولد في شهر صفر سنة أربع وخمسين وتسعمائة(2)، فيكون ولد وأبوه حي خليفة في مدته نيف وثلاثون سنة، ومات بين الصلاتين يوم الخميس الرابع وعشرين من شهر محرم سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، وكان في مدة حياته متأهلاً في مكانهم لنفع العام والخاص والداني والقاص، وأقام مدرسة القرآن الكريم ومدرسة لطالبي العلم الشريف والتعليم، وكان تجبى إليه زكوات كثيرة من الجهات في زمانه، فيصرفها في مستحقها إلى أن دعا ولده وألقى الأمر إليه في ذلك برمته وكفاه وشفاه وقرر ثناه وأحمد مسعاه وأنشد لسان حاله:
رقدت وطاب النوم لي وكفيتني ... وكل فتىً يكفى الهموم ينام
__________
(1) في (ب): للمشهد.
(2) هنا خطأ في الميلاد والصحيح كما في حاشية نسخة بقلم السيد سراج الدين عدلان أنه ولد سنة 804 في شهر صفر، وتوفي - عليه السلام - في شهر محرم 891هـ، فيكون عمره سبعة وثمانين سنة.
قد(1) كان - رحمه الله - اشتهر بالكرم المفرط حتى كان يفد عليه كثير من البلغاء والشعراء والأدباء من النواحي والأقطار، وقيلت فيه الأشعار، وكانت فيه مكارم أخلاق جمة.
قال الإمام عز الدين فيما نقلته من خطه: ما رأيت في زماني من هو أصدق لهجة منه، وأكثر مجانبة للكذب حتى في مخاطبات زوجاته وصغار أولاده. قال: ولا رأيت /36/ أقل فحشاء وتفاحشاً ولا أحلم ولا أصبر(2) وأوقر ولا أبر منه بأهله ولا أشفق وأرفق وأكثر تغاضياً واحتمالاً، ولا رأيت أكثر منه طهارة وصلاة وأعدل في ذلك، وله تهجد وذكر واستكثار من الصلاة، وحرص على تعهد المسجد والعبادة فيه مع كبر سنه وضعف بدنه وذهاب بصره.
قال: ومن سعادته أنه حظي في زمانه من المناقب بما لم يحظ به غيره منها، طول عمره في أفعال البر من الصغر إلى الكبر، ومنها كثرة الأولاد وتعددهم، وما رآه(3) فيهم من الكمال ومحامد الخلال، ومنها سلامته من نكبات الدهر ومعار أهله الطاهرة، فلم يسلط عليه عدو ولا ظالم ولا أحد من الدول والقبائل مع منابذته لهم في بعض الأحوال.
__________
(1) في (ب): وقد.
(2) في (ب): ولا أحلم وأصبر وأوقر.
(3) في (ب): وما رآه بعينه.
وأقول: صدق الإمام فيما يظن، فإنك إذا تفكرت فيما بلي به عبد الله بن الحسن بن الحسن الكامل من أبي الدوانيق وما أنزله به وبأهله من أنواع العذاب علمت أنه قد أصاب في لموحه إلى هذا الباب؛ لأن أهل المناصب العلية قل أن يسلموا من أن يقلب لهم الدهر ظهر المجن ويجرعهم أفاويق المحن، وانظر أيضاً إلى النقيب أبي أحمد والد المرتضى والرضي الموسوي فإنه ما سلم من طوارق الزمان ونوائب الحدثان، بل لما اشتهرت فضائله ثقل على عضد الدولة وهابه وكبر في صدره، فاعتقله في بعض قلاع فارس، وبقي محبوساً حتى مات العضد، ولولده الرضي في ذلك أشعار وأخبار قد أشرت أنا إليها في شرحي للمرثية التي أنشأها الإمام عز الدين بعد موت أبيه، وهي من (طنانات) المراثي ولمطابقتها للمقام أحببت الإتيان بها هنا فتكون لهذا الباب كالختام، وهي:
مصابك هد الشامخات الرواسيا ... وصير طرف الفخر والمجد باكيا
وضعضع بنياناً من المجد والعلا ... له كنت يا صدر الأفاضل بانيا
وسعَّر ناراً للكروب شديدة ... تذيب القلوب المصمتات القواسيا
وروعك جرح ليس جرح كمثله ... عدمنا له طباً نداويه آسيا
وفقدك منه اللب أصبح مدهشاً ... كحيران ملقى في قفار موافيا
وبعدك منه القلب قد صار موحشاً ... كئيباً وصار الدمع في الخد جاريا
وموتك خطب ألبس الأرض ظلمة ... وأكسفها بدر السما والدراريا
عدمنا سلواً حين غيبك الثرى ... فأمسيت منا غائباً فيه نائياً
أبا أحمد يا خير حي وميت ... ويا واحداً في الفضل براً وزاكيا
ويا شرف الدنيا ويا خير أهلها ... وفخر بني الأيام شيخاً وناشيا
لقد عشت ميمون النقيبة ناصحاً ... لرب السما في مكسب الحمد ساعيا
/37/ مصوناً عن الخلق الذميم مبوأ ... سريعاً إلى الخيرات لا متراخيا
غياثاً لوفاد مغيثاً ومنهلاً ... مراداً لورَّاد بنيل الأمانيا
كريماً جواداً مانحاً متفضلاً ... كسوباً ومتلافاً مضيفاً وكاسيا
فكم جائع أشبعته وهو ساغب ... وكم لابس لولاك أصبح عاريا
وما زلت لله المهيمن خائفاً ... يرى لبهيمات الليالي معانيا
تصلي على ضعف صلاة طويلة ... فلا فاتراً فيها ولا متوانيا
شكور على النعما تقدر قدرها ... ذكور لما أوليته ليس ناسيا
ورثت الندى والجود والمجد والهدى ... وشيدت بنياناً لها كان واهيا
وأسست يا خير الأنام مدارساً ... أفدت بها من كان فيهن قاريا
وربيت في حجر الخلافة راضعاً ... لأخلاقها وقتاً من الدهر خاليا
وربيت من أبنائك الشم قائماً ... بأعبائها كل الشرائط حاويا
أبوك إمام للأنام وبعده ... ولدت إماماً للبرية ثانيا
ووالدك الهادي إلى دين ربه ... وصار ابنك الهادي إلى الحق داعيا(1)
توسطت بين الهاديين مباركاً ... كواسطة العقد التي هي ما هيا
فيا لك فخراً لا فخار كمثله ... على البدر والشمس المنيرة ساميا
خصصت به دون البرايا مفضلاً ... فصير كل منه غيرك خاليا
وعمرت سبعاً مع ثمانين حجة ... حميداً سعيداً ظاهر الصيت عاليا
وما زلت محمود السجايا محبباً ... لكل البرايا لم نجد لك قاليا
وما مات من أبقى كمثلك سادة ... غطاريف صيداً يكسبون المعاليا
ثلاثين من أبناء صلبك لم يكن ... لهم أحد في الخافقين مساويا
كذا سبعة بعد الثلاثين أنجم ... ترى في سماء المكرمات بواديا
فمنهم إمام طبق الأرض ذكره ... يقود النواصي عنوة والصياصيا
إلى سيد صدر متى قام خاطباً ... على منبر عال يصوغ اللآليا
ومن قائد للجيش أروع ماجد ... يسر الموالي أو يسوء الأعاديا
ومن عابد لله بر مطهر ... وصاحب ذكر ليس ينفك تاليا
إلى طالب درّاس علم مسامر ... لدفتره حتى يرى الفجر(2) باديا
مكارم ذكراها يزين ونظمها ... يروق من الأسماع ما كان واعيا
وأبقيت من أبنا أبيك مكارماً ... فذكرهم يجلو القلوب الصواديا
__________
(1) في (ب): هادياً.
(2) . في (ب): النجم، وفي (أ) كذلك، وفوقها تصحيح بما أثبتناه.
38/ كهولاً وشباناً وشيخاً مبجلاً ... فأكرم بهم رهطاً سراة مواليا
وحزت وأحرزت المحاسن كلها ... فمن فرط تهذيب عدمت المساويا
فيا أبتا أدعوك دعوة شيق ... وهيهات يوماً أن تجيب المناديا
بكينا فلم يغن البكاء فإننا ... لنرضى بما كان المهيمن راضيا
لئن كنت لبيت المهيب(1) مسارعاً ... إلى غرف حزن الحسان الغوانيا
وغادرتنا في كربة وكآبة ... وقد صرت مسروراً بذاك وساليا
فما انس لا أنسى جميلاً صنعته ... إلي وبراً واسعاً وأياديا
فلما أتاني عنك أنك مدنف ... وما كنت بالإدناف من قبل داريا
نهضت من الأهنوم نحوك قاصداً ... ولو فاز قدحي كنت عندك دانيا
وبادرت في تلك المهامه سائراً ... على عجل مني وفي الليل ساريا
ولا علم لي أن الحمام مسابق ... عليك بخيل كل ما كنت ثاويا
ففاجأني علم(2) بموتك مؤذن ... ألا ليتني لم أستمع لك ناعيا
ويا ليتني أدركت ما كنت آملاً ... ويا ليته ما فات ما كنت راجيا
ويا ليتني كنت المباشر بعدما ... توفيت مرضياً عليك وراضيا
أرى غاسلاً في الغاسلين وبعده ... أرى حاملاً في النعش ثم مواريا
ألا ليس ليتَ نافعاً حر علةٍ ... ولا لسقام القلب والكرب شافيا
فصبراً فإن الصبر أوسع ساحة ... وخير الأسى والحزن ما كان خافيا
وصبراً على مر القضاء وصرفه ... وإن كانت الأجفان منا هواميا
وإن لنا في المصطفى خير أسوة ... وآل النبي الأرفعين مراقيا
عليك سلام الله ما هبت الصبا ... وزارك مني دائماً متواليا
وأسكنك الرحمن جنات عدنه ... تحل إذا ما صرت فيها العلاليا
ونلت الرضا والفوز فيها مخلداً ... ومن ثمرات للفواكه جانيا
ولا نلت مكروهاً ولا ما تخافه ... وكنت من الأهوال في الحشر ناجيا
انتهت القصيدة.
__________
(1) . كذا.
(2) في (ب): ناع.
قال الفقيه العلامة محمد بن علي بن يونس الزحيف - رحمه الله - محرر هذه الترجمة بهذه الألفاظ ما لفظه: ولما أنشأها الإمام وتناولها الخاص من شيعته والعام، قال لي: يا فلان ما نكره شرحها، فقد تضمنت(1) مدة السيد وأحواله من سيادته وتعديد قرابته وغير ذلك، فامتثلت رسمه ونفذت حكمه وشرحتها شرحاً لطيفاً /39/ وسميته (الرسالة الناطقة لشرح معاني الترثية الصادقة)(2)، فلما وقف - عليه السلام- على هذا الشرح استجاده وأمر بنسخه نسخاً متعددة، وكساني وأهل بيتي تكرمة لائقة وعلى حسب ما نريده منه مطابقة(3).
الحسن بن علي بن حمزة الحمزي [ق7 ه ]
الشريف الحسن بن علي بن حمزة الحمزي، هو السيد الرئيس الأمير الخطير السامي الحسن بن علي بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم - رحمهم الله تعالى - كان خطيراً كبيراً، له أشعار فائقة، ومن شعره لما فتح الله صنعاء على الإمام احمد بن الحسين المرة الثانية:
لقد آن يا صنعاء أن تتبدلي ... بسيد العلا ليث العرين الغضنفرا
وأن ترفضي لبس السواد وتتركي ... مدى الدهر في الأيام ما كان منكرا
وأن تسبقي بغداد بالفتح إنني ... أرى حظ أهل السبق أعلى وأوفرا
وحسبك بالمهدي في كل حالة ... إماماً إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقد أعربت بغداد أن سوا الذي ... بها من بني العباس قد صار أجدرا
ونادت إلى المهدي أهلاً ومرحباً ... وأعطته عن طوع سريراً ومنبرا
فلا تجمحي إني أحاذر صولة ... ترى لجموح الأصغر الخد أصغرا(4)
الحسن بن علي العبالي [ - 1056 ه ]
__________
(1) في (ب): فقد تضمنت ذكر مدة.
(2) وفق عليه السيد أحمد الحسيني وذكره في كتابه مؤلفات الزيدية 2/44 بتحقيقنا.
(3) انظر مآثر الأبرار.
(4) انظر سيرة الإمام أحمد بن الحسين أبو طير تحت الطبع.
السيد العلامة الحسن بن علي العبالي، هو العلامة إمام المعقول والمنقول شيخ العلماء الجلة الجهابذة الفحول شرف الإسلام الحسن بن علي بن صالح بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ومحمد بن أحمد هذا الأخير هو الذي خرج من محلاه من بلاد (الحرجة)، وهي هجرة مشهورة ويقربها هجرة (العشرة) التي فيها السادة المحنكيون وأحمد والد محمد المذكور هو ابن محمد بن الحسن بن يحيى بن علي بن الحسن بن عبد الله بن إسماعيل بن عيسى بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام- كان سيداً عالي المنزلة شريف الرتبة، حاوياً لفضائل دثرة من دماثة أخلاق وعذوبة ناشئة ورقة حاشية، وحفظاً ورواية، وإتقاناً ودراية، كان مرجوعاً إليه سيما في علوم القرآن، وله مشيخة أجلاء، منهم الشيخ العلامة شيخ الحرمين واليمن لطف الله بن الغياث الظفيري - رحمه الله - وكان الغاية في علوم الأدوات، وكان مدرساً في الأصولين أستاذاً محققاً، وفقيهاً فاضلاً، حضرت بعض الدرس عليه في البحر الزخار وهو أستاذ إمام الوقت المتوكل على الله رب العالمين بن أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين مد الله مدته، وبسط في البسيطة بسطته، وكان ينوه بذكر الإمام، ويثني عليه، ويذكر بعباراته الوافية بعض ما يستحقه الإمام من التعظيم، وكان في صدر هذه الدولة النبوية المتوكلية من أهل المناقبة(1) والحضور بالمقامات المتوكلية مطاع الأوامر مبجلاً، وكان له حافظة وأدبيات، إلا أنه لا يبوح بعجائب ما عنده إلا للخواص، فهو روضة أريضة، وكان له شعر جيد حسن، أجاب علي في أبيات وجهتها جواباً عن الفقيه العلامة، وكان السيد - رضي الله عنه - استخلف بعض عبارات الفقيه فأجاب /40/ ولكنه بعد أن أطلعني على الجواب(2) مزقه وقال: أنا لا أظهر شعري وإنما فعلت هذا محبة للتواصل، وتوفي - رحمه الله - بظفير حجة، ودفن بالمشهد الأحمدي في جمادى الآخرة سنة
__________
(1) في (ب): المثافنة.
(2) في (ب): عن.
ست وخمسين وألف، وعملت أبياتاً تكتب في الصخر ولم يكتب أولها:
عج بالضريح فإن فيه واحداً ... طلق الجبين وشامخ العرنين
قد بذَّ في المنقول كل محقق ... وأغار في المعقول سعد الدين(1)
الحسن بن علي [ق8 ه ]
السيد الحسن بن علي عم الإمام المهدي، هو إمام العلوم شيخ الأئمة، الكثير الفضائل، ذكره السيد شمس الإسلام أحمد بن عبد الله والسيد الهادي بن إبراهيم الصغير، وقال في حقه الشيخ العلامة نظام الدين إسماعيل بن إبراهيم بن عطية في سيرة الإمام المهدي علي بن محمد حيث عدد مشائخه في العلوم ما لفظه: وأقام - عليه السلام- في ملازمة العلم في جبل الشرف(2)، وأخذ في ابتدائه العلم عن(3) عمه علم الدين وشمس الظلام البحر الزخار والغيث المدرار حائز علوم الأئمة الأطهار من له الشرف الجلي الحسن بن علي، انتهى.
الحسن بن علي بن محمد [ - ]
__________
(1) في الطبقات: سمي العبالي لسكون والده في محل العبال من بلاد حجة مشهور، وقال قرأ في الأصول وغيرها كالتفسير على الشيخ لطف الله الغياث، ثم وصل إلى عند الإمام القاسم بن محمد إلى وادعة وقرأ عليه مجموع الإمام زيد بن علي إلا معشراً واحداً في آخره، ثم أجاز له إجازة عامة في جميع سموعاته ومؤلفاته وشجاراته، وكان له تلامذة أجلاء أعلمهم القاضي أحمد بن سعد الدين والإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم والسيد الحسين بن صلاح إلى أن قال: وهاجر إلى شهارة وزوجه الإمام القاسم بن محمد ابنته الشريفة جمانة، ولم يزل بها إلى قرب الوفاة، فانتقل إلى ظفير حجة وبه توفى. الطبقات الكبرى القسم الثالث 1/314 ترجمة 173، وانظر بقية المصادر هناك.
(2) وفي (ب): (الشرق).
(3) في (ب): على.
العلامة الفقيه الموفق شرف الدين الحسن بن علي بن محمد (بن محمد)(1) بن أبي النجم - رحمه الله - كان عالماً مجتهداً فاضلاً، ولما دارت مسألة الوقف المخرج منه البنات(2) ومنع منه المنصور واستدل بما هو مشهور عنه، بلغه في كتاب من الأمير تاج الدين أحمد بن محمد أنه وجد في كتب هذا العلامة ما يشبه كلام المنصور وأن ذلك وقف الجاهلية فسر الإمام لما وجدوه وحمد الله على ذلك.
الحسن بن علي بن صالح الأكوع [1000 - 1064 ه ]
__________
(1) ساقط من (ب).
(2) في (ب): النبات.
القاضي العلامة العارف بدر المعارف وسحاب العوارف الحسن بن علي بن صالح بن سليمان الأكوع - رضي الله عنه - هو فريد أوانه، ووحيد زمانه، أحد حسنات الأيام، وأكثر مفاخر الشيعة، حوى من المكارم ما لم يحوه أبناء جنسه من الورع الشحيح، والتشيع الصحيح، والعزم(1) المصعد، والشأو في الكرم المسعد، هو أحد أجواد الزمان، وكرماء الأوان، لا يختلف في ذلك اثنان، ومع ذلك يتلطف بالسائلين كأنه يسألهم ما أعطاهم، ولطال ما سمعته يقول خذ مني وأنا أحق بما عندي منك. وكان من الشجاعة بمحل لا يلحق وحسبه ما قال رئيس الشعراء إمام المرابطين يحيى بن صلاح الثلائي، فإنه قال: الحسن [بن علي](2) أشجع من يوجد، وسمعت من والدي - رحمه الله - مثل هذا أو قريباً منه، وكان يطير للحرب طيراناً، ويفعل فعل من لا يهاب الموت، حتى إنه في حروب المقعد غلق عليه الدار لكثرة العدو فوثب من الطاق ودخل في القوم وأصابته رصاصة، وله من هذا عجائب وغرائب. وله أخلاق أرق من النسيم، وأروق من التنسيم، بسام في وجه كل أحد ملاطفاً، مزاح بالمزح(3) الشرعي، ألف مألوف، وكان الصبيان إذا رأوه تهافتوا عليه فيكون عنده منهم. ومن المساكين خلائق، ويرمي لهم بالنقد كالحجارة، وكان مسعوداً ذكر لي ابن أخيه الرئيس(4) الفاضل علي بن عز الدين - رضي الله عنه - وهو من أعيان هذا /41/ البيت الكريم أنه قال له لم يخل من كفي النقد مذ خرجنا من صعدة لجهاد الأروام، قال له هذا وهو متعطل عن الولاية والأمانة في الغالب، متولي دائماً، لكنها ولاية شبيهة بالاستقلال لحسن ظن الأئمة فيه ولوجه الخبرة وبآخره من الأيام قل في يده النقد، فوصل إلى سوحه ضيف كريم، فلم يجد سبيلاً لقرائه وهو لا يألف ذلك(5)، فبكي وتوجع، ثم أخذته سنة فاستيقظ وعنده خمسة وعشرون قرشاً، فاستأذن فيها الإمام(6)
__________
(1) في (أ): والعلم.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): بالمرح.
(4) في (ب): الرائس.
(5) سقط من (أ): ذلك.
(6) سقط من (أ): الإمام.
المتوكل على الله، وبلغني عن الثقة أنه استمر له مثل هذه عند مهماته، وكان كثير الولوع بـ?قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ?[الإخلاص:1]، سورة الصمد، أعاد الله من بركتها، وبالجملة فليس عندي عبارة تفي بحقه، وله في الفقه والفرائض معرفة وسعها العمل، وإلا فإن اشتهاره بالعمل أكثر، وكان القاضي يحيى بن أحمد المخلافي على أنه من الكمال بمحل يعترف بفضله، ومما شاع عن بعض الفضلاء أنه قال: لو صلح أحد للإمامة صلح لها الحسن بن علي، توفي - رحمه الله - [في النصف الأخير من ليلة الجمعة، لعلها ثاني شهر ربيع الأول عام أربعة وستين وألف، وعمره نحو أربع وستين سنة](1)، ودفن بقبة ذي الشرفين (بشهارة)، ورثاه العلامة عبد الله بن المهدي صاحب (الظهرين).
الحسن بن علي الفزاري [بعد سنة 425 ه ]
__________
(1) في (ب): ما بين المعكوفين فراغ في النسخة (أ) ومولده في هجرة الملاحة سنة 1000هـ. انظر بغية المريد استطراداً في ترجمة السيد أحمد بن الإمام القاسم بن محمد، وملحق البدر الطالع 73 - 74، وتاريخ أعلام آل الأكوع 55، وهجر العلم ص1080هـ.
الفقيه الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب الفزازي(1) المعروف بهاموسة العلامة الكبير والإمام الخطير، ويحمل أنه غير الإمام الشيخ الكبير الحسن بن علي بن إسحاق الفرزادي - رحمه الله - والأظهر أنه هو وإنما كنية جده إسحاق أبو طالب، وهو الذي صلى على السيد الإمام مفخر الأمة المحمدية المرشد بالله يحيى بن الموفق أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن جعفر الجرجاني بن الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- صاحب (الأمالي الخميسيات) و(الاثنينيات) المنتقل إلى رضوان الله يوم السبت الخامس عشر من ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وكان آخر ما أملى يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، حديث ثابت قال: أتينا أنس بن مالك يوماً فإذا هو شاكي، فإذا اجتمعنا وذكرنا أباه كأبي أجده أهون علي، ولما أملى الإمام الموفق(2) هذا الحديث كان شاكياً، فبقي بعده إلى تاريخ وفاته المذكور، ثم رفعت روحه إلى دار التكريم، ودفن في سكة الغرابين بدار أخته التي جعلتها خانقاً بالري، وكان مولده - عليه السلام- سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ومعنى هاموسه طويل السكوت(3).
الحسن بن علي المحلي [ ق8 ه ]
__________
(1) في الطبقات ق3 ج1 ص317، ترجمة 176، ويعرف بجاموش بجيم وآخره شين معجمة، وفي نسخة ضبط بالخاء معجمة، وفي نسخة يخيم، ثم مهملة، والله أعلم.
(2) في حاشية (ب): الصواب المرشد بالله - عليه السلام-.
(3) في الطبقات: روى أمالي المؤيد بالله عن الأستاذ الرئيس علي بن الحسين بن مردك في الجامع العتيق في ذي القعدة سنة ست وتسعين وأربعمائة، وبعد أن ذكر مروياته قال: وسمع منه القاضي أحمد بن أبي الحسن الكني، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد في رمضان سنة خمسة وعشرين وخمسمائة. فيحمل أن وفاته بعد هذا التاريخ.
الفقيه العلامة الحسن بن علي المحلي، هو العلامة الفقيه الحسن بن علي بن أحمد المحلي، من تلامذة الفقيه الرئيس عضد الملة قاسم بن أحمد الشاكري - رحمه الله -(1).
الحسن بن علي بن يحيى الفضلي [ق 11 ه ]
الحسن بن علي بن يحيى الفضلي، عالم كبير فاضل شهير، ووالده العلامة المجاهد - رحمه الله - وسيأتي ذكره(2).
الحسن بن علي اليحصبي [.......]
العلامة الحسن بن علي اليحصبي، هو الفاضل العالم بن العالم شرف الدين(3) الحسن بن علي بن ناصر اليحصبي عالم كبير، ذكره السيد يحيى بن القاسم الحمزي، وذكر أن والده مؤلف شمس الشريعة، ولعله وقع سهو من الكاتب، فإن علي بن ناصر هو مؤلف البيان المعروف ببيان السحامي، وهما أخوان فيما ذكره السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله - /42/ وذكر غيره من شيوخنا أنه ابن أخيه.
الحسن بن علي بن سيف [.......]
الفقيه العلامة الحسن بن علي بن سيف عالم فصيح بليغ من شعره الترثية في بعض القضاه الجلة آل أبي النجم - رحمهم الله - ومنها:
يقولون لي صبراً وقد عزَّ بي صبري ... وما صبر من يطوي الظلوع على الجمرِ
وإني رهين للردى غير كاره ... ملاقاة موت أو نداء إلى حشرِ
__________
(1) في الطبقات: الحسن بن علي بن أحمد المحلي، الفقيه رضي الدين. سمع سيرة ابن هشام على الفقيه قاسم بن أحمد الشاكري، وهو أحد تلامذته، وسمع عليه أحمد بن علي بن عمران الشتوي، كان فقيهاً عالماً. الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص320، ترجمة 179.
(2) قال الأكوع في هجره: من أعلام المئة الحادية عشرة. عالم محقق في الفقه، من أهل السنة، شاعر أديب من شعره قصيدة انتصر فيها للخلفاء الراشدين رداً على الحسن بن علي بن جابر الهبل، إلى أن يقول: لم نجد له ترجمة في الكتب التي بين أيدينا، ولعله قد أهمل قصداً لدفاعه عن أصحاب رسول الله (ص)، كما أهمل ذكر كثير من أنصار الستة من قبل ومن بعد، انتهى كلام الأكوع.
(3) في (ب): أشرف الدين.
وكنت جليداً للخطوب إذا عرت ... إلى أن أتت جهراً بقاصمة الظهرِ
وأودت بمحمود الخلال وأنه ... لأرجح من رضوى وأوسع من بحرِ
وأجرى على المكروه عند نزوله ... من الأسد الصوال في البلد القفرِ
وأعطى من السحب الهطال سماحة ... والطف بالعافين من والد برِ
وكانت به الأيام غراً فأصبحت ... تروح وتغدو في ملابسها الغبرِ
وكان صلاح الدين للدين معقلاً ... وأزرا فسرح الدين أضحى بلا أزرِ
ومنها:
فمن مبلغ أبنا أبي النجم إنهم ... لأكرم حي في البداوة والحضرِ
مراجيح بسامون أهل فضائل ... لهم نخوة الحاني من البأس والعسرِ
بحار إذا جادوا بدور محافل ... صدور لدست المجد ناهيك من فخرِ
الحسن بن علي بن حنش
الحسن بن علي بن حنش - رحمه الله - هو العلامة الأديب اللغوي النحوي الحسن بن علي بن [يحيى بن محمد بن صالح بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن أحمد](1) بن حنش - رحمه الله - كان لمعرفته الكاملة بالعربية يسمونه سيبويه، وكان متضلعاً من العلوم مطلعاً، وله عناية بالوفيات والتراجم، وكان ناظماً متعلقاً بنظم الفوائد، وجمع الشوارد على أسلوب بن مالك، وكان من أعيان أصحاب الإمام شرف الدين - عليه السلام- وكان يقال له عين الإمام، لأنه كان الإمام إذا احتاج البحث في كتبه أمره بالبحث، وله أشعار كثيرة، ومن شعره هذه القصيدة في الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام- يتبرك بذكرها، قال: ولم أظهرها إلا بعد رؤيا، وكنت مستحقراً لها، وهي أنه اخبرني من أثق بخبره ولا أتهمه برؤيا حسنة من جملتها أن رجلاً أنشدها عند رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعنده رجلان آخران وهما الجميع بالجامع بذيبين، فلما تم إنشادها قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (لله در قائلها) ثلاثاً أو أربعاً، ثم سأل الرائي، هل تحفظ شيئاً منها، فأخبره أنه يحفظ منها أبياتاً، فأنشدها والباعث على إنشائها أن الحسن بن علي - رضي الله عنه - كان ينزه الشيخ الحفيد الرصاص أو يروي توبته، فرآه الإمام أحمد بن الحسين يعاتبه في تنزيهه أو رواية توبته، وجدت هذا بخط القاضي أحمد بن يحيى حنش، والقصيدة هي هذه:
نسيم الصبا هبت على جبلي نجد ... فأرَّجت الأرجا بعنبرها(2) الهندي
ولاح بريق الغور في غسق الدجَى ... فهيَّج لي شوقي وحرّك لي وجدي
/43/ وأرّقني ذاك الوميض بلمعه ... وعني نفى السلوان فالصبر لا يجدي
على أدمع تجري كمنهل قطرة ... وبي زفرة بين الجوانح كالرعدِ
لشدة ما صاليت من ألم الجوى ... ومعظم ما ألقى من النأي والبعدِ
__________
(1) ما بين المعكوفين فراغ في (ب).
(2) في (ب): تعبيرها.
تذكرت أحباباً هم غاية المنى ... وهم منتهى الآمال والسؤل والقصدِ
تولوا فأولوني الغرام ببعدهم ... فيا ليت شعري كيف حالهم بعدي
أهم حافظوا عهدي الأكيد فإنني ... لحافظ ذاك العهد أم نكثوا عهدي
رعى الله أياماً حساناً بقربهم ... تقضت مع اللذات والهزل والجدِ
ودهر قطعناه بأنعم عيشة ... وقد غاب عنا النحس في مطلع السعدِ
فدع ذكر شيء قد مضى لسبيله ... ولا تذكرن سعداً وآل أبي سعدِ
وعد نحو ذكر(1) القائم العلم الفرد ... شهيد الرضا بدر السما أحمد المهدي
إمام الهدى قد خص من عند ربنا ... بأعظم برهان له حالة المهدِ
عليه تحياتي وتلك هديتي ... وإن ثواب الفضل يأمله الْمُهدي
هو ابن رسول الله وابن وصيه ... مديحهم أحلى لدي من الشهدِ
براه إله العرش للناس رحمة ... وإرشاد من قد ضل عن منهج الرشدِ
وإنصاف مظلومٍ وقمعٌ لظالم ... وإعطاء ذي الإقتار والبؤس والجهد
يجود على العافين بالمال باسماً ... فيعطيهم من غير مَنِّ ولا عَدِّ
فما حاتم يحكيه في الجود والندا ... وفي حوم الهيجاء كالأسد الوردي
وقائعه مشهورة وملاحم ... له شبه صفين وبدر مع أحد
فكم كان من يوم أغر كقارن ... كذا غيره من قبل ذاك ومن بعد
فذاك الذي قام الهدى بقيامه ... وذا في بني الزهراء واسطة العقد
قلوب عباد الله قد جبلت على ... محبته في الشرق والغرب والهند
فيا ابن الحسين الطهر إنك سيد ... شبيه الحسين السبط والسبط كالجدِ
لقد جاءت الآثار عن سيد الورى ... بأنك سباق إلى غاية الحمد
وأنك مهديُّ لآل محمد ... فبوركت من هاد وبوركت من مهدي
وأنك في الإسلام شمسٌ منيرة ... تزيل دياجي كل أدهم مسود
فجاهدت في الرحمن حق جهاده ... فكم فاسق عاص بسيفك قد أردي
وأهلكت أرباب الضلالة والشقا ... كفعلك بالفساق والغز والكردي
وأنت غياث الخلق حياً وميتاً ... ملجؤهم إذ قيل يا أزمة اشتدي
/44/ وأنت لهم غوث وغيث وملجأ ... يجيئون من قرب إليك ومن بعد
__________
(1) في (ب): مدح.
إذا ما امرؤٌ فاجاه أمرٌ يسوؤه ... وأعيى ذوي الألباب حل عرى العقد
أتى ضارعاً نحو الضريح منادياً ... بفضلك رب العرش يكشف ما عندي
فيشفي بك الأمراض والسقم عاجلاً ... ويكفى بك البلوى وغائلة الصد
وتستنزل الأرزاق من عند ربنا ... بفضلك يا ذا الفضل والفخر والمجد
فلولا رسول الله خاتم رسله ... وقال ألا لا من رسول لكم بعدي
لكنت نبياً مرسلاً بدلائل ... إلى منهج الحق الكريم بلا جحد
فكم آية أعطيتها وكرامة ... كرد ضيا الأعمى فيا حسن ما رد
كذا(1) المقعد التنين للناس عبرة ... يدب على أرباعه مشية القرد
فمسته من خير الأنام أنامل ... فقام كأملود(2) من الأغصن الملد
وأنبتت الأرضون إذ سار فوقها ... ودعوته هزت قوى الحجر الصلد
وبيتك محجوج إليه كأنما ... يأمون بيت الله للحج والقصد
وينتابك الوفاد من كل وجهة ... يؤمون للمأمول من طيب الرفدِ
وإن رجلٌ قد أعجزته معيشة ... أتى قاصداً ذيبين في جملة الوفد
(فذيبين) قد أضحى بقبرك جنة ... كجنة بوان وصعد(3) سمرقند
وإنك في العصر الأخير كأحمد ... نبي الهدى الهادي إلى جنة الخلد
فشابهته في الخلق والخلق والحيا ... وضاهيته في العلم والحلم والزهد
كسيرته قد سرت في أهل دينه ... وألبستهم من عدلك السابغ البرد
فيا زائر القبر الشريف بنية ... توسل إلى الديان ذي العزة الفرد
ينيلك ما تهواه من كل مطلب ... ويكفيك أهل البغي والحقد والحسد
ويقضي لك الرحمن كل لبانة ... ويفتح من أبوابه كل منسد
فيا سيد السادات إني لعائذ ... بكم من عنا الدنيا ومن ضنك اللحد
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... سوى جدك المختار أكرم ماجد
لأني عظيم الود والحب فيكم ... وحاشاكم لستم بناسين ذا الود
فحبكمُ شرعي وديني وملتي ... أكاد لفرط الحب أخرج من جلدي
__________
(1) في (أ): لك.
(2) أُمْلُود: الأُمْلُود، والملد: الناعم اللين منا، ومن الغصون. (القاموس المحيط ص303).
(3) في (ب): وسعط سمرقندي.
فلا تتركوا عبداً غريقاً بذنبه ... ولا تهملوا المولى وحاموا عن العبد
ومن شعره:
ثِقَةٌ مصدرٌ بكسرٍ ومهما ... فُتِحَتْ فاؤه فمعناه عَدلُ
هكذا قد روى الثقات يقيناً ... فإذا ما عكسته فهو عِدلُ
/45/ ومن نظم العلامة المذكور في حصر ييت المال:
خراجٌ وصلحٌ ثم فيٌ غنيمةٌ ... ولقطةُ أخماسٍ جزي(1) والمظالم
وله - رحمه الله - فيما يعتبر في اللفظ:
لعانٌ وإيْلاءٌ وقذفٌ شهادةٌ ... وإقرار زانٍ لا يصح بلا لفظِ
ومن أخرسٍ قالوا: تصح عقوده ... مشيراً سوى ما قلت إن كنت ذا حفظِ
وله - رحمه الله -:
ذهبٌ فضةٌ وبرٌ شعيرُ ... ثم ملحٌ أتت بهن النصوصُ
وله - رحمه الله -:
فسوخ عقود(2) المنكحات لحينها ... رضاعٌ وعيبٌ والكفاءةُ والعتقُ
فسادُ لعانٍ ملةٌ أي لآخر ... تخالفُ دينٍ والبلوغُ كذا الرقُّ
ومن أصله عيب على الوطء سابق ... فسادٌ بحكمٍ والذي قلته حقُّ
وله - رحمه الله - في الذي يجب رده إلى موضع الابتداء وما لا يجب:
معارٌ ورهنٌ ثم غصبٌ ومقرضٌ ... ودينٌ بنقدٍ عاجلاً ومؤجلا
مكفّلُ وجهٍ والمؤجلُ بعده ... يرد إلى حيث التقابض أولا
وأما اللوات ردها حيث أمكنت ... فدينٌ بلا عقدٍ مقودٌ ليقتلا
كذاك معيبٌ مودعٌ ومؤجرٌ ... عليه فكن ذا فطنةٍ فتأملا
وله - رحمه الله - في مسائل التمرين في النحو:
صدِّر كلامك بالموصول مبتدئاً ... وما عنيت به أخرته خبرا
مستخلفاً عنه في إعرابه أبداً ... بمضمر عائد على الذي عبرا
ومن شعره في حصر أجواد العرب، وبحار الكرم منهم:
عبيد الله عبدُ الله منهم ... سعيدُ كلهم بحر خضمُ
وطلحة وابن معمر(3) من قريش ... وسبطا عامر ويقنع سلمُ
وعكرمة وعتاب واسما(4) ... وهذا القول في التقريب نظمُ
__________
(1) لعلها: جزا.
(2) في (أ): عقد.
(3) لعلها: عمرو ليستقيم الوزن.
(4) في (أ): وسلماً.
أراد بعبيد الله بن عباس، وبعبد الله ابن جعفر وسعيد بن العاص وطلحة بن عبد الله وابن معمر عبد الله وسبطا عامر عبد الله، و (فراغ) وعكرمة بن (فراغ) وعتاب ابن ورقاء الرياحي، واسما بن (فراغ)(1)، وفاته - رحمه الله - في غرة المحرم سنة خمس وسبعين وتسعمائة بهجرة (شاطب).
الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي [.... 550 ه ] ت
العالم الكبير المسند المحقق أبو علي الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي - رحمه الله - من رجال زيدية الكوفة الكبار، ونحاريرهم الخيار، قرأ على أبي عبد الله محمد بن أبي الغنائم وغيره(2).
الحسن بن علي بن صالح العدوي [.... ق 9 ه ]
__________
(1) هذه الفراغات موجودة في النسختين.
(2) في الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص 316 ترجمة 175: سمع الجامع الكافي جميعه الأجزاء الستة على الشيخ أبي منصور يحيى بن محمد الثقفي بحق سماعه على مؤلفه أبي عبدالله محمد بن علي بن عبدالرحمن العلوي الحسني، وسمع (المقنع النافع المختصر من الجامع على أبي منصور أيضاً عن مؤلفه، وكان سماع ابن ملاعب عليه سنة ثلاث وخمسمائة، ذكره في النزهة. وسمع أمالي أحمد بن عيسى على الشريف عمر بن إبراهيم بن حمزة العلوي، وعلى أبي الحسن محمد بن أحمد بن بحشل العطار قراءة عليهما ، ثم سرد سماعه لكتاب الشهاب للقضاعي والأربعين السيلقية ورسالة الإمام زيد بن علي في تثبيت الإمامة والأربعين الفقهية لأبي الغنائم النرسي. قال: وأجل تلامذته القاضي جعفر ومحمد بن منصور المدلك، قال: ولعله موته في الخمسين بعد الخمسمائة.
العلامة الفقيه النبيل واسطة أهل الآداب الحسن بن علي بن صالح العدوي - بكسر العين المهملة وسكون الدال - البُكري - بضم الباء الموحدة والكاف - مؤلف (العباب)، عالم خطير، وهو شيخ الإمام المهدي أحمد بن يحيى، ذكره في شرح سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيرها(1).
الحسن بن أبي الفتح الديلمي [..... ق 7 ه ]
السيد الأمير الكبير الحسن بن أبي الفتح بن مدافع الديلمي - رحمه الله - هو علامة كبير، وله رسالة غراء ويحتمل أنه مؤلف (الزبد المفيدة) (2) في مذاكرة (الخلاصة) للشيخ أحمد بن الحسن الرصاص والله أعلم.
الحسن بن أبي الفتح النهمي [ق 7 ه ]
__________
(1) في الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص320 ترجمة 178، أخذ العلم عن الفقيه حسن بن محمد المذحجي عن الفقيه حسن بن محمد النحوي عن الإمام يحيى بن حمزة، وعنه أخذ الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى، كان عالماً كبيراً خطيراً وفقيهاً نبيلاً، أديباً ألف العباب، قلت: ولم أجد كتاب العباب هذا نسخة خطية.
(2) لم أجد لها نسخة خطية.
/46/ الفقيه العلامة الحسن بن أبي الفتح بن أبي القاسم - رضي الله عنه - بن أبي عمرو النهمي العلامة الكبير، من أعيان المائة السابعة، وهو ابن عم إبراهيم بن أبي المحاسن الذي سبق ذكره، له الإنشاء البليغ المتضمن لغرائب البلاغة، فمن رسالة له إلى المسلمين في شأن الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام- ما لفظه: (بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على محمد وآله، ?الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ? [العنكبوت:1-6]، أما بعد: يا بني الزمن، ومعاشر أهل اليمن، فقد أظلتكم طخيات الفتن، تبدي ما كمن، وتظهر ما بطن، وتقلقل ما سكن، وتسحب أذيال المحن، ولئن أغدقت سحائب ركامها، وترادفت سدف ظلامها، فما يريد الله إغواءكم ولا إظلالكم، ولا استمراركم فيما لا يرضى، وإصراركم إنما يريد أن يبلوكم حتَّى يعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلوَ أخباركم، ويخرج من خياركم أشراركم، ?لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ? [الأنفال:37]، ?وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ? [آل عمران:141]، ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ
وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ? [التوبة:16]، فنجا امرءًا تليت عليه الآيات فتدبرها، وعرضت عليه الشبهات فأبصر الحجج البينات وآثرها، وعنت له الشهوات فنهى نفسه عن الهوى وزجرها، وعرف فئة الحق وإن قلت فصحبها، ورأى سفينة النجاة ولو صعبت فركبها، إنما يذَّكر أولو الألباب، وإني أراكم قد أصغيتم لناعق هذه الفتنة من آذانكم، وألغيتم وقد سمعتم واعية إمام زمانكم، وهو سفينة نجاتكم، وماء حياتكم، وحجة الله عليكم، وابن رسوله إليكم، يستنصركم وتخذلون، ويستنفركم(1) للقاء العدو وتتخلفون، ويدعوكم إلى اتباعه على الحق وأكثركم للحق كارهون، أفما أنتم بمؤمنين بما وعد الله الصادقين، وأعد للمتقين القائمين، بنصرة الأئمة السابقين، ومناصحي ولاة المسلمين، من الخير الجسيم في جنات النعيم؟ ?مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ? [محمد:15]، وما توعَّد به المتخلفين(2) المبطئين الراغبين بأنفسهم عن نفس إمام المسلمين، وسامعي الواعية غير مجنبين من الشر العظيم، والكب على المتأخر في نار الجحيم، والنكال بأصناف العذاب /47/ الأليم، كلاَّ أما لو آمنتم بذلك، وصدقتم، واطمأننتم إليه، وأيقنتم، فرجع عاصيكم وتاب من قريب ومن بعيد، ولازداد مطيعكم في الخير كل مزيد، فإن الإنسان عن الشر ليحيد، وإنه لحب الخير لشديد، ولكنكم فتنتم أنفسكم، وتربصتم وارتبتم وانتظرتم ما تتقلب به الأمور، وغرتكم الأماني وغركم بالله الغرور، فإن كنتم في ريب من رب العالمين فتفكروا ?إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
__________
(1) في (أ): ويستفزكم.
(2) في (ب): والمبطئين.
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ? [البقرة:164]، ?وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ? [الجاثية:4]، وإن يك ريبكم في الكتاب والرسول ?فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ? [الجاثية:6]، وإن كان الريب في إمام عصركم وخليفة الله فيكم، المتقلد لأمركم، فما غركم به وقد نشأ بين أظهركم، وتربى في حجور علمائكم، وفضلائكم، أناشد الله من عرفه، أو سمع به قبل قيامه ألم يكن أشهر أهل وقته فضلاً وأكملهم نبلاً، وأبرهم وأتقاهم قولاً وفعلاً، وأقومهم طريقة، وأحبهم خليقة)؟ ثم أخذ على هذا الأسلوب، وهي من زهر الرسائل - رضي الله عنه -.
الحسن بن فالت
الحسن بن فالت - رحمه الله - هو الجامع للفوائد، الهمام الفقيه الحسن بن فالت بن عبد الله بن قحطان بن أحمد بن محمد الذهلي الشيباني من كبار الزيدية والجامع لفوائدهم بخط يده، وقد يوجد بخطه كتب عديدة في العلوم بأسرها، وكان يسكن درب الحديد بصعدة، ومما وجد بخطه، ولعله تمثل به:
ألا إن تقوى الله أفضل نسبة ... تسامى بها عند الفخار كريمُ
فيا رب هب لي منك عزماً على التقى ... أقيم به ما عشت حيث أقيمُ
ويا رب هب لي منك حلماً فإنني ... أرى الحلم لم يندم عليه حليمُ
إذا ما اجتنبت الناس إلا على التقى ... خرجت عن الدنيا وأنت سليمُ
كتبه في تاريخ (……)(1)، وقد نقل عنه الشيخ أبو الغمر وغيره - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): بياض في الأم.
الحسن بن القاسم الرسي [ق 3 ه ] ت(1)
السيد الكبير العلامة الحسن بن القاسم بن إبراهيم الرسي - رضي الله عنه - من علماء العترة الكبار، وخرج مع ابن أخيه الهادي إلى الحق - عليه السلام- إلى ديار اليمن، ورأيت من الجانب اليماني من قبة الهادي - عليه السلام- بجوار قبر المرتضى صخراً منقوراً فيه اسمه، وإن قبره الشريف هنالك، والله أعلم.
الحسن بن القاسم المنصور بالله [996 - 1048 ه ]
__________
(1) وانظر ترجمته في الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص323، ترجمة 193، والنبذة المشيرة (سيرة الإمام القاسم بن محمد) تحت الطبع، والجوهرة المنيرة (سيرة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم) تحت الطبع، (تحفة الأسماع والأبصار سيرة المتوكل (طبع) بغية المريد تحت الطبع وغيرها.
السيد الهمام الحسن بن القاسم المنصور بالله بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن علي بن يحيى بن محمد بن الإمام يوسف الأصغر الملقب بالأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف الأكبر بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله بن الإمام الهادي إلى الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين الحافظ بن الإمام /48/ ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم الغمر طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن الحسن الرضا المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب وابن البتول سيدة نساء العالمين ابنة محمد الأمين سيد المرسلين صلوات الله عليه وعليهم، هو سلطان الإسلام عضد الملة، الجامع لغرائب العجائب وعجائب الغرائب، وكمال الخصال وخصال الكمال، ولا أجد عبارة للتعبير عن حاله فإنه آية من آيات الله في كل خصلة، أما الفقه فكان مذاكراً حسن المذاكرة، سمعت مولانا الإمام المؤيد بالله - عليه السلام- يقول للأخ الفقيه محمد بن الهادي بن أبي الرجال - رحمه الله - وقد طلبه ليستأجره لأداء فريضة الحسن المذكور - عليه السلام-و هو يثني عليه بالفقه، وكان شيخنا الوجيه عبد الرحمن الحيمي يذكر عنه في النحو، وأنه كان سريع الفهم، قال: كنت أحضر تدريسه لولده شمس الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين بجهة (ضوران) في (الجامي شرح الكافية)، وكنت أدرس كتباً وأحضر، فإذا ذكرت أول المادة فهمها إلى آخرها وأملاها مستقلاً عني، وكان له في تلاوة القرآن بالروايات حظ لأنه قرأ على الشيوخ أيام حبسه بصنعاء، فأتقن، وزاده الله مادة في التأدية فكانت تأديته تسهي الركب، سمعت المشائخ بصعدة يقولون: إنه كان يدرس في الليل هو وشيخ القرآن العلائي، فإذا دخل الداخل إلى حجرة الدار وسمع التلاوة لم ينهض بنفسه لما يسمع من النغم الداوودي بآيات الذكر. وكان واسع الأخلاق عرفنا جماعته الخاص والأخص، بل
والعام كلهم يرى أنه في محل الاختصاص، يروى عنه مشافهة، وكان في مظهر ملك عظيم الشأن، واسع الجنود حسن الشارة، ما عرف الناس كحواشي أصحابه فضلاً عنه، فإنه كان في المجامع يركب إليه من الكبراء خلائق أتباعهم جم غفير مع أن العدة كاملة من عدة الحرب والإرهاب، روى عنه بعض نوابه أنه كان ينشر أكسية الأمراء، ومن يقرب منهم على أربعمائة نفس، كل من هؤلاء يصلح للمهمات الكبار، وناهيك بما أدال الله للإسلام بحميد سعيه وما استأصل من أعيان الدولة الرومية (كحيدر باشا) بعد أن كان قد استفحل أمره، وعرف اليمن معرفة أهله، وأطاعه كل أحد منهم إلا قليل عصمهم الله، ثم أغار (عابدين باشا).
ثم كانت الطامة (قانصوه باشا) خرج بعدد وعُدَد ما خرج غيره بمثلها، وكان رجلاً ظالماً وعسف السلاطين في طريقه من مصر إلى اليمن، وأخذ نحو الشريف الكبير الحارث الحسني، وأخرج آلات الصلب والأغلال والجوامع من مصر، وما ظن أنه يقوم في وجهه أحد، وأرجف الناس، وبدت أسرار النفاق، وظنوا أنه قد أحيط بهم، فلم يبق إلا الصادقون، وكان أمير المؤمنين المؤيد بالله - أعاد الله من بركته - قد لقي ولده /49/ عماد الإسلام يحيى بن أمير المؤمنين المؤيد بالله - عليهما السلام- إلى أطراف المخلاف السليماني بجنود، وكان الإمام لا تروعه النوازل ولا تفزعه الزلازل، فحصل من جانب التشويشات ما ردا على ما كان من هول هذا الخارج خوفاً على ابن الإمام وجنود الحق، فنفذ الباشا بجنود لا يعلم قدرهم إلا الله، فهم مولانا سيف الإسلام يقصده في جريدة من أبطال المسلمين وعيون العساكر إلى (حيس) يبدأ بالرئيس، فإن الجنود لم يسعها محل، فكانت المحاط متعددة والباشا(1) في حيس، فأراد الغزو له ولا تأتي الأخبار إلا بقتله، وهذه سياسة قد عمد إليها عدد من أمثاله، وإن كانوا قليلاً فما يبلغ هذه الهمة أحد، ففت من عضد هذا العزم رأي أهل الرأي المختبرين لأنهم لا يأمنون مغبته، وكان بعد هذا ما كان من الملاحم الكبار التي طارت أخبارها كل مطار، وذللت أنوف البغاة والكفار، وهي تستغرق مجلدات، بل لا تفي بذلك المجلدات، والقصد هنا إلى مادة العلم، وقد كان بالمحل العظيم، ومع ذلك فهو مواظب على القراءة في أسفاره وفي آخر سني عمره المبارك، جَوَّد في الأصول على شيخ الإسلام محمد بن عز الدين المفتي، وحضر القراءة عيون العلماء كصنوه - حجة الإسلام خليفة الله في أرضه - المتوكل على الله، وكانت محافل تنضى إليها الرواحل، وأما أعطية هذا السلطان الزعيم فمما لا يبلغ كنه(2) الوصف فإنه كان يعطي عطاء من لا يخاف الفقر، فأما جنوده
__________
(1) في (ب): والباشا نفسه في.
(2) في (ب): كنهه.
وأعيان الدولة والوفد من الأقاليم القاصية كالعراقين والأندلس فمما لا يلم به حصر، ولقد أخبرني بعض الخواص أنه أربى فيما وزنه للشريف طاهر الإدريس على خمسة وعشرين ألفاً من النقد، وأما الجواهر والنفائس فأمر خارج عن الفكر، وكان يتعهد الهجر بصعده وحوث وجميع الجهات كل سنة، ولقد أخبرني سيدي وشيخي شمس الإسلام أحمد بن سعد الدين المسوري - أدام الله عافيته - أنه بلغه أنه - رضي الله عنه - طاف ببعض الخواص في داره بصنعاء وكان يخبره(1) بما في المخازين، فقال له في مخزان: في هذا بأربعين ألف قرش براً شريته للمساكين خيراً لهم عما استوعبت من أموالهم لجنود الإسلام أيام تهامة.
وأخبرني بعض خدمه أنه كان في بعض الأيام في (جبهان) فوفد من الشرائف عدد من أهل (الكبس) ومن الأشراف فرأى الرجل المذكور أنه لا يليق بهم الإقامة بقرب المحطة، فذهب إلى الخازن وطلب منه ما يحتاج لأولئك من البر فأعطاه جميع الموجود؛ لأن ذلك المحل ليس فيه مخازين، إنما هو منزل قلعة فأخذ الجميع وزلَّج أولئك على حسبما رآه، فلما عاد المولى شرف الإسلام سأل الخازن عن البر، فقال(2): قد جاءنا له فلان فطلبه إليه وسأله أين ذهب بالبر؟ فأخبره بالصفة، فقال: قاتلك الله، كيف لم تطلب لهم يا قليل المروة شيئاً من المصروف مع هذا؟ /50/ وكم أعد من هذه المكارم،
مكارم لو عددتها ألف حجة ... بألسن أهل الأرض لم أحص في العدِ(3)
__________
(1) سقط من (أ): يخبره.
(2) في (ب): قال.
(3) في (ب): لم أحص في عدِ.
وكان في نواله بركات كثيرة، وأثرى جميع أصحابه، وله عجائب باقية، منها أن أمهات أولاده(1) الحرائر والإماء أشبه شيئاً بأمهات المسلمين، لها(2) مقام عظيم، وصدقات وشهرة بالجميل، وذكر يزاحم ذكر الملوك، وهذا اعتبار صحيح اعتبره أهل العقول. ومن عجائبه أن أولاده من الكمال بمحل كل رجل منهم ملأ المسامع والأفواه والمقل، ولهم من المحامد الدثرة ما لا أطيق حصره. ومن عجائبه سداد أحوال المتعلقين به في دنياهم وكونهم مستوري الحالات مذكورين بالتفضلات، فكل أحد منهم مرجع في إقليمه ومفزع. ومن عجائبه أنه افتتح عمارة (حصن الدامغ) الحصن الشهير في حدود أربعين(3) وألف أو بعدها، وعاش بعد فتحه للعمارة إلى شوال سنة ثماني وأربعين وألف، فتم له في هذه الفينة تسهيل طرقه وإحياء أرضه وأوديته وعمارة جامعه والحمامات والدور الوسيعة، وصار مدينة تضاهي صنعاء، وأجرى الله الأنهار فيها وفي براريها، حتى صارت روضة من الرياض، وفيها السعة الكلية، فأما الطرق، فإنه فعل نحو عشرين نقيلاً مدرجة إلى جهات والمزارع يقال إن المثمر من البن عند موته نحو مائة ألف غرسة، وأما العمارات فالوجدان شاهدها كلها في ثمان سنين، وفي هذه السنة غزا تهامة وفيها جيوش الأروام، فأخذ فيها عشر مدن كاملة، نحو (زبيد) و(المخا) و(حيس) و(بيت الفقيه الزيدية)، و(بيت الفقيه ابن عجيل)، و(اللحية) و(الحديدة) و(موشج)(4) و(الصليف) و(موزع)، فضلاً عن جزائر البحر نحو (كمران)، ومواضع عظيمة في البر هي تبع لهذه المذكورات، وهذا كافٍ للناظر في أحواله - رضي الله عنه - وقد كان هم بغزو البلاد القاصية وكاتبه الكبراء من (نجد) و(البصرة) وغيرهما، إلا أنه فاجأه الأجل في التاريخ المذكور بمدينة (الحصين)(5)
__________
(1) في (ب): من الحرائر.
(2) لعلها: لهن.
(3) أي سنة 1040هـ.
(4) المَوْشَج: قرية ساحلية في جنوب مدينة الخوخة، فيما بينها وبين مدينة المخا. (معجم المقحفي ص1687).
(5) الحصين: حصن عظيم يقع على رأس جبل يطل على مدينة ضوران من الشرق، كان يعرف بـ (الدامغ) وهو جبل مشهور من أعمال آنس جنوب صنعاء مسافة (78) كم، به آثار حميرية، وازدهر في عهد موحد اليمن المتوكل على الله إسماعيل الذي بنى فيه جامعه المشهور، وقد أتت على الجامع والقبر والعمارات الزلازل، فدمرت معظمها وهي إلى اليوم أسيرة الإهمال (المحقق)، وانظر معجم المقحفي 154 ط1.
التي عمرها تحت حصنه الدامغ - رحمه الله - وله أشعار منها ما قاله أيام اعتقاله بصنعاء إلى والده أمير المؤمنين نحو الدالية التي حرضه على الصلح، فمنها وأولها:
مولاي إن الصلح أعذب موردا
وهي مشهورة، وله القصيدة الهمزية وغير ذلك - أعاد الله من بركته - وترجم له قاضي الإسلام وبركة علماء الأعلام شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - فقال ما لفظه: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ضريح من شرف قدره وقدر أهله عن ممادح المخلوقين، ويجل شأنه وشأن آبائه المطهرين، عن أن يزيدهم شرفاً ثناء ألسنة الناس لولا أن في الثناء عليهم شكراً لنعمة الله بهم على عباده المرزوقين إذ هم صنائع ربهم عز وجل، والناس بعدلهم(1) صنائع ومستودعو وراثة كتاب الله وخلافة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والناس في أيديهم ودائع) وما عسى أن أقول فيمن ملأ المشرقين والمغربين ذكره، وأين يبلغ قدره من التنويه/51/ لذكر من علا على دراري النجوم قدر أهله وقدره، وماذا آتي وما أذر ممن حسبه أن أباه أمير المؤمنين المنصور بالله(2) الذي قام به الإسلام بصره، وأخاه أمير المؤمنين المؤيد الذي أضاء به من الحق بدره، وهو في نفسه الشرف الذي سما به من الدين الحنيف فخره، أأذكر العلم؟ فهل العلم إلا من نورهم يقتبس؟ أم أذكر الحلم؟ فهل الحلم إلا في بيتهم يلتمس؟ أم أذكر النسب؟ فهل له من مناسب؟، أم أذكر مواقف الجهاد في سبيل الله؟ فهل هو إلا حاكي جده علي بن أبي طالب، أم أذكر الكرم فهل تخفى الشمس زاد الضحى على ذي مقلة؟ أم أذكر الأخلاق فهل رأت عين أو سمعت أذن في الناس مثله؟ من كان لأبيه أمير المؤمنين المنصور بالله عضداً عاضداً، ولأخيه أمير المؤمنين المؤيد بالله سيفاً مسلولاً على أعداء الله وأعدائه حاصداً، وللإسلام وأهله معقلاً وحصناً، وللعترة المطهرة - سلام الله عليها - موئلاً عند الحادثات
__________
(1) في (ب): بعد ذلهم.
(2) سقط من (ب): بالله.
وأمناً، السيد الذي جمع السيادة بأطرافها، والهمام الذي تبوأ مقعد المجد الرفيع فحاط الملة الحنيفية من أكنافها، والقرم الذي علت هممه إلى أشرف المفاخر، فملكها بأسرها ذي النفس التي لا تنافس والعزائم التي سارت في الخافقين، فلم يكن حاضرها أخص بمعرفتها من غائبها، ولا أنس الحسن بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن علي بن يحيى بن محمد بن الإمام يوسف الأصغر الملقب بالأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف الأكبر بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام [الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي لدين الحق أمير المؤمنين يحيى بن الحسين الحافظ بن الإمام](1) ترجمان الدين نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم الغمر طباطبا بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن الحسن الرضا المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب، وابن فاطمة البتول سيدة نساء العالمين ابنة محمد الأمين، سيد المرسلين رسول رب العالمين - صلى الله عليه وآله وسلم - نقله الله إلى جواره الكريم أول المغرب من ليلة الأحد الثالث من شوال عام ثمانية وأربعين بعد ألف، أكرم الله مثواه ورفع في الفردوس الأعلى مأواه، وبيض وجهه، وأتم نوره، ورفع درجته بحق محمد وآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). مولده - رحمه الله تعالى - بعد صلاة العشاء ليلة الاثنين غرة شهر رمضان الكريم عام ستة وتسعين وتسعمائة، فمبلغ عمره اثنتان وخمسون سنة وشهر وليلتان.
(بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
هذا ضريح الأسد الهصور ... الحسن بن القاسم المنصور
حامي الذمار فارس الكتائب ... نسبه(2) علي بن أبي طالب
الأشرف بن الأشرف بن الأشرف ... ونور بيت الحكمة المشرف
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط من (أ).
(2) في (ب): كذا.
من كان بحراً لا يرام ساحله ... وغيث خصب عظمت سوائله
من كان للإسلام حصناً حاصنا ... وللمعالي كافلاً وحاضناً
تضيء مكرماته في الأنسِ ... كالنجم بل كالبدر بل كالشمسِ
بيت القصيد أوحد الزمانِ ... سليل صِيْدٍ شامخ البنيانِ
من ذلك البيت الذي جبريلُ ... لأهله(1) دون الورى نزيلُ
/52/ مالهمُ في الناس من مثيلِ ... قد منحوا وراثة التنزيلِ
من لأبيه حجة الرحمنِ ... على البرايا إنسهم والجانِ
كان معيناً كافياً ما نابا ... كم موقف عنه كفى ونابا
ولأخيه القائم المؤيد ... الأمجد بن الأمجد بن الأمجد
على أعادي الحق سيفاً صارماً ... وأسداً (قصاقصاً)(2) (ضبارماً)
وكم له من موقف مشتهرِ ... في أبيض وأسود وأحمرِ
تعدادها يعد(3) في الفهاهة ... لأنها كالشمس في النباهة
وفي الظهور لذوي الأبصارِ ... فلا يصل في صفة النهارِ
فزره يا من تبتغي المفازا ... من ربه ويطلب الجوازا
على الصراط إن آل أحمدْ ... لهم لدى الله كريم مشهدْ
من زار قبراً منهم مبشرُ ... بأعظم التبشير حين ينشرُ
يشيله بضبعه محمد ... حين يقوم في مقام محمد(4)
من غمرة الحشر وأي غمرةْ ... لأنه زار قبور العترةْ
يا لك قبراً كان في (ضورانا) ... أكبر قدراً وأجل شأنا
هل تعلمن يا قبر من ذا فيكا ... ومن بمثواك ثوى وشيكا
ما كنت فيه طامعاً مذ كنتا ... وأن تضم ما ضممت أنتا
يا عجباً بحفرة كشبرِ ... إذ وسعت بحراً وأي بحرِ
ضمته من أطرافه لما هدا ... يا ليت شعري ما عدا مما بدا
قالوا وقد شالوا على الأعناقِ ... رضوى بعيد النيل والمراقي
وقلبوه فوق ذاك المغتسلْ ... يا عجباً لغاسل ومن حملْ
يا صاح في الموت أجلَّ عبرةْ ... لعاقلٍ فليأخذنَّ حِذْرَهْ
__________
(1) في (ب): لبيتهم.
(2) في (ب): قضاقضا.. قُصاصاً: أسد قُصاص: نعت. (القاموس المحيط ص579). ضُبارماً: الضُبَارم: الأسد أو الرجل الجريء على الأعداء. (المرجع السابق، ص1042).
(3) في (ب): تعد.
(4) العجز غير موزون. (زائد).
زلزل خطب الحسن الكريمِ ... حامي العلا ذي الحسب الصميم
عرشاً من المجد رفيع المبنى ... وواعظ الأقصى به والأدنى
فالعجب البالغ ممن يعقلْ ... وقد يرى الموت وكيف يغفلْ
يا رب أسبل غيثك المريعا ... برحمةٍ تنزلها سريعا
على ضريح حل فيه الحسنُ ... فأنت من له العطاء الأحسنُ
وآته منك الرضا والمغفرةْ ... ومن مفاز الفائزين أكبرهْ
وأجبر لنا هذا المصاب النازلا ... بطول عمر من حوى الفضائلا
إمامنا خير الأنام كلهمْ ... مفزعهم في عقدهم وحلهمْ
فإن فيه جبر كل فائتْ ... وكل خطب للأنام باهتْ
دام لإحياء الهدى ونشرهْ ... وحفظ دين ربنا ونصرهْ
أيده الله بخيرة الورى ... من صفوة الله وثيقة العرى
من ولد المنصور صِيد الصيدِ ... وسادة القريب والبعيدِ
ومن يواليهم من الساداتِ ... من عهدوا بسادة العاداتِ
وكل عبد صالحٍ متابعْ ... مؤازرٍ مناصح متابعْ
واجعل له يا ربنا نصيراً ... منك وأملاك السماء ظهيراً
وصل يا رب الورى وسلمْ ... على النبي الطاهر المكرمْ
وآله ونجنا من المحنْ ... ومن مضلات الهموم والفتنْ
إنك رحمن رحيم ساترُ ... وظننا فيك الجميل الغامرُ
وحسبنا الله ونعم الحسب ... الله رب الخلق نعم الرب
(فهي مقطعة مرثية) (1)
حسن كيا الجرجاني [ق 5 ه ] ت
الإمام حسن كيا الجرجاني عالم كبير من الفقهاء المؤيدية، ذكره الملا يوسف حاجي - رضي الله عنه -.
الحسن بن محمد بن عبد الله [ - 251 ه ]
__________
(1) زيادة في (ب).
الإمام العالم /53/ الحسن بن محمد بن عبد الله بن الأشتر بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام- ذكره المنصور بالله - عليه السلام- قال قتله المقتدر العباسي(1).
الحسن بن محمد الحسني [ق 6 ه ]
__________
(1) في مشاهد العترة الطاهرة ص 163 في ذكر من قتل بفيد وهي منزل بطريق مكة على طريق الشام، ويقال بليدة بنجد على طريق الحاج العراقي، وقال الحموي: فيد منزل بطريق مكة وفيد بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة معجم البلدان 6/408، قال صاحب المشاهد: قتل بها الحسن بن محمد بن عبدالله بن محمد النفس الزكية بن عبدالله بن الحسن بن الإمام الحسن عليه السلام قال أبو الحسن العمري في المجدي قتله طي في ذي الحجة من سنة إحدى وخمسين ومائتين وقبره بفيد، وكان أحد أجواد بني هاشم المعروفين، قتل في أيام المعتزل، وقال أبو الفرج في المقاتل: قتل في طريق مكة قتله بنو تيهان من طي في زحف المقتدر، وقال ابن عنبة: قتله طي في ذي الحجة سنة 251هـ. انتهى.
السيد الكبير الحسن بن محمد الحسني المعروف بابن القاضي من بني المرتضى بن الهادي - عليه السلام- هو الشريف الكبير، رحلة الطالبين من ولد الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليهما السلام- وهو من أهل صعدة ونواحيها، وكانت إقامته بأملح من بلد شاكر من همدان، وبها توفي - رحمه الله - وكانت قد اشرأبت إليه الزيدية باليمن، وفزع إليه فرقاؤهم(1) الجميع، فامتنع عن الدعوة، وقد كان جاءه العلامة محمد بن عليان البحيري فلم يسعفه، وكان ذكياً عاقلاً زكياً ورعاً ديناً فاضلاً، له حظ من العلم واسع، قرأ عليه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليه السلام- وكان يستملي للكتابة سطوراً نحو ستة أسطر - أعاد الله من بركته - ودخل إليه العلامة مفضل بن علي المعروف بالغندر الزيدي، والعلامة أحمد بن داود الريدي - بالراء - نسبة إلى ريدة الزيدي، وهما كبيران في زمانهما وأرادا بعثه على الدعوة فلم يسعدهما، وكانا عالمين كبيرين يردان على المطرفية - رحمهما الله - ومما كتب الإمام أحمد بن سليمان - عليهما السلام- إليه يحضه على القيام بالأمر.
قال سليمان بن يحيى الثقفي - رحمه الله(2) -: وكان عفيفاً زاهداً ورعاً عابداً ممن يرجى للقيام، ويشار إليه، وكان الإمام - عليه السلام- يرجوه ويكاتبه ويحثه على القيام فمما كتبه إليه شعراً [يقول فيه](3):
هو الدهر أما صرفه فنوائب ... تعمُّ وأما حكمه فعجائبُ
ومن عجب الأيام أن ذوي الردا ... غرارٌ وأن الجور للعدل غالبُ
عسى الله أن ينثار للحق إنه ... مضاع مهان كالح الوجه عاطبُ
بأروع من آل النبي مطهر ... كريم له فوق الثريا مراتبُ
وإن ذوي العليا الكرام أذلة ... ضعاف وأن الندب للنذل راهبُ
الحسن بن محمد بن عمر(4) [..... - ......]
__________
(1) في (ب): فُرَيْقَاهُمْ الجميع.
(2) هو مؤلف سيرة الإمام نصر بن سليمان عليه السلام.
(3) ما بين المعكوفين ساقط من (أ).
(4) هذه الترجمة ساقطة من (ب).
الشريف الخطير العلامة الكبير أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد بن عمر بن علي العلوي الحسيني الزيدي - رحمه الله - عالم يهتدى بمناره، وعامل يقتدى بآثاره، قرأ على الشيخ أبي الفضل محمد بن عبد الله الشيباني الزيدي - رحمه الله تعالى - وغيره من المشيخة.
الحسن بن محمد بن عمر العلوي(1)
السيد الشريف الكامل الحجة المسند أبو محمد الحسن بن أبي الحسن محمد بن عمر بن علي العلوي الحسيني الزيدي، هو أخو السيد العلامة أبو طاهر إبراهيم بن أبي الحسن المتقدم ذكره، وقراءتهما جميعاً على الشيخ أبي الفضل محمد بن عبد الله الشيباني.
الحسن بن محمد بن دانة [....... - ق 4 ه ]
ابن دانة، هو الحسن بن محمد بن دانة، من أهل صعدة، وكان وراقاً كاتباً للدفاتر، وله خط قل ما يشبهه(2)، وهو من تلامذة الضهري المتقدم ذكره والضهري من تلامذة محمد بن الفتح تلميذ المرتضى، وكان سماع ابن دانة على الضهري في شوال سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وسماع الضهري في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة.
الحسن بن محمد الرصاص [546 - 584] (3)
/54/ الشيخ الحسن بن محمد الرصاص، هو الشيخ الكبير المتكلم شحاك الملحدين بن الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص، وقد تقدم نسبه في ترجمة حفيده الشيخ أحمد بن محمد. كان هذا الشيخ آية من آيات الله واسع الدراية، نقاباً(4) قليل النظير، قال مولانا العلامة الحسين بن المنصور بالله القاسم بن محمد(5) إنه يظنه أجل أهل اليمن قدراً، أو قال من أجلهم قدراً: بلغني ذلك عن بعض تلامذته - رحمه الله -.
__________
(1) هذه الترجمة ساقطة من (ب) وهي في (أ)، وهي نفس الترجمة الأولى تكررت.
(2) في (ب): يشبه.
(3) انظر عن مصادر ترجمته ومؤلفاته أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 331، الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص333، ترجمة 192.
(4) نقاباً: النِّقاب بالكسر: الرجل العلاَّمة. (القاموس المحيط1 ص141).
(5) في (ب): - عليه السلام-.
قلت: وحسبه قول الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام- وكان من تلامذة الشيخ - رحمه الله - والشيخ من تلامذة القاضي جعفر، وقد يتوهم من يتوهم أن الإمام قرأ على القاضي جعفر، وهو غلط، فمن شعر الإمام فيه:
يا من علا في العلوم مرتبة ... يقصر عن نيل مثلها البشرُ
أهدى لنا النور وهو مبتعد ... عنا ولا غرو هكذا القمر
أغر يستنزل الغمام به ... تضل في كنه علمه الفكر
يجري فلا الزّبيرِيُّ(1) يقطعه ... كلا ولا الماهرون إن مهروا
حل الذي يسهر الكهول له ... وهو فتى ما بخده شعر
ذاك عطاء المليك فاستئوا(2) ... يا حاسدين عليه وانزجروا
أحبه والذي يحج له النـ ... ـاس إلى مكة ويعتمروا
ماذاك إلا لأنه رجل ... لدين آل النبي معتصر
ولمح الإمام - عليه السلام- بقوله:
حل الذي يسهر الكهول له ... وهو فتى ما بخده شعر
إلى مسألة الحلول وهي:
(……)(3)
__________
(1) . كذا في (أ) و (ب).
(2) كذا في (أ) و (ب)، وفي الطبقات: فاثنوأ.
(3) فراغ في (أ) و (ب) جميعاً.
فإنها تحيرت ألباب النظار فيها، فأجاب وهو ابن أربع عشرة سنة، والرسالة الطوافة التي جابت الأندلس وأفريقية والشام والعراقين، وأجاب عنها الإمام المنصور بالله بجوابه الذي قال في خطبته: أما بعد، فإن الرسالة الطوافة انتهت إلينا إلى اليمن قاطعة خطامها، حاسرة لثامها، ثم قال بعد كلام عظيم: فلما اتصلت بحسام الدين رئيس الموحدين أبي علي الحسن علامة اليمن عاينت ما يبهر العقول نوراً، وكسرت طرفها، وطامثت(1) إلفها، وسلمت له القياد، وقالت له: أنت خير هاد، وكان يؤمئذ مشغولاً بالتصانيف والأجوبة التي لا يقوم بها سواه، ولا ينهض بها أحد إلا إياه، فدفعها إلي، وكنت قد اغترفت من تياره غرفة طالوتية أفرغت علي صبراً، ومنحتني على المناضل نصراً /55/ ثم أجابها أحسن(2) جواب، وأوضح خطاب، ووسم الجواب (بالجوهرة الشفافة الرادعة للرسالة الطوافة) (3)، وأجابها الإمام وعمره عشرون سنة، واطلع على الجواب شيخه المذكور، فتعجب وقال: علم الله لو كنت أنا المجيب ما اهتديت إلى جميع ما أورده من العلوم، كان الحل متوجهاً على الشيخ فناب عنه(4) الإمام واستحسنه الشيخ وقال: والله لقد هدي إلى أشياء ما كنا لنهتدي إليها أو كما قال.
__________
(1) في (ب): وطامنت.
(2) في (ب): بأحسن.
(3) طبعت ضمن مجموع مؤلفات الإمام عبدالله بن حمزة بتحقيقنا.
(4) في (ب): فناب عنه تلميذه الإمام.
وللشيخ مصنفات عدة، منها (كتاب حافل في مناقضات أهل المنطق)(1)، ومنها (الفائق في الأصول) (2)، ومنها (التبيان) (3) في الكلام، ومنها (الكاشف لذوي البصائر في إثبات الأعراض والجواهر) (4)، ومنها (العشر الفوائد) (5)، ومنها (كتاب المقصود في المقصور والممدود) (6)، وجواب القاضي الرشيد المسمى (بتقريب البعيد من مسائل الرشيد) (7)، والقاضي الرشيد المذكور هو أحمد بن علي بن إبراهيم بن الزبير الغساني الأسواني المصري، يلقب بالرشيد، وكنيته أبو الحسن، مولده (بأسوان)، وهي بلدة من صعيد مصر، وخرج منها إلى مصر فأقام بها واتصل بملوكها في آخر أيام بني عبيد، ومدح وزراءها، وتقدم عندهم، وكان شاعراً كاتباً فقيهاً نحوياً لغوياً عروضياً مؤرخاً منطقياً مهندساً عارفاً بالطب والموسيقى والنجوم، وأنفذ برسالة إلى اليمن، ثم قلد قضاة اليمن ولقب بقاضي القضاة، ولما استقر بها سمت نفسه إلى رتبة الخلافة فسعى فيها وأجابه قوم، وسلم عليه بها وضربت له السكة وكتب على أحد وجهي السكة: قل هو الله أحد، وعلى الوجه الآخر: الإمام الأمجد أبو الحسن أحمد، ثم قبض عليه ونفذ مكبلاً إلى قوص، وجرت عليه أمور عظيمة وأهوال كثيرة، ثم اتصل بالسلطان صلاح الدين بن أيوب في قدومه إليه من سكندرية(8)، وقاتل المصريون معه، ولم يزل شاور وزير
__________
(1) لم أجد له نسخة خطية.
(2) الفائق في أصول الفقه لم أجد له نسخة خطية.
(3) التبيان لياقوتة الإيمان وواسطة البرهان، قيل: جمعه عن أبي الفضيل عباس بن شروين مخطوط في 241 ورقة بالمكتبة الغربية بالجامع برقم (219) كلام صورة بمعهد المخطوطات وأخرى بمكتبة عبدالله الوزير في السد.
(4) لعله كيفية كشف الأحكام والصفات عن خصائص المؤثرات نسخ خطية كثيرة منها نسخة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي.
(5) لم أجد له نسخة خطية.
(6) ذكر له الحبشي نسخة خطية بمكتبة الفاتيكان.
(7) لم أجد له نسخة خطية.
(8) في (أ): سكندر.
بني عبيد يطلبه حتى ظفر به فقتله شنقاً وضرباً(1)، سنة ثلاث وستين وخمسمائة ولقي من رجال الزيدية عليان بن سعد وجماعة من الزيدية، وأورد عليهم، وراجعهم، وكانوا فقهاء لا يتمسكون من الإجابة إلا بأقوال الأئمة، فحضر نشوان بن سعيد، وقال له: هؤلاء فقهاء مذهبنا، لكن أنا أتولى جوابك، فلم يزل يراجعه حتى أفحمه، وكان ذلك الاجتماع بنجران، وكان بين الرشيد وبين الحسن الرصاص - رحمه الله - مراجعات، وكتب إلى الشيخ أبياتاً سأله عنها وأجابها بأحسن جواب، ولم يزل يرتفع شأن الرشيد حتى وصل زيد بن الحسن البيهقي - رحمه الله - فتضاءل، وصغر، وتشوق إلى ديار مصر، وكتب إلى أخيه والجواب الذي ذكرناه أولاً عن الشيخ الحسن بمسائل الرشيد لم يكن موجهاً بها إلى الشيخ الحسن بل إلى العلامة زيد بن عطية - رحمه الله - وكان عمر الشيخ الحسن يوم الإجابة تسع عشر سنة، وكان تصنيفه في الأدب وهو ابن أربع عشرة سنة وفي الكلام /56/ وهو ابن خمس عشرة سنة، ومات عن ثماني وثلاثين سنة في يوم الاثنين من شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة سنة، وقبره في هجرة سناع تحت قبر القاضي جعفر خارج المشهد من جانب الشرق - رحمه الله - فمولده على هذا في حدود ست وأربعين، قالوا: قدم إلى القاضي بهجة الإسلام حافظ العلوم شحاك الملحدين جعفر بن أحمد - عليه السلام- وهو غلام بذؤابة، والقاضي الرشيد المذكور اختلط بالسلطان حاتم بن أحمد، وامتزج به محمد بن أحمد صنو السلطان لتوغله في الباطنية، فإنه عالمهم وشاعرهم، وأما السلطان فقد سبق ذكر حاله وحال أخيه أسعد، ومن جملة ما قال محمد بن أحمد صنو السلطان في كتابه كتاب التصريح
ديني ودين الرشيد متحد ... ودين أهل العقول والحكم
__________
(1) في (ب): صلباً.
والقاضي الرشيد هو الذي اعتنى للسلطان حاتم بعمارة دار بصنعاء يشبه القاهرة بمصر، ولم يكن في اليمن مثله، وأخربه الإمام أحمد بن سليمان - عليهما السلام- (لما دخل صنعاء، وأخرج حاتماً عنها، ولعل الإمام الناصر - عليه السلام-)(1) ضاهاه بالمعقلي الذي بناه بظفار، فإنه من عجائب البنيان، وفيه يقول الواثق - عليه السلام-:
وما بنت المقاول من(2) ظفار ... كأبنية الفواطم في ظفار(3)
يريد بنا والفواطم هو هذا المعقلي، وهو بناء غريب الشكل تام الصنعة، وما بنت المقاول وهم أقيال حمير في ظفار يحصب، وهو من أنيق البناء لا تفي بوصفه العبارة، والله أعلم.
الحسن بن محمد بن إبراهيم [ - ق ه ]ت
الفقيه العلامة الكامل الحسن بن محمد بن إبراهيم بن محمد (4)بن يوسف بن محمد بن عبيد بن يزيد بن مزهر الحوالي، هو أخو المبارك جد العلامة علي بن أحمد الأكوع - رحمهم الله - كان صاحب علم ومعرفة بالنجوم والحساب طائلة واسعة، وتزوج ذو الشرفين - رحمه الله - أخته بشهارة(5)، وماتت عنده، ثم تزوج بأختها، والله أعلم(6).
الحسن بن محمد النحوي [ - 791 ه ] (7)
__________
(1) ساقطة من (أ).
(2) في (ب): في.
(3) في (ب): كما بنت الفواطم في ظفار.
(4) في (ب): ين إبراهيم بن محمد بن يوسف.
(5) سقط من (أ).
(6) ووالده محمد بن إبراهيم، كان من أعيان عصره، هاجر من صنعاء إلى شهارة فكان من أعوان ذي الشرفين، وبها توفى، انظر سيرة الأميرين الجليلين 12، 58، 60، وما بعدها.
(7) انظر عن مصادر ترجمته ومؤلفاته الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص236 ترجمة 193، وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 330.
الحسن بن محمد النحوي - رحمه الله تعالى - هو شيخ الزيدية وعالمهم، ومفتي الطوائف وحاكمهم، الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد سابق الدين بن علي بن أحمد بن أسعد بن أبي السعود بن يعيش النحوي الصنعاني اليمني المذحجي العنسي - رحمه الله - علامة تعطو له أعناق التحقيق، عبّادة تلحظ إليه أحداق التوفيق. قال في حقه صاحب الصلة: وأما الفقيه حسن بن محمد النحوي فهو شيخ شيوخ الإسلام، مفتي فرق الأنام، مؤسس المدارس في اليمن، محيي الشرائع والسنن، طبق فضله الآفاق، وانتشر علمه وفاق، ومضت أقضيته وأحكامه في مكة ومصر والعراق، وبلاد الشافعية لا يعاب ولا يعاق، كانت حلقته في فقه آل محمد تبلغ زهاء ثلاثين عالماً ومتعلماً في حلقة واحدة، فشيوخ بلاد مدحج وآنس والمغرب وصنعاء وذمار وحجة والشرف والظاهر وبعض شيوخ الشافعية بحقل يحصب هم درسته وتلامذته وهو شيخهم، وله تصانيف رائقة ومسائل في الفقه لائقة، وأنظار منورة واجتهادات مسطرة، علماء العصر والأوان عاكفون عليها ومواضبون على درسها، وهي ستة مجلدة مفيدة جداً، منها كتاب /57/ في التفسير سماه (التيسير) (1)، ومنها كتاب في علم المعاملة(2)، كان لا يفارق كتبه في أكثر الحالات، وكان يقول: ذكر الصالحين وكراماتهم جلاء للقلوب.
قلت: ومن مصنفاته (التذكرة الفاخرة) (3) كتاب حافل الفوائد(4) كما قال السيد يحيى بن المهدي الحسيني، أظنه مصنف الصلة المذكور، ولعله إنما سقط اسم التذكرة في تعداده لمؤلفات الفقيه حسن، وهي أشهر مصنفاته.
__________
(1) التيسير في التفسير مخطط في (229) ورقة برقم (22) تفسير المكتبة الغربية جامع صنعاء.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) التذكرة الفاخرة في فقه العترة الطاهرة، كتاب شهير، منه 17 نسخة في مكتبة الأوقاف بالجامع الكبير وخمس نسخ في مكتبة جامع شهارة ونسخ كثيرة، انظر كتابنا مصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن وهو تحت التحقيق.
(4) لعلها: بالفوائد.
حوت هذه الأوراق أسنى المسائلِ ... فبخ لها من بغية للمسائلِ
فيا سائلي عنها إليك فإنها ... تُبين سمات الشيء عند التناضلِ(1)
فلا تغترر(2) بالصخر في كبر حجمها ... فما حجر الياقوت مثل الجنادلِ
أكب عليها كي تنال مفاخراً
... إذا شئت أن تزها(3) بها في المحافلِ
وتعلو على العليا برغم مراغم ... وترقى محلاً فيه كبت المناضل
ففيها من الدر النظيم قلائد ... صنيعة نبراس تقي حُلاحلِ(4)
هو الحسن النحوي من سار ذكره ... وحل من العلياء أعلى المنازلِ
لعمرك ما جاء الزمان بمثله ... بعصرك يا هذا ولا في الأوائلِ
وممن قرض لها الحسن العدوي - رحمه الله - فقال: أنفذ نظام الإعجاز في سلك فرائدها ووسم بحكم التلخيص على أنوف شواردها، وأظهر على رؤوس الأشهاد ستارها، وشيد في دست التدريس منارها، حتى استقلت من التهذيب على أتم(5) قواعدها، فاعجب لها(6) من مشيدة وشائدها، الصدر النبيل والحبر الجليل، المغترف من يم الفقه ومعينه والخاطم لنوادر مسائله بيمينه، شرف الدين وبغية المسترشدين(7) الحسن بن محمد بن الحسن النحوي:
تصنيف نضرتها علماً وأتحفها ... حلماً وصادقها سمئاً فلا ترقُ
بحر خضم وقاموس لمسألة ... في شطه موجات الفقه تختفقُ
نبراس مدرسة فكاك معظلة ... حلاّل مشكلة إن ضاقت النطقُ
في العلم تذكرة من عالم جمعت ... في الشرع ما هو في الآفاق مفترقُ
الأشرف الحسن النحوي حاكمنا ... علامة اليمن الصمصامة اللبقُ
جازاه ربي عن الأقوام مغفرةً ... فإنهم بالتزام الفقه قد وثقوا
صيغت لنا كهلال الأفق مبتلجاً ... إذا دجى من دياجير الدجى غسقُ
إن الشريعة بحر مزبد لجب ... هذي سفينة نوح فيه تخترقُ
__________
(1) في (ب): التفاضل.
(2) في (ب): تغتر.
(3) لعلها: تزهو.
(4) حُلاحل: الْحُلاحل بالضم، السيد الشجاع. (القاموس المحيط ص908).
(5) في (أ): أم.
(6) في (ب): بها.
(7) في (ب): وداعية الشيعة المبرزين.
إلى آخر الأبيات، وسيأتي آخرها [إن شاء الله تعالى](1) في ترجمة محمد بن الحسن المدحجي تلميذ الفقيه حسن(2) وأستاذ العدوي، والعدوي(3) هذا هو صاحب تخميس قصيدة الصفي الحلي وأظنه صاحب (العباب)، وسيأتي ذكره، وذكره(4) غيره من أهل بيته.
قلت: وفيها كتاب (السبق) ليس للفقيه الحسن بل لتلميذه الفقيه يوسف بن أحمد فإنه ألغاه. قال الفقيه يوسف /58/: وقد وضعت فصلاً في ذلك(5)، وعرضته على الفقيه الحسن - رحمه الله تعالى - وقال: من تأليف السيد (……)(6) وللفقيه الحسن - رحمه الله - (تعليق اللمع) (7)، وقد كان رجع عنه كما حكاه الفقيه يوسف.
قلت: لكنه أجازه للفقيه العلامة أحمد بن محمد قرين الإمام الناصر وصاحبه، ولعل هذا رجوع عن الرجوع، فإنهم صرحوا أنه بعد الرجوع، وذكر القاضي العلامة أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله - أن للفقيه حسن على اللمع تعليقين أحدهما المسمى (بمنتهى الغايات)، وهو الكبير، والآخر يسمى (بالروضة). قال: وله كتاب اختصره من (الانتصار)، وله تعليق الحفيظ(8)، وقد قال(9) بعض شيوخنا - أيده الله -: إنه المرجوع عنه لا تعليق اللمع، وهذا الذي ذكره(10) الفقيه يوسف بن أحمد. وله كتاب (منتهى الآمال في مشكل الأقوال) كتاب لطيف الحجم، لكنه مفيد في بابه.
__________
(1) ما بين المعكوفين سقط من (أ).
(2) في (ب): الحسن.
(3) سقط من (أ): والعدوي.
(4) لعلها: وذكر.
(5) في (ب): وقد وضعت في ذلك فصلاً.
(6) فراغ في (أ) و (ب).
(7) انظر مخطوطاته هامش 5 ج1 ق3 من الطبقات ص 338.
(8) يوجد شرح الحفيظ ليوسف بن محمد الأكوع قال الحبشي مخطوط بمكتبة الإمبروزيانا رقم 73.
(9) . قال. ظ
(10) في (أ): ذكرناه.
وله كرامات، منها ما روى لي الأخ(1) النبيه العارف عبد الله بن محمد بن صلاح السلامي - رحمهم الله جميعاً - قال:كنت أيام قراءتي بصنعاء واقفاً بقرب مشهد النحوي، وإذا قد أقبل الشيخ المتكلم الرباني العلامة أحمد بن عبد الله الغشم، وهذا أحمد بن عبد الله من علماء وقته وأهل الفضل فيه، وهو أعلم من أخيه محمد بن عبد الله الزاهد المشهور، فهو حري بإفراد ترجمة، وتوفي - رحمه الله - في صنعاء المحمية في أفراد أربعين وألف سنة.
قال القاضي عبد الله [فوصل](2): أحمد الغشم إلي، فقال(3): من أنت؟ فأخبرته إني من بني سلامة، فقال: لعلك ابن القاضي محمد بن صلاح، فإنه بلغني أن له هنا ولداً يطلب العلم، قلت: له نعم، فسأل فأين قبر النحوي؟ قلت: هو هذا، فقال: يا ولدي احفظ عني أنه أخبرني فلان العالم الفاضل وسماه(4) أنه خرج إلى هنا، فوقف عند قبر النحوي وقرأ سورة الأنعام، أو قال: الأعراف السهومني قال: فصعد نور مثل الخيمة على قبر النحوي - رحمه الله - واستمر ذلك ساعة طويلة.
__________
(1) في (ب): الأخ الفقيه.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): قال القاضي عبد الله: فوصل أحمد الغشم إلي.
(4) عن فلان الفاضل العالم وسماه.
قلت: ومما يعد من كراماته ما وجد بخط السيد العلامة الفاضل بن الحسين بن علي الأخفش الهدوي - رحمه الله - قال: وجد في بعض الكتب بخط أحمد بن محمد بن علوان المدحجي - رحمه الله - ما لفظه: رأيت ورقة لحيّ الفقيه العابد إبراهيم الكينعي - رحمه الله - فيها سمعت أهل المذاهب المختلفة في بيت الله الحرام يبكون، ويتضرعون إلى الله بالدعاء، فداخلني هل الحق معهم؟ فسألت الله عز وجل أن يريني الحق، فإذا بهاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه في جوف الليل، وهو يقول: لا يغرنك بكاؤهم وإن بكوا فالحق مع القاضي الحسن بن محمد النحوي وعصبته، ووجد بخط القاضي(1) صالح بن عمرو الحشبي - رحمه الله - سمعت الفقيه محمد بن علي النهمي يقول: رأيت القاضي الحسن بن محمد النحوي وهو يقرأ هذه الآية: ?إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ..? [التوبة:111] إلى آخر السورة، فلما بلغ ?التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ..? [التوبة:112] /59/ إلى آخر الآية رأى رجلاً يقريهم وهو يقول: هذا والله منهم، انتهى.
وأذكرني ما حكاه الكينعي ما حكاه لي شيخي شيخ آل الرسول إبراهيم بن محمد المؤيدي - أسعده الله - قال: لما حججت إلى بيت الله لم أشعر إلا برجل جليل المقدار من العجم له شارة حسنة، فسألني ما مذهبي، فأخبرته، فقال: يا مولاي، رأيت علي بن الحسين وجماعة من آل محمد أظن أن منهم السبطين هذا ظن مني أنا، قال: رأيت هؤلاء يصلون خلفك فعلمت أن الحق مع طائفتك وطلبت من السيد أن يضع له موضوعاً في الأصول والفروع، ففعل ولبث أياماً وعاوده بكتاب إلى صعدة، انتهى.
__________
(1) في (ب): الفقيه.
قلت: قال السيد يحيى بن المهدي في كتاب الصلة: وكانت أخلاقه شبيهة بأخلاق رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ينبسط للقريب والبعيد، مجلسه العام الناس فيه (على)(1) سواء، قد وظف وظائفه يجعل في اليوم ثلاثة أوقات للإقراء تامة، وللحكم وقتين لحاجة الناس الماسة إلى أقضيته وأحكامه، وللنسيخ وقتاً يعود به على نفسه وأولاده، وما كان يأكل إلا من كدِّ يده حتى لقي الله، وكان في بصره بعض ضعف، وكان له من الورع الشافي، والزهد في فضلات الدنيا الوافي، ما لا يسعه كاغد(2)، يلبس العبا الخلق والشملة الخلقة، وما يلبس القمصان إلا للتجمل في المجلس العام، وكنت أحضر في بعض الأحيان على غدائه وعشائه فأجده خبزاً براً تارة وشعيراً تارة، وتارة يابس بجريش ملح، ومن ورعه قال لي يوماً ليس لنا غداء، إذا لأضفناك وإن عندي لكيساً مملوءاً دراهم لمسجد الجامع ما ساعدتني نفسي أقترض منه درهماً. وكان مجلسه لا يذكر فيه أحد من المسلمين إلا بخير، ومن ذكر فيه مسلماً بما لا يليق بحاله ظهر الضيق والضجر في وجهه الكريم، وقال يوماً من تعود ترك(3) ظن السوء بالمسلمين سهل عليه الترك. سمعته يوماً يحكى في مجلس الدرس أنه رأى في المنام أن القيامة قامت وأن الناس في قاع صفصف وليس راكب إلا الإمام يحيى بن حمزة راكب على فرس بيضاء ورديفه عليها رجل من المشرق يعرفه صالحاً والإمام يسرع بسير الفرس ويقول (لمثل هذا اليوم حسنا الظن بالناس)(4). وكان أشد الناس مودة لآل محمد وأكثرهم تعظيماً لهم وتوقيراً، سمعته(5) يقول: إذا لم يكن في حلقة قراءتنا(6) من أهل البيت أحداً اعتقدته خداجاً ونقصاً. وكان يمضي أحكامه على وفق مراد الله ، فمن حكم عليه فكأنه من
__________
(1) ساقطة من (ب).
(2) كاغد: الكاغَد: القرطاس، مُعَرَّب. (القاموس المحيط ص298).
(3) في (ب): ترك الغيبة وظن السوء.
(4) ما بين القوسين مكررة في (ب).
(5) في (ب): سمعته يوماً يقول.
(6) في (ب): قراننا.
الرضا بقوله وفعله حكم له، والمحكوم عليه والمحكوم له معترفان بفضله، شاهدان بعدله، وذلك ظاهر مشتهر، وناهيك به من كرامة تروى وآية تتلى، وكانت الفتاوى تفد عليه من اليمن الأعلى والأسفل، ومن تهامة ومن علماء الحنفية والشافعية، ومن عدن وتعز وجبلة؛ لأنه أحاط بفقه الفقهاء، ودرس فيه في زبيد وغيرها على علماء الحديث والفقه، وما علم بمجتهد بعد الإمام يحيى بن حمزة في الفقه إلا هو، فكانت الفتاوى تشغله وتهمه ويجيب عليها /60/ ليلاً لازدحام الأوراد في النهار، ولو أفردت كتاباً بسيطاً مما أعرف من علمه وفضله وزهده وورعه وخوفه وخشوعه وأوراده الصالحة - فضلاً عن غيري - لما أحطت باليسير من سيرته، لكن قد عرض ذكره، ولي فيه غرض، وحقه علي واجب مفترض؛ لأني لم أبلغ التكليف إلا وأنا من جملة درسته، وممن تعلق بمودته وأشرق قلبي بمحبته، فجزاه الله عني وعن كافة المسلمين أفضل الجزاء، وبلغه من رضاه وعفوه قضاء المنى بمحمد المصطفى، وآله أهل الشرف والوفاء، وكانت وفاته - قدس (الله)(1) روحه ونور ضريحه - سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وقبره - رحمه الله - قريب من باب اليمن بصنعاء بالمقبرة المسماة بجربة الروض، اتخذ عليه الشيخ الصالح حسن بن محمد بن سليف مشهداً وتقرب إلى الله بذلك ومشهده مقصود مزور يتوسل إلى الله بقبره في نيل الأمنيات، ودفع البليات، وكتب بيده في لوح على قبره هذه الأبيات الحاكية بحاله في الحال والماضي والمستقبل الفقيه الإمام العالم الفاضل جمال الدين علي بن صالح بن محمد العدوي، وكان من أكمل أهل زمانه في العلم سيما علوم القرآن، فهو سيد أوانه فيها زاهداً عابداً فاضلاً كاملاً - رحمة الله عليه ورضوانه - وهي هذه الأبيات:
أيا زائراً للقبر جدد به العهدا ... ولا ترض عن تكرير زورته بدا
وإن كنت لا تدري بما ضم لحده ... فدونك فاعلم بالذي سكن اللحدا
__________
(1) ساقطة من (ب).
حوى القبر هذا العلم والحلم والتقى ... ونور الهدى والزهد والجود والمجدا
فيا وحشة الدنيا لفقد ضيائها ... لمن كان طوداً للشرائع فانهدا
الحسن بن محمد النحوي [ - ق 7 ه ]
الحسن بن محمد سابق الدين، العلامة بن العلامة الحسن بن محمد سابق الدين بن يعيش النحوي علامة خطير وإمام في العلوم كبير، ذكره السيد العلامة الأمير إدريس بن علي الحمزي في كنز الأخبار(1).
الحسن بن محمد القرشي [....... بعد سنة 804 ه ]
__________
(1) وستأتي ترجمته باسم الحسين، وفي الطبقات ق3 ج1 ص339 ترجمة 894، قال الأمير محمد بن الهادي في نسخته في ذكر تعليق القاضي زيد: والفقيه مجد الدين (المترجم) يرويه بطريقتين: الأولى: إجازة من الأمير الحسين بن محم، قال بطريق القراءة عن الحسن بن أبي النقاد عن شيوخه، وقرأ (أمالي أحمد بن عيسى) المعروفة بالعلوم على حي والده محمد بن معين، عن محي الدين حميد بن أحمد، عن القاضي جعفر، وكذلك مجموع زيد بن علي عليه السلام، وسمع على الحسن بن البقاء (ضياء الحلوم) في اللغة والحسن بن البقاء سمعه على مؤلفه محمد بن نشوان الحميري، وأخذ عنه السيد جمال الدين علي بن أحمد بن طميس، والعلامة عيسى بن علي، ثم ذكر أن القاضي ترجم له في موضعين، قلت: من مؤلفاته الإقليد شرح كتاب المفصل للزمخشري.
الحسن بن محمد القرشي، هو الفقيه المحدث المسند الكامل الحسن بن محمد القرشي من علماء صنعاء أحد(1) حفاظ الحديث، قرأ على الأوزري الصعدي وجود في الحديث، وله تلامذة، منهم العلامة صالح بن قاسم بن سليمان الجيلي(2)، ثم العمري، وكانت قراءة صالح المذكور على الحسن بصنعاء المحمية بالجامع المقدس، وفرغ من قراءة أذكار النووي عليه كما قال الحسن المذكور في القبة المباركة قبة مولانا أمير المؤمنين المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن رسول الله في المسجد المذكور في مجالس آخرها يوم الأربعاء لعشر(3) بقيت من شهر ذي القعدة آخر شهور سنة أربع وثمانمائة.
الحسن بن محمد الشظبي [789 - 832 ه ]
الحسن بن محمد الشظبي، العلامة النحوي شيخ أهل الأدب الحسن بن محمد الشظبي، قرأ على إمام العربية في اليمن علي بن هطيل - رحمه الله - وكان يعرفه(4) الحسن هذا بشيخ نجم الدين ، قرأ عليه من أئمة النحو السيد الإمام شارح التسهيل عبد الله بن الهادي بن إبراهيم - رحمهم الله - وقرأ على السيد الكبير الحافظ محمد بن إبراهيم، ومن شعره - رحمه الله تعالى -:
طوبى لمن شملته منكم(5) عناية ... وطوى الفؤاد على المحبة والرضا
مستمسكاً بمتين حبلك واثقاً ... بخفي لطفك في تصاريف القضا(6)
حسن بن محمد الزريقي [896 - 960 ه ]
__________
(1) ساقط من (ب).
(2) في (ب): الجبيلي.
(3) في (ب): لعشر إن بقيت.
(4) في (ب): وكان يعرف.
(5) الصواب: منك؛ لأن الوزن والسياق يتطلبانها.
(6) وفي الطبقات ق3 ج1 ص341 ترجمة 195، أنه قرأ ألفية العراقي في مصطلحات أهل الحديث على الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد بن علي العباسي، وشاركه عبدالله بن محمد وصنوه المطهر بن محمد بن سليمان، وفي أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 334 من مؤلفاته الذراوي المسفرة نظم الدرة في القراءات، وتبصرة أولي الأولباب في ضوابط علم الإعراب.
/61/ الفقيه العلامة(1) حسن بن محمد الزريقي - رحمه الله - ولي آل محمد الأطهار، وخيرة أشياعهم الكبار الحسن بن محمد بن علي بن سليمان بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن مسعود بن زريق بن يحيى بن أحمد بن محمد بن منصور بن سعيد بن الفايش بن منصور بن جابر بن قاسم بن محمد بن عمران بن محفوظ بن مفلح بن البدوي بن سالم بن كثير بن سالم بن قرموس بن نشوان بن عروان بن زهر بن طاهر بن وازع بن هيثم بن يعمر بن طاهر بن حسين بن مالك بن فيصل بن الأسود بن داود بن داعر بن الضحاك بن هيضم بن قيس بن الأجدع بن صريم الأكبر بن مالك بن حرب بن عمرو بن عامر بن ناسح بن دافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان، هكذا نقلت نسبه من خطه. وكان إذا كتب اسمه المبارك في رسم كتاب أو نحوه يقول: الحسن بن محمد بن علي الزريقي القيسي الهيصمي الحلحلي الهمداني، وكان - رحمه الله - علامة حافظاً للشوارد ومعتنياً(2) بشأن آل محمد - صلوات(3) الله على محمد وعليهم - وآثارهم الصالحة وبأشياعهم أيضاً، ولهذه الجامعة الشريفة تصاهر هو والعلامة الحسين بن محمد المسوري - رحمه الله تعالى - وهو الذي جمع سيرة الإمام شرف الدين - عليه السلام-(4) والذي اعتنى(5) بسيرة الإمام ثلاثة رجال - رضي الله عنهم - هذا أحدهم، وجمعها في حياة الإمام، وكتب الإمام بعض الكائنات بخطه الكريم، وكان الزريقي من جماعة الإمام مجد الدين في مبادئ الأمر حتى اجتمعت الزيدية - رضي الله عنهم - على
__________
(1) في (ب): العلامة الفقيه.
(2) في (ب): معتناً.
(3) في (ب): صلوات الله عليهم.
(4) سيرة الإمام شرف الدين بخط المؤلف منها نسخة مصورة في مكتبة السيد العلامة المرحوم حمود شرف الدين عن أصل بمكتبة آل الغالبي بصعدة 346 صفحة، وأخرى بمكتبة السيد المرتضى الوزير في هجرة السد بيت السيد خطت سنة 940هـ وممن شاركه في تأليفه الفقيه حسن بن حسين العلفي.
(5) في (ب): والذين اعتنوا.
الإمام شرف الدين، فكان صدراً من صدور تلك المحافل، ومن شعره ما شفع به قول من قال:
إذا كان في الإسلام سبعون فرقة ... ونيف على ما جاء في محكم النقلِ
وليس بناج منهم غير فرقة ... فماذا ترى يا ذا الرجاحة والعقلِ
أفي الفرقة الناجين آل محمد ... أم الفرقة الهلاك أيهما قل لي
فقال - عفا الله عنه ورحمه -:
أقول لعمر الله آل محمد ... نبي الهدى خير الورى خاتم الرسلِ
هم الفرقة الناجون لا من سواهم ... سبيلهم يا ذا الحجا واضح السبلِ
هم العروة الوثقى لمستمسك بها ... وقاليهم في الناس منقطع الحبلِ
محبتهم فرض على كل مسلم ... وشيعتهم أهل الرجاحة والعقلِ
وسل قل تعالوا إن أردت وهل أتى ... ومائدة الشورى الحواميم لا تخلي
وما صح في الأخبار عن سيد الورى ... أحاديث يرويها جهابذة النقلِ
نجوم السما من أمها فاز واهتدى ... فلا تغترر بالسير في ظلم الجهلِ
سفينة نوح من علاها فقد نجا ... ومن يتخلف باء بالخزي والذلِ
ألا فالعنوا أعداء آل محمد ... وزيدوا إذا شئتم على عدد الرملِ
ففي لعنهم أجر عظيم وقربة ... مقالة جد لا مقالة ذي هزلِ
بكوني لهم عبداً أطول وكيف لا ... وقد أُلبسوا من ربهم حلل الفضلِ
جعلتكمُ آل النبي ذخيرتي ... ليوم سؤالي في القيامة عن فعلي
جعلتكمُ آل النبي وسيلتي ... إلى الله والوصف الجميل بكم شغلي
62/مقالي فيكم لا عدمت ودادكم ... مقال أخي ودٍّ لكم صادق قبلي
إليكم ذوي آل النبي تطلعت ... نوازع من قلبي مراجلها تغلي
أحب محبيكم كما الله عالم ... وأبغض في الرحمن من لكم يقلي
فمن شاء فليكفر ففي النار سجنه ... ومن شاء فليؤمن بما قلته مثلي
على المصطفى والآل صلى إلهنا ... صلاة تدوم الدهر وصلاً بلا فصلِ
توفي - رضي الله عنه - (بالظفير) من أعمال (حجة)، وفي ذلك يقول بعض عيون السادة …. - رحمه الله تعالى -.
(رحم الله أعظماً دفنونها ... بربوع الظفير يوم الربوع.
وله حاشية على الأثمار تشبه الشرح، وكان الإمام شرف الدين - عليه السلام- يعتمده في قضاء حاجات الفقراء)(1).
حسن بن محمد العليف [794 - 856 ه ]
العلامة حسن بن محمد العليف، كان حامل لواء الآداب، وممن أتى للعلم النبوي من الأبواب، وكان هو وأهل بيته من أتباع الشافعي - رحمه الله - وهم بيت شهير، ولهم في الفضل مقام خطير، وهم من (عك) (2) وكانوا شافعية، ولكنهم عرفوا الحق لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فاتبعوه، وكان لسانهم وبليغهم الحسن هذا، ولما عوتب في التزام مذهب آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال(3):
إذا ما رأوني من بعيد تغامزوا ... علي وقالوا شافعي تزيدا
ووالله ما بعت الهدى بضلالة ... ولكنني بعت الضلالة بالهدى(4)
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (أ). ولم أجد لحاشيته على الأثمار نسخة خطيبة، وله أيضاً كتاب (الإجازات في تصحيح أسانيد الروايات) في 118 ورقة ورقم (297) مكتبة الأوقاف ويسمى (ثبت الزريقي) جمع فيه أسانيد الإمام يحيى شرف الدين عليه السلام وإجازاته، ثم أضاف إليه الإمام القاسم بن محمد عليه السلام بعض مروياته وأسانيده، مخطوط بمكتبة طلعت بدار الكتب المصرية رقم (584) مجاميع أخرى خطت سنة 1007هـ مكتبة السيد المرتضى الوزير ثبت السيد هجرة السد، وانظر عنه وعن مؤلفاته ومصادر ترجمته الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص342 - 344 ترجمة 197، وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 340.
(2) عَكّ: بفتح العين وتشديد الكاف. قبيلة كبيرة من الأزد. (معجم المقحفي ص 1099).
(3) في (ب): قال.
(4) انظر عن ترجمته أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 332، وترجمة في الضوء اللامع 3/155 باسم الحسين.
قلت: وعلى ذكر رجوع أهل هذا البيت إلى الحق أذكر هنا جماعة - رحمهم الله - اتبعوا مذهب أهل البيت كما كان إمامهم الشافعي - رضي الله عنه - فإن الشافعي من أهل المودة الصادقة لآل محمد وبايع لمحمد بن عبد الله النفس الزكية، وله مع الرشيد في ذلك مقام، وله أشعار في هذا المعنى نحو ما انشده في الصواعق:
قالوا ترفضت قلت كلا ... ما الرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شك ... خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضاً ... فإنني أَرْفَضُ العبادِ
ومن كتاب الشيخ إسماعيل اليوشتجي الشافعي قال: روى المزني قال: قلت للشافعي إنك رجل توالي أهل البيت، فلو عملت في هذا الباب أبياتاً، فقال - رضي الله عنه -:
وما زال كتمانيك حتى كأنني ... برد جواب السائلين لأعجم
وأكتم ودي في صفاء مودتي ... ليسلم من قول الوشاة وأسلم
وقال - رضي الله عنه -:
أنا الشيعي في ديني وأصلي ... بمكة ثم داري عسقلية
بأطيب مولد وأعز مجد ... وأحسن مذهب تسمو البرية
وقال أيضاً - رضي الله عنه -:
يا راكباً قف بالمحصب من منى ... واهتف بقاعد خيفها والناهض
سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ... فيضاً كملتطم الفرات الفائض(1)
[قف ثم ناد بأنني لمحمد ... ووصيه وابنيه لست بناغض]
إن كان رفضاً حب آل محمد ... فليشهد الثقلان إني رافضي
وعن الربيع قال: حججنا مع الشافعي - رضي الله عنه - فما ارتقى نجداً ولا هبط وادياً إلا وهو يبكي وينشد هذه الأبيات الثلاثة يقول:
آل النبي ذريعتي ... وهم إليه وسيلتي
أرجو بأن أعطى غداً ... بيدي اليمين صحيفتي
__________
(1) زيادة في (ب).
وقال يحيى بن معين: طالعت كتاب الشافعي في السير فوجدته لم يذكر إلا علي بن أبي طالب /63/ - عليه السلام- فاستشهد يحيى بن معين بهذا على أن الشافعي رافضي - صانه الله - وهذه كلمة جهل الناس معناها، فإن الرافضي كما في شرح مسلم للنووي من رفض إمامة زيد بن علي - عليه السلام- وفي ذلك حديث وقصة لا تخرج بالتطويل مما نحن فيه، وقد ذكر ابن الجوزي بكلام طويل متابعة الشافعي للقائم من آل محمد، وحكاه العامري، وذكر البوشنجي له قصة كادت تفضي به إلى الهلكة، وهذا الذكر قيام ببعض حق الشافعي، وثناء عليه فإن مودة آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -(1) نتيجة الدين، والعقل الرصين، والحسب المكين، وأما أبو حنيفة فهو معدود في الزيدية، وهو رئيس البترية منهم، وقد ذكر هذا الطحاوي وصاحب الضياء المعنوي، وقد صرح أئمة الزيدية أن نصوص أبي حنيفة من نصوصهم. نعم، وقد عرف كثير من أتباع الشافعي - رحمهم الله - فضل أهل البيت نتبرك بذكر جماعة ونكتفي عن تراجمهم بهذا الذكر.
1) علي بن إبراهيم البجلي:
منهم علي بن إبراهيم بن سليمان بن داود بن نصار بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الله الحباك بن أحمد بن عبد القادر بن محمد المساوي بن عبد الرحمن بن سليمان بن الطاهر بن جيلان بن عبد الله بن داود بن محمد بن الحسين بن الولي الكامل محمد بن الحسين البجلي، وهو علامة شهير، ومن ذريته آل الحباك الساكنون في المسمور، وحرم من الشقيق وفيهم الفضلاء(2) الشعراء.
2) القاضي سري بن إبراهيم
ومنهم العلامة القاضي سري بن إبراهيم قاضي صنعاء - رحمه الله تعالى - ذكره السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله الوزيري، وأنه راسل الإمام المنصور بالله في شأن المطرفية.
__________
(1) زيادة في (ب): وسلم.
(2) في (ب): والشعراء.
قال الشيخ القاضي علي بن نشوان الحميري: إنه كان عالماً فاضلاً، وكان أكبر من بصنعاء من العلماء مقاماً ومعرفة وعلماً، ورجع إلى مذهب الزيدية عن مذهب الجبر، وكانت له في الفقه يد قوية ، وله تثبت في الخصومات وحذاقة، فولاه الإمام يعني المنصور بالله - عليه السلام- القضاء بمذهب آل محمد - عليهم السلام- وأن يرجع إلى أمير المؤمنين فيما التبس عليه من القضايا والأحكام، وكتب له بذلك عهداً.
3) إسماعيل النيسابوري:
ومنهم إسماعيل بن أبي بكرالنيسابوري رجل من خراسان، كان من فقهاء العامة، ورغب في مذهب أهل البيت إلا أنه لم يلق إلا شيوخ المطرفية، وكان حريصاً على علمهم عبَّادة، وفيه يقول أبو السعود بن زيد:
وابن أبي بكر فتى نيسابور ... هم يضروه من عمى الرأي البور
رأي الفريق القدري المثبور ... فهو رفيع القدر فيهم محبور
4) إبراهيم الصبري:
ومنهم إبراهيم بن أحمد بن أبي حمير الأصم الصبري نسبة إلى جبل (صبر) من بلاد (المعافر) قدم صنعاء، وحرص على طريق توصله إلى أهل البيت فلم يلق إلا شيوخ التطريف كنهد بن الصباح وأمثاله، وولده محمد بن إبراهيم اعتقد مذهب الحسينية.
5) محمد بن أبي الحسين البصري
ومنهم محمد بن أبي الحسين الغريب البصري، وهو ممن اشتغل بنقل أخبار الزيدية سيما أهل التطريف.
6) سليمان بن محمد الحبشي
ومنهم الفقيه العلامة الحافظ الأديب المحدث نجيب الدين سليمان بن محمد بن الزبير الحبيشي، ثم الشاوري ممن أظهر اعتقاد أهل العدل مع جماعة من أصحابه، ووصل إلى الإمام أحمد بن الحسين وبايعه.
7) محمد بن منيع البهري
ومنهم الفقيه العلامة الأديب الفرضي محمد بن منيع البهري البغدادي من بني بهر نشأ ببغداد، ودرس في المدرسة النظامية، وكان شافعي الفروع عدلي الأصول محباً لآل /63/ محمد المختار صلى الله عليه وعليهم، ولما وصل إلى ديار اليمن صار يبحث عن علماء أهل البيت ومن يرجى فيه القيام بأمر الإمامة، فأقام سنين ينظر(1)، فلما وردت دعوة الإمام أحمد بن الحسين إلى صنعاء وصل إلى الإمام إلى ثلا، ورأى كمال الإمام في صفات الإمامة، وبايع(2) وأقام أياماً وأحسن إليه الإمام، ومن شعره في الإمام:
الله أكبر هذا كاشف الكرب ... في كل قطر من الدنيا عن العرب
هذا الإمام الذي اختالت بسيرته ... مراسم العدل في أثوابها القشب
8) الفقهاء بنو سود
ومنهم الفقهاء بنو سود أهل الفضل والسؤدد.
قال الجندي عند ذكر مدينة (المحالب): إنها إحدى المدن القديمة، وهي قليلة الفقهاء، إنما سكنها الدولة، ثم ذكر ناحيتها، قال: ومن الناحية البيت المشهور بالفقه والعبادة والصلاح وهم بنو سود غير انهم اشهروا بخلطة الزيدية وعدد منهم جماعة، قال: أولهم الفقيه سود، ثم الفقيه يعقوب بن محمد، ثم الفقيه محمد المكنى بأبي حربة، صاحب الدعاء. ومنهم الفقيه حسين بن محمد، قال: كان فاضلاً عالماً في الأدب يقول الشعر، غالب شعره في مدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وله معشرة في مدح إمام الزيدية أحمد بن الحسين - عليه السلام- من هذه المعشرة في حرف الألف:
آلى علي يميناً طَرْفُ أسماءِ ... أسلو وما كنت محتاجاً لإيلاءِ
أسماء تعلم أني غير معتوضٍ ... منها وإني سواها غير هوّاءِ
أهوى لقاها وإن قالوا به تلفي ... فالموت أهون من عشق وأباءِ
أبكي وتضحك من تيه ومن ملق ... شتان ما بين ضحاك وبكّاءِ
__________
(1) في (ب): ينتظر.
(2) في (ب): فبايع.
ومنهم حسين بن أبي بكر بن علي بن عيسى مسكنه المحرب(1)، وقبره به مشهور يزار، وذريته يعرفون ببني حسين بن أبي بكر، قال الأهدل: إن من ذريته عبد الرحمن بن سود أخي محمد بن سود، وكان قد اشتهر بالصلاح والفقه، تفقه على سليمان بن الزبير، ثم غلب عليه العبادة مع الورع، لكنه اتهمه السلطان بالميل إلى الزيدية لاتصاله بالمطهر إمام الزيدية في عصره، فهموا بإمساكه،فكان لا يستقر بموضع ينالونه، وحبَسوا بعض أهله بزبيد حتى مات بعضهم في الأسر، انتهى.
وروى عنه أنه كان يعيب على أهل جهته الفقهاء وغيرهم التخلق بأخلاق الجهلة من المتصوفة وحضورهم مجالس الزفن والرقص والسماع، وتوفي لأربع وسبعمائة تقريباً، ومنهم العلامة عبد الله بن حسن صاحب القناوص - بالقاف مفتوحة بعدها نون ثم ألف بعدها واو مكسورة ثم صاد مهملة - أوذي غاية الإيذاء بسبب انتمائه إلى الزيدية - كثرهم الله - وتسلط عليه الملك المؤيد وأرسل إلى صاحب المهجم فأمسكه وأرسله مع ثقاته إلى زبيد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، فسجن أياماً ثم أخرج ووقف عند خطيب زبيد العجمي.
قال الأهدل: ومنهم محمد بن حسن بن حسين. قال: كان يسكن الجبال لميله وميل ابنه إلى مذهب الزيدية.
قلت: وأما الحسن بن محمد فقد أفردنا له ترجمة ولعلنا نذكر شيئاً من أحوالهم عند ذكر العلامة محمد بن يوسف بن هبة الفضلي القدني(2) - إن شاء الله تعالى -.
9) أبو حامد الغزالي:
__________
(1) الْمَحْرَث: بلدة في جبل ملحان بالمحويت، يسكنها الفقهء بنو السودي، ولعلهم من بني سَوْد أهل القناوص في تهامة. (معجم المقحفي ص1423).
(2) في (ب): القدفي.
وممن اعتقد مذهب آل محمد وعرف فضلهم الشيخ الحجة محمد بن محمد بن محمد الغزالي الإمام الكبير مصنف (البسيط) و(الوسيط) و(الوجيز) في فقه الشافعية وصاحب /65/ الإحياء وغيره من الكتب الإسلاميات والفلسفيات، وكان - رحمه الله - قد تنقل في المذاهب ولم يستقر حاله إلا عند وفاته، فاختلط بالسلطان تارة واعتزل الناس جميعاً أخرى، وتصدر للدرس والتدريس، ثم غلقت مدارسه ولذلك عابه الشيخ أبو علي الطوسي(1) وغيره، واستقر بآخره بالعراق، ولقي عبد السلام القزويني الزيدي، وتتلمذ له، ذكره الذهبي ونقل الذهبي(2)، ومما(3) أخبرني به مولانا العلامة محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - وعن سلفه أنه عاد بآخره إلى مذهب العترة، وكذا ذكره صاحب (العواصم)، وذكره السيد الهادي بن إبراهيم والقاضي عبد الله الدواري، وفي كتاب العلامة الفاضل محيي الدين يوسف بن أبي الحسن بن ابي القاسم الجيلاني من بلد (الجيل) من مدينة (لا هجان) الواصل كتابه المذكور إلى اليمن سنة سبع وستمائة إلى الشيخ الحافظ عمران بن الحسن الشتوي في ترجمة الناصر الرضا - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): الطوطوسي.
(2) كذا. لعله: ونفى الذهبي.
(3) في (ب): مما.
قال: هو الرضا الناصر والناصر لقبه ولقب آبائه إلى الناصر للحق - عليهم السلام- وهو الرضا بن مهدي ناصر [كان] رجلاً كبيراً ذا جاه عريض، وهو مهدي بن محمد بن خليفة بن محمد بن الحسن بن أبي القاسم بن الناصر الكبير، ومن أخباره أنه لما صار عالماً بأصول الناصر للحق - عليه السلام- وفروعه وبلغ فيه مبلغ العلماء ارتحل إلى عتبة الشيخ أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي - رحمه الله - وإنما قلت - رحمه الله - لأن شيخنا أبا منصور بن علي بن أصفاهان قال: إنه صح أنه مات زيدياً، والفقيه أبو منصور هذا كان في زمرة الناصرية، كالنبي في أمته، وكان تلميذاً لأبيه أبي علي بن أصفاهان، وكان أفضل من أبيه أبي منصور بدرجات، وكان تلميذاً للرضي الناصر - رضي الله عنه - وهو كان تلميذاً للغزالي - رحمه الله - وكان الناصر الرضي هذا أراد الحج وكان في قلة زاد، فكتب الغزالي معه بكتاب حمله إلى الخليفة ببغداد يستميح للناصر الرضي، وهذه نسخة الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم، الشيم الطاهرة النبوية والعادات المقدسية الإمامية الرضوية حرس الله على الإسلام والمسلمين مناقبها، ونشر في جوانب الدنيا محاسنها في إفاضة الإنعام والإحسان وابتياع الثواب والحمد بالغالي من الأثمان، استمرت استمرار استطار خبرها في الأقطار، ودار في خلال الديار حتى صار أحدوثة في الأمصار، فتحدث بترديدها السمار، وحدا بذكرها السفار، فاستغنت بما خص بها من التطلع والاشتياق، إلى طلب ذوي الاستحقاق، ولو من أقاصي الآفاق، من باعث ينشر جناحها، ويذكي مصباحها، لا سيما إذا صادف الاصطناع أهلاً ومصنعاً، ولبذل المعروف موقعاً ومزرعاً، ورافع المكتوب إلى الجناب الأشرف، المنصور بالذكر في هذه الأحرف، ممن يدلي بمحتد كريم، ومجد صميم، ودين قويم، وسمت في التقى مستقيم، قد جمع إلى التقوى والأصل الطاهر، من العلم الغزير والفضل الزاهر، ما امتدت بسببه إليه النواظر، وعقدت عليه
الخناصر، حتى حاز قصب السبق في ميدان النظر عن كل مناظر، وشهد له به الغائب الغريب كما يشهده الحاضر القريب، وقد صار إلى المواقف المقدسة الإمامية النبوية بأجنحة الرجاء، متوسلاً بوسيلة الدعاء، متوقعاً أن يلقى نعيماً وحبوراً، وينقلب إلى أهله مسروراً، قاضياً حق الدعاء، خطيباً من خطباء الحمد /66/ والثناء، واصفاً وناشراً وناظماً وناثراً وللآراء المقدسة الإمامية النبوية في تحقيق رجائه، واغتنام دعائه، مزيد السمو والعلو - إن شاء الله - وله مصنفات قبل حالته الصالحة الخاتمة مضلة، ومذاهب مضمحلة، وهي عندنا موجودة (كالمنقذ من الضلال البعيد الذي هو الموقع في الضلال القريب) وغير ذلك من التصنيفات المضلة، انتهى كلامه وسيأتي إن شاء الله ترجمة الناصر الرضي وإن كانت هذه الترجمة قد ألمت بكثير مما انتهى إلي من أحواله - رضي الله عنه - آمين.
10) علي بن سالم العبيدي ومراسلته مع الأحنف
ومنهم: القاضي الأجل العالم العبيدي اليمني - رحمه الله - لعله - رحمه الله - علي بن سالم بن غياث بن فضل بن مسعود العبيدي نسباً - بالباء الموحدة المكسورة بعد عين مهملة بعدهما ياء باثنتين من أسفل ساكنة ثم دال مهملة - نسبه إلى جده ببلدة كبيرة في اليمن، منهم ناس يسكنون وادي(1) (عبد)(2) ببلاد (صهبان) وكان مسكنه في قرية من الوادي المذكور اسمه الظفير، كان فاضلاً عالماً غلب عليه الصلاح، وأدركه اليمن والفلاح، يقصد من أنحاء اليمن للتبرك وطلب الدعاء، وكان إذا قام لورده في الليل بغرفة من بيته أنارت الغرفة حتى كأنها يوقد بها شمع فيأتي الناس إلى حول ذلك ويدعون الله بما شاءوا فيجدون أمارة الاستجابة فوراً وتوهم بعض الفقهاء من الشافعية أن ذلك شيطان، فوصل إليه زائراً ليختبر الحال، فأكرمه الفقيه وبيته معه، ثم لما جاء من الليل وقت الورد قام الفقيه لورده فأضاء البيت إضاءة عظيمة، فلما رأى الضيف ذلك تلا القرآن(3) فازداد النور بحيث رأى نملة تمشي في الجدار، فاستغفر الله واستطاب باطن الفقيه، وله كرامات ويقال: موته آخر المائة السادسة، والله أعلم. ولما شاع في الأقاليم رجوعه إلى مذهب العترة كاتبه أهل الأمصار، وممن كاتبه قاضي مكة القاضي الأحنف، وهذه صورة كتابه:
سلام على تلك الخلائق إنها ... هي الثمرات الطيبات إذا تجنى
ولا فض صرف الدهر حرف سنانها ... ولا صحبت إلا السعادة واليمنى
__________
(1) في (ب): وادي عميد.
(2) في (ب): عبيد.
(3) زيادة في (ب): فيبطل عمل الشيطاني.
خص الله تعالى حضرة القاضي الأجل، وحرس عليه دين الإسلام حراسة كتابه العزيز من النقص والمزيد، تنزيل من حكيم حميد، وختم لنا وله بالخير في عفو وعافية، وقد انتهى إلينا أنه سيد البلاد عندهم وأنه عالمها وأنه متبوع غير تابع، وإذا كان كذلك فالواجب عليه أن يكون على السنة البيضاء والطريقة المثلى إما شافعي وإما حنفي، وإما مالكي، فإنهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ولا يلتفت إلى من يزخرف له القول في العلم، فإن العلم هو الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع [من](1) الأمة والقياس الجلي، والزيدية لا يقولون بأخبار الآحاد من السنة، وقد اجتمع على الأخذ بها الشافعي وأبو حنيفة وعلماء السنة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لعلي بن أبي طالب - كرم الله وجهه في الحنة-: (لئن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك من حمر النعم تنحرها في سبيل الله تعالى، فإن شككت في شيء سترته عليك كاتبتنا وشافهتنا فوالله /67/ ما تنتفع ونتنفع بل المسلمون والسلام.
وهذا جواب القاضي العبيدي المذكور:
دعوت ملبياً يا خير داعي ... وأسمعت النصيحة أذن واعي
وأودعت الأمانة قلب من لا ... يفارق دينه لهوىً مطاعِ
يرى تفضيل أهل البيت فرضاً ... كتفضيل العيان على السماعِ
فيا لك منة يعلو سناها ... إذا ذكرت سنا الشكر المذاعِ
أتت في رقعة وردت بها عن ... لسان معرب ويد صناعِ
تقهقر عن بلوغ (……)(2) أو في ... بلاغتها عدي بن الرقاعِ
ولا عجب لأنك فذ عصر ... تشير يدي إليه بلا دفاعِ
وإنك عند تختلف المعاني ... تمد إلى البيان أتم باعِ
سعى وسعيت غيرك للمعالي ... ففزت بها وقصر كل ساعي
وقمت بحرمة الإسلام نصحاً ... وتهذيباً لمرعيٍّ وراعي
وما ميمون نصحك حين وافى ... بمطَّرحٍ لدي ولا مضاعِ
وقل فيه: هدية ذي ودادٍ ... أتتك بما يزاد ولا يزاعِ
ولكني رأيت مقال ما قد ... أشرت به شديد الامتناعِ
__________
(1) من. ظ
(2) فراغ في (أ) و (ب).
وكيف يصح تقليدي أناساً ... وبينهم التنازع والتداعي
وهذا يدعي تغليط هذا ... وإبطال المواقف والمساعي
وفي تحليل ذا تحريم هذا ... وكل مدع وإليه داعي
وإرشادي إلى طرق ثلاث ... تخف على التطبع والطباعِ
فإن قلدت بعضهم اعتقادي ... فصاحبه لصرعته مراعي
وإن قلدت كلهم، فهذا ... لعمر أبيك ليس بمستطاعِ
وإن قلنا جميعهم مصيب ... ولم يرضوا فذا فعل الرعاعِ
فإن كان الخلاف لهم مباحاً ... تكايلنا به صاعاً بصاعِ
ولم يثبت طريق الدين نقلاً ... ولا عقلاً ولكن بالصراعِ
وهذا لا يقول به تقي ... يعف عن افتراع وابتداعِ
ابن لي كيف أصنع في اعتقادي ... وفي عملي رعاك عليه راعي
فوجه الحق لا يخفى على من ... لا يحيف ولا يميل إلى الخداعِ(1)
وقد قال النبي وكل قول ... سوى ما قاله آل بقاعِ
ستفترق الجماعة قال نيفاً ... على السبعين في الخبر المشاعِ
فتنجو فرقة وعلى سواها الـ ... ـعذاب كعبد ود أو سواعِ
ابن لي يا فقيه العصر قولاً ... يصح به اعتقادي وانتفاعي
من الهادين آل محمد أم من؟ ... من الناجين في الغرف الرفاعِ
فإني لم أقلد غيرهم في الـ ... ـحديث فأصغ سمعك لاستماعي
هم الأعلون والزاري عليهم ... إذا أنصفت من سقط المتاعِ
وهم سفن النجاة لمبتغيها ... وأهل الفضل والشرف الوساعِ
إذا افتخروا نبوا ودنا سواهم ... فبات الفخر في أعلى البقاعِ
وحسبك منصباً لهم عليٌ ... وأحمد خير مبعوث وداعي
روى عنهم ثقات كان منهم ... شيوخ كالكواكب في سباعِ
ورقة فارغة في (أ).
يراعون المهيمن حين يروى الـ ... ـحديث ورب راو لا يراعي
فلا تسمع فديتك قول قوم ... لهم شيم البهائم والسباع
يقولون المحال بلا دليل ... ويأتون الضلال بلا ارتداع
فما الليل البهيم كضوء صبح ... يبين ولا الكراع إلى الذراعِ
وأما ما ذكرت من التداني ... إلى بعض الجهات أو البقاعِ
فاسألُ خالق الثقلين منّاً ... على عجل بقرب واجتماعِ
__________
(1) العجز زائد عن الوزن.
ويشفي غلة ويريح مِنَّا ... رؤساً قد سئمن مِن الصداعِ
وينقطع التنازع والتداعي ... وتتضح المسالك والمساعي
وصلت النصيحة المفيدة الصحيحة، الدالة لداء القلب السليم على الصراط المستقيم، المنبهة لطالب السلامة، على ما فيه النجاة يوم القيامة، مع ما أصحبها - أدام الله سلامته - من شريف سلامه ولطيف تفقده وإلمامه، على غير معرفة سابقة، ولا يد ببيض الأيادي لاحقة، بل ابتداءً منَّة وتفضلاً، وامتناناً وتطولاً، كالمسك دل بعرفه وذكى نفحته عليه، والروض حين دعا العيون بحسن نضرته إليه، ولهذا استدل بحسن الأخلاق على طيب الأعراق، وبتهذيب المذاهب على شرف المناصب، فالله - سبحانه وتعالى - يخص نفسه النفيسة، وعقوته(1) الأنيسة بسلام تام، وإلمام عام، ويحسن عن مملوكه جزاه، ويتولى كفاه، سالكاً بذلك مسلك الاحتساب، وكاشفاً به - كما ذكر - الشك من الارتياب، إذا مر مملوكه(2) بالتزام السنة البيضاء والطريقة المثلى إما شافعياً وإما مالكياً وإما حنفياً، وحكى عن هؤلاء أنهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى، وقد علم الله أن مملوك إنعامه قد شكر له شكراً جزيلاً، وأثنى عليه ثناء عريضاً طويلاً،
وكيف لا ويد الإحسان موجبة ... للشكر لا سيما إن لم يكن سببُ
وقد مننت ابتداء بالكتاب ولم ... ترد إليك لنا رسل ولا كتبُ
أنت المهذب في العلم الذي شهدت ... بفضله العجم في ذا القطر والعربُ
__________
(1) عقوته: العَقْوة: شجر، وما حول الدار والمحلَّة. (القاموس المحيط ص1206).
(2) في (ب): إذا مر مملوك إنعامه.
إلا أن مملوك إنعامه تأمل مقالته تأمل مجتهد لا منتقد، واستعرضها استعراض قابل لا مقابل، ونظر فيها نظر ناظر لا مناظر، فنظر أن الطرق الثلاث التي بتصويبها أفتى، تشتمل على طرق شتى، أما الشافعي وهو درة تاجهم، ومصباح منهاجهم، فلم يخف على حضرته اختلاف الأشعري والحنبلي في أصول الدين، وهما من علية أصحابه المجتهدين حتى سمى كل واحد منهم اعتقاد صاحبه ضلالة يدل على ذلك قول بعض الحنبلية في الأشعرية:
يا أشعرية يا زناديق الورى ... يا رأس كل منافق شيطان
وللشافعي أقوال ينقض بعضها بعضاً، ولا يأول بعضها إلى بعض اعتراضاً ونقضاً مع اختلاف سمكها، وتباين مسلكها، وصحة مثل هذا ممتنعة، والطريق إليه منقطعة، وأما أبو حنيفة ومالك فلهما مثل ما له، إذ المنازعة بينهم دائمة، وإلى يوم القيامة قائمة، وقد أمر الله بالتعاون والائتلاف، ونهى عن التفرق والاختلاف، فقال: سبحانه وتعالى ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? [المائدة:2]، واتفاق الأفعال لا يصح مع اختلاف الأقوال، وقال سبحانه وتعالى: ?أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ? [الزمر:3] والخالص ما لا اختلاف فيه، وأخبر - جل وعلا - أن الخلاف صفة ناقصة، فقال سبحانه وتعالى: ?وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا? [النساء:82]، وإذا لم يجز الخلاف في الكتاب لم يجز الخلاف(1) في السنة إذ عنه صُدِّرت وبقوامصه حُبِّرت، وقد صح أن الله سبحانه وتعالى، فرد فما له شريك ولا ممن براه معاند، ذلك دين الله منذ قضى به علينا إلى يوم القيامة واحد، وفصل الخطاب في حصر الاختلاف، والحث على الائتلاف قول الله سبحانه وتعالى: ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ? [الأنعام:153]، وقوله سبحانه وتعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ? [الأنعام:159] فوقف مملوك إنعامه وقوف متحير متفكر؛ إذ عن الخلاف نهاني، وإليه دعاني، وبالوفاق أمرني، وعن أصله وأهله أصدرني:
أترك آل النبي عمداً ... وابتغي سائر الرواةِ
كطالب الري من قليب ... وعنده زاخر الفراتِ
أو يبتغي التمر من أراكٍ ... وعنده النخل باسقاتِ
لم يحض آل النبي إلا ... بالقتل والسَبي والشتاتِ
وقد دعوا بعدهم إماماً ... كل ظلوم وكل عاتي
__________
(1) سقط من (ب): الخلاف.
وكل من قد أجاز عمداً ... كشف ستور المحرمَّاتِ
أوطؤوه الردى وقاموا ... للحرب في حالة الدعاةِ
فليت شعري إذ استجابوا ... للحشر في منزل الرفات
ما عذرهم عند جدهم في ... قتل بنيه وفي الديات
[يا ربنا احكم فأنت أدرى ... بكل ماض وكل آت](1)
والعجب من تسمية من نقل عن أهل البيت القول مزخرفاً، ورواه في هذا القول بحقه متصفاً، وحكى أن الزيدية لا منصب لهم في العلم، ولا يد لهم في فصل الحكم، وأي منصب أشرف من منصبهم، وهل يوجد للخير سبب أبلغ من سببهم؟ هذا مع أن الله - سبحانه وتعالى - قد أمر بتشريف أئمتهم وسؤالهم، فقال - عز من قائل كريم -: ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ? [النحل:43]، فلما أمر بسؤالهم دل على الاقتداء بأفعالهم وأقوالهم، ولعل قائلاً يقول إن أهل الذكر المأمور بسؤالهم هم أهل الكتاب، ويحتج بقوله تعالى: ?فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ? [يونس:94]، وهذا لا يصح؛ لأنه لو صح وجب السؤال عن جميع العبادات، وهذا إبطال لنبوته - عليه الصلاة والسلام - وإبطال للقرآن المجيد وتكذيب للمعجزات، وهذا كفر صراح، وليس - أدام الله علوه - لحقهم تجاهل(2)، ولا عنه بمتجاهل، ولكن لأمرٍ ما جدع قصير أنفه، هذا مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد دل على أن الحق معهم بقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا إلى يوم القيامة كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين)، وهو - أدام الله علوه - بهذا القول أدرى، وبالعمل به أولى وأحرى، وكل هذا دليل قاطع على أن الخلاف والاختلاف لا يجوز عقلاً ولا نقلاً، أما النقل فلما تقدم من الأدلة، وأما العقل فمعلوم أن كل ذي عقل لبيب إذا رأى شخصين مختلفين في قول أو فعل لا يقضي لكليهما بالصواب، مثال
__________
(1) سقط من (أ) وثبت في (ب).
(2) لعل الصواب: بجاهل.
ذلك أن يمر رجلان بمجلس سلطان فيقول أحدهما: رأيت زيداً كساه السلطان يوم الجمعة عند طلوع الشمس حلة، ويقول الآخر بل صلبه في ذلك اليوم والوقت بعينه، أفيجوز أن يصدقا على زيد أو على السلطان، فإن قال ((كل مجتهد مصيب))، قلنا: هذا حديث نتلقاه بالقبول، إذ كل مجتهد بالصواب مصيب الاجتهاد لا يخرج عن أحد وجهين، إما يعلم الحق فيجتهد في العمل به، وأما أن يجهل الحق فيجتهد في طلبه، وإما الاجتهاد /71/ فيما يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا يسمى فيه مصيباً، بل هو خطأ محض، وأما ما دعا إليه من المشافهة للمحادثة والمباحثة لترتفع الشكوك ويتبين النهج المسلوك فدعواه ظاهرة جوابها على كل ذي عقل وجوابها(1) شعر:
أشهى المنى عند ذي أُوام ... ورود ماء بلا زحامِ
وصحبة الطيبين أطرى ... من لذة الماء والطعامِ
وكيف لي أن أراك يوماً ... في مجلس ثابت النظامِ
بين رجالٍ لهم حلومٌ ... أرجح من ذروتي شمامِ
لا يعرفون المراء إن هم ... قالوا ولا الهجر في الكلامِ
شعارهم حب آل طه ... عليهم أفضل السلامِ
ويحفظون الحقوق فيهم ... وفي سواهم من الأنامِ
وسوحهم للوفود رحبٌ ... وهذه عادة الكرامِ
وما لهم بعد كل هذا ... في هذه الدار من مسامي
__________
(1) في (ب): وجوبها.
فإن تفضلت حضر الفقيه الأجل، سامي القدر والمحل، لافتقاد الدين وإصلاح الإسلام والمسلمين، فالدين واحد، والسبيل قاصد، والحق واضح لمن طلبه، والكبر فاضح لمن صحبه، فمملوك إنعامه اتبع للحق إذ رآه من الظل وأطوع لأهله من النعل، وبعد ذلك إن لم يكن(1) إجماع ولم يتفق عليه اجتماع، فقد وجبت النصيحة له كما وجبت عليه، لقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (المسلم مرآة أخيه المسلم)، وهذا - أدام الله علوه - ممن كثر في هذه الدار اسمه، وكثر في الأسماع والأشياع قسمه، فهذه غاية حسنة، وسنة مستحسنة؛ لأنه يعلم أن الأتباع خصماء المتبوع يوم القيامة، فإن نظر إنعام(2) النظر في التماس السلامة، وركوب سفينة النجاة يوم القيامة، أنزل أهل البيت منزلتهم التي أنزلهم الله بها، والاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم، وكونه من أتباعهم وأشياعهم، وممن يحفظ حقوقهم ويجتنب عقوقهم، فلعل في ذلك فوزاً لحظ نفسه، وانتفاعاً بعلمه ودرسه، ولعلي لا أخلص كما قيل من غمرٍ جاهل ودي عمر(3) متجاهل سلك في هذا القول مسلك المقايضة، وسبكه في قالب المفاوضة، ولله در القائل شعرا:
أبحتك نصحي إن قبلت فنفعه ... إليك وإن تكره فأنت المخير
فإن قبلت النصيحة، فالله يعلم أنها صحيحة، وإن كانت الأخرى، فكل بما عنده أدرى، قيل لبقراط الكلام الذي كلمت به أهل المدينة لم يقبلوه، فقال: ليس ذلك يضرني إنما يضرني إذا كان خطأ، انتهى كلام العبيدي في جوابه للقاضي الأحنف، والذين عرفوا الحق جم غفير، ومنهم من سنذكره في ترجمة له كابن مسدي العرباطي والحسكاني - رحمهما الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): فإن لم يكن إجماع.
(2) في (ب): إمعان.
(3) في (ب): من ذي عمرٍ جاهل وذي عمرٍ متجاهل.
ومنهم العلامة الحسن بن عمر القرشي المالكي، حكى أبو فراس بن دعثم أنه وصل منه كتاب إلى اليمن قال فيه: لما بايعت الشريف الأجل أبا علي يوسف بن علي الحسني (بينبع) للإمام عبد الله بن حمزة - عليه السلام- وكان إذ ذاك /72/ المذهب والعقيدة مالكياً، فعرضت لي فكرة في الطاعة بالقول واللسان، والمخالفة بالقلب والجنان، وكثر ترددي في ذلك فجرى على خاطري قوله تعالى: ?وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ? [آل عمران:72] فعلمت أني إن استقمت على ذلك انتظمت في سلكهم وتحملت من إفكهم، فأداني اجتهادي إلى أني لم أجد مسلكاً إلى الخلاص إلا بالتوسل إلى الله تعالى بالغدو والآصال بالعترة النبوية - صلوات الله عليهم - أن يوضح لي طريق الرشاد، ويوفقني لمسلك السداد، ففتح الله تعالى علي في ليلة الجمعة من شهر جمادى الأولى من سنة تسع وتسعين وأنا بين النائم واليقظان فرأيت ناساً في فضاء من الأرض محدقين على شخص فتطلعت نحوهم ودنوت فإذا بشخص جالس على دكة عالية مبنية وحده وإ ذا برجل نحيف الجسم عليه آثار المجاهدة والعبادة قائم على الأرض على(1) يمين ذلك الشخص وهو أقرب الناس منه فسألت من هذا الصبي؟ فقيل: هذا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فتقدمت إليه وأخذت بيده أقبلها وأقول: أشهد أنك إمامي حقاً، فقال لي: بل أنا نبيك، وهذا إمامك، فاتبعه، فأعدت القول ثلاثاً فأعاده علي ثلاثاً، فقلت: قبلت ورضيت، فتحولت من بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وفمت عن يمين ذلك الشخص ثُمَّ قلت يا رسول الله ما اسمه؟ فقال: عبد الله المنصور بالله أبو محمد، ثم قال: معاشر الناس، هذا إمامكم فاتبعوه ثلاث مرات، فانتبهت وإن يدي لفي يده أقبلها وأقول ?جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا?
__________
(1) في (ب): عن يمين.
[الإسراء:81]، إلى آخر كتابه. وله قصة أخرى ضاق عنها القرطاس.
الحسن بن مدافع الديلمي [ق 7 ه ]
السيد الأمير الحسن بن مدافع الديلمي - رحمه الله تعالى - كان كما قيل أشهر من نار على علم، حائزاً لفضيلتي السيف والقلم، ترجم له السيد الإمام يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله - وهو بعد ستمائة من الهجرة في أيام الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام-(1).
الحسن بن مسلم التهامي [ - ق 6 ه ]
العلامة الفاضل الحسن بن مسلم التهامي - رحمه الله - عالم كبير، له مصنفات ومراجعات، وإفادات، ومن مؤلفاته كتاب (الإكليل شرح معاني التحصيل) (2).
الحسن بن موسى الأوطاني [ - ق 8 ه ]
__________
(1) سبقت ترجمته باسم الحسن بن أبي الفتح.
(2) وفي الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص347، ترجمة 201: قرأ على الحسن بن محمد الرصاص، وأخذ عنه أحمد بن الحسن بن محمد الرصاص، حققه ابن حنش وقال: هو أبو القاسم الثبت وفي غيره أبو عبدالله، وستأتي ترجمته باسم الحسين، وذكر من مؤلفاته الكاشفة بالبيان الصريح والبرهان الصريح في مسألة التحسين والتقبيح، وكلا الكتابين لم أجد لهما نسخة خطية.
الفقيه الفاضل الحسن بن موسى الأوطاني، قال في الصلة: إنه من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين، ترك زينة الدنيا على منهاج شيخه شيخ الطريقة والشريعة في ملبسه ومطعمه وقوله وفعله، يحيي الليل قياماً والنهار صياماً، ورعه شاف، وزهده واف، قدوة لأهل العبادة وسراج لأهل الخير والزهادة، قال إبراهيم حسن كاسمه، حصل له(1) من الألطاف والكرامات ما لم يحصل لنا، وكان زميلاً لشيخه في الحضر، ورفيقاً في السفر، وكان والده موسى بن حسن من(2) الفضلاء الكملة، وكان ممن واخاه إبراهيم وزاره ووقف معه وخالطه، انتهى. ولموسى أخ عالم عاقل اسمه إبراهيم بن الحسن، ولعلها سبقت ترجمته - رضي الله عنهم -(3).
الحسن بن مهدي البيهقي [ - ق 5 ه ]
الشيخ المكين فريد الدين الحسن بن مهدي البيهقي القريومدي الزيدي، ذكره الشريف المرتضى بن شراهنك المرعشي وأثنى عليه. قال: وهو من تلامذة الشيخ ملك السادة والنقباء علي بن ناصر الحسني السرخسي - رحمهما الله - /73/ مؤلف الأعلام شرح نهج البلاغة(4).
الحسن بن ناصر بن يعقوب [ - ق 6 ه ]
__________
(1) سقط من (ب): له.
(2) زيادة في (ب): العلماء.
(3) انظر صلة الإخوان في حلية بركة علامة الزمان إبراهيم الكينعي (تحت الطبع).
(4) في الطبقات الكبرى ترجمة 202: الحسن بن مهدي البيهقي الريوندي، سمع أعلام الرواية على نهج البلاغة على مؤلفه، قلت: والمعروف أن مؤلف أعلام الرواية إمامي اثنا عشري، كما يظهر من كتابه من ردود الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام - فلعل تلميذه هذا إمامي لا زيدي.
العلامة(1) الحسن بن ناصر بن يعقوب بن عامر بن نجيم(2) بن محمد بن المعمر العذري الشبوي الزيدي، والد الشيخ الإمام الحافظ عمران بن الحسن، كان عالماً فاضلاً، قتل غيلة بالسد بباب صنعاء اليمن، وتولى الكتابة للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة(3) - عليه السلام-.
الحسن المصعبي [ - ق5 ه ]
الحسن المصعبي، الوزير الكبير وزير فلك المعالي، كان من كبار الزيدية والكتاب المصعبي نسبه إليه؛ لأنه سأل الإمام أبا طالب أن يصنف له كتاباً في الفرق الضالة فصنف له المصعبي وهو كتاب مشهور في علوم آل محمد، وقد كان يعاون المؤيد(4) بالله - عليه السلام- في بعض أموره، وحكى في الذخر المؤبد في سيرة المؤيد: أنه كتب إليه المؤيد إلى جرجان كتاباً في أمور عامة، فلما تمت قال الإمام لكاتبه: وأكتب إليه أن شغلاً لنا هنالك في رقعة مفردة، فقال الكاتب: إنما هذه كلمة واحدة يمكن إيرادها في آخر ذلك الكتاب المكتوب إليه، فقال: لا أكتب في قرطاس بيت المال شيئاً أكتبه في رقعة مفردة، فلما انتهى الكتاب إلى المصعبي فقال: ما هذه العلاوة، فأخبر بالقصة فقال: إذا كانت المضايقة في الآخرة هكذا هلكنا، أو كما قال.
الحسن بن نزار بن القاسمي [ ق 7 ه ]
__________
(1) سقط من (أ).
(2) وفي (ب): نحسم.
(3) في (ب): سلام الله عليه و- رضي الله عنه - وأرضاه.
(4) سقط من (أ): الذخر.
الشريف الحسن بن نزار القاسمي، كان سيداً سرياً، وأسداً جرياً (نطاسياً) في الكتب والكتائب، هاشمياً قاسمي الذوائب، ولما كانت الوقعة بين الغز والأمراء المنصوريين (بعصر) في سنة ثلاث وعشرين وستمائة أظنه حضر الواقعة(1)، وكان من طيورها الباقعة(2) وهي آخر قضية للناصر بن المنصور بالله - عليه السلام- مع الغز وغيرهم، وهي من كبار الواقعات وحديثها يطول، وشرحها يهول، تجلت عن قتلى من الجانبين إلا أنها كانت الدائرة على الأمراء لتشتت أصحابهم وذلك فيما رواه الأثبات في صفتها باسطين للقول، وأنا أختصره أنه في سنة ثلاث وعشرين وستمائة(3)، وكان الأمير الناصر سيف الإسلام مقدم الأمراء بصعدة وعنده أخواه الأمير المتوكل على الله وعلى جمال الدين واجتمعت قبائل نزار وقحطان عند الناصر، ففرق لهم الأعطية والأرزاق والأكسية السنية، ثم نهض من صعدة في أربع عشرة من رجب من السنة المذكورة، وقد كان في بعض أيامه أحضر أخاه المتوكل علىا لله أحمد وجمال الدين سليمان بن إبراهيم والقاضي محمد بن عمر، وكان من كبار أهل دولته، فتكلم معهم وقال: قد اجتمع هذا العسكر ولا أدري ما ترون، فابتدأ أخوه أحمد الكلام، وقال: الصواب أن تنهض بعسكرك إلى (حوث)، وتجتمع بأصحابك، وتنهض على اسم الله فتقتل غز حرض ومن بها، وتؤم المخالب فتقبل من تهايم المهجم وتحوز غنائم تهامة بأسرها، ويجتمع معك بنو سليمان فلم يكن متخلف منهم أحد، فإن اجتمع الغز إلى زبيد كنت مخيراً في قصدهم أو بعضهم إلى صنعاء فتقبضها على أحسن الأشياء، وتكلم الأمير جمال الدين، وقال: الصواب يا مولانا أن تسير إلى مغارب (مأرب) و(بيحان)، وتقبض منها الأموال وتنظر الغز ما يكون أمرهم، فإن رجعت أمورهم، وصلحت أحوالهم كنت قد أصلحت تلك الجهات بأسرها، وإن تضعضعت أحوالهم قصدتها
__________
(1) في (أ): الوقعة.
(2) الباقعة: الطائر لا يرد المشارب خوف أن يُصطاد. (القاموس المحيط ص649).
(3) سقط من (ب): وستمائة.
وأنت أكثر مالاً ورجالاً، فلم يكن /74/ ليتخلف عنك أحد من أهل المشرق، وتكلم القاضي محمد بن عمر وقال: يا مولانا الصيد كل الصيد في جوف الفرا إذا ملكت صنعاء دانت لك البلاد تهامة ومأرب وغيرها، فجنح الأمير إلى رأيه فمضى على ذلك وتخلف الأمير سليمان لوجع أصابه، فلم يحضر تلك الحركة فسار الأمير حتى بلغ حوثاً وقد اجتمع فيها إخوته المقدمون أولاد الإمام المنصور بالله - عليه السلام- والأمير صارم الدين وهاس بن أبي هاشم ومخلص الدين جابر بن مقبل، وكبار بكيل وحاشد، فبات بها ليلتين وقد كان صنوه المتوكل جاء من طريق النقع(1) عند خروجه من صعدة، فحط (ببهمان) منتظراً لصنوه، فأقام الناصر بحوث ليلتين، ثم نهض بمن معه مبادرين حتى وصل (الجنات) وبها ستقر، فهرب إلى صنعاء، وطرح أمواله وجعل لبني صاع جعالات طلباً للسلامة، فأمر الأمير بهدم الجنات وخرابها، ثم قدم إلى محطة الجنات عمه الأمير ذو الشرفين يحيى بن حمزة في عساكر جمة، والشيخ سيف الدين منصور بن محمد ثم سار الأمير بمن معه، وعلى مقدمته الأمير المتوكل حتى حطَّ بحاز، ثم نهض فحط بحصن الرئيس(2) من مخلاف صدا، ثم ضرب خيامه في اليوم الثالث برأس نقيل عصر، وحينئذ أقبل الغز وكانوا في حصن (ذروان) بحقل، فانحدر الأمير في أربعمائة فارس وأربعة آلاف راجل، وقد صف الغز للحرب دون مدينة صنعاء جيشاً واسعاً ميمنة وميسرة وقلباً، وتركوا الرجال بين الخيل، فعبأ الأمير الناصر الجنود فجعل الأمير ذا الشرفين على المقدمة والأمير المتوكل على الميمنة، وصنوه الأمير علي بن عبد الله على الميسرة، وهو في القلب، وجعل جند ظفار المحروس ومن ينضاف إليهم ساقه وسار على التعبية حتى قرب من مدينة صنعاء وصفوف الغز مما يلي مسجد الحرة إلى سور المدينة وتوافق الناس وكل ينتظر من قرينه الدنو إليه ليقع التمكن مما يريد، وظلوا على ذلك إلى أن قرب الليل
__________
(1) في (ب): القفع، ولعله البقع.
(2) في (ب): الدائس.
وخاف الناس فوت الفريضة ولم يقع قتال إلا ما لا يذكر لقلته، فاجمع الأمراء على الرجوع إلى محطتهم وأن يعاودوا القوم للقتال، فلما آذنوا الناس بالانصراف رجعوا على غير تعبية فارفضوا في القاع، فلما عاينهم الغز غنموا الفرصة فساروا على تعبيتهم سيراً سريعاً حتى دنوا من الناس، فصاح الأمير في الناس بالرجوع فلم بجبه أحد وخف الناس فثبت مكانه في إخوته وكبراء دولته وأنفار من جنده، فدارت عليهم رحا الحرب واختلطوا، وأطعنوا بالرماح، ثم اضطربوا بالسيوف والغمد وقتل من جيل الغز أربعة وعشرين فرساً بالرماح، ولم ينحُ إليهم أحد من العسكر، فتولى الأمير وإخوته القتال والشيخ مخلص الدين جابر بن مقبل فرمي حصان الشيخ بنشابة قتلته في موضعه فحال العدو عليه وقتل شهيداً - رحمه الله تعالى - وقتل ساعتئذ الشريف سالم بن علي بن محسن المحسني العباسي والقاضي محمد بن عمرو بن علي العمراني ومسعود بن مقبل الزنجي مولى الإمام المنصور وبلبان(1) التركي مولى قتادة بن إدريس الحسني ويحيى بن مرثد المالكي الخولاني، وأصيب حصان الناصر بنشابتين، وأصيب عينه اليسرى بلمخة نشابة لم يذهب بصرها، وأصيب حصان الأمير المتوكل المعروف بالضرب وهو حصان /75/ لا يعلم في وقته مثله، فثقل عن الحركة فتولى القتال عليه أخوه علي فوقع فيهما طعن كثير بالرماح وصوائب بالسهام، ووقع في فرس الأمير على سهم قتلها وأصيب هو بنشابة، فنفذت إلى صدره (فراغ)(2) بحمد الله، فلم يزل(3) يقاتل على أخيه حتى وقف الضرب حصان أحمد، فترجل وركب أحدهما رديفاً مع رجل من الجند حتى تعلق بالجمل وأبلى أولاد الإمام ذلك اليوم المشهود وجرحوا بجراحات، والحاضر منهم ومن أهل بيتهم إبراهيم وسليمان والحسن وموسى وعبد الله ويحيى ابنا الحسن بن حمزة وعلي بن يحيى بن حمزة والأمير صارم الدين وهاس بن أبي هاشم والشيخ سيف الدين منصور بن
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) في (ب): فأمسوته.
(3) سقط من (أ): يزل.
محمد وجماعة من الشرفاء الموسويين والحمزيين والعلويين وأيبك فطيس وأبو حسن التركيان موليا الشريف قتادة مع كبار الجند الهمدانيين والحشيشيين، فلم يكن موقفهم يومئذ بذميم - أحسن الله جزاهم - فقال الشريف حسن بن نزار صاحب الترجمة هذه الكلمة
عاداتك الصبر والخطي مشتجرُ ... يا خير من قلدته أمرها مضرُ
لولا عزائمك اللاتي عرفت بها ... ما كان للدين عن أعدائه وزرُ
لكن حميت ببيض الهند حوزته ... والشاهدان بذاك السمع والبصرُ
أما المديح فلا نأتي بأيسره ... لأن كل مديح فيك مختصرُ
ماذا نقول من الإسهاب في رجل ... آباؤه برسول الله تفتخرُ
وما الزيادة في وصف امرئ نزلت ... في جده وعلى آبائه السورُ
تالله ما غاصت الأفكار في طرف ... من عز مجدك إلا غاصت الفكرُ
لكن أردنا نؤدي بعض مفترض ... من التهاني فلا ألوت بك الغيرُ
كل الأنام سليم ما سلمت لهم ... وما بقيت فذنب الدهر مغتفرُ
عليك للمجد أن تبني قواعده ... وما عليك إذا لم يسعد القدرُ
إن النبوءة أعلى كل منزلة ... قدراً فرنقها التنغيص والكدرُ
هل كان مثل رسول الله من أحد ... أو كان يحكيه في أوصافه بشرُ
فكان يوم حنين ما علمت به ... من البرية لولا معشر صبروا
هون عليك وإن نابتك نائبة ... فالجرح مندمل والكسر منجبرُ
والدهر يومان يوم مشرب أسن ... مر المذاق ويوم مشرب خضرُ
إلى آخر قصيدة قالها أجاد فيها وقد أطلنا بذكر القصة هذه لما نعرب به من اصطبار الأمير الناصر واخوته.
الحسن بن نسر [ - بعد سنة 75 ه ]
العلامة الحسن بن نسر، هو العلامة الكبير الفصيح العبادة الحسن بن نسر، كان من أعيان المائة الثامنة، وهو من بيت شهير بجبل هنوم في الروس(1).
الحسن بن هذيل [ - ق 2 ه ]
__________
(1) في الطبقات ق3 ج1 ص348، ترجمة 203، ذكر أنه قرأ على العلامة المحدث علي بن إبراهيم بن عطية، وأجازه بعد السماع سنة 747هـ، وسمع القسطاس في أصول الفقه على مؤلفه الإمام يحيى بن حمزة، وأجازه، وكانت آخر مجالس القراءة سنة 727هـ، كما قرأ على الفقيه إسماعيل بن أحمد الحرازي وأجازه سنة 745هـ، ونقل أنه كان صالحاً مرابطاً، له مصنف في النحو سماه اللمع، ومصنف في الفقه يسمى الملتمع في كشف غوامض اللمع، وكانت وفاته بعد الخمسين والسبعمائة، وقبره بحوث بجنب القاضي عبدالله النجري في مقبرة العشرة.
علم الزيدية الأطول الحسن بن هذيل - رضي الله عنه - كان عالماً كبيراً شجاعاً بطلاً مقداماً، صحب الأئمة ونصر الحق، وركب الأخطار في ذات الله، كان أحد الثقات مع الإمام الحسين الفخي - عليه السلام- وهو الذي باع له الحائط بأربعين ألف دينار، فنثرها /76/ على بابه، فأدخل على أهله منها بحثة(1)، قال: وكان يعطيني كفاً كفاً، فأذهب به إلى فقراء المدينة، قال: وأمرني مرة أن اقترض له أربعة آلاف من صديق لي فجئته بالفين معجلة واستنظر بالفين لغد، فلما جئته بالألفين الأولين وضعها تحت حصير كان يصلي عليه، فلما أخذت الألفين الأخرى جئت أطلب الذي وضعته تحت الحصير، فلم أجد، فقلت: يا ابن رسول الله ما فعل الألفان، قال: لا تسأل عنهما، ثم أعدت عليه فقال تبعني رجل أخفر من أهل المدينة فقلت له: ألك حاجة؟ فقال: لا ولكن أحببت أن أصل جناحك فأعطيته إياها، أما أني أحسبني ما أوجر على ذلك؛ لأني لم أجد لها منّاً(2)، قال الله تعالى عز وجل: ?لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ? [آل عمران:92].
وتعمر إلى أيام الإمام محمد بن إبراهيم، ولما تصاف أصحاب أبي السرايا وأصحاب زهير على قنطرة الكوفة خرج الحسن بن هديل يعترض الناس(3) ناحية ويقول: يا معشر الزيدية، هذا موقف تستزل فيه الأقدام وتزايل فيه الأفعال، والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفى لله بعهده، وحفظ محمداً في عترته [ألا] إن الآجال موقوفة والأيام معدودة، ومن هرب بنفسه [من الموت](4) كان الموت محيطاً به، ثم قال متمثلاً:
من لم يمت عبطة يمت هرماً ... الموت كأس والمرء ذائقها
__________
(1) في (ب): فما دخل على أهله منها بحثة.
(2) لعل الصواب: حبّاً لما يقتضيه سياق الآية.
(3) زيادة في (ب): الناس.
(4) سقط من (أ).
[يوشك من فر من منيته ... في بعض غرَّاته يوافقها](1)
الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد [بعد سنة 220 ه ]
السيد الكبير الحسن بن يحيى، الإمام الكبير السيد العظيم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي - عليهم السلام-.
__________
(1) البيت سقط من (أ)، وهو في (ب) ملحق في الحاشية، وفي مقاتل الطالبيين ص430 قال: ومرّ بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول: يا معشر الزيدية ... إلى آخر كلامه، وتمثل في البيت الأول، قال أبو الفرج الأصبهاني: الحسن بن الهذيل هذا صاحب الحسين المقتول بفخ، وقد روي عنه الحديث، وذكر ص442 أنه كان على ميمنة أبي السرايا وعلى ميسرته جرير بن الحصين.
قال السيد محمد بن إبراهيم في عواصمه: إمام مجتهد متكلم في الفقه، ذكر محمد بن منصور أنه ممن اجتمعت عليه الفرق، انتهى. وهذا الإمام العظيم المقدار من شموس العترة الزاهرة، وسفن نجاتهم الماخرة، وهو أحد من في الجامع الكافي؛ لأنه اشتمل على فقه القاسم بن إبراهيم والحسن بن يحيى وأحمد بن عيسى بن زيد ومحمد بن منصور المرادي المقري الكوفي، وجامعه العلامة شيخ المحدثين محمد بن علي العلوي الحسيني، وستأتي ترجمته إن شاء الله، وهو أيضاً - أعني محمد بن علي - مؤلف المقنع في فقه زيدية كوفان - رضي الله عنهم - والحسن بن يحيى هو المجتمع بالقاسم بن إبراهيم وأحمد بن عيسى في دار شيخ الزيدية محمد بن منصور، وذلك أن القاسم بن إبراهيم ورد الكوفة في بعض الأوقات واجتمع معه هناك في دار محمد بن منصور أحمد بن عيسى بن زيد، فقيه آل محمد(1) - صلى الله عليه وآله وسلم - وعابدهم وعبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الفاضل الزاهد والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي - عليهم السلام- وقدموا عليهم وعلى المسلمين القاسم بن إبراهيم - رضي الله عنهم وأرضاهم-(2)، والحسن بن يحيى هو عم يحيى بن عمر الخارج بالكوفة الشهير الذي ناحت عليه الخلائق وسيرته والمراثي فيه شهيرة(3).
الحسن بن يحيى بن أحمد [ - ق 7 ه ]
السيد الكبير والأمير بن الأمير العلامة بن العلامة الخطير بهاء الدين الحسن بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد.
__________
(1) في (ب): فقيه آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم.
(2) وذلك سنة 220هـ فيكون وفاته بعد هذا التاريخ.
(3) في أعيان الشيعة قال: وصفه في عمدة الطالب بالزاهد، وقال عن بعض أحفاده أنه كان يحفظ القرآن، وكذا أبوه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - 5/393.
قال السيد ابن جلال الدين - رحمه الله -: كان أميراً ناهضاً، وأثنى عليه، قال: سجنه هو والأمير الحسين أولاد الإمام المنصور بالله (بظفار)، ومات الأمير بهاء الدين بهجرة (قطابر)، وابنه القاسم بن الحسن هو الذي أسس هجرة (الدوابي)(1) بيسنم، ومات بها الشريف الكبير السخي محمد بن القاسم بن الحسن بن الأمير شمس الدين - رحمهم الله -.
الحسن بن يحيى بن الحسين [ - ق 8 ه ]
/77/ السيد الأمير العلامة الحسن بن يحيى بن الحسين والده صاحب الجوهرة والياقوتة سيد كبير، علامة شهير، وكان بليغاً منطيقاً فاضلاً كامل الصفات - رحمه الله -.
الحسن بن يحيى الأشل الهدوي [ - ق 7 ه ]
السيد البليغ الحسن بن يحيى الأشل(2) الهدوي - رحمه الله - كان عالماً كبيراً فاضلاً كامل النعوت مجيد في النظم، ومن شعره جواب إلى الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام- التي سبق ذكرها في ترجمة إسماعيل بن أبي النجم، وشعر السيد الحسن - رحمه الله تعالى -:
نظم ألم فهاج الوجد والجزعا ... وجرع النفس من ماء الأسى جرعا
جاءت به نحونا الركبان قاصدة ... بمثله ما رأى راء ولا سمعا
أهدي إلي فطارت مهجتي فرحاً ... شوقاً إلى صاحب الملقى وما سجعا
فقلت أهلاً وسهلاً بالنظام ومن ... أهدى النظام ومن أنشاه وابتدعا(3)
__________
(1) في (ب): الدواتي. وفي حاشية تصحيح: الروابي.
(2) هذا السيد بن أعمام جد القاسم بن محمد، مجدد الشريعة بالقرن الحادي عشر، فالقاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن رشيد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن الداعي إلى الله يوسف الأشل، فالحسن بن يحيى أخ علي بن يحيى، وقد نقله الزحيف في بيان علي بن يحيى ونبله، فانتبه لهذا النسب الشريف، كاتبه إسماعيل بن أحمد المختفي من أحفاد المؤيد محمد بن المتوكل، تاريخ القعدة سنة 1398هـ.
(3) وفاة الإمام إبراهيم بن تاج الدين سنة 683هـ فيكون المترجم من أعيان القرن السابع الهجري.
الحسن بن الأمير مجد الدين [ ق 8 ه ] ت
علامة زمانه، المجلى على أقرانه الأمير الحسن بن الأمير مجد الدين يحيى بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد، كان عالماً فاضلاً وصدراً(1) مقدماً، سكن (بالهجر) المحروسة، وتوفي بهجرة تاج الدين (برغافة) أعاد الله من بركته.
الحسن بن يحيى بن الحسين [ - 320 ه ] ت
الأمير الهمام العالم الحافظ ابن العالم (بن العالم)(2) الحافظ بن العالم الحافظ بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الحسن بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- كان سيداً سرياً وأسداً قسورياً، من وجوه آل محمد في وقته، ومن حفاظ العلوم وأوعيتها هماماً شجاعاً، من أعضاد أخيه الناصر للحق، وإليه لمح ابن أبي الأسد الزيدي - رحمه الله - في شعره الذي لعلنا نذكره إن شاء الله عند ذكر صاحب الغز في مشاعرة بن أبي الأسد المذكور وابن عبيد الحداقي، فإن أبا عبيد كان يفضل الجبن على الشجاعة وابن أبي الأسد كان يفضل الشجاعة، فحكما(3) هذا الأمير الخطير فقضى بفضل الشجاعة فقال ابن الأسد الأبيات التي أولها:
قضى بيننا بالعدل محض الضرائب ... قضية مفت في جميع المذاهب
الأبيات وستأتي إن شاء الله، وتوفي (……)(4).
__________
(1) في (ب): فاضلاً صدراً.
(2) ساقط من (ب).
(3) في (أ): فحكما على هذا.
(4) فراغ في (أ) و (ب)، حاشية في (ب): هذا الحسن بن الهادي نبه عليه في الدر المبثوث في أنساب سادة حوث، وقال الحسن العُبلي وبعضهم يرويه العبلي، لعله نسبة إلى الجبل المشهور فوق صعدة، ولا عقب له، فافهم والله الموفق تمت إسماعيل بن أحمد.
وذكر بعض النسابين من قحطان أنه قتل يوم الباطن بنجران، وأنه لما حبس الناصر للحق الحسن بن يعقوب بن الحائك لما أطلق به لسانه من شتم منصب النبوءة جاء إلى الناصر منهم الحسن بن محمد بن أبي العباس من أهل العشة من بلد صعدة، وكان من وجوه زمانه، وقد أهاج غضبه وغضب آل أبي قطي والربيعة وبطون قحطان بن الحائك بما نسخه من تلك القصائد، وهي كثيرة، فلما وصل الحسن بن محمد إلى الناصر لم يرض بإخراج المذكور من سجنه، ثم أخرجه بعد كائنات كانت وتحزبات من أهل الباطل منبعها من ذكرناه، ثم إن الحسن بن محمد استدعى حسان بن عثمان بن أحمد بن يعفر الحوالي، وكان حسان عدواً للناصر، واتفق حرب (مصينعة)، كنفى في المحنة واجتمعت قبائل كان منها ما كان، ثم إن الناصر للحق جمع لتلك القبائل جموعاً على غرة منهم وتضايق حال، فدخل (العشة) (1) بجنود من الربيعة بن سعد، ومن همدان وصنعاء، فكان هناك جلاد زعموا أنه خرج(2) زيد بن أبي العباس العشي، وكان رجله مكسورة، ولما
__________
(1) حاشية في (ب): هنا يلزم التنبيه على العشة، وقد كسر عينها الناسخ وهي بفتح العين معروفة خارج مدينة صعدة إلى جهة الشام بنحو أربعة أميال، كانت في عصر القاسم بن محمد مخرفاً ومتزهاً للفطاحل، وبها دار للقاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس قد صارت في الوقت الحاضر خراباً، وبها قبر السيد العلامة أحمد بن إبراهيم المؤيدي جد الوالد العلامة محمد بن إبراهيم بن علي بن الحسين المؤيدي الذي يغلب عليهم لقب آل حورية، وهي الآن - أعني العشة - خراب ضائعة يسكنها ضعفاء زرعة من السادة وقبائل الأبقور سحار كليب، وتسمى عشرة ابن الحصين وساكنها ذرية الوالد العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله بعض منهم في آل القطلي من بني المؤيد وآل داود وآل قها وآل الشيبة، وكل هؤلاء من بني المؤيد ومن بني الأملحي آل عامر قليل، وحرر بتاريخه القعدة سنة 1398هـ تمت، كاتبه إسماعيل بن أحمد وفقه الله.
(2) في (ب): جرح.
يندمل جرحها /78/ فحمل على ظهر فرسه، فقاتل، وأنه طرد نحو أربعين فارساً، فهزمهم وبقي بعض رماحهم في أفلات العشة، وهو يرتجز ويقول:
قد علمت راسية الأحراس ... إني زيد بن أبي العباس ... أحمي بسيفي حرمي ورأسي
وأثنى عليه وعلى قومه بن الحائك بقصيدة منها:
همُ قحطان لا قحطان إلا ... قطيمي نما في عرق سعد
همُ كانوا الفوارس يوم مز ... وأيام المرادس وابن معد
القصيدة بطولها، ثم إن حسان بن يعفر قاد عسكراً إلى نجران فالتقوا بأصحاب الناصر - عليه السلام- هنالك، فكان بينهم يوم الباطن وهو يوم رائع هائل، فني فيه خلق كثير، وقتل فيه الحسن بن يحيى - عليه السلام- ولم يلبث بعده الناصر للحق إلا قليلاً، ثم اعتل ونقله الله إلى دار الكرامة - عليهم السلام-(1).
الحسن بن يحيى القاسمي [ ق 7 ه ]
الشريف الكبير الحسن بن يحيى القاسمي، شريف سري همام (هزبري) من مناطقة وقته ومسالقة أوانه، ومن جملة شعره ما قاله بعد قضية كانت قضية للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام- بجهة مسور:
أتراه أن يغضى على جمر الغضا ... رجل بيمناه الحسام المنتضى
وحسامه ماض وعزمة بأسه ... أبداً تزيد على مهنده مضا
وفعاله لله ليس بخائف ... من غيره غضباً ولا راج رضى
والى وناوى في المهيمن معلناً ... وأحب فيه من أحب وأبغضا
فحباه بالنصر العزيز وحاطه ... واختاره للدين عزاً وارتضا
هذا أمير المؤمنين وخير من ... قبضت أنامله لسيف مقبضا
هذا الإمام الطهر صفوة أحمد ... هذا الزكي الفاضل الندس الرضا
زاكي المناسب ذو المناقب من غدا ... من كل عائبة لشين مُرحضا
من معشر ذو العرش أوجب ودهم ... وعلى الورى طراً بطاعتهم قضى
هذا الذي عم الأنام بعدله ... والظلم أصبح عنهم متقوضا
__________
(1) كانت وفاة الناصر يوم الأربعاء ضحى النهار لثماني عشرة ليلة خلت من شهر الحجة سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فيكون وفاة المترجم بعد سنة 320هـ تقريباً.
فكأن ذاك الظلم ليل مظلم ... وكأنه فجر بليلته أضا
كم قاد نحو ذوي الضلالة والخنا ... من عسكر لجب يضيق له الفضا
وهي أكثر من هذا القدر لكن ملنا إلى الاختصار.
الحسن ين يحيى بن الحسين [ ق 8 ه ]
السيد الكريم الفصيح العالم الحسن بن يحيى بن الحسين بن مصنف الياقوتة، كان هذا السيد من عيون زمانه، وأفراد أوانه، من أهل البلاغة والكمال وبينه وبين الواثق مراسلات درية تشهد بما قلناه(1).
الحسن بن يوسف بن عواض [ - ]
العلامة الحسن بن يوسف بن عواض، من علماء الأدب وفضلاء وقته، قرأ عليه الشريف أحمد بن القاسم بن وهاس في العربية، وهو قرأ على شيخ الإسلام محمد بن سليمان بن عبد الباعث، وهو قرأ على علي بن مسلم البساط.
أبو الحسن الرقي [ - ق 5 ه ]
القاضي العالم أبو الحسن الرقى(2) عالم كبير، ذكره المرشد بالله، وكان معاصراً للمؤيد بالله أحمد بن الحسين - رضي الله عنهما - وكان يقول: ليس اليوم أشد تحقيقاً في الفقه من السيد أبي الحسين الهاروني.
أبو الحسن الأسكوني [ - ]
أبو الحسن الأسكوني، هو عالم كبير /79/ ذكره الملا يوسف حاجي - رحمه الله تعالى - في الطوائف المؤيدية من الأصحاب العراقيين - رضي الله عنهم -.
من اسمه الحسين
الحسين بن أحمد بن القاسم [ - ق 7 ه ] (3)
__________
(1) تكررت ترجمته وذكر في الأولى أن والده صاحب الجوهرة والياقوتة.
(2) في (ب): الرفا.
(3) ولده الإمام المهدي أحمد بن الحسين من مواليد سنة 612هـ فيكون والده قد توفي بعد مولده، وهو من أعيان القرن السابع الهجري.
الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن أحمد بن إسماعيل بن أبي البركات بن أحمد بن القاسم المجاهد بن محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام- هو والد الإمام الشهيد السعيد أحمد بن الحسين - عليه السلام- قال بعض من ترجم له: هو الحسين الفاضل بن أحمد الطاهر بن القاسم قدوة أهل عصره بن عبد الله العالم العامل بن القاسم الجواد بن أحمد المفضال بن إسماعيل أبي(1) البركات بن أحمد الزاهد التقي بن القاسم المجاهد الرضي بن محمد العلامة الإمام بن القاسم ترجمان الدين نجم آل الرسول قال السيد يحيى بن القاسم الحمزي أخبرني يعني الإمام أنه ما يعرف بينه وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من آبائه إلا من هو فاضل تقي أولهم والده الحسين بن أحمد كان عالماً ورعاً زاهداً مقصوداً للبركة معروفاً بالفضل.
قلت: وذكر بعض العلماء أظنه السيد يحيى بن القاسم المذكور خصائص لهذا السيد السند، وذكر منها تيسر(2) الحج له فتكلم بعض السادة العلماء آل الوزير عند تكلمه على فضائل الإمام الناصر بأن الله يسر على يديه الفضائل من جملتها الحج وأنه كان عسيراً واستشهد بما ذكر في فضائل هذا السيد الكريم.
قلت: أذكرني هذا نعمة الله الراهنة لدينا بهؤلاء الأئمة الكرام(3) الذين يسروا للطاعة الاستطاعة، بل أظهروا في الحرمين شعار السنة والجماعة فإن السنة سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والجماعة جماعة الحق، فأما الأيام المتوكلية فقد صارت مكة كديار اليمن قد علت فيها كلمته والحمد لله رب العالمين.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) في (ب): تيسير.
(3) سقط من (أ).
وكان المؤيد بالله قد أرهص وقدم مقدمات قطعية الإنتاج لهذه النعم جزاهم الله جميعاً عنا أفضل الجزاء، ولقد بلغني أن رجلاً أعمى من ولد عقيل بن أبي طالب مر ومعه قائده بمحل قريب من محل الشيخ العارف محمد بن علان عالم مكة، فقال العقيلي لقائده وهو لا يشعر بمكان الشيخ محمد: والله لقد رفع هذا الإمام يعني المؤيد بالله قدر أهل هذا البيت، يعني بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال له الشيخ محمد: ماذا تقول يا فلان فأنكر مقالته، ثم أخبره بها فقال له الشيخ محمد: لا والله، بل رفع جميع أهل مذهبه ليس أهل البيت فقط.
الحسين بن أحمد بن الحسين [ - ق 11 ه ]
السيد الأديب الحسين بن أحمد بن الحسين بن عز الدين بن الإمام الحسن بن الإمام عز الدين بن الحسن المؤيدي، كان أديباً شريفاً عالي الرتبة، وله في علم الأدب، وله في الآداب(1) حظ، وله شعر فائق، لكنه ليس بالكثير، وكان بصنعاء أيام الدولة، ولما التمس الباشا سنان من الأدباء تاريخ البكيرية(2)
__________
(1) في (ب): في الأدب.
(2) حاشية في (ب): هنا فلق، فإن عام عمارة البكيرية عام ست وألف سنة العام الذي دعا فيه الإمام المنصور بالله عليه السلام، وفي هذا العام تمام عمارة ما يتعلق بها من مستطابات ونحوها، وتاريخ وفاة هذا السيد على ما يقتضي به آخر الترجمة وقتله مع مطهر بن الإمام شرف الدين يوم الجمعة سادس شهر محرم سنة تسع وخمسين وتسعمائة، فكيف يكون مؤرخاً لمستطابات البكيرية فيما نظر به السيد العلامة صلاح بن الحسين رحمه الله نهاية وافية ودراية شافية جزاه الله خيراً. هذا وهم فإن المقتول مع مطهر بن الإمام ليس هو السيد الحسين المذكور، وإنما هو جده أبو أبيه الحسين بن عز الدين، وإنما نشأ هذا الوهم من تصحيف لفظة أبيه في قوله: وولادة أبيه الحسين حفظه الله بالنون مكان الياء، وقد أصلحته كما ترى، وهذا التصحيف قد نشأ فقدم ولادة الابن على الأب بثلاثين سنة، ولم ينتبه له المعترض فينكره، مع أنه أحق بالاستنكار، فيتأمل والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
السيد صلاح بن الحسين لطف الله به، وقول المؤلف هنا في استشهاد السيد الحسين في ثلاء مجاهداً مع مطهر بن الإمام بأمر صنوه الإمام الهادي بن أحمد بن عز الدين أوضح من الشمس في الدلالة على أن المقتول جد السيد المذكور لا هو، ولله القائل: (حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء)، والله الموفق وهو أعلم.
وهي القبة الأنيقة التي عمرها الوزير حسن باشا وطلب منهم تاريخ الحمام وتاريخ المستطابات التي اتخذت عند القبة تمالح الأدباء، واتحفوا في ذلك وأجادوا، فمن ملح السيد في تاريخ المستطابات
كم حاقن وحاقب ... خلاصه في سبقه
وكان والده أحمد بن الحسين أعجوبة الزمان في المكارم، ملكاً عظيم المنزلة واسع الإفضال، بلغت عساكره مبلغاً عظيماً، مما يحكى أنه جعل أنواع عسكره خمس عشرة طائفة، وجعل بعد العيد خمسة عشر يوماً أيام عطلة يخرج في كل يوم طائفة من العسكر بزي عجيب /80/ وكان يقول: أنا لا أفي لمن قطع (العمشية) قاصداً إليّ(1)، وحكي أنه كان يخرج من بيته كل يوم ثلاثمائة جفنة للحشم والخدم، وأهل الأعمال والضيوف، وكان يأكل مع العامة، وذكر عنه أنه استقل الناس على طعامه فدخل البيت واجماً منكسر الخاطر، فجاءته بعض الشرايف لها عليه سطوة سألته ما حدث من الحوادث أوجب ذلك الانكسار، فاستعفاها فلم تعفه، فقال: رأيت الناس على طعامي قليلاً، ولد السيد أحمد بن الحسين المؤيدي سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وقتله الأتراك سنة إحدى وتسعين وتسعمائة، سلخ شهر القعدة، وقبره (بشرمات) من بلاد آل عمار، وولادة أبيه الحسين سادس رمضان سنة ثلاث وتسعمائة، واستشهد الحسين هذا في (ثلا) مجاهداً مع مطهر بن الإمام بأمر صنوه الإمام الهادي أحمد بن عز الدين، وأصيب بسهم يوم الخميس خامس شهر محرم سنة تسع وخمسين وتسعمائة، ومات ثاني ذلك اليوم يوم الجمعة، وقبر بثلا وجده عز الدين المذكور ولد ليلة الأربعاء رابع محرم سنة ثلاث وثمانين بقرية (المجمعة) (2)، وتوفي في شهر محرم من سنة إحدى وأربعين وتسعمائة بالطاعون [- رحمهم الله تعالى -](3).
الحسين بن احمد المغدفي [ - ]
__________
(1) في (ب): لمن قطع إلى العمشية قاصداً لي.
(2) المجمعة قرية في أعلا وادي يسنم.
(3) ما بين المعكوفين سقط من (ب).
السيد العالم الحسين بن أحمد المغدفي - أعاد الله من بركته - كان سيداً عارفاً بالأدوات، وله في الفقه مسكة حسنة، وكان فاضلاً تقياً، وهو الذي سعى في عمارة مسجد الأبزر بصنعاء، ووقف كتبه للطلبة هنالك، ونقل إلى رحمة الله في (……)(1). ودفن بالروضة من أعمال صنعاء.
الحسين بن أحمد بن ساعد [ - ق 9 ه ]
الفقيه العلامة الحسين بن أحمد بن ساعد - رحمه الله - من العلماء المشاهير، ذكره صاحب الصلة، وللسيد الحافظ محمد بن إبراهيم في مجاوبته عن سؤاله ما يدل على فضله، فإنه قال: وجوابي هذا على غواص لججه، ونقاد لحججه(2)، وإنما سألني للعلة التي أجبت عليه لأجلها، وهي محبة الغوص في العلم، وكد القرائح ورياضتها على ما بعد من الفهم، وقد أحسن من قال في مثله:
كم عالم بالشيء وهو يسأل
ومن جيد ما قيل في ذلك:
نحن أدرى وقد سألنا بنجد ... أقصير طريقنا أم طويل
وكثير من السؤال اشتياق ... وكثير من رده تعليل
الحسين بن أحمد بن يعقوب [ - ق 4 ه ]
الحسين بن أحمد بن يعقوب، الفقيه اللسان البليغ، قاضي المسلمين، وعضد الملة، وحيد وقته، وفريد دهره، كان من كبار العلماء مكيناً في الفضائل، تولى القضاء للإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني، وكتب له عهداً يدل على جلالة قدر القاضي وجلالة قدر الإمام وتوسط في مصالح الإسلام، وكان واسطة العقد في زمانه، وهو الذي جمع سيرة الإمام القاسم بن علي(3)، وكان مع العلم الكثير من أهل الجهاد والعبادة كما على ذلك طائفة العلماء من الزيدية، وله أشعار كثيرة من جملته ما قاله بعد قضية بني ربيعة وإيقاع الإمام لهم الواقعة التي دمغت البغاة، فقال الحسين:
ذكراك أرقني وصحبي نُوَّمُ ... وهواك مني في الحشا يتضرمُ
قد شاقني حيئك ثم صرفته ... إذ عاقني امر لدي مقيم(4)
__________
(1) في (أ) و (ب).
(2) في (ب): حججه.
(3) السيرة المنصورية طبعت بتحقيقنا.
(4) في (ب): مقدم.
وعلقت منك محاسناً صيرنني ... لا أستفيق من الهوى أتكتم
فرض الجهاد على العباد مؤكد ... أولى من الأهوا ومما يذمم
/81/ ربط العباد الهاشمي ببيعة ... لزمت جميع الخلق فيما يلزمُ
القاسم المنصور والنصر الذي ... فتق الرتوق وكلما يستبهمُ
فبغى رعاع من عشيرٍ غرهم ... عفو الإمام وفي الخطاء تقدموا
فثنى عليهم عطفه وجميله ... ودعاهمُ أن ينصفوا ويحكّموا
فتغلبوا واعصوصبوا وتكبروا ... عن أن يجيبوا قوله واستعصموا
وتعاضدوا في الجحد عن مخطيهمُ ... سفهاً وقالوا ليس منا مجرمُ
فدعا بكهلان ونادى حميراً ... فأجاب دعوته الكرام الغشّمُ
من فوق جرد كالصقور وفتية ... الموت عندهمُ تراه المغنمُ
حتى إذا اجتمعت قبائل كلها ... من حي همدان وحمير يمموا
حيث الخطية أحدقت من فوقهم ... طير السماء الألف ما قد تعلمُ
يغشون متضع البلاد وحزنها ... كالموج يعتسف الأكام ويلهمُ
من فوقهم تركية ومغافر(1) ... والسمر تلمع والحديد المبهمُ
فبدا بحصنٍ لم يراقب أهله ... نعم الإله فدكدكوه وهدموا
وثنوا أعنتها علاقاً يمما ... والجمع منتظر لهم مستلئمُ
من حي بحرٍ والربيعة كلها ... وبني ألال كلهم متقدمُ
وقالوا دوننا ... هندية فيها الحمام وأسهمُ
والثور عندهم حصين مانع
... لهمُ وإن حماه مما يسلمُ
فتذامرت قومي السراة فلم يكن ... إلا قليلاً واستبيح المحرمُ
أمسوا بها صرعى تنوش لحومهم ... عرج الضباع فهم لديها مغنمُ
لولا ظلام الليل أسدل دونهم ... لم يبق منهم مخبر متكلمُ
خابت ظنونهمُ وأصبح ثورهم ... باحا يحرق بالنيار ويهدمُ
جاسوا ديارهمُ وخلوا حصنهم ... دكاً يباباً والمعاطن رغمُ
وتقسموا أموالهم وظنينهم ... ومغانماً ما كن قدماً تغنمُ
ثم انثنوا والخط فوق رقابهم ... وسيوفهم من هامهم فيها الدمُ
ونساؤهم سفعوا الخدود حواسراً ... شعث الغدائر للمحاسن تلطمُ
يبكين كل فتىً أبيح حريمه ... وتناولته البيض فهو محذمُ
__________
(1) في (ب): ومعاقر.
هذا جزاء الناكثين لبيعةٍ ... لم يودهم منها سبيل يعلمُ
الحسين بن أحمد الأسدي [ - ق 11 ه ]
أويس زمانه، وبصري أوانه الحسين بن الحاج أحمد بن عواض الأسدي - أعاد الله من بركته - أحد الفضلاء الأبدال منقطع القرين في الطاعة.
الحسن(1) بن محمد بن سلمان [ - ق 4 ه ]
الحسين بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام- ترجم له المنصور بالله وقال: قتل أيام المقتدر(2).
الحسين بن حميد بن مسعود المقرائي [ - ق 9 ه ]
الفقيه العلامة الحسين بن حميد بن مسعود المقرائي، والد محمد بن الحسن مصنف (المصابيح والسلوان) مختصر وفيات الأعيان لابن خلكان، وشارح رسالة (الحور العين)، وأراد شرح البحر فعاقه الحمام، ووالده هذا له (المنهج المستبين في أصول الدين)، وشرح على الحاجبية بسيط مفيد(3).
الحسين بن حمزة بن أبي هاشم [ - ]
__________
(1) لعلها الحسين.
(2) قال أبو الفرج في المقاتل: قتل الحسين بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى، بعد منصرفه من البجة من عبكر عبدالله بن عبدالحميد الملتاني العمري (المقاتل ص556)، والأخير ملك البجة بأرض الحبشة، وكان أعظم إخوته بطشاً وهمة، وله مآثر دنيانية، وفيه ميل إلى السلطة وانحراف عن الدين من غير فساد في اعتقاده، وكانت له وقائع كثيرة قتل بين يديه جماعة كثيرة من الطالبيين. انظر مشاهد العترة الطاهرة، تأليف السيد عبدالرزاق عونة الحسيني ط1 سنة 1408هـ، والمقتدر العباسي بويع سنة 295هـ، وقتل سنة 320هـ.
(3) في الترجمة إشكال، وفي أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (945): محمد بن الحسن بن حميد بن مسعود بن عبدالله المقرائي [862 - 908 ه ]، عن الطبقات أنه: ليس الحارثي المداني؛ لأن الزمان غير الزمان، وإنما اتفقا اسماً وأباً ونسبة، وانظر بقية الخلاف والمؤلفات في ترجمته هناك.
الحسين بن حمزة بن أبي هاشم، إمام علوم واسعة ممن ذكره بذلك السلطان الأشرف، قال: هو عالم بني حمزة السيد العلامة الحسين بن حمزة بن علي بن محمد بن حمزة بن أبي هاشم، قال مؤلف سيرة الإمام المطهر بن محمد: وهو السيد الفاضل (……)(1).
الحسين بن حمزة بن علي [ - ق 8 ه ]
السيد العلامة الحسين بن حمزة بن علي صنو الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة، ذكره الجندي في تاريخه، وذكر أن جدهما علي المذكور خرج من العراق أيام السيد يحيى السراجي، هذا لفظه: قال وقدم معه ولده حمزة، وانتسب إليه /82/ وعرف صحة نسبه فزوج ابنه حمزة بابنته - يعني بابنة السراجي - فأولدت له يحيى والحسين، وذكر أن يحيى بن حمزة أقام بمدرسة حوث، قال: وهي مدرسة الزيدية، تخرج منها جماعة من علمائهم، قال: وكان الحسين متديناً متفقهاً، انتهى.
الحسين بن علي بن علي بن الحسين [ - ق 2 ه ]
الحسين بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي - عليهم السلام- كان كامل الصفات من عيون العترة ووجوه الأسرة، قال أبو نصر البخاري: كان علي بن محمد بن جعفر قد اتفق رأيه ورأي أبيه على الخروج في سنة مائتين، واختار علي بن محمد أن يظهر بالأهواز، واستصحب ابن الأفطس - يعني الحسين بن الحسن هذا - وابن عمه زيد بن موسى الكاظم، فلما ظفر أصحاب المأمون بمحمد بن جعفر علم جعفر(2) أنه لا يتم له الأمر، فخرج من البصرة وخلف زيد بن موسى.
الحسين بن حسن بن شبيب [ - ق 6 ه ] ت
الفقيه العلامة الحسين بن حسن بن شبيب الحسني التهامي، كان عالم الزيدية إماماً منهم، وهو والد أبي القاسم الآتي ذكره، وكان الحسين - رحمه الله - إماماً في الكلام، وقد كان اعتقد شيئاً من مذاهب المطرفية، ثم رجع بعد وصول البيهقي زيد بن الحسن - رضي الله عنه - من العراق.
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب).
(2) سقط من (أ).
قال القاضي عبد الله بن زيد - رحمه الله -: ولما رجع إلى مذهب الحق عن ذلك المذهب الزائغ رجع من أتباعه خمسمائة رجل، صاروا زيدية، وأفادني شيخي العلامة شمس الإسلام منبع الفوائد ومجمع الفرايد أحمد بن سعد الدين المسوري - وسع الله للإسلام في عمره، ورضي الله عنه - أن ابن شبيب كان ينكر الخوارق في غير زمن الأنبياء حتى اتفقت قضية زبيد والظلمة بها والرماد الذي ذكره المؤرخون، فأذعن لوقوع ذلك في غير زمن الأنبياء، ذكر هذا - أيده الله - لي عند ذكر ابن شبيب الذي رجع إلى المذهب الحق وهو هذا، وأما ولده أبو القاسم فلم يمسه التطريف وهؤلاء بنو شبيب يسكنون (ضمد).
قال السيد الهادي بن إبراهيم: ابن شبيب جد الفقهاء آل النعمان.
قلت: وبصنعاء في الزمن الأقدم بيت يعرفون ببني أبي شبيب، منهم الشيخ أبو الفرج بن علي بن أبي شبيب، وهو أحد رجال المطرفية، وكان له عبادة يتولى(1) الأذان، ويبادر إلى الصلاة أول الوقت، والله أعلم.
الحسين بن زيد بن علي بن الحسين [114 - 190 ه ] (2)
__________
(1) في (ب): ويتولى.
(2) وقيل: مولده سنة 115هـ وتوفي 191هـ عن الأسنة، انظر أعيان الشيعة 6/23 - 26 عن تفاصيل ترجمته، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 368، وانظر بقية المصادر فيه.
[الحسين بن زيد ذي الدمعة، هو الخطير المقام ابن خطير المقام] (1) الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- هو المعروف بذي الدمعة ويقال: ذو العبرة، لكثرة بكائه، وكان يكنى بأبي عبد الله، وأمه أم ولد، وكان من أصحاب جعفر الصادق رباه وكفله؛ لأن أباه - عليه السلام- قتل وهو صغير، والحسين بن زيد من أنصار محمد بن عبد الله النفس الزكية - عليه السلام- في عدة من الفضلاء كأخيه عيسى بن زيد وموسى بن جعفر وعبد الله بن جعفر - عليهم السلام- وكالمنذر بن محمد بن عبد الله بن الزبير، وكان ابن أبي ذئب وابن عجلان بايعاه أيضاً، وخرج معه مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وابنه عبد الله بن مصعب وأبو بكر بن أبي سبرة الفقيه الذي يروي عنه الواقدي، وكان مالك بن أنس يحض في الناس على بيعته، فقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، فأسرع الناس إلى مبايعته، قال الأصفهاني: إنه - رضي الله عنه - شهد حرب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- ثم توارى فكان مقيماً في منزل جعفر بن محمد سنين، وكان /83/ جعفر رباه، ونشأ في حجره منذ قتل أبوه، وأخذ عنه علماً كثيراً، فلما لم يذكر فيمن طلب لم يأنس به من أهله وإخوانه، وكان أخوه محمد بن زيد مع أبي جعفر مسوداً لم يشهد مع محمد وإبراهيم حربهما، فكان مكاتبته بما يسكن منه، ثم ظهر بعد ذلك بالمدينة ظهوراً تاماً إلا أنه كان لا يجالس أحداً ولا يدخل إليه إلا من يثق به، قال الأصفهاني: سمي ذا الدمعة لكثرة بكائه، وروى يحيى بن الحسين بن زيد قال: قالت أمي لأبي ما أكثر بكاك، فقال: وهل ترك لي السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء، يعني بالسهمين الذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى.
__________
(1) سقط من (أ).
قال الأصفهاني عن الحسين بن زيد قال: مررت على عبد الله بن الحسن وهو يصلي فأشار إلي فجلست، فلما صلى قال: يا ابن أخي إن الله قد وضعك في موضع لم يضع فيه أحداً إلا من هو مثلك، وإنك قد أصبحت في حداثة سنك وشبابك، ستدرك الخير والشر، كلاهما يسرعان إليك، فإن تسعد حتى ترى منك ما يشبه سلفك فتلك السعادة التامة، والله لقد توالى لك آباء ما رأيت فينا، ولا في غيرنا مثلهم، إن أدناهم للذي لم يكن فينا مثله أبوك زيد لا والله ما كان فينا مثله، ثم كل ما رفعت أباً فهو أفضل.
الحسين بن عبيد الله بن شيبرة [ - ق 5 ه ] ت
العلامة الخطيب الحسين بن عبيد الله بن شيبرة - رحمه الله تعالى - من شيوخ الزيدية منسوب إلى شيبرة في بني عامر بن صعصعة، ثم في كلاب، سكن ريدة، وكان مع ذلك أهل ريدة يرون التطريف، وهو يخالفهم، ويصلون خلفه، وكان أخوه علي من كبار المطرفية، وكان له سعة من المال ورغبة في اصطناع الجميل، فكان يجتمع عنده الفقهاء ويذبح لهم الذبائح، ويطعم الطعام(1) الجزل، وكان مألفاً لهم، وروى عليان بن إبراهيم من مشائخ المطرفية، قال: كان علي بن عبد الله يسرج السرج من ماله للفقهاء في بيته وانقطع السليط في بعض السنين، وكان قد جمع للتجارة فيما أرى - والله أعلم - جراراً من دهن السلحة، وهو دهن ألبان فيما سمعت من كلام أهل بلادنا والبلاد التي حولنا، فكانوا إذا اجتمعوا عنده للحديث في العادة سرج لهم السرج من ذلك الدهن، ولا يلتفت إلى غلاه، انتهى كلامه.
وكان(2) أخوه الحسين - رحمه الله - على قدم الصدق زيدياً خالص المذهب صافي المشرب، وحكى أحمد بن داود الزيدي عن مشائخه قال: كان علي بن عبد الله يرى رأي علي بن محفوظ ومشائخه.
__________
(1) في (ب): الإطعام.
(2) في (أ): فكان.
قلت: يعني التطريف قال: وكان الحسين بن عبيد الله يرى رأي مخالفيه، وكان إمام المسجد بريدة، فكان علي يصلي خلفه ولا يرون في الذي بينهم من الخلاف ما يمنع بعضهم من ولاية بعض، فكانوا على ذلك حتى إ ذا كان ذات يوم فدعا علي بن عبيد الله أخاه الحسين ليأكل عنده، وكان لا يزال يذبح، ويعمل الطعام، ويطعمه المسلمين، فكره الحسين أكل ذبيحة أخيه، فقدم إليه علي كبشاً، وقال: اذبح أنت فأنا آكل ذبيحتك.
قلت: ولحسين المذكور ولد اسمه علي بن الحسين، كان عالماً فاضلاً حري بترجمة، إلاَّ أني لم أتحقق حاله، ولعله - إن شاء الله - على منهاج أبيه القويم.
الحسين بن عبد الله بن المرتضى [ - ق 6 ه ]
السيد الشريف الأمير الكبير أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن المرتضى بن الهادي إلى الحق علامة كبير، والعهد الذي كتبه أبو طالب الأخير الذي نوه العلماء بذكره، وكثرة فوائده، وجودة صنعته هو لهذا الأمير - رضي الله عنهم -(1).
الحسين بن عز الدين [ - ق 10 ه ]
/84/ السيد العالم الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن.
قال ابن فند: إنه السيد الأفضل، طراز المجد الأطول، ولا كلام في جلالته ونبالته.
الحسين الأصغر بن علي بن الحسين [ - 57 ه ]
__________
(1) الإمام أبو طالب الأخير، هو يحيى بن أبي الحسين أحمد بن أبي القاسم الحسن بن أحمد بن أبي القاسم الحسين بن المؤيد بالله، دعوته بجيلان سنة 502هـ ووفاته سنة 520هـ، ومن محاسن كتبه عهدٌ كتبه للشريف السيد شرف الدين أبي عبدالله الحسين بن الهادي [المترجم] رحمه الله لما أمره بالخروج إلى اليمن سنة 511هـ، انظر نصه في الحدائق الوردية ص 205، وقد وصفه فيه بصفات الكمال، وولاه وفوض إليه الخلافة والقضاء ما بين مكة إلى عدن وسائر نواحي اليمن.
الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي - عليهم السلام- كان عفيفاً محدثاً فاضلاً عالماً، توفي سنة سبع وخمسين سنة، ودفن (بالبقيع)، ويقال: أمه وأم عبد الله بن الحسن - عليهما السلام- واحدة، وليس كذلك، إنما هي أم إخوته الباقر وعبد الله والناصر، وأما الحسين فأمه أم ولد اسمها سعادة(1).
الحسين بن علي الأفطس [ - ق 2 ه ]
الحسين بن علي الأفطس، كان عالماً عاملاً، وكان قد ظهر بمكة أيام أبي السرايا من قبل محمد بن جعفر الديباج، ثم دعا لمحمد بن إبرهيم طباطبا، وأمه بنت خالد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. وقال البخاري: أمه أم ولد(2).
الحسين بن علي بن إبراهيم جحاف [ - 1053 ه ]
__________
(1) في أعيان الشيعة 6/111 توفى سنة 157هـ، وقيل سنة 158هـ، وله 57 سنة أو 64 أو 76، ودفن بالبقيع، أمه أم ولد اسمها ساعدة أو سعادة، ولقب بالأصغر تمييزاً له عن أخيه الحسين الأكبر الذي مات عقيماً، وفيه أيضاً ما ملخصه: روى عن أبيه السجاد وأخيه الباقر وابن أخيه الصادق، وعنه فاطمة بنت الحسين ووهب بن كيسان، وعنه عبدالله بن المبارك ومحمد بن عمر الواقدي، وكان عفيفاً محدثاً فاضلاً ورعاً، وعقبه عالَم كثير في الحجاز والعراق والشام، وبلاد العجم والمغرب، وانظر ترجمة من روى عن الإمام زيد من التابعين.
(2) ولعله الحسن بن علي الأفطس، تقدمت ترجمته.
السيد الحسين بن علي بن إبراهيم بن جحاف، السيد العلامة الفاضل المشهور بالرجاحة والركانة والرصانة، الحسين بن علي بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى [بن القاسم بن يحيى](1) بن عليان بن الحسن بن محمد بن الحسين بن جحاف - رحمه الله - كان من علماء العترة وحلمائهم، فاضلاً كاملاً لا يؤثر عنه إلا الصالحات، وكان مرجوعاً إليه في علوم العربية والفقه والأصولين مع كمال في ذلك، ولقي مشائخ، وترحل إلى مواضع العلم على متاعب، لكنه حمد مغبة ذلك، وكان منشؤه بيت الإمام الناصر الحسن بن علي لمكان الصهارة؛ لأن الإمام تزوج أخته ابنة السيد الهمام المقدم الشهير علي بن إبراهيم، فلذلك اختلط السيد الحسين بالإمام، وكان في بيته، وكانت له - رحمه الله - بلاغة في القول وانسجام في الخطاب، كأنما ينحط من صبب وكأنما يقرأ كلامه من صحيفة لا يخلط كلامه بشيء من الفضلات، وهذه كانت صفة الإمام الناصر الحسن بن علي لا يقولان في مقالهما ما تجري به العادة من الفضلاء من نحو نعم أو يعني أو نحو ذلك من العبارات الدخيلة، يدعّم بها المتكلم، روي عنه أنه غاب خطيب الإمام بحبور فقيل للفضلاء يخطبون فقالوا: ومن يخطب بحضرة السيد الحسين، فقيل له: فاعتذر، فقيل له: تكلم فوق المنبر بكلامك الذي يجري بينك وبين العامة أو كما قالوا، وكان - رحمه الله - معتنياً بالكسب الحلال، ينزل بنفسه الكريمة إلى مغارب وطنه حبور كوادي عبس، ويعمل في المال ثم يروح حاملاً لعباء من منافع المال للبيت من نحو حطب أو ثمر، فيستقر ببيته ريثما يتناول ما تيسر من الطعام، ثم يخرج للصلاة، ثم يبرز لتدريس (العضد) على أتم وجه، ولم يختلف اثنان في صفاته ورجاحته، وحسبه ما قال الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - لأهل حجة لما افتتحها وطلبوا
__________
(1) سقط من (أ): بن القاسم بن يحيى. وهو هكذا في (ب) والطبقات، ووفاته كما في الطبقات ق3 ج1 ص364 عن الحافظ أحمد بن سعد الدين المسوري سنة 1054هـ.
منه أميراً لها، قال: إن شاء الله سأوليكم رجلاً مثلي، أو قال خيراً مني، أو كما قال، واستمرت يده على ولاية حجة وحمدت آثاره، وكان يستدنيه الإمام للآراء عند المهمات، وكان مشهوراً بجودة الرأي كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق، واستمر أولاده (بحجة) وهم من الكمال بمحل شريف، فالمباشر للمهمات أكبر(1) أولاده السيد الرئيس النبيل محمد بن الحسين، وولده العلامة الفاضل جمال الإسلام علي بن الحسين وولده السيد الفصيح النقاب عبد الله بن الحسين، عند أخيهما بحجة مشتغلان بنشر العلوم، وقد قرأ على علي بن الحسين جماعة، وقد رزق الله ولده عبد الله المذكور من الحافظة والذكاء ما بَذَّ به الأقران على حداثة السن. وولده الحسن صاحب الأخلاق النبوية، والطرائق السوية(2)، /85/ صاحب الصدقات، واستقراره بحبور، وكانت وفاة السيد الحسين - رضي الله عنه - بحبور وقبر بالتربة عند داره المسمى بالناصرة، وهو من أحسن البنيان وأشمخها، وقبره مزور مشهور، ورثاه السيد العلامة البليغ زينة الوقت وحسنة الأيام إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى بن الهدى بن جحاف - أدار الله عليه شآبيب الألطاف - وهو ابن بنت السيد المذكور:
على مثلها دعوى التصبر يقبحُ ... فدع عبرات العين في الخد تسفح
أبعد المصاب القاصم الظهر يُدّعى ... تكلف صبر والتكلف يفصحُ
أناعي الحسين الماجد العلم الذي ... له شرف بين(3) السماكين ينطحُ
إمام الهدى جم الندى كابت العدى ... بعيد المدى بحر الندى ليس ينزحُ
مبلد فرسان البلاغة مظهر الـ ... ـفصاحة إن صد البليغَ التنحنحُ
معلم أرباب البلاغة نيلها ... وفاتح ما قد ظن أن ليس يفتحُ
مميط نقاب المشكلات فقوله ... دليل مبين في الخلاف مرجحُ
حسرت وحق الله لو كنت عالماً ... لموقعه رزءاً لما كنت تفصحُ
أقادح زند العلم حسبك إنه ... خبا زنده فافطن لما أنت تقدحُ
__________
(1) في (ب): أكثر.
(2) في (ب): السوية السنية.
(3) . في (ب): ليت.
أناعي صواب الرأي قد مات من له ... تعن خفيات الصواب وتسنحُ
فيا لك من جود هنيٍ تقلَّصتْ ... سحائبه فالنبت بعد مضوّحُ(1)
ومنها:
أبا الحسن اسمع قول من خانه الأسى ... فأودى به حزن الفؤاد المبرحُ
عزيز علينا أن نراك موسداً ... رغاماً ولكن ما عن الموت منزح
ووا أسفاً لو كان مثلك يُفتدى ... من الموت كنا بالنفائس نسمح
ومنها:
فيا شامتاً قد خف حلمك إنها ... شفار المنايا للأنام تُذَبِّحُ
إذا أمهلت يوماً فما أمهلت وقد ... تزور مساء دار قوم وتصبحُ
أتشمت أن أيدي المنون تخرمت ... كراماً لعمري ما أخالك تفلحُ
طويت على شرٍ فأبديت سره ... وكل إناء بالذي فيه يرشح
وما قل من كانت بقاياه مثلنا ... شباب وأشياخ إلى المجد تجنح
نجومٌ محاريبٌ بدورٌ منابرٌ ... شموسُ علومٍ هل بذلك يقدح
معادنُ آدابٍ رياضُ فكاهةٍ ... غيوث مبرات إذا الدهر يكلح
أرى المجد قد ألقى إلينا(2) جرانه ... وليس له حتى القيامة مسرح
وذلك صنع الله فينا وإنه ... يخص بخير ما يشاء ويمنح
أوراد حوض الموت والمنهل الذي ... أرى نحوه هذي البرية(3) تكدح
عليكم سلام الله ما ذر شارق ... وما دام رعد في الغمام يسبح
ورثاه أيضاً السيد المحقق المجتهد العبادة العلامة يحيى بن إبراهيم، وهو واسطة العقد /86/ في هذه العصابة، ومثابة الإسلام والمسلمين وناهيك به مثابة:
الدهر أنقص رتبة ... عن أن يقرع بالعتاب
والناس أحقر أن يعا ... لهم(4) كهذاك النقاب
يا عين هذا وقت جو ... دك بالدموع والانصباب
فابكي الحسين أبي فإنَّ مصابه حق المصاب
عجباً لما يأتي الزما ... ن به من الأمر العجاب
أيغيب رضوى في الثرى ... ويظل يذبل في التراب
يا كعبة الجود التي ... كانت محطاً للركاب
يا عصمة الفقراء إن ... خلفت شآبيب السحاب
يا زاخر العلم الخضـ ... ـم إذا تراما بالعباب
__________
(1) مضوّح: مسقّي. (القاموس المحيط ص224).
(2) في (ب): لدينا.
(3) سقط من (أ): البرية.
(4) في (ب): يعابهم.
يا شامخ العلم الرفيـ ... ـع ومن سواه كالهضاب
ما كنت أحسب قبل وضـ ... ـعك في ملفقة الثياب
أن الجبال الشم يحـ ... ـملها(1) الرجال على الرقاب
وهي طويلة طائلة، كانت وفاته - رحمه الله - الثلث الأخير من ليلة الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين وألف(2).
الحسين بن علي بن الحسن المصري [أوائل القرن الثالث الهجري]
__________
(1) في (ب): ترفعها.
(2) في (ب): ووفاة العلامة صلاح بن عبد الخالق في ليلة واحدة ووقت واحد فسبحان المتفرد بالبقاء.
الحسين المحدث المصري، هو الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- هو إمام الحديث، وشيخ القديم والحديث، يعرف بالمحدث، وهو صنو الناصر الكبير، ويروي عنه كثيراً، ويروى عنه جماهير المحدثين من أهل البيت، وفي (الحاصر لفقه الإمام الناصر) في كتاب المناسك حدثني الحسين بن علي أخي وأحمد بن محمد بن عمي قالا: حدثنا علي بن الحسن - يعنيان أبي رحمه الله - قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسين عن موسى بن جعفر في قوله تعالى: ?وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً? [آل عمران:97]، فهذا لمن له مال فسوقه من أجل تجارة فلا يسعه فإن مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا ترك الحج، وهو واجد ما يحج به، وإن دعاه قوم إلى أن يحج فاستحيا من ذلك فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج، ولو كان على حمار أبتر أجدع، ومن قوله(1) تعالى: ?وَمَنْ كَفَرَ? [آل عمران:97]، فإنه(2) يعني من ترك الحج، وهو يقدر عليه(3).
الحسين بن علي بن عيسى العنسي [ - ق 8 ه ]
العلامة الفقيه الصدر الحسين بن علي بن عيسى العنسي - رحمه الله - فقيه عالم، قرأ عليه قاضي القضاة بن ساعد (الانتصار)، وهو قرأه على عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة.
الحسين بن علي الأخفش الهدوي [ - 1077 ه ]
__________
(1) في (ب): ومن قول الله تعالى.
(2) في (ب): فإنما.
(3) في أعيان الشيعة 6/130 عن النجاشي: الحسين بن علي أبو عبدالله المصري، متكلم ثقة، سكن مصر وسمع من علي بن قادم، وأتى داود الطيالسي وأبي سلمة ونظرائهم، له كتب منها كتاب الإمامة والرد على الحسن بن علي الكرابيبي، وفيه أيضاً أنه من أواخر المائة الثانية أو أوائل الثالثة.
السيد العالم العابد الحسين بن علي الأخفش الهدوي - رحمه الله - كان عالماً عابداً سالكاً مسلك سلفه الأخيار، وله بالعلم ولوع، كان كثير الولوع بنقل الفوائد، وجمع من ذلك كثيراً طيباً، وقرأ في علوم العربية والأصول، ثم قرأ الفقه على السيد العلامة أحمد بن علي الشامي، وهو من فصيلته الأدنين، وكان من الوقار بمحل عظيم، ترك الدنيا بعد أن كان من أهل الظهور والولاية (بجهة لاعة)، ولم يزل راغباً في الخمول على طريقة الأفاضل حتى أوى بصنعاء المحروسة، ووصل إلى عند الفضلاء، فكان شهيراً، وكان يدرس بمسجد جمال الدين، وله أشعار وفوائد جمة، وسمى جده الأخفش لعلمه بالعربية، ومسكنهم الأصل (مدران)(1) من بني جماعة، ثم سكنوا (مسور) في المشرق، ثم سكنوا (كوكبان)، وتوفي السيد الحسين /87/ في [شهر صفر سنة سبع وسبعين وألف، ودفن في خزيمة بصنعاء] - رحمه الله تعالى -(2).
الحسين بن القاسم بن إبراهيم [ - ق 3 ه ]
الإمام الكبير أبو الإمام وابن الإمام الحسين بن ترجمان آل الرسول القاسم بن إبراهيم - عليه(3) السلام - هو والد إمام اليمن المحيي للفرائض والسنن، وكان الحسين يعرف بالعالم والحافظ وحيد في أهل بيته وإخوته الكرام، بدور الإسلام، سيأتي ذكرهم إن شاء الله، وهذا الإمام غني عن الإطناب(4).
الحسين بن القاسم
__________
(1) مَدَران: قرية في بلاد (ألت الرُّبيع) من مديرية مجز وأعمال محافظة صعدة. (معجم المقحفي ص1462).
(2) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(3) في (ب): عليهم.
(4) ولد ابنه الإمام الهادي إلى الحق سنة 245هـ بالمدينة المنورة، جبل الرس قبل وفاة جده القاسم بن إبراهيم بسنة واحدة وبلغ من العمر 35 سنة، وقد حصل على مرتبة الاجتهاد، مما دفع أباه وعمومته إلى الاجتماع على الاعتراف بإمامته وبيعته، ومعنى هذا أن والد الهادي (المترجم) كان حياً سنة 280هـ. انظر الإمام الهادي مجاهداً ووالياً وفقيهاً، تأليف عبدالفتاح شائف نعمان.
الحسين بن أمير المؤمنين القاسم المنصور، هو (ثهلان) الحلوم (وثبيرها) وخضم العلوم غزيرها، مفخر الزيدية، إمام المعقول والمنقول، وشيخ شيوخ اليمن الجهابذة الفحول، لقي الشيوخ وأخذ عنهم، وأقروا (أنه من باب رب حامل(1) فقه إلى من هو أفقه منه)، وانتفع بلقائهم، وأخذ زبد علومهم، واعترفوا بفضله في أسرع وقت، لكنه مع ذلك الإدراك لم يقنع من نفسه بالإدراك، بل واظب على العلوم، وخاض غمارها، روي عن شيخه الشيخ لطف الله بن الغياث أنه كان يقول: لا أخاف على أهل اليمن وفيهم الحسين بن الإمام، وروي عنه استشكال بعض المسائل المنطقية نحو ثماني عشرة سنة، وأدركها الحسين في أسرع وقت ، وذلك نتيجة الإصطفاء النبوي والتقوى ووقارة العقل، فإنه كان جبلاً من جبال الحلم، لا يطيش لحادث، ولا يظهر على وجهه(2) عبوس، ولو انبعثت عليه الحوادث دفعة، فإنه كان أيام قراءته في الظفير على شيخه المذكور يصادم العساكر بالعساكر ويقاوم الأصاغر والأكابر، على خلل في الزمان ووهن في الأعوان، وهو مع ذلك يزاحم سعد الدين التفتازاني والشريف، وأضرابهما ويتعقبهم، وكان يكتب بخطه مع ذلك بعض كتب الدرس بخط كأنما طبع بالطابع، كان شيخنا الوجيه(3) عبد الرحمن الحيمي يطيل الثناء عليه ويقول: خط شيرازي عال، ذكر ذلك مراراً، وكان يقرأ في (العضد) ويحشي فيأتي إليه عيون العسكر وأهل العناية بالحرب يذكرون قرب الزحف والمصافة، وهو ينظر في تلك الدقائق، فإذا كثر تعويلهم نهض.
__________
(1) سقط من (أ): رب.
(2) في (أ): وجه.
(3) في (أ): الوجيد.
ومما سمعته من تلميذه شيخ العترة أحمد بن علي الشامي - رحمه الله - قال: كان السيدان الحسنان يتحدثان عند مقاربة جنودهما لجنود الباشا قانصوه، فدخل الرسول يجري يخبرهما بقرب تلك الطامة التي عادت للمسلمين مغنماً ببركة هذين السيدين، وكان قدوم الرسول على حال يضطرب لها جنان غير الجبان، فضلاً عن الجبان، فالتفت الحسين بوجه بسام لم يظهر عليه أثر قط.
ومن وقاره وحلمه ما أخبرني به السيد الكامل عز الدين محمد بن صلاح بن علي بن جحاف - أمتع الله بمساعيه الحميدة - أنه لما اجتمع الجند بمدينة تعز بعد موت مولانا الحسن - رضي الله عنه - كان من العسكر كلام في التقديم والتأخير للأسماء، كما جرت عادة أرباب الديوان، وكانت قلوب العساكر الحسنية مائلة عن مولانا الحسين - عليه السلام- فهم يتطلبون المعاذير لشق العصا، وكان الجميع عسكراً جراراً واسع العدة، لو نجم بينهم أي شيء فنيت خلائق، وكان عدد رزقهم في الشهر نحو ستة وثلاثين ألفاً أو قريب من ذلك، فلم يجد مولانا الحسين بداً من العدد، ولكن مع عزيمة وشدة شكيمة فأمر أهل النجدة من العسكر الخاصة بحضور الديوان، ومن تكلم بكلمة تفرق القلوب أمضوا فيه ما يراه، فبينا هم في ذلك وإذا بشاب من الأهنوم /88/ من آل حجاب(1) حميد المسعى والأثر قتل أبوه بين يدي مولانا الحسين فتجاوز ذلك الشاب الحد ولم يقف عند الكلام، بل أخذ قلماً وطمس اسمه في الدفتر والكاتب وابن الإمام والناس ينظرون، فقام مولانا الحسين على صفة الراكع في الصلاة واستمر ملياً ثم عاد لمجلسه وقال للكاتب: هات اسماً غير اسمه، ولم يقل لذلك الشاب شيئاً، فلما خلا السيد عز الدين محمد بن صلاح بابن الإمام، وكان خالصته وبطانته، فقال: ظننا أنكم يا مولانا تبطشون بفلان لتجاوز(2) الحد، فقال: قمت ذلك القيام الذي رأيت، ووزنت حسناته وسيئاته في قلبي، فرجحت حسناته، ألا ترى أنه جالد وقاتل
__________
(1) في (أ): من آل جحاف.
(2) في (ب): لتجاوزه.
في البستان عند جده على حداثة سنه ونكأ العدو؟ ألا ترى أن أباه قتل بين يدي بغلتي، فمتى أجزيه؟ وهذه منقبه لا يعرفها إلا من عرف ذلك المقام، وما كان يقتضيه الحال ولله دره.
وكان شجاعاً في الغاية، ولقد أخبرنا الشيوخ بصعدة أيام قتاله للأروام بساحتها أيام والده - عليه السلام- أنه جاء من ناحية المشرق من بين الجبل والترك بصعدة خيلهم ورجالهم، فمضى إلى ناحية (تلمص) على حصان أدهم لابساً ثياباً يغيظ الأعداء، وبين يديه خادم يحمل الرمح، فمر من عند مسجد (فليتة) بوقار تام، كأنه يمشي إلى الزفاف والأروام نواكس الأذقان حتى مضى إلى بعض المسافة نحو(1) تلمص، وخرجت الخيل تطلبه وهو لا يلتفت، فلما قربوا منه قبض الرمح من خادمه، وعاد فانقلبوا صاغرين، وهذه مناقب لو استوفيناها ضاق الرحب لكنا نكتفي بالإشارة والقليل يشير إلى الكثير.
وكان في علم المعقول في محل لا ينتهى إليه وسائر علوم القرآن، وأما المنطق وأصول الفقه فهو الغاية التي ما وراءها وشاهد ذلك كتابه (الغاية)(2) وشرحها (الهداية) (3)، فقد جمعت غرائب الفن وعجائبه، ونقلها بعض علماء الأقاليم تعجباً من أسلوبها وكثرة التحقيق فيها، وممن علق بها شيخنا الشيخ أحمد بن أحمد الشابي القيرواني المالكي القادم في شعبان من شهور سنة أربع وخمسين وألف سنة، وأقام بصنعاء وكان(4) سابقاً في العلوم مطلعاً على مصنفات العلماء، فلم يزل متعجباً من هذا الكتاب، واعتنى بملكه، وتعجب من شرح القاضي زيد، والبحر الزخار، ولعلنا نذكر شيئاً من أحوال الشيخ المذكور تبعاً لذكر غيره، فإنه أحد شيوخنا والحمد لله.
__________
(1) في (ب): ثخوه.
(2) غاية السؤل في علم الأوصل (أصول الفقه).
(3) هداية العقول إلى غاية السؤل في علم الأصول شرح الكتاب السابق، طبع مع متنه في مجلدين كبيرين، وهو من كتب المناهج المعتمدة في مدارس الزيدية، ونسخه الخطية كثيرة.
(4) سقط من (أ) وكان.
وكان لسيدي الحسين كرامات منها ما سمعته من مولانا الأعظم المتوكل على الله - حفظه الله - أنه استنجى - رحمه الله - في ثمد من الماء بنواحي أخرف، ففاض ذلك الماء وخرج للناس من بعد ذلك، وهو إلى الآن معروف، ومنها قضية الورم الذي نبت على بعض أعضائه الكريمة أظنه في إحدى اليدين، فأمر الأطباء بقطعه وأذن الإمام القاسم - عليه السلام- بذلك، فاستنظرهم إلى غد ذلك اليوم، فأخبرني الشيخ المجاهد محمد بن صلاح البحش - رحمه الله - أنه لم يزل يبكي في ليلته، ويذكر الله - عز وجل - فأصبحت وليس لها أثر ببركة دعائه، ودعاء والده - عليهما السلام- وله أشعار جيدة، لكن والده أعاد الله من بركته كره له الإيغال في ذلك، فتركه وقدَّ اشتهر من شعره شيء، وهو:
مولاي جُدْ بوصالِ صَبٍّ مدنفٍ ... وتلافه قبل التلاف بموقفِ
وارحم فديت قتيل سيف مرهفٍ ... من مقلتيك طعين قَدٍّ أهيفِ
/89/ وهي مشهورة، توفي - رحمه الله تعالى - بمدينة ذمار، وقبر في قبته المشهورة عند الإمام المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي - عليهم السلام- في آخر ليلة الجمعة ثاني شهر ربيع الآخر عام خمسين وألف سنة، وقبره مشهور مزور، وله أولاد نجباء، ومولده - عليه السلام- وقت الطفل من يوم الأحد لأربع عشرة(1) بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وتسعمائة، فمبلغ عمره إحدى وخمسون سنة إلا ست ليال، ورثاه القاضي العلامة قاضي الإسلام وبركة علماء الأعلام شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - بهذه القصيدة، فقال:
قضاء الله ما عنه امتناعُ ... وأمر الله ليس له دفاعُ
وقد بُرئ الورى للموت طراً ... وحبل العمر غايته انقطاعُ
تساوى كل خلق الله فيه ... فقل عبد وقل ملك مطاعُ
كفى بالموت واعظة لحيٍ ... له بمواعظ الحق انتفاعُ
فنافس في الذي يبقى لتحيا ... حياة عيشها نضر وساعُ
وأيقظ لاكتساب الخير قلباً ... وجارحة لعمرك لا يضاعُ
__________
(1) في (ب): إن بقيت.
ولا تغتر بالدنيا وعيشٍ ... حقير القدر آذنهُ الوداعُ
لأن الدار الاخرة التي لا ... نفاد لها دنا منها اطلاعُ
ألست ترى بني الدنيا مضياً ... إلى الأخرى معاً وهمُ سراعُ
يتابع رزأها رزء وتأتي ... حوادثها بما لا يستطاعُ
ولكن ما قضاه الله حلو ... وإن نكرت مرارته الطباعُ
رضينا حكمه وإن استطارت ... حصاة القلب وانكشف القناعُ
أحقاً أيها الناعي بأن الـ ... ـعلوم أنهد شامخها اليفاعُ
وأن البحر منها غاض حتى ... غدا يبساً وعطلت الرباعُ
نعم، ومضى الحسين إلى(1) سبيل ... بها للخلق كلهم اتباعُ
فنكا جرحه جرحاً حديثاً(2) ... ونكؤ الجرح(3) بالجرح اتساعُ
وأبكى كل عين فهي ثكلى ... كأنَّ دموعها سيل دفاعُ
وفي قلب الهدى منه انتهارٌ ... وفي وجه العلا منه انتقاعُ
أمات أبو محمدٍ المزجى ... بحفظ الله فارسه الشجاعُ
أمات أبو محمدٍ المرجى ... لكل عظيمة منها نراعُ
أمات أبو العزائم من إذا ما أطـ ... ـلخمَّ الخطب كان له اضطلاعُ
أمات ابن الإمام أخو إمام الـ ... ـهدى الليث الهزبر إذا القراعُ
/90/ فمن للدرس والتدريس قل لي ... وليس لشمسه فيهم شعاعُ
ومن للعلم والعلماء إما استـ ... ـطار الخلف واتصل النزاع
ومن للدين يحميه إذا ما ... أضاع حريمه الضرع اليراعُ
بكته مجالس العلم التي ما ... لها مذ غاب عنهن اجتماعُ
وكتب العلم تندبه بشجوٍ ... وإملاء المسائل والسماعُ
وكشف المشكلات بكل فنٍ ... فما في أيها عنه امتناعُ
وتبكيه مواطنه(4) اللواتي ... بها صدق العدا منه وقاعُ
أتته الطير تطلبه قراها ... وقاربها من الأرض السباعُ
فاصدرها بطاناً واثقات ... بخصب لا تصد ولا تراعُ
تعاهده غدواً أو رواحاً ... وتطرقه (القشاعم)(5) والضباعُ
وتبكيه اليتامى حين يسعى ... إليه فراخهم وهمُ جياعُ
__________
(1) في (ب): على.
(2) في (ب): طرياً.
(3) في (أ): الجزع.
(4) في (ب): المواطنة.
(5) القشاعم: القَشْعَم: الأسد. (القاموس المحيط ص1060).
فيعطف نحوهم قلبٌ رحيمٌ ... ويكفلهم عن الضُّرِّ ادَّارع(1)
وتبكيه عزائم ساميات ... وهمة ماجد يقظ وباعُ
وتبكيه مساجد طاهرات ... ومحرابٌ له فيه اختشاعُ
وتبكيه بنو الزهراء طراً ... ومن بولائهم لهم رضاعُ
وما يغني البكاء عليه شيئاً ... وإن الصبر للتقوى جماعُ
فصبراً يا بني الزهراء صبراً ... فمثلكمُ لربهمُ أطاعوا
وأرضوه وثوقاً إن خير الـ ... ـثواب لديه والدنيا متاعُ
فصبراً أيها المولى الإمام الـ ... ـذي من ربه فيه اصطناعُ
فأنت معلم الخيرات طراً ... وفيك صلاح ما فيه انصداعُ
وأنت لملة الإسلام حصنٌ ... إذا فاجاه خطب وارتياعُ
وأنت لعزه حرم أمين(2) ... وأنت لقبة العليا سطاعُ(3)
وقد مات النبي وحل قبراً ... له فيه هدوءٌ واضطجاعُ
وحيدرة أخوه مضى شهيداً ... وشبر أقفرت عنه البقاعُ
وفاطم والشهيد بكربلاءٍ ... وأهلوه أصابهمُ الضياعُ(4)
وقد نزل الحسين بهم كريماً ... له رضوان خالقه(5) (لقاعُ)(6)
وحور قاصرات الطرف عين ... تصوغ لمن برزن له رداعُ
يقلن له هلم إلى وصالٍ ... يدوم فلا يلم به شعاعُ
وعيش أخضر وكبير ملك ... ولا جوع هناك ولا (دعاعُ)(7)
/91/ ودم واسلم إمام الحق تحمي ... بسيفك من حمى الحق التلاعُ
وتجبر كل كسر كان فينا ... فليس إلى سواك لنا رواعُ(8)
ودمتم يابني المنصور طراً ... يغاظ بكم ذوو الأهواء الرعاعُ
ودام بكم لأهل البيت عز(9) ... فإنكمُ لدينهمُ قلاعُ
__________
(1) في (ب): الضراء دراع.
(2) في (ب): منيع. ظ
(3) حاشية في (ب): السطاع ككتاب أطول عمداً بخباء وعمود البيت.
(4) حاشية في (ب): الصياع: الهلاك.
(5) في (ب): بارئه.
(6) الصواب: لفاع: اللِّفاع: ككتاب: المِلْحفَة، أو الكساء، أو النطْع، أو الرداء. (القاموس المحيط ص703).
(7) دعاع: الدُّعاع: النخل المتفرق، ودَعاع: عيال الرجل الصغار. (القاموس المحيط ص659).
(8) حاشية في (ب): الرواع: الرجوع.
(9) . عز. ظ.
ويا جَدَثاً به فخرت ذمار ... على الدنيا وكان لها ارتفاعُ
وزيدَ بِه مشاهدها سمواً ... بشخص ضمه(1) منها دُفاعُ(2)
سقتك المزن مرحمة وغفراً ... يثج(3) عليك ليس له وقاعُ(4)
ولا برحت بجودك هاطلات ... من الرضوان ليس له انقشاعُ
لقد هيجت من حزن دفيناً ... ولكن هذه الدنيا لَعَاعُ
وقد وعظت فما يوماً إليها ... لذي عقل وإن بهجت نزاعُ(5)
وما يغتر بالدنيا سوى من ... يشابهه [من] الإبل الرقاعُ
تظل وشغلها علف وماء ... وما تدري(6) لما جلبوا وباعوا
فافرغ ذا الجلال لنا اصطباراً ... لتنكشف الكآبة والزماعُ
فإنك خير مأمول مُرجَّى ... وإنك ربنا الملك المطاعُ
وصل على النبي وأهل بيت الـ ... ـنبي فهم لحقك ما أضاعوا
الحسين بن القاسم القاسمي [ - ق 6 ه ]
الشريف الكبير الحسين بن القاسم بن محمد بن جعفر القاسمي، علامة كبير، فصيح إنسان زمانه، ولسان أوانه، وكانت بينه وبين القاضي نشوان محاملات بعد ذلك التنافر، وكتب إلى نشوان أبيات ملاطفة أجابه نشوان بالأبيات التي سيأتي ذكرها، وهي:
والله والله العظيم ألية ... يهتز عرش الله منها الأعظم
إني لودك يا حسين لمضمر ... في الله أُبْدِيهِ وحيناً أكتم
(ستأتي بقية هذه الأبيات في ترجمة نشوان - إنشاء الله- . انتهى)(7).
الحسين بن القاسم بن الحسين [ - 394 ه ]
__________
(1) في (ب): ضمنه.
(2) حاشية في (ب): الدفاع بضم الدال: التراب.
(3) في (ب): يسح.
(4) حاشية في (ب): الوقاع صمام القارورة.
(5) حاشية في (ب): النزاع: الشوق.
(6) في (ب): ندري.
(7) زيادة في (ب).
السيد الكبير الحسين بن القاسم بن [الحسين](1) محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين [بن زيد بن علي بن الحسين](2) بن علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- كان سيداً رئيساً(3)، عظيم المكان، ملك ذمار وبلاد (مدحج) و(جهران) و(الهان)، وكان يملك صنعاء أياماً، توفي في سنة أربع وتسعين(4) وثلاثمائة، قيل: إنه قتل في الهان، قتله الحسين بن القاسم بن علي العياني، وحمل إلى ذمار، وقد استشكل بعض المؤرخين هذا وقال: إن الذي قتله الحسين بن القاسم بن علي هو القاسم الزيدي وأنه الذي ملك ما ذكرناه من البلاد ووالاه بنو الضحاك وبنو مروان أهل الهان، وأن القاسم الزيدي حبس أولاد الإمام القاسم بن علي جعفراً والحسن وغيرهما، فكانت بينه وبين القاسم حروب آخرها حرب أجلبَ فيه الحسين بجموع كثيرة، كالسيول المتلاطمة، فوصل صنعاء في صفر سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، فالتقى هو والزيدي في حقل صنعاء واشتد القتال، فدخل الحسين صنعاء من ناحية (القطيع) وملكها وانهزم الزيدي إلى ناحية (الفج)، وتشتت /92/ جنده بعد أن قتل منهم خلق كثير، وأدرك الزيدي بالفج فقتل، ووصل ذلك اليوم خبر موت الإمام يوسف الداعي، (فاستوسق) الأمر للحسين بن القاسم، قال المستشكل لكون الزيدي الذي قتله الحسين بن القاسم ما لفظه: فصح أن المقبور في جامع ذمار ليس بالذي قتله العياني؛ لأن تاريخ وفاته سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
قلت: وما ذكره المؤرخ يعظم إشكاله، إذا تحققت عمر الحسين بن القاسم العياني، فإنه نيف وعشرون سنة، وبين قتل المذكور المقبور بذمار وبين قتل الزيدي القاسم الذي(5) بالفج ثماني عشر سنة، ومقتل الحسين بن القاسم العياني في سنة أربع عشرة وأربعمائة (بريدة)، فلا كلام أن الحسين بن القاسم المقبور بذمار لم يقتله الحسين بن القاسم العياني.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): رائساً.
(4) في (أ): وسبعين.
(5) في (ب): قتل.
قال بعض مشائخنا: الذي قتله الحسين بن القاسم هو محمد بن القاسم، قتله بقاع صنعاء عند الظهر يوم الخميس لسبع بقين من صفر سنة ثلاث وأربعمائة، وذلك أن محمد بن القاسم الزيدي المذكور دعا إلى نفسه والقاسم الزيدي والد محمد الذي خرج من الطائف مناصراً للقاسم العياني، توفي يوم الأربعاء لست وعشرين ليلة من محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، قال: وهو المقبور في عدني جامع ذمار، وأشراف بيت نعامه من بلاد بني شهاب من نسبه، وفي صنعاء وجهران بهجرة (أورر) في وادي الحار من جهة (مفري) (1).
الحسين بن محمد زعيب [ - 1037 ه ]
السيد العلامة الحسين بن محمد بن يحيى بن أحمد بن عجلان بن سليمان بن الحسن بن القاسم بن أحمد بن الحسن الملقب زعيب الأصغر بن علي بن عبد الله الملقب زعيب الأكبر بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي، كان سيداً فاضلاً عارفاً، من شيوخ سيدنا إمام العلوم الإسلامية ترجمان القرآن، شيخ الأئمة، ملحق الأصاغر بالأكابر، أحمد بن سعد الدين - أدام الله محياه الوسيم، وبوأه في الدارين منازل التكريم - وهو من تلامذة السيد الحسن بن شرف الدين - رحمه الله - وتوفي بحدة بني شهاب أيام حصار صنعاء في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة عام سبع وثلاثين(2) وألف.
الحسين بن محمد بن الحسن النعمي [ - 1037 ه ]
__________
(1) في ب): مقري.
(2) . في (أ) و (ب): وثمانين، وفي (ب) مكتوب فوقها وثلثين، والصحيح كما في الطبقات الكبرى.
السيد العلامة الحسين بن محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن محمد بن عيسى النعمي - رضي الله عنه -(1)، كان عالماً عاملاً، حاوياً لعديد المفاخر، جامعاً لحميد المآثر، قد توسم فيه أهل زمانه الدعوة، وكان من أهل الورع الشحيح الذي لا يلحق على طريقة والده في الورع، وإن كان فيما أحسب قدم الحسين في العلم أثبت، ومما أظنه أثر عنه في الورع أنه لم يشرب من ألبان أهل المخلاف السليماني؛ لأنه وقع من بعض أمرائها قديماً نهب لإبل توالدت في المخلاف، وكان مولعاً بالفقيه العلامة محمد بن علي بن عمر، وحق له ذلك، ووقعت بينه - رحمه الله - وبين السيد العلامة علي الناصر(2) القادم إلى اليمن مراجعات، وكان السيد الحسين - رضي الله عنه - يذكر عائشة - رضي الله عنها - فيرضي عنها، فيتعب لذلك السيد علي ويقول له: حق لك أن ترعى غنماً(3) العلم في صدر هذا الشيخ، يريد ابن عمر غضباً على السيد - رحمه الله - وإلا فمحله في العلم مكين، وترضية السيد الحسين ليست لجهله بخروج عائشة على أمير المؤمنين وفعلها ما لا يليق بالدين، لا سيما بعد قول الله - عز وجل - لأمهات المؤمنين: ?وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ? [الأحزاب:33]، وتحذيره صلى الله عليه وآله (وسلم)(4) لها أن تكون الخارجة على وصيه - كرم الله وجهه- /93/ وإنما السيد - رضي الله عنه - مستند إلى ما رواه الإمام المهدي (- عليه السلام-)(5) عن الأكثر من صحة توبتهم، ورواه السيد صارم الدين في فصوله(6) فقال: قد تاب الناكثون على الأصح، ثم قال في الهامش: هذا مذهب المؤيد بالله، وحكاه القاضي زيد عن الهادي، وذكر مثل هذا في الهداية(7)
__________
(1) في (ب): - رضي الله عنهم -.
(2) في (ب): علي الناصري.
(3) في (ب): غنماً.
(4) ساقطة من (ب).
(5) ساقطة من (ب).
(6) الفصول اللؤلؤية في أصول الفقه، تأليف السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير [834 - 914] ه (طبع).
(7) هداية الأفكار إلى معاني الأزهار في فقه الأئمة الأطهار نفس المؤلف (تحت التحقيق).
، وقال الديلمي في عقائده(1): إنها صحت توبة الزبير وطلحة وعائشة، وفي شرح ابن أبي الحديد: أما أصحاب الجمل فإنهم عندنا هالكون إلا طلحة والزبير وعائشة؛ لأنهم تابوا، ولولا التوبة كانوا في النار(2)، وأما الشام وصفين فإنهم هالكون، عند أصحابنا من أصحاب النار، وذكر الإمام عز الدين في معراجه(3) ذلك، ومن جملة ما قال: ولا شك عند أحد من المسلمين المنصفين في أن قتالهم لأمير المؤمنين هفوة وعثرة من أسوأ العثرات، فنعوذ بالله من الخذلان، وكيد الشيطان، وقد ذهب الأكثر من القاطعين بخطئهم إلى أنها قد صحت توبتهم، وأن الله سبحانه قد تدراكهم بألطافه، وتلافاهم بحسن سابقتهم، فروي من توبة عائشة أنها قالت: إذا ذكرت يوم الجمل أخذت مني هاهنا - وأشارت إلى حلقها - وأنها قالت: يا ليتني مت قبل ما كان من شأن عثمان، وقالت: وددت أني ثكلت عشرة من ولد الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري الذي سرت فيه، وروي أنها كانت إذا ذكرت خروجها بكت، وقالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.
وللسيد - أعاد الله من بركته - أشعار منها قصائد نبوية قريت بالحجرة الشريفة نحو قصيدته التي أولها:
دعها تحنّ إلى العقيق وترزمُ ... فبها من الأشواق شيء يؤلِمُ
وقد سمعت من قصائده كثيراً، لكني لم أعتن بالنقل، وهذه القصيدة نبوية أنشدنيها الفقيه المحب (……)(4) السبعي - بالسين المهملة بعدها باء موحدة من أسفل بعدها عين مهملة - الشافعي من صبيا، وكتبها لي بخطه:
هذه الدار فاتّئد يا حادي ... فانخ ظافراً بنيل المرادِ
__________
(1) قواعد عقائد آل محمد، تأليف محمد بن الحسن الديلمي المتوفي سنة 711هـ طبع جزء منه المتعلق بالباطنية ونسخه الكتاب الخطية كثيرة.
(2) في (أ): في الناس.
(3) المعراج في شرح المنهاج شرح فيه منهاج التحقيق في أصول الدين، للعلامة يحيى بن الحسن القرشي (تحت التحقيق).
(4) فراغ في (أ) و (ب).
عفر الخد من ثراها عسى تذهب الـ ... أيام منه وساوس الأحقادِ
جاء فيها ما بين هذا وهذا ... روضة من رياض خير المعادِ
حرم آمن وهجرة نصر ... ومقر للعاكف المرتادِ
ومنها بعد أربعين بيتاً:
يا نبي الهدى أتيتك صفراً ... لم أقدم لموقفي من زاد
قد تولى الشباب والعمر فما أقـ ... بح بي أن أرى بلا استعداد
وعلت كاهلي ذنوب ثقال ... لم تطقها ثوابت الأطواد
حسَّنتها نفيسة ذات شر ... لم تزل في مهالك وازدياد
علقت أمرها بعلَّ وسوفَ ... بئسما جمعت من الأضداد
آه مما جنيت في سالف العمـ ... ـر ومن طاعتي لها وانقيادي
ليت شعري ماذا يكون جوابي ... يوم أدعى في مضجعي ورقادي
ويقوم العباد في موقف الحشـ ... ـر لرب مهيمن نقاد
سوءة للمفرطين إذا ما ... دخلوا والقلوب منه صوادي /94/
فأشعب الصدع يا محمد واجبر ... لنزيل الفنا كسير الفؤاد
واقر ضيفاً ثوى ببابك براً ... من يد عودت صلاح الفساد
درت الشاه ردت العين من مـ ... ـسٍّ لها سال ماؤها للصوادي
قلت: وفي هذا البيت استخدام:
وبها بورك القليل من الطعـ ... ـم فأغنى جمعاً من التعدادِ
وبها اخضر يابس إن هذا ... لحديث مخالف المعتادِ
ومنها:
رب إنا في سوح أحمد من أر ... قيته كاهلاً لسبع شداد
قد حللنا راجين عفواً وبراً ... منك يأتي بعصمة وسداد
رَحِمٌ(1) بعضها معاذ لبعض ... للهوى والهدى بسوق الكساد
فبك(2) المستعاذ مما دهانا ... من أمور والحادثات البوادي
قد دهتنا من الزمان خطوب ... أشرفت بالإبراق والإرعاد
اطف منها حرارة خالق الخلـ ... ـق بأمنٍ في مصرها والبوادي
وعلى عبدك البشير صلاة ... وسلام جمعاً بلا إفراد
وعلى آله وأصحابه الغر ... الألى أظهروا منار الرشاد(3)
__________
(1) في (أ): رَحِيم.
(2) في (ب): تقدم هذا البيت على سابقه.
(3) توفي المترجم في العشر الأواخر من ربيع الآخر سنة 1072هـ كما في طبق الحلوى.
الحسين بن محمد الذويد [ - ]
الفقيه العلامة الحسين بن محمد الذويد الصعدي - رحمه الله تعالى - أحد العلماء الكبار، وهو أحد الشارحين للأزهار، وكتابه مفيد وللأزهار شروح أولها الغيث المدرار للمصنف، وشرح تلميذه العلامة علي بن محمد النجري، وللعلامة عبد الله بن محمد النجري مصنف المعيار شرح أيضاً يضاهي شرح ابن مفتاح في القدر والصفة، وشرح القاضي حسين هذا وهو جزآن، وشرح العلامة ابن مفتاح وفرغ ابن مفتاح من تأليفه سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ولعلي بن عبد الله الرقيمي حاشية وأخرى للفقيه سعيد بن ناجي، ولبعض السادة الجرموزيين من آل الهادي حاشية، وللتهامي حاشية، وللسيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي شرح يحتوي على الأدلة يتخرج في جزأين، ولابن عبد الباعث شرح جزآن عظيم، استوفى الأدلة، ولابن عبد السلام شرح، وللعلامة ابن قمر شرح عجيب، ولعبد الحميد بن أحمد شرح وغير هؤلاء من العلماء، توفي الفقيه حسين في (……)(1)، وشرح ابن عبد الباعث، وهو محمد بن أحمد بن عبد الباعث، يسمى جلاء الأبصار، وشرح ابن عبد السلام يسمى بالأنهار [- رضي الله عنه -](2)، ولعلي بن محمد الهاجري شرح، ولسيدنا إبراهيم الشجري(3) حاشية مفيدة، فيها تنبيهات على غرائب وعجائب(4).
الحسين بن محمد المسوري [ - 983 ه ]
القاضي العلامة الحسين بن محمد المسوري - رضي الله عنه - هو محيا عالم الشيعة، المحيي لمعالم الشريعة، كان صحيح الاعتقاد، منثلج الصدر بطريقة الحق، لا يزيغ للشبه ولا يعبئ عندما اشتبه، وكان من أهل الزهادة في الدنيا والبعد عن مطامعها، كما قال - رحمه الله -:
أنا أصبحت نائباً ... إنني لست بانيا
وأعاني هوى الوصيِّ ولو كنت عانيا
كسوتي حبه ولو ... صرت في الناس عاريا
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) جاء في حاشية (ب): والمفتي الشجري هو القاضي إبراهيم بن يحيى المعروف...
(4) انظر هذه الشروح والحواشي في تراجم أصحابها، وفي كتابنا أعلام المؤلفين الزيدية.
ومع هذا فعيشه أنعم من عيش الملوك، وهكذا من لم يقف عند المطامع والآمال، هو في عداد الملوك، وإن كان من أرباب الفاقة والسلوك، وكان متخلقاً بأخلاق /95/ النبوءة، سماحاً بما في يده، غير متكلف بما في وسعه.
روي أنه كان مقيماً بالشرف الأعلى فوفد إليه العلامة المجتهد الصدر محمد بن علي بن عمر الضمدي في جماعة من أصحابه وأهل جهاته، فتلقاه بالبشر والإنصاف:
وما البشر للأضياف أن يكثر القرى ... ولكنما وجه الكريم خصيب
فنزل القاضي محمد عنده في أحسن نزل، يدخلون للآداب في أبواب، ويتعاطون كؤوس العلم أكواباً بعد أكواب.
حب الأديب على الأديب فريضة ... كمحبة الآباء للولدان
فإذا هما اجتمعا بسوح مرة ... كانا من الآداب في بستان
لا شيء أحسن منهما في مجلس ... يتعاوران جواهر الألحان
وأما هذان الإمامان، فما مجلسهما إلا مجمع البحرين ومطلع البدرين، ومن السعادة قران السعدين، ولما حضر الطعام جاء القاضي الحسين - رحمه الله - بميسوره، وقال متمثلاً بأبيات القفال الشاشي:
أوسع رحلي على من نزل ... وإن لم يكن غير خبز وخل
فأما الكريم فيرضى به ... وأما اللئيم فمن لم أبل
فقال العلامة محمد بن علي(1):
ليس الكريم الذي تأتيك جفنته ... مملؤة ويكون الفيصل الفصلا
إن الكريم الذي تأتيك جفنته ... على الدوام وفيها أيش ما حصلا
__________
(1) في (ب): محمد بن علي بن عمر.
وكان القاضي حسين من أهل الاجتهاد في العلوم، سيما الأدوات ومصداق ذلك أنه لما قدم مكة لقيه بعض علمائها، لكنه العالم في البلاد، فتعاطيا جامات الأنس مترعة بالصفاء، والعلم نسب بين العلماء، ونسب(1) فعلق بفؤاد ذلك العالم حب القاضي، فدخل إلى مقام الشريف فقال: حج هذه السنة من اليمن رجل فاضل واسع الآداب والعلوم، وأثنى بنحو هذه العبارات، فتوسل به الشريف إلى لقاء القاضي الحسين، فأسعده القاضي ودخل إلى مقامه وهو محتفل بوجوه الأشراف الحسينيين، فدارت بينهم المذاكرة، فقال العالم المكي في سياق خطاب: إن معاوية بن أبي سفيان من أهل الجنة، فقال القاضي الحسين - رحمه الله -: ما كنت أظن علي بن أبي طالب يسب في مقامكم أيها السادة الأشراف، فقالوا: ومن سبه؟ قال: هذا الشيخ يزعم أن علياً قاتل أهل الجنة، وهذا غاية السب له، فتجهم الأشراف لذلك الشيخ، فهذا الثناء من الشيخ دليل على منزلة القاضي من العلم.
__________
(1) في (ب): ونشب.
وكان له في الجهاد عناية، وكان مواظباً على مجالس الإمام شرف الدين ومشاوراً في المهمات، وله أشعار في الوقائع الإمامية تهاني ونحوها، ولم يكن همه - رحمه الله - في ممادح الإمام إلا ذكر المقامات العالية كما قال مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين - أدام الله تأييده - طالعت سيرة الإمام شرف الدين فرأيت للبلغاء في وقته قصائد ورأيت القاضي الحسين لا يقول الشعر إلا عند فعل الإمام - عليه السلام- لأمر عظيم من أمور الإسلام، ولما كان من مطهر بن أمير المؤمنين ما كان وأرادوا الدخول على الإمام رام القاضي مع جماعة من أمثاله الثبات في الحجرة بسيوفهم يدافعون بأنفسهم عن نفسه، وكان القاضي ليس بالجلد، فلما اجتمع بمطهر أخبره بما أراد، فتعجب مطهر وجزاه خيراً، وبعد هذه القضية سكن (الشرف)، وكان يجمع /96/ البر للإمام من الراغبين في الخير من المسلمين، ويحمله إلى (الظفير)، فسمع الزبرطانات(1) والمدافع من جنود الوزير الأعظم بحوشان على أولاد رسول الله بثلا ومطهر إذ ذاك هو جامع شمل المسلمين، فقال القاضي: معاذ الله، أن أرغب بنفسي عن آل الرسول وأترك نفسي من الجهاد، فتوجه إلى مطهر وأقام عنده، وتوفي بثلا - رحمه الله - (فراغ) ولعلنا نذكر شيئاً من أحوال مطهر، فإنه راجع ربه واستغفر في تلك الهفوة وذب عن الإسلام بعدها، وله كرامات مروية من أدلة رضا أبيه عنه اتصال مثل هذا القاضي الجليل بجنابه، وكان القاضي لا يزال يتردد إلى الإمام إلى (الظفير)، وفي بعض زياراته للإمام إلى الظفير بعد تحول الأحوال أمره الإمام بالمرور على ولده شمس الدين بن الإمام، وكتب الإمام إلى ولده:
جاءكم سلمان بيتي ... فاعرفي يا شمس حقه
ولرجواه فحقق ... وببشرٍ فتلقه
__________
(1) في (ب): الزبرطافات.
قال شمس الدين: لا أدري بما أكافي هذا المقام والذي أجد الآن بقشة أداتي بما فيها فأعطاه إياها بجميع ما فيها. وكان القاضي بديع النظم وحيداً فيه، مفخراً لأهل اليمن، ولطال ما امتحنت أرباب البلاغة بأبيات رويت للقاضي في الشريف حسن بن أبي نمي، منها:
حنين ولكن حال بينهما البعدُ ... وشوق ولكن دونه الغور والنجدُ
وأفئدة كادت تطير صبابة ... إليهم ولكن من لمضناهم بعدُ
تنوَّر برقاً لاح من سوح أرضهم ... كسيف بقلب الجيش فارقه الغمدُ
فأظهر سراً للهوى كان مضمراً ... ففي كبد وقد وفي ناظر سهدُ
ومنها:
فيا حبذا من ذي ألاَلٍ مراحنا ... ومسرحنا والعيس قد شقها الوجدُ
ويا حبذا ليل هنالك طيب الأريج ولا حر هناك ولا بردُ
بذياً لك الوادي أضعنا عقولنا ... إلى أن تساوى عندنا الهزل والجدُ
ومنها:
قضينا بها آمالنا مثلما قضت ... قصارى أمانيها من الحسن الوفدُ
مليك إذا استقبلتَ غرة وجهه ... وقبَّلتَ منه الكف قابلك السعدُ
مليك يرى أن الشجاعة والسخا ... فروض على السادات ما منهما(1) بدُ
فما يتردد الثقات منهم المرتاض بهذه الصناعة أن هذا من شعر الحسن بن حجاج، ولكنه - رحمه الله - كثير الولوع بالإلهيات(2) والنبويات والعلويات، والذب عن الإسلام وعن أعراض أهل البيت، وهو مكثر في هذه جداً، فمن شعره ما كتبه في هامش كتاب (الأربعين في إرشاد السائرين إلى منازل المتقين) لمحمد بن محمد الطائي عندما أنشده الطائي في آخر الكلام، في الحديث السادس والعشرين، وهو قوله: فأنشدونا لبعضهم:
الشافعي إمام الناس كلهم ... بالعلم والحلم والعلياء والبأسِ
له الإمامة في الدنيا مسلمة ... كما الخلافة في أولاد عباسِ
97/أصحابه خير أصحاب ومذهبه ... خير المذاهب عند الله والناسِ
فكتب القاضي - رحمه الله - هذه الأبيات كالمجيب:
إن الخلافة في آل النبي كما ... كانت لوالدهم من غير إلباس
__________
(2) في (ب): بالإلاهيات.
علي المرتضى من لا يقاس به ... بعد النبي أخو فضل من الناس
(كيف القياس لمعدوم الفضائل مع ... شخص فضائله في ألف كراس)(1)
فارجع وراءك أو فاثبت لليث شرا ... لكل متهم بالنصب فراس
ومن قصائده الإلهيات:
يا رب هل إلا إليـ ... ـك توجهت آماليه
وبباب رحمتك الوسيـ ... ـعة قد حططت رحاليه
وقرعته من تحت أسـ ... ـتار الظلام الداجية
بضراعة مشفوعة ... بدموع عين باكية
حاشا لجودك أن تخيّيب يا كريم رجائيه
أو أن أعود وراحتي ... من فيض برك خالية
من ذا الذي أدعو فيسـ ... ـمعني ويكشف ما بيه
ويحل عقدة فاقتي ... ويجيب صوت دعائيه
عجلاً ويغفر لي ذنوباً قد ملأن حَباليه
ويصب سحب نواله ... ويرد كيد عدائيه
إلاك يا من لا عليـ ... ـه قط تخفى خافية
يا رب فانصرني وكثر فيك من أنصاريه
واجعل لعبدك جنة ... من كل شر واقية
وانظر إلي بعين بر يا إلهي كالية
واجعل على جسدي وأذ ... يالي لباس العافية
وأزل بحق علاك يا ... رب السما أوصابيه
فإليك وحدك يا إلهي والدي أوصى بيه
والدهر قد أمسى به ... آساد بغي ضارية
وتكنفت منه الشرو ... ر جميع هذي الناحية
وغدا على أمر البرية كل جبت طاغية
فَعُرَى الأمانة والديا ... نة في البرية واهية
وذرا الخيانة في قلو ... ب الناس أمست راسية
ومخالب السفهاء من ... مهج الأفاضل دامية
وظننت أبناء الزما ... ن بكل عهد وافية
حتى إذا ظنوا بأن الدهر حوَّل حاليه
عزموا على إهمالهم ... تلك الأواخي(2) قاصية
ورنوا إلي بما يخبّر عن قلوبٍ قالية
فتركتهم وقلوبهم ... يا ذا الجلال كما هيه
وقصدت بابك أبتغي ... يا رب حسن قرائية
ووردت بابك(3) أقتفي ... أثر النفوس العالية
وجعلت دلوي في الدلا ... يا سيدي ورشائيه
فأعد علي عوائد الـ ... ـكرم التي هي ماهيه
أصلح إلهي أين كنـ ... ـت بحق ذاتك شأنيه
وأقِلْ إذا أعثرنني ... نوب الزمان عثاريه
__________
(1) هذا البيت سقط من (أ). وهو موجود في (ب).
(2) في (ب): الأواخي.
(3) في (ب): بحرك.
واجعل من التقوى شعا ... ري دائماً ودثاريه
وافكك بحقك من قيو ... د الموبقات أساريه
فمطامعي أمست إلى ... عتبات جودك سارية
أمست مدى همي لعظـ ... ـمي من ذنوبي بارية
يا بردها مهما غدت ... عن طب عفوك بارية
فبحق ذاتك لا هتكـ ... ـت بزلتي أستاريه
وتول عوني في إقا ... ماتي وفي أسفاريه
وبحق من خمدت به ... نار الضلال الحامية
خير الأنام صفيك الد ... اعي إليك علانية
ومن نبوياته وهي كثيرة، فهذه منها:
إليكم بكم في حبكم أتوسلُ ... إذا عز عني ما به أتوصلُ
فهل من يد أو نظرة تحضرونني ... بها نحوكم كيما أقول لتفعلوا
/98/(لحا) الله قلباً لم تكونوا سكونه ... فذلك أخلى من يراع وأعطلُ
وبليل بالاً لم يبت كلما شرى ... سنا البرق من تلقائكم يتبلبلُ
أعيدُوا لنا عيدَ التداني وأطلعوا ... عمود صباح الوصل فهو المؤملُ
أعوذ بكم من ليل هجرٍ ذيوله ... على صبكم من ليل لقمان أطولُ
علي لكم عهد قديم وموثق ... أبى عقده أني بكم(1) أتبدلُ
شربت بكم كأس الغرام ولم أزل ... بها قبل إدراكي أعل وأنهلُ
ووليت وجهي في الهوى شطر بيتكم ... وبت بمسعى كعبة الحب أرملُ
(ولما تجلى لي صباح تعلقي ... بكم ونأى ليلٌ من الشك أليلُ)(2)
صعدت منار العاشقين ولم أزل ... عليه إلى دين الغرام أُحَيعِلُ
فإن كنت من أهل المحبة آخراً ... فلي حالة تقضي بأني أولُ
يضللني من لم يكن يعرف الهوى ... ولا كيف شرع الحب وهو المضللُ
سلو البرق عني حين أمسى وميضه ... يطرز من ثوب الدجى ما يفصلُ
يخبركم عن حر لاعج لوعة ... وعن دمع عين من جوى البعد يهملُ
وإني كما شاء الغرام من الضنا ... ومن حمل أثقال الهوى وهو يدنلُ
فإن ترحموا مثلي فمن شأن مثلكم ... وإن يك إهمالاً فمثلي يهملُ
بفقري بإخلاصي بذلي بفاقتي ... إليكم وهذا ما به أتعللُ
أقيلوا أنيلوا أسعدوا أنجدوا صلوا ... أعيدوا أفيدوا طولوا وتطولوا
__________
(1) في (أ): لكم.
(2) هذا البيت زيادة في (ب).
ألم تعلموا أني فريد هواكمُ ... وأنيَ عن قومٍ سواكم لأميلُ
ولم أر إلاَّ كم ومن ير واحداً ... مثنى على الدنيا فذلك أحولُ
عصيت عليكم كل من لام فيكمُ ... وقد كثرت حولي وُشاةٌ وعذلُ
ولم يلهني عنكم بلاد وأسرةٌ ... وأهلٌ وجيرانٌ ومالٌ ومنزلُ
ولا عاق قلبي مذ نشا عن نزوعه ... إليكم غضيض الطرف أدعج أكحلُ
يذكرني بان العذيب ورامة ... إلى القاعة الوعسا جنوب وشمألُ
ويقلقني حادي الصبا كلما حدا ... دوالج تغدو وهي بالصيف حملُ
إذا ضربتها كف طلق تمخضت ... بما يرأب الكلم العتيق ويدملُ
كأن اضطراب البرق في جنباتها ... مشاعل مقرورين تخبو فتشعلُ
كأن حنين الرعد في مهجاتها ... أراح لأَنْداءِ الغمائم يثقلُ(1)
كأن السحاب الجون في كل (تلعة) ... من الأرض للعذب النفاخ تغربلُ
كأن الرياض الحق وشيٌ مدبّجُ ... بأزهارها واللوح لوح مصندلُ
كأن غصون الدوح فرع (معثكل) ... تعقصه ريح الصبا وترجلُ
كأن النعامى كلما عبرت بها ... تعبر عنها جوها (وتمندلُ)
/99/ كأن بقايا ترب نعل نبينا ... بأعطافها جاءت به تتهدلُ
محمد الهادي البشير ومن علا ... مكانته عند الإله المعولُ
محمد الداعي إلى الله والذي ... نصلي عليه ثم ندعو فيقبلُ
نبيٌ زكيٌّ لا يوفيه بارع ... مدائحه إلا الكتاب المنزلُ
نبي هدى ما زال مذ لاح نوره ... به الدين يعلو والضلالة تسفلُ
به جاءت البشرى على ألسنٍ غدت ... بها عنهم الأخبار في الأرض تنقلُ
ألم تر (سيفاً) كان بشَّر جده ... وفصَّل ما قد كان (تُبَّع) يحملُ
وما قاله فيه (بحيرى) وقد رأى الـ ... ـغمام له دون الرفاق تظللُ
وما صح من قول (ابن نوفل) إذ رأى ... محياه من نور الهدى يتهللُ
وما جاءت التوراة من نعته بما ... يقهقر عنه جاحد ومعطلُ
وما شهدت إنجيل عيسى له بما ... إذا طن في سمع المعاند يحجلُ
(ومن طاب في الأصلاب حتَّى أتت به الـ ... ـسعادة عن طيب أبيان تنقلُ)(2)
__________
(1) في (ب): تثقل.
(2) زيادة في (ب).
إلى إن بدت في حمله كل آية ... إلى الأرض والسبع السموات تحملُ
وأهدت لنا الشفَّا بمولده شفا ... به رحم الدين الحنيفي يوصلُ
وسل آل سعد كيف سعد رضاعه ... أما أخصبوا بالمصطفى حين أمحلوا
وقابلهم وجه من اليمن باسماً ... أراح عليهم ذودهم وهي حفلُ
وشق لديهم صدره ليساط عن ... بواطنه عاب القلوب ويغسلُ
وبات به الشيطان عن خبر السما ... يصُدُّ إذا رام استراقاً ويتبلُ
وما مر من يوم ولم يك شأنه ... على رغم أهل الشرك يزكوا وينبلُ
ولم تزل الأحوال منه على ذوي ال ... ـعبادة للأوثان للحزن تدخلُ
وإن امرءاً تمت عناية ربه ... به فهو دون العالمين المفضلُ
عجائب أحوال النبي محمد ... غرائب قد بانت لمن كان يعقلُ
يتيم بلا مال تظل لخوفه ... بأهل الدنى أرجائها تتزلزلُ
وفي كل قطر أظهر الله آية ... له وهو في كل(1) الكلاية يكفلُ
بتغوير ماء من بحيرة (ساوة) ... إلى أن غدت في جوفها النار تشعلُ
وكالصدع من (إيوان) كسرى ولم يكن ... به خلل من قبلها يتخيلُ
وقام ينادي في العشيرة منذراً ... لهم ما لديه يبلس المتحيلُ
دعا قومه والشرك ملق جرانه ... وشيطانه في كل قطر مجللُ
فلما تولوا ناكصين وأعرضوا ... ومالوا عن الحق المبين وميلوا
تحداهمُ بالمعجز الباهر الذي ... يدين له قسراً خطيب ومقولُ
كلام إله العالمين وحبله الـ ... ـمتين الذي فيه الشفاء المعجلُ/100
فأفحمهم فاستيأسوا من نزاعه ... وقالوا أساطير مضت وتمحلوا
على العلم منهم أن أعلاه مورق ... وأسفله مغدودق إن(2) تطفلوا
فعادوا سراعاً يوفضون ضلالة ... إلى اللات والعزى ولم يتمهلوا
وقد أضرم الخوف الشديد لظاه في ... (أثافي) صدور القوم ثمت زلزلوا(3)
وحين أبو إلا لزوم ضلالهم ... وقالوا به مس وقالوا مخبلُ
تنحل منهم هجرة طفقت بها ... مساكنهم من خوفها(4) تتقلقلُ
ومنها:
__________
(1) في (ب): حضن.
(2) في (ب): إذ.
(3) في (ب): تزلزلوا.
(4) في (ب): من خوفه.
ومن لي بأن آتي على بعض فضله ... فتلك التي لم يستطعها محصلُ
وأي يعد الشهب أو يحصر الحصى ... قصير لعمري في علاه المطولُ
هو المقصد الأسنى هو النعمة التي ... بها الكل من آمالنا تتحصلُ
ألا يا رسول الله يا خير من طوت ... به البيد فتلاء الذراع وأفتلُ
مدحتك لا أبغي لذاك إجازة ... من العاجل الفاني به أتمولُ
ولكنني في قيد ذنب يحل من ... عراي القوى إني بذاك مكبلُ
وما كنت يا خير الأنام شفيعه ... إلى الله قل لي رده كيف يحملُ
إذا لم تقم بي يوم ينكشف الغطا ... فلست على حي سواك أعولُ
يمر ببالي وقت نشر صحيفتي ... [فيقلقني](1) هول هناك أهولُ
وأذكر منك الجاه والرحمة التي ... تعم جميع العالمين وتشملُ
فتنحل(2) عني عقدة الكربة التي ... بها لم أزل في مضجعي أتململُ
إذا الله حاشا الله رد وسيلتي ... بكم فاهدني من ذابه أتوسلُ
وكن لي وللإخوان يا خير مرسل ... إليه تشد اليعملات ويعملُ
عماداً وركناً كلما لحظت إلى ... مصاعده غير الحوادث يحجلُ(3)
وأهل لواء(4) من ذؤابة هاشم ... حبوني برفع القدر فيك وجللوا
وأولوا ووالوا كل عارفة بها ... أقاموا قناتي بعد ميل وعدلوا
ولا تنس فضلاً والديَّ فإنني ... على والديَّ العاجزين لأوجلُ
وأهلي التي ما زال خوف إلهنا ... لأجفانها بالسهد في الليل تكحلُ
فخذ بيدي يا خير من كرَّ يَمَّهُ ... وقل معنَا دار المقامة تدخلُ
وصلى عليك الله ما ظل بارع ... يجبر وشي المدح فيك ويملُلُ
(وآلك من أغنى الوليُّ عن الوفا ... لهم بالثنا بالذكر في الحق مجملُ
وصحبك من أرضوك حياً وميتاً ... وماتوا على هاتا ولم يتبدلوا
وهذا مقام أنت فيه مؤمل ... جدير لعمري أن يفوز المؤملُ) (5)
__________
(1) في (ب): فيقلن. ظ وفي الحاشية فيقلقني.
(2) في (أ): فينحل.
(3) في (ب): تخجل.
(4) في (ب): ولاء.
(5) الأبيات ما بين القوسين زيادة في (ب).
وهذه القصيدة حضرت عند الرقم، وهي من وجوه الشعر وعيون المدائح، ولم أرجحها على غيرها من شعره - رحمه الله - النبوي، فإنه كثير طيب، ولقد فصَّل الأدباء صنعته على صنعة الصفي في معارضة قصيدته التي طالعها:
كفى البدر حسناً أن يقال نظيرها ... [فيزهى ولكنا بذاك نضيرها](1)
فضَّلوها باعتبارات أدبية، وهذه القصيدة التي نقلنا بعضها عددها مائة بيت وأربعة /101/ وأربعون بيتاً، ومن علوياته - رحمه الله -:
أشهد علي إذا أتيت المشعرا ... ووردت بيت الله من أم القرى
ونزلت في ضيف الكريم ملبياً ... ومسبحاً ومهللاً ومكبراً
ووردت جمعاً والجموع كأنها ... بحر طما والعيس تنفخ في البرا
وعرفت في عرفات ما قد كان من ... قبل الصعود إلى ذراه منكرا
وسريت في عمار بيت الله كي ... ما يتبع الحج الكبير الأصغرا
بل يشهد الثقلان مهما يمموا ... لقضاء رب العالمين المشعرا(2)
إني أفضّل بعد خير الخلق من ... ختم الإله به الرسالة حيدرا
وهو الإمام بغير فصل بعده ... وبذاك ألقى الله لا متسترا
فدع المرا فيما سواه فإنما ... وقع التهافت في الضلال من المرا
والزم طريقته فتلك طريقة ... يا خسر بائعها ونعم من اشترى
من قاسه بسواه في أوفَى فضـ ... ـائله لعمرك قال قولاً منكراً(3)
بل من رأى أن الإمام وراءه ... بعد النبي المصطفى فقد افترى
هيهات تلك قضية مبتوتة ... يا بعد ما بين الثريا والثرى
من نفسٍ خير الخلق فيما قاله ... رب السما يا من درى ما قد قرا
ومن الذي حصرت عليه بإنما ... آيُ الولاية مفخراً لن يحصرا
من ذاك زكى راكعاً يا من له ... عقل يؤم به الطريق النيرا
أمَّن دعاه لأكل طير جاءه ... بمحبة الرحمن جاء مبشراً
من ذاك يسقى في القيمة كل من ... والاه من هذا الأنام الكوثرا
أمَّن دحا الباب الذي عجزت ليو ... ث الحرب عنه حين أمّوا خيبرا
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): المحشرا.
(3) في (ب): ينكرا.
من قال فيه نبينا يا من وعى ... ما قاله هذا أخي دون الورى
أمَّن فدَاه بليلة أمسى بها ... جبريل يكلؤه إلى أن أسفرا
من نال منزلة بها من قبله ... هارون أورد عن أخيه وأصدرا
من كان نجل محمد في صلبه ... إما جهلت فسل شبير وشبرا
من كان باب مدينة العلم الذي ... من لم يفز بدخوله لن يظفرا
من زُوِّج الزهراء في ملأ السماء ... هل قد علمت بمثل ذلك(1) مفخراً
من ذاك بلغ عن رسول الله يـ ... ـوم الحج ممتثلاً براءة بالبرا
ولمن بيوم غدير خُمٍّ شدَّ من ... عقد الولاية(2) في ولايته العُرَا
مَنْ مُذْ نشا لسوى الذي رفع السما ... ودحا البسيطة خذه ما عفرا
من جرع الأعداء في بدرٍ وقد ... حمي الوطيس هناك موتاً أحمرا
من ذاك للأصنام عند ذوي النهى ... وسواه يعبدها ضلالاً كسرا /102/
من كان محتنثاً مع خير الورى ... للحنث في سن الطفولة في حرا
من قال لو كشف الغطا ما ازددت معـ ... ـرفة على ما في مواجهتي أرى
برح الخفا هذي الفضائل كلها ... تركت دليل القوم يمشي القهقرى
هذي مآثره التي لسواه من ... أهل البسيطة عن يد لن تؤثرا
ولتلك عندي قطرة من مطرة ... من ذا يعد القطر مهما استعبرا
قل لابن من أمسى جدار أبيه ذا ... قصر تريد سباقنا أطرق كرا
ما كان أجمل بالسكيت إذا رأى ... سبق المجلى أن يسير إلى الورى
دعني وتفضيلي وكن متيقناً ... إني حلبت من الأدلة أشطرا
هو ما سمعت فكن مقراً أو فكن ... للشمس في (رأد) الظهيرة منكراً
فتولنا أو ولَّنا منك القفا ... مستنكراً مستكبراً متحيراً(3)
وانظر بفكرك إن أردت خلاف ما ... أمليته في أي قولينا هرا
لولا مكابرة العقول لما جرى ... بعد النبي مع عليٍ ما جرى
دعني ومعتقدي وته بي حيث لا ... (متقدماً) يلقى ولا متأخرا
وارفضَّ وارفضني إذا لم تدر أن ... الصيد كل الصيد في جوف الفرا
__________
(1) في (أ): بذلك.
(2) في (ب): الوصاية.
(3) في (ب): متجبراً.
أنا منك بل من كل من ذهبت به ... أهواؤه في غير معتقدي برا
نفسي الفداءُ لأحمد ووصيه ... وابنيهما أهل القراءة والقرا
شم الأنوف عن الدنايا والدنا ... يلقى(1) منازلهم به أسد الشرا
من كل ما هجم الظلام عليهم ... طردوا عن (الآماق) طارقة الكرى
وتصاقبوا الذكر الجميل(2) بلهجة ... لو لاقت الصخر الأصم تفجرا
يا رب وفقني بحفظ حقوقهم ... واجعل مودتهم لديني مظهراً
يسر بحقهم مسالكي التي ... ترك الزمان (دميثها) متوعراً
وانظر إلي بعين رحمتك التي ... يمسي بها ذنبي العظيم مكفراً
أنا سائل ولقد قطعت بأن من ... سأل الكريم نواله لن ينهرا
فأقبل شفاعتهم لعبد لم يزل ... متعلقاً بولائهم مستهبرا(3)
فلهم لديك مكانة يطفى بها ... وهج الجحيم إذا الجحيم تسعرا
يا رب هذا موردي في حبهم ... يا رب فاقض ببرد عفوك مصدرا
وأقل عثاري في جرائريَ التي ... أسلفت واحرسني لكيلا أعثرا
واجعل بحقك عيش من والاهم ... يا رب في الدارين عيشاً أخضرا
هذا الذي أبديه من خير(4) ودع ... مني وراء الستر ذاك المخبرا
/103/ ما زال قلبي آهلا بولائهم ... أبداً وقلبك يا عذولي مقفراً
هذا وصل على نبيئك من إلى ... أسرى مكان دون عرشك قد سرى
وعلى جميع الآل من أنزلتهم ... مما خصصت به عبادك في الذرا
توفي - رحمه الله - ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، بمدينة ثلا، وقبره في جربة صلاح العريجي غربي المصلى، ومما أنشدناه حفيده شيخنا شيخ الإسلام أحمد بن سعد الدين - قدس الله سره - قال: سأل الفقيه الأفضل جمال الدين علي بن قاسم السعيدي الشرفي - رحمه الله (تعالى) -(5) سيدنا الحسين المذكور أن ينظم له سهام الميسر، فأجابه ارتجالاً بهذه الأبيات:
سألتني وفقت يا علي ... معتقداً أني بها ملي
__________
(1) في (ب): تلقى.
(2) في (ب): الحكيم.
(3) في (ب): مستهتراً. ولعلها: مستعبراً.
(4) في (ب): من خير.
(5) ساقط من (ب).
سألتني نظم قداح الميسر ... فهاكه برجزٍ ميسر
الند والتوأم والرقيب ... والحلس والنافس يا أريب
ومسبل يتبعه المعلى ... سقيها(1) بها السهام تملى
وبعدها ثلاثة متروكة ... وأهلها عصابة مفروكة
ليس لها من الجزور حصة ... سواء احتمال محنة وغصة
وهي سنيح(2) ومنيح وغد ... تروح في خبيتها(3) وتغدوا
فهاكها وفقت للصواب ... مسامحاً في ركة الجواب
فهكذا يكون حال المرتجل ... وما بناه ربه على عجل
وولده يحيى بن الحسين أديب وقته البليغ المحسن، كان من النجباء الأدباء العلماء الفصحاء، توفي بعد أبيه في هذا العام بمدينة ثلا أيضاً، وهو لأمِّ ولد وأما ولداه علي وسعد الدين فسيأتي ترجمتهما - إن شاء الله -(4).
الحسين بن محمد بن شاه [ - ]
العلامة الفاضل شيخ العراق أبو عبد الله الحسين بن محمد بن شاه شريحان(5) - رحمه الله (تعالى)(6) - كان من كبار العلماء الأخيار الصالحين محققاً من عيون أصحاب المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): سبقتها.
(2) في (ب): سفيح.
(3) في (ب): خيبتها.
(4) في (ب): إن شاء الله تعالى.
(5) في (ب): شيريحان.
(6) ساقط من (ب).
الحسين بن محمد بن أحمد [582 - 662 ه ]
الأمير الحسين بن محمد،(1) هو الأمير الناطق بالحق أبو طالب حامل لواء العلوم، فارس ظنونها(2) والمعلوم، شرف الدين الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام- قال ابن فند: هو من أعلام العترة الميامين ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أكثر من أن يوصف، ومعرفته أشهر من أن تعرف، فله من التصانيف ما يدل على علمه الغزير حتى قيل إنه أبو طالب وقته. صنف في الفقه كتاب (المدخل) وكتاب (الذريعة)(3) و(التقرير)(4) ستة أجزاء، و(شفاء الأوام)(5) أربعة أجزاء، وما قد كمل وكمّله الأمير صلاح الدين صلاح بن الأمير إبراهيم بن تاج الدين، وللأمير الحسين في أصول الدين كتاب(6)، وأما الرسائل والأجوبة فكثير(7) منطوية على علم غزير، وله (ثمرة الأفكار في حرب البغاة والكفار) (8)، كانت وفاته بعد قيام أخيه، وذلك إما في سنة اثنتين أو ثلاث وستين وست مائة، وعمر نيف وستون سنة، انتهى(9).
__________
(1) في (ب): الأمير الحسين بن محمد.
(2) في (ب): مظنونها.
(3) كتابي المدخل والذريعة لم أجد لهما نسخة خطية، وقد ذكرهما في الطبقات.
(4) التقرير شرح التحرير في الفقه أربعة مجلدات مخطوط، انظر عن نسخه الخطية أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (3088).
(5) شفاء الأوام في أحاديث الأحكام، طبع على نفقة وزارة العدل وصدر في ثلاثة مجلدات.
(6) لعله كتاب الإرشاد إلى سوي الاعتقاد، لم أجد له نسخة خطية، وله ينابيع النصيحة مطبوع.
(7) في (ب): فكثيرة، انظرها في أعلام المؤلفين الزيدية.
(8) لم أجد له نسخة خطية.
(9) في حاشية (ب): ودفن رحمه الله في مشهده بتاج الدين من هجرة العاليين من رغافة.
قلت: كتابه الذي ذكره ابن فند في أصول الدين وهو كتاب (ينابيع النصيحة) كتاب حافل(1) بالفوائد، وله كتاب (مشجر في الأنساب) (2)، وله شعر من ذلك ما وجهه إلى الإمام أحمد بن الحسين - عليهم السلام-:
ألا يا دهر قد أكثرت صرمي ... فحسبك أيها الزمن الحرونُ(3)
تحاول قطع همي عن مرادي ... وحبلي في العلا حبلٌ متينُ
ولي رب الخلافة أي عون ... ومعتصم إذا عدم المعينُ
أمير المؤمنين حمامُ قالٍ ... وكنٍّ للولي معاً كنينُ
هو المهدي لدين الله حقاً ... إمام هدىً له رأي رصينُ /104/
ونحن الناصرون على الأعادي ... لمولانا الإمام فلا نخونُ
ونبذل دونه مالاً ونفساً ... وجاهاً في الأنام وذاك دونُ
وهذا القدر منبه على ما أردناه من معرفة شعره، وكان حجة في أهل وقته، يتعاورون كلماته ويستظهرون بإشاراته، ووقف بظفار مدة على إجلال وتكريم من أولاد الإمام المنصور بالله، ولهم مقصد ببقائه، فإنهم يتخوفون منه لعلو مقامه، وصنف (الشفاء) هنالك، وفي كلمات نادرة(4) نبؤ قالوا لأنه كتبه في ظفار أيام هذه الإقامة، والأمهات ليست كتب درسه - عليه السلام-.
قال العلامة سيبويه زمانه الحسن بن علي حنش - رحمه الله - وللأمير أبي(5) عبد الله شرف الدين الحسين بن محمد كتاب (ثمرة الأفكار في أحكام الكفار) جعله أربعة فصول، الأول في أن المجبرة كفار، الثاني في حقيقة دار الحرب، الثالث أن دار الجبرية دار حرب، والرابع في جملة من أحكام دار الحرب، وهو كتاب مفيد جداً في بابه رحم الله مؤلفه، وذكر في آخر هذا الكتاب أن له كتاباً يسمى (النظام)(6)، ذكر فيه ما يعتقده في المطرفية وغيرهم، انتهى.
__________
(1) في (ب): بالفرايد كافل بالفوائد.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) في (ب): الحزون.
(4) في (ب): نادرة من الشفهاء.
(5) سقط من (أ): أبي.
(6) لم أجد له نسخة خطية، وانظر تفاصيل لكتبه وأسانيده وشيوخه في الطبقات الكبرى ق3 ج1 ص383-388، ترجمة 222.
حسين بن محمد صالح الجيلاني [ - ق 5 ه ] ت
الْمُلاَّ حسين بن محمد صالح الجيلاني، عالم كبير، ترجم له الملا يوسف حاجي، وهو أخ لحسن بن محمد صالح صاحب (حاشية الإبانة)، وهم بيت كبير، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - ترجمة محمد صالح، فإنه عين زمانه، وفرد أوانه(1).
الحسين بن محمد النحوي [ - ق 7 ه ]
العلامة الحسين بن محمد النحوي المعروف مجد الدين، هو العالم بن العالم، الحسين بن محمد سابق الدين بن(2) علي بن أحمد بن يعيش، ذكره صاحب الكنز، وترجم له بعض أولاده، كان إماماً عالماً مرجوعاً إليه، تخرج عليه الفضلاء، وارتفع شأنه، وله تلامذة ومشيخة، فمن شيوخه إمام اليمنين في العربية، ومن تلامذته الشيخ علي بن إبراهيم بن عطية، وولده العلامة محمد بن الحسين وخلائق، وله شعر من ذلك ما كتبه إلى العلماء آل أبي النجم في وقته - رحمه الله تعالى -:
إلى الأنجم الزهر البهاليل في الورى ... وسادات أهل الدين أكبر أكبرا
إلى العلم والمجد الأثيل الذي رسا ... وأنجد إنجاد النسيم وأغورا
إلى معشر غر كرام نجارهم(3) ... يشيدون للعليا مقاماً ومفخرا
إلى الغر من أبنا أبي النجم قاصداً ... لأرفعها بيتاً وأوسعها ذرا
كرام وأبناء الكرام وإنما ... يطيب الفتى فرعاً إذا طاب عنصرا
فَلُذْ بالجفان المترعات التي إذا ... مُلِئْنَ (سديفاً(4)) ظنها الوفد أبحرا
/105/ وطارحهم مني التحية شاكياً ... تفرق أحباب أمض(5) له الكرا
__________
(1) في الطبقات رقم (227) قرأ الإبانة وزوائدها على مذهب الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش - عليه السلام - على أبيه محمد بن صالح الجيلاني، وسرد سند أبيه إلى المؤلف، قال: وسمع عليه أحمد بن منصور اللاحجي وولده يحيى بن الحسين، قال السيد أحمد بن الأمير: كان الحسين بن صالح فقيهاً عالماً راسخاً في علوم الدين.
(2) زيادة في (ب).
(3) نجارهم: أصلهم.
(4) سَدِيفاً: السَّديف: شحم السنام. (القاموس المحيط ص755).
(5) في (ب): أقض.
طرائح منا في كليب ومالك ... وقد كان جمع الشمل دهراً وأعصرا
فكانت لنا عند المشاهد برهة ... تركنا بها دين الفواطم أزهرا
فرعياً لها من ماضيات تقاصرت ... وعوذاً لذاك الدهر أن يتكدرا
ولولا(1) الذي أرجوه في اليوم أو غد ... لساعدت نفسي أن تفيض تحسرا
أناس أباحوا حرمة الدين والهدى ... وخانوا النبي اليثربي المطهرا
يرومون نقل الشم من مستقرها ... وأين الثريا من ملامسة الثرا
فلا يبعد الله الحماة لدينه ... وأنصار دين الحق أن يتهصرا
ورطب لسان بالثناء يزوركم ... يلوذ بأنواء الحيا حيث أمطرا
أتاكم طلاباً للهدى يستفيده ... ففاز لديكم بالقراءة والقِرَى
ومنها:
زكي الهدى والزائد الدين بسطة ... وحامي محار(2) الحق أن يتغيرا
ومنها:
ويحيى عماد الدين أحيا مآثراً ... لأباء صدق طيبين ومفخرا
ومن راح صدراً للعلا علم الهدى ... ظهير معالي آل طه وحيدرا
تحف بهم آلٌ تضيء وجوههم ... فخاراً ومجداً أسه الجد كوثرا
فما زال مرواكم لمن زار سلسلاً ... وما زال مغناكم لمن حل أخضرا
__________
(1) في (ب): فلولى.
(2) في (أ) و(ب): محاز.
الحسين بن محمد بن يحيى الضمدي [ - ق 11 ه ]
الفقيه الحسين بن محمد بن يحيى الضمدي، هو الفقيه العارف شرف الدين الحسين بن محمد بن يحيى بن محمد بن علي بن عمر الضمدي النعمان - رحمه الله - كان من أدباء الوقت، حفَظةً، نبيهاً في غاية النباهة، واسع الإملاء للأدبيات على أنواعها وأجناسها، يملي أدبيات المصريين ومقاطيعهم والقصائد الطنانة عن ظهر غيب واعية لذلك، ولما شابهه من كلام(1) المخالف والموالف في الأدب والقصص والكائنات، وتلقينا عنه عجائب من أخبار علماء أهل ضمد الأحياء منهم والأموات، وقد أضعنا من ذلك لطول الزمان كثيراً مما أملاه - رحمه الله - وكان من أهل الوقار والتأني والرجاح، وكانت له في العبارات فصاحة وبلاغة كأنما يملي من صحيفة، ولقي أعيان بلده كالفقيه العلامة المطهر بن علي النعمان، وكان يراسله بالفوائد إلى صعدة وما حدث وما علمه(2) المطهر كتبه إليه، ولقي العلامة الوجيه سيدنا عبد العزيز الضمدي قاضي بندر المخا، وهو من كملة الرجال من المصنفين، وقد مر له ذكر، وهؤلاء كلهم من بيت واحد، قرابتهم وشيجة. وقرأ الحسين العربية والفقه، وكان ألمعياً ذكياً، وله أشعار كثيرة منها إلهيات، ومنها نبويات وإخوانيات، ومنها مدائح، وله مواعظ، فمن إلهياته:
يا من يقيل عثار المذنبين أقل ... عثار عبدٍ به قد زلت القدمُ
قد قلت يا ربنا ادعوني استجب(3) لكم ... فقد دعونا سميعاً ما به صممُ
ومنها:
ماذا أقول لربي حين يسألني ... عند الحساب ونار الله تضطرمُ
وقد أتيت بذنب ما يطيق على ... حمل له يذبل كلا ولا نقمُ
__________
(1) في (أ): من الكلام.
(2) في (ب): وعلمه.
(3) في (ب): أستجيب.
الحسين بن المسلم التهامي [ - ق 6 ه ]
العلامة الكبير الإمام المحقق أبو عبد الله الحسين بن المسلم التهامي، إمام المعقول والمنقول، /106/ رئيس العصابة بعد أستاذه المحقق شيخ المحققين أبي القاسم بن شبيب(1)، وله - رحمه الله - كتاب الكاشفة بالبيان الصريح والبرهان الصحيح لتهافت الموسومة بغاية الكشف والتفتيح في مسألة التحسين والتقبيح، وجهه العلامة نجم الدين عبد الوهاب الأشعري إلى الشيخ [الإمام](2) أبي القاسم، فناب عنه تلميذه المذكور بالكتاب المذكور - رضي الله عنهم -(3).
__________
(1) في (أ): نسيب وهو خطأ.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): عنه. قلت: وقد ترجم في الطبقات للحسن بن مسلم وسبق ترجمته باسم الحسن في المطلع، وقد تكرر في الكتابين بالاسمين.
الحسين بن هارون الحسني [ - ق 3 ه ]
السيد الشريف الإمام الكبير الحسين بن هارون الحسني والد السيدين الكبيرين حافظي علوم العترة المؤيد بالله وأبي طالب - عليهم(1) السلام - وكان عالماً من أعيان أصحاب الناصر للحق، وروى بعض أحوال الناصر هكذا نقلته في رجال الزيدية والظاهر(2) أنه إمامي المذهب، وبينه وبين ولده المؤيد مراجعات في ذلك، لكن العذر في ذكره (بين)(3) الزيدية اختصاصهم لهم(4) ونقله لأخبارهم كما اعتذر الطوسي(5) في ترجمة الحافظ بن عقدة الزيدي - رحمه الله - وفي حافظي أنه الذي روى عن الناصر للحق - عليه السلام- كان محروراً تستولي عليه الحمى إذا تكلم، فكان يوضع بين يديه كوز فيه ماء مبرد يتجرع منه في الوقت بعد الوقت إذا تكلم كثيراً أو ناظر، وكان شيخ هِمٌ من العراقيين يعرف بأبي عبد الله محمد بن عمرو، وكان يكلمه - عليه السلام- في مسألة، فكان يترشرش من فيه لعاب يصيب الكوز منه كما يتفق مثله من في(6) المشائخ، فأخذ الناصر دفتراً بين يديه ووضعه على رأس الكوز، فاتفق أن هذا الشيخ وهو في هزارة، وحدة مناظرته، ولع بأخذ ذلك الدفتر عن رأس الكوز من غير قصد، ولكن كما يتفق(7) من الإنسان أن يولع بشيء في ضجره واحتداده، ففعل ذلك مرتين والناصر يرد الكوز، فلما رفعه الثالثة(8) أعاده الناصر، ثم التفت إليه، وقال: يا هذا، ومن شر النفاثات في العقد.
__________
(1) في (ب): عليهما.
(2) في (ب): والأظهر.
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): لهم.
(5) في (ب): الجلَّى.ظ
(6) في (ب): من المشائخ.
(7) في (ب): كما يسبق.
(8) في (ب): فلما رفعه ثالثة.
قلت: وكان الناصر - عليه السلام- عذب الناشئة بمحاسن الأخلاق، وله تحف نبوية مما نقل عنه أنه ربما كان يتطارش تطارشاً أكثر مما به من الطرش لأغراض صحيحة، ولضرب من التظرف فروى الشريف الحسين بن هارون هذا - رحمه الله - أنه قام يوماً في مجلس الناصر شاعر يُنشده قصيدة كان مدحه بها، فلما ابتدأ بالإنشاد، أشار - رضي الله عنه - إلى أذنه أني لا أسمع ما ينشده فلا فائدة لك في إنشاده، فتضرع الرجل في أن يأذن في الإنشاد وأعانه من حضر فأومأ إليه أن ينشد، فلما مر الرجل في قصيدته انتهى في بيت أنشده إلى كلمة لحن فيها(1) فأومأ إليه الإمام سريعاً، ونبهه بالإشارة على الخطأ، فضحك الناس، وقالوا: أيها الإمام ألم تظهر أنك لا تسمع؟ فتبسم.
__________
(1) سقط من (أ).
قلت: وذكرت بهذه القصة حكايات منها ما ذكرني به التطارش، ومنها ما ذكرني به الحرَّة(1)، فأما التطارش فكان شيخ آل الرسول في زمانه السيد أمير الدين بن عبد الله بن نهشل - عادت بركته - فيه طرش ليس بالكثير، وكان يظهر من نفسه أكثر، وحكمة دعوى هؤلاء الفضلاء لكثرة التطارش هي(2) السلامة من الخوض في المباحات وغيرها، ويعرض عنهم كما كان السيد الجليل أحمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله - يقول: تأملت لنفسي أي الحواس أرضى بذهابها(3) لو أن الله - سبحانه، وله المنة - خيرني(4)، فما وجدت أحسن من الطرش، وفي هذا الطرش معونة على الحلم والإعراض عن الجاهلين، كما كان بعض آل محمد عليه(5) السلام يقول إنه يسمع السب من الرجل فيستتر بالسارية /107/، نعم فكان السيد أمير الدين يدعي ذلك، فاتفق أنه بقرية حبور كان يقرأ عليه الإمام المؤيد بالله وأعيان الزمان في (العضد شرح المنتهى)، فدار بين أولئك الأعيان وبين الإمام المؤيد بالله - وهو إذ ذاك لما يدع إلى نفسه - خوض في نفقة السيد أمير الدين من أي محل تعين، فقال القاضي الحسن العيزري أو غيره من محل فلان بصوت خفي، وظنونهم قاضية بأن السيد ما يسمع ذلك، فقال السيد - رحمه الله -: أما محل فلان فلا يعينوا منه شيئاً(6)، لم يبق عند العامل بتلك الجهة شيء، فعجبوا لذلك - رحمهم الله - وكان بعض الفضلاء يتمثل فيه - رحمه الله -:
أصم عن الشيء الذي لا يريده ... وأسمع خلق الله حين يريدُ
وقد ذكر الجاحظ في (البيان والتبيين) أن الطرش مما يكمل به سؤدد الرجل العظيم.
قلت: ما ذاك إلا للإغضاء والسلامة من مخازي الحمقاء، فكم للسان من عثرة لا تقال
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرِجْلِ
__________
(1) في (أ): الحدة.
(2) في (أ): هو.
(3) في (ب): بذهابها.
(4) في (ب): خبرني.
(5) في (ب): عليهم.
(6) في (أ): شيئاً.
وأما ما ذكرت به من حديث الحدة(1) في المزاح مما بلغنا أن الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن - رضي الله عنهما - كان يقول: ما شربت شربة باردة قط في شتاء ولا غيره، ولو بولغ في التبريد إلا مرة واحدة برد الماء في وقت العسرة الشديدة من أول الليل إلى آخره في الصحراء، فوجدت له شيئاً من البرد، ومثل هذا يحكى عن الشيخ ابن حجر العسقلاني، ومن عجيب الحدة(2) عند المناظرة ما حكى عن السيد الإمام محمد بن يوسف الداعي إلى الله المسمى بالناصر المتوفى يوم الخميس تاسع وعشرين من شعبان سنة ثماني وتسعين وتسعمائة، وقبر بمدينة (ثلا)، وكان في العلم بمكانة عظيمة.
قال السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير: بلغ في العلم مبلغاً أربى فيه على أقرانه، وجميع أهل زمانه، قالوا: كان إذا ناظر في العلم ذهبت أذنه ولم يبق إلا الصدغ، كأنه لم يخلق له أذنان، فاتفق أنه أراد المناظرة هو والإمام عز الدين، فلما رآه الإمام عز الدين بهذه المثابة خرج فقال الإمام محمد بن يوسف:
وابن اللبون إذا (مالز) في قرن ... لم يستطع صولة البزل (القناعيس(3))
الحسين بن أبي يوسف العراقي [ - ق 6 ه ]
العالم الفاضل الجهبذي الحسين بن أبي يوسف العراقي من كبار الناصرية، وفد إلى اليمن المحروس مع دعاة الإمام أبي طالب الأصغر(4)، وهم الشيخ الكبير القاضي أبو طالب بن أبي نصر الرازي، وهكذا(5) قال بعض العلماء بن أبي نصر، وقال بعضهم: نضر، ومن الدعاة عبد الجليل القزويني الزيدي، والسيد الإمام العلامة الحسين الهدوي، ومن ولد الهادي الصغير يحيى بن محمد بن يحيى الهادي الكبير، وعبد الله بن المبارك الترخي - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): الحرة.
(2) في (ب): الحرة.
(3) القناعيس: القِنْعاسُ: من الإبل العظيم، والرجل الشديد المنيع. جمع قناعيس. (القاموس المحيط ص525).
(4) في (ب): الصغير.
(5) في (ب): هكذا.
حسين الصيرفي [ - ق 4 ه ] ت
العلامة حسين الصيرفي المدفون في ليلة كوملة، وقيل في هوسم، والأول أصح، له (حاشية الإبانة) المسماة بالتحفة(1).
أبو الحسين الناصري [ - ق 4 ه ]
العلامة الكبير أبو الحسين الزاهد الناصري، ترجم له العارف يوسف حاجي الناصري - رحمه الله - وقال: إنه مصنف (الذخائر في سير الإمام الناصر).
حسان بن قائد البارقي [ - ق 2 ه ]
حسان بن قائد البارقي، عده أبو القاسم البغدادي في تلامذة الإمام وأهل الإسناد للمذهب، قال: وكان فاضلاً ساطعاً(2) للجهاد.
أبو حرب بن تزدقول [ - ق 3 ه ]
العلامة الكبير أبو حرب بن تزدقول عالم الناصرية، كان محققاً مناظراً، أستاذاً مرجوعاً إليه، وكان يناظر الإمام المؤيد بالله /108/ ويقاوله مع جلالة قدر المؤيد بالله في المناظرة، وحكى أبو القاسم بن(……)(3) قال: إن المؤيد بالله - عليه السلام- كان يقول: أشد الناس تعصباً علي أبو حرب بن بردقول وكان ناصري المذهب بسبب(4) تصويبي القولين المختلفين حتى رجعت إلى (الري)، ووردها أبو حرب هذا، ورأى حشمتي بين أهل العلم ومقامي في الفضل، فقصدني، وجاراني في هذه المسألة، وناظرني حتى ظهر عنده الحق فتاب من صنعه(5)، وصار من خواص أصحابي.
حرمي روست(6) [ - ]
__________
(1) في نوابغ الرواة الحسن بن حمد بن علي الصيرفي، روى عن القاضي أبي بكر الجعابي المتوفى سنة 355هـ، وعنه أبو الفتح الكرجكي محمد بن علي المتوفى سنة 449هـ، وفيه أيضاً الحسين بن أحمد بن بكير الصيرفي البغدادي التمار، له كتاب عيون مناقب أهل البيت، انظر نوابغ رواة 105 ، 120، وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 371.
(2) سقط من (أ): ساطعاً.
(3) فراغ في (أ) و (ب)، ولعلها بن نال.
(4) بسبب تصوبي القولين المختلفين.
(5) في (ب): صنيعه.
(6) هذه الترجمة ساقطة من (أ) في (ب) حزمي دودست.
العلامة الكبير صاحب إيجاز الشرح - يعني شرح الإبانة - كان - رحمه الله - من أعمدة العراقيين من أصحابنا وأساطين الناصرية - رضي الله عنهم -. انتهى
حماد الحجبري [ - ق 5 ه ]
حماد الحجبري، هو أحمد(1) بن أحمد بن يوسف، من أهل ميتك، ويعرف بالحجبري - بالحاء المهملة قبل الجيم بعدها باء موحدة من أسفل - كان من رجال الزيدية ذوي العلم والديانة والورع والصيانة، وكان ممن نابذ الصليحي، وحاربه بلسانه، وهو بمسار ثُمَّ نابذه هو وقومه حتى غدر به بعضهم وبقومه، فلما ملك الغرب هرب إلى بلاد خولان، فلم يظفر به، وله فضل، وهو ممن تعارفه الزيدية وتشهره، وكان له شعر صالح، منها قصيدة لامية فيها طول يوصي فيها أولاده، وقد اشتملت على محاسن من الآداب والحكمة، وهي التي أولها:
بني اصبروا للدهر عند الزلازلِ ... ولا تجزعوا عند الخطوب النوازلِ
قال السيد الحافظ محمد بن عبد الله الوزيري والد السيد صارم الدين(2): رأيتها كاملة منسوبة إلى الهادي إلى الحق، وهي نسبة غير صحيحة.
حصينة بنت محمد بن علي [ - ق 8 ه ]
السيدة حصينة بنت محمد بن علي أخت الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد وأم الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، وأخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى - رضوان الله عليهم -.
__________
(1) في (ب): هو حامد.
(2) في (ب): السيد الصارم.
قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله: إنها الشريفة الطاهرة العابدة الزاهدة، ربة الكرامات الخارقة والفضائل الفائقة، فإن من كراماتها ما حكى ابن أخيها السيد العلامة المجاهد إبراهيم بن يحيى بن محمد، قال: اشتدت بأهل الزمان أزمة حتى عجز الوالد عن مؤونة ولده، فبعث بي والدي إليها لأنها كانت موسعاً عليها من أقطار كثيرة، وكذلك سائر أعمامي بعثوا بأولادهم إليها، من جملتهم حي الإمام الناصر - عليه السلام- فكانت تكرمه فوق إكرامنا ، فعتبنا عليها وقلنا لها نحن وهو منك في درجة واحدة، فكيف تفضليه علينا؟ فوضعت كفها على رأسه، وقالت: لو تعلمون ما تحت هذه القلنسوة من سر لعذرتموني في تفضيله، وكان ذلك قبل دعوة أبيه، فانكشف صدق ما أشارت إليه من فضله، ولها كرامات كثيرة، وقد ذكر بعضها في سيرة الإمام شرف الدين - عليه السلام-(1).
من اسمه حمزة
حمزة بن أحمد بن داود(2) [ - ]
الشريف الكامل حمزة بن أحمد بن داود بن يحيى بن أحمد بن محمد بن حاتم بن الحسين بن المبارك المحسن بن الحسن بن علي بن عيسى بن موسى بن جعفر(3) بن محمد الشهيد صاحب الهادي - عليه السلام- العلوي العباسي، كان فاضلاً نبيهاً، وهو الذي أمر بعض السادة العارفين بالأنساب أن يجعل مشجراً يحفظ فيه أولاد أبي الفضل العباس بن علي(4) بن أبي طالب، ففعل، وأجاد.
__________
(1) في (ب): صلوات الله عليه.
(2) هذه الترجمة في (ب): قبل حمزة بن سليمان.
(3) في (ب): أبي.
(4) كذا في الأصل، ولعل الصواب بن علي فيحقق كما في (ب): بن علي.
حمزة بن أبي هاشم الحسني [ - 459 ه ]
الأمير الكبير حمزة بن أبي هاشم الحسني(1)، وكنيته النفس الزكية بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، قال ابن فند وابن مظفر(2): قام محتسباً، وليس بإمام، شهد بفضله الموالف والمخالف، وقد ذكره الإمام المتوكل أحمد بن سليمان في بعض رسائله على المطرفية في جملة من ذكر من أهل البيت الذين أنكروا على المطرفية، وكانت لحمزة هذا مع بني الصليحي وقعات مشهورة، وكان جيشه ألف فارس وخمسمائة فارس، وخمسة عشر ألف راجل، وصادم بهم خلائق من جنود الصليحية.
قال القاضي أحمد بن عبد السلام والد القاضي جعفر - رحمه الله -: كان عامر بن سليمان بن عبد الله /109/ الزواحي بيريم من جبل تيس من جبال (المغرب)، فأتاه الخبر بقيام حمزة ونهوضه إلى صنعاء في جمع كثيف، فنهض عامر فيمن معه من أهل عسكره وأسرع في السير إلى شبام، فلما أتى أصل جبل كوكبان وكان قد خبز لذلك العسكر شيئاً لا يعرف مقداره من الخبز فثبت على ظهر دابته، ولم ينزل حتَّى قسم ذلك الطعام على الناس، فكان لكل رجل رغيفان، وأمر بفتح مخازين الزبيب، فكان لكلٍ نصف مكيال، فأكلوا وهم يسيرون، فجعل طريقه على (ضلع) حتَّى دخل صنعاء، فاجتمع بأحمد بن المظفر، وكان المكرم في بعض(3) غزواته، ثُمَّ تقدم حتَّى لقي حمزة بالمنْوى، قلت: والمنْوى - بفتح الميم بعدها نون ساكنة ثُمَّ واو وألف - موضع غربي بوسان، والقصة مشهورة في التواريخ(4)، حاصلها أنه ثبت الأمير - رضي الله عنه - ووقف عنده تسعون شيخاً من همدان يجالدون عنده حتَّى هلكوا وقتل معه عشرة من رؤساء همدان لكل واحد من البنين عشرة ذكور وعشر بنات، وذلك في سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وكان يقاتل يوم قتل، وهو يقول:
أطعن طعناً ثائراً غباره ... طعن غلام بعدت دياره ... وانتزحت عن قومه أنصاره
__________
(1) في (ب): حمزة بن أبي هاشم الحسن.
(2) في (ب): وابن المظفر.
(3) سقط من (أ).
(4) في (ب): في كتب التواريخ.
وفيه يقول شاعر المكرم:
وصرعن بالمنوى منكم سيداً ... (قرماً) ولم نسمح به أن يصرعا
ملك لو ان بني سليمان معاً ... وزنوه يوماً لم يوازن(1) أصبعا
وبعد قتله كتب ابن القاسم الشاعر البليغ المشهور على لسان المكرم إلى خليفتهم بمصر يخبره بقتل حمزة - عليه السلام- ويتجرم من الأشراف، وأنهم لا يزالون يتوثبون على أهل الدعوى باليمن، فأجاب عليه خليفته بجواب حسن يأمره بالعفو والصفح وحسن المعاملة للأشراف.
قلت: وهذا الأمير الصدر - رضي الله عنه - هو جامع النسب الحمزي، فأبناؤه الحمزيون أينما كانوا وهو الذي عناه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة - عليه السلام- بقوله:
كم بين قولي عن أبي عن جده ... وأبو أبي فهو الإمام الهادي
وفتى يقول روى(2) لنا أشياخنا ... ما ذلك الإسناد من إسنادي
ما أحسن النظر البليغ لمنصفٍ ... في مقتضى الإصدار والإيراد
أوليس جدي حمزة نعشَ الهدى ... بحسامه وبعزمه الوقادِ
فمشى إلى أن ذاق كأس حمامه ... وسط العجاجة والخيول عوادي
لم يرتدع في حربهِ عن عامر ... عن فرط إبراق ولا إرعاد
وسليله جدي علي ذو العلا ... علم العلوم وزاهد الزهاد
والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرؤٌ هاد نماه هادي
وكانت له كرامات، روي أنه دفن قريب(3) المعركة، فتربص أولاده الفرصة لنقله، فأمكنتهم فحملوه في شمله، وله نور ساطع(4) يرى منه أهداب الشملة، وروى أنه كان في بعض أيامه بمسجد (حلملم) وقد اجتمع إليه أهل الطرق، وأراد الصلح بينهم في أمور كانت فأحدث واحد بالقرب من المسجد صوتاً يريد به تفريق الناس حتى ينصرفوا بغير صلح، فقال حمزة: من هذا الذي غير محضرنا غير الله لونه، فأنزل الله بذلك الرجل البرص في مجلسه عقيب دعائه - عليه السلام-.
__________
(1) في (ب): لم يزينوا. ظ
(2) في (ب): حكى.
(3) في (ب): بقرب.
(4) في (ب): صادع.
قلت: وقد أذكرتني هذه القضية بقضية لبعض العلماء، وهو عمرو القاضي، وهو القاضي ببيت أكلب من بلد بني فهم بن جابر بن عبيد الله بن قادم، وشواهد الحال أنه من المخترعة، ويحتمل أنه مطرفي، وكان شديد المحبة في الله والبغض فيه سبحانه، وكان طرفاً من بلاد الزيدية /110/ ممتحناً بجهاد عدوهم ومخالفتهم بقلبه ولسانه، معملاً في نصرة الحق وخذلان الباطل فكرَه، وكانت تصادفت(1) دياره ديار الإباضية، وهم أهل البغضاء لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ورأيهم صحة الإمامة في سائر الناس، فأراد موسى بن عيسى بن عبد الرحيم بن موسى بن هارون القاضي يعوق(2) من أعمال (شظب) أن يبايعه الناس إماماً، ودعاهم إلى بيعة نفسه، وهو يومئذ أوسط الإباضية علماً ورأياً وتدبيراً، ورئيس الجابرين؛ لأنه وسط(3) النسب في بني هلال بن عوف بن جابر، فأجابه الناس وساعدوه، وكان الكلائح كالقاعدة لتلك البلاد، وبها سوقهم الأعظم، ووقت لاجتماعهم لعقد البيعة الكلائح، فبلغ ذلك عمرواً القاضي، وقد كان شديد الحرص على محو رسم الاباضية، وعلم أن هذا الاجتماع ينهض بصيتهم، فضاق لذلك ذرعاً، وكان قد بايعه على مذهب الزيدية رجل من الإباضية من أهل شظب ينزل بالمركع من القارتين من رأس الجبل وهو من نفر يسمون بني المعصفر من بطن يقال لهم بنو أسد بن عوف بن جابر، فوقع عند هذا الرجل ما حدث في نفس عمرو من الاغتمام، فحضر الأسدي مجتمع القبائل بالكلائح وقد أجمع على العمل في تفريقهم بما أمكن، وهو لا يبالي لموسى بن عيسى صاحب هذه الدعوة لمنعه في قوم الأسدي، فلما دارت حلقة القوم في صحراء الوادي وابتدوا في الكلام أخذ حجراً فرمى به بينهم، وكان بين القبائل عداوات شديدة وذحول(4)
__________
(1) كذا في (أ) وفي (ب): وكانت تصاقب دياره.
(2) كذا في (ب). وانظر عن ترجمة المذكور ومصادرها طبقات الزيدية ق3 ج1 ص408، ترجمة 238.
(3) في (ب): وسيط النسب.
(4) الذحول جمع ذحل وهو الثأر، تاج العروس، باب اللام.
، فاقتتل القوم إلى الليل، ومالت الأفهوم ناحية، وقدم ناحية والشطبيون(1) (ناحية)(2)، وافترقت القبائل على حرب شديدة(3).
حمزة بن سليمان بن حمزة(4) [ - ق 6 ه ]
حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة النفس الزكية بن أبي هاشم - عليه السلام-.
قال القاضي العلامة علي بن نشوان: كان حمزة جامعاً لخصال الخير من العفة والطهارة والسخاء والعلم وشرف النفس وحسن الخلق، له حفظ في أصول الفقه وبراعة في الشعر والفرائض وعلم الكلام والنجوم يعرف علومها ولا يقضى بأحكامها، وكان ممن يشار إليه لنصرة الدين وجهاد الظالمين، وكان كثير البركة أينما توجه، أصلح فانتقل من (ذيبين)، وهو وطن آبائه وقرارة أهله، فحل بمبين من نواحي حجة من مغارب همدان، فأحسن سياسة أهلها وتقريبهم(5) ورد الأكثر من مذهب الجبر إلى مذهب العدل والتوحيد.
روى الشريف الأجل إبراهيم بن يحيى بن الحسن الحمزي عن أبيه وأعمامه أنهم مجمعون على فضله وبركته ويقولون ما في شبابنا: يا بني حمزة أفضل منه، وروي بسند عن القاضي جعفر بن أحمد - رحمه الله - قال: تذاكرنا فضل الحمزة بن سليمان، فقال: هو رجل فاضل عالم كامل لو دعا إلى القيام بالحق أو إلى الجهاد في سبيل الله لأجبنا دعوته، واعتقدنا إمامته(6).
وروى السيد إبراهيم بن يحيى عن أبيه وعن الشريف حمزة بن جعفر، وعن كافة آبائه وأعمامه أنهم كانوا يقولون: كان حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة من أصلح أهل بيته وأفضلهم وأشدهم ورعاً، وكان ممن يومأ إليه بالقيام، ولو قام لاستحق ذلك.
__________
(1) في (ب): والشظيبون.
(2) ساقط من (ب).
(3) في (أ): شديد.
(4) قال في حاشية في (ب): هو والد المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام-.
(5) في (ب): وتقربهم.
(6) في حاشية في (ب): وقبره - عليه السلام- خارج حصن عبين من جهته للشرق، وعليه قبة وبجنبها مسجد لا يمله الواقف عليه، ويمسى الموضع عند من هنالك فيه الرياد. انتهى
وروى القاضي أسعد بن علي المرادي عن القاضي رشيد بن سلامة، عن الفقيه سليمان بن ناصر بن سعيد السحامي - رحمه الله - أن الشريف السيد حمزة بن سليمان كتب إلى الأمير الكبير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الهادي إلى الحق - عليه السلام- يعرض عليه الدعوة، فرجع إليه جوابه أنا في هذا الأمر على سواء، فإن قمت أجبناك، انتهى.
قلت: وكان من أجواد العترة، ولقيه ضيف ولم يكن معه شيء، فعمد إلى ردائه فشقه واشترى له به طعاماً، وفي ذلك يقول ولده الإمام المنصور بالله - عليهما السلام-:
وإن أبي أوصى بنيه بخطه ... ولست بناسٍ للوصية من أبي
/101/ وباع تراثاً من أبيه لضيفه ... وشق فضول البرد غير مكذبِ
قال العلامة ابن عنبة، هو(1) أبو العباس أحمد بن علي بن الحسين: إن حمزة بن سليمان والد المنصور (بالله)(2)، يقال له الجواد، ووالده سليمان يقال له التقي، وحمزة بن علي بن حمزة يلقب المنتخب، وعلي بن حمزة يلقب العالم، وحمزة بن أبي هاشم يلقب بالنفس الزكية، والحسن بن عبد الرحمن يقال له الإمام الراضي، وعبد الرحمن يلقب بالفاضل(3) - عليهم السلام-(4).
حمزة بن سليمان [ - ]
الأمير حمزة بن سليمان(5)، كان من كبار الأمراء، وكان يكاتبه الأمير عبد الله بن موسى بالشعر، وسيأتي ذكر الأمير عبد الله - إن شاء الله - ومما كتبه عبد الله إلى الأمير حمزة بن سليمان وإلى القاضي ركن الدين مسعود بن عمرو، وقد أبطأ الأمير عبد الله عنهما، فلم يجتمعا به في عادتهما لسبب إلحاح أهله عليه في خضاب شعره، وهو المراد بالحصان من باب التصحيف، والمراد بالخبا الحنا من ذلك القبيل:
أنا فوق الحصان قد شد سرحي ... بعدما بات في الخبا يابن عمرو
فاعذروني عن الزيارة إني ... قد رجوت الجميع يقبل عذري
__________
(1) في (ب): وهو.
(2) ساقط من (ب).
(3) في (ب): الفاضل.
(4) وانظر عن المترجم طبقات الزيدية ق3 ج1 ترجمة 239.
(5) في (ب): بن إبراهيم.
إنني والذي يحج له النا ... س مشوق إليكما طول عمري
غير أني رجوت أن أكتم البيـ ... ـض بياض القذال فاعلم بسري
فتولى الجواب القاضي ركن الدين فقال:
يا نسيم الجنوب أودى بصبري ... إن تنشقت منك أنفاس حجري
كل حين(1) يطير صدع فؤادي ... لمع برق وخفقه منك تسري
طال هذا النوى وكلت ركابي ... فإلى أي غاية أنا أجري
ليت شعري عن الطلا في كناس ... حجبته سمر القنا ليت شعري
أنا أخفي داء الغرام ولكن ... لآلي الدموع نَمَّت بسري
فعسى العيس إن رميت بها النجـ ... ـم تسل السقام من سلك صدري
يا هواها زدني ويا خير عدنـ ... ـان بشعر بعثت لي أم بسحر
ملح كالفكاك من بعد أسر ... أطربتني وكالغنى بعد فقري
أنا أفدي رب الخضاب بنفسي ... وبرايشي(2) من كل أهل ووفر
يوم غطى على الصباح بخيل ... كالسراجين بين دهم وشقر
بصرته على سيوف إذا ما ... مرضت في جفونها فهي تفري
مقربات ومبعدات وريا ... ت حقود على الكهول ووتر
حمزة بن عامر بن عثور [ - ]
الشريف النبيل العارف حمزة بن عامر بن عثور بن هبة الله بن علي بن محمد بن عبيد الله بن(3) الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم- كان صالحاً معروفاً بالخير والفضل مكيناً في المناقب، محطاً للرحال.
حمزة بن عبد الله [ - ]
الشريف الفاضل الكامل حمزة بن عبد الله بن الشريف الرضي من ولد العباس من آل الرسول وابن(4) علي بن أبي طالب، كان حمزة سيداً فاضلاً عالماً، وهو وقرابته أهل جبل البراق بجبل صباح.
حمزة بن عطان التركي [ - ق2 ه ]
حمزة بن عطان المعروف بالتركي. قال الاصفهاني: هو أحد الرواة عن أهل البيت - عليهم السلام-.
__________
(1) في (ب): خير.
(2) لعلها: بريشي ليستقيم الوزن.
(3) في (ب): بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن.
(4) سقط من (ب).
قلت: وهو ممن صحب الإمام زيد بن علي وصحب بعده إبراهيم بن عبد الله، وقد قيل فيما رواه إبراهيم بن سلم الحذا أنه لم يحضر من /112/ أصحاب زيد بن علي الذين حضروا قتله في معركة إبراهيم إلا ثلاثة سلم الحذا والد إبراهيم المذكور وحمزة التركي وخليفه بن حسان، والله أعلم.
حمزة بن أبي القاسم بن محمد [ - ق 8 ه ]
السيد الإمام العالم البليغ حمزة بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى المنصور بن أحمد بن يحيى الهادي - عليهم السلام- إمام متكلم جليل فصيح العبارة، فائق النظم، له كتاب (كشف التلبيس في الرد على موسى إبليس)، وله كتاب (ترصيف اللآل(1) لنفائس الآل في الرد على رفضة الآل من قدرية الخبال) (2)، وله نظم حسن واستحضار للحجة على وجه يسيل إلى الأذهان سيلاً.
وقال الشريف حسين الأهدل في التحفة: إن الشريف حمزة بن أبي القاسم رحل إلى الفقيه إبراهيم شيخ الأوزري والساح(3)، فأسكنه الفقيه في المنارة التي بالجامع، وأكرمه بحسب ما يليق به وبقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واجتهد الشريف في السماع، وساعده الفقيه، فسمع البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والمصابيح والشفاء وسيرة ابن هشام والأذكار وغير ذلك من الأجزاء، وارتحل إلى بلاده.
__________
(1) في (ب): اللال الأولى بوزن نظام نسبه إلى صنعة نظم اللؤلؤ.
(2) توجد منه نسخة مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي، وفي نفس المخطوط القصيدة الطوافة إلى قدرية المخلافة للمترجم، وانظر أعلام المؤلفين ترجمة 398.
(3) كذا في (أ) و (ب): ولعل الصواب والنساخ.
حمزة بن محمد الزيدي العلوي [ - 340 ه ]ت
الإمام المسند أبو يعلى حمزة بن محمد الزيدي العلوي، هو شيخ الحفاظ وحافظ الشيوخ وبهجة الأسناد ومفخر العصابة. قال الشيخ أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي في كتابه الإرشاد [إلى علماء الحديث](1): كان عالماً فاضلاً حافظاً للحديث، سمع بقزوين أحمد بن محمد الذهبي وإبراهيم الشهرزوري ومحمد بن مسعود الأسدي من بعدهم، وبالري أبا العباس الحمال(2) وابن أبي حاتم، ودخل نيسابور، فسمع الأصم، وكتب عنه أهل نيسابور، ورأيت الحاكم أبا عبد الله أدخله في تاريخ نيسابور. وروى عنه أحاديث وحكايات، ومن شعره، مات قبل الأربعين.
قلت: أظنه يعني وثلاثمائة.
حمزة بن محمد بن سليمان [ - 401 ه ]
الإمام المحدث الكبير أبو يعلى حمزة بن محمد بن سليمان بن حمزة المذكور آنفاً، قال الخليلي أيضاً: أدركته وكان من كبار أهل العلم، سمع (بقزوين) ميسرة بن علي وأبو رزمة، وبالعراق حمله أبوه وهو صغير، فسمع ابن خلاد وعيسى الطوماري ومحمد بن عمر بن غالب وإبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري، وبمكة إبراهيم بن محمد الدميلي، وبجرجان العطريفي(3)، وكانت له فوائد انتخبها ابن ثابت البغدادي سمع منه (الغرباء) في شبابه، وسمعنا منه، مات سنة إحدى وأربعمائة.
__________
(1) سقط من (أ): إلى علماء الحديث.
(2) في (ب): الجمال.
(3) في (ب): العطريفي.
حمزة بن محمد بن حمزة [ - ق 7 ه ]
القاضي العلامة الصدر نجم الدين حمزة بن محمد بن حمزة بن أبي النجم - رحمه الله - من عيون العلماء القادة، وممن تيسرت له أسباب السعادة، وانقادت له السيادة ، وكان من أعضاد الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام- وكان على طراز سلفه ممدحاً بالشعر مرتفع(1) الصيت صادق(2) التشيع والولاء، وممن مدحه الشيخ الكامل مراثد بن أحمد بن محمد بن نشوان بن سعيد الحميري - رحمه الله - في قصيدة جمع بينه وبين إسماعيل بن أبي النجم وعلي وجعفر طالعها:
أقاسم بلغ الأحباب عني ... وإن بعدوا التحية والسلاما
سلاماً طيباً أرجاً ذكياً ... (كريِّ)(3) المسك خالطه الخزاما
وأقرهمُ التحية لي جميعاً ... وخص بني أبي النجم الكراما
فهم أعلام قحطان بن هود ... قضاة سادة فاقوا الأناما
وأبلغ حمزة القاضي سلامي ... أجلهم وأعلاهم مقاما
وهي قصيدة حسنة، لعلنا نذكرها - إن شاء الله - في ترجمة الشيخ مراثد وعلي بن أبي النجم إن شاء الله.
حمزة بن منصور [429 - 523 ه ]
العلامة حمزة بن منصور، من وجوه العلماء وساداتهم، وجلتهم، وقاداتهم، وأحسبه من بني الثمالي /113/ البيت المعمور بالفضل السابقين إلى ولاية آل محمد - عليهم السلام- ومنهم جماعة واسعة على مذهب زيد بن علي - رضي الله عنه - ترجم له البغدادي وغيره.
حمزة بن هبة الله بن محمد
الإمام الكبير المحدث ابن المحدث حمزة بن هبة الله بن محدث نيسابور محمد بن الحسين بن داود العلوي الحسيني النيسابوري.
قال الذهبي في النبلاء: شيخ حسن السيرة، سمع ابن مسرور وعبد الغافر الفارسي وعبد الرحمن بن محمد الأنماطي صاحب الإسماعيلي ومحمد بن الفضل، وسمع ببغداد، وكان زيدياً.
__________
(1) في (ب): رفيع الهمة.
(2) في (ب) زيادة: رفيع الهمة.
(3) الري: المنظر الحسن، تاج العروس، باب الواو والياء.
قال السمعاني: حدثنا عنه جماعة عاش ستاً وتسعين سنة، توفي في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وفي مرآة الزمان لسبط بن الجوزي: حمزة بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو الغنائم بن أبي البركات بن أبي الحسن، من أهل نيسابور، ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وسمع الكثير، وحدث بالكثير، وضم إلى شرف النسب شرف التقوى، وكان زيدي المذهب، ومات في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، انتهى.
والسبط المذكور هو الشيخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قرغلي بن عبد الله سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج، ذكره ابن خلكان في ترجمة ابن هبيرة، وذكر أنه رأى مرآة الزمان بدمشق في أربعين مجلداً جميعه بخطه.
حمزة الخشبي [ - ق 4 ه ]
حمزة الخشبي، نسبه إلى (الخشب) - بالخاء المعجمة بعدها شين - قبلي صنعاء، كان في طبقة عالية من الفضل من أصحاب أبي الحسين الطبري، وكان له ذرية صالحة أمدهم الله بمواهب سنية، ففاضت أيديهم، ولما احتاج عبد الله بن أبي عبد الله الخراساني الزيدي - رحمه الله - بعض السنين(1) اختار من أصحابه لحاجته حمزة الخشبي، فأرسل إليه بكتاب يستعينه، فاطلع على الكتاب ابن حمزة الخشبي فبادر إلى حمل بعير طعاماً من ماله، وتوجه به إلى عبد الله، فكتم(2) الكتاب من أبيه، ولما رجع أعطى والده كتاب عبد الله، فسأله ما صنعت، فأخبره فقال: ما حملك على هذا، فقال: مسارعة إلى الخير وخوفاً من أن يستغني، وروى أنه لما وصل ابن حمزة وجد عبد الله في شجرة تين يجتني منها، ولم يبق منها إلا بقايا ضعيفة، وهو يجمعها ويتمثل:
لا تأسَ في الدنيا على فائتٍ ... وعندك الإسلام والعافيةْ
__________
(1) في (ب): السنن.
(2) في (ب): وكتم.
من اسمه حميدان
حميدان بن يحيى بن حميدان [ - ق 7 ه ]
السيد العلامة الإمام الكبير البليغ المتكلم الأصولي لسان العترة نور الدين أبو عبد الله حميدان بن يحيى بن حميدان بن القاسم بن الحسن بن إبراهيم بن سليمان هذا هو الصحيح، وقد جعله بعضهم من ولد جعفر بن القاسم، وهو غلط، ابن القاسم بن علي بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - سلام الله عليهم - صاحب التصانيف في علم الكلام، والمترجم عن أهل البيت المصرح بمذهبهم.
قال السيد الهادي بن إبراهيم الصغير: هو ممن عاصر حي الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليهم السلام- وكان علامة في الكلام مطلعاً على أقوال أهله ومتبحراً في ذلك، متقناً غاية الاتقان.
قال: وكان السيد الإمام علي بن المرتضى - رحمه الله - يحفظه غيباً، وإليه لمح الواثق - عليه السلام- بقوله في الأبيات الفخرية:
أما حميدان من شاد الهدى فلقد ... أحيا بهمته قولاً لهم بالي
وهذه الأبيات الفخرية شهيرة شرحها السيد العلامة محمد بن يحيى بن الحسين القاسمي، ومجموعات السيد حميدان فيها نقول مذهب(1) الأئمة، روى السيد العلامة /114/ محمد بن إبراهيم عن الإمام أحمد بن الحسين والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين والإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى وابنه محمد بن المطهر أنهم كتبوا على مجموعه - رضي الله عنه - أنه معتقدهم، إلا أن الإمام محمد بن المطهر استثنى الجوهر وقال إن لي فيه نظراً، والإمام الحسن بن بدر الدين استثنى الإرادة، فإنه كان يتوقف في كيفيتها، ومن شعره في الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام-
(فراغ)(2)
__________
(1) في (ب): مذاهب. قلت: ومجموع السيد حميدان طبع بتحقيق أحمد بن حسن الحمزي وهادي أحسن الحمزي عن مركز أهل البيت للدراسات بصعدة سنة 1424هـ - 2003م.
(2) . لعل البياض لما قاله السيد حميدان - عليه السلام- للإمام أحمد بن يحيى - رضوان الله عليه وسلامه - من كيد الحشيشي، وهو قوله.
لما قهرت الظالمين تأملوا
حيلاً يصد ذكا الحليم فيذهل
سَّوا الحشيشي المضلل سعيه
سراً وبالصلح الشهير تعللوا
أعظم بتلك مكيدة وخديعة
لولا الإله لأدركوا ما أملوا
نقض الإله بلطفه ما أبرموا
والله يحفظ من يشاء ويكفل
كل ……………………
وتوفي - رحمه الله - بهجرة الظهراوين من أعمال شظب في شهر (فراغ) (1).
من اسمه حميد
حميد بن أحمد بن جعفر [ - 621 ه ] ت
الشيخ الحافظ المحدث موئل العلماء مثابة أهل الإسناد كعبة المسترشد للنجاة محي الدين حميد بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى.
قال بعض النسابين: بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد، وبعضهم أسقط إبراهيم بن محمد، وجعل يحيى بن إبراهيم المسمى بالأنف ابن أحمد بن الوليد بن أحمد بن محمد بن عاصم بن أبي عاصم بن الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، كان من كبار العلماء، له مشائخ وتلامذة، وهو والد الجامع (لشمس الأخبار)، وتخرج ولده رحمة الله عليه، وسمع عنه الحديث، قال: قرأ عليه أمالي المرشد كرات، ختم الثالث من السماعات في عام اثنين وثلاثين وستمائة، وحميد من تلامذة القاضي جعفر، وصنوه محمد بن أحمد بن الوليد سيأتي ذكره، وهذا مبني على أنهما أخوان، كما قاله ابن المظفر، واشتهر عند العلماء، وفي المشجرات.
وقرر السيد العلامة الهادي بن إبراهيم وغيره من المتقدمين وبعض شيوخنا المتأخرين أن حميداً ومحمداً علمان لرجل واحد، توفي حميد المذكور سنة إحدى وعشرين وستمائة، وهذا محتاج إلى(2) التأمل، فقد سبق أن ولده قرأ عليه في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة فيحقق، ولعل الغلط في تاريخ سماع ولده؛ لأن الأمير الناصر لدين الله بن الإمام المنصور بالله رثاه بقصيدة سنذكرها، وموت الأمير الناصر في ثلاث وعشرين وستمائة، والقصيدة هي هذه كتبها الأمير من صعدة إلى قرية حوث:
إن الرزية لا رزية مثلها ... نفس يموت لموتها الإسلامُ
حيت فحي بها الهدى وتضعضعت ... فتضعضعت لمصابها الأعلامُ
يا ليلة القدر التي غادرتنا ... فوضى كسلك زال عنه نظامُ
لم يلق هذا الناس مثل محمد ... شيخاً يساس به الهدى ويقامُ
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب). وانظر ترجمته في الطبقات ق3 ح1 ترجمة 245.
(2) في (ب): للتأمل.
فالحق أبلج ما حييت مثمراً ... فينا وأصحاب النبي قيامُ
فعليك من صلوات ربك كلما ... لبَّى الحجيج مكبرين وقامُوا
كنت الشفاء لكل من حادثته ... تُشفى بفضل حديثك الأسقامُ
ونراك ركناً عند كل ملمةٍ ... خرساء يخرس حوفها الأيامُ
/115/ حبلاً يُعاذ به وحصناً شامخاً ... من دونه يتخطف الأقوامُ
وكأنما تلك المحاسن لم تكن ... وكأنها لمفكر أحلامُ
أيلذ بعدك للمسامع مسمع ... أم يُستلذَّ النوم وهو حرامُ
ويقوم بعدك في مقامك قائم ... علماً يؤم سناءه الحكامُ
فجزاك ربك صالحاً ترضى به ... وسقى صداك مجلجل سجَّامُ
وعليك منا كلما جنح الدجى ... ودنا الأصيل تحيةٌ وسلامُ
إن العيون مجلل إحرامها ... فليهن وابل دمعها السجامُ
ثم كتب الأمير الناصر في آخر التعزية قبل الأبيات هذه ما لفظه: ولقد كرم الله تعالى تلك الروح الزكية، والنفس الشريفة المرضية بما هي أهل من الاختيار، وشرفها بما يتنافس فيه الأخيار بالوفاة في ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر، فهنيئاً له بما يقدم عليه من العمل الصالح، ويا أسفا عليه أسفا تضيق (له)(1) الجوانح، ثم تلا هذه الشذور والأبيات.
قلت: وصرح الأمير بأن حميداً محمد، والله أعلم.
حُميد بن أحمد الشهيد المحلي [582 - 652 ه ]
العلامة الإمام الفقيه المحدث شيخ الإسلام حسام الدين لسان المتكلمين [ولي أمير المؤمنين](2) حميد الشهيد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أبي القاسم بن علي بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن يزيد المحلي - بفتح الميم - فيما ضبطه السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي - رحمه الله - وبذلك سر اللطيفة سيدنا(3) العلامة محمد بن إبراهيم السحولي - أدام الله عافيته - في تقريضه لكتاب (محاسن الأزهار) في قوله:
محل دونه أوج الثريا ... ثراه المسك بورك من محل
به لمحاسن الأزهار نورٌ ... وللنور الحلي به يحلي
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (أ).
(3) في (أ): سيدنا.
إذا طالعته يوماً فسلم ... على من حله وعلى المحل
فإن قوله: وعلى المحل، فيه معنيان، أحدهما المحلي العلامة المذكور، والمحل الذي يسكن فيه، وقد أرصد له بقوله: على من حله. ولسيدنا بدر الدين في هذا الكتاب أيضاً بعد أن وجد بخطي:
بمحاسن الأزهار طاب مقيلي ... وذهلت عن غنج أغن كحيلي(1)
ثم عقلت عن تمام الشعر، فكتب سيدنا - أجزل الله مثوبته -:
لم لا وقد أيقنت أن وروده ... شَرْحُ الصدورِ وَبرْدُ كل غليلِ
لم أعترض في ذكر كامل وصفه ... لبسيطه ولوافرٍ وطويلِ
والشمس لا تحتاج في راد الضحى ... إيراد برهانٍ ونصب دليلِ
لولا محبة أهل بيت محمدٍ ... لقليت قالي في القريض وقيلي
بحديث حبهم الصحيح تَعَلُّلِي ... حسن لأن به شفاء غليلي
لولا محاسن آل أحمد لم يكن ... بمحاسن الأزهار طاب مقيلي
__________
(1) لعلها: كحيلِ.
وضبطه بعض أولاد حميد بضم الميم يعرف بالهمداني الوادعي الصنعاني - رحمه الله - كان من كبار العلماء وأعيان أهل الطريقة والزهد مع كمال الرئاسة والصدارة والرجوع إليه في مهمات الإسلام، وكان ممن حضر مقام المنصور بالله ويعد من عيون الحضرة، ثم استمر على حال الكمال، وتولى تهذيب الإمام أحمد بن الحسين أيام قراءته، وللإمام إليه مكاتبات /116/ تدل على علو قدر حميد - رحمه الله - يسميه بالوالد ويراجعه مراجعة المؤدب، وهو كذلك، وألفاظ الإمام في المراسلات من أعذب الألفاظ، ولما قام الإمام بأعباء الإمامة عضده حميد باللسان والسنان، وقام معه قيام أمثاله، فكان عليه فلك الإمامة يدور، يتولى مهماتها من: وزارة(1) وكتابة وفتيا، وفصل، وهو على حال لم يتحول في الزهد حتَّى إنَّ الإمام لما ملك صنعاء انحل الحفيد داراً من دور أصحاب السلطان بآلاف من الدراهم كثيرة، ولم يعط الفقيه حميداً شيئاً من ذلك، لعلمه بحال الرجلين، وكان يقول: أنا أخاف على دعوة الإمام إن حدث بي حدث، وكان كذلك، فإنها انهارت بعده أمور وامتدت أعناق، وقد حاجم الفقيه حميد من ذلك أشد المحاجمة، واستُشهد بالحصبات(2) بقرب هجر بني قطيل، كما سيأتي، ورأى الإمام في الليلة التي أسفر عنها صباح الشهادة أنه سمع قائلاً يقول: يقتل هذا اليوم شبيه الحسين بن علي السبط، أو كما قال، فظن الإمام أنه نفسه يستشهد، فاستشهد الفقيه - رحمه الله -.
__________
(1) في (أ): وزرائه.
(2) الحَصَبَات: مرتفع جبلي يقال له: (نقيل الحصبات) يقع في بلاد السَّوَاد. جنوب شرق مدينة ثلا. (معجم المقحفي ص469).
وله كرامات، منها ما اشتهر من تأذين رأسه بألفاظ الأذان بعد أن قطعه، وجرف الأذان معروف إلى الآن، ومنها ما كان في هذه الأعصار المتأخرة من نزول طير يشبه النسر ينزل في كل سنة فيما مضى يزور القبر، وروى الثقات أنه غسل رجليه في بركة الطهور، وتعمد الطريق الطاهرة حتى دخل إلى عند القبر، وفعل ما يشبه فعل الزائر، ولبث أياماً يتمسح به الناس، فأطعموه(1) فأكل، وأذن المؤيد بالله - عليه السلام- بإطعامه من النذر، فإن لقبَّته - رحمه الله - نذوراً واسعة وأموالاً للتدريس، ومقامه عظيم، وله في الإسلام عناية، وكان يتشابه فضله وفضل القاضي العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله -.
قال بعض العلماء إلا أني أحسب حُميداً أعلم بالمنقول والقاضي عبد الله بالمعقول، ولهما جملة مصنفات، واختص الله حميداً بالشهادة، وذلك في يوم الجمعة من شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة في المعركة التي كانت بين أصحاب الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام- وبين الأمراء الحمزيين، ورئيس جماعة الإمام السيد الإمام الكبير أحمد بن يحيى بن حمزة بن سليمان بن أخي المنصور بالله، وكان من فضلاء وقته، ولما حقت الهزيمة أركب حميداً معه على الفرس، فلم يخف مكانه، فقتله غلام تركي، وكان رئيس البغي أحمد بن الإمام المنصور بالله ومحمد بن حسن بن علي بن رسول المكنى أسد الدين، ومن كلام أولاد المنصور بالله بعد قتله: لو أطاعنا حميد ما قتل، ولا كان الذي كان، ومن كلام الأمير شمس الدين أحمد بن الإمام أنه لم يرض بقتل حميد ولم يرض بهذه الميتة، وأنه كان من طلبة الدنيا ودلاه هذا الرجل بغرور وأوقعه في المحذور.
فقال الإمام المهدي في جوابه لهذا الكلام قوله: لم يرض قتله كلام غير مستقيم؛ لأنه قاتله الذي أجلب عليه بخيله ورجله، وقتل بقوة سلطانه، والأمة مجمعة أن يزيد بن معاوية - لعنه الله - قاتل الحسين بن علي، وهو بالشام والحسين قتل بالعراق.
__________
(1) في (ب): وأطعموه.
وقال - عليه السلام- في جوابه عليه بعد كلام حذفناه: رادفت المحنة، وراكبت سحائب الظلمة، وقتلت رباني هذه الأمة رجلاً أفنى عمره في الذب عن الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين، ولأبيك أمير المؤمنين من مقاماته غررها ومن مقالاته شذورها ودررها.
قلت: وقد ترجم له - رحمه الله - غير واحد.
قال شيخنا الحافظ أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - ما لفظه: هو الفقيه العلامة /117/ بحر العلوم الزاخر، وبدر الفضائل السافر، حميد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أبي القاسم بن علي بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن يزيد بن يعيش المحلي الوادعي الصنعاني الهمداني، كذا كتب لي نسبه الفقيه العلامة بدر بن محمد من ذريته، وقال إن الموجود بخط حميد - رحمه الله - ضم ميم المحلي في مواضع، وأما المحفوظ والمسموع من ألسن العلماء - رضي الله عنهم - فبفتحها، ولعله من التغيير الطاري على النسب، والله أعلم.
كان - رحمه الله - وحيداً في عصره، فريداً في دهره، شحاكاً للملحدين، وغيظاً للجاحدين، وسيفاً صارماً لا ينبو في الذب عن الدين، أنفق عمره في العلم والعمل والرد على المخالفين لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والنشر لفضائل آل محمد، وله المصنفات الرائقة، والمعلقات الفائقة والرسائل التي هي بالحق ناطقة، كان من أعيان شيعة الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - سلام الله عليه - على صغر سنه، ثم جد في نصرة الإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين - سلام الله عليه - حتى أكرمه الله بالشهادة بين يديه في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وأمره - رحمه الله - عند أهل البيت - عليهم السلام- وشيعتهم - رضي الله عنهم - أحوج من أن يحتاج إلى ذكر، ومن أجل مصنفاته (الحدائق الوردية في ذكر أئمة الزيدية) في مجلدين(1)، وكتاب (العمدة) في نحو أربعة مجلدة في أصول الدين و(محاسن الأزهار في فضائل إمام الأبرار)(2) وغير ذلك مما لا ينحصر، أخذ عن أئمة كبار، ومشائخ بحار، أحدهم(3) المنصور بالله، وناهيك به، وشيخه محمد بن أحمد بن الوليد القرشي والشيخ أحمد بن الحسن الرصاص والفقيه علي بن أحمد الأكوع، والشيخ الحافظ عمران بن الحسن، والفقيه عمر بن جميل النهدي، والشيخ تاج الدين زيد بن أحمد البيهقي الوارد إلى اليمن عام عشر وست مائة، والفقيه محمد بن إسماعيل الحضرمي الشافعي وغيرهم، وأخذ عنه علماء كبار، منهم ولده أحمد بن حميد، والسيد الجليل يحيى بن القاسم الحمزي، وقد ذكره المؤرخ أبو محمد الطيب بن عبد الله بن أحمد بن علي أبي مخرمة الحضرمي الشافعي في تاريخه (قلادة النحر في وفيات أهل العصر)، فقال فيه أبو عبد الله حميد بن أحمد المحلي الزيدي مذهباً الملقب حسام
__________
(1) طبع بتحقيق د. المرتضى المحطوري، مركز بدر العلمي صنعاء.
(2) طبع بتحقيق محمد باقر المحمودي، وطبع ثانية بتحقيق مركز أهل البيت بصعدة.
(3) في (ب): الإمام.
الدين، كان من علماء الزيدية وأفاضلهم، وله التصانيف المحمية والرسائل الدقيقة، قتله الأشراف بنو حمزة في حرب الإمام أحمد بن الحسين بالبون في سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وفي الليلة التي قتل بصبحها(1)، رأى الإمام قائلاً يقول: يقتل اليوم نظير الحسين بن علي أو علي بن الحسين، فقتل الفقيه حميد في ذلك اليوم قبل الإمام أحمد بن الحسين - رحمهم الله - انتهى كلامه بلفظه.
وتحقيق تاريخ قتله - رحمه الله - لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وستمائة، وعمره نحو من سبعين سنة، وكان مصرعه قريباً من قرية (الهجر) أعلى وادي (عفار)، قتله مملوك تركي أو رومي يسمى قيصر الأبهر للأمير أسد الدين محمد بن الحسن بن رسول صاحب الجيش الذي استدعاه الأشراف بنو حمزة والوقعة غربي قرية الحصبات إلى الهضب المطل على بني شاور، واستشهد في ذلك اليوم الفقيهان الفاضلان أحمد بن موسى النجار وعيسى بن جابر الصعديان من أعيان شيعة الإمام المهدي - عليه السلام- في (2) قبائل من جهات الطرف وغيرها إلى نحو من العشرين، والله أعلم.
حميد بن أحمد بن حميد [ - ق 8 ه ]
العلامة الكبير حميد بن أحمد بن حميد بن أحمد - رحمهم الله - هو حفيد الفقيه حسام الدين الماضي ذكره(3)، وكان مبرزاً محققاً.
حميد بن قائد [ - ق 743 ه ]
العلامة النحرير حميد بن قائد، من علماء المائة السابعة، كان فاضلاً /118/ كاملاً وله إخوة علماء، وابن فاضل كامل - رضي الله عنهم - وله مصنفات ، وقبره في قبة والده، وتوفي لعشرة أيام من جمادى الآخرة عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة.
__________
(1) في (ب): بصبيحها.
(2) في (ب): في جماعة من قبائل جهات.
(3) في (ب): آنفاً، قال في الطبقات: ترجمة 248: سمي حميد الصغير يروي عن أبيه، عن جده، وأخذ عنه ولده أحمد والقاضي حسن بن محمد النحوي، ذكره في شرح الحفيظ.
حنبص [ - ]
العلامة الكبير حنبص صاحب سفيان الثوري، كان من كبار الزيدية كما كان أستاذه سفيان ومؤمل بن إسماعيل تلميذ سفيان وصاحبه الذي روى عنه الكتاب الجامع وغيره، وسئل أبو نعيم عن حنبص هذا، فقال: كان جليلاً من أصحاب سفيان، وفيه يقول الشاعر:يا ليت قومي كلهم(1) حنابصة. قتل حنبص المذكور، ومؤمل مع إبراهيم قتيل باخمرا - رضي الله عنهم -.
العلامة حنظلة(2) [ - ق 6 ه ]
حنظلة بن الحسن الفقيه العالم الحافظ المسند شيخ الشيوخ عفيف الدين حنظلة بن الحسن بن شعبان عالم كبير مسند، لقي الكملاء، وأخذ عنه الفضلاء، من تلامذته الإمام المنصور بالله - عليه السلام- وكثير من أهل طبقته، وقرأ على العلامة الحافظ جعفر بن أحمد بن عبدالسلام الأنباري - رضي الله عنه -. انتهى(3)
حنظلة بن الحسن بن شعبان (4) [ - ق 6 ه ]
حنظلة بن الحسن الفقيه العالم الحافظ المسند، شيخ الشيوخ، عفيف الدين حنظلة بن الحسن بن شعبان، عالم كبير مسند، لقي الكملاء، وأخذ عنه الفضلاء، من تلامذته الإمام المنصور بالله - عليه السلام- وكثير من أهل طبقته، وقرأ على العلامة الحافظ جعفر بن أحمد بن عبد السلام الأبناوي - رضي الله عنهم -. انتهى
__________
(1) سقط من (أ): كلهم.
(2) هذه الترجمة ساقطة من (أ) وموجودة في (ب).
(3) ترجمة حنظلة بن الحسن بعد ترجمة الشريفة حنه. وفي الطبقات: حنظلة بن الحسن بن شعبان قيد بمعجمة ثم موحدة الغساني الصنعاني الفقيه العالم، أحد تلامذة القاضي جعفر، مما سمع عليه المجموع والنكت وأمالي أحمد بن عيسى، وكان سماعه على القاضي سنة 571هـ وأجل تلامذته المنصور بالله عبدالله بن حمزة والفقيه غران بن الحسن السنوي، وكان سماعه عليه سنة 601هـ.
(4) هذه الترجمة ساقطة من (أ).
حورية بنت محمد بن يحيى القاسمي [ - ق 8 ه ]
الشريفة الطاهرة حورية بنت محمد بن يحيى القاسمي - رحمهم الله -. قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: ليس في الحسينيات في زمانها فيمن عرفناه أكمل ولا أفضل ولا أعلم منها، لها أخلاق شريفة، وشمائل ظريفة، ومروة طائلة، فاقت بها أهل الزمان، وعبادة لا يختلف في فضلها اثنان في العلم والفضل(1) ما لم يكن لأحد من نسائها إلا حي والدتها صفية بنت المرتضى، وليست من أخلاق النساء في شيء، وإنما(2) همها الأعمال الصالحة، والعلوم الراجحة، سمعت كتاب المنهاج الجلي على السيد الواثق، ولها إجازة منه، ولها مطالعة للدفاتر، ومصاحبة للأقلام والمحابر، ولها في الفقه يد قوية وقراءة محققة، وفي سائر العلوم مطالعة ومدارسات، ولها من الزهد ما يتساوى به عندها الشدة والرخاء، والفقر والغنى، والفضة البيضاء والمدرة من الحصباء، وعلى الجملة فهي بجميع محاسن الخلال مشهورة، وبإحراز أنواع الكمال مذكورة.
حنة بنت عبد الله بن حسين(3) [ - 500 ه ]
الشريفة العابدة ذات الكرامات حنة بنت عبد الله بن حسين(4)، من آل أبي السعود من بني الهادي - عليه السلام- كانت من الفضل بمحل شهير، ومن العبادة بمقام خطير، وتسمى صاحبة السنام، وإنما سميت بذلك لأنه يروى أنه كانت تبيت(5) في موضع طهورها مثل سنام الجمل ملحاً، وكلما أعيد زال(6) لينتفع بها، وأظنها من ولد المرتضى من آل أبي السعود ظناً مني لسماعي له ممن يوثق به، توفيت سنة خمسمائة، وقبرت بمقبرة العرار من مقابر صعدة - أعاد الله من بركتها -.
__________
(1) في (ب): ولها في العلم والفضل.
(2) في (ب): إنما.
(3) قال في (ب): هذه الترجمة محلها بعد حورية؛ لأنها وردت بعد حميد.
(4) في (ب): بن الحسين.
(5) في (ب): كان ينبت.
(6) في حاشية (ب): كلما أزيل عاد. ولعله الصواب.
أبو حجنة الأجلح [ - ق 2 ه ]
أبو حجنة الأجلح(1)، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- وممن أخذ عنه، ذكره العلامة البغدادي - رحمه الله تعالى -.
حرف الخاء المعجمة
خاتم [ - ق 4 ه ]
العلامة خاتم معلم الخير وصفوه بالعبادة والفضل. قال بعض السادة آل الوزير: هو شيخ الحسين بن القاسم بن علي في القرآن خاصة، وقيل: في العلوم، ومن العجيب أن الحسين عزله من (الصيد) (2) إلى (ريدة)، فقتله، والله أعلم بحقائق الأحوال.
خباب بن زيد بن معيب [ - ق 2 ه ]
خباب بن زيد بن معيب من رجال الزيدية، كان فاضلاً، شهد مع زيد مقتله.
خباب السلمي [ - ق 2 ه ]
خباب السلمي - رحمه الله - من علماء الزيدية مجاهداً سابقاً في الخير، صحب زيداً وكان من وجوه أهل وقته - رحمه الله -.
الخضر بن أحمد بن محمد [ - ق 7 ه ]
السيد الكبير الأمير العالم الخضر بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام-. قال العلامة ابن مظفر - رحمه الله -: كان من العلماء الفضلاء الأخيار(3) صنف في أصول الدين والفرائض، وقبره في المقبرة التي على(4) باب المسجد الذي لوالده تاج الدين بهجرة رغافة.
قلت: وأثنى عليه ابن الجلال أو من تمم كتابه في التشجير - رحمه الله تعالى -(5).
الخضر بن الحسن بن بدر الدين [ - ق 7 ه ]
الأمير الجليل السيد السند النبيل الخضر بن أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين الحسن بن بدر الدين - عليهم السلام-. قال ابن المظفر: كان من العلماء الزاهدين والرؤساء المرضيين، له من التصنيف كتاب (الروضات في علم الفرائض)، وقبره بهجرة تاج الدين برغافة.
__________
(1) في (ب): ابن عبد الله الكندي.
(2) الصَيد: بلاد الصَيد بالشرق من مدينة ريدة في مديرية خارف. (معجم المقحفي ص928).
(3) في (أ): كان من العلماء الأخيار.
(4) سقط من (أ): على.
(5) انظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 410.
قلت: وأثنى عليه /119/ ابن الجلال. وقال من نقل عنه: كان ذكياً زكياً عابداً زاهداً، له تصانيف وفضائل كثيرة، انتهى(1).
الخضر بن سليمان الهرش [ - ق 8 ه ]
الفقيه الفاضل العالم العامل الخضر بن سليمان الهرش - رحمه الله - ترجم له صاحب الصلة(2)، وأثنى عليه، وذكر عبادته وعمارته لبيت الله أعواماً للحج والعمرة، وكان فريداً في الفرائض، وهو قرين القاضي العلامة إبراهيم الكينعي في أسفار طاعته، وتوفي آيباً من الحج، وقبره بسيف البحر، وله في الفضل مقام عظيم، وقد أثنى عليه غير صاحب الصلة - رحمه الله تعالى -.
خليفة بن حسان الخثعمي [ - ق 2 ه ]
خليفة بن حسان الخثعمي العلامة الكبير الفاضل الشهير، أظنه يعرف بالكيال، ترجم له في رجال الزيدية عالمهم الكبير القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - قال: وكانت له اختيارات.
قلت: يعني في المذهب - رضي الله عنه - وخرج خليفة ابن حسان مع زيد، وخرج أيضاً مع إبراهيم بن عبد الله، ذكره الأصبهاني(3).
__________
(1) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 411.
(2) صلة الإخوان في بركة حلية علامة الزمان إبراهيم الكينعي (تحت الطبع) وانظر أيضاً طبقات الزيدية ترجمة 251.
(3) أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 412.
خليفة بن الناظري بن محمد [ - ]
خليفة بن الناظري بن محمد (بن محمد)(1) بن منصور بن محمد المعثور بن جعدان بن علي بن الصياد بن الدقاق بن علي بن عبد الله بن جابر بن فاتك بن فيصل بن محمد بن زيد بن حسن بن نشوان بن منصور بن الأجعد بن عبد الله بن عروة بن مالك بن هلال بن عميرة بن يوسف بن الضحاك بن معيار بن كعب بن مسلم بن معمر، وابن منصور بن شاور بن قدم بن قادم بن زيد بن غريب بن جشم بن حاشد الأكبر، كان عالماً فاضلاً صالحاً(2)، يروى أنه سعى بين الإمام المظلل بالغمام المطهر بن يحيى - عليهم السلام- وبين السلطان يوسف المظفر الغساني، وأن السلطان التزم طاعة الإمام وبايعه، وهذه غريبة لم أرها إلا في ترجمة هذا الفاضل.
قلت: وأخلاق الإمام المطهر تقتضي انجذاب السلطان إلى ذلك، يدلك على ذلك كتاب الإمام - عليه السلام- إلى السلطان الملك الأشرف يعزيه في والده الملك المظفر المذكور. قال - عليه السلام-: أما بعد حمداً لله على كل حال، والصلاة على محمد وآله خير آل، فإن الدنيا سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، كثيرة التنقل والاختلال، استنزلت الملوك عن الممالك، وصرعتهم حتوفها فألقتهم في المهالك، لم تمنعهم حصونهم المانعة، ولا دفعت عنهم عساكرهم الدافعة، ولا نصرتهم سيوفهم القاطعة، ولا حمتهم رماحهم، فهي في(3) الحقيقة منام، والعيش فيها أحلام:
أحلام نومٍ أو كظلٍ زائلٍ ... إن اللبيب بمثلها لا يخدعُ
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (أ): صالحاً.
(3) في (أ): فهي الحقيقة.
، والموت فيها غاية كل حي، والفناء نهاية كل شيء، والباقي في أثر الماضي، وإلى الله المصير، فريق في الجنة وفريق في السعير، ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ? [آل عمران:185]. ولما بلغ أمد الله المقام الشريف الأعظم الغياثي السلطاني الأشرفي الأغري الأكرمي بأطول الأعمار، وصرف عنه صروف الأقدار، وحماه طوارق الليل وحوادث النهار، ما كان من حكم الله الواحد القهار، وقضائه النافذ في البادين والحضَّار، وذلك وفاة حي والده سلطان اليمن وملكها المطاع من مكة إلى عدن، كان ذلك الملك المظفر تلقاه الله بما يستحقه من العفو والغفران، وأولاه بما هو أهله من البر والإحسان، وأحسن للمقام الشريف فيه العزاء، وجبر ببقائه عظيم هذا المرتزا، وعصمني وإياه بالصبر على ممضات البلا وفادحات اللأوى، ولكل أجل كتاب، والصبر أولى يا أولي الألباب، ?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ? [الزمر:10]، وأسأله تعالى أن يجعل الآخرة لي وله خيراً من الدنيا التي هي مر السحاب، ولمع السراب، وأن يلهمنا الاستعداد للمعاد، والتزود من التقوى /120/ التي هي خير زاد، فبين أيدينا أهوال تكحل الجفون بالسهاد، ونفاد الأفئدة وتفتت(1) الأعضاد، موت يختلج الأحياء من القصور إلى القبور، وفناء يمزق أوصالهم في الثرى بعد الثروة والحبور، ويلي ذلك ما هو أعظم من هذه الأمور، قبور تبعثر، وعظام تحشر، وصحائف تنشر، وستائر تظهر، وحكم عدل يجزي العبد بما قدم وأخر، فيزف المحسن إلى جنة يسلو فيها ويجتر، ويدع المسيء في نار يسجن فيها ويسجر، ?إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ? [الطارق:13-14]، ?وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ? [الحاقة:51]، (?لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ? [البقرة:2])(2)، فبادر بنا(3) يا أيها الملك والخطاب (لكل)(4) واقع، يدخل فيه الواعظ
__________
(1) في (ب): وتفت.
(2) زيادة في (ب).
(3) في (أ): فبادر.
(4) سقط من (ب).
والسامع، فكأنا بالموت قد أطل، وبكاذب الأمل قد بطل، واغتنم بنا صالح العمل، في بقية المهل، ولا نعلل نفوسنا بعسى ولعل، فما نعلم متى نعثر بالأجل، فنتأسف على التسهيل في طاعة الله - عز وجل - ونندم وقد سبق السيف العذل، واستقبل الدولة السعيدة - إن شاء الله تعالى - بتوطيد قواعدها على العدل في البلاد، وتشييد صواعدها بالعفو عن ذي العناد، يحوز بذلك في الدنيا ملكاً عظيماً، ويفوز في الآخرة فوزاً عظيماً، ولا تضرب عن نصيحة والدك صفحاً، فلم يأل في محضها لك نصحاً، ولولا أن العزاء سنة مأثورة، وبذل الموعظة شرعة مبرورة، لكان حلمك الوافر كافياً، وعلمك الطاهر شافياً، إ ذ دون الولد المقام الأعظم ما يكفيه من سيف الوعظ هزة وعبرة لا يردعه إلا حره(1)، ?هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ? [إبراهيم:52]. ووالده يهدي إليه سلاماً يؤذن بالسلامة، وإلماماً يلم باليمن والكرامة، والحمد لله وحده، وصلاته على سيدنا محمد وآله وسلامه.
قلت: فهذا الكتاب يدل على تواصل ٍما، وأن التقاطع غير حاصل في تلك الحال.
قال السيد الإمام الحافظ الهادي بن إبراهيم بعد هذا الكتاب: اشتمل هذا الكتاب على فوائد دينية، رأيت التنبيه عليها، ثم ساق السيد كلاماً حسناً - رحمه الله -.
قلت: وقد كان الملك المجاهد علي بن داود بن المظفر من أهل البيت الرسولي مشهور المحبة لأهل البيت الرسولي - عليهم السلام- وعاصره من الأئمة الإمام يحيى بن حمزة والإمام علي بن محمد، وكان من العلماء.
قال الدميري بعد ثنائه على الملك المؤيد والد المجاهد ما لفظه: وأبوه الملك المظفر، وولده الملك المجاهد، كانا في العلم أرفع منه درجة، وأذكى قريحة، وأشهر فضلاً، تغمدهم الله برحمته، انتهى.
__________
(1) في (ب): جزه.
قلت: فلا يبعد صدق ما نقل من بيعته المظفر؛ لأنه نتيجة العلم الذي وصفه به الدميري والذكاء والفضل، والمجاهد قد نقل عنه بظهور واشتهار حبّ أهل البيت كتب إليه الإمام الواثق:
أترضى أن يُعد أبو حسين ... رباعياً وأنت له سمي
فأجابه بقوله:
أيا ماء العذيب وأنت عَذْبٌ ... تعرض دونك الماء الوبي
يشير إلى أن أهل اليمن وماهم عليه من النصب وكراهة أهل البيت - عليهم السلام- يمنعه من التصريح بذلك خشية على سلطانه، وقال بعد ذلك البيت:
قالت الضفدع قولاً ... فهمته الحكماءُ
في فمي ماء وهل ينـ ... ـطق من (في) (1) فيه ماءُ
حرف الدال المهملة
داود بن أحمد بن الناصر [ - ]
السيد الكبير الخطير أبو الحمد داود بن أحمد بن الناصر بن الهادي إلى الحق، كان من شيوخ أهله وفضلائهم، ترجم له بعض أهل العراق أيضاً(2).
داود بن أحمد الجني [ - ]
/121/ الفقيه (العلامة) (3) لسان أهل الكلام داود بن أحمد الجني، علاَّمة محقق في الكلام، قرأ عليه العلامة السيد علي بن صلاح - رضي الله عنهما -(4).
داود بن أحمد بن عبد الله
__________
(1) سقطت من (أ) وهي في (ب).
(2) في (ب): وذكر أنه كان بالعراق أيضاً، سقط من (أ).
(3) في (ب): العالم.
(4) لعله داود بن أحمد بن إبراهيم بن عبدالله اليمني الزيدي صارم الدين، ذكره كحاله في معجم المؤلفين عن البغدادي، ومن مؤلفاته شرح القلائد المنتزع من الدرر الفرائد في تصحيح العقائد. انظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 415.
الفقيه العلامة المذاكر ضياء الدين داود بن أحمد بن عبد الله السَّلفي، نقل بعض النسَّابين أن نسبهم ينتمي إلى أسعد الكامل، والظاهر أن السلف بن زرعة بن سبأ الأصغر بن كعب كهف الظلم بن سهل بن زيد الجمهور، ويقال: ابن الجمهور بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم العظمي بن سبأ الأوسط، وهو عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن قطن بن غريب الأكبر بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان هذا الفقيه فاضلاً عالماً، أثنى عليه الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، ومن شهد له خزيمة فهو حسبه.
داود بن الحسن بن الحسن(1) [ - ق 2 ه ]
السيد البقيَّة فخر آل الرسول داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- يكنَّى أبا سليم(2)، كان من عيون العترة، وسادات الأسرة، كان ينوب عن أخيه الكامل - عليهم السلام- في صدقات أمير المؤمنين - كرَّم الله وجهه - وكان قد حبسه المنصور العبَّاسي، فجاءت أمَّه إلى الصادق جعفر بن محمد، وشكت إليه حالها، فعلمها دعاء الاستفتاح فدعت به كما علمها في منتصف رجب، فيسَّر الله لولدها الخروج من الحبس، ولهذا سُمِّي دعاء الاستفتاح، ودعا أم داود، وتوفي داود في المدينة، وهو ابن ستين سنة.
داود بن الحسن بن إبراهيم [ - ]
السيد العالم الفاضل داود بن الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن القاسم بن علي الحسني الرسي، كان عالماً فاضلاً، يسكن بيت [غريب(3) من ناحية الباقر] (4)، وكان مرجوعاً إليه، وحصلت مناظرة محمد بن الحسن الغريب المطرفي وشيخ الزيدية المحقة يحيى بن عمار بحضرته.
__________
(1) هذه الترجمة في (ب): متأخرة إلى بعد ترجمة داود بن حاتم.
(2) في (ب): أبا سليمان.
(3) في (ب): غريت.
(4) ما بين القوسين مشكل عليه في (ب) × × × هكذا.
داود بن أحمد [ - ق 8 ه ]
السيد العابد العلامة داود بن(1) أحمد صاحب الكرامات، كان فاضلاً عالماً، ترجم له السيد العلامة الهادي بن إبراهيم وابن المظفر وغيرهما، وهو الذي وجه إليه الإمام المؤيَّد بالله يحيى بن حمزة الرسالة الوازعة في أمر الطهارة، وانتفع بها، فكان سريع الوضوء حتى قيل إنه كان يقف في محل الطهارة لئلا يتوهم جاهل أنه ما قد توضأ.
ومن كراماته أن بعض الناس وضع على قبره مسحاة من حديد أو نحوها، ثم حملها إلى الحداد ليصلحها فلم تؤثر فيها النار.
وقبره - رضي الله عنه - بثلا مشهور مزور، وقد روي أن هذه القضيَّة اتفقت بذمار عند الإمام يحيى بن حمزة في قبته الشريفة، ذكره العلامة عبد الله بن يحيى بن الهادي(2) - عليهم السلام-.
داود بن حاتم [ - ]
الفقيه الفاضل العالم داود بن حاتم الجني - رحمه الله - كان عالماً كثير العلم توسم بالاجتهاد، وقبره في غرثومان في (الحوطة)، وهو والد علي بن داود وزير الإمام المطهر بن محمد بن سليمان - عليهم السلام-.
دواد بن الحسن المؤيَّدي [ - ]
السيد العلامة صاحب البراعة واليراعة، ومفخر العصابة والجماعة، داود بن الحسن المؤيَّدي - عليه السلام- كان من كبار العلماء حرر وقرر واشتهر ذكره، وهو من بيتٍ أشهر من نار على علم.
__________
(1) في (ب): داود بن حميدين.
(2) في (ب): عبد الله بن الهادي بن يحيى.
داود بن عبدالرحمن الحسيني [ - ق 4 ه ]
السيد الفاضل العالم الكامل داود بن عبد الرحمن الحسيني - رحمه الله - كان من الكبار له مقام في الفضل رفيع، وله مسائل أوردها إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني - عليهم السلام- وأجاب عنه إجابة الحميم للحميم، وكاتبه مكاتبة الأكفاء، وكان الشريف داود أوفد ابنيه مهاجرين إلى /122/ الإمام لتعذر الهجرة عليه، وكأنهما ضجرا من الإقامة، ثم ثابت أحلامهما واستقرا في الحضرة المنصورية، فقال الإمام في كتابه إلى داود: ولا يكن لسيدي - أعزَّه الله سبحانه - مهم من سيدي ولديه فهماً - بحمد الله - يزينان من حلا بأرضه، ويظهران كل سوح نزلا به، وقد نبوا نبوةً ثم اطمأنا، وطابت أنفسهما بالمقام.
داود بن ببيد الزيدي [ - ق 7 ه ]
القاضي العلامة الفاضل داود بن عبيد من أهل خيبر الزيدي - رضي الله عنه - كان من علماء وقته وفضلاء زمانه، ولمَّا وصلت دعوة الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله صلى الله عليه وعلى عقبه الطاهر إلى خيبر والمدينة وتلك النواحي المباركة لبَّاها تلبية لبيب، وعضّ عليها بناب منيب، ووصل إلى الإمام - عليه السلام- وجاهد في سبيل الله، وصدق في الله وأقام يدرس في علم التوحيد، وينسخ الكتب التي يحتاج إليها، وكان شديد الاجتهاد في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان يختلف في قرى الظاهر ويأمرهم بالصلاة والحضور للجمعة،
ولم يكن الأكثر يعرف الصلاة لفترة وقعت فأخذهم باللين والشدَّة وجعل على من قطع الصلاة عشر جلدات، فصلّى الناس رغبة ورهبة، وكان للشريف الأمير شجاع الدين جعفر بن الحسين بن القاسم بن الحسن بن حمزة غلام يترك الصلاة، فسأله القاضي داود في مجمع أهل صليب أن يصلي فأبى، وقال: لست أصلي، وأغلظ في الجواب، فأمسكه وجلده عشر جلدات، فذهب يشكو إلى مولاه فأتاه وقد حمله الغضب ومعه غلامان، فأمسكا الفقيه وضربه بعمود الدبّوس، فأنكر الناس ذلك، ولمَّا وصل العلم إلى الإمام - عليه السلام- حكى بعض من حضر أنه أمسَى ليلته تلك يتململ، وما ذاق فيها النوم غضباً لله سبحانه، ووافق ذلك وصول الأمير المذكور بكرة يوم تلك الليلة، وقد كان الإمام أمر الأمير ذا الكفايتين محمد بن إبراهيم بالركوب إلى حوث ليؤدِّيه إليه، فلمَّا حضر في مجمع كبير حضر الأميران الكبيران شيخا آل الرسول يحيى ومحمد أبناء أحمد وطائفة من الشرفاء آل الهادي وآل حمزة وقاضي الشرع محمد بن عبد الله بن حمزة والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني، وأهل المدرسة المنصورية بصعدة، وهو المدرِّس بها، واجتمع بها خلق كثير من أهل البلد وغيرهم، ومن رؤساء الناس وغصَ المسجد والحجرات وقد أمَّ الباب بالناس، فسأله (الإمام)(1) - عليه
__________
(1) سقط من (ب).
السلام- عن القصَّة بعد كلام شرحه في ذلك المقام، فأنكر وقال: إن شهد عليّ شاهد من أهل المدرسَة قبلت شهادته، وقد كان وصل منهم رجل ممن حضر القصَّة فدعاه الإمام فشهد بما حدث، فلمَّا رأى ما عند الإمام من الغضب تقدَّم إلى بين يديه، ووضع(1) سيفه وسوطه واستَسلم للحق، وقال: امض حكمك بما تراه، فأمر الأمير صفيَ الدين ذا الكفايتين يجلده عشرين جلدة تأديباً، وأمر بقبض فرسه ودرعه وأحضر أحد غلاميه فجلده ثلاثين جلدة وحلق رأسه وأمر الأمير جعفراً بالصدور إلى حوث ليبلغ الفقيه ما يجب له بحكم الله تعالى، ففعل، وحضر إلى المسجد الجامع بحوث - عمره الله بالصالحين - وأحضر غلامه الثاني وذلك في حال عمارة المسجد ولم يسقف بعد وحضر خصمه بين يدي القاضي ركن الدين عمرو بن علي العنسي وحضر الشيخ محمد بن أحمد العبشمي والقاضي شرف الدين إبراهيم بن أحمد بن أبي الأسد وأهل المدرسة ومن بلغته صلاة الجمعة من أهل البلاد /123/ فادعى الفقيه ما لحقه من الأمير والغلام فاعترفا بذلك فتراجع من حضر من العلماء في أمر الغلام فأجمع رأيهم على الاقتداء بما فعله الإمام - عليه السلام- في الغلام الأول في صعدة(2)، فأمر القاضي بحلق رأسه وجلده ثلاثين جلده، وبقي الأمير فقام إليه الأمير بعد وجوب الحق واعترافه فلزم على يده ووهب له حقه، وافترق الناس على ألسنَةٍ داعيةٍ للإمام - عليه السلام- بالنصر، معلنة لله تعالى بالحمد والشكر.
داود بن غانم بن الفضل [ - ]
الفقيه الفاضل العلَم العامل(3) داود بن غانم بن الفضل الشقري، من علماء الحديث، كان فاضلاً قرأ عليه داود الجيلاني - الآتي ذكره - الشفاء، وقرأ عليه أجلاء - رحمهم الله جميعاً -.
__________
(1) في (ب): ووصف.
(2) في (ب): بصعدة.
(3) في (ب): الكامل.
داود بن نجم آل الرسول [ - ق 3 ه ]
السيد الشريف الحجَّة بن الحجَّة صدر العترة داود بن نجم آل الرسول، ترجمان الدين شبيه إبراهيم الخليل القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- كان على منهاج سلفه القويم، من الهداة إلى صراط مستقيم، أحد رواة علوم أهل بيته. قال الإمام الأعظم محمد بن القاسم بن محمد: روى صاحب الجامع مذهب القاسم من طريقه.
قلت: وذكروا أنه أقام بمصر، وأعقب بها، وله عقب بالرملة ومكة.
داود بن القاسم الجعفري [ - ]
الأمير الكبير السيد الإمام العالم داود بن القاسم الجعفري - عليه السلام- عالم كبير، قالوا: شهد قضية إدريس بن عبد الله، قالوا: وكان عالماً فاضلاً مباركاً - رضوان الله عليه -.
داود بن محمد الجيلاني [ - بعد سنة 736 ه ]
العلامة الفاضل الكامل داود بن محمد الجيلاني - رحمه الله - الواصل إلى اليمن ومن العراق، كان من علماء زمانه، وأبدال أوانه، صالحاً فاضلاً، عالماً عاملاً، وهو(1) الذي اختصر شرح الإمام يحيى على الأحاديث الأربعين، سمَّى شرحه (المقاصد الأخروية المنتزعة من كتاب الأنوار المضيَّة)(2)، قال في خطبته: إني لمَّا طالعت (الأنوار المضيئة شرح الأربعين السيلقية) تصنيف الإمام المؤيد بالله أمير المؤمنين يحيى بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجدته قد احتَوى على علوم باهرة، وحكم ظاهرة، من نفيس اللغة العربية، والأحاجي النحوية، والمعاني والبيان وبديع البديع، وفصيح النثر المريع، وأنا على ظهر السفر باطناً وظاهراً وصعب علي حمل الخزائن، فاستخرت الله سبحانه بنسخ كل ما قصد الإمام - عليه السلام- من شرح مقاصده - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -(3).
داود بن الهادي بن أحمد [980 - 1035 ه ]
الشيخ(4) العلامة شيخ شيوخ الزيدية داود بن الهادي بن أحمد بن المهدي بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن بن الإمام الأعظم علي بن المؤيَّد بن جبريل بن المؤيَّد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبد الله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق - عليهم السلام- كان من فضلاء أهل البيت وعلمائهم ومشيختهم وذوي الأقدار فيهم لا يتصدَّر أحد في مجلس هو فيه لكمال علمه وفضله.
__________
(1) في (ب): هو الذي.
(2) المقاصد الأخروية المنتزع من كتاب الأنوار المضيئة، انتزعه في جماد الآخرة سنة 736هـ في حصن المحطوري الشرفي، الجزء الثاني منه بمكتبة الجامع الكبير رقم 84 خط سنة 1082هـ وبآخره قراءة سنة 1132هـ.
(3) انظر الطبقات ترجمة 254 وأعلام المؤلفين ت 419، وبقية المصادر فيهما.
(4) في (ب): السيد الشيخ.
قال السيد العلامة أمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله -: عجبت من السيد داود بن الهادي يتلطف لكل أحد، ويجري مع كل أحد، ويلاطف العامَّة والخاصة، ويخلطهم بنفسه، ويمازحهم الممازحة اللطيفة، وما ينحط شيء من قدره بذلك، فإنه ما حضر محضراً وتقدَّمه غيره، قال: وظني أن ذلك لسعة أذكاره وأدعيته وقيامه بالليل.
قلت: وما ذكره السيد أحمد - رحمه الله - سمعته عن غيره، وكان حليفاً للقرآن لا يزال يتلوه، وكان يمضي في جامع الهادي بين الأساطين، ويتردد في ساحات الجامع بمشي لطيف وهو يتلو القرآن، وكان له زميل في التلاوة فتلا معه /124/ ليلة بمدينة (ساقين) شيئاً من القرآن أثناء الليل، فوقع منهما القرآن بموقع عظيم فاضَت به نفس ذلك الزميل - رحمه الله تعالى - وكان السيد إمام العربيَّة وغيرها، وهو كالأصل للعلماء في وقته، فإنا أدركنا المشائخ كلهم وقفو بين يديه - رحمه الله - كالقاضي العلاَّمة أحمد بن حابس، والقاضي العلامة أحمد بن سعد الدين، والفقيه الفاضل محمد بن يحيى الكليبي، وخلائق، وغيرهم، وله شرح على (الأساس)(1) ولكنه لم يحظ عند الطلبة، ومن وجوه تلامذته القاضي أحمد بن علي بن أبي الرجال، وكتب إليه القاضي - رحمه الله - بعد مفارقته.
سُؤلي وجُل مطالبي ومرامي ... تقبيل كفَّ الأروع الصمصامِ
العالم العلم الحميد فعاله ... نور الأنام وسيد الأقوامِ
ذاك الذي بكماله ومكانه ... أخذ المكارم كلها بزمامِ
نسل الأطايب من نشا في دوحةٍ ... ما بين حِبرٍ عالمٍ وإمامِ
داود من أحيا الإله بعلمه ... وبه أقر قواعد الأحكامِ
وأطاب في يمنِ البسيطة ذكره ... وبمشرقٍ وبمغربٍ وبشامِ
__________
(1) نسخة بمكتبة الأستاذ عبدالله محمد الحسيني، وله ذيل البسامة وصل فيه إلى حوادث سنة 1024هـ طبع مع مائدة الأبرار، وله أيضاً مرقاة الوصول شرح معيار العقول خ ص مجموع بمكتبة السيد يحيى بن محمد عباس، وأخرى بمكتبة السيد محمد عبدالعظيم الهادي.
لكن تناءت بي الديار عن اللقا ... وبدت عليَّ شواغل الأيامِ
فجعلت طرسي نائباً عني كما ... ناب التيمم حالة الإعدامِ
ما زالَ مخدوماً بألف كرامَةٍ ... عني وألفا(1) تحيَّةٍ وسلامِ
وللسيد - رضي الله عنه - جواب عنها حسن، لكنه ليس بنظم، ومن تلامذته ابن أبي السعود الضمدي، وله فيه الأبيات المشهورة التي منها:
يا ليلة في الهجرة الغرَّاء ... فاقت ليالي الدَّهر في السرَّاءِ
هي ليلة ما قد ظفرت بمثلها ... عند الغمطمط(2) من بني الزهراءِ
ومنها:
داود ما داود إلا منهلِ ... للعلم والفقراء والضعفاءِ
وهي مشهورة في أيدي الطلبة بنواحي صعدة - حرسها الله تعالى - وللسيد العلامة الفاضل يحيى بن صلاح القطابري - رحمه الله - فيه القصيدة الفاضلة بعد عوده من ساقين التي منها:
رُب غزال غدت تعنفني ... وعن بكاء الطلول تعذلني
وتكثر العَذْلَ وهي ضاحكة ... لم تدر أني بكيت من حزَن
ومن مديحها:
من أدْرَك الفضل يافعاً فغدا ... على يفاع للمكرمات بني
العالم العامل الحلاحل من ... قر وبرج السماك في قرن
حماه رب العلا وسلمه ... من طارقات الزمان ذي المحن
مبلغاً فيه ما يؤمله ... إحياء كتب الإله والسنن
وفاتحاً قفل كل مسألة ... بقول حبر محقق فطن
وهذا القدر من القصيدة ينبِّه على ما تركناه - أعاد الله من بركتهم - وله - رحمه الله - شعر ومنه:
إلى الله أشكو عالم السر والنجوى ... تحمل هم لا يطيق له رضوى
وجور زمان دأبه خفض كامل ... ورفع الذي لا خير فيه ولا جدوى
فيحظى لديه جاهل ومغفل ... ومن كان قرماً لا يقيم له دعوى
/125/
عتبت على دهري وقلت إلى متى ... تعاملني بالضد في كل ما أهوى
فقال مجيباً لي بعنفٍ وغلظةٍ ... وأيَّ كريم قد أجبتُ له شكوَى
فعُدت إلى الإخوان أشكو فعاله ... بقولٍ يُذيب الصمّ أحلى من الحلوى
فقالوا جميعاً لا تلمه فإننا ... لأعوانه فاصبر على هذه البلوى
__________
(1) لعل الصواب: ألف ليستقيم الوزن.
(2) لم أجدها في القاموس.
ومالوا إلى غمرٍ يرون فعاله ... وأقواله أحلَى من المنِّ والسلوى
وأمَّا كلامي فهو صاب وعلقم ... يقولون أوجز قد أطلت فلا نقوى
فلمَّا رأيت الأمر وعراً سبيله ... فزعتُ إلى مولاه أطلبُه التقْوَى
وقلت إلهي لم يكن لي مفزع ... سواك لدفع الهم والضُّر والأسوَى
فلا تلجني ربي إلى الناس كلهم ... فلم يبق لي في غيرجودك من رجوى
فلما أطلع عليه العباد وإمام الزهاد وصيرفي الانتقاد، القاضي العلامة علي بن الحسين بن محمد المسوري - رضي الله عنه - قال:
تعزّ فهذا دأبُ من ولدت حوَّا(1) ... وهل غير ما قد قلته عنهمُ يُرْوَى
فعالمهم يأوي الحضيض كما ترى ... وجاهله من دون أخمصه العوَّا
وهل سمعت أذناك يوماً بذي حجا ... ولو مرَّة من دهره ترك الشكوى
أبوك رسول الله لم يخل من أذى ... وما زال يحسو الضيم من دهره حسواً
ومن قومه لاقَى أمُوراً لو انَّها ... أصيبَ بهارضوَى لهَاضت قُوَى رضوى
كذاك أمير المؤمنين وصيُّه ... أصيب بما يُوهي قوَى الأسد الألوى
وأخَّره عن رتبة هوَ أهلها ... وكان ظلوماً لو سواه بها سوَّى
وفاطمة الزهراء أغرى خطوبه ... بها وكذاك الدَّهر عادته العدوى
وكان عليه أن يراعي حُقوقها ... ولكنه عبد الضلالة والاهوا
وبالحسنين السيدين تحكمت ... كلابٌ له شيطانه لهم أغوى
تقدَّمه(2) من ليس إن قسته بهم ... ولو نال دنيا ترب أنعلهم يسوَى
كذلك أهل البيت لم يحظ منهمُ ... إمامٌ و إن حاز الفخار بما يَهوَى
فكيف يرجي المرء أن يبلغ المنى ... وسيف خطوب الدهر كم فاضل أقوى
وما أهله إلا ذوو الجهل إنَّه ... لهم والدٌ بَرٌّ يغذيهم الحلوى
فصبراً جميلاً إنما الصبر جُنَّةٌ ... لأهل النهى يستدفعون به البلوى
وما الخير إلا الفوز بالجنَّة التي ... لدى كل ذي عقل هي الغاية القصوى
وأمَّا التي منها جناح بعوضة ... أعز فإن الله قد عدَّها لَهْوَا
__________
(1) في (ب): حواء.
(2) لعل الصواب: تقدمهم.
وما خير عيش لا يدوم فخلِّ ذا ... لذاك فما كالحمية المن والسلوى
وما العمر إلا مدَّة ثم تنقضي ... فيخسر ذو الأهوَا ويربح ذو التقوى
ولمَّا اطلع تلميذهما شيخنا حواري آل محمد شمس الشريعة أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنه - كتب:
من الله رب العرش فالتمس الرجوى ... لتبلغ أقصى السؤل من فاتق الأجوا
ولا تكترث من ريب دهرك إنَّه الـ ... ـزمان لأرباب الحجا لبس العدوى
/126/
وللجاهل الغمر اللئيم مبلغ ... (1)
ترى كل ذي فضل به وهو معدم ... وكل جهول نال غاية ما يهوى
وليس ببدع ذاك منه فيرتجى ... ارعوَاه إذا عاتبت يوماً ولا سهوَى
ولكنه طبع له في الألى مضوا ... كماجاء في النقل الصحيح الذي يروى
وليس له عن طبعه متحوَّل ... فلوم الفتَى في الدهر(2) ليس له جدوى
وفي جدك المختار أعظم قدوة ... يجلَى بها كرب ويُؤسَى بها الأسوا
أقام له الدهر الخؤون عداوةً ... وصب عليه دهره الضر والبلوى
أعان عليه فاستعان بصبره ... فكان له من دهره الغارة الشعْوَ
وفي صنوه المخصوص من فضل ربه ... من المصطفى المختار بالسر والنجوى
أما خانه في عهده بعد موته ... صريحاً وما استغنى بلحنٍ ولا فحْوَى
ونال من الزهراء بنت محمد ... منالاً به أنهت إلى ربنا الشكوَى
ونال من السبطين ما طفقت له ... مراجل تغلي في صدور ذوي التقوى
إذا ما ذكرت الطفّ هيّج عبرتي ... وحمَّلني مالا أطيق ولا أقوى
فصبراً على جور الزمان وبغيه ... وإن كان قد أصمى الفؤاد وما أشوى
فعاقبة الصبر الجميل مثابة ... يُنالُ به من ربنا جنَّة المأوى
فذلك فاطلب فهو أعظم مطلب ... ودع هذه الدنيا التي مُلِئت أدوَا
ودم سالماً يا بن الكرام مبلغاً ... من الله رب العرش سُؤلك والرَّجوى
__________
(1) فراغ في (ب)، وقال فيها بياض في الأم.
(2) في (ب): للدهر.
توفي - رحمه الله - بدرب الأمير بحضرة الإمام المؤيَّد بالله، وصلى عليه الإمام، وعمرت عليه قبَّة بجوار الجامع المقدَّس، وذلك ضحوة يوم الأربعاء لست بقين من شهر ربيع الأول من عام خمسةٍ وثلاثين وألف، ومولده - رضي الله عنه - في أوَّل عام ثمانين وتسعمائة.
داود بن يحيى بن الحسين [720 - 796 ه ]
السيد العلامة الإمام الصدر داود بن يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين، هو العالم الكبير الفاضل الشهير، والده مؤلف (الياقوتة) و(الجوهرة)، وجده علي بن الحسين حافظ المذهب صاحب (اللمع) و(القمر) و(المذاكرة)، وقد ترجم للسيد داود جماعة، وذكروا فضله وعلمه، وكان مشهور الفضل كثير البركة، وهو الذي صلى على العالم الرباني صارم الدين إبراهيم الكينعي.
قال السيد الحافظ الهادي بن إبراهيم: وأوصى الإمام علي بن محمد أن هذا السيد يُصلي عليه، قال ابن المظفر: أنه ولد عام عشرين وسبعمائة، وتوفي في رجب سنة ست وتسعين وسبعمائة، وقبره مع أخيه العلامة الهادي بن يحيى بمشهد الإمام الهادي إلى الحق بصعدة(1).
داود بن يحيى [ - ]
السيد العلامة داود بن (يحيى)(2) المدفون بعرقه(3) عفار، له فضل كبير وعلم، وله نظم (……)(4)
داود بن يحيى بن داود [ - ق 9 ه ]
السيد الكبير العلامة داود بن يحيى بن داود بن يحيى حفيد السيد الذي ذكرناه آنفاً، كان أحد الدعاة السبعة الذين دعوا في سنة أربعين وثمانمائة، ولكنه مات ولم يثبت، فلهذا ذكرناه مع من عنينا بذكره من المقتصدين.
داود المحلي(5) [ - ]
__________
(1) وانظر عنه الطبقات ق3 ج1 ت256 وأعلام المؤلفين الزيدية ترجمه 418.
(2) فراغ في (ب): بياض في الأم.
(3) في (أ): بعرفة.
(4) في (ب): بياض في الأم.
(5) قال في حاشية في (ب): هذه الترجمة محلها قبل داود بن يحيى.
العلامة داود المحلي هو من بني نعيم، ولعله يقرب الراغب، كان من العلماء، وله في علم الطريقة قدم ألَّف فيها، وقبره بالذنوب من أعمال (حجة)، وله هنالك /127/ قبَّة شهيرة، يزار قبره - رضي الله عنه -.
دهماء بنت يحيى بن المرتضى [ - 837 ه ]
السيدة العالمة العاملة الناسكة الحافظة لعلوم أهلها دهماء بنت يحيى بن المرتضى أخت الإمام المهدي أحمد بن يحيى مؤلف الأزهار - سلام الله عليهم-(1)، ترجم لها العلامة السيد أحمد بن عبد الله الوزير - رحمه الله تعالى - لها العلوم الواسعة، والتصانيف النافعة، لها (شرح الأزهار) أربعة أجزاء(2) و(شرح منظومة الكوفي) في الفقه والفرائض) و(مختصر المنتهى في أصول الفقه)، وكتاب (الجواهر) في علم الكلام، وكانت قراءتها على أخيها.
قلت: لعله - يعني السيد الهادي بن يحيى - قال: وعلى أخيها المهدي - عليه السلام- قرأت عليه هي والإمام المطهر.
ومما يحكى من عظيم ملازمتها للعبادة أنها إذا أكثرت المراجعة، وطالت بين(3) الإمام المهدي(4) وبين الإمام المطهر (- عليهما السلام-)(5) قامت تصلي حتَّى يفرغ تحريرهم تلك(6) المسألة فتأخذها صفواً، ولم تكن ترضى أحداً يعينها في عبادة الله سبحانه بشيء كتقريب الوضوء، وقد أراد ذلك الإمام المطهر - عليه السلام- في بعض الليالي، وفعله، ومنعته، وكرهت فعله، والقصد الإشارة وإلا فشرح أحوالها الصالحة طويل - أعاد الله من بركاتها - أقامت في ثلا للتدريس حتى ماتت - رضوان الله عليها - وقبرها مشهور مزور وعليها قبة حسنة، وقد ضمَّ إليها الإمام المتوكل على الله شرف الدين - عليه السلام- مسجداً عظيماً، ووسع القبَّة.
__________
(1) في (ب): عليهما.
(2) يوجد نسخة منه مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي، ولكن لا تأكيد أنها للمؤلف، بل رواية عن السيد محسن أبو طالب.
(3) في (ب): بين يدي الإمام.
(4) في (ب): صلوات الله.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): لتلك.
قلت: وقد تقدَّمت الإشارة إلى أنه تزوجها السيد المقام محمد بن أبي الفضائل وأولدها ولداً سمى(1) أدريس بن محمد.
قلت: ولها شعر ومن شعرها قولها في كتاب أخيها الأزهار:
يا كتاباً فيه شفاء النفوس ... أنتجته أفكار من في الحبوس
أنت للعلم في الحقيقة نور ... وضياء وبهجة كالشموس
قلت: وعلى ذكر الأزهار وإيمائها - رضي الله عنها - إلى أن أخاها صنفه في الحبس، أذكر ما ذكر في الكنز تأليف ابن الإمام، وهو الحسن بن أمير المؤمنين الماضي ذكره، فإنه قال ما حاصله: إن أصحاب الإمام علي بن صلاح الدين منعوا من دخول الكتب وآلة الكتاب إلى الإمام المهدي وخشي الإمام أن يغفل عن محفوظاته في الفقه، فألهمه الله إلى اختصار الكتاب الذي كان قد جمعه في الفقه واستقصى فيه الخلاف بين المذاكرين، فحذف الخلاف وجمع ما صحَّحوه لمذهب الهادي - عليه السلام- في لفظ وجيز واضح المعنى، وكان كيفيَّة جمعه أن يلقي على السيد علي بن الهادي عبارته وهو يكتبها في أبواب المجلس المسمورة عليهم، ومداده جص يأخذه من الجدار إلى شقف من مدر ويكتب بعود فإذا امتلأ الباب نقل الذي فيه جميعاً حتى صار غيباً، ثم يمحوه، ويكتب غيره، ويفعل ذلك حتى تم الكتاب، وكمل محفوظاً غيباً غير مكتوب في كتاب قدر حولين كاملين ما وضع في كاغد حتى خرج السيد علي بن الهادي وهو متغيب له، فكتبه وسمي كتاب (الأزهار في فقه الأئمة الأطهار) فاستحب به كل من رآه، فانتشر انتشاراً جلياً، ثم سخر الله الخدم فساعدوا على إدخال آلة الكتابة من كاغد ومداد، فشرع في كتاب (الأنوار في الآثار الواردة لمسائل الأزهار) حتى أتمه، ثم أخذ في جمع شرح الأزهار المسمى (بالغيث المدرار الفاتح(2) لكمائم الأزهار)، قالوا: وكانت البداية في تأليف (الغيث) في السجن في سنة ست وتسعين وسبعمائة، قالوا: وصنف البحر في ثلا، وكانت إقامته فيه من سنة اثنتين وثمانمائة إلى سنة ست عشرة
__________
(1) في (ب): يسمَّى.
(2) في (ب): المفتح.
وثمانمائة، وارتحل منه إلى مسور وصنف(1) (الغايات) وأفرغ فيه (درر العقائد في شرح القلائد)، ثم (دامغ /128/ الأوهام) حتى بلغ فيه باب الاعتقاد، وفي القلعة - يعني قلعة أبي يزيد - صنف (التكملة)، وارتحل إلى حراز وألف فيه (شرح المعيار) و(التاج) و(القانون) و(القسطاس) و(قاموس الفرائض) (وإكليل التاج) في النحو، وصنف في الحيمة (القمر النوار) وفي الدقائق (حياة القلوب) ذكر هذا عن الكنز لولده.
قلت: ومن شعر الإمام أيام حبسه - عليه السلام-:
يا من لعينٍ لم تزل عبرا ... وحشاشة قد أودعت جمرا
وفؤاد ذي قلقٍ يحاول أن ... يُقضى عليه فلم يطق صبرا
حيران قد ضلت مسالكه ... سكران كربٍ لم يذق خمرا
يمسي يرجي الليل ترجية ... ويظن ساعة ليله شهرا
فإذا اعترت ذكرى أحبّته ... جاشت عليه كآبة تترى
يا راكباً يرجي مطيّته ... هلاَّ ارتحلت مطيَّة أُخرَى
هَوجاء مرْقالاً عذافرة ... شملال ضمراً إن ترد مَسْرَى(2)
فاقصد مدينة يثرب فإذا اسـ ... ـتقبلت فيها ذلك القبرا
فاسفح دموعاً في جوانبه ... والثمه عشراً بعدها عشرا
وأطل بكاءك حوله فإذا ... زجروك عنه فلا تطع زجرا
فإذا أفقت فقل لهم قلقاً ... إني رسول عصابةٍ أسرى
علمين من أعلام أمَّته ... وسلالتيه من بني الزهرا
خلفتهم يتضوّعون ولم ... يسطع سواك لضعفهم نصرا
وانهض(3) ونهض صاحبيك على ... فور فقد مسّتهم الضرّا
أبو دلهم الوالبي [ - ق 2 ه ]
أبو دلهم الوالبي من خيار الكوفة، من أصحاب إمام الأئمَّة زيد بن علي - عليه السلام- ذكره البغدادي.
__________
(1) في (ب): فيه.
(2) مرقالا: ناقة مرقال: مسرعة (القاموس المحيط ص 926). عُذَافِرة: العذافر: العظيم الشديد من الإبل. (المرجع السابق، ص408). شملان: ناقة شملان: سريعة. ( المرجع السابق ص939).
(3) في (ب): فانهض.
حرف الراء
راشد بن الحسن بن أبي يحيى [ - ق 7 ه ]
القاضي العلامة قاضي أمير المؤمنين حاكم المسلمين راشد بن الحسن بن أبي يحيى الصنعاني - رحمه الله - كان من العلماء الكبار الجُلَّة الفضلاء، ولاه الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة القضاء، ذكره ابن دعثم وغيره، وله شعر حسن من ذلك:-
كيف اصطبار محب ماله جلد ... ولا له بدنوِّ الظاعنين يدُ
بان الأحبَّة عنه فهوَ بعدهم ... صب بهم مستهام مغرم كمدُ
يا أيُّها البرق سائل بالحمَى طللاً ... أقوى وأقفر حتى ما به أحدُ
ومنها:
وهل أقاموا على العهد القديم لنا ... منهم فإنا على العهد الذي عهدوا
إن يقربوا فمراد القلب قربهمُ ... أو يبعدوا فهو منهم حيثما بعدوا
ومنها في مدح الإمام المنصور بالله - عليه السلام-:
القائم الأوحد المنصور والعلم الـ ... ـمشهور قول صحيح ما به فندُ
قد أجمع الناس طرًّا في خلافته ... وفي خلافته الإجماع منعقدُ
راشد بن علي بن الحسين [ - ق 7 ه ]
الشيخ العلامة راشد بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن صاحب ريمة الأشاطب، من أهل الرصانة والدين والثبات واليقين، شديد العناية بتشييد الإسلام وهدم قواعد ما خالفه، من حماة المذهب الشريف وأهل الأنفة لله عز وجل، وكان عظيم الشأن رئيساً/129/ كبيراً، وله أشعار كثيرة منها:
سرى طيف أسما وهو طيف مسلم ... وزار سحيراً والحواسد نُوّمُ
ألمَّ بنا والحي منهم مهوِّم ... بنجدٍ ومنهم راحل ومخيمُ
أحنُّ اشتياقاً والركائب في الفلا ... تحن من الجهد الضليع وتزرم(1)
تبارى بمرتُ البيد سعياً كأنها ... سفائن بحر وهو برد مسهم
تمرُّ كأخداج النخيل رقابها ... ويشكل إشكال الظريف فيرسم
تيممت فيها ربع صنعا إلى الذي ... صنائعه للمعتفين تُيمم(2)
أناخت بأثواب الخلافة حيثما ... أناخ الهدى مستكملاً والتكرم
__________
(1) في (ب): وترزم.
(2) كذا وفي (ب): يُيَمَّم.
ثم ساق في مدح إمام زمانه - عليه السلام- وهو الإمام الشهيد صاحب الكرامات أحمد بن الحسين سلام الله عليهما، ومن شعره إلى الإمام يستنهضه على مبغضي عترة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:
اشتقت طيفاً طائفاً وخيالا ... وطللت دمعك بالحمى أطلالا
ووقفت تسأل عن قديم قطينها ... عجباً فما ردت عليك سؤالا
ولقد عذلت عن الصبابة والصبا ... فعصيت في فرط الهوى العذَّالا
ومنها:
رقصت على آل الفلاة فخلتها ... وحداتها العادين فيها آلا
لَمَّا رأت معنى أزال تيقنت ... أن العنا عنها اضمحل وزالا
أمَّت أمير المؤمنين وأمَّلت ... من أحمد أن يدرك الآمالا
ومنها:
من مبلغ أحياء ريمة أنها ... لو شاهدتك لزلزلت زلزالا
الباغضين لأهل بيت محمد ... والجائرين عن اليمين شمالا
قوم تأنّف عن رضاك ولو مضت ... فيهم ضباك(1) لقسمت أمثالا
عدوا الجبال الشامخات وما دروا ... أن قد ملكت السهل والأجبالا
فمتى أرى الجرد الجياد كأنها ... حور النعام تراسَلَت إرسالا
تطأ الربا من ريمةٍ وتهامة ... وتعد هام المعتدين نعالا
راشد بن محمد نشيب [ - 795 ه ]
الفقيه العالم الفاضل، شديد الورع كثير الخوف، راشد بن محمد نشيب - رضي الله عنه، وأعاد من بركته - ذكره السيد الإمام الهادي بن إبراهيم في (رياض الأبصار في ذكر الأئمة الأقمار والعلماء الأبرار)، وذكره صاحب (الصلة) - رحمه الله - قال: كان هذا راشد بن نشيب من المشمِّرين في ليله ونهاره في حوائج المسلمين، وإخوانه في الدين، أشد الناس ورعاً، وأقلهم طمعاً، وأكثرهم للمسلمين نفعاً، وله من شدَّة التحرز في الورع ما يخرجنا عن المقصود، وكان إذا شرى حطباً مشتركاً لم يقسمه إلا بالميزان، وكان على وجهه نور الإيمان، وفي وجهه - رحمه الله -علامة عيشة من تحت أنفه إلى أسفل ذقنه وعلماء اليمن يروون فيه خبراً عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والله أعلم بصحته. انتهى كلام الصلة.
__________
(1) في (أ): ضباؤك.
وقد ذكر هذا الحديث وأومأ إليه السيد الهادي.
قلت: وكان له ولد فاضل اسمه عبد الله حري بإفراد ترجمة، وقد اكتفينا بذكره - رحمه الله - هنا، وقبر راشد وعبد الله ابنه بصنعاء عند السيد الهمام العابد عاقل اليمن وعالمها وزاهدها المهدي بن قاسم الزيدي نسباً ومذهباً، وحكى الفقيه /130/ العارف علي بن طاهر بن سعيد بن علي منصور الخولاني - وكان من أهل الطريقة - أنه أخبره الثقة الذي يرضاه أنَّه قد سمع القرآن من قبريهما جميعاً - رحمهما الله -.
قلت: وقد ذكر بعض الناس أن نسبه - رحمه الله - ونسب بني الزرزار وبني القصف وبني الضياء يرجع إلى جبلة بن الأيهم، قال: ويقال لهم جميعاً بنو سعيان(1). توفي راشد - رضي الله عنه - ليلة الاثنين لتسع وعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
__________
(1) في (ب): شيعان.
راشد بن محمد الكينعي [ - ق 7 ه ] ت
الفقيه العابد راشد بن محمد الكينعي - رحمه الله - كان من علماء الطريقة وأهل الفضل وصحبه(1) العلامة إبراهيم الكينعي - رحمهم الله - وهو من أحد العمد في الصَّلاح مع إبراهيم؛ لأنه كثر اتباع إبراهيم ومال كثيراً عن الشهوات بسببه، وكان لهذا - رحمه الله - مزيد مزيَّة كأنه لرحامة(2) بينهما، ولمَّا أراد إبراهيم الخروج من العمران ولزوم الفيافي والسياحَة جمع أموال التجارة من الورق والعين، وقال: تباً لمن يفتح تلك العين وأسلمها إلى أخيه هذا، وقال: دونك هذا المال اصرفه في نفسك وفي أطفالك وإخواني وإخوانك وأرحامي وأرحامك، وخرج من كل ما يملك حتَّى نعله وثياب بدنه وطلق نساءه ولبس من أخشن الصوف، وكان من مهيجات هذا لإبراهيم - قدس الله روحه - ما أثمر في قلبه من سحر الحكمة، واتفق أنه دخل يوماً إلى ابنته وكانت له بنيَة تقيم البيت، وتفتح الباب فلقيته وقالت: يا أبه من أخذ ثيابك البيض؟ وودعها وخرج إلى الله فاراً لا يلوي(3) إلى أحدٍ سواه، واتخذ ركوة وعصا وحبلاً وقدحاً وهام على وجهه يريد مكة والعراق وبيت الله المقدس، فخرج من صنعاء وشعر به أخوه في الله هذا راشد بن محمد وإخوانه في الله الجميع، فلحقوا به حتى أدركوه قريباً من ظفار فتعلقوا به تعلق المُرضع بأمِّه وكثر منهم البكاء والضجيج وأقسموا بالأيمان المغلظة لئن لم يرجع لا رجعوا بل يصحبونه، فعاد معهم إلى صنعاء واعتكف بمسجد الرصاص - أعاد الله من بركتهم -.
__________
(1) في (ب): وصحب.
(2) في (ب): لرجاحة.
(3) في (ب): على أحد سواه.
الربيع بن محمد بن الروية
الشيخ ناصر الدين السابق، ولي آل رسول الله الربيع بن محمد بن الروية - رحمه الله - أحد أشراف اليمن وعظمائها، كان مقدم مدحج وصاحب الكلمة فيهم، ونصر العدل والتوحيد ونشر ألوية آل محمد - عليهم السلام- ولم يؤثر عنه إلا الصالحات من ابتداء أمره إلى انتهائه، وكان محموداً عند الأئمَّة، وكان يسكن بلاد مدحج، وربمَّا سكن بمأرب، وبلغه وهو بمأرب خروج آل الدَّعام إلى قومه المراديين من مدحج، فلم يلبث - رحمه الله - أن خرج في جيش معه مبادراً لآل الدَّعام خوفاً من خدعهم لقومه؛ لأن آل الدعام يومئذٍ نافروا الناصر للحق - عليه السلام- فوجد قومه على ما يريد من عدم المبادرة إلى سواء(1)، فضرب رأيهم في ذلك، ورغبهم في الحق وأهله، وفيه يقول الشاعر:
ابن الروية قرم مدحج لم يدع ... محض الوفاء لقرم آل محمدِ
إن الربيع نصيرهم ووليهم ... وسنامهم يوم الوغى في المشهدِ
إن الوفاء إذا الرجال سموا به ... كان الربيع مقدماً في المسندِ
رجاء بن هند البارقي [ - ق 2 ه ]
رجاء بن هند البارقي، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- ذكره البغدادي.
__________
(1) في (ب): سوء.
رزين بن أحمد [ - 430 ه ]ت
القاضي الرائس المقدَّم صاحب العلوم والأعلام رزين بن أحمد المكنى أبا العبَّاس - رحمه الله - كان من العلماء الكبار الجامعين بين وظائف الأمراء والعلماء، تولَّى الحجاز /131/ للإمام المنصور بالله القاسم بن علي كرَّة أولى، ثم تولَّى نجران فخرج أهل الحجاز يطلبون ولايته من الإمام، فولاَّه (الحجاز) و(جنب) وبلاد(1) (يام) و(وادعة)، ولاه أعمالها جميعاً، وأمَّره عليها وأضاف إلى ذلك القضاء، فكان أميرها وقاضيها، وليس آل رزين المنتقلين إلى صعدة من ولده كما وهمت ذلك بديهة، وسيأتي ذكرهم، فإن فيهم العلماء، ولهم العناية بعلوم آل محمد، وأكثر كتب الأئمة بخط يحيى بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن أبي رزين، وهو في حد(2) ثلاثين وأربع مائة، ونبَّهت على ذلك لتبادره إلى الذهن وذكر بعض من اعتنى بنحو ما أعتنيت به أنَّ آل أبي رزين قوم……(3) صنعاء وشبام وصعدة، وأن بعضهم نسب نفسه إلى الأزد.
__________
(1) في (ب): بلد.
(2) في (ب): في حدود ثلاثين.
(3) في (ب): هذا البياض قد ذهب من الأم.
قلت: وكان علي وموسى ابنا أحمد بن أبي رزين من رجال التطريف، وكانا وحيدين في علم العربية، فأمَّا علي فإمام لا يلحق في النحو ورغب في شرح كتب نحاة اليمن، نحو كتب آل أبي عباد، فأتى فيها بالعجائب، ولمَّا مال إلى الورع أقفرت معالم النحو، فرحل الطالبون عن اليمن نحو العلامة سليمان بن يحيى بن عبد الله البحتري(1) رحل إلى مصر إلى محمد بن عبد الملك الشنتريني، وكان يخط علي بن أبي رزين كتاب (أقليدس) في الهندسة، فلما مات بيع بثمن صالح، فكان يتأسف عليه الفضلاء؛ لأن كتبه لا تحتاج إلى مذاكر ولا معلم، ومن كلامه وهو حكمة: لا تتكلموا مع العوام في الدقائق ولا تناظروا خصماكم بين أيديهم فيما يدق عليهم فتنفروهم عن الحق وأهله وتقوى الشبه عندهم فتهلكوهم ، ولكن ليكن كلامكم في ذلك مع العلماء منكم وكلامكم مع العامَّة فيما يسرع إليهم فهمه ويقرب عليهم تناوله، ثم أنشد:
تحل عن الدقيق فهوم قوم ... فيحكم للمجل على المدق
رشيد بن صلاح بن سليمان [ - ]
العلامة رشيد بن صلاح بن العلامة سليمان بن ناصر السحامي صاحب شمس الشريعة، عالم كبير راويَة لأخبار أهل البيت، نقل عنه الفضلاء، وهم بيت فضلٍ مشهورون، وسيأتي ذكر جده - رحمه الله -.
الرشيد بن منصور بن الفضل [ - ]
السيد العلامة الرشيد بن منصور بن الفضل بن الحجاج - رحمهم الله - ترجم له السيد ابن الوزير - رحمه الله - وقال: كان سيداً فاضلاً أديباً شاعراً، وبيض لشعره - رحمه الله - قال: أقام بسمر، وكان له منزل يعرف بمنزل الرشيد، وكان فيه عناية كلية.
قلت: وسمر المذكور من جهة (بني مطر) بقرب (وقش)، كان يسمَّى قديماً بالعشة، ثم هجَّره السيد يحيى بن منصور وعمره وآوى إليه هذا البطن الشريف، وهو مسكن الإمام علي بن محمد وولده - عليهما السلام-.
__________
(1) في (ب): البجيري.
رضي بن ناصر الناصري [ - ق 5 ه ]
السيد الشريف رضي بن الناصر الناصري الحسني(1) - رحمه الله - عالم كبير، له كتاب (تفضيل الناصر للحق - عليه السلام-)، وهو الذي روَى عنه أبو طالب الفارسي أن المؤيَّد بالله - عليه السلام- قال عند موته أو في بعض أوقاته: لو تمكنت من فتاواي التي أفتيت بها لأحرقتها، واعلم أنه قد يلتبس الشريف رضي المذكور بالسيد الإمام المعروف بكنيته أبي الرضى الحسيني الكيسمي المدفون بكيسم - قرية معروفة بجيلان - وقد كان في بداية أمره من أعوان الحسين الناصر من أولاد الناصر الكبير، فلمَّا قبض إلى رحمة الله أحبَّ أبو الرضى البقاء على الولاية؛ لأنه لا يرى بطلانها بالموت، مع أنه صالح في نفسه جامع للشرائط.
__________
(1) في (ب): الحسيني.
قال العلامة الحافظ محي الدين يوسف بن أبي الحسن الجيلاني - رحمه الله -: وأبو الرضى هذا ربَّما يوجد ذكره في حواشي الإفادة /132/ والزيادة عند المسائل المشكلة فيهما، واتفق بينه وبين الإمام الحقيني مقال أثرته الوشاة فتشاورا فراسله في موعدٍ يوماً بالاجتماع لتدبير صلاح أمرهما، فاجتمعا يوماً في موضع، وكان بينهما وادٍ وعلى الوادي قنطرة فتسارع بعض من خاف من اختلاط الفريقين بالكريهة إلى القنطرة فهدم وسطها بحيث لم يمكن العبور عليها لراجل ولا فارس، فكان فارقاً بين الفريقين، فتعاين الشريفان - رضي الله عنهما - وسلم كل واحدٍ منهما على صاحبه، ثم قال أحدهما مخاطباً لصاحبه: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((عليكم بالتواصل والتوازر والتبادر وإياكم والتقاطع والتدابر والتحاسد فكونوا عباد الله إخواناً)) وأظن قائل ذلك الإمام الهادي - رضي الله عنه - [وقال الآخر](1) وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((المسلم أخو المسلم لا يخونه(2) ولا يخذله ولا يظلمه ولا يستحقره ولا يقبل عليه قول النمَّام وأسَّ التقوى هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - فحسب امرئٍ من الشر أن يحقر المؤمن، دمه حرام وعرضه حرام وماله حرام، وحرام أن يظن به ظن السوء)) ثُمَّ انصرف الفريقان إلى وجههما، ولمَّا استشهد الهادي - رضوان الله عليه - تمحضت ذروة الإمامة للإمام أبي الرضى، فاعتلى عليها ودعا الخلائق إلى نفسه واستَولى على جميع أقطار جيلان وديلمان إلى حدود (طبرستان)، وكانت المملكة القاسطة الجائرة إذ ذاك في ديلمان لآل حوَّاء كانوا ناصريين في الدعوَى فرعونيين بالغشم والظلم، فنابذهم الإمام منابذة علويَّة، واتفق له معهم أنه كان في مسجد قرية يقال لها: (أملس)، فأراد بعض آل حواء الهجوم عليه، فتكاً (ونهباً)(3)، وقال: اليوم أفقأ عينه للإمام، فهجم على المسجد بغتة بقضّه
__________
(1) سقط من (أ).
(2) لعل الصواب: لا يخنه بالجزم.
(3) سقط من (ب).
وقضيضه، فوثب الإمام وأصحابه، فكان في أصحابه صاحب يقرأ في إصلاح المنطق، فرماه الظالم بمزراق فاتَّقاه الصاحب لكتاب الإصلاح، ثُمَّ عطف على الظالم بالمزراق فضربه على عينه ففقأه بعزة الله تعالى، ولقد بلغني أن فرس الظالم أعانه على فقئ عينه بأن دنا إلى جدار المسجد حتى توكأ ذباب المزراق بالجدار فلج به الفرس حتى تفقأت العين.
أبو الرضى بن أبي المحاسن [ - ]
الفقيه العلامة أبو الرضي بن أبي المحاسن(1) بن أبي رشيد اللنجائي(2)، العالم الكبير الفاضل الشهير، له (حاشية الإبانة)، وكتاب (رد الملاحدة).
الرضي بن الحسين بن المرتضى [ - بعد سنة 417]
السيد الأمير الرضي بن الحسين بن المرتضى بن الهادي، إمام العلوم، لقيه أبو الغنائم الزيدي الآتي ذكره، وروى عنه، قال: لقيت الرضي بالرّي سنة سبع عشرة وأربعمائة، فعرضت عليه نسبه(3) فأقر به، ورأيت عليه الخير، وأجاز لي كتاب الأحكام لجده مما سمعته عن أبيه عن جده(4)، عن يحيى الهادي - عليهم السلام-.
حرف الزاي
زياد بن أدهم [ - ق 2 ه ]
زياد بن أدهم بن درهم(5)، ذكره أبو القاسم البغدادي، وذكر فضله وعلمه وأنه من جملة الزيديَّة - رضي الله عنه -.
زياد بن المنذر الكوفي(6) [ - ق 2 ه ]
__________
(1) في (أ): المجاشن.
(2) في (أ): اللنجأي.
(3) في (ب): عليه نسبه.
(4) في (ب): عن أبيه وجده.
(5) في (ب) زيادة: بن درهم.
(6) ترتيب هذه التراجم مختلف في نسخة (ب) على النحو التالي:
1 - زياد بن درهم.
2 - زيد بن الأنماطي.
3 - زيد بن أحمد بن الحسن البيهقي.
أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفي الهمداني، وقيل: الثقفي، وقيل: النهدي، وإليه تنسب الجارودية من الزيدية، روى له الترمذي، وكان عالماً عاملاً، ترجم له غير واحدٍ، قال نشوان وغيره والزيدية الآن على رأيه(1).
زرقان بن أسفيحا [ - ]
العلامة زين العارفين بهاء الدين أبو الفوارس زرقان بن أسفيحا أحد علماء العراق، وإذا قال في زوائد الإبانة: المشائخ، فهو يعني بهم صاحب المسفر الأبوابي وشيبة بن محمد وأبو طالب الفارسي صاحب (الهداية)، وعلي بن بلال، وأبا القاسم البستي، ويُعد من جملة المشائخ(2) السيدان الإمامان /133/ أبو عبد الله صاحب المرشد وأبو الفضل الناصر، وهو من أولاد الناصر للحق - عليهم السلام-.
زين الأنماطي [ - ق 2 ه ]
زين الأنماطي(3)، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- وممن أخذ عنه، وكان فاضلاً ناسكاً (……)(4) وهو الذي روى مناظرة زيد بن علي - عليه السلام- للزنديق عند هشام بن عبد الملك - لعنه الله -.
زيد بن أحمد بن الحسن [ - ق 7 ه ]
العلامة الرحال الفاضل شيخ الشيوخ تاج الدين زيد بن أحمد بن الحسن البيهقي.
__________
(1) أن القول فيه إجحاف ونسبة الزيدية إلى أبي الجارود بعيدة كل البعد عن الحق والصواب، وكان أحد تلامذة الإمام زيد ودعاته، وقد عرف بصلابته في الحق، روى عن الإمام زيد كما ذكر أبو عبدالله العلوي وصاحب الجداول والطبقات، وعده أبو القاسم عبدالعزيز بن إسحاق البغدادي والمزي فيمن روى عن الإمام زيد، وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 426.
(2) في (ب): من حملة المشائخ أيضاً.
(3) في (ب): زيد بن الأنماطي.
(4) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
قال العلامة شعلة - رحمه الله -: وكان له اسم آخر وهو أحمد بن أحمد الروفاتي، قدم هجرة حوث سنة عشر وستمائة في أيام المنصور بالله، فأجاز للعلامة بن الوليد، وللعلامة حميد بن أحمد، وأجاز لشعلة وأثنى عليه العلماء - رحمه الله - قال شعلة: كان حافظاً(1).
زيد بن إسماعيل الحسني [ - ق 4 ه ]
السيد الأستاذ الفاضل أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني - رحمه الله - تلميذ الإمام السيد أبي العباس - رضي الله عنه - وهو إمام جليل تتلمذ به الفضلاء، ونقل عنه النبلاء، ومن تلامذته الشيخ أبو الحسن علي بن أبي طالب أحمد بن القاسم الحسني الملقب بالمستعين بالله، والشيخ العالم أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد شاة سريحان صاحب كتاب (المحيط بالإمامة) (2).
زيد بن جعفر الباقري [ - ق 7 ه ]
العلامة الفاضل اللسان البليغ زيد بن جعفر الباقري، ثم الصعدي - رحمه الله - من علماء أوائل المائة السابعة، فاضل عالم مجيد، لقي الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام- وكان له شعر فائق، ومن شعره:
أهاب بمسلوب الحشاشة مسبوت ... معاهد بالمروُّت سقياً (لمروُّت)
فلبّيتها مستمطراً(3) ظهر لوعةٍ ... من الشوق لامستمطيا ظهر مخروت
قلت: المخروت بالخاء المعجمة بعدها راء مهملة أي المخطوم في أنفه.
فجئنا نجوب البيد ليس يهولني ... تنائف يعمى دونها كل خريت
دليلاي طيف لا يزال مسامري ... وريَّا رباها حين يأتي بتفنيت
أرى أن إلمامي بها أعظم المنى ... ولو جئت سبروتاً إلى كل سبروت(4)
بقاع إذا اهتزت بوصل فنبتها ... فرائد من درٍ بديع وياقوت
ومنها:
__________
(1) وانظر الطبقات ترجمة (259).
(2) قال في الطبقات ترجمة 260: سمع كتاب الأحكام للهادي عليه السلام على السيد أبي العباس، ورواه عنه محمد بن علي الجيلاني.
(3) في (ب): قال في الأم: لعله مستمطئاً.
(4) سبروتاً: السُّبْرُوتُ: القَفْر لا نبات فيه، والشيء القليل التافه، والفقير. (القاموس المحيط، ص 154).
ويفعل أعيان لعين بحلها ... بألباب من يفعل(1) بها فعل هاروت
فحبل سلوي دونها قد بتته ... وحبل اشتياقي دونها غير مبتوت
أمامي وخلفي حاديان تخالفا ... فلست بمصغ لا إلى غيرها ليتي
سوَى العرصَات الزاكيات التي سمت ... بأفضل منظور وأفضل مسموت
وأعلى الورَى كعباً وأفضلهم أباً ... وأرفعهم في العالمين مدا صيت
[ثم أطال في مدح إمامه عليه السلام] (2).
زيد بن الحسين الأشتري [ - ق 5 ه ]
السيد الأجل الفاضل أبو الحسين زيد بن الحسين الأشتري الجرجاني سيد فاضل من علماء العراق، له روايات وأخبار، وروَى شيئاً من مناقب المؤيَّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليهم السلام- ومما حكى عنه قصة عياض الثعلبي نقل عنه ابن الشجري - رحمه الله - أنه حكى أن عياضاً المذكور حضر مجلساً بجرجان جرى فيه ذكر السيد المؤيَّد بالله، وذكر بعضهم أن الله سبحانه يعينه على الحق وينصره، فقال العياض الثعلبي: برئت من إله يعنيه، وقال عقيب هذا القول: أوجعني بطني، وتعلق ببطنه، وعاد إلى داره ومات في تلك اللَّيلة /134/ قال: وسمعت هذا السيد يقول: إن أبا عمرو الفقيه القصَّار الجرجاني حضر مجلساً بجرجان في أيام الأمير فلك المعالي، فذكر بعضهم أن السيد أبا الحسين الهاروني إنما يطلب بما يفعل الدنيا، وليس يعمل لله سبحانه، فقال أبو عمرو وكذلك أبوه علي بن أبي طالب، كان يحارب معاوية وعائشة للدنيا لا للآخرة، وفارق ذلك المجلس وعاد إلى داره وفلج في الوقت، وما برز من داره بعد ذلك، ومات من تلك العلة. وللسيد أبي الحسين روايات منقولة في التواريخ - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): يلمم.
(2) سقط من (أ).
زيد بن صالح الزيدي [ - ق 5 ه ]
أبو القاسم العلامة زيد بن صالح الزيدي العراقي، ذكره العراقيون وأثنوا عليه، وممّن ذكره يوسف الحاجي، وذكره السيد الشجري - رحمهم الله - وفي سيرة المؤيَّد بالله من أصحابه أبو القاسم بن زيد بن صالح ويوسف حاجي، ذكره في أصحاب المؤيَّد بالله، فلعله سقط عليه لفظ ابن، والله أعلم.
ومن أصحاب الناصر للحق زيد بن صالح من كبارهم وأجلائهم، يروي عنه المؤيَّد بالله أحمد بن الحسين - عليهما السلام-(1).
زيد بن علي بن الحسين [ - ]
السيد الكبير زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- عالم كبير فاضل شهير، وهو راوي خطبة الزهراء عن مشيخة آل الرسول.
وقد وهم بعض الناس أن الراوي هو الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين، فاستشكل ذكر أبي العيناء في روايته، وهذه جلية الحال فليعلم ذلك.
زيد بن علي الحسني [ - ق 5 ه ]
الشريف العالم المتكلم زيد بن علي الحسني، إمام الزيدية بالمسجد الجامع بصنعاء، من الرؤساء العلماء الكبار الجلة الخيار، أحسبُه بعد أربعمائة من الهجرة، ناظر قدماء المطرفيَّة - أقماهم الله - كالشيخ عطاف وغيره، وكانوا يعترفون بفضله - رضي الله عنه -.
قلت: لعله زيد بن علي بن الحسين بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- صاحب كتاب (الرد على عامر بن عبد الله الظليمي) فيمن طعن فيه على الهادي إلى الحق - عليه السلام- في كتاب بسيط، ويحتمل أن زيداً هذا غيره، وقد اكتفينا عن ترجمة زيد بن علي هذا المجيب على عامر الظليمي بذكره هنا.
زيد بن علي الزيدي [ - ق 5 ه ]
القاضي أبو الفضل زيد بن علي الزيدي المعروف بابن النجار الرازي - رحمه الله - كان من عليّة أصحاب المؤيد بالله.
قال السيد الإمام ابن الشجري - رحمه الله -: كان من بيت العلم والرئاسة.
__________
(1) في (ب): وولاه الناصر القضاء.
زيد بن علي بن الحسن [ - 551 ه ]
العلامة شيخ الحفَّاظ إمام المعقول والمنقول زيد بن علي بن الحسن بن علي بن أحمد بن عبد الله الخراساني الزيدي، واشتهر بنسبته إلى جده الحسن، فالموجود في الكتب زيد بن الحسن(1) البروقني(2)، ويقال: البروقاني، هو إمام في العلوم، كثير العبادة، واسع الهمَّة، تخرج عليه علماء العراق واليمن، وهو كثير الالتباس بتاج الدين زيد بن أحمد بن الحسن البيهقي، ولذلك تعرَّض للفرق بينهما المشائخ - رضي الله عنهم - وترجم لزيد هذا الجُلّة من الأصحاب.
قال السيد الصارم في علومه: وصاحب المقصد والمسلك أيضاً ناقلاً عنه زيد بن الحسن الخراساني البيهقي الزيدي، شرف الأمَّة حافظ الآثار، ناقل علوم الأئمة الأطهار، وهو الذي يذكر في إسناد مجموع زيد بن علي وصَل من بلده لزيارة قبر الهادي وعقد مجلساً /135/ لإملائه فضل العترة بالمشهد المقدَّس بصعدة، وكان يملي في كل خميس وجمعة مدَّة سنتين ونصف، فما أعاد حديثاً، وسمع منه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليهما السلام- والقاضي جعفر بن عبد السلام الأبناوي(3) البهلولي، واستجازوا منه، وهو الذي يذكره أهل التعاليق في صفة صلاة التسبيح، وليس بالبيهقي الشافعي.
__________
(1) في الطبقات زيد بن الحسن بن علي البيهقي البروقني نسبة إلى بروقن من قرى خراسات، انظر الطبقات ق3 ج1 ص446 ترجمة 261.
(2) في (أ): التروقني.
(3) في (ب): الأبناوي.
وقال في النزهة: ومن مشائخ الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان أبو الحسن زيد بن علي البيهقي التروقاني الوارد إلى اليمن في سنة أربعين وخمسمائة، وهو الذي مات في تهامة بموضع يقال له: السيحتان من مخلاف الشرفاء آل سليمان الشرط(1) من اليمن وكان موضعاً خالياً، فأصبح مأهولاً ، وقبره به مشهور مزور، وذلك وقت رجوعه من اليمن إلى بلاده، فإن الإمام أخذ عنه وهو أحد طرقه، وكان شيخ زيد هذا الفضل بن الحاكم أبي سعيد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، وكان شيخ ولده الفضل أباه المذكور.
__________
(1) في (أ): مخلاف الشرط.
وقال السيد الإمام لسان المعقول والمنقول أحمد بن محمد الشرفي - رضي الله عنه - زيد بن الحسن البيهقي الزيدي - رضي الله عنه - قدم اليمن من خراسان في سنة إحدى وأربعين وخمس مائة، أظنه بجمادى الأولى منها، وكان الشريف علي بن عيسى بن حمزة السليمان رئيس(1) العلماء، وعالم الرؤساء بمكّة المشرفة، وهو الذي صنف جار الله له الكشاف، قد قدم كتاباً إلى المتوكل على الله أحمد بن سليمان - سلام الله عليهما - يخبره بقدوم الشيخ وبالثناء عليه وأن مقدمه من خراسان، فوصل إلى الإمام في هجرة(2) محنكة من بلاد خولان مغارب صعدة، ومعه كتب غريبة وعلوم حسنة عجيبة، فسُرَّ به الإمام - عليه السلام- وتلقاه بالبشر والإتحاف وخلَّى له موضعاً في منزله، فأقام به مدة، وكان شديد الورع والعبادة وحسن الطهارة، وكان ربَّما يتوضأ لصلاة الظهر فيصلي بذلك الوضوء الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ثُمَّ يصلي به آخر ليلته إلى أن يطلع الفجر فيصلي به الفجر، وكان يؤيّد الإمام - عليه السلام- ويحضّ الناس على طاعته، وقال يوماً للقاضي الأجل سليمان بن شاور: إنا يا معشر الزيدية بالعراق نتطوَّل بهذا الإمام ونزداد به على جميع الفرق في الآفاق، ثُمَّ أقام - رحمه الله - مجاوراً لقبر الهادي إلى الحق مدَّة من الزمان، وكان يتفرغ يوم الخميس وليلة الجمعة في رواية الأخبار في فضل آل محمد لا يخلط مع ذلك سواه، وأقام سنتين ونصفاً يروي الأخبار في ذلك، فما أعاد خبراً فيه مرتين، ويقال: إن الذي استدعاه من العراق الشريف علي بن عيسى السليماني لمَّا ظهر مذهب التطريف في اليمن(3) المحروس، فخرج أنفة للشرع وحميَّة عليه وغضباً لله - جل علاه - فلقي شدائد، ونهب أكثر كتبه بين مكة والمدينة، وكانت وفاته - رحمه الله - في تهامة بموضع يقال له السنحتاني من مخلاف الشرفاء آل سليمان، وكان ذلك الموضع خلاء فأصبح
__________
(1) في (ب): رائس.
(2) في (ب): إلى هجرة.
(3) في (ب): باليمن.
مأهولاً، وقبره به مشهور مزور، وذلك رجوعه من اليمن إلى بلاده، وهو ممَّن قرأ على الحاكم أبي سعيد المحسن بن كرامة - رحمه الله - هذا كلام السيد: أنه قرأ على الحاكم نفسه، وقد تقدم كلام النزهة أنه قرأ على ولده الفضل.
زيد بن علي الهوسمي [ - ق 5 ه ]
الشيخ العالم الورع زيد بن علي الهوسمي - رحمه الله- (1)، ذكره القاضي العلامة عبد الله بن علي العنسي - رحمه الله - في رحلته إلى العراق، وحكى عنه ما يدل على ورعه، قال: أتيت بلاد الديلم، وكان المسلمون يأتونني بما آكل من الخبز، فربَّما يبقى منه ما لا آكله إلى أن يجف ويتعذر عليَّ شهوته ونحو ذلك، وكنت بمسجد يصلي فيه الفقيه زيد /136/ أو قال القاضي زيد، فدخل المتوضأ وأنا هناك، فأقبل كلب من الكلاب، فرميت بحرف خبزه بقي عندي لم أشته أكله، فجعل يكسره بفمه ويلوكه، فسمعه الفقيه زيد فقال: ما هذا؟ قلت: أطعمته كسرة بقيت عندي، فقال: ما أقل ورعكم يا أهل اليمن، ويحك يا عبد الله متى تعينت عليك فريضة الكلاب، وهذا خبز يأتيك به المسلمون لتأكله. انتهى كلامه
قلت: يعني إنما يقرب إليه من الطعام إباحَة لا تمليك، وهذا من جمود الفقهاء على ظواهر القواعد، ولكنه يدل على ورع وحيطة، جزاه الله خيراً(2).
زيد بن علي بن هبة [ - ]
العلامة بدر الإسلام زيد بن علي بن هبة الراوي، فاضل عالم وإليه لمح في رياض الأبصار بقوله:
وبالبدر زيد من إذا الكتب عقدت ... هتفن به الأقطار يا زيد أحلل
زيد بن علي الخولاني [ - ق 7 ه ]
الفقيه الفاضل زيد بن علي الخولاني - رحمه الله - ذكره السيد العلامة يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله - وأثنى عليه، وهو من أعيان المائة السابعة.
__________
(1) في (أ): الهومسي.
(2) انظر المزيد من روايته وشيوخه في طبقات الزيدية الكبرى ق3 ترجمة 262.
زيد بن علي بن الحسين [ - 1040 ه ]
القاضي البليغ، كاتب الإنشاء، بديع زمانه، زيد بن علي بن الحسين المسوري، هو العالم بن العالم بن العالم، كان صحيح العقيدة، صالح الحال، صادق الودّ لآل محمد - عليهم السلام- على طريق سلفه وأهل بيته، وكان بديع زمانه، فريع(1) أوانه، مجيداً في الإنشاء، غاية الإجادة، وله في النظم يد طولى، قال الشعر من صغره، وظهر صيته وتقدم على النظراء، وصحب سيف آل محمد سلطان الإسلام مولانا الحسن بن القاسم، وكان أبرع أهل الحضرة، ولو أظفر بشيء من كتبه عند كتابة هذه غير ما كتبه لوالدي - رحمه الله - عن رأي مخدوم الجميع سيف الإسلام - رحمه الله - لمَّا ولاه أعمال (بعدان) ووجهه لفتح حصنه (جبل حب) فقال في العهد بعد البسملة(2) والصلاة والسلام على محمد وآله: من فاز في محبَّة الآل(3) بالسبق، وعرف عند جميع الناس بالإتصاف بمحاسن الخلق، وكان من ورق الشجرة التي بها يستظل من طلب الحق، فإنه حقيق بأن يحمل أعباء الولاية، أهل لتعظيم شأنه إلى غير نهاية، جدير باستنابته منابنا في السياسة والرعاية، ولمَّا كان المتوَّج بهذا التاج والمرتقي بعقله وكماله درج هذا المعراج، هو القاضي الرئيس الندب الحلاحل، النفيس المجاهد المناضل، المعاضد المناصر الباسل، علم الدين والناشئ في طاعة رب العالمين، صالح بن محمد بن أبي الرجال أصلح الله له وبه الأعمال، وبلغ فيه وبلغه قصارى الآمال، استخرنا الله سبحانه وهو خير مستخار، واخترناه بعد أن ساغ لنا اختياره بطول الاختبار، للنيابة عنَّا والمقام مقامنا، والكفاية لنا، والتكفُّل بما يتعلق بنا من أعمال الجهة البعدانية، وولايتها القاصية والدانية، يتصرّف فيها كما أمرناه، ويقوم من أمرها بما سنذكره - إن شاء الله- وما ذكرناه، يقدم ويحجم، ويحل ويبرم، ويحل ويحرم، ويضع ويرفع، ويضر وينفع، مطلق اليد في التصرف، نافذ الكلمة من غير تعجرف، راعياً لحق
__________
(1) لعلها: فريد.
(2) في (ب): التسمية.
(3) في (أ): بقصب السبق.
علام السرائر، متحرياً رضاه ورضا خليفته، ورضانا في الباطن والظاهر، سالكاً في بيوت الأموال سبيل الحفظ والصيانة، محافظاً على ما نعرفه منه من الدين والأمانة، ثابتاً في حسن الطاعة لله ولرسوله ولإمامه ولنا مكانه، ناظراً إلى من فوقه بعين الإجلال، وإلى من دونه بعين البر والشفقة في جميع الأحوال، سائراً في الرعية بغاية الرفق، واسعاً لمطيعهم وعاصيهم بالصبر وحسن الخلق، آمراً لهم بما أوجبه الملك الحق، ناهياً لهم عما لا يرضى به /137/ خالق الخلق، معرفاً لهم بما هو عليهم من الواجبات، آخذاً عليهم في المحافظة على الصلوات، ساعياً في هدايتهم بالتي هي أحسن في جميع الأوقات، ذاباً عنهم بالحق كل مريد، كافاً عنهم(1) كل شيطان مريد، موقراً لكبيرهم، وراحماً لصغيرهم، راعياً لحقوق أرباب البيوت، أصمَّ الأذن عن أقاويل أهل الغيبَة والقتوت، مُساوياً بينهم في نظره وقوله وفعله، شاملاً للأعلى والأدنى منهم بإحسانه وفضله، مدافعاً عن الأيتام والحرم، رافعاً عن الضعفاء منهم ظلم من ظلم، ثابتاً على(2) أوساط الأمور، لابساً حلة الحلم والوقار عند ورود ما تحرج منه الصدور، (نُطْنَا) به هذا الأمر ركوناً على ما ظهر من رفقه وعدله، واتكالاً على ما نعهده من وفور دينه وعقله، وألقينا ما خفا علينا إلى علام الغيوب، وعملنا بما أوجبه حسن الظن به والمطلع الله على سرائر القلوب، وهو حسبنا ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على محمد وآله وسلم، حرر بتاريخ سادس عشر من شهر شعبان عام ثمانية وثلاثين وألف.
__________
(1) في (ب): عنهم حدّ كل شيطان.
(2) زيادة في (ب): صراط.
وله أشعار في معاني عديدة، وهو من بيت سخر الله لهم الكلام، ويسر لهم المفاخر العظام، أعاد الله من بركتهم، ومن شعره وهو أوّل ما قال حتى روي عنه أنه كان لا يحب نسبتها إليه؛ لأن شعره من بعد هذه حسن كثيراً لكني لم أظفر عند الرقم إلا بهذه وهي طويلة نتبرّك ببعضها وهي في المولى سيف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين - عليهما السلام-:
تقوى الإله وإصلاح السريراتِ ... هما السبيل إلى نيل السعاداتِ
وخير ما قدّم الإنسان من عمل ... ما كان لله عن إخلاص نيَّات
فما اتقَى الله عبد فاستعان به ... إلاَّ تأتى سريعاً كلما يأتي
ومكَّنته الأماني من أزِمّتها ... وجاءه الدهر يسعى بالإرادات
انظر إلى حُسْنِ فعلِ الله في حسنٍ ... وما تبيّن فيه من كرامات
في أمره لأولي الألباب مدَّكر ... وللمريبين فيه آي آيات
هل نال ما ناله من قبله أحد ... إن كنت برّزت في علم الروايات
حاشاه من أن يضاهى في مكارمه ... أو في مناقبه أو في السيادات
فقل لمن رام..... للحوق به ... أقصر فما أنت من أهل السموات
إن امرءًا صار فوق الشمس مقعده ... هيهات إدراكه هيهات هيهات
بلى إذا شئت أن تحظى برتبته ... وإن ذلك من أقصى المحالات
انصب زمانك في درس العلوم معاً ... وانح الذي قد نحاه في الديانات
انصب زمانك في درس العلوم معاً ... مع اشتغالك فيه بالجهادات
كن في النهار لأمر الملك تنظمه ... والليل قم في محاريب العبادات
وهذا القدر كافٍ وهو شعر رائق كما ترى، وكان - رحمه الله - حسن الأخلاق، مسكيّ الشمائل لطيف الممازحة، وانتقل إلى جوار الله في شهر جمادى الآخرة سنة أربعين وألف، وقبره(1) في قبة الشيخ الغيثي برباط المعاين بين مدينتي إب وذي جبلة من مدائن اليمن - رحمه الله تعالى -./138/
__________
(1) في (ب): وقبر.
زيد بن محمد الداعي [ - ق 3 ه ]
الشريف الكبير الأعظم أبو الحسين زيد بن محمد الداعي الأديب العارف، من بيتٍ (ربحت) أنف الفخر به وشمخت، وثبتت قوائم مجده ورسخت، فهم أحد مفاخر الزيدية بل أحد مفاخر الإسلام.
قال الحاكم في الجلاء(1): كان قاضياً نبيلاً، وكان شاعراً مجيداً، لا يلحق ، أنشد له ابن الشجري وغيره.
قال الناطق بالحق أبو طالب - عليه السلام-: أنشدني مشائخنا بطبرستان لزيد بن الداعي محمد بن زيد ماقاله وهو محبوس ببخارى بعد قتل أبيه - رضي الله عنه -:
إن يكن نالك الزمان ببلوى ... عظمت شدة عليك وحلتْ
وأتت بعدها نوازل أخرى ... خضعت بعدها النفوس وذلت
وتلتها قوارعٌ ناكباتٌ ... سئمت عندها الحياة وملت
فاصطبر وانتظر بلوغ مداها ... فالرّزايا إذا توالت توّلت
وإذا أوهيت قواك وحلتْ ... كشفت عنك جملة وتجّلت
انتهى، وأنشد لي ابن الشجري في الأمالي ما كتبه إلى بعض أصدقائه بعد قتل أبيه، وأسره في الحرب التي وقعت بينهم وبين الخراسانية أصحاب إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر من أعمال خراسان سنة سبع وثمانين ومائتين وهو يقول:
أسجنٌ وقيدٌ واشتياقٌ وغربةٌ ... ونأيُ حبيبٍ إنَّ ذا لثقيلُ
أيا شجرات الحور من شط هرهرٍ ... لشوقي إلى أفيائكن طويلُ
ألا هل إلى شم البنفسج في الضحى ... لحشْكَرْدَ(2) من قبل الممات سبيلُ
فبلغ الشعر إلى إسماعيل بن محمد فرَق له ودعاه، وخيَّره بين الرجوع إلى وطنه وبين الإقامة ببخارى، فقال: لا قد تغيَّرت تلك الأحوال عمَّا كانت عليه واختار الإقامة ببخارى، وصاهر حمويه بن علي وهرهر(3) الذي ذكره آمل وحشكرد قرية على شط هرير.
__________
(1) في (أ): الحلاء، ولعله جلاء الأبصار للحاكم المحسن بن كرامة الجشمي.
(2) كذا في (ب) و (أ).
(3) في (ب): وهرهر هرير.
قلت: وأبوه وعماه سلطان الإسلام وعلماهُ النَّيِّران، ولهما عجائب وغرائب، وتولى الناصر الكبير القضاء لمحمد بن زيد ورثاه بمراثي طويلة، وللحسن بن زيد مصنفات في فقة الزيدية منها (البيان).
زيد بن محمد الكلاري [ - ق 5 ه ]
القاضي الإمام، حجَّة المذهب، شيخ الشيوخ، وحيد أهل الرسوخ، زيد بن محمد الكلاري - رحمه الله - هو حافظ المذهب وعالمه الذي لا يبارى ولا يمارى ولا يجارى ، حقق القواعد وقيَّد الأوابد ووضَّح الأدلة والشواهد، حتى استغنى بتحصيله المحصلون، وانتفع بتفصيله المفصلون، وليس لشرحه(1) بعد ذهاب الشرحين شرحي (التجريد) و(التحرير) للأخوين - عليهما السلام- نظير، أقرّ له المخالف والموالف حتى إن شيخنا المحقق أحمد بن محمد الشابي - بالشين المعجمة - بعدها ألف بعدها باء بواحدة من أسفل مشدَّدة - القيرواني المالكي، اطلع عليه فبهره، وتعجَّب من تحقيقه وجودته، واستنكر تضعيفه حديث القلتين بالاضطراب، وقال: قد خرجه الأربعة وصححه خزيمة، فكيف يكون فيه اضطراب، ثم اطلع(2) السهيلي من أصحابهم وغيره للإضطراب، فعاد إلى التعجب من القاضي - رحمه الله - وجميع مشائخ الزيدية يغترفون من رحيقه، ويعترفون بتحقيقه، ولقد مرَّت مسالة في البيان بمجلس الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين - عليهما السلام- وشيخه العلامة عامر بن محمد الذماري - رحمه الله - في (البيان الشافي)، فتبادر القاضي إلى تضعيفها /141/ ومعارضتها، وقد كان المرجوع إليه في وقته، فلمَّا قال ابن مظفر - رحمه الله - ذكره القاضي زيد في الشرح هاب القاضي عامر التكلم وقال: الشرح جُهمَة، وقد ذكره الملا يوسف الجيلاني في تراجمه: القاضي زيد مع جماعة من المؤيَّدية، وقد ذكر الفقيه العلامة الحسن بن
__________
(1) شرح القاضي زيد يسمى الجامع في الشرح، وهو في عدة مجلدات، انظر الطلبقات وأعلام المؤلفين الزيدية ومصادر التراث في المكتبات الخاصة في اليمن.
(2) سقط من (ب).
محمد النحوي - رحمه الله - في تعليقه على (اللمع) ما نصّه: من كتب المؤيد بالله (التجريد) وشرحه و(الإفادة) و(البلغة) و(الزيادات) ويسمَّى (الملحق على الإفادة) ويسمى (المسائل) ويسمَّى (المفرد من الأدلة والتفريعات) و(المسترشد والنيروسيات) و(الوافر على مذهب الناصر)، و(تعليق ابن أبي الفوارس على التجريد) و(تعليق الإفادة للقاضي زيد)، ولها تعليق آخر لابن عبد الباعث وشرحها للأستاذ، و(شرح أبي مضر للزيادات)، وقبله (شرح الحقيني) عليها و(المجموع بين الإفادة والزيادات، وأوَّل التحرير)، وهو لعلي بن محمد الخليل والأستاذ وابن أبي الفوارس، والقاضي يوسف ممن عارض المؤيَّد بالله، وقرأ عليه، وباحثه، وأمَّا القاضي يوسف فقرأ عليه قليلاً وعلى أبي طالب أكثر وأكثرها على الأستاذ، وبعدهم على خليلٍ، وهو قبل القاضي زيد، فكأن القاضي يروي عنه وأبو مضر اسمه شريح بن المؤيَّد، وأبوه قاضي المؤيَّد بالله، وكان طال به الدَّهر إلى زمان القاضي زيد، فانه يروي عن القاضي زيد، والله أعلم، وأبو جعفر في زمان أبي طالب، وهو قاضيه. انتهى
قلت: وعلى ذكر هذا البحث أذكر (شرح القاضي زيد على التحرير) وهو معروف بالتعليق، وقد تعرض علماؤنا للفرق بين الشرح والتعليق، فنقل شيخنا القاضي الوحيد العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - عن بعض العراقيين، قال: نقله من خطه من ديباجة شرح القاضي زيد - رحمه الله -: اعلم أن الفرق بين الشرح والتعليق أن الشرح فيه ذكر المذهب وحده، ليس فيه اعتراض ولا مطالبة ولا نوع معارضة في مجموع المسائل، والتعليق يذكر(1) فيه المخالف والموالف تارة على طريق الاعتراض، وتارة على سبيل الاستدلال، فتعليق التحرير ثمانية كتب مجلدة، وشرحه دون ذلك، ويستفاد من التعليق معرفة علم الجدل، ومدارك الخطأ والزلل، وأمَّا (تعليق التجريد) فتصنيف أبي يوسف، وأمَّا (شرح البلغة) فتصنيف القاضي أبي(……)(2) بن محمد بن مهدي الحسني المدفون في بلد (بكشا)، وأمَّا (الإبانة) فتصنيف الشيخ الأجل أبو جعفر بن علي الديلمي على مذهب الناصر - عليه السلام- وشيعته، أربعة كتب مجلدة.
قلت: ونقل العلامة شيخ الشيوخ القاضي أحمد بن يحيى(3) حابس - رضي الله عنه - في (المقصد الحسن) ما لفظه: فإن قلت: ما بالهم في شروح الكتب يذكرون تارة شرحاً وتارة تعليقاً؟ قلت: اصطلح العلماء - رحمهم الله - أن الكتاب إذا شرحه شارح ثم جاء غيره فانتزع منه منتزعاً أنه يسمى ذلك المنتزع تعليقاً أي تعليق الشرح المنتزع منه، فحيث أضيف ذلك التعليق إلى الكتاب فهو على حذف مضاف أي تعليق شرحه.
__________
(1) زيادة في (ب): كلام.
(2) في (ب): كذا في النسختين.
(3) زيادة في (ب): بن.
قال الدواري(1): اعلم أن الشروح التي توجد لأصحابنا - يعني في زمانه - (شرح التحرير لأبي طالب)، و(شرح التجريد للمؤيَّد)، و(شرح الإفادة للأستاذ)، و(شرح النصوص لأبي العبَّاس)، و(شرح الأحكام لأبي العبَّاس أيضاً)، و(شرح أبي مضر)، ومثله (شرح الحقيني) كلاهما على الزيادات، و(شرح لابن عبد الباعث على التحرير) والمشروحات ستة (التحرير) و(التجريد) و(الأحكام) و(النصوص) لأبي العبَّاس و(الإفادة والزيادات للمؤيَّد) والتعاليق أربع: (تعليق ابن أبي الفوارس منتزع من شرح التجريد)، و(تعليق القاضي زيد منتزع من شرح أبي طالب) /142/ و(تعليق الإفادة للقاضي زيد منتزع من شرح الإفادة)، و(تعليق الإفادة لابن عبد الباعث على الإفادة)، انتهى.
زيد اليامي [ - 122 ه ] وقيل سنة 123هـ
زيد اليامي من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- ذكره البغدادي - رحمه الله -(2).
زيد بن موسى الكاظم [ - ]
زيد بن موسى الكاظم الذي كان يلقب بزيد النار، كان عالماً كبيراً من وجوه أهله، ولمَّا تَولى محمد بن محمد بن زيد - عليه السلام- عقد له على (الأهواز)، فلما دخل البصرة(3) وغلب عليها حرق دور بني العباس وأضرم النار في نخيلهم، ولذلك سمَّى زيد النار فحاربه الحسن بن سهل، فظفر به وأرسل به إلى المأمون، فأدخل عليه (بمروٍ) مقيداً، فأرسل المأمون إلى أخيه علي الرضا، ووهب له جرمه، فحلف على الرضا ألا يكلمه أبداً، وأمر بإطلاقه، ثم إن المأمون سقاه السم فمات وقبر بمرو، وكان هذا السيد الجليل حافظ الزيدية، ذكره البغدادي وغيره.
__________
(1) في (ب): الدواري.
(2) زيد بن الحارث بن عبدالكريم بن عمر بن كعب اليامي أبو عبدالرحمن الكوفي، كان شيعياً ورعاً زاهداً من ثقات التابعين، ذكره المزي فيمن روى عن الإمام زيد، وكذلك أبو عبدالله العلوي، توفي سنة 122هـ وقيل سنة 123هـ وقيل سنة 124هـ. انظر تسمية من روى عن الإمام زيد ترجمة 12.
(3) في (أ): ببصرة.
زيد بن مقبل(1) [ - ق 7 ه ]
العلامة الكبير، من علماء صعدة، وذكر أحواله بعض علمائنا - رحمهم الله - وقال: قتله أحمد بن المنصور بالله وأسد الدين التركماني حين دخلا صعدة، وكشفوا النساء، وانتهبوا بيوت المدينة، وأسروا طائفة، وأقاموا بالمدينة.
زينة بنت حمزة بن أبي هاشم [ - ق 6 ه ]
الشريفة الفاضلة العابدة زينة بنت حمزة بن أبي هاشم ذات الشرف والعفاف، والمجد الذي أناف على ذرى آل أبي(2) مناف، كانت غوث اللهيف، عون الضعيف، ولها حسنات وإحسان، وأياد لم تكن في حساب ولا حسبان، وكيف لا وهي من البحبُوحة العالية، والدوحة الرفيعة السامية، وفد إليها الناس، ولاذوا بها في الأزمة والبأس، وكانت بحيط حمران من (ذيبين) ولها منازل للضيوف وأبواب يدخل منها الوفد للقراء(3) وأبواب يخرجون منها، ويروى أن أغلب الضيف المشهورة بشعاب علي من فوق الشعب المعروف شعب خديجة إنما سيمت غلة الضيف لأنه يأتي إلى هنالك من به حاجة إلى القراء.
قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة أخبرنا الشريف العالم العامل الورع الكامل القاسم بن يحيى بن موسى بن يحيى بن علي بن المحسن بن الحسن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام- عن عمه داود بن موسى، قال: وفدت إلى الشريفة الفاضلة زينة بنت حمزة - رضي الله عنها - وكانت تقصد كما يقصد الملوك، وتعطى فوق عطائهم، مشهورة بالعلم والفضل، فامتدحتها بشعر رواه لي فضبطت منه:
يا ربة الدين والتوحيد والأدبِ ... ويا مؤمل أهل الفقر في الحقبِ
ويابنة الملك والأطهار من حسن ... من آل حمزة والعالين في الرتبِ
بنت الشفيع الذي يرجو شفاعته ... كل الخلائق من عجم ومن عربِ
لولا أبوك الذي أحيا لنا شرفاً ... وشاده طيباً في الناس لم يطبِ
__________
(1) في (ب): زيدان بن مقبل.
(2) في (ب): آل عبد مناف.
(3) في (ب): للقرى.
حكى(1) الشريف الفاضل العالم أنها وصلته بستين ديناراً وما يتبعها من كسوة، وجملت(2) حاله.
حرف السين المهملة
سالم بن أبي حمزة الثمالي [ - ق 2 ه ]
سالم بن أبي حمزة الثمالي العالم العامل، ذكره أبو القاسم البغدادي في رجال الزيدية وغير البغدادي أيضاً وهو(3) من أجلاء وقته ونبلاء زمانه، ولقي زيداً - رضي الله عنه -.
سالم بن أبي حفصة [ - 140 ه ] ت
سالم بن أبي حفصة - رحمه الله - ذكره البغدادي أيضاً في رجال الزيدية وأهل الإسناد لهم - أعاد الله من بركته -(4).
سالم بن أحمد بن سالم [ - بعد سنة 600 ه ]
العلامة سالم بن أحمد بن سالم البغدادي(5)، ذكره ابن جميل النهدي في رحلته، قال الشيخ (……)(6)
/143/ قال: اجتمع به سادياح بنيسابور في مدرسة الصدر يحيى بن إسماعيل مبلغ دعوَة الإمام المنصور بالله في الصفة الشرقية بشهر رمضان سنة ستمائة.
__________
(1) في (ب): فحكى.
(2) في (أ): وحملت.
(3) زيادة في (ب): وكان.
(4) انظر المزيد عنه في أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 441.
(5) في (ب): البغدادي الإمام الكشيري.
(6) فراغ في النسخين (أ) و (ب).
سباع بن محمد الحراني [ - أوائل ق 7 ه ]
سباع بن محمد الحراني، الشريف الفاضل الشجاع الباسل، قال أبو فراس بن دعثم: كان عبداً صالحاً ورعاً كثير الصيام، أتى إلى الإمام(1) المنصور بالله عبد الله بن حمزة قاصداً للجهاد بعد أن تخلَّص عن ماله، وقضى الحقوق التي عليه في بلده، فلمَّا وصل استأذن الإمام - عليه السلام- للتقدم عليه للبيعة، فأذن له فبايعه وقال له الإمام: بارك الله فيك، وحكى أنه رأى مناماً أنه يبايع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما فرغ من بيعته قال له: بارك الله فيك كما قال له الإمام فحمد الله وأثنى عليه وازداد يقيناً، قال: كنت أنظر قول الإمام بعد البيعة يُوافق قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام، وأقام ملازماً مع الإمام صابراً مرابطاً حتى استشهد في سبيل الله إلى - رحمه الله - بغزاة نجران الثانية،وهو من جملة أشراف الحجاز القادمين من آل الحسن، ومنهم الحسن بن طامي، ومفرح ويمين ابنا الحسن بن ثابت وعلي ومحمد ابنا الحسن بن مفرح الخراسان وسالم بن عمرو وعلي بن الرأس(2)، وحظي منهم بالشهادة محمد بن الحسن بن مفرح في غزاة سراقة، وهذا الشريف سباع - رضي الله عنه -.
سالم السلولي [ - ق 2 ه ]
سالم السلولي، كان من تلامذة الإمام، عظيم الشأن، وهو الذي خرج زيد بن علي من داره يوم قتل - عليه السلام-.
سري بن إبراهيم بن أبي بكر [ - 626 ه ]
سرى بن إبراهيم بن أبي بكر بن علي بن معاذ بن مبارك بن تبع بن يوسف بن فضل العرشاني - رحمه الله - كان من العلماء الكبار، أهل النباهة والأخطار، تولى قضاء صنعاء لبني أيوب، واستمرَّ بها إلى أن فتحها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ذكره السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير. وذكر السيد شمس الدين أنه ممن كان يعترض معاملة الإمام للمطرفية، وله (رسالة) في هذا المعنى.
__________
(1) في (ب): الإمام.
(2) في (ب): الرائس.
قلت: ذكره الشيخ اللسان العالم ابن العالم علي بن نشوان الحميري، فقال: كان عالماً فاضلاً، وكان أكبر من بصنعاء من العلماء مقاماً ومعرفة وعلماً، ورجع إلى مذهب الزيدية عن مذهب الجبر، وكانت له في الفقه يد قويَّة، وله تثبت في الخصومات وحذاقة، فولاه الإمام المنصور بالله - عليه السلام- القضاء بمذهب آل محمد - عليهم السلام- وأن يرجع إلى أمير المؤمنين فيما التبس عليه من القضايا والأحكام، وكتب له بذلك عهداً، وفي أيام القاضي سري بن إبراهيم (بنى وردسار) المنارتين في الجامع، وأصلحه وبنى الجبَّان، وسري هو الذي بنى المطاهير والبركة بجامع صنعاء، ولم يكونا قبل ذلك ابتداء العمل سنة سبع وستمائة، روي من أخباره أنه كان له عنب، فحكم على إنسان فجاءه في الليل يناديه يا قاضي، قال: ما تقول؟ قال: هذا شريم معي كذا كذا سن وأنا عازم على قطع عنبك فلم يزل يتلطف له حتى ترك، ولمَّا أصبح باع العنب، وقال: لا يصلح لحاكم مزرعة، توفي قاضياً بصنعاء سنة ست وعشرين وستمائة.
سالم بن مرتضى بن غنيمة [ - ق 10 ه ]
سالم بن مرتضى بن غنيمة(1)، صاحب (التفسير)، فقيه فاضل، وله (كتاب في التفسير)، وله (كتاب في الحديث على أبواب الفقه)، مخرّج من الست الأمهات، وأحسب أن هذا الفقيه هو الذي اختصر (المعتمد) لابن بهران في الحديث، والمعتمد هو جامع الأصول لابن الأثير، إلا أن ابن بهران جعله على أبواب الفقه، وهذا الفقيه الذي ظننته سالماً المذكور، اختصره اختصاراً يقرب - إن شاء الله - إلى الصواب، رأيته ولم أطالعه وبنو غنيمة(2) من أهل حبور بيت شهير.
__________
(1) في (أ): عينمة.
(2) في (أ): عينمة.
سري بن منصور [ - ]
أبو السرايا قائد المقانب، وزائد المناقب أسد الله الهصور، سري بن منصور، هو أحد الأعلام، الناشرين للأعلام /144/ وأوحد الحكام، المنفذين للأحكام، وأخباره أشهر من الشمس في الضحى، إذا انطمست آثار السلف فما انطمس أثره ولا انمحى، فما أحراه بقول من قال:
وإذا(1) سمعت برحا منصوبة ... للحرب فاعلم أنني قطب الرحا
وهو أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، ولمَّا رجع الإمام محمد بن إبراهيم صنو القاسم - عليهما السلام- من الجزيرة، وقد أخلفه نصر بن شيث(2) الزيدي ما وعده لأسباب من قومه، لقي أبا السرايا في الحجاز في ناحيةٍ من السواد، قد أوَى إليها خوفاً على نفسه، لأنه قد نابذ السلطان ومعه غلمان له فيهم أبو الشوك وأبو هرماس، وكان علوي الرأي ذا همَّةٍ سامية، فدعاه الإمام إلى نفسه، فأجابه وقال له: انحدر في القراء حتى أوافي على الظهر، وموعدُك الكوفَة، فسبقه الإمام إلى الكوفَة، وتعرَّف أحوال الناس ودعاهم، قال نصر بن مزاحم: فحدَّثني رجل من أهل المدائن(3)، قال: إني لعند قبر الحسين - عليه السلام- في ليلة ذات ريح ورعد ومطر، إذ بفرسان(4) قد أقبلوا فترجلواـ ودخلوا إلى القبر فسلموا، وأطال رجل منهم الزيارة، ثم جعل يتمثل بأبيات منصور بن الزبرقان النميري:
نفسي فداء الحسين يوم غدا ... إلى المنايا غدو لا قافل
ذلك يوم أنحى بشقوته ... على سنام الإسلام والكاهل
كأنما أنت تعجبين ألا ... ينزل بالقوم نقمة العاجل
لا يعجل الله إن عجلت وما ... ربك عما ترين بالغافل
مظلومة والنبئ والدها ... تدير أرحى مقلة حافل
ألا مساعير يغضبون لها ... بسلة البيض والقنا الذابل
__________
(1) في (ب): وإن.
(2) في (ب): نصر بن شبث.
(3) في (أ): المدارس.
(4) في (أ): بفارسين.
ثم أقبل عليَّ وقال ممن الرجل؟ قلت: من الدهَّاقين من أهل المدائن، قال: سبحان الله يحن الولَي إلى وليِّه كما تحن الناقة إلى حوارها، يا شيخ إن هذا موقفاً يكثر لك عند الله شكره، ويعظم أجره، ثُمَّ وثب وقال: من كان هاهنا من الزيّدية فليقم إليَّ، فاجتمع إليه جماعة، فخطب خطبة طويلة ذكر فيها أهل البيت وفضلهم، وما جرى عليهم، وذكر الحسين - عليه السلام- وقال: إن لم تنصروه لأنكم لم تحضروه، فما عذركم فيمن لحقتموه من أهل البيت وهو غداً خارج طالب بثأر الإسلام، وإني خارج في وجهي هذا إلى الكوفة لنصرته، فمن كان يريد ذلك فليلحق بي، فمَضى من وقته، فخرج الإمام للقائه في اليوم الذي واعده ومعه أهل الكوفة كالجراد المنتشر، لكنَّهم بغير سلاح، فأبطأ أبو السرايا - رحمه الله - فتكلم الناس فيه، وتعب الإمام فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم علمان أصغران وخيل فنادى(1) الناس بالبشارة، وكبروا وتبصروا، فإذا هو أبو السرايا، فلما بصر الإمام ترجل له وأقبل إليه فاعتنقه الإمام ثم قال للإمام: ما يمنعك من البلد أدخل فدخل وخطب ودعا الناس، ثم أرسل إلى الفضل بن العباس، فوجده قد خرج من البلد، فوجَّه إليهم الحسن بن سهل بن زهير بن الشيب، فوصل إلى قصر ابن هبيرة، ووجَّه لقتال أصحاب الإمام ابنه أزهر فاتفقوا عند سوق أسد فقتلهم أبو السرايا ومزقهم، فتوجَّه زهير بنفسه فلقيهم أبو السرايا فقتلهم ونهبهم وتبعهم إلى (شاهي)، فالتفت زهير إلى أبي السرايا، وقال: ويحك تريد هزيمة أكثر من هذه، فوجَّه الحسن بن سهل عبدوس بن عبد الصمد فلقيه أبو السرايا فنكل به وقتل أصحابه وهرب عبدوس في الجامع فلحقه أبو السرايا وهو /145/ يقول: أنا أسد بني شيبان، فلحقه وهو يهرب، فضربه حتى فلق هامته وخرَّ صريعاً، ثم وجه الحسن هرثمة، بن أعين، فكانت حروب تشيب الذوائب وأسر أبو السرايا هرثمة ودارت على هرثمة دائرة الحرب فحصل من بعض أهل الكوفة مخالفة عند
__________
(1) في (ب): فتنادى.
الحرب، فافترق الجميع(1) على أبي السرايا، فمضى في كتيبة من خيله على طريق خراسان حتى نزل قرية يقال لها: (بوقانا)، فبلغ حماد الكندوس خبرهم فركب بنفسه حتى لقيهم فأمنهم على أن ينفذ بهم إلى الحسن بن سهل فقبلوا ذلك منه، فحفظ محمد بن محمد بن زيد - عليهم السلام- وأنفذه إلى الخليفة، وأمَّا أبو السرايا فأعطاه هارون بن خالد وقال: اقتله بأخيك عبدوس بن عبد الصمد، فضرب عنقه - رحمه الله - ونصب رأسه في الجانب الشرقي من بغداد وصلب بدنه في الجانب الغربي، وقتل غلامه أبا الشوك، وصلب معه، وحمل محمد بن محمد بن زيد - عليهم السلام- إلى خراسان فأقيم بين يدي المأمون، فصاح الفضل بن سهل: اكشفوا رأسه فكشفوه وتعجب المأمون من صغر سنه، ثم أمر له بدار وجعل له فيها فرشاً وخادماً فكان فيها على سبيل الاعتقال والتوكيل، فأقام على ذلك مدَّة يقال إن مقدارها أربعون يوماً، ثم دست إليه شربة فمات - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): الجمع.
سعد الدين بن الحسين المسروي [ - 1031 ه ]
القاضي العلامة بديع زمانه، لسان المتكلمين، نصيح العترة المكرَّمين، العلاَّمة بن العلامة أبو العلامة سعد الدين بن الحسين المسوري - رحمه الله - كان من أفراد وقته في الفضائل، مشار إليه في جميع الخلال الحميدة، وله في العلوم حظ واسع، وله مشائخ أجلاء وتلامذة منهم ولده العلامة شمس الدين أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - رحل سعد الدين(1) إلى صنعاء للقراءة، وسكن (قملا) من بلاد خولان، وله أشعار دارت بينه وبين السادات(2) النحويين(3) مفاكهات، وله إجادة في الشعر ومكنَة عظيمة، وهذه القصائد الملموح إليها تدل على ذلك، وكان من أهل مكارم الأخلاق والمؤثرين على أنفسهم في الشدَّة، وكان عين الحضرة المنصورية - أعاد الله من بركة صاحبها- تولى بها الكتابة والخطابة، ووجَّهه الإمام كرتين فيما أحسب إلى الباشا للصلح؛ لأنه كان نبيهاً(4) حسن الأخلاق واسع الصدر، وكان لا يغضب لأمر يخصّه، وما علمت له في هذا المعنى غضبة، وكان شديد الصولة في ذات الله، يضرب بغضبه المثل ويحسب الناس أنه لا يحسن شيئاً من الصبر لما يرون من غضبه لله، وكان مقبولاً في جميع حالاته مع شدته وشراسته في جنب الله، وأمَّا فيما يخصه فحكى ولده صدر الإسلام ما ذكرت عنه أنه لم يحضر له غضبه، وكان يقول: أنا أطالب سادتي آل القاسم وأغضب عليهم أطلب منهم الأحسن ولا أرضى منهم بالحسن ولم أغضب عليهم لقبيح فهم منزهون عنه، وكان يقول للوفد إلى الحضرة(5) الأماميَّة، أمَّا وقت الغداء والعشاء والمبيت فلا يمتنع أحد منكم (مني)(6) عن مجلسي، وأمَّا سائر الأوقات فأطلب فراغ المنزل لأشتغل بمهمَّاتي، أتلو وأفعل ما شئت، ليس لكم في ذلك نصيب، فإن الأعمار لا تضيع، وكان يقول: أنا في وقتين أنفس الناس(7)
__________
(1) في (أ): رحل إلى صنعاء.
(2) في (ب): السادة.
(3) لعلها اليحيوين.
(4) زيادة في (ب): وجيهاً.
(5) في (أ): إليه الحضرة.
(6) ساقط من (ب).
(7) في (ب): وها وقت الطعام.
وقت الطعام والمبيت، ليس لي فيهما مع جميع من حضر(1) إلا حصتي، وأمَّا سائر الأوقات فلا أقبل السمر والإطالة فيما لا طائل تحته، وكان حافظاً يملي(2) الغرائب والنوادر العلميَّات والأدبيات، مما أخبرني به ولده صدر الإسلام - رضي الله عنه - قال: أخبره أن بعض الفضلاء مرَّ على بعض أولاد الرؤساء فحرَّضه على القراءة، وقال: بديهاً أبياتاً تشبه أبيات عبد الهادي السودي الموشحة: هذا المصلى وهذه الكثب وذا النقا. وهي مشهورة، وكان العلامة المهلا بالقرب /146/ من محل ذلك الطالب، فقال ذلك الفاضل لمن وصاه: هذا المهلا، وهذه الكتب وذا السقاء.
ولم يحضرني إلا هذا، وقد قيدته ولعلي أثبته - إن شاء الله- والمراد أن هذا الأستاذ وهو المهلا، وكان إمام العربيَّة وهو المعروف بالنيسائي، وسيأتي ذكره - إن شاء الله تعالى-.
وهذه الكتب جمع كتاب يعني للدرس، وذا السقاء يريد السليط أو الزيت، وهذا عارض من القول.
وأخبرنا سيدنا ولده - رضي الله عنه - يروي عنه قال: عاد بعضُ الأفاضل بعضَ الأفاضل في مرض، فسأله عن حاله في الصلاة فأنشده:
وكرر ثناه ما استطعت وذكره ... ولا يلهك المولى تليد وطارف
ثُمَّ بيتاً آخر لم يفهم عنه لضعف قواه وثقل لسانه غير لفظة المسايف، فأجاز ذلك بعض الفضلاء، فقال:
إذا ما ابتلاك الله فاصبر لحكمه ... على كل حالٍ فهو للضر كاشف
وكرر ثناه ما استطعت وذكره ... ولا يلهك المولى تليد وطارف
وحافظ على فعل الصلاة ولا تدع ... فرائض أدَّاها منيب وخائف
ولا تلغ فيه سنة مستحبَّة ... إذالم يكن عن ذاك في الحال صارف
وإن كنت في حالٍ ضرير فأدها ... ولو مثل ما أدى وصلَّى مسايف(3)
قال سيدنا: أخبرني بذلك والدي سعد الدين بن الحسين برد الله مضجعه، ونوره، ورأيته أيضاً(4) مكتوباً بخط بعض أهل العلم - رحمهم الله -. انتهى
__________
(1) في (ب): وفد.
(2) في (أ): على.
(3) في (ب): المسايف.
(4) سقط من (ب): أيضاً.
قلت: ومن شعره(1) أيضاً في أسنان الإبل:
حوار مخاض واللبون وحقها ... كذا الجذع الثني الرباع سديسُ
وبازل تسع ثم مخلف عاشر ... وبازل عامين وذاك مقيسُ
ومخلف عامين كذاك ثلاثة ... ومازاد زده والقياس مقيسُ
وأخباره الصالحة كثيرة - رضي الله عنه - توفي بهجر (المكردم) من أعمال هنوم بين صلاتي العصرين يوم الأربعاء الحادي والعشرين من ذي القعدة عام إحدى وثلاثين وألف، ودفن إلى جهة الجنوب من الجامع المنصوري بجوار القاضي الفاضل محمد بن سليمان الروسي، ويُسمَّى ذلك المحلّ شرف الغرفة - أعاد الله من بركتهم آمين-.
سعيد بن أحمد الفتوحي [ - ق ]
الفقيه العلامة(2) الكبير سعيد بن أحمد الفتوحي المعروف بسعيد الدار، وهو من دار عمرو من بلاد (سنحان)، ذكره ابن حميد واثنى عليه في التحقيق والعلم وهو من آل أبي الفتوح بيت شهير، وما أبعد أن يكون من آل أبي الفتوح الذي كانت سلطنة خولان العالية إليهم، وملك منهم من ملك صنعاء، وكانت مساكنهم بمسور المشرق، وفي بعض (……)(3)
وأمَّا هذا الفاضل فسكن دار عمرو، وقال السيد الهادي بن إبراهيم الصغير - رحمه الله -: كان سعيد تلميذ السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم وزميلاً لولده صلاح بن علي، وهو من آل أبي الفتوح، وسكن بدار عمرو وإليها نسب، وكان عارفاً أديباً لبيباً، ومما يحكى ويحفظ من آدابه أنه خرج هو والسيد أحمد بن محمد الأزرقي، وجماعة إلى بلاد سنحان، فلما رأوا براشاً وانتصابه، قال السيد أحمد بن الأزرقي:
كان براشاً خيل بن أكامه
فقال الفقيه سعيد:
من غير رَوِيَة بليل غزال روَّعته القوانصُ
ولمَّا بلغ القراءة عليه السيد محمد بن المطهر بن علي بن المرتضى إلى البدل، قال له الفقيه سعيد الدار:
يابن الهداة السادة الأبدال ... احفظ هديت مسائل الإبدالِ
سعيد بن برية [ - ق 5 ه ]
__________
(1) في (ب): - رحمه الله -.
(2) في (ب): العالم.
(3) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
العلامة المحقق الحجَّة سعيد بن برية - بالباء بواحدة /147/ من أسفل بعدها راء مهملة - الزيدي، هو شيخ الزيدية وعالمهم، كان معظماً في رجاله ذا جاه ومحل عند كثير من الناس، تولَّى القضاء (بريدة وأثافت)، وله بأثافت مزيد اختصاص، وله فتاوى في الفقه نقلها محمد بن يحيى بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن أبي رزين الصعدي، وكان سيفاً صقيلاً على المطرفية، وصاولهم وردَّ بدعهم، كما حكاه القاضي العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - وكانت له في الصدق آثار(1) يحمد أثرها منها أنه لمَّا قدم المعيد عند مصيره إلى اليمن أثافت وبها ابن برية فسمع المعيد يقول:
تباً لأقوام غرار إمامهم ... وقد أكثروا أقوالهم في ابن مريم
فلا ثم من ثوب ولا ثم ناقة ... ولا ثم لو تدرون من عود جرجم
__________
(1) في (ب): مقامات يحمد.
فجعل ابن برية يقول: معطل معطل يكررها، وقيل: إنما أنكر على المعيد هذا لأنه رمز منه عن آيات الرسل - عليهم السلام- وإنكارها يريد أنه ليس قميص يوسف بثوب ولا ناقة صالح من جنس الإبل، وكانت هذه من مناقب ابن برية - رضي الله عنه - لشدة عتوّ المعيد وطغيانه بأنه ما ورد اليمن من القاهرة إلا لذلك، كما روى يحيى بن مسلم الساري الصعدي عن مشائخه أن المعيد بعث داعياً إلى رأي الباطنية في اليمن،، وأنه كان يراسل ويراسل من القاهرة، وحكى من بعض ذلك أنه كتب إلى السلطان في القاهرة كتباً، وسفر بها رجلاً فأدخل على السلطان هناك وسلم الكتب إليه ولم يجبه بشيء موافق لغرض المعيد، ثم إنه تصفح المعيد للجواب(1) فأنكر معناه لعدم الملائمة للبلاغة، فدعا بالرسول فقال: دخلت على مولانا؟ قال: نعم، قال: أفرأيت شيئاً تنكره أو تستحسنه، ونادرة تعجبنا منها؟ قال لا: إلاَّ أني رأيته استدعى بقلاً في طبق فيه شيء من فجل فيه صغار جداً وكبار جداً وبين ذلك فتناول شفرة أو مقلمة فأخذ الكبار منه فقطع رؤوسها(2)، ثُمَّ شققها وبالغ في ذلك كاللعب، ثُمَّ رمى بها(3)، وتناول الصغار فأكل منها فسكت المعيد وفهم الرمز ويقال: إن ذلك إيماءٌ إلى قتل الكبار ويأكل من أموال الرعايا الصغار، فمن هذا كان مقصده، فلله در ابن برية، وقد وقع مع المعيد جماعة ووقاهم الله شره كالحسن بن أبي الشوك الرجوي، والقاضي تبع، فإنه جاءه همدان يسألونه الدخول معهم إلى المعيد لينظر مقامه في العلم، قال: تبع لست آتيه، لكني أكتب إليه مسائل إن أجابها فهو عالم، فوجَّه إليه بمسائل وأصحبهم دواة وقرطاس، فلمَّا وقف المعيد على المسائل، قال: لا يحضرني من الورق شيء، فقالوا: معنا ورق، فقال: لا دواة، قالوا: هي هذه، قال المعيد: هذه سماقيات تبع والله لأن ظفرت به لأخرجن لسانه من قفاه، فاعتزله تبع خائفاً فانتثر نظام ملك
__________
(1) في (ب): الجواب.
(2) في (ب): رواسها.
(3) زيادة في (ب): بها.
المعيد بمجرد بعده عنه، وهو لابس للصوف مقبل على العبادة، ولقد تعجب السلطان حاشد بن الضحَّاك من خوف المعيد من القاضي تبع، وقد دخل المعيد صنعاء بعشرة آلاف سيف، فلمَّا قال المعيد للسلطان حاشد إنه يتوسل به إلى مسالمة القاضي، فقال له السلطان لمكان تعجبه فقال: نعم: قد أفسد ببعده أعمالي، قال أبو بكر محمد بن الحسين الكلاعي الزيدي، سألتُ المعيد عن نسبه، فقال: هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قلت: وهذا نسب لم يثبته علماء النسب وسئل عنه القاضي أحمد بن عبد السلام، فلم يثبته لكنه، قال: هو من الريّ، وذكر أبو السعود علي بن أحمد بن جعفر بن الوليد الصنعاني المعروف بابن الآنف، وهو الذي رباه العلامة /148/ محمد بن أحمد اليامي أن المعيد المذكور اجتمع بعلي بن محمد التهامي الشاعر المداح لآل دعبل بن الجراح الطامين ونحوهم بمصر في وزارة آل العربي بالقاهرة المعربة، وأنهما اعتقلا معاً بخزانة البنود وهو السجن الأعظم الذي يقال فيه المثل المشهور داخلها مفقود وخارجها مولود، فخرج المعيد وقد درس مذهب القوم.
قلت: وكان بارعاً في الأدب، حكى نشوان أنه كان واقفاً بالمنقب وحاول الزيدية يأتونه فإذا أتاه أحد أدناه وقربه، وإذا أتاه رجال الباطنية أقصاهم، وينشد مشيراً إلى ما يفعله:
ألا رُبَّ نصح يغلق الباب دونه ... وغش إلى جنب السرير يقرب
وقد ذكرنا من أحواله شيئاً في ترجمة إسماعيل الأصبهاني، ثم الصنعاني - رحمه الله -.
قلت: ولم يزل(1) سعيد بن برية على قدم الشريعة قائماً ولم يرم عن منهاجها دائماً واشتجرت رماح المشاجرة بينه وبين(2) المطرفيّة الطبيعية، فله(3) إليهم أجوبة ومن رسالة له إليهم ما رأيت نقله إلى(4) الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام- ليشرف هذا النقل به، ولفظه: ليس شيء أولى بالمسلم من إصلاح نفسه ومعرفة قدره في علانيته وسره، والبحث عمَّن طلبته كطلبته، فإذا ظفر بأخيه المسلم كان عنده أنفس فائدة أفادها وأوجبه حقاً أو كانت الطلبَة طلبة واحدة، والمراد مراداً واحداً، ولقد عدم(5) التوفيق من عدم أخاً يبصره بعيوبه، ولا يذكره(6) عند غفلته، ويتلافاه عند زلته. انتهى
سعيد بن خثم(7) [ - ق 2 ه ]
سعيد بن خثم الهلالي صاحب الإمام الأعظم، ذكره البغدادي - رحمه الله - فيمن اشتهر بعد موت الإمام - عليه السلام-. انتهى
سعيد بن الحجاج(8) [ - ق 2 ه ]
الشيخ العالم سعيد بن الحجاج، صاحب زيد بن علي - عليه السلام- ذكره شيخ الإمام الناطق بالحق أبو القاسم في علماء الزيدية - رحمهم الله تعالى -.
سعيد بن الدعوس [ - ]
سعيد بن الدعوس العالم الكبير الرئيس، قال في الصلة: إنه كان [من] فضلاء العصر، وأوتاد الدهر المشمرين من أصحاب الإمام الناصر، قال: وكان عالماً فاضلاً زاهداً، وكان والياً لبلاد عنس والمتصرف على خراجاتها وواجباتها.
__________
(1) في (ب): ولم يزل القاضي سعيد.
(2) في (ب): وبين طائفة المطرفية.
(3) في (ب): وله.
(4) في (ب): عن.
(5) سقط من (أ): عدم.
(6) في (ب): ويذكره عند غفلته.
(7) متأخرة في (أ) فهي قبل سعيد بن عطاف بن قحليل.
(8) في (ب) هذه الترجمة قبل سعيد بن برية.
سعيد بن داود بن داود(1) [ - 1010 ه ]
الفقيه العالم النحوي المقرئ شيخ القراءات السَّبع إنسان أهل الطريقة على الحقيقة التارك للدنيا سعيد بن داود اليمني الآنسي، كان عالماً كاملاً جامع القلب مولعاً بالقرآن، أقام بمسجد النور بصعدة منقطعاً إلى العبادة، وكان إذا مرّت به الزواجر كثر بكاؤه وإذا ذكر الألفاظ المشجية بكى، حكي عنه أنه قرب له عنب من نوع يسمَّى الغريب في صعدة، فقال : ما اسم هذا؟ قالوا: غريب، فقال: غريب يأكل غريب وبكى كثيراً، وله بلاغة فائقة في النظم والنثر وأشعار كثيرة حكميَّة وحمينيّة على منهاج الصوفية، وله تخميس قصيدة العلامة ابن بهران اللامية، وله جواب على من أجاب على الزمخشري - رحمه الله - بقوله:
عجباً لقوم ظالمين تلقبوا ... بالعدل مافيهم لعمري معرفة
فأجابه الفقيه بآبيات كثيرة أولها:
قال الخبيث تعصباً وجهالة ... لمقالةٍ عدليّة مستظرفة
إلى آخرها سنكتبها - إن شاء الله - توفي يوم الخميس حادي عشر من شهر جمادى الأولى سنة عشر بعد الألف.
سعيد بن صلاح الهبل [ - 1037 ه ]
القاضي العالم الفاضل المذاكر، شيخ المتأخرين، سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله - كان من الفقهاء المحققين والعلماء المبرزين، قرأ على الفاضل الجربي - رحمه الله - وأوصى الجربي - رحمه الله - بنيه بالقراءة على القاضي المذكور، وقد سبقت ترجمة الجربي، وذكر ولديه العالمين الفاضلين الزاهدين، ولهما الآن عقب أكثرهم سلك مسلك أهل الطريقة الزهاد، وبعض منهم علق بالهجرة عن القريب والبعيد والعزلة.
__________
(1) هذه الترجمة بعد ترجمة سعيد بن خثم الهلالي.
ومن شيوخ القاضي سعيد العلامة السنحاني الآتي ذكره - إن شاء الله - والسيد الإمام العالم عبد الله بن أحمد المؤيدي وله معه /149/ النادرة الآتية: فإن القاضي - رحمه الله - شبيه السجايا بعامر الشعبي - رحمه الله - ومن تلامذته كبراء أهل الإقليم، ومنهم إمام الوقت المتوكل على الله - أيده الله - تروَّى من معين علومه، وروى منها الكثير الطيب، ولا يزال يعطر المجالس بذكره، فإنَّ القاضي - رحمه الله - كانت سجاياه نبويَّة، وأخلاقه علويَّة، كان لأصحابه كأحدهم يمازحهم ولا يقول إلا حقاً، وقد كان الإمام المتوكل على الله تتلمذ للعلامة الضيائي عامر بن محمد الصباحي والقاضي عامر - عادت بركاته - كثير الصمت والتهيب على الطلبة، وكان يوصي بذلك ويقول: الطالب إذا أمليت له مسألة وعاودك فيها على الصواب فاقبل الحق بوجهٍ لا يفهم الطالب أنك قد أخطأت يقل أدبه، فإن الطالب كالمعز(1) لا تقر في أماكنها، فلمَّا مضت مدّة والإمام يقرأ في البحر على شيخه القاضي (سعيد)(2) اقتضى الحال ترحل القاضي (سعيد)(3) فقال للإمام - عليه السلام- على من تقرأ في غيبتي؟ قال: على القاضي (عامر)(4)، قال: ما أحسن هذا، لكنَّها لا تطمئن نفسي حتَّى تقرؤوا (في حضرتي)(5) لأعرف أسلوب القراءة، ففعلوا، والقاضي سعيد حاضر يسأل الإمام عن مواضع من مباحث القراءة، فاستحسن ما سمع وما رأى، واطمأنت نفسه، ولمَّا أخذوا في القراءة على القاضي عامر بسط لهم أخلاقه وجرأهم على المباحثة والمعاودة بينهم للبحوث والتخطئة والتصويب حتى توجّع إليه من ذلك القاضي صلاح الذنوبي - رحمه الله - وكان جامعاً لعلوم الاجتهاد، فقال له كلاماً معناه: التصويب لما فيه من شحذ الهمم كما جرت عادة الطلبة الكلفين بالعلم سيما من الزيدية، فإن حالهم كما قال المتوكل على الله
__________
(1) في (ب): كالمعجزة.
(2) مشكل عليه في (ب).
(3) مشكل عليه في (ب).
(4) مشكل عليه في (ب).
(5) في (ب): إلا وأنا حاضر.
شبيه بموسى(1) مع الخضر لا يسكنون على أمر حتى يتحققوه، وفي أيام القراءة على القاضي سعيد - رحمه الله - رأى القاضي من بعض الطلبة المشاركين في القراءة تقبض واستحياء فتكلم القاضي أيضاً بما يجريهم على المباحثة، فطالت مجالس القراءة المذكورة، فكان القاضي عادت بركته يقول: أنا السبب فتحت لكم أبواب القول، لو تركتكم(2) مثل عامر مضينا في القراءة، وكان مع هذا كل الطلبة تنشرح صدورهم بهزله وجده.
__________
(1) في (ب): شبيه بحال موسى.
(2) في (أ): قدتكم.
ومن تلامذته أولاده العلماء الكبار، ولقد أنجب - رحمه الله - فإن بنيه هم العيون الناظرة منهم شيخنا القاضي أحمد بن سعيد الماضي ذكره، ومنهم حاكم المسلمين علي بن سعيد الآتي ذكره، ومنهم من نسأل الله إمتاع المسلمين به وجيه الإسلام عبد القادر بن سعيد فإنه كما قال إمامنا المتوكل على الله: حافظ المذهب، وهو من أهل الورع وطيب الطويّة بحيث يقل نظيره، ومنهم الفاضل الرئيس محمد بن سعيد - عافاه الله- فقيه في الفروع، له مكانة في الرئاسة، إلا أنه كلف بالزهد والتخلي، ومنهم العلامة المهدي بن سعيد عارف حازم، وكان أبوه يتوسم فيه الكمالات، وكان صادق التوسم، روى عنه أنه كان يتوسم في كل أحد(1) من أولاده شيئاً فما كذب ظنه، ومما شاع عنه أنه لمَّا أراد أولاده الحج في أفراد ثلاثين وألف، وكان الحاج يومئذٍ محتاجاً إلى الحزم فأوصاهم بوصايا منها أنه قال لهم: اخف ذهبك ومذهبك وذهابك، وقال لهم: متى احتجتم إلى صلاة الجماعة فليؤمكم علي بن سعيد، ومتى احتجتم الفتيا فليفت أحمد بن سعيد، ومتى احتجتم إلى ترميم معاشكم ونظم حالكم فالمهدي، وإن احتجتم الخصام والدفاع بالجد فالقاضي أحمد بن عامر، وهو الذي قد أسلفت ذكره في باب الهمزة، فإنه كان /150/ على(2) جلالة علمه ونباهة شأنه مقداماً رئيساً(3)، له سطوة، وأمره في ذلك ظاهر لو لم يكن إلا خروجه من بين جنود الأروام، وقد ربطوه كتافاً، وذلك أن الأروام غزو القضاة إلى هجرة شوكان في صباح عيد الفطر فصبَّحوهم، فأمَّا المهدي بن سعيد فسلَّ السلاح بغير اختيار منه، لذلك أخذ الجنبية وبعض العكسر الجهاز، وكانت في يده مسلولة، فارق(4) العسكر الذين في المسجد وفرَّ بعضهم إلى الصرح، فانغلق الباب، فلم يمكنه النفوذ إلى الصرح، قال: ولو نفذ إليه لم يخلص لكثرة العسكر، فعاد إلى طاقة في المجلس(5) فخرج
__________
(1) في (ب): واحد.
(2) في (ب): مع.
(3) في (ب): الرائس.
(4) لعلها: ففرق.
(5) في (ب): المسجد.
منها، فكان ذلك سبب نجاته والحمد لله، حكى هذا عن نفسه، وأمَّا القاضي أحمد وجماعة من الفقهاء، فوقعوا في أيديهم فأخذوا في الطريق إلى قرب صنعاء [وأراد الموكل به أن يشرب من بريكة قريب صنعاء](1)، فأعطى الحبل المربوط به القاضي من يحفظه له حتى شرب فجذبه من يده وفرَّ هارباً، ولحقته الخيل والرجل فصعد الجبل ناجياً والحمد لله، وكان الرجل الموكل به قد انتقوه منهم لما شاهدوا من كمال خلق القاضي الدال على قوّته وسرعة عدوه فلحق الموكل به وحصلت مع الحاضر منهم روعَة وفاتهم بالجد، وأمَّا بقيَّة الفقهاء فحبسوا وشدد عليهم، ومنهم من دخل (السويس) وناحية مصر وخرج على حال عجيب.
__________
(1) سقط من (أ).
عدنا إلى ذكر أولاد القاضي، ومنهم العلامة النجيب الحوَّلُ القلَّبُ يحيى بن سعيد، هو الآن مدرس بصعدة مع كمال واسع، ومنهم عبد الله قاضي كامل الصفات فقيه عارف، وللقاضي أولاد غير هؤلاء نبهاء فقهاء، إلا أن هؤلاء الذين ذكرناهم يستحق كل واحد منهم إفراد ترجمة، وكلهم يروي عن والده المذكور، ومن التلامذة الأجلاء عبد الرحمن بن المنتصر، عالم الشيعة ورئيسهم، وسيأتي - إن شاء الله - ذكره، وكانوا يقرؤون على القاضي بكحلان وفيهم من هو حري بأن يكون أستاذاً لولا جلالة القاضي سعيد كما يقال: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فاتفق أن القاضي سعيد غاب الحلقة، فاستناب الفقهاء للتدريس عبدالرحمن بن المنتصر المذكور، فدرسهم يوماً ثم حضر القاضي، فكان لا يزال يتلهف على فوت ذلك المعشر، وهذه نكتة ظريفة، وكانت حالاته - رحمه الله - غريبة، ومن ملحه ما وعدنا به عند ذكر شيخه السيد عبد الله بن أحمد، وفي ذكرها تأديب وأحماض، حكى لنا الأصحاب الذين قرؤوا عليه - عادت بركته - أنه لما وقف عند السيد عبد الله للقراءة علق السيد المذكور بالقاضي لما رآه من جودة فهمه وكماله، فكان يعده العين الناظرة في الحضرة،
فاتفق أن القاضي احتاج إلى تعريف الدولة بأمرٍ لأنه خرج من عمّالهم من آذى من يتعلق بالقاضي، فأنهى ذلك إلى السيد عبد الله، واستعان به، فرأى السيد - رحمه الله - أن صيانة مثل القاضي وإزالة الظلم متوجهة، وإن دخل على الظلمة، فدخل إلى صاحب الأعمال الخزرجي أو المحرقي، غاب عني، فلما أخبر المذكور بقدوم السيد - رحمه الله - منسه شيئاً، ثُمَّ فتح الكلام تلقاه بالإكرام وأنزله في الصَّدر من المجلس وتصاغر له، ثم أحضر طعاماً لم يذق السيد - رحمه الله - منه شيئاً، ثم فتح الكلام في شأن القاضي وإن هذا رجل الزمان ووحيده، عالم خطير ممن ينبغي أن يرعى ويحتشم من تعلق به، وأطال في هذا المعنى، وهو - رحمه الله - لا يعرف اسم القاضي سعيد؛ لأنه اشتغل بكماله عن سؤاله عن اسمه، فلمَّا سمع المحرقي أو الخزرجي تلك الصفات اشتغل بالسؤال عن الاسم، فقال: صدقتم ومن سيدنا هذا؟ فقال السيد - رحمه الله -: وما تعرف اسم سيدنا؟ فقال: لا، ثم قال له السيد مرَّة أخرى: أما تعرف اسم سيدنا؟ فكررها كالمنكر لجهالة المذكور لاسم القاضي، ففهم القاضي سعيد النكتة /151/ وكان إياس وقته فقال: يا مولانا، ما أدراه بسعيد بن صالح الهبل، فقال السيد للمذكور: ما تعرف سيدنا هذا سيدنا سعيد بن صلاح الهبل، وكانت أعجوبة مع السيد والقاضي، وكان للقاضي من الذكاء ما يعجب له، وكان السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي - عادت بركاته - يتعجب من ذكائه.
ومن أعاجيبه - رحمه الله - أنه حضر بعض المدعيين في مقام القاضي عامر - رحمه الله - بشهادة رجل من عتاة العرب أهل الشنآن والظلم، فاحتاج المشهود عليه إلى جرحه وعواقب ذلك الجرح من الجارح مخوفة مع ضعف السلطان يومئذٍ، فقال المشهود عليه: عندي جرح هذه الشهادة، وسأل القاضي سعيد عن الجرح وهو في الحضرة فتجاهل القاضي سعيد - رحمه الله - عن الرجل الشاهد، وقال: ومن هذا فلان؟ فقال الشاهد: نعم يا سيدنا(1) لا إله إلا الله بعد العهد بك لنا منك من يوم فعلت كذا وكذا، فقال: نعم يا سيدنا يذكر له قضية لا تستنكرها القبائل من قتل أو غزوٍ أو نحوه، فلم يزل القاضي يذكره بالعهود وهو يقر ففهم القاضي عامر ومن حضر، وقال القاضي عامر: يكفي هذا يا سعيد أو كما قال. وله من هذا المعنى أشياء، وكان لا يمتنع عليه باب مرتج بل يفتح الأبواب جميعاً وما عرف الوجه في ذلك، وكان إذا أمسى بحصن(2) سعدان بشهارة وقام في الليل فتح جميع الأبواب وخرج فقال الإمام - عليه السلام-: أما فتح باب الحصن فهو خلل، وكانت وفادته - رحمه الله - إلى الإمام إلى بلاد الأهنوم أحسبه إلى بلاد (سيران)، فأجله الإمام وأعطاه عمامته، وتنقل في البلاد للعلم والجهاد، ثم سكن صعدة بأولاده وعاد شهارة، وبها كانت وفاته - رحمه الله - توفي في نهار الأحد تاسع وعشرين من شوَّال سنة سبع وثلاثين وألف، وقبر بالسرار من شهارة، وقبره مشهور مزور - أعاد الله من بركته، وبارك في عقبه - فإن في الدرجة الثالثة من عقبه فضلاء علماء بارك الله للمسلمين فيهم(3).
__________
(1) في (ب): قال لاء لاه إلا الله.
(2) في (ب): في حصن سعدان.
(3) في الأصل يوجد بعد هذه الترجمة ترجمة سعيد بن حثيم الهلالي، وقد تقدمت.
سعيد بن عطاف بن قحليل [ - 1023 ه ]
الفقيه الفاضل الكامل سعيد بن عطاف بن قحليل - بالقاف بعدها حاء مهملة - القداري - بالقاف بعدها دال مهملة بعدها ألف بعدها راء مهملة ثم ياء النسبة - عالم كبير وأجاز لإمام زمانه مجدد الألف الإمام الأعظم المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهما السلام- وكان من أهل الفضل والزهد والورع، ولم يكن نسبه في بني القداري إنما نسب إليهم للمصاهرة، وهو من بلدٍ في بني الدولابي، تسمَّى هجرة الميو - بكسر الميم بعدها ياء مثناه تحتية مفتوحة مخففة - وتوفي في الثاني والعشرين من المحرَّم سنة ثلاث وعشرين وألف وقبر ببيبت القداري، ومن شيوخه السيد العلامة القاسم بن محمد العلوي، وفي أصول الدين السيد المطهر بن محمد بن تاج الدين والفقيه الوردسان.
سعيد بن علي الشهابي [ - ق 8 ه ]
إمام أهل الطريقة العالم الفاضل سعيد بن علي الشهابي - رحمه الله - قال في الصلة: العالم الفاضل الزاهد العابد سعيد بن علي الشهابي الساكن بثلا، كان من علماء الشريعة وفضلاء أهل الطريقة من تلامذة إبراهيم الكينعي، بلغ معه الزهد غاياته، والورع نهاياته، وأحرق قلبه الخوف حتى الموت حكى لي - رحمه الله - أنه تزود من مكة إلى صعدة صاعاً من قليّ الشعير، وجمع حجارة على ظهره المبارك في ثلا، وعمر بها مسجداً كبيراً، وزاد آخر وزاد مئذنة، وزاد خانكات وهو الآن مسجد مقصود مهاجر للصالحين والعابدين والزاهدين، وقبره ثمة مشهور مزور /152/
وببركته وسرِّه، وقوفات فتح الله بها لهذين المسجدين في حياته وبعد وفاته ما يسُد، والله أعلم حال من يقف فيه، ويقصده من الصَّالحين وذوي التقوى واليقين، وروى لي الأخ الصّالح يحيى بن أحمد الصنعاني، وكان من تلامذة إبراهيم الكينعي، قال: قلت: لسيدي هل رأيت في عمرك الخضر؟ قال: كنت في ثلا فدخل عليّ رجل عليه سيما الصالحين، ومنظر الخائفين، له شيبة وضيّة فسلم علي، وصافحني وقال لي: أتأذن لي أن آكل من هذا العيش؟ فقلت: نعم، فقال: أتأذن لي أن أشرب من هذا الكوز؟ قلت: نعم، فأكل ثلاثة لقمات وشرب ثلاث أنفاس، فقلت: من أين أنت؟ فقال: من الغرب أتيت من زيارة الفقيه محمد بن أحسن السودي - نفع الله به - فخرج معي وتنبهت ولم أشك أنه الخضر.
سعيد بن منصور الحجي [ - 791 ه ]
الفقيه العالم العابد سعيد بن منصور الحجي - رحمه الله - قال في الصلة: كان فاضلاً عابداً زاهداً أنفق أكثر ماله على إخوانه المسلمين، والفقراء والمحتاجين، وكان يتخذ الضيافات العظيمة للسادات والعلماء، ويفكههم بأنواع الطيبات واللذات، فجزاه الله عنا وعنهم خيراً. انتهى
قلت: ورأيت بخط الفقيه الزاهد علي بن طاهر بن سعيد بن علي بن منصور بن حنظل الخولاني الزيدي - رحمه الله - أنه توفي لأربع خلون من شهر ربيع الأول من شهور سنة إحدى وتسعين وسبعمائة - رحمه الله -.
قلت: وهو الذي بنى المشهد المشهور الذي أشبه جنة المأوى بجربة الروض يماني صنعاء، فإنه عمره في محبّة صديقه وأخيه في الله وسيده الإمام الكامل عدل أهل الأرض المهدي بن القاسم بن المطهر الزيدي نسباً ومذهباً - أعاد الله من بركته - قال في الصلة في ترجمة السيد المهدي: واتخذ عليه مودة في الله ومعينة على طاعة الله وعونه على مآربه(1) كلها حبيب آل محمد وولي صالحي أوانه عن يد عفيف الدين ذي الدين القويم، والقلب السليم، والإحسان العميم، والورع المستقيم، سعيد بن منصور الحجي مشهداً بالآجر والقضاض على قبره، ودفن بالقرب منه حاتم - رحمه الله - وبعده الفقيه الإمام شحاك الملحدين، وناظورة المسلمين، إبراهيم بن علي الغرازي - رضي الله عنه وأرضاه -.
__________
(1) في (ب): على حماريّة.
وكان عالماً جامعاً للعلوم مجتهداً فيها محلقاً لم يسبقه أحد من أهل زمانه، وقبر بعده فيه السيد الفاضل العابد الزاهد المجاهد ربيب القرآن، وحليف الأحزان، الحسن بن المهدي بن محمد بن الهادوي، وقبر فيه السيد الفاضل العابد، الراكع الساجد محمد بن علي الأعقم - رحمة الله عليه ورضوانه - وقبر فيه الفقيه الإمام العلامة فخر العصابة الزيدية، وتاج إكليل الفرقة الناجية، محمد بن زيد بن ذاعر(1) - رضي الله عنه وأرضاه - وكان محلقاً مجتهداً سيما في أصول الدين، زاهداً عن الدنيا متورعاً عنها بسَّاماً في وجوه الناس أجمعين، وقبر فيه المقرئ الأفضل، العابد الأكمل، عمر بن أحمد الشرفي، وكان من عباَّد الله الأتقياء الأخفياء(2)، أنحله الخوف، وقطع أوصاله الحياء من الله والشوق إلى لقائه، وقبر فيه راشد بن محمد نشيب(3)، وولده عبد الله بن راشد، وكانا من أفاضل المسلمين، من ذوي التقوى واليقين، والورع الرصين، والنفع لإخوانهما في الدين، ما يفوزان به عند رب العالمين، ودفن فيه العالم يحيى بن محمد التهامي، وكان عالماً في الأصولين والفرائض علماً راسخاً وتحقيقاً بالغاً شيخه فيها السيد الإمام المهدي بن قاسم - رحمه الله - وكان حسن الخلائق، لطيف الطرائق، محسن الظن في الله(4) - تبارك وتعالى - قال السيد يحيى /153/ في الصلة، وبقي في المشهد المقدس موضع دفن فيه عامره سعيد بن منصور، انتهى ما أردته من كلامه - رحمه الله -.
سعيد الآيلي
العلامة سعيد الآيلي - رحمه الله تعالى - ذكره القاضي العلامة عبد الله بن زيد - رحمه الله - في الرسالة المنقذة من العطب(5).
__________
(1) لعلها: داعر.
(2) لعل الصواب: الأحفياء.
(3) في (ب): بشيب.
(4) في (ب): بالله.
(5) في (أ): الغضب. العَطَب: الهلالك.
سفيان بن أبي السمط [ - ق 2 ه ]
سفيان بن أبي السمط عالم كبير، وفاضل شهير، ترجم له البغدادي - رحمه الله - في رجال الزيدية، والله أعلم، وفي إسناد مذهب الزيدية ممن أخذ عن الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- سفيان بن السمط، قال: وهو الذي روى عن جعفر الصادق أن زيداً لم يخرج لجهاد هشام بن عبد الملك حتى رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنام يقول: يا زيد جاهد هشاماً ولو بنفسك، انتهى.
ذكره الشيخ العالم ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله تعالى -.
سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري [95 - 161 ه ]
إمام أهل الحديث العالم الرباني سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طانحة بن إلياس بن مضر الثوري الكوفي - رحمه الله - هو علامة العلماء وعبادة العباد، أنفق على فضله أهل الخلاف والوفاق، قال ابن خلكان: كان إماماً في علم الحديث وغيره من العلوم، وأجمع الناس على دينه وورعه وزهده وثقته، وهو أحد الأئمَّة المجتهدين.
قلت: روى الإمام أبو طالب في الأمالي أنه كان زيدياً، وروى الحاكم في الجلاء بإسناده عن أبي عوانة، قال: كان أبو سفيان زيدياً، وكان إذا ذكر زيد بن علي - عليه السلام- يقول: بذل مهجته لربه، وقام بالحق لمخالفه، ولحق بالشهداء المرزوقين من آبائه، قال الحاكم وعن الواقدي: كان سفيان زيدياً، وقد عرف أن الزيدي من وافق في أصول من الكلام، وقد ترجم له أصحابنا كالسيد الصارم في كتاب (علوم الحديث)، والقاضي في (المقصد).
قال السيد الصارم: كان عالم عصره وزاهده، الإمام الثبت الحجة، كان يقول: حب بني فاطمة والجزع لما هم عليه من الخوف والقتل يبكي من في قلبه شيء من الإيمان. ولمَّا قتل إبراهيم بن عبد الله - عليه السلام- قال سفيان : ما أظن الصلاة تقبل إلا أن فعلها خير من تركها. ودخل عليه عيسى بن زيد والحسن بن صالح ، وقد اختلفا في مسألة مما يتعلق بأمر السلطان فاحتشم من عيسى إذ لم يتحقق معرفته، وكانت الغيبة قد نكرت حاله، فلما تحققه قام من مجلسه وأثبته فيه وجلس بين يديه، وأخبره بما عنده في المسألة، وودعه وانصرف. وتشدُّد سفيان على أئمة الجور وكلامه في حقهم معروف لا يستطيع الناصبيَّة إنكاره، ولا يحتاج الشيعة دليلاً على إظهاره، روى له الجماعة.
قلت: كان شحاكاً للظلمة غصَّة غير سائغة في حلوقهم، وحكى القطني(1) في أعلامه أن المنصور أراد قتله في حرم الله فدعا عليه سفيان في المطاف فسقط المنصور لحينه من حينه، فهي كرامة له عظمى، ولفظ القطني في الإعلام بأعلام البلد الحرام، وفي سنة ثمانٍ وخمسين ومائة عزم على الحج أبو جعفر المنصور، وكان يريد قتل سفيان الثوري - رضي الله عنه - فلما وصل إلى بئر ميمون بعث إلى الخشابين، وقال: أنتم إذا رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه، فجاؤوا، ونصبوا له الخشب، وكان جالساً بفناء الكعبة، ورأسه في حجر فضيل بن عياض، ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة، فقال له: يا أبا عبد الله قم واختف ولا تشمت بنا الأعداء فتقدم إلى أستار الكعبة وأهدابها، ثم قال: برئت منه إن دخلها أبو جعفر فعاد إلى مكانه فركب أبو جعفر المنصور من بئر ميمون، فلمَّا كان بين /154/ الحجرتين سقط عن فرسه فاندقت عنقه، فمات لوقته في سابع ذي الحجَّة وقت السحر فحفروا له مائة قبر ودفنوه في أحدها ليغمّوا قبره على الناس، وبر الله تعالى قسم عبده سفيان.
__________
(1) لعله: القطبي وهو الأصح.
قلت: ومن تشدده عليهم ما حكى المسعودي في مروجه، قال القعقاع بن حكيم: كنت عند المهدي فأتي بسفيان الثوري، فلما دخل عليه، سلم تسليم العامَّة، ولم يسلم بالخلافة والربيع قائم على رأسه متكئاً على سيفه يرقب أمره، فأقبل عليه المهدي بوجهٍ طلق ، وقال: يا سفيان تفر منا هاهنا وهاهنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فقد قدرنا عليك الآن، فما تخشى أن نحكم فيك بهوانا، قال سفيان: إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟ ائذن لي أن أضرب عنقه، فقال له المهدي: أسكت ويلك وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم(1) فنشقى بسعادتهم، اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على ألاَّ يُعترض عليه في حكم فكتب عهده، ودفع إليه فأخذه وخرج، فرمى به في دجلة وهرب، فطُلِبَ في كل بلدة فلم يوجد.
قلت: وكان موته متوارياً من السلطان بالبصرة أوّل سنة إحدى وستين ومائة، وقبر عشاء وقيل إنه توفي سنة اثنتين وستين ومائة والأول أصح.
__________
(1) في (أ): إلا تقتلهم.
قلت: وانتسابه على جلالته إلى الزيدية غير هين على من يكاثر بالرجال، ولم يقنع بهذه النسبة إلا بعد رواية الإمام الناطق بالحق مع شهرته بهذه الطريقة التي هي طريق الزيدية، وقد أجمع الناس على تشيعه وحَبَّه لإمام الزيديّة علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - كما قال المؤرخون، وذكره النووي(1) في (الفتاوى)، ومع ذلك فهو كوفي وأكثر أهل الكوفة على هذا المذهب، وأمَّا تظهره بمذهب فلا يقدح في ذلك لأن المراد أنه يفرع على أصول زيد (بن علي)(2) - عليه السلام- كما يفعل أئمَّة الزيدية، يوافقون زيداً في أصولٍ هي الجوامع وإن اختلفوا في الفروع كما يقع ذلك في المذاهب كالخراسانية والمراوزة، وأضرابهم من أصحاب الشافعي - رحمه الله - وكذلك أصحاب أبي حنيفة، وقد كان هذا العالم حجَّة من حجج الله، كما قال أبو صالح شعيب بن حرب المدائني، وكان أحد الأئمَّة إني لأحسب أنه يُجاء يوم القيامة بسفيان الثوري حجَّة لله على الخلق، يقال لهم: إن لم تدركوا نبيئكم - عليه أفضل الصلاة والسلام - فقد أدركتم سفيان الثوري ألا اقتديتم به؟
قلت: ومولده في سنة خمس وقيل سنة(3) ست وتسعين من الهجرة - رضي الله عنه -.
سلم الحذاء [ - ق 2 ه ]
سلم الحذاء الفقيه العالم المحدث الشهير، كان من تلامذة الإمام الأعظم، وشهد معه الحرب ثم شهد بعد قتيل باخمراء - عليه السلام- الحرب كما حكاه ولده إبراهيم بن سلم - رحمهما الله تعالى -.
سلمة بن ثابت الليثي [ - ]
سلمة بن ثابت الليثي - رحمه الله - عدَّه البغدادي - رحمه الله - في كتابه الجامع لإسناد مذهب زيد وأصحابه وحفاظ مذهبه - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): النواوي.
(2) ما بين القوسين ساقطة من (ب).
(3) سقط من (ب): سنة.
سلمة بن كهيل الحضرمي [ - ]
سلمة بن كهيل الحضرمي - رحمه الله - ترجم له السيد الصارم في علومه والقاضي في (المقصد) وتقارب لفظهما، قال في المقصد ما لفظه: سلمة بن كهيل إمام نبيل له مائتان وخمسون حديثاً وهو من أفاضل الزيدية، روى عنه الجماعة، وهو من رواة حديث ((أنا مدينة العلم وعليِّ بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها)).
قلت: وكان ولده يحيى بن سلمة(1) من كبار الشيعة ولم يصرح فيما علمت أحد في ترجمته أنه من الزيدية إلا أنه من ثقات الشيعة، ذكره في (المقصد) و(العلوم)، قال: ومنهم يعني من /155/ الشيعة(2)، ولد سلمة يحيى بن سلمة، وهو الراوي عن أبيه عن ثوبان ((النظر إلى عليّ عبادة))، ورواه الترمذي، وممَّن صرح بأن سلمة بن كهيل من الزيدية الحاكم في العيون ولفظه: ورجال الزيدية من السلف سوى من ذكرناه ابن تمار وعلي بن صالح والحسن بن صالح ووكيع بن الجراح ويحيى بن آدم وعبيد الله بن موسى والفضل بن دكين وسلمة بن كهيل والأعمش وعن سفيان قال: كان طاووس يتشيع، وحكى أبو القاسم عن أبي حنيفة - رحمه الله - كان يذهب مذهب البترية. انتهى
قلت: والبترية هم طائفة من الزيدية أصحاب سليمان بن جرير واختلف في تسميتهم بذلك.
__________
(1) في (ب): قال: ومنهم - يعني من الشيعة - ولده، يعني ولد سلمة يحيى بن سلمة.
(2) في (ب): ولده يعني ولد سلمة يحيى بن سلمة.
سليم بن ابي الهذام بن سالم الناصري [ - ]
سليم بن أبي الهذام بن سالم الناصري - رحمه الله - هو من العلماء الجلة المحققين، أفادني ذكره مولانا السيد الحافظ زينة الأيام يحيى بن الحسين بن أمير المؤمنين المؤيّد بالله بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهم السلام- وأثنى عليه بالتحقيق، قال: وله كتاب ((المحقق المنير في مذهب الناصر الكبير)) مجلدان، وله كتاب ((الأزهار في مناقب إمام الأبرار وصي الرسول المختار))، ووفد إلى الديار اليمنية، ومن كتاب الأزهار المذكور، روي أن الضحاك سأل أبا سعيد الخدري عمَّا اختلف فيه الناس بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: والله ما أدري ما الذي اختلفوا فيه؟ ولكني أحدثك بحديث سمعته أذناي، ووعاه قلبي، ولن تخالجني فيه الظنون أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خطبنا على منبره قبل موته في مرضه الذي توفي فيه، لم يخطبنا بعده فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال: ((أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين)) ثم سكت فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: ما هذان الثقلان؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى احمر وجهه وقال: ((ما ذكرتهما إلا وأنا أريد أن أخبركم بهما، ولكن أضرَّني وجع فامتنعت عن الكلام، أمَّا أحدهما فهو الثقل الأكبر كتاب الله سبب بينكم وبين الله طرفه بيده وطرفه بأيديكم، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي عليٌّ وذريته والله إن في أصلاب المشركين لمن هو أرضى من كثير منكم)). انتهى
سلام بن السري الجعفي [ - ق 4 ه ]
سلام بن السري الجعفي - رحمه الله - عالم عامل فاضل كامل ذكره البغدادي في رجال المذهب - رحمه الله تعالى -.
سلام بن الحداد الزيدي
العلامة الأديب سلام بن الحداد الزيدي الصنعاني، كان أديباً شاعراً عارفاً من شعره ما أنشده العلامة الحسن بن يعقوب الزيدي - رضي الله عنه - في القاسم بن علي بن المنصور المعروف بالعياني - عليه السلام- والقاسم الزيدي الذي ولاه القاسم العياني صنعاء وقدومه من الطائف قال:
قسم القاسمان فينا الأمانا ... فبلغنا من الصلاح رضانا
وأزالا دهراً أذيل(1) علينا ... وعليه (برافةٍ دولانا)
أمَّنا سربنا وصانا حمانا ... وأخافا من كان قد أشجانا
وأعادا مذاهب العدل فينا ... وأزالا الطغاة والطغيانا
منَّ ذو العرش بالإمام علينا ... إن ذا العرش لم يزل منانا
حَسَنيٌ أتى فأحسن فينا ... والحسيني زادنا إحسانا
نِعَمٌ إثرها على إثر بعضٍ ... قد سررنا بها وساءت عدانا
نحمد الله ذا الجلال فبالحمـ ... ـد يرجى تمام ما أولانا
زمنٌ صالح وأمنٌ وخفض ... لم ير الناس مثل هذا زمانا
/156/ سليمان بن إبراهيم النحوي(2) [ - ]
سليمان بن إبراهيم النحوي - رحمه الله - هو الفقيه العالم المحقق المتكلم إمام الأصول سليمان إبراهيم بن حسين أستاذ شيخ العدلية الفاضل القرشي والسيد الإمام المحقق أحمد بن علي بن المرتضى - رضي الله عنه - وإليه لمح السيد في أرجوزته بقوله:
وهو الذي أفتى به قديما ... القاسم الحبر بن إبراهيما
هو الذي قال به المنصورُ ... العالم العلامة المشهورُ
وكان لي شيخي الفقيه يروي ... ابن سليمان الهمام النحوي
بأنه إجماع أهل البيتِ ... لكل حي منهم ومَيْتِ
قلت: وإليه لمح السيد جمال الدين في رياض الأبصار بقوله:
وبالعلم النحوي أصلاً أخي التقى ... سليمان من صار الجدال المجدل
__________
(1) لعلها: أديل.
(2) قال في حاشية في (ب): هذه الترجمة محلها قبل ترجمة السيد سليمان بن أحمد بن القاسم. انتهى
سليمان بن أحمد بن القاسم [ - ق 7 ه ]
السيد الإمام العابد العلامة سليمان بن أحمد بن القاسم من آل أبي البركات، وهو عم الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهم السلام- وهو الذي كفل الإمام صغيراً بعد أن انتقل والد الإمام إلى جوار الله ودار كرامته.
قال السيد يحيى بن القاسم: وكان السيد سليمان هذا - رضي الله عنه - أحد الزهاد في زمانه، رفض كثيراً من ملاذ الدنيا من مناكحها وملابسها والعزلة عن الناس. انتهى
سليمان بن أحمد بن محمد [ - ق 7 ه ]
سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال بن شريح بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان عالماً كاملاً من شيوخ العدل والتوحيد، ذكره السيد يحيى بن القاسم الحمزي - رحمه الله -.
سليمان بن أحمد بن سليمان(1) [ - ق 8 ه ]
سليمان بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال - رحمه الله - حفيد الذي سبق ذكره آنفاً، كان عالماً كاملاً، رحل إلى الحجاز، وقرأ على عمه العلامة نجم الدين موسى بن سليمان بن أحمد بن أبي الرجال، وقرأ عليه بالحجاز موطأ الإمام مالك بن أنس، وتمَّ لهما في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وسبعمائة(2)، وشاركه في السماع للموطأ أيضاً على الشيخ علي بن داعس البخاري الزيدي، واجتمعا في سماع أمالي أبي طالب على علي بن داعس المذكور، وأجاز لهما إرشاد العنسي - رحمه الله تعالى -.
سليمان بن أحمد بن داعر [ - 715 ه ]
سليمان بن أحمد بن داعر بن محمد بن أبي الميمون البخاري(3) الأنصاري من الزيدية - رحمه الله تعالى - لعله توفي في شهر جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وسبعمائة هجرية.
__________
(1) هذه التراجم ترتيبها مختلف في (ب): عن ترتيبها في (أ).
(2) في (ب): سنة خمس عشرة وسبعمائة سنة.
(3) لعله: النجاري.
سليمان بن إسماعيل الثائري [ - ]
السيد الإمام الكبير النبراس الهمام المقدّم في العلوم أبو طالب سليمان بن إسماعيل الثائري - رحمه الله - هو رئيس العراق الإمام الجليل الوجيه المقدم، ترجم له الشيخ الفقيه الإمام الحافظ محي الدين يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الجيلاني اللاهجاني - رحمه الله - وأثنى عليه كثيراً، وذكره في ترجمة الإمام أبي طالب الصغير، وهو الإمام أبو طالب يحيى بن أبي الحسين أحمد بن أبي القاسم الحسين بن المؤيَّد بالله أبي الحسين الهاروني - قدَّس الله روحه -.
قال الشيخ محي الدين: كان - يعني سليمان - رجلاً عظيم الجاه، له حظ وافر في العلم والسياسة. انتهى
سليمان بن بدر [ - ق 7 ه ]
الأمير سليمان بن بدر، أمير كبير علامة خطير، ذكره ابن نشوان، وأثنى عليه.
قلت: هو من أعيان السادة القاسميين، كان سكن(1) جهة الأهنوم، وكان صنوه علي بن بدر فاضلاً يقظاً قدم الأمير سليمان إلى المنصور بالله - عليه السلام- للمناظرة، وصحبه كبار أهله وعيون الشيعة بالأهنوم، فتجلَّى لهم الحق فأذعنوا وبايعوا، ومن شعره - رضي الله عنه -.
شم البرق أن الشيم للبرق معجبُ ... فما كل برقٍ شيم في الجو خُلّبُ
بدا لامعاً فاستوضحت سبل الهدى ... وجلَّى(2) به من معظم الظلم غيهبُ
/157/
سرى فجلا عن ساكني اليمن العنا ... وقد تعبوا مما عراهم وأتعبوا
وأومض في جنح من الليل فامترمت ... سحائبة صوباً من المزن تسكبُ
سليمان بن جاوك [ - ق 5 ه ]
العلامة المحدث الحافظ البكيا(3) أبو داود سليمان بن جاوك، علامة كبير حافظ، قرأ على المؤيَّد بالله، وسمع عنه، وأخذ عنه العلامة الحسين بن محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن مردك والد الأستاذ علي بن الحسين - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): كان يسكن جهة الأهنوم.
(2) في (ب): وحُلَّ به.
(3) في (ب): البكيا.
سليمان بن جرير الزيدي [ - ]
العلامة سليمان بن جرير الزيدي علامة مشهور مذكور، إليه تنسب جماعة من الزيدية، قيل: إنه كان من دعاة يحيى بن عبد الله إلى أخيه إدريس، وروى أن موسى الجون لامَ يحيى بارساله إلى إدريس، وقال: اتق الله، تبعث مثل هذا الفظ إلى غلام حدث، لعله أن يخالفه فيقتله.
قال أبو نصر البخاري: هرب إدريس بن عبد الله إلى بلد فاس(1) وطنجة مع مولاه راشد، ودعاهم إلى الدين فأجابوه، وملكوه، فاغتم الرشيد بذلك حتى امتنع من النوم ودعا سليمان بن جرير متكلم الزيدية وأعطاه سماً فذهب سليمان إلى إدريس متوسماً بالمذهب فسرَّ به إدريس بن عبد الله، ثُمَّ طلب منه غرة ووجد خلوة من مولاه راشد فسقاه السم وهرب فخرج راشد خلفه فضربه على وجهه ضربَة منكرة(2) وعاد وقد مضى إدريس لسبيله. انتهى
وقد نزَّه بعض العلماء سليمان بن جرير من هذه القضية وحكى قصة، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): إلى بلد فاس.
(2) في (ب): وفاته وعاد وقد مضى.
سليمان بن حمزة بن علي [ - ق 6 ه ]
الأمير سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن - أعاد الله من بركتهم - هو من فضلاء آل محمد ونبلائهم ، وهو جد الإمام الأعظم المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان المذكور، وروى(1) العلامة علي بن نشوان الحميري عن الشيخ الأجل عواض بن مسعود بن عبد الله بن عيسى بن هارون الحسني، وكان من أهل الصلاح والمعرفة والديانة الكاملة أنه اجتمع الأميران الفاضلان يعقوب وإسحاق ابنا محمد بن جعفر بمسجد (شوابة) فأتاهما خبر موت سليمان - رضي الله عنه - فقالا: الآن أيسنا من القائم من أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في عصرنا، فقيل لهما: هل كان يصلح لهذا الأمر؟ فقالا: نعم، وكان له أهلاً، وروي عن عواض بن مسعود، قال: اجتمع إلى مسجد ريدة في وقت قبره(2) من رؤساء الشرف وعلماء المسلمين قدر ثمانين، فيهم الشريف الفاضل عبد الله بن الحسين بن حمزة بن أبي هاشم وأخوه يحيى بن الحسين، فتراجعوا في من يقوم فقالوا: ما بقي إلا المنصور والمهدي - عليهما السلام-.
قلت: يعنون بالمنصور والمهدي الموعود بهما في الآثار، قال: ونظروا - يعني الجماعة المجتمعين بمسجد ريدة - فيمن يصلح للقيام في الوقت، وقالوا: ماله غير سليمان بن حمزة أن يبع (3) وبلغ، فقال أحمد بن داود، ويحيى بن عمر، وابن شاور، وأكثر الفقهاء والمسلمين قم يا عبد الله بن الحسين فقال: لست أقوم. فقال بعضهم: ما صفة المنصور بالله؟ ومن أين يظهر؟ فقال: عبد الله بن الحسين: روي لي أنه شابٌ شطن، عالم فطن، يظهر من شعاب علي، فظنَّ بعض الحاضرين أن شعاب علي شعاب مكة - حرسها الله - فقال عبدالله بن الحسين ما أظن لها غير صاحبنا [لأن المنصور](4) يمان والإيمان يمان والحكمة يمانية، قال نظام الدين علي بن نشوان.
__________
(1) في (ب): روى.
(2) في (ب): فترة.
(3) كذا، وفي (ب): إن متع وبلغ.
(4) سقط من (أ).
قلت: وكان خروج(1) المنصور بالله من شعاب علي - يعني ذيبين - مأوى جده وسلفه علي بن حمزة - عليهم السلام-. انتهى
سليمان بن حسن النحوي [ - ]
العلامة سليمان بن حسن النحوي - رحمه الله - هو من بني عم صاحب التذكرة [لأن صاحب التذكرة](2) من ولد الحسن بن محمد سابق الدين، وهذا من ولد صنوه الحسين، ترجم لسليمان، هذا بعض النحويين(3).
/158/ سليمان بن حمزة الحسني [ - ق 7 ه ]
الأمير النبراس الخطير سليمان بن حمزة الحسني السراجي، هو العالم الكبير، والإنسان الخطير، ذكره القاضي نظام الدين علي بن نشوان وغيره.
__________
(1) في (ب): وكان خرج.
(2) سقط من (أ).
(3) كذا، وفي (ب): بعض آل النحوي.
قلت: قال بعض العلماء: كان عالماً منصفاً راوية(1) للأخبار، مقداماً في الحروب شهد الحروب، وكان مشاراً إليه بين العلماء - رضي الله عنهم - وهو الذي أرسلته المطرفية إلى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام- يطلبون موقفاً يختبرون الإمام فيه، قال الأمير سليمان المذكور ما نصُّه: وصلت مشائخ من الزيدية المطرفيَّة إلى دار البستان بصنعاء، ثم أرسلوني إلى الإمام - عليه السلام- في إجماعهم للمناظرة ليصح لهم هل وجبت عليهم الحجَّة؟ قال: وكان ممن حضر ذلك اليوم الأمير الأجل الفاضل العفيف بن محمد، والشيخ أحمد بن أسعد الفضيلي، والشيخ ناصر بن علي الأعروشي، وسعيد بن عواض الثآبي،(2) وجماعة من أصحابهم، والشيخ علي بن إبراهيم الحجلم، وجماعة من العارفين من أهل الجبجب، والسلطان محمد بن إسماعيل، والفقيه علي بن يحيى في جماعة من علماء وقش، ومحمد بن ظفر، وجماعة من علماء سنحان، والسلطان يحيى بن سبأ الفتوحي، وأحمد بن مسلم في وجوه أهل مسور، والشريف علي بن مسلم، وجماعة من شيعة بلد الأبنا، وشيعة بني حبيب وبني سحام، فلقيهم الإمام في المجلس الذي عند البركة على يمين الداخل إذا أراد دار الإمام، فتكلموا على مراتبهم وقالوا: نريد نختبر فأجاب الإمام - عليه السلام- بعد الحمد والثناء والصلاة والسلام على محمد وآله ثم قال: يا قوم أنا حجَّة الله عليكم، وإمام سابق أدعوكم إلى بيعتي ونصرتي على أعداء الله سبحانه، وإنصاف المظلوم، وقمع الظالم، ولا أعدو بكم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - فمن كان منكم شاكاً في أمري، أو منكراً لإمامتي، أو مستقصراً لعلمي فليسأل عمَّا بدا له ولا يستحيي مني، فإن الله لا يستحي من الحق، هأنذا ذا قد نصبت نفسي للمعترضين غرضاً، لأؤدي مفترضاً، وأشفي من شك مرضاً، وأطلب بذلك(3) من الله رضا، فقال
__________
(1) لعلها: راوية.
(2) في (ب): الثآئبي.
(3) في (ب): واطلب من الله بذلك.
الجميع: ما وصلنا إلا ليعجم(1) عود مخبرك، ونستقصي غاية خبرك، ونأخذ في أمر ديننا باليقين، ونستوضح سبُل الحق المبين، فانصت لسؤالنا، واصغ لمقالنا، وارفع عنا المنقود في هذا الباب، فهو مرفوع في هذا الأمر عند ذوي الألباب، فقال: اسألوا عما أحببتم، وبالله لا أخرتم شيئاً من مسائلكم ولا كتمتم (فانحل قيد المحاباة) (2) وخرجنا إلى باب التعنت والمعاياة، فسأل كل من الجماعة المذكورين وغيرهم عن مسائل من غوامض العلوم، قد أعدت لليوم المعلوم(3) من العلوم، وأغرقوا في البحث عما لا يفهمه إلا الأئمة السابقون، والعلماء المحققون، والإمام - عليه السلام- يوضح لهم السبيل، ويحقق لهم الدليل، حتى إذا أوعب مسائلهم، وحصر مسائلهم، قالوا مجتمعين: نشهد أنك إمام الخلق أجمعين، فبايعوه أجمعون. انتهى
سليمان بن شاور [ - ق 6 ه ]
سليمان بن شاور العلامة الفاضل تلميذ البيهقي وأحد أعيان زمانه، كان من أفراد الزمان وأصحاب الإمام المتوكل على الله، ولعله أحد من حضر بريدة بمسجدها(4) للمفاوضة في القائم بعد الإمام أحمد بن سليمان، وله كتب وفضائل جمَّة - رضي الله عنه -.
سليمان بن عبد الله الكامل [114 - 169 ه ]
السيد الإمام الجليل سليمان بن عبد الله الكامل - عليهم السلام- كان جليلاً نبيلاً من وجوه أهله وعيونهم وساداتهم، ويكنَّى أبا محمد، قتل بفخ أيام الهادي موسى بن المهدي، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
سليمان بن عبد الله السفياني [ - ق 7 ه ]
الفقيه الفاضل سليمان بن عبد الله السفياني - رحمه الله، وأعاد من بركاته - /159/.
قال القاضي نظام الدين علي بن نشوان بعد أن وصفه بالعلم والركانة والثبات في الفضل والمكانة ، قال: وكان من كبار المسلمين وعيون أهل الدين، وولاه الإمام المنصور بالله بلاد بكيل كافَّة - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): لنعجم.
(2) في (أ): فما يحل فيه المحاباة.
(3) في (أ): من العلوم.
(4) في (ب): مسجدها.
سليمان بن عبد الله الخراشي [ - ]
الشيخ الفاضل العالم الكامل سليمان بن عبد الله الخراشي، من العلماء الكبار، وهو من مشيخة السيد العلامة علي بن خميس رحمه(1) الله تعالى.
سليمان بن فضل [ - ق 6 ه ]
الشيخ الفاضل سليمان بن فضل - رحمه الله - كان من كبار العلماء وفضلائهم، عاصر الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليهما السلام- وله شعر من ذلك:(2)
سليمان بن القاسم بن إبراهيم [ - ق 3 ه ]
السيد الكبير حافظ علوم آبائه سليمان بن القاسم بن إبراهيم نجم آل الرسول - سلام الله عليهم - ترجم له(3)
سليمان بن محمد بن المطهر [ - ق 5 ه ]
الأمير الأعظم الجليل سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر - عليهم السلام- كان من بحار العلم ونحارير العترة، يصلح للإمامة العظمى، ترجم له غير واحدٍ من الأصحاب كحميد الشهيد وابن فند وابن مظفر، وذكروا محلَّه من العلم.
من جملة ما حكوا عنه - رضي الله عنه - (أنه)(4) رأى في منامه في حال حمل زوجته بولده الإمام أحمد بن سليمان - عليهما السلام- من ينشده:
بشراك يابن الطهر من هاشمٍ ... بماجدٍ دولتُه تحمدُ
بأحمد المنصور من هاشمٍ ... بورك فيمن اسمه أحمد
توفي في (……)(5) - رحمه الله تعالى -(6).
سليمان بن محمد بن الحسن [ - ق 7 ه ]
الشريف المكرَّم الجهبذي سليمان بن محمد بن الحسن القاضي من بني الهادي إلى الحق - عليهم السلام- كان سيداً سديّاً بطلاً قسورياً، عالماً أحوذياً، ترجم له ابن دعثم وغيره، وهو ممن شهد حرب براش صنعاء، مع المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وكان يوماً مشهوداً أبلى فيه هذا الأمير، وظهر فيه إقدام الإمام - عليه السلام-.
__________
(1) في (ب): رحمهما.
(2) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
(3) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) فراغ في النسختين.
(6) قال في حاشية (ب): بياض في الأم.
سليمان بن محمد بن سليمان [ - ]
العلامة السيد الإمام سليمان بن محمد بن سليمان جد الإمام المتوكل على الله [المطهر بن محمد أبو أبيه، قال مؤلف سيرة الإمام المتوكل على الله:(1) الثاني جدّه الفاضل العالم العامل الورع الكامل سليمان بن محمد الذي ظهرت له الكرامة بين أقاربه لما يروى أنه كان له ولأقاربه تلم في كل موضع من أطيان بلاده برٌ من أهلها، وكان عادة أقاربه أن يصيروا الأمر في ذلك وفي تفريقه إلى أحدهم، فجعلوا ذلك إلى السيد سليمان بن محمد، وكان - عليه السلام- يكره ذلك له ولهم، وأراد ترك ذلك احتياطاً في الدين، فلما طفق الناس يحصدون أتاه قرابته فأجاب عليهم أن جمع ذلك من الجرن أولى [فلما صارت في الجرن كلموه وأشار بتأخيره إلى وقت الحاجة لتؤخذ من البيوت أجمل](2)، فلما دخل البيوت ألَحُّوْا عليه فوعظهم فلم يقبلوا منه فسار بهم إلى منزله ولم يكن في بيته من الحب إلا القليل إلا أنه عزم - عليه السلام- على تسليمه إليهم وانتظاره من باقيهم، فلما /160/ وصل منزله أخبر والدته وأهله فشق عليهم ذلك لقلة ما عندهم، ثم أخذت والدته تناول زوجته ذلك الحب الذي عندهم حتى أوفت كل إنسان منهم، فسأل والدته من أين ذلك الحب؟ فلم يكن حبهم يفي إلا بالقليل، فقالت: إن حبنا الذي عندنا لم ينقص مما أخرجنا منه.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) سقط من (أ).
سليمان بن محمد العنسي [ - ق 7 ه ]
العلامة البليغ(1) سليمان بن محمد العنسي، كان عالماً عاملاً مناصراً للحق مناضلاً عنه، وله شعر حسن من ذلك قصيدته التي قالها في قتل سعيد الشنبكي من أمراء الغز، وذلك أنه كان بتنعم عند بني مطعم لقبض المال فيها(2)، فعاث الشنبكي وأصحابه في الزروع وغيرها فقام جبير بن سالم المطعمي شيخ تنعم في ذلك واستمد من الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة رجالاً أمده بعشرين، ثم إن جبيراً قال لأصحابه يقفون موقفاً عينه لهم، وقال إذا سمعتم الصيحة فأوقعوا بالغز، ثم جاء جبير يتخطى الخيام ودعا الشنبكي، فخرج من خيمته وقد ملأ جبير يديه نزعاً في قوسه فأرسل السهم فقتله وفتك أهل تنعم بباقي الغز، فقال سليمان المذكور قصيدة أولها:
خلي الملام فغير همي همكِ ... إن شئتِ فازدادي به أو فاتركي
وقال فيها مخاطباً لوردسار رئيس الغز:
وأراك تطلب من أسنة يعرب ... ماكان يطلبه سعيد الشنبكي
ظلت سيوف الهند تطلب بطنه ... ضرباً كأشداق الهجان الموركي
سليمان بن محمد بن الزبير [ - ق 685 ه ]
الفقيه العالم المحدث الأديب نجيب الدين سليمان بن محمد بن الزبير بن أحمد الشاوري، ثم الحبشي عالم كبير، وفاضل شهير، وكان شفعوياً فمال إلى آل محمد - عليهم السلام- ومال معه جماعة من أصحابه دانوا بتعديل الله، ونزهوا الجناب القدسي، ووصل إلى الإمام أحمد بن الحسين، وبايع وتابع وشايع - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): المتكلم.
(2) في (ب): منها.
سليمان بن مفرح بن منصور [ - ق 6 ه ]
الشيخ العارف سليمان بن مفرح بن منصور بن جعفر، هو أخو سبأ بن المفرح، نقل شيئاً من حالهما السيد صارم الدين وسيأتي أنه ذكر سكونهما بلاد ثلا، وأنشد - رحمه الله - لسبأ بن المفرح القصيدة المرثية الفائقة الرائقة في السلطان بشر بن حاتم اليامي، وكان السلطان بشر عظيم الشأن رفيع المكان بيده جنود وحصون، وللإمام المنصور بالله إليه قصائد فيها ثناء عظيم، وله انتساب إلى مذهب العترة والظاهر عند الناس أنه غير زيدي، وفي معاملات الإمام التصريح بزيديته، وكان جليلاً ملكاً سامياً، واتفق بينه وبين السلطان إسماعيل الغزي حروب وهو فيها منتسب إلى الإمام المنصور بالله - عليه السلام- فلما مات رثاه سبأ المذكور بقصيدة يذكر(1) فيها جفنة السلطان بِشْر المعروفة بعيشة(2)، ومنها:
هذي قواعد مجد يعرب نلت ... وذراه من فوق الكواكب حزت
ومنها في وصف الجفنة:
من موسع الأضياف ترحيباً وتأ ... هيلاً أمام قدومه بمعيشةِ
دهماء من وَدِكِ السدائف طال ما ... نهلت به منَّ الزمان وغلتِ(3)
ما زال يملؤها الثريد مكللاً ... أشلاء كل (كهاة) برك أبقتِ
وترى (القيوز) تصب في أنحائها الـ ... إنحاء لو سقت الحضيض لأروتِ
ومنها /161/:
(فتخالها من وردها وصدورها ... كسجال دولاب الطوي أَمرَّتِ
هذي تصبُّ وتلك مناقد وتا ... طلعت وذي أَفَلَتْ وتلك تولَّتِ
فكأنها في القد وهي تمجه ... حبشية كسيت حلاً من فضةِ
لولا تراكم ما أقلَّته عدا ... ة القبض كاد يقلها ما مجت
طخياء مكسبها وضوحاً ما حوت ... كالهالة ارتشفت سنىً فتجلت)(4)
كمقامه في يوم حذان الذي ... فجأته خيل الغز فيه فأكدت
__________
(1) في (ب): ذكر.
(2) لعلها: بمعيشة، انظر ما بعد ذلك من الأبيات .
(3) لعلها: وعَلَّتِ.
(4) الأبيات ما بين القوسين ساقطة من (أ) وموجودة في (ب).
سليمان بن موسى الدواري [ - ]
(السيد)(1) الكبير العلامة الخطير سليمان بن موسى الدواري - رحمه الله تعالى - ذكره المقرئ في نزهته، وكان عالماً كبيراً من تلامذته القاضي جمال الدين علي بن أسعد الحطوار، وله تلامذة وشيوخ.
سليمان بن مهران الأعمش [60هـ - 148 ه ]
شيخ أهل الحديث وإمام القديم منهم والحديث العلامة سليمان(2) بن مهران مولى بني كاهل المعروف بالأعمش، أحفظ أهل وقته، إليه النهاية في الحديث حفظاً وجرحاً وتعديلاً، وهو رئيس الكوفة وعالمها، وكان يعرف بالكوفي عدَّه الحاكم في (العيون) في رجال الزيدية، وكان أهل الكوفة إذ ذاك رجال الزيدية وأئمة الشيعة المخلصين، وقد يكبر على غير ذوي الإطلاع، جعله في فريق الزيدية كما يكبر عليهم سفيان وشُعبَة وأضرابهم، وذلك لجهلهم بالتواريخ والأحوال، وجعلهم طريق عرفان الحق بالرجال(3) والرجال يعرفون بالحق، وقد سبق كلام الحاكم فإنه قال عند ذكر البتريَّة من الزيدية أصحاب سليمان بن جرير وكثير النوى ما لفظه: ورجال الزيدية من السلف سِوَى من ذكرناه ابنا تمار وعلى بن صالح ووكيع بن الجراح ويحيى بن آدم وعبيد الله بن موسى والفضل بن دكين وسلمة بن كهيل والأعمش، ثم ساق وحكى عن أبي القاسم(4) الكعبي البلخي أنه قال: كان أبو حنيفة - رحمه الله - يذهب مذهب البترية، وحكى - رحمه الله أعني الحاكم - عن سفيان في حق طاووس - رضي الله عنه - شيئاً من هذا، قلت: ويدل على ما حكوه عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - من مشايعة أئمة الزيدية وإفتائه بالخروج مع أئمتهم سراً وجهراً حتَّى حكى في (الكشاف) أنه أفتى بعض المسلمين بالخروج مع أئمتهم أحسبُه أحد أولاد عبد الله الكامل، وقتل ذلك الإنسان، وكانت له أم فعاتبت أبا حنيفة في ذلك وقالت: أفتيت ولدي بالخروج فقتل، فقال: وددت إني مكان ولدك، وعنه في بعض أيامهم: هي والله بدر الصغرى، وبايع لزيد
__________
(1) في (ب): الفقيه.
(2) في (ب): الحافظ.
(3) في (ب): الرجال.
(4) زيادة في (ب): أظنه.
بن عليّ إمام الزيدية، ذكره ابن حجر، قال ابن الجوزي: كل إمام من الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع لإمام من أئمة أهل البيت، فبايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن، وبايع مالك لأخيه محمد، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى، نقل ذلك العامري في (الرياض المستطابة).
قلت: وقد حكى بيعة الشافعي - رضي الله عنه - ليحيى الذهبي في (النبلاء)، وحكى بيعة أبي حنيفة لإبراهيم في (الضياء المعنوي) شرح مقدمة الغزنوي (1) تأليف الشيخ محمد بن أحمد القرشي الحنفي، وهو من أجلَّ كتب الحنفيَّة.
قلت:وحكى ذلك الطحاوي أيضاً، وحكى العلامة البغدادي ما لفظه: كان أكثر الفقهاء في الصدر الذي فيه زيد بن علي - عليه السلام- على رأيه، ثم بعده كذلك فأبو حنيفة من رجاله وأتباعه في كل كتاب من كتب أهل المقالات، وكذا صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي تلميذ لمحمدبن الحسن، وكان داعياً ليحيى بن عبد الله بن الحسن الإمام في زمان هارون الرشيد وشر……(2) بنو العباس لأجل ذلك وكذا كانت ……(3) في غير الفقه على رجلين من أتباع زيد بن علي وهما أجلاء أهل الحق أحدهما يحيى بن خالد الرنجي، والآخر إبراهيم بن يحيى المدني، وكذا مالك الفقيه، كان يفتي من سأله بالقيام مع محمد بن عبد الله النفس الزكية على المنصور أبي الدوانيق وشيخه جعفر الصادق /162/ في الحديث فلا مذهب أقدم من مذهب زيد بن علي - عليهما السلام- ولا أفضل، وكيف لا يكون كذلك؟ وهو يرويه عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس بينه وبينه إلا رجلان، انتهى بلفظه.
__________
(1) كذا في (أ) وفي (ب): الغربوي.
(2) فراغ في (أ)، (ب)، ولعلها: وشرره.
(3) فراغ في (أ)، (ب).
ولأبي حنيفة - رحمه الله - مشيخة من سادات الزيدية، قال القريني الحنفي: منهم زيد بن علي وأخوه الباقر وابنه الصادق والحسن بن الحسن وعبد الله الكامل، وقد كان للأعمش - رحمه الله - في ولاء أولاد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مقامات لا تنكر.
وتخوَّف على نفسه من الخلفاء، وقد ترجم له المعادي والموالي، وذكره السيد الصارم في (العلوم) والقاضي في (المسلك)، ولفظهما سليمان بن مهران الكاهلي الأعمش، وهو من أعلام الزيديَّة، قال عيسى بن يونس: حدثنا الأعمش بأربعين حديثاً فيها ضرب الرقاب لم يشركني فيها غير محمد بن إسحاق، وقضيته مع المنصور مشهورة، روى عنه الجماعة.
قلت: وقولهما: قضيته مع المنصور مشهورة هي ما حاصله أن المنصور طلبه ذات ليلةٍ قال الأعمش: ففكرت في نفسي، فقلت: ما دعاني في هذا الوقت لخير، ولكن عسى أن يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فإن أخبرته قتلني، قال: فتطهرت ولبست أكفاني وتحنطت، ثم كتبت وصيتي ثم صرت إليه فوجدت عنده عمرو بن عبيد فحمدت الله على ذلك، فقال لي: ادن يا سليمان، فلما دنوت فاح له ريح الحنوط فقال: ما هذه الرائحة أصدقني وإلا قتلتك فصدقته فحوقل، ثم قال: تعرف يا سليمان ما اسمي، فأخبرته أنه عبد الله الطويل بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبَّاس، قال: صدقت، فأخبرني بالله وبقرابتي من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كم رويت في عليّ من فضيلة من جميع الفقهاء؟ وكم يكون؟ قلت: يسيراً يا أمير المؤمنين، قال: علي ذلك، قلت: عشرة آلاف، قال: فقال يا سليمان لأحدثنك في فضائل علي - عليه السلام- حديثين(1) يأكلان كل حديث رويته عن جميع الفقهاء فإن حلفت لي ألاَّ ترويه لأحد من الشيعة حدَّثتك، فقلت: لا أحلف، ولا أخبر بهما أحداً، فقصَّ له المنصور الحديثين في سياق قصَّة طويلة هي موجودة في كتب الحديث، ذكرها الحاكم في (الجلاء) وحُميد في (الحدائق)، وفي آخر الحديث أنه لما ورد الشام وأهله كلهم نواصب اجتمع برجل محب لأمير المؤمنين له شأن عظيم فتهاداه هو وأخواه وأحد الأخوين كان منحرفاً عن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - وكان إماماً لقوم، وكان إذا أصبح لعن علياً - كرَّم الله وجهه - ألف مرَّة كل غداة وأنه لعنه يوم الجمعة أربعة آلاف مرّة فغير الله ما به من نعمة، فتاب، وصار يحب علياً، وواعده الشيخ الذي قدم عليه أولاً ليتصل بأخويه فوافق أحدهما فأجازه عشرة آلاف درهم، ثُمَّ واعده لغده إلى مسجدٍ يصلي فيه أخوهما الذي كان يلعن (علياً)(2) أمير المؤمنين، قال: فلما أصبحت في الغد قصدت المسجد فتشابهت
__________
(1) في (أ): حديثان.
(2) سقطت من (ب).
عليَّ الطريق فسمعت إقامة الصلاة في مسجد، فقلت: والله لأصلين مع هؤلاء القوم، فنزلت عن البغلة ودخلت المسجد فوجدت رجلاً قامته مثل قامة صاحبي، قلت: لعله يعني الأخ الأول ويحتمل الثاني فصرت عن يمينه، فلمَّا صرنا في ركوع وسجود إذا عمامته قد رمى بها من خلفه فتفرَّست في وجهه فإذا وجهه وجه خنزير ورأسه وخلفه ويداه ورجلاه، فلم أعلم ما صليت وما قلت في صلاتي متفكراً في أمره، وسلم الإمام وتفرس في وجهي وقال: أنت الذي أتيت أخي بالأمس فأمر لك بكذا وكذا؟ قلت: نعم، فأخذ بيدي وأقامني فلما رآنا أهل المسجد /163/ تبعونا فقال للغلام: أغلق الباب ولا تدع أحداً يدخل علينا، ثم ضرب بيده إلى قميصه فإذا جسده جسد خنزير فقلت: يا أخي ما هذا الذي آرى بك؟ قال: كنت مؤذن القوم وكنت كل يوم إذا أصبحت ألعن علياً ألف مرَّة بين الأذان والإقامة، قال: فخرجت من المسجد ودخلت داري هذه، وهو يوم جمعة وقد لعنته أربعة آلاف مرَّة، ولعنت أولاده فاتكأت على الدكان فذهب بي النوم فرأيت في منامي كأنما أنا بالجنَّة قد أقبلت فإذا علي فيها متكئ والحسن والحسين معه متكئين، بعضهم ببعض مسرورين تحتهم مصليات من نور وإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جالس والحسن والحسين قدَّامه وبيد الحسن كأس فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للحسن: اسقني. فشرب، ثم قال للحسين: اسق أباك علياً. فشرب، ثم قال للحسن: اسق الجماعة. فشربوا، ثم قال: اسق المتكئ على الدكان.
فولَّى الحسن بوجهه، وقال: يا أبة كيف أسقيه وهو يلعن أبي كل يوم ألف مرَّة، ولقد لعنه اليوم أربعة آلاف مرَّة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: مالك لعنك الله تلعن علياً، وتشتم أخي لعنك الله، تشتم أولادي الحسن والحسين، ثم بصق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فملأ وجهي وجسدي فانتبهت من منامي فوجدت موضع البصاق الذي أصابني من بصاق النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد مسخ كما ترى، ثم قال: يا سليمان أسمعت في فضائل علي أعجب من هذين الخبرين؟
قلت: هما خبران طوينا ذكرهما للإختصار، يا سليمان حب علي إيمان، وبغض علي نفاق، لا يحب علياً إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا كافر، فقلت: يا أمير المؤمنين الأمان، قال: لك الأمان، قال: قلت: فما يقول أمير المؤمنين فيمن قتل هؤلاء؟ قال: في النار لا أشك، قال: قلت: فما تقول فيمن قتل أولادهم وأولاد أولادهم؟ قال: فنكس رأسه، ثم قال: يا سليمان الملك عقيم، ولكن حدث عن فضائل علي بما شئت، قال قلت: فمن قتل ولده فهو في النار، قال عمرو بن عبيد: صدقت يا سليمان، الويل لمن قتل ولده، قال المنصور: يا عمرو اشهد عليه أنه في النار، فقال: أخبرني الشيخ الصدوق - يعني الحسن- عن أنس أن من قتل أولاد علي لا يشم رائحة الجنة، قال: فوجدت أبا جعفر قد خمص وجهه، قال: وخرجنا قال أبو جعفر لولا مكان عمرو ما خرج سليمان إلا مقتولاً.
ويشبه هذه القصة ما حكاه التنوخي قال: حدث أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي المعروف بالببغاء، وكتبه بإملائه، قال: كنت بصور في سني نيف وخمسين وثلاثمائة عند أبي علي بن محمد بن علي المستأمن، إنما لقب بذلك لأنه استأمن من عسكر القرامطة إلى أصحاب السلطان بالشام، وهو على حماية البلد، فجاءه قاضيها أبو القاسم بن أبان، وكان شاباً أديباً فاضلاً جليلاً واسع المال عظيم الثروة ليلاً، فاستأذن عليه، فأذن له، ولمَّا دخل إليه قال: أيها الأمير قد حدث الليلة أمر مالنا بمثله عهد وهو أن في هذه البلد رجل ضرير يقوم كل ليلة في الثلث الأخير ليطوف بالبلد، ويقول بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله، يا مذنبين استغفروا الله، يا مبغض معاوية عليك لعنة الله، وإن رابيتي(1) التي ربتني كانت لها عادة في أن تنتبه على صياحه، فجاءتني الليلة، وأيقضتني، وقالت لي: كنت نائمة فرأيت في منامي كأن الناس يهرعون إلى المسجد الجامع، فسألت عن السبب، فقالوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هنالك فتوجهت إلى المسجد ودخلته ورأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على أعْلى المنبر /164/ وبين يديه رجل واقف، وعن يمينه ويساره غلامان واقفان والناس يسلمون على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويرد - عليهم السلام- حتى رأيت الضرير الذي يطوف في البلد ويذكر ويقول: كذا وكذا وأعادت ما يقول في كل ليلةٍ فدخل فسلم على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فأعرض عنه، وعاوده فأعرض عنه، وعاوده ثالثة فأعرض، فقال الرجل الواقف: يا رسول الله رجل ضرير من أمتك يحفظ القرآن يسلم عليك فلم حرمته الرد عليه؟ فقال له: يا أبا الحسن، هذا يلعنك ويلعن ولدك منذ ثلاثين سنة، فالتفت الرجل الواقف فقال: يا قنبر فإذا بالرجل قد بدر فقال أصفعه فصفعه صفعة خرَّ على وجهه، ثم انتبهت فلم أسمع صوتاً، وهذا الوقت الذي جرت عادته فيه بالصياح والطواف والتذكير.
__________
(1) في (أ) و (ب): رابتني.
قال أبو الفرج الأصبهاني(1): أيها(2) الأمير فتنفذ من يعرف خبره فأنفذنا في الحال رسولاً قاصداً يخبر أمره فجاءنا يُعرفنا أن امرأته ذكرت أنه عرض له في هذه الليلة حكاك شديد في قفاه، فمنعه من الطواف(3) والتذكير، فقلت: لأبي علي المستأمن أيها الأمير هذه آية ونحب أن نشاهدها، فركبنا وقد بقيت من الليلة بقية يسيرة وجئنا إلى دار الضرير، فوجدناه نائماً على وجهه يخور، فسألنا زوجته عن حاله فقالت: انتبه وحك هذا الموضع وأشارت إلى قفاه وكان قد ظهر فيه مثل العدسة وقد اتسعت الآن وانتفخت وتشققت، فهو الآن على ما تشاهدون يخور ولا يعقل، فانصرفنا وتركناه، فلما أصبحنا توفي وأكب أهل (صور) على تشييع جنازته وتعظيمه.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): وسندها.
(3) في (ب): التطواف.
قال أبو الفرج: واتفق أني لما وردت إلى باب عضد الدولة بالموصل في سنة ثمانٍ وستين وثلاثمائة لزمت دار خازنه أبي نصر خرشد بن ديارما(1) فيه، وكان يجتمع فيها كل يوم خلق كثير من طبقات الناس، فحدثت بهذه الحكاية جماعة في دار أبي نصر منهم القاضي أبو علي التنوخي - رحمه الله - وأبا القاسم الحسين بن محمد الحياني وأبا إسحاق(2) النصيبي وابن طرفان وغيرهم، فكلهم رد علي واستبعد ما حكيته على أشنع وجهٍ غير القاضي أبي علي - رحمه الله - فإنه جوز أن تكون هذه القصة صحيحة، وشيّدها(3) وحكى في معناها ما يقاربها، ثم مضت على هذه مدَّة يسيرة فحضرت دار أبي نصر على العادة، فاتفق (أكثر)(4) حضور الجماعة، فلما استقر بي المجلس سلم علي فتى شاب لم أعرفه فاستبنته فقال: أنا ابن القاسم بن أبان قاضي صور، فأقسمت بالله يميناً مكرَّرة مؤكدة وبأيمان كثيرة مغلظة محرجة إلا صدق فيما أسأله عنه، فقال: نعم عندي أنك تريد أن تسألني عن المنام والضرير الذكر وميتته الظريفة؟ فقلت: نعم هو ذلك فبداهم فحدثهم بمثل ما حدثتهم به فعجبوا من ذلك، واستظرفوه.
__________
(1) في (ب): ديار بن ما فيه.
(2) في (ب): إسحاق.
(3) في (ب): وسندها.
(4) ساقطة من (ب).
ويشبه هذا ما حكى العلامة المهدي بن أحمد الرخمي - رحمه الله - أنه اطلع على نسخة أنوار اليقين في شبابه فوجد حاشية فيها بخط ابن معتق الصعدي، يروي عن خاله أنه سافر إلى أرض الحسا(1) والقطيف فوجدهم يسبون علياً - كرم الله وجهه في الجنة- ثُمَّ سافر مرة أخرى فوجدهم يرضون عنه فسألهم عن قضيتهم أنهم يسبون في السنة الأولى، ويرضون في الثانية فأخبروه أنه أراد رجل منهم الحج، وكان لهم قاضٍ يسب علياً، ويسبون معه، فلما خرج الذي أراد الحج من بيته قاصداً مكة والمدينة خرج معه أهل البلد والقاضي معهم فودَّعهم وودعوه، وقال له القاضي: متى قدمت المدينة ودخلت قبَّة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فأبلغه مني /163/ السلام، وسلم على أبي بكر وعلى عمر، ثم تصعد منبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - والعن علياً ثم إن الرجل عزم لوجهه فلمَّا [بلغ] المدينة دخل المسجد وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعلى أبي بكر وعمر وأبلغ السلام عن القاضي من ذكر، ثم صعد المنبر فأراد(2) يلعن علياً عن القاضي فارتعدت فرائصه، وخاف خوفاً شديداً، ولم يتكلم بالسب، ثم إنه أقام تلك الليلة في مسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فرأى في المنام أنه في بيت القاضي وإذا علي - عليه السلام- قد دخل عليه منزله وهو غضبان، وفي يده اليمنى مدية وفي اليسرى قطنة، فوثب على القاضي فذبحه بالمدية ومسح المدية بالقطنة وتركهما في كوّة قرب سقف المنزل فانتبه الرجل من ساعته فأرَّخ الوقت والساعة، وقضى وطره، ورجع إلى بلده فلقيه أهل البلد وتخلف القاضي لم يرَه، فقال لهم: نريد بيت القاضي للسلام عليه فقالوا: إن القاضي قتل غيلة في منزله فقال: ندخل المنزل فلما دخل بهم المنزل أخبروه بما كان وأنه كان في ساعة كذا في ليلة كذا وهي الساعة التي رآها في النوم فقال لهم: ائتوني بمعراج ففعلوا فرقا فيه فوجد
__________
(1) لعلها: الاحساء.
(2) في (ب): وأراد.
المدية في الكوة والقطنة فقص عليهم الرؤيا فتركوا السب، وأبدلوه بالترضية.
قلت: كان القاضي المهدي من أجلاء العلماء، وهو أحد شيوخ الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - رضي الله عنه - وسيأتي له - إن شاء الله - ترجمة.
وقريبٌ منها ما حكاه العلامة الحسن بن علي بن حنش - رحمه الله - وحكاها أيضاً غيره حتى إنها قريب التواتر، فلقد رأيتها من عدة طرق ولكني أحببت نقلها من هذه الطريق وأمثال هذا يكفي فيه الطريق الظنيَّة، بل قالوا: يكفي في الفضائل ما هو دون هذا، قال العلامة الحسن بن علي روى الشيخ العلامة عبد الله بن بدر الشرفي عن السيد الفضل بن يحيى الحسيني أنه قال: كنت أنا ورجل من أصحابنا الزيدية في (تعز) العدينية، فدخلت أنا وهو بعض مدارسهم، وحضر بعض الصلوات، فقال صاحبي في أذانه: حي على خير العمل، فسمعه بعضهم فقال لشيخ تلك المدرسة: ما هذا المذهب الذي يذكر فيه حي على خير العمل؟ فقال له الشيخ: هذا مذهب الزيدية، فقال: وإلى من ينتسبون؟ فقال الشيخ إلى رجل يقال له زيد بن علي، ولعنه المقرئ وأنا أسمع أنا وصاحبي فهممنا بقتله، وخرجنا من المسجد، فلما بلغنا المنزل الذي نحن فيه أدركتنا الندامة على عدم(1) قتله، فأمسينا نعمل كل حيلة ثم عزمنا على أن نقتله الصبح وإن قتلنا غضباً لله ولابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما طلع الفجر عدَونا عليه وإذا قد رمي به إلى مكان عالٍ مذبوحاً والأبواب من المسجد مغلقة موثقة، وطلب لينال فلم يمكن الصعود إليه إلا بالسلاليم، وبلغ ذلك السلطان المجاهد، فوقع عنده غاية الموقع وجاؤوا وموضع القطع أسود لم ينزل منه قطرة دم، كأنه حسم بنار، وهذا قليل من فضائله - عليه السلام- وهذا وأمثاله(2) كثيرة لو أردنا نقل فضائل تشبه هذا استوعبنا (الكاغد) والله المستعان.
__________
(1) سقط من (ب): عدم.
(2) في (ب): ومثاله.
رجعنا إلى ذكر الأعمش - رحمه الله - كان عالماً ثقة فاضلاً، وكان أبوه من ديناوند(1) وقدم الكوفة وامرأته حامل بالأعمش، فولدته بها، قال السمعاني: وهو لا يعرف بهذه النسبة بل يعرف بالكوفي، وكان يقارن بالزهري في الحجاز.
قال ابن خلكان: وكان لطيف الخلق مزاحاً، جاء أصحاب الحديث(2) ليسمعوا عليه، فخرج إليهم وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم. وجرى بينه وبين زوجته يوماً كلاماً فدعا /166/ رجلاً ليصلح بينهما فقال لهما الرجل: لا تنظري إلى عمش عينيه، وحموسة ساقيه، فإنه إمام وله قدر، فقال له: أخزاك الله ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي.
وقال له داود بن عمرو الحايك ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء، قال فما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل مع عدلين.
__________
(1) في (ب): دبناوند.
(2) في (ب): يوماً.
ويقال: إن الإمام أبا حنيفة - رضي الله عنه - عاده يوماً في مرضه فطوّل القعود عنده، فلما عزم على القيام قال: ما كأني إلا ثقلت عليك، فقال: والله إنك لثقيل عليَّ وأنت في بيتك. وعاده أيضاً جماعة فأطالوا الجلوس عنده فضجر منهم فأخذ وسادة وقال: شفا الله مريضكم بالعافية. وقيل عنده يوماً قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه)) فقال ما عمشت إلا من بول الشيطان في أذني. وكانت له نوادر كثيرة، وقال أبو معاوية الضرير: بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش أن اكتب إليَّ مناقب عثمان ومساوئ علي، فأخذ الأعمش القرطاس وأدخله في فم شاة فلاكته وقال لرسوله: قل له هذا جوابك، فذهب الرسول، ثم عاد وقال: إنه ذهب إلى أن يقتلني إن لم آته بالجواب ويحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: أفده من القتل، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فلو كان لعثمان - رضي الله عنه - مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعليٍّ مساوئ أهل الأرض ما ضرتك فعليك بخويصة نفسك والسلام.
مولده سنة ستين من الهجرة، وقيل: إنه ولد يوم مقتل الحسين - رضي الله عنه - وذلك يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وكان أبوه حاضراً قتل الحسين - عليه السلام- وعدَّه ابن قتيبة من جملة من حملت به أمه سبعة أشهر. توفي سنة ثمانٍ وأربعين(1)، وقيل سنة تسع وأربعين.
قال زائدة بن قدامة: تبعت الأعمش يوماً فأتى المقابر فدخل في قبر محفور فاضطجع فيه، ثم خرج منه وهو ينفض التراب من رأسه ويقول: يا ضيق مسكناه - رحمه الله - ودُنْبَاوَنْد - بضم الدال المهملة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبعد الألف واو مفتوحة ثم نون ساكنة بعدهما دال مهملة - وهي ناحية من رستاق الري في الجبال وبعضهم يقول: دمناوند والأول أصح.
__________
(1) زيادة في (ب): ومائة، شهر ربيع الأول، وقيل سنة سبع وأربعين، وقيل: سنة تسع وأربعين.
قلت: ومن شعره ما كتب به إلى بعض إخوانه يعزيه:
إني أعزيك لا أني على ثقةٍ ... من الحياة ولكن سُنَّة الدينِ
فما المعزَّى بباق بعد مَيِّتَهُ ... ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حينِ
سليمان بن موسى الدواري [ - ]
سليمان بن موسى الدواري - رحمه الله - العالم الكبير الفاضل الشهير سليمان بن موسى - عادت بركاته - ذكره المقرائي بما يدل على جلالة قدره، وعظم شأنه.
قلت: وهو شيخ العلامة علي بن أسعد الحظوار.
سليمان بن ناصر الدين بن سعيد السحامي [ - ق 7 ه ]
شيخ العصابة، وإمام(1) الإصابة مطلع (شمس الشريعة)، ومظهر عجائب الإسلام البديعة، سليمان بن ناصر الدين بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن كثير السحامي، عالم العلماء وواحد الفضلاء، أحد أساطين الفقه، حفظ القواعد، وقيَّد الشوارد، وهيمن على كتب العراقين واليمن، واستخلص من ذلك كتاب شمس الشريعة الفائق في أسلوبه الغريب في جمعه وجودة تركيبه، وفيه يقول إمام زمانه المنصور بالله عبدالله بن حمزة - عليهما السلام-.
أهلاً بصدر شريعةِ الإسلامِ ... وبأوحدٍ في ديننا علاَّمِ
/167/
أعني سلالةَ ناصرٍ علم الهدى ... حِلف التقى ومبيَّن الأحكامِ
نجل ابن ناصر علم آل محمد ... فأتَى بياقوتٍ ودرَّ نظامِ
فجزاك ربك عن سلالة أحمد ... خير الجزا وحباك بالإنعامِ
وهو من بيت علم وفضل ومحل منيف، يسكنون صُرحَة(2) - بالصاد مهملة مضمومة بعدها راء مهملة مفتوحة ثم حاء مهملة - من جهة بني مسلم، كذا ذكره علي بن نشوان بن سعيد، وقد نقل بعض المعتنين بهذه أن مسكنه هجرة شوحط قرب (قرَن)، وولده بها وذريته.
__________
(1) في (ب): أهل.
(2) صِرْحَة: بكسر فسكون، قرية أثرية بسفح جبل بني مسلَّم، تبعد عن مدينة ((يريم)) بمسافة 17 كيلو متراً غرباً، (معجم المقحفي، ص902).
قلت: ولا يمتنع اجتماع الأمرين، وكان للقاضي عادت بركاته عناية كاملة في استصلاح العامَّة والدعاء إلى الحق وإشادة الآثار الصالحة، فصلح بحميد سعيه في ذلك الإقليم خلائق دعاهم إلى مذهب العترة - عليهم السلام- فدانوا بذلك، واشتهر العدل والتوحيد وتنزيه الله (سبحانه)(1)، وكان يحمل إلى المنصور بالله - عليه السلام- الأموال الواسعة، ويحملها الجمال والدواب أثقالاً كثيرة، وكان أحد المجاهدين المناصرين المراغمين لأعداء الله، ففاز بحلّتي الجهاد والاجتهاد، قال بعض شيوخنا: إن مؤلف البيان المعروف (ببيان السحامي) أخوه وهو علي بن ناصر، وتعقبه بعض المطلعين من شيوخنا بأنه ابن أخيه، فهو علي بن الحسن بن ناصر الدين.
قال السيد العلامة علي(2) بن عبدالله بن الوزير: إنه أخوه كما حكيناه عمن سبق، وكان شيخنا القاضي أحمد بن سعد الدين يرجح الثاني، وفي هذا نقل مفيد غاب عني عند الرقم.
قال السيد شمس الدين: وكانا مطرفيين فرجعا إلى الحق، وصنف سليمان (شمس الشريعة) في فروع الفقه و(النظام) في أصوله، وكانا من تلامذة الإمام الأعظم المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليهما السلام- وتوفي في ……(3) ودفن بقرية (جبن) (4).
سليمان بن هيجان بن القاسم [ - ]
السيد العلامة الكبير صدْر المفرعين سليمان بن هيجان بن القاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم - عليهم السلام- هو صاحب المذاكرة المشهورة، وكان عالماً كبيراً.
قال شيخنا شمس الدين - رحمه الله -: هذه المذاكرة هي بيان ابن معرف، وهو المسمى (بالمنهج المنير الجامع لفوائد التحرير)، سمي بالمذاكرة لمذاكرة السيد سليمان به شيخه ابن معرف رحمه لله، وقال ابن نزار - رحمه الله -: إن البيان غير المنهج، والله أعلم.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): أحمد بن عبد الله الوزير.
(3) بياض في النسختين.
(4) جُبَن: بضم ففتح، مدينة في الجنوب الغربي من مدينة رداع بمسافة نحو 50 كيلو متراً. (معجم المقحفي، ص 286).
سليمان بن يحيى الثقفي [ - ق 6 ه ]
الشيخ الهمام العارف ولي آل محمد سليمان بن يحيى الثقفي، جامع سيرة الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - سلام الله عليهما - وهي دالة على تمكنه في العلم، وحسن تعبيره في القول يدل على فضلٍ ومكانة في العلم - أعاد الله من بركته-(1).
سليمان بن يحيى بن الحسين الحمزي [ - ]
السيد الإمام سليمان بن يحيى بن الحسين الحمزي، أحد جدود الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد.
قال مؤلف سيرة المتوكل عند عدّه للجدود، الرابع جده السيد الفاضل العالم العامل الورع الكامل ذو الكرامات الباهرة والفضائل الطاهرة الذي سخر الله له ولزوجته الشريفة الفاضلة مهدية بنت فليتة نمراً يسرح مواشيهما ويرعاها، ثم يروحها، استمرت بذلك عادته كالأجير الناصح المواظب، وكانا يكرمان الضيف لأن منزلهم على ممر أهل المشرق والمغرب، وكانا يفعلان لأهل كل جهة ما يوافقهم من المعيشة إكراماً لهم، بذلك اشتهر، وانتشر فضلهم.
سليمان بن يحيى القاسمي [ - 815 ه ]
السيد الفاضل الكامل شيخ العترة سليمان بن يحيى /168/ القاسمي - رضي الله عنه - كان من عيون الأعيان، ومن أفراد الزمان، ذكره السيد العلامة الحافظ الهادي بن إبراهيم بن الوزير، وإليه لمح في قصيدته المسمَّاه رياض الأبصار بقوله:
وبالقاسميّ بن الأئمة والندا ... سليمان من علياه للنجم يعتلي
قلت: سكن حبور وأوطنها وبها توفي - رضي الله عنه - وممَّا كتبه إليه بعض شيوخ العترة، وقد فارقه بحبور:
تودعتُ الأحبَّة من حبورٍ ... أظل زمانهم مزن الحبورِ
فكنت كمن يودع روح صدر ... وهم لا شك أرواح الصدورِ
فرعياً ثم رعياً ثم رعياً ... لمن هم كاللآلئ في النحورِ
خلائقهم رياض الروض نوراً ... ومن أخلاقهم نور البدورِ
__________
(1) في (أ): عاد الله من بركته.
جَحاجِجَةٌ غطارفةٌ كرامٌ(1) ... تفيض أكفهم فيض البحورِ
أفاض الله مالاحت بُروق ... عليهم دائماً سحب السرورِ
ولا سيما سليمان بن يحيى ... فعمره الإله مدى الدهورِِ
نشأ طهراً ولا عجب إذا ما ... (2)
حوى علماً وحلماً واحتمالاً ... وإصلاحاً ونظماً للأمورِ
أليف الضيف تلقاه ضحوكاً(3) ... يلُوح بوجهه نورُ السرورِ(4)
فدام معمراً ما لاح برقٌ ... وما صدحت حمامات الزهورِ
سليمان بن يحيى بن محمد الصعيتري [ - 815 ه ]
العلامة المحقق وجيه الإسلام، وحيد المفرعين، ولسان المحصِّلين، سليمان بن يحيى بن محمد بن يحيى الصعيتري بن بنت العلامة الحسن بن محمد النحوي، هو (5) مؤلف (البراهين)، وناهيك بذلك دليلاً على علمه وتحقيقه، وله شرح آخر على (تذكرة) جدِّه - رحمه الله - ومن شروح التذكرة [المصابيح](6) لمحمد بن حسن المقرائي والد الفقيه يحيى و(الرياض) للفقيه يوسف و(الكواكب) ليحيى بن مظفر و(تعليقة ابن مفتاح) و(التبصرة) للسيد الحمزي وللخالدي تعليق ومما كتب على صخره الموضوع على قبره:
قد كان أشهر من نارٍ على علم ... بين الرجال ومن داع على فننِ
أحاط بالفقه حتى صار مجتهداً ... ونال ما عجزت عنه بنو الزمنِ
مع الحداثة في سنٍ فوا أسفا ... عليه لو عاش ما أحيا من السننِ
ما زال بالعلم مشغوفاً ومعتمداً ... فيه إلى أن ثوى في اللحد والكفنِ
قد كان في دهره بحراً وطود هدى ... لطالب العلم من شام ومن يمنِ
__________
(1) جَحَاجِحَةٌ: مفردها: جَحْجَح: السَّيِّد. (القاموس المحيط، ص 209). غَطَارفةٌ: مفردها: غِطْريف، والغِطْرِيْف: السيد الشريف، والسخيُّ السَّرِيُّ، والشاب. (المرجع السابق ص 777).
(2) فراغ في (أ) و (ب).
(3) في (أ): ضحاكاً.
(4) هذا البيت سقط من (أ).
(5) في (أ): هو من مؤلف.
(6) سقط من (أ).
كانت وفاته - رحمه الله تعالى - ليلة الثلاثاء، لعله ثاني عشر من جمادى الأخرى سنة خمس عشرة وثمانمائة، ودفن بجربة الروض في حوطة القاضي الحسن بن محمد النحوي - رحمهم الله تعالى -.
سليمان بن يحيى النحوي [ - ]
العلامة الفقيه سليمان بن يحيى النحوي، ترجم له بعض آل النحوي، وأثنى عليه بالعلم - رحمه الله تعالى -.
سليمان بن يحيى العاضل [ - ]
العلامة الفاضل سليمان بن يحيى العاضل من أهل (منقذة)، وهو من تلامذة أحمد بن علي البشاري، قرأ عليه هو والفقيه يوسف بن أحمد - رحمه الله -.
سورة بن كليب الزيدي [ - ق 2 ه ]
العالم الكامل حجَّة الإسلام سورة بن كليب الزيدي - رضي الله عنه - أحد أعلام الزيدية، وصاحب العناية بلسانه وسنانه، صحب الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي - عليهم السلام- وكان ثقة في أموره، ومفزعة في مهمَّاته البشرية، ترجم له في رجال الزيدية البغدادي وغيره.
أبو السعود بن عبد الله [ - ق 7 ه ]
أبو السعود بن عبد الله الإمام العالم الفقيه من أعيان المائة السابعة، ذكره السيد يحيى بن القاسم - رحمه الله -.
/169/ أبو السعود بن فتح [ - ]
شيخ الزيدية العلامة أبو السعود بن فتح، هو إمام اللغة، وسيبويه اليمن، فاتح المرتجات، صاحب التصانيف، ذكره المقرائي في نزهته، وقال: صاحب موضوعات وتصنيفات(1)، وهو أحد رجال الزيدية فضلاً وعلماً، وكان مسكنه ببلاد (آنس)، قال: قيل هذا وهو الذي ذكره الأمير الحسين في (الشفاء).
__________
(1) في (ب): وتأليفات.
قلت: يلمح إلى ما في كتاب الحيض من كتاب الشفاء، فإنه لمَّا قال الأمير: إن الشطر في لغة العرب لا تحيض بمعنى النصف، قال: ومما يحكى في ذلك أن الشيخ أبا السعود بن فتح النحوي استزاد رجلاً إلى بلدٍ جوَّز حصول رزق منها، وشرط له شطر ما يحصل له، فلما حصل له ما توسمه وحضرا جميعاً للمقاسمة فقسم له أبو السعود بعض ما حصل له دون النصف، فاختصما، وترافعا إلى أهل العلم، فقرر عليه أبو السعود، أنه شرط شطر المحصول، فلما قرره عليه حكم العلماء بثبوت ما فعله أبو السعود وسقط ما توهمه صاحبه. انتهى
وقال ابن الوزير في تاريخ أهله عند تعداد جماعة من علماء الزيدية.
أبو السعود بن المبارك:
ومنهم أبو السعود بن فتح شارح مختصر أبي عباد: له معرفة جيدة في اللغة والعربيَّة، وقال بعض أصحابنا في ترجمة له: إنه سكن (ألهان).
قلت: مختصر أبي عباد كتاب في النحو معتمد.
قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله فيما أحسب له عدَّة شروح، وكان آل أبي عباد نحاة اليمن والجلال السيوطي، ذكرهم فقال: إبراهيم بن أبي عباد التميمي النحوي، وهو ابن أخي الحسن بن إسحاق بن أبي عباد النحوي.
قال ياقوت من آل النحويين باليمن: وله تصانيف في النحو مختصرات سمَّى أحدهما (التلقين) والآخر يعرف (بمختصر إبراهيم)، ومات متأخراً بعد الخمس المائة، ولهم التحقيق البليغ، وممَّن شرح مختصر أبي عباد العلامة علي بن رزين(1)، وكان إمام وقته في لسان العرب والعروض والحساب والهندسة، قال القاضي أبو الخير أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى والد القاضي جعفر إنه لا يعلم أحداً ممن أدرك في اليمن كعلي بن أبي رزين وأخيه موسى، وقال إبراهيم الصبري مثل ذلك وابنا رزين والصبري من رجال المطرفية، وفي المطرفية من يعرف بأبي السعود جماعة منهم أبو السعود بن المبارك، وهو من أقدم طبقاتهم.
أبو السعود بن زيد بن الحسن
__________
(1) في (ب): بن أبي رزين.
ومنهم أبو السعود بن زيد بن الحسن بن علي، نسبته في بني مطعم من أهل تنعم من مشرق خولان العالية، وكان رجل هذه الطائفة بليغاً إلى الغاية، له شعر سيال ودارت بينه وبين العلامة محمد بن حميد الآتي ذكره مشاعرة، ولابن حميد أرجوزة في أصول المطرفية وأجابه أبو السعود هذا وأقذع في حق محمد بن حميد على جلالته، ومنها في ذكر محمد بن حميد - رحمه الله -.
هل أنت إلا ابن حميد لا غير ... فاعرف مدا قصدك(1) واقصد في السير
أولا فهملج ممعناً فلا ضير ... فالطرف لا يبهره جري العير
فيقال: إن محمد بن حميد سلط عليه من قتله، وكان محمد بن حميد إماماً في العلوم وجيهاً مسموع الكلمة، واشتد غضب السلاطين مع ابن حميد على أبي السعود لقوله في الأرجوزة:
يا لهف نفسي واضطرام وجدي ... على القنا السمر وبيض الهندِ
ومقربات كالسعال جردي ... تردي بأبطال كمثل الأسدِ
في جحفل ذي لجب جرارِ ... بين يدي مُهذَّب مغوارِ
/170/
محمدي ساطع الأنوار ... يثأر للحق بذي الفقار
فيقال: إنهم دسوا عليه من قتله بتفاضل من قرى جهران أرسلوا رجلين فوجدوه قد خرج لغسل ثيابه على بعض المياه فقتلاه، ومن هذه الأرجوزة:
ويل لمن لم ينتفع بعقله ... ويجتنب باب الردى ونقله(2)
ولم يزعه علمه عن جهله ... ويعتبر بمن مضى من قبله
كم ملكٍ قد كان إذا واعده ... واستصهد البلدان بالبطش الأ(شد)(3)
آلت يد الأيام ما كان أجد ... وافترسته بشبا الناب الأحد
أين ملوك حمير وكهلان ... والفرس والروم معاً ويونان
والأولون من ملوك كنعان ... أضحوا رفاتاً في رميم الأكفان
قد ضيعوا ما جمعوا من مالِ ... وأصبحوا رهائن الأعمالِ
ليوم بعث الأعظم البوالي ... والعرض في الموقف للسؤال
ومن جملتها:
آمنت بالله وبالشريعة ... مقتدياً بعلماء الشيعة
الفرقة السامعة المطيعة ... أرجو بذاك الدرج الرفيعة
__________
(1) في (ب): قدرك.
(2) في (ب): ويقله.
(3) سقطت من (أ).
بالطيبين من بني الفواطمِ ... بني النبي الأبطحي الهاشمي
كمثل يحيى والإمام القاسمِ ... والمرتضى البر التقي العالمِ(1)
ما ضل دين أبرموا أحكامه ... عن ربهم وأحكموا إبرامه
وهي طويلة جداً، ومما كتبه السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير صاحب العواصم من شعره
ابدأْ من العلم بالتوحيد مجتهداً ... في علمه تعرف الأقوال والمللا
حتى إذا اطَّرد التوحيد منبسطاً ... في القلب منك وأجني غرسه وحلا
فاعرف من الفقه حظاً يستضاء به ... وحاذر العجر والتفريط والكسلا
من لم يعاود نضالاً ثم ناضله ... معاود ذات يوم جهرَة بصلا
أبو السعود بن المنصور
ومنهم أبو السعود بن المنصور أبي ثور الأبهري الحنبصي، وكان من كبار أهل التطريف، ومن شعره إلى عليان بن سعد رئيس المطرفيَّة:
بلغ الأريحي عليان عني ... وجميع الإخوان مما يليهِ
إنني(2) مصطفٍ من الدين ما كا ... ن نبي الهدى لنا يصطفيهِ
مذهبي مذهب الأئمة زيد بـ ... ـن عليٍ وقاسمٍ وبنيهِ
لستُ إن كنت ذا اعتراض أرى
الجبـ ... ـر أو الاختراع والتشبيهِ
عذت بالله من مقالٍ بديعٍ ... واعتقاد لديه لا يرضيهِ
أنشد له بهذا الشعر السيد الإمام المعروف حافظ الإسناد محمد بن عبد الله بن الهادي الوزير.
__________
(1) زيادة في (ب): إلى قوله.
(2) في (ب): إنني.
قلت: وآل أبي ثور من حمير، ثم من آل ذي يَهرم ولد أبي نصر الحنبصي محمد بن سعيد النسابة أحد اليمن الذين ذكرهم الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني النسابة في كتبه نحو كتاب الإكليل في أنساب أهل اليمن وأخبارهم، وذكر أنه أعلم من كان بذلك، وعنه كان يأخذ وهو شيخ الهمداني، قال: كنا نرد منه بحراً لا تكدره الدلاء، وهاجر أبو نصر إلى الناصر لدين الله أحمد بن الهادي إلى الحق - عليهما السلام- إلى صعدة أيام بن فضل، وأخرب بن أبي الملاحف القرمطي داره، وكانت دار جده ذي يهر الحميري ببيت(1) حنبص، فاقامت النار في قصره أربعة أشهر تتبع خشيه في رواية القاضي نشوان وستة أشهر في رواية السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير، قال نشوان: وكان أبو نصر ورعاً عفيفاً ديناً ولأبي السعود المذكور /171/ ببيت حنبص مسجد معروف.
قال السيد أحمد بن عبد الله في بعض مجاميعه: وانقطع نسل أبي ثور في عام أربعين وتسعمائة في الفناء الأعظم الذي كان فيه الطاعون، وهلك فيه الخلق أجمعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
__________
(1) بيت حَنبصَ: بفتح فسكون، والعامة ينطقونها بالضم: بلدة مُسَوَّرة في ظاهر جبل عيبان، بالغرب الجنوبي من مدينة صنعاء. (معجم المقحفي، ص 518).
قلت: وقد كان يقال إن أبا السعود بن فتح هذا ليس بمطرِّفي إلا أن الظاهر هذا. يقال: إنها لما قدمت الكتب العراقية التي تتضمن شرح التجريد والتحرير ونحوها من التعاليق، وما ينسب إلى السيدين الإمامين الهارونيين أبي الحسين أحمد وأبي طالب يحيى بن الحسين بن هارون ونحوها من السَّادة - رضي الله عنهم - وتكلم أبو السعود في شيء من مسائل الخلاف التي في هذه الكتب ونصرها فبادر قوم من المطرفية إلى النكرَة عليه وصادف قدوم الشيخ الفقيه محمد بن عيسى من فقهاء الجيل والديلم، فلجأ إليه أبو السعود، وسأله عن شيء من تلك المسائل، فحققها له ولازمه فازداد نفار المطرّفية عنه وساءت ظنونهم، فلزم بيته وهاجرهم، ثم زعم أبو الغمر وشيوخ التطريف أنه سكن بعد هذا في هجرة (الهراثم) من بلاد وادعة وأوَى أيضاً إلى بعض بلاد الأهنوم، ودرس في كتبهم، والله أعلم بصحة ذلك. قلت: وقد عنّ هنا ذكر ابن الحائك مُصنف (الإكليل) وهو من علماء اليمن، وقد تكلم فيه الإمام شرف الدين بما يَدلّ على انحلال في دينه، لكنَّا نذكره بما ذكره المؤرخون معرضين عن سيء حاله وكفى بقدح الإمام له جارحاً، وقد ترجم له ياقوت الحموي والتكريتي والسيوطي في (بغية الوعاة).
قال الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمداني: هو الأوحد في عصره الفاضل على من سبقه المبرز على من لحقه، لم يولد في اليمن مثله علماً وفهماً ولساناً وشعراً ورواية، وفكراً وإحاطة بعلوم العرب من النحو واللغة والغريب والشعر والأيام والأنساب والسير والمناقب والمثالب مع علوم العجم من النجوم والمساحة والهندسة والفلك، ولد بصنعاء ونشأ بها ثم ارتحل، وجاور بمكَّة، وعاد فنزل صعدة، وهجا شعراءها، فنسبوا إليه أنه هجى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فسجن، وله تصانيف منها (الإكليل في الأنساب)، وله ديوان نحو ستة مجلدات. انتهى ما أردت نقله من بغية الوعاة.
قلت: وذكر بعض مؤرخي أصحابنا في تاريخ له أن المذكور اعتقل لسيئات في دينه، قيل بصعدة، وقيل بصنعاء أيام الناصر للحق بن الهادي، وأيام أسعد بن أبي يعفر، واستعان بأبي الحسن علي بن أبي القاسم المنصور من بني منصور اليمن، ومنصور اليمن هو الحسن بن فرج بن حوشب، ذكره القاضي النعمان وغيره، وذكر الحسن بن جعفر الأنصاري أن منصور اليمن هو أبو القاسم الحسن بن علي بن محمد بن الفرح(1) بن المبارك، ولقبه حوشب، وسمَّي منصور اليمن لأنها كانت بينه وبين أسعد بن أبي يعفر وقعات انتصر فيها، وقد خرجنا عن المقصود.
قلت: لهج ابن الحائك بتفضيل قبيلته قحطان على عدنان، وحقر ما عظم الله، وتجاسر على انتقاص ما اصطفاه الله، فمن ذلك جوابه للكميت بقصيدة قالها:
ألا يا دار لولا تنطقينا ... فإنا سائلون ومخبرونا
بما قد عالنا من بعد هندٍ ... وماذا من هواها قد لقينا
ومنها: (2)
لقد جهلوا جهالة غير سوءٍ ... بسفر عاش يجمله سنينا
لقد جعلوا طعام سيوف قومي ... فما بشِوى أولئك تغتدينا(3)
/172/
كما الجرذان للسنور طعم ... وليس بهائب منا مبينا
وأخذ على هذا الأسلوب وحقر ما عظم الله، ومن ذلك قوله:
كأنهم إذا نظروا إلينا ... لذلتهم (قرود خاسِئونا)(4)
وغرهم نباح الكلب منهم ... وظنونا لكلب هائبينا(5)
وإنْ تنبح كلابٌ من نزار ... فإنا للنوابح محجرينا
وله قصيدة تسمَّى قصيدة الجار أنشأها وهو مسجون بصعدة أوّلها:
خلَيليّ إني مخبر فتخبرا ... بذلَّة كهلان وحيرة حميرا
__________
(1) في (أ): الفرج.
(2) في (ب): ومن جملتها.
(3) هذا البيت زيادة في (ب).
(4) في (ب).
(5) في (ب): ومنها.
فحبسه الناصر للحق بيد أسعد بن أبي يعفر، فلما كثر تهييج ابن الحائك لقحطان دخل بعض(1) آل أبي فطيمة فطلب الشفاعة فأعلمهم أنه لم يسجنه وأن أسعد حبسه لجرمٍ اجترمه إليه، فركب الحسن بن محمد بن أبي العباس من أهل (العشة) إلى أسعد، فأفهمه أنه لا يخرجه إلا بأمر الناصر للحق، فعادوا إلى الناصر فأغلظ لهم وخرجوا من عنده، وأظهروا الخلاف وقاد له الحسن بن أبي العباس جمعاً من بني جماعة، وقاتله (بمصنعة) كتفا، فسأل الناصر أخوه خولان أن يصرفوه عنه، ويعلموه أنه قد أخرجه من السجن، ثم توهم الحسن بن أبي العباس أن خروج ابن الحائك ليس بشفاعته، بل بشفاعة ابن زياد صاحب زبيد، فأدبر عن الناصر واستدعى حسان بن عثمان بن أحمد بن يعفر، وكان عدواً للناصر، فكانت حروب من جملتها حرب الباطن، وقد مضى ذكره.
أبو السعود العنسي
قلت: ومن المطرَّفيّة أبو السعود بن محمد بن وضاح العنسي، وكان من أكابرهم، وله شعر من مشهوره القصيدة الطويلة التي أولها:
بأبي وأمي معشر واليتهم ... لله ذي الملكوت والسلطانِ
لله لا لهوى النفوس فإنها ... أمارة بالظلم والعدوانِ
وهي طويلة جداً لا حاجة إلى ذكرها، حاصلها ذكر جماعته والله حسبنا وكفى.
__________
(1) زيادة في (ب): بعض.
سيبويه بن صالح الثلائي [ - ق 10 ه ]
العلامة النحوي الرحلة سيبويه بن صالح الثلائي من بني النفوري، نسبه في آل ذي حوال الحميري، إمام العربية ومحققها، اشتهر في البلاد، وعلا صيته، وذكره البريهي في تاريخه، والذي أحسبه أن شهرته بسيبويه لبلوغه في النحو مبلغاً عظيماً، شابه إمام أهل الأمصار في العربية عمرو بن عثمان بن قُنبر - بضم القاف - المشهور صاحب الكتاب. وظاهر عبارات المترجمين له أنه اسمه علماً لا لقباً، كان إليه النهاية في علم العربيَّة، وشديد المقالة على أهل الجبر والتشبيه، يضاهي جار الله العلامة في ذلك، ودارت بينه وبين أهل هذه المقالة مراجعات أغلظ عليهم فيها ذكر الإمام الناصر للحق ذلك الإغلاظ حرصاً على جذب القلوب، وكان شيخا معمّراً، وله شعر.
قال سيدنا العلامة المعروف أيضاً بسيبويه: والمشتهر بعين(1) الإمام وهو الحسن بن علي بن يحيى بن محمد بن حنش - رضي الله عنه - أنشدني صنوي العلامة عين أعيان وقته عز الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن حنش (حفظه الله تعالى- في شوال سنة سبع وخمسين وتسعمائة، قال: أنشدني والدنا العلامة عماد الدين يحيى بن محمد بن صالح بن حنش - رضي الله عنه - قال: أنشدني الفقيه المعمّر العالم الأديب سيبويه بن صالح الثلائي - رحمه الله - لنفسه، وقد وقف علينا ونحن ندرس إذ ذاك في كتاب (التذكرة) فقال لي في هذا الكتاب /173/ أبيات وهي:
دق عني فهم معنى التذكرة ... ذا ولي في كل معنى تذكرة
ليت شعري عدم الفهم لها ... سقم الفهم وسوء التبصرة
أم من التكرير في ألفاظها ... أم من التعقيد فيما حبره
أم حظوظ قسمت بين الورى ... فلكلٍ بكتاب مخبره
توفي - رحمه الله - في تاريخ……(2) وقبره بثلا المحروس.
__________
(1) كذا، وفي (ب): بغير الإمام.
(2) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
حرف الشين المعجمة
شاكر بن عبد الله [ - ق 2 ه ]
شاكر بن عبد الله الفقيه العالم المحقق المجاهد، أحد تلامذة الإمام الأعظم، ذكره الشيخ أبو القاسم البغدادي في رجال الزيدية أهل الجهاد منهم والاجتهاد.
شرف الدين إدريس بن جابر العيزري النوفي [936 - 999 ه ]
القاضي العلامة الفقيه المحقق شرف الدين إدريس بن جابر بن علي بن عواض بن مسعود بن علي بن حسن العيزري النوفي، كان إماماً في فروع الفقه والخلاف، مدرساً محققاً يزاحم المذاكرين، دُرِست عليه التذكرة مراراً تنيف على أربعين مرَّة، وكان صدر البلاد متبوعاً مرجوعاً إليه، وكان من(1) أعضاد الإمام الناصر الحسن بن علي بن داود، ودعا الناس سراً وجهراً، وتمَّ به للإسلام نفع كثير، وكان الإمام يكاتبه مكاتبة حسنة، ويسميه بالوالد، ثم إنها جاءت أمور اقتضت الوحشة، وأفضت إلى الخلاف، وذكر عن القاضي في ذلك أمور، والله أعلم بالحقائق، ودخل صنعاء إلى الأروام وخلعوا عليه، وكان له أخ يؤثر فيه رأيه نسب إليه التهييج لذلك، فكان القاضي يدعو عليه والكائن من تلك الأمور ظاهر إلا أن السيد العلامة محمد بن عبد الله المعروف بأبي علامة لمَّا دنت وفاته بصعدة في حدود سنة تسع وأربعين أو ثمانٍ وأربعين، ذكر للسيد العلامة صلاح بن أحمد بن المهدي، ومن حضره حديثاً في ذلك حاصله: أن الأمير عبد الله بن المعافى برأ ساحة القاضي وأن تلك الكائنات مفعولة بيد غيره، والله أعلم.
توفي بمحروس العيازرة من أعمال (جبل سيران)، وقبر(2) عدني المسجد في شهر ربيع الأول من شهور سنة تسع وتسعين وتسعمائة وعمره ثلاث وستون سنة، وجده جابر المذكور، كان فاضلاً عالماً، له خزانة كتب وعمر مساجد الأهنوم، يقال إنها ثلاثمائة مسجد، وقبر بالعيازرة ويقال: إنه يطلع النور من قبره. انتهى
__________
(1) في (ب): من أقوى أعضاد.
(2) كذا، وفي (ب): وقبره عدني المسجد.
شرف شاة اللياهجاني [ - 502 ه ]
العلامة الشيخ المحقق شرف شاة اللياهجاني الناصري منسوب إلى (لياهجان)، كان عالماً كبيراً شهيراً في الناصرية، ولما قام الإمام أبو طالب الصغير وهو يحيى بن الحسين بن أحمد بن أبي القاسم الحسين بن المؤيَّد(1) أبي الحسين الهاروني بقرية (حومة)، رائس (حايكحنا) سنة اثنتين وخمس مائة، ودانت له بلاد الجيل إلا ما كان من شريف من بني الثائر من جدود الأمير أبي طالب سليمان بن إسماعيل المتقدم ذكره، قام الشيخ شرف شاة معهم، وحشد لذلك فأحرق الإمام لياهجان وأسر الشيخ، وملأ داخل سراويله حجارة، وأرسبه في البحر، وأغرقه فيه.
شريح بن المؤيَّد [ - ق 5 ه ]
القاضي أبو مضر، مفخر الزيدية وحافظ مذهبهم، ومقرّر قواعدهم، شريح بن المؤيَّد، العالم الذي لا يمارى، ولا يشك في بلوغه الذروة ولا يتمارى، عمدة المذهب في العراق واليمن، وكل الأصحاب من بعده عالة عليه ومقتبسون من فوائده - رضي الله عنه -.
قال الجيلاني في عداده لأصحاب المؤيَّد بالله - عليه السلام-: هو من نافلة جعفر الصادق، له /174/ (شرح الزيادات)، هكذا كلامه، وذكر أيضاً في أصحاب المؤيد بالله رجلاً كنيته أبو مضر واسمه زيد بن الرازي.
قلت: ولعله سهو وهو أبو الفضل زيد بن الرازي، قال الفقيه حسن النحوي - رحمه الله - في تعليقة على اللمع: ومثله ذكر القاضي في (الديباج) والفقيه يوسف في (الزهور) أن أبا مضر هو شريح بن المؤيّد، وأبوه قاضي المؤيد بالله، وكأنه طال به الدهر إلى زمان القاضي زيد، فكان يروي عن القاضي زيد، والله أعلم. وذكروا جميعاً أن له شرح الزيادات.
قال القاضي عبد الله الدواري :اعلم أن الشروح التي توجد لأصحابنا ثمانية: (شرح التحرير) لأبي طالب، و(شرح التجريد) للمؤيّد، (والإفادة) للأستاذ، و(شرح النصوص) لأبي العباس، و(شرح الأحكام) لأبي العباس أيضاً، و(شرح أبي مضر) ومثله (شرح الحقيني) وكلاهما على الزيادات.
__________
(1) كذا في (أ): وفي (ب): المؤيد بالله.
قال سيدنا شمس الإسلام أحمد بن يحيى حابس - رحمه الله -: أراد القاضي أن هذه المشهورة في زمانه - يعني وأما اليوم فهي أكثر -.
قلت: ولما ورد (شرح أبي مضر للزيادات) إلى اليمن اختصره شيخ الشيوخ محمد بن أحمد بن الوليد العبشمي - رحمه الله - في كتاب سماه (الجواهر والدرر المستخرجة من شرح أبي مضر)، وللقاضي أبي مضر مقالات كالمستقل بنفسه(1) فيها لجزمه بتصويب المجتهدين جميعاً في الأصول، فإنه قصره في الشرح وغير هذه، وقد تعقبه الكني - رحمه الله - بكتاب سمَّاه (كشف الغلطات)، ذكر فيه أنه غلط في مواضع، ثُمَّ تعقبهما الفقيه العلامة يحيى بن أحمد بن حنش الكندي بكتاب (أسرار الفكر في الرد على الكني وأبي مضر)، وذكر(2) على أن الكني تحامل على أبي مضر وغلط الكني في مواضع.
قال سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنه -: وقد يتوهم بعض الناس أن أبا مضر هذا شيخ الزمخشري - رحمه الله - الذي رثاه بقوله:
وقائلة ما هذه الدرر التي ... تساقط من عينيك سمطين سمطين
فقلت هي الدر التي قد حشا بها ... أبو مضر قلبي(3) تساقط من عيني
وربما تأيد هذا الوهم بالزمان، فإن زمان الرجلين واحد وهذا وهم فهو غيره، والله أعلم.
قلت: ومما ينبغي التنبيه عليه أن في المنتسبين إلى مذهب الزيدية - كثرهم الله - من اسمه شريح غير القاضي أبي مضر - رحمه الله - وكان عالماً إلا أنه مال مع المطرفية.
قال الشيخ أبو الغمر: أخبرت أنه من العباد منزلهُ (بيت سبطان)، وصح ذلك لي وأخبرني يحيى بن يوسف العنسي أنه كان يحل (بخشران) أو ناحية قريبة منه، قال: وله أدب وفصاحة وشعر وفقه وورع وزهد معروف، قال: وكان لا يزال ينشد:
الدين صعب عسر لحوقه ... يهمه النذل ولا يطيقه
__________
(1) سقط من (أ): بنفسه.
(2) كذا في (أ)، وفي (ب): وذكر أنَّ الكني.
(3) في (ب): المسموع، أذني.
قال ما معناه: وكان كثير الاشتغال بما كلف به، معرضاً عما لا يكلفه، قابلاً لآداب الله، وحكي عنه أنه خرج مسافراً في شهر رمضان إلى ناحية من بلاد (عنس) فصحبه غلام من فتيان الزيديَّة المجتهدين في عبادة الله، فلمَّا صارا بحيث يجوز لهما الإفطار مرَّا بماءٍ فأخذ منه شريح شيئاً وعدل عن الطريق إلى حيث يتوارى والغلام معه، ثم وضع سفرة زاده وقال للغلام: كل فكأنه ارتاع وقال: أكل في رمضان من غير تعب ولا مشقة، وأنا أقوى على الصيام، وقال(1): يا بني، إن الله سبحانه لم يتعبَّد بالشيء يزداد به ملكاً وما يخاف لتركه في ملكه نقصاً، وإنما /175/ طلب لنا النفع بذلك لا له، ولم يكلفناه إلا على ما يسهل بنا ويخف علينا لنسلم أنفسنا من سرعة الهلكة، ويتطاول لنا البقاء في الطاعة، كي نصيب بذلك سعة الأجر وعظيم الفضل عنده، وهو يقول: ?يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ? [البقرة:185] في كلام نحو هذا، فأبى الغلام أن يأكل فأكل شريح وشرب في يومه ذلك، وفعل مثل ذلك في اليوم الثاني، والغلام صائم، فلما وصلا بلادهما مرض الغلام الشهر كله وافطره مريضاً ، ومرض بعده زماناً وقضى شريح حوائجه ورجع إلى (سناع)، فلما دخل شوال وانقضت أيام العيد فيه صام(2) ما كان أفطر، فكانت هذه عظة يتزاجرون عن كراهيَّة التوسع فيما وسع الله على عباده. انتهى
قلت: وسيأتي لشريح هذا ذكر في ترجمة الفقيه العلامة عبد الله بن أبي القاسم البشاري.
__________
(1) في (ب): قال: يا بني.
(2) في (ب): عدة ما كان أفطر.
شعيب بن داسون الجيلي [ - ق 5 ه ]
العلامة عالم الفرقة الناجية شيخ الشيوخ شعيب بن داسون الجيلي - رحمه الله - أحد علماء الإسناد وشيخ مشائخ العراق واليمن، روى عنه البيهقي تاج الدين المتأخر شيخ حميد الشهيد من ذلك (إفادة التاريخ) للإمام أبي طالب.
قال حميد: أخبرنا به الفقيه الأجل تاج الدين أحمد بن الحسن البيهقي (بحوث)، قدمها سنة عشر وستمائة عن عالم الزيديَّة وزاهدهم في قومه شعيب بن داسُون الجيلي بإسناده إلى أبي طالب.
شنيروز الجيلاني [ - ق 5 ه ]
القاضي العلامة أحد علماء العراق شنيروز(1) الجيلاني(2) - رحمه الله - ذكره الملا يوسف حاجي الجيلاني في أصحاب المؤيّد بالله - رحمه الله - ولم يبين شيئاً من أحواله، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): شفيروز.
(2) سقط من (ب).
شكر بن أبي الفتوح الحسن [ - 503 ه ] ت
الأمير الخطير حامي الحرمين سلطان الحجاز العلاَّمة تاج المعالي أبو عبد الله شكر بن أبي الفتوح الحسن بن جعفر بن محمد بن الحسين بن محمد الأكبر بن موسى الثاني الحسني - رضي الله عنه - كان من أوعية العلم ومن صدور الملك وغايات العترة موئلاً للعصابة الزيدية فكانوا يأتون إليه من كل فج عميقٍ، وكان يكرمهم، وكان شيخ الزيدية أبو الهيثم يوسف بن أبي العشيرة الوادعي إذا قدم إلى مكة حاجاً يخرج شكر المذكور للقائه بالطبول والأرياح تعظيماً للزيدية، وهو آخر من ملك مكة من الجعافر من بني موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون، وبعده انتقلت إلى حمزة بن وهاس السليماني، وكان شديد الإنكار على المطرفية، وحج مطرف بن شهاب في أيامه، وكانت مدة الحرب بين بني موسى وبين بني سليمان سبع سنين حتى خلصت مكة للأمير محمد بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن أبي هاشم، وكان أول من ملك مكة من بني الحسن جد شكر المذكور جعفر بن محمد، وكان حاكم مكة قبل ……(1) أنكحور التركي من قبل العزيز بالله……(2) فقتله الأمير أبو محمد جعفر وقتل منهم خلقاً كثيراً واستقرت له تلك النواحي، وبقت في يده نيفاً وعشرين سنة.
__________
(1) فراغ في النسختين (أ) و (ب).
(2) فراغ في النسختين في (أ) و (ب).
قلت: وكان شكر - رحمه الله - أميراً جليلاً جواداً، ومن أخباره أنه سمع بفرس عند بعض العرب موصوفة بالعتق والجودة لم يسمع بمثلها قد أقسم صاحبها ألاَّ يبعها إلا بعشرين فرساً جواداً وعشرين غلاماً وعشرين جارية وألفي دينار ذهباً ومائة ألف درهم، وكذا وكذا ثوباً إلى غير ذلك، فأرسل الأمير تاج المعالي شكر بعض غلمانه بثمن الفرس الذي طلبه صاحبها ليشتريها منه فوافق وصول غلام الأمير تاج المعالي شكر إلى منزل(1) الرجل وقد ضعن أهله وجماعته وبقي هو وحده لغرض كان له /176/ فوافى عشاءً فأضافه تلك الليلة، وقام بما ينبغي لنزولهم، فلما أصبحوا حكى لهم الغلام غرضه الذي جاء لأجله، وعرض عليه المال، وطلب الفرس، فقال له ذلك البدوي: إنك لم تذكر لي لمّا جئت له ساعة وصولك لأترك لك الفرس فإنكم نزلتم عليَّ وليس عندي شيء(2) فذبحتها لكم ثم أحضر جلد الفرس ورأسها وقوائمها وذنبها وما بقي من لحمها، فلما رأى غلام الأمير تاج المعالي ذلك قال: إني ما جئت وأرسلني الأمير إلا لذلك(3) لأجل الفرس، وقد وصلت إليَّ فدونك الثمن ودفع إليه ما كان حمله لشراء الفرس، ثم رجع إلى مكة، فلما سمع الأمير تاج المعالي بوصوله خرج فرحاً بالفرس، فلما رآه سأله فأخبره بما صنع الرجل فقال له: وما صنعت بالمال الذي أرسلته معك، فأخبر أنه دفعه إلى صاحب الفرس، فأقسم الأمير تاج المعالي أنه لو جاء بشيء منه لأرجعه(4).
انتهى وله شعر من ذلك:
قوض خيامك من أرضٍ أهنت بها..
الأبيات إلى آخرها. وكان يسمى محمداً أيضاً، وما كتبه السيد الأمير شكر إلى علي بن محمد الصليحي قصيدته الفاخرة التي أولها:
لتفليق الجماجم والرؤوس ... وإقحامي خميساً(5) في خميسِ
__________
(1) في (ب): إلى منزل ذلك الرجل.
(2) في (ب): وليس عندي غيرها.
(3) سقط من (ب): لذلك.
(4) في (ب): لأوجعه.
(5) خميساً: جيشاً.
وهي طويلة وأجابها علي بن محمد بجواب من جنس هذا، توفي سنة ثلاث وخمسمائة سنة وقد ذكر في تاريخ وفاته غير هذا مع تفاوت كثير، وذلك إني وجدت بخطي أن وفاته سنة أربع وستين وأربع مائة.
قلت: لعل هذا تاريخ مولده، وما ذكرناه تاريخ وفاته.
شمس الدين بن أمير المؤمنين [ - 910 ه ]
السيد العلامة الفاضل شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى، هو ابو الإمام شرف الدين وابن الإمام المهدي، فهو مقتعد لبحبوحة الشرف.
قال ابن فند: هو من عباد الله الصالحين الأخيار المفلحين، قال: وله أولاد فضلاء سكنوا بحجَّة.
وقال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الوزير ناقلاً عن السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد - رحمهم الله - شمس الدين بن أمير المؤمنين أحمد بن يحيى: كان أديباً شاعراً كاملاً.
قال السيد شمس الدين: قلت: كان على منهاج سلفه الأبرار وآبائه الأطهار، تربّى في حجر والده - عليه السلام- عشر سنين، ومات والده - عليه السلام- وقد ختم القرآن الكريم، ونقل مفتاح الفرائض غيباً وشرع في غيره، ويحكى عن أبيه - صلوات الله عليه - أنه قال: إذا عشت لهذا الولد سبع سنين بلغ رتبة الاجتهاد، ثم إنه بعد موت والده نقل كتاب (الأزهار) و(التاج) من مصنفات والده و(تلخيص مفتاح السكاكي) للقزويني، وكتاب (الكافية) و(التصريفية) و(الرسالة الشمسيّة) و(مقدمة البحر)، وكانت هذه الكتب في حفظه حتى مات لم يقطع درسها إلا (كافية بن الحاجب) و(الرسالة الشمسيّة) و(مقدمة البحر)، وله الفصاحة والخطابة، كان يخترع الخطب العجيبة على المنبر على حسب الحال الداعية، وله شعر، من ذلك جوابه على الأمير المفضَّل عبد الله بن أمير المؤمنين بن المطهر وأوَّل قصيدة المفضَّل:
سرى البرق من هران وهناً فزادني ... جوًى واشتياقاً ذلك البرق إذ سرى(1)
سرى برق هرانٍ فأرعد أكبداً ... وساق سحابات العيون فأمطرا
ومنها:
__________
(1) في (ب): شرى.
وكم تحت ذاك البرق من عيطلية(1) ... يحق لها الإسناد أن يتحقرا
ومنها:
ويوماً تظل الخيل فيه عوابساً ... تناهب أعماراً وتقصر أعمرا
من الناكثين المارقين فكم ترى ... به من قتيل بالعجاج تعفرا
/177/ فأجاب شمس الدين - رضي الله عنه -:
بنفسي من أهدى كتاباً محبرا ... يرى جسد البين الذي بيننا انبرا
ونقح عقياناً به ولآلئاً ... ودر قصيدٍ فاق حسناً ومنظرا
فلله من طرس تضوع نشره ... سحيقاً وريَّاه عبيراً وعنبرا
ومنها:
ألمَّ فوافانا على حين غفلةٍ ... فألبسنا نوراً من الشمس أنورا
فيا راكب العيس التي لا يؤودها ... يعودها سير المهامه والسرا
تحمّل هداك الله مني ألوكة ... جواب نظام جاءنا متحيرا
حبانا به الملك المفضل بعد أن ... تبحر في علم البديع تبحُّرا
ومنها:
لقد حاز فخر الدين أنصبَة العلا ... فلا غرو أن يعلو علينا ويفخرا
وما كان من أحداث أعدائه فلم ... ينالوا بها إلا صَغَاراً مُصغَّرا
وذلاً وقلاً واحتقاراً مؤبدًا ... وناراً وعاراً قادماً ومؤخرا
ومنها:
فلا تكترث من سوء أفعالهم فما ... أفادوا بها إلا وبالاً مدمرا
ولا بد من يوم أغرّ محجّل ... كأيام أحد أو كأيام خيبرا
به ننقم الثارات منهم وننثني ... عليهم فنجزيهم جزاءً موفرا
بسمرٍ وبيض يفلق الهام وقعها ... يرون بها منا نكيراً ومنكرا
وهي طويلة حسنة، وشيخه في علم العربيَّة الإمام المطهر بن محمد - عليهما السلام- توفي سنة إحدى وتسعمائة، وقبره بقبَّة والده بظفير حجَّة.
__________
(1) عيطلية: العطيل من الإبل: الطويلة العنق في حُسْن جسم، أو كل ما طال عنقه. (القاموس المحيط، ص 951).
شمس الحور بنت الهادي بن إبراهيم [806 - 894 ه ]
السيدة الطاهرة المطهرة شمس الحور بنت الهادي بن إبراهيم بن علي المرتضى - رحمه الله - أعاد الله من بركاتها - هي فريدة وقتها، ونسيجة وحدها.
قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله: كانت - رحمة الله عليها - أكمل من الرجال الكملة. مولدها بصعدة، لها نشوء صالح، واستمرت عليه حتى الممات، ولها مطالعة في الكتب ومحاجاة حسنة ومحاسن من أبيها وعمها، وممن خالطها من العلماء من الأخوال والأعمام والإخوان، وحفظ للأخبار والأنساب والأشعار، وتحسن المكاتبات، بما لا يتمكن منه أهل المعارف، على حسب مقتضيات الأحوال والمقامات، ولها نفس كريمة شريفة بسببها أنفقت أموالاً جزيلة في ذلك، وتوسعت وبلغت الأيتام والضعفاء والوفاد، ولم يكن يمنع من منزلها قاصد من أي جهة، فنفع الله بها من شاء أن ينتفع من خلقه وهي تنفق سراً وجهراً، وتبيع سلعة وتبيع أخرى، حتى جاءها الممات وهي مستورة لم يبد لها حال، وعلى الجملة لو رزق الله عباده رجلاً مثلها لم يشك في صلاحه للإمامة، وكان لها - رضي الله عنها - مكارم أخلاق، وطرائق محمودة لا تطاق، وإقبال على التلاوة وتنقل الختمة الشريفة وقيام في الليل تداوم عليه وصيام وطاعات كاملة - تقبل الله منها ذلك، وأثابها - وتزوجت بعد الفناء الأعظم لا رغبة في الزواجة ولكن لعظم الوحشة وكثرة الوحدة والدَّهشة ابن عمها السيد أحمد بن صلاح بن إبراهيم ولم يكن في محل ذلك، ولو أنه عظيم لكن محلها وقدرها وعظم شأنها لا يقتضي ذلك، وقد كان خطبها عدَّة من الأعيان مثل حي الإمام المطهر /178/ بن محمد وكتب بكتاب تمثل فيه بقوله:
تخيرت من نعمان عود أراكة ... لهندٍ فمن هذا يبلغه هندا
ومثل السيد أحمد بن عبد الله بن أبي القاسم وغيرهم.
وكانت لها حافظة جيدة لأخبار أهلها وآثارهم وأحوالهم ولغيرهم من سائر الأشراف والعرب، ولهذا السبب بلغت من الفصاحة(1) والرجاحة المبلغ الذي لم يبلغه غيرها، ولها أشعار من مكاتبات ووسائل نبويَّة، وقصائد وأبيات أدبيَّة، واستعمال ألفاظ لغويَّة، واعتماد إعرابيات نحويَّة، ولا أعدد أوصافها وإنما اعد منها، ولو لم يكن من فضائل أعمالها إلا كفالة الأيتام، وبذل الإنعام، من الخاص والعام، كان ذلك كافياً في فضلها، وشرفها ونبلها، وارتفاع قدرها ومحلها، وماتت بصنعاء وقبرت بين الأهل - رحمهم الله تعالى - وقبرها مشهور مزور، وكانت وفاتها بكرة الاثنين خامس عشر شهر رجب الأصب، أحد شهور سنة أربع وتسعين وثمانمائة وعمرها ثماني وثمانون سنة - رحمها الله، ورضي عنها -.
أخبرني المقرئ علي بن حسن بن محمد بن إبراهيم الشاوري - رحمه الله تعالى - أن بعض الشرايف من أهلنا رثت سيدي(2) عز الدين محمد بن إبراهيم بأبيات منها:
رحم الله أعظماً دفنوها ... بالرَّويَّات عن يمين المصلَّى
والذي يغلب على ظني أن هذه الأبيات للوالدة شمس الحور بنت الهادي رحمها الله، ولها من أبيات [إلى ابن أخيها سيدي عز الدين محمد بن عبدالله](3):
محمد أفديك من وراثٍ ... لآبائك السادة المجدَّ
ورثت البلاغة يا سيدي ... مع العلم(4) والحلم والسؤددِ
فلله درك من مقتفٍ ... لآثارهم وبهم مقتدي
ولكنني يا حبيب الفؤاد ... خشيت عليك أعين الحسّد
لأني وقفت على أسطرٍ ... أتت منك تروى الفؤاد الصدي
فرائد درٍ أتى بعضها ... جواباً وفي بعضها مبتَدى
__________
(1) في (ب): من الفصاحة والصلاحية.
(2) زيادة في (ب).
(3) سقط من (أ).
(4) في (ب): مع الحلم والعلم.
الشمسية بنت إبراهيم بن الحسن [ - ]
الشريفة العالمة العابدة الصالحة الشمسيَّة بنت إبراهيم بن الإمام الحسن بن بدر الدين.
قال السيد العلامة صلاح بن الجلال - رحمه الله -: كانت هذه الشمسيَّة عظيمة ذات فضل وبصيرة، مشهورة معروفة بالبركة.
قلت: وهي زوجة للأمير الجليل المؤيَّد بن أحمد أولدها محمداً الأصغر.
شهردبير بن الشيخ أبي باسكوري
العلامة شهردبير بن الشيخ أبي باسكوري، كبير أستاذ الشيخ شهراشويه، وتلميذ صاحب التعليق الكبير على الإبانة يعقوب بن الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب صاحب الإبانة، قالوا: ومعنى دنير بالفارسية شيخ.
شهردبير بن علي [ - ]
العلامة المحقق شهردنير بن علي العلامة المحقق، ذكره السيد أحمد بن مير الحسني، قال: وهو شهردبير بن علي بن شهردنير بن أبي الشيخ أبي ثابت كوريكير الديلمي - رحمهما الله - قال: وهو عم العلامة مهدي بن أبي طالب وشهردبير بن علي المذكور من تلامذة شهراشويه. انتهى
شهردوير بن علي بن ثابت [ - ]
العلامة الفاضل مرجع العلماء أبي ثابت شهردوير بن علي بن ثابت - رحمه الله - علامة صاحب روايات ودرايات، وصاحب آيات، وسباق غايات، وهو أستاذ بهاء الدين يوسف المدفون في (سير الجيب) له [المختصر في الفقه] وهو جد شهراشويه أبو أبيه.
شهردوير بن بهاء الدين [ - ]
العلامة المحقق مفخر /179/ العراق شهردوير بن بهاء الدين يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الديلمي المرفاني، إمام فاضل وأستاذ كامل، له (لوائح الأخبار في بحث الروح والنور وعذاب القبر). وهو من بيت فضلٍ شهير، وأهل مقامات يسير إليها الفضل بل يطير، والده بهاء الدين يوسف علامة تشد إليه الرحال وهو المدفون في (شكيل)، له (تفسير القرآن) و(سمط الدرر) شرح التحرير و(عمدة الوافي)، وسير الأئمة، ولعلنا نذكره في محله - إن شاء الله تعالى- ولشهردوير ولدان أبو الفضل صاحب (دلائل التوحيد في الكلام وتفسير القرآن) وإسماعيل، ولعلنا - إن شاء الله - نفرد لكلٍ ترجمة.
شهراشويه أبو الفضل [ - ]
العلامة الكامل البحر الذي ليس له ساحل، والجم الذي ليس له محافل، شهراشويه أبو الفضل علامة شهير، وإمام خطير، له مسائل في الخلاف مشهورة، ومقالات في كتب المذهب مسطورة، وهو من نافلة الشيخ أبي ثابت، له حاشية الإبانة، توفي (بمالفحان)، ودفن بها - رحمه الله تعالى-.
شهراشو
العلامة الكبير شهراشو، هكذا ذكره الأصحاب العراقيون، وفهمت أنه غير شهراشويه، ولم يذكره العلامة يوسف الحاجي الجيلي، وله خلاف ذكره بعض العراقيين فيما إذا انقطع مصرف الوقف رجح شهراشو المذكور أنه لا يعود ملكاً، وتابعه، وتقدمه أجلاء من علمائنا هنالك كالشيخ أبي الرضا والفقيه أبي منصور، وجمال الدين والأستاذ أبي يوسف، والشيخ أبي ثابت، والشيخ الحافظ، وشهردوير بن علي والصيرفي، ونور الدين مهدي بن طالب، وعلي بن أموج، والفخي صاحب التلعيق، والفقيه أبو علي، والعلامة كوركة، وأحمد الكوكبي، والشيخ نعمة. انتهى
قالوا: ومعنى شهراشرو بالفارسي فتنة البلد يعني أنه يفتتن به لعلمه أو جماله أو خصاله الحميدة.
الشهاب بن عبد الله البارقي [ - ق 2 ه ]
الشهاب بن عبد الله البارقي، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام- ذكره البغدادي.
شهرمرن [ - ]
العلامة الفاضل شهرمرن ترجم له من اعتنى باسم جماعات من علماء العراق، قال: وله حاشية على الإبانة [وقيل: إنه أخ لشهراشويه](1).
شيبة بن محمد [ - ]
العلامة(2) المتقن المحقق المتقن الحافظ المدقق المتفنن، شيبة بن محمد - رحمه الله - من علماء العراق، ذكره الملا يوسف وقال: له (مختصر الكافي) - رضي الله عنه -.
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): العلامة المحقق المتقن الحافظ.
حرف الصاد المهملة
من اسمه صالح
صالح بن أحمد المحبشي [ - ق11 ه ]
القاضي العلامة المحقق الزاهد الورع صالح بن أحمد المحبشي، كان عالماً عاملاً محققاً محلقاً، تولى القضاء بجهة(1) الشرف، وحمدت سيرته، وكان في الحقيقة كالأستاذ للسيد العلامة صلاح بن عبد الخالق؛ لأنه كان يقرأ في العضد على عبد الله بن المهلا في (الشجعة)، وينزل إلى بلدة (الجرد)، ثم يلقاه السيد صلاح ويقرأ عليه تلك القراءة، ويوردان المشكلات، ويكتب له بين يدي الشيخ المذكور فيجيب، وله أخ فاضل شديد الورع شحيحه، يسمَّى القاضي صلاح بن أحمد، بلغ في الورع مبلغاً عظيماً، وكان فقيهاً في الفروع - رضي الله عنه -.
صالح بن أسعد بن نوف [ - 717 ه ]
صالح بن أسعد بن نوف من فقهاء الزيدية وعلمائهم، توفي - رحمه الله - يوم الاثنين الخامس شهر رجب سنة سبع عشرة وسبعمائة، وله أخ عالم فاضل اسمه علي بن أسعد، توفي أيضاً بعد صلاة العشاء ليلة الثلاثاء لأربع بقين من جمادى الأخرى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، ذكر ذلك طاهر بن علي بن أسعد المذكور.
صالح بن ذيبان [ - ق 2 ه ]
العلامة الفاضل صالح بن ذيبان، ذكره العلامة أبو القاسم البغدادي في جماعة زيد /180/ وتلامذته - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (أ): بجمعة الشرف.
صالح بن سليمان الحويت [ - ق 7 ه ]
العالم الكامل السابق إلى الفضائل، المقدَّم على الأواخر والأوائل، صالح بن سليمان الحويت - رحمه الله - كان إماماً في العلوم الإسلامية، مرجوعاً إليه في اللغة، محققاً، قرأ عليه الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - سلام الله عليهما - كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة، وكتاباً صنفه العلامة المذكور - رحمه الله - سماه (الزبد الضربية)، وكان من أهل الرغبة في الجهاد، والنكاية لأهل الفساد، كما جرت عليه عادة(1) علماء الزيدية من قود المقانب، وتكتيب الكتائب، ومن شدَّة رغبته في ذلك أنه كان رأساً لمقري، مقدماً ملحوظاً إليه بعين التفضيل، ولمَّا قام العبد الصالح مرغم بن منيف ودعا إلى طاعة الله تعالى وطاعة أهل البيت - عليهم السلام- وهو مع ذلك قليل العلم لا يوزن بميزان الفقيه صالح، لكنه بحسن طويته كان مقبولاً عند العامة فلم ير الفقيه صالح خلافه وشقاقه بل جنح إلى المقصد الأهم وهو نكاية الأعداء فزاد بذلك جاه مرغم المذكور واجتمع إليه الشرفاء والشيعة، وأقبل إليه أهل البلاد.
__________
(1) في (ب): عادات.
قال الفقيه صالح بن سليمان في صفة مرغم وشأنه: أنه كان رجلاً صوفياً فارق قومه وهم رؤساء ظلمة فسقة، فأنكر عليهم وهو لا يقرأ ولا يكتب، وكان يسمع قائلاً يقول له ولا يراه يتقدم إلى جهة يحصب، ويظهر الحق فيها، وبلده قريب من نعمان وصاب فتقدم إلى بلاد يحصب، ودعا من أجابه إلى حرب الباطنية، وأكره اليهود على الإسلام أو القتل(1)، وكنا نؤويه وينفر الناس عنه حتى ظهر أمره واضطربت البلاد وادعت القوم مالم يدعه من المعجزات وكذبوها له، وحدثت أشياء من الله تعالى من الكرامات عوينت وشوهدت منها أنه جمع له حزماً من قصب الذرة وأحرقت، ثم خلع ثيابه وتزمَّل بثوب واحدٍ وتمرَّغ فيها وتقلب فيها فما حرق هو ولا ثوبه، وكل علَّة تحدث غير قويَّة إذا مسح على صاحبها عوفي فاشتهر ذلك منه في اليمن كله، فتقدمت إليه وكتبت إليه يلقاني إلى (شحم)(2) فالتقينا في قريَة شحم فطلب مني أبايُعه فذكرت له أهل البيت - عليهم السلام- وما يجب على الخلق من حقهم وراجعته في مسائل الخلاف بيننا وبين المجبرة فتبرى من اعتقادهم واعترف بفضل أهل البيت، فطلبت منه البيعة للإمام الناصر محمد بن المنصور(3) فبايعني له على أنه ناصر ومعين وخادم ثم بايعته بعد ذلك على الغُزّ وهم حطوط في الحقل وصاحب المحطة عمر بن رسول في ثلاثمائة وستين فارساً منتقاة مختارة، وسمعتُ من يحكي عنه أنه طلع من اليمن الأسفل بهذه الخيل وثلاثة(4) عشر ألف راجل، فكسرهم الله وثبت الأمر بيني وبين
__________
(1) في (ب): ثُمَّ يعرض الزيدية.
(2) لعلها: شَحَمَّر بتشديد الميم: قرية في عرض جبل بني مُسَلَّم، غرب مدينة يريم بمسافة 20 كيلو متراً. سكنها في أول القرية السابع الهجري مرغم الصوفي الحميري. كان من كبار الصوفية في عصره، وكان يلقب بالعبد الصالح، ناهياً عن الظلم العسف والجبروت، إلى أن قُتل بعد سنة 622هـ. (معجم المقحفي ص، ص 775).
(3) في (ب): المنصور بالله.
(4) في (ب): وبثلاثة عشر ألف.
مرغم، وكتبت إلى قبائل العرب كلها أطلب منهم الإعانة وأشراف البلاد وشيعتهم فلم يجبني أحد من الأشراف، وأجابتني العرب، وكانت محطتنا في قرية شحم والغز في شق الجبل مما يلي شحم، وكنا نلتقي للحرب ولسواها وهم يطمعون بالمصالحة ولم نفعل، وألقى مرغم أمره كله بيدي ولم يكن له خبره بالناس ولا مخالطتهم، وساعدتني يحصب وغيرها من العرب، وما شعرنا إلا والشيخ راشد بن مظفر الهرش السنحاني قد أقبل مغيراً من صنعاء ناصراً للغز، وكان مستهيناً بالناس، ووصل بخمرٍ أهداها، وكان وصوله نهار السبت وسقاهم(1) يوم الأحد وحملهم على الطلوع لحربنا نهار الاثنين، وقد رفعنا محطتنا من قرية شحم التي في الوادي إلى رأس الجبل، فلما طلعوا /181/ بخيلهم ورجلهم قصدوا حصن البياض، فلم يحسنوا منه حيلة، وقد أمرنا العسكر بحربهم في جناب الوادي، فألقى الله في قلوبهم الرعب فانهزموا، ومنح الله أصحابنا أكتافهم وظهورهم فقتلوا من الغز أربعين فارساً من جيادهم وأمرائهم وشجعانهم، والشيخ راشد رمي ورجم حتى سقط هو وفرسه وقتل معه عربي وحبشي، وأخذ أصحابنا جمالهم وأثقالهم وقتل من قتل، ولو تبعوهم لأخذوا محطتهم إلا أنهم اشتغلوا بالغنيمة، وكان يوم الثلاثاء، ورجعنا إلى محطتنا الأولى، ونزلت إلى الحقل، ووقف مرغم في المحطة فتسايرنا في قاع الحقل ما بيننا وبينهم إلا مشوار فرس، ما علمت أن فارساً أقبل منهم نحونا، وكان الشيخ راشد قد لزم قوماً من بني سيف من يحصب فلح على مشائخ يحصب على أني أعود إلى المحطة بالعسكر ويتقدمون يخرجون أصحابهم بخطاب فساعدتهم وحط الغز في (الصنميّة)، وأقبلت قبائل مدحج إلينا فتقدمنا إلى دار الضيف وحاربنا حصن يريم، وفيه رتبة للغز، ولمَّا قتل الشيخ راشد والغزّ أقبلت الأشراف والشيعة وقبائل العرب من كل جهة وحططنا في دار الضيف ونقل السلطان محطته إلى تحت باب حصن ذروان، فقصدناهم نهار الاثنين ثامن قتل راشد،
__________
(1) في (ب): فسقاهم نهار الأحد.
فأخذنا محطتهم وسمعت من يقول: إن فيها مائتي خيمة وثلاثين خيمة، وما بقي لهم جمل ولا دابة أكثر من قريب مائة رأس خيل وبغال، فسقط في يد السلطان، ثم عدت المحطة وصدرت في الحال لذمار، فأخذتها وأقمت فيها وفي حصن هران وشحنت فيها الطعام ، ووقف مرغم في المحطة على ذروان في منكث، ووصل إليه مشائخ مدحج ومعه فقهاء وقضاة، وظنوا عند مرغم شيئاً من العلم، فوجدوه أميّاً فنفروا عنه، ونفروه فصدر هارباً إلى بلاده وصالحوا السلطان وأنا مقيم في ذمار وديارها حتَّى أغار حسن بن رسول من صنعاء بمائتي فارس، وكنت في قرية صنعاء ونحوها، فلما استقر أمر الغز على صنعاء كاتبني الفضل بن غانم أني آخذ مغارب ذمار وأترك الأشراف من النصرة فلم أجبه على شيء منها.
ثم وصلت كتب الفقيه صالح بن سليمان يستنهض الأمير الناصر لدين الله محمد بن المنصور، ويستزعجه فكتب إليه الناصر أبياتاً هي مثبتة في ديوانه منها:
لا تلمني على الوقوف فإني ... غير وانٍ إن قَلَّتِ الأخيارُ
فأجابه الفقيه صالح بن سليمان الحويث الخمري بقصيدة منها:
كيف لومي أبيت يوم ذوي العد ... ل وهذى قدور حرب تفارُ
كيف لومي وقد منحت المواضي ... والعوالي ما تحيمي(1) المختارُ
كيف لومي والأرض ترجف خوفاً ... لمواضيك بدوها والقرارُ
كيف لومي وفي حريت معار ... وجهاد وفي حرارى معار
لك من بيشةٍ إلى باب صنعا ... ومن مأربٍ إلى البحر دارُ
كيف لومي وكل نزلاء خطب ... فلها في يديك قتل معارُ
كيف لومي وأحنف وابن هندٍ ... وإياس لو شاهدوا أعمارُ
كيف لومي ولم يضع مذ سللت الـ ... ـبيض دين ولا أضيع ذمارُ
/182/
كيف لومي وبين جنبيك للعلـ ... ـم وللحلم والذكاء بحارُ
كيف لومي وقد تياسر(2) بالفتـ ... ـح حصون البلاد والأمصارُ
كيف لومي والخيل مثل صقور ... ببلاد العذا لها أوكارُ
كيف لومي وقد وعدت بيومٍ ... فيه نقع كأنه الإعصارُ
__________
(1) في (ب): ما يحتمي به المختار.
(2) في (ب): تباشر.
والمواضي في الهام والمح رارٍ ... والقنا في الكلا لينقم ثارُ
ولتحيي الهدى ويقمع ضد ... وتقضي بمكَّة الأوطارُ
كيف لومي وقد جلا قولك الريـ ... ـب كما أوضح الظلامَ النهارُ
فاصطبار الكريم للضيم إلا ... ريثما يستعد خزي وعار
إن يحاورهمُ فعما قريبٍ ... يغل من حتفه الحوار خوارُ
أو يحاورهم(1) فما ذو لسانٍ ... يابن بنت النبي منه حوارُ
خضعت حولك الملوك فأصبحـ ... ـت لديهم كالموت ما فيه عارُ
فأقم سوق بيع نسوَة قومٍ ... عاهرات فسوقهن البوارُ
وأقم دين جدَّك المطهّر بالسـ ... ـيف جهاراً حتى متى ذا السرارُ
كيف لومي فتىً ملائكة اللـ ... ـه إلى باب حده زُوّارُ
يخدمون النبي والآل منه ... بضعة أنت أنت منها الخيارُ
إن يكن لي لديك ودٌّ وحقٌ ... قرَّ منه فوق النجوم قرارُ
فودادي والله غير معارٍ ... لو تعار النفوس والأعمارُ
ودكم واجبٌ ولا من عقبا ... ه نعيم عقبى الشناءة نارُ
إن نفسي تفدي الأمير وعرضي ... دون عرض كالشهد حين يشارُ
ولطيمان بيت وزيادا ... زين فض الختام عنها البحارُ
إن أبياتك التي ألبستني(2) ... حُلَّة فهي لي شعار دثارُ
أنطقتني كمثل يرمعة(3) الأمعر ... جاورتها الدراري الكبارُ
أو كما قيل قرَّبوا الخيل تحذى ... فثنى رجله إلى القوم فارُ
فتعمد(4) لجهدي الاعتذار ... دمت تقفو مرادك الأقدارُ
__________
(1) في (ب): تحاورهم.
(2) في (ب): لبستني.
(3) في (ب): برمعة.
(4) في (ب): فتغمد.
قال صالح بن سليمان: وأمَّا قصة هذا الشعر والأبيات التي هي جواب لها فإن الأمير الناصر لمَّا عزم على محاربة عسكر الغز، وخالفه على ذلك السلاطين بنو شهاب أهل (بيت ردم)، وأمر إليهم بالمال والرجال وأجلب سلطان اليمن إليهم(1) بعسكره ودارت رحى الحرب بينهم، وقد كتب - عليه السلام- إليَّ أن افتح علَى الغز حرباً يشغل خواطرهم وأنا في بلاد مقرى(2)، وكان الشيخ راشد بن مظفر الهرش السنحاني قد بنى فيها حصنين خيران وكهلال(3)، وكان ولده الرياحي(4) في كهلال(5) ورتبه في خيران فجمعت من /183/ أمكنني من أشراف مقري وشيعتها وقبائلها وحصرنا خيران في جهة (خبان) وأقمنا في حصاره خمسين يوماً، فأخذناه وأخربناه، وكنا قد لزمنا حصن كهال وفيه الرباحي بن راشد في قوم كثير، فحصرناهم حتى كدنا نأخذهم، والشيخ راشد زعيم الغز في محطة بيت ردم، فسعى في الصلح والدخول للأشراف فيما أحبوا وغرضه الغارَة علينا، فما شعرنا ونحن في وطيس الحرب إلا بالخيام مضروبَة والعساكر مغيرة ونحن نراهم والرباحي وأصحابه لا يرونهم، فأمرت من دخل بيننا وبينهم في صلح باقي ذلك اليوم، وهو وقت العصر ثم طلعوا إلى حصنهم كهال وعدنا إلى محطتنا، فصدرنا(6) منها الأول، فالأول ووقف معي أجواد من حضر في آخر الناس، ولم يعلم الرباحي وأصحابه بغارة الغز حتى استقروا في الحصن، وقد تعبوا من الحرب والحصار، فنزلوا لاحقين للناس، وقد صدروا وصدرنا(7) إلى ناحية بلادنا بلاد (الأصابح)، ولم يكن للغز عليها قدرة، فكتبت إلى الأمير عز الدين أعاتبه، فكتبت الأبيات ثم أجبتها، فهذه قضيتها وهي قبل قضيَّة(8)
__________
(1) في (ب): وأجلب سلطان اليمن بعسكره إليهم.
(2) مُقري: زِنَةَ معطي، هو الاسم القديم لما يدعى اليوم (مغرب العنس) من بلاد ذمار. (معجم المقحفي. ص 1616).
(3) في (أ): كهلان.
(4) في (ب): الرباحي.
(5) في (أ): كحلان.
(6) في (ب): وصدرنا.
(7) في (ب): وقد صدر وصدرنا إلى ناحية.
(8) في (ب): قصة.
مرغم بمدَّة، وقصَّة مرغم في سنة ثلاث وعشرين وست مائة.
صالح بن سليمان الآنسي [ - ]
العلامة الفاضل الكبير صالح بن سليمان الآنسي، ذكره في تحفة الأهدل في علماء الزيدية.
صالح بن عبد الله القاسمي [960هـ - 1048 ه ]
السيد العلامة الكبير نصير الأئمة وظهيرها، وصدر مجالسهم وكبيرها، العابد(1) المجاهد صالح بن عبد الله المعروف بابن مغل القاسمي - قدس الله سره -.
قال سيدنا العلامة أستاذ الإسلام حافظ المذهب أحمد بن سعد الدين - أعاد الله من بركته -: هو صالح بن عبد الله بن علي بن داود بن القاسم بن إبراهيم بن القاسم بن إبراهيم بن الأمير محمد ذي الشرفين: كان إماماً محققاً وعابداً متألهاً، له عناية بالخير على أنواعه - رضي الله عنه - مولده في رجب سنة ستين وتسعمائة في بلدة حبور من جهة ظليمة في الحصب، منها ببيت يعرف ببيت الحداد، وكانت وفاته - رضي الله عنه - يوم الثلاثاء تاسع رجب الأصب، عام ثمانيةٍ وأربعين [وألف عن ثمانٍ وثمانين](2) بشهارة حرسها الله، وقبره عند قبر جده ذي الشرفين متصلاً قبره من جهة الشرق بقبر ذي الشرفين - عليهم السلام-. انتهى ما وجدته مقيداً بخطي عن أستاذي المذكور(3)، وكنت رأيت بخطه، وسمعت من لفظه ما هو أبسط من هذا في لقب هذا السيد الجليل، وطال ما ذكره شيخنا في مقام التعجب من عبادته وصبره، واستمراره على وظائف(4) الطاعة، قال: كان الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد وجعل مقامه في الديوان في أي جهة، كان الإمام - عليه السلام- إذا نزل ببلدة، وفرش الديوان الذي هو للحفل فرش للسيد في جانب منه، وقد أمر الإمام السقاء الذي يحمل الماء أنه يبادر عقيب النزول يحمل الماء إلى قرب المحل، فإذا نزلوا آوى السيد إلى قطعة فراشه(5) في الديوان، وفتح كتابه للرقم والدرس
__________
(1) في (ب) زيادة: المتأله.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب) زيادة: عادت بركتُه.
(4) في (ب): وصائف الطاعة.
(5) في (ب): في جانب الديوان.
والتلاوة(1)، فإذا برز الإمام في ليل أو نهار كان السيد - عادت بركاته - هو المتولي للكتابة في غالب الحال لجليلها ودقيقها.
قال سيدنا - رضي الله عنه -: ,إن نسيت شيئاً لا أنس قيامه في السحر وأنا مضطجع وهو قائم يصلي بصوتٍ خفيٍّ كأنما يلقي على صدري ماء(2) مخلوطاً بالثلج، وحكى له كرامة قد قيدها سيدنا بخطه ولم أجدها فيما قيدت عنه، وهو أنه كان القاضي في صناعة الكتابة ما يخرق العقول في السرعة مع جودة وحسن وألفاظ دريّة ووفاء بالمقاصد كما علم ذلك كل أحد، فكان يكتب في الوقت الواحد /184/ مالا يظنه ذو همَّةٍ فأصيب في يمينه بألمٍ قطع الناظرون أن ذلك من العين التي نطقت السنَّة أنها حق، ولم يزل ألمها ينتابه ويقعده ويصحب ذلك ألم شديد(3) فقبضها السيد - عادت بركته - وقرأ عليها أم الكتاب، فكأنما سل الألم منها سلاً - ولم يعاود القاضي حتى مات.
قلت: وحظي - رضي الله عنه - بصحبة الإمام الناصر الحسن بن علي وصحبة الإمام(4) المنصور بالله وصحبة الإمام(5) المؤيَّد بالله، وفي جميع أيامه هو واحد الكفاة، وبآخرة من أيامه انقطع بمنزله، ودخلت إليه متبركاً به في شوال سنة إحدى وأربعين وألف، ودعا لي وبرَّك. وقد كانت تنوبه غفلة مع كبر السن، فكان إذا عرض عليه الشعر المستجاد والكلم الفائق اهتزَّ له فقد يعرض عليه شيء من شعره يستجيده ويستحسنه ولا يعرف أنه له.
قلت: وأخبرني شيخي القاضي الأديب الحفظة صاحب المكارم حفظ الله أحمد(6) بن سهيل قاضي الهجر أنه رآه في المنام بعد موته - رحمه الله - وكأنه قد حاول كتابة كتاب عن أمر الإمام فأدرك من بعض الحاضرين أنهم تغامزوا بأنه قد كبر وهرم ولم يثبت الكتابة ويجدها فقال في الحال:
__________
(1) في (ب): للرقم أو الدرس أو التلاوة.
(2) في (أ): يلقى على صدري ماء مخلط بالثلج.
(3) في (ب): وجع شديد.
(4) سقط من (أ): المنصور بالله.
(5) سقط من (أ): المؤيد.
(6) في (ب): حفظ الله بن أحمد سهيل.
يعيبون يا رب أني هرمتُ ... وما عيبهم لي ولكن لك
لأنك يا رب أهرمتني ... وأيام عمري نقضين(1) لك
ولم يكن القاضي - أبقاه الله - يحفظ هذا الشعر، وكان - رحمه الله - فيما بلغني كثير التمثل بقوله:
لما عدمت وسيلة ألقى بها ... ربي تقي نفسي أليم عذابها
صيّرت رحمته إليه وسيلة ... وكفى بها وكفى بها وكفى بها
وهو شعر مسموع، وبلغني أن السيد رآه في النوم أيضاً وهو من قبل هذا معروف للناس لا لهُ - رحمه الله تعالى - وله شعر عظيم المقدار بليغ العبارة والأسلوب جزل الصناعة عليه مسحة من شعر أبي فراس وأضرابه، ولم يحضرني عند الرقم إلا قصيدته التي تناقلها الناس وعرفها العام والخاص يتجرَّم للإسلام وينوح على الكَرم والكرام(2):
ضاع الوفاء وضاعت بعده الهممُ ... والدين ضاع وضاع المجد والكرمُ
والجور في الناس لا تخفى معالمهُ ... والعدل من دونه الأستار والظلمُ
وكل من تابع الشيطان محترمٌ ... وكل من عبد الرحمن مهتضمُ
وليس تلقى بهذا الدار مؤتمناً ... في نصحه لك إلا وهو متَّهَمُ
آذانهم لسماع الفحش واعيةُ ... وعن سماع الذي يُنجي بها صممُ
يشاهدون ضلالاتٍ بأعينهمْ ... وإن تجلى لهم وجه الصواب عموا
الغدرُ والمكرُ والأضغانُ طبعهمُ ... والزورُ والبغيُ والبهتانُ نطقهمُ
والزَّمرُ والطارُ والدانات ديدنهمْ ... كذلك الرقص والتصفيق والنغمُ
أحكامهم في أمور الدين منبعها ... آراؤهم وكتاب الله بينهمُ
كأن آل رسول الله عندهمُ ... لم يفرض الله في القرآن ودهمُ
لا يعرفون لهم حقاً بلى عرفوا ... لكنهم تركوا الحق الذي علموا
إذا دعاهم إمام الحق ما سمعوا ... وإن أجابوا فلا سعيٌ ولا قدمُ
/185/
إن صالحوا نقضوا أو عاهدوا نكثوا ... أو ناصحوا خدعوا أو عوملوا ظلموا
وجملة الأمر أن القوم ليس لهم ... على الحقيقة لا عهد ولا ذممُ
__________
(1) في (أ): تقصير.
(2) في (ب): وهي على رويَّ قصيدة أبي فراس - رحمه الله - المتقدمة.
لو اهتدوا بايعوا سفن النجاة أولي ... الأمر الذين هم للناس معتصمُ
لكنَّهم قلدوا الأهوا فما سلموا ... واستدرجتهم على هذا نفوسهم
لذاك ذلت جميع العرب وانخدعتْ ... واستحكمت فيهم الأوغادُ والعجمُ
وصيّرتهم سواماً لا رعاة لهمْ ... والراع إن غاب يوماً ضاعت الغنمُ
وقد رُوي أن تسليط الأعاجم لا ... يأتي على العرب إلا من فسادهمُ
أشكو إلى الله من هذا وأسأله التـ ... ـوفيق للرُشد فهو الحاكم الحكمُ
يا أيها الناس خافوا الله واتبعوا ... مرضاته وأنيبوا لا أبا لكمُ
لعل أفراجه تأتي إذا صلحت ... نيّاتكم وأزحتم ما يشينكمُ
ولُذتم بالذي نرجو بأن له ... عناية بسناها تهتدي الأممُ
الأرْوعُ الماجدُ الميمونُ جانبه ... الكيّسُ الفَطِنُ العلامةُ العَلَمُ
مؤيّد الرأي من أبناء حيدرةٍ ... ماضي العزائم ما في بأسه سأمُ
سهل الشمائل محمود الفضائل مأ ... مون الغوائل من يشفى به الألمُ
إنا لنأمل أن يحيا الزمان به ... ويشرق الحق والإسلام يبتسمُ
وتمتلي الأرض عدلاً بعد أن ملئت ... جوراً وأحوال هذا الناس تنتظمُ
فقد رأيناه أهلاً للزعامة والـ ... ـبرهان فيها جلي ليس ينكتمُ
وما بقي شخصه فالجرح مندملٌ ... والكسر منجبرٌ والصدع ملتئمُ
وكل آل رسول الله قد علموا ... بأنه الغيث أمّا أصحت الديمُ
وأنه نور هَديٍ يُستضاءُ به ... وأنه فيهم الصمصامة الخذمُ
يا سيدي يا أمير المؤمنين ويا ... من شأن همَّته تدنو لها الهمم
كيف البقاء وأهل البغي في دعةٍ ... ونار جورهم في الأرض تضطرمُ
أليس ذكركم أوهى قواعدهم ... فبعد عزمكم لا شك ينهدمُ
فاصدع بأمرك إن الهمَّ منفرجٌ ... على يدَيك وحبل الجور منصرمُ
وآية الفتح قد لاحت علامتها ... والناصر الله لا الأجناد والخدمُ
وثق بربك في كل الأمور فما ... أمَّلت منه تعالى فهو منبرَمُ
ولا يصُدَّنك عن عزمٍ مكارههم ... فإنه يتلاشا ثمَّ ينهدمُ
وصاحبُ الحق غلاّبٌ وإن كثرتْ ... أعداؤه فهي عند الصدق تنهزمُ
قد كان في يوم بدرٍ ما علمت به ... وأيد الله من بالحق يلتزمُ
وخيَّب الله أهل الكفر وانهزمت ... طوائفُ الشرك واشتَّت جموعهمُ
/186/
هذا وأنفع ما لازمت صحبته ... بعد التقى النصح ثم الحزم يلتزمُ
والعزم إن كان إمكان ومقدرة ... والصفح إن لاح ممن قد أسا ندمُ
قلت: وله أشعار واسعة، ولمَّا توفي - عادت بركاته - رثاه سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله تعالى - فقال:
أجدك مات العابد المجتهدُ ... ومن فيه للخيرات والبر مقصدُ
ومن كان ذا قلب سليم مطهرٍ ... ووجه تقي نوره(1) يتصعدُ
إذا ما ادْلهمَّ الليل واحلولك الدجى ... سمعت دوي النحل منه ترددُ
يراوح ما بين الجبين وجبهة ... ويتلو مثاني ربه وهو يسجدُ
ويقسم وهو البر بالله ربه ... لشيبة حمدٍ لا يزال يحمدُ
وقد قبضتها كفه من يمينه ... على ثقةٍ من ربه لا يفندُ
لئن أنا لم أنقذك من حر ناره ... وما فيه للعاصين منه توعدُ
لقد ضل سعيي والمعاذ بربنا ... وليس إذاً جدي النبي محمدُ
قلت: لمح سيدنا إلى ما أخبرنا به - قدس الله سره - قال: كان السيد عادت بركاته يقبض على لحيته وهي بيضاء نقيَّة ويقول: والله يا هذه لأبالغنَّ في نجاتك من النار وإلا فلست من ولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أو كما قال:
بقيَّة آل المصطفى ووصيه ... وشيخهم العلامة المتفردُ
وحافظ آثار الأئمة والهدى ... وكتبهم والدرس فيهن يشهدُ
خطيبهم الوعاظ غير منازع ... ومفتيهم بالحق يهدي ويرشدُ
فدين دعاة الحق حافظ حقهم ... وعهدهم والحق بالحق يعضدُ
نعم جاء أمر الله جلَّ جلاله ... وليس لنا عمَّا قضا الله مسند(2)
فسمعاً وطوعاً ربنا وولينا ... ونحن لك اللهم ذا العرش أعبدُ
ومرجعنا طراً إليك وحسبنا ... ثوابك ذو نرجو وإياك نعبدُ
قضيت علينا الموت حتماً وإنما ... قضيت رضا يا بر يا متحمدُ
وهي طويلة وختامها:
__________
(1) في (ب): أنواره تتصعدُ.
(2) في (ب): مسند.
وما عند رب العرش خير وما قضى ... رضينا به فهو الحكيم الموحدُ
ونسأله صدر الكلام ووسطه ... وآخره ما دام طود مؤطّدُ
دوام صلاة الله ثم سلامه ... لمن في مقام الحمد يدعو ويحمدُ
وعترته كيما يجيب دعاءنا ... فإنا إلى الرحمن نسعى ونحفدُ
وأزكى سلام الله تبلغ صالحاً ... ورحمته تترى له وتردّدُ(1)
صالح بن عبد الله بن حنش [ - ق 11 ه ]
القاضي العلامة اللسان البليغ صالح بن عبد الله بن حنش - رحمه الله - كان جم الفضائل، واسع المكارم لساناً بليغاً خطيباً مقولاً، وله شعر منسجم، وكان من عيون العلماء، ووجوه الفضلاء، عالماً بالأدب فقيهاً، وله في الخطب صناعة فائقة تشتمل على المواعظ والنصائح، مع سهولة وعذوبة وقصر في الفقرات مع وفاء المعنى، وكان يسكن (ذيبين) (2) /187/ ويفصل الخصومات بعض المدَّة وتردد إلى حضرة الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وله فيه غرر قصائد، ودرر فرائد، وكان حسن الأخلاق سمح الطبيعة مزاحاً على منهاج العلماء الأخيار من السلف، وله أولاد نجباء منهم العلامة حاكم المسلمين محمد بن صالح، وسيأتي - إن شاء الله - ذكره، ومنهم أحمد بن صالح من عباد الله الصالحين، كان مدرساً في الفقه، ولم تطل أياَّمه، وكان غزير العبرة لا يزال بين العشائين باكياً، ولما مات - رحمه الله - رثاه الصنو العلامة محمد بن الهادي بن أبي الرجال - رضي الله عنه - بأبيات كتبت على الصخر عند ضريحه وهي:
يا صاحب القبر كم أحرزت من أدبِ ... ومن عفافٍ ومن فضلٍ ومن حسبِ
وكم وضعت على القرطاس من حكمٍ ... وكم أفدت ذوي الرغبات والطلبِ
لله من طود علمٍ شامخٍ علمٍ ... وبحر علمٍ خضم زاخرٍ لجبِ
بدر كريم بهي أروع ندس(3) ... فذ أبيّ حميد الفعل منتجبِ
__________
(1) في (ب): وتتردد.
(2) ذِيْبِين: مدينة شرق (خَمِر) وشمال (رَيْدَة) بمسافة 20 كيلو متراً. (معجم المقحفي، ص657).
(3) في (ب): مدر كريم بهي أروع فدس.
مهذب أحوذي(1) كامل ورع ... خدن العبادة والطاعات والقرب
يا رحمة الله زوري رمسه أبداً ... ويا سحائب جود الله فانسكبي
ولم يحضرني من شعر القاضي صالح إلا ما كتبه إلى بعض السادة من ولد الإمام يحيى بن حمزة وإلى رجل من آل الرصاص والقاضي محمد بن أحمد بن أبي الرجال المعروف بالحاج، وكان محمد بن أحمد من عيون الزمان وفضلائهم، حميد الخصال، مرجوعاً إليه للدين والدنيا، فكتب إليه القاضي في قضيَّة وقعت بين رجل من أولاد ذي حوال وهم الفقهاء بالملاحة هجرة العلامة علي بن أحمد الأكوع، ورجل من آل القعيد من بني صريم فإن الحوالي قتل القعيد فاستماح الثلاثة لخلاص الحوالي فقال:
إلهي بالرسول وخير آلٍ ... وبالضحَّاك في يوم النزالِ
أقلني عثرة أشفقت منها ... على ديني وأخلاقي ومالي
ترامت بي الحوادث في أكف ... عراها الدهر بالحرب السجالِ
لقد أفنيت يا زمن الرزايا ... أهيل الفضل من صحبي وآلِ
وأنهلت الفؤاد كؤوس حزنٍ ... أمرَّ عليه من سمر العوالي
ولم تترك علي لباس صبرٍ ... ولا جسماً من الآلام خالِ
لحاك الله يا زمني تأنى ... فقد أدركت حظك من قبالي
وما أعناك حتى لم تدع لي ... يميناً تستريح إلى شمالي
وكان العدل طبعك بعد حين ... فقل لي ما لخطبك والتوالي
وما ذنبي إليك فأتقيه ... سوَى قولي بتحريم السؤالِ
وبعدي عن بني زمني جميعاً ... لأمرٍ ما ولو كانوا عيالي
خلا أني أنست إلى رجالٍٍ ... هم أسباط أرباب الكمال
بني القوم الأفاضل من نزارٍ ... وأندى العالمين يدَانوَال
وأعلمهم بتحريمٍ وحلٍ ... وأشكرهم على الرزق الحلالِ
/188/
وأبعد عن مقارفة الدنايا ... وعن جهلٍ وعن زور المقالِ
وهم ضد الزمان ومن عليه ... من الأوباش في كل الخصالِ
بني يحيى بن حمزة من ترقّى ... بهمَّته على هامِ الهلالِ
__________
(1) أحوذي: الأَحْوَذِيُّ: الخفيف الحاذق، والمشمر للأمور القاهر لها، لا يشذ عليه شيء. (القاموس المحيط، ص 314).
وعلاَّمين من ذروات قوم ... كرامٍ في المقال وفي الفعالِ
لهم في كل واردة جوابٌ ... يسكّتُ كل منتحل وغالِ
أريد أخا بني الرصاص يحيى ... عماد الدين وابن أبي الرجالِ
إذا ما الدهر أبقى القوم فينا ... وأفنى آخرين فلا نبالي
جزاك الله بدر الدين عني ... جميلاً في الحياة وفي المآلِ
وبلغَّك المهيمن ما ترجي ... وزادك رفعةً في كل حالِ
وساء فتىً يسوق إليك سوءاً ... وحمّله ذنوباً كالجبالِ
وكنت لك الفدا من البلايا ... ومن أحبَبْت من عمٍ وخالِ
عرفت بخلتي فأزحت عني ... هموماً طال منهنَّ اعتلالي
عجيب سعيك الميمون فوراً ... بتلك الأرض منخفض وعالِ
ونظمك للأمور بحسنٍ رأي ... كنظم الدر في سلك اللآلي
حقيق يا أبا حسن مقاماً ... يقوم به بحسن الامتثالِ
حمدت الله إذا أبقاك ركناً ... ومثلك فوق ظهر الأرض عالي
ومالي والتعجب من حليم ... تريه سوابق الأمر النوالي
(كأني ما شهدت له مقاماً ... يزيل الكرب في آل الحوالي)(1)
وقد أضحى لديه أبو عليٍ ... كئيبَ القلبِ منبتَّ الحبالِ
فساهمه الهموم وذبَّ عنه ... بأقوالٍ وأفعالٍ ومالِ
وقاه الله أسباب الرزايا ... وما حملت به سود الليالي
وأسكنه الجنان غداة يقضي ... على العاصي بتضييق المجالِ
وإني والذي خلق البرايا ... أحق عباده بالاشتغالِ
وأحوجهم إلى كرمٍ وعفوٍ ... إذا وافيت والميزان خالِ
فيا ليت المنيَّة أدركتني ... وما عندي لمخلوقٍ ولالي
وصلى ربنا أبداً على من ... تفرَّدَ بالمحاسنِ والمعالي
رسول الله أحمد خير ماشٍ ... على صفحات مخصوف النعالِ
ومن ولاه يوم غدير خُمٍّ ... وحر الجو يلعب بالغزالِ
ونادى في الهجيرة غير وانٍ ... ولم يعدل إلى برد الظلالِ
عدُوي كل من عادى علياً ... ومن والاه فهو لي الموالي
وتوفي - رحمه الله - فيما أحسب بذيبين في ……(2)
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): بياض في الأم.
/189/
صالح بن علي الدقم [ - ]
(الفقيه)(1) العلامة الكبير صالح بن علي الدقم الصنعاني - رحمه الله تعالى - هو من العلماء الكبار الجلة الخيار، له في العلم رسوخ، وله تلامذة وشيوخ. من تلامذته عالم الزيدية إبراهيم بن نزار - رحمه الله تعالى -.
صالح [ - ]
الفقيه العالم صالح بن أخي العلامة عبد القاهر الذي ذكره الأهدل، قال: ومن علماء الزيدية يوسف بن عبد القاهر، وابن أخيه صالح ومحمد بن صالح الموجود بعصرنا، يدرس ويفتي وهم بيت علم، اجتمعت بأخٍ لمحمد هذا عبد القاهر، وسمعت من غيره أيضاً أنهم بيت علم.
صالح بن ملكان الناصري [ - ق 5 ه ]ت
علامة العراق صالح بن ملكان الناصري - رحمه الله - ذكره في شرح الإبانة، وحكى عنه حكاية في علم الناصر للحق، قال: رأيت شخصاً(2) منسياً من العلويّة قد أتى عليه من السنين مائة سنة وثماني عشرة سنة، وكان قد صحب الناصر للحق والهادي إلى الحق - عليهما السلام- وستة أئمة(3)، فسألته عنهما فقال: ألفيت الهادي كوادٍ عظيم مستطيلاً، وألفيت الناصر للحق كبحر زاخر بعيد القعر.
أبو الصباح الحوثي [ - ]
العلامة أبو الصباح الحوثي، هو من كبار الزيدية وجلَّتهم، ومن العيون الناظرة والمشيخة الكبار، له عقب بحوث من أعمال البون يعرفون بآل الصباح فيهم العلماء، إلا أنهم دخلوا في التطريف، فلم نشتغل بذكرهم، من وجوههم يحيى بن الصباح عالم المطرفيّة، كان فاضلاً فيهم، حريصاً على الفوائد، روى عليان بن إبراهيم من كبار المطرفية، قال: كان يحيى بن الصباح لا يفارق دواته أينما سار، فإذا سمع حكمة يخاف أن يفوته تحفظها بالنسيان كتبها، فإن لم يجد ما يكتبها فيه كتبها في عصاه.
__________
(1) ساقط من (ب).
(2) في (ب): مسناً.
(3) في (ب): وستة أئمة سواهما.
قلت: وأما الصباح هذا فكانت أيامه وما قد أظلم غسق التطريف، وكان من كملة الرجال وحلمائهم وتعمر كثيراً، وحكي أنه كان له عشرة بنون كلهم يركب الخيل، واتفق في بعض الأزمنة أن رجلاً أبطرته النعمة فتربص خلوة للصباح فوجده فوق بركة (جوب) يغتسل أو يريد الاغتسال وقد كشف رأسه وكان خليقاً فصفعه ذلك الغمر الجاهل فتلفت الصباح هل يراه من أحد، ثم قال له: قد صنعت ما صنعت فاذهب بنفسك فأبى ذلك الغمر أن يهرب ولبث مكانه فبلغ الخبر بني الصبَّاح فأقبلوا يبتدرون لقتل ذلك الغمر فبدر أبوهم فأقسم لئن صنعوا به شيئاً لا جمعهم وإياه محل فتركوا، ثم إن ذلك الجاهل ندم، واستقبح ما صنع فاستصحب جماعة ممن يعز قدره عند الصباح وبنيه حتى أتى منزله معتذراً فعفا عنه، فلما عفا عنه حلف ذلك الرجل ليكونن خادم بغلته، فأبى عليه الصباح فلم يقبل وخدمه.
صباح المزني [ - ق 2 ه ]
العلامة الفاضل صباح المزني، من جماعة الإمام الأعظم وتلامذته، ذكره الشيخ حافظ الزيدية أبو القاسم البغدادي - رحمه الله -.
أبو الصبار [ - ق 2 ه ]
العالم أبو الصبار، ويقال: أبو الصباد العبدي، عالم كبير من جماعة الإمام الأعظم وتلامذته، حكاه أبو القاسم - رحمه الله -.
صديق بن رسام السوادي [ - ق 11 ه ]
العلامة الفقيه الفاضل صديق بن رسام السوادي - رحمه الله - هو شيخ العربية، كان مبرزاً فيها إليه النهاية في السماع والتحشية والتصحيح لكتبها، وهو أشهر تلامذة شيخ الشيوخ لطف الله بن الغياث - رحمه الله تعالى - رحل إليه إلى الظفير وعلق على بابه، ووقف بأعتابه، حتى مضى سماعه على كتب العربية بأنواعها مع ضبط وتصحيح، وكان يتعلق بخدمة الشيخ - رحمه الله - ورحل بعد ذلك إلى شيوخ فلم ير بعد الشيخ لطف الله أستاذاً، ثم أقبل على الفقه حتى حقق وبرع وصار أحد أعلامه، وكان من الصلحاء متوسط الحال في كل شيء، وولاه الإمام المتوكل على الله أيده الله قضاء جهة خولان /190/ بمغارب صعدة، ولم يزل على طريقة السداد يحاسب نفسه في أكثر الوقت حتى لقي الله(1) في ……(2) ولم يخلف من العروض ما يعود بعائدة إنما كان له داره بصعدة، ومخترف أولاده.
صفية بنت المرتضى [ - 771 ه ]
السيدة العالمة الفاضلة صفيَّة بنت المرتضى.
قال السيد شمس الدين: هي العالمة الفاضلة السيدة الكاملة فضلاً وعلماً وبركة وحلماً وزهداً ومجداً وشرفاً ونبلاً وعقلاً ونقلاً وأصلاً وفرعاً، فاقت فضائلها، وراقت شمائلها، عظمت في النساء، كعظم جدتها خامسة أهل(3) الكساء، جمعت إلى العلم العمل، وبلغت في مدارك العلوم منتهى الأمل، وعلى الجملة ينعت في فضلها على فضلاء الرجال فضلاً عن ربات الحجال وما أحقها بقول المتنبي:
ولو كن النساء كما ذكرنا ... لفضلت النساء على الرجال
__________
(1) زيادة في (ب): تعالى.
(2) فراغ في (أ) و (ب).
(3) في (ب): أصحاب.
اشتغلت بالعلم من أوان الحداثة، ودرست على والدها قراءة محققة، وحققت وحصلت بالقلب والقلم، وفاقت في الفقه والأصول والعربية والإخباريات، ولم يكن لها شغل غير العلم والاجتهاد فيه ولا تتعلق بشيء غيره من أعمال النساء والرجال، وكان لها عند والدها مكان مما هي عليه في ذلك الإقبال المفيد، وكانت كاتبة فصيحة تقول الشعر ولها أشعار محكمة جيدة، كان خطها أحسن من خط والدها وهو المعروف في كتب جمَّة، فقد حصلت بخطها كتباً كثيرة.
قال الفقيه الأفضل العلامة أحمد بن يحيى الآنسي، قال الإمام علي بن محمد - عليه السلام-: لو كانت الشريفة صفية بنت المرتضى ذكراً، ودعى إلى الإمامة ما شككت في صحة إمامته، وكانت مقتدرة على الفتوى والإقراء، بالغة درجة الكمال في التصنيف والتأليف، ولها رسائل ومسائل، ومن رسائلها الرسالة الموسومة (بالجواب الوجيز على صاحب التجويز)، ولها رسالة بديعة جعلتها وصيَّة لابنتها الشريفة حورية بنت محمد بن يحيى القاسمي فيها ما يشهد بالتبحر في العلم وسعة الإطلاع، ولمَّا وصل الإمام المهدي - عليه السلام- إلى الهجرة، وأقام مع أخيها السيد علي بن المرتضى برهة كانت في أكثر أيام إقامته، تراجع الإمام في كثير من المسائل العلمية.
قال مولانا الإمام الناصر: كانت الشريفة صفيَّة بنت المرتضى فائقة لنساء زمانها، بل كانت في فضلها خارجة عن النظراء والأشباه، وصلت منها كتب إلى حي والدنا الإمام المهدي إلى ثلا وفيها من الكلام العجيب، واللفظ الغريب، والصناعة الفائقة، والبلاغة الرائقة، ما لم يكن لأحد من الفضلاء، فلما وصلت إليه أوقفني عليها وقال: هذا خط امرأة وكلامها وبلاغتها يحثني على الاجتهاد، وهكذا روت الشريفة فاطمة بنت أمير المؤمنين عن أخيها الإمام الناصر، ووصفها عدة من العلماء، قالوا: كانت لكشف المعظلات وفك المشكلات، تزوجت بعد أن بلغت ثلاثين سنة بالسيد(1) محمد بن يحيى القاسمي لا رغبة في الزواج، لكن رغبة في أن تقرأ عليه علم الكلام، وكان ذلك السيد من درسة والدها، فكانت(2) ذات معرفة بالنحو وهو عري عنه فأفادته وأفادها، وكانا زوجين صالحين عالمين، وكانت من الورع الشحيح في أعلى طبقاته.
الصلت بن الحرب بن إياس [ - ق 2 ه ]
العلامة الصلت بن الحرب بن إياس الجعفي أحد أركان المذهب وأعضاده، وأعمدته وأوتاده، من تلامذة الإمام الأعظم وأصحابه، ذكره العلامة البغدادي - رحمه الله تعالى -.
/191/ صلاتي بن إلياس الملائي [ - ق 7 ه ]ت
الشيخ الإمام الفقيه صلاتي بن إلياس الملائي - رحمه الله - هو من شيوخ العراق ومن أجلائهم، نقل عنه العلامة يوسف الجيلاني وذكره في جوابه لعمران بن الحسن بن ناصر، وحكى عنه حكاية في انحلال أمر الدين في العراق بعد الإمام أحمد بن سليمان - عليه السلام-؛ لأن دعوة الإمام كانت بالعراق منشورة اللواء بيد السيد الإمام علي بن محمد الغزنوي، فعارضه محمد بن إسماعيل الطبري، فكانت أمور.
__________
(1) في (ب): بالسيد العلامة.
(2) في (ب): وكانت.
قال الملا يوسف: فقد سمعت عن شيخ من شيوخنا - رحمه الله - وهو الفقيه الإمام العالم صلاتي بن إلياس الملائي أن سبب انحسار إسلام ديلمان تخاصم السيد أبي طالب الأخير والسيد الحسن الجرجاني، وسبب إنحسار إسلام جيلان تخاصم السيد علي الغرنوي والسيد الداودي، وأحببت ذكر الخلاف لتنبيه الناظر على قبح مغبة الخلاف - نعوذ بالله منه -.
صلاح بن إبراهيم بن علي المرتضى الوزيري [ - ق 9 ه ]
السيد الهمام العالم الكبير حافظ علوم آبائه محيي مآثر الكرم العابد الزاهد صلاح بن إبراهيم بن علي بن المرتضى صنو السيد الحافظ الهادي بن إبراهيم بن علي المرتضى الوزيري.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن صلاح بن إبراهيم، هو تلو أخيه الهادي في السن، قرأ في صعدة على القاضي عبد الله في الأصولين، وكان يستجيده القاضي ويعظم أنظاره، وفي علوم الأدب على صنوه الهادي وعلى غيره، وكذا في سائر الفنون، وقرأ بصنعاء تذكرة النحوي إلى الشفعة، وكانت له في الفروع يد قويَّة، وقرأ على الفقيه العلامة علي بن عبد الله بن أبي الخير في الأصولين ومهر في الفنون وفي البلاغة والأدب واللغة العربية، وكان له الشعر الجيد، وكان بينه وبين الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام- مودة عظيمة، وخرج معه إلى بيت بوس ثم انقطع إلى العبادة والذكر، وحج حجتين إلى بيت الله الحرام ماشياً،
ولزم مسجد الهجرة بشظب يقوم فيه بعض الليل وأكثر النهار لا يكلم أحداً حتى ولده، وحكي أنه أذَّن خمسين سنة في ذلك المكان للفروض الخمسة، وكان يربع التكبير في الأذان، كثير الصمت إذا نطق فمن أحسن الناس وأسرعهم جواباً وأكثرهم إصابة في المراجعات والمحاورات، وكان خطيباً أديباً أريباً، وتوفي والده - رحمه الله - فكان أخوه الهادي هو الذي يتولى أمر أخويه لصغرهما، وكفلهما مدَّة حتى بلغا مبلغ السادة، وأحرزا قصب السبق في السيادة، فكان من حي سيدي صلاح ما يقع من بعض الإخوة من قساوة الطبع وعدم التوقير الكلي ومعرفة الحق العارض والأصلي، فكتب إليه أخوه الهادي أبياتاً عتابية منها:ـ
أُخيَّ لنكتة(1) ترك التواخي ... وليس أخو الفتى إلا المؤاخي
رجوت تكون(2) لي ولداً وصنواً ... وعوناً في الشدائد والرواخي
وإن أحد علي بغى بظلمٍ ... صرخت إليه فاستمع اصطراخي
وإن يوماً تكدر لي شرابٌ ... أفاض عليَّ عيناً من نفاخ(3)
أتعرف يا صلاح أبي تولى ... وخلفكم أرَق من الفراخِ
وكنت لكم مكانته فلما ... ترعرعتم قرعتم لي صماخي
__________
(1) في (ب): لنكتةٍ.
(2) في (أ): يكون.
(3) الصواب: نُقَاخ.
بأقوال لو اعترضت شماماً ... لساخ بها ويالك من مساخِ
ولو مرت بأرض ذات زرع ... لعادت بعد ذاك من السباخ
على أني كما قد قيل قدماً ... جذيل للتحكك في المناخ
/192/ ومن شعر السيد صلاح الدين - أعاد الله من بركاته - ما نقله السيد صارم الدين بخطه عنه، وقال: هذه الأبيات الفائقة، والكلمات الرَّائقة للوالد صلاح الدين سليل الأئمة الهادين صلاح بن إبراهيم بن علي بن المرتضى - رحمه الله - وهي آخر ما قاله:
أثرها تبلغ القصوى ودعها ... سدى ترمي الغروب به الشروقا
فلم يشفق على حسب كريم ... يكون على ركائبه شفيقا
وإني ذاهب أرمي بنفس(1) ... مراميها وألزمها الحقوقا
فكم حاقت وكم خدعت وكم ذا ... تجرعني القطيعة والعقوقا
أجاهدها(2) بصبرٍ واحتشامٍ ... إلى أن تسلك الجرد الطريقا
وأضربها بجد العزم حتى ... أقطع من ترائبها العروقا
أروح فلا أشم على بلاد ... ولدت بها المخائل والبروقا
وأنسى الأهل والأحباب طراً ... وأنسى الجار فيها والصديقا
وأنسى أحمداً ولدي وابناً ... له براً بوالده شفيقا
وأنسى شمس حور العين حقاً ... وسبط أخٍ له عضداً وثيقا
وأعناباً تحاكي التبر لوناً ... وتحكي في منافعها الرحيقا
خرجت إليك يا ربي فكن لي ... إذا شطَّ المزارُ بهم رفيقا
وأدخلني الجنان بفضل جودٍ ... فأصبح في المعاد به حقيقا
ولاطفني وعاملني بعفو ... فمن لا طفت لم يذق الحريقا
وصل على محمدٍ كل حينٍ ... وبلغني بغرته اللحوقا
لأنظر غرَّة كالبدر خلقاً ... وأخلاقاً بها أضحى خليقا
انتهى الموجود.
__________
(1) في (ب): بنفس.
(2) في (ب): بنفس.
قال السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد: كانت طريقة حي سيدي صلاح الحدة والإصابة في الجواب على أهله وولده وغيرهم من أوان صغره، ومما يحكى أنه طلب من الإمام الناصر ولاية فرآه الإمام وهو صغير السن قريب من التكليف، فكتب له ولاية، وقال فيها: قد فعلنا للولد صلاح الدين ولاية في المصالح، فقال: يا مولانا، أما المفاسد فأنا لا أحتاج فيها إلى ولاية فتبسَّم الإمام وتعجب من حدته توفي ……(1)
صلاح الدين صلاح بن إبراهيم [ - بعد سنة 704 ه ]
السيد الإمام العلامة الأمير صلاح الدين صلاح بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن محمد - عليهم السلام- عالم كبير، ونحرير خطير، له رسائل ومسائل(2)، وكان حجَّة ومحجَّة.
قال السيد أحمد بن عبد الله: إنه كان من وجوه أهل البيت وعلمائهم، وإنه في زمان الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين، وكان كثير المحبَّة للأمير يحيى بن منصور ومعظماً له، مثنياً عليه، وسكن الشرف الأعلى، وبينه وبين الأمير المنتصر بالله مفضل بن منصور وأخيه مكاتبات ومراسلات. انتهى
قلت: وهو الذي تمم كتاب الشفاء؛ لأن الأمير الحسين بدأ بالجزء الأخير منه حتى تمَّ له، ثم ابتدأ بتأليف الجزء الأول فبلغ فيه إلى أوائل النكاح ونقله الله إلى جواره فتمّمه صلاح الدين إلى باب النفقات، ثم تممه السيد صلاح بن الجلال - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): بياض في الأم.
(2) انظر مؤلفاته، وأماكن وجودها في كتاب أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة (498).
قلت: ولما وردت الرسالة القادحة من الباطنية إلى الإمام المطهر بن يحيى المظلل بالغمام أمره الإمام /193/ برد جوابها، وهتك حجابها، فكشف النقاب، وأتى بالعجب العجاب، وما أحسن قول الإمام المظلل بالغمام حين وصلت إليه هذه الرسالة فإن من لفظه في جوابهم على(1) الكتاب: أمَّا بعد فإن الرسالة القادحة وردت إلى المشهد المقدَّس المنصوري سلام الله على ساكنه بمحروس ظفار حاسرة للثامها، عاثرة بزمامها، كاشرة في ابتسامها، ترمي في غير سدد، وتكبُو في القاع الجدد، لابسَة في ظهرها(2) ثوب الدين الشريف، يشف من تحتها مذهب ميسمها(3) السخيف، قد جمع فيها من أغباش جهالاته، وآجن ماء ضلالاته، ما يدل على باطن إلحاده، ويشهد بعناده وإحجاده، تارة يشير إلى صفات النقص والكمال، ومرة يقدح في عدل الكبير المتعال، وأخذ الإمام على هذا حتى قال: إلى غير ذلك من الترهات، وزخارف الجهالات، ويُصور أن ذلك يخفى على أهل العقول، وأن أحداً عندها لا يحسن أن يقول، ولا في ميدان نقص بشبهته يجول:
وإذا ما خلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا
فكان كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفّه.
ومن لم يتق الصحصاح زلت ... به قدماه في البحر العميقِ
وللسيد صلاح الدين - رضي الله عنه - جواب على السيد العلامة الأمير محمد بن الهادي بن تاج الدين؛ لأنه اعترض باعتراضات على الإمام المطهر بن يحيى - سلام الله عليه - فتولى الجواب هذا الأمير الخطير، والقرن بالقرن ينطح، والحديد بالحديد يفلح.
__________
(1) في (ب): عن.
(2) في (ب): طهرها.
(3) في (ب): منشمها.
وهذا الأمير أبو إمام وابن إمام، أما ولداه فالإمام إبراهيم بن تاج الدين المقبور بالأجيناد مقبرة تعز أسرة السلطان المظفر، وأما ابنه فالإمام علي بن صلاح المقبور بالجبوب(1) بمدينة (السودة) وهما من أعلام الأئمة ومن عجائب الإمام علي بن صلاح أنه يعبق من قبره ريح عند دخول الزائر القبة، ذكي العرف لا يمكن يشتبه إلى شيء من الطيب، هذا في الغالب قلَّ ما يتخلف، ورأيت من يأمرني بزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهداني إلى قبَّة الإمام علي بن صلاح فدخلتها لظني أنها القبة المصطفويَّة.
وأما السيد صلاح بن إبراهيم فقبره بالوعليّة من بلاد الشرف، وهو ممن تمم كتاب الشفاء للأمير الحسين بن محمد بعد موته - رضي الله عنهم -.
صلاح بن أحمد بن عبد الله الوزير [945هـ - ]
السيد العلامة خاتمة النجباء، وكعبة العلماء والأدباء ذو الخلائق السنيَّة، والطرائق السنيَّة، أوحد العلماء، صلاح بن أحمد بن عبد الله بن أحمد الوزير - رضي الله عنهم - كان أفضل أهل زمانه وأورعهم وأفصحهم في صناعات الكلام جميعاً وأبرعهم، وهو من بيت سمت شرفات شرفه، وأنافت على الشموس علالي غرفه، وكان هذا السيد بقيتهم المحيي لمآثرهم الصالحة - رضي الله عنهم - وكان محققاً في جميع العلوم سيما علوم القرآن، صادعاً بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان سجح الأخلاق، عذب الناشئة، غريب النادرة، يأتي على سهولة ناحيته وعدم اكتراثه في المقال بكل عجيب، فالمقال كما قيل مسخر له، وله في هذا المعنى أبيات لم تحضرني عارضها بمثلها في المعنى وإن خالفها في الرويّ السيد الأديب محمد بن عبد الله الحوثي، وكان سكون السيد الصلاحي - قدس الله سره - (بكوكبان)، وأمَّه وأم أخيه عبد الإله - رحمهما الله تعالى - بنت الإمام شرف الدين - عليه السلام-.
__________
(1) في (ب): في الجبوب.
وكانت له جراية كاملة من الأمير أحمد بن محمد فائضة، فاتفق فيما سمعت من الألسن أنه تفكر يوماً في تعطله عن العلم وطالبته همته بالرحلة /194/ إلى صنعاء لإحياء الشريعة أيام الأروام، فأفاض ذلك على صديق له، فقال له: هذا نعم الرَّأي غير أنك ذو تقرير من الأمير إذا انقطع عنك شق الأمر عليك، فسكت عنه حتى اجتمع أهل السوق بمدينة شبام وأظهره على ظهر دكان وسأله كم تحرز هذا الجمع وتقدره؟ فقرب ذلك الرجل أنهم نحو ألفين، فقال: كم لكل واحدٍ منهم من الأمير؟ قال: ليس له شيء، قال: فمن أين يأتيهم رزقهم؟ قال: من الله، فقال: سبحان الله يا فلان يرزق الله هؤلاء ولا يرزق صلاح بن أحمد - يعني نفسه - أو كما قال، فدخل صنعاء فنشر العلم، وأحيا مآثر السلف، ولم يشتغل بمكسب، وأقبل إليه الأروام، وعظموا شأنه، ولم يكن يداجيهم في مسألة، بل يصارحهم بالحق، وله جوابات عليهم مسكتة، روى أنه قال له الباشا جعفر: وكان من كبار العلماء، من أفضل الصحابة، يا سيد صلاح؟ فقال: أبو بكر. قال الباشا: تفضله على علي - كرم الله وجهه -؟ قال: أنت سألتني عن الصحابة، وأمَّا القرابة فأمرهم آخر، عليٌّ يُعد في القرابة، فسكت. واستشكل الباشا فعلاً فعله(1) الإمام المنصور بالله - عليه السلام- من تعزيره لمن لعب بالشطرنج تعزيراً مخصوصاً قد ذكره صاحب الشفاء من أئمتنا، وأن علياً - كرَّم الله وجهه - فعله من إيقافه بالشمس معقولة رجله، فاستغرب الباشا هذا، وفرح ظنّاً منه أن الإمام لا سلف له في هذه، وأنها هفوة، فسأل الأصحاب فما أجابوا، فلمَّا دخل السيد صلاح قال: بلغك يا مولانا ما فعل الإمام؟ قال السيد: ما فعل الإمام - صلوات الله عليه-؟ قال: فعل كذا وكذا، قال: أصاب الإمام أصاب الله بآرائه، قال الباشا: من أين لك أنه أصاب؟ قال: هذا فعله جده أمير المؤمنين وأسند له الرواية، وبلغني أن السيد نسب روايتها إلى الزمخشري، فتعجب
__________
(1) في (ب): فعله من إيقافه بالشمس.
الباشا من استقامة الإمام.
وعرض عليه الباشا الشعر الداير بين الناس في التوجيه بأهل المذاهب الذي أوَّله.
حبَّك ذا الأشعري حنفني ... وذاك من أحمد المذاهب لي
حبك ما زال شافعي أبداً ... يا مالكي كيف صرت معتزلي
ثم قال الباشا مداعباً للسيد صلاح: أين ذكر الزيدية في الشعر؟ قال السيد ارتجالاً:
زاد غرامي به فزيَّدني ... بُعداً عن المكثرين في عذلي
فتعجب الباشا من سرعة السيد وجودة قريحته.
وأخبرني شيخنا الوجيه عبد الرحمن بن محمد الحيمي - نفع الله بصالح عمله - أنه كان في بعض الأيام عند السيد صلاح الدين، وهو يحلق، فأصاب المزين عند حلق الشارب شفته فجرحها فالتفت السيد إلى شيخنا وقال: أفلحتُ، قال سيدنا: ففرحت بهذه اللطيفة واجتمعت بالسيد صلاح الدين(1) الحاضري، فأعلمته فقال: بديهة أعلمت والله، قلت: وهذه لطيفة حسنة، فإن معنى قوله - رضي الله عنه - أفلحتُ - بضم التاء - أي صرت أنا أفلح بذلك الشق الواقع من المزَين، فإن الأفلح مشقوق السفلى، والعامة يقولون لمن أصابه أمر يكفيه من السوء والخير أفلح فلان، يعني أنه لا يحتاج بعد هذا شيئاً من هذا الجنس، وقال السيد صلاح الحاضري: أعلمت أي أخبرتني والأعلم مشقوق الشفة العلياء - رحمهم الله تعالى -.
وأقام بصنعاء عن رأي الإمام القاسم واستجاز منه الإمام، فأجازه، ومولده - رضي الله عنه - ليلة الجمعة السابع والعشرين من شهر شعبان الكريم /195/ سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وله شعر في كل معنى، فمن ملحه أنه استعار من بعض أصدقائه حماراً فأكثر في الاعتذار فقال:
يا سيدي ما موجب الاعتذار ... تكلف الأعذار في الغير عار
أهون به شيئاً وأحقر به ... لا تحمل الصعب لأجل الحمار
وله - رحمه الله - مخمساً لبيتي عبد الله بن الإمام شرف الدين، وهما:
بدت تختال في سكر(2) الدلالِ
إلى آخرهما، فقال السيد الصلاحي - قدس الله سره -:
وعابثة بأحلام الرجالِ
__________
(1) في (ب) زيادة: الدين.
(2) في (ب): بكر.
تريك الصدق في عين المحالِ
ويسقى الهجر في كأس الوصالِ
بدت تختال في سكر الدلال ... وتبسم عن شنيب(1) كاللآلئ
أرتني من سماحتها غريباً
وأبدت من محاسنها عجيباً
وصورت المنى الأقصى قريباً
وقالت من أكون له حبيباً ... ببذل الروح قلت لها: ألالي
ومن شعره:
ولي حبيب كأن الله صوّره ... من ناضر الزهر أو من ناضر البردِ
أو أنه صافي البلور أودع في ... أحشائه الورد محمر النطاق ندي
إذا تذكرت أني عنه منترح ... ضممت كفي إشفاقاً على كبدي
وإن أشرت إلى أرضٍ أقام بها ... قبَّلت من فرط أشواقي إليه يدي
وله:
أهابه عند أفراح اللقا وأرى ... للظبي ما يتَّقيه الناس في الأسدِ
فيعجم الروع مني كل ناطقةٍ ... وإن أغبْ عنه غاب الروح عن جسدي
وله في مِرَاءَة:
أشاهدةَ الشمس في حسنها ... على مثلها فاشهدي أو دعي
وإني بذاك من الشاهدين ... ولكن جرحت فلا أدعي
وله أيضاً فيها:
يا حاكي الصور الجميلة أنقها ... ما في المروة أن تضيع جميلا
علل بها بعض النفوس فإن في ... تعليلها أجراً هناك جزيلا
وله فيها:
تحكي وتنسى فليتها حفظت ... لي بعض ما قد حكته أحيانا
حكاية تلك لو ظفرت بها ... جعلتها في العيون إنسانا
ومن شعره السائر:
لله أيامي بذي مرمرٍ ... وطيب أوقاتي بربع الغراس
والشمل مجموع بمن أرتضي ... والسر فيه السر والناس ناس
والجنس منظوم إلى جنسه ... وأفضل النظم نظام الجناس
وزهر زهران لنا مجتنى ... وقاته الهازم جند النعاس
وسفح حذان إلى جانبي ... غضران من تلك الربوع الأناس
/196/
ملاعب تجري بها خيلنا ... في السلم والحرب الشديد المراس
والشامخ الفرد لنا موئلٌ ... يمنعنا الله به كل بأس
له من الزهر نطاق ومن ... عوالي السحب العوالي لباس
والقلب يقظان لرمز الهوى ... يعرف ما يلقيه قبل الحواس
والطرف مشغول ببدر الدجى ... والفكر مشغول بظبي الكناس
وللصبا غصن إذا هزَّه ... نسيم أنفاس صبا(2) الوصل ماس
__________
(1) في (ب): شنيب.
(2) في (ب): ضنا.
ولما تكلم الزمخشري - رحمه الله - في تفسير قوله عز وجل: ?وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ? [الأعراف:43]، فقال: وهذا يدل على أن الجنة مستحقة بالعمل لا بالتفضل. انتهى
وكتب السيد الحافظ محمد بن إبراهيم ما لفظه: نعم يا شيخ المحقة، قلت: الجنة بالعمل فالعمل بماذا؟ قلت: بالاختيار والاختيار بماذا؟
رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصيّر آخره أولاً
?وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ? [الأعراف:43] انتهى، ?وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ? [النور:21] ?نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا? [هود:58] في آياتٍ كثيرة، وإنما أتي المخالف من توهمه أن الآية نص في العوض، وهي في السببيَّة ظاهرة شهيرة.
قال السيد العلامة صلاح بن أحمد مراد الزمخشري - رحمه الله -: إن العمل الصالح سبب في دخول الجنة والتوفيق إليه تفضل من المولى - تبارك وتعالى- نسأل الله التوفيق والمغفرة، قال: وقلت أنا:
علقوا الفضل بأسباب تقى ... يا ترى الأسباب ما الأسباب فيها
ليس إلا الفضل فيها سبب ... قف هنا إن شئت أو فازداد تيها
توفي - رحمه الله - في ……(1) وقبره بجربة الروض يماني صنعاء المقبرة المشهورة، وقد روي أنه يسمع القرآن من قبره - رضي الله عنه -.
__________
(1) فراغ في النسختين قال في (ب): بياض في الأم.
صلاح بن أحمد بن عبد الله [ - بعد سنة 893 ه ]
السيد العلامة صلاح بن أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أبي القاسم - رحمه الله - سيد عالم من بيت العلم المعمور، كان عالماً عاملاً فاضلاً من أهل تسعمائة، أظنه في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة في قيد الحياة، ويدل على ذلك قصيدة له في الشريفة الطاهرة بدرة بنت أمير المؤمنين زوج الإمام المطهر ذات الحسب الشريف والمقام الزليف التي رثاها الفضلاء منهم هذا العلامة وهي:
لعمرك ما من هاجم الموت أجزع ... ولكن ليوم بعده نتوقعُ
ليوم يشيب الطفل من هول ما يرى ... به وله كل الخلائق تجمعُ
لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ... لنفسي بنفسي شاغل لي مروعُ
صلاح بن أحمد بن المهدي [1010 - 1048 ه ]
السيد العلامة البحر الحبر منقب المناقب، ومقنب المقانب، رئيس الرؤساء، ومفخر الكبراء، صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيَّدي - عليهم السلام- كان من محاسن الزمان، ومفاخر الأوان، منقطع القرين في كل فضيلة، يعده المنصف من معجزات النبوة، فإنه - قدس الله سره - كان محارة لذوي الألباب في فصاحة منطقه وسعة حفظه وعلوِّ همته /197/ وكرم طبعه وسعادة جده، أناف على الشيوخ طفلاً،
فكيف يزاحمه أحد في الفضائل كهلاً، وعمره - عليه السلام- تسع وعشرون سنة، أحيا فيها من العلوم ما أشرق المبطلَ بريقِهِ، وسقى كل محق برحيقه، ودوخ العلوم وحقق وقرّر وناظر(1) وناضل، وهو في كل ذلك سابق لا يجارى، وناطق لا يمارى، وكان فهمه جذوة قبس، وهذا العمر القصير الذي هو من أطول الأعمار نفعاً اشتمل على قراءة وإقراء وجهاد وغزو وتصنيف، وتأليف، فمن جملة مصنفاته (شرح شواهد النحو)(2) واختصار شرح العيني لشواهد التلخيص وشرح الفصول شرحاً وافياً كافياً(3) وجمع القنطرة في أصول الفقه(4) وشرح الهداية)(5)، فبلغ إلى أوائل الكتاب في ستين كرَّاسة من ذلك شرح الخطبة مجلد، وله مع هذا ديوان شعر(6) زاحم به الصفي(7) وأضرابه، وعارض مشاهير القصائد للأوائل، النبويَّات والإخوانيات والغزليات.
__________
(1) في (أ): باطل.
(2) لم أجد له نسخة خطية.
(3) شرحه على الفصول هو (الدراري المضيئة الموصل إلى شرح الفصول اللؤلؤية، منه نسخة خ سنة 1067هـ في الجامع، وأخرى خطت سنة 1035هـ بمكتبة المولى مجد الدين المؤيدي، وانظر نسخاً أخرى في أعلام المؤلفين الزيدية ترجمة 497.
(4) لعل منه نسخة خطية في دار الكتب المصرية رقم (97) مصور، انظر المصدر السابق.
(5) لطف الغفار الموصل إلى هداية الأفكار، خ في عدة مكتبات خاصة، انظر المصدر السابق.
(6) خ مكتبة السيد العلامة عبدالرحمن محمد شائم هجرة فللة.
(7) الصفي: صفي الدين الحلي، الشاعر المعروف.
ومع هذا فهو الثابت لحصار صنعاء فإنه كان الموليان الحسن والحسين ابنا الإمام بحدّه، وهو في الجراف يشن الغارة، ويصابح الأروام ويماسي، وافتتح مدينة (أبي عريش) بعد منازلة لجنود الأروام، وغزا إلى (السراة) وجهات (المنبر) غزوات عدَّة، وكان منصوراً في جميع ذلك، وكان يحف به من السادات والعلماء من يفرد لهم التراجم، وتزين بذكرهم الأوراق مثل مولانا صارم الدين حامل لواء العلوم، وإمام منطوقها والمفهوم.
إبراهيم بن محمد بن عز الدين:
إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين فإنه جبل من جبال الحلم، وبحر من بحار العلم، يفزع إليه في العظائم، وقد صنف للإسلام كتباً عديدة (كشرح الكامل(1) المسمَّى بالروض الحافل) وشرح (الهداية المسمَّى بتنقيح الأنظار) من أجلّ كتب الإسلام قدراً، يخرج في أربعة أجزاء كبار، وله منسك منظوم، (وله القصص الحق المبين في البغي على أمير المؤمنين)، وله في كتابه المصحف العثماني موضوع أو موضوعان، وغير هذا - كثر الله فوائده - وله شعر وبلاغة، وطرائقه كلها حميدة في زهده وعلمه ومواظبته على الصالحات، وكالسيد الرئيس صدر العترة صلاح بن علي بن عبد الله بن الحسين المؤيَّدي رجل فاضل نبيه فاضل(2) جليل القدر، شرح الكافل بشرح عظيم، وكان تعلقه بأصول الفقه أكثر من تعلقه بغيره، وكان رئيساً كاملاً.
__________
(1) في (ب): كشرح الكافل.
(2) في (ب): رجل نبيه فاضل جليل القدر.
صلاح بن أحمد بن عز الدين
وكالسيد البليغ بديع الزمان صلاح الملة صلاح بن أحمد بن عز الدين المؤيَّدي رجل كأنما خلق للأدب(1)، من أعذب الناس ناشئة، وأرقهم حاشية، حافظاً للآداب حريصاً على الوظائف، وهو مجيد الشعر، وبينه وبين السيد الصلاحي مفاكهات وأدبيات قد فاتت علي بعد إطلاعي عليها وحرصي على حفظها فالله المستعان، من ذلك ما حضرني عند الرقم لهذه، وأظنني لا أثبت ألفاظه على صفتها، لكني رأيت إثباتها ليكون سبباً - إن شاء الله - لتثبيتها، وأخبرني سيدي صلاح الدين صلاح بن أحمد بن عز الدين - أسعده الله - قال: كنت أقرأ في المطوّل على سيدي الصلاحي أنا والسيد العلامة الهادي بن عبد النبي بن حطبة في بلاد الشام جبال العر وصور ونحوها، لم يحضرني الآن اسم المحل فمرَّت بنا لفظة في المطول في قوله تعالى: ?..فَتَشْقَى? [طه:117] (2) فحصل التردد ما الثابت في النسخ؟ فسألت مولانا الصلاحي: ما الذي في نسخته؟ فقال: /198/ أما عندي فيشقى، وقد كانت تقدمت عتابات بيننا وشكايات إليه في أمور، فقلت له: نعم، أما عندي فتشقى فتغيظ السيد الصلاحي، وكان حاد المزاج وترك محل القراءة، وقال: لا خير لي في حضور من لا يرعى مجلس الأدب أو كما قال، فقمنا من المحل، ولم أتفق به بعد ذلك، فجاء إليه - أعاد الله من بركته - طعام على يد خادم من خدامه يعتاد صنعَة الطعام، فأراه حضوري فكتب:
رُبَّ طعامٍ حَسُنَتْ ألوانهُ ... قد جاءنا على يَدَي ممنطقِ
يأكل منه شابعٌ وجائعٌ
__________
(1) في (ب): للآداب.
(2) كذا في (أ) و (ب).
وترك بياضاً، وقال للأصحاب: الصنو صلاح بن أحمد بن عز الدين - عافاه الله - سيكتب هنا: ويستوي فيه السعيد والشقي، فلما وصل الرسول كتبت ذلك بديهة، ثم كتب بعد ذلك: نقي جد عجلاً قد جاءني، وترك بياضاً وقال: سيكتب الصنو صلاح، يا حبّذا ذاك الحثيثُ والنقي. وللسيد صلاح بن أحمد معاني حسنة ومقاطيع فائقة وسلك مسلك الأدب على شروطه ويعجبني إيداعه لصدر قصيدة بن الفارض، فإنه قال - ولله دره -:
وصغيرة حاولت فض ختامها ... من بعد فرط تحنن وتلطفُ
وقلبتها نحوي فقالت عند ذا ... قلبي يحدثني بأنك متلفي
وهذا معنى يهتز له اللبيب وقائل: هذا في الزمان غريب، وله في السيد الصلاحي ووالده مراثي مشجية.
مطهر علي الضميري
ومن جملة أهل الحضرة العلامة الحافظ بهاء الدين مطهر بن علي النعمان الضمدي، وكان من صدور العلماء ووجوه الزمان، وقوراً حافظاً للشريعة وآدابها، وكان لا يفارق الحضرة إلا قليلاً، وبينه وبين السيد الصلاحي مفاكهات، وللفقيه مطهر(1) مسائل في الاعتقاد جانب بها أهل المقالة - رضي الله عنهم - وقد كان السيد الصلاحي كاد أن يتلقى بعض ما عنده بقبول ثم عادا بعد ذلك إلى بعض التنافر بعد أن استفحل علم السيد، وعظم تحقيقه، وتعاودا بعد هذا إلى الوفاق إلا أنه لم يتيسر لهما الاجتماع، بل جاء الفقيه من وطنه ليعزي السيد الصلاحي بوالده، فلما وصل (الحدب) - بالحاء والدال مهملتين - بلغه خبر موت السيد - رحمه الله - فكان كما قال في كتابه: لما وصلت الحدب، انسل عليّ البلاء من كل حدب. وكان بينهما مراجعات واجتمعا في بعض الأيام، فحررا مسألة حررها الفخر الرازي، وقالا: نوردها على القاضي العلامة أحمد بن يحيى بن حابس - رحمه الله - فوفدا إلى بيت القاضي أحمد فأجلهما، وأنس بمقدمهما، فذكرا له المسألة. فقال: هذه مسألة لا جدوى للخوض فيها إلا مع الإنصاف، فقالا: أجل الإنصاف متوجه، ونحن - إن شاء الله - فاعلوه، فلما أخذ عليهما الوثيقة في الإنصاف جلَّى المسألة أبهى تجلية، فقاما من المجلس فقال الفقيه مطهر: أما أنا فما عندي إلا الإنصاف قد علمته من كلام القاضي وتوضح لي الحق فلا غضاضة في الرجوع، وقال المولى الصلاحي بمثل هذا، لكنه عظم عليه ما قد نوّه به من إشكال المسألة وتصوره أنه لا سبيل إلى حلها، فتوجَّه القاضي لحلها في بديهته فاستحيا وتعب، ولَمَّا رحل إلى العلامة مفتي اليمن السيد محمد بن عز الدين - أعاد الله من بركته - وقرأ عليه (المطول) و(جامع الأصول) و(الدامغ) و(الغايات) و(شرح بن بهران) على الأثمار ازداد علمه وواصله العلماء وأذعن له كل أحد، وكان /199/ يسميه السيد محمد بن عز الدين بالبحر، وعاد إلى صعدة بعد
__________
(1) في (ب): المطهر.
هذه الرحلة الأخيرة، وهو يقول: كنت أظن مذهبنا الشريف لم يعتن أهله بحراسة الأسانيد لأحاديثه، فتحققت ومارست الكتب فوجدت الأمر بخلاف ذلك، ولقد كنت في بعض المذاكرات استضعف حديثاً من أحاديث أهل المذهب، ثم بحثت فوجدته من خمسة عشر طريقاً كلها صالحة ثابتة على شروط أهل الحديث، وعمل - رحمه الله - في هذا قصيدة فائقة رأيته تجرَّم فيها من ميل الناس عن علوم آل محمد وهي من غرر القصائد، بل كان السيد العلامة محمد بن عز الدين - رحمه الله - يقول: هي من أفضل ما قال.
محمد بن عبدالله
ومن جملة من كان في حضرته الشريفة السيد الأديب الفاضل الذكي محمد بن عبد الله بن علي(1) بن الحسين، سيد جليل، فاضل نبيل، حريص على الطاعة مواظب على أنواعها، متواضع، حسن الأخلاق، يعز نظيره، وهو من أذكى الناس.
وكان يسميه السيد الصلاحي المعري لتوقد فهمه ويلقبه بالحكيم، ونقل عنه السيد الصلاحي مسائل من ذلك أنه استشكل السيد - رضي الله عنه - ما روى الوائدة والموءودة في النار فإن الرازي جعل الموءودة هنا الطفلة المستخرجة بالعرك من البطن، وهذا مشكل على قاعدة العدل.
__________
(1) في (ب): محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله.
قال السيد محمد بن عبد الله: ليس المراد بالموءودة الطفلة بل المعروكة وهي الحامل، فالمعنى حينئذٍ العاركة والمعروكة في النار، وهذا لا غبار عليه، فإن المعروكة تستحق النار لتمكينها العاركة وغير هذا، وأخبرني السيد عز الدين - أسعده الله - قال: قد كان الصنو الصلاحي - رحمه الله - أخبرني أن ابن حجر العسقلاني الشافعي ذكر أن الاستثناء في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم)) مدرج في قوله غير فحفظت هذا ورويته عنه ، فدارت المسألة بعد موته - رحمه الله - في حضرة المولى العلامة محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين - أعاد الله من بركته - فرويت هذا ونسبته [إلى من نسبه] إليه(1)، وهو ابن حجر، فطلب التلخيص فلم يوجد بعد كثرة البحث شيء من ذلك، فافترقنا، وفي النفس شيء، فلما كنت في المنام رأيته - رضي الله عنه - فقال لي: رويت عني كذا وكذا ولم تجده فلعله توهم فيك متوهم فقلت: نعم، فقال: هو في نسخة التلخيص في المحل الفلاني في الصفح الفلاني، وعين المحل، فلما أصبحت وجدته كما قال كأنه أرانيه عياناً، وعلى ذكر هذه الرؤيا أذكر ما أخبرني به السيد عز الدين أيضاً قال: كان بعض الشيوخ من الأعراب أهل التقوى والتمسك بالأمور الجلية من الشرع يحضر محضر الصنو صلاح الدين فيذكر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ويخبر بأشياء فيرتاب السادة الحاضرون في خبره، بل ربما قربوا من التصريح برد ما يحكيه فجاء يوماً إلى السيد صلاح الدين، وقال: يا مولانا قد رأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال لي: يا فلان، تردد الجماعة في خبرك وقولك أنك رأيتني، فقال: نعم يا سيدي، فقال له: اذهب - إن شاء الله - إلى الولد صلاح بن أحمد وأخبره بكذا وكذا، وقل له: قال لي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: أمارة صدق هذه الرؤيا أنك رأيته هذه الليلة بصفة كذا وكذا وقال لك كذا
__________
(1) سقط من (أ).
وكذا وكذا، قال الشيخ: فقد رأيت هذه الرؤيا يا مولاي أن تصح الإمارة صحت رؤياي وإلا لم أعد إلى ذكر شيء.
قال السيد صلاح الدين: بلى والله صدق صدق حديثك وصدقت /200/ رؤياك رأيته - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الليلة بصفة ما ذكرت.
وكان مجلس السيد الصلاحي محط الرحال للفضلاء معموراً بالمكارم، ينافس فيه أهل الهمم، ولقد رأيته في بعض الأيام خارجاً إلى بعض المنتزهات بصعدة، فسمعت الرّهج وقعقعة المراجعة مع حركة الخيل من محل بعيد، فوقفت لأنظر فخرج في نحو خمسة وثلاثين فارساً إلى منتزه بئر رطفات، وهم يتراجعون في الطريق بالأبيات(1)، ومنهم من ينشد صاحبه الشعر، ويستنشده، وكان هذا دأبه، وكان كلفاً بالعلم، كان إذا سافر فأوّل ما تضرب خيمة الكتب فإذا ضربت دخل إليها ونشر الكتب والخدم يصلحون الخيم الأخرى، ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم، ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه الذي ما يوجد لها(2) نظير، وكان مع هذه الجلالة يلاطف أصحابه وكتابه بالأدبيَّات والأشعار السحريَّات، فكلهم راوٍ من معين آدابه، من ذلك ما كتبه إلى السيد العلامة الجليل الحسن بن أحمد بن محمد الجلال - عافاه الله تعالى -:
أفدي الخيال الذي قد زارني ومضى ... ولاح مبسمه كالبرق إذ ومضا
نضَا عليَّ حساماً من لواحِظه ... فظلْتُ ألثم ذاك اللحظ حين نضا
وحين ودّع مشغوفاً به دنفاً ... ألقى من الصبر أثواباً له وقضا
فليته دام طول الليل يصحبني ... بطيفه وشفى(3) من حبه الغرضا
أحببت كل لطيفٍ في محبته ... وكل وهمٍ على قلب الشجي عرضا
حتى لقد شغفت نفسي بجوهرهم ... وصرت من أجل هذا أشتهي العرضا
وكيف لا أشتهي طول(4) الخيال وقد ... وافى خيال كريم زار حين قضا
قضى عليّ بإنشادي وأخبرني ... بأنه لقديم العهد ما نقضا
ذاك ابن أحمد زاكي الأصل من قصرت ... عنه المصاقع حتى بذهم ومضا
__________
(1) في (ب): الأدبيات.
(2) في (ب): له.
(3) في (ب): وسقى.
(4) في (ب): طيف.
ومن كسا الروضة الغنَّاء بهجتها ... بخلقه وحبا الهندي حسن مضا
يا سيداً وطئ الجوزا بأخمصه ... اسمع مقال فتى ذكراك ما رفضا
في كل وقتٍ له ذكرى تهيجه ... حتى إذا سعر الهيجاء زار وضا
إني بعثت بها غراء صادرة ... عن خاطرٍ من عوادي الدهر قد مرضا
أبغي رضاك إذا أسعدت طبعك في ... إنشادها وخيار الصحب رام رضا
فأجابه السيد العلامة الحسن بن أحمد وهو ممن استعبد البلاغة، وسحب ذيل التيه على سحبان ومرَّغ بتراب العجز ابن المراعة:
قد لاح سعدك فاغتنم حسن الرضا ... من أهل ودك واستعض عما مضا
لما بعثت لهم بطيفك زائراً ... تحت الدُّجى ولفضلهم متعرِّضا
بعثوا عليك كتائباً من كتبهم ... هزموا بها جيش اصطبارك فانقضا
لكنها أبكار أفكار لو ان ... البدر قابلها بليلٍ ما أضا
/201/
درر كست زهر الدراري رونقاً ... ثم اكتست ما للصوارم من مضا
لمَّا أقامت للوفاء شرائعاً ... نصبوا لها بالطرس ثوباً أبيضا
وأتت إليَّ فبت ألثم صدرها ... حتى تناثر عقدها وتنقضا
وحكت فرائده فرائد أدْمعٍ ... أرسلتها مزناً لبَرقٍ أومضا
من نحو أحباب تناءت دارهم ... عنا فعوضنا النوى ما عوضا
لكن محبتهم بقلبي دائماً ... ما والمهيمن عنه يوماً قوضا
فلهم ضلوعي منحنى وعقيقهم ... في مقلتي وبمهجتي لهم غضا
من كان يعرض عن أحبَّة قلبه ... بعد الفراق فإنني لم(1) أعرضا
ولو ان طيفهمُ شفا لكنَّهم ... بخلوا بذاك وناظري ما أغمضا
رحلوا وما رحلوا عن القلب الذي ... ما زال إشفاقاً عليهم ممرضا
فاستوطنوا الصّهوات ثم تظللوا ... تحت الرماح وكل سيفٍ منتضا
سيما صلاح الدين صفوة أحمد ... غيث الوجود ورأس آل المرتضا
طعان أفئدة الصفوف إذا دجا ... ليل العجاج وحار فرسان الفضا
وإذا أغار بفيلقٍ هو رأسهم ... نحو الكريهة هاله صرف القضا
يابن الأئمة والملوك ومن له ... شرف به شرف الزمان وقُرِّضا
وافى كتابك معلناً بأخوَّةٍ ... وبأن ودك لي غدا متمحضا
__________
(1) لعلها: لن.
ويقول ذكرى ما نقضت وإنني ... لجميلِ ذكرك دائماً لن أنقضا
واستخبر الطير الذي وافاك هل ... أعرضت عن ذكراك أم لم أعرضا
ولقد تعاطاني الجواب ولست من ... فرسان ميدان غدا لك مركضا
هيهات ما العيس الفواضل في الفضا ... تجري مع الخيل العراب فتنهضا
والبحر ما وشل يباري موجَه ... فاعذر فقد حملتُ أمراً مبهضا(1)
ولو ان حقك لم يكن مستعظماً ... لغفلت عن رد الجواب المقتضا
لاعن قلا بل صار دهري نائماً ... عن نصرتي ولشغلتي متيقضا
ولقد غفرت له سوى شحط النوى ... وزرا جناه لطهره قد انقضا
بأبي رمَى وبأسرتي مرمى به ... فترى الفؤاد مقطعاً ومقرّضا
عاينت سبعة أشهر من عهدهم ... والدمع يجري في الخدود مفضضا
فإذا ترى نقصاً فذلك أصله ... ولقد جعلتك للصلاح(2) مفوَّضا
ومن جملة ما كتبه العلامة الفقيه مطهَّر بن علي إلى السيد الصلاحي بأبي عريش:
إن كان أحبابنا بالهجر قد طابوا ... قلباً فسيَّان أعداءٌ وأحبابُ
وهل يريد بك الأعداء أقتل من ... هذا المصاب الذي من دونه الصابُ
/202/
شدوا المطايا غداة البين فانزعجت ... نفسي كأنَّ غرابَ البين أقتابُ
وثارت العيس بالأضعان راعية ... يوم النوى فاستوى راعٍ ونعَّابُ
لله روحي وقلبي بعد بعدهمُ ... ورحمة لعيُوني غبَّ ما غابوا
فالروح طير والقلب قد فتحت ... سماؤه فهو يوم البين أبوابُ
والعين كالعين من بعد الرحيل فما ... ينفك من جفنها فيضٌ وتسكابُ
وكل جارحة مجروحة بسكا ... كين الفراق كأن البينَ قصَّابُ
أحبابَنا إن نأت عنَّا دياركمُ ... وقوَّضت من خيام الوصل أطنابُ
فالقلب قد ضربت فيه خيامكمُ ... ومالكم عند طول الدَّهر إضرابُ
وكيف أسلو أخلاءَ الصفاء وقد ... شبوا الجوَى ولمحض الود ما شابوا
وإن أهل جنان الخلد في غرفٍ ... مبنيَّةٍ تحتها نخل وأعنابُ
لهم فواكهُ مما يشتهون ومِنْ ... صافي الشراب أباريقٌ وأكوابُ
__________
(1) في (ب): منهضاً.
(2) في (ب): في الصلاح.
يطوف غلمانهم بالراح بينهمُ ... وعندهم قاصراتُ الطَّرْفِ أترابُ
وكل ذلك لا يسليهمُ أبداً ... عن اجتماع بإخوانٍ لهم طابوا
وأقرأ على عذلي القرآن ما(1) سمعوا ... في الريح والطور والتطفيف ما عابوا
فأجابه السيد الصلاحي - رضي الله عنه -:
ما طبت من بعد أصحابٍ لنا طابوا ... نفساً ولا آب نومي بعد ما غابوا
فالقلبُ والعينُ والأحشاءُ بعدهمُ ... لها خفوقٌ وتسكابٌ وتلهابُ
والصبرُ والوجدُ والأشواقُ قد فُتِحَتْ ... وأُغلِقَتْ مُذ نأوا من تلك أبوابُ
أقمارُ تَمٍّ غدا في القلب برجهمُ ... إذاً يكن(2) لهمُ في الطرف حسَّابُ
ومنها:
يا عاذليَّ دعاني بعد بعدهم ... وأقصرا عذلاً أدناه إطنابُ
فما على فاقد الإخوان إن هتكت ... من صبره أدباً وأعن ذاك أبواب
وهل يعوض عنهم شادن غنج ... كلاَّ ولا قاصرات الطرف أرتاب(3)
ومنها:
وحدثانَي عن صحبٍ نأوا فنأتْ ... عنا علومٌ وأخلاقٌ وآدابُ
لا أوحش الله منهم إنهم نفرٌ ... ما إن يناط بهم شينٌ ولا عابُ
إن غار إخواننا فالدمع بعدهمُ ... ما غار بل هو في الخدَّين سَكَّابُ
ومن شعره - رحمه الله - في التضمين:
بأبي وردة على الخد حمر ... اء لها في القلوب أي اشتعالِ
لم أكن من جناتها علم اللـ ... ـه وإني لحِرها اليوم صالي
وله - رحمه الله -(4):
وفتاة جنسوها إذا(5) مشت ... بفتاة قلت ذا التجنيس خطي(6)
أرسلت من ليل هدبٍ أسهماً ... وسهام الليل قالوا ليس تخطي(7)
أبرزت شرطاً بخدٍ ناعمٍ ... فحبتني علماً من فعل شرْطِ
/203/
قدحت نار جوًى إذ نهضت ... فاعجبوا يا رفقتي من أي(8) سقطِ
ولوت حين سألنا جيدها ... ثم قالت حين أعطوا لستُ أعطي
__________
(1) في (ب): القرآن يستمعوا.
(2) هكذا في (أ)، ولعل الصواب: إن لم يكن، كما جاء في (ب)، أو إذ لم يكن ظن في (ب) أيضاً.
(3) لعلها: أتراب.
(4) زيادة في (ب): تعالى.
(5) لعلها: إذ أو إن.
(6) في (ب): حظى.
(7) في (ب): تخطى.
(8) في (ب): أي.
وقال - رضي الله عنه - لمَّا مررنا في قراءة المطوَّل بقول الشاعر:
إن دهراً يلم شملي بسعدا ... لزمانٌ يهم بالإحسانِ
قال شيخنا في هذا إخفاء فقلت في ذلك:
إن خلاً يقول هذا لخلٍ ... وإلهي من الجفا بمكانِ
ليس بعد اجتماع صبٍ بحب ... غير فعل الزمان للإحسانِ
وقال في التورية، وقال ليس المقصد إلا لها:
ومائس أرشفني ريقه ... لله من غصنٍ رطيبٍ وريق
نقي خدٍ فوقه جمرةٌ ... ففزت مابين النقا والعقيق
مثل سحيق المسك أصداغه ... واحسرتي من بعد ذاك السحيق
أغرقت في حبي له فانظروا ... إنسان عيني من هواه غريق
عتيق وجهٍ منهلي(1) ريقه ... لا غرو(2) وهذا زمزم والعتيق
رقيق حسنٍ رقه سيد ... مملَّك فاعجب لهذا الرقيق
قد فتق القلب غرامي به ... مذ باح [لي](3) واطرباً للفتيق
وله في الاكتفاء والاقتباس:
وغيد بأبيات العروض غرامها ... خرقن شغاف القلب فاتسع الخرقُ
وزنت بيوت الشعر يوم رحيلها ... الا فاستروا فالوزن يومئذٍ حقُ
وله فيها والاقتباس ورد العجز على الصدر:
ليت شعري متى أفوز بصحبٍ ... مزجوا كأس وصلهم زنجبيلا
وأرَى معشراً خفافاً لطافاً ... خلفوا للورى يوماً ثقيلا
وألاقي أحوَى أغن غضيضاً ... ردفه قد غدا كثيباً مهيلا
سل سبيلاً منه إلى كأس ثغرٍ ... تلقها إن شربتها سلسبيلا(4)
وله في التورية:
وربَّ غزالٍ فاتر اللحظ(5) فاتنٍ ... زكت منه أخلاق كما قد زكا بحرا
أتى نحو كهفي سارياً فشكرته ... لأنيَ أهوى الكهف والله والإسرا
وله فيها:
حمَى ثغرَه لمَّا أردتُ ارتشافه ... بسيفٍ بجفن منه جُرِّدَ للفتكِ
كذاك سيوف الهند تحمي بها الورى ... ثغور ذوي الإيمان خوف ذوي الشرك
وله فيها:
رُمْتُ أنفالاً من الخلِّ فما ... جادلي والله إلا ببراءة
ليته يؤنس بالوصل فتىً ... يتمنى أبد الدهر لقاءه
__________
(1) في (ب): منهلى.
(2) في (ب): لاعز.
(3) لعلها كلمة ساقطة.
(4) هذا البيت زيادة في (ب).
(5) في (ب): اللخط. ولعل الأصوب ما أثبتناه.
/204/ وهو مكثر من هذا المعنى، وله قصائد نبويات كثيرة، منها معارضة لقصيدة الإمام شرف الدين:
لكم من الحب صافيه ووافيه
ومعارضة لقصيدة الصفي الحلي:
فيروزج(1) الصبح أم ياقوتة الشفق
وغيرها ولم تزل حاله قرينة السداد بالسعادة محفوفاً بالفضل والفصل مخدقاً(2) نافذ الكلمة إلى أن دخل من صنعاء بعد خروجه إليها مغيراً لما نهض الحسنان - عليهم السلام- لأخذ زبيد فاستنهضه الإمام فنهض وأقام بصنعاء كالموئل والعدة لأنها نجمت من قبائل صنعاء نواجم. ومن عجائبه - رحمه الله - أنه لما استنهضه الإمام طالع شيئاً من الجفر فقال لخواصه: أنا لا أتجاوز الجبال إلى تهامة، أو ما هذا معناه. ومن عجائبه أنه استخرج في بعض الأيام غزو الأروام لحيس، وكان فيها عضد الدين الشيخ علي بن شمسان فإنهم حملوا عليه إلى البلد حملة منكرة، وضربت الخيل بسنابكها في البلد وطعنوا الخيم، وكان الذي استخرجه السيد لفظة خيل دقي حيس وأخبر بذلك، وكان له بهذه العلوم إلمام وتلقاها عنه بعض تلامذته، ولقد رآه الصنو العلامة محمد بن الهادي بن أبي الرجال في المنام بعد مماته - رحمه الله - فسأله أن يوصيه، فعجل رجل كان حاضراً بذكر تقوى الله والتوصية بهذا، فقال له السيد: هذا رجل ا مثله يوصى بهذا التمكنة منه، لكن أبلغ عني الصنو إبراهيم بن محمد السلام وقل(3): طفا(4) موقود في فم موقود، فكتبها الصنو بدر الدين، وحفظها حتى اجتمع بالسيد الصارم فطلب دواة ونقش نقوشاً وكتب حروفاً يستخرج منها ما لفظه: قل لإبراهيم يسكن (يسنم) (5)، ويسنم بلد من مساكن السادة، وهجرها لعلنا نذكر أوّل من هجرها منهم في ترجمته - إن شاء الله تعالى -.
__________
(1) لعلها: فيروزة.
(2) في (أ): محدماً.
(3) زيادة في (ب): له.
(4) ظفاً.
(5) يَسْنم: وادٍ من مديرية باقم في شمال صعدة. (معجم المقحفي، ص 1911).
قلت: فما زال السيد على ما وصفته من الحال الحسنة حتى عاد هذه العودة من صنعاء، فوافى السيد العلامة شيخ آل محمد محمد بن عبد الله المعروف بأبي علامة مريضاً، فانتقل إلى جوار الله وهو حاضر له، ثم توجَّه إلى مقام والده، فلم يلبث والده أن نقله الله إلى جواره، فاجتمع الناس إلى السيد الصلاحي فتفوَّه بأقوال حاصله(1) أنه لا يستطيع الولايات ولا يستطيع الخروج عن طاعة الإمام، فهو يسأل من الله تعجيل رحلته، فلم يكن إلا نحو ثلاثة أيام، وقد قضى نحبه، ولقي ربه، وهؤلاء الثلاثة السادة كانوا عيون الزمان وإليَهم يلمح سيدي الصارم في مرثيته التي أوَّلها:
أرى بصري قد زاغ واستعظم الأمرا ... نعم قد أراه الله آيته الكبرى
تتابع ساداتٌ كرامٌ غطارفٌ ... جحاجحةٍ غرٌّ قد استوطنوا القبرا
وكانت وفاته - رحمه الله -(2) سنة ثماني وأربعين وألف بقلعة غمار من جبل رازح، وقبر بالقبَّة التي فيها السادة الأجلاء - رحمهم الله - السيد أحمد بن لقمان والسيد أحمد بن المهدي، ورثاه جماعات كالعلامة المطهر بن علي بقصيدة فاضلة لم يحضرني منها إلا هذا القدر:-
مصاب جل في كل النواحي ... فلم يملك به غير النواحِ
ورزءٌ فتَّ أفئدة البرايا ... ولا سيما قلوب ذوي الصلاحِ
/205/
أردنا أن نكتمه احتساباً ... فلاحَ لأهل حيَّ على الفلاحِ
هي الأيام تخفض كل عالٍ ... وتلطم بالمسا وَجْهَ الصباحِ
شغلنا عن مصاب أبي صلاحٍ ... بموت أبي محمد الصلاحي
فتى فات(3) الورَى علماً وحلماً ... وأشجع من مشَى يوم الكفاحِ
__________
(1) لعلها: حاصلها.
(2) بياض في (أ)، (ب).
(3) لعلها: فاق.
وهي طويلة، ونسج على منوالها العلامة المحقق القاضي محمد بن عيسى بن شجاع الشقيقي - بقافين - التهامي، ورثاه أبو القاسم المصري فأجاد كثيراً، وأمّا السادة فناحوا عليه بما يلين الصخر وما ينسي بما قالته الخنساء في صخر، وللسيد الصارم مرثية، وللسيد الهادي بن إبراهيم بن عبد النبي أخرى، وللسيد صلاح الدين صلاح بن أحمد أكثر من قصيدة.
قلت: ومن شعر السيد الصلاحي - رحمه الله، وأعاد من بركته -.
حسبي بسنَّة أحمد متمسكاً ... عن كل قول ٍفي الجدال ملفقِ
أو ردْ أدلتها على أهل الهوى ... إن شئت أن تلهوا بلحيَة أحمقِ
واتركْ مقالاً حادثاً متجدداً ... من مُحْدِثٍ متشدقٍ متفهقِ
ودع اللطيف وما به قد لفقوا ... فهوَ الكثيف لدى الخبير المتقي
ودع الملقب حكمَة فحكيمه ... أبداً إلى طرق الضلالة يرتقي
قد جاء عن خير البريَّة أحمد ... إن البلاءَ موكَّلٌ بالمنطقِ
والله ما كان الجدال بعصره ... لا في رُبا بدرٍ ولا في الخندقِ
ما كان إلا سنةٌ نبويةٌ ... عن صادقٍ في قوله ومصدقِ
ووميض برق سيوفه في جيشه ... يهمي من الأعداء ماء المفرقِ
قامت شريعته بكل مذلقٍ ... ذرت شباه لا يذل (منمقِ)
صلى عليه الله ما برق شرى ... أو ما شدت ورق بغصن مورقِ
قلت: وعلى ذكر هذا الشعر إذكر ما قاله السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزيري يخاطب بعض الراغبين لقراءة المنطق(1):
يا طالب العلم والتحقيق في الدينِ ... والبحث عن كل مخزون ومكنونِ(2)
أهلاً وسهلاً عسى من رام تبصرةً ... مني وهدياً إلى الخيرات يهديني
لكن أطعني وأنصف في الدليل معي ... فمن يقلد فيه لا يوَاتيني
أُمِرْتَ أن تطلبَ الدينَ الحنيفَ ولو ... بالصينِ أو بالأقاصي من فلسطينِ
والعلم عقل ونقل ليس غيرهما ... والعقل فيك وليس العقل في الصينِ
وفي حديث بن عمرانٍ لنا عبرٌ ... فانظر إلى شأن موسى صنو هارونِ
__________
(1) في (ب): فقال.
(2) في (ب): مكنون ومخزون.
من رام سعياً إلى معقوله حقباً ... فعنده العقل بل عند الشياطينِ
بل رام مكنون علم ليس يدركه ... فهم العقول بمعلوم البراهينِ
مواهب من يقينٍ غير ممكنة ... للخلق يهجم في يُسرٍ وتهوينِ
وواردات من الإيمان ليس تطيـ ... ـق النفس حجر هدى منها وتبيين
/206/
يكون عند وقوع الخارقات وعنـ ... ـد الفكر فيها وبالإخباتِ واللينِ
وبالتضرُّعِ عن ذلٍ ومسكنةٍ ... يمكنُ العبدُ منها أيَّ تمكينِ
وانظر كلام عليٍّ في وصيته ... ريحانة المصطفى خير الرَّياحينِ
به اطمأنَّ خليلُ الله حين دعا الـ ... ـموتى فأحيا له الأطيار في الحينِ
ومؤثر الحق أغناهم بغير غنى ... ثعبان موسى المبين(1) في الفراقين
وقوم عيسى أرادوا منه مائدةً ... ليطمئنوا بها لا وضع قانونِ
وقوم أحمد لمَّا جاء ذكرهمُ ... أعيت طوائنه عن ظل المساكينِ(2)
ولم يجبهم أمين الله مكتفياً ... به إذا لم يكن فيهم بمأمونِ
وأم موسى اطمأنت حيثما طرحت ... في اليم موسى بوحيٍ غير تخمينِ
ومريم حين جاء الروح في مثل ... لها بسرٍ من الرحمن مكنونِ
وقومها حين لاموها فبرَّأها ... في المهد أيُّ مزكى الذات ميمونِ
وفتية الكهف قد نص الإله لنا ... حديثهم وأحاديث الميامينِ
هذي الخصائص والمعقول نعمته ... مبذولة بين مهدي ومفتونِ
فواضح العقل معروفٌ وغامضه ... مواقف ومحارات لذي الدينِ
وكيف يهدي لي اليونانُ علمهمُ ... لاهتدي وهمُ في دينهم دوني
لو كان يعصم لم يكفر مصنفه ... ولم يكن أهله روس الملاعينِ
أو كان جاهله في الدين محتقراً ... لكان خير البرايا في المعانين(3)
أو كان أفلاط في أعلى الذرا شرفاً ... والفيلسوف ابن سينا غير مغبونِ
قليت ذا العلم من بعد الرسوخ به ... واعتضت بالذكر منه غير محزونِ
ما فيه إلا عباراتٌ مزخرفةٌ ... أبادهن ابن حزم بالتبايينِ
__________
(1) في (ب): المثنى.
(2) كذا في (أ) و (ب).
(3) المغابين. ظ
كم من فتى منطقي الذكر ما خطري(1) ... بالبال منه اصطلاحات القوانينِ
وكم فتىً منطقي كافر نجس ... كالكلب بل هو شر منه في الهونِ
يدري وساوس أهل الكفر متقنةً ... فهماً ويسخر من طه ويسينِ
لذلك الرسل لم يعنوا بذاك إلى ... محمدٍ من سليل الماء والطينِ
بل اكتفوا بالذي فينا مع نظرٍ ... سهلٍ بغير شيوخٍ كالأساطين(2)ِ
مع اعتراض شياطين الكلام لهم ... وشهرة الطعن في كل الأحايينِ
فاطلب معي علم خير الرسل إنَّ به ... دواء داءين مكشوفٍ ومدفونِ
علومه استغرقتني ليس بي سعة ... لغيرها وبها فرضي ومسنوني
ففي أسانيدها تأسيس معرفتي ... من علم جرحٍ وتوثيق وتليين
/207/
وفي المتون التي صحت بلا عللٍ ... دواء داءٍ وفيها الفقه في الدينِ
وفي الشواهد والأسماء تكملةٌ ... وفي الغريب وفي شرح الدواوينِ
هناك عقلي يهديني إلى طرقٍ ... في الحق لا يهتديها كل مأفونِ
وأطرح الزيف والمنسوخ مجتنباً ... للحيف هذا في ديني قوانيني
وإن أردت سواها لم أزدك وإن ... أردتها كنت دون الناس تعنيني
هذا واختم بأبياتي بقول فتى ... يزين شعري ختاماً آيّ تزيينِ
إن اشتغلت بعلم الناس أحرسه ... عمري فذلك شيء لا يواتيني
وإن رجعت على علمي لأحرسه ... فطالب العلم يمضي ليس يأتيني
ثم الصلاة على أعلى الورَى شرفاً ... في العلم والعقل والأخلاق والدينِ
قلت: وقد أحببت نقل هذا الشعر؛ لأنه مما يليق بالكتاب إذ هو من أخبار الناس، وهو بمثل هذا المحل يليق، وقوله: قليت ذا العلم من بعد الرسوخ به، هو كما قال قد زاحم فيه أربابه وأرسخ في أرضه أطنابه، وبعد ذلك صنف كتباً فيها كما قال: قل سفه الفلاسفة ونحوه، وقوله:
لذلك الرسل لم يعنوا بذاك إلى ... محمد من سليل الماء والطين
__________
(1) لعلها: خطرت.
(2) الأساطين: الأسطونة بالضم: السارية، مُعَرَّب، وقوائم الدابة، وأساطينُ مُسَطَّنَةٌ: موطدة. (القاموس المحيط، ص1111).
هو كما قال: واذكرني ذلك بما أملاه شيخنا الوجيه عبد الرحمن الحيمي، قال: ذاكرت السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي فرأيته نادرة في الفهم وسرعة الانتقال، فلما ذاكرته في فضائل المنطق، قال: إذاً علم الأنبياء وأصحابهم قاصر لعدم العاصم، ونحن أثبت منهم، قال: ثم رأيت هذا البحث للفخر الرازي، وقد أجاب عنه لكنني أحسب ابن الخطيب لم يحل ذلك إلا بعد نحو شهر، هذا كلامه، وقد أوسع الناس في الكلام على حسن هذا العلم، وقبحه، وناهيك بذلك وصمةً حيث التردد حاصل بين الحسن والقبح، مع العلم بأنه ناشئ في الإسلام في زمان المأمون بعد رسوخ الحق، وهو مع ذلك من صناعة اليونان، قالوا إنه لمَّا أراد والي المأمون إخراجه من خزائن اليونان إلى الديار الإسلامية صعب عليهم، فقال منهم قائل: دعوهم يخرجوه فإنه ما دخل ملة إلا فرق أهلها، وقد استوفى(1) في الكلام على هذا بن الصلاح والنووي والقزويني والجلال الأسيوطي، وعد بتصنيف كتاب في أسماء من حرَّمه وأئمتنا الجلّ منهم يحرمون قراءته، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): وقد استوفى.
صلاح بن داهم المرهبي [ - ق 10 ه ]
الفقيه الماجد فخر الكتاب أوحد المؤرخين صلاح بن داهم المرهبي(1)، كان عالماً كبيراً متبحراً في أنواعٍ من العلم واشتهر منها بالنجوم حتى يظن بعض الناس أنه محصوله من العلم، وليس كذلك إلا أنه شرع في هذا العلم وحقق، وما يلحق به من العلوم الزيارج وغيرها، وكان له خط مشهور بالجودة، ووضع تاريخاً لأيَّامه، ولعله لم يتم لأنا لم نعرف منه إلا كراريس، وهي لأيام(2) المتوكل على الله يحيى شرف الدين - عليه السلام- خاصّة جعله على الأيام، وكان من أعيان الوقت، وقد أثنى عليه السيد عيسى بن لطف الله وغيره من المطلعين /208/ على التاريخ، وله شعر من ذلك ما كتبه عقيب ما كمل به السيد فخر الإسلام عبد الله بن الإمام شرف الدين - عليهما السلام- لقصيدة والده وهي الوسيلة التي منها:
فإنك ملجانا وفيك رجاؤنا ... وفيك لنا ما نرتجي ونرومُ
فقال الفقيه صلاح الدين:
لكم(3) شمس نصر أشرقت بعدما دجى ... من اليأس ليل قبل ذاك يهيمُ
وكم أضرم الباغون ناراً لحربنا ... فحاق بهم منا لظىً وجحيمُ
وكم فتحوا باباً لشرٍ وفتنة ... فرُدُّوا بغيظ(4) خائبين ضيموا
وكان بذاك الفتح من فضل ربنا ... لنا جُلَّ فتحٍ من لديه جسيمُ
وأعقَب بعد العسر يسراً(5) وراحةً ... ونصر وتمكين تلاه عظيمُ
كفانا تعالى قبل ما قد أهمنا ... ونرجوه في الحالين فهو كريمُ
فراجُوه صدقاً لا يخيب رجاؤهم ... لدَيه ومن لم يرج فهو رجيم
فيا رب يا ربَّاه يا رب إننا ... رجوناك فارحمنا فأنت رحيمُ
توفي - رحمه الله - في …(6)
__________
(1) في (ب): صلاح بن داود بن علي بن داعر المرهبي.
(2) زيادة في (ب): الإمام.
(3) في (ب): بكم.
(4) في (ب): بغيضٍ.
(5) في (ب): يسرٌ وراحة.
(6) في (ب): بياض في الأم.
صلاح بن عبد الخالق بن يحيى بن جحاف [ - 1053 ه ]
السيد اللسان، العالم المحقق العابد المتأله، البليغ الحاوي لغرائب الخصال، صلاح بن عبد الخالق بن يحيى بن الهدى(1) بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن عليان بن الحسن بن محمد بن الحسين بن جحَّاف - رضي الله عنه - هو السيِّد الجليل حسنة الأيام، وزينة الدنيا، الحاوي لكل غريب، والآتي بكل عجيب، وعلى تفنن واصفيه بوصفه يفنى الزمان، وفيه مالم يوصف. كان نادرة الوقت في جميع أنواع الخصال واتساعه للناس على أنواعهم واختلاف طباعهم، فأمَّا العلماء فهو صاحب البيت ولا غرو أنْ يألفهم ويألفوه، فكان مدرساً في العلوم، وكان وحيداً في علوم الأدب وأيام الناس، يذكر به الأوائل من الحفاظ ومفردات اللغة، قلَّما يوجد له نظير كما أخبرني بذلك شيوخ يعوَّل على نقلهم، وكان فقيهاً عارفاً بالفروع مرحولاً إليه، ومعولاً عليه، سيما في (البحر الزخار)، فهو أستاذه، وكان كثير الولوع به، وكان في علم الطريقة إماماً كاملاً، وشرح التكملة بشرح عظيم(2) مفيد يدُلّ على علو منزلته، وارتفاع فطنته، ولمَّا اطلع على هذا الشرح مولانا وحيد العلماء الحسين بن القاسم أثنى عليه ومدحه، ورأيت بخط السيد صلاح الدين - رضي الله عنه - كتاباً إلى شيخنا العلامة شمس الإسلام أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنه - فيه ما حاصله أنه صدر هذا الشرح لتطلعوا عليه، وتصفحوا ما فيه، وكأني بفلان يقول: كذا يلمح إلى عبارات من سيدنا العلامة علي بن سعيد الهبل - رحمه الله - يلاطفه بها، ثم قال: قد فرقت عليكم هذا الشرح وكلفتكم به ثم انثنى إلى ما يعتاد من ملاطفته، فقال: وعند التحقيق هو شرح مفيد قد أثنى عليه فلان، وذكر سيدي الحسين - رحمه الله تعالى - وكان سيدنا شمس الإسلام إذا ذكر هذا السيد الجليل ذكر(3)
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) هو نهاية الأفهام لمعاني تكملة الأحكام للإمام المهدي نصر بن يحيى المرتضى، قال الحبشي في مصادره: خ - جامع 206 تصوف.
(3) في (ب): روى.
عنه عجائب ونوادر وعلميَّات وأدبيات، هزليات وجديَّات، ويقول: أنا أعجب من ذلك الإنسان، يتسامح في مجلسه ويتواضع مع العامة، ويمر السوق لحاجته، ويقضي /209/ مهم أهله بنفسه، واضعاً للكبر متواضعاً متبذلاً في الثياب، ومع ذلك لا يزال قدره في علوٍ وسموٍ إذا دخل حضرة الإمام كان صدرها، قال: وكان يلاطف كل أحد بما يليق به، ويمزح المزح اللطيف، وكان سيدنا - قدس الله سره - من تلامذته، وأخذ عنه، وروى وما علمته توسَّع في الثناء على أحدٍ(1) ما توسع في الثناء عليه، ويحكى من لطائفه ما يشرح القلوب، ومضى - رحمه الله - على حال الزهد والتقشف والتكفف يكتب بقلمه بالأجرة على أنه لو أراد أن يأخذ من الدنيا بغير وزن فضلاً عن العدد لنال من الإمام المؤيَّد بالله والحسنين، ولم يكن له إلا خمسة أحرف من الإمام، ولا يطالب بغيرها، فإذا انقطعت راسل سيدنا - عادت بركاته - وعرف الإمام بعباراتٍ تهز الأعطاف متحفة، وكان الإمام لا يود فراقه، ولا يسمح إلا أن السيد - رضي الله عنه - كان لا يرضى بغير الخمُول والسكون في بلده بين أولاده على طريق قد راض نفسه عليها وعند التحقيق هي من أحسن الطرق وأسناها، فكان الإمام يطلبه عند المهمات لمشاورة وخوض فإذا اقضى الأمر الذي وصل له عزم ولا يبلغ الإمام التحيَّة إلا من أثناء الطريق فتكون تلك أحد(2) الطرق المقبولة، وكان الإمام - عليه السلام- إذا وصل أرسل بفراشه وما يحتاج إليه فإذا عزم السيد على ما وصفناه توصَّا(3) إلى الإمام: فراشكم، اقبضوه، وهذه من عباراته - رضي الله عنه - ولولا خوف الإطالة لكتبت من الحكايات ما يتزيَّن به التاريخ عند الأدباء، وكان له تلاوة ومواظبة على القرآن العظيم كليَّة، وتصميم على الحق وثبات عليه.
__________
(1) في (ب): إحدى.
(2) لعلها: إحدى.
(3) في (ب): نؤصى.
وكانت له رؤيا صادقة لا ريب أنها من الوحي وهي كثيرة جداً من ذلك ما كان يعجب به سيدنا - رحمه الله - قال: كنت كثيراً ما يدور في خلدي الإعتراض على أهل المذهب في انفرادهم بحيّ على خير العمل دون الفقهاء جميعهم، فرأيت الشيطان في المنام - نعوذ بالله منه - فذكرت فضيلة الأذان، وأنه عند تغوُّل الغيلان ينبغي الجهر بالأذان والإقامة، فأذنت فمكث الشيطان يتسمع ألفاظ الأذان حتى سمع حيَّ على خير العمل، ثم هرب وله ضراط. وغير هذه الرؤيا من المعجبات له - رحمه الله -.
وكان له شعر في الذروة العالية، وكان مكثراً في الحكمي والحميني، وكان يتجارى هو والفقيه(1) العارف محمد الرداعي، وكان الرداعي هذا من فصحاء الزمان وأدباء الوقت حافظاً للآداب، ومطلعاً على اللغة حتى قيل في حقه: إنه يحفظ صحاح الجوهري، وكان لا ينوب السيد صلاح الدين نائبة، قلَّت: أوجلت إلا وكتب إليه الفقيه منتهزاً للفرصة ويلمح بعبارات عجيبة من أنواع الحميني ومن الحكمي أيضاً، وكان لا يتفق مع الفقيه شيء إلا وانتهز(2) السيد - رحمه الله - الفرصة، وكان(3) لا يحتشمان في المجاراة الأدبية، بل يرخون العنان على طريقة الأدباء، وهكذا كان السيد - رضي الله عنه - على جلالة قدره يجاري بالملح الهزليات، ولا ينقص ذلك من قدره شيئاً، ولما اطلع سيدنا على شيء من أحوال ابن الخشاب النحوي قال في تبذله وعلمه: ما يشبه أحوال السيد وإن كان الأعداء قد نقلوا عن ابن الخشاب ما هو عنه بريء من الأدب الذي يستبعده العلماء.
/210/ وللسيد ديوان شعرٍ كامل جمعه ولده السيد الأديب عبد الخالق بن صلاح - رحمه الله -(4)، فمن ذلك ما كتبه في مدح مصحفه الكريم:
حبّذا مصحفي الذي اجتمعت لي ... فيه كل الشرائط المعجباتِ
عرضي المحاسنِ انضمَّ فيه ... باعتدالٍ إلى الجمالِ الذاتي
__________
(1) في (ب): والأديب.
(2) في (ب): وانتهض. أو انتهز ظن في (ب) أيضاً.
(3) لعلها: وكانا.
(4) في (ب) زيادة: تعالى.
فبه معجز العناية خطاً ... ونقوشاً ومعجز الآياتِ
وبه جُلّة المشائخ والقر ... اءة وأهل الخلاف في الحركاتِ
مثل قالون والإمام أبي عمـ ... ـرو وحفصٍ وحمزة الزيَّاتِ
وبه الوقف والإمالة والإخـ ... ـفا وحكم التسهيل للهمزاتِ
وعشور منبثة كزهورٍ ... في رياضٍ أنيقة غدقاتِ
فبه للقلب والسمع واللحـ ... ـظ ضروب شتى من الشهواتِ
فهو مما اصطنعتُ حقاً لنفسي ... أبتغي منه أقربَ القرباتِ
وهو لا شك روضتي وغديري ... فيه حقاً تكاملت لذاتي
وهو أنسي إذا عدمت أنيسي ... وسميري الشهي في خلواتي
وشفيعي إلى الإله وجيهاً ... في الذي أبتغيه من حاجاتي
وهو فوز أرجوه في اللحد ينجا ... ب به عنه موحش الظلمات
وأمامي يوم المعاد وذخري ... في حياتي الدنيا وبعد مماتي
ومن ملحه ما كتبه عقيب فراغه من كتابه ترجمة الحسين بن حجاج الأديب في كتاب اليتيمة للثعالبي:
الحمد لله تخلَّصت من ... حنث مقالات ابن حجاج
غسلت أقلامي ومن ليفتي ... عصرت ماء العفص والزاج
كنيف سوق من يرد حوضه ... لم يك مما فيه بالناجي
ما كان للناس إلى غيره ... في شعراء العصر من حاجي
وله قصائد غر يشحذ بها العزائم أيام الجهاد وأثارت وأثرت، من ذلك إلى سلاطين الإسلام أولاد القاسم المنصور، وإلى الأمراء كالأمير الحسين بن محمد بن الناصر شعر يفوق أشعار العصر وما قبله، وكمل قصيدة السيد الهادي بن إبراهيم الوزيري التي بنى عليها كتابه (نهاية التنويه) وذلك بإشارة سيدنا شمس الإسلام والتكملة الطويلة لسيدنا كما ذكرناها في ترجمته - رحمه الله تعالى - ومما حضرني عند الرقم ما كتبه إلى سلطاني المسلمين الحسنين، وهما بحدة حاصران لصنعاء وملوك الأروام بها ولم أنقلها اختياراً فكل شعره مختار إلا أنها حضرت عند الرقم:
بالصبر حيث ترى الأبطال تنهزمُ ... يستوجب الذكر بين الناس والكرمُ
وما يبيِّنُ َمقدار الرجال سوى ... وقائعٌ شبن من أهوالها اللممُ
كم مدَّعٍ رُتبةَ الإقدامِ ما ثبتتْ ... له مع صاربي(1) هام العُدا قدمُ
/211/
لو لم يرض في ميادين الوقائع لم ... يسكت له عن دعاوى المقدمين فَمُ
وقائد الجيش من لم يثنه مَلَلٌ ... عن المصاع ولم يعلق به سَأَمُ
ولم يهيجه ذِكْرٌ للنمارقِ في ... أعلى العلالي ولا الأطفال والخدمُ
ولا يخير أصناف المطاعم والـ ... ـلذات حيث ينال الناس ما احتكموا
سمت به نفسه عن قود شهوته ... ورفعته ولم تقعد به الهممُ
ولم يزل بأقاصي كل ناحيةٍ ... يشبّ ناراً على الأعداءِ تضطرمُ
ما سار في أرضهم جيش إلى بلدٍ ... فطنبت لهمُ في سوحهم خيمُ
إلا أزارهمُ(2) الجيش اللهام فأضحـ ... ـى وهو في لهواتٍ منه ملتهمُ
كالضيغم الحسن الضرغام من حسنت ... منه المآثر والأخلاق والشيمُ
ليث الوقائع محمود الصنائع مر ... هوب الروائح أمَّا تلتقي البهمُ
وكالحسين أخيه من به فخرت ... على ذوي جنسها المران والخدمُ
الطاعني كل قرنٍ في الهياج وشخـ ... ـص الموت يسفر أحياناً ويلتثمُ
والضاربي هامَهم والخيل واقفة ... خوف الطعان وموج الموت يلتطمُ
جيشاهما بهما إن حاربوا اعتصموا ... وكل ملكٍ بدفع الجيش يعصتمُ
هما استلانا الدلاص الزعف سابغة ... وما يناسبهما في مثلهم أدُمُ
هما استخفَّا ثقيلان(3) الترائك إذ ... لم يقدر البيض من أمثالهم قممُ
وأفحما الخيل إذ يثني مقدمها ... يوم الكريهة حر الطعن لا اللجمُ
حتى إذا ما صفا شرق البلاد لهم ... وغربها وأطاع العرب والعجمُ
تيمما شطر صنعاء المدينة قد ... غصت بجيشهمُ الغيظان والأكمُ
حتى استدارت بصنعاء جيوشهم ... تتلوهم أممٌ من خلفها أممُ
وصار في حدَّة الغنَّا معسكرهم ... وهي التي كسواد العين يحترمُ
ما دار في أمَلٍ غشيان تربتها ... ولا يُمثِّله في الرقدة الحلمُ
رعى مصُون حماها كل ذي قدمٍ ... تسعى وغاب بها المخدوم والخدمُ
__________
(1) في (ب): صارمى.
(2) في (ب): أزارهم.
(3) في (ب): ثقيلات.
تلك البقاع التي كانت ممنعة ... يحيل موثقهن الأعبد القزمُ(1)
مرانة لخيول المسلمين وقد ... كانت ترن بها الأوتَار والنغمُ
أبلغ إلى حيدرٍ مني مُغَلغلة ... وإن تمادى به من طائفٍ لممُ
وقل أطل دم أهراقها سفهاً ... أم مسَّه من تعاطي سفكه ندمُ
أم صبَّحته الجياد الجرد حاملة ... أسداً لها لِدَم في قلبها قدمُ
زارته في عقر صنعاء تبتغي ترة ... وخير من يطلب الأوتار مغتشمُ
طافت بصنعاء فانسدَّت مسالكها ... وضاق منها خناق الخلو والكظمُ
أين المفر إذا ما كنت تطلبه ... والبحر لا أمم والبر لا أممُ
/212/
إن كان ألهتك صنعاء إذ رتعت بها ... كما تُسام بلا عقلٍ لها النعمُ
فأنشدن(2) ما تقول العرب في مثل ... وأين من مثلك التمييز والفهمُ
لا حبَّذا أنت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوَى مني ولا نقمُ
ولا يحاول قتالاً كان حاصله ... عليك لا لك لا يذهب بك الصممُ
لا يفسدن نية التقيا عليك فقد ... حلَّت بسوحك فاستسلم لها نقمُ
لو أنت سالمت أو أبقيت لانقشعت ... عنك الصواعق وانهلت لك الديمُ
لكنه من أراد الله فتنته ... فليس يملك منه البرء والسقمُ
يا سادة زين مدح المادحين بهم ... بمدحهم يُبتدا شعري ويختتمُ
ليهنكم وافد العيد الشهيد بأن المجد(3) ... والفضل ما بين الورى لكمُ
وأنكم قد صدقتم في عهودكمُ ... حقاً وبرّ لكم من خلفكم قسمُ
رددتم عهد صفين فبينكم الـ ... ـمر قال والأشتر القوم الذين همُ
فمنهمُ من قضى نحباً فقد ربحوا ... وفي رياض جنان الخلد قد نعمُوا
ومنهمُ ناظرٍ باقٍ فما وهنوا ... لما أصاب ولا بانوا ولا سئمُوا
فكل كفٍّ تقي يستمد لكم ... نصراً إذا ما توارى شخصُها الظلمُ
وكل خاطب قوم فوق منبره ... فشطر خطبته في نصر جيشكمُ
حماكم الله ما غنَّت مطوقة ... وما مشت في الفلا الوخادة الرسمُ
__________
(1) في (ب): الأعبد القوم.
(2) لعلها: فأنشدت.
(3) في (ب): الأجر. نخ
وهذه أرجوزة أجاب بها سيدنا العلامة الناصر بن عبد الحفيظ المهلاَّ - حفظه الله - وهو أحد العلماء العاملين محقق كامل بليغ، قد صنف في العلوم ووضع للزيدية كثرهم الله طبقات، وأحضر الياقوت المعظم، وصنف في علم القراءة (المحرر) و(المقرر) وغير هذا، وقرأت عليه كثيراً من المصحف بروايتي قالون وورش ووضع لي أرجوزة أولها:
سألتني يابن أبي الرجالِ ... يا سامياً في رتب المعالي(1)
وأنت في هذا السؤال عندي ... كسائل كيف طريق نجدي
أهل طويل ذاك أم قصيرُ ... تَعَلُّلاً وهو بها خبيرُ
حتى قال:
قد كنت ألّفت لها المقررا ... ثم اختصرت بعده المحررا
وأخذ على هذا الأسلوب، وهو من أنبل العلماء وأحسنهم طريقة وسماحة وتواضعاً واطلاعاً على العلوم، وسيأتي ذكر والده عبد الحفيظ - إن شاء الله - وسبب الأرجوزة الواصلة من سيدنا ضياء الدين إلى السيد صلاح الدين أنه اجتمع السيد صلاح الدين بالسيد الرئيس أحمد بن صلاح بن الهادي والي جازان في الشجعة من الشرف عند موت السيد التقي ابن إبراهيم - رحمه الله - في سلخ صفر سنة خمسين وألف فوصف السيد أحمد للسيد صلاح سمكة قذفها البحر إلى موضع قريب من جازان من عجائب الوجود، فطلب السيد صلاح من السيد أحمد زيادة وصف السمكة فأمر سيدنا حسام الدين - عافاه الله - فكتب هذه الأرجوزة عنه:
/213/
الحمد لله على نعمائهِ ... حمداً على السابغ من آلائه
نسأله المزيد من إنعامهِ ... وأفضل الصلاة مع سلامهِ
على النبي المصطفى وآله ... سفن النجاة التابعي مقاله
ما سارت السفن على البحارِ ... وكور الليل على النهارِ
وبعد وافانا كتاب معجز(2) ... من ابن من له الكتاب معجز
وروده لمثلنا صلاحُ ... وكيف لا يفيدنا صلاحُ
وبحره من الأنام تغترف ... وفضله به الجميع يعترف
من ذا يحيط كابن عبد الخالقِ ... بما حواه البحر من دقائقِ
__________
(1) في (ب): الكمال.
(2) تمامه في (ب): من ابن من له الكتاب معجز.
تضمن السؤال عن شيء عجب ... أُلقي في الساحل في شهر رجب
في عام تسع بعد أربعينَ ... وبعد ألف قد مضت سنينَ
في دولة المولى الإمام الأعظمِ ... محمد نجل الإمام القاسمِ
وقلت صف فلي على الوصف حجج ... حدث عن البحر فما فيه حرج
نعم فقد أصبح في الغشيمة ... ما رأسه في الشكل مثل الخيمة
وهذه الدابة ذات الشحمِ ... كأنها مثل الكثيب الضخمِ
وطولها خمسون بالذراعِ ... وخمسة والعرض ذو اتساعِ
أما ارتفاعها فقدر تسعة ... وطول عظم كل لحي سبعة
كأنه في جرمه دعامة ... وقس على اللحى اتساع الهامة
وإنه لخمسة قد يثقلُ ... ودونهم للحيها لم ينقلوا
وعينها تدويرها ذراعين ... شاهدت ما أخبرت عنه بالعين
وقلت لي كيف فقار الظهرِ ... فقلت قدر العظم مثل الصخرِ
لسانها يشبه طرف العظبِ ... وذاك عن جرمٍ كبير ينبي
وكل ضلع طوله كاللحي ... وذا من الأوصاف بعض الشيء
قد اكتفيت فيه بالإشارة ... عن كله قد تقصر العبارة
وما رواه الحبر عن ذي البحر(1) ... في السمك المنبوذ عند البحر
وليس بحر الشام قد عرفتم ... بأنه البحر الذي ذكرتم
وما أتى في مثله عن جابرِ ... من أكله وسيفه المسافرِ
فذاك ممن قد عرفت أكبر ... ولحمه من لحم هذا أكثر
لأن وقب عينه كبيرُ ... ودهنه متسع غزيرُ
وضلعه من تحته مَرُّ جَمَلْ ... وفوقه فتى طويلاً قد حمل
وقد روى لنا الفقيه يوسف ... بأنه مثل الكثيب يوصف
ذاك الكثيب الضخم في الرواية ... والشهر للأكل رواه الغاية
لا مثل ما أوردت نصف شهرِ ... ثم أتوا إلى النبي الطهرِ
وقد رواه حجة للشافعي ... فخذ بتوجيه مفيد نافعِ
فأكلهم إن كان للضرورة ... كما روي في القصة المشهورة
ما أكل المختار من باقيهِ ... كلا ولا أدخله في فيهِ
وإن يكن ذلك ليس طافيا ... فبينوا لنا بياناً شافياً
وما الذي عليه في هذا البنا ... ومن بدا وجهه من صحبنا
[فبينوا توجهه تفضلاً ... وأحسنوا وبادروا تطولا](2)
__________
(1) لعلها: الحبر.
(2) سقط من (أ).
ووإن عرفتم طوله والعرضا ... ذكرتم من وصف ذاك بعضا
فإن فيه عبرة للسامعِ ... بها يزيد شكره للصانعِ
فأجابه السيد - رحمه الله -:
أهلاً بما وافى به النظامُ ... يخجل منه البدر التوامُ
من المعاني الغضَّة المبتكرة ... وجل أنواع البديع العطرة
تورية فيه وفيه إبهام ... إلى اقتباس أدركته الأفهام
وفيه نظم النثر وهو متعب ... إن لم (يلكه) مفلق مجرب
واللفظ فيه تابع للمعنى ... لا العكس فهو ساقط وأدنى
بَرَّزَ فيه الناظم المنطيق ... وجاء في النظم بما يليق
فاق على مستعملي اليراعة ... في جودة الخط وفي البراعة
آنق فاستعبد ذوق الذائقِ ... /214/ جاء بمثل الزهر في الحدائقِ
والزهر في جنح الظلام الغاسق ... أحسن من ذكر (اللوى) وبارق
أحكم وصف النون في نظامه ... بما يفوق الورد في أكمامه
بغير تعقيد ولا تكلف ... وغير تقعير ولا تعنف
فراقنا أكثر مما فيهِ ... من عجب البحر الذي يكفيهِ
أشبه زين الدين بن الوردي ... إذا غمصوا(1) كماله بجحدِ
فقال في المكتوب هذا ما اشترا ... محمد بن أحمد بن شنقرا
وكلها معروفة بين الورى ... فلا يرى أعجب منها محضرا
وذا لعمر الناظم الأديبِ ... لقد أتى بالعجب العجيبِ
لله من أنابه منابه ... لقد تحرَّى موضع الإصابة
واستكمل الوصف الذي يريده ... (2)
وكان قصدي بحديث جابر ... تصديقه والردع للمكابر
ثم أردت أنني أستوضح ... ذاك المقال في كلام يفصح
وأن يتم باقيَ الحكاية ... فإن فيها للإله آية
وما طمعت أن يكون نظماً ... ولم أحط بما هناك علماً
وكم خبايا قيل في الزوايا ... ممن حوى الفضل على البرايا
أحيت بما أهديت لي يا أحمدُ ... غار له الياقوت والزبرجدُ
ومثله في دفتر يجلدُ ... إذا قراه القارئون وحدوا
وقد ذكرت أن فيه حجَّة ... للشافعيِّ تشبه المحجة
وإنما قيل من التأويلِ ... ليس بشافٍ قط للغليلِ
وظاهر السنة والتنزيلِ ... يقضي له بواضح الدليلِ
__________
(1) في (ب): غمضوا.
(2) فراغ في (أ) و (ب).
وإنني أوجدك الانصافا ... لتستبين بعده الخلافا
فإنني عن ذا المقام قاصر ... وليس لي سهم اجتهاد قامر
لكنني أنفق مما عندي ... والله للقول الصواب يهدي
أقول ذا فعلٌ وللأفعالِ ... محتملات ليس كالأقوالِ
وعلة في أول الإسلامِ ... وكان قد وسع للأنامِ
وبعد جاء الشرع بالتشديدِ ... بنص كل عالم مفيدِ
والحل تعميم له تخصيصُ ... جاء عن الطهر به تنصيصُ
فمنه قول حيدرٍ في الطافي ... ولم يكن بدٌ من الإيقافِ
له على هذا فلا اجتهادُ ... ما مثل ذا عن نظر يفادُ
وانظر إلى ما خص معنى لا أجد ... مع عموم النفي من حصر وجد
كمثل ذي ناب وذي مخالب ... ومثل ما صف فلا تكاذب
فمثل جري وما رِما هي ... مستخبث من جملة المناهي
والسمك الأبيض ذو الفلوسِ ... يلذ عند الأكل للنفوسِ
والعلماء كلهم مصيبُ ... بعد اجتهاد ولهم ترتيبُ
من الصواب البعض لا الإصابة ... هذا الذي أحسن في الإجابة
والله بالقول الصواب أعلم ... وفوق ذي العلم عليم يعلم
قلت: ومن ملحه - قدس الله سره - أن العلامة الفقيه الأديب محمد الرداعي كان يتعلق بكتابه الكتاب المعروف (بكتاب العصا) ويهديه إلى الرؤساء من الأصحاب، فكتب إليه السيد - رحمه الله تعالى -.
أفشيت في الأرض كتاب العصا ... ففات في الكثرة عد الحصا
ما زلت تستجدي به دائماً ... ممن دنا منك وممن قصا
حتى غدا فخاً لقبض الذي ... أمثاله بالفخ لم يقنصا
إن الذي حن إلى مرقص ... كطالب في رأسه (مروصا)(1)
/215/
لا يكتم(2) الأمر على عارفٍ ... فالحال أن الحق قد حصحصا
ولا تهن عرضك بل أخلص الـ ... ـود فخير الناس من أخلصا
وصون عرض المرء قد قيل من ... أفضل ما ظن به فانتصا
ورحمة الله على آدم ... رحمة من عم ومن خصصا
لو كان يدري أنه خارج ... مثلك من أولاده لاختصى
فأجاب عليه:
أعني عليك النظم لا بل عصا ... فقلت لما عَنَّ واستوعصا(3)
__________
(1) مروصاً: لم أجدها في القاموس.
(2) في (ب): لا تكتم.
(3) في (ب): واستعوصا.
إنك روح الله عيسى الذي ... أحيا به الأكمه والأبرصا
نبوة منك على فترةٍ ... مات بها الفضل وحي العصا
إرهاصها شيء بلا موجب ... يا من غدا بالسب مستنقصا
خرجت بالزنبيل حمّلته ... لا تجداً(1) عن حمله مخلصا
وكل دهرٍ أنت من رفده ... فذاك دهر قالصاً (مهجصا)
ورحمة الله على آدم ... رحمة من عم ومن خصصا
توفي في الثلث الأخير من ليلة الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى عام ثلاثة وخمسين وألف ببلدة حبور(2).
__________
(1) لعل الصواب: تجدنْ.
(2) في (ب): اتفق موته وموت السيد الحسين بن علي في ليلة واحدة، ووقت واحد وعام واحد، فسبحان من لا يزول ملكه. انتهى
صلاح بن عبد الله بن علي الشجري الحضاري [ - ]
السيد العلامة الأديب المنطيق صلاح بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن يحيى بن القاسم بن محمد بن إدريس بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبدالله سراج الدين الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي بن محمد بن حفيد بن عبدالرحمن الشجري بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - نسبه إلى الإمام سراج الدين الحاضري، نسبه إلى بيت حاضر من بادية صنعاء، كان ممن ألِيْنَ له من الكلام شديده، وقرب له من جميع أنواعه بعيده، وكان عالماً بالآداب لَسِناً فصيحاً، يروي عن الخاصة والعامة لطائف الكلام وملح النوادر مع وقار ووقوف على مقتضيات الأحوال، إنما يورد اللطائف عند أهلها ويخفي على العامة، كقوله في يوم عيدٍ اشتدَّ برده: هذا يوم برد وسلام، وقد اتفقت اللطيفة لغيره وهي موضوعة على طرف التمام، غير محجوب عنها أحد يمكن من باشقها وصقرها كالسيد - رحمه الله - وكقوله وقد دعاه رجل يسمى(1) بالقعود فلما آذن مجلس الضيافة بالتمام، وكان الجماعة من أهل الأدب قال: الفاتحة بنية القعود أن الله يجمّله ويرعاه، ففهمها الأديب وارتاح لها، وذلك دعاء للقعود أن يجمله الله أي يصيره جملاً ويرعاه من الرعي، والمعنى الآخر ظاهر، وكقوله لمولانا ضياء الإسلام إسماعيل بن إبراهيم بن جحاف وكان يتردد إلى الجامع بصنعاء لقراءة رسالة السمرقندي في الاستعارة على الشيخ العلامة عبد الرحمن الحيمي، فاتفق به السيد صلاح(2) وقال: كثر ترددكم إلى الجامع، فقال: معنا قراءة في علم المعاني على شيخنا فلان في الجامع، فقال بديهة: لا بأس فإن لصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى معرفة الجامع. وكقوله لما قال بعض النواصب: علم أهل البيت - عليهم السلام- لا يوقر حمار، فقال: (وكّف /216/ ظهرك).
__________
(1) في (ب): يُعرف.
(2) في (ب): الدين.
وهذه من محاسن الأجوبة، ومعنى وكِّفْ: أي اجعله مهيئاً وكأنه أخذ من الأكاف الذي يوضع على الحمار، وكان لا يفارق السيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي ولا يزال يستمري سحائب علمه، وكانا زينة لمحافل العلم شيخين من آل محمد، وإذا خرج السيد محمد من الجامع تقدَّمه السيد صلاح الدين وقدَّم له نعاله في بعض الأيام إجلالاً(1) للسيد محمد، وهو حريٌّ بذلك، ومن لطائفه في حضرته أنه كان السيد محمد يكتب شيئاً من الورق بقواعد أهل المحاضر، فأمر الشهود أن يشهدوا وطلبوا أمراً كما يقول أهل علم المحاضر مذاكير ونحو هذه العبارة، يعني أن الشهود يحتاجون لأمر غريب يذكرهم فمرّ في الجامع رجل مسلوب العقل قد تعرَّا عن ثيابه وانكشفت عورته، فقال بعض الحاضرين: إنا لنحتاج أمراً نتذكر به مجلس الشهادة، فقال السيد: هذه المذاكير وأشار إلى المعتوه المذكور، وكان السيد يتوسط في الإصلاح بين الإمام والباشا رئيس الأروام، وله قصائد حسنى ومدائح وإخوانيات، ومن شعره:
لوكان يرجى لليل الوصل طول بقا ... أمددته بسواد القلب والبصرِ
وكان ليل اللقا والهجر منعكساً ... فالطول للوصل والهجران للقصرِ
قلت: والبيت الأخير يتحصل معناه من غير تكلف للقلب. ومن شعره في بعض كتب سادات العترة:
فصول بأجناد(2) العلوم تزينت ... أئمتنا فيها الوسائط في السلكِ
إذا ذكرت أوطان ناظم سلكها ... تقول بحور السحب وجداً: قفا نبك
توفي - رحمه الله - في ……(3) ودفن بجربة الروض يماني صنعاء بين المنارتين، وقبره مشهور، وينبغي ذكر السبب لما يعتمده أهل صنعاء من الدفن بين المنارتين، يعني منارتي الجامع، فإنهم يعتمدون أن يسامتوا بينهما.
__________
(1) في (ب): إجلالاً للسيد.
(2) في (ب): بأجياد.
(3) فراغ في النسختين.
قال مولانا السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي - رحمه الله -: إن ذلك طلب منهم للقبلة المنصوص عليها من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فإن المنارتين من الجهة التي اتفق فهم من أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - فإنها هي القبلة لمن بصنعاء، وذلك لما رواه ابن هشام في السيرة أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر ببناء جامع صنعاء بين الحجر الململم وبين غمدان، وهذا الحجر باقٍ، قال يحيى حميد بعد أن ذكر ما نقلته عن ابن هشام: وأن الحجر المذكور في الصرح الغربي مغروز في الأرض مقضض عليه وغمدان هو الذي فيه الجزّارون - يعني بالجيم بعدها زاي بعدها ألف بعدها راء، وهم القصابون - وبيوتهم شرقي الجامع، قال: وقد ذكر علي بن سليمان النهمي الشافعي في كتابه (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) عروس بن عيسى الخزاعي، قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((إذا بنيت مسجد صنعاء فاجعله عن يمين جبل يقال له ظين)) رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، قال: ومثله رأيته عن ابن إسحاق في السيرة الحميدة، وذكر لي أنه ذكره في تاريخ صنعاء، هذا معنى كلام يحيى حميد - رحمه الله -.
صلاح بن أمير المؤمنين عز الدين المؤيدي [ - ]
السيد العلامة الكبير الفاضل شيخ المحققين صلاح بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن المؤيَّدي /217/ - عليهم السلام- كان علامة مرجوعاً إليه فاضلاً كاملاً، له شيوخ أحبار، وتلامذة أخيار، والإمام عز الدين من أئمة أهل البيت المنتجبين، وهي أحد ما خصَّه الله به من التفضلات، ومن ذلك دعوته واستقامة أمر الأمَّة به، ووالده حي - قدس الله سره - فأولاد الإمام أولهم(1) الحسن مؤلف (القسطاس)، كان بمحلٍ لا يخفى من العلم والتبحر، ولقد رأيته في النوم وهو يذكر لي شيئاً من أحواله، حتى قال: إن في أصول الفقه مسألة لم يحررها أحد من النظار غيره، ثم السيد الأفضل طراز المجد الأول الحسين بن أمير المؤمنين، ثم السيد الأوحد المعروف بسيبويه لتبحره في العربية أحمد بن أمير المؤمنين، ثم السيد العلامة صلاح الدين المهدي بن أمير المؤمنين - عليهم السلام- هؤلاء الأربعة الكرام أمهم واحدة وهي الشريفة فاطمة بنت عبد الله بن صلاح بن محمد بن الحسن بن زيد.
ومن أولاد الإمام السيد العلامة عبد الله بن أمير المؤمنين، وأمه الشريفة بدرة بنت الحسن بن محمد بن صلاح من أخوال الإمام، ومن أولاد الإمام السيد الجليل الأديب اللبيب صاحب هذه الترجمة صلاح بن أمير المؤمنين أمَّه من الشرف، وقد رأيت التبرك بذكرهم هنا، وكنت قد أفردت لكل ترجمة(2) - أعاد الله من بركاتهم - ومما رأيته ببعض الرسائل المطولة في ذكر السيد صلاح بن الإمام المذكور أنه كان إذا استشاره إنسان في أمر لم يقل أنا أشير عليك ، بل يقول: هذه القضيَّة لو كنت مكانك فيها - يعني أني المكلف بما كلفت به - لكنت أفعل كذا وكذا، وجعل صاحب الرسالة هذا من الآداب الحسنة.
__________
(1) في (ب): الإمام الحسن.
(2) في (ب) زيادة: فأمَّا أحمد بن أمير المؤمنين سبقت ترجمته.
صلاح بن علي المضواحي [ - ق 11 ه ]
شيخ شيوخنا السيد العلامة الورع الزاهد صلاح بن علي المضواحي العلوي - رحمه الله - كان عالماً فاضلاً زاهداً متقنعاً لا يلبس إلا ثوباً يلتف به ليس عليه قميص، وقرأ عليه سيدنا صارم الدين إبراهيم بن يحيى الشجري وغيره، وكان شيخ الأصولين، وله شرح على مقدمة الأزهار، سماه مرقاة الأنظار(1)، وله موضوع في أصول الفقه(2)، وموضوع في أصول الدين، وله غير ذلك، وقبره بجميمة(3) ثلا في رأس عقبة الحمَّام، وفاته في ……(4)
__________
(1) مرقاة الأنظار في شرح مقدمة الأزهار خ سنة 1105هـ مجموع رقم (4) بمكتبة الأوقاف ورقم (86) فقه غربية، في مجموع (83) غربية أيضاً، أخرى مصورة بمكتبة السيد محمد بن عبدالعظيم الهادي.
(2) مخطوط بمكتبة ابن المرعشي 9015 مجاميع.
(3) في (ب): بجهة.
(4) في (ب): بياض في الأم.
صلاح بن الجلال بن صلاح [744 - 910 ه ]
السيد الكبير الأمير العظيم النسَّابة صاحب الشيوخ والإجازات، حافظ علوم آل محمد صلاح بن الجلال(1) [بن صلاح بن جلال الدين] محمد بن الحسن بن المهدي بن الأمير علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى، هو الإمام العلامة المعروف بابن الجلال، صاحب (التتمة للشفاء)، فإن السيد صلاح الدين بن إبراهيم بن تاج الدين بعد عنايته بتمام ما تخلف عن الأمير الناطق بالحق من كتاب الشفاء أبقى السيد صلاح بن إبراهيم كتاب الرضاع فلما قرأ السيد العلامة شارح التسهيل عبد الله بن الهادي بن إبراهيم الوزيري على السيد صلاح بن الجلال كتاب الشفاء شحذ همته واستحثه فتمم كتاب الرضاع وقرأه عليه والأمير صلاح له (اللمعة) في الفقه فليحفظ منه والأمير صلاح بن الجلال ممن حضر دعوة الإمام علي بن صلاح، وصل من صعدة بعد وفات الإمام الناصر مع السيد داود بن يحيى بن الحسين والقاضي عبد الله الدواري، والشيخ إسماعيل بن إبراهيم النجراني سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، ومولده - رحمه الله - بهجرة رُغافة - بضم الراء بعدها غين معجمة وبعد الألف فاء /218/ ثم هاء من بلاد بني جماعة - سنة أربع وأربعين وسبعمائة، ومات عن إحدى وستين سنة، وقبره بمشهد الهادي إلى الحق - عليهم السلام-.
صلاح بن محمد بن سليمان [ - ق 8 ه ]
السيد العلامة صلاح بن محمد بن سليمان، ذكره صاحب (التحفة) الأهدل في علماء الزيدية أهل المائة الثامنة، قال: كان عالماً، وكان أبوه عالماً.
صلاح بن محمد الغزي [ - ]
العلامة الكبير الفاضل صلاح بن محمد الغزي، نسبه إلى غز ذمار - رحمه الله - سكن هجرة الروس مع القضاة إلى آنس في جبل الأهنوم.
__________
(1) ما بين المعكوفين زيادة في (أ) وسقط من (ب).
صلاح بن محمد بن ناصر الدين الفرائضي [ - 1040 ه ]
القاضي العلامة المحقق مفخر الزيدية صلاح بن محمد بن ناصر الدين الفلكي المعروف بالفرائضي، نسبه إلى علم الفرائض لتبحر جده فيه، ولم يزل على أهل هذا البيت التعويل في هذا العلم، كان القاضي صلاح الدين منقطع القرين ممن لا يزاحم في الفضائل، يذكر بالأوائل - رحمهم الله - وكان فهَّامة إلى الغاية، وقد سبق ما حكيناه في ترجمة سيدنا إبراهيم بن يحيى - رحمه الله - وكان مع اتساع علمه في الفقه والفرائض والكلام عارفاً بالأدوات كامل الصناعة في الشعر والإنشاء، وكان أحد الحلماء والمرجوع إليهم في مهمات الإسلام فإن له رأياً رصيناً وتوسط بأمر الإمام في إصلاح بينه وبين الأروام، وحمد سعيه.
قال شيخنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين - رضي الله عنهما -: وكان أشبه الناس خلقاً بالسيد العلامة صالح بن عبد الله بن مغل - رحمه الله - وورد القاضي إلى حضرة الإمام وكانت ولاية القضاء بذمار إليه، وكان للبلاد اليمنيَّة سراجاً منيراً للفتيا، وما احتاج لمشلكة أن يفتح كتاباً، قال ولده القاضي محمد بن صلاح - رحمه الله تعالى -: قال لي والدي: ما احتجت إلى فتح كتاب في الفتيا إلا في الخيارات إذا جاءت مسألة منها طالعت الكتب، ولمَّا أراد الأروام نكاية العلماء بذمار أوَى إلى بلاد آل(1) عمار، ووقاه الله شرهم، وله قصيدة يتوسل إلى الله بالإمام يحيى بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنجح الله طلبته وله شعر في الغاية حضرني منه ما كتبه في غرّة سنة من السنين إلى سيف الإسلام وسلطان المسلمين الحسن بن القاسم وهي:
هي المرام وإن لام العُدَا فيها ... فالراح والشهد ممزوجان من فيها(2)
وأعجب الأمر أن الأسد تقتلها ... لحاظها وسيوف الهند تحميها
أعندها قامة هيفا مهفهفة ... وللرماح نصيبٌ من تثنيها
__________
(1) آل عمَّار: بطن من قبيلة دُهْمَة بن شاكر من بكيل، يسكنون مديرية الصفراء بجنوب صعدة. (معجم المقحفي، ص 1115).
(2) في (ب): في فيها.
لا يعمل السحر(1) ما تجني لواحظها ... السحر ما ترجمت عنه أماقيها
زارت وسادي وأسد الغاب تحرسها ... وأقبلت وقميص الليل يخفيها
أحيت فؤادي كما أحيا الهدى ملك ... حاز المفاخر قاصيها ودانيها
أعداؤه لم تزل من خوف سطوته ... تفر علّ الجبال الشم تنجيها
هيهات أن تمنع الفيفا النزيل بها ... ممن تدانت له فيفا ومن فيها
لما رأى السلمى الجيش بان له ... ما كان يزعم وسواساً وتمويها
ظن البليد بأن الركب يمنعه ... ممن يدك الصياصي حين ينويها
/219/…
فيا بن طه ويا سبط الوصي ويا ... فخر الفواطم يا مردي أعاديها
ليهنك النصر إذ صبحت من نكثوا ... بغارة أيد الرحمن داعيها
فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ... ذلت نفوس وخانتها أمانيها
وليهنك السنة الغرا التي وردت ... فأنت للسنة الغراء محييها
دامت معاليك في عز وفي دعةٍ ... مكرماً قاسر الأعداء مرديها
وله قصائد فائقة أعاد الله من بركته، توفي يوم الأربعاء رابع صفر سنة أربعين وألف.
صلاح بن محمد بن الحسن [ - ]
السيد العلامة صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدي بن علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى - على جميعهم السلام - وهو شيخ السيد عبد الله بن الهادي الوزيري، والسيد عبد الله شيخ ولده محمد حافظ الإسناد ومحمد شيخ ولده صارم الدين مؤلف الفصول، وكان السيد صلاح الدين فاضلاً عالماً.
صلاح بن نهشل الذنوبي [ - ق 11 ه ]
القاضي العلامة النحوي الفقيه صلاح بن نهشل الذنوبي - رحمه الله - كان عارفاً متقناً(2) عالماً بالعربية مطلعاً على نجم الدين، وكان في أوّل أمره يقال: إنه يحفظه غيباً، اشتهر هذا عند الطلبة بصعدة، وكان بلا ريب محققاً في العربية كاملاً وحقق في الفقه، وجود فيه، وقرأ الكلام على شيخه عبد الهادي الحسوسة، وكان يناظر به إلى القاضي صارم الدين إبراهيم بن يحيى، وكان حليفاً للصلوات والتلاوة والذكر - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): لا تعمل السمر.
(2) في (ب): متفننا.
توفي بجهة الأهنوم في……(1) أيام إمامنا المتوكل على الله - حفظه الله تعالى -.
صلاح بن الهادي بن الجلال [ - 793 ه ]
السيد العلامة الأمير صلاح بن الهادي بن الجلال الفاضل العالم الحاوي لخلال المكارم، ترجم له الفضلاء، وذكروا عنه الجميل - رضي الله عنه - ووصفوه مع العلم بالهمَّة العالية، ومات بصعدة - رحمه الله - سنة(2) ثلاث وتسعين وسبعمائة وعمره نيف وعشرون سنة.
صلاح بن الهادي بن إبراهيم [ - ]
السيد العالم صلاح بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، سيد خطير، مقدم كبير.
قال السيد صلاح بن الجلال - رحمه الله -: كان له بصيرة ودراية بالعلوم، وكان شاعراً، مات قبل أبيه الهادي بعشرين نهاراً، وقبره مع قبر أبيه، وأظن أن عمره قليل.
قلت: وقبر أبيه بجبل رازح، وستأتي له ترجمة - إن شاء الله تعالى -.
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب).
(2) في (ب): ومات بصعدة - حرسها الله -.
صلاح بن الهادي الشظبي [ - ق 11 ه ]
العلامة الفقيه النبراس الكامل صلاح بن الهادي الشظبي - رحمه الله (تعالى)(1) - شيخ الإمام المؤيّد بالله محمد بن المنصور بالله القاسم بن محمد، كان هذا العلامة من فضلاء الزمان، ونبلاء الأوان، لا يزال حليف القرآن ليلاً ونهاراً مع كمالٍ في الأمور الدينيَّة والدنياوية، يعد في العلماء والعباد والوزراء، وكل خصلة كاملة كانت فيه - رحمه الله - وجعله الإمام القاسم قرين ولده المؤيد بالله، فجرى مع الإمام مجاري العلماء والمؤدبين وانتفع به، وكان لا يزال يحكي عنه غرائب، وكان - رحمه الله - له صنعة في التأديب، وكان حلو الشمائل عذب المفاكهة، ومع ذلك فإن أولاد الإمام(2) تولى تأديبهم لم يعرفوا شيئاً من هذه الشمائل اللطيفة، وما ظنوه إلا على جبلة الصمت والكلام عند الحاجة، وكان حازماً في الأمور صادقاً مع الله ومع العباد، وينطق /220/ بذلك ما قاله السيد العلامة صلاح بن عبد الخالق في مرثيته - رحمه الله - وهي:
العلم يذري الدمع من جفنيهِ ... والجود مرغ في الثرى خديهِ
ونَدِي درس الذكر عطل بعد أن ... قد كان يزدحم الرجال عليهِ
أفلت لفقد صلاحٍ الحبر الذي ... لفّ الحجى والمجد في ثوبيهِ
أفبعده أحد لعلمٍ أو لمعـ ... ـروف يهز لسائلٍ عطفيهِ
هيهات كانا صاحبيه حياته ... وكذاك صارا في الثرى جاريهِ
ليت ابن حجاج رثاه بقوله ... في المغربي وزير آل بُويهِ
ذهب الذي أضحى الثناء وراءه ... والعفو عفو الله بين يديهِ
هدم الزمان بموته الحصن الذي ... كنا نفر من الزمان إليهِ
ما بين دعوته وبين الله من ... حجب إذا هو باسط كفيهِ
فهو الحري بذا الثناء ومن عنى ... يا ليته أضحى فدا نعليهِ
أرعاه ميتاً مثل رعيي حقه ... إذ كنت أقتطف السرور لديهِ
لم أنس حق أخوَّة الرجل الذي ... قد كان يحسبني ضيا عينيهِ
صلى عليه الله قدس روحه ... لقَّاه أنساً في لقا ملكيهِ
__________
(1) سقطت من (ب).
(2) في (ب): الذين، نخ.
توفي - رحمه الله -……(1)
صلاح بن يوسف بن المرتضى [ - 901 ه ]
السيد العلامة البحر الحبر صلاح بن يوسف [بن صلاح](2) بن المرتضى، قال السيد العلامة أحمد بن عبد الله: كان عالماً كاملاً مثل أخيه لا سيما في علم الكلام، ويلحق به في سائر العلوم وإن لم يبلغ شأوه، وكان حسن الإخاء بينه وبين أخيه غاية المحبَّة والملازمة والمتابعة والآراء واتحاد المرادات والاعتقادات والأهواء حتى لشدَّة الملازمة له من صلاح لزم مكان أخيه بعد موته حتى لحقه ودفن بالقرب منه، وكانت وفاة صلاح بن يوسف بين الصلاتين يوم الجمعة من شهر شوال سنة إحدى وتسعمائة.
قلت: وأخوه الذي لمح إليه هو السيد الإمام المحقق(3) محمد بن يوسف.
قال السيد شمس الدين في حقه: بلغ في العلم مبلغاً أربى فيه على أقرانه، وجميع أهل زمانه، أقام بصنعاء وصعدة، ودرَّس بمسجد الأبهر حتى مات حي المتوكل على الله واستدعاه بعض شيعته للخروج والدَّعوة فخرج إلى ثلا ودعا، وليس في علو شأنه شك إلا أنه لم يؤت حظاً وتكنَّى بالناصر ودفن بقبته المعروفة(4)، وكانت وفاته يوم الخميس تاسع وعشرين من شعبان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة.
* * * (5)
كمل الجزء الثاني من مطلع البدور ومجمع البحور بحمد الله ومنِّه وفضله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكان الفراغ من رقم هذا الكتاب الجليل بين العصرين لعلهَّ ثامن شهر ربيع الأول ثامن وعشرين من شهر ربيع الأوَّل سنة تسع وتسعين ومائة وألف غفر الله لكاتبه ولمالكه.
__________
(1) فراغ في (أ) و (ب).
(2) سقط من (أ).
(3) سقط من (أ).
(4) زيادة في (ب): بثلا.
(5) قال في (ب): كمل الجزء الثاني من مطلع البدور ومجمع البحور في سلخ شهر القعدة سنة خمس وتسعين وألف سنة بخط الفقير إلى الله محب محمد وآله الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن أبي الرجال - غفر الله لهم أجمعين - وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
مطلع البدور ومجمع البحور
تأليف العلامة المؤرخ
أحمد بن صالح بن أبي الرجال
الجزء الثالث
تحقيق
عبدالسلام عباس الوجيه………محمد يحيى سالم عزان
مركز التراث والبحوث اليمني
بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر، وأعن يا كريم.
حرف الطاء المهملة
الطاهر بن يحيى بن الحسن
السيد الطاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال في (الَّلآلئ)(1): كان سيداً فاضلاً، وقد روَى عن أبيه، وعن غيره من أهل العلم، وروى عنه العلماء من أهل العدل والتوحيد. قال: قتله وَالي المدينة.
الطاهر بن عبد الله الإدريسي(2)
السيد العالم الطاهر بن عبد الله الإدريسي، من آل شكر الله، وصل إلى حضرة سيدي شرف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين - عليهما السلام - إلى (ضوران)، فأجزل جائزته، وأكرم وفادته، ونوع صِلاته، حتى اجتمع له مال يجل حصره.
وأخبرني شيخنا أحمد بن أحمد القيرواني، أنه لما دخل بذلك المال، افتتح حروباً، وطلب بثأر مملكة أهله؛ لأنه من بيت رئاسة، وكان أصل مقدمه إلى بيت الفقيه ابن عجيْل، اتفق بالسيد الهاشم بن حازم، ثُمَّ طلع الحضرة، واجتمع بفضلائها، وكان يؤنسه القاضي أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله - فروَى عنه عجائب، وقرأ عليه، وقال له: إن مذهبه على مذهب آل محمد، غير منتسب إلى غير مذهبهم، وهذا يدل على ما ذكره الدامغاني وغيره من ظهور مذهب آل محمد في (المغرب).
__________
(1) كتاب اللآلئ المضيئة للعلامة أحمد بن محمد الشرفي، وهو شرح على منظومة البسامة للسيد صارم الدين الوزير في السير والتاريخ.
(2) هذه الترجمة كاملة ليست في (ب).
قال: وهو من مدينة (شنقيط) - بالشين المعجمة وبعدها نون ثم قاف ثم مثناه تحتية ثم طاء مهملة - بينها وبين البحر المحيط ثلاث ليال، وعمدة كتبهم من كتب أهل البيت (المعتمد)، وهو (كالأزهار) حتى سمعت مولانا المتوكل على الله - سلام الله عليه - يقول: إن مواضِع الخلاف في (اليمن) مواضع خلاف عندهم، والتخريجات، واتفاقات كليَّة، ومصنف الكتاب: الإمام يحيى بن الحسين الإدريسي، وروى إلقاء الجن بكتاب إلى الشعراني صاحب (الميزان)، وأنَّ فقههم فقه الفقهاء الأربعة، ومعتقداتهم في ذلك الكتاب معتقدات الأشعرية، إلا في الشفاعة، وكان قدومه سنة ثمان وأربعين وألف وارتحل في نصف شهر رمضان منها.
أبو طالب الفارسي
الشيخ الإمام المحقق أبو طالب الفارسي - رحمه الله تعالى - أحد علماء (العراق)، من فضلائهم، له (حاشية على الإبانة)، وله (مجلس الغدير) في إمامة علي بن أبي طالب - عليه السلام - وله (شرح على التحرير) لأبي طالب الهاروني - عليه السلام -سماه: (التقدير).
ولأبي طالب الفارسي سيرة جامعَة لأحوال الإمام الكبير المؤيَّد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام - ولعل أبا طالب الجامِع للسيرة هو صاحب هذه الترجمة - حسباناً مني - وهو الذي نقل عن المؤيَّد بالله أنه ودَّ أنَّ(1) يجمع فتاواه التي أفتى بها، ويحرقها، حكاه أبو طالب الفارسي المذكور عن الشريف المقدم في العلوم رِضَا بن الناصر الناصري الحسيني.
وقد تكلم في أيام هذا الإمام(2) الشهير - أعني المؤيَّد بالله - جماعة من كبَار العلماء، أبو طالب هذا أحدهم، وفي أخبار المؤيَّد كتاب يسمى (الذخر المؤيَّد في سيرة(3) المؤيَّد)، لا أدري هو(4) كتاب هذا الشيخ، أو غيره.
__________
(1) في (أ): أنه.
(2) في (أ): الأمير.
(3) في (أ): سير.
(4) في (ب): هل.
[نبذة من سيرة الإمام المرشد بالله، والموفق بالله]
ومنهم السيد الإمام الحجَّة المعدود من معجزاته - صلى الله عليه وآله وسلم - كما ذكر ذلك بعض الحنفيَّة - الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن أبي(1) عبد الله.
وأبو عبد الله هو الإمام الموفق بالله المعروف بالجرجاني صاحب (السلوة) وهو: الحسين بن إسماعيل، المعروف بأبي حرب الخوارزمي، ابن زيد، ويُكنَّى بأبي القاسم العالم /2/ ابن الحسن، ويُكنَّى بأبي محمد ابن جعفر، ويُكنَّى بأبي الحسين الدنسي، ابن الحسن، ويكنى بأبي محمد بن محمد ويعرف بمحمد الأكبر، بن جعفر بن عبد الرحمن الشجري - بالشين المعجمة والجيم والراء - نسبة إلى (الشَجَرة) قرية قرب (المدينة)، بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام -.
كان الموفق بالله هذا من نبلاء أهل البيت. قال المرشد بالله: حكى أبو عتاب الزيدي، وغيره من أصحابنا أنه سُئل (بفرزادٍ) عن والدي، فقال: هو أفقه من القاسم بن إبراهيم.
قلت: وله كتاب - يدل على فضله - في كون إجماع الآل حجة.
وأمَّا ولده المرشد، فهو صاحب (الأمالي الإثنينيات والخميسيات). قال الحاكم: إليه تشدُّ الرحال في طلب العلم، وهو غاية في الزهد، وعليه سيماء النبوءة، وقد اعتزل، واختار العبادة، والعلم، والعمل، على ما يليق بأهل العلم والأشراف، وله كتب جمَّة، ولقي جماعة من المشائخ. انتهى كلام الحاكم في (العيون).
وقد ذكر - أيضاً - بعض أحواله في (المراتب) للبستي. وله كتاب (الاستبصار(2) في أخبار العترة الأطهار).
__________
(1) سقط من (ب): أبي.
(2) في (ب): الاستنصار.
قلت: ومن عجيب أمره ما حكاه بعض تلامذته، قال: آخِر حديث أملاه لنا المرشد بالله حديث ثابت، قال: أتينا أنس بن مالك يوماً وهو شاكٍ(1)، فقال: إني أكون شاكياً، فإذا اجتمعنا وذكرنا الله كأني أجده أهون عليَّ، قال: ولمَّا أملى - رحمه الله - هذا المجلس، وهذا الخبر الأخير كان شاكياً، فبقي بعده - رحمه الله - إلى يوم السبت الخامس عشر من ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وكان إملاؤه(2) لهذا المجلس الأخير يوم سابع وعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وكان وفاته - رحمه الله - في هذا اليوم - يعني يوم السبت - الخامس عشر من ربيع الآخر، وصلى عليه - عليه السلام - الشيخ الإمام الحسن بن علي بن إسحاق الفرزادي الزيدي الذي سبق ذكره. ودفن في دار أخته التي جعلتها خانكات في (الري) في سكة الفرانين، وكان مولده - رحمه الله - سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
قلت: ولمَّا تيسر لنا إملاء الأمالي الخميسيات بين يدي شيخنا شمس الدين - رضي الله عنه - كنا نتعجب من مواقف السماع فإنه تارة يقول: أخبرنا (بواسط)، وتارة (ببغداد)، وتارة (بمصر)، وتارة (بالكوفة)، وتارة بـ(مكة)، وتارة بـ(المدينة)، فعجبنا من كثرة رحلته - رحمه الله - وأحواله غنية عن الإسهاب، وإنما ذكرناه لمَّاكان هو أحد المعنيين بأحوال المؤيَّد بالله، ولم أفرد له ترجمة لاحتمال دعوته، ولم أتعرض للدُّعاة.
__________
(1) يعني مريض.
(2) في (ب): - عليه السلام -.
[نبذة من أخبار الإمام المؤيد بالله]
وهو - عليه السلام - ينقل عن أبي طالب(1) شيئاً من أحوال المؤيد بالله، من ذلك ما حكاه في فضل العلم، قال: حكى الشيخ أبو طالب ابن أبي شجاع عن الشيخ أبي رشيد أنه قال: لم أر السيد أبا الحسين - يعني المؤيَّد بالله - منقطعاً(2) قط مع طول مشاهدتي له في مجلس الصَّاحب، وكان(3) لا يُغْلَب إن لم يَغْلِب، وكانا يستويان إن لم يظهر له الرجحان.
قلت: وأبو رشيد هذا من جملة العلماء، وهو صاحب (المقالة في الأصول)، وهو: سعيد بن محمَّد النيسابوري، من أصحاب قاضي القضاة، مات بـ(الري)، وقد شهد هو وأضرابه للمؤيَّد بالله، واعترفوا بفضله، من جملتهم الحناطي - بالحاء المهملة(4) - الشافعي، ويوسف بن كج.
وكان الصاحب يقول: الناس يتشرفون بالعلم والشرف، والعلم يتشرف بقاضي القضاة /3/، والشرف ازداد شرفاً بالشريف أبي الحسين.
قلت: وقاضي القضاة على جلالته يعترف له، وروي أنه بايعه، وسئل مرَّة عن الخوارج من هم؟ فقال: نحن! لتخلفنا عن أبي الحسين.
__________
(1) يعني: والمرشد بالله ينقل عن أبي طالب صاحب الترجمة.
(2) متقطعاً يعني: عاجزاً عن الجواب.
(3) في (ب): وكانا.
(4) في (ب): والنون.
[القاضي عبدالجبار]
وقاضي القضاه المذكور هو عماد الدين أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني، يعدُّ من معتزلة (البصرة) من أصحاب أبي هاشم، قال الحاكم: وليست تحضرني عبارة تنبي عن محله في الفضل، وعلوّ منزلته في العلم، فإنه الذي فتق الكلام ونشره، ووضع فيه الكتب الجليلة التي سارت بها الركبان، وبلغت الشرق والغرب، وضمّنها من دقيق الكلام وجليله مالم يتفق.
قلت: وفيه يقول الشيخ أبو السَّعد في قصيدة له في التوحيد والعدل:
أم لكمُ مثل إمام الأمّة ... قاضي القضاة سيِّد الأئمَّة
من بث دين الله في الآفاق ... وَبتَّ حبل الكفر والنفاق
قلت: وقد يلتبس قاضي القضاة هذا عند أصحابنا بقاضي القضاة ابن أبي علاَّن لتَسَمِّي كل منهما بقاضي القضاة، واتحاد الزمان، واختصاصهما بالمؤيَّد بالله، وقراءته عليهما، فأما عبد الجبار فكان ممن بايع كما حكاه الحاكم، وكان يفسر الخوارج بنفسه وأمثاله قبل البيعة - رحمه الله -.
[القاضي بن أبي علان]
وابن أبي علاَّن المذكور، هو: قاضي القضاة أبو أحمد بن أبي علاَّن، درس بـ(الأهواز)، وكثر الانتفاع به، وله تصانيف وتفسير، وكان يتعصَّب لأبي هاشم على الأخشيدية، وقرأ على الشيخ أبي عبدالله البصري، ورحلة المؤيد بالله المشهورة إليه، لا إلى القاضي عبد الجبار.
[لقاء المؤيد بالله بالقاضي بن أبي علان]
وهي(1) ما حكاه المرشد بالله بن الموفق بالله، قال: حكى المؤيد بالله أنه قال: عزمت على أن أسافر إلى (الأهواز) للقاء قاضي القضاة أبي أحمد بن أبي علان، وسماع (مختصر الكرخي) عنه، فأنهيت إلى الصاحب ما وقع في قلبي، فكتب كتاباً بخط يده، وأطنب في وصفي، ورفع من قدري(2)، حتى كنت استحي من إيصال ذلك الكتاب، فأوصلت الكتاب إلى قاضي القضاة، فقال: مرحباً بالشريف، فإذا شاء، افتتح المختصر، ولم يزد على ذلك، ولا زارني بنفسه مع تقاعدي عنه من الغد، ولا أزارني أحداً من أصحابه، فعلمت أنه اعتقد في كتاب الصاحب أنه صدر عن عناية صادقة، لا عن حقيقة(3)، فقعدت عنه، حتى كان يوم الجمعة، حضرت الجامع بعد الظهر، ومجلسه غاص بكبار العلماء، فقد كان الرجل مقصوداً من الآفاق، فسئل القاضي أبو أحمد عن مسألة كلامية، وكان قد لقي أبا هاشم، فقلت له لما توسط في الكلام: إن لي في هذا الوادي مسلكاً، فقال: تكلم، فأخذت في الكلام، وحققت عليه المطالبات، ثم أوردت مسألة عَرِق فيها جبينه، فامتدت الأعين نحوي، فقلت بعد أن ظهرت المسألة عليه: يقف على فضلي القاضي.
__________
(1) أي الرحلة.
(2) في (أ): رفع قدري.
(3) يعني مجاملة ومجرد صداقة، لا أنه كما وصفه.
وسئل شيخ إلى جنبه عن مسألة من أصول الفقه، فلما أنهَى السائلُ ما عنده قلت له: إن لي في هذا الجو متنفساً، فقال القاضي: والأصول - أيضاً -! فحققت تلك المسألة على ذلك الشيخ، فظهر ضعفه، فسامحته.
وسئل شيخ عن يساره عن مسألة في الفقه، فقلت: لي في هذا القطيع شاة، فقالوا: والفقه - أيضاً -! فأوفيت الكلام في تلك المسألة - أيضاً - حتى تعجب الفقهاء من تحقيقي /4/ وتدقيقي، فلمَّا ظهرت المسألة، كان المجلس قد انتهى إليَّ، فقام القاضي من صدره، وجاء إلى جنبي، وقال: أيُّها السيد، نحن ظننا أن الصدر حيث جلسنا، فإذا الصَّدر حيث جلست، فجئناك نعتذر إليك من تقصيرنا في شأنك(1)، فقلت: لا عذر للقاضي في استخفافه بي مع شهادة الصَّاحب بخطه، فقال: صدقت لا عذر لي، ثم عادني من الغد في داري مع جميع أصحابه، وبالغ في التواضع، فحضرته، فقرأت عليه الأخبار المودعة في (المختصر)، فسمعتها بقراءته، فأمدني(2) بأموال من عنده، فرددتها، ولم أقبل شيئاً منها، وقلت: ما جئتك عافياً مستمنحاً، فقد كانت حضرة الصاحب أدنى(3) حالاً، وأسهل منالاً، ولم يكن هناك تقصير في لفظ، ولا تفريط في لحظ، ففارقته، فشيعني مع أصحابه مسافة بعيدة، وتأسفوا على مفارقتي. انتهى
قلت: وفي هذا وأمثاله تأدب شرعي، وأذن للمقتدي بأمثاله - عليه السلام - بمثل هذا عند ورود سببه، وقد فعله الأنبياء والعلماء - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (أ): بابك.
(2) في (أ): وأمدني.
(3) في (أ): أوفى.
حرف العين المهملة
عامر بن تميم العذري
عامر بن تميم العُذَري، العالم الكبير الفاضل في حَسَبه ودينه، أحد علماء الزيدية، وحافظ مذهب العترة، ووارث علوم الهادي - عليه السلام - له مكارم وفضائل عديدة، وعلوم واسعة، وهو من (عُذَر المشرق) وأهل التو، وله عقب، دخل التطريف فيهم، وأحسب أن حفيده عامر بن صعتر بن عامر بن تميم لم يسلم من هذه الوصمة، فلا يغب عنكم(1) أنهما رجلان، وأنَّ عامراً هذا الجليل القدر جدُّ ذلك، والله أعلم.
عامر بن الربيع العذري
عامر بن الربيع العذري الزيدي، صاحب الإمام زيد بن علي، ذكره البغدادي(2)، قال: وكان بطلاً شجاعاً.
__________
(1) في (ب): عنك.
(2) المراد به: عبد العزيز بن إسحاق البغدادي المعروف بابن البقال، وهو من كبار علماء الحديث الزيدية، وله كتب منها كتاب في ذكر أصحاب الإمام زيد بن علي.
عامر بن علي بن محمد (الشهيد) [965هـ -1008 ه ]
السيد الشهيد العالم الأمير الكبير عامر بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين بن الأمير علي بن يحيى العالم البر بن محمد العالم التقي بن(1) يوسف الأشل بن الداعي الإمام يوسف الأكبر - عليهم السلام - كان فاضلاً رئيساً سريا(2) عالي الهمَّة عارفاً، نهض مع ابن أخيه الإمام القاسم بن محمد، فنازل الملوك، وطاوح الكبار، وفلَّ الشوكة، وعلا صيته، وارتفع الحق، وكانت له مشاهد عظيمة مع الأمراء أهل (كوكبان) وجنود (الأروام)، وأفضى أمره إلى السعادة، وآل أمره إلى الشهادة، على نهج سلفه الكرام، غير أنه زاد بالْمُثْلَة، فإنه سُلِخَ جلده(3)، وذُرَّ عليه الملح، ولم يزل كل يوم يؤخذ منه شيء، حتى سلخ جلده - رضي الله عنه - وقبره (بخمر)، وكان ما وصفناه من المثلة (بحمومة) من أعمال (خَمِر)، ويقال: إن رأسه الشريف (بصنعاء)، وقد بنى ولده عبد الله الآتي ذكره عليه قبَّة، وله ترجمة وضعها شيخنا العلامة شمس الدين أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - تُنقل - إن شاء الله-.
__________
(1) في (ب): أبو.
(2) السَري هو النفيس. تاج العروس ج/19. السَّرِيُّ: ذو مروءة في شَرَف. القاموس المحيط. 1190.
(3) سقط من (ب): خلده.
وترجم له بعض أحفاده(1)، فذكر شيئاً من جميل حاله، وقال: مولده - عليه السلام - في سنة خمس وستين وتسع مائة، ونشأ - عليه السلام - على السيادة والطهارة وطلب العلم الشريف على منهاج سلفه الأكرمين، فقرأ على القاضي العلامة عبد الرحمن الرخمي بمخرفة(2)، هكذا قال عبد الرحمن، ولم يكن مرَّ بسمعي، فهي فائدة أخرى، وقرأ كتب النحو والأدب جميعها و(الكشاف) على السيد الفاضل عثمان بن علي بن الإمام شرف الدين (بشبام) قبل دعوة الإمام القاسم، وسكن بأهله هناك(3) /5/ لطلب العلم.
ولمَّا دعا الإمام ببلاد (قارة)، كتب إليه، فوصَل إلى (سودة شظب)، وتوجَّه بجنود فافتتح من بلاد الأمراء آل شمس الدين كثيراً، وكانوا أعضاد الوزير الحسن والكيخيا(4) سنان، فما زال كذلك من سنة ست وألف إلى سنة ثمان وألف، ثم عاب فيه جماعة من أهل (قاعة)، وكان قد تزوج امرأة هنالك، وتفرَّق عنه أصحابه، ولم يبق إلا هو، وقصده جماعة من الأتراك، فأحاطوا به، ثم أسروه، وأدخلوه (شبام)، فطافوا به في (كوكبان) و(شبام) على جمَلٍ، وأمير كوكبان يومئذٍ الأمير أحمد بن محمد بن شمس الدين، ثم إإن(5) علي بن شمس الدين أرسل به مع جماعة من الترك إلى (حمومة) من (بني صريم) إلى الكيخيا سنان، فأمر بأن يُمثل به - عليه السلام - فسلخ جلده.
__________
(1) في (ب): أصحابه.
(2) مَخْرَفَة: قرية في مركز رُغَيْل، من مديرية مَسْوَر، وأعمال محافظة عمران. سكنها طائفة من علماء آل الحوثي، لذلك قصدها طلاَّب العلم، لذلك يقال لها اليوم: قرية الهِجْرَة. معجم المقحفي - 1451.
(3) في (ب): هنالك.
(4) الكيخيا: لقب عسكري يعني رتبة معينة عند الأتراك.
(5) في (أ): أنه.
قال الإمام القاسم - عليه السلام -: وصبر فلم يسمع له أنين ولا شكوى إلا قراءة: ?قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ? [الإخلاص:1]. وكان سلخ جلده يوم الأحد الخامس عشر من شهر رجب عام ثمانية وألف. ثم إنَّ سنان ملأ جلده الشريف تبناً وأرسل به على جمل إلى صنعاء إلى الوزير حسن، فشهر(1) جلده الشريف على الداير على ميمنة (باب اليمن) ممَّا يلي الشرق، وسائر جسده - عليه السلام - دفن (بحمومة)، ثم نقل إلى (خمر) بأمر الإمام القاسم - عليه السلام - وقبره مشهور مزور له النذور والتعظيمات. ثم احتال بعض الشيعة في الجلد، فأسقطه إلى تحت الداير، ودفنه على خفيه، وعليه ضريح وقبَّة على يسار الخارج من باب اليمن.
وقد ترجم له الإمام القاسم - عليه السلام - ترجمة بخط يده الكريمة في نسخة (البحر) التي للإمام، وترجم له السيد العلامة صدر العلماء أحمد بن محمد الشرفي - رحمه الله - والقاضي العلامة أحمد بن سعد الدين، ورثاه بقصيدة منها:
أزائر هذا القبر حييت زائراً ... ونلت به سَهماً من الأجر قامِرا
وأدَّيت حق المصطفى ووصيه ... ودفيت(2) لمَّا زُرت في الله عامرا
سليل الكرام الشم من آل أحمد ... ومن كان للدين الحنيفي عامرا
وعمَّ الإمام القاسم بن محمَّد ... إمام الفِدا(3) من قام لله ناصرا
ومن شَدَّ أزراً منه حين دعا إلى ... رضا ربه أكرم بذلك آزرَا
تقلده المنصور سَيفاً مهنّداً ... وكان له في وجه أعداه شاهرا
فجاهد في الرحمن حقَّ جهاده ... وباين من أضحى عن الحق سادرَا
وكان له من موقف شهدت به ... أعاديه أن فاق الأوائل آخرا
__________
(1) في (ب): يشهر.
(2) في (ب): وسبطيه.
(3) في (ب): الهدى.
عامر بن محمد الصباحي [ - 1047 ه ]
القاضي العلامَة المذاكر، شيخ الأئمة، لسانُ الفقه، وإنسان عينه، عامر بن محمد الصباحي - رحمه الله تعالى -. نسبه إلى (بيضاء صباح) قرية مشهورة في مشارق (اليمن) تقرب من (قَرَنَ) المنسوب إليها أويس القرني - رضي الله عنه - على نحو مرحلتين. كان هذا العلامة وحيد وقته، وفريد عصره، إليه النهاية في تحقيق الفروع، ينقل عنه الناس ويقرؤون عليه قواعد المذهب.
رحل في مبادئ أمره إلى (ذمار)، فقرأ، ولقي شيوخها المحققين، وحصل على قَشَفٍ في العيش، وشدَّة في الأمر، يروَى أنه كان لا يملك غير فروٍ من جلود الضأن، وكان إذا احتلم غَسله للتطهير، ثم(1) يلبسه أخضر(2)؛ لأنه لا يجد غيره، وكان موَاظباً على العلم أشد المواظبة أيام هذه الشدَّة المذكورة، وكان أبوه من أهل الثروة والمال، لكنه حُبس، وأوذي في الله بأيدي الأتراك لموالاته أهل البيت /6/.
ثم رحل القاضي - رضي الله عنه - إلى (صنعاء) وأقام بها، ودَرَس، ودرَّس، ورحل إلى شيخ الزيدية إمام الفروع والأصول إبراهيم بن مسعود الحميري إلى (الظهرين)، وكان إذ ذاك بقية العلماء، وله (بالتذكرة) خصوصاً فرط ألفه، فطلبه القاضي عامر أن يقريه فيها، فأجابه، ولم يستعدَّ لتدريسه؛ لظنه أنه من عامَّة الطلبة، فلما اجتمعا للقراءة، رأى في القاضي عامر حضارة وحافظة، ومعرفة كاملة، فقال له: يا ولدي لست بصاحبك اليوم، فاترك القراءة، فتركها، ثم استَعدَّ لها، فاستخرج ببحثه من جواهر علم القاضي نفائس وذخائر، وعلق به، ثم إنه عاوده بالرحلة إليه للزيارة، فأكرمه الفقيه صارم الدين، وأمر الناس بإكرامه، ورحل إليه من (صنعاء) لمسألة واحدة أشكلت عليه، غابت عني مع معرفتي لها لولا طول العهد، روي أنها أشكلت عليه(3) فلم يبت إلا في الطريق قاصداً إلى (حجَّة).
ورحل القاضي - رحمه الله - إلى (صعدة).
__________
(1) سقط من (أ): ثم.
(2) أي مبتل.
(3) سقط من (أ): عليه.
قرأ الحديث على شيخه الوجيه: عبد العزيز البصري المعروف ببهران، ولقي الإمام الحسن، وصحبه، وما زال حلفاً للصالحات، مواظباً على الخير.
ولمَّا دعا الإمام القاسم المنصور، وكان(1) يومئذٍ بـ(صنعاء) فخرج إليه، وصحبه، وقرأ عليه الإمام كتاب (الشفاء)، ثم وُلي القضاء ولاية يعزُّ نظيرها، ولا تقدر العبارة للوفاء بوصفها، فإنه كان من الحلم والأناة والوفاء بمحَلٍّ لا يُلحق، وكان وحيداً في العلم، وصادقاً في كل عزيمة قولية وفعلية، فزاده الله الجلالة والمهابة في الصدور، إذا برز في الجامع، خضع الناس شاخصين إليه، مع كمال صورته، وطول قامته، وكان لذلك الجلال الرحماني لا يحتاج الأعوان، بل يبرز للقضاء، وإذا أراد حبس أحد من أجلاء الرجال، وأعيان الدولة، التفت إلى أقرب الناس إليه كائناً من كان، فأمره بالمسير به إلى الحبس، فلا يستطيع أحد الامتناع عن أمره.
وهو الذي قَوَّى أعضاد الدولة المؤيَّدية، وكان الصَّدر يومئذٍ غير مدافع، واستقر بحضرة الإمام المؤيَّد بالله مدَّة، ثُمَّ نهض إلى جهة (خولان العالية)، فاستوطن (وادي عاشر)، وابتنى بها داراً عظيمة من أحسن المنازل، تولَّى بناءها ولده العلامة الأمير قاضي المولى شرف الدين الحسن بن أمير المؤمنين أحمد بن عامر الماضي ذكره، فهيَّأها للضيوف على قدر همته، وكان مضيافاً كريماً.
ولمَّا استقر القاضي بـ(عاشر)، انتفع العامَّة بهِ والخاصَّة، ورحل إليه(2) الفضلاء للقراءة، كالقاضي المحقق محمد بن ناصر بن دغيش الغشمي - رحمه الله - وكان أحد رواة أخباره، وكان(3) لا يترك الإشراف على (التذكرة) في الفقه كل يوم يطالع فيها.
__________
(1) في (ب): وهو ضعيف.
(2) في (ب): إليها.
(3) في (ب): قال وكان.
ومن رواة أخباره تلميذه سيد المسلمين، وإمام المتقين، خليفة العصر، المتوكل على الله بن المنصور بالله - عليه السلام - فإنه الذي تولى تهذيبه، وكان مولعاً به، ويخصصه بمزايا حتى إنه كان(1) لا يقبل في مجلس القراءة أموراً يعتادها الطلبة إلا من الإمام - عليه السلام - فكان يقبلها منه؛ لكثرة محبته له وتنويره - رحمه الله -.
وكانَ يتولى عظائم الأمور، ورحل إلى (صنعاء) لعقدٍ عقده بين الأروام والإمام، واستنهض الإمام لحرب الأروام، ولمَّا كثرت كتب (خولان العالية) و(الحدأ)، ومن قاربهم من قبائل الزيدية، إلى القاضي عامر، يستنهضونه لاستنهاض الإمام للخروج على الترك، وكان الإمام قد فعل، لكنه احتاج إلى الكتم حتَّى من القاضي على جلالته /7/، فدخل يوماً إليه، وعنف على الإمام؛ فأخبره الإمام بأن أخوته سيُوف الإسلام قد خرجوا، منهم من جاء من المغرب وهو الحسين، ومنهم المشرِّق وهو الحسن، ومنهم المتوسط بينهما وهو أحمد، قام القاضي - رحمه الله - على وقاره وكبر سنه فحجل(2)، كما فعل جعفر بن أبي طالب - عليه السلام - وهو أحد السنن المأثورة، ولم يكن(3) بين وفاته - رحمه الله - وبين وفاة ولده إلا أيام قليلة.
__________
(1) سقط من (أ): كان.
(2) يعني جرى على رجل واحدة.
(3) في (ب): وكان.
وممَّا ينبغي نقله - وإن كان بترجمة ولده أحمد أليق، لكنه اقتضى الحال كتابته هنا - وهو أن أحمد بن عامر، لمَّا تمَّ له الحضور مع أبناء الإمام في حروب (زبيد)، استأذن مولانا شرف الإسلام في زيارة والده، فقال له ابن الإمام: قد عزمنا على الطلوع جميعاً، فتأخر له يويمات(1)، فرأى القاضي أحمد(2) - رحمه الله - في المنام رجلين يقول أحدهما للآخر: اقبض روحه، فيقول الآخر: لا اقبض روحه، فإن له أباً شيخاً كبيراً، قد سأل الله أن يريه إياه، فلا أقبض روحه حتى يصل إليه، فلمَّا استقر هذا في ذهنه - رحمه الله - دخل إلى مولانا شرف الإسلام(3)، وألَحَّ عليه في الفسح، ولعله أسرَّه بذلك، فأذن له، فطلع حتَّى وصل (ذمار)، وكان هنالك مولانا صفيُّ الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله - عليهما السلام - فأكرمه وعظمه، وعوَّل عليه في الإقامَةِ عنده أياماً؛ ليتصحح، ويزول عنه وعثاء السفر، وكثَّر عليه في ذلك، فرأى القاضي الرجلين الأوَّلين، يقول أحدهما لصاحبه: اقبض روحه، فإنه أبطأ وتراخى، ولم يبق له في الأجل سعة، فأجابه الآخر بما أجاب به أولاً، فتيقض القاضي لنفسه، وعزم على المبادرة، فلما وصل إلى هجرة (شوكان) - وهي بالقرب من (وادي عاشر) مسكن والده - رضي الله عنه - وصل إليه القبائل والشيوخ، فإنه كان صدراً من الصدور، فَصَدُّوهُ عن زيارة والده، فرأى الرجلين، فقال أحدهما: ما قال أولاً، وذكر أن القاضي تراخى، فأجابه الآخر بما أجاب، ثُمَّ قال: يكون له مهلة حتَّى يزور والده، ويبقى خمسة أيام، ثُمَّ تقبض روحه، فتوجه القاضي مبادراً(4) إلى حضرة والده، فتلقاه، وحصل به الأنس، ثُمَّ أوصى وصيَّةً عظيمة وهو كاملُ الحواس، ليس به بأس، ولمَّا كان اليوم الخامس، أشعر والده وتودعه، ثُمَّ قبض الله روحه إليه، فتولى والده أعماله،
__________
(1) يعني أيام قلائل.
(2) سقط من (أ): أحمد.
(3) في (أ): علامة العصر فرد الدهر أوحده.
(4) سقط من (ب): مبادراً.
ودفنه بقبَّة هنالك، وقام كالخطيب في الناس، ووعظهم وذكرهم؛ حتَّى بكى الحاضرون - رحمة الله عليه-.
وكان القاضي عامر لا يترك(1) كل يوم ثلاثة أجزاء من القرآن على الاستمرار، ويدعو بدعاء الصَّحيفة، ويقول: أنا أستحي من الدُّعاء بها؛ لما فيها من التذلل، وذكر البكاء، والتحول، ولسنا كذلك، يتصاغر - رضي الله عنه - كما جرت عادة الفضلاء.
كانت وفاته - رحمه الله - في حادي عشر من شهر رمضان سنة سبع وأربعين وألف، وقبر في القبَّة التي قبر فيها عبد القادر التهامي، وقبر فيها ولده أحمد بن عامر - رحمه الله - من أعمال (عاشر) من جهة (خولان العالية).
وهو يلتبس بشيخ الإمام القاسم، وهو: الفقيه العلامة المهاجر(2) شيخ القراءات السَّبع.
عامر بن علي البصير الحججي
الفقيه الناسك عامر بن علي البصير الحججي الحيمي - رحمه الله - كان من المحققين لعلم القراءة، فقيهاً فاضلاً، قرأ عليه الإمام وأصحابه، وأقام (بشهارة) مهاجراً، وكان له عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولمَّا فتحت (صنعاء)، دخل إليها، وتولى الإمامة في (قبة البكيرية)(3)، ولم يزل يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، نافذ الكلمة، حتى توفي بـ(صنعاء)، ودفن بجوار /8/ النحوي - رحمه الله تعالى- بـ(جربة الرَّوض).
عباد بن يعقوب الرواجني الأسدي
عباد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي الحافظ المحقق المدقق، ترجم له السيد الصارم(4)، وصاحب (المقصد)(5)، قالا: هو الحافظ المحقق المدقق مُحدِّث الشيعة، وكان محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول فيه: حدثني الصدوق في روايته، المتهم في دينه.
__________
(1) سقط من (ب): لا يترك.
(2) في (ب): الماهر.
(3) جامع معروف بصنعاء بناه الأتراك.
(4) في الفلك الدوار ص103.
(5) يعني ابن حابس في المقصد الحسن.
قال السيد صارم الدين - رحمه الله تعالى -: كذب ابن خزيمة، فإنه المتهم في دينه، كيف وقد روي عنه(1) التجسيم، وأنه قال في قوله تعالى: ?يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ? [القلم:42] قال: ساق كساقي هذه. قال الذهبي: إن صحت الرواية عنه فبعداً له، وسحقاً.
قالوا فيه(2): شيعي جلد. وعدَّه الحاكم في (العيون) من رجال الزيدية.
قال ابن معين: (3)عبد الرزاق أعلى منه في التشيع بمائة ضعف، روى عنه البخاري، والترمذي، وابن ماجة. انتهى
عباد الأحول الهمداني أبو عبيدة (4)
أبو عبيدة عباد الأحول الهمداني - رحمه الله - من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام - الخارجين معه، ذكره البغدادي في عدادهم.
عباد بن منصور(5)
عباد بن منصور - رحمه الله - عالم وقته، الصادق، من أعيان الناصحين للإمام إبراهيم بن عبد الله، وتولى قضاء (البصرة).
العباس بن أحمد الظافر
العباس بن أحمد الظافر الزيدي - رحمه الله - أحد رجال الدين وأنصاره، ومن أهل الرغبة في مرضاة الله، والفضل، والخير، تولى (خولان قضاعة)، وترجم له عبد الله بن عمر الزيدي شيخ وقته، وأثنى عليه - رحمه الله -.
العباس بن إسحاق
السيد الشريف، الطاهر الكريم، العالم، العباس بن إسحاق، الذي يقال له: الملهوف(6) بن إبراهيم بن موسى بن جعفر - رحمه الله - ترجم له المنصور بالله - عليه السلام - وقال: قتل أيام المقتدر.
العباس بن عيسى الأوقص
العباس بن عيسى الأوقص الهاشمي العَقِيْلي الزيدي، منسوب إلى عقيل بن أبي طالب، كان من العلماء، تولى القضاء للداعي الكبير الحسن بن زيد الحسني - رحمه الله - وكان مشاراً إليه بالعلم، عظيم المقدار - أعاد الله من بركته -.
__________
(1) أي ابن خزيمة.
(2) أي المترجم له.
(3) في (ب): قال.
(4) سقطت هذه الترجمة من (ب)، وله ترجمة موسعة في معجم أصحاب الإمام زيد والرواة عنه، تحت الطبع.
(5) سقطت هذه الترجمة من (ب).
(6) في (أ): المهلوس .
عبد الجليل القزويني
العلامة الكبير عبد الجليل القزويني، ورد (اليمن) مع أبي طالب بن أبي نصر الرازي صاحب (الهداية)، الداعي إلى أبي طالب الصَّغير، وورد معهم من العلماء سيد جليل من ولد الهادي الأصغر يحيى بن محمد بن يحيى بن الهادي، يقال له: الحسين، وعالم من علماء الناصرية يقال له: الحسين بن أبي يوسف، والعلامة الفقيه عبد الله البرجي، وكل منهم حريٌ بترجمة، غير أني لم أعرف تفاصيل أحوالهم - رحمهم الله - وسنذكر وصول الشيخ أبي طالب إلى (اليمن) في محله - إن شاء الله تعالى-.
عبد الحفيظ بن عبد الله [ - 1077 ه ]
العلامة البليغ المحقق: عبد الحفيظ بن عبد الله بن عبد الله المهلا(1) بن سعيد بن علي النيسائي(2)، ثم الشرفي. الشيخ المعمَّر الصالح المتواضع، كان - رحمه الله - يسبح وحده في دماثة الخلق، وملاطفة الصَّديق، وصلة الرحم، وتعمَّر كثيراً، وكان يقصد الرحم إلى منازلهم بعد الشيخوخة، ويصلهم بممكنه، وتولى الخطابة (بزبيد) المحروسة وغيرها أيام ولاية السيد الهاشم بن حازم الحسني - رحمه الله - لتلك الجهات، وينشئ الخطب من نفسه فيجيدها، وله (كتاب في الفقه) ابتدأ فيه بذكر اللباس؛ لأنه أوَّل ما يباشره المكلف في يومه، وأحسن في ذلك الاعتبار، وكمَّل كتاب (الأوائل) للعسكري، وله شعر جيِّد، وكان صديقاً لأبي - رحمهما الله جميعاً -. توفي بجهة (الشرف) في [سنة سبع وسبعين وألف](3) - أعاد الله من بركته -.
__________
(1) في (ب): ابن المهلا.
(2) في (أ): النسأي.
(3) فراغ في (أ) و (ب). وما بين المعكوفين في ملحق البدر الطالع 112.
عبد الحميد بن أحمد المعافا
العلاَّمة بَديع الزمان البليغ المنشئ: عبد الحميد بن أحمد بن يحيى بن عمرو بن المعافا - رحمه الله تعالى - كان من عيون الزمان، وأفراد الوقت، بليغاً منطقياً ناظماً ناثراً، من بيتٍ معمور بالفضل والكمال، من بني عبد المدان، كما صرح /9/ به النَّسَّابون، وصرَّح به ابن عقبة، وذكره هذا العلاَّمة في منظومة له، وفيهم العلم والرئاسة، واستمرت له الأمارة وعلوُّ الكلمة مع الأئمة، فكانوا علماء أمراء، تنفذ أحكامهم بجهتهم.
ولم يزالوا كذلك حتى تولى الأمير عبد الله بن المعافا (للأروام)، وزاد في عتوه ، وبالغ فيما لا يليق بمنصبه، فكان أمير الأمراء مع الترك وُلِّيَ أكثر ذلك الإقليم إلى نواحي (الأهنوم، ووادعة، وعذرين) وغير ذلك، فمالت به شهواته حتى عادى الإمام المنصور بالله، فكان ما كان، وخِتَام ذلك قتله (بغارب أثلة)، في الحرب المشهورة هنالك، فتضاءل منصب القضاة المذكورين على جلالتهم، وفيهم بقية صالحة.
وأحيا مآثرهم عبد الحميد المذكور، فإنه كان أحد العلماء، سيما في العربيَّة، شرح (الملحة)، وكتب حواشي وأجوبَة مفيدة في النحو، وشرح (الهدايَة) في الفقه، ولا أعرف هل تيسَّر له التمام، أو لا؟ وشَرَحَ (الأزهار) بشرح اعتنى فيه بموافقة إعراب الأزهار، فإن (شرح ابن مفتاح) - رحمه الله - قد لا يناسب(1) إعراب المتن مع الشرح إلا بتحويل للمتن من رفع إلى نصب، أو نحو ذلك. وله شعر جيد، وخط حسن، وكان يتأنى في الكتابة؛ فيجيد في الإنشاء كثيراً، وله تخميس قصيدة الصفي:
فيروزج الصبح أم ياقوتة الشفق
ومن شعره في راية للإمام(2) المؤيَّد بالله - عليه السلام -:
أيا رايةً أصبحْتِ في الحسن آيَةً ... وفاق على الأعلام حُسْنكِ عَن يدِ
قُرنتِ بنصر الله حين صَنَعْتِ للإ ... مام أمير المؤمنين المؤَيَّدِ
إمام حَلَى جِيْد الزَّمان(3) بجوده ... محمَّدٍ ابن القاسم بن محمَّدِ
__________
(1) في (ب): يتناسب.
(2) في (ب): الإمام.
(3) في (ب): الكمال.
ومما اتفق أنه لمَّا مات السيد العلامة إبراهيم بن الإمام المتوكل على الله، وكان هذا السيد من حسنات الأيام، حُفْظةً قد ألمَّ بكل غريبة من علوم القراءة، والنحو، وأشعار الحكمة، والأدعيَة، وبالجملة فكان من أوعية العلمِ، ومع ذلك فهو أكمه، وكان من أصلح الناس على صغر سنه، وقد(1) اتصل به الفقيه العلامة صلاح بن نهشل الذنوبي، وغذاه بالفوائد، ولكن الذي قد حفظه السيَّد صارم الدين عن غير شيخه المذكور (جمٌ غفير)(2)، فإنه كان وحيداً، فلمَّا مات، عظم الخطب على(3) المسلمين، فكتبت أنا إلى الإمام أبيات الإمام شرف الدين التي أوَّلها:
حمدت الله ربي يا بنيَّ ... على يومٍ(4) نُعِيْتَ به إليَّا
نفضت حشاشتي والروح لمَّا ... نفضت تراب قبرك من يديا
ولمَّا أن خَتمتَ الذكر غيباً ... قَدِمتَ بِهِ علَى الباري صَبِيّا
وكنَّا في زفاف الختم نسعى ... وقال الرَّبُّ زَفَّتُهُ إليَّا
لإحدى عشرة مع نصف عامٍ ... وطئتَ بهمَّةٍ هام الثُّريَّا
وكنت قَدِ امتلأت من المعالي ... فلم تترك من الإحسان شيَّا
وحسن الصبر دَأب العبد إلاَّ ... على صابي فقدك لو تهيَّا(5)
يقول الصبر للزفرات مَهْلاً ... وقال اللاعج الأسفيّ هيّا
ولمَّا لم أجد لي عنه بُداً ... صَبَرتُ تكلفاً بعد اللَّتيَّا /10/
ومأتيّا بتصغير لهَا مِنْ ... رزيَّة هالك حسن(6) لتيَّا
ومهمَا رَام قلبي الصبر كيما ... أثاب كوَاه عند الوجد كيَّا
وكيف يلام ذو وجدٍ على من ... يميِّز في الصِّبا رُشداً وغيّا
وكم يومٍ ملأت بما أرَى منْ ... مخايل فيك صَالحَةً يديَّا
(يعزّ عليَّ رسفك خلت قلبي ... حميّا الموت تلك هيَ الحميَّا
وأن يحثى عليك الموت حثواً ... فإن تحيَّة الموتَى تحيَّا
__________
(1) في (ب): وكان قد.
(2) ما بين القوسين في (أ): وهو بياض في (ب).
(3) في (ب): في نفوس.
(4) في (ب): علم.
(5) سقط هذا البيت في (ب).
(6) في (أ): حرى.
ويا أسفا مني عليك مَهمَا ... تصوَّر منك ذيَّاك المحيَّا(1))
فلا زالت بقاع غبت فيها ... بجود مدامع الوسميِّ(2) رَيَّا
ولا زَالت ركاب الشكر تطوي ... القضا لله ذي الملكوت طيَّا
وأوَّلها تحط لديه وقراً(3) ... وآخرها تحمَّل من لدَيَّا
ثم لم أشعر إلا بكتابٍ إلى الإمام - عليه السلام - من عبد الحميد بالأبيات، (فعجبت من توارد الخواطر على التمثل.
ثم ذكرت قضيّة لهذه الأبيات)(4)، وهي: أنه لما مات ابن الإمام شرف الدين المسمَّى بعبد القيوم، وكان من سادات العترة وأناجبهم(5)، ولم يبلغ عمره إلا إحدى عشرة سنة ونصف، وقد كان يجاري العلماء، ويستحق أن نذكره ونفرده بترجمة، وقبره - عليه السلام - في القبَّة - قبلي(6) (الجراف) مِن أعمال (صنعاء) - مشهور مزور، وممَّا يروى أنه حضر في مسجد الحشحوش بـ(الجراف) والعلماء يخوضون في مسألة البهائم إذا تم سؤالها وحسابها أين تصير؟ فذكروا المقالات، ولم يذكروا أشهرها وأحسنها، وهو أن الله يخلق لهن رحبة في الجنة، فلما كثر الخوض، قال السيد عبد القيوم: وما يشكل عليكم من أمرهن؟ لعل الله يخلق لهن رحبة يتنعَّمن فيها، فأعجب الحاضرون بذلك، وكتبوه عنه.
__________
(1) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(2) الوَسْمِيّ: مَطَرُ الربيع الأول. القاموس المحيط 1075.
(3) في (ب): وفراً.
(4) ما بين القوسين ليس في (ب).
(5) سقط من (ب): وأناجبهم..
(6) في (ب): في.
قلت: ولما مات عبد القيوم المذكور أنشد الإمام هذه القصيدة، وأكثرها من شعر الأمير صلاح الدين الأريلي، وفيها بيت مشهور متقدِّم على الأمير صلاح الدين، وهو: حمدت الله ربي يا بنيّا.. فإن أصله: حمدت الله ربي يا عليا. كما(1) قاله بعض الناس في أمير المؤمنين - كرَّم الله وجهه - وهذه الألف في قوله يا عليّا ألف الندبة، فلما أخرج الإمام القصيدة، أخرج السيَّد العلامة عبد الله بن القاسم العلوي القصيدة - أيضاً - اتفقت خواطرهما وذلك من العجائب.
توفي عبد الحميد [في نيف وخمسين وألف](2) ودفن بـ(السودة) عند القبة عند باب (السودة) القبلي.
عبدالرحمن بن أبي ليلى(3)
عبد الرحمن بن أبي ليلى، من جماعة الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره العلامة البغدادي - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): مما.
(2) ما بين المعكوفين بياض في النسخ، وما أثبته من ملحق البدر الطالع 113.
(3) سقطت هذه الترجمة من (ب).
عبد الرحمن بن الحسن القاسمي الجحافي
السيد العلامة الشهير وجيه الدين: عبد الرحمن بن الحسن القاسمي الجحافي - رحمه الله - من أهل البراعة والفهم، والحافظة والعلم الغزير، والتمكن من الفضائل، يُضرب به المثل، قرأ العلوم وحققها، ودرس (العضد) على الإمام الناصر الحسن بن علي - عليه السلام - (بصعدة) بمسجد النزاري، وحضر ذلك المجلس علماء الوقت، وأدرك المجلس طفلا شيخنا الحسن بن شمس الدين الماضي ذكره، وكان الإمام وحيداً في العلم، سيما في علم الأدوات، وأمَّا المنطق فإليه الغاية فيه، قرأ على /11/ رجل من (شيراز) وجوَّد، وحقق، وأما التفسير فهو إمامه، فكان يُدَرِّس السادة المذكورين في (العضد)، ويأتي بغرائب وعجائب. والسيد عبد الرحمن كثير الصمت، وكانت له علاقة بالسيد الأمير المفضال أحمد بن الحسين المؤيدي، فكان يسمر عنده، ويأتي للقراءة من غير درس، فلامه الأصحاب، ونسبوه إلى التفريط وعدم الحفظ لما أملاه الإمام، فقام واتكأ إلى السَّارية التي يتكئ إليها الإمام عند التدريس، وقال: اسمعوا مني معاشر أمس جميعها(1) غيباً، فقرأ لهم الدرس كما أملاه الإمام لم ينقص حرفاً، ولمَّا وصل إلى حرفٍ من الكلام، قطعه الإمام عند الإملاء لشرقة بريقه، تشارق السيد بريقه، وقطع الحرف من حيث قطعه الإمام، فقال له الإمام: يا عبد الرحمن، اسمر عند أحمد بن الحسين كيف شئت، وكان الإمام يذكره بالحافظة والذكاء(2)، ولمَّا دخل بلدة (حبور) أوصى السادة بالعلم، وقال: يا سادة، اللهَ اللهَ في العلم، فإني أعرف فيكم رجلاً ليس له نظير، وهو السيد عبد الرحمن بن الحسن.
وبالجملة، فالعبارة تقصر عن وصف حاله تحقيقاً، وله شعر حسن من ذلك:
أولى وأحرى بالملامة لوَّمي ... مني وأجدى بالجدال المبرم
لاموا علي أن ظل دمعي ذارفاً ... (والحق أن أبكي دموعاً من دمي)(3)
بل لو بكيت دماً لقل لحادث ... أضحى لدَيهِ كل ذي بصرٍ عمي
__________
(1) سقط من (أ) جميعها.
(2) سقط من (أ): الذكاء.
(3) مطموسة في (ب).
ومن شعره في السيد الرئيس علي بن إبراهيم بن جحاف المدفون في ظاهرة رأس جبل هنوم، وكان من عيون الزمان وأهل الكمال الواسع:
ألا أيها البرق الذي لاح من بُعْدِ ... فهيَّج أشجاني وجدد لي وجدي
وميضك من قلبي وغيثك أدمعي ... ومن زفراتي والبكا حنَّة الرعدِ
وقد أنحلت جسمي حرارة أدمعي ... ومنهمر الأعيان قد خدَّ في خَدِي
عساك إلى الأحباب تهدي تحيتي ... وتخبرني عن دار هند وعن هندِ
توشيح:
ما حال رسم الخل والبوادي ... وما خدود الجوذر النوادي
بل كيف تلك الدور والنوادي ... وكيف كعبا خِلِّيَ البوادي
تقميع:
يا ليت من زارهْ إلى ربا دارهْ ... وأفتَح أزرارهُ واجني من أزهارهْ
بيت:
وابلغ بلقيا فاتني مرادي ... واضُمّ صدره يشتفي فؤادي
بيت:
ففي مهجتي من طول ذا البعد والنوى ... بنار وقد ذاب الفؤادمن الفقدِ
فيا ليت أحبابي لما بيَ شاهدوا ... ويا ليت شعري كيف حالهمُ بعدي
توشيح:
الحب أظنى خاطري وأتعبْ ... والهجر أفنى مهجتي وأذهبْ(1)
والقلب من طول النوى مذبذبْ ... مسكين من هو في الهوى معذب
تقميع:
ويشفي الناظر، من خدك الناضر، فانا لِذَا ناظر، يا محظئ الناظر
من طول هجرك ما أذوق زادي ... ولا حَلا لي بَعدكم رقادي
بيت:
منامي طريد من فراق أحبتي ... وقلبيَ لا يقوَى وقيتم على الصَّدِّ
فهل منكم للعهد عند وداعنا ... وفاء فإني لا أحول عن العَهْدِ
توشيح:
هل عهدكم عند الوداع باقي ... وشوقكم هل يشبه اشتياقي
والخل ماذا نال من فراقي ... أو هل يلاقي مثل ما ألاقي
تقميع:
هجر الحبيب اضنى، قلبي ولي عنا، وبعدُكم عنَّا، للصبر قد أفنى
يا من جبينك مثل بدر بادي ... لي منك مَن لي عند كل بادي
بيت:
ومن أرتجيه بعد ربي لمطلبي ... ومن أرتجيه في أموري وفي قَصدي
جمال الهدى محي المروءة والنَّدى ... وكاسب أنواع المفاخر والمجدِ
توشيح:
من المعالي طينته وعوده ... ومن يُنَجِّز بالوفا وعوده
__________
(1) في (ب): وأتعب.
ومن تُرجَّى(1) نفحته وجوده ... أدام لي رب السما وجوده
تقميع:
لا زال في أفراح، ولا برح مرتاح، واعداه في أتراح، من فالق الإصباح
جمَّ الندى والمجد والأيادي ... ومرغم الحسَّاد والأعادي
بيت:
علي محبّ الوافدين كأنما ... يجود له حسَّاده بالذي يجدي
فإن شئت أن تهدي إليه فأهده ... سُؤالاً تجده عنده خير ما تهدي
توشيح:
لا زال إقباله عظيم دائم ... وعاش من صرف الزَّمان سالم
محيي(2) رسوم المجد والمكارم ... سبط الأكابر صفوة الأكارم
تقميع(3):
سلالة الأمجاد، يدوم ما يعتاد، ولا برح يزداد، من غاية الإسعاد
وافضل صلاتي ما يشن غادي ... على النبي المختار خير هاد
وقُبر - رحمه الله - في ثلا.
عبد الرحمن بن عبد الله بن داود دعيش [ - 1003 ه ]
العلامة المحدث، المجتهد العابد، السَّائح المتأَلِّه، عبد الرحمن بن عبد الله بن داود بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن سُليمان بن محمَّد بن عبد الله بن دعيش بن غيثان بن محمَّد الشطي(4)، ثم الخولاني، ثم الحرازي - رحمه الله -.
__________
(1) في (أ): يُرجَّى.
(2) في (ب): يحيى.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): السعبي، وما أثبته من أعلام مؤلفي الزيدية.
هو شيخ الشيوخ، وإمام الرسوخ، صاحب العبادة والزهادة والسياحة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكان لا يُلحق في علم الكلام، إماماً في العربيَّة، مفسراً للقرآن، صنف تفسيراً وكتبه في مصحف، جمع فيه صناعات المصاحف، وصيَّره إماماً يقتدى به، واستقصى على ما في المصحف العثماني، وجمع فيهِ ما لا يوجد لغيره، واصطنع الكاغد(1) بيده، والحبر ليكون طاهراً بالإجماع، وخدمه خدمة فائقة، وهو مرجع قد كتب عليه بعض العلماء مصحفاً، وأمر إمامنا - عليه السلام - بكتابة مصحف - أيضاً - بجميع ما فيه، ولم أتيقن تمام ذلك، وصار هذا المصحف بيد مولانا صفي الدين أحمد بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، استهداه من ابنةِ العلامة المذكور، فإنها عاشت مدَّة مواظبة على العبادة.
وكان عبد الرحمن المذكور يسيح في البلاد، ويمضي في مواقف العلماء والهجر، ويصحح النسخ /13/، ويُحشِّي عليها، إذا مرَّ بخزانة كُتب في بعض الهجر، أقام حتى يمرَّ(2) عليها، ويصحح فيها، مع اطلاعه بكل كتاب قد مرّ عليه، فهو إمام غير محتاج إلى أستاذ.
وكان يلبس الخشن، ويحمل معه آلة النجارة، ويصلح بها أبواب المساجد ونحوها، ولعله يسترزق منها، وكان في الحديث إماماً جليلاً، كان شيخنا الوجيه عبد الرحمن بن محمَّد يثني عليه، إلا أنه زعم أنه حفظ المتون حفظاً عظيماً، ولم يطلع على شروح الحديث.
__________
(1) الكاغَد هو: القِرطاس. القاموس المحيط 298.
(2) في (ب): تم.
وله كتب نافعة، من مشهورها رسالته في (نظر الأجنبيَّة)، وتضعيف الرواية عن الفقهاء الشافعيَّة والحنفيَّة بجواز ذلك، واستظهر بالأدلة وبأقوال الفريقين، وأحسن ما شاء، ولا جرم أن تلك الرواية غلط عليهم، وقد حرَّر المؤيد(1) بالله - عليه السلام - سؤالاً إلى شيخ الشافعيَّة محمد بن الخالص بن عنقاء، فأجاب بجواب بسيط حاصله ما ذكرناه، وأنا لم أطلع عليه، لكنه أفادنيه شيخي شمس الدين - رحمه الله - وعبد الرحمن المذكور هو شيخ الإمام القاسم، وشيخ العلامة عبد الهادي الحسوسة.
توفي - رحمه الله - في ثالث عشر شهر شوال سنة ثلاث وألف، وقبره بـ(جربة الروض)، وهو يلتبس برجلين من (الحيمة):
أحدهما القاضي العلامة: عبد الرحمن بن عبدالله الآتي ذكره.
عبدالرحمن بن محمد الحيمي:
والعلامة الكبير: عبد الرحمن بن محمد شيخ المعقول والمنقول، كان حافظاً، وإن لم تكن(2) له قوَّة إدراك في النقد والاستنباط، وتعلق بكتب الأشاعرة وحفظ منها، قرأنا عليه، فهو أحد شيوخنا في (المنتهى) و(العضُد) إلى المقاصد(3)، وفي كتاب (نجم الأئمة) إلى التوابع و(المغني) إلى اللام، و(الألفية) للعراقي و(الألفية) للأسيوطي وغير ذلك، وكان والده محمد المذكور فيما حكاه سيدنا سعد الدين والد القاضي(4) - رحمهم الله - من صالحي الشيعة، ومن أهل المودة لعترة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قرأ عليه سيدنا سعد الدين في الفرائض.
توفي شيخنا عبد الرحمن بن محمد في سابع وعشرين شهر ربيع الأول سنة ثمانية وستين وألف، ومن مؤلفاته: (حاشية جليلة على بلوغ المرام) لابن حجر في الحديث، وكان حسن الخط، وله اليد الطولى في النظم والنثر) ودفن بـ(جربة الروض) - أيضاً رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): الإمام المؤيد.
(2) في (ب): تأن.
(3) سقط من (ب): إلى المقاصد.
(4) في (ب): القاضي أحمد.
عبد الرحمن بن عبد الله
القاضي العلامة عبد الرحمن بن عبد الله بن صلاح بن سُليمان بن محمد بن داود بن إبراهيم بن أحمد بن علي - رحمه الله - كان فقيهاً عارفاً، وَلي القضاء بجهة (الحيمة) للإمام المؤيَّد بالله، والإمام المتوكل على الله - عليهما السلام - وكان نبيهاً(1) فاضلاً، حسن التلاوة للقرآن العظيم، مؤدياً تأدية حسنة، ويلتقي نسبه ونسب العلامة عبد الرحمن بن عبد الله شيخ الإمام القاسم الذي سبق(2) ذكره في داود بن إبراهيم المذكور، وجدهما سليمان المذكور، يجمع نسبهم ونسب فقهاء (حصبان)، وفقهاء (العيانة)، ومشائخ (سماة) بني النوار، وفقهاء (الرجم)، هكذا قاله عبد الرحمن صاحب هذه الترجمة، وبنو النوار فيما أحسب ينسبون أنفسهم إلى غير هذا النسب، والله أعلم، توفي (……)(3) بعد أن اختلط - رحمه الله تعالى -.
عبد الرحمن بن محمد
السيد العلامة إمام المعقول عبد الرحمن بن محمد بن(4) شرف الدين الجحافي، كان عالماً فاضلاً يضرب به المثل في الذكاء، وكان يُشَبَّه بجده من قبل الأمهات السيد عبد الرحمن الماضي ذكره، وكان محققاً في الأصول والمنطق، واشتغل بالتفسير في آخر عمره، وله (شرح على غاية السؤل)، كتاب مولانا الحسين بن القاسم - عليهما السلام - وأجاد فيه، وكان متولياً لأعمال (حفاش)، ثم استقر بـ(صنعاء)، وكان لا يطمع في شيء من زينة الدنيا، ولا هم له بغير العلم - رحمه الله - توفي (بالحشيشية) من مخاليف (صنعاء) في (……)(5) - أعاد الله من بركته -/14/.
__________
(1) في (ب): نبيلاً.
(2) في (ب): مر.
(3) ما بين القوسين بياض في النسختين، وتاريخ الوفاة من...
(4) سقط من (ب).
(5) ما بين القوسين فراغ في النسختين، وتاريخ الوفاة من..
عبد الرحمن بن المنتصر
العلامة الفقيه المجاهد عبد الرحمن بن المنتصر - رحمه الله -(1)، كان فقيهاً عارفاً، له قَدَمٌ في الجهاد وسابقة، يقود العسكر، ويباشر الحرب، ويجاحمها، وذهبت إحدى كريمتيه في سبيل الله سبحانه، وكان يُعد في أضراب العلامة سعيد بن صلاح الهبل، وهو أحد تلامذة القاضي سعيد، ومن جملة الذين قرؤوا عليه بمدينة (كحلان)، واتفق أن القاضي سعيد غفل يوماً، فاستناب للتدريس عبد الرحمن(2)، فدرَّسهم، ولم ينتظروا الشيخ، وكانت إحدى العجائب التي يتعجَّب بها الطلبة، وكان القاضي سعيد يقول: إن تلك القراءة التي ناب عنه فيها عبد الرحمن في ذلك اليوم يجدها عَلماً في الكتاب المقروِّ، ولا أدري في (شرح الأزهار) أو غيره، فإنه فاته فيها التحقيق، وكان عبد الرحمن فصيحاً له قصيدة طنانة حسنة إلى الفقيه العارف يحيى بن أحمد المخلافي - رحمه الله - وتوفي في (الشرف)، وعُمل عليه مشهدٌ (أعاد الله من بركته)(3).
عبد السلام بن محمد القزويني [393هـ - 488 ه ]
العلامة الحافظ صاحب التفسير، أبو يوسف عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار القزويني الزيدي، نزيل (بغداد)، قال الذهبي في (النبلاء): سمع أبا عمرو بن مهدي، والقاضي عبد الجبار بن أحمد.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
(2) في (ب): بعض الحاضرين.
(3) في (ب): - رحمه الله -.
(قلت)(1): هو راوي (الأمالي) عنه - رحمه الله - قال: وسمع بـ(همذان) من أبي طاهر بن (سلمة)(2)، وبـ(أصفهان) عن أبي نعيم، و(نجران) عن أبي القاسم الزيدي وطائفة. قال السمعاني: كان أحد الفضلاء المقدمين، جمع التفسير الكبير الذي لم يُرَ في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد. قال محمد بن عبد الملك: ملك من الكتب ما لم يملكه أحد، قيل: ابتاعها من مصر بالخبز وقت القحط، وحدثني(3) عبد المحسن بن محمد أنه ابتاعها(4) بالأثمان الغالية، كان يبتاع من كتب (السيرافي)، وكانت أزيد من أربعين ألف مجلد، فكان أبو يوسف يشتري في كل أسبوع بمائة دينار، ويقول: قد بعت رحلي وما في يدي، وكان الرؤساء يصلونه، وقيل: قدم (بغداد) بعشرة أحمال كتب، وأكثرها بخطوط منسوبة، وعنه(5) قال: ملكت ستين تفسيراً، قال ابن عبد الملك: وأهدَى للنظام (غريب الحديث) لإبراهيم الحربي في عشر مجلدات، وشعر الكميت في ثلاث عشرة مجلدة، و(عهد القاضي عبد الجبار) بخط الصاحب إسماعيل بن عباد، كل سطر في ورقة، وله علاق من أبنوس في غلظ الأسطوانة، وأهدى له مصحفاً بخط منسوب بين سطوره القراءات بأحمر، واللغة بأخضر، والإعراب بأزرق، وهو مُذهَّب، فأعطاه النّظام ثلاثمائة دينار، وما أنصفه، لكنَّه اعتذر، قال: ما عندي مال حلال سواها. قال محمد بن عبد الملك: وكان فصيحاً، حلو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات والأخبار، زيدي المذهب فسر (القرآن)(6) في سبعمائة مجلد كبار.
__________
(1) في (ب): فراغ.
(2) في (ب): فراغ.
(3) في (ب): فحدثني.
(4) ليس في (ب).
(5) ليس في (ب): عنه.
(6) فراغ في (أ).
قيل: دخل الغزالي إليه وجلس بين يديه، فقال: من أنت؟ قال: من الدرسة(1) بـ(بغداد)، قال الغزالي: لو قلت: إني من (طوس) لذكر تغفيل أهل (طوس) من أنهم سألوا(2) المأمون، وتوسَّلوا(3) بقرابته عندهم، وطلبوا أن يحولَ الكعبة إلى بلدهم، وأنه جاء عن بعضهم أنه سئل عن نجمه فقال: التيس. فقيل له، فقال: كان من سنين يعرف بالجدي، والساعة قد كبر. قال أبو علي بن سكرة: أبو يوسف كان معتزلياً، داعية يقول: لم يبقَ من ينصر هذا المذهب غيري، وقد كانَ أسنَّ(4)، ويكاد أن يخفى في مجلسه، وله لسان (شاب)، ذكر (لي)(5) أن تفسيره ثلاثمائة مجلدة فيها سبعة في سورة /15/ الفاتحة، وكان عنده جزءًا من حديث أبي حاتم الرازي عن الأنصاري، فقرأت عليه بعضه عن القاضي عبد الجبار، عن رجل ، عنه، قرأته لولدَي شيخنا ابن سوار المقري، وقرأت لهما جزءاً من حديث المحاملي، وسمعه في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة (وهو ابن أربع سنين أو نحوها، وقيل: ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة)(6)، قال ابن ناصر: مات في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة(7). انتهى
عبد السلام بن ميمون البجلي
العلامة السيف المجاهد في الله تعالى، عبد السلام بن ميمون البجلي، أحد رجال الزيدية وفضلائهم، وهو من تلامذة الإمام زيد بن علي، وشهد معه الواقعة، ذكره البغدادي - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): المدرسة.
(2) في (ب): أتوا.
(3) في (ب): وتوسَّلوا الله.
(4) في (ب): وكان قد أسَنَّ.
(5) ما بين القوسين فراغ في (أ).
(6) ما بين القوسين ليس في (ب).
(7) في (أ): ثمان وأربعمائة، وهو غلط؛ لأن المشهور أنه ولد سنة ثلاث بعد تسعين وثلاثمائة.
(8) هذه الترجمة ليست في (ب).
عبدالرزاق الصنعاني(8): [126هـ - 211 ه ]
أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني، مولى حمير، قال أبو سعد السمعاني: ((قيل ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مثل ما رحلوا إليه، كانت ولادته في سنة ست وعشرين ومائة، وتوفي في شوَّال سنة إحدى عشرة ومائتين، والصنعاني - بفتح الصاد المهملة، وسكون النون، وفتح العين المهملة، بعد الألف نون - هذه النسبة إلى مدينة (صنعاء)، وهي أشهر مدن (اليمن)، وزادوا النون في النسبة إليها، وهي نسبة شاذة، كما قالوا في بهر: بهراني)). انتهى
عبد العزيز بن إسحاق
العلامة الحافظ المحدث، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - والد الشيخ القاسم الآتي ذكره - إن شاء الله - هو شيخ العلامة أحمد بن محمد البغدادي الآبنوسي، الذي قرأ عليه الإمام أبو طالب الحسني، والبغدادي الآبنوسي المذكور شيخ أبي العباس الحسني - رحمهم الله تعالى -.
عبد العزيز بن أبي عثمان
العلامة عبد العزيز بن أبي عثمان الزيدي المعروف بالبارقي، أحد تلامذة الإمام الأعظم [زيد بن علي]، حكاه البغدادي - رحمه الله تعالى - ووصفه في ضمن وصف غيره بالعلم - رضي الله عنه -.
عبد العزيز بن محمد التميمي [ - 1016 ه ]
القاضي العلامة، صدر الحكام، عبد العزيز بن محمد بن يحيى بن بهران التميمي البصري، ثم الصعدي، العالم الكبير، كان متضلِّعاً من كل العلوم، قال شيخنا العلامة أحمد بن يحيى حابس: إنه كان يعرف جميع علوم الاجتهاد علم إتقان، لكنه لا يستنبط الأحكام، وهو شيخ الشيوخ في الحديث والتفسير، وكان من كراماته أنه في آخر عمره لا يستضيء إلا العلم، حكى تلميذه السيد داود بن الهادي - رحمه الله - أنه كان يقرأ عليه في (الذويد بصعدة)، فكان يومئذٍ ينظر في حواشي الكتاب لا يميزها إلاَّ حاد البصر، وأدرك ذلك، ثم خرجا، فأصابا جملاً يحمل فحماً أو حطباً، فقال له في ذلك، فقال مُقْسماً: ما مَيَّزْتُهُ.
وله في الفقه قدم راسخة، وهو الذي أجرى القوانين في آبار (صعدة) في المساني، وقدَّر الأجباب(1) المعروفة من الماء، وجعل المغارم تابعة للعروقين - أيضاً - مسألة (……)(2) الشارح مقالتهم على نظم محكم، وذلك أنه عرف جميع الضياع تحقيقاً، وذرع الماء على الطين، والشارح كذلك. وجرت بينه وبين السيد الناصري مناظرة في (الصحابة)(3)، فأحصره السيد؛ لأنه كان لبقاً محجاجاً، ثم إن العلامة عبد العزيز كتب شيئاً من الحجج، ومدحه ابن عمر الضمدي بقوله:
لله درك يا عبد العزيز لقد ... وضعت هذا الدوا في موضع الوجعِ
الأبيات. بعد أن كان ابن عمر منعه من المناظرة.
ومما يروَى عنه أنه تشاجر إليه بعض العتاة أهل السطوة، فلما أراد الحكم على ذلك الطاغي أشار إليه أنه سيغيَّر عليه عنبه(4) إذا حكم، فقال القاضي: أخروا الحكم، ثم طلب بعض الناس، وباع منه العنب جميعه، وطلب الخصم /16/ وحكم عليه، وقال له: العنب قد بعناه من فلان، لا تغلط - أعاد الله من بركته - توفي يوم الأربعاء ثامن رجب عام ستة عشر وألف(5) بمدينة (صعدة).
__________
(1) في (ب): الأجناب. والأجباب: جمع جُبّ: البئر. القاموس المحيط 74.
(2) بياض في (ب)، وهو مهمل في (أ).
(3) فراغ في (ب).
(4) سقط من (أ) عليه، ومعنى ذلك يحدث فساداً في في بستان عنب له.
(5) في (ب): ثامن رجب سنة عشر وألف.
عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي
العلامة عبد العزيز بن محمد النعمان الضمدي، قاضي القضاه عين الأوان، المتضلِّع من العلوم، شيخ المعقول والمنقول، كان من أفراد وقته، ولي القضاء بـ(تهامة) في المخلاف السليماني، ودخل (زبيد) مراراً، وولي بها القضاء، ثم تركها لأمرٍ استنكره، واستمر على القضاء ببندر (المخا) المحروس، وحمدت طريقته وعفته، فإنه كان من ذلك بمحل، وكان حليف القرآن، يؤدي تأدية تسهي الراكب(1)، وله مشايخ، وأكثر قراءته بـ(صعدة)، وكان حسن الخط، ولمَّا ضربت يده اليمنى من بعض المردة في الطريق عند العنق(2) وهو متوجِّه إلى (صعدة) للقراءة تعذرت عليه الكتابة بيمينه، فكتب بيساره، فأجاد وأحسن، وله شرح على (الخبيصي)، شرح (الكافية)، سماه (البغية)، وله (السلم) على (معيَار الأصول) للإمام المهدي، وتخريج أحاديث (الشفاء) وأجاد فيه، وأراد شرحه - أيضاً - وله عدَّة رسائل ومقاولات، وقد سبق ذكر له عند ذكر ابن جناح - رحمه الله -.
العلامة عبد العزيز بن المطلب المخزومي
العلامة عبد العزيز بن المطلب المخزومي - رحمه الله - من كبار الزيدية، ولي قضاء (المدينة)، من قبل إمام الحق المهدي لدين الله النفس الزكية محمد بن عبد الله - سلام الله عليهما -.
__________
(1) في (ب): الركب.
(2) في (ب): المعنق.
عبد القادر بن حمزة التهامي [ - 1014 ه ]
العلامة الفقيه وجيه الدين عبد القادر بن حمزة التهامي البيهي - بالياء باثنتين من أسفل بعد باء تحتية موحدة بعدها هاء - نسبة إلى (بيه) من قرى (حلي)(1)، يمر بها الحاج اليماني - كان عالماً زاهداً محققاً في الفروع، صاحب عدَّة من الكتب، انقطع إلى (اليمن)، وتزوّج، ثم انقطع إلى (البجلي)، وأقام (بعاشر) من مخلاف خولان العالية، وقرأ عليه الناس وحققوا عنه(2)، وله تلامذة أجلاء من جملتهم - فيما أحسبه - القاضي عامر، ولا أثبت ذلك يقيناً، ومنهم يقيناً والدنا القاضي العلامة علي بن أحمد بن أبي الرجال - رحمه الله - وخلق كثير، ومن شيوخه ابن راوع، وله حاشية على (الأزهار) مفيدة، وفتاوى مبوَّبة على أبواب الفقه، وكانَ من عباد الله الصَّالحين، ولمَّا دخل سنان باشا إلى بلاد (خولان العالية) مرَّ به وهو متوجّه إلى القبلة للعبادة، وقد كان أُلقِيَ إلى سنان أنه يتناول الزكوات، ويصرفها، وأنه يثبط عن الأروام، وقد كان مثل ذلك موجباً لفرار الفقيه - رحمه الله - لكنَّه لجأ إلى الله سبحانه، فلمَّا مرَّ به سنان أرسَل إليه، ثم دعا بالرسل، وقال: اتركوه، فتركوه(3).
توفي - رحمه الله - في (عاشر)، وقبر بالقبَّة التي قبر فيها القاضي عامر - رحمه الله - وأصاب التهامي آخر أيَّامه طرش قوي، وعُمِّر حتى أدرك دعوة الإمام القاسم بن محمد، وكان يقول: احملوني على قعادة أو نعش مع من تجهز للقتال حول (صنعاء) من أصحاب الإمام، (وكان من عجائبه كثرة التسعّط بالسمن(4)، يروى أنه كان يتسعط بنحو ربع رطل صنعاني، أعاد الله من بركته، وفاته في ربيع الأوَّل سنة أربع عشرة وألف)(5).
__________
(1) في (ب): اليبهي - بالباء باثنتين من أسفل عدها باء تحتية موحدة بعدها هاء - نسبة إلى بيه من قرى (حلي).
(2) سقط من (ب): عنه.
(3) سقط من (ب): فتركوه.
(4) التسعط بالسمن استنشاقه.
(5) ما بين القوسين ليس في (ب).
عبد القادر بن علي المحيرسي
القاضي العلامة عبد القادر بن علي المحيرسي، العالم الفقيه، أكثر قراءته في الفقه، ولذلك كان يقال له: حنش الفقه، وتمكن منه، وشرح (الأزهار) بشرح مبسوط، تكلم فيه على (شرح الأزهار) لابن مفتاح، وأورد فيه مسائل حسنة، وكان من المجاهدين، وأهل السبق في نكاية الأعداء، وكان شجاعاً يقود عساكر من (الحيمة)، كما كان والده - رحمه الله - فإنه كان يستقل بحرب الأمراء الكبار، واستشهد في حروب كانت بينه وبين الأمير صاحب (كوكبان)، وله علم وفضل، وكان معه هيكل، لا يمسه سوء وهو معه، وكان يمارس الحرب ولا يصيبه شيء، فاحتالوا في أخذه /17/ فأصيب، وأظنه رجع إلى وَلده، وسمعته يذكر ذلك.
وقد سأله بعض الأعيان عن سلامة مكانه في الحمى(1) عن الحريق، وقد عمَّ لم يبق إلا مكانه، وقد أطاف به الحريق. وكان مطعاماً منفقاً، صادعاً بالحق، وذكر لي القاضي العلامة الحسن بن أحمد الحيمي - رحمه الله - أنه كان له صاحب من مؤمني الجن يصلي معه جماعة.
توفي - رحمه الله - ببلدة (المحيرس) في (.........)(2)
__________
(1) في (أ): الحمأ.
(2) فراغ في (أ) و(ب).
وكان له أخ من نوادر الزمان، نبيهاً، ذكياً، أحاط بعلوم جمَّة، وتمكن من قواعد المذهب، ثم قرأ كتب الحنفيَّة، وولي القضاء للأروام بـ(صنعاء)، وقضى بمذهبهم، وكان في علوم المعقول والأدوات نسيج وحده، وكان يفتي الأروام بلغتهم، والفارسيين بلغتهم(1)، والعرب بلغتهم، وكان من أعيان الزيدية، قرأ على المفتي - رحمه الله - ثم اختلط بآخره(2)، قال لي بعض شيوخ الشافعيَّة: اختلط(3) المحيرسي بجودة ذكائه، أحرقت(4) الألمعيَّة عقله، وكان يذكر أنه المهدي المنتظر، وتارة يقول: هو الدابَّة التي تَكلم وتُكلم، وله أجوبة مسكتة، وأشعار فائقة في ضبط العلوم والأجوبات، ثم دخل (مكة) فاشتغل به العلماء هنالك، وكان مكي فروح الحنفي على جلالته يخدمه بالطهور، ثم توفي بـ(مكة) في أفراد خمسين وألف سنة.
عبد القادر بن محمد الذماري
العلامة المصنف البارع المحقق عبد القادر بن محمد بن الحسين الذماري - رحمه الله - ويقال له: الهِرَّاني، وكلا النسبتين صحيح؛ لأنه من (هرَّان ذمار)، كان عالماً عاملاً بليغاً متيقظاً، نشأ مع الإمام عزَّ الدين بن الحسن، فكان في سرعة البادرة، وجودة النادرة، يشبه السادة، فإنَّ لهم في ذلك ما ليس لغيرهم، وله إلى الإمام أشعار يستنهضه (للقيام، من ذلك ما قاله في قصيدة إلى والد الإمام - عليهما السلام - وذكر فيها الإمام يستنهضه، ومنها)(5):
فيا بحر دين الله بادر بدعوةٍ ... فكل لها من نحوكم متوقع
فإنا لنرجو أن تجاب وإنها ... تكون لها من حين يظهر موقع
ولمَّا نهض الإمام كان كاتبه، ومتولي مهمَّات كثيرة للإمام، وكان ملياً بذلك، ومن ملاطفاته مع الإمام، أنه اتفق أحدهما بالآخر في (الصعيد) من أعمال (صعدة)، وهو راكب على حمار، فقال له بديهة:
__________
(1) ليس في (ب): والفارسيين بلغتهم.
(2) بآخره فراغ في (ب).
(3) في (ب): اختلط أحمد.
(4) في (ب): أحرقت.
(5) ليس في (ب).
(أتركب في الصعَّيد على حمارِ ... وأنت من الحجاحجة الكَبارِ
فأجابه بديهة)(1) - أيضاً -:
ركبت على الحمار وليس عاراً ... فقد ركب النبي على حمارِ
ومما ذكر عنهما أنهما خرجا من (صعدة) راكبين على حمارين، فقال الإمام للفقيه يتأخر عنه؛ لأنه فضلة، فأجابه بأنه عمدة كالفاعل، وإن تأخر لفظاً، فهوَ مقدَّم رتبة. وكان العلماء منَ السَّادة - رحمهم الله تعالى - إذا استنكروا في كتاب غلطاً، قالوا: يكشط بمكشطة عبد القادر، يلمحون إلى ما كان يقوله، إذا لقي غلطاً عند أحد الطلبة، فإنه كان يقول: اكشط هذا الغلط بحافر بغلتي. وله عجائب حسنة، وكان سريع الإنشاء للكتابة والشعر، ومن ملح مكاتباته إلى الإمام، ما روي أن الإمام لمَّا طاف البلاد كما وصفه في القصيدة الدالية، وصل إلى (الهان) في بلاد (آنس) فتلقاه جميع أهلها بالإكرام، وأمر إليه القضاة الجلة آل عقبة السَّاكنون بـ(هجرة الأريم)، وسط جهة (بني خالد)، بضيافات سنيَّة هنيَّة، واستأذن خواص الإمام لأنفسهم أن يبقوا عند القضاة المذكورين، فأذن لهم، فأقام عندهم هذا العلامة، ويحيى بن محمد بن صالح بن حنش، والقاضي الزعيم محمد المنقدي وغيرهم، ثم كتب العلامة عبد القادر إلى الإمام هذا الكتاب /18/.
يا حبَّذا اللَّيلة مرَّت لنَا ... في هجرة الشمِّ بني عقبة
رعياً لها من بلدة ما(2) مضَى ... مِثْل لها في هذه الغربَة
وحبَّذا (الأريم) من بلدة ... صحيحَة الأهواء والتربَة
وَاهاً لهَا واهاً لها إنَّها ... من جنة الخلد لها نسبة
قصورها حفَّت بجنَّاتها ... تجري بها أنهارها العذبَة
وجوَّها منحرف واسع ... للقلب في السكنى بها رغبَة
طابت بها أنفسنا وانجلت ... عنها غمام الغم والكربة
خيَّم فيها عصبة دَأْبُهم ... أن يُكْرموا الأضياف في (اللزبة)
سقَى فروَّى مصلحاً هامِع ... من الحيا أفياءها الرحبة
__________
(1) ما بين القوسين ليس في (ب).
(2) في (ب): قد.
فيا أمير المؤمنين الذي ... له سمت فوق السُّهى رتبة
ائذن لنا في اللبث يومين في ... أوطانهم أيتها العصبة
وابسط لنا العذر وإن لم يكن ... فراقكم من مقتضى الصحبة
لا زال مَلْك العصر في نعمةٍ ... ولا رأى في دهره نكبة
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، سلام ساطع نُورُه، متضاحك نَورُه(1)، أعذب من بارد سلسبيل أمواه الأنهار، وأطيب من ترشاف سلاف أفواه الأبكار، وأعبق من شميم الزهور الندية، وألذّ من تقبيل صدور الخرائد الورديَّة، ورحمة الله المتفجرة عيُونها، المثمرة شؤونها، وبركاته الواسعة الأفياء، الكافلة ببلوغ المنى على مولانا أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين، أمَّا بعد: فإنا لمَّا سرنا من المخيَّم المنصور، والمقام المحجوج المزور، وصلنا إلى هجرة لا يحصرها المقال، ولا يبلغ إلى كنهها تصوُّر الخيال، جمعت غرائب العجائب، وعجائب الغرائب، وتعرَّت عن المساوي والشوائب(2)، وحميت عن سطوات المحن والنوائب، رياضها مفترة، وغياضها مخضرَّة، وأنهارها متدفقة، وأحوالها منتظمة متسقة، طيبة المثوى والمستقر، أنيقة المرأى والمنظر، فهي تنشد بلسان حالها مطربة، متبجحة ببديع مقالها معجبة:
أنا خير الأرض مالي ... شعب بوَّان يداني
لا ولا الغوطة مثلي ... أنا من بعض الجنانِ
فعيوني جارياتٌ ... كل حين وأوانِ
وقطوفي دانياتٌ ... يجتنيها كل جانِ
جانبي أضحى منيعاً ... فحلولي في أمانِ
كل من حلَّ بربعي ... فلقد نال الأماني
__________
(1) نَوْرُه: زَهْرُهُ. القاموس المحيط 454.
(2) في (ب): المشائب.
نعم، وحين كانت هذه نعوتها أتحفنا المقام النبوي الإمامي المولوي، بشرح شيء من تلك الصفات، وذكر طرفٍ من هاتيك السمات، لما نعرفه من تطلعه - أبقاه الله - إلى مثل ذلك، وإن لم نستطع استقصاء ما هنالك، والمأمول من طوله - أيَّده الله تعالى - القبول والاحتمال، /19/ وتستر(1) ما تقف عليه من الاختلال، تفضُّلاً وتكرماً وتطولاً، والسلام والدعاء مسؤول، وصلى الله على سيدنا محمد وآله). انتهى ما كتبه - رحمه الله - وله نظم في آداب الأكل، سائرٌ في الفقهاء، وهو مصنِّف (السلوك)، وهو كتاب عظيم نافع، ومن شعره في الإمام عزِّ الدين بن الحسن - عليهما السلام -:
يا أيها المولى الَّذي شأوه ... في المجدِ أسما من مدار الفلك
أنت الذي من يمتثل أمره ... يهدى ومن لم يمتثله هلك
فأغنني إني مقل فقد ... أعطاك من للأمر ذا أهَّلك
وأولني منك الذي أرتجي ... فإنما جملني جمّلك
واقض ديوني يا ملاذي وقل ... أبشر سنقضي عنك ما أثقلك
ولا تدعني معدِماً مقتراً ... وقل سنعلي في الورى منزلك
فإن يكن ذاك ولي لائق ... أو لا فإن الأمر والرأي لك
وقبره بمدينة (ثلا) في صرح مدرسة الإمام، وعنده - أيضاً - (ولده خطيب)(2) الإمام شرف الدين - عليه السلام -.
عبد الكريم بن أحمد الحميري [ - 1045 ه ]
العلامة عبد الكريم بن أحمد بن محمد بن مسعود الحميري الحوالي - رحمه الله -. كان متولياً للقضاء، مرضي الفضل، كان له ثبت في الفتيا، وبأن أثنى عليه عبد الله بن المهدي - رحمه الله -.
وتوفي في شهر ربيع الآخر(3) سنة خمس وأربعين وألف سنة.
__________
(1) في (ب): وستر.
(2) فراغ في (ب).
(3) في (ب): ربيع الأول.
عبد الكريم بن صلاح الحيمي
العلامة عبد الكريم بن صلاح الحيمي - رضي الله عنه - كان فاضلاً عابداً صالحاً، طلب العلم بـ(صعدة) المحروسة، وبها توفي، وقبر بجوار الكينعي، وهو مزور مشهور، ولا أعرف ما مقدار(1) ما حصله من العلم، غير أني رأيت إليه قصائد، ورأيت تعلق الفضلاء بزيارة قبره، فمما كتب إليه من الشعر ما كتبه القاضي العلامة علي بن محمد بن سلامة:
أيا عبد الكريم حماك ربي ... وسلّمك المهيمن كل حربِ
وحقك أن لي شوقاً عظيماً ... أذاب جوانحي وأذاب قلبي
ترجيت اللقاء والقرب يوماً ... فلم أسعد بإسعافٍ وقربِ
فيا ليت الزمان يجود صدقاً ... بقرب أحبَّتي ويزيل كربي
أعاني ما أعاني من نواكم ... وأضنى والنوى يضني ويسبي
فرفقاً بي ولا تصلوا التنائي ... وحسْبي مدَّة الهجران حسبي
متى شمس الهدى يروي ضمائي ... بإقبالٍ وأبيات وكتبِ
جفا وأطال قطع الكتب دهراً ... بلا سبب لذلك غير عتبِ
عليكم ما سرى برق سلام ... يحاكي الوبل في مسكٍ(2) وصبِ
ولا برحت تحيَّات عظام ... تخصكمُ على بُعدٍ وقربِ
قلت: وأراد بشمس الهدى: الوالد العلامة أحمد بن علي بن أبي الرجال، وأجاب الوالد شمس الدين بهذه الأبيات:
أتى المسطور من تلقاء ندبِ ... يخبر عن براعته وينبي
جمال الدين دام مدى الليالي ... معافى في صفا عيش وخصب
إلى آخر الأبيات، وعلي بن سلامة المذكور من فضلاء الوقت، عارف، له (شرح الفصُول اللؤلؤيَّة)، و(شرح الهداية)، وله سَمَاعات عدَّة، وهو الآن في الوجود - أطال الله بقاه - ولمَّا توفي عبد الكريم /20/ المذكور كتب شيخنا(3) العلامة محمد بن الهادي بن جحّاف، إلى الوالد شمس الدين أبياتاً منها:
الموت لا والداً أبقى ولا ولدا ... والمرء إن لم يمت في اليوم مات غدا
الموت حوض وكل الناس وارده ... فهات شخصاً لحوض الموت لن يردا
مات النبي أجل الناس مرتبة ... وكان أعظمهم عند الإله يدا
ومنها:
__________
(1) في (أ): ما مقدار.
(2) في (ب): سبك.
(3) زيادة في (ب): السيد.
فحين ذاق النبي الموت كان لنا ... أقوى دَليل على ألاَّ يَدع أحدا
فعزِّ نفسك عن إِلْفٍٍ تودَّعه ... وقم لتحصيْل زادٍ بَعد مجتهدا
فأنت في إثره - وَاللهِ - مرتحِل ... فهيئ الزَّاد إن حاديْ الرحيل حدا
فأجابه الوالد شمس الدين - رحمهما الله تعالى -:
أفاض دمعي وأوهى منيَ الجلدا ... علم أتاني فصبري عنده نفدا
من صعدةٍ جاءني رقٌّ فأرقني ... وندَّ نوميَ عن عينيَّ وابتعَدا
رفعت يا كاتباً ما كنت أحذره ... من فرقة الإلْف والحوض الذي وردا
وفاة من كان في الأيام غرَّتها ... وكوكباً لضياء العالمَين بدَا
شام الأنام بروقاً فيه صادقة ... فأقصَرته المنايا عن بلوغ مدى
مالي أرَى الموت لم تظهر فتاكته ... إلاَّ بِمَن كانَ نورًا للورى وهُدى
يا ليت علمك يا عبد الكريم طُوِي ... عني لأسلم حزناً فتت الكبدا
والحمد لله قد أمْضَى قضاه وما ... يلقى العباد من المقدور ملتَحدا
عبد الملك بن عبد الرحمن الأنباري [ - 206 ه ]
عبد الملك بن عبد الرحمن الأنباري الذماري، العالم الكبير المحدث، بقية أهل الإسناد صاحب المسند، ترجم له السيِّد الصَّارم، وصاحب (المقصد)، قالا: هو صاحب المسند، قاضي إبراهيم بن موسى بن جعفر - عليه السلام - بـ(صنعاء)، داعي الإمام محمد بن إبراهيم بـ(اليمن)، قتله ابن ماهان، وكان إبراهيم بن موسى قد قضَّاه على (صنعاء)، ولمَّا قدم ابن ماهان من قبل المأمون نقل إليه أن عبد الملك يكرهه، ويميل إلى إبراهيم بن موسى الطالبي، فقتله يوم الجمعة في شهر رمضان سنة ستَّ ومأتين، وأقام مطروحاً على وجه الأرض ثلاثة أيام، ثم قبر - رحمه الله - أخذ عنه أحمد، وسأله عن بلد (طاووس)، فقال: الجند، روى عنه النسائي، وأبو داود. انتهى
عبد الملك بن الغطريف
العلامة عبد الملك بن الغطريف الصَّائدي، فقيه (همدان)، وأحد علمائها، من عيُون زمانه، وأعيان أوانه، له مقاوَلاَت ومقالات، وهو الذي اعترض الإمامَ القاسم بن علي - عليهما السلام - بمخالفة الهادي في شيء من الاجتهاديَّات، وأجابه القاسم عن ذلك، واعترض - أيضاً - ولدَه الحسين بن القاسم، وطالما كتب إليه الحسين بالتبري من المخالفة، ثم من بعد ذلك تكلم في الشيخ عبد الملك بكلام فيه شراسة، وظني أنه ابن الغطريف الصَائدي الآتي ذكره - إن شاء الله تعالى-.
عبد المنصور الجيلاني
العلامة(1) عبد المنصور الجيْلاني من العلماء(2) الكبار، وصل مع الشيخ محمود بن علي الديلمي، إلى الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وكانا فاضلين عالمين(3) - رضي الله عنهما -.
__________
(1) ليس في (ب): العلامة.
(2) ليس في (ب): من العلماء.
(3) في (ب): عاملين.
عبد الوهاب بن سعيد [الحميري الحوالي] [ - 1018 ه ]
العلاَّمة عبد الوهَّاب بن سعيْد بن عبد الله بن مسعود الحميري الحوَالي - رحمه الله - كان عالماً مجتهداً، من بيتٍ شهير بالعلم، معمور بالفضل، نسبهم إلى ذي حوَال، فهم وآل يعفر والفقهاء آل الأكوع في نسب واحد، وكان عبد الوهَّاب من فضلاء وقته، وتسمّى الصنعاني نِسبَة إلى أمِّه، وكان متعلقاً بالسياحة، وكان دمث الأخلاق سهل(1) السجايا /21/، وله مكارم وآداب، وكان يأتي إلى (ذيبين) للتنزه أيَّام الخريف، فيجتمع به الفضلاء، ويتم لهم به الأنس، وكان جميل الثياب، حسن الهيبة، ويقال: إنه يعرف (السيميا)، ولمَّا اعتقل بـ(كوكبان) ظهر هذا منه، فإنه كان يخرج من المنصورة، ويضع ثيابه عند أرباب السجن، ويغفل اليوم واليومين، ثُمَّ يرجع ويفارقهم من محل وعر لا يمكن النفوذ منه، وله صناعة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ممَّا يدل على ذلك ما اشتهر عنه أنه طلع إلى بعض جبال (ذيبين)، فوجد في بعض الكهوف امرأة تبكي، وعندها رجل رقيب عليها، فسألها عن شأنها، وما سبب بكائها؟ فأخبرته أنها امرأة محتشمة ليست من ذوات الريب، وأنه اتفق بها نحو ثمانية نفر من العتاة العصاة، فاغتصبوها نفسها، وأمروا ذلك الرجل رقيباً بحفظها، وعزموا ليأتوا بما يليق بمعصيتهم من لحم يسرقونه ونحو ذلك، فلما أطال معها الحديث، جاء ذلك الرقيب، واستنكر الخطاب، فقال القاضي المذكور له: يا مسكين، ترضى لنفسك بهذه الحال الدنيَّة، والحال العليَّة تمكنك، قال: وما هي؟ قال: أزوجك هذه المرأة تكون(2) لك خاصَّة، قال الرجل: وهذا يتم، قال: نعم، فعقد له بغير شهود، فلمَّا وصل أصحاب ذلك الرجل، لقيهم، وقال لهم: هذه صارت زوجَتي بحكم القاضي، فلا يقربها أحد، فمنعهم، ثم نزل القاضي، وعقد له عقداً جديداً، وكان يزورها كل سنة - رحمه الله - مع هذا الحلم الكبير(3) بينه وبين العلامة إبراهيم بن
__________
(1) في (أ): شجج.
(2) في (ب): وتكون.
(3) في (ب): وكان مع هذا الحلم الكبير.
مسعود الماضي ذكره وحشة، وذلك من العجائب، وقد روي أنه صلح أمرهما وتراضيا - رحمه الله -.
وتوفي بـ(الظهرين)، هجرتهم المعروفة بـ(حجَّة)، في تاسع وعشرين من رجب سنة ثماني عشرة بعد الألف، وقبره إلى جنب السيَّد الفاضل شرف الدين محمد(1) الحمزي من جهة القبلَة. ورثاه السيد العلامة علي بن صلاح العبَالي - رحمه الله تعالى - فقال:
عين جودي بدمعك الهتَّان ... واندبي ماجداً عظيم الشانِ
فاضل طلَّق الدنا وتخلَّى ... عالم عامل بكل مكانِ
لم يَدع بغية من الفضل إلاَّ ... نالها بالسباق طلق العنانِ
يا له من مبرّزٍ في علومٍ ... ما حواها سواهُ من إنسانِ
فلفقدانه ثوت بفؤادي ... لوعَة دونهَا لظى النيرانِ
آه أضحى الأنام عمياً عليهِ ... لا يرون الضيَا منَ الصنعاني
رحم الله تربة ابن سعِيدٍ ... وسقى من لديه بالأمزانِ
ويغشّى ضريحه بصلاة ... إنه كان طيب الأردَانِ
عبد الهادي بن أحمد بن صلاح [ - 1048 ه ]
العلامة المتكلم شحاك الملحدين، وقرَّة عيُون الموَحِّدين، شيخ العلماء، وقدوة الراسخين، عبد الهادي بن أحمد بن صلاح بن محمَّد بن الحسن الثلاثي المعروف بالحسوسة - رحمه الله - كان منقطع القرين في علومه - حفظه الله - (2)، يُملي من صَدره ما لا تسعُه الأوراق.
قال سيدنا أحمد بن سعد الدِّين - رحمه الله -: كان هذا القاضي - رحمه الله - يحفظ مجموعات القاسم والهادي - صلوات الله عليهما - وغيرهما من الأئمة - عليهم السلام - ويمليها عن ظهر قلب غيباً بما يبهر العقول مع علوم سائر أهل الكلام، فهو أحقُ بما(3) تمثل له بما قيل في أبي الهذيل:
أطلّ أبو الهذيل على الكلامِ ... كإطلال الغمام على الأنام
__________
(1) في (ب): بن محمد.
(2) هكذا في (أ)، وفي (ب): الثلاثة ولواحقها.
(3) في (ب): من.
وكان يحفظ أحوال الناس، ولقي العلماء الفضلاء، وقرأ عليهم، ومن جملة شيوخه عبد الرحمن /22/ الحيمي، وعيسى ذعفان فيما أظنه، وعلي بن الحاج، وسيأتي ذكر عيسى ذعفان، وأما علي بن الحاج، فهو من جهة (الطويلة)، كان عارفاً، إلا أنه كان يخف في خطابه وأخلاقه، وكان بارعاً في علم الكلام، ويحمل القاضي عبد الهادي من جليل الكلام ودقيقه ما لا يشبهه فيه أحد، حتى إن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - لمَّا اجتمع به في (ذيبين) ببيت الفقيه الفاضل محمد بن يوسف الشرعي وراجعه، وكان معه ابنه أحمد بن الهادي، وكان فاضلاً في هذا العلم، فلما افترقوا، قال الإمام: ظني أن عبد الهادي أوسع علماً من أبي الهذيل؛ لأنه اطلع على ما حصَّله أبو الهذيل وغيره، وكان مطلعاً على قواعد (البهشميَّة)، لا يند عنه منها شيء، ولا يخفى عليه شيء من أحوال أهل هذا العلم الكلامي، يحفظ قواعد أهله وأخبارهم ووفياتهم(1)، وإذا أملى(2) في ذلك، أفعم الأسماع، ومع ذلك فهو في علم آل محمد الخرِّيت الماهر عن سماع ورواية، روي أن(3) شيخنا العلامة أحمد بن سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله - لمَّا بلغه أن عبد الهادي - رضي الله عنه - درس في (مجموع القاسم الرسّي)، قال: هذا الكتاب ليس من كتب المعتزلة، كالمعرّض بعبد الهادي أنه لا يعرف علم الأئمَّة، فبلغ ذلك عبد الهادي، فضجر لذلك، وقال: والله إني لأعرف علم آل محمّد، وأبوه القاضي سعيد في (بدبدة)، غير متعلق بالعلم، أو كما قال. وقد كان يظن بعض الناس لكثرة حفظه لقواعد المعتزلة أنه يميل عن مذهب العترة، وهو ترجمان ذلك وحافظه.
__________
(1) ووفياتهم فراغ في (ب).
(2) في (ب): ابتلى. ولعل الصواب أملى.
(3) ليس في (ب): أن.
روي أنه ذكر بعض تلامذته شيئاً من أحواله، فنسب إليه الميل عن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - كما تميل المعتزلة، فاتّفق أن القاضي أملى في فضائل أمير المؤمنين ما لا يعرفه إلا هو، وأطال، وأتى بكل عجيب وغريب، وكان في التلامذة الفقيه علي الشارح، وكان شيعياً كما يقال جلداً، فقام وحجل على رجله، أو نحو ذلك فرحاً بما سمع، فسألهم القاضي عن سبب ذلك فأخبروه بما قَد حصَل من الظنون في اعتقاده - رحمه الله - في أمير المؤمنين، وأنَّه نسب إليه ما ينسب إلى غيره، فبكى من ذلك، وتجرَّم من القائل - رحمه الله - وهو شيخ الشيوخ، وانقطع(1) إليه العلماء، وقرؤوا عليه، كالقاضي إبراهيم بن يحيى، والقاضي أحمد بن صالح العنسي، وآل الجربي وغيرهم، وسيّدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - وكان يعطِّر المجالس بذكره، ويملي عنه غرائب، وولي القضاء بـ(صنعاء) المحروسة، فتمَّ بسعيه أمور عظيمة للإسلام بحذاقه ومهارَة، وصناعة خارقة - رضي الله عنه - وله في السيَاسة ما لا يبلغه أحد، وقصصه في ذلك مشهورة، وله أولاد نجباء، منهم علامة الزمان حافظ المذهب: المهدي بن عبد الهادي، هو على منوال والده في التحقيق والحذاقة، ومنهم: علي بن عبد الهادي من العلماء الكملة، والحسين من فضلاء الوقت - أبقاهم الله تعالى- وانتقل من (صنعاء) إلى (ثلا) في أوائل مرض موته.
ثم توفى بـ(ثلا) المحروس نصف ليلة الجمعة الثاني عشر من ذي الحجَّة، عام ثماني وأربعين وألف - أعاد الله من بركته -.
__________
(1) في (أ): انقطع.
عبد الله بن إبراهيم الفتحي (أبو شملة)
السيد العلامة المتأله، ذو الكرامات، عبد الله بن إبراهيم الديلمي الفتحي المعروف بأبي شملة - رحمه الله - قال السيِّد العلامة الهادي بن إبراهيم الصغير عند ذكره السيد عبد الله بن إبراهيم: العابد العالم، المشهور بالفضل والكرامات الشهيرة الواضحة، منها أنَّ حيَّ الإمام المنصور بالله علي بن محمد بن علي لمَّا حط على حصن (ذي مرمر)(1) وقام معه الزيدية - رضوان الله عليهم - بقلوبهم وأيديهم /23/ حتى إن ممَّا وقع في ذلك أنَّ حيَّ الإمام المهدي، والإمام علي بن المؤيَّد - رحمهم الله جميعاً ونفع بهم - تركوا المحاربة والإغارة بالمرَّة، وأعانوا بالرَّواتب، وكان السيَّد المذكور ممَّن أمدَّ بالقراءة والحظور، والرواتب(2) المستمرَّة، وملازمة الله سبحانه وتعالى، فمِمَّا رواه (الإسماعيلية) بعد خروجهم؛ لأنهم خرجوا من غير قلة من القوت والماء،(3) ولا العدد ولا العدة(4)، بل كان فيه(5) كل شيء فوق الحاجة، ومن العدد و(العدَّة)(6) شيء لا يوصف، ولا طالت عليه مدَّة الحصار، بل كانت تسعة أشهر وأيام، والمشقة بأهل (المحطة) (7) أكثر، لكثرتها واتساع الأجناد فيها، وكانت ألفاً وتسعمائة محرس من غير المحاط، في كل محرس اثنا عشر رجلاً، ولكن أعانه الله، وتظافر القلوب بالدعاء، فكانوا يذكرون - يعني هؤلاء الخارجين من الحصن - أنهم كانوا يشاهدون السيّد عبد الله يضرب أعينهم بأهداب شملته، فكان يقع معهم تغيّر في أبصارهم، وألم، وموت فاظع، وكان السيّد - رحمه الله - ملازماً في (المحطة) حتى فتح الله، وهذه من أوضح الكرامات، وأعلاها وأنفعها للمسلمين.
__________
(1) في (ب): ذمرمر.
(2) في (ب): الراتب.
(3) في (ب): والعدد.
(4) في (ب): ولا الماء.
(5) في (ب): العددفيه من كل شيء.
(6) في (ب): والعدد.
(7) الْمَحَطَّة: من قرى بني السيَّاغ في الحيمة الداخلية، بالغرب من مدينة صنعاء. معجم المقحفي 1430.
قلت: ومما يروى أنَّ المحشة (بوادي ظهر) سميت بذلك لأنها كانت فوقها صخرة هائلة قد أشرفت على السقوط، فصعد السيَّد العلامة المذكور إليها(1)، وكان أهل البلد أهموا بالانتقال، فأمرهم بالبقاء، وقرأ على الصخرة، فصارت كالجشيشة التي تجش من الحب، فوقع في كل بيت من البيوت(2) شيء من تلك الجشيشة. وللسيّد هذا - رحمه الله تعالى - (3) كرَامَات كثيرة، منها أن بعض الأروام اقتعد قبره الشريف لقضاء الحاجة استخفافاً بمقامه، فمات على ظهر القبر لوقته، ومن كراماته أنه لا يحدث بـ(صنعاء) حدث عظيم في الغالب إلا وسمع من القبر همهمَة، وقد ضُبطت في بعض الأوقات وحفظت، ورأيتها بخط مولانا المجتهد صلاح الدين صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيَّدي - عادت بركاته - ومن المروي عنه في أمر (صنعاء) ما رواه الإمام علي بن صلاح في منامه، وهو بـ(ذمار)، أن حجارة سقطن من السماء على (صنعاء)، وأنَّ رجلاً يلتقي الحجارة إلى حِجْره، فلم يقع على صنعاء منها شيء، فقال: من هذا؟ فقيل له: هو السيّد عبد الله بن إبراهيم الديلمي، ولم يعرفه قبل ذلك، فكتب إلى والدته وإلى الفقيه علي بن يحيى العمراني، فسألهم هل في (صنعاء) أحد هذه سمته واسمه؟ فأجابوه: إن هذا السيَّد موجود من أهل الورع والعبادة والزهادة.
قلت: ولهذا سميّ - رحمه الله - حافظ (صنعاء). وتوفي بها، وقبر في التربة الطاهرة في (الأبهر).
__________
(1) زيادة في (ب): فقرأ عليها.
(2) سقط من (ب): من البيوت.
(3) سقط من (ب): رحمه الله تعالى.
عبد الله بن إبراهيم بن عز الدين
الفقيه العلامة الفاضل عبد الله بن إبراهيم بن عزَّ الدين بن علي بن داود الحييّ - رحمه الله - عالم فقيه، كان يعرف الفقه، والفرائض، والجبر، والمقابلة، والمسَاحَة، وكان لا يلحق في ذلك، وكان يعرف علم الأسماء معرفة متقنة، ويركب الأوفاق، ولها آثار، وكان كثير المحبَّة لآل محمّد - صلى الله عليه وآله وسلم - ناصر الإمام القاسم، فهدمت الدولة بيته، وضرب بالسياط، وحبس بمدفن، وأخرج لنكتة وقصَّة فيها ما ذكرناه من تركيب الأوفاق، وقبره في (الهجرة) في صروح(1) القبة (بعرثومان).
عبد الله بن أحمد بن الحسين المؤيدي
السيّد العلامة المتواضع الدَّمث الأخلاَق، عبد الله بن أحمد بن الحسين المؤيَّدي - رحمه الله - كان عالم وقته، وسيّد عصره، ووالده هو الرئيس المستماح، والجواد الذي يباري الرياح، وكانَ هذا السيِّد - رضي الله عنه - ممن تيسر له العلم وسخر له، كان يأتي في الإملاء بالعجائب والغرائب، مع أنه لا يشتغل بالدَّرس في /24/ اللَّيل، ولا يفتح الكتاب إلا عند الدرس، وعلق عنه الفضلاء، وصححَّوا قواعد، وقيَّدوا شوارد، وأنبل تلامذته السيَّد العلامة محمد بن عز الدين المفتي، وكان - رحمه الله - محيطاً بعلوم الاجتهاد إلا واحداً منها، قال: خفت أن يجب عليَّ فرض الإمامة، هكذا روي عنه، وكان عفيفاً زاهداً، وهو الذي عمر القنطرة النافذة من (قرية الدجاج) بقرب (صنعاء) إلى نحو (الحصبة)، كان يجمع هو وأهل بيته ما يحصل لهم، ثم عمرها، وهي من المحاسن، ولا تقوم إلا بمالٍ واسع، وكان من جلالة قدره لا يمر(2) العلامة أحمد بن معوضة الحربي - رحمه الله - بعد أن عمي وكفّ بصره من الطريق إلى مصلاه في مسجد داود إلا من وراء السيد، لا يمرَّ بين السيد والقبلة تعظيماً له وإجلالاً.
توفي - رحمه الله - (......)، ودفن بجربة (الروض) - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): صرح.
(2) في (ب): لا تمر العلماء.
عبد الله بن أحمد بن سلام
العلامة أبو محمَّد القاضي عبد الله بن أحمد بن سلام - رحمه الله - كان كامل الورع والعلم بارع الصفات، مرجوعاً إليه في العظائم، ولسعَة علمه وشحه وورعه، جنح إلى الحسن بن القاسم الداعي بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وكان ما كان من الداعي إلى إمام (العراق) الناصر الكبير، وذلك لأجل أولاد الناصر وعدم استقامتهم، وكان وثوق الناس(1) ورجوعهم إلى الشيخ أبي محمَّد، وآلت الأمور إلى السَّلامَة، وآضت القناة إلى الاستقامة.
عبد الله بن أحمد التميمي
العلامة الرئيس الفاضل اللسان البليغ، عبدالله بن أحمد التميمي - رحمه الله - أحَد رجال الزيدية في عصر الهادي إلى الحق وابنيه(2) - عليهم السلام - وله شعر، قالوا: وعدُّه في العلماء أولى(3) من عدِّه في الشعراء، وإن كان له شعر، فتناهيه في العلم، وعلوّ مكانه، قد أناف بقدره عن هذه الحطة(4)، وكان يقول الشعر الجيّد، قال الشيخ أبو الغمر: وأحسبه صاحب المسائل التي في تفسير آي من غريب القرآن وغوامض معانيه وهي كثيرة، سألته عنها (الإباضيَّة)، فسأل عنها الناصر لدين الله أحمد بن يحيى - عليهما السلام - فأجاب في ذلك الجواب المعروف بأيدي الزيدية اليوم، وهو من جلائل الكتب في علم التفسير؛ لأنه قد جاء في الخبر أنه كان يأتي نواحيهم من بلادنا هذه، (انتهى)(5)
ومن شعره يوم بيعة الناصر بن الهادي إلى الحق، وذلك في يوم الجمعة شهر صفر سنة إحدى وثلاثمائة، وكان يوماً مشهوداً(6)، أوَّلها:
نُصح المشيب أراح اللهو والطربا
ومنها:
إذا عدا(7) تخفق الأعلام عادية ... من فوقه وتظل البيض والشربا
لم يبق طاغ يكيد الحق معتمداً ... إلا هوى ونجا من خوفه هَربا
__________
(1) في (ب): الناس في ذلك.
(2) في (ب): وابنه.
(3) في (أ): أول.
(4) في (ب): الخطة.
(5) ليس في (ب).
(6) في (ب): مشهوراً.
(7) في (ب): إذا غدا.
بسط البنان إذا لم يبد شاتمه ... ماضي الجنان إذا حدُّ الحسام نبا
إذا ارتدى ابن رسول الله مُدَّرعاًً ... بحاد سيف أذل الجور والرتبا
دافعت عن فئة الإسلام حاسدها ... فما تركت له رأساً ولا ذنبا
أنت النجيب الذي اختار الإمام لنا ... كما أخاك لنا الهادي الرضا انتجبا
ذكرتنا سيرة الهادي وقمت بها ... وسرت فينا بعز الدين والحسبا
مكارم علويات نهضت بها ... سامي الحجا(1) تقفو الآباء والرتبا
ورثتها عن رسول الله لا خطلاً ... رجا عدوك أن تغتالها فنبا /25/
حطت البرية والإسلام متبعاً ... أفعال جديك تنفي الهم والكربا
لمَّا وهت عروة الإسلام قمت بها ... بساعدٍ لم يكن فحشاً(2) إذا ضربا
حفظت جدك في أقطار أمته ... هذا وسيفك يكلا العجم والعربا
جلست مجلس هادينا وصرت لنا ... حصناً وأدنيت تقريباً من اقتربا
الحامل العبء لا يسطاع محمله ... والتارك القرن بين الخيل مستلبا
عظيم هاشم والميمون طائره ... وفارس(3) الحرب إن محدورها رهبا
يزهو به منبر الإسلام إنَّ له ... فضلاً على الناس إن أثنى وإن خطبا
يكاد ينحاس بالكفار أرضهم ... من صولة ابن رسول الله إن قطبا
قرم تلافى به الإسلامَ خالقُنا ... بعد الضلال وقد أودى وقد خربا
أنت الخليفة للهادي الخليفة والـ ... حامي الذمار إذا سُمْر القنا سحبا
تزين (خولان) من حَوليك قاطبة ... وحي (همدان) تمضي دونك(4) القضبا
كن الإمام أمير المؤمنين كذا ... أراك تقدمهم في الله محتسبا
حتى تذل الأولى عزوا بذكركمُ ... جل العباد وجازوا الهزل والكذبا
وصيروا قَدَراً رَبّاً وخالقه ... كوني وقد قسم الأرزاق واحتجبا
نبرا إلى الله منهم من زنادقة ... للنار قد جعلوا أتباعهم حطبا
وأنت مهلكهم بالله معتصما ... حتى تبيدهم للنصر مرتقبا
__________
(1) الحِجَا: العقل، والفطنة، والمقدار. القاموس المحيط 1170.
(2) في (أ): فاحشاً.
(3) في (أ): والفارس.
(4) في (ب): حولك.
قوله: قدراً وكوني كلمتان للقرامطة القدماء من أسرار دينهم.
قال عبد الله بن عمر الزيدي الهمداني - رحمه الله -: يقول القرامطة لمن بلغوه بعد أن يأخذوا منه أحد عشر ديناراً: إن الآلهة سبعة، في كل سماء إله، وإن أولهم وأعلاهم هو الذي في السماء العليا يقال له: كوني، وأنه خلق قدراً وهو في السماء الثانية منه، وأن قدراً هو الذي خلق من تحته من الآلهة، وهم الحد، والاستفتاح، والجبال، وغيرهم من جميع الخلائق، وكانت هذه الألفاظ للقدماء منهم، وقد غيرها من بعدهم إلى ألفاظ قريبة منها، وذلك أنهم قالوا بدل كوني: سابق، وبدل قدر: ثاني، وفي بعض كلامهم: كوني وقدر سبعة أحرف، يدل على سبعة جدود علوية ينتهي إليها طبقات أفاضلهم، والسابق والثاني يقولان لهما الأصلان الأولان، ويقولون: هما العقل والنفس. والحد والفتح والجبال منها كالانبعاثات.
عبد الله بن أحمد الناصح [ - بعد 980 ه ]
الفقيه العالم البارع التقي الصَّالح عبد الله بن أحمد الناصح - رحمه الله - من العلماء الكبار، وهو صنو إبراهيم بن أحمد الراغب المقدم(1) ذكره، وكان من العلماء، وسمَّاه(2) بالنَّاصح الإمام شرف الدين - عليه السلام - وهو من مشيخة العلامة عبد الله بن مسعود الحوَالي، شيخ العلامة عبد الله العلوي، ووفاته بالطاعون، بعد ثمانين وتسع مائة سنة من الهجرة - رضي الله عنه -.
عبد الله بن أحمد الوردسان
الفقيه العالم الفَاضل عبد الله بن أحمد الوردسان - رحمه الله تعالى - أحد تلامذة المقراي، كان فاضلاً، ذكره في (التوضيح)، وهو الذي توجَّه إليه السؤال عن معنى النسبة إلى زيد بن علي في قولهم زيدية، وتولى الجواب شيخه المقراي - رحمه الله - ومن /26/ تلامذته سعيد بن عطاف القداري، شيخ الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): المتقدم.
(2) في (ب): سماه.
عبد الله بن أحمد بن ساعد
العلامَّة القاضي الهمام الكامل، عبد الله بن أحمد بن ساعد، حاكم المسلمين، ذكره غير واحدٍ من المؤرخين، ممن ذكره الأهدل، وذكر صنوه الحسين، ولعلّي قد ذكرت الحسين، وشهرتهم ظاهرة، وولي بعضهم قضاء (صنعاء)، وبعضهم قضاء (ذمار).
عبد الله بن إدريس بن يحيى بن حمزة
السيَّد الهمام الفاضل، عبد الله بن إدريس بن(1) يحيى بن حمزة - عليهم السلام - قال السيد الإمام المجتهد عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة: كان عبد الله بن إدريس له معرفة صالحة، ودرية راجحة، فطناً ذكياً، بارعاً خطيباً، حافظاً للقرآن عن ظهر قلبه، كثير التلاوة، عظيم القيام لله، سكن (صنعاء)، وتوفي بها، ولا عقب له، وله أخ اسمه محمد بن إدريس، كان صالحاً فاضلاً، خطيباً يحفظ الأبيات النادرة الصَّالحة الشعرية، والحكم العجيبة الوعظيَّة، سَكن هجرة (حوث).
قلت: وهو والد الأزرقي - رحمه الله - صاحب (جامع الخلاف)، وللأزرقي أخ اسمه إدريس، عابد فاضل عارف، تعلق بالأسماء والأوفاق.
عبد الله بن الحسن
أبو الغنائم السيِّد العالم الفاضل النسَّابة عبد الله بن الحسن، قاضي (دمشق)، يكنَّى(2) أبا محمد بن أبي عبد الله محمد بن الحسن بن الحسين، ويعرف بالأحول بن عيسى بن يحيى بن الحسين، ويعرف بذي الدمعة، وبذي العبرة، ابن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو إمام العلوم، وأحد حفاظ الزيدية ونسابهم، قرأ على الشريف الرضي بن الحسين بن المرتضى بن الهادي، وعلى الإمام الناطق بالحق أبي طالب، مما رواه عنه كتاب (الأحكام).
__________
(1) في (ب): بن أمير المؤمنين يحيى..
(2) في (ب): ويكنى.
قال أبو الغنائم: أخبرني به جماعة من ولده - يعني ولد الهادي - وغيرهم، منهم أبو طالب الهاروني الحسني، قال: أخبرني به يحيى بن محمد المرتضى، عن عمِّه الناصر عن الهادي، لأبي(1) الغنائم كتاب مبسوط في النسب الشريف، يزيد على عشر مجلدات، سمَّاه (نزهة(2) المشتاقين إلى وصف السَّادة الغرِّ الميامين).
قال بعض شيوخ الزيدية في تاريخه ما لفظه: لقي جماعة من النسَّابين، أخذ عنهم علم النسب، وسافر البلاد، ولقي الأشراف والعلويين، واستقصى أنسابهم.
قال الشريف أبو الغنائم: ثم أردت المسير إلى (دمشق)، فودعت الشريف أبا يعلى حمزة(3) بن الحسن بن العبَّاس القاضي المعروف بفخر الدَّولة، وكانَ إذ ذاك بـ(مصر)، فقلت وقت توديعي:
استَودع الله مولاي الشريف وما ... يحويه من نعمٍ تبقى ويبليها
كأنني وقت توديعي بحضرته ... ودعت من أجله الدنيا ومن فيها
قلت: وفي أهل البيت - عليهم السلام - نسَّابة - أيضاً - أبو الغنائم، لكنه حسني من ولد الحسن بن علي - عليه السلام - لقي ابن خداع النسابة، ومنهم أبو الغنائم حسيني من ولد الحسين بن علي - عليه السلام - (4)، هو محمد بن أحمد بن محمد بن محمَّد الأعرج بن علي بن الحسن بن علي بن محمد بن جعفر الصَّادق، نقيب عسكري(5).
قلت: وقولنا في نسبه قاضي (دمشق) هو صفة أبيه الحسن - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): ولأبي.
(2) نزهة عيون المشتاقين…
(3) في (ب): أبا يعلى بن حمزة.
(4) سقط من (ب): عليه السلام.
(5) في (ب): عسكره.
عبد الله بن الحسن الأيواري
العلامة المسنِد شيخ (العراق) عبد الله بن الحسن الأيواري الروباني - رحمه الله - هو من أساطين الإسلام، وسلاطين العلم الذين منهم يستماح ويستفاد، قرأ على الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش، ولازمه، وقرأ عليه النصوص، ترجم له (1)يوسف حاجي الديلمي، وذكره(2) السيد العلامة أحمد بن مير الحسني القادم بـ(جامع آل محمَّد)، وهو أحمد بن مير بن الناصر بن مارسا بن المرتضى بن أبي زيد بن الحسن بن إسماعيل (بن الناصر بن أبي الحسين بن الداعي بن أبي يعلى بن خليفة بن أبي زيد أحمد بن إسماعيل الفتي)(3) بن القاسم بن أحمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن /27/ بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام -.
قال السيد المذكور في إسناد المذهب الشريف: إن أبا العباس الحسني - رضي الله عنه - يروي عن عبد الله الأيواري ظناً من السيد أحمد بن مير، قال: خصوصاً في سماع نصوص الناصر للحق، والأيواري سمعها تحقيقاً من(4) الناصر.
قال شيخنا العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله -: قوله: إن سماع أبي العباس من الأيواري ظن لا غير، أقول: بل سماع أبي العباس من الأيواري هو حق اليقين، قال: وقد روى الأيواري عن جعفر بن محمد بن شعبة النيروسي، صاحب (المسائل النيروسيات) المنسوبة إلى القاسم، وروى النيروسي عن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عبد الله بن الحسن.
__________
(1) في (ب): ترجم له - رحمه الله -.
(2) في (ب): ذكره.
(3) زيادة في (ب)، وفراغ في (أ).
(4) في (ب): على.
قلت: وقد يقع الوهم في النيروسي، فإن للأيواري تلميذاً هو أحمد النيروسي، شيخ علي بن الحسين الأيواري الذي قرأ عليه أبو جعفر محمد بن يعقوب جامع (الإفادة)، فتوضح لك أن أحمد النيروسي، قرأ على عبد الله الأيواري، وعبدالله(1) قرأ على جعفر النيروسي، وعلى الناصر، والناصر على(2) محمد بن منصور، ومحمد بن منصور(3) على القاسم الرسي - سلام الله عليهم -. ممَّن أفاد ذلك يوسف حاجي، وعبد الله الأيواري هو الذي حكى العلامة يوسف بن أبي الحسن بن أبي القاسم الجيلاني - رحمه الله - في بعض كتبه المصنفة عنه أنه قال: كنت حملت إلى الناصر شيئاً من الفواكه إلى (شالوس)، فامتنع من قبوله، فدنوت منه، وقلت: إن فاطمة - عليها السلام - قبلت من سليمان هديته، وأنت تمنع مما عملت فاطمة، وأخذت واحداً منها، وأدخلته في يديه حتى قبضه، وأخذه.
عبدالله بن الحسن الأفطس(4)
__________
(1) في (أ): وعبيد الله.
(2) في (أ): على ابن محمد بن منصور.
(3) سقط: ومحمد بن منصور من (أ).
(4) هذه الترجمة ليست في (ب).
عبد الله بن الحسن الأفطس، قال ابن عنبة: هو أحد أئمة الزيدية، وأمه على ما قال شيخنا العمري من النوفل بن عبد مناف، خرج مع الحسين بن علي صاحب فخ، متقلداً بسيفين يضرب بهما، وما كان فيمن معه أشدَّ منه ولا أشجع، وحَسن بلاؤه يومئذٍ، وقال: إن الحسين بن علي صاحب فخ أوصى إليه، وقال: إن حدث بي حدث، فالأمر إليك، وكان الرشيد قد حبسه عند يحيى البرمكي، فقال يوماً - بحضور جعفر بن يحيى - اللهمَّ اكفنيه على يد ولي من أوليائي وأوليائك، فأمر جعفر ليلة النيروز بقتله، وحزَّ رأسه، وأهدى به إلى الرشيد في جملة هدايا النيروز، فلمَّا رفعت المكنة عنه، استعظم الرشيد ذلك، فقال جعفر: ما علمت أن شيئاً أعظم لي من حمل رأس عدوك وعدوّ آبائك، فلما أراد الرشيد قتل جعفر بن يحيى قال جعفر لمسرور الكبير: بِمَ يستحل أمير المؤمنين دمي؟ قال: بقتل عبد الله بن الحسن بن علي بن علي بن عمه بغير أمره، ويلقب عبد الله الأفطس بالشهيد.
عبد الله بن الحسن الطبري
العلامة المهاجر(1) المجاهد، إنسان عين العلم، وأهل(2) فخر الملة، عبد الله بن الحسن الطبري - رحمه الله - أحد العلماء الراسخين، لقي الأئمة الكبار، وهو صاحب المسائل الستمائة التي أوردها على المرتضى لدين الله محمد بن يحيى، وأجاب عنها بالجامع للستمائة(3) من جملتها، وكلها غرائب.
__________
(1) في (ب): الماهر.
(2) في (ب): وأهله.
(3) في (ب): للست المائة.
وسألت عن الإمام يسلم بعد كمال صلاته. وفراغه منها، هل يقعد في موضعه وعلى مكانه فيسبح ويدعو؟ قال محمد بن يحيى - رضي الله عنه -: يجب للإمام إذا سلم من صلاته أن ينحرف يسيراً عن مقامه، ويدعو بما أحبَّ من دعائه، وكذلك رأينا السلف - صلوات الله عليهم - ورأينا الهادي - صلوات الله عليه - إذا سلم انتقل إلى جانب المحراب، حتى يخرج من وسطه، ويصير جالساً إلى حرفه، ثم كان - صلوات الله عليه - يدعو بما أحبَّ وبدا له، ثم ينصرف، وبذلك نأخذ، وعليه نعتمد، والله الموفق للصَّواب، والمعين على السداد. انتهى. ونقلت هذه لبُعد عهد أهل الزمان لهذه الكيفيَّة.
عبد الله بن الحسن الدواري [715هـ - 800 ه ]
القاضي الإمام العلامة المعروف /28/ بسلطان العلماء، عبد الله بن الحسن الدواري - رحمه الله - هو إمام الأصول والفروع، وترجمان المعقول والمسموع، لا أجد عبارة تفي بحقه، لكنه يليق بوصفه ما قال بعض علمائنا في (العراق) في العلامة على بن أصفهان: كان في عصره كالنبي (1) في أمته، أو كما قال، وما أحراه بما قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى في وصفه، في شرح منظومته (الخلاصة) بعد أن أطنب في الثناء ثم قال:
وهذا خلاصات المسائل لم تكن ... عليَّ عزيز نظمها لك في شعري(2)
هرقت لها كأس الكرى بقراءة ... وبحث وتحقيق على العالم الصَّدرِ
هو القدوة العلاَّمة الحبر إنَّه ... ليبهر فضلاً كلّ علامة حبرِ
وقاضي قضاة المسلمين وسيّد الـ ... أكابر والشمس المضيئة في عصرِ
مؤيَّدة أقواله بأدلةٍ ... تقوم مقام النصر للعسكر المجري
هدانا إلى سبل الرشاد ولم يزل ... يبيح لنا وفراً يزيد على الوفرِ
جزاه إله العرش من (3) فيض علمه ... وتعليمه المشكور من أفضل الأجرِ
__________
(1) في (ب): ص.
(2) في (ب): الشعر.
(3) في (ب): عن.
قال السيد جمال الدين - رحمه الله -: كانت قراءتي عليه لكتاب(1) (الخلاصة) سنة ثماني وسبعمائة بمسجد الهادي - عليه السلام - بـ(صعدة) حرسها الله بالأئمة الهادين، قال: وكنا بين يديه - رحمه الله - جماعة من طلبة العلم، يملي علينا من بحر علمه الفرائدَ المنتقاة، ويمطر علينا من شآبيب فهمه المستقاة، وكان العلم في زمانه(2) كالحديقة المزهرة، ووجوه العلوم(3) الدينية بنور وجهه ضاحكة مستبشرة، وكانت ركائب الطلبة تحدى إلى سوحه من أداني الأرض وأقاصيها، وبلغ في العلم والتعليم وحياطة الدين مالم يبلغه أحد، جمع بين محاسِن العلم والعمل، ونال من الله سبحانه في المآثر الصَّالحة نهاية السؤل والأمل.
__________
(1) في (ب): الكتاب.
(2) في (ب): زمنه.
(3) ليس في (ب): العلوم.
قلت: كان هذا القاضي - رحمه الله - مرجعاً للعلماء، ومثابة لهم عند المهمَّات، وحسبك برجُل يرسل إليه علامة (اليمن) الحسن بن محمد النحوي (من يسأله، فإنه لمَّا دخل (صنعاء)، أرسل الفقيه حسن بعض الطلبة)(1) من يسأله عن إجازة الإجازة، فوقف في الطريق، ووضع دقنه على عصاةٍ يتوكأ بها(2)، وسكت ساعة، فلما وصل الرسول إلى الفقيه حسن، ووصف له سكتته وتأمله، فأقسم الفقيه(3) أنه تلك الحال كالناظر في بحرٍ من علمٍ، وقد كان أهل وقته يحتجون بأفعاله، وفي تثنيه لإمامة الإمام المنصور بالله(4)، ووقوف العلماء منتظرين له ما يدلك على ذلك، وقد يعدُّها بعض الناس ثلباً في حقه، وليس كذلك، فمثل هذا الجليل يصان عن الثلب، وما أتى في هذا ببدع من القول، بل القائل بذلك جمّ غفير. وقد روي أنه لمَّا دنت وفاته ذكر له بعض أولاده هذه القصَّة ليذكره لعله يستغفر في حق الإمام المهدي - عليه السلام - فحلف القاضي أنها أرجى شيء أرجوه عند لقاء الله تعالى؛ لأني ما أردت إلا حفظ الإسلام، وما أقدمت بغير بصيرة.
__________
(1) ما بين القوسين ليس في (ب).
(2) في (ب): عليها.
(3) في (ب): الفقيه حسن.
(4) سقط من (ب): بالله.
قلت: ومصنفاته في الأصول والفروع تدل(1) على فضل كبير، فإن (شرح الجوهرة) غطَّى على شروحها، وما تعلق الناس بعده بغيره، ولشيخه قاسم المحلي على (الجوهرة) تعليق، ومنها تعليق للعلامة محمد بن حليفة، ومنها تعليق أحمد بن حميد الحارثي، ومنها ما وضعه العلامة ابن أبي الخير، وفي ظني أنها ثلاثة شروح، ومنها للقاضي جار الله بن عيسى، ومنها للقاضي محمد الثاي /29/ شيخ الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وشيخ عمه القاضي جار الله بن عيسى، وللمصنف (للجوهرة) الشيخ الحفيد كتابان جعلهما كالشرح للجوهرة، وهما (الوسيط) و(غرة الحقائق)، ومنها تعليق لبعض الفقهاء من الجهة الأنسيَّة - لعلّي أذكره في ترجمته إن شاء الله(2) - فإنه غاب عني عند الرقم، ومنها تعليق لرجل يسمى ابن أبي ليلى، وهو خفي كان فيما عندنا من الكتب، ثم لم نجده بعد، فكل هذه التعاليق تركت بعد ما ألفه القاضي، وله - رحمه الله - (شرح الأصول الخمسة) في الأصول و(شريدة القناص)، فيها(3) التحقيق والتدقيق، وفي الفروع (الديباج النضير)، ولعمري أنه مفقود النظير، جمعه وقت قراءته (لِلُمَعِ) الأمير علي بن الحسين - عليهما السلام - وكان سمَّاه (الطراز)، ثم سمَّاه (الديباج)، من أجل الكتب، كان الإمام المؤيَّد بالله محمد بن القاسم لا يفارقه، ثم تلاه صنوه المتوكل على الله، أثنى عليه كثيراً، (وللُّمع) شروح وتعاليق، منها (اليواقيت) للعلامة محمد بن يحيى بن حنش، وتعليقان آخران.
__________
(1) في (ب): تدلك.
(2) في (ب) زيادة: تعالى.
(3) في (ب): فيهما.
قلت: أحسب أحدهما المسمَّى (بالكواكب)، وليحيى بن حسن البحيبح(1) تعليقة، و(الزهرة) للوشلي، وتسمَّى (اللمعة)، فليحفظ هذا، و(الزهور) للفقيه يوسف، و(الديباج) للقاضي، وشرح السيد الهادي بن يحيى، وتعليق الفقيه حسن النحوي، وتعليق الصعيتري - أيضاً - فليحفظ، و(اللمعة المضيَّة) للسيد صلاح الجلال، وهي غير لمعة الفقيه علي الوشلي، وللعلامة ناجي بن مسعود (الجمع على مشكلات اللُّمع)، وللفقيه معيض تعليق، وللعلامة علي بن سليمان الدواري مذاكرة على (اللمع)، وتعليقه لولده موسى بن علي، قال سيدنا العلامة أحمد بن يحيى بن حنش: إن للفقيه حسن النحوي تعليقة تسمَّى (الروضة) على (اللمع) غير تعليقه الذي سبق ذكره المسمى (منتهى الغايات)، وتعليقة لابن السقيف، والتعليقة المعروفة (بالشرقية) للسيد الهادي بن يحيى - عليهما السلام - وللقاضي - رحمه الله - مسائل، وللإمام صلاح الدين إليه رسائل غرر(2)، كلماتها جواهر ودرر(3)، كأنه أبوه الذي رباه، ومن أفاد إنساناً صار أباه.
من علم الناس فهو خير أب ... ذاك أبو الرّوح لا أبو البدن
قلت: وكان علماء وقته يطالبونه بتأليف تفسير على القرآن؛ لما رأوه من تمكنه، من جملة من ذكر ذلك(4) السيد الهادي بن إبراهيم، فأشار - رحمه الله - إلى الاكتفاء بما صنَّفه علماء الإسلام، توفي رضوان الله عليه بـ(صعدة)، بكرة نهار الأحد، سادس شهر صفر، سنة ثمانمائة، ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة، فكان عمره خمساً وثمانين سنة، ورأيت في تاريخ وفاته أبياتاً وهي:
ألا إن فخر الدين حاكم صعدة ... تقضَّت لياليه عقيب المحرم
لسبع مئين قد تقضت عديدها ... إلى مائةٍ وفَّى بها العمر فاعلم
وعاش من الدنيا ثمانين حجَّة ... وخمساً وفت والمرء غير مسلم
انتهى، ونسبه إلى دوار بن أحمد أحد جدوده - رحمهم الله جميعاً -.
__________
(1) في (ب): البحيح.
(2) في (ب): غر.
(3) في (ب): ودر.
(4) في (ب): ذلك له السيد.
عبد الله بن الحسن الرصاص
العلامة عبد الله بن الحسن(1) الرصَّاص، كان عالماً فاضلاً، ذكره غير واحدٍ من أصحابنا - رحمه الله -.
عبد الله بن الحسين بن القاسم الرسي
السيد الإمام الحجَّة عبد الله بن الحسين العالم، بن القاسم ترجمان آل الرسول، بن إبراهيم بن إسماعيل، صنو الهادي إلى الحق - عليه السلام - والوارد معه إلى (اليمن) المسمَّى بصاحب الزعفرانة؛ لرؤيا رآها بعض الصَّالحين، أنه عاتبه في ترك زيارته، مع أنه لم ينبت الزعفران في قبر أحد غيره، كان عالماً مستجمعاً لخصال الفضل، وجعله العلماء أحد فضائل يحيى بن الحسين، وقالوا: حسبُه مطاوعة عبد الله له على جلالة قدره، فإنه(2) أعلم أهل زمانه، وأفضلهم، وله كتاب (الناسخ والمنسوخ).
وتوفي بـ(اليمن) في تاريخ (.........)، وقبره بـ(صعدة)، وعُمر عليه قبة الأمير الأعظم ياسين بن الحسن الحمزي، وهو من عقبه؛ لأن جميع (الحمزات) من نسله - عليه السلام -.
عبد الله بن حمزة بن أبي النجم
الفقيه العلامة رئيس (صعدة) في وقته، عين علماء الزيدية عبد الله بن حمزة بن أبي النجم - رحمه الله - كان عالماً، فاضلاً، مرجوعاً إليه، وكان قد غرق في بحار التطريف، ثم استنقذه الإمام الفقيه زيد بن الحسن البيهقي، فرجع إلى مذهب العترة الطاهرة، كما رجع حسين بن حسن بن شبيب التهامي - رحمه الله -.
عبد الله بن الزبير
العلامة عبد الله بن الزبير، عمَّ أبي أحمد الزبير(3)، ذكره البغدادي - رضي الله عنه - من الزيدية في موضعين من كتابه - رحمه الله -.
عبد الله بن زيد العنسي
الفقيه العلاَّمة، ركن الإسلام، عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - هو حافظ علوم العترة، وحامِي حمى الأسرة، علاَّمة خطير، وإمام في الشريعة كبير، قدم من (العراق) بـ(علوم آل محمّد) - عليهم السلام - سنة إحدى وخمسمائة - أعاد الله من بركته - وقد علمت أنه غير مؤلف (الإرشاد).
__________
(1) في (ب): حسن.
(2) في (ب): فإنه من أعلم.
(3) في (ب): عمر بن أحمد الزبيدي.
عبد الله بن زيد بن أحمد العنسي [593هـ - 659 ه ]
القاضي العلامة، إمام الزهاد، ورئيس العُبَّاد، ولسان المتكلمين، وشحاك الملحدين، عبد الله بن زيد بن أحمد(1) بن أبي الخير العنسي - رحمه الله - هو مفخر الزيديَّة، بل مفخر الإسلام، جمع ما لم يجمعه غيره من العلوم النافعة الواسعة، والأعمال الصَّالحة، وصنف في الإسلام كتباً عظيمة النفع، رأيت بخط بعض العلماء أن كتبه مائة كتاب، وخمسة كتب، ما بين صغير وكبير، وفيها من النفع العظيم، وكان جيد العبارة، حسن السَّبك، كلامه كأنما ينحط عن صبب، وكان هو والعلامة الشهيد كالنظيرين، إلا أنَّ تصرفات ابن زيد في المعقولات أكثر من الشهيد، وتصرّفات الشهيد في المنقولات أكثر من ابن زيد، هكذا كان يقول شيخنا شمس الدين - رحمه الله -.
__________
(1) سقط من (أ): بن أحمد.
قلت: وقد ترجم له غير واحدٍ، وهذا ما كتبه شيخنا من ترجمته، ولفظه: كان القاضي(1) عبد الله بن زيد العنسي مؤلف (الإرشاد) - رحمة الله عليه - من أوعيَة العلم، وأجل علماء الزيدية - كثرهم الله -. وله المؤلفات الجليلة ككتاب (المحجَّة البيضاء) في علم الكلام، كتاب حافل بسيط، أربعة مجلدة، وغيره، وله كتاب (التحرير) في أصول الفقه، كتاب نفيس، والرَّجل حافل الرواية، متين الدراية، رائق المباحث، دقيق النظر، أحد الزهاد المشهورين بالورع، وله في نصرة الإمام الأعظم المهدي لدين الله أحمد بن الحسين - سلام الله عليه - اليد الطولى، والسَّهم المعَلى، حتى إنه - عليه السلام - كان لا يعدل به أحداً، ويسميه داعي أمير المؤمنين، ويصفه بالدين الرصين، والورع المتين، وبعثه إلى (صعدة) - حرسها الله - في سنة أربع وخمسين وستمائة، وكتب إلى عمَّاله أن يقفوا على رأيه، فظهر سعيُه في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وراسل بذلك عمال (نجران)، وكتب رسالة جيدة إلى قاضيه الجليل محمد بن المؤيَّد الدواري، /31/ ولمَّا كان من السيد الحسن بن وهاس، والشيخ أحمد بن محمد الرصاص، والفقيه أحمد بن حنش، والفقيه أحمد بن علي الضميمي، والفقيه حنظلة بن أسعد الحارثي، والقاضي إبراهيم بن فليح وغيرهم، ما كان في حق الإمام المهدي - سلام الله عليه - من الاعتراض عليه، والمخالفة له، خرج من صعدة إلى الإمام - عليه السلام - إلى (مدع) ساعياً في إصلاح أمرهم، وكتب إليهم رسالة بليغة، ولمَّا كان ما كان من قتل الإمام المهدي - عليه السلام - لم يزل الفقيه يراجع الحسن بن وهاس، ويستظهر عليه بالحجج في حق الإمام - سلام الله عليه - حتى فلجه، قيل: إنه أورد عليه خمسمائة إشكال، فأمر شمس الدين أحمد بن الإمام من يتهدده مراراً ولم يجد سبيلاً إلى قتله لعلمه (......) ظاهره مع إرادته ذلك، فخرج الفقيه - رحمه الله - إلى بلاد (خولان) سنة ست
__________
(1) في (ب): القاضي العلامة.
وخمسين وستمائة، وهي السنة التي استشهد فيها الإمام المهدي لدين الله، فأقام (بفللة)، ونشر العلم هنالك، وكانت لزمته ديون في نصرة الإمام المهدي تقارب عشرة آلاف درهم، وتخوَّف مع ذلك الغيلة، فاضطَرَّته الحال إلى أن قصد سلطان اليمن المظفر، فتوجَّه لذلك يوم عاشوراء من عام تسع وخمسين وستمائة، وكانت طريقه من (حرض)، فتلقاه عاملها الأمير فيروز بالقبول والإكرام، فلم يأكل الفقيه من ذبائحهم، وتقدم إلى زبيد، فكانت بينه وبين علمائها كابن حنكاش مراجعة، كان الفلج عليهم فيها.
وابن حنكاش هو أبو العتيق أبو بكر بن عيسى بن عثمان اليقرمي - بياء مثناه من أسفل بعدها قاف ثم راء مهلمة بعدها ميم ثم ياء النسبة - نسبة إلى اليقارم بطن من الأشاعرة، مولده سنة تسعين(1) وخمسمائة.
وتوفي في(2) يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وستمائة، وكان يدرَّس مذهب الشافعي(3) - أيضاً - وهو من مشاهير الحنفية بـ(زبيد)، له أتباع وأصحاب.
ثم تقدم القاضي إلى (تعز)، وقد وصل إلى السلطان قبله كتاب من بعض أعاديه ينفره عنه، فأمر بإكرامه، ولم يتصل به، ولا قضى له حاجة، وأقام على ذلك مدَّة، فكاتب السلطان بالنصائح الدينية، ونبَّهه على العقائد الصحيحة، فأجابه بجواب حسن، فعاد الفقيه وقد ضاقت به الحال؛ لدَينه وكثرة عائلته، فإنهم بلغوا نحو خمسة وعشرين، وكانت له دار بـ(صعدة)، خاف عليها ولده أن يأخذها الأشراف، فهدمها من غير إذن أبيه، وفارقه بسببها.
__________
(1) في (ب): تسع.
(2) ليس في (ب): في.
(3) ليس في (ب): الشافعي.
قلت: وكان رجوع عبد الله بن زيد - رضي الله عنه - من باب السلطان مثلبة للسلطان، ولمَّا بلغ العلامَّة مسعود بن عمرو - عمَّ القاضي عبد الله - ما كان من رجوع القاضي، كتب إلى الأمير العالم علي بن يحيى العنسي من أهل بيتهما، وكان عظيماً خطيراً، يلي عظائم الأمور، وما يتولاه السلطان بنفسه، وقد كان وليًّا للسلطان من خلصَائه، فكتب إليه مسعود بن عمرو - رحمه الله تعالى -:
بَكَرَتْ(1) تقول أبعد عهد العاهد ... أصبحت تصحب في زمام العابدِ
أم بعد ما اهتدت الكهول بحلمك الـ ... مأثور تعنو للغزال القاردِ
فأجبتها إنَّ الصدور برَى بها(2) الـ ... ـباري قلوباً لم تكن بجلامدِ
منع التحمل سحر طرفٍ فاتر(3) ... قد ظل يغري بي وثدي ناهدِ
وكثيف أردافٍ وخصر مخطف ... يتجاذبان قوام غصن مائدِ
وحديث فاتنة الحديث كأنَّه ... قطر تحدَّر أو عقود فرائدِ
يا صاحبَي رأيت من نحو الحمى ... برقاً رفعت إليه طرف السَّاهدِ
فاستوكفا(4) لي الدَّمع أو فتوقفا ... ما حد أيسر(5) وقفةً للنَّاشدِ
فإذا أنختم بالمكنة فارويا ... عند ابن يحيى من كريم قاصدِ
ملحاً يفوح(6) على عليّ نشرها ... مسكاً وكافوراً بطيب محامدِ
قولا يقول لك الَّذي موَّلته ... بجميع مالك طارفٍ أو تالِدِ
أمقيل عثرة كل حرٍّ ماجدٍ ... ومقيل كل مديح بيت شاردِ
ومنزل الغُرف التي قد عُوليت ... شرفاً بها فوق السحاب الرَّاكدِ
ومدَبّر الملْك العقيم بفكرةٍ ... تجري العيون من الْحَديد الجَامدِ
وبصبر حر لا يقوم بصبره ... ركنا ثبير(7) حول برج عطاردِ
وعزيمة لو زاحَمت أركانها ... جَبلاً لأصْبَح كالصَّعيد الهامدِ
وصفاء سِرٍ للملوك كأنه الـ ... ـسلسال صفَّق بالنسيم الباردِ
__________
(1) بَكَرَتْ: بادرتْ.
(2) سقط من (أ): بها.
(3) طرف فاتر: ليس بحادِّ النظر. القاموس المحيط 423.
(4) استوكفا: اسْتَقْطِرَا. القاموس المحيط 795.
(5) في (ب): يسر.
(6) في (أ): يلوح.
(7) في (أ): يثير.
يا من أجاب من المظفَّر دَعوَة ... بيدي سعيداً في الثغور مساعدِ
حتَّى جَذَبت الشَّامخَات فأصبحت ... من بين أنياب الهزبر الصَّائدِ
بنمير(1) يوسف المليك وماله ... وبسَيفه المطفي لنار الكائدِ
أنشاك سيفاً يا ابن يحيى صارماً ... فكفيته عن كل حِسد الحاسدِ
فغدوت منه كناظرٍ من مقلة ... دون الأنام ومعصم من ساعدِ
ماذا تقول لحبر(2) أسرتك الَّذي ... نزلت ركائبه نزول الوافدِ
خير الأعاظم وارث الحجج التي ... قامت على الدُّنيا مقام الشاهدِ
جاءت به نزل الركاب مشحة ... لمآربٍ ومراتب وفوائدِ
ورمى إلى الملك الأغرِّ بطرفه ... وبنفثه من مستهامٍ رائدِ
فأتى جوابٌ لا سبيل إلى اللِّقا ... فابعث (بحاجك) نحونا في كاغدِ(3)
حاشا لخلق ابن الرسول وجوده ... وحياته وعلائه المتصاعدِ
ولسوحه الرحب الذي من يأته ... لم يرتحل إلا بحظ الحامدِ
وبحرمة الرحم الذي ما سوقها ... في البر والوصل الجميل بكاسدِ
فالحن لسلطان الأنام معرِّضاً ... بأنيق لفظك للحليم الرَّاشدِ
حتَّى ترد على ابن عمَّك جاهه ... غضاً وترغم فيه أنف الحاسدِ/33/
لا غرو أن أضحى ابن زيدٍ قاعداً ... عند المظفر فهو أزكى قاعدِ
بحر المحابر المساير(4) فضله ... ما ليس يذهبه جحود الجاحدِ
ثم ساق مسعود بن عمرو القصيدة.
رجعنا إلى كلام شيخنا - رحمه الله - في ترجمة العلامة ابن(5) زيد - رحمه الله - قال: ولمَّا قام الإمام الأعظم المنصور بالله الحسن بن بدر الدِّين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - نهض الفقيه بدعوته الشريفة ونصرته، ونزل معه إلى (ضمد)، ولعل عود الفقيه - رحمه الله -(6) إلى (كحلان تاج الدين)، كما يقتضيه تاريخ ما كتبه من خطه، فإنها السنة التي نزل فيها إلى (اليمن).
__________
(1) في (ب): بيمين.
(2) في (ب): الحبر.
(3) كاغَد: قرطاس.
(4) في (ب): عبيد الله بن (ظ).
(5) ليس في (ب): ابن.
(6) في (ب): كان.
وتوفي وقبرهُ(1) بـ(كحلان تاج الدين)، قِبلى البرْكة التي تسمَّى رحبة، مشهور مزور.
قلت: وذكر سيدي جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم، في (المسائل المذهبة) وغيرها ما حاصله أنَّ الفقيه - رحمه الله - كان في مقام التدريس صحيحاً، فاستدعى بدوَاة وقرطاس وكتب وصيَّته لأولاده، حتى بلغ إلى ذكر(2) ما في المصحف من الحديث القدسي: ((إنه من لم يَرض بقضَائي، ويصبر على بلائي، فليتخذ له ربّاً سواي))، مات وانحط القلم في الكاغد، وذكر سيّدي(3) هذه القصَّة مع قصَّة موت الغزالي، فإنَّها من العجائب.
رجعنا إلى كلام شيخنا قال: وله رسائل عظيمة على المطرَّفيّة - أقماهم الله - منها (الرسالة المنقذة من العطب السَّالكة بالنصيحة إلى أهل شظب)، رأيتها بخطه، وقال: فرغت منها في شهر ربيع الآخر من شهور سنة ستين وستمائة، بالحصن المحروس (كحلان)، وله (الرسالة الداعيَة إلى الإيمان) وغيرها، وله (الإرشاد) المشهور في علم الطريقة والزهد، ومن الشعر المشهور عنه قوله، ويروى(4) أنه لأخيه.
قلت: لعله أراد المسعود بن عمرو، فإنها تروَى له وهي ثابتة في ديوانه:
إلهي ذا الجلال أرى القوافي ... تهزَّ بها العباد الناسَ هزّا
فمالي لا أهزّ جناب ملك ... تبارك ما أجلَّ وما أعزَّا
إذا اتخذ الأنامُ لهم كنوزاً ... جعَلتك لي من الحدثان كنزا
وإن سألوا العبادَ سألْتُ من لا ... أخافُ لديه عرضي أن يُرَزَّا
أشير إليه حاجاتي فتقضى ... ولو لم تسمع الآذان ركزا
واخضع في يديه فترتقي في ... جلالة مجده شرفاً وعزّا
إذا ما استنزل القرآن حزني ... به أيقنت أني سوف أُجْزَا
أعيذ بنور وجهك نور ديني ... وثوب جلالتي من أن يُبَزَّا
__________
(1) في (أ): وقبر.
(2) في (ب): حكر.
(3) في (ب): السيد.
(4) في (ب): ويرى.
ومن شيوخه في العلم، الأمير الكبير، شيخ آل الرسول، بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - ومما ذكره القاضي عبد الله - رحمه الله - في ديباجة مؤلفه الذي سمَّاه (اللائق بالأفهام في معرفة حدود الكلام) بخط يده ما لفظه: ألَّفه(1) في حال التدريس(2) وقبل نبات اللحيَة، وكتب هذه النسخة وقد بلغ ستاً وستين سنة من العمر بـ(كحلان) المحروس سنة تسع وخمسين وستمائة. فمولده - رحمه الله - سنة أربع(3) أو ثلاث وتسعين وخمسمائة سنة، ووفاة المنصور بالله /34/ والفقيه في نحو إحدى وعشرين سنة؛ لأنها في سنة أربع عشرة وستمائة، والمشهور من أهل هذا البيت يومئذٍ العلامة عمرو بن مسعود الآتي ذكره، واشتهر القاضي عبد الله بزمن الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وهو أسنَّ منه - عليه السلام - بهذا القدر؛ لأن الإمام ولد سنة وفاة المنصور بالله - عليهم السلام جميعاً - أو في السنة التي قبلها، على اختلاف الروايتين.
عبد الله بن سليمان
عبد الله بن سليمان، صنو الإمام أحمد بن سليمان - عليه السلام - كان عالماً فاضلاً، من وجوه آل محمَّد، ولهم أخ ثالث اسمه يحيى، مقامه ذلك المقام، ذريَّة بعضها من بعضٍ - أعاد الله من بركتهم-.
عبد الله بن سليمان بن موسى
السيد الأمير عبد الله بن سليمان بن موسى، كان أميراً، خطيراً، عارفاً، مقدَّماً، متبوعاً، وله مواقف حميدة، وأدبيَّات، وإخوانيات(4) مع جلالة قدره، من ذلك ما كتبه - رحمه الله - إلى القاضي مسعود بن عمرو، لمَّا خرج لزيارة أخيه زيد بن عمرو، وقد بلغه أنه مرض:
أمسعود إن زرت الخيام فزارها ... من الغيث وكَّاف أجش(5) هطولُ
فرد على زيد السلام وقل له ... له الله مني بالوداد كفيلُ
__________
(1) ليس في (ب): ألف.
(2) في (ب): الدرس.
(3) في (ب): .. - رحمه الله - على هذا سنة ثلاث.
(4) في (ب): وأخويات.
(5) أجش: هو الغليظ الصوت من الرعد. القاموس المحيط 543.
(وما عاقني من زوره واعتهاده ... سوى أنه هذا النقيل طويل
عَسير علينا طلعُه وهبُوطه ... لأنيَ في هذا الزَّمان عليلُ) (1)
فأجابه القاضي ركن الدين بأبيات يقول فيها، وقد جاد المطر الخيام، وأجيبت دعوة الإمام(2) - رحمه الله -:
دعوتَ لنا بالغيث يا من هو الحيا ... إذا لم يرج للمرضعات فصيلُ
فكنت كموسى حين فجَّر بالعَصَا ... عيُوناً من الماء القراح تسيلُ(3)
ومالك تستسقي(4) الحيا لمنازل ... بهنَّ الحيا من راحتيك وكيلُ(5)
كرمت فلا حوض الندى بمكدَّر ... علينا ولا حوض السماح محيلُ
وجُدتَّ فأخلاق السحاب بخيلة ... بجنبك والبحر الخضم قليلُ
حنانيك يا فخر(6) الهدى ابقِ رحمه ... على المال إن المستقال يقيلُ
وكتب إليه القاضي ركن الدين وقد بعث الأمير له بشيء من العنبر:
بعثت بالعنبر الشحري تتحفني ... وطيب ذكرك عنه كانَ يغنيني
ما عنبر الشحر أو ما المسك ذو النفحات الثبتي إذا ما مر تصبيني(7)
(8)نفسي الفداء لفخر الدِّين مِن علمٍ ... للمجد والحمد والدنيا وللدينِ
ومما كتبه القاضي ركن الدين إليه، وقد صحبه إلى جبل (صباح)، ففرَّق الأمير عساكره للضيافة، ووجَّه القاضي ركن الدين إلى محلٍ وعر مع شدَّة برد:
لعمري لقد حزنا الجروم لأكلة ... طوينا لها ثوب الظلام على الجرد
ببيت يغشيها الهضاب على الوجا ... كمثل الوعول العضم تهوى على جرد
وقد كان أولى أن تصان وإننا ... نصون ثبات المدحجين عن العضد/35/
فحق علينا صون هذا وهذه ... بما جل من مال وما جلَّ من حمدٍ
__________
(1) ما بين القوسين ليس في (ب).
(2) في (ب): الأمير.
(3) في (ب): يسيل.
(4) في (ب): تستقي.
(5) في (ب): كفيل.
(6) في (ب): يا بحر..
(7) تصبيني: تشوقني، وتدعوني إلى الصِّبا، فأحن إليها. القاموس المحيط 1196.
(8) سقط في (أ): البيت التالي:
كمثل ذكرك إذ أمسيت من…بين الركاب ولا نشر الرياحين
عبد الله بن سليم الحضرمي
العلامة عبد الله بن سليم الحضرمي - رحمه الله - من أعيان أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله - في كتابه.
عبد الله بن عامر بن علي [ - 1061 ه ]
السيَّد الجليل العارف عبد الله بن عامر بن علي - رحمه الله - هو ابن عمّ الإمام القاسم بن محمد، كان سيداً متيقظاً، ذكياً فصيحاً، مجيداً في الشعر على منهاج العرب الأولى، كان شيخنا شمس الدين - رحمه الله - يثني على شعره، ويقول: السيد مُجيدٌ، وهو كذلك، ولم يظهر شعره إلاَّ في آخر أيَّامه، بعد موت ولده أبي تراب علي بن عبد الله، فإنه كثَّر فيه المراثي، وناح عليه بشعر كثير، ولعله كان يكتم شعره في مبادئ أمره، وكان له ثلاث خصال، استأثر بها:
منها جودة خطه، فإنه فائق عجيب، ومنها جودة الرماية بالبندق، فإنه كان أستاذاً (بارعاً)(1) في صنع الرِّماية(2) لم يسبق إليه، ويعالج البنادق، ومنها ركوب الخيل، كان وحيداً في ذلك، وأخبرني أنه لم يترك في تعلم الكتابة والرِّماية مجهوداً؛ حتَّى إنه بلغه أنَّ في مشهد الإمام أحمد بن الحسين رجلين، أحدهما يجيد الكتابة، والآخر يجيد الرمي، فبالغ في وصوله إلى (ذيبي)ن لامتحان الرجلين، فوجدهما كما وصف، لكنَّه فاق عليهما، ووقف بـ(ذيبين) أياماً على(3) رأي الإمام القاسم - عليه السلام - أرسله إلى عند القاضي العلامة الهادي بن عبد الله بن أبي الرجال، فاستقر عنده مدة، وكان لا يزال يحدث عن القاضي - رحمه الله - بعجائب من السعادة، ومطاوعة حيّي (حاشد) و(بكيل) له، وهو كذلك، فإنه ما اتفق لأحدٍ ما اتفق له، وكان والدنا القاضي العلامة علي بن أحمد صديق السيّد المذكور؛ لأنه - عادت بركته - تولى (وادعة)، والقاضي علي كان(4) يلي أمر القضاء كما ستراه في ترجمة السيد علي العبالي، وكان بينهم من التحاب والتواصل أمر عجيب، واعتنى السيَّد - رضي الله عنه - بالجمع بين (المنتخب) و(الأحكام)، وفي بالي أنه أراد التصرَّف بالاختصار لأحد الكتابين، وسمَّى الكتاب المذكور بـ(التصريح بالمذهب الصحيح) والاختصار الذي في ذهني، تحققته فوجدته في أسانيد (المنتخب)، تركها ولم يستحسن(5) الإمام المؤيَّد بالله - عليه السلام - ذلك(6) ومن شعره(7):
وكانت وفاته بـ(حوث)؛ لأنه استوطنها، واستوطن (هجرة الحموس) ببلاد (عذر)، وذلك في سنة إحدى وستين وألف - أحسبه في رجب منها - رحمه الله تعالى- (8).
__________
(1) في (أ): ينكر.
(2) في (أ): مالم.
(3) في (ب): عن.
(4) في (أ): ما كان.
(5) في (ب): يستحسن ذلك.
(6) ليس في (ب): ذلك.
(7) فراغ لما يقارب الخمسة الأبيات.
(8) سقط من (ب): تعالى.
عبد الله بن عبد الله الخراساني
العلامة عبد الله بن (1) عبد الله الخراساني الزيدي - رحمه الله تعالى - كان من عِليَة(2) أصحاب أبي الحسين(3) الطبري - رضي الله عنه - ونظرائه، وكان لهم (4) فضل مشهور، وطبقة عالية في الزهد، والعبادة، والقراءة، والفقه بالدين، وحبُّ آل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وعداوة من أضاع لهم حقاً، وكان يسكن (حمدة) بالبون الأسفل، ثم صار إلى (مسور)، ثم آل أمره إلى أن نزل موضعاً من أعلى وادي (بيت شهر)، وابتنَى فيه صومعة يعبد الله فيها، ونزل هنالك بولده، ويقال: إنه مات هنالك - رحمه الله - والموضع الذي سَكنَه يعرف بـ(ضواض) - بضادين معجمتين - (وبهجرة)(5) آل أبي عبد الله (وله عقب، فيهم العلم والزهد، منهم سليمان بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عبيد الله)(6)، وقد سعد بصحبة عبد الله خلائق، وكان لا يأخذه في الله لومة لائم، وكان لا يتم معه ولا حيث يسمع كلمة(7) حيلة لمدلس ولا في الدين، ولا لمدَّعي قضاء بالباطل، ولا سلطان مفسد، ولا مموّه بالمحال، وروي أن المنصور بالله القاسم، بن علي كان يحب أن يعاضده، ويناصره، فإنه حكى الحسين بن يعقوب الزَّيدي - رحمه الله - أنه لمَّا بلغه زهد عبد الله، وعزلته، وأنه في شواهق الجبال، قال: والله ما تغنيه تلك العبادة شيئاً إن لم يأتِ بما فرض الله لنا عليه، وأمَّا ولده المهدي الحسين بن القاسم، فكتب كتاباً إلى الناس ليعرفوا فضله، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته، وبعد. فقد كنا جاهلين لفضل شيخنا وسيدنا أبي محمد عبد الله بن(8) عبد الله - رضي الله عنه - حتى خبرناه، وتبيّن لنا أمره حين بلوناه، ولعمري لقد كنا بسياحته عالمين، وعن خشوعه لله
__________
(1) في (ب): بن أبي عبد الله.
(2) في (ب): جملة.
(3) في (ب): الحسين.
(4) في (ب): له.
(5) فراغ في (ب).
(6) ما بين القوسين ليس في (أ).
(7) في (ب): كلبه.
(8) في (ب): بن أبي عبدالله.
وهجرته(1) غير غافلين، ولكن تحقق عندنا أمره، وبان وظهر لنا فضله وخطره، وأنا أدين الله بولايته، وأتقرب إلى الله بمودّته، فمن كان يتعلق بولايتي، فليعرف حقه، ويعتقد ولايته، وحقيقته، وصدقه، ويجب على جميع المسلمين أن يعرفوا فضله، وقد عرفتم أيها الإخوة موضعه ومحلّه، وعرفتم هجرته إلى الله عز وجل ومنزلته، وقد وجب عليكم أن تنقذوه، ويلزمكم في حكم الله(2) أن تعينوه، فعليه مؤنة وعيال، وليس له نشب ولا مال، وهو مشتغل بطاعة الله ذي الجلال، قد شغله ذلك عن جميع الأحوال، فلما علمت ذلك، رأيت أن أعلمك بحاله، وانقطاعه إلى الله - عزَّ وجل - واشتغاله، فاللهَ اللهَ اعجلوا إلى ما يقربكم إلى الرحمن. انتهى
وكان عبد الله هذا من أشد الناس حرصاً على طلب العلم، والتواضع للعلماء، والصَّبر على المشقة، وبعد الشقة في ذلك، وكان من أقرأ الناس لكتاب الله - عز وجل- فأتى (مكة) في بعض حجَّاته، فقعد بين يدي قارئ الحرم، ثم سأله أن يستمع منه سورة، فقال: لا، فقال: عشر آيات، فقال: لا، قال: فخمساً، قال: لا، قال(3): فآيتين، قال: لا، قال: آية، قال: لا، قال: فنصف آية، قال: اقرأ، فلما قرأ بسم الله الرحمن الرحيم، قال: مرَّ في قراءتك، فاندفع يقرأ البقرة، فقرأ حتى انتهى إلى قوله، ?وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً? [البقرة:171]، فقطع عليه القراءة، وقال(4): أنت عبد الله بن أبي عبيد الله(5) الخراساني صاحب (اليمن)؟ قال: نعم، قال: قد عجبت، إنه(6) لا يذكر إلا شيء.
__________
(1) في (أ): وعن خشوعه وبهجرته.
(2) زيادة في (ب): سبحانه.
(3) ليس في (ب): قال لا قال.
(4) في (ب): فقال.
(5) في (ب): عبد الله.
(6) في (أ): إن.
وروي أنه كان بمجلس أبي الحسين الطبري بـ(صنعاء) للقراءة والمذاكرة في العلم، ثم إنه في بعض أسفاره إليه نشط إلى الرجوع إلى أهله ببيت (حمدة)(1) من البون الأسفل بعد إقامةٍ كانت منه، فلما انتهى في مسيره إلى رأس (جبل صليل)، ونظر إلى بيوت أهله، ذكر مسألةً بقيت عليه يجب السؤال عنها، وخاف الله في الجهر بها، فرجع من حيث بلغ إلى (صنعاء)، وما استحل أن يتقدم إلى أهله، فسأل الطبري عن المسألة، ثم انصرف.
وكان قوي القلب متيقظاً شجاعاً، بصيراً بعمل السِّلاح وآلة الحرب، رامياً تارساً.
وقد كان رحمه الله(2) حفر قبره بيده، فكان يبرك فيه، ثم يقعد فيه(3)، فيقرأ القرآن به، فقيل له: وما يدريك بأي أرض تموت؟ فقال: إني سألت الله(4) تعالى حوائج فقضاها، وهذه مما سألته، وأرجو أن يقضيها سبحانه، فمات هنالك، ودفن فيه، وكان إذا نظر إليه، قال: نعمَ البيت.
وحكي أن أمير (مكة) في زمنه كان يرسل إليه بهديَّة من ثياب فاخرة، فكان يبيعها، ويتصدَّق بأثمانها، فرأت امرأته في بعض ذلك قميصاً منها، فسألته بالله أن يهبه لها، ففعل، وقال: لولا ذكرك الله ما فعلت.
وروي أنه كان بمسجد (حمدة) بعشر ذي الحجَّة معتكفاً، فكان في بعض تلك الأيام وهو يذكر الله أقبل سائل فأعطاه ذخيرة أهله للعيد من الدقيق، فأرسلت إليه امرأته تطالبه بحاجة العيد من الطعام وغيره، فلم يلتفت إليها، فلمَّا أكثرت الرسائل، خرج يريدها، فبينا هو في الطريق إذ أقبل رجل يسوق دابَّة عليها حمل بر، ويقود كبشاً، ويحمل حوائح من حوائج العيد، وإذا هو رسول من علي بن أبي الفوارس اللغوي، قد بعث إليه بتلك الأشياء لعيده، فأقرأه منه السلام، وسلم إليه(5) ذلك، وأمر من قبض منه ذلك، وقال: اذهب به إلى كبيرة البطن.
__________
(1) في (أ): شهير.
(2) سقط من (أ): لفظ الجلالة.
(3) ليس في (ب): فيه.
(4) زيادة في (ب): تبارك.
(5) في (ب): عليه.
وحكي أنه - رحمه الله - كان يصلي الفجر بوضوء المغرب، وله نومة يسيرة عند الظهيرة، وكان له شعر، وممَّا نقل من خطه، ولعله من شعره:
مَن أحسن الظن بمعبودهِ ... جاد ولم يبخل بموجودهِ
من طلب الجنة من طالبٍ ... فإنها في بذل مجهودهِ
فليبلغ الطالب في جهدهِ ... ما يبلغ النجار في عودهِ
وروي أنه كمل قول من قال:
وإذا غلا شيء عليَّ تركتهُ ... فيعود أرخص ما يكون إذا غلا
فقال(1):
إلا الطعام فإن فيه حياتنا ... فإذا غلا يوماً فقد وقع البلا
وروى أبو الجيش بن العلاء الثمالي الزَّيدي، أنَّ بعض إخوان عبد الله أرسل له بورق؛ لينسخ له فيها أخبار الجمل وصفين، فكتب له فيها كتاب (الأحكام) للهادي(2) - عليه السلام - ومصحفاً فيه كتاب الله - عز وجل - وكتب إليه على بياضٍ ضمَّه إليهما ما لفظه: وأمَّا أخبار الجمل، فإنهم التقوا في يومٍ من الأيام، فافترقوا عن خمسة وعشرين ألف قتيل، وأخبار صفين، فإنهم التقوا أربعين يوماً، فافترقوا عن سبعين ألف قتيل، فهذه جملة الأخبار. انتهى
عبد الله بن عثمان النهدي
عبد الله بن عثمان النَّهدي - رحمه الله - ذكره البغدادي - رضي الله عنه - في رجال الزيدية.
عبدالله بن عثمان الأشجعي(3)
عبد الله بن عثمان الأشجعي من أصحاب الإمام زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله -.
عبد الله بن عطيَّة بن أبي النجم الحميري
العلامة البليغ الفاضل، قطب الدّين، عبد الله بن عطية بن أبي النجم الحميري - رحمه الله - من البيت الذي أشرقت علاليه، وأشرفت معاليه، كان عالماً كبيراً فاضلاً بليغاً(4)، وأظنه من أعلام المائة الثامنة، وهو صاحب القصيدة التي مطلعها:
أمعلمها على اسم الله حرفاً ... من الإسناد في طول المرامي
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) في (ب): أحكام الهادي.
(3) هذه الترجمة ليست في (ب).
(4) ليس في (ب): بليغاً.
وله المرثية في العلامتين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد(1) بن أبي النجم، وولده جعفر، ومطلعها:
تعزّ(2) وإن جلت خطوب بواترُ ... فما هانَ خَطْبٌ حيث حَلَّتْ عناصرُ
عبد الله بن علي بن يحيى بن القاسم
السيد العلامة، عبد الله بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي بن يحيى المنصور بن أحمد الناصر بن الإمام الهادي إلى الحقِّ - عليه السلام - المعروف بالحجاج، جدُّ السادة آل الوزير، يسمَّى بالحجاج؛ لكثرة حجِّه إلى بيت الله الحرام، قال بعض أولاده: رأيت(3) في ألواح ضرائح آبائنا - عليهم السلام - مفضَّل بن عبد الله بن علي، فسألت سيّدي ووالدي علي بن المرتضى عن ذلك، فقال: اسمه الحجاج، ولكن يسمَّى عبد الله، كراهةً لاسم غلام ثقيف لعنه الله، وهذا لا معنى له، فالأسماء موضوعة.
وكم من سميٍّ ليس مثل سميِّهِ ... وإن كان يُدْعَى باسمه ليجيبا
عبد الله بن علي بن محمد بن أبي القاسم [ -829 ه ]
السيد العلامة، العابد العالم، عبد الله بن علي بن محمد بن القاسم(4) مصنف (التجريد). قال الإمام عز الدين فيما أحسبه: هو الفاضل العابد الورع، توفي في حياة(5) والده بصنعاء سنة تسع وعشرين وثمانمائة.
عبد الله بن علي بن محمد العباسي
العلامة الشريف، عبد الله بن علي بن محمد العبَّاسي - رحمه الله - كان عالماً كبيراً، قرأ على العلاَّمة يحيى بن محمد(6) بن محمد بن يحيى حنش(7) في مسجد (الغلاب) بصنعاء، (أصول الأحكام) و(شرح التحرير)(8)، وحضر تلك القراءة الشريف علي بن محمد بن علي من هجرة (سمر).
__________
(1) ليس في (أ): بن عبدالله بن محمد.
(2) في (أ): يعز.
(3) في (ب): ورأيت.
(4) ما بين القوسين ليس في (أ).
(5) فراغ في (أ) و(ب).
(6) ليس في (ب): بن محمد.
(7) في (ب): بن حنش.
(8) في (ب): التجريد.
قلت: هو الإمام المهدي لدين الله - عليه السلام - والسيد المهدي بن قاسم من هجرة (صوف) (1) (بحضور) (2)، والقاضي أحمد بن عيسى من (ثاه) (3)، والقاضي علي بن قاسم من (الحناق)(4) من بلاد (عنس)، والفقيه محمد بن أحمد بن حنش من (ظفار)، والسيد سليمان بن محمد بن المطهَّر بن أبي الفتح - عليهم السلام -.
عبد الله بن علي بن أبي النجم
العلامة ركن(5) الدين، ويقال: تقي الدين - أيضاً - عبد الله بن علي بن أبي النجم، قاضي قضاة المسلمين، وواحد أركان الإيمان والمؤمنين، كان عالماً عاملاً، ممدوحاً بالشعر، وصولاً، ولذلك ناح عليه الفضلاء ونظمت فيه قلائد المراثي، من ذلك ما قاله محمد بن إسماعيل بن أبي النجم:
لعمري لفي المختار أحسن أسوةٌ ... لمن ضامه الدَّهر المسيء(6) وروعا
وفي آله الغرِّ الكرام فإنهم ... طريق لمن يبغي إلى الحق متبعا
لئن نابنا ريب الزمان وصرفهُ ... بموت تقي الدين فذّاً سميدعا/39/
أتاهُ الردى كالبدر ليلة تمّهِ ... وكالغصن الميال حين تزعزعا
وفارق آباء كراماً وإخوة ... وما فيهمُ قالٍ(7) له حين ودَّعا
وهي طويلة، وفيه يقول الشريف الكبير محمد بن جعفر بن أبي وهَّاس - رحمه الله تعالى -:
تأسَّوا فأنتم بدُور(8) السماء ... وأنتم لعمري ضياء الضياء
__________
(1) صَوْف: قرية خاربة في منطقة بني سُوَار، من مديرية بني مطر في غربي صنعاء. ومكانها تحت جسر (عُصْفُرَة). في الجنوب الغربي من قرية (يازل). معجم المقحفي. ص924، 925.
(2) حَضُور: جبل شامخ في بني مطر، غربي صنعاء. المرجع السابق ص479.
(3) ثَاهُ: وادي ثاة: قرية تقع في الشمال الغربي من مدينة رداع. معجم المقحفي 250.
(4) في (ب): الحناف. والحنَاك: موضع جوار قرية (دار الحنش) من قرى (جبل الدار) في عنس. معجم المقحفي 518.
(5) في (ب): زكي الدين. ظ.
(6) في (أ): المسمى.
(7) أي مفارق أو تارك.
(8) في (ب): نجوم.
ومِِنْ عندكم تستفاد العلوم ... ويُشفى بها كل غلٍ وداء
تأسَّوا بأحمد ثمَّ الوصي ... وأسباطه السَّادة الأصفياء
فأنتم لهم شيعة خيرة ... مدى الدهر في شدة أو رخاء
ولما سمعت بأن الزكي ... رمته المنون بسهم الرداء
جفاني المنام وعادى الجفون ... وأذريتُ منها نجيع الدّماء
وقلتُ لناعيه تنعي الهدى ... وتنعي الندِيَّ فَزِدْ في النعاء
فقد شيَّد الدين في عصره ... وأرسى قواعده في السماء
وخلف من بعده معشراً ... مصاليب يوم النَدى والنِّداء
قضاة هداةٌ لمسترشدٍ ... وللطَّالبين كصوب الحياء
وإن دُعيوا عند ضيق المجال ... أجابوا بجردٍ وسُمْر القناء
بَنُو النَّجم أكرَم كل الورى ... وأهل القراءة أهل القِرَا
فلا غالهم بعدهم غائل ... من الدّهر يوماً بسوء القضاء
فما القلب يا أيها الأكرمون ... على البعد والله منكم بناء(1)
وقال في بعض آل أبي النجم، وأجاد - رحمه الله -:
صفو المعيشة ممزوج به الكَدِرُ ... والموت غاية ما الأحياء تنتظرُ
ومن تفكَّر في الدنيا غدا وله ... فيها وفيمن مضى من أهلها عِبَرُ
كم أخلقت من جَديد في تقلُّبِها ... وهدَّمَت طود جودٍ(2) وهو مُعتَمرُ
لو أنَّ مَيتاً يفَادَى بالعُلا سمحت ... بكُلِّ ما عَزَّ فيها(3) أنفس صبرُ
ومن عزيز عزيز الجار ذي حذرٍ ... لم يرفعِ الموتَ عنه العزُّ والْحَذَرُ
ومن مُلوكٍ عنت غلب الرقاب لهم ... أضحوا وليس لهم عَين ولا أثرُ
ومن نبيئين لم تَرْثِ الخطوب لهم ... وهُم منَ النَّاس صفو الله والخيرُ
وإلفةٍ من جميع الشمل فرَّقها ... ريبُ الزمَان وأوهى سلكها القدرُ
وكُل حيٍّ وإن طالَت سلامتُه ... لا بُدَّ يَوماً يواري شخصَهُ الحفرُ
وإنما الموت أفنى الناس عن كملٍ ... فما عَنِ الموت لا كفل ولا /40/ وزرُ
فإن تولَّى أمير المؤمنين فقد ... أورى حميد المساعي ذكره عطرُ
__________
(1) بناءٍ: بمبتعد.
(2) في (ب): مجد.
(3) في (ب): فيه.
وإن(1) رمَى الحادث المكروه أوحدنا ... واغتيل بالكره منا الكوكب الزهرُ
وقارعت حاكم الإسلام قارعة ... قد غصَّ كل البرايا طعمها المقرُ(2)
وغيبت في ثرى المنهال أعظمه ... وغرةً طاب منها الْخُبر والخَبَرُ
فيا له طود حلمٍ لا كفاء لهُ ... لا الطيش من خُلقه يوماً ولا الضجَرُ
وبحر علم إذا ما عز مشتبهٌ ... وغيث جود إذا ما أمحَل المطَرُ
عالي المنار شريف القدر منتجب ... ما زال يأمر بالتقوى ويأتمرُ
ونعم ما يأمن الخلان جانبه ... وليس في قلبه حقد ولا وغرُ
حلاَّل معظلةٍ فكَّاك مشكلة ... وفي التشاجر يرضى حكمَهُ البشرُ
ومَفْزَع إن عرَا خَطْبٌ ومعتصَم ... للناس يقصده البادون والحضرُ
فيا زكي الهدى يا مَن مناقبُه ... يحدو(3) بها العِيْسَ نجديٌّ ومغتورُ
كم منَّة لك حُسْنَى(4) يا أبا حسنٍ ... ومحفل لك ما أزرى به الحَصَرُ
وليلة لك قد أحييت ميتها ... وقمت منها وجُنح اللَّيل معتكرُ
فالله يسقي ضريحاً أنت ساكنه ... من صَادق الغيث جون صَونُه مَطرُ
إنَّا وإن زَارنا دهر بنائبةٍ ... يبقى لها الصَّبر ثوباً ما بقي العُمرُ
ٍولا نخالف نهجاً كنت سالكه ... بل نقتفي(5) سيرة الأستاذ نقتفرُ(6)
وقد بقت سادَة منا غطارفة ... شمٌّ إذا يسأل المعروف ينتدرُ(7)
طابوا فعالاً كما طابت عناصرهم ... شوس العزائم ما في عودهم خورُ
وسيِّدُ الكلِّ مَن سادتْ مكارمهُ ... ومَن بهِ العصر أضحى وهوَ يفتخرُ
زاكي النجار(8) طويل الباع ساحته ... للوَافدين بها حج ومعتمرُ
محيي العماد الذي عمَّت نوافله ... وراح بالجود بين الخلق يشتهرُ
__________
(1) في (ب): فإن.
(2) الْمَقِرُ: الحامض أو المرّ. القاموس المحيط 444.
(3) يَحْدُو: يحدو الإبل: يزجرها ويسوقها. القاموس المحيط 1171.
(4) في (ب): عظمى.
(5) في (ب): نكتفي.
(6) نَقْتَفِرُ: نتبع. القاموس المحيط 433.
(7) في (ب): تبتدر.
(8) النِجار: الأصل.
واري الزناد وكافي كل معضلةٍ ... عطاؤه الجزل - أيضاً - وهو يعتَذرُ
وما سليمان إلاَّ سيد عَلَمٌ ... ما دام فينا فكسر الدَّهر ينجبر
فيا لقومي الأباة الغرِّ من لهم ... ذكر غدا بالثنا في الأفق مشتَهرُ
لا راعكم بعدها خطب ولا برحت ... ساحاتكم من رخام الوفد تنغمرُ
ودمتم الدَّهر في عزٍّ وفي نعمٍ ... ما أشرق النَّيِّران الشمس والقمرُ
عبد الله بن عمر الهمداني
رئيس العصابة، وسهم الإصابة، ليث العرين، وحتف /41/ القرين، عبد الله بن عمر الهمداني - رحمه الله - هو صاحب المناقب والمقانب، الأسد(1) الباسل، مُؤلِّف (سيرة الناصر للحق) أحمد بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام - كان عالماً عاملاً، مقدماً(2) في كل فضيلة، مدرباً مجرباً، يقود العساكر، له الوقائع الغر، وحسبه قضية (نغاش) (3) - بالنون بعدها غين معجمة بعدها ألف ثُمَّ شين معجمة - فإنه أبو عذرها، وهي قضية قلَّما(4) يوجد لها نظير، علت بها كلمة الحق، وقتل فيها من الباطنية نحو سبعة آلاف رجل، ولم يقتل من جماعة الزيدية إلا رجل واحد، بعد أن اجتمعت الباطنية قضها بقضيضها مع رؤساء (مسور) آل المنتاب وغيرهم، وجاؤوا بجموع هائلة، وشارة(5) تروع الألباب، وقال قائلهم في بعض الأوقات وقد ضربت خيام الفريقين: اللهم انتقم لدينك، وانصر(6) من كان على الحق، فأمَّنت الزيدية من مضاربها، وكان ما كان، ولولا خوف الإطالة؛ لشرَّفت هذا المسطور بشيء من ذكرها، وكان محشر(7)
__________
(1) في (أ): الأسل.
(2) في (ب): مقداماً.
(3) في معجم المقحفي: نُفَاش: بلدة في جبل عيال يزيد، من بلاد الأشمور، وأعمال محافظة عمران. اشتهرت بالحرب الفاصلة التي قامت فيها عام 307هـ بين جيش عبدالحميد المنتاب، وجيش الإمام الناصر أحمد بن الهادي، وقد أسفرت عن قتل أكثر جيش المنتاب.
(4) في (ب): قلَّ أن.
(5) الشَّارَة: الهيئة، واللِّباس، والزينة. القاموس المحيط 392.
(6) في (أ): وانصر مِنَّا.
(7) فراغ في (ب).
هذا الحرب، المسعر لناره، هذا الرجل الجليل، فإنه ذكر أنه مرَّ بباله فكرٌ في أمر القرامطة ونكايتهم، (1)في باله أن يأخذ (حصن مدح)، ويسكن فيه، فهاجت القرامطة لذلك، ولم يفعله إلا لذلك، فلقوا إلى (نغاش) بجموعهم الكثيفة كما وصفناه، ولقي من أمراء الناصر للحق - عليه السلام -(2) هذا الرئيس الجليل، والسيد الكبير إبراهيم بن المحسن العبَّاسي، من ولد العباس بن علي - عليهما السلام - الماضي ذكره، وعبد الله بن محمد السَّعدي - رحمه الله - الآتي ذكره، فاجتمعوا في (نغاش)، وكان ما كان، وكان هؤلاء الرؤساء الثلاثة ممن يتزين بهم الإسلام؛ لمكانهم في العلم والعمل، وكانت(3) القرامطة تتجرَّم من عبد الله بن عمر هذا، ففيه يقول زاجرهم لما تضايفت الخيام، وكادت القيام أن يحطم القيام في رجز طويل حفظ منه:
اسمعوا قولي وقولوا ما الخبر ... قد هيج الحربَ عليك(4) ابن عمر
ازداد في ذاك علواً فانحدر ... وطال ما راحلنا على دبر
لا بدنا [من] مركزٍ رأس مدر ... والمركز الثاني بتوعيد البقر
حتى يعد أحوساً من الخبر ... وننصب الرايات في أرض عذر
فأجابه زاجر الزيدية الغطريف الصَّايدي - رحمه الله تعالى - فقال:
يا أيها القائل صدقاً لم تجر ... قد هيَّج الحرب علينا ابن عمر
فليس من أفعاله فعل نكر ... فاسأل به إن كنت ترتاد الخبر
أيام (ذي الطوق) بحجر وشعر ... ويوم (حيسان) فأدهى وأمر
وفي (السحول) و(غلاس) كالصبرِ ... و(بالظفارية) يوم مشتهر
و(بالشوافي) كان يوم مستمر ... من كفِّه كان لكم فيها العبر
كم يوم فخرٍ كان لليث الأغر ... ويوم معموم(5) له يوم بكر
حين تلاقى الجيش يوماً(6) يبتدر ... وكانت الكثرة(7) فيها كالشرر
وأقبل الأعور يعدو ويكر ... فردَّه بطعنه على قفر
__________
(1) في (ب): فمر في باله.
(2) زيادة في (ب): عليه السلام.
(3) في (ب): فكانت.
(4) في (أ): علينا.
(5) في (ب): يعموم.
(6) في (ب): سعياً.
(7) في (ب): الكرة.
ففرج الكربة في وقت السعر(1) ... يشهد هذاك جميعاً من حضر/42
فاعمل بما شئت وما شئت فذر ... ولا تقل قول جهول ذي أشر
ازداد في ذاك علواً فانحدر ... لكن سما ثم علاكم وقهر(2)
قد بذل المهجة في وقت الذَّعر ... ولو نظرت في صحيحات الأثر
وجدته آلَ النَّبي قد نصر ... وقام لله بما فيهم أمَر
ذلك عبد الله ينميه النفر ... قائدنا المهيوب معروف الخطر
نحو بنو همدان سادات صُبر ... الناصرون الحق من كل بشر
والضاربون من على الكفر أصر ... ولا نوالي من بها ديناً غدر
فالغدر ملعون ومأواه سَقر ... يا قرمطي أثبت فمامنَّا وزر
بنو رسول الله أولى بالظفر ... فالبيع (تأتيك)(3) فلا تشك الضجر
لا بدنا من مركزٍ ومستقرّ ... في (بيت علمان) فدع عنك (مدر(
(ومسور) لا بد من (رأس الحجر) ... والعير في ملكي فخذ منا الحذر
وفي (طمام) سوف يأتيك الخبر ... إنَّا كما قال حكيم ذو بصر
إذا التقينا فالجبان من نفر
انتهى. وعبد الله(4) المذكور صحب الهادي - عليه السلام - وابنيه، وهو صاحب السؤال لأحمد بن يحيى - عليهما السلام - وله الجواب(5) عن كلام عبد الله بن يزيد البغدادي في الجبر والعدل، وهو الجواب المعروف بكتاب (الدَّامغ)، وهو كتاب (النجاة) من جلائل كتب آل محمد - عليهم السلام - ولعبد الله النهمي العلامة مديح في عبد الله بن عمر - رضي الله عنهم - أجمعين.
عبد الله بن عواض الزيدي
القاضي العلاَّمة العارف عبد الله بن عواض الزيدي - رحمه الله - ذكره السيد صلاح بن الجلال - رحمه الله - فقال: وكان عالماً فاضلاً.
عبد الله بن غانم الخولاني الزيدي
العلامة عبد الله بن غانم الخولاني الزيدي، كان أديباً شاعراً من أهل ستمائة. من شعره - رحمه الله -:
ما صيَّر الحبَّ سلطاناً على جلدي ... حتَّى غسلت من الصبر الجميل يدي
__________
(1) في (ب): العسر.
(2) في (ب): فقهر.
(3) زيادة في (ب).
(4) في (ب): عبد الله بن عمر.
(5) سقط وله من (أ).
قد جلَّ ما بي فخلِ العذل عن أذني ... ورقَّ صبري فراق الحزن في جلدي
وأعين البيض بيض غير مغمدة ... سود منَ السحر نفَّاثات في العُقدِ
ألقت على القلب ثقل الهجر تاركةً ... ضعف الحتوف وضعف الخصر في جسدي
إن بت في غمر من بعدها خلق ... فالقلب في حرق من بعدها جُدَدِ
لا ترثَ للعين إن جادَت بعبرتها ... فالعين لولا أليم البين لم تجدِ
عبد الله بن القاسم بن محمد بن الهادي
السيد العالم الوحيد عبد الله بن القاسم بن محمد بن الهادي بن الأمير المؤيَّد - عليهم السلام - قال بعض علماء آل يحيى بن يحيى: هو من وجوه السَّادة وأعيانهم، وله قراءة /43/ وألمعيَّة، وهو الذي يلي أمر السياسة، والنظر في أحوال مدينة (المحط)، وسائر الجهة (اليسنميَّة)، وإقامة (الجماعات)(1) فيها(2)، والحدود فيها، وتنفيذ أحكام الشريعة المطهرة، وأخذ الحقوق من أهلها عن أمر قائم عصره، أمير المؤمنين الهادي إلى الحق المبين عزِّ الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيَّد - سلام الله عليهم -.
عبد الله بن القاسم السليماني
السيد العلامة عبد الله بن القاسم السليماني - رحمه الله - كان من أعلام العترة الكرام، فاضلاً، من ولد عبد الله بن الحسن - لعله من المخلاف السليماني - ذكره بعض علمائنا وأنشد له:
بحقك يا من تعالى وعزَّا ... فكل مقاليدنا في يديك
أقل عثرتي واغتفر زلَّتي ... فما مهربي منك إلا إليك
ولا تأخذَنِّي بما قد جنيت ... فليس اتكاليَ إلا عليك
فلا الذنب مستنكر من لدي ... ولا العفو مستنكر من لديك
__________
(1) في (أ): الجهات.
(2) سقط من (ب): فيها.
عبد الله بن القاسم
السيد الأمير البليغ الهمام، لسان العترة عبد الله بن القاسم بن محمد بن جعفر بن القاسم بن علي - رحمه الله - كان عالماً فاضلاً بليغاً، وهو الذي كان يهاجي نشوان بن سعيد الحميري، وله الشعر الذي أوله: (أمَّا الصحيح فإن أصلك فاسد) وغير هذه القصيدة، ثم آل أمرهما إلى المحاسنة، وقال الأمير عبد الله بن القاسم قصيدة منها:
فليهن ندباً سيداً شرفت به ... من حمير الأحياء والأموات
وأجابه نشوان بأبيات تأتي - إن شاء الله - في ترجمته.
عبد الله بن المختار
الشريف الكبير، الإمام الحافظ لعلوم آل محمد، عبد الله بن المختار، وهو القاسم بن الناصر للحق أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، العالم بن القاسم نجم آل الرسول - سلام الله عليهم - كان أوسط أهل زمانه، وخيار أهل أوانه، في بحبوحة الشرف الوسيعة، وعلى ذروة المجد المنيعة، كان غير مجهول المحل عند جلة العلماء، مثابة لهم، مرجوعاً إليه، تشد إليه الركاب، وما علق بغير العلم، فَسادَ أقرانه الذين اشتغلوا بالرتب، وكان أخوه محمد بن المختار، الملقب بالمستنصر بالله من أهل الكمال، إلا أنه خالط الناس، وولده عبد الله بن محمد المختار الملقب بالمعتضد كبير المحل، إلا أنه كوالده نشر ألوية الرياسَة، وتصدَّر في دست الإمارة، ولم أتيقن له ولوالده دعوة، وأمَّا عبد الله هذا، فكان للعلم لم يتعلق بغيره، ولمحمد وعبد الله بنونٌ هم زينة الأيام في كل زمان، أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأكفهم للسماحة - أعاد الله من بركاتهم -.
ولعبد الله بن المختار فتاوى نقلها العلاَّمة يحيى بن محمد بن جعفر بن أحمد بن محمد بن أبي رزين(1) الصعدي، أرخ كتابتها لسنة ثلاثين وأربعمائة، وفي هذه المسائل(2) ما هو تخريج(3) على أصل يحيى - عليه السلام -. ومنها ما هو استنباط من كلام الأئمة، ومنها ما يدل على رجوعه إلى نفسه لكمال الأهليَّة. من مسائله تلك لمَّا سئل عن الرجل يصوم، وهو لا يصلي، ويكذب، هل يجب عليه إذا تاب أن يقضي صيامه؟
الجواب في ذلك: أنه ليس عليه قضاء، وهو يجزئه، وإن كان لا يقبل منه، إلا أنه(4) لا يسأل عنه، مثل صلاة العاصي والفاسق؛ لأنه ليس عليهم بعد أن يتوبوا قضاء ما كانوا صلوا في معصيتهم وفسقهم.
ومنها: وسألتم عن الجرَّة التي خالطها الشرفين /44/ ثم أوقد عليها، هل يحل فيها شرب أم لا؟
الجواب عن ذلك: أنه ليس على من شرب فيها بأس، ويعمل فيها ما أراد، وليس الشرفين بضاير له؛ لأن النار قد أكلته.
ومنها(5): وسألتم عن مقام علي بن أبي - طالب صلوات الله عليه - والحسن والحسين - رضي الله عنهما - مع ما كان في عصورهم من الظالمين؟
الجواب: أن الذي فعلوا هو الصواب بعينه؛ لأنهم كانوا أعرف بالله، وأورع في دين الله، فكما صحَّت إمامتهم عندكم، وقلتم بذلك، فيهم(6)، يجب عليكم أن تعلموا أن كل ما عملوا فهو جيد، وهذا الجواب فهو لكم، ولمن يقول بقولكم.
فأما جواب الضد والمخالف، فهو غير هذا، ويتسع فيه الكلام والمناظرة، وأرجو أنَّ ذلك غير غائب، ولا خافٍ عنكم.
قلت: وهذا الجواب شبيه بجواب المرتضى بن الهادي، لمَّا سأله عبد الله بن الحسن الطبري، عن فتوح عمر بن الخطاب ما يفعل فيها؟ قال: يفعل فيها ما فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليهم السلام -؛ لأن ذلك قد جرى على يده.
__________
(1) في (أ): بن رزين.
(2) في (ب): منها.
(3) في (ب): تصريح.
(4) في (أ): أن.
(5) سقط من (أ): وسألتم.
(6) في (أ): فهل.
وسأله الطبري: هل كان أمير المؤمنين والحسنان يأكلون من تلك الغنائم، فما وجه ذلك؟ فقال المرتضى: نعم، قد كانوا يفعلون ذلك، وإذا صحت لك عدالتهم، ووثقت بدينهم، فلا تسأل عن دينهم، فإنهم لا يدخلون إلا فيما يجوز لهم عند الله تعالى.
وسئل عبد الله بن المختار: عن رجل نُبِّه وقد طلعت الشمس، أيصلي ساعة نبه، أم يصبر حتى تبيض الشمس ويرتفع النهار؟ الجواب: أنه يصبر حتى ترتفع الشمس ويبيض النهار، انتهى. وكتبناه هنا لشهرة والده القاسم بالمختار. فاعرف ذلك.
عبد الله بن قاسم [ - 1029 ه ]
السيد العلامة شيخ شيخنا عبد الله بن قاسم صاحب (ربح) - بالراء المهملة بعدها باء بواحدة من أسفل بعدها حاء مهملة - هو عبد الله بن قاسم بن يحيى بن محمد بن يحيى بن محمد بن علي بن نشوان بن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن نشوان بن علي بن الأمير محمد ذي الشرفين،ترجم له تلميذه شيخنا شمس الإسلام - قدس الله سره - قال: كان عالماً، شيخاً للقرآن، تولى القضاء في (الهجرة)، من بلاد (الأهنوم)، بأمر الإمام القاسم بن محمد - عليهما السلام - وأصله من (هنوم)، ثُمَّ انتقل إلى (ربح) بوادي (رجم)(1) من جبل (سيران)، في صفر سنة تسع(2) وتسعمائة، وتوفي يوم السبت رابع ذي الحجة سنة تسع وعشرين وألف، وكان(3) من العبَّاد الفضلاء النسَّاك، انتهى.
__________
(1) بوادي رجم زيادة في (ب).
(2) في (ب): تسع وتسعين وتسعمائة.
(3) في (ب): كان.
عبد الله بن قاسم بن الهادي العلوي [8890هـ ]
السيد العالم إمام التحقيق، عبد الله بن قاسم بن الهادي العلوي، كان من نوادر الزمان وعجائبه، محققاً حافظاً، ترجم له علي بن الإمام شرف الدين بترجمة حافلة، وذكر عنه في الحافظة ما يند عن الألباب، قال: ومولده ليلة عرفة سنة تسع وثمانين وثمانمائة، وابتدأ القراءة سنة ست وتسعمائة على الفقيه عبد الله بن مسعود، قال: وكان بحراً لا يساجل في جميع العقليات والنقليات، وكانت وقعت بينه وبين الإمام شرف الدين وحشة، ثم وفد إلى الإمام سنة خمس وثلاثين، وصلحت الحال بينهما، وانتقل بأولاده أخيراً إلى هجرة الإمام في سنة تسع وأربعين، وكان طلبه ليس بالكثير، لكن(1) فتح عليه، ثم قال علي بن الإمام: لم أر أحفظ منه، يحفظ(2) من الأبيات والأمثال والشواهد شعراً ونثراً ومثلاً وتاريخاً، بحر لا ينزف، لازمته خمس سنين، فلم أزل أطلع منه على فوائد ما طرقت مسمعي(3)، ولا سمعته يعيد شيئاً، ولا مثالاً، ولا رواية، بل كل يوم ولي منه عجب، وقد جمعت ما أملاه علي من أدب وحكمة في جزءٍ مفرد، وجمعت الشواهد والفوائد النحوية في مجلد، قال: وأما ورعه، فكلمة إجماع، لقد رأيته /45/ تباح له الأموال الجليلة، بطيبة نفس من مبيحها، ولا(4) يأخذ منها مثقال ذرة، قال: وأما عبادته، وحسن معاشرته، ومراعاته للحقوق، فذلك أمر لا يتصور لإنسان، ومن شعره في الإمام:
هنَّاك ربك ما أولاك من رتب ... ونلت ما كنت ترجوه من الأربِ
وزادك الله في عمر وفي سعةٍ ... في الملك يصلح منا كل مضطربِ
أحييت هجرة يحيى بعدما ظلمت ... دهراً طويلاً بلا جرم(5) ولا سببِ
__________
(1) في (ب): لكنه.
(2) سقط من (أ): يحفظ.
(3) في (ب): سمعي.
(4) في (ب): فلا.
(5) في (أ): هجر.
قلت: كانت هذه صفاته، ومما يدل على معرفته بالمعقولات تكلمه في تفسير حديث ((أنا مدينة العلم وعلي بابهاِ))، فإنه يجاري(1) فيه السباق، فكتب المقرائي رسالة، وعلي بن الإمام رسالة، وهذا السيد رسالة دالة على وفارة علمه في البيان.
قلت: وسبب الوحشة الواقعة بينه وبين الإمام، أن هذا السيد على جلالته جنح إلى التصوف والتضعيف(2)، وطرائق الرموز التي تخالف ظاهر الشرع، وكان الإمام حريصاً على حفظ الشريعة المحمدية، فاشتد على أهل زمانه، وقتل الفقيه المسمى بالجدر القرشي، وضرب العلامة ابن عطف الله التركي وعزره، وكان هذا السيد مكرماً عند الإمام مقرباً، فلما علق بقلبه التصوُّف بسبب رجل يقال له الشيخ على الجبرتي، وصل إلى (الظهرين) من بلاد (حجة)، والسيد عبد الله هناك، فمال معه السيد، ولازمه ودار معه في الأمصار، ويقال: إنه لم يلازمه للتصوف، بل ظن عنده شيئاً من صنعة الكيمياء، فلما ظهر منه اعتقاد الصوفية، حبسه الإمام في حصن (العروس)(3)، وأغلظ عليه، ففعل السيِّد عبد الله رسالة يتنزه(4) عن أوضار الصوفية، وذكر أنه مخدوع في صحبة الجبرتي، ولمَّا اطلع على رسالة ابن عطف الله التي فعلها في أحوال الصوفية، والتبري منها، تحقق الحال، فأخرجه الإمام من الحبس، وأكرمه، وخلع عليه، وكتب السيَّد هذه الرسالة من (العروس) بعد أن وصلت رسالتا التركي والجدر: بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهمَّ حمداً كثيراً عدد كلماتك التي تنفد البحار ولا تنفد، وأشكرك على توالي نعمك، شكراً يقيد ما وجد منها، ويستَدعى ما فقد، أو شرد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد، الفرد الصَّمد، ونصلي على نبيئه المصطفى، ورسوله المجتبى، المبعوث إلى الأحمر والأسود، وعلى آله
__________
(1) في (ب): تجارى.
(2) في (ب): والتصفيق.
(3) العَرُوس: جبل من بني مطر في غربي صنعاء، يحاذي جبل كوكبان من جهة الجنوب. معجم المقحفي 1055.
(4) في (ب): لم يتنزه.
الأطهار، المقتفين لآثاره المحبين لسبقه السَّالكين الطريق الأسد، صلاة دائمة متصلة يزيدهم بها شرفاً إلى شرفهم، لا حد لمنتهاها ولا أمد، وبعد، فإن لله حماية وعناية يحفظ بها بيضة الإسلام، وله على عباده نعم، أجلُّها الأئمة الأعلام؛ إذ بسياستهم تعمر المعاهد والمعالم، وينتصف المظلوم، ويقمع الظالم، وبنور هدايتهم يهتدي الجاهل، ويستقيم كل معوج عن الدِّين مائل، فهم الأساة(1) لداء الجهل، ولو أعيى الأطبَّاء وطال، وهم العلماء والهداة، فلا يقاس بهم غيرهم من علماء الأمَّة، ولو نال ما نال، ومذهبهم الشريف خير المذاهب، ومنار منهجهم المنيف يلوح لكل سارب، ومنهلهم العذب النقاح يروى منه كل شارب، اللهم كما رزقتنا اتباع مذهبهم، فثبتنا عليه حتَّى لا يروج لنا غيره، ولا نميل إلا إليه، وقد فعلت ذلك إذ ولَّيت علينا إمام الزمان، الذي زدته بسطة في العلم والسلطان، فكم نقم بسيفه للآل الكرام من /46/ ثأر، وكم ظالم منه صار على شفا جرفٍ هار، أذاق أعداء الله الظلمة الحتوف، وملأ بمن بقي منهم المنازل والكهوف، وأمن بحميد سعيه كل مخوف، وآوَى إلى ظله الظليل كل ملهوف، هذا تلذذ بذكر ما ظهر من مناقبه واشتهر، وإلا فلا فائدة بعد المعاينة إلى الخبر، وكم أحيا بعلمه من دارس(2)، وكم أضاءت به المحافل والمجالس، وكم تجلَّت به من مشكلات الحنادس(3)، وزالت به من شبهة وساوس، فَنَهْج هؤلاء الأئمة - عليهم السلام - هو المنهج القويم، الذي قال فيه تبارك وتعالى ?اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ? [الفاتحة:6]، وهو الذي بعث إليه ودعا إليه النبي الكريم، عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، هذا ما نعتقده، وبه ندين، ويعلمه الله وهو خير الشاهدين، هذه مقدمة لبيان ما صار عليه مولانا أمير المؤمنين، وخليفة الرسول الأمين، شرف الدين(4) شمس الدين بن أمير
__________
(1) الأساة: الأطباء.
(2) في (أ): مدارس.
(3) في (ب): حنادس.
(4) في (أ): ابن شمس الدين.
المؤمنين، من الذب عن الدين، وحياطة المسلمين، من لدن دعوته الحميدة الميمونة، التي بالصلاح والفلاح وبلوغ الآمال في رضا الله مقرونة، اللهمَّ فاجزه أفضل ما جزيت إماماً(1) عن رعيته، وحياطة هذا المذهب الشريف وهمته، برحمتك يا أرحم الراحمين، نعم لم يزل من بعيد دعوته - عليه السلام -(2) يذكر أمر هذه الفرقة المتصوفة لما ورد عليه سؤال في شأنهم(3)، وهو في حال مقاومة الدَّولة الظالمة الظاهريَّة التي انتقم الله منها؛ لأنه كثر في تلك الأيام ذكرهم، والتعلق بهم، فأجاب - عليه السلام - برسالة طويلة بيّن فيها - عليه السلام - ما يعرفه ويتحققه من قبح سيرتهم، وخبث سريرتهم، فمن أراد الاطلاع عليها، فهي موجودة، وكنت في ذلك الوقت بتفضله وعميم إحسانه أحد ملازميه، وأخص خلصائه، وفي تلك الأيام وصل إلى جهتنا بعض من يعتزي إلى هؤلاء المتصوفة، وتوهمنا فيه معرفة في الأسماء، ولم يكن لي اطلاع على كتبهم، ولا مارست أحداً ممن يخالطهم، فتعلق بقلبي منهم خيال، وأنس القلب إليهم(4) بعض أنس، وكنت كما ذكره - عليه السلام - في كتابه إلا في(5) هذا الشهر المبارك رجب كلما عرض ذكر ماهم عليه من نحس الكفر في كتاب أو خطاب، لم يصدر مني ما يطيب به خاطر الإمام - عليه السلام - مع علمه - عليه السلام - بتقدم تلك الصحبة، والإمام - عليه السلام - بحسن أخلاقه، وكثرة حفائه، وطيب أعراقه، لم يراجعني مراجعة حد يزيل عني الشبهة، ولا اطلعت على كتبهم التي فيها المقالات الكفريَّة، فلمَّا تقرر في نفس الإمام - عليه السلام - وجوب الهداية عليه بعد افتساحي منه - حفظه الله - فأمر بي إلى محروس (العروس)، وكتب إليَّ بخط يده الكريمة ما لفظه: لما علمنا علماً يقيناً حال هؤلاء المنتسبين إلى التصوّف، وخروجهم عن الدين
__________
(1) في (ب): وزد اللهم في رعيته.
(2) في (ب): لم يزل - عليه السلام - من بعيد دعوته.
(3) في (ب): شأنه.
(4) في (ب): لهم.
(5) في (أ): إلى هذا.
لا شك فيه، وخروج من انتسب إليهم بقول أو فعل أو تصويب، أو شك في كفرهم الآن، ومن وقت ما جرى منه الأقوال والأحوال المخرجة من الدين، وقع الخوف الشديد من الله الحميد، من المداهنة في الأمر وعدم الشدَّة. انتهى كلامه - عليه السلام -. وشدته - حفظه الله - رخاء وعاصفة، الذي عصفنا به إلى منهج الحق رجاء، وعد - عليه السلام - بوصول رسالة من القاضي محمد بن عطف الله، ورسالة من الفقيه حسن بن يحيى الجدر، فلما وصلت الرسالتان، وتحققت ما وضع الفقيهان مما ينسب إلى هؤلاء المتصوفة من /47/ المقالات التي تهول، والكفر الصريح الذي لا تقبله العقول، مثل القول بالحلول وتفضيل(1) الوَلي بزعمهم على الرسول، ظلمات بعضها فوق بعض، وضلالات تزلزل منها الأرض، فحينئذٍ علمت صدق عموم كلام الإمام - عليه السلام - بكفرهم، ومن انتسب إليهم، أو شك في كفرهم، علماً يقيناً لا شك معه ولا ارتياب، وكيف لا وقد خالفوا صريح السنة، ومحكم الكتاب، وعلمت بعد هذا أن التسامح في حقهم الصَّادر مني فيما مضى قبيح، وأنَّ الميل إليهم والتحسين وقع بغير تحقيق لقواعدهم ولا تصحيح، ولو كان الإنسان على ما يجده من نفسه لا ينخدع لهذه المجالات، لعلمه بما يجوز على الله ومالا يجوز من الصفات، فمن حام حول الحما يوشك أن يقع فيه، ومن يقارب الشك كيف يمكنه توقيه، ألا وإن(2) ذلك تحميل، فإن من أنس بشيء استحسنه، وإذا استحسنه، لهج به عند من يصحبه ويجالسه، والطبع سرَّاق، فيأخذ منه مالا يعرف في حق الله مالا يجوز، ومما(3) لا يجوز، ويتلقن منه ما يظن أنه بتلقنه يفوز، ثم يسمع هذه المقالات الكفرية ويظنها من الدِّين، فيهلك مع الهالكين، ويحشر في زمرة الكافرين، وذلك هو الخسران المبين، فيكون هلاكه على يديه، ويعود وباله عليه، فبعد تحقق هذه المقالات، وما يتبعها من الضلالات، يجب الإظهار للتوبة والأصحار والتبري من
__________
(1) في (ب): وبفضل.
(2) في (ب): فإن.
(3) في (ب): وما لا.
المتصوفة آناء الليل وأطراف النهار، وأُشهد الله، وملائكته أجمعين، وكافَّة المسلمين، أني إلى الله من النادمين، من الأنس الصادر مني(1) والاستحسان، وإني لا أعود إلى شيء من ذلك إلى لقاء الله الملك الديَّان، هذا مع أن الله سبحانه يعلم أني لم أسمع منهم من المقالات هذه الشنيعة إلى الآن، إلا ما سمعته من سيدي أمير المؤمنين(2) من تفضيل الولى على الرسول بزعمهم وطيبائه(3) كلام سمعه الإمام - عليه السلام - وهو عنهم تقول، وإلا ما سمعته من كلام المقري إسماعيل، صاحب (الإرشاد) في قصيدته التي ذم فيها المتصوفة، فإنه حكى فيها حكاية سبق حكايتها، وقال عقيب قوله:
أستغفر الله من ذكري مقالتهم ... فالْحَرُّ يلهف(4) من يدْنو من اللَّهب
__________
(1) سقط من (أ): مني.
(2) في (ب) زيادة: - عليه السلام -.
(3) في (ب): وهو.
(4) في (ب): يلفح.
هذا. ولولا ما جبَل(1) الله الإمام - عليه السلام - عليه من المحبَّة للهداية والإرشاد، ومصابرته على معالجة أخلاقنا السيئة، وجموحنا عن الانقياد، لبقينا على ذلك التساهل والغفلة، حتى - والعياذ بالله - تنقضي المهلة، وبدا لنا من الله مالم يكن في حساب، ووضع الميزان والكتاب، ووقعت المناقشة من ربّ الأرباب، اللهم فاحفظ علينا إمامنا - عليه السلام - وزده من التوفيق، وبلغه ما يؤمِّل(2) من خير الدنيا والآخرة، فهو له حقيق، وأطل عمره للمسلمين والإسلام حتى يعود كما كان في الصَّدر الأوَّل، ويبطل ما رسمه أمراء الظلم والجور، ويتحول بحولك وقوتك، يا أرحم الراحمين، هذا ما نسخ بقدر الإمكان، من مملوك الوداد والإحسان، عبد الله بن قاسم بن الهادي، وفقه الله وجاد عليه بالغفران؛ ليعرض على الحضرة النبوية الطاهرة، فإن جاء مطابقاً، فبركاته ذلك المقام المقدس، وإن قصر، فهو على متن الركة والفتور مؤسَّس، فليعتمده - عليه السلام - ولو هو بشهير عواره عالم، ويجر عليه بإحسان ذيل المكارم، وبعد السَّلام تقبيل الأكف الكرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمَّد وآله وسلم.
قُبر السيد عبد الله العلوي (في القبة في القرية التي فوق بلد (عجرمة)، من جانب القبلة بجهة (حجَّة) قريب حصن (بنين) من جهة الشرق)(3) من بلاد (الحبر).
__________
(1) في (ب): أجل.
(2) في (ب): ما يأمل.
(3) ما بين القوسين ليس في (ب).
عبد الله بن أبي القاسم بن مفتاح [ - 877 ه ]
الفقيه المفيد النافع ميمون المقاصد عبد الله بن أبي القاسم بن مفتاح - رحمه الله تعالى- صاحب (التعليقة المفيدة)، ومصنف (المنتزع من الغيث شرح الأزهار)، الذي(1) كثر النفع به(2)، واشتهر بعبد الله بن مفتاح، ويسقط اسم أبيه، كان من عباد الله الصَّالحين، ومن أهل التحقيق في الفقه، وشرحه للأزهار(3) من أحسن الكتب، وأعظمها نفعاً، مع أنه قد شرح (الأزهار) جملة(4) من العلماء الكبار، ونهجوا فيه مناهج لم يكن في شرح بن مفتاح منها شيء، لكن الفقهاء لم يرفعوا لها رأساً، ولكنه وافق مراد الإمام - عليه السلام - قال العلامة يحيى بن محمد بن صالح بن حنش - رحمه الله -: أخبرني الفقيه عبد الله بن أبي القاسم بن مفتاح - رحمه الله - أنه رأى في المنام أن حيَّ الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام - في أرض بيده مسحاة من حديد، وهو يعمل في تلك الأرض، ويساوى حُفَرَهَا، فأخذت تلك المسحاة من يده، وسويت تلك الحفر، وفعلت كما يفعل، وروى لي - أيضاً رضي الله عنه - أنه رأى في المنام، أنَّ الإمام - عليه السلام -(5)، سأل رجلاً من السَّادة الذين تعلقوا بقراءة (الأزهار)، عن مسألة في الحيض، فأجبت عليه في تلك المسألة، فقال: أحسنت أحسنت مرتين أو ثلاثاً، وروَى لنا - رحمه الله تعالى - عن الفقيه زيد، أنه يروى عن الإمام المهدي - عليه السلام - أنَّ من استقبل القطب حال صلاته، صحَّت صلاته، ولمَّا وصل الفقيه المذكور، ذاكره في ذلك، فسمعنا عن الفقيه زيد - رحمه الله - عن الإمام انتهى. توفي - رحمه الله - يوم السَّبت سابع شهر ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وقبره يماني (صنعاء)، وكان عليه مشهد قد تهدَّم، ولديه قبور غيره، وهو شرقي قبور(6) السَّادة آل الوزير، قال العلاَّمة سعد الدين المسوري،
__________
(1) في (ب): أنه الذي.
(2) في (أ): فيه.
(3) في (ب): وشرح الأزهار.
(4) في (ب): جلَّة.
(5) زيادة في (ب): كأنه.
(6) ليس في (ب): قبور.
أنه يعرفه، وزاره، وكذا أخبرني قاضي (صنعاء) العلامة حسين بن يحيى السحولي - رحمه الله - ورثاه محمد بن علي الزحيف - رحمه الله - فقال:
سقى جدثاً أضحى بصنعاء ثاوياً ... من الدَّلو والجوزاء غاد ورائحُ
كأن لم يمت حيٌّ سواك ولم يقم ... على أحدٍ إلا عليك النوائحُ
لِيبكِ ابن مفتاح فقير ومعول ... ومختبط ممَّا تطيح الطوائحُ
وتذكرة ثم الزهور وبحرهم ... فما الكتب غير البحر إلا ضحاضحُ
ورثاه - أيضاً - العلامة يحيى بن محمد بن صالح بن حنش - رحمه الله - فقال:
أمَّا عليك فقلبي دائم الفزعُ ... وكيف أسلو ووجدي غير منقطعِ
ولي فؤادٌ بنار الغمِّ محترقٌ ... ومقلة كُحِّلََت بالسّهد والوجَعِ
ومهجة فزعت ممَّا ألمَّ بها ... وأي حوباء لم يفزع ولم ترعِ
أم أيَّ عين تُرى ضنَّت بأدمُعها ... وأي قلب عليه غير منصَدعِ
كيف البقاء وأرضُ اللَّه مُظلمة ... مِنْ بعد سيدنا العلاَّمة /48/ الورعِ
الأوحد القدوة المفضَال أفضل من ... يمشي على الأرض من كهلٍ ومرتضعِ
الصَّائم القائم البر التقي له ... طرائق حمدت في الضيق والوسعِ
ترب العبادة يحكي في تقيده ... وفضله الحسن البصري والنخعي
وفي الزهادة عمرو بن العبيد فلا ... يرنو بطرف إلى شيء من الطمعِ
وفي الحلوم كقيس المنقري فلا ... يطيش إن طارت الألباب بالفزعِ
على طرائق أتباع النبيء مضى ... كأنه منهمُ من خير متَّبعِ
واحسرتاه(1) ولي قلب ندامته ... عليه تقصر عنها حسرة الكسعي
قد كان في الأرض نور يستضاء به ... فعمَّت الظلمات الأرض حين نُعِي
وكان عوناً على الأحداث إن نزلت ... يلوذ منها بطودٍ شامخ منِعِ
وكان في العلم كالرَّوض الأنيق لنا ... إليه منتجع في كل منتجعِ
إذ كان في حلق التدريس بهجتها ... كالبدر في هالة الأنوار منصدعِ
فخاننا ودهانا بعد إلفتنا ... ريب المنون فلم نترك ولم ندعِ
__________
(1) واحسرتاه.ظ
ثُلَّتْ عروش الهدى من بعد غيبته ... وأصبح الدين نهباً غير متبعِ(1)
عبد الله بن أبي القاسم البشاري
علاَّمة الزيديَّة، شحاك المبتدعين، عبد الله بن أبي القاسم البشاري - رحمه الله - كان لسان الزيدية في وقته، شحاكاً للمطرفية، وله ولهم مقامات، وردَّ عليهم إلى (وقش) بعد أن كان لقي مطرف بن شهاب، ثم ناظرهم في وقش، ومن عباراته ما حكاه محمد بن رؤَاد(2) المطرفي، قال: قدم علينا عبد الله بن أبي القاسم البشاري إلى وقش، فتكلم مع المشائخ في اختراع الأعراض من الله تعالى في الأجسام التي وجدت مقرونة بأعراض توصف بها، فقاولهم، قال: فما يقال في مثل ذلك؟ قالوا: يقال: تغيرت الأجسام، واستحالت بقدرة الله ومشيته، فقال لهم: لا يستحيل إلاَّ الثور، أراد - رحمه الله - بذلك معنىً يستعمله أهل اليمن في الدَّابة إذا أعيت، فلم تبرح مكانها، أمَّا من ضعف، أوكَدَّ في عمل، أو نحو ذلك، فيقال حينئذٍ: استحالت.
وروى زيد بن أحمد بن عبيد الله بن الخطاب من علماء التطريف، وأصله من أهل (عجار)، من مشرق حاشد من (همدَان)، ونسبته في (شاور)، قال: سمعت محمد بن إبراهيم بن رفاد، يحكي أنه دخل عبد الله بن أبي القاسم البشاري(3) أيام سليمان بن عامر الرواحي، وبه جرب، فماطله الطبيب عن الدَّواء؛ لعله(4) بمخالفته لهم في الإحالة والاستحالة، ولم يرض أن يداويه حتى يقر بمذهبهم، فترك التداوي وانصرف.
قال بعض السَّادة آل الوزير - رحمهم الله -: وكانت بين عبد الله بن أبي القاسم وبين علامة التطريف شُريح بن سعد الشهابي مراجعات، ولعبدالله قصيدة أجاب بها شريحاً(5):
أمَا والَّذي أرجوه لا زلت منكراً ... على من بغى في الدين واغتاب وافترى
وحَسْبي إلهي منصفاً لي وحاكماً ... عليَّ ولي في كل ما بيننا جَرَى
وهي طويلة /50/ وفيها:
__________
(1) في (ب): ممتنع.
(2) في (ب): آماد.
(3) في (ب) زيادة: شبام.
(4) في (أ): لعلمه.
(5) في (ب) زيادة: أولها.
ألستم ترون الفضل للفعل لاحقاً ... جزاء لأهل الفضل كالبيع والشرا
ونحن نرى التفضيل للفضل سابقاً ... فقيسوا بمن شئتم عليّاً وجعفرا
قلت: وشريح بن سعد هذا قد مضى له ذكر عند ترجمة القاضي العلاَّمة شريح بن المؤيد - رحمه الله - وله شعر إلى التوسط، أقرب منها قصيدته الطويلة يذكر إخوانه:
تستاع وجهته ... [الماتيك للدار الجلية
ومنها في صفتهم]: (1):
أناس خير من ضمت يمان ... وأطهره وأظهره نقيَّة
وأفضل بعد أهل البيت حالاً ... وأنزهه عن الدنيا الدنيَّة
ومنها:
ديارٌ كنَّ من ورع وعلمٍ ... وبذل ندى بواديها نديَّة
ومن تنفيس مكظوم ونهض ... لمهضوم(2) وصقل نهىً عمية
ومنها في تحذير الشهابين(3) من الصليحيين، فلم يعملوا بها، فأصابهم ما حذرهم:
وليس بقادر أبداً عليكم ... سوى خدع يحاولها خفية
فإن مكنت خدائعه طلاكم ... تمكنها حداد المشرفية
وصارت أرضكم نهباً وسيقت ... عقائلكم مذللة سبية
أباحت دولة الأصلوح قهراً ... حمى ما بين صعدة والطرية
وله من أخرى في ذكر إخوانه - أيضاً -:
ألا ليت شعري هل أرى بين أحبابي ... أولي المجد والإحسان والحسب الرابي
ألا ليت شعري هل أرى بين عصبة ... يُجلون همَّ المرهق الأورق الكابي
__________
(1) ما بين القوسين ليس في (ب).
(2) في (ب): لمظلوم.
(3) في (ب): الشهاديين.
إلى آخرها، وهي طويلة، وقد ذكرنا في هذه الترجمة محمد بن رفاد، وكان على طريقة شريح في التطريف، وأصله من أهل (صنعاء)، ثم انتقل إلى (شبام)، ثُمَّ إلى (وقش)، وبها مات في صفر سنة أربع عشرة وخمس مائة،وكان من أجلائهم، ونسبه في بني مشير(1) بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأول من وفد اليمن من أهله وفد إلى (صنعاء) من (اليمامة)، أو من (الفلح)، فلما رأى الصومعتين بجامع صنعاء قال: أيش هاتان المطوللتان؟، فكان أهل (صنعاء) يمزحون(2) به، ومما يستحسن من روايته قال: كان بـ(صنعاء) في زمن(3) قريب من زمانه أدركه أو كاد غلام عابد من أحداث الزيدية، قوي الإخلاص لله، صادق السر فيما بينه وبين ربه، وكان إسكافاً، يعمل لبعض كبار الأساكفة(4) في دكان بأجرة ويأخذها(5) منه، قال: فكان لا يزال يتعاهده النعاس في نهاره حتى يخفق برأسه من شدة ذلك، ولا يزال صاحب الدكان يصيح به، ويرفع صوته عليه، ويشتد غيظه لذلك، ويسأله عن شأنه، وعن(6) سبب ما هو فيه، فيرفق به، ويداريه في الجواب، ويعتذر إليه، وقد كان /51/(7) بقي للغلام أم، فأتاها الإسكاف صاحب الدكان؛ فكلمها، وشكى عليها ما يراه من ابنها، وأنه قد شق عليه ذلك منه، ولا يحب مفارقته، وسألها هل ينام أم لا؟ فقالت: لاأدري إلا أنه لا يزال صائماً، فإذا كان الليل أفطر على بعض قوته، وأخذ بعضه، وخرج عني ولا أراه حتَّى الصبح، قال: فوقع في نفس الإسكاف من الغلام شيء، فرصده في ليلة من لياليه، فلما دخل الغلام إلى أمه، أمهله، حتَّى إذا خرج سار خلفه حيث يسير، واحترز من أن يراه جهده قال: فسلك الغلام شارعاً من شوارع صنعاء حتَّى انتهى إلى عجائز، وأرامل، من فقراء الناس، فتصدق عليهن بما حضره، وقسم بينهن باقي طعامه، ثُمَّ سار والإسكاف
__________
(1) في (ب): قسير.
(2) في (ب): يعجبون لذلك و.
(3) في (ب): زمان.
(4) في (ب): الاسكافة.
(5) في (ب): يأخذها.
(6) في (ب): وما.
(7) في (ب): قد بقي.
يتلوه حتَّى خرج من عمران القرية، إلى أن أتى الغيل البرمكي، فتوضأ، ثُمَّ سار إلى أن دخل المسجد المعروف هناك بمسجد الحرة أسماء بنت شهاب الصليحية، وهي زوج علي بن محمد الصليحي، وأم المكرَّم، فقام يصلي فلم يزل مصلياً ليلته والإسكاف ينظر، إلى أن طلع الفجر، فصلى صلاة الصبح، وانصرف الإسكاف، ورجع الغلام إلى (صنعاء)، والتقى هو والإسكاف على دكانه(1) فأخذا في العمل الذي كانا يعملانه إلى أن أتى الغلام النعاس الذي يعتاده، فجعل يخفق رأسه(2) تارة بعد أخرى، ويدافع ذلك بما أمكنه، فلما رأى ذلك منه الإسكاف، قال له: يا حبيبي، إن أحببت أن تنام فنم بارك الله لك في ذلك، قال: فامتنع الغلام من النوم، واستنكر ذلك منه، ولم يدر ما سببه، فأحسبه قال فلبث الغلام يسيراً من الوقت، ثم عاد إلى ما كان عليه من النعاس ومطالبة النوم له، فأعاد عليه الإسكاف مثل قوله(3)، فسأله الغلام عن سبب ذلك منه، وما الذي دعاه إلى أن يسمح له ما كان يمنعه منه من النوم، فأخبره الإسكاف الخبر في رصده له واتباعه إلى بيوت الأرامل(4) ثم(5) إلىمسجد الحرة، وما رآه من صلاته، وما أخبرته أمه من صومه، فلما علم الغلام أن ما بينه وبين ربه قد ظهر للمخلوقين ساءه ذلك، فلما أعاد عليه الإسكاف الأمر له بالنوم قام فاضطجع كأنه يريد النوم، ثم قال: إلهي وسيدي إن كنت رضيت عني بما كان من عملي، وتقبلته مني، وغفرت لي، فاقبضني إليك الساعة، قال: فما قام من مضجعه ذلك، ولما طال علىصاحب الدكان نومه وأنكره، (نظر)(6) فإذا هو ميت، فقام في جهازه حتى واراه في قبره - رحمة الله عليه - انتهى.
__________
(1) زيادة في (ب): فإذا في العمل.
(2) في (ب): برأسه.
(3) في (ب): مثل قوله الأول.
(4) ليس في (ب): إلى بيوت الأرامل.
(5) في (ب): ثُمَّ إتيانه.
(6) في (ب): حركة.
قلت(1): ومسجد الحرة، قال بعض السادة العلماء آل الوزير - رحمهم الله - ما لفظه : هو المسجد الذي فوق كظائم(2) البرمكي بطريق(3) (حدة) القريب من محاريق الآجر، وقد بقي إلى زماننا منه جدار وآثار أخربها(4) عامر بن عبد الوهاب، أيام محطته على (صنعاء) سنة تسع أو عشر وتسع مائة(5).
عبد الله بن محمد بن يحيى بن حمزة
الشيخ(6) الكبير، مفخر آل محمد - صلوات الله عليه وعليهم - عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وعليهم - قال السيد الحافظ عبد الله بن الهادي: اشتغل بالعلم من صباه إلى كبره، حتى تبصر في العلوم، وتضلع منها، وبلغ مرتبة الاجتهاد، وكان ممن يشار إليه بالتأهل للإمامة، والقيام بأمر الأمة، ولما توفي الإمام(7) علي بن محمد بن علي - عليه السلام - واضطرب أمر الناس بعده، وسار ولده الناصر إلى (ظفار) للاجتماع(8) والنظر فيمن يصلح للقيام، /52/ وكان علماء الظاهر لا يعدلون عن السيد صلاح الدين المذكور، ويتفوهون بأنه لا يصلح لهذا الأمر سواه، فلما فهم ذلك منهم، اعتذر من المسير إلى (ظفار) مع والده وأعمامه والذين ساروا من هجرة (حوث) من الفضلاء، فلم يعذروه، فسار معهم وسمعوه في أثناء المسير وهو يتضرع إلى الله سبحانه ويقول: اللهم أمتني في هذه السيرة، فامسوا في تلك الليلة في الكساد من بلاد (مرهبة)، وكان في آخر الليل، وحدث مع السيد المذكور وجع في بطنه، لم يستطع منه قياماً ولا قعوداً، فحملوه في شقدف، وردوه إلى (حوث)، ووقف إلى بعد صلاة العشاء الآخرة(9)، وتوفي وله في العمر دون ثلاثين سنة، وقبره بمسجد المدرسة بحوث مشهور مزور، بحذاء قبر والده.
__________
(1) في (ب): فراغ.
(2) زيادة في (ب): عبل.
(3) في (ب): بريق.
(4) في (ب): أخربها الشيخ عامر.
(5) في (ب) زيادة: سنة.
(6) في (ب): السيد.
(7) في (ب): الإمام المهدي.
(8) في (ب): للاجماع.
(9) في (ب): الأخيرة.
عبد الله بن محمد
السيد العلامة عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - ذكره المنصور بالله، وقتل أيام المقتدر.
عبد الله بن محمد بن يحيى القاسمي
السيد العلامة(1) فخر الإسلام عبد الله بن محمد بن يحيى القاسمي العياني - رحمه الله - قال بعض من ترجم له كان من أكابر أهل البيت وأعيانهم، أحيا معالم آبائه الطاهرين، وسلك مسلك الأئمة الهادين، وتخلق بأخلاق المقربين، وحذا حذو العلماء الزاهدين، بعد أن بلغ رتبة المجتهدين، ولله دره من مبلغ مكين، وله قراءة جيدة، ومعرفة طائلة في كتب الأصول، والفروع، واللغة، والنحو، هكذا ترجم له بعضهم، وانقطعت(2) الترجمة، قال: وتولى الخطابة والإمامة بجامع (صعدة) المشرفة، ودفن عند الصومعة الصغيرة، جنب قبر العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير، وأحمد بن صلاح الدواري، وأنشد له شعراً وهو:
ألا يا نفسي المرجوُّ آتٍ ... من الوعد المقدر والوعيدِ
فإيماناً بربك كل حينٍ ... على الوجه الذي هو لم تريدي
ومنهاج الأئمة فاسلكيه ... ولا تنأي عن النهج الرشيدِ
فهم سفن النجاة لراكبيها ... بإجماع الموافق والعنيدِ
قلت: وهو ابن السيد الإمام العلامة الفقيه محمد بن يحيى، مصنف (الأنوار)، ولعله يذكر في بابه.
عبد الله بن محمد بن عمر ، وعبيد الله بن محمد بن علي
السيد الإمام عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وصنوه العلامة السيد الإمام عبيد الله بن محمد بن علي - رضوان الله عليهما - كانا سيدين إمامين في الفضائل، شهدا مع زيد بن علي الإمام الأعظم مشهده المشهور، وكانا أحد الوجوه فيهم، وهما أحد تلامذته، ذكرهما في رجال الزيدية الشيخ الإمام(3) العالم ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - في كتابه وقال: كانا آية زمانهما.
__________
(1) سقط من (أ): السيد العلامة.
(2) في (ب): وانقضت.
(3) ليس في (ب): الإمام.
عبد الله بن محمد بن عبد الله الأشتر
السيد الإمام الحجة، علم آل محمد، حافظ علومهم، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - الملقب بالأشتر، كان إماماً جليلاً فاضلاً نبيلاً يصلح للسبق، وكان قد هرب بعد قتل أبيه إلى (السند)، وحكى أبو الفرج الأصفهاني، وأبو عبد الله الصفواني الأصم، أن عبد الله الأشتر قتل (بكابل)، وحمل رأسه إلى المنصور، فأخذه الحسن بن زيد بن الحسن /53/ فصعد به المنبر، وجعل يشهره للناس، وقيل: إن لعبد الله الأشتر دعوة، وأنه ظهر بعد قتل أبيه بخمس سنين، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
عبد الله بن محمد السعدي
الفقيه العلامة شيخ شيوخ آل محمد عبد الله بن محمد السعدي - رحمه الله - قال عبد الله بن عمر الهمداني الزيدي: كان عبد الله السعدي من أفاضل أصحاب الهادي - عليهم السلام - وأخيارهم، وأهل البصائر منهم، وذوي السابقة في الهجرة إليه(1)، والمشاهد(2) الشريفة معه، وهو من بني سعد بن بكر بن(3) هوازن، وكانت له المنزلة الرفيعة عند الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى.
قلت: وهو أحد رؤساء العساكر الناصرية يوم (نغاش)، وأبلى بلاء حسناً، وجرح، وثبت بعد الجراحة في المعترك(4)، وثبت جنوده حين سقط، وانصبت القرامطة عليه رشقاً بالسهام، ورمياً بالحجارة، وهو يقول لأصحابه: اثبتوا، وإذا مت فهذا محل قبري، فكان فوقه عراك كثير، وكان من أهل السن العالية حينئذ(5) - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) ليس في (ب): إليه.
(2) في (ب): والمشاهدة.
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): المعتكر.
(5) في (ب): يومئذٍ.
عبد الله بن محمد النجري [825هـ - 877 ه ]
الفقيه الرحال المتكلم عبد الله بن محمد النجري، كان من حسنات الأيام، ومفاخر الزيدية، بل مفاخر الإسلام، رحل إلى البلاد، ولقي الشيوخ، وحقق وكان ثبتاً في جميع أموره، ترجم له جماعة منهم السيد الكبير صلاح الدين عبد الله المفضل بن أمير(1) الدين المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي - رحمه الله -.
قال: كانت وفاة الفقيه الحبر المدرة الصدر، فخر الدين عبد الله بن محمد النجري - رحمه الله - سنة سبع وسبعين وثمانمائة في قرية (القابل) من وادي ظهر، وهو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن ثامر بن فضل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الزيدي العبسي من (عبس حجة). قيل: إنهم انتقلوا من (وادي مر) إلى (الفجار) تحت (حجة)، ثم تفرعوا إلى حجة وحبع (لاعه)، قرأ الفقيه على الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وعلى أخيه علي بن محمد في الأصولين والفقه، وعلى الدواري، ويحيى بن مظفر، ونقد على الدواري في عدم تثبته في القراءة، انتهى.
قلت: وكان(2) العلامة محمد بن صلاح الفلكي الفرائضي يروي(3) عن مشائخه في ترجمة للنجري والبكري - رحمهما الله -. قال: كان البكري أعلم من العلامة النجري في أصول الدين، والنجري أعلم منه في أصول الفقه، وصنفا جميعاً شرحاً لمقدمة (البيان)، والبكري شرح أصول الدين، والنجري شرح أصول الفقه، وكانا جميعاً من(4) شيعة الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وكانا مع الخالدي - رحمه الله - قطبي الدولة.
__________
(1) في (ب): أمير المؤمنين.
(2) في (ب): وقال.
(3) ليس في (ب): يروي.
(4) في (ب): في.
قلت: وترجم له جماعة من أهل الآفاق، فمن ترجمةٍ له لبعض المصريين(1) ما نصه: وُلِد في أحد الربيعين سنة خمس وعشرين وثمانمائة في قرية (حوث) بقرى (اليمن)، وبحث على والده في النحو، والفقه، والأصولين وعلى أخيه علي بن محمد، ثم حج سنة ثمان وأربعين، ثم دخل البحر ثم (القاهرة)(2)، فوصل في ربيع الأول(3) فبحث بها(4) في النحو والصرف على ابن فديد وأبي القاسم النويري(5)، وفي المعاني والبيان على الشمسي(6)، وفي المنطق على التقي الحصني، (وفي علم الوقت على العز عبد الإسلام الميقاتي)(7)، وحضر في الهندسة عند أبي الفضل المغربي، وكان يطالع بذلك، وما أشكل راجع به فطالع(8) شرح الشريف على(9) الجرجاني(10)، و(التبصرة) لابن(11) أفلح، (وفي الفقه على الأمير الأقصراني)(12) وفي(13) (العضد) على الصَّيرَفي، وتقدَّم في هذه العلوم، حسب ما قاله النفاعي(14)، واشتهر فضله، وامتد صيته لا سيما في العربيَّة، وكتب عنه في سنة ثلاث وخمسين قوله/54/:
بشاطئ حوث من ديار بني حرب ... لقلبي أشجان معذبة قلبي
فهل لي إلى تلك المنازل عودة ... ليفرج عن همي ويفرج عن كربي
انتهى.
__________
(1) في (ب): وممن ترجم له بعض المصريين.
(2) في (ب): في البحر ثُمَّ دخل إلى القاهرة.
(3) في (ب): التي يليها.
(4) ليس في (ب): بها.
(5) سقط: وأبي القاسم النويري من (أ).
(6) في (ب): الشمني.
(7) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(8) في (أ): واطالع.
(9) ليس في (ب): على.
(10) في (ب): على الحقيني.
(11) في (ب): كابر بن أفلح.
(12) سقط من (أ) ما بين القوسين.
(13) ليس في (ب): في.
(14) سقط: حسب ما قاله النفاعي من (أ).
قلت: وله جملة تآليف، منها: (مختصر الثمرات على آيات الأحكام)، ومنها (المرقاة) في علم الكلام جعله شرحاً للمقدمة مرقاة إلى الغايات، شرح الإمام المهدي، ومنها كتاب في النحو، وكتاب في المنطق، وشرح مقدمة (التسهيل) لابن مالك، ومنها (المعيار) الكتاب الجليل المنبي على(1) تحقيق وتدقيق وتوفيق، يقل في كتب الإسلام نظيره، ومن أراد انتخاب قواعد للمذهب كقواعد ابن عبد السلام، فهذا نعم المعين على ذلك، ومن أراد كتابه (الأشباه والنظائر) كما فعل السبكي والسيوطي(2) لأصحابهما، وابن نحيم للحنفية(3)، أمكن (4) من هذا الكتاب، فلله دره، (5)وهو أول من قدم (بمغني اللبيب) من (مصر) إلى (اليمن)، ثم وصل به الريمي الشافعي بعده إلى (صنعاء)، وكان تأليفه لشرح المقدمة عند قفوله من (مصر).
قال العلامة الحسن بن علي بن حنش: روى(6) عن شيخنا السيد العلامة فخر الدين المطهر بن محمد بن تاج الدين الحمزي، قال: أروي عن شيخنا العلامة المرتضى بن قاسم أنه قال: أروي عن شيخنا العالم عبد الله بن محمد بن أبي القاسم النجري أنه قال: صنفت شرح مقدمة (البحر) في سفري قافلاً من مصر. قلت: والنجري نسبة إلى (نجره) ببلاد المغرب عند قراضة (لاعه)، سكنوا بها.
قلت: ومما كتبه - رحمه الله - من مصر إلى والده:
فراقك غصّتي ولقاك روحي ... وقربك لي شفاء من قروحي
وما إن أذكر الأوطان إلا ... تَضَيَّق بي من الأحزان سوحي
وما فيها أحسّ سواك شوق ... إليه فأنت يا مولاي روحي
فعفوك والدي عنّي وإلا ... فنوحي يا عيون عليَّ نوحي
__________
(1) في (ب): عن.
(2) في (ب): والبوطي.
(3) في (ب): نجم للحقيقة.
(4) لم أتمكن من قراءتها في (ب).
(5) في (ب): وغير هذا.
(6) في (ب): أروي.
عبدالله بن محمد [ - 647 ه ]
قاضي القضاة العلامة، خلاصة الأئمة، تقي الدين عبد الله، بن ركن الدين محمد بن عبد الله بن حمزة بن إبراهيم بن حمزة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن حمزة بن علي بن إسحاق بن أبي النجم، من أعقاب الملك وليعة، بن الملك مرثد، بن الملك عبد كلال، قد تكرر ذكر أهل هذا البيت الشريف لكثرة فضلائهم، كان عبد الله عالماً فاضلاً، مرجوعاً إليه، مقدماً في كل شيء، له أخلاق العبَّاد والعلماء في مظهر الملوك وإفاداتهم، وهكذا الغالب على أهل هذا البيت، ولي القضاء بعد أبيه تقي الدين بجهة (صعدة)، وكتب له الإمام المنصور بالله عهداً بليغاً، ثُمَّ استمر على ذلك إلى زمان الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين، وكتب له عهداً أبلغ من العهد المنصوري، وكان موئلاً للبلاد والعباد - رضي الله عنه - وتوفي(1) في نصف شهر رجب(2) المعظم سنة سبع وأربعين وستمائة، وولي بعده القضاءَ ولده ركن الدين محمد بن تقي الدين - رضي الله عنهم - ولاه الإمام أحمد بن الحسن - عليهما السلام - القضاء في تاريخ رجب سنة ست وأربعين وستمائة، وفيه وفي حفيده مراثي لعلماء زمانهما، والتبس عليَّ ما الذي قيل في تقي الدين المذكور، وفي حفيده الآتي ذكره.
__________
(1) في (ب): توفي.
(2) في (ب): ربيع.
عبد الله بن محمد بن أبي النجم
العلامة القاضي الكبير فخر الإسلام/55/ عبد الله بن ركن الدين محمد بن تقي الدين عبدالله بن ركن الدين(1) بن محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم - رحمهم الله -. قد مضى ذكر جده تقي الدين آنفاً، وكان هذا وارث علومه، وهو الذي التبس عليَّ هل المراثي قيلت فيه، أو في جده - رحمهما الله -؟ من ذلك مرثيه عبد الله بن عطية بن أبي النجم التي أولها: تعزَّ وإن جلت خطوب بواترُ.. وقد مضت في ترجمة عبد الله بن عطية، (ولكن الأشبه بهذه المرثية أنها في هذا؛ لتأخر عبد الله بن عطية)(2)، ثم وجدت ذلك بخطي فوثقت به، ومن ذلك مرثية الشريف(3) السيد الأمير بدر الدين محمد بن علي بن أمير المؤمنين التي طالِعُها:
هو الدهر لا يرثى لحالٍ سليمة ... فيبرى ولو يوسى لطب كلومه
ولم أرَ كالإنسان يجزع للقضا ... ويبغي انتصافاً والزمان غريمه
ولم يزل هذا الاحتمال معي، ثم ظهر لي أنها في عبد الله بن علي بن أبي النجم الماضي ذكره، فليعرف هذا. والله أعلم.
عبد الله بن محمد بن أبي الرجال
العلامة الفقيه عبد الله بن محمد بن أبي الرجال - رحمه الله - كان عالماً بعلوم العربية والمنطق وغيرها من العلوم، وهو مصنف (أكسير الذهب) في النحو. قال البهاء العلفي - رحمه الله - ما لفظه: تألف فيه الفضل الواسع، وغدا علماً في عصره للعلم الجامع، نبراساً لعلماء الأدب، ثم ذكر له من التأليف (أكسير الذهب في علم كلام العرب)، قال البهاء - رحمه الله -: وتم له في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعمائة(4).
__________
(1) ليس في (ب).
(2) ليس في (ب): ما بين القوسين.
(3) في (ب): ... مرثية الشريف، ولكن الأشبه بهذه أنها في هذا لتأخر عبد الله بن عطية، السيد.
(4) في (ب): وتسعمائة.
عبد الله بن مسعود الحوالي [867هـ - 936 ه ]
العلامة الكبير شيخ الشيوخ عبد الله بن مسعود(1) الحوالي - رحمه الله - كان عالماً كبيراً متبحراً، ترجم له العلامة اللغوي عبد الله بن المهدي الحوالي - رحمه الله -. قال: وكانت وفاته في صنعاء اليمن، وقبره في (خزيمة)، في سنة ست وثلاثين وتسعمائة، وولد في شهر جمادى الآخرة سنة سبع وستين وثمانمائة سنة، وترجم له السيد الإمام الحافظ المرتضى علي بن أمير المؤمنين يحيى شرف الدين بن شمس الدين بن أمير المؤمنين، فقال: هو الإمام المجتهد العلامة، ذو الفنون والأخلاق الرضية، والعلم الكامل، سيد الفقهاء، وخيرة الشيعة، وإمام المعارف بلا مدافعة، شيخاه في علوم العربية وأصول الفقه: السيد الإمام الهادي، وأبوه سيد العترة، وقدوتهم المدرة، ومحيي آثارهم بعد الفترة، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى - نفع الله بسرهما - وكفى بهما فخراً وعزاً وذكراً، ولم يأخذ عن غيرهما، سوى أنه قرأ (شرح التلخيص الصغير) على مولانا الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن - عليه السلام - وقال له الإمام: لا تظنن قراءتنا كقراءة السادة، يعني السيدين العلمين المذكورين.
عبد الله بن الإمام المطهر الحمزي
العلامة الكبير، الأمير الأجل، صلاح الدين عبد الله المفضل بن أمير المؤمنين المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي - عليه السلام - كان من حسنات الأيام، ومفاخر آل محمد الكرام، جامعاً لكل فضيلة، شفيقاً على المسلمين، حائطاً لمذاهب أهله، حريصاً على نصرة الملة، قد جمع بين الفراسة والنفاسة، والقياسة والدراسة.
__________
(1) في (ب): مسعود بن الحوالي.
كذا قال مصنف سيرة والده /56/ قال: وله الذكاء والفطنة، وكان رأى والده قبل مولده أن تحت والدته - السيدة الفاضلة بدرة بنت محمد بن علي بن الإمام الناصر صلاح بن علي - نوراً، أو مثل النور، ففتش عليه فقال ذلك النور: أنا الطاهر، أنا الظافر، فاستبشر الإمام المطهر، وسماه عبد الله المفضل، وكان أحب أولاده إليه، وكان مولده في (المنصورة) بصعدة. ورأينا في بعض التواريخ أنه استمر على الإمارة بـ(ذمار) مدة، ثم نكث(1) على بدو(2) بني طاهر، وذكر في تاريخ السادة آل الوزير أن عامراً لما اشتدت وطأته، لم يأذن للسيد عبد الله أن يفارقه خوفاً منه. وله أشعار جيدة واسعة، إخوانيَّات، ورسائل، وحماسة، ونحو ذلك، ونتبرك بذكر قصيدته المسماة بالنفحات المسكية، والسمحات المكية(3):
أومى النسيم(4) يبلغن إذا سرى ... طرساً إلى صنعاء من أم القرى
بلد النبي محمدٍ ووصيّه ... ومقام إبراهيم أعراق الثرى
ومحل صفوته سلالة هاجر ... ونتيجة الشيخ الذي سن القِرَى
بالمسك مختوم(5) ومكتوب بذا ... ك السد والسرين(6) مازج عنبرا
وقد انطوى طيّاً على ما ينبغي ... من كان يسأل عن (سفر قد سرى)(7)
باغي رضا مولاه باذل نفسه ... في الله لم يلويه(8) تفنيد الورى
فتراه طوراً في الشواهق منجداً ... وتراه طوراً في المفاوز مغورا
يرمي به البلد الحرام على الدجا(9) ... (معلس)(10) موار اليدين إذا انبرى
فالرجل (يقعد)(11) ذاك والإخلاس مجـ ... ـلسه ومنبره إذا طال السُّرى
لما نعقه عن الذي يبغي الطوى ... ومقاطع (الأنواء مع وصل الثرى)(12)
__________
(1) في (ب): نكب.
(2) في (ب): يدي.
(3) في (أ): قالها في مكة.
(4) لم أتمكن من قراءتها في (ب).
(5) في (ب): مكتوم.
(6) في (ب): والنيرين.ظ.
(7) فراغ في (ب).
(8) كذا في (أ) و (ب)، والصواب: لم يلوهِ.
(9) فراغ في (ب).
(10) فراغ في (ب).
(11) فراغ في (ب).
(12) فراغ في (ب).
كلاَّ ولا مالت به سنة وقد ... وصل السهاد إلى (مساعدة)(1) الكرى
ومسايريه(2) جلهم قد نوموا ... فوق الرغام فهم كأعجاز ترى
فإذا(3) الهجائر مالت الحربَا لها ... ما مال للتهجير فيمن هجرا
وإذا أتاه المرجفون وقولهم ... قد يصدقن أباً وقد يتأخرا
ولقد تبادرت الطغاة لسلبه ... فأبى الإله وسل سيفاً أبترا
يا ليت ناظر من أظن به القضا ... حين اهترت فيما الحجارل أبصرا
غدرت وخانت(4) شعبة في دارها ... لما رأتني لا أقود العسكرا
فأتت لنا في الليل هاجمة لنا ... لم تدر شعبة أننا أسد الشرى
فبقى التحامل بيننا في معرك ... صعب وحمل من لعاكمه ثرى
ألفى البريق من الحجون كأنه ... ثغر يشابهه البريق إذا شرى
ومن العجيب تذكري في ساعتي ... خلا وإن لم تدر فالبادي درى
ومع ارتكاب البحر في طغيانه ... لم أنس من ملك الحشاشة واشترى/57/
في ساعة ينسى الفتى عن بعضه ... يا حاكم الإنصاف ما في ذا ترا
أمن النصيف(5) بأن تهنى شربه ... علميَّة ها تلك تحكي الكوثرا
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) في (ب): ومساير..
(3) في (ب): وإذا.
(4) في (ب): فخانت.
(5) غير واضحة في (ب).
وهي طويلة، والقليل يشير إلى الكثير، قال في (اللآلي المضيئة): وأظنه مذكوراً في اللواحق - أيضاً - عند ذكر الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، وكان أكمل أولاده، وأشهرهم شجاعة، وفصاحة، وصيتاً عبد الله بن المطهر، خلف والده على ولاية (ذمار)، ثم تغير ما بينه وبين أهل (ذمار)، وما بينه وبين بني طاهر، وجرت قصص يطول شرحها، حتَّى آل الأمر إلى أن أخرجوه منها، ودخل (صنعاء)، وأخذوا عليه من دروعه وآلة ملكه أشياء كثيرة، وفي خلال تلك الوقعات أخرب دائر(1) ذمار، وعُمِّر مراراً، فلما دخل (صنعاء) بأهله، لم يمنعه صاحب (صنعاء)، ولا أخذه بما فعل أبوه مع أبيه، فعجب الناس من صفح صاحب صنعاء وهو يومئذٍ محمد بن الناصر(2) بن أحمد بن الإمام المطهر بن يحيى، وعدّوا ذلك من مناقبه، وكانت دولة الإمام المطهر وولده على (ذمار) سبع عشرة سنة، فبقي عبد الله بن المطهر في (صنعاء) إلى أن ملك (صنعاء) عامر بن عبد الوهاب، وسيّره وأولاده مع من سيّر من الأشراف، وبني أسد إلى (تعز)، فأسكنهم هنالك، وتوفي عبد الله بتعز.
قلت: وحسبه دليلاً على الكمال(3) (الياقوت المعظم) الذي هو كاسمه، شرح به قصيدة والده الإمام - قدس الله روحه - فأتى بكل عجيب، فهذا الكتاب مما يدل على همّةٍ سامية، فهو وحيد في بابه، كما أن القصيدة المشروحة من غرر القصائد ودررها، وهي شهيرة مطلعها:
بالحرب قد عزّ حزب القوم من قدم
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): محمد بن الناصر بن محمد بن الناصر بن أحمد بن الإمام.
(3) سقط الكمال من (أ).
(وقد رأى والده رؤيا دالة على نجابة هذا الفضيل، لم تحضرني عند الرقم، وله نباهة في العلوم، وإطلاع كامل، ولطال ما قيل: ابن عالم خير من متعلم سنة، وأما هذا فجمع بين الطارف والتالد وهو ابن عالم، وهو في نفسه عالم)(1) ومن مؤلفاته: كتاب (رياحين الأنفاس المهتزة في بساتين الأكياس في براهين رسول الله إلى كافة الجنة والناس) كتاب عجيب غريب - أحسن الله جزاءه - وما أحسن قوله في خطبة هذا الكتاب: أما بعد فإني نظرت إلى سيئاتي قد سوّدت الصحائف، وإلى حسناتي فلم أجد منها سالفاً ولا خالفاً إلا ما هو زائف، فضقت ذرعاً، وسؤت مرعاً، حتى نظرت إلى رحمة ربي، فوجدتها وسيعة، فسلّيت النفس بأن جعلتها ذريعة إلى عفوه وأي ذريعة، معتمداً على قوله تعالى: ?وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ?[الأعراف:156]، وقوله تعالى: ?لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ? [الزمر:53]، وقوله: ?وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ? [يوسف:87]، فقادني منها قائد اللطف الخفي، وساقني سائق التوفيق الوفي، وحداني حادي التسديد الشفي إلى التوسل إلى الله سبحانه وإلى رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بلف مجه من لجّه مما أكرمه الله تعالى به لعل الله تعالى يشرح بها صدري، ويضع وزري، الذي أنقض ظهري، فتوكلت على الله، واستخرته، واستهديته - تقدس - واستعنته، وجعلت ذلك خمس مقالات:
المقالة الأولى: في خَلْقه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
الثانية: في خُلُقه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
الثالثة: في أسمائه.
الرابعة: في كراماته /58/ - صلى الله عليه وآله وسلم - في المعجزات وغيرها.
مبوّبة ثمانية أبواب:
الباب الأول: فيما أكرمه الله به قبل خلق العالم.
الثاني: بعد خلق العالم إلى آدم.
الثالث: بعد خلق آدم إلى أن ولد - صلى الله عليه وآله وسلم -.
الرابع: في ميلاده - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى بعثهِ رسولاً.
__________
(1) ما بين القوسين سقط من (ب).
الخامس: في نبوته إلى موته - صلى الله عليه وآله وسلم -.
السادس: من موته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن تقوم الساعة.
السابع: من قيام الساعة إلى دخول الجنة.
الثامن: من ما له في الجنة من الكرامات.
فهذه ثمانية عدد أبواب الجنة، وحملة العرش، نرجو من الله وبركاتها الاستظلال بظل العرش، ودخول الجنة إن شاء الله.
الخامسة: في فضل الصلاة عليه وآله(1) وسلم، تَيَمُّناً بالخمسَة الأشباح، وتبركاً بالأيام المعدودات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى.
وله - رحمه الله - ردود على المخالفين، وذبٌ بالحق عن الحق وأهله، وأجاد فيه(2)، وله شعر في معانٍ مختلفة، منها: المراثي ، أجاد فيها، وأحسب أن له قصيدة غراء يصف فيها قضيّة اتفقت له عام حجه، شَهر نفسه في سوق القتال، وجال في مجال الحرب الذي ينكبت عنه الرجال ومن شعره إلى جده وأهله يومئذ بها، وأظنها من طريق الحج والزيارة:
حي الغداة وأقرِ الحل والحرما ... عني السلام سلاماً زاده حرما
فالبيت فالحِجر فالأركان فالعلما ... فالمشعرين ببطن الواد فالأكما
وحي(3) عسفان فالأقواز منه إلى ... وادي العقيق إلى الحرات فالحرما
وقف بموارة الصبعين مقتبساً ... نور النبوءة ممن قد علا وسما
وقبّل العتبات الطاهرات لدى ... باب السلام وأم الجود والكرما
من النبي الذي ترجى شفاعته ... صلى الإله على من زاده شمما
ومن غدا في بقيع الغرقد النفر الـ ... ـبيض الوجوه سقوا من رحمة ديما
يا أهل يثرب أنتم معشر نجب ... لكم على الله كل الحق لا جرما
إذ سيد الكون أملا الخلق قاطبة ... بالحمد أمسى وأضحى بينكم علما
بها المنائح أما شئت تجذبها انـ ... ـقادت إليك وجلّى فضله البهما
__________
(1) في (ب): في فضل الصلاة عليه - عليه السلام -.
(2) في (ب): أجاد فيه.
(3) في (ب):
وحي عسفان فالأقواز منه إلى…هما قد بد منذر حيث سال دما
فالخيف فالشعب فالفرع المنيف إلى…وادي العقيق إلى الحراتِ فالحرمَ
يا سلم هل تتناسين الوداد لمن ... صفى لك الود يا سلماء واحتكما
حاشا وكلاّ وأنت العدل أجمعه ... لا سيما بمحب(1) طاف واستلما
يا حاملاً كلمات ناسبت حكماً ... قل للبنين لماذا شقوا الظلما
تيمموا حدة الحضراء لا بعدوا ... عنا وكان أبوهم يشتكي ألما
فأخذ(2) على هذا الأسلوب - رحمه الله - وله قصيدة يذكر الساحات الذمارية، والشعاب هنالك والأودية، ومصافحة يد الغمام لها، وأجاد، منها:
ديار الحي من كيفي(3) ذمار ... سألتك كيف حال /59/ الجانبين(4)
هل الودق الهتون سقى رباها ... وعم عراص بين الخافقين
أم الوسمي باكرها عهاداً ... فأدجن ثم أغبط كل عين
وهل وبل العوادي والنوادي ... سقاها من حريب إلى الحصين
إلى هضبات جنب(5) الشم ابنا ... عبيدة طيبين المنصبين
قلت: أضاف الطيبين إلى المنصبين مع بقاء النون كقول الشاعر:
رب حي عريدس ذي ظلال ... لا يزالون ضاربين القباب
وأبناء عبيدة المذكورون في شعره هم من بني سعد العشيرة من (مذحج)، وأمهم عبيدة بنت مهلهل بن ربيعة، نسبوا إليها، رجعنا إلى الشعر له - عليه السلام -:
إلى حُمات عنس أبي وهيب ... إلى شحاطها وإلى يمين
إلى أبناء منية آل سعد ... إلى الحقل الخصيب إلى رعين
وهل عمد المنيف وهل يفاع ... وهل شمسان عالي القبتين(6)
تحدر من شواهقها سيول ... يكتب من رعين في رعين
فيتمم قاع ذي هينان منها ... عباب أم وادي الملتين
وهي طويلة، وله أخ سيد فاضل عالم اسمه يحيى بن أمير المؤمنين المطهر بن محمد بن سليمان - عليهم السلام - حريٌ بإفراد ترجمة، وكان يلقب بالمختار، ومن شعره - رحمه الله - في ولدٍ(7) له اسمه محمد أرداه حصان في باب شعوب من (صنعاء)، فكتب إليه(8) بعض إخوانه:
__________
(1) في (ب): لمحبٍ.
(2) في (ب): وأخذ.
(3) في (ب): ديفي.
(4) في (أ): الجانيين.
(5) في (ب): حيث.
(6) في (ب)ك القنتين.
(7) في (أ): وولد له.
(8) في (ب): إلى.
ألم تعلما أن ابن عمكما ثوى ... قتيلاً بلا سيف ولا بسنان
وأم عبد الله المفضل المذكور السيدة العقيلة المطهرة فريدة وقتها، بدَرة بنت الإمام محمد بن(1) الإمام الناصر علي بن الإمام المهدي، وكانت من عجائب الزمان، تزوجها الإمام المطهر، وكانت أنفس الدنيا لديه، وله إليها غر القصائد، منها:
عجبت لمن قد حل قلبي إنه ... مذ حلَّه قد جَدَّ في تعذيبه
قد جَدَّ في تعذيبه بصدوده ... عني وما ذنب سوى ولعي به
ولعي بريم مولع ببعاده ... عني كما أولعت في تقريبه
وكذاك شيمة كل ريم في الفلا ... وظباء أنس الحي تستهدي به
ومعذبي يختار ظلمي وهو من ... قوم أقاموا العدل واشتهروا به
ملكوا الرقاب وذا تملك مهجتي ... عدلوا وجار فجاره من حوبه
هو مسقمي وهو الطبيب فمن يرى ... مثلي عليلاً من حياة طبيبه
وللإمام فيها قصائد عجيبة، ولما ماتت كثر فيها مراثي الفضلاء العلماء، كأحمد بن أبي القاسم النعمان، والسيد صلاح بن أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أبي القاسم، وغيرهم.
عبد الله بن موسى الحسني
/60/ السيد الكبير الهمام المقدَّم عين آل موسى بن عبد الله الكامل، فخر الملة، عبد الله بن موسى بن محمد بن سليمان بن محمد بن سالم الحسني، عالم بعلوم أهله، شهد الموالف والمخالف بفضله.
قال في (التحفة): كان فقيهاً بمذهبه، له طريقة مرضية، وكلمة مسموعة، قتله قومه ظلماً، وشلت يد قاتله، ومرض حتى مات، وله أخ جليل نبيل يعرف بخبارش، واسمه محمد، كان أكبر قومه سناً وقدراً، وفيه سماحة وخلق حسن، قتله - أيضاً - أهله ظلماً وعدواناً خوفاً منه أن ينقم بثأر أخيه، - رحمهما الله -.
__________
(1) في (ب): بن علي بن الإمام الناصر علي [وزاد في الناسخ] الناصر صلاح.ظن.
عبد الله بن موسى العنسي
العلامة الكبير المحدث، شيخ الشيوخ، إمام الإسناد عبد الله بن موسى العنسي الكوفي الحافظ، ترجم له السيد الصارم، وصاحب (المقصد)، قال: هو الكوفي الحافظ، شيخ البخاري، ومن كبار علماء الشيعة، وعلماء الزيدية، قال أحمد السلمي: كتبت عنه ثلاثين ألف حديث، كان ذا زهد، وإتقان، وعبادة، عالماً بالقرآن رأساً فيه، ما رؤي ضاحكاً، وهو أول من صنف (المسند) على تراجم الرجال. قال أبو داود: وكان شيعياً محترقاً، روى عنه الجماعة.
عبد الله بن المهدي بن الإمام يحيى بن حمزة
العلامة السيد السند الفاضل المؤيد للتحقيق عبد الله بن المهدي بن الإمام يحيى بن حمزة، كان عالماً كبيراً فاضلاً، ووالده المهدي من أجلاء الحسينيين، وكبراء العلويين - عليهم السلام - ولم يبق لعبد الله هذا عقب إلا من محمد، وسكن عقبه بـ(خيار) ببلاد (بني قيس)، وقد ذكر السيد عبد الله في تراجم أهله أن عبد الله بن الهادي - أيضاً - عقبه هنالك، والله أعلم.
عبد الله بن المهدي بن إبراهيم الحوالي
سيبويه زمانه، وخليل العلوم في أوانه، إمام الآداب، الفاضل المحقق، الحافظ البليغ، عبد الله بن المهدي بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي - رحمه الله تعالى - كان - أعاد الله من بركته - عَلَماً في العلوم، أديباً لبيباً، مطلعاً على أفراد اللغة وعلم تراكيبها، حافظاً لأيام الناس في الجاهلية والإسلام، واشتهر باللغة، وكان برز فيها، واستدرك على المحققين من أهلها، كصاحب (الصحاح) و(القاموس)(1) وأضرابهما، وكان بعض مشائخنا يسميه بالبحر، ورأيت استدراكات منه على أئمة اللغة فقلت: فكم ترك الأول للآخر، وكان من لين العريكة، وسهولة الناحية، وعذوبة الحاشية، بمحل يكاد يسيل لديه طباعه سيلاناً، ويتوحد للإهيات، ويهتز للأدبيات، ولم تطمح نفسه - مع أهليته - إلى شيء من المراتب، ولقيته بوطنه (الظهرين) بحجه، ورأيت(2) فوق ما سمعت، وعلمت أن الله لم يعطل الزمان، وكان له شعر في الذروة، وله القصيدة الطنانة الطائرة في الآفاق، يمدح بها الإمام المؤيد بالله وإخوته الحسنين وأحمد أيام الجهاد، وأجاد ما شاء وكان يقول: إنها ليست من جيد شعري، وهي طويلة مطلعها:
عن سعاد وحاجر حدثاني ... ودعاني من الملام دعاني
واذكرا بُرْهَةً من الدهر مَرَّتْ ... كنت أُدْعَى بها صريع الغواني
/61/ وأعيدا حديث بان المصلَّى ... والربوع الرحاب من نعمانِ
أنا لا أكتفي بنأي رخيمٍ ... عن سعاد ولا بعود مثاني
قد سقتني بكأسها من مدامٍ ... هيم القلب لونها الأرجواني
عتقت في الدنان من عهد كسرى ... فهي تنمى إلى أنو شروانِ
بهرت في الصفاء(3) حمراء صفرا ... ء سرور القلوب والأبدانِ
[قد] صفى وقتها فلم يبلغ الهم ... بساحاتها ولا الأحزانِ
يا عذولي ولست للعذل أصغي ... غير قلبي يهم بالسلوانِ
أنا خريج عروة بن حزام ... منهج الوالهين فني وشأني
__________
(1) زيادة في (ب): ونحوها.
(2) في (ب): فرأيت.
(3) في (ب): الصفان.
ولو أني رزقت حظاً لما صر ... ت أعاني من الهوى ما أعاني
ولأبرزتُ حاجة في فؤادي ... صُنْتُهَا عن فلانة وفلانِ
وسأقضي لبانتي عن قريب ... بنجيب شمردل(1) غير آني
ومنها في المديح(2):
صال هذا المصال يبغي رضا اللّـ ... ـه ونلنا به المنى والأماني
وانقضت دولة العلوج وزالت ... ساسةُ الملك من بني عثمانِ
وتولى ديارَهم عبقريٌّ ... ليس يفري فريَّة الثقلانِ
ركن ذو فراسة يتقيها ... صادق الظن كامل العرفانِ
ومنها(3):
قسماً بالإمام غوث البرايا ... وهو عندي من أعظم الأيمانِ
لقد اقتاد عنوةً كل صعبٍ ... ولقد عم صولةً كل جاني
أيها الناس هل علمتم بذا الفتـ ... ـح وذا الفتك في قديم الزمانِ
يا لفخر سما له الحسنان ... فُسِحَ الظنُّ بعده بالعيانِ
نهضا بالهدى أدَارَا رحا الحرب ... وقاما ببكرها والعوانِ
ومنها:
فسقوا من دم الأعادي صبوحاً ... كل عضب مهند وسنانِ
أقحموا خيلهم غمار المنايا ... وأبادوا الجيوش بالهندوانِ
ولقد حاق بالعدا يوم روع ... وسقوا أحمراً من الدم قاني
يا لها صولة شفت غلة القلـ ... ـب وأهدت من المنى ما كفاني
/62/ حين شدت (لريم بنت حميد) ... كل (جرداء) ضمرةٍ وحصانِ
طار فيه النزال والطعن والضر ... ب وأعمال عامل وتماني
واذكر السيد الهزبر المحامي ... من أدار الرحا على (عمران)
أحمد بن الإمام غيظ المعادي ... ناصر الدين قاهر الأقرانِ
أعجز المفسدين أن يطمعوا فيـ ... ـه وأخنى على ذوي الشنآنِ
يا بني القاسم الإمام حماكم ... ربنا بالزبور والفرقانِ
فبإقدامكم حيى(4) ميت المجد ... وقمتم بنصرة الأديانِ
إلى أن قال:
فكفى الله كل ضيرٍ وهولٍ ... بإمام الهدى كمالِ الزمانِ
فكمالاته(5) غدت خارقات ... وهو لا غرو مظهر البرهانِ
ومنها:
فليفز بالنجاة قوم تولو ... وقاموا بطاعة الرحمن
__________
(1) الشَّمَرْدَلُ: الفَتِيُّ السريع من الإبل وغيره.
(2) في (ب): الصفان.
(3) في (أ): منها.
(4) في (ب): حيا.
(5) في (ب): فكراماته.
ولولا اشتهارها، لذكرناها(1) بطولها، وله مقاطيع في كل(2) معنى حسن، وله ذو بيت:
يا جود حيًّا على الجناب الغربي ... قد أنعمه بواكفات السحب
أحببت الأرض في رباه فمتى ... يحيا بالوصل من حبيبي قلبي
توفي بوطنه - رحمه الله - في تاريخ ( ..فراغ..) (3)
عبد الله بن المهلا بن سعيد الشرفي [950هـ - 1028 ه ]
الشيخ العلامة، الفقيه، النحوي، اللغوي، الأصولي، المحدث، المفسر، ثابت اللب، عبد الله بن سعيد بن علي النيساي، ثم الشرفي - رحمه الله - هو العلامة المحقق المدقق، الحافظ لعلوم المعقول والمنقول، شيخ شيوخ زمانه، رحل إليه الطلبة، وانتفعوا به، واستقر (بباب الأهجر) زماناً، ووفد إليه الطلبة، وكان نظيراً للسّعد التفتازاني في علوم العربية والتفسير، وله أجوبة مسائل تدل على علم واسع، ومن تلامذته الإمام القاسم - عليه السلام - وأكثر الفضلاء في زمانه عيال عليه، وتشوق للقائه الباشا جعفر عند إقامته بصنعاء فلم يتيسر له لقاؤه، حتى نكب الفقيه بنكبة من الولاة بمطالبته، أو مطالبة شركائه في المال بخراج، فتمنع، ورحل إلى الباشا بعدها، فعدها الباشا من سعادات الأيام، فأجله وأعظم محله، وساق إليه من النفقات ما يجل خطره، واستمر على ذلك، ورسم له بإعفاء شركائه من المطلوب منهم، وكان يعده الباشا عين أهل الحضرة مع كثرة العلماء فيهم، واتفق أن الباشا أراد امتحان أهل حضرته بحديث اختلقه من عند نفسه، نمق ألفاظه، فلما أملاه ابتدر الحاضرون من الفقهاء إلى(4) كتابته، وأثنوا على الباشا بروايته، وقالوا: نتشرف بعلو إسناده، فلم يتحرك المهلا بشيء(5) من ذلك، فسأله الباشا لم لا تكتب كالأصحاب؟ قال: يا مولانا قد أفدتم، والجماعة كتبوا، ونحن حفظنا، فقال الباشا: هذا والله هو العالم، وأثنى عليه. /63/ وذكر لهم
__________
(1) في (أ): ذكرناها.
(2) في (ب): وكل معنى.
(3) فراغ في الأصل.
(4) في (ب): لكتابته.
(5) سقط من (ب): بشيء.
أن الحديث حديث، وإنما المراد به الاختبار(1). وكان له أولاد علماء نبلاء، وله أحفاد فيهم الفضيلة والعلم المتبوع(2).
وقال سيدنا العلامة أحمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله -: سألت الفقيه العلامة بدر الدين محمد بن عبد الله المهلا عن أحوال والده ومشائخه ووفاته، فأجاب بما لفظه: والدي الفقيه العلامة عبد الله بن المهلا بن سعيد بن علي النيساي، ثم الشرفي، ولد في شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة في بلد (الوعيلة) من (الشرف الأعلى)، طلب العلم في حداثته، وأخذ عن جماعة من كبراء العلماء، وأدرك السيد عبد الله بن قاسم العلوي - رحمه الله - ولم يتأتَّ له الأخذ عنه، وارتحل للعلم إلى الأقطار، فأول قراءة على والده، المهلا بن سعيد في الفرائض، وفي أصول الدين؛ ثم ارتحل إلى (الظفير)، صحبه والده وقرره في المشهد المقدس، وأقام سبع سنين، فأخذ النحو عن الفقيه عبد الله الراغب، وصنوه إبراهيم الراغب، ثم قرأ على السيد هادي الوشلي (المطول) و(العضد) و(الكشاف)؛ ثم ارتحل إلى (الشرف)، وارتحل لقراءة الفقه إلى (عرفة عفار)(3)، وقرأ على القاضي علي بن عطف الله، ثم ارتحل إلى (الظفير)، وقرأ (البحر) على السيد أحمد بن المنتصر الغرباني، ثم تزامل هو والإمام الحسن بن علي في قراءة (العضد) مرة أخرى، وكذلك (الكشاف) على السيد الهادي الوشلي - رحمه الله - وكانت قراءتهما في (الوعيلة)، ثم ارتحل لطلب الحديث، فقرأ كتب أهل البيت - عليهم السلام - على والده، وعلى القاضي علي بن عطف الله، وسافر إلى القرى(4) من (جبل تيس)، وقرأ (البخاري) و(مسلماً) و(تجريد الأصول) على الفقيه عبد الرحمن النزيلي، وأجاز له، ثم رجع إلى (الشرف)، وأخذ عنه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - والسيد أمير الدين في أصول الفقه ، وطلع إلى (صنعاء)
__________
(1) في (أ): الاختبار، وكتبت اسم والده محمد بالظن.
(2) في (أ): والعلم المتبوع.
(3) في (ب): ظفار.
(4) فراغ في (ب).
سنة خمس وتسعين وتسعمائة، وأقام(1) أياماً، وأخذ عنه جماعة، ثم انتقل بأولاده إلى (الأهجر) من بلاد (كوكبان)، وأقام فيه تسع سنين، وارتحل إليه الطلبة من (صنعاء)، و(الأهنوم)، وبلاد (آنس)، و(الحيمة)، و(الشرف)، و(شبام)، و(كوكبان)، واستفاد عليه خلق كثير، وفي خلال ذلك قرأ (الرسالة الشمسية) على الشيخ نجم الدين البصري الواصل إلى (اليمن) سنة ألف، ثم رجع(2) إلى وطنه بنية الإمام القاسم بن محمد - عليه السلام - وأقام بقية عمره بـ(قرى) حتى توفي في ذي الحجة سنة ثماني وعشرين بعد الألف في (الشجعة) (3)، وقبره بها، وكان عمره ثماني وسبعين سنة، انتهى.
قلت: وولده عاقد هذه الترجمة، كان(4) عالماً لساناً بليغاً، له خط عجيب، وله في الأدب مع جودة العلم أوفر نصيب، وكان كثير الْمِلَح واللطايف، نزهة من النزه، تعلق به الأدباء، ويروي عنه الفضلاء، وكانت كلماته تهز أعطاف الأدباء، ومن شعره فيما أحسب:
وأغيد معسول الشنائب واللمى ... يُسائِلُني عن شرح جمع الجوامع
فقلت له والعين تسكب عبرة ... نعم يا خليلي شرح جمع الجوا معي
وهذه رأيتها بخطه، ولم ينسبها إلى أحد، ومن شعره:
شريف تهامي أتاني وقال لي ... أريد من المولى نوالاً وناموساً
فقلت له ما الاسم قال(5) أنا موسى ... فقلت لقد أوتيت سؤلك يا موسى
/64/ وهو من مشائخ إمامنا المتوكل على الله - عليه السلام - وأوصى إلى الإمام أنه كلما ذكره، دعا له بالرحمة، ففعل ذلك أمير المؤمنين - جزاه الله خيراً -.
عبد الله بن الناصر
عبد الله بن الناصر، ختن الإمام علي بن صلاح - رحمه الله - ذكره في (التحفة) للأهدل في علماء الزيدية، وهو … (بياض)
__________
(1) في (ب): وأقام فيها أياماً.
(2) في (ب): ثم رحل.
(3) الشِّجْعَة: قرية غربي مدينة المحابشة من بلاد الشرف الأعلى. وهي محل سكن بني الشرفي، وبني الْمُهَلاَّ. معجم المقحفي 850.
(4) في (ب): كانا.
(5) في (ب): فقال.
عبد الله بن الهادي الوزير
السيد العلامة، عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن الوزير - رحمه الله - العالم ابن العالم، وأبو العالم(1)، إنسان زمانه، وواحد أوانه.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم بن محمد: كان ممن كمله الله في خَلقه، وخلُقه، وكرم طبايعه، وحسن طرائقه، وآدابه، له مهابة في القلوب، وجلالة في النفوس، وشارة(2) حسنه، وخلق جميل، وأدب وبراعة، وقلم وإحسان، وفراسة وثبات، على ظهور المقربات، وكذلك لولده وسائر أولاده، ولد بـ(صعدة)، ونشأ بها، وتزوج، وأولد فيها، وقرأ على علمائها، فقرأ على خاله القاضي أحمد بن عبد الله بن حسن في الفقه، وكان القاضي فقيهاً مجوداً، وهو جامع كتاب (التلفيق بين اللمع والتعليق)، و[قرأ] على غيره، وقرأ على القاضي أحمد بن حابس في الفرائض، وكان حي القاضي أحمد في ذلك مجوداً، وإليه(3) سند الناس في ذلك الوقت في فن الفرائض، وقرأ على السيد صلاح بن الجلال في علم الحديث، وكان بعنايته زيادة السيد صلاح كتاب الرضاع في كتاب (شفاء الأوام)؛ لأنه لما قرأه عليه وكان متروكاً في (الشفاء)، سعى سيدي عبد الله في أنه يزيد ذلك الباب فزاده، وأسمعه سيدي تلك الزيادة، وأجازها له من جملة الكتاب، وقرأ - أيضاً - على الفقيه بدر الدين محمد بن عبد الله النجاري مفتي (صعدة) في زمانه، وقرأ في تفسير السيد جمال الدين على السيد - رحمه الله - وقرأ الأصولين، وقرأ الختمة الشريفة، وفي علوم القرآن على حي المقري الشاودي، وكان حسن الصوت في تلاوة القرآن، فإذا قرأ في محراب، أو بعد صلاة، هدأت الأصوات له، وكان إماماً في علم اللغة وله في علوم العربية جميعها بسطة، وله على أبيه وعمه سماع في الكتب، وليس بالكثير، وليس في غاية الجودة، وفيه الحسن، (وله شعر، ولكنه لا يبلغ ولا يقارب شعر أبيه وعمه، ولا شعر ولده وولد ولده) (4)، ومن شعره
__________
(1) في (ب): ابن العالم.
(2) شارة: هيئة.
(3) في (ب): شد الناس. ظن.
(4) ما بين القوسين ليس في (ب).
قوله:
مالي مع الناس مِنْ ناصر ... إلا النبي المصطفى الهادي
وصنوه من بعده حيدر ... ثم التزامي مذهب الهادي
قلت: ومما أنشده له ولده العلامة محمد بن عبد الله - رحمهما الله تعالى - ومن خط محمد نقلت:
أما والذي لا يعلم السرَّ غيرهُ ... ومحيي العظام البيض وهي رميمُ
ومن يجمع الشمل الشتيت بفضلهِ ... ونرعى كلا إحسانه ونسيمُ(1)
لقد صرت أهوى كل أمر مقربٍ ... إلى طاعة الرحمن وهو عليمُ
فأسأله أن يغفر الذنب كله ... فمعروفه قد عم وهو رحيمُ
ومما قاله سنة خمس وثلاثين وثمانمائة:
من كان يوقن بالغيوب وصدقها ... لم تَلْقَه أَسِفاً على ما فاتا
قدر بلوغك للذي أمَّلْتَهُ ... كمؤملٍ قد نال ذاك وماتا
/65/ سيان نيلكه(2)وموتك بعده ... وفواته قدرتها أحواتا
فأعجل إلى نيل المراضي من لدن ... رب قديرٍ يبعث الأمواتا
فلقاؤه حقٌ ووعد جزائه ... صدقٌ وعند صدورنا أشتاتا
وسل المهيمن يغفر الذنب الذي ... أذنبته ويقيلك الزلاتا
فهو الذي يهب الذنوب جميعها ... ويقدر الآجال والأقواتا
__________
(1) نُسيم: نرعى.
(2) في (أ: نيلك هو.
وكان له أشياع وأتباع كالعلامة يحيى بن جابر بن جحاف الصعدي البصري، كان زميلاً له، وكان فقيهاً مجوداً، شرح (التذكرة) النصف الأول منها، وكان ناقلاً للكتاب العزيز، وأخوه حسن بن جابر، وكان فاضلاً، ومن أهل الثروة والمال، وله الفندق المعروف بـ(صعدة)، وكان من أشياعه وأتباعه الفقهاء آل علوان بـ(صعدة)، والمشائخ بنو بدر، وأمه - رحمه الله - مهدية بنت القاضي عبد الله الدواري، وكان لها في النساء مثل ما لابنها في الرجال، وماتت بعد ولدها السيد عبد الله بمدة يسيرة في (صنعاء) بالفناء الأعظم، وكان بينه وبين الإمام علي بن المؤيد، والإمام المهدي مصافٍ ومكاتبة، وكان له - رحمه الله - فصاحة في الخطاب والخطابة بارعة، وهيبة وجلالة، رائعاً لا يشق غباره، ولا يلحق في ذلك آثاره، وكان له - رحمه الله - معرفة بالأنساب، وأحوال المتقدمين، وأيام المؤرخين، وقبر هو ووالدته بباب اليمن من (صنعاء)، وأولاده عنده بمصرع(1) النوبة، عليهم ألواح عفاها بنو طاهر أيام حطاطهم على (صنعاء)، ومما رثي به - عليه السلام -:
أما عليك فصار الدمع كالمطر(2) ... جود يجود بِمُنْهَلٍّ(3) ومنهمرِ
والحزن في كل وجه غير منكتمٍ ... والوجد في كل قلب غير مستترِ
والحال بعدك أضحت غير صالحةٍ ... لما تبدّل صفو العيش بالكدرِ
وكل طرف لفرط الحزن قد كُحِلَتْ ... أجفانه بعد طيب النوم بالسهرِ
وكل ذي حاجة يبكي لحاجته ... حزناً عليك ويبكي كل ذي وطرِ
فيا ضريح صلاح الدين لا برحت ... نهل سرح الرضا في تربك العطرِ
فإنما أنت برجٌ حله قمرٌ ... فافخر فدونك برج الشمس والقمرِ
والصبر أحسن مالاً والمصاب به ... ألا عليك فطعم الصبر كالصَّبِرِ
والحمد لله حمداً دائماً أبداً ... ثم الصلاة على المختار من مُضَرِ
__________
(1) بياض في (ب).
(2) في (ب): كالمطري.
(3) مُنْهَلٌّ: انهَلَّ المطر: اشتد انصبابه. القاموس المحيط 990.
والآل ما طلعت شمس وما غربت ... والصحب عد الحصى والرمل والحجرِ
قلت: وللسيد صلاح الدين عبد الله بن الهادي - رحمه الله - شرح على (التسهيل) أجاد فيه.
عبد الله بن الهادي بن الإمام يحيى
السيد الكبير المحقق، الإمام فخر الدين، عبد الله بن الهادي بن الإمام يحيى، ترجم له السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد تراجم مختصرة، قال: كان يسكن (خبان)، وهو أحد العلماء الشيوخ المنتفع بهم، وقراءته بـ(صعدة) على الشيخ إسماعيل، والقاضي عبد الله، وغيرهما، ولا عقب له.
قلت: وهو الذي جمع كتاباً يشتمل على أحوال الإمام يحيى وأولاده الكرام إلى زمانه، وأجاد فيه، وترجم له بعض أولاد الإمام يحيى المتأخرين، وجعله خاتمة ذلك الكتاب، فقال ما لفظه: هو جامع هذه النبذة /66/ كان - رحمه الله - للعلم جماعاً، وفي الكلام شجاعاً، شهد له موضوعاته وتعليقاته في كل فن، وهو مصنف (الجوهر الشفاف) و(الكاشف لمعاني الكشاف)، وكفى به دليلاً على علمه، وله منتخب من شرح ابن أبي الحديد يسمى (الدر النضيد(1) من شرح ابن أبي الحديد) على نهج البلاغة، توفي - رحمه الله - بمدينة (صنعاء)، ودفن في مسجد الأحدم.
قلت: يعني به المسجد المعروف اليوم بالوشلي، وله من النسل أحمد بن عبد الله، والهادي بن عبد الله، وفاطمة، فأما أحمد، فكان له بالعلم أعظم تعلق، وله الخط البليغ، لم يوجد في خطوط آبائه مثله، وأما الهادي، فكان له إطلاع عجيب خصوصاً باللغات العربية، وأما فاطمة فكانت كاملة بليغة(2)، لها اطلاعات عظيمة، وخط عظيم(3)، وبلاغة في النظم والنثر، - رحمهم الله، وأعاد من بركتهم-.
__________
(1) في (ب): المنضد (وزاد الناسخ) النضيد (ظن).
(2) غير موجود في (ب): بليغة.
(3) غير موجود في (ب): عظيم.
قلت: ولعل قول السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد: إن عبد الله لم يعقب (1) أولاده الآن، وفاطمة المذكورة تزوجها السيد علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام يحيى بن حمزة، وكانت كاتبة لفاطمة بنت الحسن بن علي أخي الإمام الناصر لدين الله صلاح بن علي، وكانت سيدة فاضلة كاملة راجحة لا نظير لها، ساست البلاد، وأصلحت العباد، وملكت (صنعاء) و(صعدة)، وأحوالها غنية عن البسط.
عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة [ - 788هـ ] ت
السيد العلامة، عبد الله بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ترجم له السيد العلامة عبد الله بن الهادي بن يحيى صاحب (الجوهر الشفاف)، فقال: كان رجلاً صالحاً عالماً فاضلاً تقياً زكياً ممن يشار إليه بالإمامة، واستكمل شرائط الزعامة، كثير الصلاة والدعوات، والشكاء في دياجير الظلمات، سكن هجرة (حوث) أكثر مدته إماماً للصلاة في الجماعات، مواظباً على لزوم أوائل الأوقات، ثم انتقل إلى مدينة (صنعاء) اليمن، فطلبٍ من حي الإمام الناصر، وقام بأحواله أحسن القيام، وأفاض عليه من العطاء والإنعام، والإتحاف والإكرام والتجليل والإعظام، ولم يزل على هذه الصفة مع إحرازه فضائل العبادات والقيام المذكور، وكان وفاته - قدس الله روحه - في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ودفن في المسجد المنسوب إلى بني الفليحي، وبنى عليه صاحب المسجد قبة عظيمة صرف عليها أموالاً جسيمة، وهو بها مشهور مزور.
قلت: ومن أولاده السيد العلامة علي بن الباقر بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الإمام يحيى بن حمزة - عليهم السلام -.
__________
(1) ما بين القوسين زيادة في (أ).
عبد الله بن يحيى بن المهدي [ - 893 ه ] ت
السيد الإمام الكبير، ملحق الأصاغر بالأكابر، شيخ شيوخ العترة، ومفخر العصابة والأسرة، عبد الله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً، شيخ كبراء العترة، وحافظهم، متفق على جلالته، تخرج عليه العلماء، وانتفعوا به، وهو [يعد] موئلاً للتحقيق، وبالجملة، فلا تفي عبارة بوصف حاله، وله كرامات وفضائل، وهو معروف بأبي العطايا، ومما قيل فيه:
أبا العطايا يا صلاح الهدى ... لا زلت في خير من الباري
توجاً تاج التقى والنهى ... وعارياً من حلة العار
من جملة تلامذته العلامة حافظ الإسناد محمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله - والد السيد صارم الدين، قرأ عليه في علم العربية بمسجد نصير من ساحات القطيع بـ(صنعاء) /67/؛ لأن السيد عبد الله أول أمره أقام هنالك، ومن تلامذته السيد الإمام الحافظ صارم الدين مؤلف (الفصول). قال السيد العلامة أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله - في عدده لشيوخ السيد صارم الدين ما لفظه: وكالسيد العلامة الإمام، ربانيّ العترة الكرام، الذي بشر به والده ولي الله الشيخ حسن بن محمود الشيرازي قبل وجوده، وأمره أن يسميه أبا العطايا، كما أمره بذلك الملائكة - عليهم السلام - صلاح الدين إمام علوم الاجتهاد... الإمامة الكبرى(1) بإجماع علماء عصره أجمعين، أبي العطايا عبد الله بن يحيى السيد المتأله الزاهد العابد، بن السيد الإمام العلم الولي الزاهد المهدي، بن قاسم الحسيني الزيدي، ثم أنشد السيد أحمد شيئاً مما رثاه به السيد الصارم - رضي الله عنهم وأرضاهم - وهو:
يا شيبة الحمد من أبناء فاطمة ... ويا بقية أحبار وأخيارِ
علامة العصر(2) فرد الدهر أوحده ... فلا يجاريه ذو علم بمضمارِ
محقق في فنون العلم مجتهد ... وأوحد في المعالي قارئ قاري
__________
(1) في (أ): الكبراء.
(2) في (ب): الدين.
إلى آخر ما أنشده - رحمه الله - توفي في سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، وقال من ترجم له غير هؤلاء: العالم الشهير، الفاضل الكبير، درس في العلوم بعد الفنا سنة أربعين وثمانمائة نحواً من ثلاث وثلاثين سنة، وقبلها نحواً من نيف وعشرين سنة، وكان مجتهد زمانه وعالم أوانه، وأظن هذه الترجمة واضعها الإمام عز الدين بن الحسن - عليهم السلام -.
عبد الله بن يحيى بن شمس الدين [ - 973 ه ]ت
السيد الهمام، العالم الكبير، الفاضل الشهير، جامع لعلوم سلفه، والمحقق لسائر العلوم الإسلامية، فخر الدين عبد الله بن أمير المؤمنين الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى - عليهم السلام - كان من سادات الأسرة النبوية، ووجوه علماء العصابة الزيدية، ومفاخر الملة(1) المحمدية، له في كل علم سابقة أولى، ويد طولى، وهو من الكرام في ذروته العالية، فهو من هذا البيت الذي ارتفع وأناف، وأقر له الغر من آل عبد مناف، وكان مع هذا النسب الشريف والحسب المنيف متواضعاً، حسن المعاملة للمسلمين كافة، ولا ينزل نفسه الشريفة منزلتها التي يقضي بها المقامات والعرفيات، فإنه يعد من الملوك والعلماء، ولكنه رأى لباس السلوك أبيض لوجهه يوم القيامة، وأبقى له.
__________
(1) في (ب): الأُمَّة.
وله عناية بالعلوم، وكتب مسائل، وحرر تراجم لكثير من فضلاء الزيدية - رحمهم الله - وكان قد أراد شرح (المعيار) للمناسبة(1)، واشتغل بذلك، وحرر شيئاً مفيداً، ومما نقلته مما كان جمعه أنه ذكر عند كلام النجري - رحمه الله - في السُّبْحَة كلاماً رواه عن بعض من وفد إلى والده - سلام الله عليه - من الشافعية، وهو عبد القادر بن محمد بن عطية، فقال في حكاية ذلك: روى أنه لما دخل علي بن الحسين - رضي الله عنه - إلى يزيد بن معاوية، وقد هم بقتله، وجعل يكلمه يستنطقه بكلمة توجب قتله، فجعل علي بن الحسين - سلام الله عليه - يجيبه، ويدير سبحة صغيرة في يده، وهو يتكلم، فقال يزيد: لِمَ تدير السبحة(2) وأنت تكلم(3)؟ فقال: حدثني أبي، عن جدي أنه كان إذا صلى الغداة، وانتقل، لا يتكلم حتى يأخذ سبحة بين يديه، فيقول: اللهم إني أسبحك، وأمجدك، وأحمدك، بعدد ما أدير سبحتي، ويديرها، وهو يتكلم بما يريد من غير أن يتكلم بالتسبيح، وذكر أن ذلك مستحب له، وهو حرز له إلى أن يأوي إلى فراشه، ومن قال مثل ذلك، ووضع السبحة /68/ تحت رأسه، فهو محسوب له من الوقت إلى الوقت، فاقتديت به في ذلك، فقال يزيد: لست مكلم أحداً منكم إلا ويجيئني بما يفوز. وأطلقه، ووصله، والله أعلم. انتهى.
__________
(1) في (ب): شرح (المعيار) للنجري في المناسبة.
(2) في (أ): المسبحة.
(3) في (ب): تتكلم.
وكان السيد فخرالدين ابتدأ شرحاً على (نظام الغريب) في اللغة، ومن أحسن ما ذكر فيه حنشي رُطْبان - بالراء المهملة مضمومة بعدها طاء مهملة ساكنة بعدها باء موحدة من أسفل بصيغة التثنية - ورطبان المذكور، وادٍ في (حجة)، فقال السيد ما معناه: إنه واد فيه حنشان، أحدهما أسود، والآخر أبيض، يخرجان في فصل من فصول السنة على الاستمرار من مدة قدرها أربعمائة سنة من الهجرة النبوية، فإذا كان الأسود من فوق الأبيض، كانت السنة إلى الجدب، وإن كان الأبيض فوق الأسود، فالخصب أغلب، ويتمسح الناس بهما، ولا ينفران من أحد، وحديثهما عجيب.
وكان السيد فخرالدين عبد الله بن الإمام ابتدأ كتاباً على القاموس سماه (أكسير(1) الناموس)، وله شرح على قصيدة والده الشهيرة المسماه (بالقصص الحق)، أجاد غاية الإجادة، وأحسن غاية الإحسان، وأنبا عن إطلاع كثير، ومما أفاد فيه أن السيوف القلعية المشهورة في المغرب(2) منسوبة إلى قلعة (وادي ظهر)، وأن هنالك معدن حديد يقال: إن الجن تغلبت عليه، ثم كتب على الشرح في الهامش أن صنوه المطهر بن أمير المؤمنين استخرج المعدن، وفعل منه مرآتين لفرسين في الغاية، لكنه لا يتم إلا بمغرم يساوي المغنم، أو كما قال.
وله شرح على مقدمة (الأثمار) لا نظير له، جمع فأوعى، ودل على تضلع كثير، واطلاع باهر، ومما أفاد فيه أنه عام حجه لقي بعض سادات (العراق) من الزيدية - رحمهم الله - في الحرم عابداً(3) لا يأكل إلا من كسب يده، فكان ينسخ بالأجرة، وكان يومئذ يكتب لبعض الحنفية كتاباً أحسبه في المقالات، فذكر في ذلك الكتاب أن الزيدية طائفة من الشيعة يقولون ببعثة نبي بعد محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فتعجب ذلك السيد الجليل من هذا البهتان، فدعا السيد عبد الله، وقال: يا مولانا انظر هذا الإفك المفترى، أو كما قال.
__________
(1) في (أ): كسر.
(2) في (ب): العرب.
(3) في (ب): عابداً صالحاً.
وله - عليه السلام - عدة رسائل، وأما النظم، فهو إمامه، وبيده زمامه، ومما شاع على الألسنة: أن الإمام شرف الدين - عليه السلام - على إجادته في النظم يُفضِّلُ(1) شعر عبد الله على نفسه، ويقول لا يعرض شعره عليه، وأرجوزته التي ذكر فيها محاسن (صنعاء) ورياضها، وهي معدودة في كتب العلم، أدل دليل على فضيلتي العلم والفصاحة، ومن شعره - عليه السلام -:
سقتني رضاب الثغر من كأس مبسم ... برقّته والله قد ملكت رقّي
ونحن بروض قد جرى النهر تحته ... فساقية تجري وجارية تسقي
ومن شعره:
صحا القلب عن سلمى وماكاد أن يصحو ... وبان له في عذل عاذله النصحُ
ولا غرو في أن يستبين رشاده ... وقد بان في ديجور عارضه الصبحُ
شموس نهار قد تجلت لناظري ... وأضحت لليل الغي في جلدي تمحو
إذا كان رأس المال من عمريَ انقضى ... ضياعاً فأنَّى بعده يحصل الربحُ
شباب تقضَّى في شباب وعره ... وشيخوخة جاءت على أثر تنحو
ومن شعره وأحسن كثيراً:
/69/ ناصية الخير في يد الأدبِ ... وسره في قرائح العربِ
فاعكف على النحو والبلاغة والـ ... آداب تَحْظَى بأرفع الرتبِ
وتعرف القصد في الكتاب وفي السنة من وحي خير كل نبي
بقدر عقل الفتى تأدبهُ ... وصورة العقل صورة الأدبِ
وله إلى والده - عليه السلام - وقد استجار به مستجير:
إني لأكرم من أبي سفيانِ ... لقرابتي في الطهر مع إيماني
فاجعل أمير المؤمنين كبيته ... بيتي وحصن جواره بأماني
وكان - رضي الله عنه - يجاري والده، واتفق من ملاطفاته ومتاحفاته أنه لما أخر عنه والده بعض بره المعتاد، ورزقه المجرى له، في سنة سبع وثلاثين وتسع مائة كتب إليه:
أيا والداً أربى وجودي بجوده ... وأصلاً نما في رأس دوحته فرعي
لما تمنعوني الصرف من غير علة ... ومعرفتي قد لازمت مانع المنعِ
وقد أذهبت تنوين فضلي إضافة ... ملازمة للاتصال بلا دمعِ
__________
(1) في (ب): كان يفضل.
وإني عبد الله والملك ملكه ... يصرفني في النصب والجر(1) والرفعِ
وبلغني(2) في أيام انقطاع معلوماته هذه أجر دسوتاً من النحاس من أهل المهنة بـ(صنعاء) الذين يحتاجون ذلك فقامت حاله بذلك، وتيسرت له الكفاية، فلم يشعر يوماً إلا وقد جاء نائبه، وقال: يا مولانا المستأجرون للدسوت أرجعوها، فسأل عن السبب، فلم يظهر له، فقال: سريعاً: أظن الإمام قد أذن بإجراء المقرر، وإنما أجرى الله لنا هذه المادة عوضاً مع الانقطاع، فانكشف له صدق ظنه.
وقد كان دخل (مكة) بأولاده وخدمه وأثقاله، كما حكى ذلك الإمام المهدي لدين الله الحسن بن حمزة بن علي بن محمد بن سليمان بن إبراهيم بن إسحاق بن سليمان بن علي بن عيسى بن القاسم بن علي بن محمد بن صلاح بن القاسم بن إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي الداعي في أيام المطهر، وكان فاضلاً كاملاً عالماً، قال: إنه كان عبد الله بن الإمام أراد الإقامة بـ(مكة) المشرفة، فسمعنا أنها وقعت معه مكدرات من قبل الأتراك، وبعض مراجعات من علماء (مكة)، فعاد بقضه وقضيضه إلى (الوعيلة) من بلاد (الشرف)، ومخلاف (بني هلان)، فهنيناه برسالة تركنا ذكرها، وقصيدة قلنا منها:
تشعشع نور من جهات المغاربِ ... وذلك من بدر بها غير غاربِ
فلما بدا منها على غير عادةٍ ... خجلنا وقلنا تلك إحدى العجائبِ
فقيل لنا ما ذاك بدر وإنه ... سنا وجه عبد الله لا من كواكبِ
أتى من جهات الشام من بعد ما قضى ... فرائضه في الحج من كل واجبِ
فخيم بين السادة الغر وانتقى ... بلاد بني هلان بين الأطايبِ
إلى آخرها، وهي أربعة وثلاثون بيتاً، فأجاب عبد الله بن الإمام بقصيدة ورسالة، قال في القصيدة:
سلام على نسل الكرام الأطايب ... حليف التقى والعلم زاكي المناسبِ(3)
أجل بني الزهراء فضلاً وسؤدداً ... وأصلاً كريماً من لؤي بن غالبِ
__________
(1) في (ب): الخفض.
(2) في (ب): وبلغني أنه.
(3) في (ب): المناصب.
هو الحسن البدر الإمام بن حمزة ... حميد السجايا من سما في المراتبِ
/70/ ونخبره أنا وجدنا بمكة ... وساحاتها الغراء نجح المآربِ
بها الكفر مقهور بها الحق ظاهر ... بها العدل منشور اللوا والذوائبِ
أقمنا بها ستين يوماً كأنها ... فراديس جنات الهنا والأطايبِ
أقمنا بها في المال والأهل والإخا ... وفي العز والإكرام من كل جانبِ
ملوكاً وإخواناً إذا ما لقيتهم ... فحاضرهم يغنيك عن كل غايبِ
ولم نرتحل منها ملالاً ولا قَلىً ... ولا صدنا عنها اختلاف المذاهبِ
ولا خوف مكر الماكرين وغدرهم ... ومن ربُّه يحميه ليس براهبِ
ولكنها الأوطان تطلب حقها ... وحق أب بر وحق الأقاربِ
وإنا من الرحمن نرجو عودة(1) ... وليس الرجا في الله منا بخائبِ
ومن محاسن شعره ما وجه إليه بكتب جده الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليهما السلام - وسنذكر أن التتمة للقاضي العلامة علي بن الحسين المسوري - رحمه الله -:
قبلته في فيه وهو نائم ... فقال قوموا طالبوا بالحدِ
قلت(2) له أفديك إني غاصب ... وما على الغاصب غير الردِ
قال نعم لو كنت غير نائم ... لكان غصباً يا قليل السدِ
قلت أفي الفقه قرأت قال لا ... أما ترى (الأزهار) فوق خدي
قلت وهذا (الغيث) فيْض أدمعي ... والغيث للأزهار معنى يبدي
و(البحر) - أيضاً - من دموعي حاضر ... إن شئت أن تقرأه فعندي
تيار سقي قد غدا بذكره ... لمن يجيء في الزمان بعدي
لي في هواك (مللٌ ونحل) ... اشرحها يوم اللقا بوجدي
عقائدي في حبّكم (قلائد) ... في عنقي نظمتها في عقدي
جعلت تعريضي لكم رياضة الـ ... أفهام من عواذلي في قصدي
وجهك (معيار العقول) إنه ... لضعف عقل قايسه يسدي
أما وجدي وانتقاد مذهبي ... خمس مئينٍ للرشاد يهدي
وسيرتي في حبكم جواهر ... ودرر تشهد لي بالرشدِ
وتاج علم أدبي أكليلة ... كتمي هواكم عن أناس لدِ
__________
(1) في (ب): عوادة.
(2) في (أ): فقلت.
قال بعض الفضلاء: إلى هنا نظم السيد فخر الدين - رحمه الله - ثم تممه القاضي العلامة(1) (علي بن) الحسين المسوري - رحمه الله تعالى - فقال:
و(غاية) الغايات شرحي حبكم ... و(منية السؤل) وحفظ العهدِ
وإن ترد (فرايد) الدمع على ... (قلائد) فضمها في العدِ
وادفع بها الأوهام واعلم أنها ... (أنوار) سهل الأرض بعد النجدِ/71
والحق إن رمت الهدى (منهاجه) ... فالزمه تظفر بالمنا والمجدِ
ورض سواد العين في (مكلل) ... و(تحفة) تنظر كزهر الوردِ
و(الكوكب الزاهر) قد جلا لنا ... منظومة فائقة في السردِ
وخذ (يواقيتاً) بها عجائب ... في حصر تصنيف الإمام المهدي
وشكر من أحيا القلوب ذكره ... أردف تعظيماً له بالحمدِ
توفي - رحمه الله - في (شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة) (2)، وقبره بمدينة (ثلا) المحروسة.
__________
(1) في (ب): ثم تممه العلامة القاضي الحسين بن محمد المسوري.
(2) ما بين القوسين سقط من (ب).
عبد الله بن يحيى الناظري
القاضي العلامة فخر الإسلام عبد الله بن يحيى الناظري بن محمد بن الناظري بن محمد بن أحمد بن خليفة بن الناظري بن محمد بن منصور بن محمد بن المعتق(1) بن جعدان بن علي بن الصياد بن الدقاق بن علي بن عبد الله بن جابر بن فاتك بن فيصل بن محمد بن زيد بن حنش بن نشوان بن منصور بن الأجعد بن عبد الله بن عروة بن مالك بن هلال بن عمرة بن يوسف بن الصماك بن معيار بن كعب بن سلم بن عمرو بن منصور بن شاور بن قدم بن قادم بن زيد بن عريب بن جشم بن حاشد الأكبر، كان القاضي المذكور عالماً جليلاً فاضلاً نبيلاً، له سؤالات إلى الإمام عز الدين بن الحسن - عليهما السلام - أجاب عنها الإمام، وتولى القضاء للإمام شرف الدين، وكان من أعيان الوقت وفضلائهم، وله خلاف ذكره صاحب شرح (الفتح) في مواضع، منها في باب المأذون في قوله: ويستويان في ثمنه، ومنها مسألة من ملَّك غيره الطلاق لم يصح منه التطليق بعد، ودار بينه وبين الإمام شرف الدين مراجعة كثيرة فيمن شرى لنفسه ما عينه له الموكل، وهي مسألة مشهورة تراجعا مراجعة كثيرة، وفيها دلالة على فضله - رحمه الله تعالى - قبره - رحمه الله - بـ(ثلا) عند مدرسة الإمام جنب المسجد من جهة الغرب، وعنده من العلماء اللوزي، والصعدي، والقاضي عبد الهادي الحسوسة(2) - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): المعبود.
(2) سقط من (ب): الحسوسة.
أبو عبد الله اليمني(1)
أبو عبد الله اليمني المناصر، البطل المشهور، فارس الإسلام، المعروف بفارس يحيى بن الحسين - عليه السلام - كان من أعيان أصحاب الهادي - عليه السلام - وهو الذي روي عنه أنه قال: شهدت مع يحيى بن الحسين ثلاثاً وسبعين وقعة مع القرامطة، وكان يحارب بنفسه، قال: وإذا قاتل، قاتل على فرس يقال له أبو الحماحم، ما كان يطيقه غيره من الدواب؛ لا لسمن كان له، بل كان وسطاً من الرجال، لكنه كان قوياً شديداً، وكان يعرف بالشديد ، قال: ورأيته - عليه السلام - يشال برمحه رجلاً كان طعنه به عن فرسه ورفعه، فانثنى قضيب الرمح وانكسر، وهو الذي روى - رحمه الله - أنه كان يسمع الهادي إلى الحق يقول: أين الراغب؟ وأين من يطلب العلم؟ إنما يحبنا(2) مجاهد راغب في فضله فيحرما(3) عند الله لأهله، ولعمري إنه - أي الجهاد - لأكبر فروض الله على عبده، وأحق ما كان من تقدمة يده، ولكن لو كان مع ذلك رغبة في العلم، وبحث عنه، لصادفوا من يحيى بن الحسين علماً جماً. انتهت روايته.
عبيد الله بن جعد البارقي
العلامة المجاهد عبيد الله بن جعد البارقي، أحد أعيان الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي في عددهم.
عثمان بن عائشة
العلامة(4) المجاهد عثمان بن عائشة، أحد المجاهدين السابقين مع الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام - ذكره /72/ البغدادي - أيضاً -.
عثمان بن محمد
العلامة الفقيه، السابق المجاهد، عثمان بن محمد، كان أحد الزيدية السابقين أيام الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وهو من قرابة يحيى بن حشيم(5). قال السيد يحيى بن القاسم - عادت بركاته ـ: إنهم أحد من حضر الدعوة، ومنهم من تولى القضاء.
__________
(1) هذه الترجمة غير موجودة في (ب) كاملة.
(2) في (أ): يجينا.
(3) في (أ): متحرياً.
(4) في (ب) زيادة: من اسمه عثمان وعزان وعز الدين.
(5) في (أ): حشم.
عزّان بن سعد الحبيشي
الرئيس الكبير، المقدام الخطير، عزّان بن سعد الحبيشي، ثم المذحجي - رحمه الله - قال العلامة علي بن نشوان(1): هو رجل رئيس عظيم الشأن، كبير المكان، مقدم في قومه، معظم في عشيرته، له حسب وكرم ودين، وتقى وشجاعة وحلم ووفاء، وله حدس ونظر، وتنحل في أمور الأديان، وكان أبوه على رأي الجبرية، فلم يزل ينظر ويبحث عن(2) الحجج والبراهين، ويتحلل أقوال العلماء في الدين، حتى آل به نظره إلى الخروج إلى مذهب الزيدية، وقوي عنده قولهم، وتقرر مذهبهم.
__________
(1) في (ب): نوان.
(2) في (أ): على.
قلت: وحكى نظام الدين علي بن نشوان - أيضاً - أنه وفد على الإمام المنصور بالله إلى (براقش)، وكان عزان عازماً على الحج تلك السنة، فتقدم إلى (بيحان)، ثم إلى (مأرب)، ثم إلى (الجوف)، فلما عرف موضع الإمام من الفضل، وعلم به في (الجوف)، تقدم وفد إليه وبايعه، وترك الحج، وقال: تعينت فريضة الجهاد. وكانت قد سبقت له مع العجم حروب، ومصافة، ومغازات، ومواقف مشهورة، وأبلى في قتالهم بلاءً حسناً، وقتلهم وطردهم ببني عمه من بلاد (مذحج)، ولم يبق للغز(1) عليهم سبيل ولا إمرة وكانت لعزان بن سعد هيبة عند العجم عظيمة؛ لما قد علموا من فتكاته وشدة صولته، وكانت له صنعة كاملة بالرمي بالسهام، لم تكن لعجمي ولا لعربي ما كان له في ذلك، خرج يوماً بعد طلوع الفجر، إلى ماء قريب موضعه(2) ليتوضأ لصلاة الفجر فدهمه غزاة من الغز أهل خيل جياد، وسيوف حداد، ونبل وعدة الحرب الكاملة، فرآهم وهو في حال الوضوء، فما راعته غارتهم، ولا قطع وضوءه، حتى وصله أولهم، فالتفت حينئذ(3) إلى قتالهم وحده، فخرج منهم، فانفكوا عنه صاغرين فصلى صلاة الفجر، ثم وقف يدعو الله سبحانه وتعالى، وعاد الغز، فحاربوا أصحابه وهو ممسك ينظر ما يفعلون، فاشتدت صولة العجم على أصحابه فأتوه هاربين، فلما رأى ذلك نهض في وجوههم، ورماهم رماة من أصحابه باسهم، فقتلوا خمسة من الغز، فلما رأوا ما صنع هربوا، ولم يلتفتوا بعد للقتال. ومما يحكى عنه أن إسماعيل بن طغتكين الأيوبي وسوس وادعى لنفسه أنه أموي النسب، وتسمى بأمير المؤمنين، وتلقب بإمام الأمة المستخرج من السلالة الطاهرة والمعز والناصر والعزيز والقاهر وغير هذه الألقاب، ثم بعد ذلك وجه عسكراً إلى بلاد (مذحج) فلقيهم عزان بن سعد في رجال قومه أربعة آلاف راجل ومائة فارس، وتقدم إلى جند إسماعيل بالتهليل والتكبير، فقتلهم عزان، وفرقهم،
__________
(1) الغُزُّ: جنس من الترك. القاموس المحيط 481.
(2) في (ب): من موضعه.
(3) في (ب): حي.
وانجلى آخرهم(1)، واقتلع منهم مائة وعشرين فرساً، ومن الإبل خمسمائة، ومن البغال ثمانين، ومائة خيمة، ومن الآلات والدروع والذهب والفضة ما لا يحصر، وفي ذلك يقول الإمام المنصور بالله - عليه السلام - قصيدته التي أولها(2):
كما(3) جاءنا عنكم تكون الوقائعُ ... ويطمع في العلياء من هو طامعُ
وبالكر دون الفر يلتمس الغنا ... ويزداد طولاً بالنداء الصوامعُ
أتاني ورحلي في (براقش) وقعة ... يشيب لها في الظالمين الرواضعُ
/73/ لمذحج حيا الله أحياء مذحج ... سقت أرضَها وطفُ الغمامِ الهوامعُ
بأيدي رجال ناصحوا لإمامهم ... ونالوا منال الخير والخير واسعُ
إلى آخر القصيدة.
عز الدين بن المهدي بن أحمد(4)
لسيد عز الدين بن المهدي بن أحمد، كان فاضلاً عالماً عاملاً، تولى القضاء ببلاد (ظليمة) للإمام شرف الدين، ونقل بـ(حبور) في ( )، وقبره شرقي جامع حبور.
عز الدين بن الحسن بن عز الدين بن الحسن
السيد الهمام الكامل، عز الدين بن أمير المؤمنين الناصر لدين الله الحسن بن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - رأيت له ترجمة في آخر ما وضعه صاحب (السلوك) متمماً للسيد صلاح بن الجلال، والإمام عز الدين في السحير والأنساب(5)، ولعله لغير صاحب (السلوك)، فقال: هو من أفاضل الآل، وممن اشتهر بالفضل والكمال، واستخلفه والده - رحمه الله - في الجهات اليمنية، وكانت إقامته بـ(كحلان تاج الدين)، واستولى على كثير من تلك الجهة، وافتتح (مدعاً)، وستة(6) من الحصون، وغيرها من المعاقل، وتمكنت بسطته، واشتهر بالشجاعة والكرم، وحسن السياسة.
__________
(1) زيادة في (ب): هرباً.
(2) في (أ): أولها وهو المقبور بملاح من عرش.
(3) في (أ): لقد جاءنا.
(4) في (ب): هذه الترجمة سقطت من (ب).
(5) سقط من (ب): السحير والأنساب.
(6) في (ب): وغيرها.
عز الدين بن دريب بن مطهر
السيد العالم، النسابة الفاضل، الحريُّ بأن يسمى بهاء الدين، عز الدين بن دريب بن المطهر بن دريب بن عيسى بن دريب بن أحمد بن محمد بن مهنا بن سرور بن وهاس بن سلطان بن منيف بن يحيى بن إدريس بن يحيى بن علي بن بركات بن فليتة بن زين العابدين بن يوسف بن نعمة بن علي بن داود المحمود بن سليمان الشيخ الكريم بن عبد الله البر الملقب بالشيخ الصالح بن موسى الجون بن عبد الله الكامل شيبة الحمد بن الحسن المحصن بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - كان سيداً سرياً، فاضلاً عارفاً(1) صبياً، وكان مسعوداً ميموناً، رحل إلى (صعدة)، فقرأ بها، وتم له فضل، وعرف بالعلم، ثم لازم السيد الإمام أحمد بن محمد بن لقمان - رحمه الله - واختص به كلية الاختصاص، وانتفع به، وذلك سبب سكون السيد عز الدين في (الطويلة)، فإنه سكنها، وولي أمورها وتمول، وكان هو المرجع لأهل الإقليم في القضاء والفتيا، وفيما يعوز من أمور السياسة والولاية، يجتمعون عنده لكل مهم، وهو فيهم نافذ الكلمة رحب الفناء، وله أموال هناك، ودور، ومقام عظيم، وابتنى (بالطويلة) جامعاً عظيماً ووقف عليه أوقافاً، وكان من أسعد الناس باعتبارات كثيرة من ذلك خزانة الكتب، فإنه اجتمع عنده مالا يجتمع عند نظرائه، أكثرها بخطوط المصنفين، من كتب المخالفين والموالفين، وله معرفة بأنساب أهل البيت، وسماع في الحديث، وقرأت عليه بعض (صحيح البخاري) بـ(صنعاء) - حرسها الله - وله كتاب في الأصول يجري مجرى الشرح (ثلاثين مسألة)، ويتعرض فيه لفوائد كثيرة، وله على الأنساب اطلاع، ولما توجهت العساكر المتوكلية إلى (حضرموت). صحبة سيف الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين - عليهم السلام - كان هذا الشريف أحد الأعضاد، ونزل إلى هنالك، وعاد مسعوداً، ثم نقله الله إلى جواره في (...)
__________
(1) زيادة في (ب): بالفقه، مشرفاً على غيره، ممتلئاً من الوقار والحشمة، وهو - رحمه الله - من بلد (الحمالة).
ودفن بقرب الجامع الذي بناه في (الطويلة).
عز الدين المفتي
السيد المفتي العارف، عز الدين بن محمد بن عز الدين بن صلاح بن /74/ الحسن بن الحسن بن الإمام عز الدين المؤيدي(1) عالم، وابن عالم، وأبو عالم، والده مؤلف الحاشية على (الكافية)، وولده خاتمة المحققين محمد بن عز الدين صاحب (البدر الساري). كان السيد المذكور فقيهاً محققاً ينوب للقضاء عن ولاة الأروام، وتارة- وهو الغالب - ينوب في الفتيا، وكانت بينه وبين أهل عصره الفضلاء ملاحات وتخاصم، وفاته (.........)، ومن المشهور أن أهل هذا البيت، يكون (2) الأب الأعلى على صفة في التحقيق في العلم، فيكون ولده أقل منه، أو يكون الوالد متوسط الحال، فيكون ولده أكثر تحقيقاً منه، والله أعلم.
وأما عز الدين بن محمد(3) حفيد هذا، فهو في التحقيق أجل من هذا؛ لأنه وإن كان مقدار العلم والتفاوت فيه غير محقق عندي، لكن الأصغر كان متقناً ذكياً، وختم له بالصالحات، وراجع أمره مراجعة الفضلاء، وفارق الدنيا على حال جميل، ومن شعره، وله أشعار كثيرة يذم (ذهبان المخترف) بصنعاء:
(ذهبان) أخبث مكسب كسب الفتى ... لله در رياضها والوادي
بلد بها حل السقام مع الضنا ... فكأنما كانا على ميعادِ
بلد بها نكد(4) المعاش أما ترى ... سخط الإله لأهل ذاك النادي
فعليه مني كل يوم لعنة ... ما غرد القمري وزمزم حادي
وله أشعار أخرى حسنة، وكان يملي الحديث وقت الأصيل بجامع صنعاء، ويحسن الإملاء، ويجيده بإعراب فائق وحروف بينة، توفي في (.......) - رحمه الله -.
عصير بن سلمة بن ثابت الليثي(5)
عصير بن سلمة بن ثابت الليثي. من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام -. ذكره البغدادي - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): المؤيد.
(2) سقط من (أ): يكون.
(3) زيادة في (ب): بن عز الدين.
(4) في (ب): نكب.
(5) هذه الترجمة ليست في (ب).
عطية بن محمد النجراني[603هـ - 665 ه ]
الفقيه الإمام، المفسر العارف، إمام المفرعين، ورئيس المذاكرين، عطية بن محمد النجراني بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الربيع(1) بن عبيد الله بن عبد الله بن يزيد بن الأسد بن الحارث الأصغر بن مالك ملاعب الأسنة بن ربيعة بن كعب بن الحارث الأكبر بن كعب بن عمرو بن علية(2) بن خالد بن مذحج، هكذا نسبه، وقد وهم بعض الناس أن نسبه يلتصق بآل الدواري، وليس كذلك، لكن نسبهم يلتقي في الحارث الأصغر، وليس آل النجراني من بني عبد المدان كما وُهم، وهم والقضاة آل الدواري من بني عبد المدان نسبهم شريف، وحسبهم منيف، وقد وَهِم في نسبهم بعض شراح (رياض الأبصار) في ذكر الأئمة الأقمار، والعلماء الأبرار، ويشارك آل الدواري في نسبهم أهل أبي الحسين القضاة بـ(خبان) وبـ(أضرعه) من بلاد (عنس)، و(بنو النقر)، وبنو كحيل بـ(ذمار)، و(بنو عز الدين)، ومنهم بنو السمان في (سودة شظب).
__________
(1) في (ب): بن علي بن الربيع.
(2) في (ب): علة.
نعم، كان الشيخ عطية من العلماء الكبار، ومن الأحبار الخيار، علامة متضلع، بحاث مطلع، له في الفقه مقالات مشهورة ولأهل بيته عدة كتب مصنفة في الإسلام نافعة - جزاهم الله خيراً - وللشيخ عطية (البيان في التفسير)، رأيته كتاباً جليلاً، واسعاً مبسوطاً، وهو في الطبقة الأولى شهير بالديار الصعدية، ينسبون إليه الفوائد، ويفزعون إليه عند الحاجة، وتوفي - رحمه الله - بـ(صعدة)، وقبره إلى الجانب الغربي القبلي منها شهير - رحمه الله تعالى - /75/ ورحل الشيخ محي الدين(1) إلى (حراز) عن أمر الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام - وتلقف الإسناد من أهله هنالك، وله المسائل المشهورة(2) وعددها (.....)، ثم إنه يقال إنه حصل بينه وبين الإمام وحشة، ولما دخلت جيوش الإمام (صعدة)، ادعى القاضي أنه هضم في ذلك، وراسل الإمام، وأجابه(3)، توفي بعد العشاء الأخيرة من ليلة الأحد لتسع خلون من جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة(4)، والله أعلم. وكان مولده - رحمه الله - بعد وفاة والده محي الدين - رحمه الله - بستة أشهر - رحمهما الله جميعاً -.
__________
(1) انظر فإنه… في ترجمة ذلك أنه عرف كل منهما محيي الدين.
(2) في (ب): إلى الإمام.
(3) في (ب): وأجابه وله (……)
(4) في (ب): ومولده في أول سنة ثلاث وستمائة.
عطية بن محمد بن حمزة بن أبي النجم
القاضي العلامة، ركن الدين، أبو الشهيد عطية بن محمد بن حمزة بن أبي النجم - رحمه الله - هو أحد أعلام العلماء وأكابرهم، كان فاضلاً محققاً، سابقاً إلى الخير مرجوعاً إليه، كما دانت السعادة له ولأهل بيته الكريم، وتولى القضاء بحلي بن يعقوب للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - وتحت(1) نظر السيد يحيى بن علي السليماني - رحمه الله - ووصل القاضي بأموال كبيرة للإمام من واجبات(2)، وولده الذي كني به هو أحد أعلام العلماء الحاضرين بيعةَ الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وكان للقاضي عطية ولد لعله قد ذكر في بابه، وهو عبد الله بن عطية، كان بمنزلة من العلم رفيعة، وله شعر منه القصيدة التي طالعها:
أمعلمها(3) على اسم الله حرفاً ... من الإسناد في طول المرامي
وتعزية أهل (قطابر) الغراء في القاضي عطية - رحمه الله - مشهورة، وأجاب فيها العلامة عبد الله بن محمد بن أبي النجم - رحمه الله تعالى -.
العفيف بن الحسن المذحجي الصراري
العلامة المحقق المحدث، العفيف بن الحسن المذحجي الصراري، صاحب (المختصر الجامع لمذاهب زيدية كوفان)، كان بـ(مكة)، وكان عالماً نبيلاً، وله عقب علماء.
__________
(1) سقط من (ب): عليه السلام، وتحت.
(2) في (ب): واجبات ذلك الجناب و …… أحد أعلام.
(3) في (ب): أمعملها.
عفيف بن منصور
السيد الكبير الإمام الفاضل الشهير العفيف بن منصور - رحمه الله - قال السيد شمس الدين: كان سيداً فاضلاً، زاهداً عابداً ورعاً، اشتهر بالعبادة والورع والزهادة، وبلغ في الورع مبلغاً لم يبلغه أحد، وذلك أنه كان يحاسب نفسه كل يوم في آخر نهاره، وكان من طريقته أن يكتب جميع ما يقع منه، وتصرف فيه، وكان عظيم الخوف من الله، يتوقع الموت في كل وقت، وكان له مروءة فائضة، ومكانة في القلوب، تُلتمس بركته في(1) الأقطار النازحة، وهو سبب(2) من انتقل من الأهل إلى (شظب) من(3) (وقش)، وكانت له كرامات واضحة كما يقال، يستسقى به القطر، وشوهد ذلك منه مراراً لا يقوم من مقامه حتى يمنح الله عباده ما سأله من المطر (المغيث، وسالت الأودية والشعاب)(4)، توفي بـ(شظب)، وقبره بالموضع المسمى بسهل (البون) بالقرب من قبر أخيه يحيى بن منصور - رحمهما الله -.
عقيل بن محمد
العلامة الفقيه، عقيل بن محمد، أحد مشيخة السيد يحيى صاحب (الياقوتة) و(الجوهرة)، كان عالماً فاضلاً - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): من.
(2) في (ب) زيادة: انتقال.
(3) من فراغ في (ب).
(4) مابين القوسين فراغ في (ب).
أبو علي بن الآموج الجيلي
العلامة واسطة الإسناد، حجة المذاهب، مفخر العراقيين، علي، ويقال: أبو علي بن آموج - بوزن فاعول بعد الهمزة ألف - الجيلي، المنالفحي، هو الشيخ المسند الكبير، ملحق الأصاغر بالأكابر، درة تقصار(1) الإسناد العجيب، وعمود سببه المتصل الغريب، أستاذه القاضي زيد، ومن تلامذته ابن أبي الفوارس توران شاة بن خسروشاه، وذكر العلامة المذاكر محمد بن سليمان بن أبي الرجال - رحمه الله - أن ابن أصفهان - رحمه الله - قرأ على أبي علي بن آموج /76/ المعروف بصاحب (التعليق) بكبلاته، وابن آموج قرأ على القاضي زيد الكلاري - رحمه الله - بـ(لنجا)، قال يوسف حاجي في تراجمه، دفن ابن آموج في تربة (مالفحات)(2) بجوار مشهد العالم الزاهد إسماعيل، وكان معاصراً للسيد أبي طالب الأخير الهاروني، وله حاشية على (الإبانة) وتعليق الفقه، انتهى.
علي بن إبراهيم الشرفي [903هـ - 1006 ه ]
السيد العلامة الفاضل، علي بن إبراهيم بن علي المعروف بالعالم الشرفي - رحمه الله تعالى - هو أحد السادة المعروفين بالفضل، الموسومين بالخير، وكان السيد العالم، والسيد العابد الآتي ذكره، فرسي رهان في الفضائل، وذكرهما ملأ الآفاق، وكان السيد العابد قد رأى في النوم أنه نزل بالمسلمين خَطْب عينه في الرؤيا لم يحضرني ما هو، فهرب الناس، ونجا هو بنفسه معهم، وأما السيد العالم، فاشتغل بإطلاع الناس من مواضع الهلكة إلى النجاة، فعرض الرؤيا عليه، فقال: الأمر كذلك، أنت مشغول بنفسك، وأنا مشغول بالمسلمين.
__________
(1) تِقْصَار: قِلادَة. القاموس المحيط 431.
(2) في (ب): مالفحان.
والعالم أحد شيوخ الإمام القاسم - عليه السلام - وقد كتب السيد العلامة شمس الدين، قرة عين الأفضلين، أحمد بن الحسين بن إبراهيم بن علي العالم حفظه الله، ترجمةً لجده هذا فاصلة(1) وهي ما لفظه: ذكر طرف من أحوال السيد العلامة جمال الدين علي بن إبراهيم بن علي العالم الشرفي القاسمي، أما نسبه الشريف، فهو علي بن إبراهيم بن علي بن المهدي بن صلاح بن علي بن أحمد بن الإمام محمد بن جعفر - ومحمد بن جعفر هذا هو المقبور في (جبل حرام) من (الشرف) مشهور ومزور عليه قبة عظيمة - بن الحسين بن فليتة بن علي بن الحسين بن أبي البركات بن الحسين بن أبي البركات بن الحسين بن يحيى بن علي بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - سلام الله عليه(2) ورضوانه - مولده - عليه السلام - في يوم الخميس ثالث عشر شهر صفر سنة ثلاثين وتسعمائة سنة، ونشأ ببلده بهجرة (الجاهلي) من (الشاهل)، ورباه عمه السيد العلامة الأفضل صلاح الدين صلاح بن علي بن المهدي، وكان هذا السيد صلاح بن علي من أعيان أعوان الإمام المتوكل على الله شرف الدين بن شمس الدين - عليهم السلام - وتولى القضاء بجهات (الشرف) والأوقاف للإمام - عليه السلام - ثم ارتحل السيد علي بن إبراهيم المذكور إلى (صنعاء) لطلب العلم، وأقام مدة حتى فتح الله عليه بمعرفة تامة في قواعد فقه أهل البيت - عليهم السلام - ثم رجع إلى بلده، وقد كادت تضعف دولة الإمام شرف الدين - عليه السلام - فحصّل على كثير من علماء (صعدة) ما أوجب الهجرة من أوطانهم من تغلب أهل الجور، فوفد إلى السيد علي بن إبراهيم جماعة من أعيان أهل التقوى والعلم من بعض أهل (علاف) وبعض بني عقبة، فأفادوا السيد المذكور علماً إلى علمه، وكان - أعاد الله من بركته - مورداً للطالبين، وكعبة للمسترشدين، وشحاكاً للملحدين، وأباً براً(3)
__________
(1) في (ب): حاصلة.
(2) في (ب): عليهم.
(3) في (ب): باراً.
للضعفاء والمساكين، وتخرج على يديه جماعة من أهل الفضل والعلم والعمل، منهم السيد العلامة الهادي بن الحسن من (هجرة بني أسد)، ومنهم السيد رأس العبَّاد، وعين الزهاد، وخاتمة أهل التقوى واليقين، شمس بن صلاح بن يونس، صاحب (هجرة أسلم ناشر)، من أولاد الإمام المتوكل على الله المظلل بالغمام المطهر بن يحيى - أعاد الله من بركاته -. ومنهم السيد العلامة أحمد بن الحسين بن علي، صاحب هجرة (الخواقعة) (1) من جبل (الشاهل)، تولى القضاء للإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - أعاد الله من بركاته - وغيرهم من الفقهاء من أهل هجرة(2) (الشرف) وغيرها، ودرس في (شرح ابن مفتاح) على (الأزهار) /77/ و(التذكرة) و(البيان) مدة مديدة، ولما مات السيد الأجل المجاهد المطهر بن الإمام شرف الدين - رحمه الله - ظهر بجهة (الشرف) من أنواع المنكرات ما لا يقدر قدره، وذلك سنة ثمانين وتسعمائة، فوصل قبائل تلك الجهات إلى السيدين، العالم المذكور - أعاد الله من بركاته - والسيد العابد العالم علي بن إبراهيم - رحمه الله - يستغيثون بهما في دفع ما حصل من الظلم والجور، فلم يجدا عذراً عند الله في الترك، ومن أعظم الأسباب في قيامهما أن مرجان شاوش متولي تلك الجهة من أعمال غوث الدين بن المطهر بن الإمام(3) شرف الدين - رحمه الله - تظاهر بفعل المنكرات، وعسف وأفرط في ظلمه، فاجتمع من قبائل (الشرف) إلى السيدين، قدر خمسمائة مقاتل، فقصد إلى (المحابشة) بمن اجتمع إليها(4) إلى موضع يقال له (جبل الفايش)، وطلع مقدماتهم إلى حصن (القاهرة) من (المحابشة)، فلقيهم مرجان شاوش بمحطة من الجند، فناوشهم القتال، فقتل من القبائل خمسة رجال، ثم انهزم القبائل، ولم يثبت منهم أحد، وغدر أهل (المحابشة) بما قد تعاهدوا عليه من القيام بالأمر بالمعروف، ومعاونة السيدين، ثم قصد مرجان
__________
(1) في (أ): الجوامع.
(2) في (ب): هجرة.
(3) سقط من (ب): الإمام.
(4) في (ب): إليهما.
المذكور قبيلة (الأمرور)، فقتل منهم عشرين رجلاً، فهاجر السيد العلامة علي بن إبراهيم العابد - رحمه الله - إلى (عفار) للقراءة والإقراء، وأما السيد علي بن إبراهيم العالم - رحمه الله - فلم يزل يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدرس العلوم بهجرته، ثم هاجر بأهله وأولاده إلى حجور (الإسلوم)(1)، ووصل إلى السيد غوث الدين بن المطهر إلى قفل (مدوم)، فوضع له موضوعاً في الاستمرار على حالته من التدريس واحترام جانبه، ومن يلوذ به، حتى دعا الإمام الناصر لدين الله الحسن بن علي بن داود - عليهم السلام - فقام بها في تلك الجهة الشرقية، ولما أُسِرَ الإمام الحسن - عادت بركته - أخذ السيد علي بن إبراهيم - رحمه الله - في معاونة الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد على القيام بالإمامة، وجمع له من أموال فضلات الوقف(2) والزكوات ونذوراً كثيرة، وحشد له من بلده أهل السلاح قدر ستين رجلاً، وكان الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - أعاد الله من بركته - ممن أخذ عنه العلم، قرأ عليه (الأزهار)، وعاونه على طلب العلم من صغره، وكان كثير تلاوة القرآن والعبادة، وله كرامات مشهورة في حياته وبعد وفاته، مات - رحمه الله - في شهر ربيع الآخر سنة ست بعد الألف بعد ظهور دعوة الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، - أعاد الله من بركاته - واستجاب الله دعاءه ألاَّ يميته إلا بعد ظهور قائم أهل البيت - عليهم السلام - وقبر بـ(هجرة الجاهلي)، وعليه مشهد مزور، وخلّف(3) ولدين، السيد العلامة الأوحد بدر الدين محمد بن علي بن إبراهيم، وكان عالماً نبيلاً مدرساً للفقه والفرائض، وهو شيخ علامة الآل إمام العلوم الحسين بن المنصور بالله القاسم بن محمد في فن الفرائض، وتولى القضاء للإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الجهات الشرقية، فأرسله(4) - عليه السلام - إلى
__________
(1) غير موجود في (ع).
(2) في (ب): الأوقاف.
(3) سقط من (ب): خلف.
(4) في (ب): وأرسله.
عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن المطهر في الصلح الأول، وتم على يديه، واستمر على حاله من الاشتغال بأمور المسلمين وتدريس العلم، إلى أن اختار الله له ما عنده من الانتقال إلى دار القرار سنة اثنتين وثلاثين وألف سنة تقريباً، وعقبه في هجرة (الجاهلي) من (الشاهل)، وقت رقم هذه سنة إحدى وثمانين حول ثلاثين رجلاً منهم العلماء العاملين كالسيد العلامة الفقيه المدرس شمس الدين أحمد بن صلاح بن محمد بن علي بن إبراهيم، أخذ العلم عن حافظ علوم الآل الطاهرين علامة اليمن السيد الإمام محمد بن عز الدين /78/ المفتي - رحمه الله - بمدينة (صنعاء)، ثم رجع إلى بلدة (الهجر) بعد أن أقام بصنعاء سبع سنين، فأخذ عنه جماعة من الطلبة علم الفقه بتحقيق قواعده، واستمر على ذلك إلى وقتنا هذا، وولي القضاء بجهة (الشرف الأسفل)، مع مكارم أخلاق، وإكرام للوافد - أطال الله في طاعته عمره - والولد الآخر من ولدي السيد علي بن إبراهيم - رحمه الله - هو السيد صارم الدين إبراهيم بن علي بن إبراهيم - رحمه الله - مات مهاجراً بمدينة (حوث) سنة اثنتي عشرة وألف سنة، وله العقب الأطيب الأكثر(1)، خلف ستة أولاد، منهم السيد العلامة شرف الدين بن إبراهيم، وهو أكبر أولاده، وكان من أعيان أهل البيت علماً، وعملاً، وسعة صدر، وعبادة، وتولى القضاء للإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم - أعاد الله من بركاته - بعد وفاة عمه محمد بن علي، واستمر عليه إلى أن مات سنة أربع وتسعين وألف وعمره ست وثمانون سنة، وخلف أربعة عشر ولداً، ومنهم السيد العلامة المحقق في الأصول والفروع ضياء الدين شمس الدين بن إبراهيم بن علي العالم، كان من العبَّاد الجامعين بين فضيلتي العلم والجهاد، ولم يتولَ شيئاً من الأعمال إلى أن اختار الله له الانتقال إلى دار القرار سنة أربع وخمسين عاماً، وعمره أربع وستون سنة، وللسيد إبراهيم أربعة أولاد غير هذين، وهم السيد محمد بن إبراهيم،
__________
(1) في (ب): الأكبر.
والسيد العابد شمس الدين أحمد بن إبراهيم، والسيد صلاح بن إبراهيم، والسيد الحسين بن إبراهيم، وكل منهم خلف جماعة من الأولاد عدة ذكورهم في تاريخ رقم هذه الأحرف خمسة وسبعون ما بين كهل وشاب وصغير، ولم يُخلِّ الله سبحانه أولادهم من التمسك بالعلم، وسلوك طريق سلفهم الطاهرين - رحمهم الله تعالى - كتبه ولد ولده الفقير إلى الله أحمد بن الحسين بن إبراهيم بن العالم، لطف الله به، انتهى.
علي بن إبراهيم العابد [ - 983 ه ]ت
السيد العلامة الزاهد، بقية الأبدال، علي بن إبراهيم العابد - قدس الله روحه - هو صاحب الكرامات والمقامات السامية في العبادة والزهد، كانت له عجائب، ومن عجائبه أنه كان يتسوق الأسواق لا لحاجة دنيوية، بل ليصلي في كل مسجد على الطريق، وليدعو في السوق بالمأثور، وهو ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير))،
وهذا مشهور من حاله، وله كرامات، منها قضية الأسد المذكورة، روي أنه عام حجه انقطع عن القافلة، فلقيه أسد يتنصنص(1) له بلسانه، ويعسل بذنبه، كالشاكي عليه، ويتألى أن دموعه سائلة، فسار معه والأسد يتقدمه، فإذا أبطأ السيد - رحمه الله - انتظره الأسد حتى بلغ(2) إلى الأجمة، وإذا هنالك لبوة في يدها شظية قد شاكتها، وورمت يدها، فوثب الأسد على ظهر اللبوة ليحفظها حتى يتمكن السيد من إخراج الشظية، وأخذ السيد شفرة حادة مرهفة كانت معه، وشق يدها، واستخرج الصديد، ثم استخرج الشظية، وعزم، وصحبه الأسد حتى ألحقه(3) بالقافلة. وقد ترجم له السيد العلامة شمس الدين أحمد بن الحسين بن إبراهيم الشرفي حفظه الله، طلبت منه كتابة ذلك، فكتب ما لفظه: هو السيد العلامة العابد السجاد، بقية الأبدال، ورأس الزهاد، جمال الدين علي بن إبراهيم - الملقب العابد لفظاً ومعنى - بن علي بن محمد بن صلاح بن أحمد بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الأمير داود المترجم بن يحيى بن /79/ عبد الله بن القاسم بن سليمان بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن القاسم الحرازي بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم جميعاً الصلاة والسلام- (4)، غلب عليه اسم(5) العابد؛ لكثرة عبادته، واعتزاله الناس، وتلاوة القرآن بتأدية لم يسمع في وقته أحسن
__________
(1) في (ب): يبصبص.
(2) في (ب): بلغ به.
(3) في (ب): لحق.
(4) في (ب): أفضل الصلوات والتسليم.
(5) في (أ): غلب عليه العابد.
منه بترتيل وتأمل للمعاني، وكان من أعيان العلماء، له في كل فن مشاركة حسنة، وارتحل لطلب العلم إلى الجهات النائية، أخذ القرآن على بعض علماء (بيت الفقيه) بن عجيل بتهامة، وأقام فيه مدة لقراءة القراءات السبع والعربية، وشارك السيد العلامة علي بن إبراهيم العالم في كل فضيلة، أقاما بـ(صنعاء) لقراءة الفقه، الاشتغال بأنواع الطاعات، واستفاد عليه خلق، وكانت له هيبة أهل التقوى، وجلالة في القلوب، واستمر في آخر عمره على التدريس بهجرة (كحلان تاج الدين)، وكان يحيي الليل عبادة، وتلاوة للقرآن، ومات - أعاد الله من بركته - ببلاد (عفَّار(1)) في (صيرة) بألم الطاعون في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وأوصى(2) أن يقبر بجوار القاضي العلامة عبد الله بن زيد العنسي - رحمه الله - عند بركة(3) رحبة يماني (كحلان)، فحاول أهل كحلان إنفاذ وصيته، فتحزب بنو موهب وقبائل (عفار) ومنعوهم من ذلك، وقبر بـ(عرفه عفار) بعد أن كادت الفتنة تثور بين القبائل لولا حضور الوالي، وهو السيد عبد الله بن علي بن الإمام المطهر بن محمد الحبري، وبقي في (عفار) إلى ثاني عشر في شهر شوال سنة ثلاث وثلاثين وألف سنة، ونقله ولد ولده (4) ليلاً إلى (الهجرة القولعة)، وعمرت عليه بها قبة عظيمة، وعمر حفيده المذكور عندها جامعاً(5) كبيراً، وصارت من أحسن هجر (الشرف)، ولم تزل مأهولة مقصودة لقراءة القرآن والعلم إلى وقتنا هذا، وخلَّف ولدين، السيد الحسين بن علي، والسيد الحسن بن علي، والحسين بن علي، أعقب خمسة أولاد، وأما الحسن فلم يعقب إلا ولداً
__________
(1) عَفَّار: جبل ومركز إداري، يقع في نواحي مدينة حجة الشرقية، بالقرب من حصن ((كحلان تاج الدين)). معجم المقحفي 1086.
(2) في (أ): وأوصى إلى أن.
(3) في (ب): بريكة.
(4) في (ب): ونقله ولد ولده السيد علي بن الحسين بن علي العابد - رحمه الله - وجماعة من قبائل الكاهل من الشرف ليلاً إلى هجرة القولعة.
(5) في (أ): جامعاً.
اسمه عبد الله بن الحسن بن علي وانتقل من بلده إلى (ضوران) للملازمة عند مولانا سيف الإسلام الحسن بن علي بن أمير المؤمنين - سلام الله عليه - ومات ولم يعقب أحداً، والله أعلم.
علي بن إبراهيم بن عبد الله
السيد العالم المجاهد السابق المعمر علي بن إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن صلاح بن المهدي بن الهادي بن علي بن محمد بن الحسن بن يحيى بن علي بن الحسن بن عبيد الله بن إسماعيل بن عيسى بن عبد الله بن عيسى بن إسماعيل بن عبد(1) الله بن الإمام القاسم الرسي - عليهم السلام - المشهور بالحيداني، وكان سيداً هماماً ذا عزيمة خارقة، ونية صادقة، وكانت له في الجهاد وقعات، هو المجلي فيها، وكانت(2) أيام دعوة الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهما السلام - أحد أعيان السادة الذين يشار إليهم بالفضل والعلم، فوصل إلى جبل قمر(3) راكباً على فرس، وعليه قميص أبيض، ولم يحضر أحد من السادة بهذه الصفة غيره، فلم يرضَ الإمام بالعقد حتى عرض على السيد فامتنع، وظني أن عرض هذا من الإمام لتدبير محكم، وهو تأكيد بالحجة عليه؛ لأنه كان لا يلين لعارك، وله كلمة نافذة بـ(خولان)، وإلا فجملة معلوماته الفقه، كان مبرزاً محققاً، يعارض بأنظاره المذاكرين، وأصول الدين على قواعد أهله الكرام، والفرائض، ولم يكن له في علوم الاجتهاد قدم، ولم يزل السيد بعد عقد البيعة مناصراً، وحيناً يلازم الحضرة، وكان بينه وبين السيد العلامة علي بن صلاح العبالي محبة كلية، وكانت بينهما وبين إمامهما مراجعات كثيرة لا يزالون(4) يوردان عليه، ولا يلتقيان ما عليه إلا بعد /80/ أن يوردا عليه ما أمكنهما، وقراءته على القاضي المذكور(5) المحتسب علي بن قاسم السنحاني - رحمه الله - شيخ الزيدية في وقته، وحكى عن القاضي المذكور عجائب ومناقب وذكر أنه لبث
__________
(1) في (ب): محمد.
(2) في (ب): وكان.
(3) قمر) فراغ في (ب).
(4) في (ب): لا يزالان يوردان.
(5) سقط من (ب).
نحو أربعة أشهر لا يأكل إلا لقاطة البقل عند مواضع الماء الذي يغسل فيها البقل، ثُمَّ إنه طلب من الإمام القاسم بن محمد (بن علي)(1) - عليه السلام - قراءة (البحر)، أو يأذن له بالعزم لقراءته من (شهارة) إلى (حوث)؛ ليقرأه على السيد أمير الدين، فقال الإمام - عليه السلام -: الخروج من حضرتنا، (وتقليل أهلها الكملة لا يليق)(2)، ولا يحل، لكن اقرأ على ولدي محمد بن أمير المؤمنين، والعهدة علي، وإني لأثق به في العلم كنفسي، فساعده، فكانت من عجائب القراءات مشهودة(3) مفيدة فيها إيرادات وتفهمات، وما رجعوا إلى الإمام إلا في نحو مسألتين، وكان السيد - رحمه الله - من أهل الأيد والقوة، مع أنه لم يكن ربعة، فضلاً عن أن يكون طويلاً، بل إلى القصر، ومما حكاه عن نفسه غير مرة أنه عزم صبحاً من (صعدة)، وأمسى ذلك اليوم بـ(سودة شظب)، وقطع هذه المسافة في يوم، لكنه اتفق أنه صادف مكامن، نحو أربعة عشر كميناً، فأوجبت(4) التهمة(5): وتوفي بـ(ذيبين) المحروس، (وقبر في باب مئذنة الجامع بذيبين، وإلى جنب قبره جماعة من الفضلاء، فعله عند داره)(6)، وما زال ملازماً في جميع مدته على وظائف الطاعة حتى كبر وهرم، وحصل معه بعض تغير، ونقل إلى جوار الله الكريم في نحو مائة سنة، وكان حزبه من القرآن سبع القرآن(7)، أعاد الله من بركاته، ووفاته في تاريخ ……
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): وتغليل الكلمة لا يليق.
(3) في (ب): مشهورة.
(4) كذا.
(5) في (ب): الهمة.
(6) في (ب): وقبر في مشهد له هنالك فعله عند داره.
(7) زيادة في (ب): دائماً.
علي بن إبراهيم بن عطية
العلامة الفقيه الفاضل علي بن إبراهيم بن عطية - رحمه الله - من الجلة العلماء، قرأ على الإمام يحيى عن العلامة علي بن سليمان البصير، عن الشيخ محمد بن سليمان بن حفيد، عن شعلة، ومن تلامذة علي بن إبراهيم العلامة أحمد بن علي(1) مرغم، ومن شيوخ علي بن إبراهيم العلامة حسين بن محمد بن علي بن أحمد بن نعيش، وولده محمد بن حسين - أيضاً - وحسين بن محمد يروي عن والده محمد.
__________
(1) في (ب): بن مرغم.
علي بن إبراهيم المحربي
القاضي العلامة المجاهد علي بن إبراهيم المحربي - رحمه الله -(1)، هو القاضي الفاضل العابد الناسك، صاحب الاحتياط والعزيمة، ولي القضاء زماناً بمدينة (ساقين)، وحمد المسلمون أثره، وانتفعوا بحميد مقصده، وكان من أهل الزهد، ومن أصحاب الشهيد علي بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهم السلام - وأصحابه جميعهم يضرب بهم المثل في العبادة، ولهم - أيضاً - كرامات - رضي الله عنهم - من جملتهم ابن محمود العابد، ومنهم الحاج عبد الله المحمدي الذي سُمع الأذان والإقامة من قبره، وكان سيدهم علي بن أمير المؤمنين صاحب المقام العظيم والعبادة والصلاح، كان عين أعضاد والده، نكى الأعداء نكاية عظيمة، وكان يباشر الحرب بنفسه الكريمة، وقعت وقائع هو صاحبها من قبل أبيه، وله الكرامة في جبل (شظب)، وذلك أن الأعداء دخلوا عليهم بغتة، فرأى التحيز إلى فئة من المسلمين، فطلع من جبل هنالك وعر، ودعا بذلك الجبل دعوة ظهر أثرها، لم يزل ينصب وتتهادى أحجاره وترابه إلى يوم(2) الناس هذا، وقتل - عليه السلام - في (الشفات)(3) من أعمال بلاد (خولان والربيعة) مشرفاً على (الصحن)، ونواحي الصعيد، ودفن (بعلاف) وقبره مشهور، واحتز /81/ رأسه الكريم، وذهب به الأروام إلى كبرائهم، فلقيهم شيخان من ذوي عكام من حاشية بلاد (سفيان)، فأخذوا الرأس بعد قتل الحامل له، وكانت قضية من العجائب؛ لأنه جالد مجالدة مثله، وعرف مكانه، ولم يخف على الأعداء، وطلبوا منه أن يستأسر لهم، فقال في وقت الحرب: ((القتل أشرف)). وإلى هذه لمح العلامة الفقيه مطهر الضمدي في مرثيته حيث يقول:
................... ... مالوا إليك فلم تجزع ولم تمل
وحين أبصرك الأعداء منفرداً ... راموا الإسار فقلت ((القتل أشرف لي))
__________
(1) زيادة في (ب): تعالى.
(2) في (ب): يومنا.
(3) في (ب): الشقات.
علي بن إبراهيم بن علي الصعدي
الفقيه(1) العلامة علي بن إبراهيم بن علي بن شيان الصعدي - رحمه الله -
كان عالماً محققاً، محلقاً، مرجوعاً إليه، من تلامذة السيد الكبير المهدي بن صلاح بن محمد بن الحسن - رحمهم الله -.
علي بن إبراهيم بن ماطر
العلامة الفقيه الفاضل علي بن إبراهيم بن ماطر - رحمه الله - ذكره السيد أحمد بن عبد الله - رحمه الله - وأثنى عليه بالعلم، وهو أحد شيوخ السيد الهادي بن إبراهيم الصغير، - رحمهم الله - (2).
علي بن أحمد بن عبد الله طميس
السيد العلامة علي بن أحمد بن عبد الله طميس - رحمه الله - هو إمام الحديث، قرأ عليه الإمام المطهر بن يحيى، وهو من تلامذة علي بن أسعد المنعم.
علي بن أحمد بن الحسن بن الهادي المؤيدي [ - 903 ه ]
السيد العالم الشهير، جمال الإسلام علي بن أحمد بن الحسن بن الإمام الهادي علي بن المؤيد بن جبريل - رحمه الله - ذكره في (اللآلي)، وأثنى عليه، وقال: قبره في (الرجاء) من بلاد (الشرف) في القبة التي فيها السيد إدريس صنو الوشلي، توفي في شهر ربيع سنة ثلاث وتسعمائة.
علي بن أبي طالب المستعين بالله
السيد الكبير المسند، شيخ الخلفاء، أبو الحسن علي بن أبي طالب أحمد بن القاسم بن أحمد بن جعفر بن أحمد بن عبيد الله بن محمد الشجري الحسني، الملقب بالمستعين بالله، أحد رجال الزيدية وأعلامهم، قرأ على الشريف أبي الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، وزيد قرأ على أبي العباس أحمد بن إبراهيم، ومن تلامذة المستعين أبي الحسن صاحب كتاب (المحيط).
علي بن أحمد الفتحي
السيد العلامة الفاضل علي بن أحمد الفتحي من أولاد الإمام الناصر الديلمي، قال السيد ابن الجلال هو أحد أشراف الروضة (بالسر)(3)، وكان مشهوراً بالفضل غير منكور.
__________
(1) في (ب): العلامة الفقيه.
(2) سقط من (ب): رحمهم الله.
(3) كذا
علي بن أحمد الشاوري
العلامة الفقيه الفاضل اللسان، علي بن أحمد الشاوري(1) - رحمه الله - كان من العلماء الكبار من أهل الستمائة، وكان هو(2) وأهل بيته(3) من بيت الرئاسة يتسمون بالمشائخ، ومن شعر علي بن أحمد المذكور في المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام -:
خليلي هل في الدار عيب لعايبِ ... وهل تنجح الآمال مطلب طالبِ(4)
وهل عائد غض الشباب الذي مضى ... وهيهات بل هيهات عودة ذاهبِ
تمنيني الأحلام من آل زينب ... مطامع تحدي بالظنون الكواذبِ
وآمل وصل العامرية والنوى ... تقاذف بي والبين من كل جانبِ
فيا صاحبي من آل فهر بن عامر ... أَعنِّي بفيض الدمع إن كنت صاحبي
وقف نسأل الأطلال أين تحملت ... بأحبابنا الغادين حوض الركائبِ
سرت عيسهم تحت الدجا بأهلَّة ... غوارب في أكبادها والغواربِ
وعقل(5) طياً من عقيل بن عامر ... رقاق الثنايا واضحات الترائبِ
/82وفيهن ميلات القناع بزينها ... بياض التراقي في سواد الذوائبِ
تبدلت من تلك الديار وأهلها ... حنيناً وتهياماً إلى كل غائبِ
ومما سرى عن(6) آل زينب عارض ... ولكنها الأيام ذات عجائبِ
وليل كليل العاشقين قصرته ... ببيض المهادي(7) واعتساف السَباسِبِ(8)
أصوغ القوافي في الإمام وأمتلى ... مناقبه لا زال جم المناقبِ
وادعو أمير المؤمنين ولم يزل ... غياثاً لملهوف وحصناً لهاربِ
ومن ذاك أولى منه بالمدح هل ترى ... ضياء لغير الزاهرات الثواقبِ
أشم طويل الساعدين إذا اجتثى ... رأيت علياً في لوي ابن غالبِ
كريم من القوم الكرام وطيب ... نمته منيفات الفروع الأطائبِ
__________
(1) في (ب): الشاوي.
(2) سقط وكان من (أ).
(3) في (ب): من أهل الرئاسة.
(4) في (أ): لطالب.
(5) في (ب): وعفر طيبناً.
(6) في (ب): من.
(7) في (ب): المهاري.
(8) في (ب): الشنائب.
علي بن أحمد بن الحسين بن مبارك الأكوع
العلامة المجاهد، إمام الناسكين، وسيد السالكين، صاحب الجهاد والاجتهاد، والسبق لأهل الفضل والاقتصاد، علي بن أحمد بن الحسين بن المبارك بن إبراهيم الأكوع - رحمه الله - ورضي عنه، هو سيد الشيعة، وإمامهم، وحجتهم، كان عمار زمانه، وسلمان أوانه، بطانة خالصة لآل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بقول وفعل، ناصر الإمام المنصور بالله، وشاركه في فعله المشكور، وكان اجتماعه به بـ(شوابه) بعد الرؤيا الصالحة التي رآها، وهي ما حكاه العلامة علي بن نشوان، قال: روى لي الفقيه الفاضل الصادق علي بن أحمد بن الحسين بن المبارك بن إبراهيم الأكوع، وهو فقيه عابد عالم فاضل ممن يوثق به، ويعمل على قوله، ويصدق في كلامه، قال: لما كان قبل موت سيف الإسلام بأيام قلائل، رأيت في المنام كأني في سفح جبل، وإذا بناس أقبلوا من جهة الشام عليهم نورٌ، وهم يمشون في نورهم، وهم طوال، على كل رجل منهم إزارٌ ورداء، ومعهم غنيمة يسوقونها، فمروا بي وهم يسلمون عليَّ مصافحة، حتى كأني حاذيت أوساطهم، وإذا برجل معتدل القامة، صبيح الوجه، حسن الْخَلق، رقيق الخلق، جاء فسلم علي، وسلمت عليه سلام المحب على حبيبه الذي طالت غيبته عنه، وقلت في سلامي: سلام على من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وسر كل(1) منا بصاحبه سروراً عظيماً، وفرح فرحاً شديداً، ولم يكد يفارقني، فلما انتبهت، علمت أنه لا بد من إمام يقوم مقام علي بن أبي طالب؛ لأن الخبر ورد فيه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: سلام على من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فانتظرت بعد ذلك قائم الحق، واستبشرت به، فلم يكن بعد ذلك إلا يسيراً، وقد ظهرت دعوة المنصور بالله - عليه السلام - فاجتمعت به في (شوابة)، هذا معنى الرواية، ولم يزل مصاحباً للإمام في المنشط(2) والمكره، وباشر معه الحروب، وتجلت به الكروب، ومع خوضه هذه الغمرات(3)
__________
(1) في (ب): كل واحدٍ منا.
(2) في (أ): البسط.
(3) في (ب): الغمارات.
، وتوليه لعالي المقامات، قد حكي أنه صرف الإمام - عليه السلام - فيه كفارة(1) في محطة النطية(2) لفقره، وكان الإمام يوافق رأيه رأي الحنفية في صرف الكفارة في فقير واحد، وفي بعض كتب المذهب أن (3) الإمام أمره بصرفها ولم يصرفها فيه، وقرأ على الإمام كثيراً من العلم، وقرر(4) مذهب الإمام، وجمع كتاب (الاختيارات المنصورية) /83/ عن أمر الإمام حتى بلغ في تحريرها إلى كتاب الكفاءة(5)، وكان ذلك بعد قراءة على الإمام عظيمة في (شمس الشريعة) تأليف شيخ الإسلام ركن الدين سليمان بن ناصر الدين - رحمه الله - ابتدأ ذلك في غرة شهر ربيع الآخر من شهور سنة إحدى وستمائة بحصن ذي مرمر، ولما بلغ(6) كتاب الكفاءة نجم ناجم العجم، فحطوا على (ظفار)، فخرج الفقيه جمال الدين لمظاهرة الوالي في (ظفار) من قبل الإمام، وهو مولاه الشيخ دحروج بن مقبل - رحمه الله - وقد كانت الأبصار زاغت، والأنصار ارتاعت، فخرج في نحو أربعين من الشيعة، وهو رئيسهم، فخذل الله العجم، وفي ذلك يقول الإمام - عليه السلام -:
ظفرت بمدح المادحين ظفارُ ... لما حمى عرصاتها الأخيارُ
جاءت جنود الظالمين كأنها ... ليل وأنوار الحديد نهارُ
جيش يظل(7) التلو(8) في حجراته ... حال المذاهب أرعن جدارُ(9)
فيه الأعارب والأعاجم عن يد ... والأعوجية والقنا الخطارُ
وبه الجماعة من ذؤابة هاشم ... والمسلمون الغر والأنصارُ
ولى الإمام وأرعبوا إلاَّ هُمُ ... والناس(10) عبدان وهم أحرارُ
صبروا على الأرجاف وهي كثيرة ... فيما حكاه الواحد القهارُ
لله در عصابة زيدية ... نزل العلى فيها وزل العارُ
__________
(1) سقط من (ب): فيه كفاره.
(2) في (ب): اللطية.
(3) سقط من (ب): أن.
(4) في (أ): وأقرر.
(5) في (ب): الكفارة.ظ
(6) في (ب): ولما بلغ الكفارة.
(7) في (ب): تظل.
(8) كذا في (أ) وفي (ب).
(9) في (ب): جزار.
(10) في (ب): فالناس.
وهي طويلة في ديوان الإمام - عليه السلام - وكان القاضي أحد حفاظ المذهب المنصوري، وهو واسع الفقه، قد صنف فيه المعتصم بالله الأمير محمد بن إدريس كتاباً سماه (النور المنظور في فقه المنصور)، وفيما حكى الفقيه علي بن أحمد من قواعد المنصور بالله - عليه السلام - أنه قال: ما وجد لي منصوصاً، وإلا فرأيي فيه كرأي المؤيد بالله - عليه السلام - قال: وسمعته يقول: إن الظاهر(1) أن مذهب أهل البلاد هذه مذهب الهادي - عليه السلام - فالمرجع بأحكامهم إلى ذلك إلاَّ مَنْ ألزمناه، أو التزم العمل بمذهبنا، عمل بما نختاره وعمل(2) به، قال العلامة علي بن أحمد المذكور، وروى الشيخ الأجل السيد العالم الفاضل محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد - أدام الله عزه - أنه قال - عليه السلام -: إذا كانت المسألة تخريجاً للمؤيد بالله، وللسيد أبي طالب على مذهب يحيى - عليه السلام - فاختياره - عليه السلام - تخريج المؤيد بالله، وكذلك روى عنه - عليه السلام - الفقيه الأجل العالم عمران بن الحسن بن ناصر العذري الزيدي - رحمه الله -.
قلت: وكتابهُ (الاختيارات) كتاب جليل، وللإمام فتاوى عدة غيره، ومما قاله العلامة أحمد بن علي الدواري - رحمه الله - في كتاب (الاختيارات) شعراً:
ليت المرادات جاءت باختياراتي ... إذاً لَتَمَّ كتاب (الاختيارات)
أكرم بخير كتاب فيه ما ذهبوا ... إليه عن خير محكي(3) وآيات
لله در إمام كان صنفه ... ودر تلميذه في جمع أشتات
/84/ ورحمة الله زارته بمشهده ... لدى (ظفار) على مر العشيات
وقبر تلميذه في حيثما دفنوا ... والمسلمين من الماضين والآتي
__________
(1) في (أ): في (ب): إن الظاهر من أهل البلاد هذه مذهب الهادي.
(2) كذا، وفي (ب): وعلم به.
(3) في (ب): عن خبر يحكى.
وقبره - رحمه الله - في الملاحة عند مسجده بجبل (مرهبة)، وهو مسجد عظيم على قدر الكعبة المشرفة، وهو والضياع(1) النبوي أحد عجائب (الهجرة) كما حكاه العالم الدريقي(2)، وكان له تلامذة كثيرون، منهم ولده محمد، ومن قرابته يحيى بن محمد بن مسعود بن الحسين، ومسعود بن علي بن مسعود بن الحسين، والشيخ المحقق الأجل عبد الله بن الدعيدع الحرازي، والقاضي العلامة علي بن حاتم بن عامر بن أحمد بن أبي يحيى، وغيرهم، ودخل - رحمه الله - حراز، وتلقف الإسناد، وهو أحد أساطينه، كانت وفاته……
علي بن أحمد بن الشظبي
شيخ الأئمة، وقطب الإسناد، علي بن أحمد بن مكاثر الشظبي - رحمه الله - شيخ الإمام شرف الدين، وتلميذ علي بن زيد، - رحمهم الله تعالى - كان عالماً كبيراً، وله شهرة، وعنه الروايات، وقد ذكرنا شيئاً من أحواله في ترجمة شيخه - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): والصَّاع.
(2) في (أ): الزريقي.
علي بن أحمد بن محمد عقبة [ - 840 ه ]ت
العلامة الفقيه علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسن بن عقبة - رحمه الله تعالى - كان - رحمه الله - كما قال بعض العلماء الجلة فيه - إمام العلوم، ترجمان المظنون منها والمعلوم، فنيت كهولته وشيخوخته في طاعة خالقه، ومضى من الشرع الشريف على حقائقه، توفي - رحمه الله - في شهر ذي الحجة سنة أربعين وثمانمائة، وقبر شرقي جامع (ساقين)، وقبره مشهور مزور، وهو أول من نزل بساقين من هذا البيت المبارك، وكان أصل مساكنهم مشارق (صنعاء)، ثم افترقوا صنفين، صنف سكنوا (هجرة بني خالد) من جهة (آنس)، وصنف سكنوا (ساقين). قال العلامة أحمد بن محمد بن الحسن - رحمه الله -: وعقبة أشهر جدودهم، وهو الملك الهمام المتأمِّر على مدينة صنعاء وأعمالها في بعض مدته، وهو الذي(1) بنى المساجد العظيمة، سيما بوطنه، ومسقط رأسه بجهة (قروي) شرقي مدينة (صنعاء)، وداره بها مشهور يسمى دار المناحل - بميم ونون بعدها ألف وبعد الألف حاء مهملة - وسط وادي قروَى قبلى، ولعله قرية (الحميرا)(2)، وغربي مسجده، وانحاز عقبة إلى قرية (الحميرا)؛ لتحصنها عند قبائل من عدوان(3) بني بهلول وبني نصر، بنو بهلول غصبوا غنمه، وبنو نصر غصبوا مواضع دار المناحل وما حولها، وارتحل بعض الفقهاء بلاد (آنس)، والبعض (ساقين) بعد أن سكن المنتقلون إلى ساقين بهجرة (معين) يماني (صعدة) قرب (الحناجر)، وسنذكرها إن شاء الله في ترجمة العلامة معين بن الحكم.
__________
(1) سقط من (أ): الذي.
(2) في (ب): وسط وادي قروي قبلي قرية الحميرا.
(3) سقط من (أ): قبائل من.
علي بن أحمد بن أبي حريصة
العلامة الفاضل الحافظ، إمام أهل الشريعة، أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة - رحمه الله - قال الشيخ أبو الغمر: قرأت في بعض (كتب اليمانيين)(1) أنه صحب الهادي إلى الحق - عليه السلام - وابنيه - رضي الله عنهم - وظهر فضله في أشكاله وأزمانه، ونطق أثره ببرهانه، وقد روت الزيدية عنه كثيراً من أخبار الهادي إلى الحق - عليه السلام - وقد كانت له، ولابن الفتح(2)، وابن الظهري، وأحمد بن عبيد المعلم، ومحمد بن طالب عناية بالرواية، وقراءة كتب آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وسماع الحديث عنهم، وعن شيعتهم، وقد يوجد ما يدل على ذلك في مواضع إلا أن قلة الرغبة من أهل اليمن في إحياء(3) ما يكون في بلادهم، ومن أهلها من الأخبار والآثار /85/ ولهم من الفضائل والمحاسن، والعجائب والنوادر، ما قد عرفت، فلذلك حي الناس(4) وماتوا، وقد روى كتاب (الأحكام) الذي وضعه الهادي إلى الحق - عليه السلام - أمير المؤمنين يحيى بن الحسين - عليه السلام - في أصول الدين وأصول الفقه خاصة، ورتبه ترتيباً حسناً، ومن كلامه في صدره ما يدل على طبقته في رجال العلم، وأهل النباهة، والنبالة في الدين، وكذلك ما رواه محمد بن فتح بن يوسف عن المرتضى لدين الله محمد بن يحيى - عليهما السلام - ومحمد بن طالب - رحمهم الله - عن محمد بن يحيى، - أيضاً - وابن أبي حريصة، فقد صنف كتباً أُخَرَ(5)، منها كتاب في الزهد والإرشاد، فإنه من الكتب المحيية للقلوب، المذكرة بالله، الداعية إليه ، وكان أديباً فقيهاً شاعراً، سلك في شعره طريق أبي العتاهية في نظم منثور الحكم، والآداب، والحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مثال ذلك من شعره قوله في نظم الحديث: [من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه].
__________
(1) في (أ): الكتب الثمانين.
(2) في (أ): وأبي الفتح.
(3) في (أ): أحنى.
(4) زيادة في (ب): في البلاد.
(5) في (ب): أخرى.
ما ليس يعنيه إذا ما نطق ... من حسن إسلام الفتى تركه
كخائض لجة بحر الغرق ... وخائض في الأمر لم يعنه
وله - أيضاً - في نظم قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (ما ضاع امرؤٌ عرف قدره)، وقول الأحنف: عجباً لمن جرى في مجرى البول مرتين، ثم هو يتكبر:
قال رسول الله نور الهدى ... وخاتم الأنبيا خير البشر
ما ضاع مرؤ(1) عارف قدره ... فاقنع بما أوتيته واقتصر
لا يلبس الكبرَ كريمٌ ولا ... يطاوع التيه فتى ذو خطر
يجري الفتى في مبول مرة ... من بعد أخرى ثم لا يعتبر
وله في نظم ما روى من بعض الصحابة: (عجباً لمن يضحك بملء فيه، والمنايا ترصده):
يبسم المرء ضاحكاً بملء فيهِ ... والمنايا وراءه تلتقيه(2)
عجباً إننا لنخشى من الموت ... وإنا نلهو ولا نتقيه
وقال في نظم قول كسرى: من لم يكن العقل أكثر ما فيه قتلته أكثر ما فيه:
إذا لم يكن عقل الفتى أكثر الفتى ... فأكثر ما فيه لا شك قاتله
هل العقل إلا حجة مستنيرة ... ونور هدى ما أن تضل دلائله
فأوصيك(3) أن العقل زين لأهله ... وأن ليس في الخيرات شيء يعادله
(4)وفي نظم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (كم(5) أشعث أغبر ذي طمرين لا يوبه له، لو أقسم على الله لأبره):
ألا رُبّ ذي طمرين أشعث أغبراً ... خفي على النظار(6) لم يبغ منظرا
ولو أقسم (الحاني لظل وراءه)(7) ... على الله ذي النعماء أعطى فأكثرا
ولكن زوا الدنيا الدنية دونه ... ليوفيه الحظ الجزيل الموفرا
فلا يغبط الدنيا امرءٌ ذو بصارة(8) ... يصير إلى قعرٍ من النار أحمرا
وكن واثقاً بالله واعمل فإنما ... يفوز غداً من سام هدياً فشمرا
__________
(1) في (أ): امرؤ.
(2) في (أ): تقفيه.
(3) في (ب): بحسبك.
(4) زيادة في (ب): وقال.
(5) في (ب): كم من.
(6) في (ب): الأنظار.
(7) سقط من (أ).
(8) في (ب): نظارة.
/86/ وإذا(1) قد ذكرت هذا طرفاً من شعره مما لم يعرف نظم منثور، ومما فيه دلالة على فضله وحكمته وزهده، نسخت له من كتاب(2) ابن دانه الصعدي - رحمه الله - قال:
ليس بحر ولا كريم ... من غيرت وده الدهور
الحر حرٌّ وإن جفاه(3) ... دهر وحالت(4) به الأمور
ليس الفتى من إذا ألمت ... أزمة دهر به يجور
ولا الذي إن به تراخت ... حال رآى أنه الخطير
وإنما(5) الحر عند هذا ... مصطبر أوفتى شكور
وقال - أيضاً، وأحسبها من أبيات -:
فمن رآى ما لم يراه طغى ... وصار يمشي كالمجانين
كأنه قارون في سكره ... بخبطة(6) من الشياطين
فهو على ما نال من أمره ... كبعض أعوان الفراعين
يديره(7) الدهر بتصريفه ... فليس ذا دنيا ولا دين
قوله: ما لم يراه، يصلح فيه الهمز؛ لأنه قد جاء راء يرآء، ورأى يرى، وراء يرى.
ألا إنما الأيام يوم وليله ... ومن يحيى في الأيام يرأى ويخبرا
موضع قوله يخبر بياض يحتمل أنه يخبر أو يبصر، أو يعلم ………… وقال عبد يغوث:
وتضحك مني شيخة عبشمية ... كأن لم ترى قبلي أسيراً يمانياً
وقال - أيضاً رحمه الله تعالى -:
أيها الساخر مما قد ترى ... نوّب الدهر على مثلي تمر
ويروى أيها العاجب وهو مستنكر:
كم لئيم سب مثلي بانحا(8) ... لم يشنه أو تعاطى فعقر
ورماه بالذي فيه لكي ... ما يقال المرء بر ذو خطر
[و] إذا ينبح كلبٌ ماجداً ... ينبح(9) الماجد ماذا في الأثر
وقال - أيضاً -:
رضيت لنفسي بعين الرضا ... كأنيَ امرؤ حاله لا أموت
فما أنا في الدين من أهله ... ولا ليَ ذنباً فماذا هويت
فأقسم بالله لو أنني ... تملكت هذا الورى ما حظيت
__________
(1) في (ب): وإذا فذ.
(2) زيادة في (ب): بخط.
(3) في (ب): شناه.
(4) في (ب): جالت.
(5) في (ب): فإنما.
(6) في (ب): تخبطه.
(7) في (أ): يدييره..
(8) في (أ): ناحبا، وفي (ب): نائحاً.
…قانحاً: قال في القاموس المحيط 208: بَنَحَ اللحم: قَطَعَه وقسَّمَه.
(9) في (ب): نبح.
إلى الله أشكو فنعم النصير ... فمني غويت ومنه هديت
وقال - أيضاً -:
قد كنت أفرح بالشباب وريعه ... حتى اكتسيت وقار شيب لايحِ
وتبسمت بهجاته في مفرقي ... بجلالة ومهابة ومصائحِ
أجري إذا حدق(1) الصبا طوعاً له ... حلف الهوى لا أرعوي للناصحِ
/87 فالآن ما سمت الهدى وسبيله ... وفرغت من يقق(2) المشيب الأسبحِ
أوفوت رشدي في زمان فايتٍ ... وذهاب حظ في الشبيبة صائحِ
علي بن أحمد الحملاني
الفقيه العلامة علي بن أحمد بن أسعد الحملاني - رحمه الله تعالى - من بيتٍ بالفضل معمور، ومنصب مشهور، غير مغمور، كان مألفاً للفضلاء، وزينة للكملاء، وهو الذي وجه إليه محمد بن أحمد بن عقبة الأبيات الآتي ذكرها في ترجمته - إن شاء الله - لما أهدى له نسخة (الكشاف) ستة أجزاء، فكتب إليه ابن عقبة القصيدة، وهي هنالك في ترجمته، طالعها:
برق سرى فرمى الأحشاء بالألمِ ... وضعضع الجسم بالتبريح والسقمِ
علي بن أحمد بن ذئب
الشيخ العالم الفاضل علي بن أحمد بن ذئب - رحمه الله تعالى - عالم كبير، فصيح بليغ، كان من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - ولم يحضرني الآن شيء من شعره ولا أخباره.
علي بن أحمد بن الحسن
العلامة(3) أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن(4) أبي حنجرة، عالم فاضل من كبار أهل الفقه والعرفان، ولعله عراقي، والله أعلم.
__________
(1) سقط من (أ): أجري إذا حدق.
(2) في (ب): مرتفق.
(3) في (ب): بن أبي الحسين بن عثمان بن أبي حنجرة.
(4) في (ب): بن أبي الحسين بن عثمان بن أبي حنجرة.
علي بن أحمد بن عليان
العلامة الشيخ المقري، الزاهد الكبير الفاضل(1)، جمال الإسلام علي بن أحمد بن عليان، أحد وجوه العلماء، ومرجع المحققين سيما للقراءة بـ(صعدة) المحمية، ومن تلامذته العلامة محمد بن صلاح مداعس مصنف (المختصر في علم القراءة)، وينقل عن شيخه(2) هذا من جملة ما نقله عنه التكبير أواخر القرآن، فينقل من ترجمة ابن مداعس - إن شاء الله - ولعل القضية المتناقلة هي له، وهو صاحبها، وذلك أنه قرأ عليه في إحدى القراءات السبع، أو كلها جماعة من الإنس، وكان يحضرهم رجل من الجن يقرأ قراءة حسنة بصوت دقيق، ولما كان الختم، قال الجني المذكور للفقيه: تفضلوا انتظروا بالختم إلى(3) غدٍ - إن شاء الله - إلى ضحوة النهار، فانتظروا جميع(4) الناس، ثم وصل الجني بعود رطب أخضر، وبعد ذلك سأله الفقيه أن يريه صورته، فاستعفاه، فلم يعفه، فبرز له على صورة كريهة - رحمه الله -.
__________
(1) زيادة في (ب): الشهير.
(2) في (ب): نسخه.
(3) في (ب): إلى ضحوة النهار.
(4) في (ب): واجتمع الناس.
علي بن أحمد بن إبراهيم [ - 1051 ه ]ت
القاضي العلامة المحقق، جمال الدين علي بن أحمد بن إبراهيم بن أبي الرجال -رحمه(1) الله - كان فقيهاً عالماً بالفروع الفقهية، وحقق فيها وبرز، ويقال: إنه حفظ (شرح الأزهار) غيباً، وكنا نمليه عليه(2)، ومما شاع في ألسن الفقهاء أنه لولا الجهاد، كان القاضي علي بن أحمد بمنزلة الفقيه علي بن يحيى الوشلي صاحب (الزهرة)، ولقد تعجب منه كثيرٌ من المحققين في مسائل وتحصيلات أملاها في المغصوب(3) والرهن، ومع ذلك فقد قرأ في الفنون الأخرى، قرأ (مستقصى)(4) الغزالي في الأصول على السيد العلامة علي بن صلاح العياني - رحمه الله - وهما في صف الحرب، كان إذا سكن عنهم العدو، قرؤوا، فإذا كر عليهم العدو، أقبلوا عليه، ولما أمر الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - السيد العلامة علي بن إبراهيم الحيداني الماضي ذكره بولاية (حاشد) و(بكيل)، أمر القاضي - رحمه الله - أن يقرأ عليه (البحر)، فكانت من أعجب القراءات، كانوا(5) يلبثون في البحث من عقيب صلاة الفجر إلى ظهيرة النهار، واتفق /88/ أنه وفد إلى حضرة الإمام إلى (شهارة) بعض العلماء الكبار من أهل الأقاليم، وخفي على الإمام - عليه السلام - ما يستحقه ذلك العالم من التعظيم مع حرص الإمام على إنزال الناس منازلهم، فبادر بإرسال السيد العلامة صلاح بن عبد الخالق الجحافي وهذا القاضي إلى ذلك العالم ليعرفوا فضيلته، فوجدوه لما يستقر وخدمه في أثناء التنظيف للمحل، فحيّوه، ورحبوا به، وتعرفا له، فقال القاضي لذلك الرجل: هذا السيد صلاح بن عبد الخالق من كبار العلماء ونسب(6) الإمام ونحو هذا، ثم قال السيد(7): وهذا قاضي الإمام أحد العلماء، ووصف بما ينبغي، فأجاب ذلك الرجل: إنكما لستما ممن يعرف الأدب، ولا يستحق
__________
(1) في (ب): زيادة في (ب): تعالى.
(2) في (أ): وكنا نسمعه عليه مما.
(3) في (ب): الغصوب.
(4) في (ب): مستصفى.
(5) في (أ): كان.
(6) في (أ): ونحو.
(7) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
هذه الصفات، فكيف(1) تكون منزلتكما هذه المنزلة، وتفدان عليّ وأنا مدهوش لم أستقر في رحلي، ولا يتم لي مجازاتكم بالأنس، فاستحيا السيد والقاضي، ثم عزم القاضي إلى (ذيبين)، وأخذوا في قراءة (البحر) هذه المذكورة، وكان فيها البقية من شيعة الطاهر يومئذ، كالقاضي العلامة محمد بن صالح بن حنش، والقاضي العلامة الحسن بن محمد(2) سلامة وغيرهم، فوفد إلى المسجد الجامع، وهم يخوضون بحار التحقيق، ويأتي كل منهم بالإشكال، ويحله الآخر، وذلك العالم يتفكر فيهم، فلما أتموا القراءة، أنزله السيد منزلاً يليق به، فإنه عظيم الشأن، وأنسه القاضي لسابق تلك المعرفة، فقال ذلك العالم: يا قاضي، أنتم معاشر اليمنيين لا تنزلون العلم منزلته، فقال(3): ما استنكرت من طريقتنا؟ قال: رأيت اليوم مجلسكم للقراءة، فرأيت ما لم أره من الاطلاع على الفقه والتحقيق بحيث أن كل إنسان من الحاضرين لو برز بإقليم، لعلا صيته، وقل نظيره، ومع هذا فأنتم لا تعتمون إلا بعمائم سود، ولا تلبسون الجيد من الثياب، فلم يبد له القاضي حقيقة العذر في ذلك، وكان المقتضي لمرور هذا العالم (ذيبين) أن (السودة) يومئذ في أيدي الأتراك و(صنعاء)، فمر (ذيبين) مجتازاً، وكان عنده من ضربة الإمام دراهم جعلها في (ذيبين) سبائك، وكانت قراءة القاضي - رحمه الله - على عبد القادر التهامي التنهي (4) رحل إليه إلى (عاشر)، وقرأ على الشكايذي الكبير بـ(ذمار)، وأحسن الشكايذي رعايته، وحين أراد الإنصراف خرج ولده العلامة الشهيد لتجهيز القاضي، وأعطاه زاداً، ثم قرأ على العلامة علي بن قاسم السنحاني، ومن جملة ما قرأه (مقامات الحريري)، وفي بالي أنه قرأ (مفتاح السكاكي) عن أمر شيخه السنحاني على بعض الأفاقيين(5)، ولم يكن له في العربية ذوق، وقد كان اشتغل بشرح (الأزهار)، بلغ فيه
__________
(1) في (ب): وكيف.
(2) زيادة في (ب): بن.
(3) زيادة في (ب): له.
(4) التنهي فراغ في (أ).
(5) في (ب): الأفاقين.
التيمم حتى مر عليه السيد العلامة أحمد بن محمد الشرفي إلى (سوات) من بلاد الصيد(1)، فأعلمه بعنايته بشرح الأزهار(2) مع كمال أهليّة السيد، فأضرب عن ذلك، وكانت عند القاضي عدة كبيرة من الكتب من خزانة السلف، وكانت له همة في الجهاد، وشجاعة مع قوة في بدنه، وهو أول من يسارع إلى الجهاد قبل ابن عمه القاضي الشهيد الهادي بن عبد الله - رحمهما الله - فإنه نهض في سنة ست وهي سنة الدعوة (بخارف)، وأعيان قبائل (بكيل) نحو ألف رجل، ودخل هزم(3)، وانضاف إليه /89/ الأعيان لا على جهة الاستقلال منهم، بل على جهة الغارة كالسيد الأعضب من (حوث)، استدرجه القاضي حتى أدخله (هزم)، وأما الحاج الكامل أحمد بن عواض (فوصل بعد أمن لهم)(4) ووقف خارج البلاد على رأس الأكمة المشرفة على القرية وغير هؤلاء من الرؤساء، وكانت الحروب المشهورة نحو أربعة أشهر، والقاضي أبو عذرها - رحمه الله - واتفق في هذه النهضة قضية تعد في كرامات الإمام الشهيد(5) - عليه السلام - وذلك أن القاضي(6) وصل إلى (ناعط) (7) من بلاد (حاشد)، وحطط الناس، فتفقدوا رجلاً يسمى التهامي من أهل (ظفار) وكان له خبير يعرف بجوال، فبحثوا، عنه فلم يجدوا له أثر، فاتفق عند مجيء الناس من الحطاط أن بعض الناس سمع صوتاً في شعب، فأخبر القاضي، فأمر القاضي - رحمه الله - من يذهب إلى هنالك، فوجد التهامي المذكور في محل، وعرف، أتى به إلى القاضي، فأخبر القاضي بقصته، وهو أنه خرج من مسجد (ناعط)، فأحسَّ بحال غير معتادة، فلم يفقد نفسه إلاَّ في عالم آخر غير هذا العالم، وفيهم رئيس كبير بين يديه خلق قيام، فاشتكى رجل من أولئك أن هذا التهامي رجمه، فأنكر التهامي ذلك، فقال له: بلى، أنت رجمت(8)
__________
(1) الصيد غير موجود في (ع).
(2) سقط من (أ): الأزهار.
(3) في (أ): هو.
(4) في (ب): فوصل بغير أمرهم.
(5) زيادة في (ب): أحمد بن الحسن.
(6) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
(7) سقط من (ب).
(8) في (أ): رجمته.
خشبة حطب في القنة - بالقاف والنون- وهو جبل هنالك، وعندك من عبيد المشهد فلان بن فلان، قال التهامي: نعم هذا اتفق، لكني غير عارف بمحلك، فقال ذلك الرئيس: يا معشر الجن، نزهوا أنفسكم هؤلاء المساكين لا يرونكم، ثم التفت إلى التهامي، فقال له: من أنت، قال: مسكني (ذيبين)، والأصل من (ظفار)، إلا أني مقيم بمشهد الإمام أحمد بن الحسين(1)، قال: فلأي شيء وصلت إلى (ناعط)؟ قال: صحبت القاضي علي بن أحمد مغيرين مع الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد(2)، فقال ذلك الرجل الكبير: قد التزمت ما(3) لزم هذا من الأرش رعاية لحق الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وأبلغ القاضي علي السلام الكثير(4)، وهذه قضية مشهورة تناقلها الفقهاء وغيرهم، ويسمعها(5) من غير واحد من الفضلاء، منهم من شهد المقام، والله أعلم.
__________
(1) سقط من (ب): أحمد بن الحسين.
(2) سقط من (ب): المنصور بالله القاسم بن محمد.
(3) في (ب): بما.
(4) في (ب): وأبلغ عني القاضي علي السلام الكثير.
(5) في (ب): وسمعتها عن.
وللقاضي في مقامات الجهاد مساعي مشهورة، تولى بلاد (حاشد) و(بكيل)، وتولى بلاد (خولان الطيال)، وافتتح (حصن جبل اللوز) وغنم منه غنيمة، وكان السيد العلامة أحمد بن علي الشامي شريكه في حصار الحصن، غير أن أصحاب القاضي (بنو جبر) وأصحاب السيد غيرهم، فكانت اليد للقاضي، وجعل سلب الأمير وسلب الشاوش للسيد - رحمهم الله تعالى - وكان الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد يفضله بالشجاعة على غيره، بل نقل السيد الأمجد عبد الله بن عامر بن علي - رحمه الله - أنه سمع الإمام يحكي أن القاضي أشجع من رآه الإمام، وحكى له قضية، واجتمعت بالقاضي في منزل السيد عبد الله بن عامر بـ(الجراف) من مخارف (صنعاء)، فسأله(1) السيد عن القضية، فأخبره وأنا أسمع، قال: توجهت العساكر من جهة الترك على السيد المجاهد محمد بن عامر إلى محل بجهة (وادعة) سماه، وفاتني اسمه، فأغار الإمام، وأغرنا معه، فوجدنا(2) في الطريق قصبة معمورة على رأسها كالصفيف قد دخلها نحو سبعة /90/ نفر رماه الذي في ذهني من الرواية أنهم سبعة، وذكر مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله حفظه الله أن القاضي ذكر أنهما رجلان فقط، لكنهما قد قتلا سبعة نفر، فلعل الذي في ذهني ذكر السبعة، فمنعوا جيش الإمام من الغارة، فتخوّف الإمام على السيد محمد بن عامر الاستئصال، فقال - عليه السلام -: من يحب الله ورسوله حمل على هؤلاء، فسمعها القاضي، وأعلنها في الناس لعل راغباً يرغب، فلم ينهض أحد، فوضع شملة سوداء على عمامته، وحمل منفرداً، ولحق به رجل من (ظفار)، فرموه من القصبة، فسلمه الله، ثم نفذ إلى تحت القصبة، وقال لصاحب (ظفار): أعطني ظهرك أصعد عليه، فارتقى حتى عَلاَ، ووضع عمامته تحت الصفيف، ونطحه حتى انتشر البناء، وهو من البناء المعروف بجهة البادية، فألقى الله الرعب في صدور أولئك، فانهزموا منه، ووثب إلى داخل القصبة، ثم دعا بأصحاب الإمام،
__________
(1) في (أ): فسألت.
(2) في (ب): فوجدناه.
فأقبلوا، وظفر ببعض أولئك، وقتل بعضهم صبراً بين يدي الإمام، قتله مولانا السيد الجليل الحسين بن أمير المؤمنين - عليهما السلام - وحج القاضي المذكور مع الإمام القاسم، واتفق له أن بعض المفسدين عاث في الحجاج، وآذاهم، ونهب من نهب، فتجرد له القاضي، وارتبطه ارتباطاً وفي آخر أمره تولى القضاء(1) بجهة (وصاب) بعد أن شهد المشاهد الإمامية جميعها، وتوفي - رحمه الله - (بالدن) وقبر بـ(الروضة) هنالك في شهر ربيع سنة إحدى وخمسين وألف سنة، ورثاه سيدنا(2) العلامة علي بن محمد(3) سلامة - أبقاه الله - بقصيدة مستجادة، ورثاه سيدنا المقري الفاضل الصالح، صلاح بن محمد السودي الصعدي - رحمه الله - وجعلها على قصيدة القاضي علي بن سلامة فقال:
هو الصبر ما كافاه ملجا ولا كهفُ ... إذا لم يطق منعاً وقد وقع الصرفُ
ألم به عند الملمات واحتسب ... به لامة من دونها البيض والزعفُ
أخي ألو(4) أعباء الأسى لا مجهلاً ... وخذ في الأسى نهجاً فمثلك لا يهفو
فما جزع يغني فتيلاً لجازعٍ ... ولا عبرة تجدي ولو جادها الوكفُ
وأما الفتى الماضي لوجه سبيله ... فما رِزْؤُهُ في الدين إلا البلا الصرفُ
لئن غاب نور الدين وانهدَّ طوله ... فهذا الكسوف الحق عمرك والخسفُ
وما الموت إلا للأكارم واصلٌ ... ولكنه عن وصل غيرهم يجفو
فلله ما أحلى الثرى من صفاته ... صفات علاً فوق الثريا لها وصفُ
فتى قد نمته من عدي غطارف(5) ... ضراغم(6) غلاّبون شم الذرا أنفُ
مفاخرهم كالشمس نوراً ورفعة ... وفيهم بحسن الذكر أنعمت الصحفُ
فتى إن دجا في العلم والمحل مشكلٌ ... فمن عنده للحالتين لها كشفُ
فينحل معقود ويرتاح منكد ... وينهل مطرود ومنهله يصفو
__________
(1) في (أ): وافى آخر أمره تولى القضاء.
(2) في (ب): السيد.
(3) زيادة في (ب): بن.
(4) في (ب): الق أعباء.
(5) غطارف: جمع غِطْرِيْف: وهو السيد الشريف، والسخي السَّرِيّ. القاموس المحيط 777.
(6) ضراغم: أُسُود.
يفيدك من علم وحلم معاون(1) ... إليه تسل كف فمنه تسل كفُ
/91/ شمائله تروي(2) النسيم وبأسه ... يمزق من شمل المعادين ما لفوا
ففي السلم والحرب(3) الرخا وعقيمها ... فللمهتدي لطفٌ وللمعتدي حتفُ
وأيامه في المعتدين شهيرةٌ ... يخبر عنهن المخالف والإلفُ
فللَّه من ليث الملاحم منهس ... به شرب الخصم المكاره واشتفوا
رأوا عزمه والسيف لما تكافى ... مضاء فما للأشقيا [عنه](4) ما كفوا
فتهمي له الأقلام والصحف عبرة ... إذا بكت الأشقا المزاهر والدفُ
ويبكي له الملهوف للعلم والندى ... يحق له فيها التأسّفُ واللهفُ
وتبكيه بيض الهند والسمر والشرا ... ويرتاح منه الطرف إن سحر الطرفُ
وما الموت إلا كل حي يذوقه ... وآخرُ هذا الخلق أولَه يقفو
لئن سنت الأبكار عظم مصابه ... ففيه جميع الوصف بالحق ملتفُ
عليه سلام الله ما فاه عارفٌ ... بأوصافه الحسنا وفاح(5) لها عرفُ
علي بن أحمد بن جابر الوادعي
القاضي العلامة البليغ، لسان زمانه، وإنسان أوانه، علي بن أحمد بن جابر الوادعي، أحد العلماء، وأوحد(6) البلغاء، وله قصائد غر، وفرائد در، من ذلك قصيدته التي كانت بعد قضية الغز التي في (المولدة) من أطراف بلاد (حاشد)، وكانت بينه وبين الإمام الناصر بن المنصور صدق فيها العراك وتحقق الضرب والطعن(7) الدراك، وسقط الشيخ مخلص الدين - رحمه الله - عن جواده، وحامت عليه صقور الخيول، وحامت عليه الآساد والشبول، وكان هنالك أمر يهول، وخطب شرحه يطول، فلله در أولئك، والله يجزيهم عن سعيهم زرابي الجنة والأرائك، فقال القاضي - رحمه الله - قصيدته منها(8):
حشاشة نفس ودعت يوم(9) ودعوا ... أهابت بقلب في الهوى متقلبِ
__________
(1) في (ب): معاً وإن.
(2) في (أ): يروي.
(3) في (أ): الحلم.
(4) في (ب): معنى فما للأشقيا عنه ما كفوا.
(5) في (أ): فاه.
(6) في (ب): وواحد.
(7) سقط والطعن من (أ).
(8) سقط من (أ): منها.
(9) في (ب): حين.
فلله ما يخفي فؤادي من الجوى ... وقد ركبوا يوم اللوا كل مركبِ
(1) ألا قف برسم الدار مستخبراً لها ... وروق بها جفنيك طوراً وصوبِ
واهرق بها ماء الجفون فإنها ... ستكشف عن مكنون سر محجبِ
أقم يا غراب البين ما شئت وارتحل ... إذا شئت واهتف ما بدا لك وانعبِ
فقد كنت أخشى البين حتى وجدتها ... مفاجئة لا درَّ درُّك فاذهبِ
وإن غراباً صاح للبين مرة ... وسابح يمن مر ليس بأعضبِ
أفادا نوى ميمونه فرقت بنا ... إلى مشعب يفضي إلى خير مشعبِ
إلى سوح عز الدين خير بني الورى ... حليف المعالي الأريحي المهذبِ
(2)ويوم تلاقت بين ركني شوابة ... وذيبين من محض ومن متأشب(3)
كتائب زفتها إلينا وأجلبت ... بنو يافث أطراف أبناء يعربِ
على كل جرداء الأهاب ظميرة ... ومنجرد عبل الذراعين سهلبِ/92/
وجاشت أسود الغاب من كل جانبٍ ... بجرد تسامي في الأعنة شُزَّبِ(4)
ألم يخش درع الهاشميِّ وسرجه ... بذي لبد من أسد حقان أغلبِ
إذا الخيل كرت كرة فلَّ حدها ... بناب ضروب للرجال ومخلبِ
فما ابن طفيل عامر وابن حارث ... عتيبة في جون من النقع أشهبِ
وما كان بسطام بن قيس بن خالد ... إذا ما انتمت فرسان بكر وتغلبِ
ولا ذو لوا الوهاب أعني عمارة ... غداة رمت عبس تميماً بمقنبِ(5)
ولا عنتر والخيل تغزو عوابساً ... عليها من الفتيان كل مجربِ
بأطعن منه والقنا متشاجرٌ ... واضرب للمستليم المتلببِ(6)
__________
(1) زيادة في (ب): ومنها.
(2) زيادة في (ب): وقال في وصف القضية.
(3) متأشب: مُخْتَلِط.
(4) شُزَّبٌ: جمع شَازِب، وهو الخشن، والضامر اليابس. القاموس المحيط 107.
(5) مِقْنَب: مِخْلَب الأسد. ومن الخيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين، أو زهاء ثلاثمائة. القاموس المحيط 131.
(6) في (أ): الملبب.
علي بن أسعد بن إبراهيم
القاضي العلامة الكامل، ولي آل محمد، علي بن أسعد، من ولد الدعام بن إبراهيم من (الجوف)، وهو صهر السيد الكامل إبراهيم بن أحمد بن الحسن بن مجد الدين يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى - عليه السلام -.
علي بن أسعد بن المنعم
العلامة البليغ اللسان، جمال الدين علي بن أسعد بن المنعم بن طويلة الصعدي - رحمه الله - كان عارفاً بليغاً، وآل طويلة بيت بـ(صعدة) قد قلوا، كما قل آل فند، والمذاهبي، وآل زيدان، وآل عليان، وآل شيبان، وآل أبي النجم، فإن هؤلاء بيوت (صعدة) لم يبق منهم إلا النزر، وكان لعلي بن أسعد شعر مما قاله في القاضي العلامة يحيى بن أبي النجم، وأسقطت بيتاً(1) لخفائه عليّ فقال منها:
فقلت لها أرض النبوة أرضنا ... وحكامه الأخيار آل أبي النجمِ
صناديد قد صفاهم الله في الملا ... عن البخل والترديد في العيب والذمِ
نجومٌ كشهبٍ في السماء توقَّدَتْ ... وبدر الدجى فيهم تتوج بالحلمِ
عماد لدين الله يحيى الذي له ... جفان بخبز البر والسمن واللحمِ
(2)له همة فوق السماكين سمكها ... وعزم كعزم المنذرين أولى العزمِ
هو البحرُ علماً والقضاةُ جداولٌ ... وسيماه في وجه غني عن الاسمِ
وأمتعه رب البرايا بسبطه ... أخي المجد إبراهيم ذي الحسب الضخمِ
ولا زال في عز عزيز ونعمة ... مدى الدهر ما هب النسيم على رسمِ
ولعلها طويلة، وهذا القدر كاف.
__________
(1) سقط: بيتاً من (أ).
(2) زيادة في (ب): ومنها.
علي بن أصفهان
شيخ (اليمن) و(العراق)، وإمام العلماء على الإطلاق، علي بن أصفهان، ويقال أصفاهان - رحمه الله - هو واسطة عقد الزيدية النظيم، وآية مفخرهم العظيم، ترجم له غير واحد من علماء (العراق) ممن ترجم له يوسف حاجي الزيدي العراقي، ومنهم يوسف اللاهجاني في كتابه إلى العلامة عمران، ذكره عند ذكر الناصر الرضا، ورواية ولده العلامة أبي المنصور في كتابي(1) أصفهان لكون العلامة(2) الغزالي مات زيدياً /93/، قال: ومكان الفقيه أبي منصور هذا في زمرة الناصرية كالنبي في أمته، وكان تلميذاً لأبيه علي بن أصفهان، وكان أفضل من ابنه أبي منصور بدرجات، وكان تلميذاً للرضى الناصر(3) - رضي الله عنه - وهو كان تلميذاً للغزالي - رحمه الله تعالى - قال يوسف حاجي - رحمه الله -: الشيخ الحافظ علي بن أصفاهان الديلمي ثم الجيلي المدفون في (لاهجان) في موضع يقال له (باكي دشت)، له (الكفاية) - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): بن علي بن.
(2) زيادة في (ب): أبي حامد.
(3) سقط من (ب): الناصر.
علي بن بلال
العلامة الفقيه أبو الحسن علي بن بلال - رحمه الله - هو العلامة المحقق، صاحب التصنيف، فضله(1) في المذهب يلحق بسادته الهارونيين، وله عدة كتب في المذهب منها (الوافر) بالراء المهملة بعد الفاء(2) في مذهب الناصر - عليه السلام - كتاب جليل، وله كتاب (الوافي) على مذهب الهادي - عليه السلام - فلا يذهب عنك أن (الوافر) غير (الوافي) وكلاهما له، فالوافر - بالراء المهملة على مذهب الناصر، والوافي على مذهب الهادي، وله كتاب (المؤخر الصغير)، وأظنه الذي نقل عنه بعض شيوخنا مسألة الهدية، وقبول الناصر لها حيناً، ورده(3) لها حيناً، فإنها نقلت من كتاب ابن بلال ثم قال (4) الناقل من شيوخنا: ثم أنقلها من (الوافر) بل من غيره لابن بلال، ولم أجد في الفقه بعد (الوافر) و(الوافي)(5) غير (المؤخر)، والرواية هي: حدثني حسين الحجام قال: كنت جمعت بالجيل والديلم سبعة آلاف درهم بأجرة الإحتنان حملت من ذلك إلى الناصر ثلاثة آلاف درهم صحاح هدية له، فلم يقبل، وقال: أنا أحتاج أن(6) أعطيك يا حسين، فكيف آخذ منك؟ ثم قال في الكتاب(7) هذا: حدثني أبو داود، قال: جاء رجل جيلي (8) شكسكوهي بزقٍ فيه رُبٌّ إلى الناصر هدية، فقبلها الناصر، وأمر بأن يسلمه إلى خادم له يقال له (لهو)، ثم جاء صاحب الرب بعد ثلاثة أيام بخصومة ودعوى له على رجل، فلما قدم صاحب الرب خصمه إلى الدعوى، أمرنا الناصر أن ندعو خادمه، ونأمره برد رُبِّه(9)، فجاء خادمه به فأبى الرجل أخذه، فامتنع(10) أن يأخذه، فلم يتركه الناصر دون قبضه وأخذه. وحدثني أبو جعفر الفقيه سولس بنحوه، ونظير ذلك ما حدثني به أبو العباس المعروف بنير قال: جاء
__________
(1) في (أ): فمثله.
(2) في (ب): بعد الألف [ولعل الصواب بعد الفاء].
(3) في (أ): ومرده.
(4) في (ب): وقال.
(5) في (ب): والكافي.
(6) سقط من (أ): أن.
(7) سقط من (ب): في الكتاب.
(8) سقط من (ب): جيلي.
(9) في (ب): رب.
(10) في (ب): وامتنع.
رجل ودفع إلى الناصر سفرجلة، فأخذها الناصر، وشمها، ووضعها بين يديه، فلما كان بعد ساعة، جاء صاحب السفرجلة بخصم له مُدَّعىً عليه، فلما بصر به الناصر كذلك رد إليه سفرجلته من ساعته. ونظير ذلك ما حدثني به أبو موسى الشيخ سلوس قال: هيأ أخي بالجيل للناصر مائدة من الطعام وحملاً وسموكاً وغيرها، فذهب بها إليه، فقال له الناصر: ألك مع أحد دعوى وطلبة؟ فقال: لا، فلما علم ذلك قبلها. وحدثني عبد الله بن الحسن الإيواري قال: كنت حملت إلى الناصر شيئاً من الفواكه إلى (شالوس)، فامتنع من قبوله، فدنوت منه، وقلت: إن فاطمة - عليها السلام - قبلت من سلمان هديته وأنت تمتنع مما عملت فاطمة /94/ وأخذت واحداً منها، وأدخلته في يده حتى قبض واحداً، ثم إن علي بن بلال حقق هذه المسألة بعد نقل هذه الروايات ونحوها، وهو - رحمه الله - الذي(1) تمم (المصابيح) كتاب أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني - عليه السلام -؛ لأنه نقل إلى جوار الله، وهو في ترجمة يحيى بن زيد. قال ابن بلال ما لفظه: كان الشريف أبو العباس الحسني - رضي الله عنه - ابتدأ هذا الكتاب، فذكر جملة أسامي الأئمة في أول ما يريد ذكر خروجهم، فلما بلغ إلى خروج يحيى بن زيد إلى (خراسان) حالت المنية بينه وبين إتمامه، فسألني بعض الأصحاب إتمامه، فأجبت إلى ملتمسهم محتسباً للأجر، وأتيت بأسمائهم على حسب ما رتب هو، ولم أقدم أحدهم على الآخر. قال يوسف الحاجي الزيدي: دفن ابن بلال في قرية (وارقويه حالة زر). انتهى.
علي بن جبريل بن الحسين
السيد الأمير الكبير علي بن جبريل بن الأمير الحسين بن محمد مؤلف (الشفا) - عليهم السلام - ذكره ابن الجلال فيما أحسب قال: كان زاهداً عارفاً كاملاً، مات بهجرة (رغافة) - رضي الله عنه - ورحمه(2) آمين.
__________
(1) في (أ): التي.
(2) في (ب): - رحمه الله - ورضي عنه آمين.
علي بن جعفر الصادق
السيد الحجة الإمام الخطير برهان الحق لسان العترة على ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر - عليهم السلام - يكنا بأبي الحسن ويلقب بالعريضي قرية على أربعة أميال من المدينة، وكان أصغر ولد أبيه وخرج مع أخيه محمد بن جعفر بمكة، ثم رجع عن ذلك ولم ير أباه جعفر الصادق، وكان عالماً كبيراً وأكثر روايته عن أخيه موسى الكاظم وابن عم أبيه الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وعاش إلى أن أدرك الهادي علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم، ومات في زمانه، قال الشريف ابن عنبة: قال (شيخنا) (1) العمري: حدثنا شيخنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن إبراهيم الفقيه المصري، وكان لا يسأل إذا أرسل، (ثقة) (2) واطلاعاً أن أبا جعفر الأخير وهو محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق، و(3)دخل على العريضي فقام له قائماً وأجلسه في موضعه ولم يتكلم حتى قام فقال له أصحاب مجلسه: أتفعل هذا مع أبي جعفر وأنت عم أبيه، فضرب بيده على لحيته وقال: إذا لم ير الله تعالى هذه الشيبة(4) أهلاً للإمامة أراها أنا أهلاً للنار.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) فراغ في (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): المشيبة.
علي بن جهشيار
علي بن جهشيار العالم الكبير صاحب القاسم - عليه السلام - وراوي مسائله، وقد عددنا أصحاب القاسم - عليه السلام - في موضع، منهم علي هذا وأولاد القاسم جميعهم، محمد والحسن والحسين واود وسليمان، ومنهم محمد بن منصور المقري والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي عم يحيى بن عمر الخارج بالكوفة، ويحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله صاحب الأنساب المعروف بالعقيقي، وله إليه مسائل، ومنهم عبد الله بن يحيى العومسي(1) العلوي الذي أكثر الناصر للحق الرواية عنه، ومنهم محمد بن موسى الحواري العابد، روي عنه فقهاً كثيراً، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن سلام الكوفي صاحب فقه كثير، وممن لازمه وخدمه أبو عبد الله الفارسي - رحمه الله - كان يخدمه /95/ ويلازمه في أسفاره وحضوره وانتفع بعلوم القاسم وعادت عليه بركاته، وكان يحكي من أخبار القاسم - عليه السلام - ما هو نافع للمتبصر، حكى أنه حج مع القاسم قال: فاستيقظت من النوم بعض(2) فافتقدته، فخرجت فأتيت المسجد الحرام فإذا أنا به وراء المقام لاطئاً بالأرض ساجداً وقد بل الترب(3) بدموعه وهو يقول: من أنا فتعذبني(4)، فوالله ما يشين(5) ملكك معصيتي ولا يزين ملكك طاعتي. وروى الفارسي - رحمه الله - أنه لما اشتد الطلب للقاسم - عليه السلام - أظنه قال في أوائل بلاد مصر، فانتهى إلى خان فأكترى خمس حجر متلاصقات فقلت له: يا ابن رسول الله، نحن في عوز من النفقة ويكفينا حجرة من هذه الحجر، ففرغ حجرتين عن اليمين وحجرتين عن اليسار ونزلنا معه الوسطى منهن وقال: هو أوقى لنا من مجاورة فاجر وسماع منكر.
__________
(1) في (ب): القومسي.
(2) في (ب): بعض الليل.
(3) في (ب): الثرى.
(4) في (ب): ما أنا.
(5) في (ب): تشين.
علي بن الحسن بن علي
السيد الإمام الكبير المجتهد الحافظ شيخ الشيوخ علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - والد الناصر الكبير شيخ العترة، كان من المحدثين والفقهاء، ناظورة زمانه، وكان محدث أهل البيت الحسين بن علي المصري صنو الناصر يروي عنه مشافهة، وكذلك السيد الإمام المحدث أحمد بن محمد بن عم الناصر، وعن طريقهما روى الناصر ما حكاه صاحب الحاصر عنه، وهو أنهما رويا للناصر عن أبيه علي بن الحسن المذكور أنه قال: حدثنا علي بن عبد الله بن الحسين عن موسى بن جعفر في قوله تعالى: ?وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً?[آل عمران:97]، فهذا لمن له مال يسوقه من أجل تجارة فلا يسعه، فإن مات على ذلك فقد ترك (شريعة)(1) من شرائع الإسلام إذا ترك الحج وهو واجد ما يحج به وإن دعاه قوم إلى أن يحج فاستحيا من ذلك فلا يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو(2) على حمار أبتر أجدع، وقول الله تعالى: ?وَمَنْ كَفَرَ?، فإنما يعني من ترك الحج وهو يقدر عليه، انتهى.
علي بن الحسن بن الحسن
السيد الكريم بركة آل محمد الأطهار ونور تلك الشموس والأقمار علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال في ترجمة له بعد ذكر نسبه ما لفظه:
خير الرجال تجارة خير الورى ... لكنه جهل الرجال محله
صلى الإله عليه بعد جدوده ... والله يكرمه ويكرم أصله
كان يكنى أبا الحسن، قال ابن عنبة: هو العابد ذو الثفنات، استقطع أبوه عين(3) مروان، فكان لا يأكل منها تحرجاً، وكان مجتهداً في العبادة وحبسه المنصور الدوانيقي مع أهله، فمات في الحبس - رحمه الله - انتهى.
__________
(1) زيادة في (ب).
(2) زيادة في (ب): كان.
(3) في (ب): غير.
علي بن الحسن الحسني
السيد العلامة علي بن الحسن الحسني النعمي - رحمه الله - قاضي المخلاف وعماد إقليمه، كان - رحمه الله - سيداً سرياً فاضلاً كاملاً يهتز للأدب والعلم ويحفظ الأخبار والآثار ويطلع على القصص المتقدمة والمتأخرة، وكان يأتي على …… /96/ أكثر الكشاف غيباً، وعمر فانتفع به أهل الإقليم، ومسكنه جهة سلفة بنحو (شرف والسلام) (1)، واتخذ بيتاً (بعتود)، وكان عليه مدار ذلك المخلاف، وكان واسع الصدر، وله فصاحة، ومن شعره (قصيدة نبوية وهي) (2):
(……)(3)
وله أولاد نجباء علماء أعيان، منهم السيد العالم عز الدين بن علي قاضي أمير المؤمنين المتوكل على الله الموجه كل عام لفصل الخصومة مع ركب الحج وهو من نجباء السادة وفضلائهم، وله شعر متين وأخوته الأجلاء شمس الدين أحمد والحسن وإبراهيم وجماعة فضلاء - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): فراغ.
(2) فراغ في (ب).
(3) بياض في (أ) وفي (ب).
علي بن الحسن
السيد الجليل عالم المدينة النبوية وواسطة عقد العصابة الحسنية والحسينية علي بن الحسن النقيب بن علي النقيب بن الحسن بن علي بن شدقم بن طامن بن محمد بن عرمة بن مكيثة بن ثوبة بن حمزة بن علي بن عبد الواحد بن الأمير مالك بن الأمير شهاب الدين بن الأمير أبي عمارة المهنأ الأكبر بن الأمير أبي هاشم داود بن الأمير أبي أحمد القاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى النسابة بن الحسن بن جعفر الحج بن عبد الله الأعرج الأول(1) ابن الحسين الأصغر بن علي بن زين العابدين بن الحسين السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو كما قال بعض علمائنا عند ترجمته: هو عالم المدينة في زمانه وعين أهل البيت - عليهم السلام - في أوانه وأكثر أهل بيته على مذهب الإمامية وبيدهم الغلبة على الحرم النبوي كما ذلك معروف غير أن هذا الشريف سدده الله فحرص على علوم أهل البيت الأئمة وراسل الإمام القاسم واستجاز منه وعوجل الإمام عادت بركته قبل كتابتها فكمّل ذلك ولده المؤيد بالله في عام أربع وثلاثين وألف ونسبه المذكور نقله الفقيه محمد بن أبي القاسم المطهري التهامي الزيدي، قال: كتبه له ولده شدقم بن علي - رحمه الله تعالى -.
علي بن الحسن بن محمد(2)
السيد العالم علي بن الحسن بن محمد بن أحمد بن وهاس الحسني من المعافية سادة المخلاف، كان عالماً عاملاً رحل إلى صنعاء وقرأ في السر ببلدة (عيال الشيخ)، وكان نبيهاً نبيلاً فاضلاً - رضي الله عنه -.
__________
(1) كذا
(2) هذه الترجمة ساقطة من (ب).
علي بن الحسن بن سرح
العلامة الفقيه الفاضل جمال الإسلام علي بن الحسن بن سرح بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي - رحمه الله - هو علامة وفاضل شهير ترجم له العلامة المجتهد محمد بن سليمان صاحب (الروضة) المعروف بإمام المذاكرين قال ما لفظه: كان علي بن الحسن معروفاً بالفضل مشهوراً موصوفاً بالعلم قاضياً للهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام - في مسجد الجامع بقرية مدر، وله أعمال هنالك شاهدة بذلك من أمواله ودوره (قارين والحضيرة(1)) مذكورة في بصائر وتواقيع، ومن دوره القصر الأبيض الذي كان فيه صورة الشمس والقمر وكانت طاقاته مخروطة(2) من حجارة منجورة كأنها صنعت من عود وهما مما يلي القصر الأسود /97/ انتهى.
__________
(1) في (ب): والحضيرين.
(2) في (ب): محروقة.
وعلي بن الحسن هذا يجمع نسب آل أبي الرجال الذين في الرياضة في الحجاز والذين في (بيش) والذين بظاهر بلاد الأشراف، قال الشيخ عبد الله بن العباس السرجي: ذلك(1) في كتاب (لطائف المنن) في ذكر من دخل من قريش الشام و(2)اليمن، وكذلك في (العقد الفريد في أنساب بني خالد بني أسيد) أن الحسن المذكور والد علي جد القضاة آل أبي الرجال دخل العراق في دولة بني العباس، فسكن في (الحيرة)، وكان من أهل الفضل والعلم والشجاعة والكرم والصدقات، فمال إليه الناس بالإحسان، وكانت امرأته من الصالحات الكاملات، ولم يرزق منها ولد إلا بعد مدة طائلة، فلما بلغ الولد سنتين جمع أهل بلاده وكان يملك(3) من الخيل قدر مائة وصاحب آلاف فاراد ختان ولده هذا في يوم عيد عرفة، فجلس في يوم الوقوف في بعض أماكن البيت، والولد نائم عنده، فقام يصلي فدخل ثعبان من طاقة المكان فلدغ الولد وأدبر الثعبان فافتقد الحسن ولده فألفاه ميتاً، فصلى ركعتين وحمد الله وأثنى عليه ولم يظهر(4)، ثم أنه طلع إلى عند زوجته وقال لها: أما تعلمين أن جميع ما نملكه من الخيل والرزق والبلاد من الله ونحن وصلنا فقراء؟ فقالت: نعم. قال: فإذا أخذ منا ما أعطانا وتركنا فقراء كما كنا ماذا يكون؟ قالت: نحمده ونشكره. قال: والولد الذي أعطانا كذلك؟ قالت: نعم. قال: قد استرجع الولد علينا فلا تغيري سرور الناس بالعيد، واظهري الفرح والسرور وقولي في وقت آخر نختنه. فقامت فصلت ركعتين وحمدت الله(5) تعالى وأثنت عليه. وأظهرت السرور وقبر الولد خفية في الليل ولم يطلع عليه أحد، ثم أنه باشر زوجته ثالث العيد فحملت فولدت(6) أربعين ولداً ذكوراً في قرعة واحدة ففرقهم في بلاده فأرضعوهم فعاشوا جميعاً ما مات أحد منهم حتى ركبوا الخيل وأولدوا وما مات
__________
(1) في (ب): ذكر.
(2) في (ب): أو اليمن.
(3) في (ب): يملك.
(4) في (ب) زيادة: لأحد.
(5) في (ب): حمدت الله سبحانه.
(6) في (ب): فولدت له أربعين.
الحسن أبو هم إلا وقد ولد لكل ولد من عياله خمسة أولاد، فسمي بأبي الرجال. (1)
قلت: ونظير هذا ما ذكره الذهبي في النبلاء في ترجمة أبي عبد الله البجلي قال: قال البجلي: كان ببغداد قائد من قواد المتوكل، وكانت امرأته تلد البنات، فحملت مرة فحلف القائد إن ولدت هذه المرة بنتاً قتلتك بالسيف، فلما جلست للولادة هي والقابلة ألقت مثل الجراب وهو يضطرب فشقوه فخرج منه أربعين ابناً وعاشوا كلهم (وأنا رأيتهم) (2) ببغداد ركباناً فرساناً خلف أبيهم، وكان اشترى لكل منهم ظيراً ونحوه، ما حكاه أحمد بن ركانة قال: أخبره الإمام الكرماني أن عندهم امرأة بكرمان ولدت كيساً(3) خمسة وأربعون ولداً عاش أكثرهم ورأيت بعض نسلهم ويعرفون ببني الهريس. ونحو ذلك ما ذكره البريهي في بعض علماء الحجرية وبلاد المعافر.
__________
(1) في (ب) زيادة: لهذا.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): كيساً فيه.
قلت: وقد تسمّى بأبي الرجال جماعة ذكرهم النسّاب، منهم بعض بني الحسين السبط كمحيي الدين الجيلاني عند من أثبت نسبه وهو الأظهر، ومنهم من ولد عمر بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - ذكره بقية النقباء المرتضى الحسيني في شجرته، ومنهم محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أحد رجال الصحيح، ومنهم بطن بالأحساء أحسبهم من (طي) والله أعلم. ومنهم المنتسبون إلى عمر بن الخطاب ولعمر بن الخطاب عقب كثير، قال في (قلائد /98/ الجمان): العمريون موجودون الآن بكثرة بمصر والشام وغيرهما، وقد ذكر في (مسالك الأبصار) أنه وفد منهم طائفة على الفائز الفاطمي بالديار المصرية في وزارة الصالح طلائع(1) بن رزنك في طائفة من قومهم بني عدي ومقدمهم شمس الدولة خلف ابن نصر، ثم ذكر في مسالك الأنصار أن آل عمر بن الخطاب جماعة واسعة بثغر (دمياط) و(الرلس)(2)، وأحال في بسط ذلك على كتابه المسمى (بفواضل السمر) (3) في فضائل آل عمر، وذكر أن بوادي بني زيد من بلاد الشام فرقة منهم، وكذلك بالقدس و(عملون(4) و(البلقى)، انتهى. قال في القلائد: ومن المنتسبين إلى عمر بنو فضل الله كتّاب السر الشريف بمصر والشام، وذكر المعز السهامي أنهم من ولد حلف بن نصر المقدم ذكره، ومن العمريين القاضي شمس الدين العمري والقاضي ناصر الدين الدلسي(5) الكاتبان، ومنهم الحفصيُّون ملوك أفريقية، وهم أولاد أبي حفص أحد العشرة أصحاب ابن تومرت، لكن في نسبهم شيء قيل هم من قبيلة عمر لا عقبة، وقيل: من البربر، انتهى. ومنهم بصنعاء العدد الكثير منهم أبو زيد محمد(6) بن الخطاب العدوي الآتي ذكره في ترجمة محمد بن الوقار والله أعلم.
__________
(1) في (ب): طلاح.
(2) كذا.
(3) في (ب): الفواصل السمر.
(4) كذا.
(5) كذا.
(6) في (ب): أبو زيد بن محمد بن أبي الخطاب.
علي بن الحسن النعمي
العلامة الفاضل علي بن الحسن النعمي - رحمه الله - أحد العلماء الفضلاء وفد(1) إلى الإمام شرف الدين مع الفقيه محمد بن أحمد بن إبراهيم والي (ينبع) للإمام - عليه السلام -.
علي بن الحسن الدواري
العلامة الفقيه الفاضل علي بن الحسن(2) الدواري - رحمه الله تعالى - من شيوخ السيد صلاح ابن الجلال، كان عالماً كبيراً، وله ترجمة تنقل إن شاء الله.
علي بن الحسين بن يحيى
الأمير الفاضل سلطان المحققين علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى صاحب (اللمع) و(الدرر) إنسان العترة وسيدهم وفاضلهم في وقته جدد الآثار وقرر العلوم واتفقت على فضله الزيدية واعتمدت كتبه، وكان متواضعاً، ودليل ذلك جوابه على العلامة حميد الشهيد لما قام(3) الأمير بمسجد الغزالي بصنعاء أيام الغز وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية، وهي مأخوذة من التجريد والتحرير للسيدين، وله (الكوكب) وله (القمر المنير) على التحرير، وله مذاكرة لعلها غير القمر المنير، وله (الدرر في الفرائض)، وله غير ذلك، ومن وجوه تلامذته العلامة بن معرف، وروى السيد يحيى بن القاسم الحمزي أن الأمير علي أذن للإمام أحمد بن الحسين في إصلاح القمر المنير وقبره - رحمه الله - في (قطابر) شهير مزور.
__________
(1) في (ب): من.
(2) في (ب): الحسين.
(3) في (ب): أقام.
علي بن الحسين بن محمد
القاضي العلامة بحر العلوم الطامي وجبل الحلوم السَّامي صاحب العبادة والزهادة وخلوص الطوية علي بن الحسين بن محمد بن علي بن محمد بن غانم بن يوسف بن الهادي بن علي بن عبد العزيز بن عبد الواحد بن عبد الحميد الأصغر بن عبد الحميد الأكبر، هكذا رقم نسبه القاضي شمس الدين أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - إلى عبد الحميد، ولم يزد عليه ونسب عبد الحميد مشهور مذكور من بني المنتاب سلاطين مسور، ولهم عقب هنالك مشهور منهم من سكن وادي عيال علي ببلاد مسور وسكن هؤلاء القضاة (وادي صارة) (1)، فهم بيت شهير، لهم في التشيع نمط متحد لا يختلفون فيه وخاتمة بيت العلم منهم عقب القاضي حسين بن محمد - رحمه الله - فأما عقب سعد الدين فقد /99/ انقطع بموت القاضي أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - وأما عقب علي المذكور فبقي منهم طفل صغير بتعز العدنية ابن لمحمد بن علي بن الحسين ثم درج وكان محمد هذا ديناً لبيباً يجيد الترسل ويحسن الشعر على نهج أهله وتعلق بالطب وهو الذي لمح إليه والده في قصيدته التي أنشأها(2) بالقدوم وهي (3) واستقر القاضي علي بن الحسين رضي(4) الله عنه مدة بجهة (فملا(5) الوعلية) من مسكن الشرف الأعلى ورحَل إلى صنعاء وقرأ بها وحقق في جميع العلوم سيما في المعقولات وكان مع ذلك كثير العبادة حسن السمت محبوباً عند كل أحد، ومما شاع في الألسن على العموم لو أن في الأرض ملائكة يمشون كان القاضي علي بن الحسين منهم، ورويت هذه اللفظة عن إمامه المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام - وهو شيخ شيخنا العلامة شمس الدين في كثير من العلوم، كان يأتيه القاضي صفي الدين من (تهجر)(6) ابن المكردم إلى القدوم أيام سكونه فيه كل يوم فيقرأ عليه جميع نهاره، ثم يعود إلى الهجر وأخبرني القاضي صفي الدين أنه
__________
(1) في (ب): وادي صارهم.
(2) في (ب): أنشدها.
(3) بياض في (أ) و (ب).
(4) في (ب): - رحمه الله -.
(5) كذا.
(6) في (ب): هجرة.
كان يشاهد من يصحبه من الجن ويسير بسيرته، قال القاضي صفي الدين عند ذكر مشيخته عند ذكر والده وعمه المذكور أما عمي ووالدي علي بن الحسين بن محمد المسوري وسعد الدين بن الحسين المسوري نور الله قبورهما وبيض وجوههما فإنهما - بعد الله ورسوله وأئمة الهدى - أصل هدايتي وعنوان رحمة الله لي بما رزقني من تأديبهما وتهذيبهما وتعليمهما وإرشادهما وتلقينهما إياي فوائد العلم وغرائب الحكم وتغذيتهما إياي بحب الله عز وجل وحب رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وحب أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، انتهى. وكان القاضي - رحمه الله - حليف القرآن رطب اللسان به لا يزال مواجهاً للقبلة وكان له في الشعر قدم راسخة، وقد تكرر ذكر شيء من أشعاره في هذا التاريخ، ومن مخترعاته قوله في كرسي النسخ:
صبرت على شقي بنشر وإن لي ... بيحيى نبي الله أسوة عارف
فجوزي جنات النعيم بصبره ... وجوزيت عن شقي بحمل المصاحف(1)
وصرت خليل الأتقياء ولم أزل ... على حالةٍ يرضى بها كل عارف
وله قصيدة يستحث بها الإمام القاسم - عليه السلام - على شرح الأساس، توفي - رحمه الله - بمدينة صبياء من (المخلاف السليماني) الثاني عشر من ذي القعدة من عام أربع وثلاثين وألف، وهو متوجه لفريضة حج البيت الحرام وقبر - رحمه الله - عند المسجد المعروف بمسجد السيد عقيل من مساجد سادة الزيدية - رحمهم الله -.
__________
(1) في (ب): بنات المصاحف.
علي بن الحسين بن محمد شاة
العلامة الكبير رئيس العراق حجة الزيدية أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد شاة شين ……(1) بيحان الزيدي، هو صاحب (المحيط بالإمامة)، وهو كتاب حافل في مجلدين صخمين أو أكثر على مذهب الزيدية كثرهم الله تعالى جمعه الشيخ أبو الحسن المذكور وهو كالشرح لكتاب (الدعامة) للإمام أبي طالب وإن كان على غير ترتيبه(2)، وقرأ على أبي الحسن علي بن أبي طالب الملقب بالمستعين.
علي بن الحسين الأثري
الأستاذ الشيخ المحقق علي بن الحسين الأثري الأيواري، شيخ العلامة أبي جعفر صاحب الإبانة، كان علي بن الحسين عالماً كبيراً /100/ قرأ على الأستاذ أحمد النيروسي الروياني وهو قرأ على عبد الله بن الحسن الأيوازي الروياني وهو قرأ على الناصر - عليه السلام - والناصر - عليه السلام - قرأ على محمد بن منصور، ومحمد بن منصور قرا على القاسم(3) - عليه السلام - وبذلك اجتمع إسناد أهل اليمن.
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
(2) جاء في حاشية (ب): وقرأه عليه العلامة زيد بن الحسن البيهقي، قراءة فهم وضبط، هكذا حققه القاضي أحمد بن سعد الدين، والعلامة صاحب المحيط... [بقي كلمتين لم أتمكن من قراءتها].
(3) زيادة في (ب): بن إبراهيم.
علي بن حمزة بن أبي هاشم
السيد الإمام المتقن علي بن حمزة بن أبي هاشم بن الحسين بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي - رحمه الله - روى أبو فراس بن دعثم عن الشريف الفاضل قاسم بن يحيى عن عمر بن سليمان بن قاسم قال: كان علي بن حمزة بن أبي حمزة بن أبي هاشم(1) رجلاً فاضلاً عالماً ورعاً وحيداً في عصره، يومى إليه بالقيام، وأنه لما دعا الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين - عليه السلام - في ناحية العراق وسأل عن أفضل أهل البيت في ناحية اليمن فقيل له أفضل آل رسول الله (- صلى الله عليه وآله وسلم -) (2) في اليمن علي بن حمزة بن أبي هاشم، فأمر الإمام(3) المؤيد بالله بدعوته إليه لينشرها في اليمن، فوصلت إليه فكره القيام بها لما كان قد عرف من سيرة أهل البلاد وقلة وفائهم؛ لأنه قد كان قام محتسباً وجاهد بني الرواحي وحصرهم وقال: لكني أعين من قام فقام بها المحسن بن الحسن - رحمه الله - ولم يزل معه ومع أولاده إلى وقت قيام المنصور بالله، انتهى. وروى القاضي علي بن نشوان عن عواض بن مسعود أن علي بن حمزة بن أبي هاشم كان صاحب دين وطهارة مذ نشأ ودرس في العلوم ومحبة لأهل الدين ورحمة للمساكين وإحسان جم إليهم مع ثروة ويسار في عصره، وكان يُمدح بالأشعار ويجيز عليها بالجوائز السنية فوفد إليه والي أخيه يحيى بن حمزة شاعر من أهل صنعاء يقال له: علي بن زكري فامتدحهم بشعره وذلك في أيام الشريفة الكاملة زينة (بنت) (4) حمزة بن أبي هاشم رضي الله (عنهم)(5)، وكانت مشهورة بالفضل وسماحة النفس والمروءة الفاضلة والرأفة بالمساكين والعلم وكان لها (بن كثير ومحصول واسع)(6) في سبيل الله فذكرها الشاعر في شعره (فكسته) (7)
__________
(1) في (ب): علي بن حمزة بن أبي هاشم.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): فأمر الإمام من ولد المؤيد بدعوته.
(4) في (أ): ابنة.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): بر كثير مع محصول واسع.
(7) في (أ): فسكته.
- رحمها الله - وأجازه كل واحد من الشرفاء وأجازه الشريف الفاضل علي بن حمزة بجائزة سنية وحمله على بغلة أو راحلة قال علي بن نشوان غاب عني أيهما كان ومما حفظ من الشعر:
دع الشعر وامدح(1) خير هاشم عنصراً ... علياً حمام الضد عند التكافح
فتىً فاضلاً يسمو على الناس كلهم ... بعلم وعقل في البرية راجح
غياث اليتامى مشبع الضيف باذل ... العطايا لغادٍ في الأنام ورائح
ترى الناس أفواجاً لدى سوح داره ... كحجاج بيت الله عند الأباطح
وقال الشيخ أبو الغمر مسلم(2) في السيد الإمام علي بن حمزة المذكور يستنهضه للقيام:
مرت على الحارة في سحرة ... وسات(3) الشمس ينسري (وبيق)
وفي عجيب رقصت ساعة ... كفعلها في غيره ما تطيق
وفي شعاب وضعت رأسها ... يحسو زلالاً بارداً ما يفيق(4)
مرت بأبيات بني قرود ... وهيا(5) وسودان تؤم الطريق
ولم تعج بالحي من محزر ... لا يبلغ الحادي على الأنزريق
واستقبلت ذيبين مسرورة ... إذ نزلت بالفاطمي العتيق
/101/ أشوس من غر بني هاشم ... مستنقذ الجاني وغوث الرفيق
فشدَّ كالصارم في العزم بل ... كالبحر يلقاك بوجهٍ طليق
لم يصبح الكأس ولا هاجه ... نوح حمامات بوادي العقيق
ولا دعا الساقي في سحرة ... أن هات صرفاً من عصير الرحيق
قم فانعش الحق وأشياعه ... فأنت بالمرجو منه خليق
توفي الإمام السيد علي بن حمزة في شوال سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقبره غربي هجرته وهجرة سلفه، بحيط حمران مسكن القضاة آل أبي الرجال بذيبين مشهور مزور، وله كرامات.
__________
(1) في (ب): وامتدح... [لم أتمكن من قراءتها] وذكر في الحاشية: ينظر في أول المصراع.
(2) في (ب): مسلم اللحجي.
(3) في (ب): وسامت.
(4) في (ب): ما تفيق.
(5) في (ب): وهنا.
علي بن حميد بن أحمد
العلامة المحدث الشيخ الأجل علي بن حميد بن أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى بن إبراهيم وإبراهيم هذا هو المعروف بالأنف بن أحمد بن الوليد بن أحمد بن محمد بن عاصم بن الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي - رضي الله عنه - هو علامة وقته وخالص المودة لأهل بيت نبيئه على(1) منهاج محمد بن أحمد بن الوليد شيخ الإسلام وحافظ الزيدية في كل طرائقه وطرائق محمد بن الوليد هي المثلا وخصاله بلا ريب هي الفضلاء، وقد سبقت ترجمة حميد والد علي هذا وحكينا الخلاف، هل هو أخ لمحمد بن أحمد أو حميد اسم آخر، وهو الأظهر، وكان علي هذا فاضلاً كاملاً مشرفاً على علوم آل محمد، والعجب من أهل هذا البيت المبارك كيف صدقوا في ولاية آل محمد صلوات الله عليه وعليهم وبلغوا في الشفقة عليهم والرأفة بهم مبلغاً ما بلغه غيرهم مع كون سلفهم في الطرف الاخر، فلسان حالهم(2) كما قال بعض الموالين للعترة من بني أميَّه:
يا بني هاشم بن عبد مناف ... إنني منكم بكل مكان
ولئن كنت من أمية إني ... لبريء منها إلى الرحمن
__________
(1) زيادة في (ب): كان.
(2) زيادة في (ب): يقول.
ومن مصنفات علي بن حميد (شمس الأخبار)، وهو كتاب كاسمه، وهو خميص بطين ينتفع به الفقيه والزاهد وطبقات الراغبين في الخير مع جودة اختصار ونجابة في الأمهات، ولما فرغ من أربعة كراريس منه حملها إلى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - فسر بها سروراً عظيماً وتهلل وجهه فرحاً، ثم تبسَّم ورفع رأسه إلى والد علي الشيخ محي الدين، ثم قال: هذا مصنف (منفرد)(1)، ثم التفت إلى علي وقال: له: اجعل نوبك(2) من معاونتنا أن تطلب لنا من ينسخ لنا هذا الكتاب، ثم أمر لي بالورق والأجرة، ثم قال: تؤثر نساخته على سائر النساخات، فأجبته إلى ما سأل وكانت نسخته - عليه السلام - أول نسخة لهذا الكتاب، ثم قال لي - عليه السلام - بعد ذلك: قد صار معك (ما يكفي من الأخبار)(3)، وفوق الكفاية، فازدد من علم أصول الدين واقرأ في كتب أصول الفقه من غير شيخ تقرأ عليه، فإن أصول الفقه معان قريبة المتناول، هذا كلامه بلفظه، واتفق في أثناء هذا التأليف انكسار خاطر هذا الفاضل واشتغال باله بالحادث الذي عم غمّة المسلمين وهو قتل الغز أخزاهم الله للأمير مجد الدين، قال الشيخ علي ما لفظه: هذا آخر شمس الأخبار، قضيت فيه جميع الأوطار، بأحاديث نبوية أنوار، في الترغيب والإنذار لمن يصدق ويخاف عذاب النار، ويلتمس رضاء الله العزيز الغفار، والحمد لله على ما أعان في /102/ الابتداء والتمام وصلى الله على سيدنا ونبيئه محمد خير الأنام(4) وعلى المطهرين من آله الكرام وعلى الصحابة والتابعين مدى الأيام، صلاة لمحمد خاصة ولأولياء الله بالإعمام، ?إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ?[الأنبياء:106] ?إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ?[ق:37]، ولا حول ولا قوة إلا
__________
(1) في (ب): متقن.
(2) في (ب): نوبتك.
(3) في (ب): من الأخبار ما يكفي.
(4) في (ب): وصلى الله على نبيه خير الأنام.
بالله العلي العظيم، وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وهو التواب الرحيم، كان الابتداء من(1) تأليف هذا الكتاب في شهر الحجة أُخر شهور سنة ست وستمائة سنة ووافق الفراغ من مسودته غير مرتبة وقصاصة تلك المسودة وتبويب أحاديثها في مسودات آخر - أيضاً - وإلحاق كل حديث ببابه وبموضعه، إما في أول الباب أو وسطه آو آخره حسبما اقتضاه النظر والتمكن، ثم نساختها على ذلك ثابتاً إلى النسخ المرتبة، كان ذلك ليلة الجمعة المسفر عنها اليوم الرابع عشر (والثالث) (2) عشر من شهر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شعبان من شهور سنة ثمان وستمائة، وفي هذا اليوم المذكور خرج مولانا أمير المؤمنين إلى شظب وبلاد قحطان وحجور فما رجع حتى فتح الله على يديه والحمد لله رب العالمين، ولعل قائلاً يقول: ما هذه المدة الطويلة في ذلك، ويجاب بأنه كان يتخلل في هذه المدة (سفر وتبطيل)(3) للعناية في ذلك بسبب التحيّر والتنقل من شر الغز أعداء الله وأعداء أمير المؤمنين عبد الله بن حمزة - عليه السلام - زاده الله نصراً وتمكيناً، وهو - عليه السلام - أقام قواعد الدين وأحيى مآثر الأنبياء والمرسلين، وكان مما أنعم الله به وعلى يديه - عليه السلام - إن من أسباب حصول هذا التصنيف سعايته وعنايته بإقامة المدرسة المنصورية بحوث، جزاه الله عن الإسلام خيراً، وصل الله على محمد وآله (وسلم)(4)، و- أيضاً - كان طول المدة في هذا التصنيف لأني انفردت بالعناية(5) في ذلك وحدي بغير معين من المخلوقين و- أيضاً - فلو تدبر من يقف على هذا المجموع من له بصيرة وتجربة في أمثال ذلك لعرف أن هذه(6) قليلة في جنب ما يحاول من العناية في هذا الكتاب حالاً بعد حال حتى أن بعض الأخوان
__________
(1) في (ب): بتأليف.
(2) في (ب): أو الثالث.
(3) في (ب): سفير وتبطل.
(4) في (ب): وصلى الله على نبيه خير الأنام.
(5) زيادة في (ب): فيه.
(6) زيادة في (ب): المدة.
أيدهم(1) لما نظر إلى مسودة هذا الكتاب قبل ترتيب أحاديثها قال لي: إنك تحتاج في ترتيبها لبث سنين، وإنما قال ذلك لما رأى تلك الأحاديث متداخلة مشتبكة غير متميز فن منها عن فن، فمن الله عز وجل وأعانني وحصل نقلها مرتبة في شهرين عوضاً عن السنتين فالحمد لله رب العالمين، و- أيضاً - فكان مما أبطاني عن تمام هذا الكتاب أن فقدت كمال عقلي مدة أيام في وقت معظم الحاجة إلى إنشراح الخاطر وذلك في حالة الترتيب، فأمسكت في ذلك وكيف لا أمسك وقد استرخت مفاصلي وحصل معي الوهى واقتباس(2) الأبناء فلا أهتدي للوجه المقتضي للنظم والاتصال، وكان ذلك عند وصول العلم (بنقل)(3) الأمير مجد الدين سيف أمير المؤمنين ليث المجاهدين حليف اليقين العلامة مرتضى الخلافة البائع نفسه من الله المشهد على نفسه بذلك يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى /103/ بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق - عليه السلام - جعلنا الله عنده من خواص أتباعهم وحشرنا في زمرتهم مع الذين أنعم الله علهيم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، ?ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا?[النساء:70]، والحمد لله رب العالمين، وصلواته(4) على محمد الأمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأخيار، وسلام عليهم أجمعين، وصنف الشيخ علي بن حميد كتاباً في سيرة والده - رحمه الله تعالى -.
قلت: ومصنفات والده سبعة وعشرون مصنفاً.
__________
(1) في (ب): أيدهم الله.
(2) في (ب): والتباس.
(3) في (ب): بقتل.
(4) في (ب): بقتل.
علي بن داود بن أحمد الحسيني
العلامة الفقيه المتكلم المحقق جمال الدين علي بن داود بن أحمد الحسيني - رحمه الله - كان من كبار العلماء وخيارهم صدراً في أهل وقته صحب الإمام المطهر بن محمد بن سليمان ولقي الإمام شرف الدين بآخرة من أمره، وكتب له، وله شرح على مقدمة البحر الكلامية المسماة (بالقلائد)، اختصر فيه شرح الإمام المسمى بالغايات، وكان الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم - عليهما السلام - يثني على هذا الكتاب ويشيد ذكره، ومن عقبة - رحمه الله - القاضي العارف الفاضل صلاح(1) بن عبد الله بن إبراهيم الحيي قاضي بلاد (المحويت)، كان من فضلاء الوقت وأهل الخشية لله والخشوع، وله عبادة ووظائف حسنة وتواضع كلي، وكان رحب الفناء للضيف، يخدمهم بنفسه ويبسط أخلاقه للمتحاكمين ويتوسع لهم وينفقهم، وكان مسكنه مسكن سلفه (عرثومان) ويقضي بمسجده هنالك وينزل بعض السنة إلى المحويت - رضي الله عنه - توفي في ………، ولعله صاحب (المصحف الشهير الجامع للصنع العلمية المتعلقة بالقرآن)، فيه تفسير من جمعه ونحا نحوه عبد الرحمن الحيمي الكبير - رضي الله عنهما -. وقبره في عرثومان مشهور وعليه قبة.
__________
(1) زيادة في (ب): أحمد.
علي بن زيد الشظبي
العلامة الفقيه المذاكر المحقق المجتهد علي بن زيد(1) الشطبي - رحمه الله تعالى - هو شيخ الزيدية في وقته، كان عالماً بالفروع وغيرها، وله ترجمة ذكر فيها صاحبها أنه أحاط فيها بعلوم الاجتهاد، ولم تحضرني عند الرقم وهو صاحب (التذكرة) التي ينسب الناس إليها الفوائد، يقولون: تذكرة علي بن زيد، وله مشائخ في العلم فضلاء، ومن عجيب أمره وإسناده أنه يروي شرح الفقيه علي بن محمد النجري عن والده الفقيه علي وهو محمد النجري، وكان قد أراد الرحلة عن صنعاء إلى مصر، قال السيد أحمد بن عبد الله (الوزير)(2) - رحمه الله -: خرج الفقيه العلامة علي بن زيد من صنعاء قاصداً إلى مصر قاصداً لطلب العلم، وفيها السيد أبو العطايا عبد الله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً، فرأى في النوم قائلاً يقول له: خرجت من صنعاء لطلب العلم وفيها أبو العطايا، فرجع من فوره إلى السيد، وقرأ عليه واستفاد وأفاد، وكان علامة عصره في علم الفقه واستوطن صنعاء إلى أن مات - رحمه الله - وكف بصره في آخر عمره، وعنه أخذ الفقيه العلامة المحقق علي بن مكاثر الشيخ(3) شيخ الإمام شرف الدين - عليه السلام - في البحر، وأخبرني القاضي الفاضل إبراهيم بن محمد بن سلامة أنه لما كف بصر الفقيه علي بن زيد، كان الفقيه علي بن مكابر يدرس الشروح للفقيه علي بن زيد لأجل الإقراء فكان ذلك سبباً لتجويد(4) ابن مكابر وتحقيقه - رحمهما الله جميعاً -، انتهى كلام السيد الشمسي - رحمه الله تعالى - قال بعض من ترجم /104/ لعلي بن زيد أخذ عن علي بن زيد جماعة من الأكابر، منهم السيد العلامة الناصر بن يحيى بن محمد بن المهدي بن علي بن المرتضى، وكان سيداً عالماً ورعاً زاهداً، وكان الإمام الوشلي يشبهه بأصحاب الإمام المطهر بن محمد؛ لأنهم كانوا أهل فضل كامل، وكان السيد الناصر من أعيان أصحاب
__________
(1) زيادة في (ب): بن حسن.
(2) في (ب): الوزيري.
(3) في (ب): الشظبي.
(4) في (ب): لتحوير.
الإمام شرف الدين، وحضر دعوته وولي له شظب وهنوم وحجور وغيرها، توفي ليلة الاثنين في العشر الأخرى من جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وتسع مائة بصنعاء اليمن، وأما الفقيه علي بن زيد فكانت وفاته في العشر الأولى من ربيع الآخر سنة اثنين وثمانين وثماني مائة، وقبره وقبر تلميذه علي بن أحمد بن مكابر بجربة الروض بصنعاء، وقال بعض من ترجم لابن زيد: هو علي بن زيد بن حسن الصريمي أحد علماء وقته، بايع الإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن وشايعه وناصره وأخذ على القاضي العلامة يحيى بن أحمد بن مظفر في التذكرة، وعلى السيد أبي العطايا، وكان توجه لطلب الحديث، فلما وصل إلى مكة رأى في النوم وهو في المسجد الحرام أن السيد عبد الله بن يحيى هو الذي ينبغي الرحلة إليه، فعاد وقرأ عليه في النحو والتفسير والفقه والحديث، وقال فيه أبياتاً، منها:
بشراي هذا أوان الفوز بالظفر ... ما كنت أبغي كموسى فاز بالخضر
ظفرت بالغاية القصوى لطالبها ... فمن ينلها يكن من أسعد البشر
وقرا عليه ابن مكاثر وزوَّجه بن زيد بنته، وله شرح على (التكملة)، وله تعاليق وأمالي وفوائد، - رحمه الله - وقبره عند العلامة النحوي، انتهى.
علي بن فند الصعدي
الأديب اللسان الفقيه علي بن زيد بن علي بن فند الصعدي - رحمه الله - كان عارفاً لبيباً من بيت علم، وله شعر، من ذلك ما وجهه إلى العلامة يحيى بن أبي النجم قصيدة طالعها:
أغواك من أغراك يوم البين ... إذ حال بينك يا رباب وبيني
فصلي كئيباً مغرماً بودادكم ... بحياتكم وبحرمة الثقلين
أخلفت وعدك يوم جد رحيلنا ... وتباعد الأحباب قلع العين
وقبلت قول الكاشحين ولم أكن ... أهوى الفراق وأنت قرة عيني
أو ما علمت بأن حبك سالب ... ثوب السلو وطالب للحين
أسفرت عن مثل الصباح وفوقه ... ليل(1) دجوجي على المتنين
وحواجب مثل القسي وأسهم ... من مقلة ترمي على الجفنين
__________
(1) في (ب): ليله.
وفي(1) المدح:
شهدت سراويل المليحة أنها ... لتقية ونقية البُر دَين
لكنها لما رأت كلفي بها ... تاهت علي وأمضت الحكمين
وخشيت منها فالتزمت بسيد ... من آل نجم أبيض العرضين
يحيى الذي شاد العلاء وأهله ... رب المكارم فايض الكفين
علي بن زيدان الطائي
/105/ العلامة المجاهد الرئيس المسمى نظام الدين علي بن زيدان الطائي الصعدي، قال بعض علمائنا في ترجمة له - رحمه الله -: هو القاضي الكامل الرئيس الجلاجل ذو الجد والاجتهاد في مشاعر الإسلام ورفع مناره وفي هدم الباطل ومحو آثاره، شعر:
فتارة بعلوم بحرها لجب ... وتارة بجيوش كلهم نجب
وتارة برجاح راية فلق ... فقام لله مولاه بما يجب
تولى القضاء وشارك في الأمور مع الإمام المنصور بالله (- عليه السلام -)(2) وجرت على يده المباركة ومساعيه الحميدة إصلاح ومصالح أعاد الله من بركته انتهى.
واعلم أن القاضي نظام الدين الطائي قل ما اشتملت التراجم على مثله، ولو استوعبت كثيراً من أخباره لكانت سيرة حافلة؛ لأنه طال عمره وما ضيع منه ساعة، بل كان همه العلم(3) والإعلام، فما كان حرب في أيام المنصور بالله في الغالب إلا وهو قطب رحائها(4) ومسعر ذكاها، ثُمَّ كانت أيام الأمير الناصر بن المنصور وهو قائد الكتائب إذا كان وقت التعبية(5) فهو القائم بأحد الجانبين، إما الميمنة أو الميسرة، كان فارساً مقداماً عالماً مبرزاً نحريراً، ذكره المنصور بالله - عليه السلام - في جواب القاضي الأسعد بما يدل على فضل كبير ومقام خطير، ?ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ?[المائدة:54].
__________
(1) في (ب): ومنها في المدح.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): العلوم.
(4) في (ب): رحاها.
(5) في (ب): النعمة.
علي بن سعيد بن صلاح الهبل(1)
القاضي الفاضل المخلص الكامل علي بن سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله تعالى - هو قاضي أمير المؤمنين وزير حضرته العبد الصالح الطاهر باطناً وظاهراً، قليل النظير - رضي الله عنه - ولي قضاء الحضرة المؤيدية فحمد العالم أثره، وكان من الزهد والورع بمحل عظيم، لم يزل كذلك قرين إمامه في مجالسه وأعماله حتى نقل الله الإمام - عليه السلام - (إلى جواره)(2) فانتقل القاضي بعد أن خرج مع مولانا صفي الدين أحمد بن القاسم إلى ثلا، وحضر حضرة المولى أمير المؤمنين المتوكل على الله - سلام الله عليه - ثم ولاه جهة خولان، فاستقر بها، ثم كف بصره فانتقل إلى الروضة ولازم الجامع المقدس يتلو القرآن ليلاً ونهاراً حتى نقله الله إلى جواره إلى دار الكرامة في …………، وقبر في المقبرة التي شرقي الروضة الجامعة للفضلاء كالحاج أحمد بن عواض وغيره، وله كرامات - رحمه الله - منها ما ذكر عنه (أنه)(3) كان إذا عرض له ألم يتخوف(4) الموت منه فسأل عن ذلك قال: قد رأيت رؤيا أني لا أموت حتى أسمع ألفاظ الأذان من أعضائي، فلما مرض هذه المرضة التي فارق فيها قطع بالموت وصرح (به) (5)، فقال: قد سمعت تلك العلامة - رحمه الله - ورثاه الفقيه الفاضل بديع الزمان الحسن بن علي بن جابر الهبل - رحمه الله تعالى - بترثية فاضلة، وهي:
أتدري من تخرمت المنون ... ومن أرقت لمصرعه العيون
ومن ذا أثقل الأعباء حملاً ... وخف لحزنه العقل الرصين
ومن ملأ القلوب أساً وحزناً ... فكل فتىً لمصرعه حزين
ومن في جنة الفردوس أضحى ... لديه الظل والماء المعين
/106/ وأي هلال أفق غاب عنه ... وكان لأُفُقِه أبداً يزين
وإنك بالذي أحدثت فينا ... جدير أن تُسَاء بك الظنون
أتدري يا زمان بمن دهتنا(6) ... صروفك أنك الزمن الخؤون(7)
__________
(1) هذه الترجمة في (ب): متأخرة، حيث جاءت بعد ترجمة العلامة علي بن سليمان صاحب المنحول الآتي ذكره.
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): ألمٌ لم يتخوف.
(5) سقط من (ب).
(6) في (أ): ذهبتا.
(7) في (ب): هذا البيت متقدم على سابقه.
لئن كدرت من عيش البرايا ... فمبدأ خلقهم ماء وطين
هو البدر الذي قد كان حقاً ... به نهج الهداية مستبين
هو الجبل الذي قد كان يأوي ... إليه الملتجي والمستكين
هو (القرم) الذي قد كان ذخراً ... يناط به الحوائج والشؤون
فأي سحاب دمع ليس تهمي ... وأي حصاة قلب لا تلين
وليس يرد سهم الموت درع ... مزردة ولا حصن حصين
سقيت الغيث قبراً حل فيه ... تقاً وعلاً وإيمان ودين
…………………(1)
(توي) فيك الذي ما كان فيه ... لطالب فضله شكر يزين
رجعنا عن ثراه بجيش حزن ... له في كل جانحة كمون
وأجرينا حياد الصبر عنه ... ولكن شوط مرزئة(2) بطين
فيالك ميتاً قد بان عنا ... تكاد لموته الأحشاء تبين
وآه لطول بعدك من حبيب ... وهل يجدي التأوه والحنين
ووا لهفي عليك وقد تدانا ... خروج النفس وانقطع الأنين
وأُسكنت التراب برغم قوم ... محلك في قلوبهم مكين
يكاد النوم أن يغشى الأماقي ... فتلفظه لذكراك الجفون
اهنأ إذ دفنت عقود دمع ... مخبَّأة لغيرك لا تهون
وكلفنا الجوانح عنك صبراً ... فقالت لا قرار ولا سكون
وخانتنا بك الأيام لكن ... بحسن الصبر بعدك نستعين
وكيف الصبر عنك أو التسلي ... جميل الصبر بعدك لا يكون
فهل يدري سريرك من علاه ... علاه العلم أجمع واليقين
وهل يدري ضريحك من يغشى ... ومن هو تحت تربته رهين
قرنت بصالح الأعمال فيه ... وحسبك أنه نعم القرين
يعز على العلوم نواك عنها ... فأنت لبحرها الطامي سفين
(3)هلال كنت غالته الليالي ... ولنا كنت أسمه العرين
جعلت وداد أهل البيت ديناً ... لعلمك إنه الحبل المتين
وكنت من التشيع في محل ... تسافر دون غايته العيون
__________
(1) هذا البياض غير موجود في (ب) وغير موجود في (أ).
(2) في (ب): مرزايه.
(3) في (أ): (هلال كنت غالته الليالي لعلمك أنه الجبل المتين) وجاء في الحاشية ما لفظه: لعل هنا ربش وتقديم وتأخير لعله من الناسخ أو من النسخة الأم والله أعلم.
فيهنيك القدوم على كريم ... خزائن ملكه كاف ونون
/107 ويهنيك الدعاء نجوت عبدي ... فعفوي لا تكيفه الظنون(1)
ويهنيك ادِّخارك حسن كسب ... وكل فتىً بمكسبه رهين
وأخذك للصحيفة يوم حشر ... إذا ابتدأت لتأخذها اليمين
سأنظم فيك ما يحلو(2) ويغلو ... ويرخص عنده الدر الثمين
وأسقي ترب قبرك غيث دمع ... يقصر دونه الغيث (الهتون)
فمثلك ما سمعنا في البرايا ... ولا قد كان قط ولا يكون
عليك سلام ربك بعد طه ... وعترته فأنت به (قمين(
قلت: وناظم هذه الأبيات القصيدة هو الناظم لكل فريدة، بديع الزمان وفريع الأوان من لا عيب فيه سوى قرب بلاده وقرب(3) ميلاده، فالمندل الرطب في أوطانه خشب (إلا عند) (4) قوم ميّزوا ما خلص مما انشب، وفرقوا بين الدر النفيس والمخشلب غير معولين على البلاد ولا ناظرين إلى الميلاد، فلله أبو الطيب يقول:
ليس الحداثة من حلم بمانعة ... قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
وأما بعد الميلاد فأمر لا يعتبره الحذاق، وإن قالوا الأمر المفرط مانع لإدراك الأحداق، وقال بعض الناس:
عذيري من عصبة بالعراق ... قلوبهم بالجفا قلب
يرون العجيب كلام الغريب ... وأما القريب فلا يطرب
وعذرهم عند توبيخهم ... مغنِّيَه الحي لا تطرب
__________
(1) في (ب): هذا البيت متأخر عن الذي بعده.
(2) في (ب): ما يعلو.
(3) ترجمة الأديب حسن بن علي جابر الهبل صاحب الديوان، لعل المصنف - رحمه الله - ابن دلة ترجمه لاعتقاد أنه ليس من علماء الزيدية، وفي ترجمته في غير يدي ما يدل على أن له يد في العلم.
(4) في (ب): ولله.
لكن (الفاضل العاقل) لا يجنح إلى التقليد حتى في تفضيل الحصباء على لآلي الجيد، فإن الإنصاف من أجمل الأوصاف، نشأ - رحمه الله - على العبادة والزهادة وعلى مودة آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يلويه عن ذلك لاوٍ، واشتغل بالعلوم والآداب حتى برع عن(1) المشيخة القرح فضلاً عن الأتراب، فله ديوان شعر فائق وسحر حلال رائق في كل معنى مليح نهج منهاج(2) الأدباء وجاراهم في رقيقهم وجزلهم وجدهم وهزلهم وهو مع ذلك السابق المجلي، ولقد رأيت له مقاطيع وقصائد باهرة (ونفسة) أشبه بشعر الأديب الحسين بن حجاج غير أنه مصون من الإقذاع وإنما الفصاحة والنصاحة وجودة الصناعة، وقد كان يقال: إن ابن حجاج نفسه نفس امرء القيس ابن حجر، فمن شعر الحسن بن علي - رحمه الله تعالى - في الوعظيات:
أين استقر السفر الأول(3) ... عما قريب بهم ينزل(4)
مرّوا سراعاً(5) نحو دار البقاء ... ونحن في آثارهم نرحل
ما هذه الدنيا لنا منزلاً ... وإنما الآخرة المنزل
قد حذرتنا من تصاريفها ... لو أننا نسمع أو نعقل
يطيل فيها المرء آماله ... والموت من دون الذي يأمل
يحلو له(6) ما مر من عيشها ... ودونه لو عقل الحنظل
ألهته عن طاعة خَلاَّقه ... والله لا يلهو ولا يغفل
/108/ يدبرهم الموت إن أدبرت ... ويقبل الهم إذا تقبل
يا صاح ما لذة عيش بها ... والموت لا ندرى متى ينزل
يدعو إلى الأخيار من بيننا ... يجيبه الأول فالأول
يا جاحداً تجهد في كسبها ... أغرك المشرب والمأكل
ويا أخا الحرص على جمعها ... مهلاً فعنها في غد تسأل
لا تتعبن فيها ولا تأسفن ... لما مضى فالأمر مستقبل
ما قولنا بين يدي حاكم ... يعدل في الحكم ولا يعدل
ما قولنا لله في موقف ... يخرس فيه المصقع المقول
إذا سألنا فيه عن كلما ... نقول في الدنيا وما نفعل
__________
(1) ط: على.
(2) في (ب): مناهج.
(3) في نسخة: السلف الأول.
(4) لعل الصواب: تنزل.
(5) في (ب): سريعاً.
(6) في نسخة: حلاله، وهو أنسب.
ما الفوز للعالم في علمه ... وإنما الفوز لمن يعمل
وله لله(1) دره:
أضعت العمر في إصلاح مالك ... وما فكرت ويحك في مآلك
أراك أمنت أحداث الليالي ... وقد صمدت لغدرك واغتيالك
وملت لزخرف الدنيا غروراً ... وقد جاءت تسير إلى قتالك
وقد أتعبت بالآمال قلباً ... يحمل ما يريد على احتمالك
ولم يكن الذي أملت فيها ... بأسرع من زوالك وانتقالك
فعش فها خميص البطن واعمل ... ليوم فيه تذهل عن عيالك
تجيء إليه منقاداً ذليلاً ... ولا تدري يمينك من شمالك
إليها في شبابك ملت جهلاً ... فهلا ملت عنها في اكتهالك
فمهلاً فهي عند الله أدنى ... وأهون من تراب في نعالك
وإن جاءتك خاطبة فأعرض ... وقل مهلاً فما أنا من رجالك
ألي تزينين(2) لتخدعيني ... فما أبصرت أقبح من جمالك
أما لو كنت في الرمضاء ظلاً ... إذا ما ملت قط إلى ظلالك
صلي ما شئت هجراني فإني ... رضيت الدهر هجراً من وصالك
فليس النبل (مرتعل) إذا ما ... رمت يوماً باصماً من نبالك
حرامك للورى فيه عقاب ... عليه والحساب على حلالك
وكن منها على حذر وإلا ... هلكت فإنها أصل المهالك
فمن قد كان قبلك من بنيها ... زوالهم يدل على زوالك
فكم شادوا الممالك والمباني ... فأين ترى المباني والممالك
وأنت إذا عقلت على ارتحال ... فجد في جمع زادك لارتحالك
ودع طرق الضلال لمبتغيها ... فطرق الحق بينة المسالك
إلامَ وفيمَ ويحك ذا التصابي ... وكم هذا التمادي في ضلالك
تنبه أن عمرك قد تقضى ... فعد وعد نفسك في الهوالك
وعاتبها على التفريط وانظر ... لأي طريقة أصبحت سالك
وقل لي ما الذي يوم التنادي ... تجيب به المهيمن عن سؤالك
/109/ وماذا أنت قائله اعتذاراً ... إذا نشروا كتابك عن فعالك
فخف مولاك في الخلوات واجأر ... إليه بانتحابك وابتهالك(3)
وراقب أمره في كل حال ... يفرج في القيمة ضيق حالك
__________
(1) في (ب): وله در دره.
(2) في (ب): تتزينين.
(3) غير موجودة في (أ).
ولا تجنح إلى العصيان تدفع ... إلى ليل من الأحزان حالك
وإن أمراً بليت به فصبراً ... لعل الله يحدث بعد ذلك
فرب مصيبة مرت ومرت ... عليك كأنما مرت ببالك
وكم قد نفقت منك الرزايا ... وأحكمت الليالي من صقالك
وله - رحمه الله تعالى -:
لا تعتبر ضعف حالي واعتبر أدبي ... وغض عن رث أطماري (وأسمالي)
فما طلاتي للدنيا بممتنع ... لكن رأيت طلاب المجد أسمى لي
وله - رحمه الله -(1):
ما زلت من درن الدنايا صائناً ... عرضاً غدا كالجوهر الشفاف
فإذا جرى مرحاً بميدان الصبا ... مهر الهوى ألجمته بعفاف
وإذا هم وصفو محاسن شادن ... مستكمل لمحاسن الأوصاف
أبديت فيه من الشيب غرائباً ... ووصفت فيه ما عدا الإرداف
(وله - رحمه الله -)(2):
تغزلت حتى قيل إني أخو هوى ... وشببت حتى قيل فاقد أوطاني
وما بي من عشق وشوق وإنما ... أتيت من الشعر البديع بأفنان
وله - رحمه الله -:
الموت حق فاستعد ... وجد إن الأمر جد
(سوف ترى عما قريب ... وارداً فيمن ورد)(3)
واعلم بأن الله لا ... يخلف حقاً ما وعد(4)
لازم بني المختاران ... من يلازمهم سعد
وله من قصيدة:
حتام عن جهل تلوم ... مهلاً فإن اللوم لوم
طرفي الذي يشكو السهاد ... وقلبي المضنى الكليم
إن الشفاء(5) في الحب ... عند العاشقين هو النعيم
ما الحب إلا مقلة عبراء ... أو جسم سقيم
يا من أكتم حبه ... والله بي وبه عليم
يا هل تراه يعود لي ... بك ذلك الزمن القديم(6)
وبلابل بين الجوانح ... لا تنام ولا تنيم
(مالي وما للوئمي ... عليك ذو عقل يلوم)(7)
وهني عيشي باللوى ... لو أن عيش هنا يدوم
وبرامة إذنلت من ... وصل الأحبة ما أروم
__________
(1) في (ب): وله - رحمه الله - في العفاف.
(2) في (ب): وله في قريب من المعنى.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): يعد.
(5) في (أ): الشقاء.
(6) هذا البيت سقط من (أ).
(7) سقط هذا البيت من (أ)، وهذا البيت والذي قبله متقدمان في (ب) على البيت الذي قبلهما.
يا حبذا تلك الربوع ... وحبذا تلك الرسوم
يا تاركين بمهجتي ... شرراً تذوب لها الجحيم
طال المطال ولم تهب ... لصدق وعدكم نسيم
مطل الغريم غريمه ... حاشاكم خلق ذميم(1)
توفي - رحمه الله - في شهر صفر سنة تسع وسبعين وألف، وقبر عدني القصر السعيد بصنعاء.
علي بن سليمان بن حمزة الحمزي
السيد العارف الأديب مصنف سيرة الإمام الناصر للحق علي بن سليمان بن حمزة الحمزي المعروف بابن الزفوف(2)، كان فاضلاً عارفاً، وكان بينه وبين السيد الهادي بن إبراهيم الكبير محبة كلية(3)، وكان إذا مر بدار السيد الهادي بصعده ينشد قول مجنون ليلي:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
وكتب إليه السيد الهادي - رحمه الله - شعراً حمينياً، من جملته:
صدور الخدمة القاصرة من بيت حنبص ... إلى حدة إلى صاحب الدار المجصص
إلى من بالعلا من بني حمزة تقمص
__________
(1) قصيدة علوية ومخلصها قوله:
بأدلة المطل من قال الغري له عديم
(2) في (ب): المزفون.
(3) في (ب): محبة كلبة عجيبة.
وكانت داره (بحدة) بجنب المسجد المنسوب إليه، وكان سبب طلوع السيد الهادي إلى بيت حنبص مرض السيد الفاضل الناسك الطاهر كاسمه المطهر بن أحمد عم السيد الهادي، وهو مرضه الذي مات فيه، وكان في بيت حنبص بعض الشرائف من قرابة السيد الهادي - رحمه الله - وأثنى السيد الهادي على المطهر المذكور، وأما السيد علي بن سليمان فهو الذي لا يجهل مكانه في الفضل، قتله محمد بن داود الحمزي بيده عند باب اليمن، وقد وصل إلى هنالك في عسكر كثير من عسكر الإمام، فكمنوا في وهب في بستان المسجد وتخلص الأمير محمد من قتله واستغفر وتاب توبة خالصة منه ومن غيره على يدي العلامة (1) النحوي مصنف التذكرة، روي أن بعض أهل صنعاء دخل الجامع والنحوي يصلي على الأمير محمد، فاستقبل الصنعاني الأمير وقال: صنعاء والجنة يا محمد بن داود، فقال القاضي حسن: نعم، وعلى رغم أنفك.
__________
(1) في (ب): حسن بن محمد النحوي.
علي بن سليمان بن الحيدرة
العلامة المحقق إمام النحو فريد زمانه علي بن سليمان بن الحيدرة - رحمه الله - هو أحد علماء الزيدية وفضلائهم وفصحائهم، وهو أحد مفاخر اليمن، ترجم له المؤرخون كالخزرجي أو الجندي، غاب عني، وترجم الجلال الآسيوطي الشافعي في كتاب (بغية الوعاة) والكل مثبتون عليه سيما في العربية، وترجم له الشيخ المتقن المحقق صاحب الجوهرة المعروف بالحفيد أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص، أثنى عليه بعبارات تنيرين(1) الدفاتر، قال: وكنت ظننته من المطرّفيه حتى تيقنته من الزيدية المخترعة(2) - رضي الله عنهم - وطول وأحسن في عبارته وحكى براعته وما اتفق له على البديهة من فن البديع المعروف عندهم بالعكس، وذلك أنه آوى إليه بعض أدباء وقته من الزيدية فضيفه وكانا (يتعاوران) كؤوس الأدب، فقرع الباب طالبٌ فقال ابن سليمان: هذا للرجل الضيف أعطه (خبزاً)(3) من هذا (الخبز)(4) ليكون لنا ثوابه ولك ثواب المناولة، فقال له الرجل شعراً:
فقال ابن الحيدرة بديهة ... لا عهد لي بثواب مذ أتيتكم
ولا له بكر(5) عهداً
قال الحفيد: وهو الذي أنشأ الرجز الذي رجز به الفضلاء في كوكبان عند عمارة الإمام المنصور بالله، فإنهم كانوا(6) يحملون الحجارة ويرتجزون بأراجيز فاخرة، فأقبل ابن الحيدرة بحفل من الفضلاء يحملون حجارة وقد أبطأ عنهم الغداء وهو يقول ويقولون:
يا إمام الهدى هديت ... إلى كل أوسع
قل لدحروج مثل ما ... قال موسى ليوشع
فقال الإمام للأمير دحروج ابن مقبل: آتنا غداءنا، ولابن حيدرة منظومات واسعة سيما في العربية، وله ضبط الممدود والمقصور، وهي مشهورة أولها:
وفي الممدود والمقصور علم
__________
(1) في (ب): فتزين بها.
(2) ثلث حكى في أن مناصله عزائه.
(3) سقط من (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): ولا له بك عهد (......) [لم أتمكن من قراءته].
(6) سقط من (ب): كانوا.
وسأجمعها بمختصر قصير(1)… /111/ الأبيات، وهو مصنف(2) المشكل الكتاب العجيب الفائق إحدى محاسن الدنيا حلا وجمعاً، وقرض(3) له الفضلاء وأثنوا عليه كثيراً، وهو حري بذلك، وله شعر حسن جيد، من ذلك قصيدته في الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (- عليه السلام -) (4) بعد فتح ذمار من أيدي الغز (أخزاهم الله)(5):
هنيت فتح ذمار إذ أحاط بها ... جيش له صخب في الحق (صهصلق)
كما أحاط بياض العين مشتملاً ... على السواد وقد كض العداء الفرق
والخيل مثل السعالي فوق أظهرها ... أسود معركة قمصانها الحلق
مستأمنين فلا يبدوا لناظرهم ... إلا بنان أكف القوم والحدق
والرحل ينشال(6) من كل الجهات كإرداف السحائب حتى أظلم الأفق
والنقع يسطع (والكوشات) (7) تقرع ... والأسياف(8) تلمع والرايات تختفق
واليوم أشنع والهامات تصدع ... والأعناق تقطع والفرسان تعتنق
والبيض والسمر هذا حده غضض ... لحماً ولهذم هذا من دم شرق
والضد مستأسر ضاقت بحيلته ... جوانح ملبسات ملؤها حرق(9)
يرجون صفحاً ويخشون الصفائح فما ... يجدي عليهم رجاء دونه شفق
ورايد العفو والقتل المبيح وسو ... ء الأسر في السعي نحو القوم يستبق
فأدركتهم من السلطان رحمته ... ومن إمام له حسن اللقاء خلق
فسلماهم ولولى الله ما سلموا ... واعتقاهم ولولا العفو ما عتقوا
__________
(1) في (ب): سأجمعه بمختصر قصير.
(2) في (ب): كشف المشكل.
(3) في (ب): وقص.
(4) سقط من (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): ينثال.
(7) لم أتمكن من قراءتها في (ب).
(8) ط: سياف.
(9) في (ب): خرق.
وهذا القدر كاف عن ما رواه لميلنا إلى الاختصار، وإلا فإن هذه كلمة فائقة تتزين بها التواريخ، والمراد بالسلطان الذي ذكر خادم الإمام المنصور بالله وهو سلطان الإسلام الملك الناصر سيف الدين عضد أمير المؤمنين حكو(1) ابن محمد المرواني، كان من أعيان الغز ووجوه سلاطينهم، خرج مع جنود بني أيوب فاهتزت أعطافه إلى الحق من أول ما سمع بالإمام، فما لواه لاوٍ عن الموالاة، فعضد الإمام بجند فيه أرباب الشكائم والعزائم فنكى الغز وأوجعهم، وفيه يقول العلامة ابن سبيب - رحمه الله تعالى -:
وناصر الدين أعلى الناس مرتبة ... سيف الإله وملجأ كل معتصم
حكو الذي سيم الأفلاك سؤدده ... وبر(2) حزماً وعزماً كل معتزم
فليس منتهياً حتى يزين(3) معاً ... جرد الجياد ربا بغداد والحرم
واستشهد السلطان المذكور في قاع (قتاب) حول (الضمية) - رحمه الله تعالى -.
علي بن سليمان الكوفي
علامة الزيدية ونور هالتهم القاضي الكبير جمال الإسلام علي بن سليمان الكوفي - رحمه الله تعالى - هو حاكم الهادي - عليه السلام - وقاضيه، وكان له ترجيح في المذهب وتصرف حسن يدل على طبقته والله أعلم.
علي بن سليمان البصير
الفقيه العالم علي بن سليمان البصير - رحمه الله - أحد العلماء، أخذ عنه الإمام يحيى، وأخذ هو عن الشيخ محمد بن سليمان بن حفيد /112/ - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): حلو.
(2) كذا.
(3) ط: زين له.
علي بن سليمان بن أبي الرجال
العلامة الفاضل علي بن سليمان بن أبي الرجال صنو العلامة محمد بن سليمان - رحمه الله - كان عالماً عاملاً فاضلاً، له تحقيق في الأصول، وكان محققاً في الفروع، وله مشايخ وتلامذة من شيوخه العلامة السيد الأمير الخطير الهادي بن المقتدر بالله تاج الدين - رحمهم الله جميعاً -، وملك على المذكور كتباً منها (بيان ابن معرف) باقي في الخزانة المباركة بيد بعض القرابة، وله كتاب (المستصفى) في أصول الفقه بخط يده، وله كتاب أظنه (برهان الجونبي) و(كتاب الملخص) في(1) الجدل للشيرازي)، وكان يسكن (فملاً) من بلاد خولان، وأرخ بعض كتبه ببكرة السبت أواخر شهر الله الأصب سنة إحدى وثمانين وستمائة، وكان له اختصاص كلي بأخيه محمد بن سليمان المذاكر في المسكن وغيره، والأشبه أنهما من أم، وكان بين إبراهيم الماضي ذكره وموسى الآتي ذكره اختصاص ومثل ذلك أعاد الله من بركتهم.
علي بن سليمان
العلامة علي بن سليمان صاحب (المنحول) - رحمه الله تعالى - كان عالماً فاضلاً، وهو الذي اختصر اللمع كتاب الأمير الحسين ويسمى (المختصر المنحول)، انتهى.
علي بن سليمان بن داعس(2)
العلامة علي بن سليمان بن داعس(3) بن سليمان بن أحمد بن داعس(4) بن محمد بن أبي الميمون بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبيد البخاري الخزرجي الأنصاري - رحمه الله تعالى - الزيدي من بيت كبير ذوي فضل شهير - رحمهم الله تعالى - وشيخ والدنا القاضي موسى هو علي بن أحمد بن داعر - رحمهم الله تعالى - وكان سماعه عليه بمكة المشرفة، سمع عليه أمالي الإمام الناطق بالحق أبي طالب رضوان الله عليه (وإرشاد) العلامة العنسي في /113/ طرائق الآخرة والزهاد (وموطأ الإمام مالك) وطريقه - رحمه الله - في (الأمالي) على عمه محمد بن أحمد بن موسى البخاري عن مؤيد الدين محمد بن أسعد المنعم.
__________
(1) في (ب): من.
(2) هذه الترجمة سقط من (ب).
(3) في (أ): داعر.
(4) في (أ): داعر.
علي بن سلامة الضرعي
العلامة الفقيه(1) علي بن سلامة الضرعي - رحمه الله تعالى - من أعيان أصحاب الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - ولعله جمع بعض فتاوى الإمام - عليه السلام -.
علي بن شمس الدين
السيد الفاضل الكامل علي بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليهم السلام -. قال (الشيخ) الشمسي قدس الله روحه: كان له فضل ودين ووجاهة عند المسلمين، وكان له معرفة بالفقه والفرائض ومسكه في العربية، وفي(2) سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وقبره في خزيمة المقبرة(3) المشهورة غربي صنعاء، ورثاه السيد العالم محمد بن المرتضى بقصيدة جيدة، والعلامة محمد بن بهران(4) - رحمه الله تعالى - فمن قصيدة السيد - رحمه الله - (تعالى)(5):
نعم هوت للعلا والفضل أركان ... وانهد بعد علي منه بنيان
جل المصاب وغاض(6) الدمع فابك دماً ... لكل شأن على قدر الأسى شأن
مات الذي كان صوام الهجير تقي ... قوام جنح الدجا والليل وسنان
عريان من كسوة الآثار مكتسياً ... من التقى فهو كاسٍٍ وهو عريان
استبدل الخلد من دار الفناء له ... فيها ملائكه الرحمن إخوان
وحل في قبره لما أقام به ... علم وحلم وإحسان وإيمان
ومن قصيدة ابن بهران - رحمه الله تعالى -:
إيهٍ على فقد من أضحت مزخرفة ... له الجنان وقد صفت له السرر
وصافحته بها الحور الحسان وقد ... جاءت لخدمته الولدان تبتدر /114/
فكيف نبكي عليه وهو في فرح ... لا غم فيه ولا في وصفه(7) كدر
هو السعيد بلا شك ولا ريب ... له فضائل شتى ليس تنحصر
كانت تبين لنا الدنيا بطلعتها ... عند الخطوب ويُستسقي به المطر
برٌّ تقي نقي فاضل ورع ... جليسه الذكر والآيات والسور
ما زال يحتقر الدنيا وزهرتها ... حتى تساوى لديه التبر والحجر
__________
(1) في (ب): العلامة الفقيه علي بن سلامة الصرمي.
(2) في (ب): توفى سنة سبع.
(3) في (ب): في المقبرة.
(4) في (ب): مهران.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): وفاض.
(7) في (ب): صفوه.
لا فارقت رحمة الرحمن مضجعه ... ولا عداه(1) ملت(2) القطر منهمر
علي بن شهر
العلامة المجاهد بالحجة رئيس الطائفة علي بن شهر - رحمه الله تعالى - كان من كبار العلماء وخيارهم مستقيم العقيدة صحيح الطريقة صادعاً بالحق، وهو من أهل بيت وهب من ظاهر همدان، ويقال: إنه جابري النسب من ولد هلال(3) بن عوف بن جابر بن عبد الله بن قادم بن زيد بن غريب بن جشم بن حاشد(4)، لقي جماعة من كبار الزيدية المخترعة، كابن برية (- رحمه الله تعالى -)(5)، وعمار العلم من اهل ناعظ(6) وهو جد آل عمار والقاضي تبع بن المسلم وغيرهم، وكان بينه وبين أوائل الفرقة الغوية من المطرفية أمور طوال وتنصل لمناظرتهم كبيرهم علي بن(7) حرب، وكان هذا في أوائل أمرهم، فإنه ما اشتهر التطريف إلا من بعد هذا - رضي الله عنه - وحصل بينه وبين عبد الله بن موسى بن عيسى بن عبد الرحيم بن موسى بن هارون العوفي قاضي الأباضية مناظره، وكان اجتماعهما ببيت أكلب، وحضر المناظرة عمر والقاضي من المطريفية(8)، انتهى.
علي بن صالح بن مسلم بن حبان الهمداني
العلامة المحدث العابد علي بن صالح بن مسلم بن حبان الهمداني من ثور همدان ولقيه حي الفقيه المحدث أخو العلامة الحسن بن صالح بن حي صهر أحمد بن عيسى بن زيد، كان عالماً عابداً، وكان قد أقسم(9) هو وأخوه وأختهما /115/ الليل أثلاثاً للعبادة، فمات علي قبل الحسن، فقام بوضيفته، وماتت(10) أخته - أيضاً - فقام بوضيفتهما، فكان يقوم الليل كله، وقد سبقت ترجمة الحسن - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): عراه.
(2) في (ب): ملت.
(3) في (ب): هلان.
(4) في (ب): حازم.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): ناعط.
(7) سقط من (أ): بن.
(8) في (ب): المطرفية.
(9) في (ب): اقتسم.
(10) في (ب): فماتت.
علي بن صلاح بن الحسن بن علي
السيد الهمام المكرم العالم الفاضل علي بن صلاح بن الحسن بن علي بن المؤيد - عليهم السلام - قال العلامة الرزيقي - رحمه الله تعالى -: هو السيد الأجل الأكمل الأعلم الأعمل الغرة الشادخة في وجه الشرف الأكمل والذروة الباذخة في آل النبي المرسل، وإنسان عين السادة العارفين، هذه عبارة الزريقي، وذكر كتابه (الجواب على الإمام شرف الدين - عليه السلام -) لما كتب إليه الإمام يخبره بفتح (جبن خير)(1) وصول(2) يافع مواجهين على يد الشريف السري الخطير سيف الإسلام المطهر بن أمير المؤمنين، وأجابه السيد على الجواب(3) وافي الإشارات شافي العبارات، ومن جملة شعر السيد علي في مدح مطهر بن الإمام - عليه السلام -:
إذا اعتلا من سنام المجد ذروته ... فالمجد عال به حقاً ومفتخر
هو غرة في جبين المجد شادخة ... ما إن يشابهها في نيلها الغرر
هو المطهر أزكى من مشى ونشأ ... ملك حليم فلا يبدو له ضجر
طلق اليدين إذا ما جاء سائله ... للنشيب ما آب إلا وهو منجبر
ابن الإمام الذي سادت عناصره ... وطاب منه لعمري الْخُبر والْخُبر
فإن يكن آل طه أنجم سكنت ... أفق السماء فهو في أبراجها القمر
وكان له أخ جليل اسمه الحسن بن صلاح من وجوه السادة - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): حين.
(2) في (ب): ووصول.
(3) في (ب): بجواب.
علي بن صلاح بن محمد العبالي
السيد المجتهد العالم الكبير لسان آل محمد جمال /116/ الدين علي بن صلاح بن محمد العبالي بن أحمد السيد القادم من أهل هذا البيت من (محلاه) من بلاد الحرجة إلى جهة (عبال حجة)، ابن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن يحيى بن علي بن الحسن بن عبد الله بن إسماعيل بن عيسى بن عبد الله بن عيسى بن إسماعيل بن(1) محمد بن القاسم بن إبراهيم - عليهم السلام - كان وجه(2) وقته وسيد أبناء عصره بحراً يزخر عبابه بالفرائد وتفيض جوانبه بالفوائد حسبه قول الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليه السلام -(3) أنه لا يتخوف على أهل اليمن وهو فيهم، وكان قد حقق العلوم على أنواعها، ويسرها الله له تيسيراً عجيباً، فحفظ الغرايب والعجايب والآداب، لما وجهه الإمام المنصور بالله - عليه السلام - إلى العلامة المجتهد يوسف الحماطي يطلبه البيعة قال القاضي - رضي الله عنه -: ما قد عرفت ما عند الإمام من العلم فلا بد لي من الإيراد عليه، وكان هذا القاضي من المحققين الكملة، فقال السيد جمال الدين: أورد شيئاً مما في نفسك، فأورد مشكلها(4)، فسارع السيد إلى حلها في الحال من غير تريث، فعجب القاضي، وقال: أنت محل هذا الشأن، أمدد يدك، فقال: لا تفعل، فما علمي عند علم الإمام شيء، فاستثبت القاضي سنة(5) في تصحيح ذلك واطمأنت نفسه وبايع فلم(6) يزل السيد جمال الدين بطانة للإمام، وتولى للإمام بلاد (وادعة الظاهر)، وكانت هي وجه البلاد يومئذ، وتولى له القاضي العلامة علي بن أحمد بن أبي الرجال - رحمه الله تعالى - الماضي ذكره، وكانت لهما عجائب ولطائف؛ لأن السيد - رضي الله عنه - على جلالته كان عذب الناشئة لطيفاً ملاطفاً غير متكبر ولا متعالي يخلط نفسه بين الناس ويلاطفهم، وكان واسع الشعر يطاوعه /117/ على
__________
(1) زيادة في (ب): عبدالله بن.
(2) في (ب): وحسيد.
(3) في (ب): - عليهما السلام -.
(4) في (ب): مشكلات.
(5) في (ب): منه.
(6) في (ب): ولم.
البديهة، وله أشعار في معاني كثيرة ومقاطيع، وما رُأى إلا متبسماً إلا أن يكون المقام لله فهو أغلظ الناس فيه، ولقد كان يجري بينه وبين الإمام - عليه السلام - من القول الجد والمناصحة الصادقة ما يظن الجاهل أنهما لا يرضيان الألفة بعدها، وكل منهما لا يزيده(1) ذلك إلا حرصاً على الألفة، روي أنه جرى بينهما مراجعة في الليل في أمر يعم، فخرج السيد مغضباً، وقد غلقت الأبواب فطلب لنفسه موضعاً يبيت (فيه) (2) عند ذي الشرفين بشهارة، فأرسل إليه الإمام بما يحتاج، وأصبح إلى الحضرة أول داخل، ووقع في بعض المجالسة نحو من ذلك، فظن الإمام - أيضاً - كما يظن الناس أن السيد قد تعب، فخرج إلى الباب فصادف فيه بعض أهل الحاجات، فرجع في الحال، تكلم في شأنهم واعتنقه الإمام (ودعا له) (3) واتفق له بسبب مقامه الشريف وعنايته بالإسلام أذية من عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن مطهر بن الإمام، وكان حال هذا الرجل غير سديد، ووقى الله السيد جمال الإسلام شره مع سرعة عبد الرحيم إلى الشر وما قد فتحه من أبواب الشر لا يغلقه حتى يبلغ منتهى(4) الشر(5)، وفتح على السيد أبواباً لم يبلغ النهاية بل وقاه الله تعالى، وله عقب سادة أجلاء فضلاء قد تقدم ذكره السيد العلامة شيخ المحققين الحسن بن علي - رضي الله عنه - وولده السيد الأجل الحسين بن علي، كان من وجوه أهل البيت يحفظ مذاهب العترة ويقف عند نصوصهم، وله شرح على (الحاجبية)، كمل به ما كان السيد لطف الله فعل، وله همة في الخير وصنوهما محمد بن علي هو من وجوه زماننا على منهاج آل محمد، يعرف نصوص الأئمة وأحوالهم وآثارهم ولكل /118/ من هؤلاء الثلاثة أولاد نجباء، والسيد(6)
__________
(1) في (ب): يزيد.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): ورضي عنه.
(4) في (ب): منتهاه.
(5) سقط من (ب): منتهاه.
(6) في حاشية (ب): توفي السيد العلامة محمد بن علي بن صلاح العبالي المذكور - رحمه الله تعالى - بمحروس صنعاء يوم (بياض) ودفن في خزيمة غربي مدينة صنعاء حرسها الله تعالى.
محمد بن علي هو الآن موجود بصنعاء، وله شعر استحسنت كتابة هذه الأبيات الجناسية:
من خالفت أقواله أفعاله ... تحولت أفعاله أفعى له
من أظهر السر الذي في صدره ... لغيره وهى له أو هاله
من لم يكن لسانه طوعاً له ... فتركه أقواله أقوى له
ومن نئا عن الحرام طالباً ... من رشده حلاله(1) حلاله
وأما السيد علي بن صلاح صاحب الترجمة فكان الشعر ميسراً له، ولم يحضرني عند كتابة هذه الأحرف غير قصيدة له يهني بها الإمام المنصور بالله - عليه السلام - عند فتحه لشهاره:
هنيئاً لهذا الفتح يا ابن محمد ... وحمداً لمن أولاك سؤلي ومقصدي
على بعد عهد في الزمان وموعد ... وبعد إياس من ولي ومعتدي
وثبت إلى العليا بصدق عزيمة ... فنلت المنا والنصر والفتح عن يدي
ورام جميع الناس صدك دونها ... ولم تستمع أقوالهم في التردد
وكان جواب الكل منك عليهم ... دعوني فإني بالحوادث مرتدي
وقلت لهم بالأمر كلمة جازم ... فلا تيأسوا ما يحدث الله في غد
على أنني فيما مضى كنت راجياً ... لنيلك هذا في مغيب ومشهد
وصدق ربي موعد الحق إنه ... يجيب دعاء العالم المتهجد
سقى الجبل (المشطور)(2) جنبي شهارة ... شآبيب جود مصلح غير مفسد
لقد جاءهم نيل المنى يوم جاءهم ... غياث الورى ورد لهم أي مورد
إمام هدىً منَّ الإله به لنا ... يقي كل ذي جور وذي عمل (ردي)(3)
هو القاسم المنصور من آل حيدر ... هو العالم الفياض من آل أحمد
نشأ في التقى والعلم والفضل والنهى ... وأغنى اليتامى من ندى كفه الندى
ليهن جميع العالمين ظهوره ... على رغم قوم من أعاد وحسد
هو الحجة الكبرى على أهل عصره ... حليف الوفى والصدق في كل موعد
أيا سيدي لا تنس لي فيك صحبة ... ووداً قديماً خالصاً في التودد
فإني وأولادي وأهلي ووالدي ... فداك من الأسوى وما ملكت يدي
بحقك والسبطين منك وصحبتي ... أغثني فإني هاهنا كالمقيد
__________
(1) في (أ): جلاله (ولعل الصواب حلاله).
(2) في (ب): أعني.
(3) في (أ): بذي.
وحق سليل منك في الحبس موثق ... وآخر في بحر العدى متجلد
وبادر بوال للبلاد معجلاً ... ولا تتركني كالبعير المقيد
لقد كنت في الماضي على الضر صابراً ... رجاء رضاء الواحد المتفرد
وبعد زوال الخوف إني لعاطش ... إلى الشرب من حوض لديك مضمد لديك
بقيت بقاء الدهر يا غوث أهله ... وهذا دعاء للبرية عن يد
وفي آخر الأمر حصل له من الحمّى الحادة حصل معه غفلة من شدة الحمى، فسقط من طاقة داره فمات - رحمه الله تعالى - وقبر في مسجد الميدان بشهارة، توفي في شهر رجب سنة تسع عشرة وألف، وقد أوفى(1) - رحمه الله تعالى - إلى فتح شهارة، وهذا إيماءٌ منا باختصار إلى شيء من ذلك لما وفدت محاط الأتراك إلى شهارة في شهر شوال سنة عشر بعد الألف، خرج الإمام إلى جبل برط وصحبه من أولاده علي والحسنان وبقي ولده عز الإسلام في شهارة، فألجأ به الحال إلى الخروج برفاقه الشيخ عبد الله الرواس من أصحاب الأمير أحمد بن محمد بن شمس الدين، وكذا برفاقه من الأمير عبد الله بن المعافى؛ لأنه كان كبير الجيوش من قبل الوزير حسن وسنان باشا، فخرج الإمام المؤيد(2) صنوه أحمد بن أمير المؤمنين ومعهما /120/ السيد صالح بن عبد الله الغرباني، والسيد عبد الله بن محمد المحرابي ومحمد بن الحسن بن شرف الدين، وصنوه علي والفقيه صلاح بن عبد الله بن داود الشظبي، وكان الخطاب والمواضيع على يديه؛ لأنه كان أستاذ مولانا عز الدين - عليه السلام - ومن جملة السادة المقبوضين السيد محمد بن الناصر الغرباني، وصنوه صالح بن ناصر والسيد العلامة إبراهيم بن المهدي بن جحاف، فساروا مجللين مكرمين حتى انتهوا بهم إلى حضرة الأمير أحمد بن محمد (الكوكباني) (3)، فأكرمهم وأجلهم ومنعهم من الأتراك وأنزلهم في المنصورة بكوكبان، وبعد دخولهم بكوكبان مات السيد العلامة إبراهيم بن المهدي وقبر هنالك، ثم إن الإمام - عليه
__________
(1) في (ب): وافى.
(2) في (ب): ومعه صنوه.
(3) في (ب): إلى كوكبان.
السلام - نهض في شهر جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة وألف من برط إلى وادعة، فأطاعوا وآووا ونصروا وأعمل الإمام النظر في دخول عبد الرحيم بن عبد الرحمن السابق ذكره في الطاعة، فلما كثرت سيئات عبد الرحيم إلى سنان لاذ بالإمام مع إظهار(1) الخدع للإمام فبادر بمحطه إلى السودة ومحطه إلى الصرحة ما بين جرح(2) وكحلان، وأرسل صنوه مطهر بن عبد الرحمن إلى جبل الأبرق من (ظليمة) في عدد ليس بالكثير، لكنها واجهت الأهنوم وظليمة وعذر عند وصوله، وكان الأمير عبد الله بن المعافا في (حمومة) وولده إبراهيم في الهجر فطلع إبراهيم إلى نجد بني حمزة؛ لأنه بلغه أن الفقيه علي الشهاري قد وصل في نحو أربعين رجلاً من وادعه، حتى وصل (حاشف) وقت المغرب ونفذ في حينه إلى (سيران) وأصبح في بني سعيد بمغربه الشاوري، وبقي أكثر نهاره ينتظر موعد الأهنوم بالموالاة فتخلفوا عن الموعد لقلة من معه، فسكن في محله إلى أول المغرب، ثم كر راجعاً، وأهل وادعه رجعوا بلادهم فنفذ ابن /121/ المعافى من حمومة جيشاً كثيفاً إلى سيران فصبحوا بسيران فواجهوا من غير أن يقع فيهم جرح، وبعض محطته جبل شبام(3) الذي فوق الحبس، وخرج من في شهارة، فأباحوا بلاد بني سعيد ثلاثة أيام نهباً، وقتلوا جماعة، ثم أن مطهر بن عبد الرحيم(4) بعد وصوله الأبرق الذي ذكرناه آنفاً أرسل أربعين رجلاً من الأهنوم فحملوا على الفقيه إبراهيم بن المعافى إلى النجد مع بجميع(5) الأهنوم معهم، فانهزم(6) شهارة وأخذت بقية محطته، ثم جازوه في شهارة حتى بلغت وقية الملح ثلاثة كبار، فاحتازوا سنة أو (أكثر و) (7) يزيد قليلاً على السنة، فأرادوا التسليم فطمع عبد الرحيم في تولي ذلك، فأعماه الله بشواغل وحروب، فجاء الإمام إلى الأهنوم بنفسه الكريمة، فتسلم شهارة وأخذ
__________
(1) في (ب): إظماره.
(2) في (ب): جزع.
(3) في (ب): سام.
(4) في (ب): عبدالرحمن.
(5) في (ب): كذا.
(6) كذا في (ب).
(7) سقط من (ب).
السلاح إلا من كان من حاشد وبكيل وحبس الفقيه إبراهيم بن المعافا، وهذا ما أوفى إليه السيد - رحمه الله تعالى - ومحل هذا السيرة المنصورية(1).
علي بن العباس بن إبراهيم
الحافظ الواعي لعلوم العترة المترجم عنها العلامة المبرز علي بن العباس بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - كان علي بن العباس قاضياً بطبرستان (من) (2) الداعي الصغير، وله تصانيف كثيرة في الفقه وغيره، منها كتاب (اختلاف الفقهاء(3) أهل البيت)، يذكر المسألة ويقول فيها: قال الحسين قال جعفر قال زيد قال فلان، وهو كتاب كبير، ومنها كتاب ما يجب أن يعمله المحتسب، وكتبه مشهورة بطبرستان، ذكر ذلك جميعه ابن عنبه النسابة.
قلت: قد غلط يوسف حاجي في تراجمه فقال علي بن محمد العلوي العباسي صاحب إجماعات أهل البيت من ولد العباس بن علي، وقال بهاء الدين: إنه كان حسنياً(4)، وقال ناصر الرضى: إنه من /122/ ولد القاسم - عليه السلام - فهذا غلط، اللهم إلا أن يكون (ثمة) (5) غير هذا وهما رجلان.
قلت: وعلي بن العباس صحب الناصر للحق والهادي - عليه السلام - قال في حواشي الإبانة: إن علي بن العباس سئل عن الإمامين فقال: كان الهادي فقيه آل محمد، و(كان) (6) الناصر عالم آل محمد، انتهى.
__________
(1) في حاشية (ب): التي جمعها السيد الجليل مطهر بن يحيى الجرموزي - رحمه الله -.
(2) في (ب): زمن.
(3) في ب): فقهاء أهل البيت.
(4) في (ب): حسينياً.
(5) في (ب): فراغ.
(6) سقط من (ب).
قلت: والناصرية تفضل الناصر - عليه السلام - على الهادي - عليه السلام - في العلم، روى في حواشي الإبانة - أيضاً - عن صالح بن ملكان قال: رأيت شيخاً مسناً من العلوية قد أتت عليه من السنين مائة وثمان عشرة، قد صحب الناصر والهادي - عليهم السلام - فسألته عنهما فقال: ألفيت الهادي كواد عظيم عريض الحافة مستطيل وألفيت الناصر للحق كبحر زاخر بعيد القعر، انتهى.
علي بن عبد الله بن محمد
السيد العابد الزاهد العالم المحقق علي بن عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة - عليهم السلام - قال صاحب الصلة: كان آية زمانه وبركة أوانه، ونقل عنه أنه حكى أن أخاً في الله لشيخه شيخ الطريقة الحسن بن سلمان الماضي ذكره مات، وكان صالحاً عابداً، فجاءه وهو مسجاً ميت، فقال: السلام عليك يا فلان، ففتح عينيه ساعة، ثم طبقها.
علي بن عبد الله بن الحسن
الأمير السيد الناصر الجمالي عضد الإسلام علي بن عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة - رحمه الله تعالى - هو الأمير الكبير صاحب حصن المنقاع والد السيد إدريس صاحب (الكنز)، كان هذا الأمير من وجوه أهله وعيونهم وكبرائهم، وله وقعات بينة وبين سلاطين اليمن وغيره، وكانت أحواله تختلف باعتبار الزمان تارة يهادن السلاطين وتارة يخالفهم، وكان في مقام عظيم، ولما كان من داود بن المنصور من الصلح بينه وبين السلاطين ما كان، وخرج داود(1) الإمام المطهر بن يحيى بقي هذا الأمير حافظاً لحصون كثيرة /123/ من حصون الزيدية، وبقي يتردد بنفسه من كوكبان إلى ردمان إلى القاهرة وإلى(2) عزان، ثُمَّ أن سحر(3) في سنة ست وسبعين حاصر القاهرة وعزان من حصون حضور، فاستمد الأمير بالأشراف(4)، فلم يمده أحد منهم إلا الإمام المطهر بن يحيى - عليه السلام - فإنه جمع جمعاً عظيماً وقصد الشعبي إلى محطته، فلم يحصل المقصود من التنفيس على الحصنين فرجح الأمير على الصلح بينه وبين السلطان وأخذ مالاً في تسليم الحصون وتوجه الأمير إلى الظاهر والإمام المطهر إلى المغارب وناصر الوابق - عليه السلام - وهو الذي أخرج الحسن بن وهاس من السجن لتجتمع كلمة الأشراف لقتال أعدائهم، وكان باسلاً شجاعاً كريماً عالماً، وهو صاحب القصيدة الناجزة في إمامة علي بن أبي طالب التي أولها:
موت النبي ولاية لوصية ... سبقت عقودهم ومن أختاروا
وأجابها السيد العلامة الصدر محمد بن جعفر بن أبي هاشم الحمزي بقصيدة تؤكد معنى شعر الأمير (ويبرزه) (5) ويثني عليه أولها:
هذا مقالة أهل بيت محمد ... حقاً وإنك بحرها (النيار)(6)
العالم الصدر النبيه ومن غدا ... في كفه الإيراد والإصدار
__________
(1) في (ب): إلى الإمام.
(2) في (ب): إلى.
(3) كذا.
(4) في (ب): الأمير علي بالإشراف.
(5) في (أ): ويقرره.
(6) في (أ): التيار (ولعلها الصواب).
وهَّاب جرد الخيل كل مطهم ... لم يثنه عن جوده الإقتار
وهي طويلة شرحها الإمام الأعظم المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى بشرح نفيس سماه (الكواكب الدرية في شرح الأبيات البدرية)، قال في اللآلي: إنه تكلم في إعرابها ورد من أقوال النحاة ما يشهد له بالتبريز في هذا الفن، ثم خاض في شيء من الكلام ومسائل الإمامة، توفي في جمادي الآخرة سنة تسع وتسعين وست مائة، وفيه تمثل أخوه بقول زياد الأعجم:
مات المغيرة بعد طُول تعرض ... للموت بين أسنه ورماح
وقال الجندي: وكان فارساً شجاعاً كريماً، صحب الملك المظفر ولاذ به فأحبه ورفع له (طبلخانه) ولقبه نجم الدين وذلك عاشر المحرم سنة ست وثمانين وست مائة، ولم يزل على الإعزاز حتى توفي المظفر، ثم لما صار /124/ (الملك) (1) إلى الملك الأشرف ونازعه فيه أخوه المؤيد استنجد بهذا علي فأنجده بجيش حميد، ونزل إلى لحج فانكسر عسكر المؤيد وقبض فأنعم الأشرف على هذا الشريف بنعم كثيرة منها حصنان في بلدة يعرفان بالعظيمة والمنقاع، فطلع من اليمن وقبضهما وعتب الناس على الأشراف بذلك، فلما صار الملك إلى المؤيد بعد وفات الأشرف لم يكن له مخرج إلا في طلبهما، فخرج في سنة سبع وتسعين وست مائة، وحاصره فيها أربعة أشهر، ثم تركا عدالة على يد ولده إدريس، (ثم نزل الشريف صحبت السلطان اليمن)(2)، ثم نزل معه تهامة، ثم عاد إلى تعز، ثم طلع إلى بلده فتوفي بها سنة ثماني وسبعين(3) وستمائة، ثم إن ولده إدريس نزل إلى السلطان المؤيد وسلم له الحصنين فرفع له السلطان طبلخانة كما كان لأبيه وأقطعه تهامة إقطاعاً حاملاً(4) ولم يزل على الإعزاز، والإكرام، وكان فاضلاً تفقه بمذهب الزيدية، وكان عارفاً بأصولهم وعارفاً بالنحو معرفة شافية، وله شعر جيد ودرية بالتاريخ، وله فيه تصنيف شاف جمعه بإشارة الملك المؤيد، وكان شجاعاً جواداً لا يكنز درهماً سمعت كثيراً يفضلونه على أبيه بالشجاعة والكرم، وأما العلم فأهل مذهبهم يقولون لو كانت أمه شريفة لاستحق الإمامة، وكانت وفاته بتعز ليلة السبت العشرين من ربيع الآخر سنة أربع عشرة وسبعمائة، انتهى كلام الجندي، وقوله: لو كانت أمه شريفة (لاستحق الإمامة)(5) عند الزيدية جهلٌ بما عليه الزيدية فإنهم لا يشترطون ذلك، فإن الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - أمه أمة وأم إسماعيل
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): ثم نزل، صحبه الشريف السلطان اليمني.
(3) في (ب): تسعين.
(4) في (ب): حافلاً.
(5) في (ب): لصلح للإمامة.
نبي الله، فهذه عادة القوم لا يعرفون شيئاً من مذهب أهل البيت - عليهم السلام - وأم السيد إدريس المذكور ليلى الشريحية الصانعة(1) وأم والده الأمير /124/ على أم الدرر(2)، ومنه اسمها خاتون.
علي بن عبد الله بن أحمد
علامة الأصول والفروع وحجة المنقول والمسموع سيد أرباب الشريعة وإمام أهل الحقيقة على الحقيقة علي بن عبد الله بن أحمد بن أبي الخير الصايدي - رحمه الله -(3)، لم يبلغ أحد في وقته ما بلغ، ولا انتهى إلى ما انتهى، جمع الفضائل عن يد وحاز الكمال وانفرد لم يبلغ الحلم حتى صار عالماً محلقاً مصنفاً، نقل شرح الأصول غيباً وقرأه شرفاً ونصف شرف، وبلغ الحلم هكذا، روى لي ولم يبلغ عشرين سنة إلا وقد صار مجتهداً في العلوم في أصولها وفروعها وجليها وغامضها، وله في كل فن تصنيف وموضوع في الأصولين والفروع، والرد على المجبرة والفرق الإسلامية والملاحدة وعلوم المعاملة والزهد وحكايات الصوفية المحمودة منها والمذمومة، (إلى) (4) زهى خمسة وأربعين موضوعاً(5) ومن طلبها وجدها واستضاء بنورها واستصبح في ديجور جهله بضيائها إن شاء الله، فلما بلغ من العلوم المنتهى وفاز فيها بالقدح المعلا جاءه مخاطب التوفيق والارتقاء إلى سنام التحقيق العلم يهتف بالعمل إن أجابه وإلا ارتحل، عكف على كتب التقوى واليقين وواضب عليها مدة من السنين وراض نفسه رياضة يعجز عنها من عرفها وسمع بها دقق فيها وحقق، وفيها ما راق وأشرق، فهو إمام أهل الشريعة وشيخ أهل الطريقة، روى إبراهيم الكينعي قال: إن عبد الجبار قاضي القضاة أبلغ الناس في علم الكلام وعندي أن علي بن عبد الله أبلغ منه وأغزر علماً وأعظم فهماً، لكنه في زمانٍ أهله عفواً أو ما معناه هذا، وسمع علي بن عبد الله
__________
(1) في (ب): الصاغية.
(2) في (ب): الدر.
(3) في (ب): قال السيد العماد في الصلة هو سلطان العلماء الأبرار، وملاذ علماء الأمصار (زيادة).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): موضعاً.
تلقين الشهادة وكيفية الطريق إلى الله على المقري العلامة شمس الدين بركة أهل المذاهب من المسلمين أحمد بن النساخ /126/ بسنده إلى جعفر الصادق وزين العابدين إلى علي - عليه السلام - إلى نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - وسمع إبراهيم الكينعي ما ذكر على الفقيه الإمام علي بن عبد الله وأخذ عنه التلقين وكيفية الطريق إلى الله عز وجل وإخلاص الذكر، فهو شيخ إبراهيم في زهده وورعه، وقدوته في أفعاله وأقواله، وكان لا يفارقه الفينة بعد الفينة لما يرد عليه من مسائل الشريعة وطرائق أهل العبادة والذكر وما يرد عليه من أحوال المريدين وما يطرق عليهم من الشبه فيحلها بعلم وبحرية وكيفية التلقين موجود في خزانة إبراهيم الكينعي وأنا أذكر طرفاً من ذلك من إملائه على إخوانه وسماه (المقدمة)، و(الوضائف في طريق المريد والطائف): ((بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد(1) لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وصل الله على محمد وأله)(2)، اعلم أرشدك الله وإيانا أن من نظر في عاجل أمره وعاقبة حاله لم يقربه قرار، ولا تؤيه دار، وإنه ليطمئن إلى الفرار، ويأوي إلى الفيافي والقفار، ويأنس بالسباع، وينفر عما تتوق إليه الطباع، إذ العاقل إذا شاهد الموت والفوت، وما بعد ذلك من الأهوال لا بد له من أن يبني نفسه ويوطنها على أحد ثلاثة أقسام:
الأول إما أن ينكر ذلك وهذا هو الهلاك الأكبر مع أن العقلاء لا تقبله وهيهات ما أبعده.
الثاني: أن يقر به ولا يتحرك فيه ولا يعد له عدته، فهذا أقرب.
الثالث: أن يتحرز ويعد له فهذا هو السعيد.
__________
(1) في (أ): والحمد لله.
(2) في (ب): والحمد لله وصلى الله على محمد وآله.
فإن قيل: كيف لا يختار العقلاء مع كمال عقلهم(1) طول السعادة؟ قلت: منعهم بل أعماهم حب الهوى وطول الأمل كما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - (حقيقة(2) الأمر المهلك إنه حب الدنيا كما قال حب الدنيا رأس كل خطيئة)، ولقد تكلم العلماء في ذلك كلاماً وعرفوا فيه أن الخطايا من حب الدنيا، فإن قلت /127/ وما الدنيا؟ قلت: قد قيل فيه معاني كثيرة، لكن الذي يليق بالحال أن يقول الدنيا ما بعدك عن مراد الله وعن الأفضل مما يريده. فإن قيل: فما مراد الله والأفضل؟ قلت: الطاعة كلها، لكنها (كلها)(3) بعضها أفضل من بعض والأفضل يختلف بالأزمان والأشخاص والأحوال والأفعال وغير ذلك من القرائن التي لا حصر فيها والبعد عن الأفضل نقص، فإن قيل: فبما أخرج حب الدنيا عن قلبي؟ قلت: بمعرفة آفاتها ووخم عواقبها مع أن التكليف لم يرد بإزالة الشهوة والشيء عن القلب، لكن بالصبر عنه والكف وسياسة النفس حتى ترجع المشتهى مكروهاً ويكون الرغبة والشهوة في الأمور النافعة لا الضارة بعون الله. فإن قلت: فبما أصل إلى ذلك؟ قلت: تصل إن شاء الله بقطع ثلاث عقبات، نذكرها على سبيل الجملة، الأولى: عقبة الصبر، وهي الصبر عن(4) القيام بالواجبات واجتناب المقبحات، وعلى ما أتاك من الامتحانات من قبل الله أو من الخلق، ومجاهدة النفس على ذلك أولى، فإنه يعود بعد ذلك رضاً خالصاً بعون الله. العقبة الثانية: عقبة الزهد، فتزهد أولاً في الشبهات، ثُمَّ في الحلال، ثُمَّ في كل شيء إلا الله، فإذا لم يبق في القلب إلا الله فذلك غاية السعادة، لكن بثلاثة شروط: الأول، التزام الطاعة والشريعة، والثاني أن لا يكره الدنيا ولا يحبها، فإن ذلك شغل وغرور، الثالث: أن لا تعلق قلبك بذات الله على الحقيقة بمعنى التصور والتكييف، فإن من نظر في الذات ألحد، ومن نظر إلى المخلوقات وحد، لكن على سبيل التعظيم
__________
(1) في (ب): عقولهم.
(2) في (ب): وحقيقة.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): على.
والامتثال لأمره والاستعانة به والحاجة إليه في كل حال. العقبة الثالثة: عقبة المواضبة، وهي أن تواضب على عشر خصال: الأولى: الندم على كل قبيح لقبحه وعلى كل إخلال بواجب لوجوبه. الثانية /128/ العزم على (أنه) (1) لا يعود إلى شيء من ذلك. الثالثة: الملجأ(2) إلى الله في كل حال، والتعويل عليه في كل أمر. الرابعة: الرجاء له ولكرمه وإحسانه في كل شيء إلا عند الذنب وذكره في الأولى(3) الخوف. الخامسة: الشكر، وهي أن تشكر الله على (السراء والضراء)(4) والشدة والرخاء وعلى كل حال من الأحوال. السادسة: الذكر، وهو بالقلب واللسان والأفعال جهدك. والسابعة أن ينوي كل ما زال عنك من مالك من غير اختيار منك ونية حاضرة فيه أنه من أوجب حق كان أو يكون للأخذ وإلا فمن حقوق الله إن لم يكن في معلومة أن يعود أو عوضه. الثامنة: أن تقصد أن كلما فعلته أو تركته فإنه لكل وجه حسن يريده الله على الوجه الذي يريده، الواجب لوجوبه، والمندوب لندبه، واجتناب القبيح لقبحه، والمباح لما يقترن به من القرائن التي تصيره مندوباً قربة. التاسعة: أن تقدم الأهم فالأهم مما يعنيك. العاشرة: أن تعرض عما نهيت عنه وما لا يعنيك(5)، فإذا فعلت هذا فأنت إما متشرع أو متصوف، وهذا التقسيم إنما هو في الطريقة، وأما(6) الحقيقة فهما لا يختلفان قط أعني الشريعة والتصوف(7)، فإذا كنت متشرعاً فخذ بالأفضل، فالأفضل في حقك من الشريعة تبلغ خصال المتصوف إن شاء الله تعالى، وإن كنت متصوفاً فحبذا لكن تجنب مقالاتهم المخالفة للشريعة، وقد أشرنا إليها في بعض
__________
(1) في (ب): أنه.
(2) في (ب): اللجأ.
(3) في (ب): فإن الأولى الخوف.
(4) في (ب): الضراء والسراء.
(5) زيادة في (ب): وبعد إذا فعلت هذه العشر لا يزال خادماً عارفاً لاجياً راجياً شاكراً ذاكراً ناوياً قاصداً مقدماً للأهم فالأهم مما يعنيك، معرضاً عن القبيح وما لا يعنيك.
(6) في (ب): وأما في.
(7) في (أ): والمتصوف.
المواضع تكن من الواصلين إن شاء الله تعالى، ونشير إليها هاهنا ونأخذ(1) من ذلك فتقول: اجتنب مذهب بعضهم في أن الإنسان قد يبلغ إلى درجة يكون فيها قريباً من النبوءة أو مثلها في بعض الأمور وأن التكليف قد يسقط عن بعض فضلائهم فلا يصلون ولا يأتون بواجب، وعن اللوامة الذين يفعلون الذنوب /129/ حتى يلوموا أنفسهم، وعن من يصوم إلى آخر النهار ثم يفسده لدفع العجب وعن من يعلق العظام برقبته في الأسواق لدفع الكبر، وعن المذاهب الفاسدة من التشبيه والجبر والإرجاء، وعن تمثيل(2) الوسواس والخواطر الفاسدة بالإلهام والوحي والمكاشفة والحضرة، وعن امتناعهم من(3) الجهاد مع أهل البيت وإجابة دعاتهم المحقين، وعن السماع والرقص والوجد ومشاهدة الجنة والنار، وعن أفعال (الحلولية) الذين يقولون إن الله (سبحانه)(4) عرض يحل في الصورة الحسنة تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
وبعد، فإن حدثتك(5) نفسك بأنك قد بلغت المراد بعد الجهد في قطع هذه العقبات فأعرض عليها أموراً، فإن وجدتها منقادة سلسة فقد بلغت، وهي: أن تختار الفقر على الغنى، والشدة على الرخاء، والجوع على الشبع، والألم على الصحة، والذل على العز، والغربة على الأهل، وغير ذلك من المشاق في طاعة الله، وقتل النفس فإنه (من أدين) (6) القوم، ويُرجَالك أن تكون من الواصلين(7) إن شاء الله تعالى، فإنك تبلغ، ثم (تصل ثم تحقق) (8) إن شاء الله.
__________
(1) في (أ): وتأخذ.
(2) في (ب): تمثل.
(3) في (ب): عن.
(4) سقط من (ب).
(5) في (أ): حدثت.
(6) في (ب): فإنه في دين الله.
(7) في (ب): الواصلين.
(8) في (ب): ثم تصل ثم تصل.
ولما كان الاجتماع من التائبين لا يخفى وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((عند ذكر الصالحين: تنزل الرحمة))، فكيف عند اجتماعهم والنبأ على وظائف يكون لهم فيه إن شاء الله أحب أضعفهم في الطريقة إلا ما رحم الله الفقير إلى الله علي بن عبد الله أن يجعل هذه كالمقدمة لتلك الوظائف التي يختارونها(1)، وذكر تلك الوضائف بعدها ليذكرهم أن يشركوه في صالح دعائهم ولسان حاله ولفظه يقول: قد استوصيت جميع المسلمين بالدعاء بما أمكن من القربات في الحياة وبعد الممات، وماأصبنا فيه فالحمد لله، وما أخطأنا فنستغفر الله، والحمد لله(2) غوثك، اللهم وصل على محمد وآله، (اللهم)(3) بلغنا رضاك واختم لنا به يا كريم وجميع المسلمين واكفف جميع الأسواء /130/ بمحمد وآله، وتلك الوظائف ثلاث، منها ما يرجع إلى الأوقات وهي التي قد ترتبت الليل للعبادة قدر الإمكان، والنهار للصوم قدر الإمكان، ومن صلاة الفجر إلى طلوع الشمس للذكر(4)، وبعده للعلم إلى وقت الضحى، وبعده لحوائج الدنيا ولإخوانه وبعده القيلولة إلى الصلاة، وبعده العلم إلى العصر، وبعد العصر للذكر ولحاجة مما يتوب له، ولغيره من المسلمين، ومنها يرجع إلى الأحوال وهي أن لا يخصَّ(5) أحد بشيء من رئاسة الدنيا ولا شيء منها جهده، وأن يكون (اللباس الصوف)(6) وشبهه والأكل أي (شيء(7) كان،) ومنها ما يرجع إلى الأشخاص، والواقفون هذا حكمهم، والزائر يكرم ويوعظ والمريد الوقوف يختبر حاله، ثم يعلم ثم يدخل في الجملة وظابط الجميع أن لا يشتغل بشيء من الدنيا، وهو يقدر على أفضل منه ولا يقارب شيئاً من الدنيا الجائرة وهو يمكنه الصبر عنه. تمت المقدمة والوظائف جزاه الله عن نفسه خيراً وعن إخوانه وعن المسلمين كافة
__________
(1) في (ب): اختارونها.
(2) في (ب): والحمد لله على.
(3) في (أ): فراغ.
(4) في (ب): لذكر أو لحاجة.
(5) في (ب): لا يختص.
(6) في (ب): اللباس من الصوف.
(7) في (أ): شيء يحضر كان.
الجزاء الأوفى وحباه بالخير كله والحسنى وله من هذا القبيل موضوع حسن يسمى (عقد اللآل في العشر الخصال في التزود للمآل(.
قلت: ونقل السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزيري الحافظ، وكان أحد تلامذته الفقيه علي - رحمه الله تعالى - انه حدثه أنه قال: نظرت مرة ما بذكره(1) من الأدلة على إثبات الصانع بما يورده الفلاسفة من الشبه، فإذا كل دليل قد عارضوه بشبهة(2) فاضطرب خاطري لذلك وإن كانت شبهتهم باطلة، وبقيت مدة أسأل ربي أن يلهمني إلى دليل لا يستطيع أهل الكفر وأهل التعطيل أن يشبهوا فيه فرأيت في ليلة شخصاً يقول لي في المنام: ?مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ?[الرحمن:19]، فعرفت في حال النوم أن هذا هو الذي سألته الله؛ لأن من طبيعته الاختلاط، فكيف لا يختلطان وأمواجهما متلاطمة وعواصف الرياح تصفق أمواجهما المتراكمة وهما بحران يلتقيان كما حكى الله: ?هَذَا /131/ عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ?[الفرقان:53]، ولا شبهة ترد على أنه لا بد من فاعل مختار منعهما من الاختلاط مع شدة الاضطراب والاصطفاق في أمواجهما، فسبحان من أظهر الأدلة على ثبوت ذاته، وله الحمد على ما عرفناه من عجائب مخلوقاته حمداً طيباً مباركاً فيه وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم(3).
__________
(1) في (ب): فيما يذكره.
(2) زيادة في (ب): قال.
(3) في (ب) زيادة: توفي - رحمه الله - في [بياض].
علي بن عبد الله بن علي راوع
القاضي العلامة علي بن عبد الله بن علي راوع - رحمه الله تعالى - قاضي الإمام شرف الدين - عليه السلام - علامة وقته شارح (الأثمار)، كان أحد الأعيان بحضرة الإمام - عليه السلام - وتولى قضاء صنعاء، وكان وجه (أهل) زمانه واتفق بينه وبين الإمام شيء فتجنب الحضرة وسكن في عاشر من بلاد خولان وبه توفي في (فراغ) وتسعمائة، وله شرح على الأثمار عظيم بلغ فيه إلى البيع وشرح لطيف قال في خطبته ما لفظه: وبعد فإني كتبت(1) شرح الأثمار حتى بلغت كتاب البيع، ثم عرض ما صد عن الإتمام حتى مضى بضع من الأعوام، ثم أشار مؤلفه بإنشاء شرح ثاني لما تعقب ذلك الشرح في لفظ الأثمار من زيادة ونقصان وأجبته إلى ذلك ميلاً إلى إسعاده ومسارعه إلى تنفيذ مراده متجنباً للتطويل الممل والاختصار المخل، فمن أراد الاطلاع على الأسانيد والأقوال والرموز والقواعد والفوائد فعليه بالشرح الكبير يجد ما طلبه محققاً مستوفاً، ويظفر بمراده مبيناً مستوفاً، فقد بذلت فيه التحقيق والتدقيق وبالله الثقة والتوفيق.
قلت: وبلغ في الشرح هذا إلى الزكاة، فقط ومن كلام العلامة علي بن أحمد الشظبي في وصفه - رحمه الله تعالى - لما ذكر جواب السيد المرتضى بن قاسم والعلامة محمد بن راوع والفاضل محمد بن سليمان النحوي - رحمه الله - في الوقف المشتمل على التجويز و(2)قال الشظبي: وجواب العلامة علي بن راوع يجري مجرى النص ويؤيد ما زعمت أني سمعت من بعض درسته أنه أعرف من كثير من المذاكرين، فلما تم الجواب قال الشظبي: فعلى ابن راوع بالنسبة إلى من أجاب عن هذا السؤال كما قال المنصور بالله في رسالته إلى بني العباس /132/:
وإن كنتم كنجوم السماء ... فنحن الأهلة للأنجم
__________
(1) في (ب): كنت شرحت.
(2) سقط من (أ): الواو.
وحاصل هذا الجواب الذي أجاب به أن التحويز(1) لا يصير(2) بوقف ولا غيره إلا الإقرار لكونه يكشف عن كذب المقر، وكان فيه - رحمه الله - نباهة، وله شعر من ذلك ما كتبه إلى العلامة محمد بن يحيى بهران - رحمه الله -:
سلام وما التسليم يقضي لنا فرضاً ... إذا لم نقبّل بين أيديكم الأرضاء
فلا تحسبوا طول المدى عن مزاركم ... لأجل ملال في القلوب ولا بغضاً
ولكنها الأقدار تجري على الفتى ... ضراراً بما لا يشتهيه ولا يرضى
فأجابه العلامة ابن بهران - رحمه الله تعالى -:
حرام على عينيّ أن تطعم الغمضا ... إذا لم أرى وجه التواصل مبيضاً
أحبة قلبي شرفوني بزورة ... يعض بها الحساد أيدهم(3) عضا
ولا برحت مني إليكم رسائل ... يموت بها أهل العداوة والبغضاء
وكيف يلذ النوم لي ويزورني ... وأحلام قرض الشوق تقرضني قرضاً
وكان سبب وفاته - رحمه الله - أنه سقط من سطح داره بعاشر ورثاه بعض تلامذته فقال:
فيض الدموع على الخدّين أغرقني ... ونار جمر الغضا في القلب أحرقني
(وصفو عيشي أضحى ضيقاً كدراً ... ومشربي من قراح الماء غير هني)(4)
والشمس والبدر مسودان قد كسفا ... لحادث جل في الأمصار والفنن
بموت شيخ العلوم القطب سيدنا ... علي المرتضى علامة اليمن
ذاك ابن راوع المشهور من عميت ... بموته عين هذا الدهر واحزني
ذاك الذي ملأ الأقطار معرفة ... وخير من ضم في لحد وفي كفن
العالم العلم النحرير عمدتنا ... آهٍ عليه أنيسي كربتي حزني
لما رمته سهام الموت قائلة ... رمت فؤادي وقلبي أسهم المحن
وحين ما سمعت أذناي نائحة(5) ... أغشي علي وزال العقل من بدني
/133/ أقمت صحبته دهراً فانحلني ... من المسائل دراً غالي الثمن
وكان لي والداً براً غنيت به ... عن الديار وعن أهلي وعن سكني
__________
(1) لعلها التجويز.
(2) في (ب): لا يضر.
(3) في (أ): أيديهم.
(4) هذا البيت سقط من (ب).
(5) في (ب): ما تتزين.
أبكي عليه وتبكيه العلوم ومن ... قد استفاد عليه من بني الزمن
كانت وفاته في (فراغ)
علي بن عبد الله بن المهلا
بديع الزمان وقريع الأوان صاحب الأخلاق العاطرة والآداب الزاهرة الناظرة جمال الدين علي بن عبد الله بن المهلا بن سعيد بن علي الشرفي ثم النساي - رحمه الله - كان من حملة الأداب وكملة الأصحاب مولده بكوكبان ونشأ فيه، وقرأ بصعده والشرف - أيضاً - ثم قرأ بصنعاء مدة، ثم عاد كوكبان فتزوج به، ثم حمل أهله إلى صنعاء، وترجم له ولده عبد الله بن علي أسعده الله قال: كان عالماً في كل فن في الفقه والنحو والمعاني والبيان والمنطق والتاريخ، وأخذ على جماعة من المشايخ مثل الوالد العلامة محمد بن عبد الله المهلا(1) وسيدنا العلامة علي بن محمد الجملولي والسيد العلامة محمد بن عز الدين المفتي والسيد العلامة عيسى بن لطف الله رحمهم(2) الله تعالى وغيرهم من العلماء.
__________
(1) زيادة في (ب): - رحمه الله - والوالد العلامة عبد الحفيظ بن عبدالله المهلا.
(2) في (ب): - رحمه الله -.
قلت: وكان محبباً إلى الفضلاء بمكارم أخلاقه طال ما سمعت سيدنا العلامة المحقق الحسن بن أحمد الحيمي يحن إليه وينوح بعد فراقه عليه، ويذكر من مكارم أخلاقه ما تزين(1) به الأوراق، وله شعر سيال قليل النظير في عصره، أخبرني السيد البليغ صلاح بن أحمد بن عز الدين المؤيدي - رحمه الله - قال: قلت قصيدة في المولى شرف الإسلام الحسن بن القاسم - عليهما السلام - فلما عرف أني أريد القراءة لقصيدتي قال لي إنه قد قال فينا الفقيه علي بن عبد الله قصيدتين بليغتين يطلع عليهما، قال السيد صلاح: وعرفت أنه أراد ان يعرفني أنه يعرف جيد الشعر /134/ من رائفه(2) فقرات القصيدتين فرأيت العجب، وكان مولانا الحسن يذكرهما للأدباء لهذا المقصد، توفي - رحمه الله تعالى - بصنعاء سنة تسع وأربعين وألف سنة، ودفن بخزيمة، والقصيدتان الأولى منهما في فتح زبيد، وهي:
لا تحسبوه عن هواكم سلا ... كلا ولا فارقكم عن قلا
ولا بنت وهناً به قلبه ... هضيمه الكشح صموت الحلا
يفصح بالقد غصون النقاء ... ليناً ويحكي الشادن الأكحلا
نشوانه ما شربت قرقفاً ... سحارة ما عرفت بابلا
أهلة الدار بأترابها ... لا عفت الريح لها منزلاً
نسيمها حدث عن مسكها ... فخالة أهل الهوى مترسلا(3)
دع التصابي في مقام الذي ... فاق سناء واقصد الأفضلا
وقل بأعلا الصوت إن جئته ... يا مالكاً(4) حاز جميع العلا
هنيت هذا الشرف الأطولا ... فالمفخر الباذخ فوق الملا
أدركت مجداً عشر معشاره ... قد أعجز الآخر والأولا
ما أنت إلا آية أنزلت ... بقمع من خاف ومن أبطلا
يشهد ما في الأرض عن علمه ... أنك صرت الأوحد(5) الأكملا
نور هدىً يهدي به ذو التقى ... نار وغىً حاميه المصطلا
وبحر علم ما له ساحل ... يزخر إن فَصَّل أو أجملا
دقيق فكر ما رأى مشكلاً ... إلا وحل المشكل المعضلا
__________
(1) في (ب): ما تتزين.
(2) في (ب): من زائفة.
(3) في (ب): مرسلاً.
(4) في (ب): يا ملكاً.
(5) في حاشية (أ): الأوجد.
يا ابن أمير المؤمنين الذي ... ما برح النصر له مقبلا
رمحك لا يألف إلا الحشا ... سيفك لا يعشق إلا الطلا
طرفك يختاض دماء العداء ... كأنها كانت له منهلاً
منتعلاً في الروع هاماتهم ... مجللاً أكبادهم والكلا
/135/ نهدت للترك وقد حزبوا ... أجنادهم تملأ عرض الفلا
تغص قيعان زبيد بهم ... يخال فرسانهم أجبلا(1)
فدارت الحرب وقد أملوا ... رأياً وقد يعكس من أملا
وزاولوا منك فتىً ماجداً ... لا يرهب الموت إذ أقبللا
يستحسن الدرع على جسمه ... ثوباً ويستخشن لين الملا
سابغه تسحر في الهيجاء ... ويستزري القنا الذبلا
فجرعوا من بأسه علقماً ... معتصراً من شجرات البلا
واستبدلوا عن صهوات الذرى ... والضمر الجرد بطون البلا
فمنهم من جاء مستسلماً ... ومنهم من طار خوفاً إلى
فهكذا فلتكن الهمة العقسى ... والفخر وإلا فلا
فانقشعت تلك العنايات عن ... مهذب كالقمر المجتلا
عن فاطمي ذكر أيامه ... تفعل في السامع فعل الطلا
الحسن بن القاسم الندب من ... غار على الإسلام أن يهملا
وشاد ركناً لبني هاشم ... طاول من رفعته يذبلا
ساس من الشحر إلى مكة ... إلى المخا عمرانها والخلا
ودوخ الأرض (فلو رام) نحت ... الشام بله(2) الروم والموصلا
لأقبلت بالطوع منقادة ... لأمره أسرع من لا ولا
ونال منها كلما يبتغي ... وحازها بالسيف أو بالجلا
وما هي الأرض وما قدرها ... عندك يا من قدره قد علا
لو أنها عندك مجموعة ... وهبتها من قبل أن تسألا
ولو أمرت الشهب إقبالها ... نحوك لم تلبث أن تنزلا
/136/ وضيغم الأفلاك لو رمته ... جعلت من فروته أنعلا
ولو نهيت الدهر عن فعله ... بالحر لاستعبد واستمثلا
وإن يرد منه على نجله ... يوليه براً كاد أن يفعلا
دمت لدين المصطفى معقلاً ... وللهيف المعتفا موئلا
وله - رحمه الله تعالى - وهي الأخرى من القصيدتين:
هام وجداً ساكني نعمان ... حسبه من أحبة ومكان
__________
(1) في (ب): أخبُلاً.
(2) سقط من (أ).
جيرة خيموا فخيم قلبي ... واستقلوا فهام في الأضعان
ألفتهم روحي فهانت عليهم ... قل ما يسلم الهوى من هوان
الهوى شأنه عجيب فكم من ... مسبل ماء شأنه إثر شاني(1)
علق القلب منهم بدر تم ... ساحر اللحظ فاتر الأجفان
وافر الردف كامل الطلعة الغراء(2) مرَّ الصدود حلو اللسان
من لقلبي بعضّ تفاحة الغصن ... وتقبيل خده الأرجوان
فأداوي الفؤاد من ألم الحب ... ليشفى معذب الهجران
مالكي ما تريد أصلحك الله ... بإتلاف مطلق الدمع عاني
نم هنيئاً ملأ الجفون فإن ... عاود طرفي الكرى فقل لا هناني
(يطّبيني) هوى الحسان ولكن ... ما راني ربي بحيث نهاني
بل يحامي القريض نفسي فيد ... نيها إليه يشبهها(3) بالغواني
أجماح مع الصبى بعد ما لا ... حت ثلاث بيض ثنين عناني
فاتني ريق الشباب وأرجوه(4) ... عودة من أكف فرد الأواني
يا أبا أحمد بقيت فما غيرك ... يدعا إذا التقى الجمعان
ذد عن الدين واحمه بالصفاح ... البيض والصافنات المران
أنت مهدي هذه الأمة ... المرجو إحياؤه عقيب الزمان
/137/ لك من قول جدك الصادق ... الهادي ومن قول حيدر شاهدان
رمز الدهر عندما رمز(5) الحق ... فمذ جئت عاد في العنفوان
غيرك المدعي علاك لقد مد ... يداً ويحه إلى (كيوان(
يرتجي شأوك الرفيع لقد ظل ... وغرته نفسه بالأماني
رفع الله منك راية حق ... يتقي بأسها أولو الطغيان
سل زبيداً والنجد نجداً المخيريب ... وقاع القباب من سنحان
لو تصدّا لها سواك إذا آل ... كسير القنا قتيل طعان
طفق الروم تحت سيفك أفوا ... جاً يخرون منه للأذقان
إن أعداءك البغاة لفي النار ... يطوفون بين حميم آن(6)
ألفت خيلك الوغا فهي من شو ... ق إليه تهم بالطيران
كم جيوش غادرتها للأعادي ... جزر للنسور والعقبان
__________
(1) في (أ): شانِ.
(2) سقط من (أ).
(3) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
(4) في (ب): وأرجو.
(5) في (ب): عندما درس الحق.
(6) في (ب): يطوفون في حميم آن.
من رأى بأسك الشديد وإقدامك ... يوم الوغا على الأقران
معلماً تلتقي الكتائب فرداً ... حيث تنسى مودة الإخوان
لا يرى غير هامة ونجيع ... أو قتام أو صارم أو سنان
علم الناس أن مالك ثاني ... واستبانوا أن الفخار يماني
الغنا والقنا يكفيك موجودان ... فذا للمعافا وذا للجاني
ولك المحتد الرفيع وعلياك ... على الخلق ما لها من مداني
راق مدحي فيمن حوى قصب السبق ... ودانت لأمره الخافقان
الهمام الذي له الوقعات السود ... في أهل الزيغ والعدوان
ملك يقهر الجبابرة الصيد ... ويعنوا له ذوو التيجان
حسن بن المنصور سبط السحايا ... مريع الفضل منبع الإحسان
سن للناس مذهب الجود والبأس ... فما زيد الخيل وابن سنان
/138/ نشر الله عدله في البرايا ... ليفوزوا بالأمن والإيمان
وأعاد الأعياد تترى عليه ... أبداً ما تعاقب الملوان
علي بن عبد الله بن الحسن الدواري
العلامة ابن العلامة علي بن عبد الله بن الحسن الدواري - رحمه الله - كان عالماً عاملاً فاضلاً، مات في حياة والده سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ورثاه العلامة محمد بن أحمد بن عقبة - رحمه الله تعالى - بقصيدة عددها (ثلاثة)(1) وأربعون بيتاً طالعها:
الدهر للخلق مغتال وخوان ... يضمهم بالمنايا وهو(2) فتَّان
ما جاد يوماً على الأحيا بأنعمه ... الا تعقبه بؤس وأحزان
ولم يتيسر نقل جميعها وفيها دلالة على علم المذكور وفضله - رحمه الله تعالى -.
علي بن عبدالله الرقيمي:ـ
العلامة الفقيه علي بن عبد الله بن سليمان الرقيمي - رحمه الله تعالى - علامة فاضل، وهو ليس بأخ لمحمد بن عبد الله، وستأتي ترجمته، قرأ على عبد الله الحملاني الآتي ذكره، وعلي يحيى بن أبي بكر العامري مصنف البهجة.
علي بن عبد الله الحملاني
الفقيه العالم علي بن عبد الله الحملاني - رحمه الله - كان فاضلاً كاملاً عارفاً، وهو شيخ الرقيمي الذي قبله، اعاد الله من بركتهم.
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) في (ب): فهو.
علي بن عبد الواحد الكوفي
العلامة القاضي الرئيس همام الزيدية ونبراس أنوارهم علي بن عبد الواحد الكوفي الأسدي - رضي الله عنه - هو الذي كتب إليه الأمير الناصر محمد بن المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - قصيدته الفاخرة فقال:
متى أرى الأرض بلا ناصب ... ولا حروري ولا مجبري
متى أرى في كل أقطارها ... حب علي غير مستنكر
برئت من شيخ بني حنبل ... ومن ضرار ومن الأشعر
وناصب مستضمر حقده ... كالكلب قد فقح لم يبصر
مضطغناً يصرف أنيابه ... حران لم يعرف ولم ينكر
/139/ حتام ضرب الناس في طخية ... عمياء للسالك لم يبصر
قد جعل الناس لهم حجة ... سبق أبي بكر إلى المنبر
من يعذل القوم به جاهلاً ... فالصخر قد يعدل بالجوهر
وأعجب من البتري(1) في قوله ... ما أشبه البتري بالأبتر
ما ذنب عثمان يرى عنده ... قد نال منه صفقة الأخسر
شيعة زيد أصبحوا بعده ... مختلفي المورد والمصدر
جرى أبو الجارود في غاية ... يرزقها جري (لا)(2) مقصر
والآخرون اتبعوا قائداً ... مال عن المقصد لم يشعر
فحج ركاب الخيل ميمونة ... تهدى إلى الرشد وعج بالغري
واعلم بأن الطف من زاره ... يستحقب(3) الإيمان لم يخسر
يا معشراً بالطف قد أصبحوا ... أكرم من بالطف من معشر
ومن بكوفان ومن مثله ... لهفا لمن حرق لم يفتر
وزر بطوس خير(4) خير الورى ... وشر من يبعث في المحشر
قبران هذا روضة(5) محتداً ... وهوه(6) من حفر المنكر(7)
وعج بأهل الرس وأسفح بها ... دمعك ما فاض ولا تقصر
__________
(1) في (ب): المنتري.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): مستحقب.
(4) في (ب): قبر خير.
(5) قبر محمد وعلي بن موسى الرضى.
(6) في (ب): وحفره.
(7) في (ب): النكر.
علي بن عطف الله:
العلامة المجتهد علي بن عطف الله الشاوري الشرفي الهلالي - رحمه الله تعالى - كان من أكابر العلماء وفضلائهم موصوفاً بالاجتهاد، (و)(1)في تراجمه التي وقفت عليها وممن وصفه بذلك شيخنا العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - (تعالى)(2) وهو جد والده سعد الدين أبو أمَّه، وقد يلتبس بابن عطف الله التركي، وهو محمد بن عطف الله مع أنهما في زمان متقارب، وستأتي ترجمته، وكان شيخنا شمس الدين - رحمه الله - حريصاً على الفرق بينهما، فيقول ابن عطف الله - بفتح الفاء - هو التركي لم يجز على آخره الإعراب للحكاية، وابن عطف الله الشاوري صاحب هذه الترجمة - بكسر الفاء - لأنه لم يكن /140/ علماً - بالفتح ـ، وهذه مسالة ذكرها العلماء، وممن صرح بها العلامة في كشافه في تفسير(3) سورة أبي لهب، والله أعلم.
علي بن عمرو بن مسعود العنسي
الفقيه العلامة علي بن عمرو بن مسعود العنسي - رحمه الله تعالى - صنو مسعود بن عمرو، كان فاضلاً عارفاً، توفي قبل أخيه مسعود - رحمه الله تعالى - ورثاه بقصيدة أولها:
ميعادنا للوصل يوم المعاد ... أي بعاد مثل هذا البعاد
أصابني الدهر بما لو به ... يصاب أركان ثبير لماد
رزية لو بعت نفسي بها ... عددتها صفقة من قد أفاد
أي أخ أودعته حفرة ... ليس له دون الثرى من وساد
أنضد صم الصخر من فوقه ... منفرداً عني أي انفراد
رزيته لا فاحشاً طائشاً ... ولا هدايا(4) غير وارى الزناد
هو الفتى إن قيل ركب أوى ... يبغي القرى أو قيل خيل تقاد
يعلو على المنبر حلو الجنا ... ويشهد الروع جري الفؤاد
وهي حسنة (طويلة) (5) جيدة، وهكذا شعر مسعود بن عمرو عالي الطبقة - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): وفي تفسير.
(4) في (ب): ولا هدانا.
(5) سقط من (ب).
علي بن عيسى بن حمزة بن وهاس
السيد الكبير الأمير الأعظم الخطير مفخر الحرمين الشريفين واسطة عقد الشرفين المنيفين أحد مناقب العترة عُلَيَّ بن عيسى بن حمزة بن وهاس بن أبي الطيب داود بن عبد الرحمن بن أبي الفاتك عبد الله بن داود بن سليمان بن عبد الله ويعرف بالشيخ الصالح ويلقب - أيضاً - بالرضا ابن موسى الجون بن عبدالله المحض الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وهو بالتصغير(1) - بضم العين وفتح اللام - لم يكن على اسم جده علي بن أبي طالب، كان عالماً فاضلاً شاعراً جواد وهو أحد شيوخ العلامة القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام /141/ - رضي الله عنه - وتولى الرد على المطرفية واستدعى البيهقي - رحمه الله - من العراق ليخرج إلى اليمن للمدافعة عن الحق، ولما وصل مكة بشر به إلى الإمام أحمد بن سليمان إلى اليمن كما سبقت إشارة إلى ذلك في ترجمة البيهقي - رحمه الله - وورد الزمخشري - رحمه الله - مكة في أيامه وصنف بعنايته الكشاف ومدحه بقصائد موجودة في ديوانه، ومن شعره:
جميع قرى الدنيا سوى القرية التي ... تبوا بها دار فدار زمخشرا
وحسبك أن تزهي زمخشر بامرئ ... إذا عد من أسد الشرى رمح الشرى
ومن شعر الزمخشري - رحمه الله - فيه:
ولم يتزيد قط في قيلة وإن ... تذوكر أقوال الهداة تزيدا
ومعنا قوله: ولم يتزيد، أي لم يتكلف، وقوله: تزيدا أي صار زيدياً متبعاً لزيد بن علي - عليه السلام - ومن شعره فيه:
ولولا ابن وهاس وسابق فضله ... عددت(2) هشيماً واستقفت(3) مصردا
__________
(1) في (ب): وهو بلفظ التصغير.
(2) رغبت.
(3) استقيت.
ومن أخباره ما ذكره عمارة بن علي بن زيد أن اليمني في كتابه (المفيد في أخبار صنعاء وزبيد)، وذكر فيه جماعة من الشعراء قال: ومنهم الشريف الأمير السيد العالم علي بن عيسى بن حمزة السليماني، وهو الذي رثى الماربي - بالراء (المهملة) (1) والباء الموحدة - نسبه إلى مأرب والده عيسى، حدثني الفقيه أبو علي الحسن بن علي الربعي، وفي نسخة: الزيلعي، قال: كنت في الحرم الشريف جالساً مع الشريف علي بن عيسى، وهو يومئذ رأس الزيدية بالحرمين حتى بلغه أن قوماً من الزيدية من خارج اليمن أمر بهم(2) السجن فكتب الأمير علي بن عيسى إلى الأمير هاشم بن فليتة بن قاسم أمير مكة يتشفع في القوم فوهبهم له وأمر بإخراجهم إليه منها:
أبا هاشم شكوى امرء لك نصحه ... تفكر فيها خطه فتحيرا
على أيما أمر تساق عصابة ... إلى السجن والواحد المتخيرا
142/ ولم يعدلوا خلقاً بكم آل أحمد ... ولا أنكروا إذ أنكر الناس حيدرا
إياك بهم ما ظن في مسمع الورى ... وسارت به الركبان عدلاً ومفخراً
يجرون أطراف الشريح على الوجى ... مناقلة بين الهواجر والسرا
لك الله جاراً من قليب تطايرت ... حشاه ومن جمع جرى فتحدرا
ومن كل أواه وأشعث مخبت ... إذا صد عن قصد البنية كبرا
ومن شعره البيتان السائران في آل محمد مسير الأمثال:
يا أبا حفص الهوينا فما كنت ... ملياً بذاك لولا الحمام
أتموت البتول غضبا ونرضى ... ما كذا تفعل البنون الكرام
ومن شعره - رحمه الله - ما رأيته مكتوباً بخط المنصور بالله عبد الله بن حمزة،
ومهدية عندي على نأي دارها ... رسائل مشتاق كريم رسائله
تقول إلى كم يا ابن عيسى تجنباً ... وبعداً وكم ذا عنك ركب نسائله
ويوشك أن يأتي زماناً خفية ... لديك ولَّما يات ما أنت فاعله
فقلت لها في العيش والبعد راحة ... لذي الهم إن عيت عليه مقابله
وفي كاهل الليل (الحداري) مركب ... وكم مرة يحبى من الليل كاهله
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): أمر بهم إلى السجن.
إذا لم يعادلك الليالي يصاحب ... ولا سمحت بالنصف عفواً أنامله
فما الخير في إن ترَ أم الضيم ثاوياً ... وغيضا على طول الليالي يماطله
دعيني فلي نفس أبت لا يدبرها(1) ... عصاب وقلب يشرب الناس فاضله
إذا شم ورداً بعد خمسين شمرت ... عن الماء خوف المقدعات دلائله
(وله - رحمه الله تعالى - في جار الله) (2):
حليف التقى علامة العصر من له ... فضائل أدناهن مرو ومغدق
أتى حرم الله العظيم مجاوراً ... فلله ما أدنت جمالٌ وأنيق
فأحيا به ميتاً من العلم طامساً ... ورم به ما جلده متمزق
مفتق أبكار المعالي وجامع ... شواردها اللآتي أبت لا تلفق /143/
فمن حوضه عبث(3) ظماء ذوي النهى ... فآبت رواء وهي ملأن تفهق
صليت(4) قناة الدين في الله جاهداً ... إذا حان عزم أو تخلل موثق
وله - أيضاً - لما عزم الزمخشري على الرجوع إلى خوارزم وأراد الوداع:
لقد شجني في أم رأسي عزمه ... فأصبحت من عزم الإمام أهيما(5)
فديت امرأً يحشو الفؤاد فراقه ... كلوماً ولقياه حشته علوماً
رأينا من العلامة البحر طافحاً ... ينظم دراً في العقود يتيماً
كأيّن رأينا من أولى العلم والتقى ... رجالاً أناخوا بالحجاز قروماً
فمحمود أستاذ الزمان ضياؤهم ... وكان وكانوا شارقاً ونجوما
__________
(1) في (ب): لا أدبرها.
(2) في (ب): وله في جار الله تعالى.
(3) لعلها عَبَّت.
(4) في (ب): صليب.
(5) في (ب): أميما.
وله غير هذا، وأنشد له السلفي في معجم الشعراء أبياتاً عذبة الألفاظ رقيقة المعاني، توفي - رحمه الله تعالى - سنة ست وخمسين وخمسمائة، وقيل: سبع وخمسين في نصفها، انتهى، ووالده عيسى أحد رؤساء الحسنيين قتله أخوه يحيى بن حمزة، وذلك أن الغز أخذت يحيى بن حمزة أسيراً إلى العراق وبقي أخوه عيسى المذكور بعده والياً في البلاد وهي جهة (حرض)، وأعمالها ولم يزل يكاتب ويبذل الأموال لاستخلاص أخيه يحيى من العراق، ففك أساره وعاد إلى عثر - بالعين المهملة بعدها ثاء مثلثة مشددة - فأدار رحاء مكره على أخيه عيسى فقتله وبئسما فعل، فقال المأربي: ما لمح إليه الشيخ عمارة قصائد طويلة مما قاله قصيدة منها:
خنت المودة وهي الأم خطة ... وسلوت عن عيسى بن ذي المجدين
يا طف عثر أنت طف آخر ... يا يوم عيسى أنت يوم حسين
قد كان يشفي بعض ما بي من جوى ... لو طاح يوم الروع في الجبلين
هيهات إن يد الحمام قصيرة ... لو هز مطرد الكعوب رديني
أبلغ بني حسن وإن فارقتهم ... لا عن قلا وحللت باليمنين
إني وفيت بعهد عيسى بعده ... لا لو وفيت قلعت أسود عيني
/144/ وكان محمد بن زياد المأربي المذكور لكثرة وجده على عيسى نذر أن لا يرى الدنيا إلا بعين واحد فغطى إحدى عينيه بخرقة إلى أن مات، فقال قرب موته:
قرّت عيوني الشامتين وأسخنت ... عيني على من كان قرة عيني
ولما بلغ يحيى بن حمزة ما يقوله المأربي من الأشعار غضب وقال: جلدني الله جلدة المأربي لأسفكن دمه، فقال الماربي:
نبئت أنك قد أقسمت مجتهداً ... لتسفكن على حر الوفاء دمي
ولو تجلدت جلدي ما غدرت ولا ... أصبحت ألأم من يمشي على قدم
قلت: وقد جرى ذكر المأربي وهو حريّ بإفراد ترجمة بسيطة، فإنه من فصحاء الزيدية وبلغائهم، لكنه لما غلب عليه الشعر وصار أظهر أوصافه لم أستحسن ذكره في العلماء(1)، وقد كان بينه وبين المطرفيّة أقوال وصالوا عليه، وكانت قراءته في النحو واللغة على علامتي اليمن ابني رزين، وقرأ على موسى بن أحمد أكثر مما قرأ على عليَّ، واتصل المأربي بآل القاسم بن علي الرسي - عليهم السلام - واختص بجعفر بن محمد بن جعفر وأدناه وأكرمه ورفع صيته، ثم اتصل بعيسى بن حمزة والد الشريف علي صاحب الترجمة، فرفع منزلته واشتدت محبته وزعموا أن المأربي امتدح بعد سادته أهل البيت غيرهم، وأنه امتدح الرواحيين وسبأ ابن أحمد الصليحي يا شيخ والمفضل بن أبي البركات الحميري (بالتعكر) وسائر ملوك اليمن، ومدح آل رزيع، ومن شعره في أبي السعود ابن رزيع:
يا ناظري قل لي تراه كما هوه ... إني لأحبسه(2) تقمص لؤلؤه
ما إن بصرت بزاخر(3) في شامخ ... حتى رأيتك جالساً في (الدملوه)
__________
(1) جاء في حاشية (ب) ما معناه: أن المؤلف - رحمه الله - رجع وذكر ترجمةً له في حرف الميم، وكذلك جاء مثل هذا في نسخة (أ).
(2) في (ب): لأحسبه.
(3) في (ب): بزاخره.
قال القاضي أحمد بن عبد السلام والد القاضي جعفر أنه بلغه أن المفضل بن أبي البركات كان سُئل المأربي المذكور وأنه لما وصل المأذون الوادعي إلى المفضل بن أبي البركات برسالة من الأمير جعفر بن محمد بن جعفر بن القاسم /145/ من شهارة، دخل عليه ذات يوم وقد انتشى فأنشده من أشعار المأربي، وكان يحفظ كثيراً من شعره؛ لأنه كان صديقه، فقال: من يقول فيَّ هذا بعد أن اهتز وارتاع(1)، فقال(2): يقوله محمد بن زياد الماربي قال: لئن وقعت عيني عليه لأغنينه، فأمر له بألف دينار واتصلت به صلاته من ألف بعد ألف حتى صار (من)(3) أغنى الناس، لكنه كان جواداً متلافاً لا يبقى عنده المال وللماربي من هذا القبيل كثير، والظاهر أنه خالط ملوك اليمن جميعهم، ومن شعره:
ما لقينا من الضباء العواطي ... خافقات القرون والأقراط
هجنت بالبدور والدر والورد ... وازرت بالرمل والأحواط
علي بن أبي الفضائل
السيد الإمام القدوة علي بن أبي الفضائل - رضي الله عنه - قال السيد الشمسي - رحمه الله -: كان من أئمة أهل البيت - عليهم السلام - وعلمائهم وأهل الفضل والدين والتنوير وخلوص اليقين أفضى إليه الأمر بعد أخيه محمد في الجهات التي كانت تحت يده، فترك ذلك وطرحه ورأى في ذلك رؤيا هي من الوحي الباقي بعد ارتفاعه يقضي له بردعه وزجره وامتناعه وخرج مع الإمام المهدي.
__________
(1) في (ب): وارتاح.
(2) في (ب): قال.
(3) سقط من (ب).
قلت: قال المؤرخون: إنه كان الإمام الناصر لدين الله - عليه السلام - قد أشار إلى السيد علي بن أبي الفضائل هو أولى بالإمامة بعده لمحله في الفضل وللقرابة منه رفقاء بأولاده؛ لأنه ابن عمه، فطلب الوزراء منه القيام واستثنوا صنعاء لعبد الله بن صلاح وظفار لعلي بن صلاح، وذمار للحسن بن صلاح، فقال: هذا الأمر يفتقر صاحبه إلى النصرة الواقعة والمقصود به وجه الله، وفينا من هو أوقع مني نصره يشير إلى المهدي، ولم يكونوا يطمعون في دعوة أحد من أولاد الإمام، فلما (وصل) (1) العلماء من صعده أطمعوهم فيه، فبلغ السادة الفضلاء ما صمم عليه العلماء الواصلون فانزعجوا، وكان المشار إليه يومئذ ثلاثة هو السيد والإمام المهدي والسيد الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى، فاجتمعوا بمسجد جمال الدين، فأبدى(2) كل منهم عذراً إلاَّ أنهم لم يقبلوا عذر الإمام المهدي /146/ - عليه السلام - فدعا.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): وأبدى.
علي بن أبي الفوارس الهمداني
العلامة الكامل الفاضل جمال الدين أبو الحسن علي بن أبي الفوارس الهمداني اللعوي نسبه إلى (العوة) - بالعين المهملة - نسبه إلى العوة بطن معروف، كان من عيون الزيدية ومن أوليهم، ولم يزن بوصمة تطريف، وهو معدود من تلامذة الطبري - رحمه الله تعالى - وابن أبي الفوارس لقب جماعة من الزيدية كثرهم الله، منهم صاحب (التعليق) وابن دعثم، وكان علي هذا فاضل زمانه، حميد الآثار، وكمل كماله الزوج الصالحة مريم بنت جهش - رحمها الله تعالى - صاحبة كرامات(1)، منها ما روى بعض الفضلاء قال: زرت قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولبثت في جواره مدة فبينا أنا نائم رايت قائلاً يقول: بشر مريم بنت جهش(2) بالجنة، فقال: ومن مريم بنت جهش، فأخبره بها، فوصفها بما عرف به مكانها، فلما رجع ذلك الرجل إلى اليمن لم يكن له(3) إلا قصد منزلها فبشرها بذلك، ثُمَّ قال لها: سألتك بالله بأي شيء استحققت ذلك؟ قالت: لا أعلم شيئاً، فضلت به الناس إلا أنه ما أذن المؤذن في هذه الصومعة إلا وأنا في مصلاي على طهوري ولا عصيت بعلي(4) ولا سؤته.
__________
(1) في (ب): الكرامات.
(2) في (ب): جهيش.
(3) في (ب): له هم إلا قصد.
(4) في (ب): بعلي قط.
قلت: مصداق قيامها بحق زوجها ما روي عنها أنه كان قائماً معها في حجرة داره في كلام دار بينهما وقد دعاه داعي فقال لها: لا تبرحي، وخرج إليه ونسي مكانها وهي لم تستجز خلافه، فوقع عليها المطر حتى جرى الماء من متاعب الدار بصباغ ثيابها، وكانت مصبوغة بالزعفران، فدخل مبادراً فرآها لم تتجاوز محلها، فغضب عليها وقال: هتك الله سترك أفلا دخلت الدار، قالت: يا أبا الحسن لا يهتك الله لي ستراً فأنت ستري، ومن كمالها أن بعض المرجئة أورد علي بن أبي الفوارس حتى استدل عليه بقوله تعالى: ?حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ?[الأعراف:40] فقال المرجي: هذا هين على الله لقدرته إذا شاء أولج الجمل في سم الخياط، فحان انصرافهم من محل المناظرة، فوقف علي مفكراً في منزله فسألته مريم فأخبرها فقالت: قال الله: ?حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ? فاعلاً لا مفعولاً /147/ فانتبه لها وقرت عينه ونام، ثم بكر إلى أصحابه وأخبرهم بما يقطع المرجي.
ومن أخباره وأخبارها ما روي أن بعض الصلحاء المساكين في وقته من أهل الحسب كانت له امرأة من الجنات من أعمال البون فاستأذنت زوجها المذكور لزيارة أمها في الجنات فأذن، وكانت حبلى، فأقامت أياماً ثم أراد زوجها رجوعها فمنعته أمها وخشي أن يمسها الطلق في الطريق فاستعد لإقامتها، ثم نظر لنفسه فيما يحتاج لها عند الولادة، وكان من أهل الحاجة فأجمع رايه على قصد ابن أبي الفوارس، فخرج إليه، فلما كان في الطريق صادفه قاصداً لشراء بذر لماله؛ لأن البلد كانت قد عمها المطر، وكان لا يكفيه لماله إلا مائة مد بمكيال ريدة ومعه فرد سوار من ذهب يريد رهنه في ذلك، فلما لقيه الرجل وأخبره هان عليه بذر المال وأعطاه فرد السوار، ثُمَّ انصرف الرجل يريد ريدة لمصالحه، ففكر ثُمَّ قال: هذا الرجل أعطاني سوار امرأته بغير إذنها اين أكون من الله، فنفذ إليها من فوره فاستأذن وأدخل إلى مصلى الدار، فاستمعت كلامه، فأخبرها وقال: لم آت لهذا القدر إنما مقصدي سلف دينار أو حب أو عارية كساء فأعطاني الشيخ هذا السوار ولم أشك بأنه لك، وقد رايت الأقرب إلى الله أن أرده عليك، فقالت له: امسك على حالك حتى آتيك ولا تعجل، فأمرت له بطعام، فأكل فلما فرغ دفعت إليه السوار الآخر، وقالت: هذا نصيبي ونصيب أبي الحسن، فإنه لم يكن يأتي في دينه ما يخاف عليه منه، فكره الرجل أن يأخذ السوارين، فعزمت عليه حتى أخذ ذلك، ثم انصرف، فلما كان في بعض الطريق أخبره مخبر أن امرأته ولدت فبادر حتى إذا دخل عليها وجد عندها كساء ووسادة وفراشاً وسمناً وعسلاً وحملاً من دقيق وقدراً من لحم مطبوخ، فسأل عن ذلك، فأخبر أن رجلاً أقبل حتى استأذن، فلما تنحا النسوة عن الطريق دخل بتلك الأشياء ولم يعرفوه، فحمد الله على ذلك وأمهل حتى إذا وجد بعض من يثق به متوجهاً إلى جهة ابن أبي الفوارس فمضى إلى /148/ (حرروشى)(1) مما يشتهي من بذر الجنات، وجعله في جراب ولف
__________
(1) كذا في (أ) و (ب).
السوارين في خرقة، وأرجعهما في الجراب مع ذلك البقل فسأله أن يوصله إلى مريم بنت جهش، فلما وصل إليها الجراب فتحته وأخرجت ما فيه، ثم وجدت السوارين، فلما رأت ذلك أخذت على الرسول أن ياخذ لها على الرجل إذا بريت امرأته وخلى من شغلها أن يأتيها ففعل، فلما قدم على علي بن أبي الفوارس ومريم بنت جهش(1) قالا: قد حرم الله علينا هذين السوارين لما تقدم من الصدقة لوجه الله فلا تعد قولاً، فأخذهما وأتى بهما صايغاً بريده يقال له الميجاب، فسأله يبيعهما له، فكانا عنده مدة إلى أن بلغ ثمنهما ستين ديناراً وهو على أن يشاوره في ذلك ويأخذ أمره فبينما(2) هو كذلك إذ أتى أت بصرة من دينار قد أوصت بها امرأة من الصالحات من ناحية المغرب أن تسلم إلى ابنة جهش صلة لها وقربة إلى الله بذلك، وأخذ على الحامل أن يضعها من يده إلى يدها فقيل له: إنها لا تخرج إليك، قال: فلتلف على يدها خرقة، ففعلت، فلما فتحت الصرة وجدت فيها ستين ديناراً لا تزيد ولا تنقص، فأكرمت الرسول وقالت لزوجها قد عوضني الله سوارين (أن)(3) وهب لي هذه الدنانير، فاذهب فاطلب لي سوارين، ففعل، فلما أخذها أتى بها المنجاب، فسأله شراء سوارين من ذهب فقال: عندي سواران لرجل أعطانيهما للبيع فأخرجهما فاشتراهما بالدنانير، ونظر إليهما فإذا هما سوارا امرأته، فحين رآهما عرفهما وحمد الله على ذلك، وكانت من عجائب القصص.
__________
(1) في (ب): جهيش.
(2) في (ب): فبينا.
(3) في (ب): إذ.
ومن محاسن ابن أبي الفوارس أنه كان بالحائط من بلاد حاشد عبد لبعض أهلها، وكان العبد من الصلحاء فائت الجد منقطع القرين في الصلاح والرغبة في العبادة وطلب العلم مع شغله بخدمة مولاه، فكان يحرث نهاره ومعه لوح قد كتب فيه شيئاً يدرسه ويعلقه بين ثوريه أمام عينيه وينظر فيه ويقرأه كلما استمر سير الثورين في الجربة، فلا يزال كذلك يومه حتى يفرغ من الحرث ثم يصلي، فإذا كان الليل توجه إلى محل ابن أبي الفوارس فيتحدث مع أهل العلم هنالك ويأخذ عنهم ما ينفعه لدينه /149/ ويكتب في لوحة ذلك ما يتحفظه ثم يصبح عند مولاه لخدمته فرحمه ابن أبي الفوارس ورثا لكلاله وتعبه، فلم يزل - رحمه الله - يعمل الحيلة في خلاصه فاشتراه وأعتقه، وكان هذا العبد من كبار العلماء وخيارهم.
علي بن قاسم بن صلاح
السيد الكبير الأمير علي بن قاسم بن صلاح بن الهادي بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - كان من عيون أهله فضلاً وعلماً ورئاسة، ويشهد بذلك قوله - رحمه الله تعالى -:
شغفي بكسب مكارم الأخلاق ... يفني الذي يأتي من الأرزاق(1)
وبجمع شيء سائر لذوي العلا ... في جملة البلدان والآفاق
كم لي حب لم يمسك يدي ما ... لاً وما الإمساك من أخلاق
إني امرء تاب اكتساب المال لي ... نفس إليه قليلة الإشراق(2)
علي بن قاسم بن الحسين
السيد الأمير الكبير علي بن قاسم بن الحسين - رحمه الله تعالى - كان في السبعمائة ، وكان عالماً، له مقام شهير، وله شعر وهو الذي عناه القاضي ركن الدين مسعود بن عمرو بقوله:
يا تحفة الدهر من زانت محاسنه ... الأيام يا علم القلب المراجيح
ويا سفينة نوح حين يحملها الطوفان ... والعالم اللاجي إلى نوح
وعصمة المهتدي والمستميح له ... إن أخلف الغيث والغر المساميح
وواسع الصدر والإحسان والخلق ... المزري بروض الربا والحلم والسوح
__________
(1) في (ب): الأوراق.
(2) في (ب): الأشواق.
ويا بقية من آي الكتاب لهم (بالعز)(1) ... بلَّغن عن مادح أوصاف ممدوح
أرواح أجسام أهل الفضل كلهم ... ومن يقايس بين الجسم والروح
علي بن قاسم السنحاني
علامة الزيدية القائم بالقسط القاضي الهمام الأورع جمال الإسلام علي بن قاسم السنحاني - رحمه الله -(2)، هو الحافظ لعلوم العترة والمحيي لآثارهم في الفترة، قرأ عليه كبارهم، وصغارهم، وتخرج عليه فضلائهم، ونهج تلامذته منهاجه في التحقيق والزهد والعزائم لله، ورأوا ذلك سجية لا يتخلفون عنه لما نشأوا في حجر هذا العالم وأصله من الحورة من بلاد /150/ سنحان، ولكنه ظهر صيته أيام الأروام بصنعاء في مسجد داود، فاجتمع العلماء لديه من الآفاق وبذل له الزيدية الأموال ليصرفها، فكانت توضع نفائس الثياب ونقود الدراهم في كوى مسجد داود، ومن طلبه من طلبة العلم شيئاً مما يحتاج إما كسوة أو نحو ذلك، قال: خذ حاجتك من الكوة الفلانية، فيذهب لها وكانوا صلحاء لا يأخذون إلا القليل الذي به استقامتهم ونبلوا وفصّلوا ولقد نشأ له من التلامذة ما يلحق بالأبدال وبالغ بعض الأروام أن يلقاه بعض تلامذته للسلام وبذلوا له مالاً من الذهب فأبى ذلك، فقصده التركي إلى المسجد فهرب، وكان هذا التركي هو القائم مقام مقالتهم؛ لأنهم يتركون رجلاً منهم عند إقبال باشا وإحفال باشا ليسكن في منزل الإمارة ويحفظ الأمور حتَّى يصل المتسلم من قبل الآخر، وكان أحد تلامذته - رضي الله عنه - شيخ الزيدية وسيدهم يوسف الحماطي، وكان يجله ويعظمه، فلما كثر أجلاله ليوسف وجد بعض العلماء في نفسه شيئاً لأنه كان القاضي علي يزيد على ما يظن في إكرام يوسف، ففهم القاضي على ما وجده مما ذكرناه من أعيان الحلقة، ففاتح القاضي يوسف وجاراه في المشكلات فأتى بالعجائب وبما يعرف كل الحاضرين مرتبته فصرحوا بأن القاضي خليق بتلك المنزلة وكان القاضي علي بن قاسم مفزع الزيدية في الفتيا،
__________
(1) زيادة في (أ).
(2) في (ب): - رحمه الله تعالى -.
وكان سريع الجواب، فكتب القاضي يوسف في رقعة لطيفة ما لفظه: أجراكم أجراكم، ووضعها في بهرت الحلقة مجهلاً لكاتبها، فلما استقر القاضي علي في صدره للتدريس وجدها فقال: هذه من يوسف حفظ(1) الله يوسف فعل الله ليوسف يجزيه خيراً، ثُمَّ قال: يا ولدي يخاطبه وهو في الحلقة، لو سألك رجل كم هذه الأصابع هل يقول خمس أو يحتاج لعدها مرة أخرى؟! قال: بل أقول خمس. قال: قد علم الله ما أجبت في مسالة إلا وهي في الجلاء عندي بهذه المثابة، وكان القاضي علي مع تقشفه وخوفه من الله يخوض غمرات الصدق بالصدق ويسلك مسالك تعجز عنها قلوب الفقهاء /151/ إنما تقوى عليها الأئمة من ذلك ما أخبرني به شيخي محمد الوجيه قال: أخبره بعض مشائخه أنه كان في أيام الدولة رجل له ولدان أمردان جميلان ففتح لهما حانوتاً وجعل لهما مهنة لا أعرف الآن ما هي، وكانت الحانوت من أحسن الحوانيت قريب سوق الملح بصنعاء، فكان كبراء الدولة وعظمائهم ينزلون عندهم والولدان عندهم(2) يضربون بآلات الملاهي وفشى ذلك وظهر، فطلب القاضي - رحمه الله - رجلاً من أهل السوق الراغبين في الخير، فقال: يا فلان ما يمكنك (أن)(3) تدعي الحانوت الفلانية (لك) (4) وأنا أهبها لك وأحكم لك بها؟ فقال: يا سيدي ليس لي فيها شبهة. قال: نعم، لكن الشرع يقبل هذا، ففعل له إحضار للولدين ووالدهما، فحضروا فطال بين الرجلين وبينهم الشجار ساعة، ثم قال القاضي للرجل المدعي الحانوت حانوتك وهذا خط إن هذا الرجل وأولاده لا يدخلونها بعد، ثم قام وعزر الولدين وعظم على كبراء الترك منعهم من الحانوت ولم يستطيعوا مخالفته - رحمه الله تعالى - والفقيه البحت لا يعرف أن للمحتسب التأديب وأن الدار يومئذ تقبل ذلك.
__________
(1) في (ب): حفظه الله.
(2) في (ب): بينهم.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): أنها لك.
وأخبرني السيد العلامة علي بن إبراهيم الحيداني المتقدم ذكره وسيدنا الوجيه المتقدم ذكره بألفاظ متقاربة، والحكاية مني للحاصل غير قاصد لألفاظ أحد منهما والمعنى متحد أنه كان القاضي - رضي الله عنه - في مجلس القراءة فدخل بعض(1) إليه أخبره وقال في باب المسجد: أعني مسجد داود على الدكة بجنب العقد رجل تركي قد أمسك أمرأة محتشمة وأراد الفاحشة بها في الباب، فخرج القاضي - رحمه الله تعالى - فوجد الأمر كما قال الرجل والتركي من عظماء الدولة، فأقدم فيه القاضي واقدم(2) الطلبة وافتلتوا(3) المرأة، فذهبت حيث شاءت(4) والتركي توجه إلى القصر فشكى إلى الباشا وعظم مشكاه والأمر كما قال عظيم لولا عظم سيئته فتغيض الباشا وأمر للقاضي بعنف فجاء الرسول له إلى مجلس القراءة، فقام القاضي سريعاً وقال: يا إخوان، عليكم بالقرآن، فأخذ الأصحاب بالتلاوة وطلع القاضي فوجد الباشا قد نزل على منبر فكلمه وقال: تقدم /152/ يا فقيه في الطائفة ونحو هذا، فقال: نعم، فعلنا هذا لظننا أننا أمة واحدة نتبع لنبي واحد جاء من عند رب واحد لشرع واحد وظننت أن الذي فعلت غير مستنكر، قال الباشا: وكيف القضية؟ فوصفها له فرضي الباشا عنه ووصاه بمثل ذلك وخرج من عنده فأخبرني(5) سيدي علي بن إبراهيم قال: جاء إلى القاضي ولد شريف فسارره مسارره لطيفة وأخبره أنه كان في المطهار فلم يشعر إلا بتركي قد دخل عليه وأراد به الفاحشة فطعنه بسكين سالت بها نفسه فسر القاضي بما فعل الشريف، ثُمَّ طلب الساني الذي يسني للمسجد فسأله كم السواني؟ فقال: كيت وكيت، فقال: الآن يجب منك أن تسني بجميعها ويكثر لنا(6) لغرض، ثُمَّ أمر بتغليق الأبواب وانصب الماء دافقاً حتَّى ملأ ساحات المطاهر فائضاً وأمر بتقطيع التركي قطعاً صغاراً
__________
(1) في (ب): بعض الناس.
(2) في (ب): وأقدم فيه الطلبة.
(3) في (ب): وافلتوا.
(4) في (ب): جاءت.
(5) في (ب): وأخبرني.
(6) في (ب): لنا الماء لغرض.
وأخرج إلى محل بعيد وكانت هذه طريقته - رحمه الله تعالى - وكان لباسه من أضعف الثياب قيمة وجمالاً صغير الكمين صغير العمامة، وقد اتفق له من الأروام بعض أذية وصانه الله عن عداوتهم وذلك أن الزيدية (لا تطمئن نفوسهم) (1) إلا بحكمه وعقود الأنكحة لا تكون إلا في مجلسه وواجبهم لا يكون إلا إلى يده، فكان(2) يصل من الروم أفندي كبير وله في عقود الأنكحة دراهم يسلمها الزوج أو المتعاقدان لا أعرف طريقتهم، فنم إليه حي السيد العلامة عز الدين محمد بن عز الدين المفتي بأن في مسجد داود عالم الزيدية يعقدون عنده ويفصل خصوماتهم، فنزل الأفندي بين العصرين، فوجد المسجد حافلاً بمن فيه من طلبة ومستفتيين ومتحاكمين ونحو ذلك، فتكلم مع القاضي وذكر له أن هذه وضيفة لنا وعلينا فيها غرامة، ولا يتم لنا الخلوص(3) مما علينا مع توليك لهذه الأمور، فإن تعرض وإلا وصلك ما تكره وأغلظ بعض الإغلاظ فقال القاضي: نحن ما نتعرض لشيء وإنما هؤلاء مساكين إخوان في الله يستنفعون بنا فننفعهم ثم عزم من عنده فلبث القاضي يومان في بيته فلم يعذره المسلمون ولا رأى ترك التدريس فخرج إلى المسجد /153/ فعادت الحال كما كانت، فبلغ الفندى فجاء إليه في مثل ذلك الوقت فوجد الناس على تلك الصفة فجذب(4) القاضي وجر برجله وحصل مع الحاضرين أمر عظيم، ثم أن القاضي دخل بيته وسكن يومان ولم يعذره الناس، فخرج ووقاه الله الشر وكان لا يحضر جمعة الظلمة واعتذر لنفسه عن الحضور بعمل في الجراف، فأخذ له فيه جربة، وفتح فيها مقطع خيس كبير لا يتم إلا بعد عمر طويل، وكان يخرج كل جمعة يعمل فيه، فبلغ الباشا هذا وأنه إنما جعل ذلك لئلا يحضر الجمعة فعاتبه فقال: أنا رجل مسكين مشغول سائر الأسبوع بالقراءة، وهذا اليوم أفرغ من القراءة وأعمل هذا العمل ليعود على أهلي بنفع، فعذره الباشا
__________
(1) في (ب): كانت أنفسهم لا تطمئن.
(2) في (ب): وقد كان.
(3) في (ب): الخوض.
(4) في (ب): فحدث.
وأخبرني الوجيه - رحمه الله تعالى - برواية غريبة أذكرها والعهدة عليه قال لما دنت الوفاة من القاضي قال: لخاصته ستجدون من أذني هذه وأشار إلى أحد أذنيه نتناً فإذا غسلتموني تنبهتم لهذا، وذلك أني أصغيت بها خاصة لكلام خصم أكثر من خصمه ثم استغفرت الله، فقال الوجيه: فوجدوا ذلك أعاد الله من بركته ورحمه ووفقنا لمثل يومه بجاه محمد صل الله عليه وآله وسلم.
علي بن قاسم العنسي
الفقيه الورع الزاهد الناسك الصالح علي بن قاسم العنسي - رحمه الله تعالى - كان من عباد الله الصالحين ومن الفضلاء الفاضلين يخاف الله خوفاً ظهرت عليه آثاره وتورع في المعاملات جميعها ورعاً شحيحاً في المأكل والمشرب والملبس والقول والسمع وكان مشهوراً بالورع ودخل صعده في الأزمة التي وقعت في أواخر دولة محمد باشا، وكان الوالي لصعده مولانا صفي الإسلام أحمد بن أمير المؤمنين القاسم المنصور بالله رضوان الله عليه وكان علماً في الفضلاء المجتمعين مع أنهم كانوا أجلاء اليمن ووجوه الزيدية، وكان مشهوراً في تلك الشدة بالإيثار والتصدق، وهو والد القضاة العلماء (شمس الدين) (1) أحمد بن علي ومحمد بن علي، وهم على منهاجه في (العلم والفضل) (2)، ولهم الآن عقب نجباء فضلاء كثر الله أمثالهم وكانت وفاته في برط في (…… /154/ ودفن ……)(3).
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): الفضل والعلم.
(3) في (ب): سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بهجرة الرظمة عند مسجده بأوسط وادي العنان بجبل برط وقبره مشهور مزور.
علي بن محمد بن أبي القاسم
السيد العلامة المجتهد في العلوم المجلي في حلبتها المعروف بالفضائل علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن المنصور بن يحيى بن الناصر للحق بن الهادي لدين الله يحيى بن الحسين بن القاسم - سلام الله عليهم - من بيت علم شهير معمور بالفضل، وكان من المتكلمين بالعدل والتوحيد وإخوته الكرام وأولاده، وكان ملأ الصدور في زمنه يفزع إليه الناس ويحلون محله ويعظمونه تعظيم الأئمة السابقين، وكان بمحل عظيم من العلم، له مشيخة عدة وتلامذة جم غفير، وكان يسكن صنعاء وفتاواه تدل على تبحر كثير. قال السيد الهادي بن إبراهيم إنها مجلد كبير، وله التفسير المشهور (بالتجريد)، أثنى عليه الإمام عز الدين بن الحسن، وهو حري بما قال، قال الإمام لمن سأله عن أحسن التفاسير وأصحها تفسير السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم المسمى بالتجريد.
قلت: فرغ من تأليفه يوم الجمعة مستهل شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة(1) بمدينة صنعاء، قال بعض المؤرخين: وله تفسير آخر أخصر من التجريد قال في (كاشفة الغمة) بعد أن ذكر التفسير وذكر أن له تفسيراً حافلاً في ثمانية مجلدة قال: لم يؤلف مثله قبله ولا بعده، جمع كل غريبة ومشكلة، وله في النحو شرح على كافية ابن الحاجب موسوم (بالبرود الصافية والعقود الوافية)، اختصره ولده الإمام صلاح الدين في كتاب مفيد سماه (بالنجم الثاقب) وكلاهما بمحل عظيم من النفع اعتمدها أهل الإقليم اليماني مدة، توفي - رحمه الله تعالى - (سنة)(2) سبع وثلاثين وثمان مائة، وعمره ثماني وستون سنة، وفي بعض التواريخ: عمره ثماني وثمانون، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): وتسعمائة.
(2) سقط من (ب).
ومن جملة تلامذته وجلتهم: السيد محمد بن إبراهيم صاحب (العواصم)، قرأ عليه المنتهى وغيره، ثم دار بينهما كلام وطال في هذا المجرى الخوض، وكان السيد علي بن محمد بن أبي القاسم حريصاً على صيانة مذهب آل محمد، فمنع السيد محمد عن المخالطة لكتب غيرهم وأمره بالكون في السفينة فتلقى ذلك السيد محمد بن إبراهيم بالقبول حتى بلغه أن السيد /155/ قد صرح بأنه قد انحرف عن آل محمد، فأنف لهذه المقالة وتعب ثم دار بينهما ما هو معروف في الروض والعواصم وكتب المقاولة، ومن جملة ما كان السيد علي بن محمد - رحمه الله - يحتله على السيد محمد بن إبراهيم الاجتهاد وأنه بعده غاية التبعيد، وكان الإمام يتكلم في هذه المادة بالخصوص مع السيد محمد بن إبراهيم ويقرب الاجتهاد، ثم أنه توسط بينهما الفقيه الفاضل محمد بن إسماعيل الكناني وكان من أهل العبادة والفضل والكرامة، هو الذي أخبر في بلده بفتح حصن ذي مرمر يوم فتحه وكان محباً للسيدين فذكر لهما ما يقتضيه العلوم والحلوم والقرابة والنسبة والنسابة، فرغب كل منهما وقد ذكرنا هذا في ترجمة العلامة أحمد بن علي(1) الشامي، وأمر السيد علي بن محمد ولده صلاح الدين يقرأ على السيد محمد في المعاني والبيان، ومما نقلته من خط يد السيد محمد بن إبراهيم وهو خط باهر من عجائب الصنعة، وهو لدي باق (لدي)(2)، والظاهر أن (السيد)(3) الهادي منع أخاه من المجاراة في أوائل الأمر، وهذا كتاب السيد محمد إلى أخيه الهادي:
__________
(1) في (ب): العلامة أحمد الشامي.
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(بسم الله الرحمن الرحيم وبه الثقة من ولده محمد بن إبرهيم المجبول طبعه على حب النصيحة المجروح قلبه من المقالة القبيحة الراجي من الله تعالى أن يعصمه من الطيش في الأمور، ويجعله من الأبرار الممنوحين بسلامة(1) الصدور، حتى يعاشر الناس بقلب سليم ?وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ?[فصلت:35] إلى والده وسيده وخلفه من سلفه جمال الدين الهادي بن إبراهيم والدي وحبيبي وتالدي وطريقي، أمتعني الله به وأبقاه ورضي عنه وأرضاه، وسلام عليه ورحمة الله وبركاته سلام متشوق إليه متحنن عليه سلام متألم لفراقه منشد لمن فارقه من رفاقه.
إذا ما بلغتم سالمين فبلغوا ... تحية من قد ظن أن لا يرى نحدا
__________
(1) في (ب): سلامة.
ويرفعها ولده حامد (الله) (1) على جزيل نعمه سائلاً له المزيد من فضله وكرمه بعد مداواة الصدر الجريح بمرهم(2) وعظه وأسامة الطرف(3) القريح في حدائق لفظه وما أشار إليه من ترك السباب وحض عليه من الصبر والاحتساب، فنعم ما أشار إليه وحبذا ما حث عليه ذلك، أمر قضى الله به حيث قال في /156/ كتابه الكريم: ?ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ?[فصلت:34]، وقد مدح الله سبحانه الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وبشر الصابرين وأحب المحسنين، ولو لم ينزل من السماء في ذلك إلا قوله تعال: ?إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ?[البقرة:153] لكفى به قارعاً للخاشعين عن مجازاة الظالمين ومجاراة الجاهلين، وفي الحديث النبوي على صاحبه الصلاة والسلام من التوصية بهذه الخليقة الجليلة والفضيلة النبيلة ما بكل السنة الحسنة(4) وتفل أقلام الكتبة فجديران تطول بها النواصي إذ كانت من ذوائب الخير والنواصي كما قال العلامة - رحمه الله - ولأمر مَّا كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في توجهه للصلاة: اللهم اهدني (لأحسن الأخلاق)(5) فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عن سيئها إلا أنت، كما ثبت ذلك عن علي - عليه السلام - فملازمة هذا الدعاء عند كل توجه إلى الله ومع كل قيام إلى الصلاة إشعار من صاحب الشريعة - عليه السلام - بتعظيم شعائر هذه الخليقة وإعلان منه - صلى الله عليه وآله وسلم - يرفع منار هذه الطريقة جعلنا الله من المتحلين بفرائدها الفاخرة المتسلين عند الغيظ بذكر فوائدها العائدة في الدنيا والآخرة، هذا وأنه لما وصلني العلم بأن السيد العلامة جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم (أيده الله)(6)
__________
(1) في (ب): لله.
(2) في (ب): بمراهم.
(3) في (ب): الطريق.
(4) في (ب): الحسنة.
(5) في (ب): لأحسنها.
(6) في (ب): - رحمه الله -.
تعرض لي بما لا يليق لمثله مع وده وعلمه وفضله حتى نسبني إلى مخالفة أهل البيت الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام في الأصول والفروع والمعقول والمسموع بغير حياء من الله ولا مراقبة ولا مبالاة، عظم موقع هذا في صدري وكبر محله على صبري حتى تجاسر وهو الأفضل الأعلم على الرجم بما لا يدري، والهجوم بمالا يعلم، وعهدي به متورع(1) غير حشاف ولا متهور:
ولم أعهده إمَّعه غويا ... بظن الحج يلزم من جمادي
ويحسب أنه يحسو سويقاً ... إذا ما مات بالماء الرماد
ويجني كفه عنباً وتمراً ... إذا غرس الشكاعا والعراد
فحسبت أنه قد صار ممن لا ينتفع في دوائه(2) بشيء، وقلت: آخر الدواء الكي.
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
/157/ فكتبت كتابي الصادر إلى سيدي أيده الله على حين امتلأ من الغيظ والحنق وانزعاج من البهتان وقلق، ثم بعد ذلك راجعني ذكر الموت الذي تموت بذكره الأحقاد وتبرد بالتفكر فيه لواهب الأكباد، فعن قريب وقد أنسانا هول المطلع عن هذه الترهات وألهانا عظيم الفزع عن هذه المقالات وبليت الأجساد بالقبور وانسلت الأحقاد من الصدور وتذكرت أبياتاً لي كنت قلتها في مثل ذلك وهي:
أعاذل دعني أرى مهجتي ... أذوق الممات وكيس الكفن
وأدفن نفسي قبل الممات ... في البيت أو في كهوف (القنن)
فإن كنت مقتدياً بالحسين ... فلي قدوة بأخيه الحسن
ثم انقطع الكتاب المذكور، وقد طال الكلام بذكره غير أنه لم يخل من علم وينسب إلى السيد علي بن محمد بن ابي القاسم شيء من الشعر، من ذلك القصيدة التي طالعها:
عذيري من دهر تخلق بالنكث ... وهي دائرة سائرة في الناس
فأجابه الفقيه العالم الحسن بن علي بن صالح العِدوي - بكسر العين - وقد مرت ترجمته:
صدقت بما تشكو من الحزن والبث ... كما طبت في أصل وفرع وفي بعث
وفي الحرب أمر جاء عن جدك الرضى ... ولولاه لم يسأل سؤالاً أخو بحث
__________
(1) في (ب): متورع متوقرٌ.
(2) في (أ): ممن لا ينتفع دواء له.
(1)وإن ضاقت الدنيا عليكم فجدكم ... مطلق دنيا مدانية على الحنث
فكم أسد طاو صبور على الطوى ... وكلب بطين لا يزال أخا لهث
وهي كثيرة، ورثاه العلامة الشامي بقصيدة طالعها:
خطب تكاد له الأفلاك تنفطر ... والشمس تنقض والأملاك تنتثر
والأرض ترجف لما مات عالمها ... يكاد يسطو عليها بعده القدر
(2)ولَّى عليٌّ وخلا في العلا خلفاً ... مثل النجوم هوى من بينها القمر
(3)مثل السحاب يخاف الخلق صعقته ... ويرتجي غيثه الأشجار والثمر
ومنها:
يروي (جميع)(4) أحاديث النبي ولم ... يروي الجميع أبو بكر ولا عمر
ويكشف اللبس عن معنى الكتاب ولم ... يقدر على فهمه الألباب والفكر
/158/من للكتاب محل بعد غيبته ... وللأحاديث في الدنيا فينتظر
وللأصولين من ينهى أدلتها ... عند الضرورة حتى يصدق النظر
ومن لعلم المعاني والبيان ومن ... على معاني لطيف النحو يقتدر
أمَّن يرد الفروع الغامضات إلى ... علم الأصول ويحصيها فتنحصر
قد حازها منه صدر كالخضم له ... موج على شبه الفجار ينفجر
والعلم كالروح للأحياء فإن عدمت ... لم يبق إلا شخوص الناس والصور
لئن بكوه بأكباد مقطعة ... وأعين دمعها ما زال ينحدر
وأنزفوا الدمع واستكت مسامعهم ... حتى يكاد يزول السمع والبصر
فليستعيروا دموعاً للنواظر من ... سحابة من لدنها الماء ينهمر
وليجعلن بكاهم والدموع على ... دين الإله إلى ان ينقضي العمر
فقد تضعضع دين الله وانهدمت ... أركانه وعفى من رسمه الأثر
وليس في الناس من يحيى معالمه ... إلا رجال بني الزهراء وإن قهروا
فهم أجل بني الدنيا وأفضلهم ... بذاك قد نطق القرآن والخبر
بنوا على العدل والتوحيد مذهبهم ... ونزهوا الله عما يفعل البشر
والأرض أكثر من فيها مقالتهم ... أن القبيح قضاء الله والقدر
وكل فعل فإن الله خالقه ... في العالمين ومنه النفع والضرر
__________
(1) في (ب): ومنها.
(2) في (ب): ومنها.
(3) في (ب): ومنها.
(4) سقط من (ب).
أما الأصول فأهل الحشو ما فهموا ... معناه لكنها ما تفهم البقر
لولاه ما عرف الباري (ولا)(1) عرفت ... آياته أنها منه ولا السور
وفرقة نفت الباري وبعضهم ... نفاه(2) جهلاً فلم يبقوا ولم يذروا
لولا أئمة أهل البيت تدفعهم ... لكان أكثر هذا الخلق قد كفروا
كمثل زيد ويحيى بن الحسين ومن ... آل النبي مصابيح قد اشتهروا
ولم يزل قائم منهم (على)(3) خطر ... بالحق ملتزم بالله منتصر
يحيى الجهاد ويستدعي العباد إلى ... فعل الرشاد كما جاءت به النذر
/159/ ودين جدهم المختار دينهم ... بذا تواترت الأخبار والسير
وأكثر الناس إيماناً لهم سلف ... فكيف يخفى عليهم وهو منتشر
خلائف الله من بعد النبي كما ... كان الخليفة موسى قبل والخضر
فالحق أولئك إن الدين دينهم ... لا دين من هو بالتقليد يعتذر
فهذه نفثه من صدر محترق ... تكاد تصعد من أحشائه الشرر
كيف المنام وأرض الله مظلمة ... من بعد أبلج يستسقى به المطر
بحر جواهره تبدو ولجته ... فيها لسائله الياقوت والدرر
لولا له فتية من نفس جوهره ... ما أورقت بعده من فقده الشجر
زاكي الطريقة في قول وفي عمل ... عذب الخليقة ما في صفوه كدر
وكم له من تصانيف محكمة ... تكل عن مثلها الأفكار والفكر
أفي المحرم أمر الله صادفه ... ليت المحرم يمحو رسمه صفر
لا أشرقت شمس مجد بعد غرته ... ولا استدل بها قلب ولا نظر
ورثاه السيد العلامة أحمد الأزرقي بمرثاة سبقت في ترجمة الأزرقي وصنوه السيد العلامة الرئيس يحيى بن محمد بن أبي القاسم، قال ابن فند: كان رئيساً ذا همة ولاه الإمام علي بن محمد ظفار وذكره غير ابن فند، والله أعلم، توفي بظفار سنة أربع وستين وسبعمائة، وقبره في (الطقة رأس العقبة) (- رحمه الله تعالى -) (4).
__________
(1) في (ب): وما.
(2) في (ب): ثناه، وفي (أ): فراغ.
(3) في (ب): له.
(4) سقط من (ب).
علي بن محمد الصوفي
السيد السند الشريف الطاهر الزكي جمال الإسلام علي بن محمد الصوفي - رحمه الله تعالى - كان مجتهداً ديِّناً أديباً وكان أخاً ليحيى بن عمر الشهيد الحسيني - رحمه الله تعالى - من أمه ولما قتل يحيى أنفذه المستعين إلى أهل الكوفة يخبرهم بقتل أخيه المذكور فصدقوه بعد أن كانوا يقولون في يحيى ما قتل ولا فر ولكنه دخل البر وأضر علي بن محمد في آخر عمره ويحيى بن عمر المذكور هو الداعي في الكوفة الخارج فيها في شهر (فراغ) من عام (فراغ) في أيام (فراغ) العباسي، ووجهه لقتاله /160/ محمد بن طاهر فقتله وقصته مشهورة، وهذا السيد الإمام يحيى بن عمر ما ناح الخاصة والعامة على أحد مثله وجاهرت الموالي بمدحه وترثيته ولم يبالوا بساداتهم بني العباس وكان خروجه والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليه السلام - في الحجاز إلا أنهم ذكروا أنه انتقل علم يحيى بن عمر(1) إليه، قال التنوخي في نشوات المحاضرة قال الصولي: حدثني عبد الله بن عبد الله بن طاهر قال: لما عاد محمد أخي من مقتل يحيى بن عمر العلوي بعد مديدة دخلت عليه يوماً سحراً وهو كئيب مطاطئ لرأسه في أمر عظيم كأنه قد عرض على السيف وبعض إخوته (حوليه) (2) قيام ما يتجاسرون على مسألته، وأخته واقفة فلم أتجاسر على خطابه وأومأت إليها(3) فقالت رأى رؤياً هالته فتقدمت إليه وقلت أيها الأمير روي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - انه قال: (إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليتحول على جانبه الآخر وليستغفر الله عز وجل ويلعن إبليس ويستعيذ بالله منه ولينم)، قال: فرفع راسه إلي وقال: كيف إذا كانت الطامة من جهة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقلت: أعوذ بالله. فقال: ألست ذاكر رؤيا طاهر بن الحسين. قلت: بلى، قال عبد الله: وكان طاهر ضعيف(4) الحال قد رأى النبي - صلى الله
__________
(1) زيادة في (ب): - عليه السلام -.
(2) في (ب): حوله.
(3) في (ب): إليها ماله. فقالت.
(4) في (ب): وهو.
عليه وآله وسلم - في منامه فقال: يا طاهر إنك ستبلغ من الدنيا أمراً عظيماً فاتق الله واحفظني في ولدي فإنك لا تزال محفوظاً ما حفظتني، فما تعرض طاهر قط لقتال علوي وندب إلى ذلك غير (وقعه)(1) فامتنع منه، (ثم قال) (2) لي أخي محمد بن عبد الله إني رايت البارحة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في منامي كأنه يقول لي: يا محمد نكثتم فانتبهت فزعاً وتحولت واستغفرت الله عز وجل واستعذت من إبليس ولعنته ونمت فرايته - صلى الله عليه وآله وسلم - الثانية وهو يقول: يا محمد نكثتم، ففعلت كما فعلت ونمت، فرأيته - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول لي: (3) نكثتم وقتلتم أولادي والله لا تفلحون بعدها أبداً، وانتبهت وأنا على هذه الصورة من نصف الليل ما نمت واندفع يبكي فما مضت على ذلك مديدة حتى مات محمد ونكبنا بأسرنا أقبح نكبة وصرفنا عن ولايتنا ولم /161/ يزل أمرنا يحمل حتى لم يبق لنا اسم على منبر ولا علم ولا في جيش ولا إمارةوحصلنا تحت المحن إلى الآن، انتهى.
علي بن محمد بن علي بن سليمان
السيد العلامة ترجمان علوم العترة وإنسان عيون أشرف أسرة أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن سليمان بن القاسم بن إبراهيم الرسي - عليهم السلام - هكذا ذكر نسبه الشيخ المحقق أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص المعروف بالحفيد في كتابه (مقدمة المنهاج)، وله كتاب (الكافي) ينقل عنه الأمير الحسين في (التقرير) قال الفقيه محمد بن أحمد بن مظفر هو على فقه القاسم والهادي - عليهما السلام - جميعاً، وله كتاب (التفسير) كتاب عظيم المقدار وهذا السيد قد يعرف بالمفسر - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): دفعه.
(2) في (ب): قال ثم قال.
(3) في (ب) زيادة: يا محمد.
علي بن محمد بن علي بن المؤيد
السيد العلامة الكبير الفاضل جمال الإسلام علي بن محمد بن علي بن المؤيد بن جبريل - عليهم السلام - أحد علماء العترة وعين من أعيان تلك الأسرة - رضي الله عنه - وله المقالة في الوقف عندما أطلقه يحيى - عليه السلام - أن الوقف يعود للواقف وقفاً أو وارثه بزوال مصرفه او وارثه او شرطه أو وقته، فاتفق المتأخرون على أن مراد يحيى - عليه السلام - فيما ينتقل بالإرث(1) لا فيما ينتقل بالوقف فلا يعتبر في عودة لمن ذكر إلا بزوال المصرف دون وارثه واستمر على هذا الحكام، وقال الإمام شرف الدين: لا فرق وهو إطلاق المتقدمين من أهل المذهب قال بعض شيوخنا وهو ظاهر الأزهار؛ لأن عبارته تشتمل النوعين، وأيد هذا القول السيد علي بن محمد هذا والقاضي يحيى بن محمد بن موسى الدواري، وهو مقتضى كلام القاضي عبد الله الدواري (- رحمه الله -)(2).
__________
(1) زيادة في (ب): فقط.
(2) سقط من (ب).
قلت: والعراقيون قد رووا ليحيى - عليه السلام - وقرروه لأنفسهم أنه يكون للمصالح، ذكره ابو الرضى، والفقيه أبو منصور، وجمال الدين، وذكره الأستاذ أبو يوسف، والشيخ أبو ثابت، والفقيه شهراشويه، والشيخ الحافظ، والناصر للحق، والشيخ أبو جعفر، والمؤيد بالله، وأبو طالب، وابو الفضل الناصر، والناصر الرضى، وأبو طالب /162/ الصغير، وشهردوير بن علي، والصيرفي ونور الدين بن مهدي بن طالب، وعلي بن أموج، والفخي صاحب التعليق، ورووه عن القاسم والهادي قالوا: وهو إجماع سائر العترة وهكذا(1) مذهب الفقهاء - أيضاً - واختلف أصحابنا هل يكون رجوعه إلى المصالح (وقفاً أو ملكاً وهل يختلف حكم العلة والأصل فالأستاذ قال: يرجع إلىالمصالح)(2) ملكاً على معنى انه يجوز تسليمها إلى الفقير(3) ويملك الفقراء عينها ويبيعونها وأفتى (بذلك أكثرهم مثل شهراشويه) (4) والفقيه أبو علي والفقيه كوركة وبهاء الدين يوسف وقال الشيخ نعمة في (شرح الإبانة) يكون للمصالح وقفاً قال أحمد الكوكبي: ما ذكره الشيخ نعمه هو الفتوى عندي دون ما ذكره الأستاذ وروي عن الفقيه أبي علي أنه قال: (لا)(5) يكون الغلة ملكاً والأصل وقفاً وقرر الشيخ أبو ثابت وأولاده كلام الأستاذ.
__________
(1) في (ب): وكذا.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): الفقراء.
(4) في (ب): بذلك اشهراشو.
(5) سقط من (ب).
علي بن محمد:
الشريف العالم الرئيس جمال الإسلام علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن(1) الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - قال السيد العلامة محمد بن عبد الله بن الوزير هو مصنف سيرة الهادي - عليه السلام -(2). قال بعض المؤرخين: كان الهادي(3) - عليه السلام - استخلفه على القضاء بنجران، واستخلفه الناصر للحق على عر(و وهي) (4) مدينة الدعام وبنيه، وبها مملكته ومملكة أولاده(5) قريبة من جوف أرحب وتسمى اليوم سوق دعام، وعلى هذا هو أخو القاسم وأبوهما أحد ثقات الهادي - عليه السلام - قتل بنجران في قضية (متنحية)(6) شبيهة بيوم الطف، وثاربه الهادي - عليه السلام - فأوقع ببني الحارث ومن ظاهرهم قضية هائلة. ومن عقب السيد علي: هذا السادة الذين ينزلون بنواحي صنعاء وشبام والبون والرحبة، قال السيد محمد بن عبد الله: وفي ذمار ونواحيها.
قلت: هكذا ذكروا بنواحي صنعاء وشبام إلى آخره، والمشهور بجهة صنعاء آل المطاع، ومنهم الشريف زيد بن المطاع قاضي المنظر وهو الروضة من أعمال صنعاء والعلويون بالمأخذ والضلع وبني عفيف وحيفة ثلا هؤلاء منسوبون إلى علي ولعلهم من ولد هذا، وكنت ظفرت بنسبهم الشريف وهو مكتوب ولم يحضرني عند الرقم ويقال: إن من(7) حيفه /163/ ثلا (و)(8) الشيخ أحمد بن علوان المشهور باليمن والسيد علي بن أبي جعفر المدفون (بخيوان) الذي أصيب بنجران وحمل وقد أريث وقال فيه الهادي - عليه السلام -:
قبر بخيوان حوى ماجداً ... منتخب الآباء عباسي
من يطعن الطعنة خوارة ... كأنها طعنة جساس
__________
(1) في (ب) زيادة: عبدالله بن.
(2) وهو معروف من تصريحه في السيرة. وفي سيرة الهادي - عليه السلام - ما يدل على أنه أصحابه ومعه.
(3) في (ب) زيادة: إلى الحق.
(4) فراغ في (ب).
(5) وسيأتي ترجمته إن شاء الله في المحمدتين.
(6) فراغ في (ب).
(7) في (ب): أهل.
(8) سقط من (ب).
(1) قبر علي بن أبي جعفر ... من هاشم كالجبل الراسي
لعله غير هذا لأن هذا ذكر في ترجمته أنه تولى للناصر للحق - عليه السلام -.
علي بن محمد بن العفيف
السيد العلامة علي بن محمد بن العفيف - رحمه الله تعالى - كان عالماً فاضلاً ديناً ورعاً، سكن شعبان من بلاد الحدب(2) من حضور لمأرب وأموال جليل قدرها ومكاسب.
قال السيد شمس الدين وهو مصنف (السراج الوقاد في فضائل الجهاد) كتاب جليل في فضائل جهادالنفس وجهاد البغاة فأحسن وحث فيه على الجهاد مع الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد، وذكره الإمام بما هو أهله من الثناء الحسن والوصف الجميل، وقد ذكره الإمام - عليه السلام - في قصيدته التي ذكر فيها من أسرع إلى إجابة دعوته والإهراع إلى نصرته فقال:
ومثل(3) العفيف أخي علي ... وحسبك عند معضلة عليٌ
عفيف الدين خيرة آل طه ... وربائبهم والسمهري
وظفرت بمصنفه المذكور ولم يكن أحد من الأهل - رحمهم الله تعالى - وقف عليه فيما يغلب على ظني؛ لأنهم لم يذكروه مع حرصهم على مثل ذلك، وله شعر يدل على تقدمه في البلاغة، ومن شعره ما حكاه - رحمه الله - في كتابه المذكور ولفظه: وقد قلت في بعض المجاهدين بين يدي أمير المؤمنين حامي ثغور المسلمين المهدي لدين الله رب العالمين - عليه السلام - من جملة أبيات:
فكم من شهيد قد تولى كأنما ... خضبن بماء الأرجوان ثيابه
فأودى كريماً ثم أمسى بمنزل ... حجارته در ومسك ترابه
فما ضره إن كان أحمد جاره ... غدا والقصور المشرفات مآبه
كفى شرفاً أن الجنان مقيله ... وأن كؤوس السلسبيل شرابه
/164 وحور كامثال اللآلي مضيئة ... هو ابن كريماً ليس يبلا شبابه
يُنبِّئنا الرحمن في ذاك معلناً ... وينطق بالبشرى إلينا كتابه
فرحمة رب العالمين تزوره ... وروح وريحان عليه حجابه
وجاد ثراه كل يوم وليلة ... من المزن غيداق تدر ربابه
__________
(1) في (ب): ومنها.
(2) فراغ في (ب).
(3) في (ب): ابن (زيادة).
انتهى لفظه، وهو يعني بالمهدي أحمد بن الحسين صلوات الله على روحه المقدسة، وهو يدل على أنه قد كان في زمن الإمام جليلاً قدره ظاهراً فضله وعلمه - رحمه الله - (تعالى)(1) ورضوانه عليه.
قال سيدي جمال الدين الهادي الكبير: وفي آخر الكتاب المذكور بخطه - رحمه الله - ما لفظه وافق الفراغ من تأليفه في شهر جمادي سنة ثمان وخمسين وستمائة بمحروس المصنعة بحجة، انتهت الزيادة.
قلت: وفي الكلام ما يدل على أن سلف السيد شمس الدين لم يذكروا الكتاب وهذا السيد الهادي الكبير ذكره فلعل في الأم المكتوب منها(2) شيء والله أعلم.
السيد عواض الله
السيد العلامة جمال الدين علي بن محمد الملقب بعواض - رحمه الله تعالى - كان سيداً كاملاً نبيلاً عالماً فقيهاً شيخاً في الفروع الفقهية لا يجارى، وأما في الفرائض فكان وحيداً قراءته بصعدة وشيخه احمد بن حابس فيها، وكان النهاية في ذلك، وهو شيخ الشيخ إسماعيل بن أحمد في الفرائض، وكان الشيخ إسماعيل فرداً في زمانه في ذلك، وأما العربية فقرأ فيها أبلغ قراءة وطلب أشد طلب وما فتح عليه بطائل.
قال المتوكل على الله المطهر بن محمد أنه كان يشاهده في مسجد الجاوي ومسجد الأحدم يقطع الليل كله درساً وأعاده أيام قراءته في العربية ولم يحظ فيها بمعرفة جيدة مع هذا الجهد الكلي والعلوم منح إلهية ومواهب اختصاصية، وقد حصل في العربية بعض تحصيل وقرأ(3) في كتبها، ذكر هذا السيد شمس الدين في تاريخ أهله.
علي بن محمد بن باقي
السيد العلامة الكامل علي بن محمد بن باقي - رحمه الله، ضبطه الأهدل بالباء الموحدة والقاف - وتكرر ذكره في (تاريخ السادة)، وذكره الأهدل في علماء صعده المحروسة.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): عنها.
(3) في (ب): وأقرأ.
علي بن محمد بن صالح
علامة العراقين علي بن محمد بن صالح /165/ بن مرتضى الجيلي - رحمه الله تعالى - و ابن محمد بن صالح المشهور الآتي ذكره واسمه (محمد) (1) صالح - مركب - وعلى هذا ولده ولدان آخران عالمان فاضلان الحسن والحسين رحمهما(2) الله.
علي بن محمد الزيدي(3)
العلامة الفاضل المفسر علي بن محمد الزيدي الملقب بسائر بيحان - رحمه الله تعالى - قد ذكرنا ترجمته في تيسير الأعلام مختصرة لعدم المعرفة تفصيلاً لأحوال العراقيين - رحمهم الله تعالى - وذكره الملا يوسف حاجي وقال: له (شرح تهذيب القراءة).
علي بن محمد الإيراني
العلامة الفاضل(4) علي بن محمد الإيراني - رحمه الله -(5) - هكذا ذكر الملا يوسف حاجي - وقال: له المفسر والله أعلم.
__________
(1) في (ب): الهادي بن.
(2) في (ب): - رحمه الله -.
(3) سقطت هذه الترجمة من (ب).
(4) زيادة في (ب): المفسر.
(5) زيادة في (ب): تعالى.
علي بن محمد بن فتين
العلامة الكبير (الفاضل)(1) الشهير ابو الحسن علي بن محمد بن فتين العبدي الكوفي الزيدي - رحمه الله - ذكره الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني في (معجم الشفر المسمى نزهة القلوب والأبصار فيما سمعته في الأسفار)، قال: كان شيخاً كبير السن كثير البر، وصولاً للرحم، وكان زيدي المذهب عبدي النسب مثنياً علىالصحابة مع ميله إلى القرابة رضوان الله عليهم، وخرج السلفي عنه حديثاً فقال ما لفظه: (أنبأنا)(2) علي بن محمد بن فتين العبدي بالكوفة، أن أبو طاهر محمد بن محمد بن الحسين بن الصياغ المعدل القرشي قال: حدثنا أبو القاسم علي بن محمد بن الحسين الحرار، حدثنا أبي، حدثنا أبو القاسم الحضر بن أبان بن زياد الهاشمي المذكور، حدثنا أحمد بن عطاء، حدثنا يحيى بن المعلا، عن عبدالله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة(3). قلت: أظنه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((ادّهنوا بالزيت وأبتدموا(4) به فإنه مبارك)).
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): أخبرنا.
(3) في (ب): هبيرة.
(4) في (ب): واتدموا.
علي بن محمد بن جديد(1)
الفقيه الشريف الحافظ أبو الحسن علي بن محمد بن جديد بن عبدالله بن أحمد بن عيسى بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وجده أحمد بن عيسى بن محمد بن علي أول من خرج من البصيرة إلى حضرموت خامس خمسة وتنقلوا في مواضع منها، ثم استقروا بتريم - بفتح المثناة من فوق وكسر الراء - وآل أبي علوي يجتمعون هم وابن جديد في عبيد الله بن أحمد بن عيسى ويقال له - أيضاً - عبد الله بصيغة التكبير ويقال له عبيد مصغراً بغير إضافة - أيضاً -؛ لأن له من الولد ثلاثة بصري جد الفقيه سالم بصيري، وجديد /166/ جد ابن جديد المذكور، وعلوي جد آل أبي علوي وقد ضبط حديد بالحاء المهملة وبعض النسابين بالجيم، ورجع إليه شيخنا قدس الله سره وأثبته في مواضع، وقد كان وقع في ذكر ابن حديد خلاف ليس من أجل الحاء والجيم بل من جهة أمر آخر أحسبه فيما نقلته هنا من النسب بين شيخنا أحمد بن سعد الدين، العلامة أحمد بن علي بن مطير، ورجع ابن مطير إلى كلام شيخنا واعتق رقبة كفارة والله حسبي وكفى.
علي بن محمد بن أبي القاسم
الفقيه العالم جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم بن علي بن ثامر النحوي(2) - رحمه الله - هو العلامة الفقيه المحقق المتقن شارح الأزهار ومحقق معانيه وله عناية بعلم الإمام المهدي أحمد بن يحيى في الفروع ولازمه وسأله عن مقاصده ولذلك كان شرحه عظيماً في بابه - رحمه الله تعالى - وأخذ عنه جماعة، منهم عبد الله النجري علامة زمانه ومنهم والده محمد بن أبي القاسم وهو الواسطة بينه وبين العلامة علي بن زيد في إسناده للشرح المذكور.
__________
(1) سقطت هذه الترجمة من (ب).
(2) في (ب): النجري.
علي بن محمد الهاجري الصعدي
العلامة الفقيه الكامل علي بن محمد الهاجري الصعدي - رحمه الله تعالى - من علماء صعده ومشاهير الزيدية، له شرح مفيد على الأزهار، وهو من آل الدواري فإن نسبهم متصل بهم وسيأتي ذكر نسبهم إن شاء الله تعالى، وكان له ورع في الفتياء وأظن والده هو صاحب التفسير المسمى بالتقريب وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
علي بن محمد بن قمر
الفقيه العارف الفاضل علي بن محمد بن قمر - رحمه الله تعالى - هو فقيه فاضل عالم كامل مشهور الذكر ولم أظفر له بترجمة غير أن شرحه للأزهار يدل على جلالة قدره واتساع معرفته، ولقد نقلت عنه رسالة عن بعض شيوخه في بيع الرهان المعروف ببيع الإقالة يدل على أن ذلك الشرح من أجل الكتب ولمّا أعرفه وإنما عرفت فضله بهذه المسألة، وفي بيت وقع(1) عقب أفراد يذكرون أنهم عقبه وله مسجد هنالك شهير منسوب إليه، له أوقاف والأنوار لائحة على ذلك المحل والله أعلم.
علي بن محمد البكري
العلامة الفاضل الأصولي المتكلم رئيس الزيدية علي بن محمد البكري - رحمه الله - هو إنسان عين زمانه وفرد وقته واوانه اشتهر صيته في الكلام، ويد المتكلمين وتقدم على المتقدمين - رحمه الله -.
قال القاضي العلامة محمد /167/ بن صلاح الفلكي المعروف بالفرائضي حاكم ذمار الآتي ذكره، يروي عن مشائخه أن البكري أعلم من عبدالله النجري في أصول الدين والنجري أعلم منه في أصول الفقه(2) والنجري شرح أصول الفقه وللبكري شرح (المنهاج).
قلت: يعني شرح منهاج القرشي، وشرح مقدمة الأزهار، انتهى كلامه.
__________
(1) في (ب): دفع.
(2) في (ب): وصنفا جميعاً شرحاً لمقدمة البيان، قال: فالبكري شرح أصول الدين.
قلت: وقد تجارى الفاضلان هذان في مضمار واحد في مسألة الإمامة وهي مسائل دائرة بين الناس وللبكري إعراب أذكار الصلاة، كتاب جود فيه، ودل على معرفة بالعربية كاملة، وكان النجري والبكري من شيعة الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وكانا مع الخالدي - رحمه الله - قطب دولته، وهو الذي حكى صفة الكتاب الواصل إلى الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان عن الفقيه محمد بن الأصم أنه اتفق في زمان مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله رب العالمين المطهر بن محمد بن سليمان.
عجيبة(1) ونكتة غريبة في بلد شامي الحرجة تسمى (الحمرة) وذلك أنه كان فيها رجل من الزرعة وكان ذا دين وصدقة واتفق أنه بنى مسجداً يصلي فيه، وجعل ياتي ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشاه، فإن وجد في المسجد من يتصدق عليه أعطاه ذلك العشاء وإلا أكله وصلى صلاته واستمر على ذلك(2) الحال، ثم أنها اتفقت شدة ونضب ماء الآبار، وكانت له بير، فلما قل ماؤها أخذ يحفرها وأولاده يطلعون مايحفر منها ويجرون بالبقر، فخربت تلك البير والرجل في أسفلها خراباً عظيماً حتى أنه انعزل ما حوله من الأرض، فآيس اولاده منه، ولم يحفروا له، وقالوا: قد صار هذه(3) قبره، وذلك الرجل كان عند خراب البير في كهف فيها فوقع إلى بابه(4) خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه، فأقام في ظلمة عظيمة، ثم أنه بعد ذلك القدر جاءه السراج الذي كان يحمله إلى المسجد وذلك الطعام الذي كان يحمله في كل ليلة، وكان به يفرق بين الليل والنهار، (واستمرت له كذلك حتى مضت ست سنين)(5) والرجل مقيم في ذلك المكان على تلك الحال، ثم أنه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لإعادة عمارتها فحفروها حتى انتهوا إلى أسفلها فوجدوا أباهم حياً، فسألوه عن حاله فقال لهم: ذلك السراج والطعام الذي كنت أحمل إلى المسجد يأتيني على /168م ما كنت أحمله تلك المدة فعجبوا من ذلك فصارت قضية موعظة يتواعظ بها الناس في أسواق تلك البلاد حتى أن السيد جمال الدين علي بن صالح المجاهد مع الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان الذي استشهد - رحمه الله - كان يدخل الأسواق ويعظهم بذلك ويرغبهم في الصدقة ويعرفهم حسن المعاملة مع الرب الكريم تبارك وتعالى ويعرفهم فضل تسريج المساجد والإنفاق فيها، ومن جملة من زار هذا الرجل بعد طلوعه من البئر السيد الفاضل المجاهد جمال الدين علي بن
__________
(1) في (ب): قصة عجيبة.
(2) في (ب): تلك.
(3) في (ب): هذا.
(4) في (ب): في بابه.
(5) في (ب): واستمر له ذلك مدة ست سنين.
صالح(1)، وكذلك الفقيه بدر الدين محمد بن الأصم، انتهى الحديث العجيب، وليس ذلك من صنع الله بمستنكر، نسأل الله الهداية لاصطناع الخير. ومن شعر الإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن - عليهما السلام - إلى العلامة علي بن محمد البكري - رحمه الله تعالى - قبل دعوته - عليه السلام -:
دع ذكر ما بالحمى والبان والطلل ... وعد عن معهد بالأبرقين خلي
وقدم الخوض في المقصود مبتدئاً ... واعجل فقد خلق الإنسان من عجل
إن الأهم أحق بتقديم أحق فلا ... تعبأ بعادة أهل الشعر في الغزل
وافى نظام بديع اللفظ محكمه ... محبر صين عن هزل وعن خطل
له (معان)(2) عذاب ما بها لغز ... وخير معناً دعاه السمع وهو جلي
وأشفى وأحلى في مذاقته ... من بارد الماء بل من خالص العسل
ودونه زهر روض جاده مطر ... جود وعاوده علا على نهل
لما أتى رافلاً يزهو بخطرته ... من البلاغة في حلي وفي حلل
ولاح لي منه عنوان يبشرني ... بما حوى من تفاصيل ومن جمل
فارقت ما كنت قد لاقيت من كرب ... أصمت ولاقيت ما فارقت من جدل
وقلت لما فضضت الختم عن ملح ... الله أكبر هذا منتهى أملي
أهلاً وسهلاً بطرس جاء من ندس ... على البراعة والآداب مشتمل
قضى بمحض ولاء غير (موتشب) ... وحسن ود صحيح غير منتحل
وجاء نظماً كنظم الدر مبتدعاً ... مستغرباً مستجاداً غير مبتذل/169/
وسجع نثر كشذر راق منظره ... منقح لفظه ما فيه من خلل
تلك البلاغة أما شئت معرفة ... لها فهاك بلا كبر ولا ملل
وذلك السحر إلا أنه حسن ... ما فيه من حرج تخشى ولا زلل
وكيف لا والذي خطت أنامله ... سطوره رجل ناهيك من رجل
إمام علم له فضل ومكرمة ... من دونه علماء السهل والجبل
جمال دين الهدى السامي لهمته(3) ... وقدره الأرفع (السامي)(4) على زحل
أما تورطت في شك وفي شبه ... أعيت علىذي الذكاء والفهم والجدل
__________
(1) في (ب): صلاح.
(2) في (ب): مقالاتٍ.
(3) في (ب): بهمته.
(4) في (ب): الأسمى.
فاقصد علياً ولا تعباً بمشكلة ... إذا ادرعت فلا تخشى من الأسل
سل عنه واسمع به وانظر إليه تجد ... ملءَ المسامع والأفواه والمقل
أسنى وأبهج في الآفاق من قمر ... بدر وأسير في الآفاق من مثل
حوى المحامد من دين ومن ورع ... ومن عفاف ومن علم ومن عمل
يا من تصنع محتالاً ليشبهه ... ليس التكحل في العينين كالكحل
بل أيها العاذلي فيما أبوح به ... من وده كف عن لومي وعن عذلي
إني رضيت به خلاً ومعتمداً ... واخترته من جميع الناس عن كمل
وما رضيت سواه عنه لي عوضاً ... حاشاه عن عوض منه وعن بدل
فمن يكن عنه مزوراً ومنحرفاً ... فقد يضر رياح المسك بالجعل
أحن شوقاً إلى ميمون طلعته ... حنين عودتها شوقاً إلى الإبل
ولا أزال مشوقاً كل آونة ... إلى أزال ووجد الشوق لم يزل
أود لو أنني أسعى لأبلغها ... على جواد عظيم السبق ذي حصل
لكونها دار أعلى الناس منزلة ... في القلب ما أن يرى عنه بمشتغل
يا ما نحي صفوه وداً بلا كدر ... ومرتضى كل أحوال بلا علل
لولاك ما ها جنى شوق إلى يمن ... لا ناقتي في ربى صنعاء ولا جملي
فليت شعري أبعد البعد يجمعنا ... دار ويسعد دهر(1) بالتقارب لي
/170/فتستريح نفوس قد ألم بها ... عوارض الوجد والتبريج والوجل
لا تأس من روح رب الروح إن له ... عطفاً على كل دعاء ومبتهل
وقد دعوناه نرجو من إجابته ... جمعاً لشمل شتيت غير متصل
يا رب فاجعل رجائي غير منعكس ... لديك يا منشئ الأموال(2) والسبل
وامنن بتعمير ذي الفضل الشهير ومن ... أحيى بتدريسه العلم الشريف علي
لا زال في تحف تترا وفي شرف ... يعلو على الجدي والجوزاء والحمل
وفي سعود وإقبال وفي ظفر ... وخفظ عيش رغيد ناعم خضل
عليه مني سلام نشره عطر ... ملازم مستدام غير منفصل
ما شدت العيس في شام وفي يمن ... واطرب العيس حادي العيس بالزجل
__________
(1) في (ب): دهري.
(2) في (أ): الأمران.
علي بن محمد بن هطيل
علامة النحاة ومفخر اليمنين صدر العلماء جمال الإسلام علي بن محمد بن هطيل(1) - رحمه الله - كان أشهر من شمس النهار في علومه وفضائله، أتقن النحو إتقاناً عجيباً وبرز فيه وألحق الأصاغر بالأكابر، وجمع وفرق وعلل وتكلم عن ملكة راسخة في أصول النحو وفروعه وهو حري بان يسمى سيبويه اليمن، وقد ترجم له بعض الشافعية وأثنى عليه ولم أر في كتب أصحابنا له ترجمة إلا بالتبع ممن ذكره جامع سيرة الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، وذكره السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله بن الوزير وأنه جمع شرحه الصغير للإمام المنصور بالله علي بن صلاح الدين محمد بن المهدي علي بن محمد، وهذا الشرح من أفيد الشروح، وكان الطلبة باليمن لا بد لهم من حفظه غيباً كما يتحفظ المختصرات وهو شرح على الطاهرية، وأما شرحه على المفصل فهو شرح صدر الشروح (2) والآية الدالة على أنه بحر من البحور، وله قصيدة يثني بها على علم النحو، ويذكر علامة الأمة جار الله - رحمه الله - وهي كالذب عنه لما قال به الأندلسي، وله جواب على الأندلسي نثر فائق، وهذه القصيدة طالعها:
هل النحو إلا بحر علم يخوضه ... صبور علىدرس الدفاتر مقبل
توفي - رحمه الله - بصنعاء، وذكر من ترجم له من الشافعية أن موته في /171/ (بياض) وعند الناس من أخباره حكايات لم أثق بشيء منها، والله سبحانه وتعالى أعلم بما يذكرون، انتقل من حوث إلى شظب والله أعلم.
__________
(1) في (أ): هصيل.
(2) في (ب): صدور الصدور.
علي بن محمد بن هبة الدواري
الفقيه العلامة علي بن محمد بن هبة الدواري - رحمه الله - كان عالماً فاضلاً ديِّناً(1) له حمية على الإسلام، من ذلك لما(2) كثرت الفتن على الإمام علي بن محمد - عليهما السلام - داخل أهل صعده فتور وملل، وادعى بعضهم على بعض أنه لم يبق على قدر حاله وماله، فانضربت أمور العسكر وانقطعت موادهم،فاشتغل خاطر الإمام بذلك ولم يتمكن بما يقيم العسكر، فعول على القاضي جمال الدين علي بن محمد بن هبة الدواري أن ينشيء قصيدة يحرض الناس على الجهاد ويحثهم على الانفاق، فأنشأ قصيدة وأنشدها في محفل من كبار أهل صعده، فبكى عند سماعها جماعة من القوم حتى أخضلت لحاهم وتعاقدوا في ذلك الوقت على بذل الأموال والأرواح والصبر حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده، ويجعلون(3) ما يحتاجون من ذلك على عشرة مقاسم ألزموا أنفسهم في أموالهم ذلك الوقت مائة ألف درهم، فحمل الفقهاء آل علي بن حسن الهبتي خمسين ألفاً منها، وحمل علي بن موسى بن جمع(4) الطاي وآل الرازي وآل عليان عشرة آلاف وحمل آل فند وآل الطاهر وآل الذويد عشرين ألفاً وحمل آل عليس ومن في جانبهم من الحدادين عشرة آلاف وحمل أهل درب الإمام والفقيه قاسم قرة عشرة آلاف وتواطوا أنها إذا كملت عوضوها طالت الفتنة أم قصرت، والقصيدة هي هذه:
سرى همه ليلاً وهم الفتى يسري ... فأمسى نجياً للوساوس والفكر
وارقه خطب عظيم مؤرق ... لمن كان ذا دين وذا حسب عمر
تخاذل أهل الدين عن نصر دينهم ... وأجمع أهل المنكرات على النكر
وشدتهم في النائبات وصبرهم ... على البؤس والضراء والقتل والأسر
على قلة في مالهم ورجالهم ... وكثرة أهل الدين في البر والبحر
فقد أظهروا تيهاً(5) على كل مسلم ... وعجباً على عجب وكبراً على كبر
فنبه ما في القلب من لوعة الأسى ... ومن حرقة بين الجوانح والصدر
__________
(1) في (ب): أديباً.
(2) في (ب): أنها لمَّا.
(3) في (ب): ويجعلوا.
(4) في (ب): جميع.
(5) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
فأين حماة الدين من آل أحمد ... وشيعتهم أهل الفضائل والذكر
وأين ليوث الحرب من آل حيدر ... وأبناء قحطان الجحاجحة الغر/172
وأين رجال الصبر من كل عابد ... ومن بطل شهم(1) ومن عالم حبر
وأين ذووا الإفضال والجود والسخا ... طلاباً لوجه الله في السر والجهر
وأين الكرام المنفقون تطوعاً ... لكسب المعالي والمحامد والذكر
ألا بايع في طاعة الله نفسه ... فيذهب بالسبق المكرر والفخر
ألا آخذ من ماله سهم نفسه ... فيحرزه من قبل حادثة الدهر
ألا خائف من نفخة الله راهب ... لنار تلظى بالشرور(2) وبالجمر
ألا راغب في طاعة الله طالب ... جناناً من الياقوت والقصب الدر
ألا بائعاً دار الغرور بجنة ... روائحها تسري وأنهارها تجري
ألا شارياً(3) ملكاً كبيراً ونعمة ... بعيش حقير لا يسوغ ولا يمري
قصوراً وولداناً وحوراً نواعما ... معرضة للبيع بالثمن النزر
فيا معشر الإسلام مالي أراكم ... غفولاً عن الفضل المضاعف والأجر
ألم يأن أن تستيقضوا عن منامكم ... فقد بان جنح الليل عن شفق الفجر
وأن تستجيبوا داعي الله إذ دعا ... فاسمع ذا سمع ومن كان ذا وفر(4)
ألم تسمعوا ما جاء في الكتب وارداً ... عن المصطفى المختار من ولد النظر
كأنكم لم تخبروا عن نبيئكم ... ولم تقرأوا ما جاء في محكم الذكر(5)
ألم تسمعوا ما جاء في الكنز والذي ... تولى فراراً عن وعيد وعن زجر
أمنتم عقاب المذنبين جهالة ... إلى أن حسبتم مثل راعيه(6) البكر
أفي فضله شك أفيه تردد ... فمن شك فيه شك في الشمس والبدر
أليس إمام الحق بين ظهوركم ... ينادي ويدعو بالجهاد وبالنفر(7)
أفي عصرنا قد كان أو هو كائن ... نظير له في العلم والحلم والصبر
__________
(1) في (أ): منهم.
(2) في (ب): بالشرار.
(3) في (ب): ألا شارباً.
(4) في (ب): ذا وقر.
(5) هذا البيت في (ب): متأخر عن الذي يليه.
(6) في (ب): راهبه.
(7) هذا البيت في (ب) تقدم عن الذي قبله.
عكفتم على دنياكم وإمامكم ... يجاهد أرباب الضلالة والكفر
حراصاً على أرواحكم وحطامكم ... شحاحاً وشح النفس من أعظم الوزر
خلى عصبه من آل صعدة صابروا ... على البؤس والضراء في العسر واليسر
لبوث(1) تبارى بالصوارم والقنا ... بحور تطامى باللجين وبالتبر
تواصوا على نصر الإمام وجاهدوا ... على الدين واختاروا الوفاء على الغدر
173/فيهنيهم(2) ما أحرزوا من فضيلة ... ومن شرف يعلو على قمة النسر
فهلا سعيتم سعيهم ونفرتم ... إلى نصره بالمرهفات وبالسمر
أفي الشرع أن يدعوكم وتثاقلوا ... وتستأخروا من غير شغل ولا عذر
أفي الدين أن يصلى الأمور بنفسه ... وحيداً وما منكم معين على أمر
وأن تبخلوا بالمال عنه وقد سخا ... بمهجته والروح أعلى من الوفر
أنيبوا أنيبوا قبل أن تمطر السماء ... عليكم بأنواع المصائب والفقر
وتنتزع الأرواح والمال عنكم ... علانية من غير شكر ولا أجر
بخلتم على الله الكريم بفضله ... عليكم ولم تجزوا بحمد ولا شكر
وآثرتم الدنيا وعاجل نفعها ... على جنة المأوى فيا بيعة الحسر(3)
وأحببتم دنياكم ونساءكم ... على مولاكم فيالك من وزر
كأنكم أرواحكم في حياتكم ... وأرزاقكم من عند أنفسكم تجري
ألا لا ولكن شح نفس نهاكم ... وقد جفت الأقلام بالرزق والعمر
ألم تعلموا كم من صحيح منعم ... أتته المنايا بغتة وهو لا يدري
وكم كادح في ليله ونهاره ... يريد الغنى والفقر في سيره يجري
فهل تائب من ذنبه أو فراجع ... إلى ربه قبل المصير إلى القبر
ومدكر يوم الحساب وهو له ... وموقف عدل في القيامة والحشر
فذو العرش أما تخذلوه يمده ... على عجل بالفتح منه وبالنصر
ولو كان سيف ينصر الدين واحد ... لقمت بسيفي لابساً حلة الصبر
ولو كنت ذا مال لأنفقت فضله ... وصدق فعلي ما تضمنه شعري
فجردت من غمد القوافي صوارماً ... أحد من البيض المهندة البتري
__________
(1) في (أ): ليوث.
(2) في (ب): فهنيهم.
(3) في (أ): الخسر.
ودونكم من فضل قولي مواعظاً ... ومن لم يجد ماء تيمم بالعفر
انتهت هذه الكلمة البليغة لله دره والله يحسن جزاءه عن الإسلام(1).
علي بن محمد بن إبراهيم
الفقيه العارف المجاهد القاضي جمال الدين علي بن محمد بن إبراهيم /174/ الجملولي الهنومي، نسبه إلى هنوم - بكسر الهاء وسكون النون - أحد جبال الأهنوم الثلاثة، ثم السيراني، كان عالماً كبيراً حافظاً لكل طريقة يجري مع الناس على طبقاتهم بما تتحيز به قلوبهم من غير أن يكون عليه وصمة وذلك من عجائبه - رحمه الله - وله تجربة في الأمور كاملة وآراء ثاقبة تجري كلامه مجرى الأمثال، وهو من بيت شهير بالفضل اصلهم من الجملول بهنوم، ثم سكنوا الجهوة (بسيران)، وله تلامذة كثيرون كالقاضي العلامة صفي الإسلام أحمد بن سعد الدين، والقاضي العلامة جمال الدين حفظ الله بن أحمد سهيل وهو كثير الرواية عنه توفي - رحمه الله - ليلة الأربعاء ثالث رجب من عام ثلاث وأربعين وألف بحصن كوكبان شبام كان مقيماً هنالك للقضاء والتدريس بأمر الإمام المؤيد بالله - سلام الله عليه -.
علي بن المحسن بن يحيى(2)
السيد الأمير الكبير المجاهد منصور الألوية مرغم الأعداء جمال الإسلام علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - كان طوداً من أطواد العترة الكرام سيداً سرياً علماً جهبذياً، كان يلي ممايليه الأئمة وولي أمر صعده للإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهم السلام - واستشهد بنجران عند كوكبان أجفل عليه العسكر وتعقب في اخرهم للذب عنهم ثم لم يأت عنه نبأ إنما قال المحقق لقضيته من العسكر رأيته بعد الهرب يقاتل فانتقم بثأره الأمراء رضي الله عليهم وحزن الناس لمقتله وعمت غمته وضبط من كلامه في المعركة رجزاً لم يحضرني عند الرقم وولي بعده صعده الأمير أمير الدين ثم الأمير تاج الدين.
__________
(1) زيادة في (ب): آمين.
(2) هذه الترجمة في (ب) متأخرة بعد ترجمة الدثاني.
علي بن محمد الدثاني
القاضي العلامة(1) الكبير جمال الدين علي بن محمد الدثاني العارف الكبير - رحمه الله - قرأ على والده وأخذ عنه القاضي محمد النهدي الزيدي، وعن النهدي منصور بن محمد الزيدي وتخرج بإسنادهم حديث في فضل صلاة الجماعة رواه في (حدائق الياسمين) واستحسن الإمام صلاح ابن على ذلك الحديث.
علي بن القاضي بن علي المحسن
القاضي العالم المعمر أبو القاسم علي بن القاضي بن(2) علي المحسن بن التنوخي البصري ثم البغداذي صاحب كتاب (الطوالات)، وولده صاحب كتاب (الفرج بعد الشدة)، وغير ذلك، ولد في شعبان سنة خمس وستين وثلاثمائة (بالبصرة)، وسمع لما كمل له خمسة أعوام (من) (3) علي بن محمد بن سعيد الدارر(4) وغيره.
قال الخطيب: كان متحفظاً في الشهادة عند الحكام صدوقاً في الحديث /175/ تقلد قضاء (المدائن) وقرى (ميسين) و(البردان)، قال أبو الفضل بن خيرون: قيل كان رأيه الرفض والاعتزال ، قال شجاع الهذلي: كان يتشيع ويذهب إلى الاعتزال. قال شيخنا شمس الدين - رحمه الله -: كان زيدياً في الإسناد عن المرشد بالله في أوساط رجال الزيدية وكان التشيع دينه ودين أبيه وجده وجده علي بن محمد الأكبر هو صاحب القصيدة المشهورة في الذب عن أهل البيت علهيم السلام مجيباً على ابن المعتز في قصيدته التي أولها:
أبى الله إلاَّ ما ترون فمالكم ... غضاباً على الأقدار يا آل طالب
(فقال القاضي - رحمه الله تعالى -) (5):
من ابن رسول الله وابن وصيه ... إلى مدغل في عقدة الدين ناصبي
نشأ بين طنبور ونرد ومزهر ... وفي حجر شاد أو على صدر ضارب
ومن ظهر سكران إلى بطن قينة ... على شبه في ملكها وشوائب
تعيب علياً خير من وطئ الثرى ... وأكرم سار في الأنام وسارب
وتزري على السبطين سبطي محمد ... فقل في حضيضٍ رام نيل الكواكب
__________
(1) في (ب): العالم.
(2) في (ب): أبي.
(3) سقط من (أ).
(4) في (ب): الراراري.
(5) سقط من (ب).
وتنسب أفعال القرامط كاذباً ... إلى عترة الهادي الكرام الأطائب
إلى معشر لا يسرح الذم بينهم ... ولا تزدري أعراضهم بالمعاتب
إذا ما انتدوا كانوا شموس نديهم ... وإن ركبوا كانوا شموس الركائب
وإن عبسوا يوم الوغاء ضحك الرداء ... وإن ضحكوا أبكو عيون النوائب
وإن يسالوا سحباً(1) بماء أكفهم ... فأحيوا بميت المال ميت المطالب(2)
نشوا بين جبريل وبين محمد ... وبين علي خير ماش وراكب
وصي النبي المصطفى ووصيِّه(3) ... ومشبهه في شيمة وضرائب
ومن قال في يوم الغدير محمد ... وقد خاف من غدر العدا والنواصب
أما أنا أولى منكم بنفوسكم ... فقالوا بلى قول المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولاه منكم ... فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
تطيعوه طراً فهو عندي بمنزل ... كهارون من موسى الكليم(4) المخاطب
وقولا له إن كنت من آل هاشم ... فما كل نجم في السماء بثاقب/176
وإنك إن خوفتنا منك كالذي ... يخوف اسداً بالضباء الربارب
وقلت بنو حرب كسوكم عمايماً ... من الضرب في الهامات حمر الذوائب
صدقت منايانا السيوف وإنما ... تموتون فوق الفرش مثل الكواعب
أبونا القنا والمشرفية أمناً ... وإخواننا جرد المذاكي الشوازب
وما للغواني في الوغاء فتعودوا ... بقرع المثاني عن قراع الكتائب
وقلتم قتلنا عبد شمس فملككم(5) ... لنا سلب هل قاتل غير سالب
فيا عجباً من حارب ضل يدعي ... مواريث خير الناس ملكاً لحارب
هو السلب المغصوب لا تملكونه ... وهل سالب للغصب إلا كغاصب
أأثقال جدينا تحوزون دوننا ... بزعمكم الأنفال يا للعجائب
وهل لطليق شركة مع مهاجر ... فلا تثبوا في الدين وثب المواثب
أخو المرء دون العم يحوي تراثه ... إذا قسم الميراث بين الأقارب
وأولاده في محكم الذكر فاقرأوا(6) ... أحق وأولى من أخيه المناسب
__________
(1) في (أ): سحب.
(2) هذا البيت في (ب): متقدم عن الذي قبله.
(3) في (ب): وصفيه.
(4) في (ب): وصفيه.
(5) في (ب): فملكهم.
(6) في (ب): فارفقوا.
وجئتم مع الأولاد تبغون إرثه ... وأبعد بمحجوب لحاجب حاجب
ويوم حنين قال حزناً فخاره ... ولو كان يدري عدها في المثالب(1)
وما واقف في حومه الحرب حائراً ... وإن كان وسط الصف إلا كهارب
وما شهد الهيجاء من كان حاضراً ... إذا لم يطاعن قرنه ويضارب
فهلا كما لاقى الوصي مصمماً ... تعصب بالهندي كبش العصائب
وقلت أبونا والد لمحمد ... وأنتم بنوه دوننا في المراتب(2)
وأدناهما من كان بالسيف دونه ... يفل شبا سيف العدو المناصب
وشتان من أوى وواسى بنفسه ... ومزدلف يغزوه بين المقانب
أبونا يقيه جاهداً وأبوكم ... يجاهده بالمرهفات القواضب
فنحن بنو عم لنا فوق مالكم ... ونحن بنوه فوقكم في المناسب
وعبت علياً في الحكومة بينه ... وبين بني حرب الطغاة الأسائب
فقد حكم المبعوث يوم قريضة ... ولا عيب في فعل الرسول لعائب
/177/وعبت بعمينا أبانا سفاهة ... وكم لك من عم عن الدين ناكب
وميل عقيل عن(3) علي وطالب ... أبو لهب من جدكم في التقارب
ونحن أسرنا عمنا وأبوكم(4) ... فباتا بليل مكفهر الجوانب
ونحن حقنا بالفداء دماءكم ... فلا تجحدونا حق تلك المواهب
وقلتم أضعتم ثار زيد وكنتم ... كسالي كذبتم لا هدي كل كاذب
أما ثار فيه الطالبي ابن جعفر ... فذكرك ركن الملك من كل جانب
وأمطر في حي(5) وفي أرض فارس ... سحائب موت ما طرات السحائب
إلى ان رمته غازيات دعاتكم ... بسهم اغتيال نافذ النصل صائب
وقلت نهضنا ثائرين شعارنا ... بثارات زيد الحبر عند التجارب
وما ذاك من حب لزيد وآله ... ولكنها تشغيبة من مشاغب
دعوتم(6) إلينا عالمين بأنكم ... مكان الدنايا من ذراً ومناكب
__________
(1) في حاشية (أ) لو قال هنا:
فهلا تقدرتم أحد وخندق
فخرتم بها إذ كنتم في الأحازب
(2) في حاشية (أ): لو قال هنا:
أبو طالب أولى به إن أمهم
لأم أبيه دونكم في التناسب
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): وأباكم.
(5) في حاشية (ب): فخ.
(6) في (ب): دعوتكم.
فهلا بإبراهيم كان شعاركم ... فيرجع(1) داعيكم بحلة خانب
بنا نلتم ما نلتم من إمارة ... فلا تظلموا فالظلم مرَّ العواقب
وكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم ... بلا سبب غير الظنون الكواذب
اما حمل المنصور من أرض يثرب ... نجوم هدى تجلوا ظلام الغياهب
وقطعتم بالبغي يوم محمد ... قرائن أرحام لنا وأقارب
وجرعتم تحت التراب نبيئكم ... بكاسات ثكل لا تطيب لشارب
وفي أرض باحمراء مصابيح قد ثوت ... منزبة الهامات حمر الترائب
فيا لسيوف فللت بمعامد ... ويا لأسود صدعت بثعالب
وهارونكم أردأ بغير جريرة ... نجوم تقى مثل النجوم الثواقب
ومأمونكم سم الرضى بعد بيعة ... بأوددري شُم الجبال الرواسب(2)
فهل بعد هذا في البقية بيننا ... بني عمنا والصلح رغب لراغب
كذبتم وبيت الله أو تصدر الضبا ... شوارب من إمائكم والشوارب
ولينا فولينا أباكم فخاننا ... وكان بمال الله أول ذاهب/178
وكنا لكم في كل حال مناهلا ... عذاباً إذا يوردن خضر الجوانب
فلما ملكتم كنتم بعد ذلة ... أسود علينا داميات المخالب
فقل لبني العباس عم محمد ... وعم علي صنوه في المناسب
عزيز عليَّ أن تدب عقاربي ... إلى معشر الأدبا(3) دبيب العقارب
ولكن بدأتم فانتصرت فاقصروا ... فليس جناء الذنب مثل المعاقب
وليس سواء سب سيدة النساء ... وسب رماد بالصفا والأخاشب
وقد قال أصحاب النبي محمد ... له قد هجانا مشركو آل غالب
فقال لهم قولوا لهم مثل قولهم ... فما مبتد في الهجو مثل المحارب
فهذا جواب للذي قال مالكم ... غضاباً على الأقدار يا آل طالب
__________
(1) في (ب): يرجع.
(2) في (ب): الرواتب.
(3) في (أ): الأدنا.
انتهت هذه الكلمة وقد طال بها المجرى لأني لم أرها مستكملة إلا في قليل من الكتب مع أن علمائنا لا يتركون الإيماء إليها والذكر لها في مصنفاتهم وتواريخهم وفهمت ان سبب ذلك ما وقع من القاضي من التعرض(1) للعباس وابنه عالم الأمة - رضي الله عنهما - فمقامهما جليل غير أن البداية فيما أحسب اشتملت على شتمه للزهراء، فالجأت القاضي إلى ما قال ولم يقل إلاحقاً، غير أن هذين الرجلين من أعظم الأمة بعد آل محمد صلوات الله عليهم، وقد تعرض لهذا(2) المؤيد بالله في جواب القاضي عامر بن محمد الصباحي - رحمه الله - عن ابن عباس، فإنه ذهب عنه (بصره)(3) وذكر أنه عمي بالبكاء على علي بن بي طالب - رضي الله عنهما - فأعرف هذا، وفي قوله: إن الأخ في الميراث قبل العم، لعله يوافق أصول الحنفية إن المؤاخاة سبب للميراث، وقد صرح الذهبي في حق القاضي علي بن محمد هذا انه حنفي وأن كثيراً من الأصحاب يتستر بالتحنف في بلاد الأعداء وغشمة السلاطين، إلا أن المطلوب هنا ذكر علي بن المحسن حفيده - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): التعريض.
(2) زيادة في (ب): الإمام.
(3) سقط من (ب).
علي بن المرتضى بن المفضل
السيد الإمام العالم الكبير الرباني الفاضل المعروف بمؤمن الهادي - عليه السلام - جمال الدين علي بن المرتضى بن المفضل - رحمهم الله - (تعالى)(1)، قال السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - في حقه وأوصافه الجميلة كثيرة، ومحاسنه النبيلة شهيرة، ومحامده الجليلة منيرة، وجلالته(2) الرائقة ظهيرة /178/ ومناقبه الشاهرة السائرة أثيرة، وأنا أذكر جملاً من فضله وورعه وعبادته ومعرفته وزهادته وظرائف أخباره وشرائف آثاره، أما فضله فالمقصود بالفضل على إحدى تفسيريه المحافظة على الواجبات والرغبة في اكتساب الصالحات والمنافسة في الأمور الزاكيات، وقد كان - رحمه الله - بالغاً في هذه الأمور إلى أقصى نهاياتها وأبعد مساعيها وغاياتها وهذه جملة يأتي تفصيلها إن شاء الله، كان - رحمه الله - بصيرته(3) وسطاً لم يكن له ما كان لأخيه محمد المرتضى من العلم، وذلك بسبب أن حي والده المرتضى بن المفضل (- رحمه الله -)(4) تألم وطال ألمه قدر سبع سنين فاحتاج إلى الوقف مع والده لافتقاده (وصلاح)(5) شانه وكان أكثر أولاده براً به وملازمة له ثم لما توفي والده أراد الارتحال لطلب العلم كما كان سلفه، وقد ترك والده أخوات له مساكين لا إحسان لهن في شيء، فأمسكن بأهدابه وجذبن بثيابه وقلن لا سبيل إلى ذلك فرق لهن وعطفته عواطف الرحم فقرأ مع الاشتغال بهن قراءة متوسطة قرأ في العربية على حي الفقيه العالم العلامة جمال الإسلام علي بن أحمد سلامة(6) ولازمه واستفاد منه، وقال رحمة الله عليه: قرات على الفقيه الفاضل العالم شرف الدين حسن بن علي الآنسي في الفقه، وكان فقيهاً حافظاً متقناً ثم أنه - رحمه الله - أقبل على (العبادة)(7) ومطالعه الكتب المفيدة وتلاوة كتاب الله ليلاً ونهاراً،
__________
(1) سقط من (ب).
(2) زيادة في (ب): الفائقة.
(3) كذا في (أ) و (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): ولإصلاح.
(6) في (ب): بن سلامة.
(7) في (ب): القراءة.
وكان جامعاً بين أنواع العبادة والصلاة والصيام وسائر أنواع الخير، وكان كثير المطالعة والرغبة في العلم والتقاط (الفوائد)(1) حافظاً لما ينقله ويطالعه مبرزاً في أحوال أهل البيت - عليهم السلام - المتقدمين والمتؤخرين يحكي سيرتهم على ظهر الغيب ويحفظها، وكذلك كانت له مهارة في معرفة المخالفين والفرق الضالة واستظهار كلي على أخبار الصحابة وقصص أحوالهم ومقالات الأئمة فيهم، ومن رأيه التوقف ومَن رأيه غير ذلك، وكان نقالا لأخبار صفين ومن خرج على أمير المؤمنين كطلحة والزبير والخوارج باستيفاء واطلاع كأنما (كان)(2) يشاهد(3)، شديد الغضب في حق علي - عليه السلام - قد نقل الدلالات على إمامته وجوابات المخالفين فيها وله يد حسنة في علم الكلام وتحقيق لأصوله، وشيخه فيه السيد /180/ العلامة محمد بن يحيى القاسمي، وسمع جملاً من كتب أهل البيت - عليهم السلام - وكان له في تفسير القرآن وفي أسباب النزول يد قوية، جيدة واطلاع كلي، وكان تفسير الناصر الديلمي لا يفارقه وأسباب النزول للواحدي (وكثير)(4) من كتب المتقدمين والمتأخرين، وكان في حكم الناقل لكتاب السيد العلامة حميدان بن يحيى القاسمي، من ولد جعفر بن القاسم بن علي العياني، ممن عاصر(5) الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين - عليه السلام - وكان علامة في الكلام مطلعاً على أقوال(6) الناس وحكاية مذهبهم.
__________
(1) في (ب): الفرائد.
(2) سقطت من (ب).
(3) في (ب): شاهد.
(4) سقط من (ب).
(5) زيادة في (ب): حي.
(6) في (ب): أهله ومتبحراً في ذلك ومتقناً غاية الإتقان، وكتابه هذا المجموع المشتمل على أقوال الناس، وحكاية مذاهبهم تدل على ذلك. قلت:
قلت: صرح السيد جمال الدين أن السيد حميدان من ولد جعفر بن القاسم وهو من ولد صنوه سليمان بن القاسم، قال السيد جمال الدين: وكان لسيدي علي بن المرتضى شغف بالإمام المنصور بالله كلي وينقل من محاسنه شيئاً كثيراً، ويروي من قصائده وأشعاره ما لم يسمع من سواه، وكذلك غيره من الأئمة المطهرين إلى زمان الإمام محمد بن المطهر - عليه السلام - ولو ضبط ذلك كان تماماً للحدائق، وكان خطيباً مصقعاً ماهراً فارساً في الخطب يحفظ فيها (ما يحفظه)(1) سواه على مثل ما كان أخوه محمد، فإن أخاه محمد كان من أخطب الناس، ولقد حكى بعض الأهل عنه أنه احتاج إلى أن يخطب بعد أن شاخ وأغرب عن هذا الشأن وأهمل فلما فرغ بعد أن أتى بشيء بديع خارج عن الوصف قال هذه من كذا وكذا خطبة، وكذلك حكى عن السيد العلامة علي بن المرتضى والده في خطبة خطبها على مثل هذا الحال ولما دعى الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد - عليه السلام - سار إليه إلى ثلا وبايعه وحضر معه الجمعة فأمر الإمام أن يتولى الخطبة ففعل واستوفى ذكر الأئمة الأطهار ووصفهم بأوصافهم الكريمة، فلما فرغ من صلاته قال الإمام المهدي لولده الإمام الناصر: أنقل من السيد جمال الدين ذكر الأئمة، وكان إذا بلغ في(2) تعداد الأئمة إلى ذكر شهدائهم استهل باكياً، وكان - رحمه الله - شاعراً مترسلاً، وجاداً سلس البراعة سهل الشعر له قصائد حسنة ومن أجود ما قاله القصيدة التي أنشأها إلى السيد الواثق بالله في حال إمامته وهي (معروفة محفوظة مشهورة)(3) أولها:
يا ابن المطهر والإمام الأبلج ... دع عنك ذا الأمر المريج اللجلج
وافزع إلى المهدي أخيك ولُذْ به ... أعني علياً فهو غوث الملتجي
181/ وهو الذي شهد الإمام(4) بفضله ... وكذا شهدت فكيف عنه (تجتج)
__________
(1) في (ب): ما لا يحفظه.
(2) في (ب): من.
(3) في (ب): محفوظة معروفة مشهورة.
(4) في (ب): الأنام.
من كار(1) فراق السراب بقيعة ... يحكي اللجين هو فئة موتوبخ(2)
وهي (من)(3) قصيدة طويلة، فلما بلغت الواثق ضاق بها ذرعاً؛ لأنه كان يحبه، وما كان يحسبه يواجهه بما فيها، فأجابها بقصيدة منها:
جاز الرجال على الطريق الأعرج(4) ... ومشوا على الشبهات مشي الأهوج
والناس هم صنفان من مستدرج ... صنف وصنف ليس بالمستدرج
شقوا عصى الإسلام واجتاحوا الهدى ... فتراهم في ليل معظلة دجي
شجح الغراب ببينها فتصدعت ... ليت الغراب ببينها لم يشحج
لما رأوني قائماً مستصحباً ... عزماً يفلق هام كل مدحج
قالوا عصيت كما دعوت وأحمد ... داع وليس لأحمد من مخرج
قلنا صدقتم دعوتي مشروطة ... بفساد دعوة أحمد البر النجي
حتى أتت أفواج حوث ثلة ... يحتال بين مقمص ومتوج
أبناء قبالة أحمد المهدي الذي ... أحيى الهدى وأقام كل معوج
فبأي شيء زحزحوها عن فتى ... متلفع بردائها متتوج
ورث الخلافة عن أبيه وجده ... وافقت عشك يا حمامة فأدرج
__________
(1) في (ب): كان.
(2) في (ب): من كان رقراق السحاب بقيعه…يحكى اللجين لفرقته من توبخ
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): الأعوج.
ودارت بين السيد جمال الدين علي بن المرتضى وبين السيد العلامة أحمد بن صلاح بن الهادي بن إبراهيم بن تاج الدين مراجعات، وللسيد علي قصيدة (حسنة)(1) بارعة في الانتصار لمذهب (أبي) (2) الحسين وابن الملاحمي، وكان السيد أحمد بن صلاح بهشمياً، والسيد علي حسينياً ملاحمياً، فقال القصيدة في ذلك المعنى، وهي عظيمة في بابها، ووقع بين السيد جمال الدين وبين العلامة الفقيه إبراهيم الغرازي مناظرة مشهورة أفضت إلى رسائل والبحث عن عدة مسائل منها مسائل الخلاف بين البهاشمة والملاحمة، ومنها أن الفقيه المذكور قال: يجوز أن يكون أبو علي وأبو هاشم أفضل من الهادي - عليه السلام - والقاسم - عليه السلام - قال: ولم يزل يناظره في كل مكان يجتمعان فيه فاتفقا في بعض الأسواق فتراجعا في تلك المسألة، فقال الفقيه: فما الدليل على أنك أفضل مني. قال: فقلت الكتاب والسنة والإجماع /182/، أما الكتاب فقوله تعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، وهذه إرادة مخصوصة لا مطلق الإرادة العامة وإلا فالله سبحانه يريد ذلك من كل مكلف، فما معنى التخصيص، وأما السنة فقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (ليس أحد يفضل أهل بيتي غيري)، قال: فنظر إلي نظر متعجب لحضور الحجة، قال: فالإجماع قال فقلت: (اسأل)(3) أهل هذا الجمع قال: فامتعص وسكت ولما اشتهرت المناظرة بينهما عمل العلماء في ذلك رسائل منهم الإمام المهدي علي بن محمد في حال سيادته سماها (النمرقة الوسطى في الرد على منكر فضل آل المصطفى) والواثق - عليه السلام - رسالة سماها (النصر العزيز على صاحب التجويز) وهي بديعة بناها على براهين وختمها بقصيدة عجيبة غريبة أولها: الحاسد القمر النوار في تعب. ومنها:
أشعة الفضل أعمت ناظريك فما ... فرقت بين حِصِيِّ الأرض والشهب
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): ابن.
(3) في (ب): سل.
وأنشات الشريفة العالمة صفية بنت المرتضى رسالة فائقة رائقة مشحونة بالأدلة والبراهين ومحاسن الآثار وفرائد الأخبار سمتها (الجواب الوجيز على صاحب التجويز).
قال السيد الهادي - رحمه الله -: كتبت إلي جدي علي بن المرتضى أيام إقامتي بحوث أقرأ في علم الكلام جواباً على كتاب جاء منه إلى يشير علي ويومي إلى كلام يحيى بن منصور، فذكرت في جوابي انتصار البهاشمة ومدحت مشائخ الاعتزال وغلوت وكتبت أبياتاً إلى الوالد أحمد بن علي عمي، من جملتها هذا البيت:
هم سفن النجاة إذا ترامى ... من الإلحاد موج المعظلات
فأجاب الوالد شمس الدين بجواب غريب من جملته بعد أبيات:
ألا سفن النجاة بنو علي ... وهاني منك إحدى الكبريات
مدحت الاعتزال وقلت فيهم ... بأنهم هم سفن النجاة(1)
انتهى.
وكان السيد جمال الدين علي بن المرتضى محلاً للفضائل وأنواع العبادة، وكثيراً ما كان ينشده(2):
فوا عجباً كيف يعصى المليك ... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
وكثيراً ما يتمثل بقول من قال:
ولربما عرضت لقلبي فكرة ... فوددت منها أنني لم أخلق
__________
(1) في (ب): هذا البيت متقدم على الذي قبله.
(2) في (ب): ينشد.
/183/ وكان كثير الإحسان وصولاً لما أمر الله به أن يوصل، وكان الله سبحانه يجري له الطافة وفق أفعاله، ولقد حكى - رحمه الله - أنه غطه(1) أمر ذات يوم فتحير فيه فجاءه رجل لا يعرفه بدراهم كثيرة لا يؤلف ولا يعتاد الصلة بمثلها، وكانت تأتيه أمثال هذه من الإعانة عند الحاجة، وكان شديداً صليباً في ذات الله في خطبه وأقواله وأفعاله، وهو الذي أزال دولة الظلم من (مذرح) وكان بيد الأمير(2) تاج الدين فسار بنفسه وجمع الجنود الوافرة حتى بادوا، وله كرامات منها ما حدث به - رحمه الله تعالى - قال: كنت ذات يوم في مجلس إذ جاءني شخص له صورة مخالفة، فقال لي: أتحب أن أكون لك صاحباً، فقلت: من أنت. قال: أنا شخص من الجن اسمي محمد بن عزان في قلعة خراسان، قال: فوجدت وحشة منه فقلت أحب أن لا أراك أبداً، فولى عني فلم أره بعد، ومنها ما حكاه - أيضاً - أنه في إحدى حجتيه؛ لأنه حج لنفسه مرتين وزار قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وقبور الأئمة بالمدينة وقبر القاسم ومن معه في جبل الرس، قال: ومعي عمي إبراهيم بن مفضل فوصلنا إلى مكان فخرجت عن الطريق لغرض، فوجدت الحاج قد ساروا ولم أسمع حساً مع ظلمة شديدة لا يستضيء الإنسان يده، فما كان مني إلا الاستسلام وبقيت أجبن من ضب فسمعت قائلاً يقول: يا حاج امض والطريق على يمينك وامض على حالك فإن أصحابك ينتظرونك في مكان كذا، فسرت كما قال حتَّى وصلت أصحابي وقد قلقوا واشفقوا فأخبرتهم بالقضية ولم يكن الصوت يسمع من محل أصحابي إلى حيث كنت ولا أحد غيرهم من الحاج يعرفني فعلمت أن ذلك من فضل الله، ومنها ما هو مشهور مأثور أنه خطب يوم العيد بمكة المشرفة في أصحابه وقد مالوا إلى جانب من وادي مِنى خطبة بليغة فيها مواعظ شافية، وبكى وأبكى مخالفاً للمعتاد، وكان مستقيماً على صفا فانفلقت حال خطبته وعاين ذلك جميع الحاضرين، ونظير هذا ما نقله الأثبات
__________
(1) في (ب): غصة.
(2) في (ب): علي بن تاج الدين.
العدول عن المعاينة أنها كانت صخرة عظيمة في وسط أرض لشخص فلم يستطع إزالتها فسأل من السيد الدعاء لزوالها، فسار معه حتى رقا على أعلى تلك الصخرة ودعا وابتهل إلى الله تعالى، ثم أذن عليها أذان الظهر في وقته المعروف فانصدعت /184/ تلك الصخرة بقدرة الله تعالى، وتشققت فامكنت زوالها، ومنها أنه دخل بعض مساجد ثلا فبات فيه وحده ولا صديق له، فأصابه ضمأ عظيم أجهده وانقطع رجاه من(1) الناس، قال: فقلت اللهم اسقني من عندك، فانصب له ماء من ناحية المسجد فتلقاه بيده وشرب منه، ومنها ما حكاه الواثق - عليه السلام - وكتبه بيده قال: رأيت في النوم قائلاً يقول لي: السيد علي بن المرتضى مؤمن بني الهادي، والسيد محمد بن حيى(2) مؤمن (آل)(3) القاسم، والسيد داود بن أحمد مؤمن آل حمزة، مولده سنة أربع وسبعمائة ووفاته - رحمه الله - سنة فتح الإمام الناصر - عليه السلام - صنعاء سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكانت تلك السنة غزيرة المطر، فمرض الناس بالم النقضة، وكان موته بسبب ذلك.
قال السيد الهادي - رحمه الله - لما بلغنا ألمه ونحن (بالمحطة) عند الإمام أقمنا بعد ذلك أربعة عشر يوماً وحصل الفتح، ثم تقدمنا أنا وعمي صلاح الدين المهدي بن علي والصنو عز الدين محمد بن أحمد إلى الهجرة بشظب وأقمنا معه أياماً فاشتد عليه الألم، وكان عقله حاضراً لم يغب، فكان يوم الخميس من شعبان بالتاريخ المتقدم رايناه مستشعراً للموت، فحرض على السجود(4) كما حكى عن(5) الجنيد أنه كان يفعل، فقيل: يا أبا القاسم تفعل هذا (في الساعة)(6)، فقال: هذه الساعة أحوج ما كنت إليه، ففاضت نفسه الشريفة وهو على هذه الحال المذكورة.
قال السيد الهادي: وخطبت عند قبره خطبة مرتجلة عرفت فيها شيئاً من أحواله، وكتبت على قبره:
__________
(1) في (ب): عن.
(2) في (أ): يحيى.
(3) سقط من (ب).
(4) زيادة في (ب): والتلاوة.
(5) في (ب): من.
(6) في (أ): في هذه الساعة.
يا زائراً قبر الإمام المرتضى ... سبط الكرام علي بن المرتضى
ألثم ثراه وقل له يا ذا النهى ... ذهب التعبد بعد موتك وانقضى
علي بن موسى بن أبي جعفر
الشريف الفاضل جمال الإسلام علي بن موسى بن أبي جعفر محمد بن عبيد الله(1) العباسي - رحمه الله - هو سيد فاضل عالم من ولد العباس بن علي قمر آل الرسول وهو المقبور بجامع صنعاء غربي الصومعة الكبرى من ناحية الجنوب إلى جانب القبر القبلي، توفي سنة تسع وسبعين وثلاثمائة.
علي بن موسى الدواري
القاضي العلامة إمام الأصول شيخ المحققين جمال الإسلام علي بن موسى الدواري - رحمه الله تعالى - كان عالماً مبرزاً في العلوم محققاً في الأصول مرجوعاً إليه(2) /185/ الفضلاء وهو أستاذ الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد مصنف الفصول، وله في مدحه الكلمة السنية وهي (في)(3) ترجمة للسيد - رحمه الله تعالى - توفي القاضي في شهر صفر سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
علي بن موسى بن الحسين
العلامة الفاضل بهجة العلماء علي بن موسى(4) بن الحسين المحدث المصري - رحمه الله - قال الملا يوسف حاجي - رحمه الله تعالى -: هو ذو الآراء الثاقبات، وهو صاحب (المرشد).
قلت: (وقوله)(5) المحدث المصري يقضي أنه من قرابة الناصر - عليه السلام -.
علي بن موسى البائد
العلامة الفقيه الفاضل علي بن موسى البائد شيء نسبه إلى (البائد شت) قرية من قرى (آمل) - رضي الله عنه - صحب الناصر مدة مديدة، وله كتاب الإبانة في أصول الفقه وكتاب آخر في إثبات إمامة الناصر - عليه السلام -.
علي بن منصور بن عمير
الفقيه العلامة (علي بن منصور بن عمير)(6) أحد تلامذة الفقيه العلامة المحسن(7) ابن محمد النحوي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) زيادة في (ب): بن عبدالله.
(2) في (ب): رحل إليه الفضلاء.
(3) ساقطة من (أ).
(4) زيادة في (ب): بن محمد.
(5) في (ب): وهو له.
(6) في (ب): علي بن منصور بن محمد بن حمير.
(7) في (ب): الحسن.
علي بن منصور بن يوسف
العلامة القاضي الأجل علي بن منصور بن يوسف - رحمه الله - من أعيان المائة السابعة لقي الإمام أحمد بن الحسين وبايعه وتولى القضاء وهو والد عمران.
علي بن ناصر الدين السحامي
الفقيه المحقق الفاضل جمال الدين علي بن ناصر الدين المعروف بالسحامي صاحب (البيان) وهو على إحدى الروايتين أخو العلامة سليمان بن ناصر مصنف (شمس الشريعة)، وقيل هو ابن أخيه علي بن الحسن بن ناصر الدين وقد ذكرنا (مسكنهم صرحه)(1) وشيئاً من أحوالهم.
علي بن أبي النجم
القاضي العلامة الفاضل علي بن أبي النجم - رحمه الله - هو علامة كبير فيه وفي صنوه العلامة يحيى قصائد ومدائح، وهو أحد الثلاثة العلماء الذين ذكرهم السيد الأمير المرتجي للخلافة محمد بن الهادي بن تاج الدين حين استعار تهذيب الحاكم منهم، وهي رسالة نكتب منها ما أمكن، وهي: (بسم الله الرحمن الرحيم وصلواته(2) على سيدنا محمد وعلى آله وسلم في المثل السائر كثرة الانتظار يورث الاصفرار وقد طال ما انتظرت وجه اليسار، ليجلي دياجي الإعسار، ولست بمشتاق إلى الغناء إلا لبلوغ المنا في نساخة تفسير الحاكم، فاشتغل بهذا الكتاب الخاطر، وسهر الناظر وبقيت مذبذباً بين الرجاء واليأس، وقلت: من هو المقصود بهذه الحاجة من الناس، فلقد كسد سوق المروات، وعزَّ علي ظهر البسيطة من يقضي الحاجات، واخذ علي هذا الأسلوب والنمط الحسن، وسنذكر هذه الرسالة إن شاء الله(3) في ترجمة السيد محمد بن الهادي بن تاج الدين وكلامه في علي قوله:
فيهم العالم الجواد علي ... وعماد /186/ الهدى سليل الكرام
)، انتهى.
وفي علي - رحمه الله - وصنوه يحيى يقول ابن رفعان اليمني:
يا بني ابي النجم الدين قسماً ... شرفاً يطول بأخمصيه الأنجما
يا جامعي شرف العلوم جميعها ... بل يا أجل بني الزمان وأكرما
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) في (ب): وصلاته.
(3) زيادة في (ب): تعالى.
أوضحتما سنن الهداية والتقى ... والعلم والدين الحنيف القيما
(1)(أحسنت يا قاضي القضاة شمائلاً ... شرفت أنت أفعالها أن تدمما(
وهي أكثر من هذا القدر.
علي بن نصر الأهنومي
الفقيه العلامة علي بن نسر الأهنومي - رحمه الله - (قال)(2): أظنه ذكره القاضي العلامة شمس الدين أحمد بن صالح(3) القصعة - رحمه الله - ولعله ذكره في مشيخته - رحمه الله -(4).
علي بن نشوان بن سعيد الحميري
العلامة القاضي جمال الدين علي بن نشوان بن سعيد الحميري علامة محقق من أجلاء وقته، وتولى أعمالاً كباراً وبقي على أعماله مدة طويلة، وجمع سيرة للإمام المنصور بالله سيرة حافلة عظيمة القدر، تدل على علو طبقته وسمو همته، وله شعر كثير يتخرج في أجزاء وأكثر المشاهد المنصورية والحروب الإمامية له في وصفها الشعر البليغ، ومن ذلك ما قاله بالجوف يحض قبائل همدان على الجهاد مع الإمام:
أرقت وما طربت إلى الغواني ... فأبكى في الربوع أو المغاني
ولا غدت المدامة لي ببال ... فأسأل عن معتقه الدناني
ولا طربت إلى الأوتار نفسي ... ولا سمع المجون ولا الأغاني
ولكني طربت بصوت داع ... من آل محمد سهم الجناني
إمام عادل بر زكي ... أمين لا يقول بقول مان
له علم ومعرفة ودين ... يفوه بذكره أهل الزمان
ومن شعره لله دره قالها على لسان الإمام ليقوى خاطره على النهوض:
يا موقد النار البعيدة أجَّج ... واشهر بمضمرها شعار المخرج
أشعل وشيكاً جذوة ببراقش ... ليضي ما بين العراق ومنبج
إن الإقامة قد نقضت شروعها ... ونسخت أوقات الضلال (السيسج)(5)
بشرائع التجهيز والتغليس والآ ... ساد حين أقول أدلج أدلج
والكر بين الفيلقين وصوله ... تحت العجاج وطعن كل مدحج
ولقد سئمت من المقام وظله ... وتتوقت نفسي لظهر الأعوج
__________
(1) سقط من (أ) هذا البيت: (لك يا علي فضائل وفواضلٌ ومكارمٌ يحكي الخضم إذا طمى).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): صلاح.
(4) زيادة في (ب): تعالى.
(5) في (ب): السجيج.
/187/ولموقف حضي به سمر القنا ... وشبا الظبا وقرى الحصان المسرج
قامت سواني حين أنشد منشد ... الجم جياداً يا غلام وأسرج
وأرقت من طرب إلى غزو العدا ... بالجرد لا وصل العزال (العوهج(
يا مسعدي على مقارعت العدا ... ومسابقي إلى الضريح المزعج
ذهب السلو فودعا طيب الكرا ... وتتبعاً أثري وسيراً منهج
كلفي بطرف لاحقيّ مضمر ... نهد (المراكل) لا بطرف أدعج
وكتيبة موصولة بكتيبة ... تختال في حلق الحديد المدمج
وتطنبي بعجاج نقع ثائر ... ودم لأثواب الكمي مضرج
ولقد شهدت الخيل تقرع بالقنا ... في ما قط تحت(1) الوغا متوج
ولقد سريت(2) الليل حتى خلت ما ... أبقيت منه كالقميص المدبج
ولقد دخلت على السباع وحارها ... وولجت عبل ضراغم لم يولج
ولقد وردت أنا وأوس مورداً ... في مسلك من أمه لم يخرج
والشمس في وسط السماء مظلة ... والجو أقتم(3) بالعجاج المدهج
وكأن رفراف السراب بقيعة ... ذوب اللجين هرقيه مرتوتج
قوماً فشدا لي علي عبل الشوى ... غرر النسا صافي الأديم مدمج
نهدأ قب الإبطلين إذا عدا ... في البيد خلت ممر ريح سمهج
ارق(4) تجاذب للذبوب(5) عناية ... طرباً ويصهل عند صوت المسرج
وكأنه سيل إذا ناقلته ... وإذا مددت(6) فبارق زبرج(7)
توفي بجهة خولان في القد(8).
علي بن وهاس الحمزي
الأمير الكبير علي بن وهاس الحمزي(9) (فراغ) من كبراء آل حمزة ووجوههم، له مقامات تدل على نباهة شأن، وهو الذي كتب إليه الإمام يحيى بن محمد السراجي سنة (فراغ) وستمائة ظناً (مني)(10) بهذا البيت:
إذا أعطيت راحلة وزاداً ... ولم ترحل فلست من الرجال
فعكسه الأمير فقال:
__________
(1) في (ب): تحد.
(2) في (ب): رأيت.
(3) في (ب): قتم.
(4) في (ب): أرن.
(5) في (ب): للوبوب.
(6) زيادة في (ب): له.
(7) في (ب): زبرنج.
(8) في (ب): أظنه العدين بجهة بلاد زبيد.
(9) في (ب): بن وهاس بن [فراغ] الحمزي.
(10) لم أتمكن من قراءتها].
إذا لم تؤت راحلة وزاداً ... ولم ترحل فلست من الرجال
وهذا دليل على أنه نكص عن نصرة الحق.
علي بن الهادي القصار الصعدي
الفقيه المحقق الزاهد العابد جمال الدين علي بن الهادي القصار الصعدي - رحمه الله -(1)، كان من الفضلاء /188/ المعتبرين بصعده المفزوع إليهم للفتيا والتحقيق والأدعية، كان كثير العبادة يقطع ليله في الصلاة، وكان يكتم ذلك عن أهله وخاصته، وكان كما أخبرني مولانا السيد أحمد بن الهادي بن هارون - رحمه الله تعالى - يحتاج أهله للسليط للسراج فيأمرون صنوه أحمد بن الهادي يشتري فيستنكر ذهاب السليط سرعة(2)، فيقول الفقيه علي اشتر لهم يا صنو ويمنعه من التطويل في المجاراة لأهله، وكان في وقت القراءة ينعس ويهوم لطول سهره في الليل، وكان أهل صعده يعظمون فقهه كبيراً وهو حري بذلك، وكانت عيشته هينة ليس بالمستكثر من الدنيا وليس بملحف في المطالب مع تجمله ونظافة ثيابه ونسبه - رحمه الله تعالى - في بني عبد المدان من نجران، وأهل هذا البيت جماعة بصعده حرسها الله تعالى وتعلق الفقيه في مبادئ أمره بالتجارة ونزل الجوف وسافر وسمعت منه شيئاً من أحوال العلامة محمد بن بهران نقلته في محله وتوفي - رحمه الله - في الهجر هجر بني المكردم من بلاد الأهنوم، وهو قافل من حضرة الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - وفي بالي أنه بعد عوده من سفر الحج، ولم أتيقن ذلك.
علي بن هادي
وفي أهل صعده الفقيه علي بن هادي - أيضاً - وهو السفري عارف فاضل، قرأ (البيان) و(التذكرة) و(البحر)، وكان صالحاً براً تقياً وزمانهما واحد، إلا أنه تأخر موت علي بن هادي السفري، وتولى شيئاً من الأعمال لمولانا(3) المتوكل على الله حماه الله (تعالى)(4).
__________
(1) زيادة في (ب): تعالى.
(2) في (ب): بسرعة.
(3) في (ب): لإمامنا.
(4) سقط من (ب).
علي بن يحيى بن القاسم
السيد النبراس الهمام الخطير جمال الإسلام علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف الداعي الأكبر - عليهم السلام - كان من أمراء (الجبجب) المشهورين، وكان عالماً فاضلاً وهزبراً باسلاً، وكان في جماعة أخواله الهدويين في زمن فترة عظيمة بعد الحسين بن القاسم عيله السلام، (واستطرت)(1) الفترة إلى زمن قيام علي بن زيد (بن المليح)(2) الشهيد شظب(3) وعلي بن يحيى هو والد الحجاج.
علي بن يحيى بن علي
السيد الأكرم علي بن يحيى بن علي بن إبراهيم بن جحاف - رحمه الله - كان من فضلاء السادة وأهل السلوك والصلاح الكامل، تولى القضاء بمدينة (سلفه) قرية حبور وإمامة الجامع والخطبة إلى سنة سبع وستين وألف، ونقله الله إلى جواره ودار كرامته، وله شعر ليس بالكثير.
علي بن يحيى الفضلي
العلامة الفاضل الخطيب المصقع علي بن يحيى الفضلي، من العلماء الكبار، وكان على كبر سنه ملازماً للجهاد مع الإمام أحمد بن الحسين - عليهم السلام - وكان خطيباً وهو والد الحسن المشهور، وهذا الفقيه هو الذي دار بينه وبين العلامة عبد الله بن زيد الكلام في المنزلة /189/ بين المنزلتين وصنف القاضي(4) كتاباً في نفيها وجاوبه الحفيد بجواب سماه (مناهج الإنصاف العاصمة عن شب نار(5) الخلاف) أطال فيه وجعل له مقدمة مفيدة سماها مقدمة المناهج وللفضلي شعر حسن منه (……) (6).
__________
(1) في (ب): واستطالت.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): بشظب.
(4) زيادة في (ب): عبدالله.
(5) فراغ في (ب).
(6) فراغ في النسختين.
علي بن الحسين النويري
الشيخ العالم الفاضل الأجل علي(1) بن الحسين النويري - رحمه الله تعالى - من علماء الزيدية وأعيانهم حضر مجلس الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة وزاحم أولئك القروم ولما أنشدت القصيدة الغراء التي قالها المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - بمحفل محفود ومشهد مشهود وهي التي أولها معار بعيد المرام بعيد، وكان في الحضرة العلامة المذكور فانتشا وأنشأ مرتجلاً:
مقال أنت قائله فريد ... وعصر أنت أوحده(2) حميد
فلا وأبيك لو يدري لبيد ... بهذا الشعر لم يشعر لبيد
ومن شعره قدس الله سره:
ليس الحسام بقاض للعلا أرباً ... إلا إذا كان مسلولاً ومختضبا
هو النذير بأيدي الضاربين به ... يتلو على الهام في يوم الوغاء خطباً
والجزم والعزم مقرونان في قرن ... هذا لهذا أخ في الناس إن نسبا
ولن ينال المعالي المرء معتقداً ... عجزاً ومبدأ(3) في الحرب إن حرباً
ما العز إلا (بشق)(4) النفس تدركه ... فتى إذا أمكنته فرصة وثبا
ولا تقضى له في بلده أرباً ... إلا تجدد في أخرى له أربا
__________
(1) زيادة في (ب): بن يحيى.
(2) في (أ): أوجده.
(3) في (ب): ومبتدأ.
(4) في (ب): بشر.
علي بن يحيى بن الحسين
الفقيه المذاكر أوجد المذاكرين وناظورة المتأخرين علي بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن محمد الوشلي بن عبد الله بن مريد بن عثمان بن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - هو الحجة في المذهب والمحجة في كل مطلب (نقح من الفروع دقيقها والجليل وبين التأويل)(1) والتعليل، وأتى في الفرق والجمع بين المسائل بما لم يأت غيره له (الزهرة على اللمع)، ويقال: له تعليق اسمه (اللمعة)، وقد قيل أن احدهما تسمى الزهرة الكبرى والأخرى (الزهرة الصغرى)(2) قال (فراغ) لم يضع الفقيه علي بن يحيى الوشلي(3) في كتبه إلا ما كان مذهباً للهادي - عليه السلام - توفي قدس الله روحه ليلة الاثنين خامس عشر من شوال سنة سبع وسبعين (فراغ) وقبره بصعده قبليها على طريق النافذ إلى ماجل المداهبي ثم (الصعيد) و(العشة).
علي بن يحيى بن محمد الصباحي
/190/ الفقيه العلامة الجليل العارف بأسرار التنزيل علي بن يحيى بن محمد (الصباحي)(4) - رحمه الله تعالى - علامة شهير له ترجمة (5)ومناظرات ومبرز في علوم(6) العربية، وكان في زمن الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، وكان كالمنحرف عنه ولا يزنه في ميزانه روي أنه أورد على الإمام محمد بن المطهر سؤالاً عن معنى (بسم الله الرحمن الرحيم) على طريق التهكم بمعرفة الإمام - عليه السلام - فشرع الإمام يبين له ذلك حتى عرف مقصده فترك.
قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله: كان هذا الفقيه مجتهداً كاملاً يسلك مسلك المجتهدين في العمل برأيه.
__________
(1) في (ب): نقح الفروع وجلا وبين التأويل.
(2) في (أ): تسمى الزهرة الصغرى.
(3) زيادة في (ب): شيئاً.
(4) في (ب): بن البنا.
(5) في (ب): وله مناظرات.
(6) في (ب): علم.
قلت: وله كتاب (المنهج في التفسير) كتاب مفيد قد يشير فيه إلى قواعد فقهية وفرائد مما نقلته عنه عند تكلمه في الرباء ما لفظه تحصيلها أنها على خمسة أقسام، وهي أن المبيعين إما أن يتفقا على علتي الرباء ولا يكون فيهما شيء من علتي الرباء أو يتفقا في الكيل أو في الوزن ويختلفا في الجنس، أو يتفقا في الجنس ويكون أحدهما مكيلاً والثاني موزوناً أو يتفقا في الجنس ولا يكون واحد منهما مكيلاً ولا موزوناً.
والقسم الأول وهو ان يتفقا في علتي الرباء فإنه لا يجوز البيع فيه إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ولا يجوز نسا كبيع الذهب بالذهب والبر بالبر.
وأما القسم الثاني، وهو أن لا يكون فيهما شيء من علتي الرباء فإنه يجوز فيه البيع يداً بيد متفاضلان(1) ونسا كرمانة بسفرجلتين.
وأما القسم الثالث، وهو إذا اتفقا في الكيل والوزن واختلفا في الجنس فإنه يجوز البيع يداً بيد متفاضلاً، ولا يجوز نسا كالبر بالشعير والتمر بالزبيب.
وأما القسم الرابع: وهو أن يتفقا في الجنس ويكون أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً فإنه يجوز البيع يداً بيد متفاضلاً ولا يجوز نسا كبيع خبز البر بالبر.
وأما القسم الخامس، وهو: أن يتفقا في الجنس ولا يكون أحدهما مكيلاً ولا موزوناً فيجوز فيه البيع يداً بيد متفاضلاً ولا يجوز نسا كبيع رمانة برمانتين فيحرم النسأ في هذا القسم لحصول الجنس، انتهى.
توفي - رحمه الله - في (فراغ).
علي بن يحيى النعمان الضمدي
الفقيه العلامة الأصولي اللسان البليغ علي بن يحيى النعمان الضمدي، ذكره السيد صارم الدين وانشد له في مدح (المنتهى) في كتاب /191/ الأصول:
لا يلهينك عن كتاب المنتهى ... من رامه فبناه عجز ما انتهى
غص للجواهر من غوامض(2) بحره ... أكرم بتلك فضيلة أن نلتها
فإذا سئمت وخلت نفسك أعرضت ... عن صفحتيه ملالة أكرهتها
وإذا عصاك قياده متأبيا ... فاصبر فبالمكروه حف المنتهى
__________
(1) في (أ): متفاضلاً.
(2) في (ب): غطامط.
أكرم به سفراً فكم من حكمة ... يوتيكها أن غيره لم يؤتها
بهر العقول فكل مسألة به ... في النفع أكبر(1) موقعاً من أختها
علي بن يحيى بن إبراهيم الهذكي
الفقيه العلامة المحقق إمام العلوم بأسرها والملتقط لفرائدها من بحرها جمال الإسلام علي بن يحيى بن إبراهيم الهذلي الضمدي - رحمه الله تعالى - أحد عيون الزيدية الناظرة وأحد الداخلين في سفينتهم الماخرة، كان عالماً في العلوم سيما في النحو، قرأ على الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى وقرأ على الشريفة العالمة دهما بنت يحيى، وله فيها مدائح ومقاطيع مراسلة، غاب عني ما ينبغي رقمه ولم يبق في ذهني إلا ما أملاه الأخ الصالح العارف الحسين بن محمد بن يحيى الضمدي - رحمه الله تعالى - قال: كان علي بن يحيى الهذلي منقطعاً إلى الشريفة دهما، وكانت تجري نفقته من دارها فاتفق أن نائب البيت أنفذ إلى علي بن يحيى قوته من خمير الشعير فكتب إليها كلاماً من جملته:
يا بنت من حن إليه البعير ... عشاي بالأمس خمير الشعير
وأقام في الجبال مدة وتخرج فيها وحاضر الأئمة وجالس الأكابر وتعمر إلى زمان الإمام عز الدين بن الحسن، وكان من عيون (أصحابه)(2) ومما كتبه إلى الإمام قبل الدعوة أبيتاً(3) منها:
وإنا لنرجو عاجلاً أن يقيمه ... إله به قامت سماواته السبع
يعيد نصاب الملك في مستقره ... ويخلع عنه من يحق له الخلع
__________
(1) في (ب): أكثر.
(2) فراغ في (ب).
(3) أبياتاً.
ومن مقاماته في العلم المشهورة ما اخبرني به الأخ الصالح الحسين بن محمد - رضي الله عنه - وقد فاتني جمهور ما حكاه إلا أني أكتب الباقي لئلا يلحق بالماضي، فآفة العلم النسيان. قال: قدم إلى أبي عريش رجل واسع العلم في النحو خصوصاً من(1) البصرة فطلب علماء المخلاف السليماني لامتحانهم في هذا العلم، فوصل إليه المشار إليهم بها، فما قام في وجهه أحد منهم إلا وظهر عليه (القصور)(2) وانكسر /192/ علماء المخلاف وتنحح الأفاقي المذكور، ثم قال: الآن لم يبق في الجهة أحد، قال قائل: بل بقي الفقيه علي بن يحيى الهذلي في ضمد، فقال أرسلوا إليه، فأرسلوا إليه فوصل وهو رث الثياب كما قال العلامة في صفة أمثاله:
رث الثياب جديد القلب مستتر ... في الأرض مشتهر فوق السما شيمه
__________
(1) في (ب): في البصرة.
(2) سقط من (ب).
فدخل إلى حضرة الرجل فوقف في طرف المحل حيث انتهى به المجلس، وكان البصري على سريره، فقال له: من أنت، فتعرف له حتى قال: لعلك الفقيه الذي نعت لنا بأنه يعرف النحو، قال: نعم، قال: فيم قرأت؟ قال: في الحاجبية، قال: كتاب وضع لتأديب الأطفال ثُمَّ قال في أي شيء؟ قال في شرحه الموشح، قال: ارتفعت عن هذا الحضيض بقليل، ثم ما زال يذكر الكتب مترقياً في ذكرها حتى قال: ثم فيم؟ قال في التسهيل. فقال البصري: الله أكبر، كفؤ كريم، ووثب من ظهر السرير ثم أورد كل واحد وأصدر الفقيه بجلي عبارة(1) المشكلات الأكدر، ويضرب للبصري الأمثال، ومن جملة ما قاله في مسألة أعوزت إلى الحذف والتقدير ما لفظه لولى الحذف والتقدير لفهمته الحمير، وما زال العجاج يثور وبضاعة البصري تبور، فأنجزل البصري عن النصال وعرف أن أمام الرجال رجال غير أن المجرى(2) في الخلا يسر وإنما يعرف الذهب بالمحك ويختبر، فافترقا وأصبح(3) البصري خاوياً ومنزله عنه خالياً قد ركب من خوف العار عيرانه، وعرفه الفقيه علي - رحمه الله - ميدانه، وكان الفقيه - رحمه الله - مجاب الدعوة لما اتفق له من الشريف الأمير دعيس (فراغ) القطبي ما اتفق من الأذية، وقل ناصره فقال قصيدة وهي:
إذا لم أنتصف ممن تجنا ... علي فإن لي في الله ظنا
إذا استشعرت منه شعار خوف ... رجوت الله يبدل منه أمنا
سأطلب ذا المعارج كل يوم ... وأجأر بالدعاء إليه وهنا
فما خسر امرء في الله والى ... ولاذ بعزه في كل معنى
أفاطرهن سبعاً بعد سبع ... ومبتدي الورى إنساً وجناً
/193/ويا مفني القرون ومن تعاطى ... سياسة ملكها قرناً فقرناً
علمت ضرورتي ففرجت همي ... علي وكنت لي سنداً وركناً
وعاجلت المريد لنا بسوء ... يدوس قواه (فراغ) طحنا( (4) )
نوازل منك يا جبار تعمى ... نواظره بها وتصم أذناً
__________
(1) في (ب): غبار.
(2) في (ب): المجلي في الجلاء.
(3) زيادة في (ب): ربع.
(4) كذا.
ولا يبقى له يا رب داراً ... ولا بيتاً بوجه الأرض يبنا
فأنت الله أكبر كل شيء ... طوالعك القديمة فيَّ حسناً
لجأت إليك رب فلا تكلني ... إلى من كان أطعمني ومنا
ومن ضرب الوعود لنا فلما ... طلبنا الصدق شح به وظنا
فحسبي أنت لا زيد وعمرو ... رفضت بني الدنا لفظاً ومعنا
وقمت ببابكم لم أخش رداً ... وسمتك مهجتي لم أخش غبناً
إلهي يا جميل الستر ستراً ... علي ويا عظيم المن مناً
أجرني من عذابك واكتنفني ... إلهي وارزق الرزق المهنا
وبلغني الأماني في عدوي ... ولا تبلغ عدوي ما تمنا
بأرباب( (1) ) المآثر والمثاني( (2) ) ... بمن فرض( (3) ) الفروض لنا وسناً
بآل المصطفى والصحب طرا ... وبالحسن المثلث والمثنّا( (4) )
وأنشدها بباب المسجد بضمد فانهد بيت الشريف في الحال واحترق غاب عني وهو - رحمه الله تعالى - صاحب القصيدة الشهيرة السائرة الطائرة في مدح سيد البشر صلوات الله (عليه) ( (5) ) وآله وسلم( (6) )، وهي:
يا أيها الراكب (الغاديّ والساري)( (7) ) ... عرج قليلاً لأقضي بعض أوطاري
واحمل سلامي إلى أرض كلفت بها ... حيناً وطال بها شوقي وتذكاري
وانزل( (8) ) من الروضة الغناء بمسجدها ... تنزل هناك بجنات وأنهار
وعفر الوجه من قبر ابن آمنة ... تظفر بأمنك في العقبى من النار
محمد المصطفى المختار من مضر ... لله من مصطفى صاف ومختار
خير البريئة أعلاها وأعظمها ... من المهيمن في حظ ومقدار /194/
زكى طباعاً فلم يعكف على وثن ... كغيره وهو ناش بين كفار
حتى إذا ما أراد الله بعثته ... إلى الأنام بإعذار وإنذار
__________
(1) في (ب): بآيات.
(2) في (ب): وبالمثاني.
(3) في (أ): فروض، ولعل الصحيح ما أثبتناه.
(4) جاء في هامش (ب) بخط السيد العلامة مجد الدين المؤيدي (حفظه الله): وأنا أقول:
بآل المصطفى وخيار صحب وبالحسنين والحسن المثنا
(5) سقط من (أ).
(6) في (ب): وعلى آله.
(7) في (ب): والغادي أو الساري.
(8) في (ب): فانزل.
وجاءه الروح جبريل الأمين بما ... جلا العمى من كلام الخالق الباري
أحيى به الله من أحيا وأيده ... بكل أبلج نفاع وضرار
وبين الصدق منه كل معجزة ... كأنها علم باد لنظار( (1) )
برء الضرير إلى شكوى البعير إلى ... تكليم عضو إلى تسليم أشجار
فالجذع حن له والبدر شق له ... والماء ظل له من كفه جاري( (2) )
يا سيد الرسل إن أوجزت مختصراً ... فيك المديح ولم أجنح لإكثار
فإن صمتي ونطقي واكتتاب يدي ... فيكم ثناء وإعلاني وإسراري
فقد لجوت إليكم يا ابن آمنة ... جاراً فقل رب إني مانع جاري
فانهض وشمر لكشف الضر عن جسدي ... ومن عناني وكل بعده طارى
ومنها:
بأحمد وعلي والبتول معا ... بسيد في جنان الخلد طيار
بحمزة الليث بالعباس في نفر ... قرابة لرسول الله أخيار
وبالعتيق أبي بكر وصحبته ... مرافق المصطفى ثانيه في الغار
بالصفوة القدوة الفاروق خير فتاً ... وبالإمام قتيل البغي في الدار
بمن سواهم من الأصحاب قاطبة ... بكل أغلب في الهيجاء كرار
بشبر وشبير بالأولى قتلوا ... بالطف من أنجم زهر وأقمار
بالسيد البر زين العابدين معاً ... بزيد المنتقى العاري من العار
إمامنا البائع الرحمن مهجته ... لله من بائع من ربه شاري
بباقر العلم من جلت مفاخره ... وصار كعبة وفاد وزوار
بجعفر الصادق المصدوق من صغر ... من خص في العلم اكراماً بأسرار
بالكاظم الكاظم السجاد في سحر ... تبتلاً وبآصال وأبكار/195/
وبالرضى سبطه لله من قمر ... زاه وفي فلك العلياء سيار
نور الهدى( (3) ) من قضت آي الكتاب له ... على العداء بتفسيق وإكفار
__________
(1) في (ب): ونظار.
(2) في نسخة (ب) أدرج الناسخ قوله: عبارة لا يحسن مخاطبة الجليل لها، فلو قال له: (كن لي حافظ الجاري) متوهماً أنه شعر، وقد نبه أحدهم في الهامش على ذلك قائلاً: توهم الكاتب أنه شعر وليس بشعر إنما هو نثر..... الخ
(3) في (ب): برب الهدى.
لولا سناه ولولا أن يزار لما ... شدت مطي إلى طوس وأكوار( (1) )
بالشبل يحيى بن زيد من أحاط به ... في عسكر لجب نصر بن سيار
فرده وحمى منه حقيقته ... بكل أسمر خطي وبتار
ثم انثنى مرة أخرى فطاف به ... في عسكر كسواد الليل جرار
فاستشهدوه حميداً لم يحن فرقاً ... في شيعة كالنجوم الزهر أطهار
بكامل الفخر وابنيه الذين هم ... حاطوا بغاة وردوا كيد فجار
محمد المجتبى المهدي من دمه ... أمسى بيثرب يمشي فوق أحجار
وصنوه الصدر إبراهيم من عظمت ... فيه الرزية من بدو وحضار
بالمبتلى مبتلى هارون صنوهما ... في فتية من مواليه وأنصار( (2) )
ذوي المناقب من طارت مفاخرهم ... في الخافقين بأنجاد وأغوار
بالسادة القادة الأسرى بلا سبب ... إلى العراق كأن ليسوا بأحرار
فأوردوا المطبق الساجي بظلمته ... برأي شر إمام بين أشرار
بالزاهد الشبه بالديباج بضعته ... من آثر الزهد حقاً أي إيثار
وبالإمام الرضى وهو الرضى فلكم( (3) ) ... بانٍ على جرفٍ في دينه هار
مولى الفضائل مولى كل مكرمة ... مولى المناقب عن تصحيح أخبار
وبالإمام بن إبراهيم خير فتى ... محمد الناقم الطلاب بالثار
بالزاخر القاسم الرسي عمدتنا ... لله من زاخر في العلم تيار
وبالإمام الذي أحيى قرى يمن ... وأظهر الحق فيها أي إظهار
يحيى التقي النقي بن الحسين فقل ... في سيد ملؤ( (4) ) أسماع وأبصار
بالسيد الناصر الأطروش خير فتىً ... في الله ركاب أهوال وأخطار
لن يبلغ الناس من عجم ولا عرب ... من فضله وهداه عشر معشار
وبالإمامين حقاً من نما بهما ... بين الورى حسن إيراد وإصدار
195/محمد المرتضى والليث أحمد من ... صفّى بيوم يعاش كل أكدار
بالراغبين بمستهد بهديهما ... بالثائرين بثارات وأوتار
بالقاسم بن علي من له شرف ... على المنار وزند في العلى واري
__________
(1) في (ب): بأكوار.
(2) في (ب): وأنفار.
(3) في (ب): (وبالإمام الرضى فهو الرضى ولكم).
(4) زيادة في (ب): كل.
بالسيدين الإمامين الذين معاً ... طابا فخصا من الباري بأنوار
أعني المؤيد من أضحت مآثره ... في العلم ملأ سواد ملأ أبصار
وصنوه منشيء التحرير مرتدفاً ... من الشروح التي يشفي بأسفار
بأحمد بن سليمان وعترته ... بالديلمي الإمام الكوكب الساري
بالعالم العلم المنصور من ملأت ... بعدله كل آفاق وأقطار
من لم يزل من ذوي الإلحاد منتقماً ... في فتيه من بني الزهراء أبرار
وشيعة كليوث الغاب كان لهم ... حصل السباق معاً في كل مضمار
حتى أقر بحبل الله معترفاً ... من لم يكن ثاوياً منهم لإقرار
وبالشهيد الولي بن الحسين ومن ... له الفضيلة من خبر وإخبار
الأخضر السوح من لم يشك جارية ... من جيش عاد ولا من مس أقدار
وبالإمام بن تاج الدين من شهدت ... بالفضل عنه العدا من غير إنكار
وبالمطهر والمهدي إنهما ... بحرا ندا حال إعسار وإيسار
وبالمؤيد مولانا بن حمزة من ... له مكارم من عون وإبكار
وبالإمام علي وابنه فلقد ... سقوا كؤوس المنايا كل جبار
بابن المؤيد بالسادات عن طرف ... من كل منتجع للكوم مختار
بصاحب البحر والأزهار إن له ... فضل بما قال في بحر وأزهار( (1) )
يا مالك الملك بالسادات عن كمل ... بمن سمى بسهول أو بأوعار
بمن ذكرت ومن لم يجر ذكرهم ... فيما نظمت بعباد وأخيار
نَفِّس عَلَي وأنجح ما طلبت معاً ... في الحال من غير تأجيل وإنظار
يا أهل بيت رسول الله غارتكم ... فما استغرت لعمري غير مغوار
أنتم عتادي وحزبي في الأمور معاً ... ولي بكم علقة كل بها داري
/197/ أنا النزيل بكم من كل نائبة ... في النفس والمال والأهلين والجار
فاحموا حماي وقولوا أنت في حرم ... من خوف أقضية أو خوف( (2) ) أقدار
فلن يضام لكم جار ولا حشم ... ولا يهم بهم دهر بإضمار
__________
(1) زيادة في هامش (ب):
بقائم العصر مولانا وحجتنا أعني المطهر هادي كل محتار
فهو التقي النقي العرض من دنسٍ أكرم به من نقي العرض منحاري
(2) في (ب): أو خيف.
لا يخدع الناس عنكم ما ألم بكم ... من كل أحمق غدار ومكار
فإنما هي إحدى الحسنيين لكم ... وللطغاة خلود بعد في النار
ما نالكم غير ما نال الكرام وهل ... بالقتل في الله يا للناس من عار
لم تبعثوا الحرب لا بغياً ولا طلباً ... لنيل ملك ولا تحصيل دينار
ولا غضبتم لغير الله آونة ... ولا طربتم إلى دف ومزمار
بلى نصحتم بني الأيام فاتهموا ... كفعلهم بأبي ذر وعمار
وغرت القوم دنياهم وما علموا ... بأنها ذات إقبال وإدبار
فإن تكن زهرة الدنيا وبهجتها ... جنابكم منهما يا سادتي عار
لقد وعدتم بعقبى الدار وهي لكم ... بصبركم وهي عقبى( (1) ) كل صبار
اخترتم الصوم عن دار الغرور فهل ... ترضون إلا على العقبى بإفطار
دراسة الوحي في الأسحار دأبكم ... والغير يشدو بألحان وأوتار
وأنتم الناس ليس الناس غيركم ... ما كل ما شمت من مزن بمطار
وأنتم السادة الشم الذين بهم ... يوم القيامة أرجو حط أوزاري
وقد ركنت إليكم واعتصمت بكم ... طراً وأقرضتكم مدحي وأشعاري
فاحنوا علي وحوطوا أنكم ملأ ... لا تنسبون إلى عجز وإقصار
وسامحوا وأجيزوا خير جائزة ... فلستم عن جميل أهل أعذار
صلى الإله عليكم بعد جدكم ... ما استغفر الله أواه بأسحار
وبعد صحب رسول الله إن لهم ... فضيلة السبق هذا ما قضى الباري
ولعل وفاته - رحمه الله تعالى - بضمد ولم أتحقق ذلك، وفي ضمد علماء أكابر، فاتني ذكرهم وخبرهم الطيب الزاكي من حافظة الأخ الحسين بن محمد قدس الله سره وطال ما تطلبت ترجمة العلامة بن قنبر - رحمه الله - فلم أجدها والله سييسر ذلك.
__________
(1) في (ب): تجزي.
علي بن يحيى الخيواني
/198/ الفقيه الفاضل الشيعي المخلص الولاء لآل محمد علي بن يحيى الخيواني - رحمه الله - هو من فقهاء الزمان وأعيان الأوان من بيت رئاسة من (خيوان)، لهم منصب هنالك، فهو من ابناء الوجوه المقدمين في القبائل، ولكنه منح الحكمة وطلب العلم، وكان أيام مولانا العلامة الحسن بن القاسم المنصور بالله - عليهم السلام - في القصر بصنعاء هنالك فقرأ وعرف فضائل العلم وأهل العلم، وكان هماماً زكياً حفظه لا يشق له غبار ونور قلبه بأنوار المحبة لآل محمد، فما عكف على غير علومهم، ثم دخل صعده واستقر بها مدة ودرس، وكان في الفروع مثيلاً مفيداً، وله حاشية على الأزهار، ولما فتحت صنعاء أيام الإمام المؤيد بالله خرج إليها وقرا وحقق وأعاد شيئاً من المسموعات على السيد العلامة المحقق محمد بن عز الدين، وكان أحد عيون حضرة السيد فاستفاد وزاد علمه، مع أنه كان أيام إقامته بصعده من أعيانها، وكان القاضي العلامة أحمد بن يحيى بن حابس يخطره ويخطر سيدنا العلامة علي بن هادي القصار الماضي ذكره عند جمعه (للتكميل) ويسائلهم، فهو نتيجة فكرة هؤلاء، ولهم ثالث، كان القاضي يستدنيه ويسأله فات عني، وكان الفقيه علي بن يحيى مكفوف البصر ولم يزل موفور النعمة صالح الحال مقبلاً على العلم والأدب، فإنه كان يحن إلى الأدب ويشتاق إليه، ولقد كان من أهله - رحمه الله - حتى اختار الله له جواره بصنعاء المحمية في افراد ستين وألف فيما أحسب - رحمه الله تعالى -.
علي الشعاب
السيد الكبير الشهير علي المعروف بالشعاب من أهل المخلاف السليماني من صلهبة فاضل جليل، ومن الأجلاء ابن أخيه الشريف أحمد بن محمد، وفي كونه على مذهب أهله تردد.
علي الضبي
العلامة علي الضبي الطائي الأصغر، من ولد الطائي الأكبر صاحب الهادي - عليه السلام -.
(قلت)( (1) ): ذكر ذلك بعض المؤرخين وقال: إنه من ولد الطائي صاحب الهادي - عليه السلام -.
__________
(1) سقط من (ب).
قلت: وقد ذكرنا عند ترجمة جده جعفر أن نسبهم في بني ضبة وإنما نسبوا إلى طي لحلولهم في جبل طي، وهم جماعة، منهم أبو الغيث، ومحمد بن الوقار وغيرهم، ولم أظفر باسم أبيه، وكان كما وصف من ترجم له ذا عبادة وإحسان إلى /199/ المسلمين وأهل الدين ومعونة لهم في الله، وكان ذا (تجارة وغنى واسع)( (1) )، وأهل هذا البيت يتعلقون بالتجارة وقد مر ما سلمه بعضهم للإمام علي بن محمد في ترجمة علي بن محمد الدواري - رحمه الله - وكان المطرفية لا ينفرون إلا على الطائي لأنه( (2) ) لا يخوض مع الطائفتين( (3) )، ورحل إلى العراق وحكا عن نفسه، قال: كنت بالعراق فتذاكرنا الاستقاء بمشاعل الطهور التي توضع في المتوضيات التي تماط فيها النجاسات فقالوا لي ينجس به موضعه ثم يغترف من محل التنجيس الذي نجسه المشعل، فقلت: وهل يكون ذلك وأنا أحرك به الماء فيطلع الطاهر في كلام نحو هذا قال: وكانت معهم مشاعل طاهرة يستقون بها من البيار فأخذوا أحدها فجعلوه( (4) ) على قفاه من أسفله تيناً، ثم أدلوه في البئر وحركوه في الماء تحريكاً كثيراً، فما خرج بماء إلا وعليه شيء من ذلك التين، وقالوا هذا قياس ذلك لا بد أن يحمل (به)( (5) ) من النجس شيئاً كما حملت التين بهذا، انتهى.
عمرو بن أبي مر النخعي( (6) )
عمرو بن أبي مر النخعي، من تلامذة الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): ذا غنى وتجارة واسعة.
(2) زيادة في (ب): كان.
(3) في (ب): مع الطائفتين جميعاً.
(4) في (ب): فجعلوا.
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ب): هذه الترجمة.
عمرو بن جميل بن ناصر النهدي
العلامة العالم الرحال المسند عمرو بن جميل بن ناصر النهدي( (1) ) - رحمه الله تعالى - هو( (2) ) أحد( (3) ) مناقب الزيدية وواحد علمائهم، رحل إلى العراق ولقي الشيوخ وتلفق( (4) ) الإسناد وتتلمذ له الأئمة، وكان نبيهاً فاضلاً، ولقي بالعراق قمر هالة الزيدية وسيدهم وسندهم السيد العلامة الكبير يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن الأفطس بن علي بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - (جميعاً) ( (5) )،و يحيى بن إسماعيل هو الذي بلغ دعوة الإمام المنصور بالله - عليه السلام - إلى ملك خوارزم علاء الدين وأجازه علاء الدين جائزة سنية عظيمة القدر، وأجل رتبته لرفعته في نفسه، فإنَّه من أعيان آل محمد وكبراء العلماء ولجلالة مرسلة، وكان الملك علاء الدين - رحمه الله تعالى - وأهل بلده من المحققين للعدل والتوحيد وحق أهل البيت ولهم استقامة عجيبة، وهم أعداء المجبرة والمشبهة الحشوية، ذكر هذا في الحدائق في صفة علاء الدين، قال عمرو بن جميل كتاب (جلاء الأبصار في تأويل الأخبار) قرأته بتمامه ببلدة (ساد باح نيسابور) على أستاذي وشيخي السيد الإمام مفخر الأنام /200/ الصدر الكبير العالم العامل مجد الملة والدين وافتخار طه ويسين ملك الطالبية شمس آل الرسول أستاذ جميع الطوائف الموافق منهم والمخالف قبلة الفرق تاج الشرف يحيى بن إسماعيل بن علي الحسيني برد الله مضجعه ونور مهجعه، والإمام السيد المذكور قرأ على عمه السيد الإمام الزاهد الحسن بن علي العلوي، قال عمرو بن جميل: وأمالي السيد الناطق بالحق على أستاذي يحيى بن إسماعيل بشاد باح بنيسابور غرة المحرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وهو يرويه عن عمه الزاهد الحسن بن علي
__________
(1) في (ب): الهدى.
(2) في (ب): هذا.
(3) في (ب): وأوحد.
(4) في (ب): تلقف.
(5) سقط من (ب).
الحسيني الجويني، قال عمرو: والصحيفة لزين العابدين، عن شيخي المذكور عن أبيه، قال: والصحيفة آل صوبة( (1) ) عن يحيى بن إسماعيل عن عمه الحسن بن علي عن الشيخ الإمام عمرو بن إسماعيل عن الشيخ الزاهد علي بن حسن( (2) ) الصيدلي - رحمهم الله تعالى - في تاريخ المحرم سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، قال: ونهج البلاغة بشاد باح نيسابور في مدرسة الصدر المقدم ذكره يعني يحيى بن إسماعيل في الصفة الشرقية شهر رمضان سنة ستمائة بقراءة الإمام الأجل الأعلم الأفضل معين الدين تاج الإسلام والمسلمين افتخار الأفاضل والأماثل في العالمين أحمد بن زيد بن علي الحاجي البيهقي بحضور الشيخ الإمام العالم العامل الفاضل البارع منتخب الدين تاج الإسلام والمسلمين سيد النحاة والقراء سالم البغدادي والشيخ الإمام العالم نجيب الدين جمال الإسلام افتخار البحار الحسين بن محمد الواسطي، قال عمرو: و(أمالي السمان) قرأته بتمامه على الإمام العالم الزاهد الورع التقي النقي شهاب الدين عماد الإسلام والمسلمين مفتي الشريعة مقتدى علماء الشيعة إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الحباني( (3) ) بقرية الحي من (رشاق) الري سنة خمس وتسعين وخمسمائة، قال عمرو بن جميل بعد كلام من نحو هذا: عذب من الزلال وهو السحر إلا أنه حلال يدعو لشيخه الصدر يحيى بن إسماعيل جزاه الله خيراً ما اعظم شأنه في العلم وفي أمر الدين، ولقد استفدنا منه أشياء أخر ما لم نستفده من غيره، فجزاه الله أحسن جزاء، وكان اتقان ما أثبته - رضي الله عنه وأرضاه - من كتبه لهذه الإجازة آخر يوم الاثنين لأواخر القعدة سنة ستمائة (بطاهر شاد باج بنيسابور) حرسها الله /202/ في خائفات القباب عمرها الله تعالى، وهذه الإجازة التي تلفظ بها ليس مقصورة على بعض دون بعض، بل هي لجميع من رغب فيها من المسلمين والأشراف، وصلى الله على خير مبعوث من آل عبد مناف، وهذه
__________
(1) كذا في (أ)
(2) في (ب): الحسن.
(3) لعلها الحياني.
زبدة من كلام عمرو - رحمه الله تعالى - ورجع اليمن فاجتمع بالإمام المنصور بالله وبمحمد بن أحمد بن الوليد وحرر لهم إجازة بهجرة قطابر ضحوة النهار يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الآخر من (سنة ستمائة)( (1) ) - رحمه الله تعالى - وله مقامات حسنة وتأويلات لبعض الأحاديث موافقة تدل على ثبات قلبه ورجاح لبه.
عمرو بن خالد الواسطي
أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي - رحمه الله تعالى - أحد علماء الحديث وحملته صاحب زيد بن علي - عليهم السلام - وسأله عن منطوقات ومفهومات واستأثر بكثير من الرواية لسلامته من سيوف أعداء الله، ولذلك كان ينفرد بالرواية عن زيد بن علي( (2) )، وقد ذكر ناس أن التفرد( (3) ) يقدح، وصرح الأكثر المحققون على أنه ليس بقادح على أنه ما تفرد بالمجموع بل رواه يحيى بن زيد - عليهما السلام - وأما ترك الإمام أحمد بن عيسى والقاسم ويحيى - عليهم السلام - لحديثه في بعض المسائل فليس بالقادح؛ لأن الأحاديث الصحيحة الظنية تتعارض وترجع إلى الترجيح من غير جزم بكذب الراوي والمحدثون يفضلون حديث البخاري على مسلم لو تعارضا، وما اتفقا فيه على ما اختلفا فيه وعندهم إنما فيهما جميعه رتبته الصحة وقد روى الهادي - عليه السلام - من طريقه بضعاً وعشرين حديثاً، وقد (كثر) ( (4) ) من الموالف والمخالف الخوض في شأن أبي خالد، فأما أهل البيت فلم يكن أحد منهم مصرحاً بقدح، ولهذا حكى عنهم الإجماع على تعديله، وقد تكلم السيد الصارم بكلام حسن، وأحسن منه ما كتبه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهما السلام - وقد أغنانا بنقله عن النقل من غيره، قال - عليه السلام -: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، اعلم وفقنا الله وإياك إلى ما يرضيه وعصمنا عن معاصيه أن أبا
__________
(1) في (ب): سنة ست وستمائة.
(2) زيادة في (ب): - عليهم السلام -.
(3) في حاشية (ب) زيادة: عند قوم (بالتظنين).
(4) في (ب): ذكر.
خالد عمرو بن خالد الواسطي مولى بني هاشم صاحب زيد بن علي - عليهما السلام -( (1) ) وثقه المؤيد بالله في شرح التجريد حيث قال: معناه أنه لا يروي إلا ثقة سمعه يحدث بالحديث، ثم عن ثقة يسمعه( (2) ) عن شيخه كذلك؛ حتى يتصل بالنبي /202/ - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يجيز الرواية بالقراءة على الشيخ، وكان ممن اتصل به سنده أبو (خالد عمرو بن خالد الواسطي)( (3) ) الراوي عن زيد بن علي عن آبائه عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذلك الأئمة الهادون من آل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أخذوا عنه ولا يترك أحد منهم من حديثه شيئاً إلا لوجه من الترجيح لا لأنه غير ثقة، وروى لأبي خالد من أهل السنن ابن ماجة القزويني، وسئل يحيى بن مساور عن أوثق من روى عن زيد بن علي - عليه السلام - فقال ابو خالد الواسطي: فقال السائل له: قد رايت من يطعن على أبي خالد، فقال: لا يطعن على ابي خالد إلا مناصب.
__________
(1) زيادة في (ب): الراوي عن زيد - عليه السلام -.
(2) في (ب): يسمع.
(3) في (ب): عمر بن خالد أبو خالد الواسطي.
قلت: والذي قدح عليه النواصب بأمور اطلعت (عليها)( (1) ) منها تفرده بالرواية عن زيد بن علي - عليه السلام - وليس ذلك بقادح؛ لأن أهل السنن والصحاح (قدحاً هذا تفردوا)( (2) ) بكثير عن مشائخهم وأخذوا على من تفرد بالرواية كذلك، ولم يروا ذلك قدحاً، هذا البخاري قد أخذ عن من تفرد بالرواية في صحيحه ولم يرو عنهم سوى واحد كمرداس الأسلمي تفرد عنه قيس بن (أبي) ( (3) ) حازم وحرب المخزومي تفرد عنه ابنه ابو سعيد السيد بن حرب، وزاهر بن الأسود تفرد عنه ابنه مجراه وعبد الله بن هشام بن زهرة القرشي تفرد عنه حفيده زهرة بن معبد وعمرو بن ثعلب تفرد عنه أبو جميلة تفرد( (4) ) عنه الزهري وأبو سعيد بن المعلا تفرد عنه حفص بن عاصم وسويد بن النعمان الأنصاري تفرد عنه شحرى تفرد (بالحديث) ( (5) ) بشير بن بشار وخوله( (6) ) بنت تامر تفرد عنها النعمان بن عباس، وكذلك غيره من أئمة الحديث الذين يعتمد عليهم في الحديث كما تفرد عبد الواحد بن أيمن عن أبيه جابر بن عبد الله يقول: كنا يوم الخندق( (7) ) الخبر بطوله، وكما تفرد أبو العباس السائب بن فروخ الشاعر عن أبي( (8) ) عمر قال: لما حصر( (9) ) النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أهل الطائف فلم ينل منهم شيئاً قال: إنا قافلون( (10) ) إن شاء الله، الخبر بطوله رواه مسلم في المسند الصحيح عن أبي بكر عن أبي شيبة وغيره، ومنها انهم نقموا عليه، أعني أبا خالد عمرو بن خالد روايته لفضائل أهل البيت - عليهم السلام - التي تخالف مذهبهم، وهذه عادتهم أنهم يقدحون بسبب المخالفة للمذهب ولو كان حقاً، ويعدلون من روى لهم أصول مذاهبهم ولو كان فاسقاً فعدوا سيد /203/
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): قد تفردوا.
(3) سقط من (أ).
(4) قال في (ب). هنا نقص فحقق.
(5) في (ب): بالحديث عنه.
(6) في (ب): ودولة.
(7) زيادة في (ب): نحو الخندق.
(8) في (ب): بن.
(9) في (ب): حاصر.
(10) في (ب): قائلون.
التابعين أويس القرني من الضعفاء، قال البخاري في إسناده نظر وعدلوا مروان بن الحكم ونظراءه، ومنها أنهم قالوا: إنه - أعني أبا خالد - وضاع يريدون لما خالف مذهبهم من فضائل آل محمد صلوات الله عليهم وسلامه، وقدحوا بذلك على جماعة من اهل الصدق منهم إسماعيل بن ابان وجرير بن عبد الحميد وخالد بن مجلد القطواني وسعيد بن عمرو بن اسوع وسعيد بن فيروز بن البحري وسعيد بن كبير بن عفير وعباد بن العوام وعباد بن يعقوب وعبد الله بن عيسىبن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبد الملك بن أعين، وعبد الله بن عيسى العنسي، وعدي بن ثابت الأنصاري، وعلي بن الجعد وأبو نعيم الفضل بن دكين، وقطر بن ابن خليفة الكوفي، ومحمد بن جحادة الكوفي، ومحمد بن فضل بن غزوان، ومحمد بن إسماعيل أبو غسان، كل هؤلاء خرجوا بالتشيع وروايتهم لفضائل آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذلك خرجوا عدة من أهل هذا الشأن (بما لا) ( (1) ) أحصي ولا يسعه المصدور، وخرجوا كثير من العلماء الأخيار، هؤلاء الفقهاء الأربعة أخذوا في أعراضهم وتوهين مذاهبهم وقالوا في أبي حنيفة أنه يروي عن الضعفاء والمجاهيل، وضعفه في نفسه النسائي وابن عدي وجماعة، وقال في كتاب عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا الحد في ذلك وقالوا: إن مالكاً الفقيه فقيه دار الهجرة يروي عن جماعة متكلم فيهم كعبد الكريم بن ابي المخارق، قال ابن عبد البركان( (2) ) مجمعاً على تخريجه، وأن إمام الفقهاء محمد بن إدريس الشافعي يروي عن من هو مقدوح فيه بزعمهم كشيخيه الذين أخذ عنهما، وهما إبراهيم بن أبي يحيى، قالوا: كذاب وضاع قدري، كل بلاء فيه، ومسلم بن خالد الترنجي، ضعفوه بالقدر (وأكثر مذهب حجج الشافعي)( (3) ) تدور على هذين الرجلين، قال الفقيه يحيى بن
__________
(1) في (ب): مما لا.
(2) في (أ): البركات.
(3) في (ب): وأكثر حجج مذهب الشافعي.
حميد المقرأي في كتاب (توضيح المسائل) روى الحموي الشافعي في تاريخه أن الشافعي أسر إلى الربيع أنه لا ينقل شهادة أربعة من الصحابة، معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد ، فلم يكن ذلك بقليل عند النواصب حتى ذكر في طبقات السبكي عن يحيى بن معين /204/ أن الشافعي ليس بثقة إلى أن قال: فإذا كان هذا في حق الشافعي وهو إمام الفضل والعلم وركن من الأركان حمل الخصوم النصب وحب معاويةوأشباهه (جرحه) ( (1) ) فكيف بما هدم نصبهم وكسير جبيرهم وقطع أرجاءهم قالوا: وإن إمام المحدثين أحمد بن حنبل روى عن جماعة كذلك كعامر بن عبد الله بن الزبير، قال بعضهم ما أعلم خلافاً في بطلان الاحتجاج به، قال ابن معين( (2) ): أحمد يروي عن عامر، وقال بعضهم: إن قول البخاري في صحيحه قال فلان، تدليس، وقال بعض المحدثين في الفقهاء جملة أنهم يحتجون بالأحاديث الصحيحه والضعيفة والمنكرة والواهية حتى لا يعرف لها أصل في الحديث، قالوا كما فعل الجويني في كتاب (النهاية) وتلميذه العراقي في (كتابه الوجيز) والرافعي في شرحه المسمى (بالفتح العزيز) وغيرهم من فقهاء المذاهب الذين لا عناية لهم في علم الحديث قالوا حتى هؤلاء الفقهاء يضيفون الحديث إلى الصحيح ويقولون متفق على صحته ولا يتطرق إليه التأويل، وينسبونه إلى البخاري ومسلم وليس فيهما، ويغيرون ألفاظه ويفسرونه بغير المراد، قال المحدثون وإنما أوقعهم في ذلك أطراح صناعة علم الحديث التي يفتقر إليها كل فقيه وقدح الفقهاء على المحدثين جملة فقالوا يروي الواحد منهم حديثاً ويروي نقيضه ويخلطون في العمل تخليطاً حتى أن بعضهم روى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا استجمرت فأوتر يعني خذ وتراً من الحجارة، فكان هذا المحدث متى استجمر صلى الوتر عملاً بما سبق إلى فهمه وبعضهم صحف
__________
(1) في (ب): على جرحه.
(2) في (ب): قال بن معين: ابن أحمد يروي عن عامر، وفي (أ): قال ابن معين: (فراغ) أحمد يوري عن عامر.
كما يروى عن عمر أنه توضى في جريضة أنيه - بالجيم - فحرفه بعض المحدثين (بالحاء المهملة)( (1) ) مكسورة وبتخفيف الراء، ومنها أنهم قالوا لم يعتمد على حديثه أعني أبا خالد - رحمه الله - أهل الصحاح في شيء، وهذا فاسد فإن ابن ماجة قد روى له ولأن كثيراً من الثقات العدول لم يرووا لهم فإن تاريخ البخاري يشتمل على نحو من أربعين ألفاً وزيادة من المحدثين وكتابه في الضعفاء دون السبع مائة ومن خرج لهم في صحيحه دون الألفين، وقد حكى عن البخاري أنه قال ما تركت من الصحيح أكثر مما ذكرت في كتابي وقد روي جماعة من الصحابة الحديث فلم يخرج لهم /205/ في الصحيحين كأبي عبيدة بن الجراح أحد العشرة وغيره ممن شهد بدراً، وكذلك لم يرو عن جماعة من التابعين كمحمد بن طلحة وهو عدل عندهم وغير متهم فما قدحوا به على صاحبنا فهو مشترك الإلزام وعلى الجملة أنه لم ينج من قدحهم وجرحهم إلا من أحبوا كمروان بن الحكم وعمر بن سعد( (2) ) أمير الجيش الذين قتلوا الحسين - عليه السلام - توفي أبو خالد في (فراغ).
عرمو بن الزبرقان
عمرو بن الزبرقان - رحمه الله تعالى - أحد أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام - وتلامذته، ذكره البغدادي الزيدي - رحمه الله - وذكر معه أخاه يحيى فقال عمرو ويحيى أبناء الزبرقان المالكيان من خيار الكوفيين.
عمر بن صالح الأشجعي
عمر بن صالح الأشجعي - رحمه الله تعالى - قال البغدادي - رحمه الله تعالى -: هو من مشاهير تلامذة الإمام الأعظم - عليهما السلام -.
قلت: هو من مشاهير الفضلاء - رحمه الله تعالى -.
عمرو بن قيس
عمرو بن قيس - رحمه الله - عده البغدادي في تلامذة الإمام الباقين بعده المطهرين( (3) ).
__________
(1) في (ب): فجعله بالحاء مهملة.
(2) في (أ): سعيد.
(3) في (ب): الطاهرين.
عمر بن علي بن أسعد
قاضي القضاة صدر العلماء والحكام بهجة المحافل وزينة الأماثل عمر بن علي بن اسعد العنسي - رحمه الله تعالى - هو القاضي المحقق ناظر العلم المبصر المحدق صدر المجالس وبها المدارس قاضي الحضرة المنصورية وصدر صدورها، وكان مرجوعاً إليه في الأحكام والآراء مقدماً في الفضائل مشار إليه في العلماء وهو أول من اشتهر من اهل بيته بالعلم، وكان الغالب عليهم التصدر لغيره وتسمى (من تسما منهم) ( (1) ) بالإمارة فاستقر فخرهم بهذا القاضي عادة بركته وهو منتجب له أولاد نجباء يقضي علوّ طبقتهم بذكر من عرفناه في بابه وبعد صحبت القاضي للإمام المنصور بالله لم يؤثر عنه المعاودة إلى بلاد عنس، وسكن (المنظر) واسغل( (2) ) أموالاً بالسرّ من بني معمر، وكان يقف في المدرسة المنصورية ويلازم الحضرة، قال أبو فراس ابن دعثم: لم يزل قاضي الإمام المنصور بالله، ولما نقل إلى جوار الله ولي القضاء ولده مسعود، وله شعر جيد يدل على مكان في الفضل، (وجد) ( (3) ) من شعره في الإمام - عليه السلام -:
قضيت بصادق عزمك الأوطار ... ونبت إليك وجوهها( (4) ) الأقطار/206/
وجلى ظلام الظلم صبح جبينك ... الميمون وانجابت (الأصار)
حسن الزمان وأشرقت أوقاته ... وجرت بما تختاره الأقدار
لك يا ابن حمزة دان كل ممنع ... وسمت بسعدك يعرب ونزار
قد كنت عن نظم القصائد صائماً ... فالآن حان وحلى( (5) ) لي الإفطار
ووجدت نظم الشعر فيك مساعداً ... لما توافق معصم وسوار
ومن طالع قصيدة له - رحمه الله تعالى -:
سلب المحب حبيبه طيف الكرا ... وسرى السلو خياله لما سرى
(أخال حمل زدتني) ( (6) ) شغفاً بها ... واطلب هماً (متتبعاً لا أقصرى)( (7) )
__________
(1) في (ب): منهم من تسما.
(2) في (ب): واستغل.
(3) في (ب) [لم أتمكن من قراءتها].
(4) في (ب): وجودها.
(5) في (ب): جاز وحل.
(6) في (ب): احتال حمل زادني.
(7) في (ب): متعباً ما أقصرى.
رعياً لأيام الشباب وحسنها ... أيام اهصر غصن لهوى مثمراً
ما العيش إلا بالشبيبة حسنه ... فإذا مضى زمن الشبيبة أدبرا
وكان القاضي - رحمه الله - بمكان من الحلم وهو ممن كثر على الإمام المنصور بالله في إكرام الأمير الكبير يحيى بن أمير المؤمنين أحمد بن سليمان وسعى سعياً حسناً، وقال في ذلك شعراً بليغاً، وحكى السيد العلامة الهادي بن إبراهيم قدس الله سره أنه لما أمر الإمام المنصور بالله - عليه السلام - بضرب الدينار والدرهم لم يتسارع الناس إلى المعاملة بهما فأمضى بهما( (1) ) بالعزم عليهم والشدة، فقال القاضي عمر بن علي العنسي شعراً طويلاً في هذا المعنى من جملته:
حفظت المكارم من كل شين ... وما زلت بالمال سمح اليدين
ففاضت أياديك في العالمين ... وأقررت كل جَنَانٍ وعين
( (2) ) تطول المنابر ما ذكرت ... وتعلى مفاخرك الخطبتين
( (3) )وتممت أمرك يا ابن النبي ... بأمرك للناس بالدرهمين
أمرت بضربهما المخلصين ... فجاء كمثلهم خالصين
ولاح اسمك المرتضى فيهما ... فعزا وطالاً على الفرقدين
فكانا كحلمك( (4) ) بين الورى ... بسيفك عندهما نافذين
باسم النبي وآل النبي ... صارا بهيين كالنيرين
/207/ وتوفي - رحمه الله - في (فراغ) ، ورثاه ولده ركن الدين مسعود بن عمرو - رحمه الله تعالى - بقصيدة فاخرة لم أجد صدرها، غير أن منها هذا:
وجرا على أثر الذين تحملوا ... أمر العواصف بكرة وأصيلاً
حكم أصاب الأنبياء وباد من ... فوق البسيطة منه جيلاً جيلاً
يا عمرو إن ذقت الحمام فإننا ... سفر وراك مزمعون( (5) ) رحيلاً
يا عمرو لو عاينت كم من زفرة ... ملأت جوانحنا وصبراً عيلا
يا عمرو ما حملن من شيم التقى ... أبداً قلت( (6) ) نعشك المحمولا
__________
(1) في (ب): فأمضاهما.
(2) في (ب): إلى أن قال.
(3) في (ب): إلى أن قال.
(4) هذا البيت في (ب): متقدم على الثلاثة الأبيات السابقة له.
(5) في (أ): مزنعون.
(6) كذا في (أ) و (ب).
يا عمرو ودعناك( (1) ) لا متبدلاً ... عن وصله بدلاً ولا مملولا( (2) )
حملن نحريراً وطود رجاحة ... وعلا يكلل بالعلا تكليلا
من لليتامى الشعث بعدك عندما ... تغبر آفاق السماء محولا
والمرملين إذا الرياح تناوحت ... والمرملات إذا فقدن بعولا
والمعضلات إذا المعاول لم يجد ... للرأي إلا معلماً مجهولا
حملت أعباء الرياسة فاغتدت ... شرفات مجدك تنطح الإكليلا
ورأى أمير المؤمنين بدسته ... بحميد رأيك غرة وحجولا
نعم الرئيس يحل أمراً مبرماً ... في مجمع ويبرم المحلولا
واصلت منه أجل من تحت السما ... شرفاً ومجداً باذخاً وقبيلاً
ملك إذا وصل امرأ وكفى به ... أمسى بعروة جده موصولاً
فمضيت محمود الأمانة مدركاً ... في الصالحات رجآك (و)( (3) ) المأمولا
مستبشراً للقاء ربك لابساً ... حلل الوفود مبجلاً تبجيلا
فلئن مضيت فإن خلفك عصبة ... شادوا المكارم فتية وكهولا
حمال ألوية جبال عظيمة( (4) ) ... وعن الفواحش يهجرون القيلا
وتضي منهم في المحاريب الدجا ... مثل الكواكب ركعاً ومثولا
أبناء أبي عمرو الذين بنو لهم ... فوق المجرة منزلاً محلولا
قل للأكارم حاتم ومحمد ... وعلي صبراً للزمان جميلاً/208/
واحثث إلى منصور عني سرداً ... تطوى إليه حزونه وسهولا
يهوين نحو فتىً يمثل لبه ... الأحداث قبل نزولها تمثيلا... ( (5) )
عمر بن منصور بن جبر العنسي( (6) )
__________
(1) في (ب): أودعناك.
(2) هذا البيت في (ب): متقدم على الذي قبله.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): عصيمة.
(5) زيادة في (ب): انتهى.
(6) هذه الترجمة في (ب): بعد ترجمة عمر بن صالح الأشجعي.
العلامة الشهير ركن الدين عمر( (1) ) بن منصور بن جبر العنسي - رحمه الله تعالى - من كبار الزيدية وخيارهم، ومن علمائهم المحلقين المحققين الملحقين لأكابرهم بأصاغرهم، قال السيد شمس الدين أحمد بن عبد الله أو ( (2) ) العلامة الهادي بن إبراهيم الصغير: كان عمرو أحد العلماء المشهورين واتفق له مع الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - في أيام التدريس أنه قال له يا مولانا إذا وليت الأمر بعدت عنا، فقال الإمام - عليه السلام -: لا تظن ذلك على طريق المزاح( (3) )، فقضى الله بتولية الأمر، فوقع لعمر( (4) ) ما كان ظنه في الإمام - عليه السلام - فاستأذن عليه فبعد عنه بعض البعدثم لما دخل عليه عاتبه في ذلك فاعتذر عنه بعدم المعرفة في ذلك الوقت، فقال مرتجلاً:
جهلت اسمي وأنت بي الخبير ... وهل يخفى لمكي ثبير
أنا عمرو بن منصور بن جبر ... قليل في الرجال لي النظير
__________
(1) في (ب): عمرو.
(2) في (ب): والعلامة.
(3) في (ب): المزح.
(4) في (ب): لعمرو.
ومما يحكى عن عمرو أنه حج فلما قدم حاج مصر خرج لينظر إليه، فلما رآه سأل عنه قاضي القضاة، فاشاروا إلى محفة عظيمة وحولها غلمان وخدم فقصدهم، فلما دنا من المحفة سلم وقال مسألة فنهروه، فأعاد ذلك حتى سمع القاضي وهو ينهر ويزجر، فلما سمع قال له: ألق، فألقى مسألة فأجابها، فعل ذلك مرات ففتح القاضي باب المحفة فقال: أنت عمرو بن منصور فقال أنا عمرو بن منصور، قال أجل ما يقدر على ذلك غيره، وفي الزيدية علماء كثير، ولكنهم يضيعون أنفسهم فالله المستعان، انتهى كلام السيد - رحمه الله -( (1) ). (قال مولانا السيد الحافظ المطلع المتضلع من العلوم عبد الله بن الحسين بن علي جحاف طول الله عمره ما لفظه: ورأيت نسخة المثل السائر لابن الأثير بخطه والمنتخب في اشعار العرب بخطه - أيضاً - وله خط حسن وعناية تامة يضبط اللفظ أعجاماً وحركة وسكوناً ولا يكاد يغفل حركة أعرابيةولا بيانية ولا ما هو من أبنية الكلمة والعجب من صبره مع سعة الكتاب على المحافظة على تلك الطريقة إلى نهاية الكتاب، وذكر أنه فرغ من رقم ذلك بصنعاء اليمن في سنة خمس وثمانين وستمائة ونسخها لنفسه - رحمه الله تعالى -)( (2) ).
__________
(1) زيادة في (ب): تعالى.
(2) ما بين القوسين سقط من (ب).
عمر بن إبراهيم بن محمد
العلامة الكبير /209/ الحجة الشهير السيد السند قدوة النحاة كعبة الطالبين بغية الطالبين عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو أبو البركات العالم النبراس محط رحال العلماء ومفخر الإسلام( (1) )، ترجم له الجلال الأسيوطي في البغية، قال ابن الأثير إنه الزيدي نسباً ومذهباً كوفي، روى عن الخطيب أبي بكر الحافظ وأبي الحسين بن النفور( (2) ) وغيرهما، وروى عنه أبو سعيد السمعاني وابوه أبو بكر السمعاني والخلق الكثير وعمِر، حتى روى عنه الآباء والأبناء.
قال الذهبي: السيد الإمام العلامة عمر بن إبراهيم بن حمزة العلوي الزيدي الكوفي الشيعي المعتزلي هكذا. وقال في الميزان، قال: توفي سنة تسع وثلاثين وخمس مائة، وذكر في نسبه مخالفة لما نقلناه عن ابن الأثير، ولعل في نسخة اللباب التي نقلت عنها غلط، قال الذهبي أجاز له محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي وسمع أبا القاسم بن المستور الجهني وأبو بكر الخطيب وجماعة من الشام في مدة، وبرع في العربية والفضائل، وكان مشاركاً في علوم وهو ثقة منصف خير (دين)( (3) ) وهو مفتي الكوفة، وكان يقول: افتى بمذهب أبي حنيفة ظاهر (أو مذهب)( (4) ) زيد تديناً، روى عنه السمعاني وابن عساكر وأبو موسى المدني.
قال السيد محمد بن إبراهيم في العواصم: وهؤلاء الذين رووا عنه حفاظ الإسلام في عصرهم. قال السيوطي: أحد أئمة النحو واللغة والفقه والحديث، وأخذ النحو عن زيد بن علي الفارسي، وعنه ابن الشجري.
__________
(1) زيادة في (ب): ترجم له الذهبي وترجم له ابن الأثير في كتاب (اللباب في تهذيب الأنساب).
(2) كذا في (ب).
(3) في (ب): و(فراغ).
(4) في (ب): وبمذهب.
قال السمعاني: وكان حسن العيش صابراً على الفقر، قانعاً باليسير زيدياً جارودي المذهب، سمع الخطيب البغدادي وابن النقوى، (ومنه)( (1) ) الحافظ ابن عساكر وغيره.
قال يوسف بن مقلة: قرات عليه جزءاً فمر بي ذكر عائشة فرضيت عنها، فقال أتدعو لعدوة عليّ، فقلت: حاشا وكلا ما كانت عدوته، وحج مع علي بن أبي طالب القرماش( (2) ) فصرح له بالقول بالقدر وخلق القرآن، فشق على علي بن أبي طالب وقال: إن الأئمة على غير ذلك، فقال له: إن أهل الحق يعرفون بالحق ولا يعرف الحق بأهله.
صنف شرح اللمع وغيره، ومات سنة تسع وثلاثين وخمسمائة كما قال غيره. قال الذهبي /210/ في الميزان: مولده سنة اثنين وأربعين وأربعمائة، وترجم لوالده في البغية، فقال إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي الهاشمي الحسيني الشريف أبو علي النحوي والد أبي البركات عمر النحوي الآتي قال: يا قوت له معرفة حسنة بالنحو( (3) ) وحظ من فرض الشعر جيد من مثله، سافر إلى الشام ومصر وأقام بها مدة، ثم رجع وطنه بالكوفة إلى أن مات في شوال سنة ست وستين وأربعمائة عن ست وستين سنة.
__________
(1) في (ب): وعن.
(2) في (ب): الهرماس.
(3) زيادة في (ب): واللغة والآداب.
عمران بن يعلى
الفقيه المتكلم عمران بن يعلى - رحمه الله تعالى - كان من علماء المائة السابعة كاملاً فاضلاً - رحمه الله تعالى - ذكره السيد العماد يحيى بن( (1) ) القاسم الحمزي - رحمه الله تعالى - شيخ شيوخ الزيدية حافظ الإسناد إمام المتكلمين شحاك الملحدين بهاء الدين عمران بن الحسن بن ناصر بن يعقوب (……)( (2) ) العذري الشتَوي (- رحمه الله -)( (3) )، رايته بخط يده بفتح التاء من (شتَوي)، والمشهور عند الناس إسكانها ولعل النسبة إلى بني شتا بطن من عذر والده الحسن، كان أحد الكتاب للإمام المنصور بالله، وقتل غيلة في (……)( (4) ) على باب صنعاء وصنوه أسعد كان من الكملة، وأما الفقيه عمران فهو من الكبار سمع بمكة برباط الزيدية وتلقف اسناداً كثيراً وأخذ عنه الإمام المنصور بالله، ومما حكى انه تكلم الإمام بكلام أو قضاء بحكم فاستنكره الفقيه فقال له الإمام - عليه السلام -: أنت رويت لي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كذا، وساق الحديث فاعتذر الفقيه، وقال: رُبّ حامل فقه إلى من هو افقه منه ودارت بينه وبين الإمام مراجعة لا يعرفها إلا المحقق المدقق في أصول الدين وأصول الفقه في الواجب المؤقت مبنياً( (5) ) على مسألة الألطاف والمصالح، فدل كلامه على إتقان وتدقيق في الفنين، (و)( (6) ) له في العربية تمكن وله مصنف يسمى (التبصرة)، وله (الرسالة الهادية للصواب في أهل القصد والاحتساب) تدل على اطلاع عجيب وتمكن وسطوة في العلم كما يفعل المجتهد الراسخ نقل فيها محاسن وفوائد، ودارت بينه وبين السيد العلامة حميدان (بن يحيى)( (7) ) - رحمه الله - المقاولة المعروفة، وقد تجهل الناس منصب عمران من العلم وهومكين ولم يؤثر عنه إلا الصالحات وهو أحد الداخلين لعقد /211/ الأمر إلى
__________
(1) في (ب): بن أبي القاسم.
(2) فراغ في (أ) و (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) فراغ في (أ) و (ب).
(5) في (ب): منهما.
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): بن الحسن.
قطابر للأمير عز الدين محمد بن المنصور وهو الذي قبل الأمير عز الدين، وله شعر ومما رأيته بخطه وهو خط في غاية الحسن، ( (1) )كثيراً من كتب المذهب وله عناية كاملة بالمذهب الشريف فرايت بخطه:
شيئان من يعذلني فيهما ... يبوء بالإثم وبالعدل
حب علي بن أبي طالب ... والدين بالتوحيد والعدل
والبيت الآخر معي وهم فيه فيحقق وهو مكتوب بخطه في سيرة المؤيد بالله الهاروني في خزائن السادة آل أبي علامة، وكان يحفظ الشعر كثيراً وله في هذا المعنى مع الإمام قصة توفي عمران - رحمه الله - في (فراغ) وعمران ابن الحسن المذكور غير عمران الزيدي الذي ذكره في بعض تواريخ مكة، وقال أنه كان يصلي بعصابة الزيدية ويدعولإمام المسلمين أجمعين المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى - عليهم السلام - وفيهم عمران ثالث أيامه أيام المنصور الوشلي كان فقيهاً محققاً مرجوعاً إليه - رحمهم الله جميعاً -.
أبو العمير بن أبي طاهر
العلامة أبو العمير بن أبي طاهر - رحمه الله تعالى - كان عالماً شهيراً حريصاً علىالخير داعية إلى البر، وهو الذي عناه السيد الهادي الوزير - رحمه الله - في قصيدته رياض الأبصار بقوله:
وبالمشتري صوت الأذان بماله ... فيا نعم مشترياً جزيل التمول
وذكر في شرح هذه القصيدة وهو شرح رأيته بصعده أيام الصغر ولم أره بعد أنه جد آل الدواري وأنه من ذرية وهب بن منبه، ثم رأيت هذا بعينه في كتاب مسلم اللحجح( (2) ) وقد رأيت نقله؛ لأنه واف بالمقصود، وإن كان فيه وهم في نسبه فسننبه عليه، قال مسلم: كان أبو العمير ينزل نجران بين آل الربيع من بني عبد المدان ونسبه في أبناء فارس وأخبرت أن آل أبي طاهر من ولد عبد الكريم بن معقل بن منبه وسمعت بعض آل عقيل بصنعاء يذكر انهم بنو عقيل بن معقل بن منبه وأن معقل بن منبه أخو وهب بن منبه أحد التابعين.
__________
(1) زيادة في (أ): كتب.
(2) في (ب): اللحجي.
قلت: هذا كلام مسلم، وفيه مخالفة أولاً لكلام الشرح الذي ذكرته أولاً فإنه نسب أبا العمير إلى وهب نفسه وكلام مسلم يخالف كلام نشوان فإن نشوان أثبت نسب وهب في حمير، وقال: هو ابن( (1) ) عبد الله وهب بن منبه الحميري هكذا حكاه عنه صاحب الكنز ولا ريب أن كلام مسلم في نسب وهب أصح من كلام /212/ نشوان فنسبه في ابناء فارس بلا مرية وممن ذكره ابن خلكان في تاريخه.
قلت: ذكر بعض النسابين (بأنه) ( (2) ) وهب بن منبه بن كامل بن سنسخ - بمهملتين بينهما نون ثُمَّ خاء معجمة - ومعناه بلغة الفرس الأسواري الأمير كالبطريق عند الروم والقيل عند المغرب( (3) )، وذكر الرازي نسبه إلى ملوك الفرس المتقدمين ومولده ومنشأه صنعاء، وقد يقال له الذماري لعرف كان جارياً في مسمى( (4) ) ذمار غير ما يتعارفه الآن، مولده سنة أربع وثلاثين وقيل سنة ثلاثين، لقي عشرة من الصحابة، توفي سنة عشرين وقيل أربع وعشرين ومائة، وكان نقش خاتمه ((أصمت تسلم وأحسن تغنم)) واستشاره رجل في رجلين خطباء ابنته أحدهم مولى ذا مال والآخر همداني فقير، فقال عليك بالهمداني فإن الأموال تذهب وتجي والأحساب لا تذهب، فالظاهر أن هذا نسبه غير أن مسلم اللحجي خلط نسب آل الدواري وآل (أبي) ( (5) ) طاهر، وهذا خلاف المشهور، قال (آل أبي) ( (6) ) طاهر بيت مشهور قد استقروا بصعده ولا ينسبون أنفسهم إلا إلى الفرس غير أنهم يقولون من( (7) ) ذرية سلمان، ولعله وهم، وأما (آل) ( (8) ) الدواري فنسبهم في بني عبد المدان شهير، وليس آل النجراني منهم كما ذكره القاضي شمس الدين احمد بن يحيى حابس - رحمه الله تعالى - فلنرجع إلى أحوال أبي العمير، قال مسلم: كان أبو العمير من قدماء هذه الطبقة وأفاضل الزيدية وذي الحب في الله والولاية على
__________
(1) في (ب): أبو.
(2) في (ب): أنه.
(3) في (ب): عند العرب.
(4) في (ب): يسمى.
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): في.
(8) سقط من (ب).
دين الله والعمل في إحيائه بما أمكنه من رأي وقول وعمل وبذل مال، وكان من أهل النعم الطائلة والأموال الضخمة، وكان بنو عبد المدان بل سائر تلحوث( (1) ) يتعصبون لولاية بني العباس ويتشددون في ذلك لوجوه منها ما كانوا يعتقدون من رأي العامة، ومنها ما كانت بنو العباس تكرم به أول أشرافهم من الولايات، وأضراب الكرامات، وقد كان من أول أسباب ذلك ولادة ريطة (بنت) ( (2) ) عبد الله بن عبد الله بن عبد المدان لأبي العباس السفاح أول خلفاء بني العباس، ثم ولايتهم بعد ذلك للعمل من قبلهم حتى شب على محبتهم الصغير ومات الكبير وخلف قرن بعد قرن على ذلك، ويحسب ما كان فيهم من( (3) ) عناد بني فاطمة - عليهم السلام - والبراءة منهم، فكان أبو العمير مع محبته لسكناء نجران واعتقاد مذهب الهادي - عليه السلام - شديد التشوق إلى إظهار شيء منه أو من إشعاره( (4) ) (وعلاماته)( (5) )، فكان يبذل في ذلك الأموال الرغيبة ويفعل الأفاعيل العجيبة، فأخبرني غير واحد من أهله وغيرهم والخبر في هذا إجماع لا خلاف فيه إلا ان ممن أخبرني جابر بن عبد /213/ المحمود بن أبي العمير بن أبي طاهر، وكان من أفضل من رايت بنجران من الزيدية عفة وعبادة وتفقهاً ونسكاً على سلفه، وأخبرني - أيضاً - أبو محمد اللحجي إلا أنه اجمل ولم يفصل. قال: كان التشيع بنجران لا يظهر والأذان بحي على خير العمل لا يقدر عليه بوجه ولا سبب حتى كان من ابي العمير - رحمه الله - بناء مسجد درب آل الربيع بمدينة نجران العظمى.
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب) زيادة: محبة بني العباس كان فيهم من.
(4) في (أ): شعاره.
(5) في (ب): وعلاماته بجهده.
قلت: هي قرية الفجر مسكن آل عبد المدان، وبذل الأموال في بني عبد المدان حتى كانوا يدعون( (1) ) حقه ويرون فضله، فلما رأى أن المال ينفعه في غرضه تطمع في شراء الأذان بحي على خير العمل من صومعة المسجد الذي بناه، فعمل في ذلك حتى أجيب إليه شراء بدنانير كثيرة، ذهب عني ذكر عددها، فلما أذن به في حياته جرت السنة بذلك فلم يعترض فيه أحد بعد، وقد أخبرني والدي وغيره من الناس أنه كان من بعد أبى العمير من آل أبي طاهر خلف رضى مثلهم ينوب عنه في حماية (تعز)( (2) ) الذي حلف عليهم نحو أحمد بن أبي القاسم قد تواترت اخباره عندنا بالسماحة الفائضة على الناس وسعة الرفد والقرى للوفود وحمل الأثقال المنقضة للظهور حتى كان يتسامع به الغرباء من الآفاق وينزل عليه المقلون بالعيال والأولاد فيوافق أملهم ويريح عللهم، وكان تعصبه للمذهب وتعصب أهل بيته وافياً تاماً ولشهرة أهل هذا البيت بالغضب لله وفي الله والحب لمن أطاعه والبغض لمن عصاه صنع العثماني وقال ما صنع، وقال (صنع العثماني ما صنع، وقال ما قال)( (3) ) كفراً لنعمهم واغتياضاً بهم النصارى أعداء ملته وملتهم، وكان العثماني فيما أخبرني به غير واحد منهم من أهل نجران أحمد بن عبد الله الهاشمي وأحمد بن محمد الدواري من آل أبي طاهر رجلاً شاعراً مداحاً، وكان يتسمى بالقصار( (4) ) اسمه أحمد بن محمد من ولد عثمان بن عفان فيما بلغني، وكان يقال القاضي العثماني، قالوا: فقدم اليمن من أرض العراق، وكان بالبصرة فامتدح قواد الحبشة وملوك عدن ونحوها والصليحيين، فلما قتل علي بن محمد الصليحي بالمهجم من سردود قلت المحن للإصلوح فهجاهم وهنى سعيد بن نجاح والحبشة بقتله في شعر له منه يقوله لسعيد بن نجاح.
قلت: أنه( (5) ) روي أنه قالها العثماني ارتجالاً عند دخول سعيد لزبيد ورأس الصليحي بين يديه.
__________
(1) في (أ): يرعون.
(2) في (ب): ثغره.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): بالقضاء.
(5) سقط من (ب).
قلت: وقتل الصليحي في ثاني عشر من ذي القعدة من سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة:
يا سيف دولة دين آل محمد ... لا سيف دولة خيبر ويهودها
وافيت يوم السبت تقدم فتية ... تلقا الرداء بنحورها وخدودها
/214/ ومنها:
صبراً فلم يك غير حوله مرود ... حتى انطفت جمرات ذات وقودها
ورأيت أعداء الشريعة شرعاً ... صرعى وفوق الرمح رأس عميدها
أوردتها لهب الردا وصدرت (في)( (1) ) ... طلى مطلبها( (2) ) وخفق بنودها
يا عروة لعلي بن محمد ... ما كان أشام من صدى غريدها
بكرت مطلبه عليه فلم ترح ... إلا على الملك (السعيد أجلها)( (3) )
ما كان أقبح شخصه في ظلها ... ما كان أحسن رأسه في (عودها)( (4) )
وأراد ملك الأرض قاطبة فلم ... يظفر بغير الباع من ملحودها
أضحى على خلاقها متعظماً ... جهلاً فألصق خده بصعيدها
تعساً لأيام الروافض أنها ... (رفضت) ( (5) ) مروتها لنقض عهودها
ما كان أكذب شعرنا في مدحها ... ما كان أبرز حظنا (من)( (6) ) جودها
قلت: ومن هذه القصيدة البيت المشهور:
سود الأراقم قابلت أسد الشرى ... يا رحمة( (7) ) لأ سودها من سودها
قال مسلم: أخبرني مالك بن عبد الله بن الكناس المطعمي وغيره أن علي بن محمد الصليحي كان له زاجر من رجال العامة( (8) ) يقال له العديقي، وكان يدنيه ويحسن إليه، فلما برز من قصره في سفره هذا الذي لم يرجع منه صعد على موضع مرتفع أو قيل على عمدان وزجر فقال:
إن علياً والإله اقتسما ... فاستويا القسمة ثم استهما
فلعلي الأرض ولله السماء
__________
(1) في (ب): لي.
(2) في (ب): مطلتها.
(3) في (ب): الأجل سعيدها.
(4) في (ب): صاعودها.
(5) في (ب): نقضت.
(6) في (ب): في.
(7) في (ب): يا رحمتا.
(8) في (ب): العمامة.
فلهذا أو مثله قال العثماني أضحى على خلاقها متعظماً، قالوا: وإن العثماني روى عنه إلى المكرم أحمد بن علي بن محمد الصليحي وهو الملك بعد أبيه أنه هجاهم أو بلغه شعره فخاف فهرب فلم يلفه أرض حتى استأمن له القاضي عمران بن الفضل اليامي فيما ذكر، وله إليه يسأله ذلك شعر يصف فيه خوفه وجزعه، أوله:
ماذا يرد على الركبان عدنان ... إن لم يجد بجميل الصفح قحطان
يا ليت شعري بابن الفضل مالكنا ... هل عنده لعظيم الذنب غفران
ومنها:
قوما أحفرا جدثي أني يخيل لي ... من حيث ما سرت أن الأرض نيران
وكل صادحه للطير صارخه ... وكل نابيه في الأرض مران
وإن عنت لي عين قلت عينه ... وإن بدت لي ظباء قلت فرسان
حتى كأنَّ نجوم الليل من جزع ... ولامع البرق أسياف وحرصان
ومنها:
تقول بنتي أمغن في الفرار وهل ... من ابن أسماء يغني اليوم إمعان
/215/ قالوا وإن العثماني قدم إلى نجران وعليه تواضع وهيئة تعفف، فلجأ إلى (آل طاهر)( (1) ) إذ كانوا مقصد العافي وملاذاً للاجي وأمل الراجي، فتظاهر عندهم بما أقنعهم منه فعالوه وعياله وكانوا مآله وثماله إلى أن بلغ نصرانياً بنجران، كان من الأغنياء وأهل (البطر)( (2) ) والإسراف (واللعب بالأموال)( (3) )، يقال له رشد بن عبد الواحد أنه يتظاهر بالعفة تمويهاً على رأيه وتستراً (على)( (4) ) آل أبي طاهر، وأنه يرى شرب الخمر لو اتفق له ذلك، فاخبر أحمد بن محمد الدواري وغيره أن النصراني بعث إلى العثماني غلاماً له بقارورة من شراب صافي قد خفي لونه وريحه، وقال له: يقول لك مولاي ما هذا الدهن فإنه لم يعرفه، ودفع إليه رقعة وقال له إذا تعرف ما في القارورة فادفع إليه الرقعة، فأتى العثماني الغلام بالقارورة فصب مما فيها إلى راحته وتذوقه فعرفه ودفع إليه الرقعة فإذا فيها لست أدري من رقة وصفاء، هي (في الكأس أم)( (5) ) الكأس فيها، فشرب ما في القارورة وكتب على ظهر الرقعة:
قد أتتني يا ابن الأكارم راح ... هي راح( (6) ) لإبل علت تشبيها
ثم شعشعتها فلم أتبين ... هي (في الكأس)( (7) ) أم الكأس فيها
فتمنيت إن( (8) ) غدوت جليساً ... أو أنيساً عبْداً لمستعمليها
فلما رجع الغلام بالجواب بعثوا ببغلة فركب وأتى مجلس النصراني وفيه ندماه، وكان ينادمه سلاطين بني عبد المدان نحو منصور بن المهلب ونباتة ابن منصور بن منيع، فاختلط بهم فأنسوا إليه وقال أشعاره الجهرية السيارة( (9) ) في البلاد في منادمتهم وكشف قناعه لآل أبي طاهر حين وثق بأخا المدانين والنصرانين فراح إلى منزله بينهم جهاراً سكران ثم قال قصيدة أولها:
__________
(1) في (ب): آل أبي طاهر.
(2) في (ب): النظر.
(3) في (ب): وأهل اللعب بالأموال.
(4) في (ب): عن.
(5) في (ب): في كاسها أم.
(6) في (ب): روح.
(7) في (ب): في كاسها.
(8) في (ب): لو.
(9) في (ب): السائرة.
قم فاسقنيها يا ابن عبد لسوعي( (1) ) ... صهباً صافية كلون دموعي
واخلع عذارك عالماً إن الذي ... قد فاز باللذات غير( (2) ) خليع
واشرب بنا ما دام رشد باقياً ... في عزة ونباته( (3) ) ابن منيع
ومنها في كشف عبوده وعباده:
وشربت حتى صرت ليس( (4) ) بعارف ... من أين جئت ولا إلى أين رجوعي
وظللت أنشد من لقيت بسكرتي ... أين الطريق لدرب آل ربيع
غيظا لسني يحرم شربها ... بعد الصلاة وغيظ آخر شيعي
ثم تمرد وتجرد فقال من قصيدة تعرض بهم/216/:
حرموها بعدما قبضوا ... ثمن الطابة (ما طيبا)( (5) )
وأحلوا بيعها مرهوطة ... لو أرادوا الحل باعوا عنبا
رب من يجهل منا رشده ... لا يرى الحق إذا ما وجبا
تحتسيها( (6) ) وقت ريعان الصبى ... ويخليها إذا ما اضطربا
كالتي في رمضان لم تصم ... بلهاً منها وصامت رحبا
وقال قصيدته الرائية التي أولها:
ما العيش الاَّ كاعب وعقار ... وأكارم نادمتهم أخيار
ووصف( (7) ) فيها الخمر وبالغ ومدح منصور بن المهلب المداني ونباتة بن منصور بن منيع، ومنها:
خذها فإن حلت أصبت وإن تكن ... حرمت فمحو ذنوبها استغفار
( (8) )أفبعد ما صروا على إيمانها ... عابوا لقد قلبو الحديث وجاروا
فبالغ في الصد عن الله والدعاء إلى معصيته ونصر إبليس لعنه الله والحض على ظلمته( (9) ) في هذا، ومنها:
قُوما انحرا إبلي فقد طابت لنا ... نجر أنهم ورجالها والدار
جاورتهم ضيفاً فحين ألفتهم ... طابت لنا بلد وقر قرار
__________
(1) في (ب): يسوعي.
(2) في (ب): كل.
(3) في (ب): بنانة.
(4) في (ب): لست.
(5) في (ب): ماذا طيبا.
(6) في (ب): يحتسيها.
(7) في (ب): فوصف.
(8) في (ب): ومنها.
(9) في (ب): طاعته.
فكان هذا من كفر العثماني لنعم المنعمين عليه ناطقاً بأنما ادعا حراثة السابقين إلى الإحسان إليه وأبوابه في ديارهم المتعهدين والموالين عليه صيب أمطارهم آل أبي طاهر زور باطل ومحال حائل، ولقد عرف له منه حتى قال فيه أبو منصور البصري وهو رجل يقال له محمد بن عبدون قدم نجران فلجأ إلى أحمد بن أبي القاسم بن أبي طاهر آواه وأكرمه( (1) )، وكان يكتب له، وكان بينه وبين العثماني معرفة متقدمة بالعراق معارضاً لرائيته هذه:
لعبت بلبك كاعب وعقار ... وإيباح( (2) ) ما حباك الحمَار
وسرت إليك يد الأماني إذ سرت ... فأريك أن الموبقات صغار
فصبا( (3) ) فؤادك فاستقدت لمعشر ... حثوا الكؤوس فقلت هم أخيار
وأتاك إبليس يجر رداءه ... لما راك وما عليك وقار
فلقيته نشوان مسلوب الحجى ... في حاله تزهو لها الفجار
فحياك وصف سلافة قد أحكمت ... أو قد يبقى للبلوغ نهار
يا أيها القاضي المنوه باسمه ... أقصر فحق لمثلك الإقصار
واقصد سبيل الرشد ترشد أنه ... أفضى مدى ما أنت فيه النار
لا يجمع الشيب الذي هو نازل ... بك والمعاصي إن ذا للعار
وأستحي أن تلقى إلهك قائلاً ... في البيت من نفحاتها أنوار
/217/إن كان في الجنات منها أنهر ... (قد أعديت)( (4) ) أتقول تلك عقار
ينفي العقول وتجلب الخبل الذي ... إن مس ذا لب علاه هيار
إن كنت جازيت المطي بعقرها ... ورأيت أن ثوابها الجزار
فلقد جزيت علياً بن محمد ... وبنيه لما قربوا وأماروا
بأخس ما يجزى ولم تك راعيا ... لنداه لما أن عراه عثار
ورميته بنبال شعرك لم تدع ... لك من معاد والديار( (5) ) قفار
وزعمت أنك خفت سطوة مثله ... ونفار قادك خيفة ونفار
وكذاك من عادى الملوك فيومه ... نزر وحشو فؤاده استشعار
__________
(1) في (ب): فأكرمه.
(2) في (ب): وامتاح.
(3) في (ب): وصبا.
(4) فراغ في (ب).
(5) في (ب): فالديار.
قلت: وقد طال هذا المجال لما نقلت من كلام أبي (العمر)( (1) ) محمد بن (مسلم اللحجي)( (2) )، وهكذا عادته وإن كانت هذه المادة لم تخل من تاريخ وإن لم يكن من مقصدي، وأما تطويلاته في مواضع فما هي من مقاصدنا.
عواض بن محمد الطامي
القاضي الأجل عواض بن محمد الطامي( (3) )، كان من العلماء الكبار ومن علماء المائة السابعة، تولى القضاء للإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وأثنى عليه السيد يحيى بن القاسم - رحمه الله -.
عيسى بن أسعد الزيدي
الفقيه العالم الفاضل عيسى بن أسعد الزيدي، من هجرة الأقشع - رحمه الله - من العلماء الفضلاء، وهو من أعلام المائة السابعة - رحمه الله تعالى -.
عيسى بن جابر الصعدي
العلامة الفقيه عيسى بن جابر الصعدي - رحمه الله - كان من العلماء الفضلاء وأعيان الزيدية، وله شعر من ذلك ما قاله إلى الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليهما السلام - على لسان (ولد) ( (4) ) صغير أصابه مرض وأقعده وطالت مدته فوصل إلى الإمام (- عليه السلام -)( (5) ) يستشفي به فقال (هذه) ( (6) ):
ألمي لا يطاق مالي سوى الله ... إذا ما دعوته يشفيني
فادع لي الله دعوة تبلغ العرش ... سريعاً كدعوة التنين
كم سقيم ومقعدعاد هذا ... ذا شفاء وذا كبعض الغصون
وعدو لما دعوت عليه ... قصدته الأحباب بالسكين
وإلى الآن قرر بكلي سنحان ... على مهيع بها مستبين
جبل بايعوا عليه وخانوا ... فتداعى وانقض رأى العيون
خارقات كالشمس لم يعرها ... اللبس ولم تفتقر إلى تبيين
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) زيادة في (ب): - رحمه الله -.
(4) في (ب): ولدٌ له.
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ب).
عيسى بن حسين بن يوسف
العلامة رئيس المتكلمين وقبلة الموحدين لسان أهل العدل /218/ عيسى بن حسين بن يوسف بن ذعفان بن شوال باسم الشهر بن كليب - رحمه الله - كان أحد أفراد زمانه وفرد علماء أوانه محققاً في الأصول والفروع، قرأ عليه الكبار واستجاز وأجاز وروى أنه اجتمع بالعلامة القاضي محمد بن أحمد بن المظفر صاحب الترجمان فباحثه فلم ير عند ابن مظفر دريه بغير الفقه فلم يره بعين التجليل التي كان يراه بها، وهذا يدل على تمكنه وتفننه، وقيل: إنه كان يأتي للجمعة كل أسبوع من ثلا إلى صنعاء أيام إقامة الإمام شرف الدين - عليه السلام - وقبره في (لضلع)بين كوكبان وثلا بعد الانتقال إليه مدنفاً من أحد البلدين إلى الأخرى، هكذا ضبط والضلع فيما أحسبه ليس بين (البلدتين) ( (1) ) المذكورتين( (2) ).
__________
(1) في (ب): البلدين.
(2) في (ب): ويروى أنه كان يحضر جمعة الإمام شرف الدين كل أسبوع.
عيسى بن زيد بن علي
السيد الحجة المنيرة والآية الباهرة الكبيرة علم الأعلام العترة الكرام عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو الإمام الكبير والفاضل الشهير لا تفي عبارة بنعته وصفة كماله فالغاية الاختصار والأولى الاقتصار كان يكنا بأبي محمد أمه أم ولد نوبية اسمها سكن، ولد في المحرم سنة تسع ومائة، ومات بالكوفة، وله ستون سنة، واستتر نصف عمره وقيل ثلثه، وتسمى بغير اسمه، وامتهن بغير مهنته خوفاً من المتسميين بالإسلام اللابسين ملابس الأنام، وله في هذا قصص وأخبار، وكان قد خرج مع إبراهيم بن عبد الله قتيل( (1) ) باخمراء، وكان صاحب رايته وكان إبراهيم قد جعل له الأمر من بعده فلم يتم له الخروج، وكان استتاره أيام المنصور وايام المهدي وبعضاً( (2) ) من أيام الهادي، وصلى عليه الحسن بن صالح (بن حي) ( (3) ) الزيدي - رحمه الله - وكان يأوي بالكوفة إليهم ويعرف بمؤتم الأشبال، وذلك انه قتل لبوة لها أشبال، وذلك أنه لما انصرف من وقعة باخمرا وقد شهدها مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن - عليهم السلام - خرجت لبوة معها أشبالها فعرضت( (4) ) في الطريق وجعلت تحمل على الناس فنزل عيسى بن زيد - عليهما السلام - فأخذ سيفه وترسه ثُمَّ نزل إليها فقتلها، فقال له مولىً له أيتمت أشبالها يا سيدي، قال: فضحك( (5) ) فقال: نعم، أنا مؤتم الأشبال، قال الأصبهاني فيما أحسب فلزمه هذا الاسم، وكان بعد ذلك أصحابه إذا أرادوا أن يذكروه كنوا عنه فقالوا: قال مؤتم الأشبال كذا وفعل مؤتم الأشبال كذا فيخفى أمره، وذلك أنه لحقه -
__________
(1) في (أ): قتل.
(2) جاء في حاشية (ب) ما لفظه: ((ينظر فإنه - عليه السلام - توفي في مدة المهدي، وكذا الحسن بن صالح وبشير [فراغ] بموقعهما معاً فخر ساجداً في قصة طويلة كما ذكرها في مقاتل الطالبيين والله أعلم. كتب مجد الدين بن محمد عفا الله عنه.
(3) رحى.
(4) في (ب): تعرضت.
(5) في (ب): وقال.
عليه السلام - من المحنة بالاستتار من أعداء الله المارقين ما عظمت عليه بسببه البلوى، ولقد حكى الشيخ أبو الفرج في كتاب المقاتل عن محمد /219/ بن منصور المرادي، قال: قال يحيى بن الحسين بن زيد: قلت لأبي، يا أبت( (1) ) (إني أرى) ( (2) ) عمي عيسى فإنه يقبح بمثلي أن لا يلقى مثله من اشياخه، فدافعني مدة عن ذلك وقال هذا أمر يثقل عليه وأخشى أن ينتقل عن منزلته كراهة( (3) ) للقائك إياه فيزعجه فلم يزل( (4) ) به أداريه وألطف به حتى طابت نفسه لي بذلك فجهزني إلى الكوفة ثم قال: إذا صرت إليها فسل عن دور بني حي فإذا أدللت عليها فاقصده في السكة الفلانية وسترى في وسط السكة داراً لها باب صفته كذا وكذا فاعرفه واجلس بعيداً منه في أول السكة فإنه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مقصور مستور الوجه قد أثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يسقي الماء على جمل، وقد انصرف يسوق الجمل لا يضع قدماً ولا يرفعها إلا ذكر الله عز وجل ودموعه تنحدر، فقم فسلم عليه وعانقه فإنه سيذعر منك فعرفه نسبك وانتسب له فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلاً ويسالك عنا جميعاً ويخبرك بشانه ولا تضجر من جلوسك معه فلا تطل ودعه فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه، فافعل ما يأمرك به من ذلك، فإنك إن عدت إليه توارى منك واستوحش وانتقل من موضعه، وعليه في ذلك مشقة، فقلت له: أفعل كل ما امرتني به، فجهزني( (5) ) إلى الكوفة وودعته فخرجت( (6) ) ولما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا به يسوق الجمل وهو كما وصف لي أبي لا يرفع قدماً ولا يضعها إلا وحرك شفتيه بذكر الله ودموعه من عينيه تذرف أحياناً، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت يا عم، أنا يحيى بن
__________
(1) في (ب): يا أبة.
(2) في (ب): إني أشتهي أن أوي.
(3) في (أ): كراهته.
(4) في (ب): أزل.
(5) في (ب): فمر بي.
(6) في (ب): وخرجت.
الحسين بن زيد بن أخيك، فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه، فأناخ جمله وجلس معي وجعل يسألني عن أهله رجلاً رجلاً وامرأة امرأة وصبياً صبياً، وأنا أشرح اخبارهم وهو يبكي، ثم قال: يا بني أنا أستقي على هذا الجمل الماء فأصرف مما اكتسبه أجرة الجمل إلى صاحبه واتقوت بباقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية، يعني بظهر الكوفة، فألتقط ما يرمي به الناس من البقول وأتقوته، وقد تزوجت إلى (هذا ابنته)( (1) )، فهي لا تعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتاً فنشأت وبلغت وهي - أيضاً - لا تعرفني ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها زوج ابنتك بابن فلان (السقاء لرجل)( (2) ) من جيراننا يسقي الماء فإنه أيسر (منا)( (3) )، وقد خطبها وألحت علي، فلم أقدر على /220/ إخبارها لأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفو لها، فتشيع خبري، (فجعلت) ( (4) ) تلح علي فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد ايام، فلا أجدني آسى على شيء من الدنيا آساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ثم أقسم علي أن أنصرف وودعني( (5) )، فلما كان بعد ذلك صرت إلى الموضع الذي أنتظر فيه لأراه فلم أره، وكان آخر عهدي به.
وروى أبو نصر البخاري أنه خرج مع محمد النفس الزكية، قال الحاكم: وروى يعقوب بن داود قال: دخلت مع المهدي في طريق خراسان بعض الخانات، فإذا على حائط هذه الأبيات:
والله لا أطعم طعم الرقاد ... خوفاً إذا نامت عيون العباد
شردني أهلي اعتداء وما ... أذنبت ذنباً غير ذكر المعاد
آمنت بالله ولم يؤمنوا ... فكان زادي عندهم شر زاد
أقول قولاً قاله خائف ... مطرد قبلي كثير السهاد
منحرق الخفين يشكو الوجا ... تبكيه أطراف مروٍ حداد
شرده الخوف وأزرا به ... كذاك من يكره حر الجلاد
__________
(1) في (ب): هذا الرجل ابنته.
(2) في (ب): رجل.
(3) في (ب): منها.
(4) في (ب): فعادت.
(5) في (ب): فودعني.
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
قال: فجعل المهدي يكتب تحت كل بيت لك الأمان من الله ومني فاظهر مني متى شئت ودموعه تجري على خديه، قلت: من قائل هذه الأبيات يا أمير المؤمنين، قال: أتجاهل علي قائلها عيسى بن زيد.
قلت: وهذا من التضمين، فإن الأبيات الثلاثة التي أولها منخرق الخفين، قائلها محمد بن عبد الله النفس الزكية في ابن صغير من ام ولد له كان معه في جبل فهجم عليه الطلب فهربوا فسقط الصبي وتقطع ومات، فقال محمد ذلك قال الحاكم، وكان عيسى بن زيد والحسين بن زيد وموسى وعبد الله ابنا جعفر بن محمد - عليهم السلام - شهدوا مع النفس الزكية، وكان عيسى مع إبراهيم ثم توارى بعده.
عيسى بن عبد الله
السيد (الشريف الكبير) ( (1) ) المعظم أبو بكر عيسى بن عبد الله بن محمد بن عثمان بن علي والد السيد الحافظ أبو الطاهر أحمد بن عيسى شيخ محمد بن منصور وغيره، وأبو الطاهر كنية أحمد لا كنية عيسى، وما في أمالي أبي طالب وهم كان عيسى فاضلاً شاعراً راويه، وليس لعمر بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - عقب إلا منه فليعلم ذلك.
عيسى بن عنبة
عيسى بن عنبة - رحمه الله تعالى - ذكره البغدادي الزيدي /221/ - رحمه الله - في مشاهير تلامذة الإمام الأعظم - سلام الله عليه -.
عسيى بن علي الزيدي
الشيخ الفاضل عيسى بن علي الزيدي - رحمه الله - أحد مشيخة السيد صلاح بن الجلال، كذا أفاده شيخنا - رحمه الله -.
عيسى بن فروة الزيدي
العلامة المجاهد عيسى بن فروة الزيدي - رحمه الله - ذكره عبد العزيز البغدادي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): الكبير الشريف.
قلت: ولعل والده هو أبو فروة الصقيل الزيدي صاحب الإمام زيد بن علي ( - رضي الله عنه -)( (1) ) الذي حكى الإمام المرشد بالله في أماليه أنه طبع لأصحاب زيد بن علي - رضي الله عنه - سيوفاً يقال لها الفروية قصار لم يضرب بها شيء إلا أهلكته لم ير مثلها وسميت الزيدية، ويقال لها: الغدوية( (2) ) كما تقدم في هذا النقل.
عيسى بن لطف الله
السيد المطلع ناظورة الأدباء وعين أهل زمانه المطلع المتضلع من الآداب عيسى بن لطف الله المطهر بن أمير المؤمنين يحيى شرف الدين - عليهم السلام - كان هذا السيد أديباً لبيباً رقيق الحاشية عذب الناشئة مفاكهاً ملاطفاً حافظاً للآداب والأمثال مجرباً لها في مجازها خارجه كلماته في الناس مخارج المثل بها يتمثل المتمثل، وكان يغلب عليه اللطافة وحسن الملاطفة للناس ويعم ذلك طبقاتهم، وكان مطلعاً على التاريخ لم يزل سيدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - يتعجب من اطلاعه وروايته، وله التاريخ المشهور صنفه في الظاهر للأروام وأفاد فيه أيام سلفه - رحمهم الله تعالى - وأحسن وأجاد، وكان عارفاً بعدة علوم يعد( (3) ) في علماء النحو وما يلحق به وغلب عليه علم النجوم فصار أظهر ما ينسب إليه وإلا فعنده علوم أخر وكنت أكتفيت بذكره في ترجمة القاضي العلامة إبراهيم بن يحيى السحولي - رحمه الله - حتى رأيت له قصيدة إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهما السلام - يتنصل بها عما ينسبه الناس إليه فعلمت أن فضيلته محروسة، وكان توجيهها من كوكبان إلى شهارة في شهر ربيع( (4) ) سنة اثنين وعشرين وألف وهي:
ما شاقني سجع الحمامة ... سحراً ولا برق الغمامة
كلا ولا اذكا الجوا ... ذكر العذيب وذكر رامة
ودموع عيني ما جرت ... شوقاً إلى لقيا أمامه
هيهات قلبي لا يميل ... إلى مليج( (5) ) هز قامه
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (أ): الفروية.
(3) في (ب): يعده.
(4) في (ب): ربيع الآخر.
(5) في (ب): مليح.
ما شاقني إلا الذي ... نفسي عليه مستهامة
بر كريم ماجد ... حاز الجلالة والشهامة
وحوى الفخار جميعه ... حتَّى غدا في الدهر شامه
لبس الفضائل حلة ... فبدت له منها وسامة
فرد تفرد بالعلا ... ولديه للعليا علامة
أعني أمير المؤمنين ... مغيث أرباب الظلامة
/222/ القاسم المنصور من ... زان الخلافة والإمامة
ركن النبوءة شاده ... والبيت ترفعه الدعامة
عرج بمربعة الكريم ... ترى به وجه الكرامة
وترى جواداً دونه ... في الجود طلحة وابن مامة
أعداؤه شهدت له ... بالفضل طراً والزعامة
والفضل ما شهدت به ... الأعداء لا أهل الرحامة
احيا الجهاد فكم له ... يوم حكا يوم اليمامة
فطن يكون بسلمه ... بدراً وفي الهيجا أسامة
واسأل بذاك سيوفه ... كم أذهبت في الجو هامة( (1) )
مولاي يا قمر الهدى ... المذكور في وقت الإقامة
يا من أرى حبي له ... أسنى الذخائر في القيامة
وجهت نحوك سيدي ... عقداً أجرت به نظامه
عقداً من النظم الذي ... سلبت خرائده قدامه
يهدي إليك تحيتي ... ويزيل عن سري لثامه
- أيضاً - ويوضح حجتي ... والحق مسلكه أمامه
لا تأخذني سيدي ... بمقالة حازت ذمامة
وبقول واش قد حشى ... لضعيف فكرته أثامه
قد قال إني قائل ... بنجوم سعد أو شآمة
(ويعيب صنعه)( (2) ) ربنا ... ووثقت عمداً بالنجامة
لا والذي جعل النجوم ... بليلها تجلو ظلامه
ما قلت إلا أنها ... للناس والأنوا علامة
ولمن أتى مستغفراً ... لله رجوى في السلامة
مولاي واسال لائمي ... فلقد تهور في الملامة
ما صير القمر التمام ... محقراً يحكى القلامة
ولم الخسوف يصيبه ... في النصف إن وافا تمامه
والشمس والأفلاك ... توضح لي بهيبتها كلامه
فبها عرفت بأنها ... خلق الذي يحيي رمامه
في موقف لا ينفع الجاني ... به كثر الندامة
وعليك صلى خالقي ... وحبا ربوعك بالكرامة
واسلم ودم في نعمة ... يا خير من رفع العمامة
__________
(1) هذا البيت في (ب) متقدم على الذي قبله.
(2) في (ب): ونفيت صنعةَ.
ومن شعره لما مر ببعض مآثر جده( (1) ):
قلت لما رايت من تبع الملك ... بسوح المطهر الملك مخلى
ابداً تسترد ما تهب الدنيا ... فيا ليت جودها كان بخلاً( (2) )
توفي في (فراغ) ورثاه السيد الصدر الكبير حسنة الأيام بدر الملة والدين محمد بن إبراهيم بن المفضل بن علي بن أمير المؤمنين بقصيدة قد أومأنا بها( (3) ) وكتبنا بعضها عند ذكر السيد عيسى في ترجمة القاضي إبراهيم رحمهم( (4) ) الله تعالى.
عيسى بن محمد بن جعفر القاسمي
الشريف الأمير المقدم الكبير رئيس الرؤساء ذو الحسنيين عيسى بن محمد بن جعفر القاسمي - رحمه الله تعالى - رايت له ترجمة بخط بعض المؤرخين قال: (بحر لا يكدره الدلاء ميمون)( (5) ) مبارك كبركة لا ولا مقاماته في الحرب تقصر عنها المقالاتا، فطلب الحصر لمحامده طلب المحالات( (6) )، وفد إلى حضرت الإمام /223/ المنصور بالله، وهو في محطة النظية( (7) ) في بني عمه، وقال قصيدة أولها:
كتمت هواه والدموع تذيعه ... وما سر من نمت عليه دموعه
إذا عنّ ذكرى من تحب تبادرت ... سيون دموع ودها لا يطيعه
خفي الدمع ما أخفاه من كل كاشح ... وأعلن ما ضمت عليه ظلوعه
فكن عاذراً يا عاذلاً لمتيم ... يحب غزير الدمع وهو صريعه
فلو شهدت عيناك عين وزيريا ... لأشجاك إما سربه أو قطيعه
سويعة ما رسوا القلاص بجوذر ... سواء عليه قربه وشسوعه
منيع ببيض المشرفية والقنا ... منوع، فما غير العفاف ضجيعه
شجي الهائم المشغوف فرط جماله ... فلما نأى عنه شَجته ربوعه
لفرقتها إياه مثل فراقه ... وكلهما لم يدر أنا رجوعه
يحب الكرا كيما يراه وبعده ... أزال الكرا حتى تنأى هجوعه
__________
(1) زيادة في (ب): المطهر.
(2) في (ب): يخلا.
(3) في (ب): إليها.
(4) في (ب): - رحمه الله -.
(5) في (ب): بحر لا تدركه الدلا ميموم.
(6) في (ب): للمحالات.
(7) اللظيفة [ظن] في (أ) وفي (ب): اللظية.
وانقطع ما وراء هذا وله شعر عند نهوض الإمام المنصور بالله - عليه السلام - إلى بكر:
قد عاد جيشك بالتوفيق والظفر ... والصدر عاد بلا ناب ولا ظفر
يا ابن الأكارم والسادات من مضر ... شم العرانين خير( (1) ) البدو والحضر
لما رأى الظالم المأمون مقتحماً ... على المنون حليف السمر والبتر
ألقى النزال وقد جاشت قروبته ... وعاد للصلح إذ اشفى على القدر
كانوا كما قال قدماً شاعر يقض ... يحسوا المهاريق بالياقوت والدرر
هم قاوموك فلما شارفوا وقفوا ... كوقفة العين بين الورد والصدر
عيسى بن محمد بن أحمد
(السيد العلامة الإمام أبو زيد عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي - عليهم السلام - قال ابن عنبة: عالم كبير من علماء الزيدية فقيه متكلم، توفي بالري سنة ست وعشرين وثلاثمائة)( (2) ).
عيسى بن محمد بن أحمد المدحجي
(العلامة عيسى بن محمد بن أحمد بن أبي الحسين المدحجي مؤلف الإكليل في فقه الزيدية، وهو كتاب (الإكليل في الحقيقة والدليل)، وهو على كتاب مصباح الشريعة)( (3) ).
عيسى الحلوي
الفقيه( (4) ) العلامة عيسى الحلوي نسبه إلى (حلي) المعروف بوادي كثابة( (5) ) ذكره صاحب التحفة من فضلاء الزيدية وعلمائهم، وقال الأهدل: إنه (من) ( (6) ) قرية قنونا.
قلت: بالقاف مفتوحة بعدها نون، ثم واو ثم نون بعدها ألف، وهي مشهورة شرقي (حلي).
* * *
(انتهى الجزء الثالث من مطلع البدور ومجمع البحور يوم الجمعة المبارك، لعله ثالث جمادي الآخرة سنة اثنتين ومائتين وألف سنة، فلله الحمد كثيراً بكرة وأصيلاً،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله
ويتلوه الجزء الرابع بمشيئة الله وإعانته) ( (7) ).
__________
(1) في (ب): حين.
(2) سقطت هذه الترجمة من (ب).
(3) سقطت هذه الترجمة من (ب).
(4) في (ب): السيد.
(5) في (ب): كنانه.
(6) في (ب): في.
(7) سقط من (ب).
مطلع البدور ومجمع البحور
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة
الطبعة الأولى
1425ه/2004م
مطلع البدور ومجمع البحور
تأليف العلامة المؤرخ
أحمد بن صالح بن أبي الرجال
الجزء الرابع
تحقيق
عبدالسلام عباس الوجيه ... ... ... محمد يحيى سالم عزان
مركز التراث والبحوث اليمني
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الغين المعجمة
غالب بن عثمان الهمداني
غالب بن عثمان الهمداني المشعاري(2) الناعطي - رحمه الله تعالى - من عيون الشيعة وخيارهم، ولعل نسبته إلى ذي المشعار(3) الوافد على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في وفد حارف، وكان ذو المشعار بمكان عظيم من الرئاسة، وكان غالب هذا فصيحاً بليغاً، له في إبراهيم بن عبد الله قتيل باخمراء مرثية مستجادة منها:
وقتيل با خمرا الذي ... نادى فأسمع كل شاهد
قاد الجنود إلى الجنو ... د فرجف الأسد الخوارد
بالمرهفات وبالقنا ... والمبرقات وبالرواعد
فدعى لدين محمد ... ودعوا إلى دين ابن صائد
ومن شعره في محمد بن عبد الله النفس الزكية:
كيف بعد المهدي(4) أو بعد إبرا ... هيم نومي على الفراش الوتير(5)
وهم الذائدون عن حرم الإسـ ... ـلام والجابرون عظم الكسيرِ
حاكموهم لما تولوا إلى اللـ ... ـهِ بمصقولة الشفار الذكورِ
وأساحوا للموت محتسي(6) الأنـ ... ـفس لله ذي الجلال الكبيرِ
أفردوني أمشي بأعضب مجنو ... ناً (سناني الحروب)(7) ذات زفير
عيل فيها فوارسي ورجالي ... بعد عز وذل فيها نصيري
ليتني كنت قبل وقعة با خمـ ... ـرا توفيت عدتي وشهوري
وليالي من سني البواقي(8) ... وتكملت عدة التعمير(9)
__________
(2) في (ب): السعاري.
(3) في (ب): السعار.
(4) في (ب): أو، في (أ): و.
(5) في (ب): الوثير، وهو الفراش الناعم.
(6) في (أ): بحسي.
(7) في (ب): سناني الحرب، وفي (أ): سنامي الحرب.
(8) في (ب): حرف الغين المعجمة.
(9) في (ب): التعير.
الغياث
الشيخ العالم، الناسك المعروف بالغياث - رحمه الله تعالى - كان من عباد الله الصالحين، ومن العلماء العارفين، تلميذ الإمام المجتهد الصوام القوام أحمد بن يحيى مؤلف الأزهار، وبخط الشيخ الغياث المذكور نسخة الغيث غاية في الصحة. ولم أتحقق من أحواله السنية ما ينبغي، ومسكنه بجهة (مسور) المنتاب في عرض الجبل، وقبره هنالك مزور وعنده ما اشتهر عند أهل الجهة، وتناقلوا أنه من تكريم الله لهذا العبد الوجيه، وذلك أنه لما مات قبر في محل فنبعت عين ماء فرات عذب كثيرة الماء بحيث يسقى بها الزروع، ولورثة الغياث /2/ أرض تحتها فقالوا للمتوسط بين المنبع وبين أرضهم إنهم يجعلون لأنفسهم(1) نصيباً، وقالوا: هذا ببركة والدنا، فقال: المتوسطون هذا ماء من الله - عز وجل-، وليس كما ذكرتم من بركة والدكم. فقال أولاده: ننقل والدنا من هذا القبر فقالوا لا باس، فنقلوه فيبست تلك العين وثارت من عند قبر الشيخ واستمرت إلى الآن، فقال لي حي الفقيه ناصر بن الهادي الصلاحي - رحمه الله - شرب منها للتبرك في العام الذي أخبرني فيه وأحسبه من العشر السنين التي بعد السبعين وألف، وقد كان أخبرني بذلك السيد العالم العابد الحاكم عز الدين علي بن الحسن الحسني النعمي، ولكنه لم يعين الرجل ولا الجهة.
قال الفقيه ناصر بن الهادي: والقصة معروفة في الجهة متناقلة - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب) لأرضهم.
أبو الغيث بن جعفر الطائي
الشيخ العالم، البليغ الخلاصة، سليل العلماء، حسام الدين أبو الغيث بن جعفر الطائي - رحمه الله تعالى - كان من فضلاء أوانه، ونبلاء زمانه، ولياً للعترة، صادقاً في المنشط(1) والمكره، وهو منسوب إلى طي، وهو من جماعة العلامة محمد بن الوقار، وسنذكر أول من خرج إلى الهادي - عليه السلام - لنصرة الحق منهم، ثم لم يزالوا أعمدة للحق، مجلين في السبق، ولبعضهم اختصاص بعلم القراءة وحراستها، وأظنه هذا وولده(2)؛ لأنه رحل إليه للقراءة والتجويد أبو الهيثم يوسف بن أبي العشيرة شحاك أعداء الدين، وسنذكر ذلك في محله - إن شاء الله تعالى-، ولأبي الغيث المذكور شعر حسن جيد يدل مع البلاغة على التفات إلى الله تعالى، وعلى عناية بأولياء الله، فمما قال في الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني - عليهم(3) السلام- بعد أن أوقع بأهل (نجران)، وقال قصيدة أولها:
عجبت ولم أعجب لغير عجيب ... وعوفيت من سقمي بغير طبيبِ
ونلت الذي قد كنت أرجو نواله ... وأطفأت ناراً أوقدت لحروبِ
إلى آخرها، فقال أبو الغيث - رضي الله عنه -:
ما صبوتي باللهو بعد مشيبتي ... إلا لجاجاً بالهوى المعيوبِ
شيب الفتى داعي الوقار فمن يجب ... داعي الوقار يفز بخير نصيبِ
إن الفتى ما لم يرعه مشيبه ... عن كل فاحشة لغير مصيبِ
بُدِّلت شيباً مكرهياً لونُه ... من بعد بُردٍ للشباب قشيبِ
ومن القوى ضعفاً يخون كلاله ... ومن الشبيبة حادثات شحوبِ
/3/ ومن الأداني الأقربين بغربة ... والنقص مقرون بكل غريبِ
ليس الغريب وإن تجلد واثقاً ... بالمزلف المدني ولا المحبوبِ(4)
إن الإمام ابن الأئمة مزوراً ... أسلافه النجباء خير عقيبِ
القاسم المنصور بالله الذي ... ألقى إليه الأمر كل نسيبِ
ابن النبي وصنوه وابنيهما ... آباءَ كل فتىً أغر نجيبِ
أهل المفاخر والمآثر والعلا ... وذوي الطهارة والتقى والطيبِ
__________
(1) في (أ): فراغ.
(2) في (ب): أو ولده.
(3) في (ب): عليه.
(4) في (ب): المحجوب.
أرباب مجد أكرمون أعزة ... آساد أعيال غيوث جدوبِ
أعلام حق يستدل بها إذا ... عرت البريئة مشكلات خطوبِ
ألقوا منار الدين يلمع فاقتدوا ... في أمرهم بمناره المنصوبِ
تقفو سيوفهمُ خلوفهمُ على ... سنن من التأديب والتهذيبِ
إلى آخرها - رحمه الله تعالى -.
حرف الفاء
فاضل بن عباس بن علي
الشيخ المقدم، علم الشيعة الأعلام، ركن الدين أبو فراس بن دعثم، واسم أبي فراس فاضل بن عباس بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن أبي عمرو، ولا أدري هل دعثم لقب لأبيه العباس أو وقع في المنقول(1) غلط، كان حاذقاً ماهراً، شاعراً فصيحاً، عالماً كاتباً من كتاب الإنشاء المجيدين مع الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان - عليهم السلام - وهو من خلصان الإمام، وكان سيفاً مسلولاً على المطرفية، وتجرَّم منه بعض السادة الجانحين إلى الإبقاء على المطرفية من السادة المتأخرين، وهو من آل أبي عمرو(2) بيت كبير بـ(صنعاء) يشتهرون بالكتابة والمعرفة أو كما قال، ومنهم محمد بن ذعفان البليغ وغيره، وله شعر في معان متعددة، فمن مديحه ما أنشده بين يدي الإمام المنصور بالله بـ(صعدة) (3) يوم الجمعة من محرم(4) سنة تسع وتسعين وخمسمائة من جملتها:
جياد تبارى في الشكيم بفرسانِ ... تخال(5) إذا جالت كواسر عقبانِ
سوامي(6) العوادي مقريات(7) كأنها ... هضاب ثبير أو شوامخ ثهلانِ
وكل رحيب الصدر القبْل(8) ذراعه ... له في مغار الخيل أرجاء(9) سرحان
تثير عجاجاً مثل ليل نهاره ... كواكبه لمع بأطراف مرَّان
__________
(1) في (ب): المنقول عنه غلط.
(2) في نسخة أخرى زيادة لفظها: وقال السيد الهادي بن إبراهيم بن الوزير آل أبي عمرو بيت
(3) سقط من (ب): بـ(صعدة).
(4) في (ب) من محرم الحرام.
(5) في (ب): دتخال.
(6) في (ب): سوام الهوادي.
(7) في (ب) مفرقات.
(8) القبْل: الضخم من كل شيء. القاموس المحيط (1028).
(9) في (أ): أرجاء.
عليها من السرد النسيج مضاعف ... يموج كماء صففت فيه ريحان
وهي طويلة غراء.
قلت: وذكر أبو فراس في آخر السيرة التي جمعها ما لفظه: وعند /4/ أن أنجز تأليف(1) ما تضمنه هذا الجزء من السيرة الشريفة المنصورية، وهو آخرها في شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة فاضل بن عباس بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن أبي عمرو، وقد أحرصته(2) الأحزان، وتكاثفت عليه الأشجان، حتى ودَّ أنه ما كان، للمصيبة التي عمت وأهمت، وخصت الإسلام وعمّت، بفيض صاحبها الذي ألفت من فضائله، وحكى فيها بعض وقعات جنوده وقبائله، فيالها من مصيبة هدت بنيان المكارم، وصغرت مواقع النوازل العظائم، وعمت كافة الإسلام بالفواقر والقواصم، وذكرته ما قيل قديماً في قيس بن عاصم:
عليك سلام الله قيس بن عاصمٍ ... ورحمته ما شاء أن يترحما
فما كان قيس هلكه هلك واحدٍ ... ولكنه بنيان قوم تهدما
وكان يود عند إكمالها لو نزل به الحين المتاح، والقدر المجتاح، فيقضى نحبه(3) قضاء الصفاح، ولهاذم الرماح، دون أن يكون خاتمها، وحاكي وفاة صاحبها - سلام الله عليه - وراقمها، ولكن لن(4) يبلغ كل متعنٍ ما تعنَّى، ولن ينال كل متمنٍ ما تمنى، وقد قال تعالى: ?وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ?[الأنبياء:34]، قال عن قلب مجروح، ودمع مسفوح:
لو كان يومي قبل إكمالها ... لكان عندي مغنماً مستفاد
يكملها غيري ولا أصطلي ... بحسرة تشوي سويد الفواد
يهلك في (من) (5) ضمنها فضله ... كالشمس عم النور منها البلاد
تعطر الآفاق من طيبه ... ويرتدي بالحسن كل النواد
ويعتلي(6) العلب نزار به ... ذروة مجد مشمخر(7) العماد
__________
(1) سقط من (ب): تأليف.
(2) كذا في الأصل ولعل الصواب: أحرضته، بمعنى أهلكته.
(3) في (ب): فيقضي قضاة الصفاح.
(4) في (ب): لم.
(5) سقط من (أ).
(6) في (ب): وتعتلي الغلب.
(7) الْمُشْمَخِرُّ: الجبل العالي. القاموس المحيط 420.
فليت عمري زيد في عمره ... أو ليتني كنت فدىً لو أفاد
أو ليتني مت بأيامه ... بين الضبى البيض وسمر الصعاد
ولم أكن شاهد يوم به ... اختاره للقبض رب العباد
مضى فقيداً وغدا سعيه ... يحمد في الدنيا ويوم المعاد
(فيا لها من حسرة حرها ... حتى أُوارى للبلا والنفاد) (1)
فإن يكن ما رمته(2) فاتني ... من ميتة فوق متون الجياد
/5/ فكم(3) تبسمت لها شامخاً ... وكم لها فارق جفني السهاد
لكنني أرجو بأن يفتدي ... أوفى شفيع لي يوم التناد
صلى عليه الله من ذي علا(4) ... وجاد في مثواه وبل الغواد
فاطمة بنت أحمد بن يحيى(5)
الشريفة الفاضلة فاطمة بنت أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليه السلام - قال في تاريخ السادة آل الوزير ما لفظه: ومن ولد الإمام - عليه السلام - فاطمة بنت أمير المؤمنين أحمد بن يحيى، وهي الشريفة الفاضلة العالمة العاملة، راجعها والدها الإمام في مسألة الخضاب بالعصفر، فقال: إن فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام، وناهيك بهذا الكلام دليلاً على علو محلها في العلوم جميعها، ولو قال الإمام كذلك في شأن إمام من الأئمة لارتفع محله إلى أعلى محل وأشرف مكان، زوّجها والدها بالإمام المطهر - عليه السلام - فكان يرجع إليها في المشكلات، وكان إذا أُشكل عليه مسألة وعلى أصحابه، خرج يحلها من عندها فيقول أصحابه هذا ما هو منك هو من خلف الحجاب، وإليها وإلى نسائه أشار الإمام المهدي بقوله:
ونساؤنا فاقت أئمة غيرنا ... في الفضل والتدريس والأخلاقِ
وماتت وهي عنده - رحمة الله عليها ورضوانه-، واشتد أسفه عليها لما كانت عليه من الكمال في الدين والدنيا، وزوجه الإمام بأختها ليلة موتها.
__________
(1) في (ب): ... فيا لها من حسرةٍ حرها ... يفض صم الصخريات الصلاد
... ... ... يبقى بقلبي شائطاً حرها ... حتى أوارى للبلا والنفاد
(2) في (ب) ما فوقها.
(3) في (ب): فكم.
(4) في (ب) من ذي العلا.
(5) في (أ): فقد.
فاطمة بنت علي بن محمد
البضعة النبوية، والفلذة العلوية، السيدة فاطمة بنت أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين علي بن محمد، أخت الإمام الناصر لدين الله - عليهم السلام -.
قال السيد جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم - رحمهما الله تعالى -: وأما أخت الإمام وكريمته الشريفة فاطمة بنت الإمام ذات التقى والكمال، والفضل على جميع النساء وأكثر الرجال، فكملت كمال الأئمة المعتبرين، في المعرفة والدين والتدبير والتوفيه والإجازة والنظر في أحوال الخاصة والعامة وأقامت بنت ابنها بالمنصورة في زمن أخيها الناصر، وهي ناظمة للأمر يستمد منها النظر السديد(1) إلى غير جهتها، ولها من المعرفة وحسن السياسة ما ليس عليه مزيد، ولها من الدين الصليب وكثرة الخشية لله تعالى وشدة الإقبال على أعمال الطاعة والخير ما لا يصفه الواصفون، ومن /6/ ذلك أنها كانت مزوجة لابن عمها السيد إبراهيم بن يحيى، وكان أمير (صعدة) من جهة الإمام(2)، فلما وقع موت الأشراف بالسم اتهم بذلك السيد إبراهيم فحلف بطلاقها ما علم بذلك إلا كعلم الطارف من الناس، وقد جعل الزعبري في طرف الناس، فلم تطب نفس الشريفة من(3) بعد ذلك، وانقطع ما بينهما(4) من الزواج بذلك السب(5)، ويدل على عظم شأنها أن الإمام الناصر أوصى إليها وصية خاصة في النظر في أحواله المختصة به لمعرفة كمالها الكمال الذي لا وراءه في دينها ودنياها، وماتت قبله واشتد أسفه عليها، وله فيها كرامات بديعة فائقة، رائقة مذكورة في مواضعها، وقال بعضهم فيها:
أمير المؤمنين أخوكِ فينا ... وأنتِ أميرةِ للمؤمنات
__________
(1) في (ب) إلى غير جهتها النظر السديد.
(2) في (ب) من جهة الإمام إليه.
(3) غير موجودة في (ب): من.
(4) لا توجد في (ب): بينهما.
(5) لعلها: السبب.
وأوصافها لا تعد ولا تحصى، وأمها بنت الإمام يحيى بن حمزة (- عليهم السلام -) (1)؛ لأن الإمام علي بن محمد تزوج بنت الإمام يحيى بن حمزة وهي أم هذه الشريفة فاطمة، وتوفيت فاطمة وقبرت في قبر أبيها الإمام - عليه السلام - وفي تابوته، وفي التابوت الكبير(2) ثلاثة: الإمام المهدي وابنته فاطمة والقاضي عبد الله - رحمة الله عليهم -، وأما أم الإمام الناصر - عليه السلام - فهي دهما بنت إدريس بن حمزة من آل المختار الساكنين (بمفحق) ونواحيها، وهي أول من قبر بقبة الإمام الناصر - عليه السلام - ثُمَّ ولدها الإمام الناصر، ثُمَّ السيد محمد بن يحيى، ثُمَّ الإمام المنصور، ثُمَّ والدته الحرة فاطمة بنت الأسد بن إبراهيم الأسد من آل أبي الهيجاء، ثم تبعهم من أولادهم بقية من في القبة، انتهى كلام السيد الهادي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(2) في (ب): الكريم.
قلت: وفي القبة بعض العلماء آل أبي النجم أيضاً - رحمة الله عليهم -، وهذه القبة هي التي ينسب إليها مسجد الإمام الناصر في (القطيع)، فيقال مسجد القبة، قال السيد الهادي عند تعداده لما عمر(1) الإمام صلاح الدين قال: من ذلك في (ذمار) قصرها ومحاسنها العامة، وفي (صنعاء) المسجد المبارك مسجد القبة، وعليه مدار أهلها،وفيه محاسن لا توجد في غيره ولا يزال ماؤه جديداً ويسنى فيه لكل صلاة حتى لصلاة الليل، وله مستغلات وأموال عظيمة تقوم به وبمن أقام به، وتزيد على ذلك، وينتفع بفضلاتها خلق كثير، فجزاه الله خيراً، حياً وميتاً، وهو الذي صير الجامع بـ(صنعاء) على الحال الذي هو عليه الآن، وكان فراشه الحصا، وأحدث المطاهر الليلية والنهارية وأزيلت /7/ مواضع الغائط عن الاتصال بالبركة النهارية، وجعل موضعها المطاهرات، وأما البركة فهي قديمة عمرها ورد سار على أمر يطول شرحه، روي أن الإمام الناصر(2) صرف في ذلك عشرة آلاف أوقية، وأنه كنس تحت المطاهر خمسة آلاف حمل.
قلت: وتجدد بعد ذلك من الأنظار للإمام شرف الدين - عليه السلام - جعل طريق الليلية إلى مؤخر الجامع فتح الطريق في مسجد كان عمره الغز، وجعل الشراريف على جدار السطح والسلطان سليم(3) أصلح في المصفى طرف الليلية، ثم زيد في إصلاحه أيام الإمام الأعظم المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين -عليهما السلام -.
__________
(1) في (ب): عمره.
(2) غير موجود في (ب): الناصر.
(3) في (ب): سليمان.
قال السيد جمال الدين: ومحاسن المدينة كلها من آثاره وآثار زوجته الحرة بنت الأمير الأسد بن إبراهيم، فإن لها العناية في مسجد الأبهر وعمرته، وهو من محاسن (صنعاء) وأكثر مساجدها سرحاً(1)، وجعلت له من المستغلات مثل الذي جعل الإمام لمسجده، منها أربع بؤر أو خمس في (صنعاء) (أحدها بئر المسجد ثُمَّ المسنا ثُمَّ علم الدين وغير ذلك من أموال الجهات بـ(صنعاء) و(رداع) و(خبان) وحدوث أكثر المساجد بـ(صنعاء)(2) بعنايته وله - عليه السلام - بأهل (صنعاء) عناية عظيمة رفع عنه(3) كثيراً من مطالب الدولة الجائرة مثل إنفاق الأجناد وغير ذلك، وأمرهم بصرف بعض الحقوق بأيديهم واستمر ذلك إلى وقتنا، قلت يعني وقت السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد حفيد صاحب الهداية وشيخ الإمام شرف الدين.
قال السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد حفيد صاحب الهداية وشيخ الإمام شرف الدين. قال السيد: وللإمام - عليه السلام - عمارة في القصر في أعلاه وأسفله كالمنظرة منظر السلوان وغيرها من محاسنه، وكذا في(4) أبوابه وطرقاته، وكالعمارة(5) بالأحجار المرمر المذاب بينهما الرصاص وسائر ما فيه من المحاسن، وله في عمارة المعقلي(6) قصر في حصن (ظفار) منزل عظيم لا يوجد مثله، سمي باسم قصر بناه الملك المؤيد بـ(ثعبات)(7) بقي أهل التمويه والزخرفة بعد فراغه سبع(8) سنين، ووقف المؤيد بعد فراغه أشهر، فسبحان من له الملك الأبدي، وكان هذا المنزل بقصر (ظفار) من محاسن ما عمر، وهو الذي أراد الإمام المطهر بقوله:
فما بنت المقاول في(9) (ظفار) ... كما بنت الفواطم في (ظفار)
__________
(1) في (ب): شرحاً.
(2) ما بين القوسين زيادة في (ب).
(3) في (ب): عنهم.
(4) في (ب): من.
(5) في (ب): وكالأمارة.
(6) في (ب): العتقلي.
(7) في (ب): سعيات.
(8) في (أ): بسبع.
(9) في (ب): من.
وأما (صعدة) فقصرها(1) المنصورة من عمارة الإمام المهدي علي بن محمد، وأما زيادة المسجد مسجد الهادي - عليه السلام - في التنبيه بنفسها وما حولها من المفاسح والعمارة على المشاهد المقدسة، وأصل البئر، وكانت بئره تنزع منها باليد، وكل(2) /8/ هذه المحدثات ولواحقها من الأسباب التي للمسجد المبارك بإشارة الإمام المهدي علي بن محمد، وولده الناصر - عليهما السلام - والمتصدي لذلك، والمعتني به حي(3) القاضي العلامة فخر الدين عبد الله بن الحسن الدواري - رحمه الله -.
قلت: وكان أصل الجامع اليحيوي بـ(صعدة) المؤخر إلى الجانب الشرقي الذي فيه محراب مستقل من عمارة الناصر بن الهادي، ثم فعل فيه الإمام المهدي ما ذكر، وكمل محاسنه الإمام شرف الدين بعناية(4) السيد شمس الدين، ويسمى الجامع المذكور بذي النورين - أعاد الله من بركاتهم -.
__________
(1) في (ب) فقصرها المعروف بالمنصورة.
(2) في (ب): فكل.
(3) لا توجد في (ب): حي.
(4) في (ب) بعناية ولده شمس الدين.
قلت: وسمَّ الأشراف الذين ذكر السيد الهادي أنه اتهم به السيد إبراهيم بن يحيى زوج الشريفة فاطمة بنت الإمام - عليهما السلام - هو الذي يضرب به المثل فيقال قمقوم الزعبري، والزعبري - بالزاي بعدها عين مهملة بعدها باء موحدة من أسفل - من أهل (صعدة)، اتفق أن بعض الأشراف بني حمزة وكانوا قبل(1) الإمام علي بن محمد ولاة البلاد وسلاطينها فاتفق أن الأشراف هتكوا حرمة بعض نساء الزعبري فاتخذ هذا السم وفعله(2) في قمقوم، ولزم السيد إبراهيم هؤلاء الأشراف، وكانوا سبعة بـ(الروس) من جبل بني عوير، وكانوا متقدمين إلى السلطان الأشرف، ثُمَّ أطعموا طعام فيه شيء من هذا السم، فهلكوا، وكان بنو حمزة قد طال مكثهم(3) وتسلطنوا سلطنة غير شرعية، فتقضت دولتهم على يدي الإمام المهدي وولده الناصر، قتل منهم في (أيام حربه خلق كثير، ثُمَّ ولده الإمام الناصر وأهل القمقوم الزعبري في أيامه)(4)، وكان ذهابهم على الحقيقة أيام ولد الإمام (5) الناصر الإمام المنصور بالله، قلت: وقد اتسع القول في ترجمة هذه السيدة والشيء بالشيء يذكر.
ومما ينبغي أن يلحق بذلك أنها غير الشريفة الكاملة الملكة فاطمة بنت الحسن بن الإمام صلاح الدين - عليهما السلام - وهي حَرِيَّة بترجمة مفردة لكمالها، وشرف جلالها وسياستها، وفزع الفضلاء إلى كنفها وجوارها، منهم السيد الإمام الصارم صاحب الهداية والفصول، وله أيام رحلته القصيدة(6) المشهورة الحمينية التي أولها:
(بالله يا من سلي ما حال صنعا اليمن).
__________
(1) في (ب): بعد الإمام.
(2) في (ب) وجعله في قمقوم.
(3) في (ب) ملكهم.
(4) ما بين القوسين موجود في (ب).
(5) سقط من (ب): الإمام.
(6) في (ب): قصيدته.
وهي في اللواحق الندية في ترجمة السيد الحسن بن الإمام الناصر صلاح الدين ما لفظه: وأما أخو الإمام المنصور بالله الحسن بن الإمام صلاح الدين، فأمه بنت طاهر بن عامر صاحب المشرق /9/ وكان في ابتداء الشباب، وله همة ونفس طالعة إلى المعالي والاستقلال بأمره، تزوج بكردية بنت الأسد ولم يكن له منها إلا الشريفة فاطمة بنت الحسن، وأراد ريحان الكثير أن يقومه على أخيه.
قلت: يعني المنصور بالله علي بن صلاح، وأن يخرجه إلى (ذروان)، ويظهر الخلاف، فاختار الله له خلاف ذلك ونقله إلى ما هو خير له من هذه الدار، ولطف به عن تقحم الأخطار الكبار، وتوفي بـ(ذمار) ودفن بقبة الإمام يحيى بن حمزة (- عليه السلام -)(1)، وأما ولده الشريفة المطهرة(2) الكاملة الملكة فتزوجت ابن عمها محمد بن علي(3)، ثم لما دعا المهدي صلاح بن علي بن أبي القاسم تزوجها من ابن عمها محمد بن علي بعد ذهاب نكاح ابن عمها محمد بن علي، وكان للإمام صلاح بن علي منها ولد يسمى علي بن صلاح، توفي بـ(صعدة) وهو عروس بابنة الأمير الحسن بن أحمد، ودفن بالقبة الشرقية بمسجد الهادي - عليه السلام - ولما توفي زوجها ملكت ممالك أهلها من المداين والحصون من (صعدة) و(صنعاء) و(ذمار) وحصون تلك المداين وما بينها، وكان لها همة وقوة وشدة بأس، ثم تقاصرت عليها البلاد حتى استقرت بـ(صعدة) مدة طويلة فوق ثلاثين سنة، ثم استولى عليها حي المنصور بالله الناصر بن محمد، وأخذ المدينة ونقلها إلى (صنعاء) فأقامت بدار زوجها الدار الكبيرة التي فوق مسجد الأبرز(4) حتى توفيت وقبرت بالقبة التي فيها أهلها - رحمهم الله جميعاً -.
قلت: ومما قيل فيها من المراثي:
بلقيس هذا العصر يا من علت ... قدراً على بلقيس في عصرها
ومتعت في ملكها مدة ... في نهيها الماضي وفي أمرها
__________
(1) سقط من (ب): ما بين القوسين.
(2) في (ب): الطاهرة المطهرة.
(3) غير موجود في (ب): محمد بن علي.
(4) في (ب): الأبزر.
يا بنت مولانا صلاح الهدى ... وسيد السادات بل صدرها
مخيف(1) ذي بغي وذي ريبة ... ومؤمن(2) السكان في قفرها
وفاتح الشام بأسيافه ... واليمن الأعلى إلى شحرها
ومنفذ الأحكام في برها ... ونافذ الأقلام في بحرها
ويا ابنة المهدي الذي استظهرت ... به يد الخلق(3) على غيرها
مجاهد الكفار في أرضها ... وقاتل الفساق في عقرها
ومن به بشر آباؤه ... في الخبر المسطور في جفرها
بأنه يُحْيي رسوم الهدى ... ويبذل المجهود في نصرها
لم تسمح الدنيا بمثل له ... في البيض والسمر وفي حمرها
/10/ الحب في ولاده(4) سائقاً ... فقلَّ من(5) يقفو على إثرها
بيض بهاليلُ همُ ما همُ ... هم خير من يشرب من قطرها
ودرة من بعدهم قد مضت ... أربت على الشمس مع بدرها
بنت ثمان بهجة بعدما ... جاوزت التسعين من عمرها
بها نهى الآساد في (غابها) ... وهي كما العذراء في خدرها
كأنها الزهراء في حلمها ... أو مريم العذراء في صبرها
معروفها المعروف عم الورى ... فكلهم يطنب في شكرها
وكل داع نال من جودها ... وكل قاض نال من برها
واغتالها الموت على أنها ... أمنع من عنقاء في وكرها
وما رعى قدراً لمن قدرُها ... أعلا من الجوزاء في قدرها
ومنها:
يا ناعي الصفوة قم فانعها ... واحكِ الذي قد كان من أمرها
ولست بالمغْرب عن وصفها ... لو كنت كالخنساء في شعرها
قلت: وهي طويلة فلنقف على هذا، وشهرتها ظاهرة، وآثار(6) مجدها باهرة.
قلت: وتولى لها كتابة الإنشاء.
__________
(1) في (أ): تخيف.
(2) في (أ): وتؤمن.
(3) في (ب): الحق.
(4) في (ب): الجب في أولاده سابقاً.
(5) في (أ): لمن.
(6) في (ب) وآيات.
فاطمة بنت عبد الله بن الهادي
السيدة البليغة، المنشئة(1) الشاعرة المجيدة، عين زمانها فاطمة بنت عبد الله بن الهادي بن يحيى بن حمزة - عليهم السلام - والدها مصنف (الجوهر الشفاف)، وكانت هذه الشريفة من المفاخر، ومن الحجج على السابقين للأواخر، وتزوجها السيد العلامة محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام يحيى (2)بن حمزة، وقد استغنينا بهذا الذكر عن إفراد ترجمة للسيدة فاطمة بنت عبد الله صاحب (الجوهر الشفاف).
فاطمة بنت يوسف بن محمد الحسني
السيدة العالمة الفاضلة، فاطمة بنت يوسف بن محمد الحسني الهدوي - رحمهما(3) الله تعالى - كانت من الفضليات، أفادني ذكرها شيخنا - رضي الله عنه - ولم يزد في شرح حالها على ما يدل على الفضل جملة، قال: أطلعني مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين المؤيد بالله محمد بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد - سلام الله عليهم - يوم الأربعاء ثاني عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ثماني وأربعين وألف بجوار مشهد الأمير الأعظم مجد الدين يحيى بن الأمير بدر الدين شيخ آل الرسول محمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - عند هجرة الحموس ببلاد (عذر)، وأراني خطها خطاً بيناً /11/ واضحاً كتبت كتاب (الجواهر(4) والمنن، المنتقى من كتاب السنن)، لأبي القاسم بن محمد بن الحسين اليمني المعروف في (الحجاز) الشُّقَيْفِي - بضم الشين المعجمة وفتح القاف وسكون المثناة التحتية ثُمَّ كسر(5) ثم ياء نسب - وكتبت في آخر الجزء الرابع، وهو الذي أطلعني عليه أمير المؤمنين - عليه السلام - دون سائر الأجزاء، هذين البيتين:
مرادي أن يرى بعدي رسومي ... فتى يدعو فينفعني الدعاءُ
فلا تجعل فراغك في فراغ ... فإن العمر ليس له بقاءُ
أعاد الله من بركتها.
__________
(1) في (ب) المنشدة.
(2) في (ب): يحيى - عليهم السلام -.
(3) في (ب): رحمها.
(4) في (ب): الجوهر.
(5) في (ب): ثم كسرفا.
أبو الفتح بن أبي القاسم بن أبي عمرو
القاضي العلامة، السابق في حلبات الفضل، المجلي لوجوه العلوم، المتسمى(1) بنصير الدين أبو الفتح بن أبي القاسم بن أبي عمرو النهمي، هو من أجلاء العلماء ونبلائهم مشهود له بالفضل المشهور، وتقدم عصره به على العصور، تولى القضاء للمنصور(2) بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ووسع الله في أجله حتى وازر الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وظاهره، وجاهد معه وناصره(3)، وقد سبقت ترجمته، ولا أدري هل ذكرت شيئاً من درر، كلامه أولا(4) فإنها كلمات در ونفائس غر، يقول فيها بعد أبيات سردها: (أما بعد يا بني الزمن، ومعاشر أهل (اليمن)، فقد أظلتكم طحنات الفتن، تبدي ما كمن، وتظهر ما بطن، وتقلقل ما سكن، وتسحب أذيال المحن، ولئن أغدقت سحائب أركانها(5)، وترادفت سدف ظلامها، فما يريد الله إغواءكم ولا ضلالكم(6)، ولا استمراركم فيما لا يرضى وإصراركم، إنما يريد الله(7) ليبلوكم حتى يعلم المجاهدين منكم والصابرين، ويبلو أخباركم)، وساق على هذا الأسلوب حتىقال: (فنجى امرؤ تليت عليه الآيات فتدبرها، وعرضت عليه الشبهات فأبصر الحجج البينات وآثرها، وعنَّت له الشهوات فنهى نفسه وزجرها، وعرف فئة الحق وإن قلت فصحبها، ورأى سفينة النجاة ولو صعبت فركبها، ?إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ (8) أُوْلُوا الأَلْبَابِ?[الرعد:19]، ثم ساق من الكلم الجوامع، والحكم النوافع، - رحمه الله تعالى- (9) .
__________
(1) في (ب): المسمَّى.
(2) في (ب) للإمام المنصور.
(3) في (ب): وقد سبقت ترجمة ولده وأخيه وفيه الحسن بن أبي الفتح وكان الحسن فريد وقته، ونسيج وحده.
(4) . ذكرها للحسن بن أبي الفتح، وترجم للحسن هناك في حرف الحاء..
(5) في (ب): ركامها.
(6) في (ب): إضلالكم.
(7) في (ب): أن يبلوكم.
(8) في (ب): يَذَّكر.
(9) سقط من (ب): تعالى.
أبو الفتح بن مدافع
الشريف السيد العالم المتكلم فريد الصفات، مرجع العلماء في المشكلات، ومفزعهم في المعضلات، أبو الفتح بن مدافع، قال السيد الإمام العلامة يحيى بن القاسم بن يحيى (بن القاسم بن يحيى)(1) بن حمزة بن أبي هاشم - رحمه الله - أنه أخو السيد البليغ محمد بن مدافع، وظاهر كلامه أن هذا أشهر، وله من العلم(2) ما تميز به على الأقران /12/ وهو من ولد الإمام الناصر للحق صاحب التفسير أبو الفتح بن الحسين بن الناصر بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - مقام هذا الأمير شهير، ومنزله في الفضائل خطير، ورد (اليمن) من (الديلم) فدعا، ولا يرتاب أحد في علمه ولا نسبه.
أبو الفرج بن هند
الشيخ الموفق، مكين الدين أبو الفرج بن هند، بارع وقته، وإنسان زمانه، كان قد حفظ المعقولات وتعلق بالفلسفيات حتى برع في ذلك، وصار برتبة لا يلحق، ثم تاب واستغفر، ورجع إلى مذهب الزيدية - كثرهم الله تعالى-، صحب(3) الإمام الناطق بالحق أبا طالب يحيى بن الحسين الهاروني صاحب (التحرير)، ومن شعره فيه:
سر النبوة والنبيا ... وزها الوصية والوصيا
إن الديالم(4) بايعت ... يحيى بن هارون الرضيا
ثم استردت(5) عادة الـ ... أيام إذ عانت عليا
آل النبي طلبتم ... ميراثكم طلباً بطيا
يا ليت شعري هل أرى ... نجماً لدولتكم مضيا
فأكون أول من يهز ... إلى الهياج المشرفيا
الفضل بن دكين
الفضل بن دكين المعروف بأبي نعيم. قال السيد الصارم إبراهيم بن محمد: إنه حافظ الشيعة وإمام زمانه، عده الحاكم في العيون من رجال الزيدية، ثم قال الذهبي: حافظ حجة، إلا أنه يتشيع من غير غلو ولا سب.
__________
(1) سقط ما بين القوسين من (ب).
(2) في (ب): وله في العلم.
(3) في (ب): وصحب.
(4) في (ب): إنَّ الديا.
(5) فراغ في (أ).
قال ابن معين: إذا ذكر نعيم(1) إنساناً فقال: هو جيد وأثنى عليه، فهو شيعي، وإذا قال: مرجي فهو سُنِّي. قال في الجامع: دُكين - بضم الدال المهملة وفتح الكاف وسكون الياء والنون - واسمه عمرو بن حماد بن زهير بن درهم مولى طلحة بن عبد الله التميمي.
الفضل بن أبي السعد العصيفري
الشيخ الفضل(2) بن أبي السعد العصيفري - رحمه الله - قال في (نزهة الأبصار) للعلامة المقرئ: هو الشيخ الفضل بن أبي السعد بن العروي بن الحسين بن أحمد العصيفري المعلي الريعي، وكان من المجتهدين الأحبار، والعلماء الأخيار، وكان ابن خوارزم وقته، له رسالة في الفرائض والحساب والمساحة وعلم الهيئة وما يتعلق بذلك، وقوله في هذه حجة ومحجة، وهو خدام الفرائض وابن(3) ثابتة، وكان آخره ابن السعد(4) كذلك، وكذلك له (الفايض في علم الفرايض) فوق عشرة /13/ أجزاء، والعقد أربعة، وشرحه القاضي الأعلم الأفضل جمال الإسلام والدين سلالة الأكرمين محمد بن حسن المذحجي، وشرح (البركات) الفقيه الرضى قاسم بن محمد بن قاسم الأعرج، وسماه بـ(الرياض الزاهرات الكاشف لمعاني البركات)، وله شرح على المفتاح، انتهى.
الفضل الدمتي
(5) الفقيه العارف الفضل الدمتي - رحمه الله تعالى - هو الشيخ الكامل، العلامة الفضل بن أبي الحسين بن أحمد الدمتّي - بالدال مهملة مفتوحة بعدها ميم ساكنة بعدها تاء مثناه من أعلى وياء النسب - نسبه إلى (دمت) المشهور، قرأ على أبي الغزال المصري القادم من (الكوفة)، و(العراق)، تفقه كثيراً من فقه الزيدية، وقرأ على الشيخ العارف محمد بن سليمان بن عبد الباعث كتاب (الجليل) للبطليوسي، وقرأ عليه العلامة إبراهيم بن محمد بن علي بن يحيى بن نزار - رحمه الله - وللفضل هذا خلاف في الفروع معروف.
__________
(1) في (ب): أبو نعيم.
(2) في (ب): أبو الفضل.
(3) في (ب): أبي.
(4) في (ب): أخوه ابن أبي السعد.
(5) في (ب): الشيخ الفقيه.
الفاضل الدمتي
العالم المحقق الفاضل(1) الدمتي ابن أخي الفضل المذكور آنفاً، عالم كبير، وصنوه أحمد من العلماء أيضاً، وقد اجتمعا في كتاب وجهاه إلى علمي العلم النيرين شيخي الفضل أحمد بن حميد بن سعيد الحاربي والمطهر بن تريك؛ لأنه بلغ الفضل وأخاه، أن هذين الفاضلين بايعا السيد شمس الدين أحمد بن قاسم الحسيني الزيدي في زمن الإمام محمد بن المطهر، فأجابهما ابن تريك بقصيدة فاضلة من جملتها:
فتوبوا عن ظنونكمُ الخواطي ... ليهديكم إلهكم الصراطا
أبو الفضل العباس بن سروين
الشيخ الوحيد، نادرة زمانه، قدوة الفضلاء أبو الفضل العباس بن سروين(2) سيرانا - رحمه الله -. قال الحاكم: عالم متكلم أديب فصيح زاهد. قيل: كان يحفظ مائة ألف بيت، وله كتب في الكلام حسان، مواعظه تشبه كلام الحسن، قرأ على قاضي القضاة، ورجع إلى بلده ودرس هنالك(3)، وقصر أيامه على العلم والعمل، وكان يدعو إلى التوحيد والعدل بقوله وفعله.
حدثني أحمد بن علي بن مخلد قال: اجتمع جماعة كنت فيهم، فأنشأنا أشعاراً، فعرضناها على أبي الفضل فحكم لي بالسبق، ثم قال لي: لا تضيع أيامك، واشتغل بالعلم، ثم أنشد:
ضاع عمر الشباب عني وأخشى ... أنَّ عمر المشيب أيضاً يضيعُ
قلت: ومما نقله العلامة محمد بن الوليد الزيدي(4) القرشي عنه من روائع(5) كلمه، ما /14/ أكلته راح، وما وهبته فاح.
قلت: ومقالات(6) هذا الفاضل شهيرة، وقد ينقل عنه النقل من الأصول إلى الفروع، فنسب إلى المعتزلة كما ذكره في التذكرة وغيرها في معنى ترك(7) السنن، وهو أحج(8) علمائنا بـ(العراق) - رحمه الله تعالى- (9).
قال العلامة محمد بن سليمان - رحمه الله - في (كتاب الروضة) أبو الفضل بن شروين من علماء الزيدية.
__________
(1) في (ب): الفاضل الفضل الدمتي.
(2) في (ب): شيروين.
(3) في (ب): هناك.
(4) سقط من (ب): الزيدي.
(5) في (ب): يوانع.
(6) في (ب): مقالة.
(7) في (ب): دترك.
(8) في (ب): أحد.
(9) سقط من (ب): تعالى.
قلت: وله كتاب يسمى (المدخل إلى مذهب الهادي(1) - عليه السلام -)، وقد سمي بهذا الاسم عدة كتب في فنون مختلفه، واسمه كما ترى العباس، لكنه إن(2) طلب لا يخطر بالبال إلا في هذا المحل لاشتهاره بالكنية، وهذه الكنية الشريفة قد اشتهر بها من أصحابنا العراقيين - رحمهم الله تعالى-(3)، منهم(4) أبو الفضل الناصر من الأجلاء الأماثل، وقد مر بذهني أنه دعا، وهو مصنف كتاب (الوافي) اسمه كاسم كتاب علي بن بلال، وله كتاب (كشف الحق)، ومنهم أبو الفضل شهراشويه المدفون في (مالفحان)، صاحب (حاشية الإبانة)، ومنهم أبو الفضل(5) شهردوير صاحب (دلائل التوحيد) في الكلام وتفسير القرآن، وله أخ اسمه إسماعيل، عالم كبير، وذكر الملا يوسف الحاجي الناصري الزيدي - رحمه الله - هذا، وذكر قبله شهردوير بن يوسف(6) الديلمي المرفاني صاحب(7) (لوائح الاختبار في بحث الروح والنور والقبر)، وقال: إن هذا المسمى بأبي الفضل أبوه(8) ولعله حينئذ شهردوير بن شهردوير بن (يوسف(9)، وقد ذكر) في حواشي الإبانة (في باب الوقف شهردوير بن علي هكذا في حواشي الإبانة)(10)، ولعله شهردبير - بعد الراء المهملة دال مهملة بعدها باء بواحدة(11) بعدها تحتية مثناة آخره راء مهملة - كما ذكر هذا السيد أحمد بن أمير(12) الحسني القادم من (العراق) في إجازته للشباطي.
قلت: قال بعض العلماء: دبير بمعنى شيخ، وشهرا اسم المدينة، أي شيخ البلدة(13)، قدم المضاف إليه على المضاف على عادة العجم.
__________
(1) زيادة في (ب): إلى الحق.
(2) في (ب): إذا.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): جماعة منهم.
(5) في (ب): أبو الفضل بن شهردوير.
(6) في (ب) شهردوير بن يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الديلمي.
(7) في (ب): صاحب كتاب.
(8) في (ب): ابنه.
(9) في (ب): علي هكذا.
(10) ما بين القوسين لا يوجد في (ب).
(11) في (ب) بواحدة من أسفل.
(12) في (ب): مير.
(13) في (ب): البلد.
الفضل بن العباس الأنصاري
الفاضل العلامة، بهاء الإسلام الفضل بن العباس الأنصاري، من أعيان أصحاب الهادي(1) (- عليه السلام -)(2) والملازمين لعلومه وأعلامه، وهو كثير الرواية لأحوال الإمام لكثرة اختصاصه به، وكثيراً ما يروي عنه أبو العباس الحسني تارة بواسطة، وتارة بغير واسطة، فمما رواه أبو العباس عنه قال: حدثني سليم مولى فلان سماه لي، وكان يلي خدمة الهادي - عليه السلام - في داره، قال: كنت أتبعه حين يأخذ الناس فرشهم بالمصباح في أكثر لياليه إلى بيت صغير في الدار كان يأوي إليه، فإذا(3) دخله صرفني، فأنصرف، فهجس بقلبي ليلة(4) أن أحتبس، وأبيت على باب المسجد، أنظر ما يصنع، قال: فسهر - عليه السلام - الليل /15/ أجمع، ركوعاً وسجوداً، وكنت اسمع وقع دموعه - صلى الله عليه - ونشيجاً في حلقه، فلما كان الصبح سمع حسي، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: سليم، ما عجل بك في غير حينك؟ قلت: ما برحت من البارحة جعلت فداك، قال: فرأيته اشتد ذلك عليه وحرَّج عليّ ألاَّ أحدث به في حياته أحداً، فما حدثنا به سليم إلا بعد وفاة الهادي(5) - عليه السلام - في أيام المرتضى.
ومما روى السيد أبو العباس عن الفضل المذكور عن عبد الله بن أحمد الطيب قال: كان يحيى بن الحسين - عليه السلام - يقول كثيراً: أنا آخذ لنفسي مثل ما أعطي أحدكم، وأنه قسم يوماً شيئاً من التمر فحبس منه ضعفي ما أعطى الواحد منا فداخلني من ذلك شيء لقوله الذي كان يقوله، ورابني من(6) ذلك إلى أن قدم بعض الغُيَّب من أصحابه من وجه بعثه فيه، فأخرج إليه نصيبه مما كان حبسه فخنقتني العبرة، وجعلت أُقبِّل أطراف الهادي(7)، وأخبرته بالأمر، فقال: أنت في حل يا أبا العباس وسعةٍ من جهتنا.
__________
(1) في (ب): الهادي إلى الحق.
(2) سقط من (ب): عليه السلام.
(3) في (ب): وإذا.
(4) في (ب): فهجس ليلة بقلبي.
(5) في (ب) زيادة: على الحق.
(6) سقط من (ب): من.
(7) زيادة في (ب): واعتذرتُ إليه.
الفضل بن عبد الله بن الحسن
السيد العلامة البليغ، الفضل بن عبد الله بن الحسن بن محمد العباسي - رحمه الله - كان فصيحاً بليغاً أيام الإمام الواثق المطهر بن محمد، و(1) كان يسكن الجراجيش في (ذمار)، وكان جده الحسن بن محمد رئيساً كبيراً، وللحسن أخ اسمه صلاح، وكان رئيساً سامياً خطيراً، وفي ذلك (الصفة)(2) عدد كبير من أولاد العباس بن علي، منهم من يسكن جبل بني الجرادي غربي (ذمار)، ومنهم من يسكن خبان، (كالعلامة المجاهد السابق في الخير)(3).
الفضل بن الزبير(4)
العلامة المجاهد السابق في الخير، الفضل بن الزبير، المسمى بالرشان، ويقال: الرشاء، هو عم أبي أحمد الزبيري صاحب دعوة زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي في موضعين، قال: إنه ممن اشتهر بالأخذ عن زيد بن علي - عليه السلام - وتأخر موته عن موت الإمام - عليه السلام -.
__________
(1) سقط الواو من (ب).
(2) فراغ في (ب).
(3) سقط من (ب): ما بين القوسين.
(4) هذا الترجمة غير موجودة في (ب).
الفضل بن الزبير
الفضل(1) بن الزبير، هو رسول زيد بن علي إلى أبي حنيفة للبيعة، قال فضل فأنَّبته، وأبلغته(2) رسالة زيد بن علي (3) فخرس لا يدري ما يرد علي، ثم قال: ويحك ما تقول أنت؟ فقلت لو نصرته، فالجهاد معه حق، قال: فمن يأتيه في هذا الباب من فقهاء الناس؟ قلت: سلمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهارون بن أسعد(4)، وأبو هاشم الرماني، وحجاج بن دينار وغيرهم، فعرفهم وقال لي: إذهب اليوم، فإذا كان الغد فأتني لا تكلمني بكلمة إلى أن يجيء فتجلس في ناحية فإني سأقوم معك، فإذا قمت فاقفُ أثري فاتيته من الغد، فلما رآني قام فتبعته فقال: أقرئه مني السلام وقل له: أما الخروج معك، فلست أقوى عليه، وذكر مرضاً كان به، ولكن لك عندي معونة وقوة على جهاد /16/ عدوك، فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح، وبعث بها إلى زيد(5)، ويقال: إنه كان ثلاثين ألف درهم، ويقال: دينار.
__________
(1) في (ب): الفضيل.
(2) في (ب): فأبلغته.
(3) سقط من (ب): بن علي.
(4) . في الإفادة و (ب): هارون بن سعد.
(5) زيادة في (ب): فقوى بها أصحابه.
الفضل بن علي بن المظفر
الأمير نظام الدين الفضل بن علي بن المظفر العلوي العباسي - رحمه الله - كان أميراً كبيراً، متبوعاً حسن الاستقامة، وله إجازات في علوم عدة من إمامِه المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - تدل على جلالته، وكان شديد الاختصاص بالإمام يقرنونه(1) بأولاده في الذكر، وشهد الحروب، وحشد القبائل لنصرة الحق، وهو أحد الداخلين إلى الأمير بدر الدين محمد بن أحمد - رضي الله عنه - بعد موت الإمام المنصور بالله - عليه السلام - يطلبونه القيام وهو بهجرة (قطابر)، فاعتذر وجزم بأن المصلحة في عقد الحسبة(2)؟ الناصر لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله - عليهما السلام - والداخل إلى ذلك(3) الأمير نظام الدين هذا، والأمير جعفر بن الحسين بن داود الحمزي، والفقيه العالم الزاهد علي بن أحمد الأكوع، فقال الأمير بدر الدين: أما أنا فلا أصلح لهذا الأمر لأمور أعرفها من نفسي ولا أعرف من يصلح لهذا الأمر من إمام سابق، وأنه لا يصلح لهذا الأمر إلا من اختاره الإمام المنصور بالله في حياته، وبرز في ميادينه(4) بعد مماته - سلام الله عليه - وعرف شجاعته وبسالته، إلى آخر كلام الأمير، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - لهذا ذكر.
__________
(1) في (ب): بقربه.
(2) في (ب): الحسبة للأمير الناصر.
(3) في (ب): إلى هنالك.
(4) في (ب): فيما يدينه.
أم الفضل بنت المرتضى [ - 773 ه ]
الشريفة الطاهرة الزكية أم الفضل بنت المرتضى بن المفضل(1) بن منصور، هي أحد(2) الأخوات الفضليات الكاملة صفية - وقد أفردنا لها ترجمة - وفاطمة، قال السيد جمال الدين الهادي بن الوزير: كانت عابدة زاهدة تتلو القرآن، وتتحلى بطرائق الإيمان، وتحافظ على الصلاة بمعرفة وإتقان، وتمكين الأركان، وخشوع للرحمن، وإقبال على الملك الديان، وكانت لا تشاكل في شرف النفس وفي العبادة على أفضل الحالات وأجمعها للخيرات، من المؤمنات الطاهرات الفاضلات القانتات الصالحات، توفيت سنة أربع وستين وسبعمائة.
__________
(1) سقط من (ب): بن المفضل.
(2) في (أ): أحد.
وهذه أم الفضل هي ثانيتهن. قال السيد جمال الدين: كانت تلو أختها صفية في العبادة والزهادة والوصائف الحسنة، واختصت بأمور من الفضل، منها ترك الزواج للتخلي للعبادة، فلم تتزوج قط بعد أن خطبها فضلاء السادة، فرغبت في العبادة المرضية، والطاعة لباري البريئة، وكانت قرأت كتاب (جملة الإسلام) ليحيى بن منصور، و(نُكَت) القاضي جعفر /17/ بن أحمد، ولم يكن لها في سائر العلوم قراءة إلا مطالعة، وكانت ناقلة للكتاب العزيز، مقبلة على تلاوته في الأسحار، وآناء الليل وأطراف النهار، وابتليت بالشك، فكانت لا ترضى؟ طعام أحد خشية التساهل في الطهارة، ولا تكتسي إلا من غزل يدها، وكانت لا تخرج إلى النساء الغير المحارم واللاتي يختلفن في الدور حتى الممات، ولم تشتغل بغيرها، وكان لها خفر عظيم ليس لأحدٍ ولكن(1) كان محمد بن إبراهيم بن المفضل(2) ابن عمها وأخاها من الرضاعة، فكانت لا تواجهه إلا وعليها ثياب الخفر وخمارها على وجهها من شدة الحياء، وكانت قراءتها في شهر رمضان كل يوم ختمة قراءة متقنة معروفة(3) مرضية تتلا عن ظهر قلبها - رحمة الله عليها-، فهي كاسمها أم الفضل بلا شك ولا ريب، وأعطاها الإمام محمد بن المطهر شيئاً من الثياب وكذا الإمام علي في وصولها إليهما(4)، واستطابته وجعلته كفناً، وكان الذي أعطاها الإمام علي درعه(5) وشيئاً معها.
قال السيد الهادي الكبير - رحمه الله -: توفيت في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.
الفضل بن يحيى بن جعفر
العلامة رباني العلوم، حافظ علوم العترة الفضل بن يحيى بن جعفر بن أحمد بن أبي يحيى - رحمه الله - ترجم له السيد العلامة يحيى بن القاسم الحمزي، وقال: إنه من مشيخة الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - سلام الله عليه-، وإنه ممن تولى تدريسه وتخريجه.
__________
(1) في (ب): وقد.
(2) في (ب): مفضل.
(3) في (ب): معربة.
(4) سقط من (ب): إليهما.
(5) في (ب): دراعه.
فليتة بن أحمد بن سليمان
السيد الشهيد ربى حجر الخلافة بهاء الدين فليته بن أمير المؤمنين أحمد بن سليمان(1). قال السيد العلامة صلاح بن الجلال - رحمه الله - في حقه: إنه بلغ إلى رتبة الإمام، وأخوه المحسن مثله ونزلا لغرض إلى تهامة فقتلا، وأمهما بنت السلطان فليتة، وما يحضرني شيء من أحوال السلطان إلا صحبته للإمام ومبايعته، ثم ما جرى منه إلى الإمام في آخر الأمر، وقبضه للإمام في ثاقب.
فليتة بن جعفر القاسمي
الشريف الأمير فليتة بن جعفر القاسمي، كان خطيراً علامة شهيراً، من أنصار الدين إماماً في العلوم، فايق النظم والنثر، ومن شعره - رحمه الله - القصيدة المشهورة التي طالعها:
شجاك من الربع القديم التذكر ... وهيهات قد مرت ليالٍ وأعصر
وحالت به الحالات حتى تنكرت ... معالمه واستفهم المتحير
منازل كانت بالقطيع فأقفرت ... وقصر لذي غمدان شادته حمير
(بصنعاء) إذ صنعاء للملك منزل ... وللساكنيها جنة تتخير
منازل سام لم تزل مذ زمانه ... إلى اليوم بالأملاك والملك تعمرُ /18/
على عهد نوح والخليل وسبطه ... وموسى وعيسى عنده الدين مظهر
وأول أرض قيل فيها محمد ... نبي له في آل هود مبشرُ
بها الخير إما كنت للخير باغياً ... وإما شجاك المشرب المتكدرُ
إلى آخرها، وهي جيدة.
__________
(1) في (ب): الإمام أحمد بن سليمان - عليهم السلام -.
فياء حسن بن بوية [ - 372 ه ]
السلطان الكبير عضد الدولة فباحسدو بن الحسن بن نوبة أبو شجاع بن ركن الدولة من بني ساسان الأكبر، هذا أظهر الأقوال في نسبهم، وقال في (قلائد الجمان): آل بويه من أولاد يافث، وقيل من بني باسل بن أسور بن سام، وقيل: هم من العرب، وهو قريب مما قبله، إلا أن هذا القائل نسبهم إلى باسل بن طائحة بن إلياس بن مضر، وضعفه أبو عبيدة(1)، قال الجلال الأسيوطي في (البغية): إنه أحد العلماء في العربية (2) والأدب، كان فاضلاً نحوياً شيعياً، له مشاركة في عدة فنون، وله في العربية أبحاث حسنة وأقوال، نقل(3) ابن هشام الخضراوي في الأفصاح أشياء، وكان كامل العقل، غزير الفضل، حسن السياسة، شديد الهيبة بعيد الهمة، ذا رأي ثاقب، محباً للفضائل، تاركاً للرذائل، نازلاً في أماكن العطاء ممسكاً (في أماكن الحزم، له في الأدب يد متمكنة ويقول الشعر، تولى ملك فاس ثُمَّ ملك الموصل وبلاد الجزيرة ودانت له البلاد والعباد)(4). وهو أول من خطب له على المنابر بعد الخليفة، وأول من لقب في الإسلام شاهنشاه، وله صنف أبو علي(5) (الإيضاح والتكملة)، وهو الذي أظهر قبر علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بـ(الكوفة) وبنى عليه المشهد، مات يوم الاثنين ثامن شوال سنة اثنين وسبعين وثلاثمائة بعلة الصرع بـ(بغداد)، ونقل إلى (الكوفة)، وعاش ثماني وأربعين سنة، انتهى ما أحببت نقله من كلام الأسيوطي(6)، قال عبد الله اليافعي في تاريخه: إنه كتم عن الناس موته إلى أول سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة حتى أحضروا ولده صمصام الدولة، فجلس للعزاء و جاء الطالع إلى صمصام فعزاه، ثم ولاه الملك وعقد له لوائين، ولقبه شمس الدولة.
__________
(1) في (ب): أبو عبيد.
(2) في (ب): بالعربية.
(3) في (ب): نقل عنه.
(4) مابين القوسين زيادة في (ب).
(5) في (ب): أبو علي الفارسي.
(6) في (ب): السيوطي.
قلت: ذكره في رجال الزيدية الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله - عليه السلام - وهو الخريت الماهر.
قال الحاكم في العيون عند تعداد من قال بالعدل والتوحيد من الولاة ما لفظه: ومنهم آل بويه أكثرهم يميل إلى التوحيد والعدل ومذهب الزيدية، فمنهم عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه، وركن الدولة أبو علي(1) الحسن بن بويه، ومعز الدولة أبو الحسين بن بويه، وكان أبو الحسين يقيم بـ(بغداد) يقدم أهل /19/ الكلام، وكان يميل إلى الشيخ أبي عبد الله، ولما مرض مرض موته دعا الشيخ أبا عبد الله حتى لقنه بشرائط التوبة، ولزمه حتى مات، وقال يوماً للإمامية: أين إمامكم؟ فقيل(2): وأين إمامك؟ فقال: هذا، وأشار إلى أبي عبد الله بن الداعي، وتوافقت الرافضة والحشوية على قصد الشيخ أبي عبد الله، وأغرى أبو الحسن بن علي الطيب نقيب العلويين به أهل (كرخ) وبلغ ذلك معز الدولة، فاستعظم غاية الاستعظام، وأنكر ذلك عليهم إنكار مثله، وأمر برده إلى مجلسه، وأنفذ إليه أكابر دولته تعظيماً له، وكان يعظمه لعلمه واعتقاده، ولأنه أستاذ أبي عبد الله(3) الداعي، فأما عضد الدولة أبو شجاع فياخسرو بن الحسن فقد اشتهرت أخباره بالسياسة وحسن السيرة وبسط العدل، وله حظ وافر في العلم والأدب وشعر الملوك، وكان زيدياً يقدم أهل العدل، فلما دخل (بغداد) أحب أن يلقاه الشيخ أبو عبد الله، (وكان الشيخ يأبى ذلك حتَّى حمله الأصحاب على المصير إليه، وكان به النقرس فحمله الأشراف)(4) وكان المخالفون ينتظرون دخوله ويقولون: إن مدحه ودعا له ترك مذهبه وإلا أوقع به، فلما دخل داره استقبله عضد الدولة إلى صحن داره، وسأله عن حاله فقال: أصلح الله الأمير، وزينه بالعدل فإن الملك يبقى مع الكفر (ولا يبقى مع الظلم)(5)، ثم
__________
(1) في (ب): أبو علي بن الحسن.
(2) في (ب): فقيل له.
(3) في (ب): عبدالله بن.
(4) ما بين القوسين زيادة في (ب).
(5) مابين القوسين زيادة في (ب).
سأل عضد الدولة عمن كان معه من أصحابه واحداً واحداً، وأمر لهم بجائزة حسنة.
قال السيد أبو طالب: وكنت ممن حضر ذلك المجلس ووصل إلى جائزته وانصرف أبو عبد الله، (ومنهم مؤيد الدولة بويه بن الحسن أبو منصور، وهو خليفة عضد الدولة وزر له الصاحب، ومنهم)(1) فخر الدولة أبو الحسن بن علي بن الحسن بن بويه وزر له الصاحب مدة، وفي مؤيد الدولة يقول الصاحب:
مفاخر ما نالها قط أحد ... يحوزها المولى الهمام(2) المعتمد
مؤيد الدولة وابن ركنها ... وابن أخي معزها أخو العضد
وكان يقدم قاضي القضاة، ويعظمه إعظام مثله، وكذلك أمراء آل بويه بعده، ومنهم مجد الدولة بن فخر الدولة، وله صنف القاضي كتابه الملقب بالمحدى، وأما (مختار)(3) بن معز الدولة فخلط الرفض بالمذهب، وكان ماجناً. وكان المتقدمون منهم يذهبون مذهب العدل ويميلون إلى الزيدية إلى أن انتهى الأمر إلى أواخرهم فدخلوا في عهد القرامطة وانقطعت دولتهم.
__________
(1) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(2) في (ب): الإمام.
(3) في (ب): يختار.
قلت: ومن عجيب أمر عضد الدولة ما حكاه الفاضل (السيوطي)(1) جريح الأئمة خلاصة العترة في كتاب (نشوات(2) المحاضرة) قال: حدث عضد الدولة قال: حدثتني أمي أنها كانت ولدت لأبي ابناً /20/ كناه أبا دلف، فعاش مدة يسيرة ومات فحزنت عليه ولحقني جزع كاد أن يأتي على نفسي إشفاقاً من أن ينقطع عقبي من(3) ركن الدولة، ولما في طبع النساء من استنكار المصائب، ثم إن مولاي ركن الدولة سلاني وأقبل عليّ، وتطاولت الأيام فسلوت وإني بعد ذلك ونحن بأصفهان فحملت حملاً، فلما عرك في فؤادي لحقني من الخوف والقلق والجزع أعظم شيء خوفاً من أن ألد بنتاً؛ فينقطع في الحقيقة رؤيتي لركن الدولة فضلاً عما سواها لشدة (كراهته)(4) في الإناث، وكنت أعزي نفسي بالمنى إلى أن دخلت في شهري فلم تقر بي الأرض خوفاً وجزعاً، وأقبلت على البكاء بين يدي الله - عز وجل - والصلاة كل ليلة أكثر الليالي، والدعاء أن يجعله ولداً سوياً محظوظاً، فكنت أسهر أكثر الليالي وأصلي وادعو، فلما كان بعض الليالي أكثرت ونمت على حصر المحراب، وكنت قد نقلت فرأيت في النوم كأن شيخاً نظيفاً عريض اللحية والأكتاف أعين قد دخل عليّ، فلما تَبينت صورته علمت أنها صورة غير ركن الدولة، فارتعت وقلت يا جواري من الذي يتجاسر أن يدخل إليّ غير مولاي ركن الدولة، فتساعى الجواري نحوي فزجرهن وقال: أنا علي بن أبي طالب، فقمت أسعى إليه وقبلت الأرض بين يديه، فقال: لا لا فقلت: يا أمير المؤمنين قد ترى ما أنا فيه؛ فادع الله - عز وجل - أن يجعل حملي ذكراً سوياً، فقال: يا فلانة، وسماني باسمي، قد فرغ الله من هذا، إنك ستلدين ولداً ذكراً(5) سوياً، سعيداً ذكياً، عاقلاً بارعاً في آداب وعلوم، كثير المال، عظيم الذكر، عالي السلطان، عزيز الشأن، شديد البطش، جليل الخطر في الملوك، متيقظاً في سياسته،
__________
(1) في (ب): التنوخي.
(2) في (ب): نشوان.
(3) في (ب): عن.
(4) في (ب): كراهيته.
(5) زيادة في (ب): نجيباً.
يملك هذه البلاد و(فارس) (وكرمان)(1) و(البحرين) و(عمان) و(العراق) و(الحيرة) إلى (حلب)، ويكون من حاله كذا، ويملك كذا، ويسوس الناس بالرهبة، ويغلب الأعداء، ويكون من أعظم الملوك شأناً، وأكثرهم أموالاً وفتوحاً، وذكر شيئاً طويلاً، ووصف أشياء كثيرة، ويعيش كذا وكذا سنة، ويملك بعده ولده، ويكون من حالهم كذا وكذا، ويكون آخر من يملك منهم شيخاً ينتقل الملك على يده. قال عضد الدولة: فلما ذكرت هذا المنام، وتأملت أمري، ووجدته كما قال حرفاً بحرف، ومضت السنون وانتقلت إلى فارس، لما استدعاني عماد الدولة واستخلفني عليها، ونشأت وصرت رجلاً، ومات أبي وخدمني أبو الحسين المنجم الصوفي(2)، وكان(3) أبو الحسين قد علم المنام ومضت سنون واعتللت علة ضعيفة آيس مني فيها الطبيب، وآيست من نفسي، وكان تحويل سنتي تلك في /21/ النجوم رديئاً جداً، وزادت العلة حتى أمرت أن يحجب الناس كلهم ولا يصل إليّ أحد البتة إلا صاحب النوبة في أوقات، ومنعت الطيب أيضاً فأقمت ثلاثة أيام وأربعة أيام، وأنا أبكي في خلواتي على نفسي، فجاءني صاحب النوبة فقال: أبو الحسين الصوفي منذ الغداة يطلب الوصول، وقد جهدنا به في الانصراف بكل طريق جميل ورفق فلم ينصرف وقال: لا بد لي من الوصول إليه، وقد عرفته أن قد رسم إلي ألاَّ يصل إليه أحد من خلق الله تعالى أجمعين، فقال الذي حضرت به بشارة لا يجوز تأخيرها، فعرفه هذا واستأذنه في وصولي. فقلت له: - بضعف صوت وكلام خفي - يريد يقول بلغ الكوكب الفلاني المكان الفلاني، ويهذي علي من هذا الجنس ما يضيق به صدري، ويزيدني على ما أنا فيه وما أقدر على سماع كلامه، فانصرف فخرج الحاجب ورجع متعجباً وقال: إما أن يكون أبو الحسين قد جن، أو معه أمر عظيم، وإنني عرفته ما قال مولانا، فقال: ارجع إليه وقل(4) له: والله لو أمرت بضرب عنقي ما
__________
(1) لا توجد في (ب): كرمان.
(2) في (ب): الصوفي المنجم.
(3) في (ب): فكان.
(4) في (ب): فقل.
انصرفت أو أصل إليك، ووالله ما أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة، فعجبت من ذلك عجباً شديداً مع علمي بعقل أبي الحسين وأنه ممن لا ينحرف(1) معي في شيء، وتطلعت نفسي إلى ما يقوله؛ فقلت: ادخله، فلما دخل قبل الأرض، وبكى وقال: أنت والله في عافية(2) واليوم تبرأ، ومعي معجزة بذلك، فقلت: ما هي؟ فقال: رأيت البارحة علي بن أبي طالب - عليه السلام - والناس يهرعون إليه يسألونه حوائجهم، وكأني قد قدمت إليه(3)، وقلت: يا أمير المؤمنين أنا رجل غريب في هذه البلاد تركت نعمتي (بـ(الري)) وتجارتي وتعلقت بخدمة هذا الأمير الذي أنا معه وقد بلغ إلى حد اليأس من العلة، وقد أشفقت من هلاكه، فأهلك بهلاكه، فادع الله تعالى بالعافية له، فقال: تعني أبا الحسن بن بويه، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: امض إليه غداً وقل له: أنسيت ما أخبرتك به أمك في المنام عني وهي حامل(4)، أفليس قد أخبرتها عدة(5) عمرك وأنك ستعل(6) كذا وكذا سنة علة ييأس منك فيها أطباؤك وأهلك، ثم تبرأ وأنت تصح من هذه العلة غداً ويتزايد(7) صلاحك، وتركب وتعود عاداتك ولأقطع عليك قبل الأجل الذي أخبرتك به أمك عني. قال عضد الدولة: وكنت قد أنسيت المنام وأن أمي قالت لي في المنام إذا بلغت هذه السنة أمرض فحين سمعت الحال حدث لي في نفسي في الحال قوة ونشاط، فقلت: أقعدوني، فجاء الغلمان وأمسكوني(8) حتى جلست على الفراش (9) واستعدت حديث أبي الحسين فأعاده فقويت /22/ نفسي أيضاً، وتولدت لي شهوة الطعام واستدعيت الأطباء فأشاروا بتناول غداء وصفوة(10)، وعمل في الحال؛ فأكلته ولم ينقضٍ اليوم(11) الذي قال عنه أبو الحسين حتى
__________
(1) في (ب): يحرف.
(2) في (ب): في عافية لا بأس عليك.
(3) في (ب): تقدمت.
(4) في (ب): حاملة.
(5) في (ب): بمدة.
(6) في (ب): ستعتل.
(7) في (ب): وتزايد.
(8) في (ب): وأمسكوني وأقعدوني.
(9) سقط من (ب): الفراش.
(10) في (ب): غذاءه وصفوه.
(11) في (ب): وقال.
نالني من الصلاح أمر عظيم وأقبلت(1) العافية، فركبت وعاودت عاداتي، قال عضد الدولة: كنت أشتهي ألاَّ يكون في المنام شيء، وكنت أشتهي أن يكون فيه شيء، أما ما كنت أشتهي ألاَّ يكون فيه فهو أنه (وقف على(2) (حلب) أن أملكه)، ولو كان عنده أني أملك شيئاً من وراء (حلب) لقاله، وكأني أخاف أن يكون هذا حد ملكي من تلك الناحية، يعني(3) أنه لما جاء الخبر بإقامة سيف الدولة(4) لي بحلب وأعمالها ودخوله تحت طاعتي، وذكرت(5) المنام فتنغص عليّ لأجل هذا الاعتقاد، وأما(6) ما كنت أشتهي أن يكون فيه، فهو أني أعلم من هذا الذي يملك من ولدي وهو شيخ وينتقل الملك على يديه، فمات عضد الدولة بعد هذا بنحو سنتين.
__________
(1) في (ب): وأمسكوني وأقعدوني.
(2) في (ب): أني أملك حلب.
(3) في (ب): حتى.
(4) في (ب): الدعوة لي بحلب.
(5) في (ب): وذكر.
(6) في(أ): وأمَّا كنت.
قلت: هذه الرؤيا دالة على عناية أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - بمحبيه وإن فقدوا شيئاً من الاستقامة في المعاملة لله، فأقاموا(1) بأمر وهي المحبة إذا زلت بصاحبه قدم ثبتته أخرى، وهذا قد اتفق لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيمن أحب ولده - عليه السلام - وإن كان في الولد جفاء واتفق أيضاً منه في المنامات غضب على من أساء إليهم، وقد أحسن أبو هاشم المعتزلي في قوله: لا يحل سب العاصي الهاشمي حشمة من(2) رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأحسن منه قول الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام -: إنه يتبرأ من فعل الفاطمي ولا يتبرأ منه، ومثله بالآية المنسوخة الحكم فإنه لا حكم لها، وحرمتها باقية لا يحل للجنب مسها، وكذلك كانت فاطمة - عليها السلام - تغضب لغضب ولدها ويشاهد منها في المنام ما هو أشد في الغضب من اليقظة، وكان يتفق لي (جزوء مجلده)(3) من هذا القبيل، حكى كثيراً منه السخاوي الشافعي، وقد اعتنيت بذكر(4) شيء عند ترجمة الأعمش - رحمه الله تعالى - وأذكر هنا كالبرهان لما قلته ما حكاه الشريف ابن عنبة في (العمدة) ما لفظه: ووجدت عن بعضهم أنه(5) لما قتل زيد بن علي - عليه السلام - وصلب، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تلك الليلة مستنداً على خشبة وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون أتفعلون هذا بولدي؟!.
__________
(1) في (ب): قاموا.
(2) في (ب): حشمة لرسول الله…
(3) في (ب): جزء مجلد.
(4) زيادة في (ب): قال.
(5) في (ب): وقد كاد.
وحكى ابن عنبة في (العمدة) الكبرى أنه حكى شيخ الشرق النسابة وأبو علي النسابة العمري أن الشريف أبا القاسم بن أبي جعفر الأدرع الحسني أراد بيع جارية يقال لها فرعان، فرأى أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - في نومه يقول: لا تبع فرعان فهي حامل، ورأت أخته أم /23/ القاسم بنت أبي جعفر الأدرع فاطمة - عليها السلام - تقول لها: ذلك فأمسكها فولدت سمانة بنته.
قلت: وكان محب آل محمد أحمد بن موسى سهيل الرازي(1) من عيون المحبين لعلي وأسرته وهو بذلك مشهور، وقد مضت ترجمته، ولَعَلَي ذكرت القصة هناك، أخبرنا الثقات أنه بات بمنزله بـ(صعدة)، وقد أشفى على الانهدام، وهو لا يشعر، فرأى أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - يقول له: قم منزلك الآن يخرب، فقام وتفل عن يمينه ويساره وتحول عن الشق الذي كان عليه، وظن أن هذا كناية عن نقص في دينه، ثم أغفى فرأى ثانية، ثم فعل كذلك فرآه ثالثة جذبه بيده حتى استقام قائماً وانهدم(2) المنزل.
__________
(1) في (ب): النزاري.
(2) في (ب): وانحدم.
قلت: وفي (نشوات(1) المحاضرة) عدة من هذا القبيل، منها ما حكاه عن الصولي، قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن طاهر، قال: لما عاد محمد أخي من مقيل(2) يحيى بن عمر العلوي بعد(3) مدة مديدة دخلت عليه يوماً سحراً، وهوكئيب مطأطئ الرأس في أمر عظيم كأنه قد عرض على السيف، وبعض إخوانه حوله قيام ما يتجاسرون على مساءلته وأخته واقفة، فلم أتجاسر على خطابه وأومأتُ إليها: ماله؟ فقالت: رأى رؤيا هالته، فتقدمت إليه وقلت: أيها الأمير، روي عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليتحول على جانبه الآخر ويستغفر الله - عز وجل - ويلعن إبليس، وليستعذ بالله منه ولينم، قال: فرفع رأسه وقال: كيف(4) إذا كانت الطامة من جهة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فقلت: أعوذ بالله، فقال: ألست ذاكراً رؤيا طاهر بن الحسين؟ فقلت: بلى، قال عبد الله: وكان طاهر وهو ضعيف الحال قد رأى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في منامه فقال له: يا طاهر، إنك ستبلغ من الدنيا أمراً عظيماً فاتق الله واحفظني في ولدي(5)، فإنك لا تزال محفوظاً ما حفظتني في ولدي، فما تعرض طاهر قط لقتال علوي، وندب إلى ذلك غير دفعه، فامتنع منه، قال: ثم قال لي أخي محمد بن عبد الله: إني رأيت البارحة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في منامي كأنه يقول لي: يا محمد نكثتم، فانتبهت فزعاً، وتحولت واستغفرت الله - عز وجل - واستعذت من إبليس ولعنته ونمت، فرأيته - صلى الله عليه وآله وسلم - الثانية وهو يقول لي: يا محمد نكثتم، ففعلت كما فعلت ونمت فرأيته - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول(6): يا محمد نكثتم وقتلتم أولادي والله لا تفلحون بعدها أبداً، وانتبهت وأنا على هذه الصورة من نصف الليل ما نمت، واندفع
__________
(1) في (ب): نشوان.
(2) في (ب): مقتل.
(3) سقط من (أ): مدة.
(4) في (ب): فكيف.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): يقول لي.
يبكي، فما مضت على ذلك مديدة حتى مات محمد ونكبنا بأسرنا أقبح نكبة، وصرفنا عن ولايتنا، ولم يزل أمرنا يحمل حتى لم يبق لنا اسم على منبر ولا علم ولا في جيش ولا بإمارة، وحصلنا تحت المحن إلى الآن.
وحكى السيد الشريف النسابة أحمد بن علي /24/ بن الحسين بن علي بن مهنى بن عنبة الأصغر صاحب كتاب (العمدتين) الكبرى والصغرى عند تكلمه في أنساب أولاد داود بن موسى - عليهم السلام - قصة قال: ولبني داود بن موسى حكاية جليلة مشهورة بين النسابين وغيرهم، مروية مسندة وهي مذكورة في ديوان ابن عنين، وهي: أن أبا المحاسن نصر الله ابن عنين الدمشقي الشاعر توجه إلى (مكة) - شرفها الله تعالى - ومعه مال وأقمشة، فخرج عليه بعض بني داود، فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه، فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب صاحب (اليمن)، وكان أخوه الملك الناصر أرسل إليه يطلبه ليقيم بالساحل المنيح(1) من الإفرنج، فزهده ابن عنين في الساحل ورغبه في (اليمن)، وحرضه على الأشراف الذين فعلوا به ما فعلوا، وأول القصيدة شعراً:
أعيت(2) صفات نداك المصقع اللسنا ... وحزت في الجود حد الحسن والحسنا
وما تريد بجسم لا حياة له ... من خلص الزبد ما أبقى لك اللبنا
ولا تقل ساحة الإفرنج أفتحه ... فما يساوي إذا قايسته عدنا
وإن أردت جهاداً روِّ سيفك من ... قوم أضاعوا فروض الله والسننا
طهر بسيفك بيت الله من دنس ... ومن خساسة أقوام له وخنا(3)
ولا تقل إنهم أولاد فاطمة ... لو أدركوا آل حرب حاربوا الحسنا
قال: فلما قال هذه القصيدة رأى في النوم فاطمة الزهراء - عليها السلام - وهي تطوف بالبيت، فسلم عليها فلم تجبه، فتضرع وتذلل، وسأل عن ذنبه الذي أوجب عدم جواب سلامه، فأنشدت الزهراء - عليها السلام -:
__________
(1) في (ب): المفتيح. ولعله: المنيع.
(2) في (ب): أغنت.
(3) هذا البيت زيادة في (ب).
حاشا بني فاطمة كلهم ... من خسة تعرض أو من خنا
وإنما الأيام في فعلها(1) ... وفعلها السوء أساءت بنا
أإن أسا من ولدي واحد ... جعلت كل السب عمداً لنا
فتب إلى الله فمن يقترف ... ذنباً بنا يغفر ما قد جنا(2)
أكرم لعين المصطفى جدهم ... ولا تهن من آله أعينا
فكلما نالك منهم غنى(3) ... يلقى به في الحشر منا هنا(4)
قال أبو المحاسن نصر الله بن عنين:فانتبهت من منامي فزعاً مرعوباً، وقد أكمل الله عافيتي من الجراح والمرض، فكتبت هذه الأبيات وعرضتها(5) وتبت إلى الله مما قلت وقطعت تلك القصيدة وقلت:
عذراً إلى بنت نبي الهدى ... تصفح عن ذنب مسيء جنا
وتوبة تقبلها من أخي ... مقالة توقعه في العنا
والله لو قطعني واحد ... منهم بسيف الهند أو بالقنا
لم أر ما يفعله سيئاً ... بل أره في الفعل قد أحسنا
__________
(1) في (ب): غدرها.
(2) هذا البيت زيادة في (ب).
(3) في (ب): عنا.
(4) في (ب): تلقى به في الحشر مناغنا.
(5) في (ب): وحفظتها.
/25/ قال الشريف ابن عنبة: وقد اختصرت ألفاظ هذه القصيدة، وهي مشهورة، وقد ذكرها(1) الشيخ أبو عبد الله محمد بن معية الحسني، وجدي لأمي الشيخ فخر الدين أبو جعفر محمد بن الشيخ الفاضل السعيد، وزين الدين حسين بن جديد الأسدي كلاهما عن السيد السعيد بهاء الدر(2) داود بن أبي الفتوح، عن أبي المحاسن نصر الله بن عنين صاحب الواقعة، وقد ذكرها البادراوي في كتاب (الدر النظيم)، وغيره من المصنفين، وفي كتاب الجليس والأنيس للعلامة المعافا ابن زكريا النهرواني - رحمه الله تعالى - وهو كتاب كاسمه، وصاحبه المعافا من أجل أهل وقته حتى قالوا(3) في زمنه: لأعلم الناس الصرف في المعافى ومن أوصى لأعقل(4) الناس صرف فيه، ومن أوصى لأزهد الناس صرف فيه، قال بعد إسناد ساقه إلى أحمد بن الخطيب قبل وزارته قال: كنت كاتباً للسيدة مشجاع(5) أم المتوكل، فإني لذات يوم قاعد في مجلس في ديواني إذ خرج علي خادم خاصة ومعه كيس، فقال لي: يا أحمد إن السيدة أم المؤمنين تقرئك السلام وتقول لك: هذا ألف دينار من طيب مالي، خذها وادفعها إلى قوم مستحقين يكتب لي أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم، فكلما جاءنا من هذه الناحية صرفناه إليهم فأخذت الكيس وصرت إلى منزلي ووجهت حلفاء(6) ممن أثق به فعرفتهم ما أمرت به وسألتهم أن يسموا لي من يعرفون من أهل الستر والحاجة فسموا لي جماعة ففرقت فيهم ثلاثمائة دينار، وجاء الليل والمال بين يدي لا أصيب محقاً وأنا في (……)(7) وبعد أقطارها وتكاثف أهلها ليس بها محق يأخذ(8) ألف دينار وبين يدي بعض حرمي، ومضى من الليل ساعة، وغلقت الدروب، وطاف العسس وأنا مفكر في أمر الدنانير؛ إذ سمعت باب الدرب يدق، وسمعت البواب يكلم رجلاً من ورائه،
__________
(1) في (ب): ذكر.
(2) في (ب): بهاء الدين.
(3) زيادة في (ب): من أوصى.
(4) في (ب): لأفضل.
(5) في (ب): سجاع.
(6) في (ب): خلقاً.
(7) في (ب): وأنا أفكر في سير من رأى وبعد أقطارها.
(8) في (ب): تأخذ.
فقلت لبعض من بين يدي: اعرف الخبر، فعاد إلي فقال: بالباب فلان بن فلان العلوي يسأل الإذن عليك، فقلت: مره بالدخول، وقلت لمن بين يدي: كونوا من وراء هذا الستر فما قصدنا هذا الوقت إلا لحاجة، فدخل، وسلم، وجلس، وقال لي: طرقني في هذا الوقت طارق لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ابنةٍ لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا والله ما عندنا ولا أعددنا ما يعد الناس، ولم يكن في جواري من يقرع عليه(1) غيرك، فدفعت إليه من الدنانير ديناراً فشكر وانصرف، فخرجت ربة المنزل فقالست: يا هذا أتدفع إليك السيدة ألف دينار تدفعها(2) إلى /26/ مستحق(3) فأي محق(4) من ابن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الدنيا مع ما قد شكاه إليك؟، فقلت(5) لها: فأيش السبيل؟ قالت: تدفع الكيس إليه، فقلت: يا غلام رده فرده، فحدثته(6) الحديث ودفعت إليه الكيس فأخذه وشكر وانصرف، فلما ولىّ جاء إلي(7) إبليس - لعنه الله - فقال لي: المتوكل وانحرافه على هذا(8) البيت، تدفع إليك ألف دينار تدفعها إلى محقين تكتب أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم، فبأي شيء تحج وقد دفعت إلى علوي سبعمائة دينار؟ فقلت لربة البيت: أوقعتني فيما أكره، فأما سبعمائة دينار أو زوال النعمة وعرفتها ما عندي. فقالت: اتكل على جدهم، فقلت: دعي هذا عنك المتوكل وانحرافه بأي شيء أحتج أيش أقول. قالت: اتكل على جدهم، فما زالت تمثل هذا القول ومثله إلى أن اطمأننت وسكنت وقمت إلى فراشي فما استثقلت نوماً إلا وصوت الفرائق على الباب فقلت لبعض من يقرب مني: من على الباب؟ فعاد إلي فقال رسول السيدة تأمرك بالركوب إليها الساعة، فخرجت إلى صحن الدار والليل بحالته والنجوم بحالتها، فقالوا: لا بد وأن تركب، فركبت فلم
__________
(1) في (ب): تفزع إليه.
(2) في (ب): فحدثه.
(3) في (ب): محق.
(4) في (ب): فأي محقٍّ أحق من...
(5) في (ب): قلت.
(6) في (ب): فحدثه.
(7) سقط من (ب).
(8) زيادة في (ب): أهل.
أصل إلى الحوش إلا وانا في موكب من الرسل، فدخلت الدار فقبض خادم على يدي فأدخلني إلى الموضع الذي كنت أصل، ووقفني وخرج خادم خاصه من داخل فأخذ بيدي وقال لي: يا أحمد إنك تكلم السيدة أم أمير المؤمنين، فقف حيث توقف ولا تكلم حتَّى تسأل، فأدخلني إلى دار لطيفة، فيها بيوت عليها ستور مسبلة وشمعة وسط الدار، فوقفني على باب منها فوقعت(1) لا أتكلم، فصاح بي صائح يا أحمد، فقلت: لبيك يا أم أمير المؤمنين، فقالت: حساب ألف دينار بل سبعمائة(2) دينار وبكت، فقلت في نفسي بلية علوي أخذ المال ومضى ففتح دكاكين العانسين(3) وغيرهم واشترى حوائجهم وتحدث به(4) وكتب به بعض أصحاب الأخبار فأمر المتوكل بقتلي وهي تبكي رحمة لي، ثُمَّ أمسكت عن الكلام، وقالت لي يا أحمد حساب ألف دينار بل(5) سبعمائة دينار، ثُمَّ بكت ففعلت ذلك ثلاث مرات، ثُمَّ أمسكت وسألتني عن الحساب فصدقها عن القصة، فلما بلغت إلى ذكر العلوي بكت وقالت: جزاك الله يا أحمد خيراً(6) وجزى من في منزلك خيراً. أتدري ما كان من خبري الليلة؟ فقلت: لا، فقالت: كنت نائمة في فراشي، فرأيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقول: جزاك الله خيراً وجزى أحمد بن الخطيب خيراً، وجزى من في منزله /27/ خيراً، فقد فرجتم الليلة عن ثلاثة من ولدي ما كان لهم شيء، خذ هذه الحلي وهذه الثياب وهذا المال فادفعه إلى زوجتك وقل يا مباركة جزاك الله عنا خيراً، فهذه دلالتك وخذ هذا يا أحمد لك، فدفعت إلي مالاً وثياباً، فخرجت تحمل ذلك بين يدي وركبت منصرفاً إلى منزلي، وكان طريقي على باب العلوي، فقلت: أبدأ به إذ كان الله - عز وجل - رزقنا هذا على يديه، فدققت الباب فقيل لي من هذا؟ فقلت: أحمد بن الخطيب، فخرج إلي وقال: يا أحمد هات ما معك، فقلت بأبي أنت
__________
(1) في (ب): فوقفت.
(2) في (ب): ألف مائة.
(3) في (ب): العاصيين.
(4) سقط من (ب).
(5) زيادة في (ب): حساب.
(6) في (ب): يا أحمد جزاك الله خيراً.
وما يدريك ما معي، فقال لي: انصرفت من عندك بما أخذته منك ولم يكن عندنا شيء فدخلت على ابنت عمي فعرفتها الخبر ودفعت إليها المال ففرحت وقالت: ما أريد أن نشتري شيئاً ولا آكل شيئاً ولكن فصل(1) وادع حتى أُأَمن على دعائك، فقمت وصليت ودعوت وأمنَت ووضعت رأسي ونحت فرأيت جدي - عليه السلام - في النوم وهو يقول لي: قد شكرتهم على ما كان منهم إليك وهم يأتونك بشيء فاقبله، فدفعت إليه ما كان معي(2) وانصرفت وصرت إلى منزلي، فإذا ربة المنزل قلقة قائمة تصلي وتدعو، فعرفت أني قد جئت معافاً، فخرجت إلي وسألتني عن خبري فحدثتها الحديث على وجهه فقالت: ألم أقل لك اتكل على جدهم؟، فكيف رأيت ما فعل؟ فدفعت إليها ما كان لها، انتهى.
__________
(1) في (ب): ولكن قم فصل.
(2) في (ب): مني.
وحكى المعافا ابن زكريا في هذا الكتاب بإسناده أن إسحاق بن إبراهيم قال: بينما أنا يوماً قاعد دخل علي رجل فقال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليك، قال(1): أطلق القاتل المحبوس، فقلت: ليس عندي قاتل محبوس، قال: بلى، قال: فأمرت أن يفتش فذكر لي رجل، فأمرت بإحضاره، فرفع في قصته أنه رجل وجد معه سكين وأنه أُخذ والسكين معه، فقلت: ما قصتك؟ فقال: أنا رجل يتري(2) قد عملت كل بلية من الزنا والعشق والسرق(3)، كنا جماعة في دار فأدخلنا(4) امرأة فصاحت وقالت: يا قوم اتقوا الله فإني امرأة من ولد الحسين بن علي ومن ولد فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: فدفعتهم عنها، فقالوا: يا فاسق لما قضيت حاجتك منها تدفعنا عنها، فجاذبتهم وجاذبوني حتى قتلت رجلاً منهم وخلصتها من أيديهم فابتدروني ومعي(5) السكين وحبست، قال: قلت: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جاءني وأمرني بإطلاقك، قال: فقال إني تائب إلى الله - عز وجل - وإلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من كل شيء كنت فيه، ولا(6) أعود في شيء منه أبداً. قال(7): فأطلقته، انتهى.
فوز بنت محمد بن حسن
السيدة الشريفة المطهرة فوز بنت محمد بن حسن بن يحيى بن علي(8)، من ولد العفيف بن منصور. قال السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد بن الوزير - رحمه الله -: /28/ هي الشريفة العالمة صاحبة الخط البديع، وخطها مشهور معروف في مصاحف ومقدمات معنا ومع غيرنا، وكانت تقري في العربية محارمها من الرجال، قبرها بـ(صنعاء) بالمشهد الأحمر قريب من مسجد وهب.
__________
(1) في (ب): قال لك.
(2) في (ب): بتري.
(3) في (ب): والفسق والشر.
(4) في (ب): فأدخلنا على امرأة.
(5) في (ب): وبيدي.
(6) في (ب): فلا.
(7) سقط من (ب): قال.
(8) في (ب): بنت مفضل بن يحيى بن علي..
حرف القاف
القاسم بن إبراهيم اليوسفي
السيد العلامة، الحجة الحافظ، الورع الناسك المتعبد، رباني العلوم علم الإسلام القاسم بن إبراهيم اليوسفي - رحمه الله تعالى - كان فرد(1) زمانه وحيد أوانه، مرجعاً عند الخطوب، مفزعاً عندما ينوب، جالياً للمشكلات، ذكره السيد الحافظ جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم في المسائل المذهبية، وأثنى عليه، وذكره في تاريخ آل الوزير في موضعين عند ذكر الإمام المهدي محمد بن المطهر، وأنه لما عقد صلحاً بينه وبين سلطان (اليمن) اعترضه فيه فأجاب عن الاعتراض، وقال فيه: وما فعلت هذا إلا عن رأي السيد الإمام مجد الإسلام المرتضى بن مفضل، وعن رأي السيد علم الدين قاسم بن إبراهيم والسيد قاسم كان إماماً ورعاً، وسكن الرحاء في (الشرف)، وهو صاحب الأبيات التي يغلط فيها كثير من الناس فينسبونها إلى القاسم بن علي العياني، وهي:
أصبحت يا مولاي جارك في الثرى.
الأبيات المعروفة، وقال في الموضع الثاني: كان السيد قاسم بن إبراهيم اليوسفي الهادوي علامة عصره، وآية دهره، و(2) له علم واسع وفضل باهر، سكن الرحاء، وله الأبيات المشهورة التي أولها:
أصبحت يا مولاي جارك في الثرى ... متوسداً جنب اليمين كما ترى
مستسلماً للأمر ما لي حيلة ... متقطع الأسباب منحل العرا
ولها تخميس حسن، وقد تقدم ذكر ذلك. (3) قلت: يعني السيد القاسم ممن عاصر هؤلاء السادة وعاضدهم في تقوية هذا المذهب، وكان بسبب هذه الخلطة دخول من دخل من الأصحاب إلى (الشرف) ومخالطة من فيه من العلماء وأهل الصلاح.
__________
(1) في (ب): فريد.
(2) في (ب): سقط من (ب): و.
(3) في (ب): فكان هذا السيد.
قلت: وأراد بهؤلاء السادة: الأمير صلاح بن تاج الدين والسيد الكبير يحيى بن منصور هذا ما ذكره السيد الهادي ولم يذكر نسبه السيد علم الدين، إلا بنسبته له يوسفياً، وذلك صريح أنه من ولد الإمام يوسف الداعي، وقد ذكر السيد صلاح الدين صلاح بن الجلال أن من ولد القاسم بن يوسف وولد ولده الحسين بن القاسم ساكني (الرحا) و(قِلْحَاح(1))، وقالوا: إن المراد بهجرة فلجال(2) أيضاً الرحا فإنه يقال لجميع (الشرف) شرف فلحاح وملحاح(3) أيضاً، كان(4) معين فيه كان مستقر السلاطين بني أبي الحفاظ، وفي (الرجاء) أيضاً أشراف من ولد القاسم بن علي العياني وبيت من الحمزات.
القاسم بن إبراهيم الحسيني(5)
__________
(1) قِلْحَاح: حصن في منطقة أفلح اليمن من بلاد حجة. يرجع تاريخ عمارته إلى القرن السادس الهجري، وهو في قمة تل مرتفع يشرف على سهل خطاب. معجم المقحفي 1293.
(2) في (ب): فلجاح.
(3) في (ب): فلجا.
(4) في (ب): مكان.
(5) لا توجد هذه الترجمة في (ب).
السيد الفاضل، /29/ الكبير وارث السلف، علم الدين القاسم بن إبراهيم الحسيني الزيدي نسباً ومذهباً بن إبراهيم بن المطهر بن أبي طالب يحيى بن الحسن بن يحيى بن القاسم بن الإمام محمد بن القاسم بن الحسين بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين بن الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - ذكره في تاريخ السادة، وذكره الأمير صلاح الدين، قال في التاريخ: إنه سكن (ملاحاً) من أرض المشرق، وذكر أن ولده يحيى بن القاسم كتب إلى الواثق أبياتاً يعاتبه على النزول معنا على ابن ميكائيل، وكان ابن ميكائيل يدعي أنه شريف من أولاد الحسن بن علي، وكان والياً للمجاهد على تهامة، فلما قبض المجاهد تغلب على ما تحت يده، وحاربه الأفضل واستعان عليه بالأشراف فنزلوا معه، قال: وكان هذا السيد يعني يحيى ووالده يعني القاسم من عيون أهل البيت المطهرين، وهم من أهل بيت رئاسة في الأشراف يسكنون (ملاحاً) ويقسطون بها، قال السيد قاسم في ذلك:
من أحسن الأرض (مصراً) و(العراقان) ... أما (ملاحا) فما فيها لها ثان
وله - رحمه الله تعالى -:
يا خليلي بالدعاء ... شاركاني وقاسما
رحم الله قائلاً ... رحم الله قاسما
القاسم بن إبراهيم بن المفضل
السيد العالم الكامل، علم الدين القاسم بن إبراهيم بن المفضل بن منصور - رحمه الله تعالى-(1). قال السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد فيما أظنه: كان من فضلاء أهل بيته كثير العبادة، والإخبات والزهادة، وكان متعلقاً بعمه المرتضى أكثر من تعلقه بأبيه، وزوجه ابنته الشريفة المطهرة فاطمة بنت المرتضى، وكان له انقطاع كلي إلى العبادة لا يكاد يفتر، وكان لكثرة ولعه بعمه المرتضى أنه في أعقاب كل صلاة، يستوصي، ويسأل الله في حاجة له، ولا يفصح بها أبداً، فأصابه ألم الموت فقال: أتدرون ما تلك المطلبة التي لازمت الله تعالى فيها، واستعنت بأهل الفضل في سؤال الله؟ قالوا: لا. قال(2): أن يتوفاني الله قبل(3) عمي المرتضى، وأظنها قد نفذت. فكان كما قال، وكان من فضله أن قام المرتضى على قبره، وصلى عليه، وشيع جنازته وقبره (بجرع عناش) بالقرب من قبر والده.
قلت: جرع عناش مشهد لأهل هذا البيت الشريف في جبل (بني حجاج) عند قبر السيد حميدان بن يحيى.
القاسم بن إبراهيم بن تاج الدين
السيد التقي الكامل، القاسم بن أمير المؤمنين بن إبراهيم بن تاج الدين - رحمه الله-.
قال السيد صلاح بن الجلال: كان معروفاً بالخيرات(4) والصلاح والتقى والبصيرة، قبره/30/ في المقبرة التي على(5) باب مسجد الأمير تاج الدين منفرداً الأمر ناحية المغرب، فهو متصل بقبر الأمير الخضر بن الإمام الحسن.
القاسم بن إبراهيم بن محمد بن الهادي [ - 851 ه ]
السيد البليغ العالم علم الدين القاسم بن إبراهيم بن محمد بن الهادي بن إبراهيم بن المؤيد - عليهم السلام -.
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) في (ب): قال هي:..
(3) في (ب): قبل موت عمي.
(4) في (ب): بالخير.
(5) في (أ): على مسجد.
قال في المشجَّر المنسوب إلى الأمير صلاح بن الجلال: وبعضه من تكميل الإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن، وبعضه من إملاء العلامة عبد القادر صاحب السلوك في الفقه ما لفظه: كان عالماً سيما في العربية، فصيحاً، ومات بأعلى (فللة)، ودفن بالمشهد المبارك حول قبة الإمام علي بن المؤيد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
القاسم بن أحمد بن إسماعيل
السيد الكبير، العلامة السراج المنير، القاسم بن أحمد بن إسماعيل بن أبي البركات بن أحمد بن القاسم(1) بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن(2) إسماعيل بن إبراهيم(3) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام -.
قلت: هو من علماء العترة النبوية، وسادات العصابة العلوية، وهو جد الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عادت بركاته-(4)؛ لأن أحمد بن الحسين(5) بن القاسم بن عبد الله بن القاسم هذا صاحب الترجمة.
قال السيد الإمام المتضلع في العلوم يحيى بن القاسم الحمزي: إنه دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله بجهة (حراز)، وتكنى بالمنصور بالله، واستقر ملكه في أكثر (اليمن). وقال غير السيد(6) المذكور ما قاله السيد يحيى على السواء، وزاد فقال: وأعانه أخواله - السادة(7) الأمراء ذو الشرفين - والفاضل محمد، والقاسم ابنا جعفر بن الإمام القاسم بن علي، وابن عمهم الأمير الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن الإمام القاسم الذي حصّن (ثلا).
__________
(1) سقط من (ب): القاسم.
(2) سقط من (ب): بن.
(3) في (ب): بن إبراهيم بن يحيى.
(4) في (ب): بركته.
(5) في (ب): أحمد بن الحسين بن أحمد..
(6) في (ب): السيد يحيى المذكور.
(7) في (ب): إعانة أخوال الأمراء السادة.
قلت: فما كان لهذا التاريخ لدعوته غير أنها كانت خفية، وكان الأميران وابن عمهما لا يعينانه على دعوة محققة؛ لأنهما تركا الدعوة في الظاهر لاعتقادهم حياة الحسين بن القاسم، والأظهر أن تركهما الدعوة لاعتقاد أنصارهما(1) ذلك وشيعتهما، فبكل حال ما يظهر دعوة لهذا(2) الشريف ويراد بها الإمامة؛ لأنهم مانعون متمنعون(3)، إما للوجه الأول أوالثاني.
القاسم بن أحمد الأمير
السيد الجليل العلامة النبيل القاسم بن أحمد(4) الأمير يحيى بن منصور.
قال في (تاريخ السادة) - رحمهم الله -: إنه العالم الكبير، والسيد الشهير، ولم يزد على هذا، وهذه كلمات دالة على نجابة وفضل، غير أن أعلام علمائنا لم يذكروا هذه الصفات إلا تبعاً لمقاصد من تشجير الأنساب أو مناضرة.
القاسم بن محمد بن سليمان الجيلي
__________
(1) في (ب): أنظارهما.
(2) في (ب): هذا.
(3) في (ب): ممتنعون.
(4) زيادة في (ب): بن.
الفقيه العلامة الصدر، شمس الدر، داعي أمير المؤمنين أبو محمد(1) القاسم بن محمد بن سليمان الجيلي الزيدي الناصري صاحب بلهجان - رحمه الله - من العلماء الكبار المعول عليهم في (العراق) وغيره، ووجه الإمام المظلل بالغمام رسالته ودعوته التي قال فيها: ونحن نعلمكم - أيدكم الله - /31/ والحمد لله رب العالمين، أن فينا من العلماء المبرزين عدداً كثيراً، وجماً غفيراً من العترة(2) الهادية المهدية وأتباعهم من الفرقة الناجية الزيدية، فمن العترة شموس علم باهرة، وأقمار تم(3) زاهرة، فمنهم من أولاد القاسم بن إبراهيم جماعة وافرة، يرجون للإمامة، ويؤهلون للزعامة، ويحف بهم من علماء الزيدية نجوم علم منيرة، وأقمار فهم مديرة، من عيونهم المشاهير الفقيه العالم ابن العالم جمال الدين حميد بن أحمد محيط بالأصولين إحاطة الهالة بالقمر، ومحتوي على الفروع احتواء الأكمام على الثمر، ضارباً في علم الفرائض بالحظ الوافر، ومن العربية بنصيب غير قاصر، أشبه أباه الشهيد حلماً وعلماً، وماثله خلقاً وخلقاً(4)، ومن أشبه أباه فما ظلم، ثم ذكر الإمام جماعة من فضلاء الشيعة.
القاسم بن أحمد بن عبد الله الشاكري
سيف الإسلام، ولسان الملة، العالم الكبير، الفقيه حقاً، البليغ المجاهد، المحقق في فنون العلم، القاسم بن أحمد بن عبد الله الشاكري(5)، نسبة إلى جبل يسمى شاكر من ظاهر همدان، يتصل بجبل الميفاع، هو لسان البلاغة، والمسور لها بأساوره المصاغة، إمام في العلوم بأسرها، وله صنف القاضي الأجل أحمد بن نسر كتاب (الوسيط) في الفرائض.
__________
(1) في (ب): أحمد.
(2) في (أ): العقلاء.
(3) في (ب): وأقمار منهم زاهرة.
(4) في (ب): خلقاً وحلماً.
(5) في (ب): عبد الله بن أحمد الشاكري.
قال في خطبة (الوسيط): وبعد فإنه لما سمع علي الفقيه الأجل الأكمل، رفيع القدر والمحل، نظام الدين ولسان المتكلمين وقريع الميادين، القاسم بن أحمد الشاكري - طول الله عمره، وأعلى في الدارين درجتة -، مذاكرة في الفرائض ألقيتها عليه على وجه الإجمال، من غير أن آتي له بمثال، على الحد الذي كنت سمعته من شيخي - جزاه الله عني خيراً -، فسألني بعد ذلك المساعدة إلى تعليقها، وبيان كل مسألة وتحقيقها، فأجبته إلى ما قال، واستعنت(1) له بالسؤال.
قلت: وأحمد بن نسر بن مسعود بن عبد الله بن عبد الجبار العنسي صاحب (الوسيط)، لعلها قد سبقت له ترجمة، وشيخه الذي لَمَّح إليه القاضي العلامة الزاهد علي بن مسعود النويرة تلميذ الفضل بن أبي السعد العصيفري، كما أثبت ذلك المقراي في نزهته - رحمه الله -.
قلت: والقاسم بن أحمد الشاكري أحد من صحب الإمام المهدي أيام دراسته، وتولى من أمر تدريسه وتهذيبه ما يحسن الله جزاءه، وصحبه في المشاهد، وقاول بلسانه، وقاتل بسنانه (2)، وكان يقود العسكر، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى قتل في ناحية (الظفير) - رحمه الله - وقيلت فيه المراثي، وناح عليه الفضلاء، وهو الحاضر لقضية الحشيشيين الذين سطوا على الإمام أحمد بن الحسين، وقبض الشفرة، ودافع - رحمه الله - أحسن دفاع، وله شعر وجهه إلى (الجيل والديلم) وأرسل هو والعلماء بقصيدة المتوكل أحمد بن المنصور الذي امتدح بها الملك المظفر الرسولي التي منها /32/:
لعل الليالي الماضياتِ تعودُ ... فتبدو نجوم الدهر وهي سعودُ
عفا منزلٌ ما بين نعمان واللوا ... وجرت به للرامسات(3) برودُ
وكانت به العِيْنُ الغواني أوانساً ... فأضحت(4) به العين الوحوش ترودُ
__________
(1) في (ب): وأسعفت.
(2) في (ب): فقاتل بسنانه وقاول بلسانه.
(3) الرامسات: الرياح الدوافن للآثار. القاموس المحيط (549).
(4) في (ب): فأصبحت.
مجر أنابيب الرماح ومبتنى ... قباب ظباء ريقهن برودُ(1)
كأن غصون الدوح فوق عراصها ... (قنا الخط تهفو)(2) فوقهن برودُ(3)
فيا (دار ما)(4) بين العيينة والحمى ... هل الروض روض والزرود (زرودُ)
فكيف بمن أمسى (ظفار) محله ... ومن بات قد حالت عليه ((زبيدُ))
هوي بـ(نجد) والمنى بـ(تهامة) ... متى يلتقي بالمتهمين نجودُ
وإنّ فتىً تبقى مواثيق عهده ... على مثل ما لاقيته لجليدُ
ولما سرى البرق الشآميّ هاج لي ... جوى واشتياقاً ليس فيه مزيدُ
فهل لجنوب الريح إن تلثم الثرى ... بنشر تحيات لهن صعودُ
على أربع بين (الصعيد)(5) و(صعدة) ... وبين (براش) لي بهن عهودُ
مشاعر حج الطالبين ولا الأذى(6) ... قريب ولا نحح الرجاء بعيدُ
(7)ولما قصدت الملك ذا التاج يوسفاً ... علمت بأن الهم ليس يعودُ
دعوت فلباني فتى لا مُزيَّد ... ملول ولا واهي اليدين بليدُ
ومالي لا أرخي الركاب إلى ذرا ... به الشهب شهب والصعيد صعيدُ
__________
(1) بَرُود: بارد.
(2) في (أ): فبالحظ يهفو.
(3) بُرُود: أثواب مخططة، وأكسية يُلْتحف بها. المرجع السابق (267).
(4) في (ب): دارنا.
(5) في (ب): الصعد.
(6) ولا ألاذ.
(7) في (ب) يتخلل بين هذا البيت وسابقه: (ومنها في مدح السلطان المظفر).
ثم ساق في مدح الملك المذكور وتعقب ذلك الكائبات التي فيها الخطب العظيم من قتل الإمام أحمد بن الحسين، وفي أثناء كتابة هذه إلى الملك فعل أحمد بن المنصور رسالة إلى الجيل والديلم، وكان بليغاً متكلماً فصيحاً، فتظلم(1) وخشي العلامة الشاكري أن ينخدع أهل الجيل والديلم، فكتب قصيدة فائقة رائقة غابت عني عند كتابة هذه القصيدة مع أنها المقصد، لكن حال دونها بعد المحل الذي كتبها فيه فيها(2) ذكر أحوال المتوكل وميله إلى الدنيا، وأنه أوفد نفسه على السلطان وامتدحه بهذه القصيدة، وكان الشاكري كثير العناية بالدين والشرع، وشعره واسع كثير، فمما حضرني ما قاله من قصيدة في حرب (سناع)(3) مع الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام -:
أشوقاً إذا غنت بايكٍ حمائمه(4) ... لربع عَفَتْ آياتُهُ ومعالمهُ
بكت ساربات المزن بالقطر موهنا ... عليه وأضحت باسماتٍ كمائمهُ
نثرت(5) به الجون المداليح برهة ... فراقت معاينه(6) ورقت مباسمه
33/ إذا أنثرت(7) فيها السحائب لؤلؤاً ... بدا زهره رقماً مشوقاً دراهمه
ولما سرت فيها النسيم تأودت ... غصون روابيه وفاحت لطائمه
أشيم له البرق اللموح إذا شرى ... وهل يستقى من بارق لاح شائمهُ
يسامره ليل التمام متيم ... أخو زفرات موجع القلب هائمهُ
وما زلت أرعى العهد بيني وبينهم ... إذا ضيعت من حق عهد لوازمه
ومن يك ممزوق المودة ناسياً ... فما أنا إلا صادق الود دائمه
تذكرت عصراً في (سناعٍ) مضت به ... مدونة ألحانه(8) وملاحمه
أقام عليه الجيش ستة أشهرٍ ... أسنته مشهورةٌ وصوارمه
نلاقي به جيش العدو وننثني ... وقد أعولت في كل حي مآتمه
__________
(1) في (ب): متظلم.
(2) في (ب): كتبها فيه ذكر أحوال.
(3) في (ب): في أيام حرب سناع.
(4) في (ب): حمامة.
(5) في (أ): الثت.
(6) في (ب): معانيه.
(7) في (ب): نثرت.
(8) في (ب): أيامه.
فطوراً نعاديه إلى عقر داره ... وطوراً(1) يعادينا تبارى صلادمه(2)
وهي طويلة غراء - رضي الله عنه - وقد اقتصرنا على هذا. وعارض هذه القصيدة السيد الأمير البليغ يحيى بن القاسم الحمزي؟ بجامع سيرة(3) الإمام أحمد بن الحسين، وهو من أخوال الإمام، فقال قصيدة أولها:
هو الصب فاقصد بالذي أنت لائمه ... ودعه فيكفيه الذي هو كاتمه
فلو هصرت غصن الهوى منك لوعة ... عذرت فخل الدمع ينهلُّ ساجمه
وهي(4) طويلة، أيضاً طائله، استشهد هذا العلامة الشاكري في تاريخ (...).
القاسم بن أحمد بن حميد
__________
(1) في (أ): وحوراً.
(2) الصَّلادم: شديدة الحوافز. القاموس المحيط (1130).
(3) في (ب): جامع سنن.
(4) في (أ): وهو.
إمام المعقول والمنقول، ولسان فروع العلم والأصول، علم الدين القاسم بن أحمد بن حميد(1) بن أحمد بن حميد بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أبي القاسم بن علي بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن يزيد النعيس المحلي الوادعي الصنعاني الهمداني، مطلع الخفيات في مطالع الأهلة، والكاشف لظلم الشكوك بشموس الأدلة، كان من أوعية العلم سيما في(2) الأصولين، وتكلم وسبق، واعترف له الناس بفخره، واغترفوا من بحره، له في علم الكلام على شرح الأصول الخمسة (الغرر والحجول) كتاب فائق، وله على (الجوهرة) في أصول الفقه تعليق سماه (الصامتة) أفاد فيه وأجاد، وانتقد غاية الانتقاد، وسماه بعض العلماء برازي الزيدية لتبحره في المعقول(3)، وقد ذكره صاحب (النزهة) وذكره السيد الهادي في التاريخ، وحكي(4) أن السيد محمد بن أبي القاسم كان إمام الصلاة في مسجد (حوث)، فالتفت بعد الإقامة فأمر بتعديل الصفوف كما جاءت به السنة النبوية، فقال له الفقيه قاسم المذكور العجب ممن يعرف من /34/ هو أعرف منه، وقبر الفقيه قاسم في مقبرة (صنعاء) حرسها الله تعالى(5).
أبو القاسم بن أحمد بن الهادي الصنعاني
العلامة(6) المحقق أبو القاسم بن أحمد بن الهادي الصنعاني - رحمه الله - شيخ الإمام القاسم في (الكشاف) وشيخ غيره فيه، كان عالماً فاضلاً خصوصاً في الكشاف، وقبره بجربة الروض.
القاسم بن أرقم
العلامة المجاهد، السيف المنتضى، القاسم بن أرقم - رحمه الله تعالى - من الذين أخذوا عن الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام - ذكره القاسم بن عبد العزيز البغدادي.
أبو القاسم بن الأغر
__________
(1) زيادة في (ب): أحمد بن.
(2) سقط من(ب): في.
(3) في (ب): لتبحره في العلوم.
(4) في (ب) زيادة: عنه.
(5) في (ب): حرسها الله - رحمه الله تعالى -.
(6) في (ب): العالم.
العلامة الكبير، أبو القاسم بن الأغر(1) - رحمه الله - كان من شيوخ الزيدية وكبارهم، وكان بينه وبين الإمام المهدي الحسين بن القاسم محاولات ومقاولات.
القاسم بن جعفر بن القاسم بن علي العياني [ - 468 ه ]
واسطة عقد الأمراء، ورابطة مجد الكبراء، سلطان الإسلام، وعلم العترة الأعلام، المعروف بالفاضل القاسم بن جعفر بن أمير المؤمنين القاسم بن علي العياني - رحمه الله - السابق الذي لا يبارى، والنير الذي لا يتوارى، الفاضل كاسمه، ترجم له العلماء بالتراجم الطوال، بل صنف الشيخ مفرح الريعي(2) كتاباً مبسوطاً في أحواله وأحوال أخيه ذي الشرفين، وقد وسع العلماء في شرح أحوالهما.
قال السيد الهادي بن إبراهيم الفاضل: هذا هو الذي نسب(3) إليه درب الفاضل بـ(الجوف)، وكان إماماً عالماً عاملاً، فارساً كاملاً، وكان أهل زمانه يفضلونه على حمزة بن أبي هاشم في كماله، وقتل بـ(الجوف) بالوادي، ونقل إلى (الحضن)(4) من بلاد (وادعة).
قلت: وقبره شهير مقصود من النواحي، وعنده عمارة، ومجامع للناس، وعمل هنالك بركة للماء وسيعة رميثة عن أمر الإمام أمير المؤمنين المؤيد بالله - عليه السلام - وكان هذا الأمير حتفاً لأعداء الله، وكانت في زمانه وقائع منكية لقلوب الأعداء، مبكية لعيونهم.
__________
(1) في (ب): أبو القاسم بن أبي الأغر…
(2) في (ب): مفرج الربعي.
(3) في (ب): ينسب.
(4) في (ب): الحضين.
قال الشيخ أبو العمر مسلم اللحجي: لم يكن في زمن حمزة بن أبي هاشم والفاضل من آل الرسول أقوم منهما بعبادة الله تعالى فيما بلغني، ولا أشد غضباً لله على المعاصي، وكان القاسم - يعني الفاضل - أعلاهما عند الناس درجة في ذلك، ثُمَّ قال: إنه وحيد في قرنه وأقرانه ورجاله وزمانه، معدوم المثل على كل حال، ومما يعرف به القاسم بن جعفر من الغضب لله مع قيامه على الصليحيين مرةً بعد أخرى أنهم لما صاروا إلى (شهارة) في شهر رمضان سنة ستين وأربعمائة، وذلك بعد قتل علي بن محمد الصليحي، وعجز المكرم ابنه وسائر ملوك الدعوة الصليحية عن الظفر، وقتلهم حاشد بن كديس، وحوله ابن محمد، وهما من سلاطينهم بالرحبة من (نجد الحبلة) تحت (شهارة)، وهزمهم هزيمة بعد أخرى، لبثوا إلى سنة ثلاث وستين، ودعا جعفر بن الحسن الشمري، وخطب للصليحيين على منبر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليهما السلام - بـ(صعدة) /35/ فنهض القاسم بن جعفر بنفسه ولم يرض بنائب عنه حتَّى دخل (صعدة) (1) فقبض علي الشمري ورجع به إلى (شهارة)، فلبث في سجنها إلى سنة سبعين وأربع مائة، وأظهر النكرة والغضب مما صنع حتى مدح بذلك، وقد قيل فيه الشعر، قال مفرح بن أحمد الريعي:
كن يا رسول إذا عزمت مشمراً ... وعلى السفارة بالبشارة عازماً
واقصص لمولانا الأمير محمد ... أخبار مخرجنا وأوب سالما
(2)قد نأمر الخيل المتبع(3) جيادنا ... لدن الأعنة كالصخور صلادما
فمضين شعثاً كالعشار مواظياً ... وسللن سرقاً كالظباء سواهما
يتبعن أسمط هاشم وهما مها ... نجل الأئمة ذا المهابة قاسماً
فدخلن هجرة جده الهادي بنا ... أكرم بها وبه إليها (قادما)
متغضباً لما طغت واستعملت ... سكان (صعدة) رايها المتقادما
فدعى(4) المجلع فوق منبر جدنا ... فدنا إليه المساقط(5) المتلاحما
__________
(1) سقط من (ب): دخل صعدة في.
(2) في (ب): ومنها.
(3) لعلها: المنيع.
(4) في (ب): ومنها.
(5) في (ب): الماقط.
ورجعن بالأسرى(1) وكانت عندنا ... دون الغنائم والإناث عقائما
قلت: ولبث الشمري بالسجن بـ(شهارة) في بعض الروايات ست سنين إلا شهرين، وفي أخرى سبع سنين، ولم يخرج إلا بعد تسليم ثلاثة آلاف دينار، وسنذكر شيئاً من أحوال هذين الأميرين وما أنفقاه في نكاية الأعداء عند ترجمة الأمير ذي الشرفين وما لقي منهما الصليحي على مساعدة الأيام من أحد ما لقي منهما.
وروى القاضي أحمد بن عبد السلام أن(2) أبا يحيى والد القاضي جعفر أن الشريف الفاضل كان يقول: أما أنا سأفقر بني الصليحي، فأما القتل لهم فلا أصل إليه، فتحرك لذلك بعد أن استقر الأشراف وشيعتهم بـ(شهارة)، فصادف(3) حركته مجاعة شديدة أتت على (صنعاء) وأعمالها خاصة، وعلى (اليمن) عامة، فسلم إليه قبائل (صنعاء) ما في أيديها من الجبال والحصون، وبقي (بيت بوس)(4) بأيدي الصليحيين، فلزم أصحاب القاسم بن جعفر جبلاً فوقه يعرف بـ(قرن عنتر)، وهو يسمى اليوم (ظفار) كما قال السيد محمد بن عبد الله الوزير(5)، وهو يحاذي (أرتل) و(سناع)، وبناه من بعد الملك المظفر وأخربه من بعد ذلك فحصرهم من ثمه ومن مقطوع (كنز)(6)، وكانت في طاعته (آل أبي الفتوح) و(خولان العالية)، وعسكر بعض أصحابه(7) بـ(نعمة) و(السر) و(المشرق) كله، وبعضهم بناحية (ثلا) لحصار الرواحيين بـ(شبام) و(كوكبان) وبنى ابن عمه الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن القاسم بن علي جبل (ثلا)، وهو أول من بناه، فضايقوهم بـ(صنعاء) و(شبام) حتى أداهم ذلك بعد أن طال الحصار إلى الهرب عن (صنعاء) إلى (ذي جبلة)، وقد صار في /36/ أذان نساء الصليحيين أخراص الصفر، وبيعت الآلات والثياب والمراكب وحلي الأسلحة وغير ذلك، وكان من سبب ذلك أيضاً أن قبائل مشرق (همدان) من (عذر) و(ذبيان)
__________
(1) في (أ): بالأسر.
(2) في (ب): أبي.
(3) في (ب): فصادفت.
(4) في (ب): بوس.
(5) في (ب): الوزير.
(6) في (ب): كنن.
(7) في (ب): أصحابه بجبال بنعمة والشرق والمشرق.
كانت قد أقبلت إلى المكرم فحلفت على السمع والطاعة وحرب الأشراف، ولم يكن في خزائنه ما يعطيهم إياه، فضرب لهم قدر صفر دنانير، فاحتيل(1) على تلوينه بما صبغه حتى قبلوه، وكان العطاء أربعة أربعة، فأخذوا عطاهم ورجعوا إلى طاعته حتى أتوا سوق (حدفان) من (الرحبة) فتقدم بعض مشائخهم بدينار مما معه لشراء صوف استرخصه فأعطاه البيع(2) فرده ثم أعطاه آخر فرده ثم ثالثاً ورابعاً حتى رد ما معه، قال: كيف ترد دنانير مولانا، فادنوه من أنفه، فشم رائحة الصفر فالتفت إلى أصحابه فأخبرهم، فجعل كل ينظر ما معه من تلك الدنانير ويرمي به، ثم انصرفوا غضاباً على المكرم، وكانوا بعد من أشد أعوان القاسم - عليه السلام -.
قال: وإن القاسم ومحمد ابنا جعفر بن القاسم نظرا في أمر البلاد والحصون التي بأيديهما، وكانت نحواً من ثلاثين قلعة ومما يدخل عليها من جبايات(3) البلاد، وما يؤخذ من سائر البلاد، وكان قد تؤخذ معونة ثلاثة أرباع المال مع الإعسار، وما يصطفى من الصوافي قدره سبعون ألف دينار في السنة، فسقط في أيديهما، وأيقنا بالهلاك لمن معهما. فأخفيا الأمر وكتبا في ليلة واحدة إلى جميع النواحي يأمران أصحابهما بالتخلي عن المراكز والعساكر والقلاع والتخلص بالحيلة إليهما، وكانا بـ(مسور) المنتاب، فقلد أمر البلد المنصور بن الحسين بن المنتاب وأودعاه الحريم، وانسلاّ حتى هبطا بطن (شرس) وأدرك من علم بهزيمتهما من أصحابهما، فنهب نفر وقتل آخرون، فصارا إلى جبل (شهارة)، فأقاما فيه ولحق بهما أصحابهما، وكانت مدة كريهما(4) ثلاثون شهراً.
__________
(1) في (ب): واحتيل.
(2) هكذا في الأصل.
(3) في (ب): فوجد النفقة كل يوم سبعين ألف دينار وما يحصل من جبايات البلاد.
(4) في (ب): كرتهما ثلاثين.
قلت: والفاضل - عليه السلام - قد صار أهل هذه المملكة الصليحية، وفي ذهني أنه في أيام شباب دولتهم دخل (الحجاز) و(مكة)، واجتمع بالشريف شكر بن أبي الفتوح الحسني الزيدي - رحمه الله - ورأيت بخطي(1) ولعله منقول من (اللآلي) عن سيرة مفرح أنها كانت أيام عمر الفاضل قبل بلوغ الحلم خمس عشرة سنة، وفي سفر الشام سبع سنين، وفي حرب بني الصليحي بعد مراحه من الشام عشر سنين، وفي الدراسة ست عشرة سنة، وفي أيام حربه للسلطان علي بن محمد بني (الهرابة) وحصّنها، وأجرى إليها وشلا من موضع عندها، فسار إليه علي بن محمد الصليحي بجميع أهل (اليمن) وملوكه، فحاصره سبعين ليلة وقاتل عليها قتالاً شديداً، وقطع الماء عن السيد الفاضل حتى قال: والله ما أعلم أحداً بُلي /37/ قبلي بمثل ما بليت به، فإن الحسين - عليه السلام - منع الماء ثلاث(2) ليال وأنا منعت الماء سبعين ليلة، ولما دخل الصليحي (الهرابة) عقيب استيلائه عليها دخل وهو ضام لأنفه من رائحة جيفة الموتى وأخذ يتعجب من صبر من كان (3) بها حتى قال: والله لو ملكت رجالاً كرجال (الهرابة) لأملكن بهم (العراق)، ثم إن السيد الفاضل وقف في (صنعاء) محبوساً نحو عامين، وكانت زوجة الصليحي أسماء محسنة إلى الفاضل في أيام حبسه، ثم أطلقه الصليحي.
__________
(1) في (ب): أو أظنه.
(2) في (ب): ثلاث.
(3) سقط من (ب): كان.
قلت: وقد ذكر الإمام(1) صلاح بن الجلال أن الفاضل وذا الشرفين (حبسا بجميعاً)(2) كانا بـ(الهرابة) وحبسا جميعاً، وهكذا حكاه ابن المظفر عن غيره في (الترجمان)، وأن الشريفين حبسا جميعاً، ثم أطلقهما بشفاعة أبيهما جعفر بن الإمام(3)، والأشهر أنه الفاضل وحده، وكان الصليحي يعظم جعفر بن الإمام، وأنه في مقامه عنده ما سبقه إلى صباح قط بل يسبقه الصليحي فيصحبه، قيل: وكان موت جعفر عند الصليحي. وسبب موته فيما ذكره مفرح أن الصليحي جمع ملوك (اليمن) وحصر الكريدين ملوك المعافر في حصن (السواء) وحصن (السمدان)، فنازلهم الصليحي هنالك وجعل وباء البلاد وعفونتها كالسم لملوك (اليمن) الذين معه، فمرض الملوك وماتوا، وكان الأمير جعفر بن أمير المؤمنين من أجلهم، وهو أجلهم، فتوسط بين الصليحي وبين الكريديين(4) بأمان وضعه الصليحي لهم ثم غدر الصليحي في الأمان، فمات الأمير جعفر من الغيظ والشريف الفاضل يستغرق أحواله مجلدات، ولكن هذا اللائق بهذا التاريخ، ومن عجيب أمره أنه كان للدولة منجم يسمى بحرا، وهو مشهور، وكان متبحراً في علم الفلك، وكان يسأل في الموالد والعزاءات، فعرض رجل مولد الشريف الفاضل ولم يخبره من هو فلما نظر إليه تأمله وعرف مضمون دلالته، فقال بحر: لمن هذا الولد؟ فقال السائل: لرجل من أجاد الناس، فقال بحر: فكيف بك إذا خفقت الرايات فوق رأس هذا المولود وملك الناس والبلاد؟ حكى هذا عن بعض العلماء بني الوزير(5) - رحمهم الله تعالى-(6)، أعني ما قاله المنجم.
__________
(1) في (ب): الأمير.
(2) زيادة في (أ): حبساً جميعاً.
(3) . هو الذي خصه .... مفرح مؤلف سيرتهما.
(4) في (ب): الكريدي.
(5) في (ب): آل الوزير.
(6) سقط من (ب): تعالى.
استشهد الفاضل - رحمه الله - يوم الثلاثاء لسبع بقين من صفر سنة ثماني وستين وأربعمائة، كان ذلك بـ(الجوف)؛ لأنه أراد عمارة غيل (عمران)، وكانوا كارهين لذلك فاستجعلوا جعالة من أحمد الصليحي، فلما قتله المستجعلون وهم من قبائل (نهم) جاءوا إليه للجعالة، فقال(1): تقتلون ابن رسول الله(2)، ثُمَّ تأتون للجعالة، فرجعوا خاسرين للدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
القاسم بن جعفر
السيد(3) الأمير السامي القاسم بن جعفر، من أولاد ذي الشرفين، فاضل كامل صحب الإمام أحمد بن الحسين، وله(4) قصيدة مديح، ومما قاله في قصة(5) العلامة أحمد بن يحيى الصعدي الذي قتل بـ(سيان) من أعمال /38/ سنحان بعناية جعدان.
سيعلم قوم خالفوك وجانبوا ... سبيل الهدى أن قد ظفرت وخابوا
فما كل من جاؤا بذنب غفرته ... ولا كل ما خاضوا الجهالة تابوا
لقد شقيت طرّاً بجعدان قرية ... وحق عليهم أن يحل عذابُ
سطا سطوة عما قليل يروعه ... عليها لمولانا الإمام عذابُ
القاسم بن الحسن بن يحيى
السيد الوجيه، الصدر الرئيس، علم الدين القاسم بن الحسن بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى، - عليهم السلام - كان سيداً سرياً، كامل الصفات، حميد النعوت.
قال الأمير السيد صلاح بن الجلال، كان رجلاً وجيهاً بادياً مسوداً أسس هجرة الرواني في يسنم(6) ومسجدها، ومات في (الضيعة)، ضيعة الهادي إلى الحق - عليه السلام - وقبره فيها مشهور مزور.
__________
(1) في (ب): قال.
(2) زيادة في (ب): لم أتمكن من قراءتها.
(3) في (ب): الشريف.
(4) في (ب): وله فيه.
(5) في (ب): وله فيه.
(6) سقط من (ب): في سم.
أبو القاسم بن حسين بن شبيب الحسني
الحسام المشهور، وعلم الهداية المنشور، صاحب اللسان والسنان، والعلم والبيان، أبو القاسم بن حسين بن شيب الحسني التهامي - رحمه الله - أحد الأعلام وأوحدهم، ومقدم الفضلاء وسيدهم، صاحب البلاغة والفصاحة، والعلم الوسيع والرجاحة، الإمام البارع الأصولي المنطيق، وصل من تهامة إلى (براقش) من جهة (الجوف) إلى الإمام - عليه السلام - يقرأ عليه، ويذاكره، ويسأله عن دقائق العلوم، وله حدس وذكاء (ودس)(1) وهمة، وكان قد برع في الكلام وأصول الفقه والتوحيد، نقل(2) القاضي عبد الله بن زيد أن والده كان يرى التطريف، ثم رجع عنه بعد وصول البيهقي من (العراق)، ورجع لرجوعه خلق كثير؛ لأنه كان إماماً مرجوعاً إليه، وذكر القاضي علي بن نشوان مجالسته للإمام(3) واستقائه من معين فوائده، قال: كان يسأل ويستفيد ويبسط في كل ما يريد، والإمام - عليه السلام - يجيبه في دقائق العلوم وغوامضها، قال: وارتجل الإمام في ذات يوم بـ(براقش) بيتاً من الشعر، ثُمَّ قال للفقيه أتم عليه شعراً، فأجازه الفقيه بالقصيدة الآتية جميعها على لسان الإمام، والبيت الذي (ارتجله)(4) الإمام هو قوله:
أليَّة بالجياد الجرد ساهمة(5) ... تردي بكل طويل الباع دفَّاعِ
فقال الفقيه(6):
وكل مسرودة كالنهر سابغة ... وكل ماض رقيق الحد(7) قطاعِ
ومدلف الأسد نحو الأسد عابسة ... تحت العجاج وبيض فيه لماعِ
والسمر ترعف والأبطال طائشة ... وكل أزرق للأرواح نزاعِ
39/ لأبعثن على العجمان داهية ... رجافة في حزوم الحزن والقاعِ
شهباء ترفل في المادي فوارسها ... وفي الوشيح إلى الهيجا بإيضاعِ
__________
(1) في (ب): ودنس.
(2) في (ب): ونقل.
(3) في (ب): واستقائه لطلب علم الإمام واستقائه من معين...
(4) لا توجد في (ب): ويوجد بدلاً منها: والبيت الذي قبله هو قوله:…
(5) السَّاهمة: الناقة الضامرة. القاموس المحيط 1125.
(6) في (ب): فقال الفقيه بعده.
(7) في (ب): رقيق العضب.
كأنما البيض والنقع المثار(1) بها ... بوارق بين وطف ذات تهماعِ
قد طال ما ملكت خيلي مساجلها ... غيظاً عليهم وطالت منه أوجاعي
كم معلم لمنار الحق قد طمسوا ... وأهطعوا(2) في الخطايا أي إهطاع(3)
فدع ملاميَ إذ أمسيت(4) مرتقبا(5)ً ... أرعى النجوم بطرف غير هجاعِ(6)
فما يلذ لنفسي عيشها أبداً ... ولم يحل بهم بطشي وإيقاعي
ويصبح العدل في الآفاق قاطبة ... طلق المحيّا طويل الزند والباعِ
وقل إذا ما سمعت الدهر ذا عذل ... أقْصِرْ فكلُّ امرئٍ في شأنه ساع
يا حبذا الجرد تطعو(7) في أعنتها ... إذا دعى لقراع المقنب(8) الداعي
على مناسجها أسد جحاجحة ... بكل(9) بدر بأفق الحرب طلاَّعِ
يرى الغنيمة في ثجاج عارضها(10) ... والعين(11) إذ أذنت يوماً بإقلاعِ
وأسمعاني صليل السيف(12) لا نغم الأوتار ... إني له سماع(13) أسماعِي
وأورداني حياض الموت منزعة ... بين الخميسين لا أدنان نقاعِ
يا قاتل الله من يضحي بعيشته ... قرير عين أخا لَهْوٍ وتهجاعِ
ولم يكن برفيق العرب مرتقياً ... ذوائب العز والعليا بإزماعِ
على صها شطم(14) عبل الشوى نزف(15) ... قيد الأوابد(16) إذ يعدو بإرجاع
__________
(1) في (ب): المشار.
(2) أهْطَعَ: مَدَّ عُنُقَه، وصوب رأسه. القاموس المحيط (775).
(3) في (ب): هطاع.
(4) في (ب): أمسيت.
(5) في (ب): مرتفعاً.
(6) الْهُجُوع: النوم ليلاً. المرجع السابق (774).
(7) في (ب): تطفو.
(8) المِقْنَب من الخيل: ما بين الثلاثين إلى الأربعين، أو زهاء ثلاثمائة. القاموس المحيط (127).
(9) في (ب): من كل.
(10) في (ب): في سحاح عارضها.
(11) في (أ): فالعين إن.
(12) في (ب): صليل البيض.
(13) في (أ): سماع سماع.
(14) في (أ): شيْظم: الطويل الجسيم الفتيّ من الإبل والخيل والناس. القاموس المحيط(1126).
(15) نَزِفٌ: نُزِفَ: ذهب عقله أو سكر. المرجع السابق (855).
(16) الأوابد: الوجوش. وقيد الأوابد تدل على أن الحصان يقُيّد الوحوش بسرعته.
يكاد من لبده ينسل مبرزما(1) ... خوف القطيع ولم يذعر بإيجاع
أرساغه ركبت في جندل(2) شَظِفٍ ... يفلق الصخر في عدو وإسراع
بالأعوجيات قد (نيطت) مفارقة ... فهو الجواد على إحسانها راع
فمن يكن عادلاً يوماً بصهوته ... حسبته بين أسجاف وأوضاع
فقد دنت عن بروح المجد همته ... وإنني لعلاه نادب ناع
أنا ابن من أسمع الواعين حجته ... والسيف أسمعها من ليس بالواعي
فلا وربك لا أنفكُّ منصلتاً ... حتى يعز به ديني وأشياعي
ويصبح الحق عالي الكعب مبتهجاً ... وفيه يكثر أشياعي وأتباعي
__________
(1) في (ب): مبررما.
(2) جندل: الجندل: ما يُقِلُّهُ الرَّجُلُ من الحجارة. القاموس المحيط (980).
أقول - أيدك الله - أيها السامع: تدبر هذا النظام العجيب والأسلوب الغريب سبحان المانح، وهذا الفقيه من آيات الله الباهرة، وحسبه ارتجاله لخطبة يقصر عنها /40/ القاضي الفاضل، ويكاد أن يقال لا يقاس(1)بها خطب قِس، وتسحب عندها ذيل العجز سحبان وائل، وذلك أنه أحس في بعض المجامع الإمامية بتثاقل بعض الشيعة عن البيعة، وذلك بملقى (الأهجر)، فقام، وحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: يا أمير المؤمنين لتطب نفسك، وليكثر أنسك، وليشرح صدرك، ولا يلتبس عليك أمرك، فإن من بايعك من سلاطين العرب وبني عمك وشيعتك هم أهل الهمم العالية، والعزائم الماضية، والليوث الهصر، والأبطال الجسر، والمصاليت البتر، والمساعير الصبر، أعلى الناس مقاماً، وأثبتهم أقداماً(2)، وأقلهم في الحرب إحجاماً، يرون طاعتهم لك فرضاً واجباً، ومعصيتهم لك إثماً لازبا، قد دعوتهم فأجابوك، وحضروا فبايعوك، واختبروك فوجدوك خضماً زخوراً، وبطلاً جسوراً، وليثاً هصوراً، وعاينوا منك وجهاً(3) صبيحاً، ولساناً فصيحاً(4)، فما عذرهم غداً إن جاثيتهم الخصومة بين يدي ربهم، يسألهم عن بيعتهم لك، وعقدهم إذاً يكونوا محجوجين، وعند ربهم مفلوجين، وكلا وحاشا أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسك، وأن يأنسوا بغير أنسك، وفي ذلك أقول - وانتضى سيفه من غمده-:
كيف فرار المرء عن إمامه ... والعار والإذلال عن إحجامه
والعز والإجلال في إقدامه ... والفوز بالجنات في صدامه
يا حبذا من كان عن حسامه ... يأخذ من يهواه عن مرامه
__________
(1) سقط من (أ): بها.
(2) زيادة في (ب): وأكثرهم إقداماً. وجاء في الحاشية وأكثرهم ليناسب أقلهم (ظ).
(3) سقط من (أ): وجهاً.
(4) زيادة في (ب): وشفيقاً نصيحاً.
انتهت هذه الكلمات الغرر(1)، والجواهر التي تصغر عندها كبار الدرر. وله من هذا القبيل، كل فاضل من الكلم نبيل، بما لا أعلمه لغيره من أهل عصره، ولا من قريب منهم، فلا يعيب عائب على من كانت هذه في حضره، فإنه وجد مكان القول فقال، ولا جرم أن الإنصاف سيد أخلاق الرجال. ومما اتفق له أنها لما اجتمعت القبائل والعشائر والسلاطين والأمراء بـ(مدع) من بلاد (حمير) وناحية (حضور المصانع) قام - رحمه الله - فحيا من حضر، ثم حمد الله تعالى، وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم قال: يا معشر القبائل، ويا أسود الجحافل، ويا معشر المسلمين خاصة، دون الناس عامة، إني قائل فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، إعلموا أن الأمر الذي كنتم تطلبونه، والنور الذي كنتم توقعونه، وتعدون له الليالي والأيام، والشهور والأعوام، ها هو في عترة نبيئكم - صلى الله عليه وآله وسلم - قد لمع، وضياؤه قدسطع، وقائمهم للفضائل قد جمع، وفي العلم قد برع، وفارق الطمع، وباشر الورع، وفارق الراحة، وجانب الاستراحة، واشتدت على الظالمين شكيمته، وتقوت عزيمته /41/ وغزرت ديمته، وعلت(2) قيمته، وقام لله تعالى راغباً، ولأعدائه مناصباً، ولصليب صلبه ناصباً (3)، حين بدلت الأحكام، وعطلت الشرائع، وشرب المدام، وارتكبت الآثام، واستغني عن الحلال بالحرام، وكثر الفساد بالبلاد، واستطالت أيدي أهل العناد، فبايعه السادة الأجلاء، والكبراء الفضلاء، أهل السؤدد الباذخ، والشرف الشامخ، والعلم البارع، والورع الدامغ، من أهل بيت محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وغيرهم من أولياء الله المتقين، والعلماء المخلصين، وأهل الورع واليقين، بعد الاعتبار، والسبر والاختبار، فوجدوه خضماً لا تنزفه الدلاء، وطوداً لايناله الارتقاء، وليثاً لا تهوله الأهوال، ولا تقوم بصولته الأبطال، حساماً لا تقوم له الجبن؟ ولا
__________
(1) في (ب): الغر.
(2) في (ب): غلت.
(3) في (ب): ولصت جبينه ناصباً.
تروعه الفتن، وعزاماً لا يصاحبه الوسن، وجند له يدمي منها المهاجم(1)، وتتحاماها المراحم، فاقصدوا رحمكم الله ناجم الشك، وتعاونوا على حصاد أولي الإفك، وسابقوا إلى سمعته، وسيروا إلى طاعته، تحيوا سعداء، وتموتوا شهداء، فإن عترة نبيئكم - صلى الله عليه وآله وسلم - هم السادة القادة، الذادة الحماة، الأناة الكفاة، وسفن النجاة، التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، لله أتوكم(2) من أي نور بعدهم تقتبسون، وبعد كتاب الله وسنة نبيئه تلتمسون، فمن كان منكم ذا شك وارتياب، ومستمسك من الخير بأسباب، فما هو في معرض الاعتراض، واقف نفسه لا يعبأ عن جواب، ولا يكل عن خطاب، عالم بالسنة والكتاب، وهو الجدير بقول جده - عليه السلام -:
دبوا دبيب النمل لا تفوتوا ... وأصبحوا في حربكم وبيتوا
فإنني قد طال ما عصيتُ ... قد قلْتُمُ لو جئتنا فجيتُ
ليس لكم ما شئتمُ وشئتُ ... بل ما يشأ المحيي المميتُ
ثم انتضى سيفه وقال:
ولو لم أكن فيكم خطيباً فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيبُ
أخوض(3) به للضرب في كل غمرة ... فأثني به عن تلك وهو خضيبُ
__________
(1) في (ب): المحاجم.
(2) كذا بالأصل ولعل الصواب: لله أنتم.
(3) في (ب): أغوصُ.
ومن أخبار ابن شبيب - رحمه الله - أنه ولاه الإمام الخطبة بـ(صنعاء)، وتوجه الإمام إلى (ذمار) لأخذها وفيها رئيس الغز(1) شهاب، فلما بلغ شهاب الخبر رجح لنفسه أن تترك في (ذمار) أربعمائة فارس للقيا الإمام، وتقدم في مائتي فارس يخلف الإمام على (صنعاء)، فلم يشعر أهل (صنعاء) إلا بالخيل والألوية والبنود، فناداهم أصحابه أنا قد قتلنا الإمام والسلطان سيف الإسلام حكو - رحمه الله - فافتحوا المدينة، فكاد ينخدع للغز(2) من في قلبه /42/ مرض، وثبت الله الذين آمنوا، فخرج القاضي أبو القاسم(3) - رحمه الله تعالى - بتلامذته، وجماعة من المسلمين، قليل إذا عدوا، كثير إذا شدوا، وقد كثر الرهج والاضطراب، فانتضى سيفه، وانتضى أصحابه سيوفهم عند باب المدينة، ونادى - رحمه الله -: يا أهل البيعة يا أهل البيعة، أنا عبد بني حسن، أنا عبد بني حسن، ثم ارتجز على البديهة:
أنا الهزبر لا براح ... حتى تسل (بالرماح) (4)
وتخضب البيض الصفاح ... دون (صنعاء)
والله هذه السيوف يا أهل آزال، يا معشر الزيدية، كذبت والله الحياطة، وأخذ يجول في الناس طولاً وعرضاً، والأنفار الذين معه حتى تراجع إليهم الناس، وقد رد إليهم أرواعهم وشددهم فقرت قلوبهم ونزعوا سيوفهم، وأجمع أمرهم على طرد شهاب، وأصحابه فرجموهم وطردوهم وأغلظوا لهم في القول ولم يثبت من سحر شهاب شيء، فانقلب(5) صاغراً مخذولاً (6)، حكى هذا جميعه علي بن نشوان.
__________
(1) لعلها زيادة في (ب): السلطان.
(2) لعلها زيادة في (ب): الغزو من.
(3) لعلها زيادة في (ب): الحسني.
(4) في (أ): الرماح.
(5) في (أ): فانفلت.
(6) سقط من (ب): مخذولاً.
القاسم بن الحسين الزيدي
السيد الإمام الكامل السلطان الحلاحل القاسم بن الحسين، الزيدي نسباً ومذهباً، ورد (اليمن) من (الطائف) عقيب ورود المنصور بالله القاسم بن علي العياني - عليه السلام - فسالمه وعاضده وناصره فولى القاسم من نقيل عجيب إلى (عدن) فبقي على ذلك مدة من الزمان، ثم جرى الخلف(1) بينهما بعد ذلك، ويغلب(2) القاسم الزيدي على أكثر البلاد، وحبس أولاد القاسم - عليه السلام - جعفر والحسين وغيرهما وأمرهما وأمر بهم من (صنعاء) إلى (بيت حنبص)، فسكن الإمام ولم ينزعج ولا راجعه في ذلك بشيء، فأخرجهم(3) بعد ذلك على أحسن حال، وأمر بهم إلى والدهم، وكان القاسم الزيدي من كبراء العلماء، أجله الإمام القاسم العياني وسوده، وولاه الجهات المذكورة واستنبط غيل آلاف عدني (صنعاء)، وكان بعض الشعراء يدخله في المديح مع القاسم العياني، كقول سلامة الحداد:
قسم القاسمان فينا الأمانا..
إلى آخر القصيدة، وعظمت الوحشة بينهما؛ لتعرض القاسم الزيدي لرؤساء ناس وسلاطين كانوا أولياء للإمام، ثم طال العتاب، وخرج الإمام القاسم العياني من (صعدة) إلى (ريدة) ولقيه القاسم الزيدي مظهراً للرايات الصفر وشعار المملكة، واستغفر في حق الإمام فاعتذر إليه، واتفقا مرة أخرى في (ورور) في دار القرشي(4) العمري، وما زال الأمر بينهما يمدح(5) حتى توفي القاسم العياني في نحو من سنة أربعمائة من الهجرة، فدعا الإمام الحسين بن القاسم العياني، وكان صغير السن غزير العلم مصنفاته خمسة وسبعون مصنفاً.
__________
(1) الأرجح الخلاف.
(2) في (ب): وتغلب.
(3) في (ب) زيادة: القاسم.
(4) في (ب): في دار هارون القرشي.
(5) سقط من (ب): يمدح.
قال السيد صلاح بن الجلال وزعم:(1) أنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فافتتن الناس به، وأقبلوا عليه(2) مهرعين، فزعم أنه أفضل من الأنبياء /43/ وأن كلامه ومصنفاته أفضل من القرآن، وأنهر(3) في ظهور المعنى، وقطع كلام الخصم فنفر الناس عنه فجار على الناس في (صنعاء) وغيرها، وطلب منهم الأخماس في كل شيء من الحلية والأموال حتى في العبيد والإماء، والثلث في سائر الأشياء من الحبوب وغيرها، فمن ساعده في ذلك وإلاَّ حكم.
__________
(1) في (ب): وعزم.
(2) في (ب): إليه.
(3) في (ب): وأبهر.
والحكم عليه بحكم اليهود في ضرب الجزية وسلب السلاح، ومن تعذر عن ذلك قتله وصلبه أو حبسه أو نحو ذلك، فلحق الناس في أيامه ما لا يعلمه إلا الله حتى إنها وصلت رسالة من الإمام(1) يوسف الأكبر في هذا المعنى، فجوب عليه أقبح جواب، وسبه أعظم السب، وسماه الزنيم الأبتر إلى نحو ذلك، وقد بلغ المؤيد بالله الكبير دعوته إلى (هوسم)، وهو في الصحراء، والألوية منشورة فطوى الألوية وأرسل رحلين إلى (صنعاء) ليتحقق صلاحه للإمامة، فصادفا ما ذكر فرجعا إلى المؤيد بالله، فنشر اللأوية وقد حمله أكثر الشيعة على عروض نقصان العقل، واتسع الخرق بينه وبين الإمام القاسم الزيدي، فكانت بينهما حروب، ثم جاء القاسم الزيدي بجنود كثيرة من بلاد (مدحج)، ودخل (صنعاء) وتملكها، فجمع الحسين بن القاسم العياني جميع القبائل من النواب(2) و(الظاهر) و(المشرق) و((مأرب)) وجميع البلاد، ولم يعدهم بجامكية ولا إرصاد وإنما وعدهم بالإباحة لأموال(3) (فراغ)(4) وسبهم(5)، فتسارع إليه الناس، ووصل إلى (صنعاء) في عساكر جرارة كالعيون(6) المنهمرة، فتصاف هو والقاسم الزيدي عند طلوع الشمس لثماني بقين من شهر صفر سنة ثلاث وأربعمائة في حقل (صنعاء)، ووقع القتال واشتد القتام حتى دخل (صنعاء) من ناحية القطيع عند الزوال، وملكها وانهزم القاسم الزيدي إلى ناحية (الفح)، وسائر الجنود والرؤساء انهزموا في كل مذهب، وتشتتوا تحت كل كوكب، مع أنه قتل منهم خلق لا يحصى عددهم في حقل (صنعاء) وفي جنب القطيع في حال الانهزام، ولحقت الخيل القاسم الزيدي وهو منهزم نحو (الفح) حتى أدركوه، (فطعن)(7) وصرع وقتل عند أذان الظهر، وأمر الحسين بن القاسم أن تطأ الخيل جثة القاسم الزيدي المقتول
__________
(1) في ( ع): من الإمام الداعي يوسف..
(2) في (ب): الأنواب.
(3) في (ب): لأموال (صنعاء).
(4) الفراغ خالٍ من أي كلمة في (ب) و (ص).
(5) في (ب): وسبيهم.
(6) في (ب): كالغيوث.
(7) سقط من (ب): فطعن.
وسائر القتلى بسنابكها حتى مزقتهم في التراب كل ممزق، ووصل علم من (صعدة) بأن الإمام يوسف الداعي توفي في ذلك اليوم بعينه، ودانت البلاد للحسين بن القاسم العياني، ثم بعد سنة ثأر عليه أهل (ريدة) آل الضحاك، وأهل (البون) وجميع (همدان)(1)، فجمع الحسين جموعاً كثيرة من (الجوف) و(مأرب) والتقو بـ(ذي عرار) عند باب (ريدة) (رابع صفر سنة أربع)(2) وأربعمائة، فجعل الحسين يحمل بنفسه مرات كثيرة حتى احتوشوه، وقتل بـ(ذي عرار)، قتله رجل من بني زنيح، فزعمت شيعته وقرابته /44/ وجهال شيعته(3) أنه لم يقتل وأنه حي منتظر، وشاع هذا الاعتقاد الباطل في الناس وفي جهال الشيعة(4) إلى نحو من سبعمائة من الهجرة واضمحل وقل وتلاشى، وقد بقي منه بقية في جهال من الناس وفي عوام(5) الشيعة وغيرهم في (الخيام) ونواحيها ومغارب (صنعاء)، وقبره قد مر، وبعد ذلك ظهر في (ذي عرار) من رأس الثمان المائة، فصح خطأ خيالاتهم.
__________
(1) في (ب): وجميع همدان وأكثر أهل البلاد.
(2) في (ب): رابع صفر سنة أربعمائة.
(3) لا
(4) في (ب): في جهال الشيعة نحو من ثلاثمائة سنة على نحو من 700 من الهجرة.
(5) في (أ): في أعوام اليعة.
قال الفقيه حُميد الشهيد - رحمه الله -: وقد كتبنا رسالة في هذا المعنى وسميناها بالرسالة الزاجرة لذوي النهى عن الغلو في أئمة الهدى، هذا الذي ذكرناه من أن المعارض للحسين بن القاسم العياني هو القاسم الزيدي، وأنه قتله بهذه الكيفية، والذي عند غيره أن المعارض له ولده محمد بن القاسم الزيدي، وقد أومأ السيد الأمير صلاح بن الجلال إلى ذلك فإنه قال: وقد كان قبل ذلك أمر القاسم الزيدي ابناً له يسمى محمداً كان سيداً عالماً فاضلاً أن يدعو للإمامة ويعارض الحسين بن القاسم، فلما وصلت دعوته إلى الحسين أجابها بالمخاصمة واللعن والشتم والكلام القبيح، وقد وقعت(1) في المقبور بجامع (ذمار)، فالذي ذكره الأمير صلاح بن الجلال أنه قبر الحسين بن القاسم الزيدي المذكور ابن الحسين بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - توفي يوم الأربعاء، لست وعشرين ليلة خلت من محرم سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، قيل: قتله الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني؛ لأنه نازعه الأمر وخالف(2) عليه (وقتله في الهان)(3)، وحمله شيعته إلى (ذمار)، ودفن في جامعها، (قال المؤلف في ترجمة السيد الكبير الحسين بن القاسم بن الحسين بن محمد بن القاسم بن يحيى بن الحسين بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - المذكور هنا ما لفظه: وقد استشكل بعض المؤرخين هذا وقال: الذي فيه الحسين بن القاسم بن علي هو القاسم الزيدي، وأنه الذي ما ذكرناه من البلاد، وولاه بني الضحاك وبني مروان أهل الهان، وأن القاسم الزيدي حبس أولاد القاسم بن علي: جعفر، والحسن وغيرهما، فكانت بينه وبين الحسين بن القاسم حروب، آخرها حرب أجلب فيه الحسين بن القاسم بجموع كثيرة كالسيول المتلاطمة، فوصل (صنعاء) في صفر
__________
(1) في (ب): أوهام.
(2) في (ب): وحالف عليه فقتله في الهام وحمله شيعته.
(3) في (ب): قبله في الهام.
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، فالتقى هو والزيدي في حقل (صنعاء) واشتد القتال، فدخل الحسين (صنعاء) من ناحية القطيع وملكها فانهزم الزيدي وتشتت جنده وأدرك بـ(الفج) فقتل، فقال المستشكل لكون الذي قتله الحسين بن القاسم ما لفظه: فصح أن المقبور في جامع (ذمار) ليس بالذي قتله العياني؛ لأن تاريخ وفاته سنة أربع وتسعين وثلاثمائة.
قلت: وما ذكره المؤرخ يعظم إشكاله إذا تحققت عمر الحسين بن القاسم /45/ العياني، فإنه نيف وعشرون سنة، وبين قتل الحسين المذكور المقبور بـ(ذمار) وبين قتل الزيدي الذي قتل بـ(الفج) ثماني عشرة سنة، ومقتل الحسين بن القاسم العياني في سنة أربع عشرة وأربعمائة بـ(ريدة)، فلا كلام أن الحسين بن القاسم المقبور بـ(ذمار) لم يقتله الحسين بن القاسم العياني. قال بعض مشائخنا: الذي قتله الحسين بن القاسم هو محمد بن القاسم، قتله بقاع (صنعاء) عند الظهر يوم الخميس لسبع بقين من صفر سنة ثلاث وأربعمائة، وذلك أن محمد بن قاسم الزيدي المذكور دعا إلى نفسه، والقاسم الزيدي والد محمد الذي خرج من (الطائف) مناصراً للقاسم العياني توفي يوم الأربعاء لست وعشرين ليلة من محرم سنة اربع وتسعين وثلاثمائة، قال: وهو المقبور في عدني جامع (ذمار) وأشراف بيت نعامة من بلاد بني شهاب من نسبه، وفي (صنعاء) و(جهران) وهجرة (أورل) وادي الإجبار من جهة معري) (1).
__________
(1) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
قال السيد(1) صلاح الدين: والتواريخ شاهدة بغير ذلك، وهو أن القاسم بن الحسين الزيدي كان سيداً رئيساً كبيراً ذا مملكة بـ(ذمار) وبلاد (مدحج) إلى (جهران(2) والهان)، وأنه كان يملك (صنعاء) وبلادها أكثر الأحوال، وكان يقود عسكر بلاد (مدحج) لكثرة، فبلغ(3) بهم إلى ما يريد، وتارة يسالمه ابن أبي الفتوح الأموي صاحب مشارق (صنعاء) وبلاد (خولان) وآل الضحاك آل (ريدة) وبنو مروان، كان هم(4) في (صنعاء) رائحة وهم مستولون على أكثر بلاد الهان وحصن اشح وما والاها من النواحي، وكانت (صنعاء) أعمالها كالخرقة الحمراء بين الآحدي لها في كل سنة أو شهر سلطان غالب عليها حتى ضعف أهلها، فانتجعوا إلى كل صقع وتوالى عليها الخراب، وقلة العمارة في كمال أربعمائة من الهجرة، حتى انتهى عدد دورها إلى نحو نيف وألف دار فقط بعد أن كانت دورها - في كمال المائتين من الهجرة في زمن هارون وابنه المأمون - نحواً من مائة ألف دار وعشرين ألف دار، ثم ساق الأمير صلاح الدين ما قدمنا ذكره من الكائن بين القاسم الزيدي والحسين بن القاسم العياني، وأن القاسم الزيدي هو المقتول لا ابنه(5)، ثم قال فصح الآن ان المقبور في جامع (ذمار) هو الحسين بن القاسم الزيدي، يكون إما أباً للقاسم الزيدي؛ لأن تاريخ وفاته في سنة اربع وتسعين وثلاثمائة أو ابناً له، فكل هذا منقول بالمعنى والتاريخ المحقق من(6) كتاب تاريخ (صنعاء)، فليعلم ذلك.
قلت: كونه أباً للقاسم الزيدي خفي، فقد سبق ذكر نسبه من كتاب الأمير صلاح، ليس فيهم الحسين بن القاسم.
أبو القاسم بن الصديق البيشي
__________
(1) في (ب): قاله الأمير.
(2) في (ب): هران وإلهام.
(3) فراغ في (ب).
(4) في (ب) هم.
(5) في (ب): لا ولده.
(6) في (ب): المحقق في كتاب تاريخ.
العلامة الفقيه الفاضل أبو القاسم(1) الصديق البيشي التهامي - رحمه الله تعالى-(2)، قال سيدنا العلامة محمد بن علي بن صالح العنسي - أبقاه الله -: نشأ /46/ في قرية (بيش) وطلب العلم في ابتداء أمره هنالك، ثم بعد أن أدرك(3) نصيباً من الفائدة طلع إلى مدينة (صعدة) للقراءة عند القاضي سعيد بن صلاح الهبل، فوافقه وهو يدرس، فألقى مسألة في الاعتكاف على بعض تلامذة القاضي سعيد، فأحضر التلميذ وفسرها القاضي سعيد(4) له، واعتنى بتربية الفائدة له، حتى إنه كان يكتب الحواشي له بيده، وبعد أن ظهرت فائدته ارتحل إلى (شهارة)، إلى حضرة القاضي عامر بن محمد الذماري، واتفق وصوله وهم في قراءة (التذكرة) وهو معمور بين الدرسة، فلما شرعوا في الدرس أورد مسائل، فالتفت إليه حي(5) القاضي أحمد بن عامر فعرفه، فقال لوالده: يا أبت(6) هذا أبو القاسم، وقد كانوا يسمعون فيه لحسن فائدته، فقال القاضي ... (7) رجلاي على الصفا، ثم قرأ عليه قراءة محكمة، يروى أن سادن الجامع كان يعلق السراج في الصباح(8) من عنده لأنه كان يقضي ليله درساً، ثم ارتحل بعد ذلك إلى سيدي شرف الدين الحسين بن أمير المؤمنين وقرأ عليه (البيان)(9) بمحروس البستان، وحضر قراءته جماعة من الأعيان، منهم السيد العلامة أحمد بن علي الشامي والقاضي عبد الرحمن بن العشي(10) وغير هؤلاء من الأعيان، وقرأ عليه بعد ذلك السيد العلامة الحسين بن محمد المفتي(11)، وكان أعجوبة في حفظه لقواعد الفقه وسرعة بادرته، وكان يحفظ القرآن غيباً(12)، ويحسن التعبير، وتولى في آخر مدته قضاء مدينة ((زبيد)) - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): بن.
(2) سقط من (ب): تعالى.
(3) في (أ): بعد أن ترك.
(4) في (ب): القاضي سعيد وأعجب به واعتنى....
(5) في (ب): السيد.
(6) في (ب): يا أبه.
(7) في (ب): القاضي عامر وأبا عامر.
(8) في (ب): المصباح.
(9) في (ب): في البيان.
(10) في (ب): عبد الرحمن بن المنتصر العشي.
(11) في (ب): الفتي التهامي.
(12) في (ب): غيباً محكماً.
القاسم بن صلاح بن الهادي
السيد العارف البليغ القاسم بن صلاح بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - قال الأمير(1) صلاح الدين بن الجلال - رحمه الله تعالى-(2): كان كريماً بادياً مسوداً شاعراً كليماً، ولا أدري هل هو الذي كان في زمن الإمام الناصر لدين الله صلاح بن علي؛ فإنه كان في زمنه سيداً كاملاً فاضلاً، مما كتبه إلى الإمام صلاح الدين:
أنت العظيم ولم تزل ... تحلى بحليتك العظائم
وجمعت ما في الناس يا بن ... الأكرمين من المكارم
يتغنم الأموال أقوام ... يحبون الغنائم
حرصاً ومولانا يعد ... فراق مغنمه غنائم
وله فيه أيضاً:
هو الناس في المعنى وإن كان واحد ... فلله ذاك(3) الواحد المتفردُ
تفرد فيهم بالزعامة يافعاً ... أتاه بها حقاً (4) ابوه محمدُ
فماتت به الآثام والغي والردى ... وحيت له دنيا (5) ودين وسؤددُ
وأبيض يستسقى(6) الغمام بوجهه ... كما كان قبل (7) صادق الوصف أمجدُ
وإن كنت في ريعان رب أقامه ... فقلي في نادي (8) الإمام مقيدُ
/47/ والأظهر أنه هو.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (الكاشفة للغمة)(9): إنه عم السيد المهدي بن أحمد بن صلاح.
__________
(1) في (ب): السيد صلاح.
(2) سقط من (ب): تعالى.
(3) في (أ): فراغ.
(4) في (أ): فراغ.
(5) في (أ): فراغ.
(6) في (أ): مستسقى.
(7) في (أ):.... صدق.
(8) في (ب): في (ب): فقلبي في نادي الإمام مقيد.
(9) سقط من (ب): للعمة.
قلت: يعني خال السيد صاحب (الكاشفة للغمة)، وهذا يفيد اليقين أنه القاسم بن صلاح بن الهادي بن الإمام(1) إبراهيم(2)؛ لأن السيد المهدي - الذي قال السيد الهادي(3) بن القاسم عمه - هو المهدي بن أحمد بن صلاح بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - وقد أثنى السيد الهادي في (الكاشفة) على هذا السيد القاسم، قال: لكلامه؟ من السلاسة، وفيه من العذوبة، وعليه من الطلاوة ما إذا لز إليه كلام سواه، يحد الجبل وبعض القريبا، وله في الإمام الناصر - عليه السلام - من فرائد القصائد، ومحاسن النثر، ما يشهد له بصحة البراعة، والمباراة في هذه الصناعة، ولم أرِ أعذب من شعره ولا أغرب(4)، أذكر هاهنا ما كتبه إلى مولانا - عليه السلام - وكان ذلك عقيب موافقته لمولانا بمحروس (المنصورة)، وكان عظيم المحبة لمولانا شديد التولع به، فكتب هذا الكتاب وهو في حال مرض طال به في آخر عمره، وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - بعد حذف(5) البسملة، وما يتصل بها:
تقبل الأرض وتشكو إلى ... سيده المالك صنع الفراق
يوم الثلاثاء سار من (صعدة) ... والقلب من لوعته(6) ذو احتراق
كان الوفا(7) والعدل أيامه ... قليلة باحثة (8) من وفاق
وانسق من بعد ثمان له ... عود وما في شقه من شقاق
وانشق السوق فدانت له ... حوائج أودى بها الاتساق(9)
ومنها(10):
أفدي أمام الحق من زائر ... في عرض حماي(11) ولا زال باق
بعد عصير ثم بعد العشا ... والفجر بدر لا يجيه المحاق
يصحبني عند المزار الدعاء ... ومسيح كف فادبرا وساق
ومنها:
__________
(1) في (ب): بن الإمام الهادي.
(2) سقط من (ب): إبراهيم.
(3) في (ب): قال السيد الهادي: أن القاسم عمه.
(4) في (ب): أعرب.
(5) في (ب): حرف.
(6) في (ب): من ولعته.
(7) في (ب): كان الوفا العذب.
(8) في (ب): يا حبه.
(9) هذا البيت زيادة في (ب).
(10) سقط من (ب): ومنها.
(11) في (ب): حمادى.
أنا امرؤ ملكتك النفس تمليكاً ... فما أرضى لها بالعتاق(1)
عليك يا مولى الورى عن يد ... صلاة من أعطى أباك البراق
قاسم بن صلاح
السيد الأكمل الأفضل، علم الدر(2) قاسم بن صلاح من جهات المشرق(3) من (الوعلية) من تلامذة السيد العلامةأحمد بن علي حصير، ذكره(4) السيد العلامة مجد الدين المرتضى بن أحمد بن عاهم.
القاسم بن عبد الله بن حمزة
الأمير الخطير، الهمام الأسد الباسل الضرغام، علم الدين القاسم بن أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله، كان أميراً خطيراً بديع النظم فائقه، وكان محباً للفضلاء محبباً إليهم، أديباً لبيباً، من جملة ما دار بينه وبين الأدباء في عصره أنه كتب القاضي مسعود بن عمر العنسي المسمى بركن الدين في جدار مسجد الإمام القاسم بن علي(5) - عليهم السلام -(6):
عدنا ببيتك والثاوي بتربته ... مجددين لعهد الحب تجديدا
48/ علماً بأنا متى نقصدك في أمل ... لا نلق بابك دون العهد(7) مسدودا
فاطلع على ذلك السيد الأمير الجواد القاسم المذكور فكتب:
يا من يجيب دعا الداعي ويسمعه ... سراً تعاليت مرجواً ومقصودا
قد عاد عبدك خوفاً منك معترفاً ... فارحم إله السماء والأرض مسعودا
فأودع البيتين رسولاً إلى القاضي مع تحية ووصف للشوق، وكان اسم الرسول فريح. فقال القاضي:
فريح فرجت عني الهم لا علقت ... بك الخطوب ولا أودى(8) بك الكمدُ
أطفأت عني بذكراك التي ملأت ... أفق البسيطة نوراً بعض ما أجدُ
ذكرت قاسم فاشتق الدجا وبدا ... من نوره لمصابيح السما مددُ
وجئتنِي بنجوم(9) الليل قد نظمت ... عقداً وفوقك نور البشر يتقدُ
__________
(1) في (ب): بالعناق.
(2) في (ب): علم الدين.
(3) في (ب): الشرق.
(4) في (ب): وذكره.
(5) سقط من (ب): بن علي.
(6) زيادة في (ب): عند مشهده هذين البيتين.
(7) في (ب): لا نلقى بابك دون الخير مسدوداً.
(8) في (أ): أردى بك الكمد.
(9) في (ب): وحيثني بنجوم.
بالله كيف نجت كف لمست بها ... غوارب البحر يطفو فوقه الزبدُ
وكيف لم يغشك النور الذي نظرت ... إليه عيناك لا أغشاهما الرمدُ
يا آل حمزة ما لي لا أصوغ لكم ... شوارد السحر ما رسا لنا أحدُ
ولم تزل لي ذكرى في نديكم(1) ... تفوح مسكاً وبر ما به نكدُ
ونفثة من دعاء قد علمت بها ... أني غدات غد في حوضكم أردُ
ألم يشد لي شمس الدين مرتبة ... يبنى على كاهل الشعرى لها عمدُ
إنصاف من ليس يسعى في غوائله ... وجود من ليس مثلي عنده أحدُ
حللت منه بصدر الدست حيث ترى ... غلب الملوك فخاراً كلما سجدوا
ومما كتب من شعره وهو حسن لطيف، وكتبه السيد إبراهيم الوزير بخطه:
إن لذَّات الفتى في عمره ... ذاتُ دلِّ وكتابٌ وفرس
وله، وأظنها في ابن عمه الأمير عماد الدين يحيى بن حمزة - عليه السلام - (2):
إن يحيى بن حمزة بن سليما ... ن إلى كاهل الفخار نماها
تخجل الشمس نورها ويجلي ... غسق الليل حين جن سناها
إن لله حمزة بن سليما ... ن ويحيى العماد إذ أنجباها
طاب أصلٌ لها وطاب ثمار ... فزكا فرعها وطاب ثراها(3)
وله أيضاً - رحمه الله - وقد تزوج بـ(نجران):
خبروها لما نزلت بوادي الـ ... ـنخل أني نكحت فيه عروسا
فتصدت منهم وظلت كمن ظل ... يُسَقَّى من السموم كؤوسا
ثم قالت تصبراً ليته زا ... د إليها عشراً وكن شموساً
وأسرَّت إلى بنات أبيها ... بالذي عندها فظلن عبوسا
/49/ أخبرتهن أنها حازت الهم ... جميعاً ودونها أم موسى
فتباكين من بكاها وأعنيـ ... ـن نفوساً نفسي لهن نفوسا
القاسم بن عبد الرحمن الصهباني
العلامة الكبير المجاهد العابد القاسم بن عبد الرحمن الصهباني - رحمه الله - أحد تلامذة الإمام الأعظم وأصحابه - عليه السلام - ذكره البغدادي في رسالته.
__________
(1) في (ب): ذكرٌ في يديكم.
(2) سقط من (ب): عليه السلام.
(3) هذا البيت زيادة في (ب).
القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق
العلامة الكبير، الفاضل الشهير، الشيخ العالم، الزاهد السعيد، ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي، - قدس الله روحه-، كان رأساً في العلوم، مهيمناً على المظنون منها والمعلوم، له كتاب في إسناد مذهب الزيدية وتعدادهم، وذكر تلامذة زيد بن علي - عليه السلام - وأصحابه الذين أخذوا عنه العلم وشاركوه في العمل، روى عنه الإمام أبو طالب - عليه السلام - فأكثر، بواسطة شيخه أحمد بن محمد البغدادي المعروف بالأبنوسي، وروى عنه بواسطة شيخه الإمام الأعظم أحمد بن إبراهيم الحسني - رحمه الله -.
القاسم بن علي الذروي
الأمير الشريف الغطارف، صاحب (العوارف والمعارف)، علم الأعلام والصارم الذي ليس بالكهام: القاسم بن علي الذروي، صاحب المخلاف وسلطانه، وواحده بلا خلاف وإنسانه، كان جليلاً نبيلاً مفضالاً ممدوحاً بالشعر موفوداً إليه، ولعل ما في ديوان القاسم بن علي بن هتيمل من المدح فيمن هذا اسمه موجه إليه، من جملة القصيدة التي أولها:
الله أكبر هذا منتهى أملي ... هذا الجروم(1) وهذا قاسم بن علي
__________
(1) في (ب): الجروب.
وهي قصيدة غراء يحكى أنه أنشدها بين يدي الشريف المذكور والبقر تعمل في الجروم(1) - بالجيم بعدها راء مهملة - وكانت نحو المائتين، فأعطاه المقبل منها، إلى وجهه ثم أعطاه المدبر منها، وأحسبه لما تم القصيدة أعطاه الجروم(2) أيضاً، واتفق لهذا الشريف أن الملك المظفر الرسولي لما أراد الحج كتب إلى شريف (مكة) وسلطانها أن يتلقاه إلى (حلي) فأنفت نفوس الأشراف من ذلك، وكان ممن تكلم هذا الشريف، فأفضى الأمر إلى الشقاق، وقال الشريف أشعاراً، وقيلت فيه أشعار، فأسره السلطان المظفر وحبسه بـ(زبيد) فبقي في سجنه مدة حتى أيس من الخروج، ومما دار على الألسنة وسمعناه من فضلاء المخلاف: أن السلطان قال للشريف: لا تخرج من سجني حتى يلتئم هذا الصدع الذي في الحجر، وأشار إلى حجر هنالك يريد بذلك إحالة خروجه على نحو قوله تعالى: ?حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ?[الأعراف:40] فالتفت السيد إلى الله، وقال قصيدته الآتية، فأصبح الصدع ملتئماً، وقد لمح السيد إلى /50/ ذلك في القصيدة فخرج عنه السلطان وأخرجه وعاد(3) إلى بلده بعد اليأس منه، والقصيدة هي:
من لصبٍ هاجه نشر الصبا ... لم يزده البين إلا وصبا(4)
واسير كلما لاح له ... بارق القبلة من (صبيا) صبا
ولطرفٍ أرق إنسانه(5) ... دون من يشتاقه(6) قد حجبا
لم يزل يشتاق (نخلان) وإن ... قدم العهد وهوى الطيبا
ما جرى ذكر(7) المعالي في ربا ... صيرات الشط إلا انتحبا
حبذا صلب الفعيساوطني(8) ... ولييلات بها(9) ما أطيبا
وربا النيرين من قبلهما ... وزلال بهما ما أعذبا
يا أخلاي بـ(صبيا) واللوى ... وأحبائي بتياك الربا
هل لنا نحوكمُ من عودة ... ونرى سدركمُ والكثبا
__________
(1) في (ب): الجروب.
(2) في (ب): الجروب.
(3) في (ب): أعاده إلى بلده.
(4) في (ب): نصباً.
(5) في (أ): آسانه.
(6) في (ب): يشتافه.
(7) في (ب): أذكر.
(8) في (ب): العنيسا وطني.
(9) في (ب): بهما.
فلكم حاولت قلبي جاهداً ... يتسلَّى عن هواكم فأبى
فأذكروا صباً بكم ذا لوعة ... بان عنكم كارهاً مغتصبا
وإذا عنَّ له ذكراكمُ ... في أعيصار الشباب انتحبا
وإذا ما سجعت قمرِيَّةٌ ... صاح من فرط الأسى واحربا
هائم القلب كئيب دَنِفٌ ... لم ير السلوان عنكم مذهبا
ويرَى الحي الذي كنا وهم ... جيرة بالشام أيام الصبا
ليت شعري بعدنا هل طنبوا ... بربا (نخلان) بعدي طنبا
أو تناءت دارنا عن دارهم ... أو سبتهم بعدنا أيدي سبا
عجباً للدهر ماذا سنه ... ولأحداث الليالي عجبا
ما طلبت السهل إلا صَعُبَا ... وطلبت السلم إلا حاربا
ولقد حل بقلبي نُوَّب ... مضميات تستهل النوبا
ويلاتي(1) من زماني محن ... بلغ الضد بها ما طلبا
(فلعمري ما بني إلاَّ صفا(2) ... وانتضى إلا حساماً خشبا
لا ولا مكتئباً لو أنه ... نهب الحوباء(3) فيما نهبا
إخوتي بالشام بل يا سادتي ... وأعز الناس أمَّا وأبا
الشناخيب (4)الذرا من معشر ... الصناديد الكرام النجبا
51/ غير لا أنكر معروفاً ولا ... عابس الوجه إذا الدهر كبا)(5)
وأشد الناس بأساً لو على ... غارب المكروه يوماً ركبا
ومساعير الوغى من حسن ... وبني الحرب إذا ضاق القبا
إن قضيتم من هوانا أرباً ... ما قضينا من هواكم أربا
أو تناءت دارنا عنكم ولم ... يأتكم منا على البعد نبا
__________
(1) الأرجح أنها وبلائي.
في (ب): ببدركم.
(2) في (ب): ما بنت إلاَّ صفا.
في (ب): ببدركم.
(3) الحوباء: النّفْس. القاموس المحيط (77).
(4) الشناخيب: مفردها: الشَّنْخَب: هو الطويل. المرجع السابق ( 103).
(5) جاءت الأبيات الخمسة السابقة مرتبة في (ب) كالآتي:
غير لا أنكر معروفاً ولا
عابس الوجه إذا الدهر كبا
إخوتي بالشام بل يا سادتي
وأعز الناس أمّا وأبا
فلعمري ما بنى إلا صفا( )
وانتضى إلا حساماً خشبا
لا ولا مكتئباً لو أنه
نهب الحوباء فيما نهبا
الشناخيب الذرا من معشر
الصناديد الكرام النجبا
في (ب): ببدركم.
لا تناسونا وإن طال المدى ... كم نوىً بعدَ بِعداً قُرُبا
فإذا ريح جنوب جنبت ... فاسألوها كيف حال الغربا
فلديها من تناهي لوعتي ... وغرامي ما يحط الشهبا
حبذا لو أنني من دونكم ... خائضاً سمر العوالي والضبا
وجياد الخيل ينثرن على ... متنات الدارعين(1) العذبا(2)
لحق الأقران(3) شعثاً شُزَّبا(4) ... نتعاطى بالعوالي شُزَّبا(5)
أَوْ كسَهمٍ طار من محنبه ... ذات ذروين إذا ما ركبا
قل لمن كان لنا دون القضا ... ولاحداث الليالي سببا
والذي أوقد نيران الغضا ... زد على نارك يا ذا حطبا
واستلب ما شئت عمداً فعسى ... عن قليل ستحط السلبا
إن يكن سرك(6) ماساء فعش ... كي ترى من بعد هذا عجبا
أو أمنت الدهر يوماً واحداً ... فلقد حاولت ظناً كذبا
رب صدع كان أعيا شعبه ... أدركته رحمة فانشعبا
كم سرور بعد يأس قد أتى ... وزمان بعد بؤس أعشبا
فلكم فتح من الله أتى ... حيث لا يدرك ساعٍ هربا
فجلا هماً وطفَّى حرقاً ... وشفى غيظاً(7) وجلَّى كربا
وأعادت رحمة الباري على ... مؤيس من حاله ما ذهبا
إن خبوني عنك في مستودع ... فشهاب العزم مني ما خبا
أو ملا جفنيك لذات الكرى ... فجفوني والكرى ما اصطحبا
رب ليل بُتُّهُ مرتقباً ... لطلاب الثأر أرعى الشُهُبَا
أرقب النشر(8) هزيعاً(9) طالعاً ... وأراعي الغفر(10) مهما غربا
__________
(1) الدارعين: رَجَلٌ دارع، عليه درع. القاموس المحيط (714).
(2) العَذَبا: القذى.. المرجع السابق (112).
(3) في (ب): الأقراب.
(4) الشازب: الخشن، والضامر اليابس. القاموس المحيط (101).
(5) زيادة في (ب) بعد هذا البيت: أيها الرائح بالشام على ... ملق السير كهبات الضبا
(6) في (ب): شرك.
(7) في (ب): غِلاً.
(8) لعلها النشر: بمعنى: إذاعة الخبر، والحياة، وبدء النبات. ق/م (482).
(9) هزيع من الليل: طائفة. القاموس المحيط (775).
(10) الغَفْر: منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار. المرجع السابق (451).
لنهار تنقط السمر به(1) ... في الوغا ما شكلت بيض الضبا
والمذاكي في لظى معركة ... مختبيات يثرن الغيهبا
رب إن يقض به ذو أرب ... موجع القلب أسير أربا
وينال المرتجي من ربه ... في أعاديه الذي قد طلبا
وصلاة الله تغشى دائماً ... أحمد المختار ما هب الصبا
أحمد المختار محمود الثنا ... من رقى السبع السما والحجبا
/52/ قلت: وهذه القصيدة تدل على عذوبة ناشئته، ورقة حاشيته، وقلَّ ما يكون ذلك فيمن كان مثل هذا الشريف من أحلاس الخيل، وسراة الليل، وروي أن السيد الحافظ شمس الدين أحمد بن عبد الله الوزير - رحمه الله - في عام حجه لما نزل مدينة (صبيا) صبا إليه كل أديب، وألمَّ بمنزله كل نجيب، ينزوون من معينه، ويروون من علومه، ولما خرج متوجهاً شيعه الفضلاء فاستقام عند جمله الذي ركب عليه العلامة محمد المحلوي الشافعي والد إسماعيل شارح (الملحة)، فاستودع السيد شمس الدين فقال له السيد: أنتم في حفظ الله، إن قضيتم من هوانا أربا، ما قضينا من هواكم أربا.
القاسم بن علي القاسمي
السيد الشريف، البليغ مقدم الرؤساء، علم الدين القاسم بن علي القاسمي - رحمه الله - كان من عيون زمانه، والسبق لأهل قرنه وأقرانه، وله أشعار تدل على فضل، من ذلك ما قاله بعد قضية الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - بعد قصة حضور التي زلزلت أركان البغي فقال:
شجا للكاشحين ولا سرورا ... ونصراً للإمام ولا ثبورا
على الإسلام واطردت قناهُ ... وهزَّ لواءه وازداد نورا
وهي طويلة.
__________
(1) في (أ): الشمس.
القاسم بن علي بن هتيمل
البليغ الذي يعد في البلغاء بالخنصر، والسابق الذي يطول على كل شاعر ولا يقصر، تصبو له المعاني إذا دعاها أجابه كاعبات ومعصر: القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي الزيدي الفصيح - رحمه الله تعالى - هو أحد مفاخر (اليمن) على الشام، والمغنى بوميضه على كل بارق فما أحد لبارق من بعد بارقه(1) شام، روي أنه لما وصل ديوانه إلى (مكة) المشرفة اتفق أدباؤها على تفضيله على مشاهير الشعراء. قال(2) قائلهم: قد جاء ديوان من (اليمن) يغني عن كل هذه الدواوين، وقد نشد(3) من شعره العماد الكاتب وعصر به(4) شيئاً من الشعر ونسبه إلى غيره، وما أظنه إلا انتحال والانتحال كما قال السعد التفتازاني: إني(5) امرؤ يصبو إليه اللبيب، وللأرض من كأس الكرام نصيب، فذكر العماد القصيدة التي طالعها: أنا من ناظريّ عليك أغار.
وهي من غرر القصائد وأظن من جملتها في مديحه للإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام -:
طالبيٌ يكاد من طلب الثأ ... ر تلظى من مقلتيه النيارُ
حسنيُّ لوجهه حَسُنَ الدهـ ... ـر ولولاه ما أقيل عثارُ
قاسميٌّ في كفه يقسم الرز ... ق ومنه تستوهب الأعمارُ
وكان ممدوحه في الجبال: الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليهما السلام -(6) وأولاد الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهم السلام - وفي الغور: الأشراف أهل المخلاف وأمراء حلي ابن يعقوب، وأخبرني بعض الحفاظ أن له قصة في مديحهم، وذلك إن كان له خصيصتان /53/ في المديح غير محمودتين، أحدهما أنه يبالغ في الممدوح حتى يهين من سواه، كقوله في الإمام - عليه السلام -:
إلى من لو وزنت الخلق(7) طراً ... بظفر منه ما وزنوا قُلامه
__________
(1) في (ب): لائحة.
(2) في (ب): وقال.
(3) في (ب): أنشد.
(4) في (أ): وهو عصير به.
(5) سقط من (ب): أني.
(6) سقط من (ب): عليهما السلام.
(7) في (ب): وزن الخلق، وفي (أ): وزنت الخق.
والثانية: أنه ما مدح أحداً إلا ورثاه؛ لأنه تعمر طويلاً، وقال في قصيدة له في صاحب (حلي):
إن الملوك بني يعقوب قاطبة ... طراً وكل ملوك غيرهم سُوَقُ
فبلغت السلطان المظفر الرسولي فأنف وأرسل(1) له خريدة خيل، فجاءوا به من قطر(2) (تهامة) والسلطان يومئذ بـ(زبيد)، فباتوا به ليلة في محل الشريف سليمان بن وهاس الحسني، وكان الشريف في حضرة السلطان، وليس في البيت إلا غلام من أولاده يفعة ما اختط له شارب، فشكا إليه ابن هيثمل فقال الولد للرسل: هذا(3) قد استجارني والسلطان يحب رعايتنا، وأبي(4) في حضرته، فاتركوه وللسلطان في القصة رأيه، فلم يساعده الرسل، فكان بينهم بعض الشر، وركب الولد، ونكاهم بعض النكاية فتركوا ابن هتيمل، وعزموا إلى السلطان، وذكروا أن سليمان بن وهاس لقاهم خيلاً استخلصوه من أيديهم، فعاتب السلطان الشريف سليمان، فقال: ما في بيتي إلا ولد ما يصلح لهذا ولا أمرته بشيء، فأمره السلطان بإحضاره، فلما حضر أنكر الرسل أنه الذي استخلص ابن هتيمل منفرداً، وأن عنده غيره من الفرسان، فقال الولد: هذا الفرس وهذا الميدان يخرج الرسل وأنا أخرج، فظهر(5) للسلطان نجابة الولد، فلم يعذر عن حضور ابن هتيمل، فحضر وعاتبه، فقال: ما قلت وكل(6) ملوك غيرهم سوَقُ، إنما قلت: وكل ملوك غيرهم سبقوا، فاستحسن ذلك السلطان وتركه للشريف، فقال في الشريف قصيدته السينية، وهي في الديوان، واستمر الشريف في الحضرة السلطانية من وجوه أهلها وأعيانهم، وكان على المظفر إلى (مصر) مال يسلم في السنة يأتي له رسول من صاحب (مصر)، من جملته دروع فيها أربعة مختارة، فاتفق أن السلطان لم يتيسر الرابع من الأربعة، ومن صفتها أن تكون في الأرض مرتفعه مثل المستقيمة(7)، فجمع المال في الديوان وأعيان الدولة
__________
(1) في (ب): فأرسل.
(2) في (ب): بطن.
(3) في (ب): هذا الرجل.
(4) في (ب): وأنا في حضرته.
(5) في (ب): وظهر.
(6) في (أ): في.
(7) في (ب): كالمستقيمة.
مجتمعون والمال في الوسط والسلطان في المخزان، فسأل الشريف ما بال السلطان لم يخرج، فقالوا: إنه مطالب في الدرع الرابع، فهو يطلبه، فسل الشريف سيفه وضرب أحد الأدراع(1) الثلاثة حتى قده(2) السيف، وقال: قل لصاحبك ليس عندنا غير هذا، فبلغ المظفر فقال - وقد أعياه وجود الدرع -: نعم ما قاله(3) الشريف، ليس عندنا غير هذه الضربات، فعزم رسول (مصر) ولم(4) يأت من بعده رسول، وهذا من إملاء بعض الشيوخ - رحمه الله تعالى - والقضية قد ذكرت بما هو أخصر من هذا، ولم أتيقن أيضاً(5) سليمان والد الولد /54/ أو اسم الولد نفسه، فالقصيدة التي من ابن هتيمل أن المخلص له سليمان بن وهاس، فتحتمل أنه الولد والذي في الذهن أنه والده - والله أعلم -، وكان بين ابن هتيمل وبين ابن حمير صاحب الحاج مشاعرات، وكان ابن حمير مجيداً غير أن هذا لا يلحق وما يناظر شعره(6) إلا شعر أبي فراس، ولقد امتحنت جماعة من الأدباء بأبيات من شعره أقول لمن تظنون هذا الشعر، فتقع في الغالب أفهامهم على أبي فراس والأبيات هذه:
أراني وإن كنتم(7) موالي دينه ... وأهلي فلي في دون أرضكم أهلُ
تقبل كفي قبل إبراك ناقتي ... وتنجح حاجاتي وما حط لي رحلُ
ويشتاقني المولى البعيد وسادتي ... عيونهم عني وعن نظري قبلُ
وأنتم أحق الناس لي لو عرفتمُ ... بحقي ولكن دون معرفتي جهلُ
فما حيلتي والحال لو قمتمُ(8) بها ... على جهة الانصاف أصعبها سهلُ
فما صنت نفسي عن قتال عدوكم ... ولا قلت ما لي في أموركم دخلُ
__________
(1) في (ب): أحد الأدراع الثلاثة.
(2) في (ب): قلم.
(3) في (ب): ما قاله.
(4) في (ب): فلم.
(5) في (ب): سليمان اسم والد.
(6) سقط من (ب): شعره.
(7) في (ب): وكتت.
(8) في (ب): قمتمو.
وله (شعر)(1) عالية الأشعار، وله في الغزليات ما يسترق الطباع، وكان يجاز بالجوائز السنيات الجزلة، ومع ذلك مات وهو من فقراء المسلمين المتربة، وقد سبق ما أجازه به القاسم بن علي الذروي، واشتهر في الناس جائزة الإمام له في قصيدته التي اشتهرت وطارت كل مطار، وهي:
إذا جئت الغضا ولك السلامة ... فطارح بالتحية ريم رامة
وهي شهيرة، فقال: إن الإمام أجزل عطيته ويذكر الناس قدرا ما رأيته في التاريخ، والله أعلم بالحقيقة، قال بعض الفضلاء يكفي هذه القصيدة قول السيد البليغ الهادي بن إبراهيم - رحمهما الله - فيما كتبه إلى الإمام المنصور متشفعاً في الإمام المهدي بقصيدة أجاد فيها:
وهاك قصيدة غراء تحكي ... إذا جئت الغضا ولك السلامة
وله درر من القصائد وغرر وأتبرك بمرثية الإمام الشهيد لا لأنها من يحب(2) شعره، بل للتبرك، قال - رحمه الله - بعد قتل الإمام - عليه السلام -(3):
أقسمت أحلف صادقاً وأنا الذي ... ما قط أحلف آثماً بيميني
إن الشجاعة والسماحة والندى ... حلت بقبرٍ في ربا (ذيبين)
في الدرب لا برح الغمام يجوده ... قبر به علم الهدى والدينِ
حيث الإمام ابن الحسين مخيمٌ ... يا حبذا من طاهر وأمينِ
(4) ذاك الذي أحيا شريعة جده ... بحسامه وأذل كل قرينِ
حيث ابن فاطمة الإمام مُضَمَّخٌ ... بدم الشهادة ثاوياً في الطينِ
ونفى الضلالة والجهالة وانثنى ... بجهاد أهل الشرك والتبطينِ
فبغت عليه أمة ظِلِّيلةٌ ... ظلماً بغير دلالة ويقينِ
55/ قتلت إماماً كان سيد مجدها ... وأعزها من هاضم ومهينِ
لله كف أبرأ التنين إذ ... مسحت أنامله على التنينِ
وجرت على الأعمى فعاد سناؤه ... ونفت عن المجنون طيف جنونِ
ما كان يوم (شوابة) في عصرنا ... إلا كيوم الطف أو صفينِ
ما كان أحمد حائداً عن ضده ... كلا ولا عند الندا بظنين
__________
(1) في (ب): أشعار.
(2) هكذا في الأصل.
(3) سقط من (ب): عليه السلام.
(4) في (ب): هذا البيت مؤخر إلى البيت الذي يليه.
أغنى الفقير ولم يرد مؤملاً ... لما أتاه خائباً بظنون
قد كانت الأيام مشرقة له ... وسنينه أزرت بكل سنين
فثوى فأظلمت البلاد وعطلت ... تلك الدسوت وخان كل أمين
وتفرقت آراؤهم وتشتت ... من بعد ذاك وخاب كل مكين
فعليه مني ألف ألف تحية ... وعدوه المسجون في سجين
من لم يزر قبر النبي بيثرب ... فعليه بالمهدي في (ذيبين)
هذا ما حضر من القصيدة أحسن الله جزاءه.
القاسم بن علي الأشرف
نخبة السادة(1) البليغ الفاروق القاسم بن علي الأشرف بن زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي وفاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يكنى أبا علي، وهو شاعر بليغ مفلق عالم، اختفى ببغداد، أشخصه الرشيد من (الحجاز) وحبس وأفلت من الحبس، وهو والد الإمام أبي جعفر محمد الصوفي الصالح الخارج بالطالقان، لقب بالصوفي؛ لأنه كان يلبس ثياب الصوف وظهر بأيام المعتصم في الطالقان، وأقام أربعة أشهر، ثُمَّ حاربه عبد الله بن طاهر، وقبض عليه وأنفذه إلى بغداد، فحبسه المعتصم وهرب من حبسه، فأخذه وضرب عنقه صبراً وصلب بباب الشماسية، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وهو أحد أئمة الزيدية وعلمائهم، وزهادهم، ذكر هذا الشيخ القاسم البغدادي وابن عنبة.
أبو القاسم بن علي بن المؤيد
السيد الأمير، البحر الذي لا يساجل، والجم الذي لا يحافل: أبو القاسم بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد بن جبريل سلام الله عليهم، كان كامل النعوت جميل المحامد دثن المكارم، قال الإمام عز الدين بن الحسن - عليه السلام -: كان سيداً كاملاً شهيراً يتبرك به وينذر له، وله خط حسن ما يعلم من أولاد الإمم وأولادهم من بلغ من حسن الخط ما بلغ، ولعله لو عاش لعظم شأنه، وعلا مكانه، ولم يدركه أقرانه، توفي في ذي القعدة سنة أربعين وثماني مائة في الفناء الكبير.
__________
(1) زيادة في (ب): ومهجة السيادة.
أبو القاسم بن علي بن عزان
الفقيه الفاضل العلامة أبو القاسم بن علي بن (عزان بن سليم)(1) بن أبي بريد بن أبي الخير بن أحمد بن روح بن قرش(2) بن مدرك بن عنس ابن مدحج /56/ عالم كبير (فاضل شهير)(3)، ترجم له بعض السادة، وقال: عاصر الإمام محمد بن المطهر، وأهل أبي الخير ينسبون إلى جده أبي الخير المذكور، وأهل هروج ينسبون إلى جده روح.
القاسم بن كثير
الحجة العالم الفاضل الناسك القاسم بن كثير، ذكره القاسم بن عبد العزيز البغدادي في أصحاب زيد الذين أخذوا عنه.
القاسم بن محمد بن عبد الله العلوي
السيد الكامل القاسم بن محمد بن عبد الله العلوي العباسي، رئيس كبير وعلامة شهير، وهو ابن السيد الإمام محمد بن عبيد الله الشهيد بـ(نجران) أيام الهادي إلى الحق، واستقر هذا الشريف - رضي الله عنه - بإناقب(4)، وكان محمود السيرة، طيب السريرة، عالماً خاشعاً، أعاد الله من بركته.
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم [ - 760 ه ]
السيد العالم المحقق الذي أذعن له أهل التحقيق، علم الدنيا وسراج الإسلام أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم، من ولد عبد الله بن يحيى بن الناصر بن الهادي - عليهم السلام - كان من أجلاء العلماء وكبرائهم، ذكره الأمير صلاح الدين بن الجلال وغيره.
قال السيد صلاح الدين: هو العالم المصقع، توفي في (صعدة) صغيراً، وقد حاز كل العلوم في نحو من ستين وسبعمائة، وله (شرح المفصل) وغيره، وهذا هو صنو السيد المفسر عالِم العالَم علي بن محمد بن أبي القاسم.
القاسم بن محمد بن منصور
السيد العابد، المتأله الناسك، علم الدين القاسم بن محمد بن منصور بن يحيى بن علي، كان عابداً فاضلاً، ذكره الأمير صلاح الدين بن الجلال، وقال: هو باق في سنة سبع وثمانين وثمانمائة.
__________
(1) في (ب): غراب بن سليمان.
(2) في (ب): قرير.
(3) في (ب): شهير فاضل.
(4) في (ب): بايافث.
القاسم بن محمد بن منصور
السيد العالم الرباني الملكي الإنساني صاحب المقامات(1) علم الدين القاسم بن محمد بن منصور بن محمد بن منصور بن علي بن منصور، من ولد القاسم بن يوسف الداعي، ذكره السيد العلامة المرتضى بن عاهم، وذكره في تاريخ السادة آل الوزير فقال فيه: هو السيد العابد المتأله الرباني، المتخلي السالك الناسك الولي، له أنوار فضل زاهرة، وكرامات عند أهل زمانه بينة(2) ظاهرة، أقام بـ(صنعاء)، وظهرت كراماته، وأقبل عليه الناس حتى صار عامتهم يقسمون باسمه، والله ييسر به(3) عند الأخطار، وركوب البحار، وكذلك أهل المواشي والفلاحة، واتضحت فضائله للخاص والعام، والمأموم من الناس والإمام، وصفات محاسنه كثيرة، وبراهينه وعلاماته عديدة شهيرة، ورأيت بخط الشيخ العلامة المحدث محمد بن علي بن إبراهيم الشهير بعبد الهادي السودي في نسخة من نسخ (النهاية) لابن الأثير، ما لفظه: هذا الكتاب الكاشف عن مخدرات الحديث كل نقاب، ملك السيد الأفضل، الأكمل الأنبل، النزهة الأكبر، والكبريت الأحمر، والياقوت الأزهر، والزمرد الأخضر، السر المصون، واللؤلؤ المكنون، من فهمه الله أسرار البدايات، وأطلعه على عالم النهايات، بحر الحقائق، وموضح الطرائق، صاحب الأسرار الصمدانية، والدعوة الرحمانية، واللطائف القربانية، والمعارف الفرقانية، والمواعظ اللقمانية، والفتوحات /57/ الربانية (شعراً).
ماذا أقول لمن تكامل وصفه ... فالمدح فيه وإن تكامل قاصر
عون الزمان، وقطب الأوان، زكي الأصول، وابن بنت الرسول، فاطمة البتول، الولي المشهور، في البراري والبحور، علم الدين، قاسم بن محمد بن منصور، نفع الله به، وأمدنا من أسراره وأنواره، وعطرنا بنسائم نفحات أزهاره، بحياة نبيه عليه، ومختاره لديه.
قال السيد المرتضى بن عاهم: إن السيد العلامة الحجة أحمد بن علي خضير صحبه.
__________
(1) سقط من (ب): المقامات.
(2) سقط من (ب): بينة.
(3) في (ب): والله ييسر به لأهل المدينة عند الأخطار.
قال المرتضى: صحب السيد الفاضل العابد الزاهد صاحب الدين الصحيح، والورع الشحيح، واثنى عليه، ثم قال: وقبره مشهور مزور في (صنعاء) فضائله كثيرة، وكراماته جمة غفيرة، وقرأ عليه في التزهد والطريقة، وزوجه شريفة قريبة له من آل المفضل بن الحجاج.
أبو القاسم بن محمد بن حسين الحميري
الفقيه العلامة، المحقق المطلع، علم الدين أبو القاسم بن محمد بن حسين الحميري - رحمه الله تعالى - كان من أعيان الزيدية وكبرائهم، عاصر الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد، وهو صاحب (روضة المشتاق فيما بين الزيدية والاثني عشرية من الافتراق).
القاسم بن محمد بن قاسم
الفقيه العلامة، الفرضي المحقق، علم الدين القاسم بن محمد بن قاسم بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن إسماعيل الأعرج الحجي صاحب كتاب (المحيط لمعاني الوسيط)، وإنما شرح النصف الأخير من الكتاب فقط، قال بعض الشيوخ: يعني أنه لم يوجد غير ذلك، فيحتمل أنه ما شرح الكتاب جميعه، ويحتمل أنه شرح الجميع لكنه لا يوجد إلا الجزء الأخير، وله شرح على (الدرر) سماه كتاب (رياض الرايض في شرح مسائل درر الفرايض)، وله (المصباح الجلي) فيها، وله (كشف الغامض).
أبو القاسم بن محمد الشقيفي
العلامة الرحلة، شحاك الأعادي برهان الملة، علم الدين أبو القاسم بن محمد الشقيفي اليمني، اشتهر بـ(الحجاز) بالشقيفي - بالشين المعجمة بعدها قاف ثُمَّ ياء باثنتين من أسفل بعدها فاء ثُمَّ ياء النسب - وبيته بـ(اليمن) شهير، وقد ذكره المؤرخون للحرم الشريف، وذكر ابن الحرزي في ترجمة الشريف رحيبة بن أبي نمى أنه لما توفي في سنة ست وأربعين وسبعمائة بـ(مكة) وقت صلاة الجمعة والخطيب على المنبر قبل أن يفتتح الخطبة، وسكت الخطيب حتَّى فرغوا من الطواف به، وكان ابنه عجلان يطوف معه، وجعل في مقام إبراهيم وتقدم أبو القاسم بن الشقيف الزيدي للصلاة عليه، ومنعه من ذلك قاضي (مكة) شهاب الدين الطبري وصلى عليه بحضرة عجلان ولم يقل شيئاً.
قلت: لم يبسط ابن الجزري(1) في القضية، وقد حكيت وفيها طول، وإن أبا القاسم منع غيره من الصلاة عليه. وقال: الشريف على مذهبي، فكادت تكون فتنة، فترك ذلك ابن الشقيف، وفيما ذكروا أن هذه الصلاة في مقام الزيدية، واستغرب أن يكون هنالك موضع ينسب إلى الزيدية، وليس بغريب، فقد كان هنالك موضع - بين يدي الركن الأسود - يصلي فيه الشَّرفاء ووجوه الزيدية، ويعلن فيه بالدعاء لإمام الزيدية محمد بن المطهر - عليهما السلام - قال ابن الجزري، ووصل مرسوم كريم إلى السيد عطيفة بتبطيل مقام الزيدية والإنكار في ذلك، وفي أمور حدثت بـ(مكة)، فدخل السيد عطيفة عند وصول المرسوم الكريم، وأخرج إمام الزيدية إخراجاً عنيفاً، ثم حكى أو حكى غيره أن إمام مقام الزيدية الذي أخرجه السيد عطيفة شريف كان يصلي بالزيدية بين الركنين، فإذا صلى الصبح وفرغ من الصلاة دعا بدعاء وجهر به صوته وهو:
__________
(1) في (ب): الحوري.
(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أهل بيته المصطفين الأطهار، المنتجبين الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. اللهم انصر الحق والمحقين، واخذل الباطل والمبطلين ببقاء ظل أمير المؤمنين ترجمان البيان، وكاشف علوم القرآن، الإمام بن الإمام بن الإمام محمد بن المطهر بن يحيى بن رسول الله الذي للدين أحيا، إمام المتقين وحجاب الظالمين. اللهم انصره، وشعشع أنواره، واقتل حساده، واكبب أضداده). مع زيادات على هذا، وكان إذا صلى صلاة المغرب دعا بهذا أيضاً وجهر به صوته في هاتين الصلاتين، وما زال على هذا الأمر إلى أن وصل إلى (مكة) العسكر المصري المجرد للـ(يمن) نصره للملك المظفر(1) صاحب (اليمن) في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فعند ذلك خرج هذا الإمام من (مكة) وأقام بوادي مرة(2)، وما رجع إليها إلا وقت الحج، انتهى ما قاله ابن الجزري، وهذا يدل على إخراج الشريف عطيفة لإمام الزيدية غير هذا الإخراج الواقع بهيبة العسكر المصري، ولعله كذلك، فقد نقل أن الداعي بهذا الدعاء الفقيه أبو القاسم، فلعله كان هذا، وهذا وجماعة الزيدية المنفردة في الحرم كانت من قبل، قال الحافظ أبو الطاهر السلفي: إنه حج في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وأن الحنبلي أحد المذاهب الأربعة لم يكن موجوداً في هذه السنة، ورأى فيها محمد بن العرجاء الفروي المقدسي إمام مقام إبراهيم الخليل - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-، وذكر أنه أول من يصلي من أئمة الحرم المقدس قبل الحنفية والمالكية والزيدية. انتهى.
__________
(1) في (ب): المجاهد.
(2) في (ب): مر.
وقد حكى الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام - مراجعة أبي القاسم لبعض العلماء بـ(مكة)، أظنه من علماء (مصر) في (....) (1) وله كتاب (مؤازرة الإخوان) كتاب نفيس في بابه قليل النظير، فيه المعاملة الربانية والإنسانية، وله (كتاب السنام)(2)، وله كتاب (الجواهر /59/ والمنن المنتقى من كتاب السنن) وغير هذا.
أبو القاسم بن المطهر الهادوي(3)
أبو القاسم بن المطهر الهادوي، قال صاحب سيرة المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان: وكان هذا السيد أبو القاسم ممن في مرتبة الإمامة مالكاً(4) لطريقة الزهد والورع الشحيح، انتهى.
قال السيد المفضل عبد الله بن أمير المؤمنين فيما رأيته بخط ظننته خط السيد أبي القاسم: كانت أمه أم ولد، وأبوه كان مباركاً، قيل إنه كان في حياته يدعو إلى الله أن يجنبه القبر إذا مات فسافر فمات فأكلته السباع.
القاسم بن يحيى بن القاسم
السيد الكامل الأمير القاسم بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم - رحمه الله تعالى - كان عالماً فاضلاً، قال في حقه من ترجم له ما لفظه: رفيع الرتبة(5) والمنزلة، راوي لمجد آل محمد بسلسلة الإسناد المتصلة، هو الذي ترجم لوالد المنصور بالله - عليه السلام - فقال: كان رجلاً فاضلاً ورعاً تقياً خائفاً لله، فربى أولاده أحسن تربية، وهذبهم فما أفصحوا إلا بذكر الله تعالى والتعظيم له والتكبير والتسبيح والتهليل، انتهى.
__________
(1) فراغ في (ب).
(2) لا يوجد في (ب): كتاب السنام.
(3) هذه الترجمة مؤخرة إلى ما بعد الترجمة التي تليها في ب.
(4) في (ب): مرتبته الإمامة سالكاً.
(5) في (ب): القدر.
القاسم بن يوسف بن المرتضى
السيد العلامة الفاضل علم الدين القاسم بن يوسف بن المرتضى بن المفضل - رحمه الله تعالى(1) وأعاد من بركته-، قال في تاريخ السادة - رحمهم الله -: كان القاسم عالماً كاملاًن أديباً بارعاً في الأدب(2) والمعرفة، وله أشعار جيدة، وهو من أكابر أهل البيت وأهل الكمال، ومحاسن الأوصاف والخلال، أقامه الإمام الناصر في بلاد (آنس) وألقى إليه أمرها، فتعدى عليه بنو الروبة، واغتالوه، وقتلوه بين الشرائف المطهرات،وهو يتلو كتاب الله تعالى وبيده الختمة الشريفة، فلما فعلوا ذلك وتعدوا طورهم ولم يراعوا حق الله ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حق أهل بيته وحق إمام الزمان، قصدهم الإمام، ونكاهم، وقتل منهم سبعين رجلاً، وأخذ منهم سبعين دية عقوبة فيما استهانوا به من الله وحق نبيه بما استحلوه من دم ابن رسول الله وابن وصيه - صلى الله عليهما وعلى آلهما-.
قلت: وقد سبقت ترجمة ولده أحمد بن القاسم وقصيدته في هذا المعنى التي طالعها:
لا تؤثرن على النهوض مقاما.
القاسم بن يحيى بن المؤيد الفضلي(3)
الفقيه الفاضل العالم النحرير علم الدين القاسم بن يحيى بن المؤيد الفضلي، علامة كبير، ذكره صاحب (النزهة)، وهو من مشائخ العلامة إسماعيل بن أحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عطية - رحمهم الله - وكان عصرنا للسيد أبي الحسن علي بن محمد بن أبي القاسم صاحب (التجريد).
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) لا توجد في (ب): الأدب.
(3) هذه الترجمة مقدمة في (ب).
القاسم بن معوض بن ناجي
الفقيه العلامة الفاضل(1) علم الدين القاسم بن يوسف بن معوض بن ناجي بن مناح الهاني، نسبه إلى (الهان) من بلاد (آنس) علامة فاضل، أحسبه صحب الفقيه العلامة يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان - رحمه الله - وقرأ عليه (التذكرة) عند رجوع الفقيه يوسف - رحمه(2) الله - من الحج حين قرأ عليه العلامة محمد بن حمزة بن مظفر (بالمشاهد المقدسة بـ(صعدة) - رحمهم الله -) (3)، وصحب القاضي يحيى صاحب (البيان) ووضع له إجازة(4).
أبو القاسم العراقي
الشيخ /60/ العالم بهاء الدين الأبري(5) العراقي - رحمه الله - ذكره يوسف الحاجي العلامة المحقق، وعده من فقهاء المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني - عليه السلام -.
__________
(1) سقط من (ب): الفاضل.
(2) في (ب): - رحمهم الله -.
(3) لا توجد في (ب).
(4) زيادة في حاشية (ب): وله شرح على الحاجبية سماه (إيضاح المعاني السنية) اعتمد في أكثره على النقل شرح نجم الدين الرضي.. وفاته يوم الثلوث في شهر شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة سنة وقبره في الحوطة المرتفعة التي على الداير بالقرب من باب (اليمن) على يمين الخارج ويليه قبر زوجته وعليه لوح فيه تاريخ وفاته كما ذكرنا وقد كتبت فيه بيتان وهما:
برسم قاسم من فاق الورى شرفاً ... وخاض بحر العلوم الكل واغترفا
ذاك من .....من بلا ...... قد عرفا ... وصار رسم اسمه للمشيعين سمعا
(5) في (ب): الشيخ العالم بهاء الدين أبو القاسم الأبري.
قتادة بن إدريس [ - 617 ه ]
سلطان الحرمين الشريف أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسن بن سليمان بن علي بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه-، كان من أكابر العلماء الرؤساء القادات، وكان يعرف بالنابغة عند كثير من الناس؛ لأنه بهمته علا على الأقران ودوخ البلاد، وأزال مملكة الهواشم، واستعظم(1) عن بني العباس مع تطبيقهم على ما قَصِىَ ودنا، وكانت أيامه أيام الناصر العباسي، وكان يصرح بأنه أحق بمنصب الخلافة منه، وهو كذلك، وكان في الحقيقة أحد أعضاد(2) المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - واستعان به الإمام وخرج من مواليه وقراباته جماعات بين يدي(3) الإمام المجاهر للجهاد والمثاغرة، وأنفذ إليه الإمام أعياناً من أصحابه، منهم البليغ(4) الحسام المرهف القاسم بن شيب(5) الماضي ذكره، وأهدى له الإمام(6) الفرس اليمنية التي ما ذكر في عصرها ولا بعدها لها ثان في الجودة، وكان من صفاتها أنها تخرج من الصف التي(7) هي فيه سابقة لأهله الجميع، حتى تدخل في الصف الذي قبلها وتمضي إلى الغاية في المضمار مجلية منفردة، ثم تعود إلى حيث كانت من الصف، فتسبق أخرى جميع أولئك الحاضرين. وأصحبها الإمام قصيدة فاخرة ورسالة غراء، ومن شعر الإمام إليه:
أبلغ لديك أبا عزيز مالكا ... بحر العطا ونظام آل محمدِ
الطاعن النجلاء في رهج الوغى ... والخيل يغسل بالحميم المزبدِ
والمخصب العرصات فيض بنانه ... والأفق مدرع كعين الأرمدِ
أسليل إدريس الفتى ابن مطاعن ... الطعان(8) في رهج العجاج الأربدِ
__________
(1) في (ب): واعتصم.
(2) زيادة في (ب): الإمام.
(3) في (ب): وجماعات استقروا بين يدي الإمام للجهاد.
(4) زيادة في (ب): العلامة.
(5) في (ب): شبيب.
(6) في (ب): الإمام له.
(7) في (ب): الذي.
(8) في (أ): الطاعن.
إني أتتني والديار(1) بعيدة ... أفعال محمود الشمائل فارددِ
وما أحسن قوله فيه من جملة القصيدة الفائقة التي أولها:
دعا(2) ذكر المنازل في مطارٍ ... أصابتها الغوادي والسواري
ولا تستنبحا في الليل كلباً ... ولا تتنورا إيماض نارِ
وبصا(3) العيس سامية الهوادي ... تبارا كالنقانق في البراري
إلى السادات من سلفي علي ... لباب اللب من سلفي نزارِ
أنيخا بالأباطح وانزلاها ... وقولا لا سبيل إلى السرارِ
بني حسن نداء من إمام ... يناديكم على نأي المزارِ
إلى أن قال - عليه السلام -:
أتاني منكم نبأ شفاني ... كحلك للأسير من الأسارِ
طهارة (مكة) من كل عاف ... ودحض عراصها من كل عارِ
61/ بعزم الطالبي أبي عزيز ... أبي الفتكات والهمم الكبارِ
شريف لم تدنسه الدنايا ... ولا مرت له بفناء دارِ
نشأ للمكرمات وأحرزتها(4) ... يداه قبل تلويث الإزارِ
وهي طويلة وأمره الإمام - عليه السلام -(5) ببناء مشهد الإمام الحسين الفخي - عليه وعلى سلفه السلام-، ففعل ذلك عن رأي الإمام، وقد ذكر مؤرخو (مكة) كيفية تحول المملكة إليه كالشريف القاسمي (6) والقطبي وغيرهما، قال في (قلائد الجمان): إنه أول من(7) ملك (ينبع) و(الصفراء)، ثم ملك (اليمن) المصافت لـ(مكة) و(الحجاز) وبعض أطراف المدينة وبلاد (نجد)، ثم ملك (مكة).
__________
(1) في (أ): والديا.
(2) في (أ): دع.
(3) بُصَّا: اعطيا. القاموس المحيط (613).
(4) في (ب): فأحرزتها.
(5) سقط من (ب): عليه السلام.
(6) في (ب): القاسي، ولعل الصحيح القاسمي.
(7) في (ب): ما.
قلت: صفة ملكه (مكة) معروفاً(1) مما ذكرنا(2) في تواريخها، حاصل ذلك أنه كان من قبله من الأشراف يخرجون من (مكة) للتنزه إلى التنعيم أو نحوه، وكانوا يحفلون بالعامة والخاصة ولا يتركون حافظاً لـ(مكة) فدخلها(3) وقت خروجهم، وأمسك طرقها، وصد(4) عنانها، فطاوعته الخاصة والعامة، وبقيت في يد ولده إلى يومنا هذا، ولم يبق للهواشم الذين كانوا قبله من الأشراف يد، وقتل رئيسهم يومئذ، وهو محمد بن مكين بن عيسى بن فليتة.
قال ابن عنبة: كان الخليفة الناصر العباسي قد استدعى الأمير قتادة إلى (العراق) ووعده ومناه، فأجابه وسار من (مكة)، فلما صعد من (النجف) خرج أهل (الكوفة) لتلقيه، وكان من جملة من خرج في غمار الناس جماعة معهم أسد في سلاسل، فلما رآه قتادة قال: لا أدخل بلداً يذل فيها(5) الأسد، ثم رجع من فوره إلى (الحجاز) وكتب إلى الناصر الخليفة هذه الأبيات:
بلادي وإن جارت علي عزيزة ... ولو أنني أعرى بها وأجوعُ
ولي كف ضرغام إذا ما بسطتها ... بها أشتري يوم الوغى وابيعُ
معودة لثم الملوك لظهرها ... وفي بطنها للمجدبين ربيعُ
أأتركها تحت الرجا ثم أبتغي ... خلاصاً لها إني إذاً لرفيعُ
وما أنا إلا المسك في أرض غيركم ... أضوع وأمَّا عندكم فأضيعُ
__________
(1) في (ب): معروفة.
(2) في (ب): ذكرناه من.
(3) في (ب): فدخلوها.
(4) في (ب): وحيد.
(5) في (ب): بها.
توفي الشريف قتادة في سنة سبع عشرة وستمائة بعد موت إمامه المنصور بالله - عليه السلام - لأن الإمام مات في سنة أربع عشرة وستمائة، هذا الذي ذكره بعض مؤرخي أصحابنا، وفي (قلائد الجمان) غير هذا، وكان له من الولد حسن وراجح وعلي، ولِّي بعده الحسن، وكان شجاعاً شديد الأيد(1)، فاتكاً ملك (مكة)، ثم وقع بينه وبين أخيه راجح خلف وافتراق، فكتب في ذلك السيد الأمير الناصر لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة كتابين أفرد إلى كل واحد كتاباً ورثىوالدهم بمرثية بليغة طالعها:
ألا إن زاد الركب أمسى بملحد ... لدى بلد خير البقاع بقاعها
/62/ وقال في فصل من كتاب حسن بن قتادة: وقد بلغنا ما كان بينه وبين صنوه الأمير الشريف المنتخب المحمود جمال الدين راجح بن أبي عزيز - شيد الله ملكه(2) الجميع - من الفرقة، وتشتت الكلمة، ولعمر الله إن هذا(3) يسوء الصديق، ويغص له كل ولي بالريق، وهم أولاد من ألف الشمل، وحاز في مضمار حسن السياسة ، وكرم الشمائل شريف الخصل، فهم أطواد الوقار والحلم، وينابيع الفضل والعلم، وإنا لنعيذ تلك الهمم السامية الحميدة، والشيم(4) الكريمة الرشيدة، عن(5) أن يميل بها ريح الطيش في كل جانب، ويذهب بها هديا عقارب الوشاة إلى مهالك المذاهب،
يا قوم بيضتكم لا تفحصن بها ... إني أخاف عليها الأزلم(6) الجدعا
يا لهف نفسيَ إن كانت أموركمُ ... شتى وأحكم أمر البين فاجتمعا
وما جئنا بشيء من ذلك إلا وقد بينت لنا مكنونه التجارب، وأبدت لنا أحوال الدهر منه العجائب.
وكم من أخ لي قد رأبت على الأذى ... كما ترأب الباز(7) ابنها وهو أجربُ
مزجت بحلمي جهله فعدلته ... وقد يمزج الماء الأجاج فيعذبُ
__________
(1) الأيد: القوة.
(2) في (ب): مجد.
(3) في (ب): ذلك.
(4) في (ب): والشيمة.
(5) في (ب): على.
(6) في (ب): الألزم.
(7) غير واضحة في الأصل.
والله تعالى يوفقهم في الموارد والمصادر، ويحوطهم من حوادث الدهر وصروف المقادر، ويُعلِي كلمتهم في البادي والحاضر، ويجمع شملهم على أحسن الأحوال، ويشيد(1) بهم أمر الدين ويطمس بهم رسم الضلال، وفي كتاب راجح لما بلغنا ما بين المجلس السامي وصنوه الأمير السيد الشريف الكبير المعظم الأعز الأكرم المحمود المؤيد الفاضل الأمجد أمير الحرمين شهاب الدين الحسن بن أبي عزيز قتادة بن إدريس، شيد(2) مجد الجميع من تشتت الكلمة، وركوب صعائب(3) ركوب الفتنة، واختلاف الأمر وتباين العشيرة، احتبينا بذكر المجلس السامي بما(4) ليس بغائب عن فطنته السنية، وألمعيته الحسنية، من معرفة ضعف هذا الرأي الذي لا يأتلف إلا من اختلال التدبير(5) وسوء القطيعة، وتضيق به مسالك الرئاسة وإن كانت أي وسيعة، وللأواخر عبرة في الأوائل، ولله القائل:
وإني لترَّاك الضغينة قد أرى ... ثراها من المولى فما استثيرها
مخافة أن يجني علي وإنما ... يهيج كبيرات الأمور صغيرها
وفي العدو متسع لهذا المجال، وغير ذات البين أولى بهذا الحال، وفي الألفة عز الذليل الحقير، وفي التشتت هوان العزيز الخطير،
وأحسن جهل القوم ما في عدوهم ... وأقبح أحلام الرجال غريبها
__________
(1) في (ب): ويشهد، (وأيضاً ويشد ظ).
(2) في (ب): شيد الله مجد.
(3) في (ب): صعاب ركائب.
(4) في (ب): ما.
(5) في (ب): لا يليق الأمر اختلال التدبير.
وهو - أدام الله معاليه - من سد هذا الفتق بما هو ربما يكون أعلم بسده، وكف(1) التباين والتضاغن، فقد آن أن يبلغ إلى حده والسلام. فلما وصلت الكتب إليهما لم تفد وتم الخلف بينهما، فاغتنم السلطان يوسف فرصة القوم ونهض من (زبيد) في جنوده /63/ وعظماء مملكته، فطوى المراحل إلى أن لقي راجح بن قتادة في (العسرين)(2)، فحلف له السلطان أني مسترجع لك (مكة) - حرسها الله تعالى - من أخيك ومسلمها إليك، فساروا جميعاً والحسن بن قتادة يومئذ أمير (مكة)، فلما وافاه الغز افترقت عليه عساكره وأسلمه من معه، وقد أحاطوا بـ(مكة) - حرسها الله تعالى - واستحلوا ما حرم الله ولم يكن همَّ الشريف الحسن(3) بن قتادة ومن بقي معه من خواصه إلا أن ركب فرسه وركبوا خيولهم، وخرجوا من بعض الأبواب فلم يعومهم(4) الغز وتموا على رواسهم، واحتوى الغز على ما بقي في دار آل قتادة في (مكة) وجرت بينهم وبين الغز وقائع كان فيها عليهم الدوائر، فنعوذ بالله من غضبه وقلة توفيقه، ونسأله التوفيق لما يرضيه، ثم إن السلطان يوسف لم يتم لراجح شرطه بل قصره على (السرين) و(حلي) ورضي بذلك حتى ضعف أمر أخيه الحسن، وانتهى به الحال إلى أن أوفد نفسه على الكريدي سلطان دمشق، فلم تفده الوفادة إليه للؤم الطبع، فتوجه بعد ذلك إلى محمد بن خوارزم العجمي، فأدركه الموت بـ(بغداد). وأرسل السلطان يوسف بن وردسان في مائتي فارس لقبض راجح، فأجلى من (السرين) هارباً وما بسطت هذا إلا عظة لمتعظ وعبرة لمعتبر، فكأنما الشريف أبو نمي قصد هذه الحال بقوله:
بني عمنا من آل موسى وجعفر ... وآل حسين كيف غيبتكم عنا
بني عمنا إنا كأفنان(5) دوحة ... فلا تتركونا تتخذنا القنا فنا
إذا ما أخ خلى أخاه لحادث ... تبدى به في الأكل ثم به ثنا
__________
(1) في (ب): حد التباين.
(2) في (ب): (السرين).
(3) في (ب): حسن.
(4) لعلها: يعرفهم، ولكنها في الأصل كما أثبتناه.
(5) في (ب): كاكناف.
قيس بن الربيع
العلامة المجاهد قيس بن الربيع - رحمه الله - كان أحد الأعيان الآخذين عن الإمام الأعظم، وبقي بعدما استشهد الإمام الأعظم - عليه السلام - ظاهر الفقه تام النفع، ذكره شيخ الإمام أبي طالب - عليه السلام - وهو العلامة أبو القاسم البغدادي - رحمه الله -.
حرف الكاف
كثير النوى
الشيخ مفزع العلماء كثير النوى، تلميذ الإمام الأعظم، اشتهر فقهه بعد موت الإمام - عليه السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله -.
كوربكة الديلمي
الشيخ العلامة رئيس (العراق) جامع الفروع والأصول، وبرهان معلومها والمجهول، أبو ثابت كوربكة(1) الديلمي - رحمه الله - والد الشيخ العلامة المحقق شهر دبير، وعنه أخذ وهو تلميذ الأستاذ (صاحب تغليق الإبانة الكبير يعقوب بن أبي جعفر بن محمد بن يعقوب، ذكره العلامة)(2) أحمد بن أمير(3) الحسني - رحمه(4) الله-.
كوركة العراقي
الشيخ المفتي العلامة كوركة العراقي - رحمه الله - هو أحد علماء الجيل المبرزين، ذكره العلامة الشيخ نعمة شارح (الإبانة) ونقل عنه في عدة مواضع، مما نقل عنه أن /64/ الوقف إذا انقطع مصرفه رجع إلى المصالح ملكاً، على معنى أنه يجوز تسليمه إلى الفقير، أو يملك الفقراء عينها ويجوز بيعها وهبتها، ونقل الأستاذ هذا القول عن العلامة شهراشويه(5) وغيره، وأما الشيخ نعمة المذكور فاختار أنه يرجع إلى المصالح وقفا(6)، وقرره العلامة أحمد الكوكبي الزيدي - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): كوربكير.
(2) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(3) في (ب): مير.
(4) في (ب): رحمهم.
(5) في (ب): شهراشق.
(6) في (ب): وفقاً.
حرف اللام
لطف الله بن محمد الغياث [ - 1035 ه ]
شيخ الشيوخ، وإمام أهل الرسوخ، الحري بان يسمى أستاذ البشر، والعقل الحادي عشر، بهاء الدين سلطان المحققين لطف الله بن محمد الغياث بن الشجاع بن الكمال بن داود الظفيري - رحمه الله - ليس عندي عبارة تؤدي بعض صفاته، ولا تأتي بالقليل من سماته في جميع أنواع الفضل، أما الحلم فكان بمحل لا يلحق(1) لا يذكر له سقطه في قول ولا فعل، وكان يحصر العلماء على كلماته لوقوفه في الكلام على ما يقضي به الرجاح، وكان في العلم غاية لا يصل إلى رتبتها في زمنه إلا القليل، قد استجمع العلوم الإسلامية والحكمية، وحققها وعارض أهلها واستدرك ما استدرك، ولم يكن لقائل بعده مقال فيما تلكم به، بل صار حجة إذا ذكر خضع لذكره النحارير، ولقد صار مفخرة للـ(يمن) على سائر البلاد، ونقل أهل الأقاليم الشاسعة أقواله وما وضعه من الكتب هو مرجع الطالبيين(2) في (اليمن)، منها (المناهل الصافية) كـ(المختصر) للرضي، فيها أبرز الفوائد من الرضي في صور تعشقها الأفهام، وأتى للمنتهي والقاصر بما يريده حتى لم يفتح الطالبون بعدها كتاباً في الفن إلا المتوسع المتبحر، وقد صارت الشروح كالمنسوخة بالمناهل، وكان العلامة أحمد بن يحيى حابس أراد التقريب لنجم الأئمة إلى أفهام الطلبة، فلما رأى هذا الكتاب أعرض عن ذلك وقال(3): إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، وله عليها حاشية وولع بهذا الكتاب من رآه، ولقد جعله شيخنا القيرواني من فوائد سفره إلى (اليمن) واعتنى بتملكه، وله شرح على الكافية(4)، لكنه ما تم له، ومن أعجب كتبه (الإيجاز) في علمي المعاني والبيان، شرحه بشرح مفيد(5) فيه يزيد المقالات لأهل الفن، وله الحاشية المفيدة على شرح التلخيص الصغير، وهي حاشية مفيدة ما تناقل الناس بعدها غيرها، وكان حاشية الخطابي كثيرة الدوران، وإن لم تكن كاملة فألغاها الناس،
__________
(1) في (ب): لا يليق.
(2) في (ب): الطالبين.
(3) في (ب): فقال.
(4) في (ب): الكفاية.
(5) زيادة في (ب): أتى.
وحاشية ابن المصنف وغيرهما، ولم يسمها الشيخ - رحمه الله - باسم فسماها السيد صلاح الدين بن الجلال بن أحمد بن المهدي المؤيدي - رحمه الله - (بالوشاح(1) على عروس الأفراح)، والسيد - رحمه الله - اختار هذا الاسم بناءً منه أن الشرح الصغير يسمى بعروس الأفراح، وهو كذلك شائع في الطلبة، وليس كذلك إنما عروس الأفراح شرح السبكي ونعمّا هو، فإنه شرح مفيد جداً، وللشيخ لطف الله شرح على الفصول /65/ اللؤلؤية، ثم لم يتم له، لعله بلغ فيه إلى العموم، وهو كتاب محقق منقح مفيد، وكان قد اشتغل بكتاب فيه العبارات المبهمة من الأزهار بنحو غالباً ومطلقاً، ونحو ذلك، ومقاصد أخر(2) أرادها، ولم يكن قد علم بشرح الفتح لأنه كان يومئذ بـ(الطائف)، فلما وصل (اليمن) اطلع على كتاب يحيى حميد المسمى (بفتح الغفار) وشرحه المسمى (بالشموس والأقمار)، فاكتفى بذلك لموافقته لما أراد، وله في الطب ملكة عظيمة، كان القاسم - عليه السلام - وهو من علماء هذا الفن(3) يقول: الشيخ لطف الله طبيب ماهر، ومع ذلك(4) فلم يتظهر بهذا العلم ورعاً، وله في علم الجفر والزبجات وغيرها إدراك كامل، وكان قد أراد إلقاء شيء إلى تلميذه المولى العلامة الحسين بن أمير المؤمنين أرسل إليه قبل وفاته أن يبعث إليه بالقاضي العلامة أحمد بن صالح العنسي - رحمه الله - ليستودعه شيئاً من مكنون علمه، فوصل القاضي وقد نقله الله إلى جواره، ومما ينسب إلى الشيخ أرجوزة مثل الأرجوزة المسماة برياضة(5) الصبيان، وكان كابن الخوام في الفرائض والحساب، إليه(6) النهاية في هذا العلم، وكتب إليه جعفر بن وبير العيفاوي الحسني أيام إقامته بـ(مكة)، فإنه أسلف في
__________
(1) في (ب): باسم فسماها السيد الإمام صلاح الدين صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيدي - رحمه الله - بالوشاح.
(2) في (ب): أخرى.
(3) جاء في حاشية (ب): وهو علم هذا الفن.
(4) سقط من (ب): ومع ذلك.
(5) في (ب): بنصات.
(6) سقط من (ب): إليه.
(مكة) أياماً غراء واختلط بالفضلاء، واختلط به الفضلاء، وكان مبجلاً مكرماً، فكتب الشريف المذكور كتاباً يلتمس منه تأليف كتاب الفرائض والفقه، ولفظ الشريف:
أيا شيخ لطف الله إني لقائلٌ ... بلا شك من سماك فهو مصيبُ
لأني رأيت اللطف منك سجيةً ... ولله في كل الأمور حبيبُ
سألتك سفراً أستعين به على ... عبادة ربي لا برحت تجيبُ
فتوضح لي يا شيخنا ما أقوله ... فأنت لداء الجاهلين طبيبُ
وأنت(1) لنا في الدين عون وقدوة ... بقيت على مر الزمان تصيبُ
فأجابه الشيخ - رضي الله عنه - ونظم له أرجوزة في الفرائض وكتاباً يتعلق بربع العبادة ككتاب أبي شجاع عند الشافعية، ولم يخرجا إلى (اليمن)، وأجابه الشيخ بنظم فقال:
أمولاي يا من فاق مجداً وسؤدداً ... وما ان له في الخافقين ضريبُ
أتانيَ عقدٌ يخجل الدر نظمه ... ويعجز عنه أحمد وحبيبُ
معان وألفاظ زكت وتنافست(2) ... فكل لكل في البيان نسيبُ
وما كان قدري يقتضي أن أجيبه ... ومثلي لذاك السمط ليس يجيبُ
وقلتم بأن اسمي بشير(3) بأن لي ... نصيباً وكلا ليس فيه نصيبُ
أيحسب ما أعطيت من لطف سمه ... يقصر عنها شمال وجنوبُ
تعدى إلى مثلي وأنى وكيف ذا ... وإني من أدنى الكمال سليبُ
ولكن حويت اللطف أنت جميعه ... فقلت على ذا الناس أنت عجيبُ
66/ وأمركم ماض وحظي قبولكم ... وإني على قدر القصور مجيبُ
__________
(1) في (ب): فأنت.
(2) تناسقت.
(3) في (ب): شبير.
وكان الشيخ مع سكونه في (مكة) وأهلها يتعلقون بأشياء قد استنكرها العلامة ابن حجر، وصنف للزجر عنها كتابه المسمى (بكف الرعاع عن تعاطي اللهو والسماع)، فقل من يسلم من ذلك إلا من توفرت أسباب تقواه كالشيخ، فإنه أعف خلق الله عن كل ريبة، وحكي أنه مرض مرضاً آل به إلى السكتة وتغير الحس، فقال بعض مهرة الأطباء أنه يفيده السماع، فقال المعتني بشأن الشيخ أنه لا يرضى ذلك، فقال: افعلوا مع غفلة حسه، ففعلوا فتحرك - رحمه الله تعالى - ثم استمروا فميز، فلم يكن المهم له غير سكتتهم - أعاد الله من بركته-، وله شرح على خطبة الأساس(1) كتاب الإمام القاسم - عليه السلام - وأجوبة مسائل منقحة، وتوفي - رحمه الله تعالى - في (ظفير حجة) في شهر رجب سنة خمس وثلاثين وألف.
لقمان بن أحمد بن شمس الدين
السيد الأديب العارف، ضياء الدين لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى - عليه السلام - كان فاضلاً سيداً كامل الصفات، أديباً، لبيباً، عالماً بالعربية، لطيف الطباع والشمائل، أدركه شيخنا السيد الحسن بن أحمد الجحافي - رحمه الله تعالى - وصفا بينهما الود، ودارت بينهما مراسلات وأجوبات، وكان في ذلك الوقت عيناً من أعيان (كوكبان) المحروس، وكان أيضاً يتراسل هو والسيد محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين، وأنشدني السيد الحسن بن شمس الدين قصائد بينهما، ولم أعتن في ذلك الوقت بالرقم، ولم يبق في ذهني إلا مطلع قصيدة لأحدهما:
حيا الديار وحيا من ثوى فيها
__________
(1) في (ب): أطابير.
وأما محمد بن عبد الله فممَّا دار بينهما ما نقلته عن السيد محمد، ولفظه: قال محمد بن عبد الله بن الإمام شرف الدين ما لفظه إلى سيده وأخيه لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن أمير المؤمنين - أبقاه الله جلياً لعطل الزمن، وسناً لمحيا (اليمن) - وقد ذهب عني وأنا نائم فانتبهت وقلت وأرسلت بها إليه، وقد طلع إلى محروس (ذمر مر) - حرسه الله تعالى(1)-.
من عذيري مولاي منك فقد غا ... درت قلبي لما به من غرامِ
رحت عني في نومتي فتوهمـ ... ـت بأن اللقاء طيف منامي
وشجا نفسيَ الفراق فناجتـ ... ـني إن الفراق في الأحلامِ
زعمتني وسنان وجداً ومالت ... بيَ لما زخرفت من الأوهام
وأنا الآن لست أدري أيقضا ... ن أنا أم مهوم لهيامي
سكرة من جوى فراقك مولا ... ي ولا سكرة الرحيق المدامِ
فقال: أمتعني الله بطول محياه، وحياه عني بأشرف التحيات وأبقاه، آمين.
سيدي لا ترى عليّ فإني ... بطلوعي بادرت صوب الغمامِ
وبناني عما(2) عملت من الرقـ ... ـة قد أذنت بصدق انصرام
لو ترى السحب قد أطل لسالت ... فوق متني أتت ليل التمام
فابسط العذر يا أخي إن فعلى ... قد تجاوزت فيه حد احتشام
ونظامي هذا فقير إلى ستـ ... ـرك فاستر فأنت رب النظام
ومما كتبه السيد لقمان - رحمه الله تعالى - إلى محمد بن عبد الله بن الإمام، وهما بيتان قد طارا كل مطار
واسطة العقد متى تأتنا(3) ... فعقدنا أضحى بلا واسطة
وحالنا أضحت بلا صاحب ... وجمله الوصل بلا رابطة
__________
(1) زيادة في (ب): الله تعالى.
(2) في (ب): كما.
(3) في (ب): تأتيا.
لقمان الشريحي المؤيدي
القاضي العلامة بهاء الدين لقمان الشريحي المؤيدي - رحمه الله تعالى - من علماء (العراق) الكملة، قرأ على العلامة علي الدشلي، وقرأ عليه ولده العلامة يحيى بن لقمان الفاضل الكامل، ذكره الشريف أحمد بن أمير(1)، وقال: إن يحيى قرأ على والده (الإبانة) وزوائدها والمذاكرة التي زادها، وهذبها محمد بن(2) صالح -رحمه الله تعالى -.
أبو الليل الحرابي
السيد السري، الكامل الهمام، عين السادة النجباء فريد الدين أبو الليل الحرابي الحسني - رحمه الله -(3)، ذكره العلامة الحسين بن يعقوب الجامع لأيام المنصور بالله القاسم العياني - سلام الله عليه-.
قال: كان أبو الليل هذا من علماء آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وفضلائهم، وذكر أنه وفد والإمام في بلاد (الظاهر) في محل يسمى (أهل عامر)، وكان قدومه إليه من (الحجاز) ومعه صحابة له من أهل بيته، ومن يخدمه، فسلم على الإمام - عليه السلام -. وقال له: أتيتك(4) زائراً يا بن والدي مؤدياً لحقك لما أحلك الله فيه من المحل الجليل، وشريف المنصب في أهل بيتك والبراعة في العلم والفضل المشهور في الأمور، ولما اختصك الله به من المقام المحمود. فرد الإمام - عليه السلام - جوابه بالشكر والترحيب لقدومه وأنزله أكرم(5) منزلة، وقربه أفضل قربة، ثم رجع الشريف أبو الليل بعد أن شهد بفضل الإمام، وراح(6) إلى عيسى بن جعفر وجماعة من بني الحسن في (الحجاز) فنهاهم عن رفضه وأوجب عليهم طاعته وحجته وأنها لازمة لهم.
__________
(1) في (ب): مير.
(2) سقط من (ب): بن.
(3) في (ب): زيادة تعالى.
(4) في (ب): أتيت لك.
(5) في (ب): وأكرم.
(6) في (ب): وارجعا.
ليلى بن النعمان
ناصر الشريعة الغراء، عضد الخلفاء من بني الزهراء، سلطان الإسلام معز الدين، ليلى بن النعمان - رحمه الله - هو كبير الزيدية ومقدمهم، سلطان الجبال، ظهير الأئمة، كان فاضلاً كاملاً، سرياً زعيماً، صادعاً بالحق، قائداً للجنود، مناصراً للناصر للحق - عليه السلام - ترجم له الأصفهاني فأوسع، وذكره صاحب تاريخ بغداد، ومن جملة ما ذكر أنه أحد أسباب ضعف (بغداد)، وذكره المنصور بالله في (الشافي)، ولما اتفق من الإمام الداعي إلى الله الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - ما اتفق، وذلك أن الداعي - رحمه الله - كان صاحب(1) جيوش الناصر والمستولي على الأمر(2) لشهامته وحسن بلائه بين يديه وورعه ودينه؛ لأنه(3) لم يكن في أولاده من يعتمد للولاية؛ لأن أبا الحسن كان مع /68/ فضله في الأدب على غير طريقة السداد، وكان الناصر - رضي الله عنه - معرضاً عنه منكراً عليه، وأبو القاسم وأبو الحسين كانا صغيرين، فلما تزعزعا كان يستعين بهما فيما يجوز أن يستعان فيه لمثلهما من الثبات، فينفذهما في بعض السرايا، ويوليهما بعض الجيوش ولما فتح (آمل)(4) ودخلها تولى أبو القاسم سارية، ووقع بينه وبين الداعي تنافر ونزاع وطال في ذلك، ولما أوقع الناصر للحق - عليه السلام -(5) وأنفذ على مقدمته أبا القاسم إلى (آمل)، وكان الداعي - رضي الله عنه - يطمع في أن يختار للتقدم، فاستوحش من ذلك ولم يظهره، وكان أول نفوره عنه سراً، فقد كان - رضي الله عنه - له أثر ظاهر جميل في تحمل المبادرة بنفسه والتقدم إلى حيث لم يتقدم أحد، وكان أصحاب الناصر الذين هم أهل الدين والورع، مثل أبي محمد بن عبد الله بن أحمد بن سلام - رحمه الله - ومن دونه، يميلون إلى الداعي - رضي
__________
(1) في (ب): قائد.
(2) في (ب): الأمرة.
(3) في (ب): ولأنه.
(4) في (ب): فلما فتح آمل.
(5) سقط من (ب): عليه السلام.
الله عنه - لدينه وورعه واستقامة طريقته، وينحرفون عن أولاد الناصر - عليه السلام - لسلوكهم غير طريقة مرضية في الباطن(1)، واستوحش الداعي ونفر عن الناصر لمكان أولاده وقصدهم إياه، وأدى ذلك النفار إلى العفوة(2) التي اتفقت منه في القبض عليه وإنفاذه إلى قلعة اللادر، وقد ذكر من اعتذر عنه أنه كان كارهاً لما جرى وأن الإقدام على ذلك ندر من فقهاء (الجيل والديلم) الذين كانوا وردوا في صحبة الداعي - رضي الله عنه - فعند حصول هذه الحوادث كان ليلى بن النعمان قد قدمه الناصر إلى ناحية (جرجان) مع عسكر كثيف، فاتصل الخبر به وهو بساريه، فانصرف بجيشه ودخل على الداعي في مضربه وقال: ماذا صنعت بأبينا - يعني الناصر - هذا حقه عليك.
__________
(1) في (ب): لسلوكهم لطريقة غير مرضية.
(2) في (ب): الهفوة.
وعلى الجملة(1) فقال: إنه لم يفرج على المال، ولم يطعم العساكر ما لا بد لهم من الخبز، فقال له: والأب إذا لم يطعم الخبز يحبس، ثم ركب وعدل برايته إلى جانب وصاح من كان متبعاً للحق مريداً له فليعدل إلى هذه الراية، وقد كان أصحاب الداعي ندموا على ما بدر منهم إلا عدداً يسيراً هم خواصه، فعدل الجيش كلهم إليه إلا هذه الطبقة، ففزع الداعي حينئذ فقال له: هات خاتمك فأخرجه من يده وسلمه إليه فأنفذه في الوقت(2) مع جماعة من الثقات لإخراجه من القلعة ورده، وهرب الداعي في الوقت مع نفر من خواصه إلى (الديلم) فقال الإمام الناطق بالحق: أخبرني أبي - رحمه الله - بهذه الجملة وحدثني بأنه شاهده - عليه السلام - حين رد من القلعة (يوم دخوله (آمل) وقد استقبله أكثر أهل البلد صغيرهم وكبيرهم، وكان على بغلة) (3) فكاد الناس(4) يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له، ورأيته وهو يدفع الناس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحاً به وتقبيلاً لرجليه حتى كادوا يزيلونه عن الركوب(5) يسير بها وينحيهم عنه. وحصل الداعي بالديلم فلما حانت وفاته - عليه السلام - استؤمر فيمن يقيمونه مقامه إذا حدث به قضاء الله - عز وجل - /69/ وسأله بعضهم وهو وهري بن شهريار(6) أن يعهد إلى بعض أولاده، فقال - عليه السلام -: وددت أن يكون فيهم من يصلح لذلك ولكن لا استحل فيما بيني وبين الله - عز وجل - أن أولي أحداً(7) منهم أمر المسلمين. ثم قال الحسن بن القاسم الأحق بالقيام بهذا الأمر من أولادي وأصلح له منهم، فردوه ولم يمنعه ما كان أسلفه عندهم من إيثار الحق في المشورة به، وقد كان نفر عند الداعي - رضي الله عنه - قبل هذه الكناية(8) مرة أخرى، وخرج إلى
__________
(1) في (ب): الجماعة.
(2) في (ب): للوقت.
(3) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(4) سقط من (ب): الناس.
(5) في (ب): من المركوب.
(6) في (ب): شهريان.
(7) في (ب): واحداً.
(8) في (ب): الكانيه.
(الديلم) ثم توسط المشائخ والأشراف والفقهاء بينهما وعقدوا الصلح وردوه إليه، قال الإمام أبو طالب - عليه السلام -: وسمعت أبي يحكي عن عبد الله بن أحمد بن سلام - رحمه الله تعالى- (1) أنه قال: أردنا عقيب هذا الصلح أن نتوصل إلى تلقيب الداعي - رضي الله عنه - وقلنا للناصر أن أبا محمد قد شاع في الناس استيحاش الناصر منه فينبغي أن ينعته بنعت وترسم له لقباً يرفع به عنده، قال: ففطن(2) لما يريد ولم يكن ممن يذهب عليه لمثل هذه الأغراض ويتمكن من مخادعته، فقال: لقبوه بالتائب إلى الله، فقلنا: أيها الناصر نريد غير هذا، فقال: فالراجع إلى الحق، فقلنا: لا، فلم نزل به حتى تنجزنا منه، فلقبه(3) الداعي إلى الله، ثم ورد الداعي - رضي الله عنه - (آمل) شهر رمضان يوم الثلاثاء رابع عشر، فبدأ بقبر الناصر ومعه أولاده أبو الحسن وأبو القاسم وأبو الحسين، فألصق خده بالقبر وهو يبكي، فقام أبو الحسن ابنه وأنشد قصيدة في مرثيته أولها:
أيحسن بي ألاَّ أموت ولا أظني ... وقد بعدت عيناي من حسن حسنا
وقصيدة أخرى أولها:
دم الخوف يجري في الحشا متصعداً ... فينهل دمعاً صافياً متبدداً
وبويع للداعي في ثانية يوم الأربعاء(4)، فعدل واشتهر المثل بعدل الداعي، وخطب(5) ليلى بن النعمان بـ(نيسابور) ونواحيها مدة، وخطب له بـ(الري) ونواحيها، وبقي اثنتا عشرة سنة وأشهر.
قلت: قد اشتملت هذه الترجمة ذكر(6) جماعة، لعل ذا الهمة يتطلع على شيء من أخبارهم.
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) في (ب): فقطن.
(3) في (ب): تلقيبه.
(4) في (ب): الربوع.
(5) زيادة في (ب): له.
(6) في (ب): على ذكر جماعة.
وأما أولاد الناصر - عليه السلام - فلهم في(1) العلم والأدب والنجابة الدنياوية ما لو كانوا في غير رجال الزيدية لطار ذكرهم كل مطار، وافتخرت بهم الأسفار غاية الافتخار، فإن كثيراً من أرباب التاريخ يزينونها بملح القول سيما الهزليات والمجونات وغرائب الماجريات، فتجد الناس يعكفون عليها لذلك، وانظر إلى عناية العلامة عمران بن الحسن - رحمه الله - بالسؤال عن أولاد الناصر لظنه أنهم من أهل العلم، فأجابه يوسف بن أبي الحسين الجيلاني أن مثل أولاد الناصر لا يذكر في التواريخ، ثم قال: هم موجودون حقيقة معدومون حكماً، هذا كلامه، وانظر إلى المؤرخين بعد هذا، ذكروهم بالتعظيم كما ترى شيئاً من كلام الثعالبي وغيره، وميلنا إلى الاختصار، وقد اشتهر عن الناصر أنه كان يقول: بيتان كبيران معموران بيتي وبيت القاسم بن إبراهيم، فأما بيتي فيخرب على قرب، وأما بيت /70/ القاسم فيبقى الدهر أو كما قال، فلنذكر شيئاً من أحوال أولاد الناصر - عليه السلام -(2) المذكورين في هذه الترجمة، وأذكر معهم من ظهر من إخوتهم ولا أتجاوز ذلك إلى غيره، أما أبو الحسن علي بن الناصر الذي ذكر في الترجمة أنه أديب، وكان الناصر معرضاً عنه، فقال ابن عنبة: إنه كان يذهب مذهب الإمامية الاثنا عشرية ويعاتب أباه بقصائد ومقطعات، وكان يناقض عبد الله بن المعتز(3) في قصائده على العلويين، وكان يضع لسانه حيث شاء من الناس.
قلت: وقد حكيت عنه حكايات طوينا ذكرها، فأنشد(4) له الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهم السلام - في الشافي قصيدة يرثي بها محمد بن زيد الداعي، قال المنصور بالله: ورويناها بطولها لاستجادتنا لها.
قلت: وترجمة محمد بن زيد أحرى بذكر القصيدة فسنذكرها - إن شاء الله تعالى- هناك(5)، وطالعها:
__________
(1) في (ب): من.
(2) سقط من (ب): عليه السلام.
(3) لا توجد في (ب): بن المعتز.
(4) في (ب): وأنشد.
(5) في (ب): هنالك.
نأت دار ليلى بسكانها ... وأوحش معهد جيرانها
وعاقك من وصلها عائق ... يرد النفوس بأشجانها
وهي من غرر القصائد، وأما أبو الحسين أحمد بن الناصر فهو كان صاحب جيش أبيه فيما نقله ابن عنبة، ولما مات الناصر - عليه السلام - التفت الناس إليه للبيعة فامتنع، وهذا دليل كماله؛ لأنه لم يلتفت إلى غيرهن ثم إنه امتنع، وكان الحسن الداعي غائباً فاستقدمه أحمد هذا وبايعه، وأما أبو القاسم المذكور في الترجمة فاسمه جعفر ناصرك، لما كتب أخوه أبو الحسين إلى الداعي وبايعه غضب أبو القاسم هذا وجمع عسكراً وقصد (طبرستان)، فانهزم الداعي يوم النيروز سنة ست وثلاثمائة، وسمى أبو القاسم، نفسه الناصر، وأخذ الداعي (بدماوند) وحمله إلى (الري) إلى علي بن وهشودان، فقيده، وحمله إلى قلعة (الديلم)، فلما قتل علي بن وهشودان خرج الداعي وجمع الخلق وقصد جعفر الناصر فهرب إلى (جرجان) فتبعه الداعي فهرب ابن الناصر وأجلى إلى (الري) وملك الداعي الصغير (طبرستان) إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة، ثم قتله من داوح، وقد ذكر الثعالبي في (يتيمة الدهر) أشياء من أحواله فقال: هو من بازلي (استراباذ) وأفاضل العلوية وأعيان أهل الأدب، كتب إلى القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز رقعه يشتمل على النظم والنثر استحسنها(1) الشيخ(2) - أدام الله عزه-، وقد أعلقني من مودته ما لا أزال أحرص عليه، وأفادني خطا كثرت مني المنافسة(3) فيه، إذ هو الأوحد الذي لا يجارى إلى غاية طول وكرم(4)، وإن من اعتلق منه سبباً واستفاد منه وداً فقد أحرز الغنيمة الباردة، وفاز بالخير والسعادة، ورجوت أن يكون الحال بيننا زائدة ومحله عندي المحل الذي لا يتقدمه فيه أحد، وشغل قلبي بانقباضه عني مع الثقة الوكيدة بأني معمور المحل عنده، وموفور الحظ من رأيه وعنايته، لا أعدمني الله(5)
__________
(1) سقط من (ب): والنثر استحسنها.
(2) في (ب): نسخها.
(3) في (ب): المنافسة مني.
(4) زيادة في (ب): طبع.
(5) سقط من (ب): لفظ الجلالة.
النعمة ببقائه ودوام سلامته، وانهضني بالحق في شكره /71/ وما هو إلا ولي من قصر النفس على مطلب محمدته، والسعي بها إلى مرضاته، وقد كتبت في هذه الرقعة أبياتاً مع قلة بضاعتي في الشعر وكثرة معرفتي بأن من أهدى إليه الشعر الجيد المطمع المتمنع(1) كمن حمل التمر إلى (هجر) والعضب إلى (اليمن)، وهي:
يا وافر العلم والإنعام والمنن ... ووافر العرض غير الشحم والسمنِ
لقد تذكرت بيت الموصلي لما ... أراه من لفظك العاري عن الدرنِ
يا سرحة الماء قد سدت موارده ... أما إليك طريقاً يا أبا الحسنِ
إني رأيتك أعلى الناس منزلة ... في العلم والشعر والآراء والفطنِ
فاسمع شكاة ودود ذي محافظة ... يصفي المودة عند السر والعلنِ
أنا بنفسي من لقياك أبخل من ... نصيب من وده سلم على إحنِ
لقد نمتك ثقيف يا علي إلى ... مجد سيبقى على الأيام والزمنِ
مجد لو ان رسول الله شاهده ... لقال إيه أبا إسحاق للفنن(2)
صلى الإله على المختار من رجل ... ما ناحت الورق فوق الإبل والفنن
فإن وقع فيها خطأ أو جاء بها زلل، فعلى الشيخ الاعتماد في إقالة العثرة وصرف الأمر إلى الجميل الذي لا يواري فضله ويشاكل نيله؛ لأني كنت من قبل أهدي البيت والبيتين إلى الإخوان، وبعد العهد به الآن، فإن رآه - أراه(3) الله محابة أن ما(4) يتأمل ما خاطبته به - فعل إن شاء الله تعالى.
قلت: وعلي بن عبد العزيز هذا الذي كتب إليه من رؤساء العدلية ووجوههم، وكان يتفقه للشافعي - رحمه الله - وله شعر كله في الذروة، منها ما أنشده الإمام ابن الشجري، وهي:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما
وهي طويلة طائلة، ومن شعره:
قالوا توصل بالخضوع إلى الغنا ... وما علموا أن الخضوع هو الفقر
وبيني وبين الحال سيان حرما ... علي الغنا نفسي الأبية والصبر
__________
(1) في (ب): الممتنع.
(2) في (ب): للفنن.
(3) في (ب): فإن رأى فجازه الله.
(4) سقط من (ب): ما.
إذا قيل هذا ليس أبصرت(1) دونه ... مواقف خير من وقوفي بها الضر
وله في تهنئة الصاحب - رحمه الله - بالعافية:
وفي كل يوم للمكارم روعة ... لها في قلوب المكرمات وجيب
تقسمت العلياء جسمك كله ... فمن أين للأسقام منك نصيب
إذا ألمت نفس الوزير تألمت ... لها أنفس تحيا به(2) وقلوب
وله - رحمه الله تعالى -:
ولا ذنب للأفكار أنت تركتها ... إذا احتشدت لم تنتفع باحتشادها
72/سبقت بأفراد المعالي وألفت ... خواطرك الألفاظ بعد شرادها
فإن نحن حاولنا اختراع بديعة ... خلصنا(3) علىمسروقها ومعادها
وله - رحمه الله -:
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس عندي(4) شيء أعز من العلـ ... ـم فما أبتغي سواه أنيسا
إنما الذل في مخالطة النا ... س فدعهم وعشاً رئيسا
وله كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه، أبان فيه عن فضل غزير واطلاع كثير، ومادة متوفرة، توفي سنة ست وثلاثين(5) وثلاثمائة.
ومن ولد الناصر - عليه السلام - المشاهير: أبو علي محمد المرتضى، وإليه ينسب أبو القاسم عبد الله بن علي المحدث بن أبي علي المذكور، ومنهم زيد وغير هؤلاء فيما أحسب غير أن هؤلاء الذين اشتهروا، وقد اشتملت الترجمة على ذكر الحسين بن هارون والد الإمام المؤيد بالله والإمام أبي طالب - عليهما السلام - وقد سبقت ترجمته ولم يكن زيدياً، إلا أنه أخذ عنهم(6) في النقل لأخبار الأئمة، فالعذر في ذكره هو ما اعتذر به أبو جعفر الطوسي في ذكر ابن عقدة الزيدي في رجال الإمامية، والله الهادي سبحانه.
__________
(1) في (ب): ليس أبصر.
(2) في ('): تحيا با وقلوب.
(3) في (ب): حصلنا على مسروقها.
(4) في (ب): ليس شيء أعز عندي من العلم.
(5) في (ب): ست وستين وثلاثمائة.
(6) في (ب): أحد عمدهم.
حرف الميم
محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسين
الأمير الخطير، مجمع الكبراء، ومرجع الأمراء، حاوي الدراسة والفراسة، المعروف بناصر أمير المؤمنين محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن حمزة بن أبي هاشم - رحمه الله تعالى - قال من ترجم له - رحمه الله تعالى -: هو من أساطين الإسلام، وبراهين العترة الأعلام، له في الفضائل يد طولى، وسابقة أولى، وكان يعرف بناصر أمير المؤمنين؛ لنصرَه ابن عمه المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - وكان في الفضل بمحل مكين، وله مقامات حميدة، توفي (.....).
محمد بن إبراهيم بن المفضل [ - 781 ه ]
السيد العلامة الموفق بدر الدين محمد بن إبراهيم بن المفضل بن منصور - عليهما السلام -.
قال السيد شمس الدين(1) أحمد بن عبد الله بن الوزير - رحمه الله تعالى-(2)، كان طراز (الغلالة)، وقمر الهالة، رشيداً صدراً زاكياً من النقصان، للفضل(3) درة، ولأبصار المجد قرة، له خلق مضيء، وخُلُق مرضي، وكمال هيبة، وجمال صورة، ووجه جميل، وفعل نبيل، على منهاج سلفه الأطهار في الطهارة والعفة والورع والفضل، وله في العلم مسة مطالعة، وشيمة مشارفة، وله في الأدب يد غير قاصرة، وفي الكتاب والبراعة صناعة فائقة باهرة، وكانت إقامته بـ(وقش) لم ينتقل عنها، وهو القائم بأمرها أحسن قيام، والمتولي للنقض والإبرام، وكان مرجوعاً إليه لرجاحته، وعقله، وفضله، وسماحته. وكان إذا حدث منح من المحاسن أزهاراً مؤنقة، وأثماراً مورقة، على كلامه حلاوة، وله رونق وطلاوة. وكان رقيق حواشي الكلام، أنيق /73/ نسائخ الأقلام، وكان له بالإمام الناصر لدين الله محمد بن علي اختصاص، وهو ابن خالته ويكثر منه الإدلال عليه والأنس به، حكى السيد المذكور: أنه كان عند الإمام بعد الدعوة، وقد قلق للمسير إلى أهله، قال: فأردت موافقته فلم يتيسر للازدحام حوله، فاعترضته وسلمت عليه بالإشارة، وأخذت في الهوى أكتب(4) بأنملي وهو يتأمل ذلك ويتبسم، وفهم المقصود ولم يكن إلا وقت يسير حتى(5) صدر ما طلبته، كانت وفاته - رحمه الله تعالى-(6) بـ(وقش) سنة إحدى وثمانين وسبعمائة، وقبره بالموضع المسمى بالمقلة(7) عند قبر ابن عمه مطهر بن أحمد - رحمهما(8) الله تعالى-.
__________
(1) في (ب): شمس الإسلام.
(2) سقط من (ب): تعالى.
(3) في (ب): الفضل.
(4) سقط من (ب): أكتب.
(5) في (ب): حتَّى صدر إلي بجميع ما طلبته.
(6) سقط من (ب): تعالى.
(7) في (ب): بالقلع.
(8) في (ب): حماهما.
محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى [775- 840 ه ]
السيد الحافظ خاتمة المحققين محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى المفضلي، الشهير بابن الوزير، المحيط بالعلوم من خلفها وأمامها، والحري بأن يدعى بإمامها وابن إمامها. كان سباق(1) غايات، وصاحب آيات وعنايات، بلغ من العلوم الأقاصي، واقتادها بالنواصي، فما أجد على قصوري عبارة عن طوله، ولا أجد في قوله سعة لذكر فعله أو قوله، قد ترجم له الطوائف، وقر(2) له المخالف والموالف، ترجم له العلامة الشهاب ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة)، وترجم له مصنف سيرة العراقي(3) علامة وقته بـ(مكة)، ونسب إليه مخالفة أهله، وله في ذلك شبهة وعذر، أما الشبهة فمخالطة هذا السيد لكتبهم وأكلها خبزاً، وقتلها تحقيقاً، وإرجاع زائفها إلى الصحيح، وإنهاء خفيّها إلى الصريح حتى أناف على أهلها.
__________
(1) في (أ): سمي.
(2) في (ب): وأقر.
(3) في (ب): الغزالي.
واما العذر فهو (أراد القوم إرادة مخالطة(1) أخذت من عزائمه) ووهت قواه في الانتصار لمذهبه، ولا سيما وقد وقع من أهل عصره النكير عليه بالمخالفة، وذكروا لأهل الحديث مثالب(2) الأشعرية، فانتصب هذا السيد للذب وتغلغل في النقل، وجعل الكلمة الواحدة من(3) الرجل الواحد مما يذب به عن الجميع، مثل تهجينه على المعتزلة بنسبة الأشعري إلى ما لا يليق بجناب الله تعالى، ولم يجد بداً من الاستظهار على كلامه الذي تكلم به على المعتزلة بكلام الفرد، ويجعله قول الطائفة جميعها، فاستدل على تنزيه الأشعرية بقول أحمد بن تيمية(4) في كتابه (الفرق بين الأحوال الرحمانية والأحوال السلطانية)، وأورد كلامه الذي يسود وجه الجبرية، ويبيض وجه الحق، ولله دره؛ واستظهر بكلام تلميذه محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية في كتاب (الجواب الكافي لمن سأله عن الدواء الشافي) وبكلامه في (حادي الأرواح إلى دار الأفراح) وهما كلامان مقنعان دالان على تحقيق وإنصاف /74/ ولكنهما غير الأشعري، فما باله يكذِّب من نسب إلى الأشعرية قولاً يطلع(5) وقوع الإنصاف من الحنابلة؟ ثُمَّ استدل بكلام إمام الحرمين في مقامات(6) كتابه (البرهان) وإنصافه، ولقد أحسن، غير أن الجويني: فرد من القوم، وقد طاح في المسألة طيحة توجب منه الصيحة بعد الصيحة حتَّى قال الماوردي(7): وددت لو محوتها بدمي، وذلك أنه قال الجويني إن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، وهذه مقالة [من يقول الأمر أنف وهم القدرية حقاً بذلك فسرهم النووي في شرح مسلم وغيره)، فكيف يسوغ للسيد على جلالته تكذيب بمن(8)
__________
(1) في (ب): إرادة القوم للتكثر بأمثاله ولا جرم أن السيد خالط كتب القوم مخالطة أخذت من عزائمه..
(2) في (ب): مثالب وللأشعرية.
(3) في (ب): في.
(4) زيادة في (ب): الحنبلي.
(5) في (ب): بمطلق.
(6) في (ب): مقدمات.
(7) في (ب): المادري.
(8) زيادة في (ب): تكذيب من نقل عنهم مذهبهم المدروس بمطلق أنه قد يوفق الله للحق بعضهم كالجويني إذا صح ما نقله عنه.
نقله عنه السيد مع أنه قد تجرم السيد في (العواصم) من هؤلاء وقال في ذكر الرازي: أنه إذا تكلم في المسألة لم يفارق أصحابه، فإذا سنحت المسألة في غير بابها تكلم بما يوافق الأدلة، فهذا الذي ذكرناه هو الذي غر من نسبه إلى الخلاف لأهله، مع أنه دار بينه وبين أهل عصره ما أوحش، ثم رجع رجوعاً كلياً، وسننقل ذلك في الترجمة - إن شاء الله تعالى-، وكان السيد يتعب من نسبة الخلاف إليه لأسلافه، ويذب عن نفسه، وما أحسن قوله في هذا:
أولئك آبائي على رغم منكرٍ ... لكوني على منهاجهم في مذاهبي
وحسبي بهم إن رام نقضاً معاندٌ ... شجاً في حلوق الحاسدين النواصبِ
وأحسن منه قوله:
إني أحب محمداً فوق الورى ... وبه كما فعل الأوائل اقتدى
فقد انقضى خير القرون ولم يكن ... منهم بغير محمد لم يهتدِ
وأحب آل محمد نفسي الفدا ... لهمُ فما أحد كآل محمدِ
هم باب حطة والسفينة والهدىٍٍ ... فيهم وهم للظالمين بمرصدِ
وهمُ النجوم لخيِّرٍ متعبدٍ ... وهمُ الرجوم لكل من لم يعبدِ
وهم الأمان لكل ما(1) تحت السماء ... وجزاء أحمد ودهم فتوددِ
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم ... ثقلان للثقلين نص محمدِ
وكفاهمُ(2) شرفاً ومجداً باذخاً ... شرع الصلاة لهم بكل تشهدِ(3)
ولهم فضائل لست أحصر عدها ... من رام عد الشهب لم تتعدد(4)
ثم أخذ على هذا النمط، وأخبرني شيخي العلامة أحمد بن سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله تعالى - أن الفقيه العلامة شحاك الملحدين أحمد بن القاسم الشامي، لما قال في هذا السيد(5) قصيدته التي أولها:
ألم بمحمود السجايا محمد ... يعنك وإن ضاقت عليك المسالكُ
فتقتبس الأنوار من روض علمه ... وتلتمس الأزهار وهي ضواحكُ /75
هو البحر علماً بل هو البدر طلعةً ... هو القطر جوداً وهو للمجد مالكُ
__________
(1) في (ب): من.
(2) في (ب): وكفاهم.
(3) في (ب): مشهد.
(4) هذا البيت غير موجود في (ب).
(5) في (ب): السيد الحافظ.
كفاه(1) كتاب الله والسنة التي ... أتانا بها من صدقته الملائكُ
ففاضت له من حضرة القدس مكنة(2) ... من العلم سراً فيضها متداركُ
فأشرق منها طور سينين بهجةً ... ونوراً تعاطته النجوم السوامكُ
فما شاطئ الوادي المقدس من طوى ... ولا نوره إلا عليك يباركُ
ولم يتبع نعمانهم وابن حنبل ... ولا ما يقول الشافعي ومالكُ
وأعلام أهل البيت رد علومهم ... وما زال يحكى ضعفها وهو ضاحكُ(3)
__________
(1) في (ب): كفاك.
(2) في (ب): مكية.
(3) . قد هدى أفكار لمشهور فضلهم في نهج الحق سالك.....
وهي قصيدة شهيرة أجاب عنها السيد الحافظ، ولكن لما وصل إلى جواب قول العلامة الشامي وأعلام أهل البيت رد علومهم إلى آخره أجابه بنحو خمسة وثلاثين بيتاً كلها تردد كلام الشامي على أي وجه يصح، يقول: ماذا أردت بردي لها، هل هكذا وكذا ثم تبرأ وأوسع في ذلك ولم أر القصيدة، وكنت أظنها في بعض مجامعي. وقال له العلامة ابن طهيرة في (مكة): ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى الإمام الشافعي أو(1) أبي حنيفة، فغضب ولم يتوقر في حق الشيخ، وقال: لو احتجت إلى هذا(2) النسب والتقليدات ما اخترت غير مذهب نجم آل الرسول: القاسم بن إبراهيم أو مذهب حفيده الهادي إلى الحق - عليهما السلام - هكذا أو كما قال. ولنذكر شيئاً من ترجمته بعد هذا، فقد ترجم له من ذكرناه أولاً، والشريف القاسمي المالكي في تاريخ (مكة) (العقد الثمين)(3)، وترجم له الفقيه البارع عبد الرحمن(4) بن أبي بكر العطاب وترجم له البريهي. وهو حري بأن يدخل في كل الكتب المصنفة للتراجم إذا تعلقت بعلماء الشريعة، فهو في اللغة والأدب الإمام السابق، وفي الأصولين وفي التفسير والحديث وفي كل علم ينتسب إلى الشرع، وقد رأيت أن أكتب هنا ترجمته التي وضعها السيد شمس الإسلام أحمد بن عبد الله بن الوزير لثقته وعدالته، ولأن أهل (مكة) أعرف بشعابها، وعندي له ترجمة مبسوطة قد اشتملت على تراجم غير أني رجحت هذه.
__________
(1) في (ب): و.
(2) في (ب): هذه.
(3) ما بين القوسين لا يوجد في (ب).
(4) في (ب): عبد الله بن أبي بكر العطاب.
قال - رضي الله عنه - (1) ناقلاً عن السيد الهادي الصغير - رضي الله عنه -(2) محمد بن إبراهيم بن(3) عبد الله، هو أصغر إخوته سناً، وله في علوم الاجتهاد المحل الأعلى، والقدح المعلى، وبلغ مبلغ الأوائل، بل زاد وألَّف وصنَّف وأفاد، وجمع وقيد، وبنى وشيد، وكان اجتهاده اجتهاداً كاملاً مطلقاً لا كاجتهاد بعض المتأخرين، فإن ذلك يسمى ترجيحاً لأدلة بعض الأئمة المستنبطين على بعض، لابتداء اجتهاد واستخراج للحكم(4) كما(5) عرف عن غير معرف انتهاض ذلك الدليل عليه بعد معرفته للحكم نفسه، وللدليل ولكيفية الدلالة، وانتفاء المعارض وشروط الاستدلال في /76/ العقليات والسمعيات، والتبحر في علم الرواية ومعرفة الرجال أحوالهم في النقد والاعتلال(6)
__________
(1) في (ب): - رحمه الله - عنه.
(2) سقط من (ب): رضي الله عنه.
(3) في (ب): أبو.
(4) سقط من (ب): للحكم.
(5) في (ب): عما.
(6) في (ب): الاعتدال.
، والوفيات والأسباب والشيوخ، والتعمق في علم الأصولين والعربية والتوغل في معرفة الكتاب العزيز والاطلاع الشديد على تفسيره وكلام المفسرين، ولم يكن بهذه(1) الصفة بغير شك ولا مزية غير السيد الإمام الأكبر البقية في هذا الشأن، الذي يشهد له بذلك جميع أهل الزمان، من الأقارب والأباعد، والمخالف في الاعتقاد والمساعد، ولقد كان آية في زمانه لم يأت(2) الزمان بمثلها، ولقد (حكى لنا السيد الإمام علي)(3) بن أبي القاسم، وكان من أحد مشائخه سئل عنه وكان في نفسه عليه ما يقع في نفوس العلماء، فقال: هو أزكى الناس قلباً، وأذكاهم لباً(4)، كان فؤاده جذوة نار تتوقد ذكاء، وغيره أكبر منه سناً، ومثله، وأصغر، من علماء زمانه(5) المصنفين لم يبلغوا هذا المحل، إنما غاية اجتهاداتهم أن يقولوا هذا أولى لأنه خاص، وأقدم من الإباحة أو عام، ومعارضه خاص أو مطلق، ومعارضه مقيد ونحو ذلك. وأما تلك المقالات العالية، والاستخراجات الأصلية من الأدلة الكلية، مثلما وضعه في استخراجاته واختياراته في مسائل الاجتهاد، فهم عن ذلك بمراحل، وكيف يكون ذلك وهم يعطلون(6) في أسماء الرجال المشهورين، ويلتبس عليهم أزمانهم، ويصحفون في أسماء كبارهم، ومن جهل الاسم كيف يعرف الحال؟ وكثيراً ما يصدرون ألفاظاً في متون الأحاديث مصحفة تصحيفاً يفسد المعنى، ولا يعرف منه المراد، ولا يصح معه ظن، ولا يصدق عنده اعتقاد، وهو الخبير والخريت الماهر في ذلك المقصد، وبما يدور عليه من معرفة التخصيص والنسخ، أعرف وافقه والترجيح عند التعارض وغير ذلك من الأحكام، المترتبة على ذلك المرام، وله القوة والملكة في تقوية بعض الأدلة بالطريق التي يقويها على اختلاف أنواع ذلك بوجه صريح، وتصرف
__________
(1) في (ب): ولم يكن بغير هذه الصفة.
(2) في (ب): يأته.
(3) في (ب): حكى لنا أنَّ السيد الإمام علي..
(4) في (ب): هو أذكى الناس قلباً وأزكاهم لباً.
(5) في (ب): زماننا.
(6) في (ب): يغلطون.
صحيح، ولفظ فصيح، وحجة لازمة، وأدلة جازمة - عقلية ونقلية - وتضعيف في بعض الأدلة مثل ذلك، ولا يتبع في ذلك إلا محض الدليل، ولا يكتفي في ذلك(1) بمجرد أنه قيل على ما عليه(2) أكثر الناس تساهلاً، وعدم تمكن واقتدار، وأمره في التفسير لكتاب الله(3) كذلك في معرفته نفسه، ثم معرفة قرابة ومعرفة المفسرين، والنقل عنهم ومعرفة أحوال الجميع ومعرفة أسباب النزول وزمانه ومكانه، ومعرفة الألفاظ وكثير مما يتعلق بالتفسير وآيات الأحكام، ويبني عليه شرائع الإسلام مما يطول ذكره، وهو مذكور في الكتب المعروفة، وكان في كثرة تصفحه للكتاب لا يقرأ بين الظهر والعصر إلا ربع الجزء فقط /77/ ولا يزيد عليه، حتى إنه كان أنسه لمعرفة آيات الأحكام وما نزل منها على الأسباب وما نسخ منها وما لم ينسخ، والمتكرر منها وغير المتكرر، كمعرفة غيره وأنسه بلفظ فاتحة الكتاب، وإنما الغرض التعريف بأن حال هذا الرجل - رحمه الله - ليس كحال غيره، وأن اجتهاده كاجتهاد أئمة المذاهب لا كالمخرجين ومجتهدي المذهب ولا كالمخرجين الذين يرجحون تغير(4) المعقول ويشق عليهم معرفة الآثار النقلية والاطلاع على الإسنادات ومعرفة الرجال، ويعسر عليهم الأخذ من لطائف أدلة الكتاب والسنة، ومعرفتها، ومعرفة أنواع الحديث ومراتبه وأقسامه، من الصحة والحسن ونحوهما التي عليها مدار الاجتهاد، والترجيح والانتقاد، وليس لغيره مثل هذه الأهلية، ولا أعطاهم الله سبحانه مثل هذه العطية، وحكي عن السيد العلامة شمس الدين أحمد بن محمد الأزرقي أنه قال: لا يبلغ أحد في زماننا هذا من الاجتهاد ما بلغ إليه السيد عز الدين محمد بن إبراهيم، وقد أحسنا كل شيء إلا ما بلغ إليه، فلم نقدر عليه لتمكنه من معرفة الحديث ورجاله، وتبحره في السمعيات، ويحكى أيضاً: أنه سئل عنه رجل من فقهاء المالكية فقيل له: ما
__________
(1) في (ب): فيه.
(2) في (ب): يمليه.
(3) في (ب): رب العزة.
(4) في (ب): لا يرجحون بغير المعقول.
مذهب السيد محمد بن إبراهيم؟ فقال: وراء الدليل، وروى عن(1) شيخه العلامة علي بن أبي الخير قال له: لما استحكم اتقانه في علمي الأصولين لا يشتغل بعد ذلك إلا بالحديث، وكان عمدة قراءته التي أفنى فيها عنفوان شبابه، علم الأصول والعربية جود فيها غاية(2) التجويد وفحص وحقق، وبحث وبلغ الغاية القصوى، واطلع من أحوال(3) أهل الفنين على ما لا يكاد يعرفه إلا مثله، وحكى في مسألة خلق الأفعال خمسة عشر قولاً، ورد على الرازي في مسألة العلم بردود باهرة، ومن أحب معرفة ذلك طالع كتابه (العواصم)، وسئل عنه أخوه الهادي - عليه السلام - فقال له: يا مولانا السيد محمد عالم (اليمن)، فقال: وعالم الشام، وقال أخوه صلاح: أخي محمد عارض بأقواله مالكاً والشافعي، ولما ظهر منه الاختيار وصح منه عدم التقليد كما قال فيه بعض علماء الزيدية الأكابر، الطيبة معارفهم والعناصر، هذا رجل حسده الأكابر وجهله الأصاغر، فأرادوا(4) بتشييعات وتشنيعات وإلزامات صورية لا ظنية ولا قطعية ولا مسلمة، وليس لمخلوق قدرة على منع ما وهبه الله تعالى ولا وضع محل رفعه الله - سبحانه وتعالى- (5) رحمة الله عليه، أحب كثير من علماء المذاهب أن يكون من جملتهم وأن يميل إلى مذهبهم، وكوتب في ذلك من النواحي من علماء كل جهة، وكانت الجهات جميعاً مشحونة بالعلماء، وكان جوابه عليهم جواباً واحداً مسكتاً، وممن شافهه القاضي العلامة قاضي القضاة الشافعية بالحرم الشريف محمد بن عبد الله بن طهيرة - وهو أحد مشائخه - وقف عنده مدة لسماع الحديث النبوي، فلما رأى منه ما لم تره عينه ولا سمعته أذنه عن أحد من أهل الزمان، مع أنه في مكان يجتمع /78/ فيه الناس من طوائف المسلمين وأهل المذاهب أجمعين، وذلك أنه قال له ذات
__________
(1) في (ب): وروي أن شيخه الفقيه العلامة..
(2) في (ب): جرد فيها غاية التجريد.
(3) في (ب): أقوال أهل.
(4) في (ب): فأرادوا عرضه بتشييعات.
(5) سقط من (ب): سبحانه وتعالى.
يوم: أيها الشريف لو أنك تممت كمالك بتقليد الإمام محمد بن إدريس، فقال له: سبحان الله أيها القاضي! إنه لو كان يجوز التقليد لم أعدل عن تقليد جدي القاسم والهادي، إذ هما بالتقليد أولى من غيرهما؛ لمكان العناية - في أهل البيت - الإلهية، والمادة المعصومة السماوية. وما أحسن قول الوجيه عبد الرحمن بن أبي بكر(1) العطاب اليمني في كتابه عند(2) ترجمة سيدي عز الدين - رحمه الله تعالى- (3) في أثناء كلام(4) له في شأنه، قلد وما(5) قلد، وألفى جيد الزمان عاطلاً فطوقه بالمحاسن وقلد، إلى آخر كلامه. ولإسماعيل المقريء وغيره من علماء الشافعية(6)، وللعامة فيه وفي مدحه كلام يطول، ووقف - رضي الله عنه - في (فلة) مدة مع حي الإمام علي بن المؤيد على جهة الاعتبار(7)، ورافقه إلى بعض(8) بلاد (الأهنوم)، ولم يكن بينه وبينه شيء من المصنفات إلا شيء يسير، وقع فيه عتاب سهل، وكتب فيه(9) سيدي عز الإسلام(10) أبياتاً حسنة رقيقة من محاسن الشعر وأجود(11) قافية منصوبة الروي أولها:
ولو شئت أبكيت العيون معاتباً ... وألهبت نيران الوقود رقائقاً
__________
(1) سقط من (ب): عبدالرحمن بن أبي بكر.
(2) في (ب): عند ذكر ترجمة.
(3) في (ب): عليه.
(4) . أوله الإمام الحافظ أبو عبد الله العلوم وإمامها ومن في .... قلد فيها إلخ، صنف في سائر فنون كتباً تقدم فيها وما يخلف ول... النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الباع المدبر و.... التعبد الذب ما عليه من ..... وله شعر تجسده زهر النجوم وتود لو أنها في سلكه المنظوم، ثم أورده، ثم أبنانا أولها: شجتني الديار الدارسات .....................
(5) في (ب): ولا.
(6) في (ب): الشيعة.
(7) في (ب): الاختبار.
(8) سقط من (ب): بعض.
(9) في (ب): وكتب فيه حي سيدي.
(10) في (ب): الدين.
(11) في (ب): وأجوده.
(وكان بينهما مودة أكيدة حتى نزل من عنده) (1)، وهي مذكورة من جملة أشعاره في ديوانه، ثم دخل إلى (ثلا) إلى حي الإمام المهدي أحمد بن يحيى - عليه السلام- (2)، ووقف عنده مدة يسأله ويراجعه ويباحثه، ومن جملة ذلك أنه سأله عن خمسة وعشرين سؤالاً في مسألة الإمامة فلم يجبها، فكتب إليه أبياتاً أولها:
أعالمنا هل للسؤال جواب ... وهل يروى الظمآن منك عباب
وكان بينهما مودة أكيدة حتى نزل من عنده وفتر ذلك الأمر، ووقع بين السيد عز الدين وبين شيخه جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم منازعة في مسائل، وكان من حي السيد جمال الدين - رحمه الله - طرف من الحيف في السؤالات، وتحويل لما يرويه عن حي سيدي عز الإسلام على صفة أنه يأخذ من كلامه مفهوماً لم يقصده، وقد(3) صرح بنفيه، والإجماع منعقد على عدم اعتبار مفهوم وقع التصريح بخلافه، وما كان(4) إلا لمكان دعوى الاجتهاد وفضل الله واسع، فكان بينهما ما كان، وترسل السيد جمال الدين برسالة حكى فيها كلام سيدي عز الإسلام(5)، فأجابه على حسب ما حكاه وطلح في مواضع التطليح وساقه(6) بسياقة العلماء وعلى منهاج الاستدلال، وادعى السيد عز الدين أن بعض ما نقله السيد علي بن محمد لا يقتضي ما فهمه من طريق المفهوم المعتبر، فلما بين له السيد عز الدين ذلك ولم ينجح، رجع جواب السيد محمد على شيخه بالتظلم منه لنسبته إليه من القول ما لم يقل به، ثم بإبطاله ما أخذه من كلامه على تقدير صدقه، مع كونه حياً يدفع عن نفسه هذه المقالة وينكرها(7)، وكيف يلزم الأمر من ينكره، ثم بعد ذلك بالمعارضات له بأقوال صدرت عنه لا ينكرها، وأوهام في معان، ونسبة /79/ أقوال إلى كتب ورجال لم تصدر عنهم، ثم الحجج، وبراهين واسعة اقتضت التطويل، فكان ذلك في كتب
__________
(1) ما بين القوسين لا يوجد في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): أو.
(4) في (ب): وما كان ذلك إلاَّ.
(5) في (ب): الدين.
(6) في (ب): مساقة.
(7) في (ب): ويذكرها.
مجلدة ومقالات في بطون الأوراق مجلدة، واستدعى ذلك ذكر جمل من المسائل، وحكاية ما قال الأواخر والأوائل، وكان أعظم ما دعا إلى ذلك دعوى اللحوق بأهل السبق من المجتهدين والانعزال والارتفاع عن رتبة المقلدين، وبعَّد السيد جمال الدين الاجتهاد غاية التبعيد، ومنعه عن أكثر الأمة من أهل التوحيد، واستظهر بكلام الغزالي، وحكى في ذلك أقواله، وممَّن(1) منع من الفقهاء من الاجتهاد بعد محمد بن إدريس، وساق من الحكايات والمقالات ما يعضد ذلك ممن يسلك(2) هذه الطريقة، فكان حي الإمام المهدي مع سيدي في رد ذلك، وفي تقوية الدليل والاستظهار على صحة وقوع الاجتهاد وإمكانه وتيسره (3) وتسهيل طريقه، واستحجوا وأوضحوا الحجة، وأقاموا بالبرهان المحجة، وعارضوا تلك الحكايات بأكثر منها، وأوسع عن أكثر الأمة، وألزموا في ذلك إلزامات لا محيص عنها، وفي ارتكابها شناعة وبشاعة، ولما ظهر لحي الإمام المهدي (- عليه السلام -)(4) من سيدي عز الدين الانعزال، وسرى الأمر في المراجعة إلى بعض مسائل الكلام، أبحرت بينه وبينه المراسلة، ووقعت بينهما(5) المراماة والمناصلة في المنثور والمنظوم، وكل ذلك موجود في كتبه وأشعاره، حتى أزف الرحال، ودانا(6) الانتقال وتحول الحال، فاعتذر كل من صاحبه وقبل أعذاره، وأوضح اعتذاره، وكان الساعي بين حي سيدي عز الدين والإمام المهدي الفقيه العلامة العابد الزاهد أحد العلماء العباد المنورين جمال الدين محمد بن علي بن إسماعيل الكناني، وكان من تنويره أنه أخبر في بلده بحصن(7) (ذي مرمر) يوم فتحه. وقال: فتح حصن (ذي مرمر) في هذا اليوم، فكان ذلك كذلك، وهو(8) أحد عجائبه وكراماته، وكان صاحباً لهما جميعاً، فذكر لهما ما يقتضيه الحلوم والعلوم(9)
__________
(1) في (ب): وبمن.
(2) في (ب): سلك مثل.
(3) سقط من (ب): وتيسره.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): بينه وبينه.
(6) في (ب): ودنى.
(7) في (ب): أخبر في بلده بفتح حصن.
(8) في (ب): وهذا.
(9) في (ب): العلوم والحلوم.
والقرابة والنسبة والنسابة، فرغب كل(1) إلى ما عرض عليه، وكان من كل منهما ما طيب(2) نفس الآخر، وأزال الوحشة الجارية والحمد لله على كل حال. وأما السيد جمال الدين فكان بينه وبين سيدي عز(3) الإسلام بعد هذا مواطن واجتماعات وطيبة نفوس ومباراة، كذا نقلته(4) من خطه، وأمر سيدي جمال الدين ولده صلاح بن علي بن أبي القاسم قرأ عليه في علم المعاني والبيان، وكان يمدحه السيد علي - رحمه الله - وينصحه، وروينا عنه أنه قال له: يا ولدي اتبعهم يتبعوك فإن لي مذهباً لا أخبر به محمداً ولا صلاحاً، وله إليه معاتبات في أبيات فريدة، منها:
عرفت قدري ثم أنكرته ... فما عدى بالله مما بدى
/80/ وكل يوم لك بي موقف ... أسرفت في القول(5) بسوء البدا
أمس الثنا واليوم سوء الأذى ... يا ليت شعري كيف تضحي غدا
يا شيبة العترة في وقته ... ومنصب التعليم والاهتدا
قد خلع العلم رداء الهدى ... عليك والشيب رداء الردى
فصن رداءيك وطهرهما ... من دنس الإسراف والاعتدا
__________
(1) في (ب): في عب.
(2) في (ب): ما يطيب.
(3) في (ب): عماد الدين.
(4) في (ب): نقله.
(5) في (ب): بالقول.
ثم إنه - رحمه الله - اشتغل بالذكر والعبادة، وملازمة الخلوات والأماكن(1) الخالية بمسجد وهب، ومسجد نقم، ومسجد الرونة، ومسجد الأخضر، وفي المنازل العالية على سطح الجامع، ينقطع في بعض هذه الأماكن ثلاثة أشهر، رجب وشعبان ورمضان، ويعتذر(2) فيها عن موافقة أهله وأرحامه، ويسألهم إسقاط الحق من الزيارة، وله من الكرامات والمنامات الصادقة ما يطول ذكره، وبعض ذلك مذكور في ديوانه وبعضها مرسوم بخطه بين كتب الأهل - رحمهم الله تعالى - وكان إذا اختلى في مسجد نقم وخرج في الليل إلى موضع نهر نازح عن المسجد لأن المسجد قد يخلو عن الماء يسمع أصوات الجان وبكاء أطفالهم فلا يجد وحشة ولا يداخله(3) رعب، ومما سمعناه(4) عن بعض سادة الخيمة(5) العلويين وكان رجلاً فاضلاً له به خلطة، إن سيدي عز الدين - رحمه الله - وقف بمسجد الرونة في بعض خلواته، ولم يكن في ذلك الزمان يوجد العنب في مكان قط، فتاقت(6) نفسه إلى شيء من ذلك فلم يلبث أن وجد في ناحية من ناحية المسجد عنباً حسناً كامل الطيب طري القطف، فأكل منه، وحمد الله ،وأثنى عليه.
قلت: ومصنفاته غرر، وكلماتها درر، و(7)تسفر عن شمس واضحة المعنى أو قمر، منها (العواصم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم -) أربعة أجزاء مجلدة، تشتمل على ما لم يشتمل عليه كتاب، ولا يحتاج الناظر فيه إلى غيره فهو مد بصر وختمه بأبيات نحو اثني عشر بيتاً منها:
جمعت كتابي راجياً لقبوله ... من الله فالمرجو منه قريبُ
ومنها:
ومهما رأيتم من(8) كتابي قصورة ... فستراً وغفراً فالقصور معيبُ
ولكن عذري واضح وهو أنني ... من اللائي أخطي تارة وأصيبُ
__________
(1) في (ب): في الأماكن.
(2) في (ب): ويعذر.
(3) في (ب): ولا يدخله.
(4) في (ب): سمعنا.
(5) في (ب): الحيمة.
(6) في (ب): ففاقت.
(7) سقط من (ب): ....؟
(8) في (ب): في.
ومنها كتاب (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان) كتاب مفيد وختمه بعشرة أبيات منها:
منطق الأولياء والأديان ... منطق الأنبياء والقرآنِ
ولأهل اللجاج عند التماري ... منطق الأذكياء واليونانِ
وإذا(1) ما جمعت علم الفريقين ... فكن مائلاً مع الفرقانِ
ومنها: كتاب (البرهان القاطع في معرفة الصانع وجميع ما جاءت به الشرائع)، صنفه سنة إحدى وثمانمائة، ومنها (تنقيح الأنظار في علوم الآثار) صنفه في آخر سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. ومنها كتاب (التأديب الملكوتي) مختصر فيه عجائب /81/ وغرايب. قال السيد صلاح الدين(2) بن أحمد بن عبد الله - رحمهم الله تعالى -: لم أجد هذا الكتاب في الخزانة ولا والدي، وإنما وجدت منه وريقات يسيرة من مسوّدته (زادت الأسف عليه) (3).
وله كتاب في التفسير من الكلام النبوي، ذكره في كتابه (إيثار الحق على الخلق)(4)، قال جمع ما في جامع الأصول وما في (5) الزوائد والمستدرك للحاكم. قال السيد صلاح الدين: ولم يوجد هذا الكتاب أيضاً.
__________
(1) في (ب): فإذا.
(2) زيادة في (ب): صلاح.
(3) فراغ في (ب).
(4) في (ب): إيثار الحق. (وجاء في الحاشية بدلاً من كلةم إيثار أثار).
(5) في (ب): مجمع.
ومنها: كتاب (الأمر بالعزلة في آخر الزمان). ومنها كتاب (قبول البشرى في تيسير اليسرى)(1)، ومنها كتاب (نصر الأعيان على شر العميان)(2) رداً على أبي العلاء المعري، قال فيه ما لفظه: قد ولع أهل الجهل والغرة بإنشاد الأبيات المنسوبة إلى ضرير المعرة، وهي أحقر من أن تصدر، وأهون من أن تذكر، لم يشعر هذا المسكين أن قائلها أراد بها القدح في الإسلام من الرأس، وهدم الفروع بهدم الأساس، وليس فيها أثارة من علم فيستعاد(3) بناؤها ولا إشارة إلى شبهة متوضح بطلانها، وإنما سلك قائلها(4) مسلك سفهاء الفاسقين، والزنادقة المارقين، وما لا يعجز عن مثله الأرذال من ذم الأفاضل، بتقبيح ما لهم من الحسنات، وتسميتها بالأسماء المستقبحات، تارة ببعض الشبهات، وتارة بمجرة(5) التهويل في العبارات، كما فعل صاحب الأبيات. فصدر الكتاب المذكور بهذه الأبيات:
ما شأن من لم يدر بالإسلامِ ... والخوض في متشابه الأحكامِ
لو كنت تدري ما دروا ما فاه بالـ ... ـعوراء فوك ولا صممت صمام
لكن جمعت إلى عماك تعاميا ... وعمومه فجمعت كل ظلام
فاخسأ فمالك في العلوم دراية ... القول فيها ما تقول حذام(6)
ما أذكر العميان للأعيان بل ... ما أذكر الأنعام للإعلام
وإذا(7) سخرت بهم فليس بضائر ... إن هر كلب في بدور تمام
من لم يكن للأنبياء معظماً ... لم يدر قدر أئمة الإسلام
(لم تدر تغلب وائل أهجوتها) (8) ... أم بلت تحت الموج وهي ظوام
__________
(1) في (أ): تيسير اليسر.
(2) زيادة في (ب): فيها.
(3) في (ب): فيستفاد.
(4) زيادة في (ب): فيها.
(5) في (ب): بمجرد.
(6) في (ب): فإذا.
(7) في (ب): فإذا.
(8) اقتبس هذا الشطر من قول الشاعر:
ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها أم بلت حيث تناطح البحران
ومن كتبه كتاب (إيثار الحق على الخلق)، صنفه سنة سبع وثلاثين وثمانمائة رأى بعد فراغه من تسويده قوله تعالى، ?فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا?[الرعد:17]، وقوله تعالى: ?فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا?[النساء:69]، ورأى بعد الفراغ من تبييضه سورة النصر بكمالها، ومن سورة الضحى: ?وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ?[الضحى:11]، ومن سورة يس: ?قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ?[يس:26]، مرتين، ومرة ثانية(1):?إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ?[يس:25]، ورأى أنه أعطي فواتح كثيرة من فواتح السر(2).
قلت: ومن مصنفاته (التحفة الصفية في شرح الأبيات الصوفية) والمشروح قصيدة أخيه العلامة الهادي /82/ بن إبراهيم - رحمه الله - التي أولها:
تقدم وعدكم فمتى الوفاء ... وطال بعادكم فمتى اللقاء
__________
(1) في (ب): ثالثة.
(2) في (ب): السور.
قال السيد صلاح الدين - رحمه الله -: وقد سمى(1) هذا الشرح بالنسمات النجدية في النعمات الوجدية، وله تصليح نخبة الفكر الذي صنفه العلامة أحمد بن علي العسقلاني الشهير بابن حجر، وله حصر وسرد(2) آيات الأحكام، قال: ولم يستقص فيها، وكانت(3) ستة وثلاثين ومائتين. ومنها حصر الآيات الدالة عليه تعالى وعلى صدق أنبيائه(4) من الخوارق، فذكر العجيب من ذلك المفيد لله دره؛ ومنها الأبيات المبينات لقوله تعالى: ?يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ?[النحل:93] وفيه أن الإضلال من قبيل العقاب فلا يبتدي به قبل الذنوب، وأجاد في ذلك غاية الإجادة، وكنت على حقارتي كلفت بهذا المطلب ووددت أن أجمع لنفسي ذلك ولم أشعر بكتاب السيد - رحمه الله - فلما رأيته، قلت: (إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل).
__________
(1) في (ب): وقد كان سمي.
(2) سقط من (ب): وسرد.
(3) زيادة في (ب): جملتها.
(4) في (ب): أوليائه.
ومنها: كتاب (تحرير الكلام في مسألة الرؤية وتجويده، وذكر ما دار بين المعتزلة والأشعرية وتقييده)، وهذا الكتاب كان قد سبقه أخوه(1) جامع العلوم الهادي بن إبراهيم (- رحمه الله -)(2) إلى كتابه رد به(3) على متكلم الأشاعرة محمد بن عبد الكريم الشهير(4) (....)، ونقض عليه كثيراً مما أودعه كتابه نهاية الإقدام في علم الكلام فأورد السيد محمد كلامهما جميعاً، ثم جاء بما عنده. وله جزء في قوله تعالى: ?عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ?[الجن:26- 27]. وله كتاب في تخصيص آية الجمعة بحديث: (واعلموا أن الله فرض عليكم الجمعة). وله كتاب في حمد الله على الإيمان لما وقع في ذلك اختلاف، وله ديوان(5) شعر واسع منه ديوان مجمع الحقائق والرقائق في ممادح رب الخلائق، أتى فيه بإلهيَّات ومناجات، وفزع وخوف ورجاء وتوكل، وله مواعظ في النثر بليغة في ديوانه أيضاً، وله جملة كتب تشتمل على الرد على جماعات من الأشعرية والمعتزلة. قال من صنف في أحواله: إن هذا النوع لا ينحصر.
قلت: واستحسنت التقرب إلى الله بذكر جوابه على مروان بن أبي حفصة القادح على أمير المؤمنين الأنزع البطين صانه الله، تقرب بذلك مروان(6) إلى هارون المسمى بالرشيد، وذلك بما كان من خطبة أمير المؤمنين لبنت أبي جهل وتحكيمه الحكمين، وقد أجاب غير السيد على ذلك، وحسب مروان ما أعد الله له، وتكلم السيد بكلام بليغ قبل القصيدة، وقد طالت الترجمة فتركته، قال - رضي الله عنه -:
إلى الله أشكو من أذى الآل والرسل ... ولم يحفظ الحمقا على الله من يعلي
وأين علي من أذى كل ناصب ... هو العالم العلوي والناصب السفلي
__________
(1) في (ب): أخوه المحقق.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): إلى كتابه كتاب ردَّ به.
(4) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
(5) في (ب): كتاب.
(6) في (ب): مروان بذلك.
كفاه علاً أن النواصب لم تجد ... سوى همه لا العزم بالطيب الحل
83/ وأنهمٌ لن ينقموا منه غير ما ... يحوز ولا يقذي العيون من الرسل
وأن رسول الله بين حقّه ... بنص جلي في روايتهم مجلي
وبين عن منع الخلاف اعتذاره ... بتخصيصه من حكمه خيرة الأهل
يصون علي والبتول عن الذي ... عليه مضى كل القرابة والرسل(1)
أراد بذا إن صح إظهار هذه الـ ... ـفضيلة للزهراء فائقة الأصل
وقد كان بين المصطفى ونسائه ... أمور على هذا تزيد وتستعلي
فخيرها حيناً وطلق بعضها ... وحيناً وهو مرح وحيناً وهو مولي
وكم آية في الذكر في ذاك أنزلت ... وفي سورة التحريم ما بعضه يجلى
وكان القياس أن عترة فاطم ... لتلك السرايا لا تمر ولا تجلي
فظن علي أنها مثل نسوة الـ ... ـرسول محلا لا يقايس في الفضلِ
بحور على وجه الحياطة صونها ... ببعض النساء المستحقات للبدلِ
كما صين في الصدر الفؤاد محله(2) ... وبالجفن صين الحسن في الأعين النجل
وريب من أوتي الذي لا يطيقه ... وضاهى أخاه(3) المصطفى خير من أبلي
وكان له في ذاك قوة عدة ... يشاكله يا حبذا هو من شكلي
ألم يره من ذا شفق ظهره ... وشق عليه الشق من كثرة الغسل
وكان حيياً لم يشافه بهذه الـ ... أمور النبي المصطفى سيد الرسل
لذلك لم يسأله عن حكم ناقض الطـ ... ـهارة إجلالا يجل عن المثل
فهم لذوي(4) الأسباب بالحل همة ... تنزه فيها عن جفاء وعن جهل
فاضرب لما بيَّن الله أنها ... أجل وأعلا أن تشارك في البعل(5)
فظن حمير النصب فيه نقيصة ... وذلك شأن الأخسرين(6) ذوي الغل
وذاك بإجماع الهداة خصيصة ... لفاطمة الزهراء كالفطم للنسل
ولم يروِ نقصاً للوصي وإنما ... روى خارقاً في الفضل(7) باهرة الفضل
__________
(1) في (ب): الترابة والنبل.
(2) : تحلَّة.
(3) في (ب): أخيه.
(4) في (ب): لذي.
(5) زيادة في (ب) هذا البيت:
وواري خير المرسلين ولم يكن ... سبوقاً له يوماً بقول ولا فعلِ
(6) في (ب): الأخرسين.
(7) في (ب): فضل.
ونافى الحديث عن باهر فضلها ... له علل لم ينل منها لذي النبل
وكنت بسطت القول فيها فخفت أن ... يعاب بجهل أو بمل(1) من المملي
وقد وضعوه في مناقبها لذا ... ومنهم علي بن الحسين أبو الفضل
وفيها رواه الحاكم الحبر(2) قاصداً ... لتفضيلها وهو المحب بلا أزل
وفي ذاك تعظيم البتول وحقها ... وأعظم منها صاحب الطير والسطل
لما حاز مما حصره غير ممكن ... من السبق في كل المناقب للكل
84/ومن نصرة المختار في حومة الوغى ... وتعريضه للقتل عمداً بلا مطل
كيوم فدى المختار كنت له الفدا ... وقد بذل النفس النفيسة للقتل
وما صح فيه من محبة ربه ... له ومنا بها إلى الخصف للنعل
مناقبه كالوبل طيباً وكثرة ... وأين غزير الوبل من بلة الطل
لذا كان ضداً للنفاق وأهله ... ويعسوبنا مثل اليعاسب(3) للنحل
فطالع شوافي الحافلات بفضله ... وقم واحتفل إن كان لا بد من حفل
وأما اعتراض الآل بالصلح فهو من ... دليل خلو القادحين عن العقل
وما فعلوا إلا كفعل أبيهمُ ... لعمرته يوم التنازع في الحل
وذلك في يوم الحديبية الذي ... تواتر حتى لا يفوت ذوي الجهل
فكيف انتقاص الفاطميين بالذي ... تبين أن لا نقص فيه على الرسل
وليس عداة الله في الدين أهله ... فقد أخرج الله ابن نوح عن الأهل
ولا هم بحكم الله أهل لعهده ... لما علم الله الخليل من العدل
وضمنت في الذب البراهين عامداً ... لأكثر من أجر وأبعد من جهل
أنفت من الهجو المجرد إنه ... نهيق الرجال لا يمر ولا يجل
وإن كان أمراً واضحاً ليس محوجاً ... إلى ذكر معلوم من السمع والعقل
فافحش منه الشرك بالله ربنا ... وقد طال فيه خصمة الله والرسل
وما قلت إلا قربة ومحبة ... ووصلاً لمن ارجو جزاه عن الوصل
فهم وكتاب الله في قول أحمد ... لنا ثقلاً خير منج(4) من الثقل
__________
(1) في (ب): بميلٍ
(2) سقط من (أ): الخير.
(3) في (ب): اليعاسيب.
(4) في (ب): منهج.
على المصطفى التسليم ثم عليهم مدى ... الدهر ما اهتز الأراك على الرمل
قلت: وله شيوخ في العلم، أما العربية فصنوه السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم والقاضي العلامة جمال الدين محمد بن حمزة بن مظفر - رحمهما(1) الله تعالى-، وكان المشار إليه في علوم العربية واللغة والتفسير في تلك المدة، وأما علم الأصول، فالقاضي العلامة ملك العلماء وقاموس الحكماء عبد الله بن الحسن بن عطية بن محمد بن المؤيد الدواري، والفقيه العلامة جمال الإسلام والمسلمين علي بن عبد الله بن(2) الخير، وكان المشار إليه والمتصدر للتدريس بـ(صنعاء) (اليمن)، في علمي الأصولين(3)، فإنه قرأ عليه شرح الأصول، وهو معتمد الزيدية في البلاد اليمنية، والخلاصة والغياصة وتذكره الشيخ المتكلم بن مُتوَّية وغيرها في علم اللطيف، والسيد الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم في مختصر المنتهى هكذا أقصر(4) بعض /85/ المؤرخين تلمذته للسيد علي - رحمه الله - على مختصر المنتهى، والذي ذكره السيد الهادي الصغير - رحمه الله - إنه شيخه في علم الأصولين والتفسير، وكذا قال أخاه(5) جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم أستاذة في جميع العلوم، وأن السيد عز الدين لازمه وانتفع به، وهو الأوجه، وقرأ في الفقه بـ(صعدة) على مشائخ منهم: القاضي عبد الله بن الحسن وغيره، ومن شيوخه سيد المحققين العلامة الناصر(6) بن أحمد بن أمير المؤمنين المطهر - عليهم السلام - وأجاز له في سنة ثمانمائة؛ لأن السيد ناصر - قدس الله روحه-، توفي في القعدة سنة اثنتين وثمانمائة، وقد ذكر على وجه التخمين والحساب أن بين موته والإجازة سنتين، وكانت الإجازة في مسجد الأحدم
__________
(1) في (ب): رحمه.
(2) في (ب): ابن أبي الخير.
(3) في (ب): الأصول.
(4) في (ب): قصر.
(5) كذا في الأصل ولعل الصواب أخوه.
(6) جاء في حاشية (ب): وفاة الناصر كانت بحصن كوكبان.. في سنة 844 ونقل إلى (صنعاء) وقبره بها بمسجد القبة، العتيق اليماني.
بـ(صنعاء) (اليمن)، لأن السيد محمد بن إبراهيم أقام به تلك المدة طالباً للعلم إبان حداثته وعنفوان شبابه. ومنهم ابن ظهيرة(1) ونفيس العلوي، وخلق أجازوا له، ومدحه بالشعر الفضلاء من ذلك قول يحيى بن رويك الطويلي الزيدي وهو مقيم بـ(تعز) أرسلها إلى السيد:
أراك تلوم ولا أرعوى ... فخل الهدير وخل الدوي
(2)تملك قلبي حب الحبيب ... وصار على عرشه مستوي
ومنها:(3)
وما زال ينشر في السقام ... غرام عليه فؤادي طوي
وما ضحك البرق إلا بكيت ... بكا ما شفى لي قلب دوي
يلوح فيمطر من أعيني ... دموعاً كوبل السحاب الروي
وأتبعه من حنيني ومن ... زفيري ابن عبد الله يدي(4)
ومنها(5):
وساهرني البرق حتى الصباح ... كما ساهر الخل خل نوي
ويظهر لي كلما شمته ... تضرب من جُنَّ أو من جوي
كأن الذي بي من لوعة ... به فهو يقلق أو يلتوي
تصوب من صوب (صنعاء) لي ... فشب الهوى من فؤادي الهوي
وذكرني من ثوى ثم من ... أناس لهم في فؤادي ثوي(6)
ومنها في المدح:
وناشر سنة(7) خير الأنام ... وقد كان منشورها منطوي
ومحييها وبإحيا ئها ... جلا ذهب المذهب اليحيوي
__________
(1) في (ب): أبو ظهيرة.
(2) في (ب): ومنها.
(3) سقط من (ب): ومنها.
(4) في (ب): لا يوجد هذا البيت.
(5) في (ب): إلى أن قال.
(6) لا يوجد هذا البيت في (ب).
(7) في (ب): سيد.
وهي طويلة غراء، سنذكرها - إن شاء الله تعالى - بفضله وطوله في ترجمة يحيى - رحمه الله تعالى - مولده - رحمه الله - في شهر رجب سنة خمس وسبعين وسبعمائة بهجرة (الظهراوين) من (شظب)، وكانت وفاته في اليوم السابع والعشرين من المحرم(1) سنة أربعين وثمانمائة، وهو العام الذي وقع فيه الطاعون وهلك فيه الناس أجمعون، وفي هذا اليوم الذي مات فيه مات الإمام المنصور بالله رب العالمين علي بن محمد بن علي بن محمد - رحمه الله - انتهى ما أردنا نقله والحمد لله، وقد طالت الترجمة مع تركنا الكثير /81/ مما تتطلع النفوس إليه.
__________
(1) زيادة في (ب): غرة.
محمد بن إبراهيم بن محمد [865- 907 ه ]
السيد العالم بدر الدين، سليل الأكرمين، محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى المفضلي الوزيري - رحمه الله -(1) في تاريخ أهله، إنه أصغر أولاد الصارم سناً، وفيه نباهة كلية، قرأ جميع الكتب المذكورة المعروفة في الفنون، وصنف ودرس، وله شعر جيد، وخط يلحق بحظ جده محمد بن عبد الله، مولده - رحمه الله - في الليلة المسفرة عن يوم الأربعاء الثاني من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثمانمائة، واستشهد - رحمه الله - في يوم الاثنين ثاني شهر القعدة أحد شهور سنة سبع وتسعمائة(2) سنة أصابه المدفع في الدار مما يلي قبة بلال، والمحطة حينئذ على (صنعاء) محطة عامر بن عبد الوهاب، سمعت سيدي يحيى بن عبد الله يقول: كنا مجتمعين نحن والصنو محمد بن إبراهيم في بيتنا بـ(بير شميلة) إذ سمع لغطاً وأصواتاً عالية تشعر أن بين الفريقين حرباً، فأخذ قوسة ونبله، وكان قايساً، خرج إلى نوبة من نوب الدائر واجتمع فيها هو والسيد عبد الله بن محمد بن معتق الحمزي، فلم نلبث أن سمعنا أصواتاً عالية وضجة عظيمة، وظهور استبشار من(3) المحطة، فخرجت مبادراً، وفيّ حينئذ حدة الشباب، فعلمت الخبر وقد منعت الناس المدافع عن الوصول إلى الصنو محمد - رحمه الله - فلم أحفل بها، وتقدمت إلى النوبة فرأيته ميتاً، وإصابته خلف أذنه خواره مواره، فسجيته بثوبي، وحملناه إلى البيت - رحمه الله تعالى - وقبره بمسجد نصير، وكان والده - نفع الله به - قد أضرب عن الشعر، فلما استشهد ولده هذا وفارقه ولده الهادي وأحمد وأولادهما استروح بالشعر إليهم، فمن ذلك ما كتبه إلى ولده أحمد، وضمنه مرثاة سيدي محمد - رحمهم الله جميعاً -(4):
وكفانا المخوف من شر حرب ... لقحت بعد فترة عن جبال
__________
(1) قال السيد الهادي - رحمه الله - في تاريخ أهله إنه.
(2) في (ب): سنة سبعمائة سنة.
(3) في (ب): أهل المحطة.
(4) زيادة في (ب): من أبيات.
لم أكن من حبائها علم اللـ ... ـه بفعل أتيت أم بمقال
قتل ابني بها على غير جرم ... كان منه وقتله كان غالي
(رحم الله أعظماً دفنوها) (1) ... في نصير مقطوعة الأوصال
خلفت ابنة وشيخاً كبيراً ... مفرداً عن بنيه ذا أوجال
قائلاً في صباحه وعشاه ... ووقت الضحى وفي الآصال
ما له ملتجأ(2) سوى الله والصبـ ... ـر وفي الصبر حيلة المحتال
ربما تكره النفوس من الأمـ ... ـرله فرجه كحل العقال
هاكها يا بني من شيخ صدق ... تتلألأ منظومة كاللآلي
لم يسود لها بياض برق ... إنما كان قولها بارتجال
ومما رثاه(3) والده - رحمهما(4) الله - وأراد بصاحبه السيد عبد الله بن محمد بن معتق - رحمه الله -:
ذكرت محمداً وفراق بنت ... له في المهد ما بلغت فطاما
عدت كف المنون على أبيها ... وما بلغت من الأعمار عاما
/87/ بمدفع عامر شلت يداه ... ولا بلغ المراد ولا المراما
أصاب ابني وصاحبه اعتداء ... فذاق ابني وصاحبه الحماما
فتلك الدور بعدهما خلاء ... ومن فيها من الأبنا يتامى
فلو كان الحمام يطيع أمري ... طلبت من الحمام له ذماما
وكان محمداً فينا هلالاً ... فأكسف قبل ما بلغ التماما
دعاه لثالث(5) الحالين داع ... سميع فاستجاب له وقاما
وقال له: هلم إلى سبيل ... ترى المأموم فيها والإماما
سواء فيه محتصر صغير ... وشيخ عمره تسعون(6) عاما
فقل لمن ارتضى حرباً لقوم ... ومن في حربهم حسر اللثاما
وهم قربى(7) النبي بلا امتراء(8) ... وإن هو عن مودتهم تعامى
مخالف أمرهم لله عاص ... ومنكر حبهم يلقى أثاما
وليس بمسلم من قد قلاهم ... وعاداهم وإن صلى وصاما
__________
(1) هذا اقتباس من أبيات السيدة التي قالت: رحم الله أعظماً دفنوها.
(2) في (ب): ملجأ.
(3) زيادة في (ب) به.
(4) في (ب): رحمه
(5) في (ب): الثالث.
(6) في (ب): ستون عاماً.
(7) في (ب): قرنا.
(8) في (ب): بلا مراء.
قلت: ومما كتبه السيد محمد بن إبراهيم بن عبد الله - رحمه الله - إلى السيد الأمير المفضل عبد الله بن أمير المؤمنين المطهر بن محمد بن سليمان، مرثياً لوالدته عقيلة بيت النبوة ذات الحسب الوسيع، والنسب الرفيع، بدرة بنت (أمير المؤمنين المنصور بالله علي بن)(1) أمير المؤمنين الناصر(2) لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله علي بن محمد - عليهم السلام - وكانت من أشرف ذوي الشرف، وأكمل النساء وأجملهن - رحمها الله تعالى -:
دموع في الخدود لها انحدارُ ... وقلب في جوانحه الشرارُ
ووجد ظل منه اللب حقاً ... وجسم لا يقر به قرارُ
وخطب فادح قد راع عقلي ... وغاب لأجله العقل المطارُ
وذلك موت من طابت أصولاً ... وطاب الفرع منها والنجار
أرومتها الخلائف من علي ... ومن آبائها القوم الخيار
إمامُ من إمامٍ من إمامٍ ... خيارٌ لا يقاس به خيارُ
قلت: و(3)قد صرح المحققون أنه إذا اختلف اللفظ بالتعريف والتنكير فليس نائطاً:
دعوا فأجابهم كل البرايا ... وزان الأمر عقد واختيارُ
وطبق عدلهم (يمناً) و(شاماً) ... وطال بهم من الدين المنارُ
وكانوا في بني الزهرا شموساً ... تضيء بها الليالي والنهارُ
لجدهم المفضل كل فضل ... فهم في تاج أسرته النضار
أقاموا المذهب الزيدي حتى ... غدا للدين عز وافتخارُ
وهي /88/ طويلة، فلنقتصر على هذا القدر، وقد رثاها جماعة كولدها المفضل والعلامة أحمد بن أبي القاسم بن النعمان والسيد صلاح بن قاسم الشظبي - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) ما بين القوسين لا يوجد في (ب).
(2) زيادة في (ب): الصغير محمد بن علي بن أمير المؤمنين الناصر.
(3) سقط من (ب).
محمد بن إبراهيم بن يحيى
السيد العلامة محمد بن إبراهيم بن يحيى بن صلاح بن محمد بن أبي الفضائل - رحمه الله تعالى-(1). قال السيد في تاريخهم: الولد النجيب، والسيد الجليل درة الأصداف، شريف الأوصاف، توفي والده وهو طفل صغير، وتوفي(2) في حجر عمه السيد شمس الدين أحمد بن يحيى، وكان اشتغال محمد بتدريس(3) العلوم، ومعرفة المنطوق منها والمفهوم، حتى لاحت عليه أنوار السمات الشريفة، وكملت فيه خصال الرتب المنيفة، من الدين المتين، والحلم الرصين، والأبهة والجلالة، قرأ علوم العربية، فأتقنها على الفقيه عبد الله بن مسعود الحجي، وما زال جاداً في الطلب، حتى اقتطعته المنية دون بلوغ الأرب، فتوفي بالطاعون الواقع في سنة ثلاث وثلاثين - رحمه الله - ونفع به شاباً لم يبلغ الثلاثين، وكان أحسن الناس وجهاً وأجملهم صورة، وله خط حسن، أخذ فيه طريقة السيد محمد بن المرتضى البليغ المشهور، ومحمد بن المرتضى أخذ طريقة السيد محمد بن عبد الله بن الهادي - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) في (ب): أو رُبي.
(3) في (ب): يدرس.
محمد بن إبراهيم بن المفضل [1022- 1085 ه ]
بحر العلم الخافق في الخافقين، وبدره الذي أنار المغارب والمشارق(1) (كالشارقين)(2)، إمام المعقولات والمنقولات، والمبرهن على حدودها وبراهينها والمعقولات، السيد العلامة صدر السادة وبدر القادة: محمد بن إبراهيم بن المفضل بن إبراهيم بن علي بن أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين - سلام الله عليهم-، كان - قدس الله سره - نسيج وحده وفريد وقته، وإنسان زمانه الكامل، والقاضي في العلوم على كل فاضل، والحاكم الذي لبه رزين، والواسطة التي بجواهر العقدين تزين، كان - رحمه الله - ربّاني وقته معمور الباطن والظاهر، مسعوداً في حالاته، ملحوظاً إليه بعين التكريم أينما توجه، مع كمال في سمته وجلالة باهرة، حتى قال بعض الفضلاء: أحسب أنه لو اجتمع الخلق في المحشر وخرج السيد محمد بينهم علم كل أحد أنه عالم، وكان مع تلك الجلال ملاطفاً سهل الأخلاق، غير مترفع ولا ينقص ذلك من مقداره شيئاً، وكانت له فكرة سليمة كما قال شيخه وشيخنا الوجيه عبد الرحمن الحيمي في صفته: إنه مستغرق الفكرة بالله تعالى(3)، وهو مع الناس ظاهراً، هكذا ذكره(4) شيخنا مشافهة أيام قراءته عليه في (الكشاف)، وكانت أحواله أحوال الأمراء، وصيته أعلى من ذلك، لما حواه من هذه الكمالات ولماله من النسب الشريف الذي لا(5) يسامى، وكان في أهل بيته الكرام كالبدر بين النجوم، ولم يزل مواظباً على العلم من صغره إلى كبره، يستفيد منه الطالبون، ويراجعه الفضلاء بالكتب من الآفاق، ويستمطرون ديمة آدابه، ويفجرون معين علمه، فيأتيهم من قبله - رحمه الله - كل عجيب غريب، وقراءته في الفنون جميعها بمدينة (صنعاء) المحروسة من(6) بلده المحروسة /89/ (كوكبان) و(شبام)، ورحل إلى (الطويلة) لسماع شيء من كتب أصول الفقه على السيد
__________
(1) في (ب): المغربين والمشرقين.
(2) سقط من (ب): الشارقين.
(3) سقط من (ب): تعالى.
(4) في (ب): ذكره لي.
(5) سقط من (ب): لا.
(6) في (ب): وبلده..
العلامة عز الدين دريب(1)، وأكثر ما تعلق به في (صنعاء) علم الأدوات والتفسير، وأما الحديث فأكثر قراءته على شيوخ وردوا إليه إلى محله المقدس، فقرأ في(2) كل فن وجوه كتبه، وهيمن على غرائبها، وكان واسع الحفظ، بادرة في ذلك، سيال الذهن، ولا يلقي المسائل إلا على جهة الإجابة، وقد أثبتنا له - رحمه الله - ذكراً في ترجمة صنوه السيد شمس الدين أحمد بن الحسن بن حميد الدين، وذكرنا شيئاً من شعره وكلمات من إنشائه، وما كنت أحسب أنا نكتبه في التاريخ لكثرة رجائنا في الله أن يطيل عمره، ولكنها خيرة الله العليم الحكيم، فلله الحمد على كل حال، واستوطن في آخر أيامه (وادي ظهر) وأنس به الناس هنالك، وازداد الوادي بهجة، وعلق به من لا علاقة له(3)، وكان - رحمه الله - استشارني لمكان المودة في إنزال أهله الوادي(4)، فما رجح لي وظهر له الرجحان فكان الصواب رأيه، وهو الحري بذلك، ومما كتبه إلى صديق أتشوق به إلى هذا السيد السري - رحمه الله - من النوع المسمى عند الأدباء دو بيت:
وادي ظهر أنت وادي صدري ... جادك وكاف غزير القطر
لو كنت تدري كفؤادي يدري ... أي حبيب فيك عظيم القدر
__________
(1) في (ب): بن دريب.
(2) في (ب): من.
(3) في (ب): علاقة له به.
(4) في (ب): إلى الوادي.
وله - قدس الله روحه - أجوبة مسائل، وله نظم الورقات للجويني في غاية الحسن، وكان شيخنا الوجيه يتعجب من حسنه، ويسر الله لي أيام القراءة أشرحها(1) بشرح مفيد، ولكنه لم يظهر وغاب عني بين الكتب بعد مطالبته - رحمه الله - لي بإظهاره وشرحها، رجل من بني النزيلي(2)، وله كرامة عجيبة لم أستثبت إلى الآن في نقلها وتحقيقها، كان مولده - رحمه الله - في سنة اثنتين وعشرين بعد الألف، ووفاته في نهار الاثنين غرة رجب سنة خمس وثمانين وألف بمنزله بـ(شبام)، وكان لموته موقع عظيم عند العلماء وغيرهم، وما أحقه - رحمه الله - بقول الزمخشري في الإمام بن سمعان:
مات الإمام ابن سمعان فلا نظرت ... عين البصير إذا ضننت بأدمعها
وأي حوباء ما صمت ولا عميت ... ولا استفادت بمرآها ومسمعها
أين الذي لو شريناه لما أخذت ... ببعضه هذه الدنيا بأجمعها
أين الذي الفقه والآداب إن ذكرت ... فهو ابن إدريسها وهو ابن أصمعها
من للإمامة ضاعت عند قيمها(3) ... من(4) للبلاغة عيب عند مصقعها
(5)سرد الأسانيد كانت قيد لهجته ... ككف داود في تسريد أدرعها
خلي الأئمة خيراً عند(6) أعلمها ... على اتفاق وأزكاها وأورعها
__________
(1) في (ب): شرحها.
(2) في (ب): نزيل.
(3) في (ب): قيمتها.
(4) في (ب): من البلاغة.
(5) في (ب): بيت زائد قبل هذا البيت:
من للأحاديث يمليها ويسمعها
بعد ابن سمعان ممليها ومسمعها
(6) في (ب): فقد.
قلت: وقد صار عند التاريخ يعمر عليه تربة، ورثاه من يعرفه ومن لا يعرفه و(1) من /90/ جملة من رثاه: القاضي العلامة بدر الدين محمد بن الحسن الحيمي، وجماعة من بلاد (كوكبان)، أجادوا، والشيخ البليغ إبراهيم الهندي، والصنو القاضي جمال الدين علي بن صالح بن أبي الرجال، ولم يحضرني من هذه المراثي غير ما يسره الله لي، ولست بكامل الصنعة في الشعر، وقد كتبت ذلك وبعض قصيدة الصنو علي - حماه الله-، وكان إنشائي لهذه المرثية عقيب سماع الخبر الرائع، قرأت الكتاب من ولده أحمد، وكتبت هذه الحقيرة والله يعيد من بركاته:
الله أكبر فلك الصالحات رسا ... الله أكبر زاد الأفق عاد مسا
والمجد هدت على رغم قواعده ... كم معلم بعد عز الملة اندرسا
ومسمع المجد والعليا به صمم ... ونطقه عن فصيحات اللغا خرسا
هي المصيبة عمت كل ناحية ... يا أيها الناس هذا البدر قد طمسا
فابكوا جميعاً فهذا الهول عمكمُ ... هد القوى من رجالٍ منكمُ ونسا
من ذا لعلم رسول الله ينشره ... يحييه يمليه يبدي منه ما التبسا
من للأصول ومن ذا للفروع ومن ... بالمنطق الفصل يمليها لمن درسا
لهفي عليه وما لهفي شفا كمد ... شوى فؤادي وأورى في الحشا قبسا
آه وما هي في خطبي بنافعة ... وإن رثى لي منه(2) الضد والجلسا
مصيبة قد دهت من قد قصا ودنا ... وأعظم الناس خطباً معشر الرؤسا
قد كان فينا كشمس الدّار مشرقة ... ما إن نخاف ظلاماً أو نرى غلسا
وكان فينا كثهلان نلوذ به ... إذ الزمان علينا بالخطوب أسا
وكان فينا فراتاً مروياً فإذا ... يدنس الدين أمرٌ طهر(3) الدنسا
ماذا أقول وقولي فيه ذو(4) قصر ... ومنطقي بعد إفصاحي قد انحبسا
بلى ألوذ بصبر فاز لائذه ... كم لان بالصبر ما بالنار لان قسا
مالي سوى الصبر في خطبي ألوذ به ... عسى يخفف من قلبي الهموم عسى
__________
(1) سقط من (ب): الواو.
(2) في (ب): منها.
(3) في (أ): أطهر.
(4) في (أ): ذا.
يا من نأى عن فؤادي وهو موطنه ... وفي سويداه حب منه قد غرسا
نأيت عنا إلى الجنات منتعماً ... مع الأحبة من آل(1) وأهل كسا
ونحن نبكي كما تبكي مولعة ... بنجلها إذ رأته صار مفترسا
لكننا قد رضينا حكم خالقنا ... وإن تجرع كل من نواك حسا
وسوف نفزع في ذا الخطب نحو أسا ... كم بردت من حرارات القلوب أسا
مات النبي وأهل الفضل قد عبروا ... انظر هل الموت حاشا سيداً ندسا
أين الملوك الأولى حاطوا البلاد معاً ... وأكثروا الجند والاتباع والحرسا
ما دافعت عنهم الأبراج موتهم ... ولا رأوا معقلاً يجدي ولا فرسا فرسا/91
وأين أهل الثرا والمال كم بخلت ... نفوسهم ثم لم يغنوا بما نفسا
وأين قوم لعز الله قد خضعوا ... وذللوا أنفساً كانت لهم شمسا
وحقروا الدار والدينار ما ذكروا ... لغير ما حاجة عشراً ولا خمسا
أهل المحاريب خير الناس قد جعلوا الـ ... ـذكر المنير لهم في ليلهم أنسا
راضون(2) عن ربهم في كل أمرهم ... فيما يدبر فيما(3) سر فيه وسا
هم الملوك وإن ذلوا لخالقهم ... ألفيتهم حين يبدو مرة(4) حمسا
لا يرهبون بني الدنيا وإن كثروا ... طوبى لمن بينهم والله قد جلسا
جليسهم ليس يشقى طاب ذكرهمُ ... ما زال ذكرهم كالشمس ما انطمسا
صلى عليهم إلهي كل آونة ... ما استنشقت أنف نجدي به نفسا
وإن عز الهدى هذا رئيسهمُ ... وفخرهم إن ذكرنا فيهم الرؤسا
صلى عليه إلهي بعد معشره ... من مجدهم فوق هامات النجوم رسا
وقال للصنو(5) جمال الدين(6) علي بن صالح(7) - حماه الله - مرثياً للسيد - قدس الله سره -:
ما زالت الأيام من قبل سام ... تسقى الكرام الغر كأس الحمام
وتزعج المرء(8) لترحاله ... فلا يرى للناس فيها مقام
كم من كريم قد مضى عاجلاً ... والله ما الدنيا محل الكرام
__________
(1) في (أ): مال.
(2) في (ب): رضوان.
(3) في (ب): مما.
(4) في (ب): أمره.
(5) في (ب): الصنو.
(6) سقط من (ب): جمال الدين.
(7) في (ب): صلاح.
(8) في (أ): المراء.
لو أن للموت دواء بها ... لمل جالينوس طول الحمام
واحربا من حكمه إنني ... أراه ماض في جميع الأنام
لا يرهب الضرغام فيها ولا ... يرثي لضعف الطفل عند الفطام
ولا يرى حقاً لذي شيبة ... أو ذي شطاط مثل غصن البشام
ولا مليك لاح في دسته ... قد غصّ ناديه بكثر الزحام
وافى سليمان على ملكه ... فعذب الجن بطول المقام(1)
ويوسف وافاه في مصره ... وهو كبدر التم عند التمام
فما ثناه الحسن عن قصده ... بل أنفذ الأمر وأمضى الكلام
وكان إدريس له صاحباً ... فما رعى للشيخ حق الذمام
واختار للمختار أن يرتقي ... من هذه الدار لدار السلام
ولاقت الزهراء من بعده ... ما يمنع الناظر طيب المنام
(مصائب صبت عليها فلو ... صبت على الأيام عادة ظلام) (2)
وها هو الآن تخطَّى إلى ... أعلى محل نيله لا يرام
/92/ سما لبدر المجد في أفقه ... حتى ثوى يا قوم بين الرغام
لهفي لبحر غاص في غرفة ... من غرف الجنة بعد الحمام
بحر يفيد الناس من علمه ... درًّا فريداً عند رجع الكلام
مهذب الأخلاق آدابه ... تفضح زهر الروض بين(3) الكمام
كم عقدة قد حل إشكالها ... لولاه أضحى حلها لا يرام
وليس للحق بساحاته ... إذا التقى الخصمان من إنكتام
لهفي عليه إنه ماجد ... ما جدّ إلا في طريق الكرام
مفضل تنبيك عن فضله ... جوانب المحراب حتى(4) الظلام
مصيبة جلاء قد أورثت ... في كل قلب من لظاها ضرام
مصيبة عمت جميع الورى ... ينهد منها زمزم والمقام
من أجلها يا صاح قد أصبحت ... تنوح في الأغصان ورق الحمام
والشامخات الشم قد زلزلت ... وكاد أن ينهد منها (شبام)(5)
حتى خشينا أن يوارى لها ... معقله الفرد نواحي (شبام)
لا برحت تبكي على قبره ... في كل يوم(6) هاطلات الغمام
__________
(1) في (ب): القيام.
(2) في هذا البيت اقتباس من بيت الزهراء سلام الله عليها:
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا
(3) في (ب): وسط.
(4) في (ب): جنح الظلام.
(5) في (ب): شمام.
(6) في (ب): حين.
وزارت الرحمة من ربه ... في كل يوم روحه والعظام
وليهنه الفوز بما نال من(1) ... جنات عدن عند خير الأنام
وعظم الله لمن بعده ... فيه جزيل الأجر بعد السلام
محمد بن إبراهيم
الفقيه الفاضل العلامة محمد بن إبراهيم صاحب عرثومان علامة كبير، مقدم خطير، ترجم له سيدنا شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري - رحمه الله - وغيره، ووصفوه بالعلم الواسع، وأجازله الإمام عز الدين - عليه السلام - إجازة عظيمة. وقال الفقيه العلامة أحمد بن مطير الشافعي: إنه انتقل من (الحيمة)(2) إلى (عرثومان)، وليس من الغر، وكان متولياً لأمور كثيرة من مصالح الإسلام، وتتلمذ له أجلاء فضلاء، منهم علي ومحمد ابنا داود بن حاتم، ومحمد بن سليمان بن سياس(3) عالم كبير، تولى القضاء للإمام شرف الدين - عليه السلام - ومن عجيب ما روي عن محمد بن إبراهيم، أنه كان له ثلاث بنات، وكان صاحب ثروة ومقام عظيم، ففعل طعاماً واسعاً وجمع الناس، ولم يعرف الناس(4) الوجبة، فلما تم الطعام وانقضى قال للناس: أريد أن الفقهاء الثلاثة علي ومحمد أبناء داود ومحمد بن سليمان يتزوجون بناتي، ففعلوا بعد أن اعتذروا لعلو مقامه، وراموا ان يقبض منهم أموالاً، فمنع - جزاه الله خيراً -، وقبر محمد بن إبراهيم في رأس الطود من (عرثومان).
__________
(1) في (ب): في.
(2) في (أ): المحيمة.
(3) في (ب): ساس.
(4) سقط من (ب): الناس.
محمد بن إبراهيم الظفاري
الفقيه الفاضل /93/ بدر الدين محمد بن إبراهيم الظفاري - رحمه الله - من وجوه العلماء أيام السيد الإمام العالم إبراهيم بن محمد صاحب الفصول، ذكره(1) بعض المؤرخين، ولم أطلع من فضائله على تحقيق، ولا أدري هو المشهور بعلم القراءة أو غيره، وصاحب علم القراءة هذا علامة محقق ، له كتاب لا يوجد في علم القراءة، أجمع منه، وسكن (حدة) أعني صاحب هذه الترجمة و(صنعاء)، ومؤلف الكتاب المذكور، سكن (حدة) المحروسة، وله(2) بها عقب.
محمد بن إبراهيم بن يحيى المتميز
الفقيه بدر الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى (النمير)(3) المتميز الصعدي - رحمه الله - كان فقيهاً فاضلاً، درس في الفروع على شيخه العلامة علي القصار وغيره، وكان سهل الأخلاق كثير الخشوع.
__________
(1) في (ب): أعذروا.
(2) في (أ): ولد.
(3) سقط من (ب): النمير.
محمد بن أحمد بن الناصر
السيد الإمام العلامة مفخر الزيدية، ونور هالة العصابة الأحمدية: أبو القاسم محمد المسمى بالباني بن أحمد بن الناصر بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام - ذكره القاضي أبو علي التنوخي في كتاب نشوات المحاضرة، فقال: ورد (اليمن)(1) وأقام بـ(البصرة) سنتين، وما رأيت بعد أبي عبد الله بن الداعي أفضل في العلم، والدعاء إلى الله - عز وجل - من أبي القاسم هذا، وكانت فيه فصاحة وتوئده، وكيس تام(2)، وكان كثير المواعظ، يخلط بها كلامه بذكر الله تعالى بأحسن عبارة في مجالس الأمراء والوزراء وغيرهم، ومجالسه في بيته، ولا يخلى(3) له مجلس من وعظ وذكر الله تعالى ودعاء إليه، وحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطاعة أولي الأمر وجهاد من ليس بأهل، والأكثر في كلامه المواعظ والتخويف من الله تعالى، وذكر الآخرة، وكان مستقيم الطريقة، نظيف الباطن والظاهر(4) والمكسب، حسن الهدى، يلبس الطيلسان، قد درس الكلام على أبي إسحاق بن عباس التستري غلام أبي على بن خلاد العسكري، غلام أبي هاشم الجبائي، تعلم منه قطعة حسنة، وعرف من الفقيه(5) صدراً صالحاً، يخلط بهما كلامه ليبين عن محله فيهما، قال: وشاهدته يوماً بـ(الأهواز) وقد دخلها منصرفاً من حضرة الأمير عضد الدولة في مجلس كان أبو القاسم - علي بن الحسين بن إبراهيم الكاتب الشيرازي بن بنت أبي الفضل العباسي بن قبا - حسير عقده لنفسه في داره للجدل، وهو إذ ذاك(6) يتقلد الأشراف والاستنفاء على عمال(7) (كور الأهواز) لمعز الدولة، وقد سئل أبو القاسم عن رؤية العباد لله تعالى في القيامة، فقال: لا يرى الله عز وجل بالأبصار في الدنيا ولا في الآخرة، ثم قص مذاهب المعتزلة في الأصول كلها أحسن قصص وأبلغ كلام(8)
__________
(1) في (ب): ورد من (اليمن).
(2) في (ب): تامة.
(3) في (ب): ولا يخلى مجلساً له من وعظ.
(4) في (ب): نظيف الظاهر والباطن.
(5) في (ب): من الفقه.
(6) في (ب): إذ أدراك.
(7) في (ب): عمار.
(8) في (ب): كلامه.
، وأشد استيفاء للحجج، ثم قال: هذا مذهبي ومذهب آبائي وأجدادي، يروونه خلفاً عن سلف، وثان عن أول(1)، إلى أمير المؤمنين(2) - رضي الله عنه - ومن ادعى خلاف هذا فقد كذب، ثم بدأ يستدل على نفي الرؤية بأحسن دليل مما قد ذكره المتكلمين واستولى على المجلس، ونص المسألة إلى آخرها حتى انقطع السائل، فرأيت أبا القاسم علي بن الحسين وقد /94/ بكى استحساناً لما أورده، ثم قال: الحمد لله الذي أحياني حتى أراني في موالي(3) أهل البيت مثلك، قال القاضي علي(4): ورأيت بـ(بغداد) يوماً أبا القاسم بن الناصر هذا في مجلس أبي عبد الله بن الداعي، وقد جاء رجل بفتوى فطرحها إلى أبي عبد الله، فقرأها فإذا هي في رجل طلق امرأته ثلاثاً في لفظ واحد، فقال له: تريد أن أفتيك بما عندي وعند أهل البيت وما يحكيه غيرنا عن(5) أهل البيت؟ فقال: أريد الجميع. فقال: أما عندي وعندهم فقد(6) طلقت ولا تحل لك حتَّى تنكح زوجاً غيرك، وأما من روى غير هذا فهذا وأومأ إلى أبي القاسم إن شئت أن يفتيك به أو يرويه لك فعل، فقال(7): إن رأى الشريف أن يفتيني، فقال له أبو القاسم(8) بن إبراهيم وأهل البيت - رضي الله عنهم - فأفتيك به أنها قد طلقت منك واحدة، فإن شئت كانت على طلقتين وإن شئت راجعتها، فانصرف الرجل واستعظمت أن هذا التأكيد من أبي القاسم في الطلاق، فاستثبته فيه وأخذت أناظره عليه فأورد ما يورده أهل هذه المقالة مستوفى، ثم جنح إلى أنه يرويها عن أهل (اليمن) عن أهل البيت نقلاً وعملاً، وأن هذا أيضاً مذهب الناصر الطبرستاني، وأنه(9)
__________
(1) في (أ): عن وأول.
(2) في (ب): علي رضي الله عنه.
(3) في (أ): في حوالي.
(4) في (ب): أبو علي.
(5) في (ب): أو ما يحكيه غيرنا من أهل البيت.
(6) في (أ): فقط.
(7) في (ب): فقال الرجل لأبي القاسم.
(8) في (ب): فقال له أبو القاسم: الذي عندي وأرويه لك عن الهادي الناطق بحجة الحق وعن أبي القاسم بن إبراهيم.
(9) في (ب): وأنه يروي أنه أيضاً عن أهل البيت - رضي الله عنهم -.
يرويه أيضاً عن أهل البيت - عليهم السلام -(1).
محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى
الأمير الخطير الحجة، شيخ العترة، شيبة الحمد، بقية(2) بني الزهراء وسيدهم في عصره بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن الأمير العالم المعتضد بالله عبد الله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم - عليهم السلام - هذا الأمير الذي خضعت له العلوم، ونشر على رأسه ألوية المظنون منها(3) والمعلوم، وعكفت العلماء من الثقلين على بابه، وتشرفت بلثم أعتابه، ومضت به كلمة الشريعة في البلاد، وانخرطت الأمة فيما يقول سلسة القياد رجع الناس إليه مزاراً(4) للإمامة العظمى، فما طاوع لشيء من ذلك مع أهليته وكماله وقبول كلمته ونفوذها، ووجه(5) العذر هو وأخوه الأمير شمس الدين - رحمهما الله - بوجود الإمام المنصور بالله، واستمرت الشريعة بالجميع واستقامت القناة أحسن استقامة، وشهر سيفهما الأميران وأنفذا الكلمة على كل قاص ودان، ولهما عجائب وغرائب، وفيهما(6) ممادح غراء للعلماء والأئمة، وبالجملة فنظير الأميرين قليل، ولو أسعد الزمان لكانت هذه الترجمة بسيطة حافلة بفرائد، ودرر فقد كنت اطلعت على هذا، ولكنه تراخى الزمان عن الكتاب(7)، فذهب عن الذهن شيء، فالله المستعان.
__________
(1) في (ب): - رضي الله عنهم -.
(2) في (ب): بقية.
(3) في (ب): فيها.
(4) في (ب): مراراً.
(5) في (ب): ووجد.
(6) في (أ): وفيها.
(7) في (ب): الكتابة.
قال الأمير صلاح بن الجلال: كان الأمير داعياً للمنصور بالله - عليه السلام - وعمر خمساً وثمانين سنة /95/ إلا شهراً، وفي بعض نسخ(1) المشجر: إلا أشهراً بالجمع، وفي(2) غير المشجر بالإفراد، وتوفي في منتصف شهر رجب وهو يوم الخميس سنة أربع وعشرين وستمائة، وكانت وفاته ودفنه بهجرة (قطابر)، وقبره بها مشهور مزور بالقرب من باب المسجد الأعلى منها - رحمه الله -(3).
محمد بن أحمد بن يحيى
الأمير المقدام الرئيس العلامة بدر الدين محمد بن أحمد بن السادة الكرام(4) يحيى بن يحيى، هو من أجلاء الكبراء العلماء عضد الداعي إلى الله يحيى بن المحسن، ذكره السيد في (الكاشفة)، وذكر أن الرسالة التي فيها البسط من الداعي إلى الشيعة هي من صيغة هذا الأمير - قدس الله سره -، وأظنه محمد بن أحمد بن مجد الدين يحيى بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى - رحمهم الله - ومحمد بن أحمد بن مجد الدين هذا له قصيدة غراء في القاضي العلامة يحيى بن عبد الله بن أبي النجم طالعها:
لورد خدود أولدر لثاة ... حنينك أم للضال والثلات(5)
__________
(1) في (ب): النسخ.
(2) في (ب): وهو في غير المشجر.
(3) في (ب): تعالى.
(4) في (ب): آل يحيى بن يحيى.
(5) في (ب): الأثلات.
محمد بن أحمد بن المفضل
السيد الأديب العارف محمد بن أحمد بن المفضل - رحمه الله - قال السيد جمال الدين - رحمه الله -(1) في تاريخ أهله: كان سيداً فاضلاً، عالماً عاملاً، أديباً أريباً لوذعياً مطلعاً على المحاسن والغرائب، حسن المحاضرة، سلس الأخلاق عذب الشمائل، كثير المحاسن جم البوادر(2)، له في العلم وطأة حسنة، وفي السير على أنواعها، وكان عابداً زاهداً، نشأ على محبة العلم وطلبه، وحج إلى بيت الله الحرام، وكان فصيحاً شاعراً مجيداً، ومن شعره، وكانت عرضت بينه وبين شريف من بني معتق خصومة في حضرته المعروفة ببلاد (سنحان)، فسار إلى (ذمار) وطلب الدخول على الإمام الناصر - عليه السلام - فتعذر عليه في الوقت الذي أراد(3)، فكتب إليه هذه الأبيات:
أصبحت كالشمس لا تخفى على أحد ... لكنها وقعت في سرة الفلك
فليت ريح سليمان مسخرة ... إليك تبلغني(4) أو منكبي ملك
أوليت أني كقوم كان حظهم ... سهم النجيع فنالوا أرفع الدرك
فإن ظلمت فأهل الفضل قد ظلموا ... بنت(5) الرسول كما قد صح في فدك
محمد بن أحمد
الأمير العلامة بدر الدين محمد بن الأمير أحمد - رحمه الله -. قال السيد أحمد بن عبد الله في هامش كتابه(6) (المقاصد الحسنة) إن له تفسيراً لكتاب الله، وأنه الأمير محمد بن الأمير العلامة البليغ أحمد بن علي اليحيوي(7)، قال: وذكر في تفسيره عن الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية أنه قال آخر ربوع لا يدور ثقيل علينا أهل البيت. قال السيد شمس الدين: نقل(8) هذا من خط سيدي صارم الدين - رضوان الله عليه -، يعني صاحب (الفصول).
__________
(1) سقط من (ب): - رحمه الله -.
(2) في (ب): النوادر.
(3) في (ب): أراده.
(4) في (ب): يبلغني.
(5) في (ب): بيت.
(6) في (ب): كتاب.
(7) في (أ): التحتومي.
(8) في (ب): نقلت.
محمد بن أحمد بن المهدي
الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن المهدي بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - قال الأمير ابن الجلال - رحمه الله - /96/ كان فقيهاً صالحاً ذا بصيرة، وولده الحسن من الأخيار - رحمهم الله تعالى -.
محمد بن أحمد بن علي بن أبي الفتح
السيد الكبير، العلامة الخطير، محمد بن الداعي أحمد بن علي بن أبي الفتح - رحمه الله - هو من كبار العلماء، ووالده الإمام أحمد الديلمي الفتحي، حضر هذا السيد الجليل دعوة الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد بن جبريل، وكان عيناً من العيون الحاضرين، أعاد الله من بركته، قال في (اللآلي): كان محمد بن الداعي أحمد بن علي بن أبي الفتح آية في زمانه بلغ أنه كان يحيي الليل كله في ركعتين يتلو فيهما(1) القرآن كله، انتهى.
__________
(1) في (أ): فيها.
محمد بن أحمد بن الحسن
السيد السامي قدراً الطالع في سماء المجد بدراً بدرالدين محمد بن أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد - سلام الله عليهم -، ذكره الإمام عز الدين(1) - عليه السلام - وقال هو أكبر أولاد أبيه وأنبلهم، له معرفة ونباهة وألمعيّة وفصاحة في الخطاب والكتاب، ولد في سنة خمسين وثمانمائة، وانتقل من الموطن(2) - وكان المنشئ(3) بعد أن تزوج وأولد - إلى (الغيضة) من بلاد(4) (بني سويد)، وأقام بها مدة ثم عاد إلى وطنه ومسقط رأسه، فأقام بين أولاده - رحمه الله تعالى - الأمير بن الأمير بدر الدين محمد بن المتوكل على الله(5) أحمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله عبد الله بن حمزة بن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان من(6) نجب الأشراف ونجب الأيام سيداً سرياً مقداماً عارفاً، ترجم(7) له محمد بن السلطان حاتم، وذكر(8) أحواله مفرقه وموافقه، وذكر أنه ولي أقاليم وحصوناً، وكان مرجوعاً إليه، وقد كان أيام الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسين أحد الأعيان المشار إليهم، وله قصائد غر، ومن جملة شعره ما وجهه إلى الإمام المهدي - عليه السلام - أيام المحطة بـ(خدار(9))، وهي:
حي الطلول ومن بها من حاضر ... إن السلام أقل فرض الزائر
درست وغيرها الزمان فأصبحت ... كالرق أو كحلال جفن داثر
ما بين (بلسن) و(الزرود) معاهد ... يغنيك عن ذكر العقيق وحاجر
__________
(1) في (ب): عز الدين بن الحسن (ع).
(2) في (ب): الوطن.
(3) في (ب): المشي.
(4) في (ب): ببلاد.
(5) في (ب): المتوكل علي أحمد.
(6) في (ب): كان يحب الأشراف ويحب الأنام…
(7) في (ب): وترجم له محمد بن السلطان حاتم أحواله.
(8) سقط من (ب): وذكر.
(9) خِدَار: قرية جنوب مدينة صنعاء بمسافة 30كم، تقع على خط الطريق إلى (معبر) و(ذمار)، وهي من مديرية (بلاد الروس) شرق وادي الجار. معجم المقحفي (561).
قلت: (بلسن) بليدة في (سواد بني جبر(1)) و(الزرود) بـ(وادي هران).
ومن بهن جررت أذيال الهوى ... مرحاً وريعان الشباب الناضر
فسقى ثراها غير مفسد أرضها ... صوب الربيع وكل دجن ماطر
من كل داني(2) المزن هطال الحيا ... زجل الرواعد رائح أو باكر
مستخيفر لحب كان رسالة(3) ... كوم الهجان صغت لهدر الهادر
فلقد أراها والجديد إلى بلا ... لهو الحديث بها و(آنس) السامر
في حيف(4) لا يرميك مقلة أحور ... إلا إذا سفعت بطعنة ثائر(5)
كم قد عهدت بهن من خرعوبة(6) ... بيضاء كالقمر المنير الباهر
من كل فاترة اللحاظ كأنها ... ريم أحسّت نبأةً من زاجر
97/ ريا الروادف لين أعطافها ... تضني الحليم بسحر طرف فاتر
يا أيها المتحملون تحملوا ... منا السلام لمنجد من عائر(7)
يشفي الغليل وإن تقادم عهدكم ... زور الخيال لنا وذكر الذاكر
مالي أقيم على التهاون مغضباً ... مستنقصاً قدري بحظ قاصر
والأرض ذات الطول لي مستوطن ... والناس في كل البلاد معاشري
وإذا سددت ففوق كل مطيهم ... وإذا رحلت(8) ففوق كل عذافر
يحتال في سل(9) الوجيه ولاحق ... ويحب(10) في نسل الحدسل(11) وداعر
وإلى الإمام ابن الحسين بعثتها ... مثل الجنان لسامع ولآثر
__________
(1) هم الفرع الثالث من قبيلة خارف إحدى أقسام قبيلة حَاشِد، ومن أهم ديارهم: مدينة ذِيْبِين، دَرْب هَرّان، بيت الغِزَّي، مَجْزَر، الغُوْلة، بِلْسن، سُوْدَان، وَدْيَد، يَنْوَر، بيت شَلْوان، بيت النُفَيْش، الْمَليل، الحيط، بيت الغَرْنط، مَارِش، الرَّوْنَة.
وهي مناطق غنية بالآثار القديمة، ومنتوجاتها العنب الجُبَري... معجم المقحفي (282).
(2) في (ب): دان.
(3) في (ب): ريانه.
(4) في (ب): حيث لا ترميك.
(5) في (ب): ناثري.
(6) الخرعوبة: الشابة الحسنة الخلق.. القاموس المحيط (79).
(7) في (ب): عابر.
(8) في (ب): ارتجلت.
(9) في (ب): نسل.
(10) في (ب): وتحث.
(11) في (ب): نسل.
وهاب كل طمرة ملبوبة ... قماع صولة كل خب فاجر
الطيب بن الطيبين أرومه ... ومشيد(1) حرب الطيبين الآمر
ملك إذا ذكر الملوك فعنده ... غوث اللهيف وذلة المتصاغر
يغشى الأمور إذا تعاظم(2) خطبها ... روادي حبك وعيثم مخاطر
يجلى لغرته العمى(3) ويستقي ... ماء الغمام بجوده المتكاثر(4)
محمد بن أحمد بن محمد
السيد العلامة الفاضل العابد الوحيد محمد بن أحمد بن محمد بن المطهر الزيدي نسباً ومذهباً، كان مشتغلاً بالخيرات مبرزاً في العلم(5) إلى الغاية القصوى، سكن بباع المغرب مهاجراً، وبه توفي - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): ومشد.
(2) في (ب): تعظم.
(3) في (ب): بغرته الغمام.
(4) في (ب): المتواتر.
(5) في (ب): العلوم.
محمد بن أحمد بن عز الدين [1000هـ - 1053 ه ]
السيد العلامة إمام العباد، وسيد الزهاد، بدر الدين محمد بن أحمد بن عز الدين بن الحسين(1) بن عز الدين بن الإمام الحسن بن الإمام عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - المعروف في ألسن(2) العامة بابن المعنز؛ لأن أمه - رحمها الله - ماتت وهو يرضع، فعطف الله عليه عنزاً كانت عند حاجته تنفرد من الغنم من المرعى وتجري حتى تدخل إليه ثم تنفحج(3) له حتى يمكنه(4) الارتضاع. كان من عباد الله الصالحين وأهل التقوى والعفة على طريقة أهل الطريقة، كثير الصمت قليل الضحك، لم يسمع له قهقهة، وكان في أيام شبيبته يعتزل(5) الناس، ويمضي في الجبال والشعاب متخلياً متعبداً، ثم يعود إلى مسكنه برقع(6) ونحوه، وكان له أصحاب صالحون يتبركون بخدمته ولقائه ويصفون عنه تمكناً في علم الأسماء، وأنه كان يأتي من المسجد فيغلق مكانه على صفة الممازحة سويعة لم يفتح وهو متبسم ولا يعرف الفاتح ولا المغلق ولا يرى، وروي عنه أنه تمكن من الصنعة، وأنه استأجر حاجاً لأبيه وأعطاه أجرة من الفضة الخالصة المعدنية، وكانت له فكرة عجيبة في كل شيء، وعمل ناظوراً يدرك به البعيد، فأبصر به الناظرون من (صعدة) إلى (ربيع) أو من (ربيع) إلى (صعدة)، والحكم واحد، وشرح قصيدة الإمام الهادي عز الدين(7) /98/ - عليه السلام - الرائية التي طالعها:
اسمع هديت مقالة منظومة ... فبها فوائد في الحساب غزار(8)
__________
(1) في (أ): الحسنين.
(2) في (ب) بألسن.
(3) في (ب): تنفحيح.
(4) في (أ): مكنه.
(5) في (ب): ويعتزل.
(6) في (ب): برمع.
(7) في (ب): بن الحسن.
(8) لا يوجد هذا البيت في (ب).
وفيها معرفة المواقيت، فشرحها السيد، وتكلم على مواد نافعة من علم(1) الفلك الإسلامي، وما يحققونه في الكسوف غير متعرض للأحكام - صانه الله عنها -، وأعمال الربع المجنب، وحكى بعض الناس أنه صنف كتاباً في الفرائض، وأنا أحسبه(2) يريد هذا الكتاب؛ لأنا مع خلطة السادة لم نعثر على شيء، وأنه - رحمه الله - صنع البياض بصنعه من نفسه والمداد بصنعة مبتكرة، والتأليف من عنده، وأخرجه بعد إكمال أجزائه من صنعته - رحمه الله - مولده ببيت الوادي (ربيع) من أعمال (صعدة) في ثاني ذي القعدة سنة ألف من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ووفاته قدس الله سره(3) (بهجرة فللة)(4) مستقر سلفه الكرام في رابع وعشرين من ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وخمسين وألف، وقبر في قبة جده العابد العالم جمال الدين عز الدين بن الإمام الحسن إلى جنب السيد الكريم الحسن بن يحيى بن الإمام الحسن إلى جهة (اليمن).
وله أخ نشأ على الأدب والبلاغة، وكان صدراً في مجالس الكبراء مقدماً، حسن التعبير، وهو صلاح بن أحمد، مولده في اليوم الخامس عشر من شهر ربيع الأول(5) من عام خمسة عشر بعد الألف بدار الإمام شرف الدين - عليه السلام - بـ(صنعاء) المسمى بدار العلف، عند مسجد محمود؛ لأنه كان قد ملكه السادة الكبراء من أخواله(6) الأمراء آل المؤيد، وله أشعار في كل معنى، ولعلي قد ذكرت له ترجمة، إما مفردة أو بالتبع لغيره؛ لأن الله أمتع به إلى أواخر عشر السبعين بعد الألف ونتبرك بشيء من شعره، وذلك ما وجهه إلى السيد المليك الغطارف محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد(7) - رحمه الله - نقلها من خطه:
بنفسي ومالي خير ملك من الورى ... وأقومهم بالحق في كل موقف
__________
(1) في (ب): في علم.
(2) في (ب): أحسنه.
(3) في (ب): قدس الله روحه.
(4) في (ب): فللة.
(5) في (ب): الأولى.
(6) في (أ): أحاله الأمر.
(7) في (ب): أمير المؤمنين القاسم بن محمد.
رأى حزن يعقوب يساور مهجتي ... فأعطى لها من فضله حسن يوسف
فإن منحته شكر داود همتي ... فما منحت من واجب فعل منصف
فمن حلم إبراهيم حلم محمد ... ومن طبع إسماعيل علم أن يفي
صبور كأيوب خطيب كأنه ... شعيب أخو القول البهي المفوّف(1)
كريم كيحيى لم يهم(2) بريبة ... طبيب كعيسى كم به مدنف شفي
كإدريس صديق عزيز كصالح ... برهط كرام دافع كل مسرف
فيا رب ذي الخلق العظيم(3) محمد ... به وبهم نج المليك وشرف
وزد في بقاه عمر نوح وأوله(4) ... كملك سليمان لجان ومعيفي(5)
وصل على من قد ذكرناه أنهم ... هم خير هاد في البرايا ومقتفي
__________
(1) في (ب): المتوف.
(2) في (ب): مريبة.
(3) في (ب): الكريم.
(4) في (ب): وأوله.
(5) في (ب): ومعتفي.
محمد بن أحمد بن الحسن [1009- 1062 ه ]
/99/ السيد الباسل الشجاع الحليم عز الإسلام محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن أمير المؤمنين(1) الناصر بن أمير المؤمنين عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - هو السيد الفاضل عين الزمان وفخره، بهجة المحافل صاحب الآراء الثاقبة والمحامد الداثرة الواسعة، نشأ على الصلاح والعلم بعد موت أبيه الرئيس أحمد بن الحسن، وصبر على مشاق الوقت، وقاسى في عنفوان شبابه أموراً صبر لها حتى أفضت به إلى محل من الخير ما يدرك. قرأ بـ(صعدة) و(صنعاء)، وكان كثير المذاكرة، وحضرته معمورة بالفضلاء ومع ذلك يقود(2) المقانب ويشارك في المهمات كأحد أولاد المنصور بالله القاسم بن محمد، وكان لا يعد(3) نفسه إلا منهم ولا يعدونه هم إلا من أجلائهم، وتولى في حصار (صنعاء) حصرها من (الروضة)، وحمد أثره ولم يزل مع السيد سيف الإسلام الحسن بن أمير المؤمنين في جميع المشاهد، ثم ولاه (العدين)، وهو إقليم متسع، فحسنت حالته، واستقامت حال خلائق معه، وعلا صيته بالعلم والجاه والرئاسة، ثم كان أحد أعيان دولة أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن أمير المؤمنين المنصور بالله، وكان بينه وبين الإمام ود أكيد، وتولى في أيامه مع (العدين) جهة (حبس) من تهامة، و(بندر المخا)، وألقت إليه الدنيا أفلاذ كبدها، وعاش حميداً ولم يشتغل بتكليفه، وشرح كافية ابن الحاجب بشرح سماه (تحفة الطالب وزلفة الراغب إلى معرفة كافية ابن الحاجب)، وشرح (الهداية في الفقه)، رأيت مجلداً ولم أعرف إلى أي محل بلغ فيه (4)، وله ديوان شعر فنونات وإخوانيات وغير ذلك، وكان يحب الأدب وأهله، توفي(5) يوم الأربعاء الثامن عشر من ذي الحجة
__________
(1) في (ب): علي بن المؤيد بن جبريل بن الناصر.
(2) في (ب): فهو يقود.
(3) في (أ): يعد.
(4) غير موجود في (ب): بلغ فيه.
(5) جاء في حاشية (ب): وكان وفاته بـ(المخا) ونقل إلى (حيس) ودفن هنالك بوصية وعليه مشهدٌ مشهور مزور.
الحرام سنة اثنتين وستين وألف، وعمره تقريباً من(1) ثلاث وخمسين سنة، بذلك يعرف سنة(2) مولده، ولما كان الحج الكبير الذي اجتمع فيه أعيان من آل القاسم وغيرهم من جملتهم السيد الرئيس أحمد بن الحسين، والسيد عز الإسلام محمد بن الحسين بن القاسم، والسيد الأنبل محمد بن أحمد بن القاسم، وكان فيهم أعيان من الشيعة، كالقاضي(3) أحمد بن سعد الدين - عادت بركاته -(4)، وأظنه في سنة (5) ثلاث وخمسين وألف، جعل الإمام المؤيد بالله أمير هؤلاء جميعهم محمد بن أحمد المذكور.
__________
(1) في (ب): وعمره ثلاث وخمسون سنة.
(2) في (أ): يعرف من مولده.
(3) في (ب): صفي الدين أحمد بن أحمد بن…
(4) في (ب): بركته.
(5) غير موجود في (ب): سنة.
محمد بن أحمد بن علي [ -623 ه ]
شيخ الشيعة الحافظ لعلوم آل محمد المحدث الكبير الأصولي شحاك الملحدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، وإبراهيم هذا الذي يعرف بالأنف(1) بن أحمد بن الوليد بن أحمد بن محمد بن عاصم بن الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف - رحمه الله تعالى -(2)، هو العلامة الرباني المجمع على جلالته وفضله لم يختلف فيه(3) اثنان، ويعرف بالعبشمي - بالعين المهملة بعدها باء موحدة بعدها شين معجمة بعدها ميم ثُمَّ ياء النسب - منسوب إلى عبد شمس على الطريقة المعروفة لأهل التصريف، ولم يكن لهذا العالم نظير ولا مشاكل في فضله وعنايته إلا مشائخه كابن عبد السلام الأنباري ومن /100/ ضاهاه، قرب العلوم، واشتغل بتحصيل كتب الأئمة كما فعل القاضي جعفر، وأفاد بذلك وبما تحمل من الاسناد غاية النفع، قد صنف في أخباره وأحواله ولده الشيخ المحدث علي بن محمد مصنف شمس الأخبار، ويقال: علي بن حميد، وذلك لأن لمحمد هذا اسمان كما صحح والله أعلم، وهو شيخ الإمام المنصور بالله، وتلميذ الإمام أحمد بن سليمان، ويعرف أيضاً بالشيخ محيي الدين، وفي أعقابه محمد بن أحمد أيضاً، وهو محمد بن أحمد بن علي بن محمد، هذا وقد يلتبس ذلك، ولهم عقب ظاهر، وكان يسكن في (حوث)، وله أولاد بـ(ظفار) و(صنعاء) يعرفون ببني الوليد، منهم بطن الآن يعرفون ببني القواس، وقد زاد في نسبه بعضهم بعد عاصم حذيفة والله أعلم، ومصنفاته المشهورة سبعة وعشرون مصنفاً، كلها مفيدة، وهو الذي جود صناعة الجواهر والدرر لأبي مضر شريح بن المؤيد، وله تحرير زوائد(4) الإبانة عن الإبانة، وذلك أن زوائد الإبانة في الأصل حواشي، وهوامش لجماعة من(5) أهل (العراق) لمحمد بن صالح وغيره، فلما وصلت نسختها
__________
(1) في (ب): هذا هو الذي يعرف بالألف.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): في ذلك.
(4) في (أ): رواية.
(5) في (ب): من علماء (العراق).
إلى (اليمن) في زمن الشيخ محمد بن أحمد بن الوليد هذا - رحمه الله - وجد الحواشي في بعض المواضع قد زادت على الأصل، لا(1) يكاد يتميز الأصل في بعض المواضع، فنسخها - رحمه الله - جميعاً متناً وجعل علامة الإبانة الأصل، وعلامة الحواشي زيادة، وذلك في شهر رمضان سنة عشر وستمائة، قال: ومبلغ عمره إذ ذاك اثنتان وسبعون سنة، ثم عاش بعد ذلك، وتوفي وقت صلاة العشاء الآخرة(2) من ليلة الثلاثاء لاثنتين وعشرين(3) من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وستمائة - رحمه الله وجزاه خيراً -، ومن قواعد الزوائد هذه أنه إذا ذكر القاسمية عنى به القاسم بن إبرهيم - عليه السلام - ومن رأى رأيه من الأئمة - عليهم السلام - ومن فقائهم ومحصليهم - رضي الله عنهم - وإذا ذكر السادة عنى بهم جميع من رأى رأي القاسم - عليه السلام - من السادة(4) مثل: أبي العباس وأبي طالب والمؤيد بالله وغيرهم - رضي الله عنهم - حتى الهادي وأولاده يدخلهم في هذه العبارة، وإذا أطلق الشيخ عنى به صاحب الإبانة الشيخ أبا جعفر، وإذا ذكر المشائخ عنى بهم صاحب المسفر محمد بن علي الإيراني، وسننه(5) ابن محمد وصاحب الهداية وأبا طالب الفارسي وأبا الفوارس رزقان بن أسفيحا(6) وعلي بن بلال وأبا القاسم البستي، ويعد من جملة المشائخ أيضاً السيدين الإمامين أبا(7) عبد الله صاحب (المرشد)، وأبا الفضل الناصر، وهو من أولاد الناصر - عليه السلام - وإذ ذكر المتأخرين عنى بهم(8) الشيخ الحافظ علي بن أصفهان وابنه الفقيه أبا منصور والفقيه شهراشويه، وشهردبير بن الشيخ أبي ثابت، وكنيته أبو الفضل، واسم الشيخ أبو ثابت كوراكير.
__________
(1) في (ب): حتَّى لا يكاد.
(2) في (ب): الأخيرة.
(3) في (ب): لاثنتين أو ثلاث وعشرين.
(4) في (ب): السادات.
(5) في (ب): وسسه.
(6) في (ب): اسفيحا.
(7) في (أ): أبي عبد الله.
(8) غير موجود في (ب): بهم.
قلت: وقد سبقت ترجمته في الكاف؛ لأنه العلَم، والفقيه جمال الدين واسمه أبو يوسف، والفقيه أبو المحاسن(1) وابنه الفقيه /101/ أبو الرضا، والفقيه شهردبير بن علي(2)، وبهذا يعرف أن في الأصحاب شهردبير أكثر من واحد، وابن أخيه نور الدين الفقيه مهدي بن أبي طالب، والفقيه باحون(3) وكنيته أبو جعفر وابنه الفقيه محمد، وهو شيخ شمس الدين محمد بن صالح، والفقيه مردويه(4) جوار، والفقيه جمال الدين حزمي دوست ابن دمكة، ومن كان في طبقتهم من الفقهاء الناصرية - رحمهم الله تعالى - وإذا ذكر(5) السيدين عنى بهما: أبا العباس وأبا طالب - رضي الله عنهما - وإذا قال عندنا عنى به جميع أهل البيت - عليهم السلام - إذا لم يذكر خلاف أحد منهم، وإذا ذكر الفقهاء عنى بهم جميع فقهاء أهل السنة، وإذا ذكر الفريقين عنى بهم الشافعية والحنفية(6)، وإذا ذكر فقهاء الأمصار عنى بهم الفقهاء الذين لهم(7) أصحاب ومحصلون وناصرون لمذاهبهم مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، انتهى. وتوفي الشيخ محي الدين في التاريخ السابق بهجرة (حوث)، ونعاود في تحقيق(8) الوفاة، ورثاه الأمير الناصر لدين الله محمد بن المنصور بالله بقصيدة وجهها(9) من (صعدة) إلى (حوث)، وهي:
إن الرزية لا رزية مثلها ... عظمى(10) يموت بموتها(11) الإسلامُ
حيت فحي بها الهدى وتضعضعت ... فتضعضعت لمصابها(12) الأعلام
__________
(1) في (ب): أبا المحاسن.
(2) غير موجود في (ب): بن علي.
(3) في (ب): ياحويه.
(4) في (ب): مردومه.
(5) في (ب): وإذا ذكر الأخوين عني بهما المؤيد بالله وأبا طالب - قدس الله روحهما -، وإذا قال عندنا..
(6) في (أ): وفي الحنفية.
(7) في (أ): الذون.
(8) في (ب): محل الدفاة.
(9) في (ب): وصمها.
(10) في (ب): نفس. جاء في حاشية (ب): كذا في ترجمته في الجزء الأول في (حميد) وقد ذكر القصيدة بتمامها هناك إلى قوله في إن العيون عام 1371هـ.
(11) في (ب): لموتها.
(12) في (ب): نفس.
يا ليلة القدر التي غادرتنا(1) ... فوضى كسلك زال عنه نظام
لم يلق هذا الناس مثل محمد ... شيخاً يساس به الهدى ويقام
فالحق أبلج ما حييت معمراً ... فينا وأصحاب النبي قيام
فعليك من صلوات ربك كلما ... لبى الحجيج مكبرين وقاموا
كنت الشفاء لكل من حادثته(2) ... يشفى بفضل حديثك الأسقام
ونراك ركناً عند كل ملمة ... خرساء(3) يخرس خوفها الأيام
جبل يعاذ به وحصن شامخ ... من رؤة(4) يتخطف الأقوام
وكأنما تلك المحاسن لم تكن ... وكأنها لمفكر أحلام
أيلذ بعدك للمسامع مسمع ... أم يستلذ النوم وهو حرام
ويقوم بعدك في مقامك قائم ... علماً يؤم(5) سناءه الحكام
فجزاك ربك صالحاً ترضى به ... وسقى صداك مجلجل سجام
وعليك منا كلما جنح الدجى ... ودنى الأصيل تحية وسلام
إن العيون محلل أحراقها ... ( ) (6)وابل دمعها السجام(7)
__________
(1) في (ب): غادرتها.
(2) في (ب): ما حادثة.
(3) في (ب): حرسها.
(4) في (ب): رؤية.
(5) في (ب): يعم.
(6) ما بين القوسين كلمة لم أتمكن من قراءتها.
(7) هذا البيت زيادة في (ب).
محمد بن أحمد الظليمي
الرئيس الكبير، الزعيم الخطير، محمد بن أحمد الظليمي الزيدي - رحمه الله -(1)، كان من قادات المناقب(2) وسادات القبائل، متبوعاً مسموع الكلم(3) مشار إليه في النوازل، وكان أول أمره(4) رأساً من رؤوس الإباضية، علماً من أعلامها، لا يرى رأي آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يعتقد عقيدة العدل والتوحيد، ولا يرى للعترة طاعة، وقد كانت الإباضية عزمت (على أن تبايعه)(5) وتجعله إماماً يدعى إليه ويقتدى به، وكانت الألطاف قد جمعت /102/ بينه وبين الإمام الناصر للحق أحمد بن الهادي لدين الله - عليهما السلام - بمدينة (ضوران)(6)، فسمع كلامه ومواعظه وحججه ودعوته إلى نصرة آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فلما سمع ذلك ووعاه وفهمه لم يكابر عقله، ولم يخادع نفسه(7)، ولم يقلد سلفه، فتاب وأناب، وفارق الإباضية، ودخل في الحق، واعتقد العدل والتوحيد، ودعا ولده وعشيرته إلى ذلك، وبايع الناصر - رضي الله عنه - على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - واستقام على الطاعة غاية الاستقامة، ووفى بما عاهد عليه الله سبحانه حتى مات - رحمه الله - وفي توبته وإجابته للحق يقول عبد الله بن أحمد التميمي - رضي الله عنه -:
الآن قمت بدولة الإسلام ... ونفيت عنك عماية الإظلام
ونصرت آل محمد ونصحتهم ... وتركتهم في العز والإعظام
وحفظت قول الله في القربى ولم ... تتبع ضلالة جاهل متعام
متمسك(8) بعرا الديانة والتقى ... وبسورة الأنفال والأنعام
شيدت مكرمة سبقت بفضلها ... وتركتها تبقى على الأيام
فخراً لأبناء النبي وطاعة ... لله حاجزة عن الآثام
ومناقباً لسراة حاشد كلها ... يقري وينشد عند كل مقام
__________
(1) في (ب): - رحمه الله تعالى - انتهى.
(2) في (ب): المقانب.
(3) في (ب): الكلمة.
(4) في (أ): أمر.
(5) في (ب): على مبايعه. (ولعلها مبايعته).
(6) في (ب): ضوان.
(7) في (ب): ولم تخادع له.
(8) في (ب): مستمسك.
مشهورة بيضاء باهية السنا ... بدرية الأرواح والأجسام
ابشر إذا عاينت حوض محمد ... يوم الخصام وأي(1) يوم خصام
وعليه والدهم يذود عداتكم(2) ... والخلق(3) مسقي وآخر ظامي
إني أتتني عنك أنباء علت ... وجرت بذكرك فوق كل كلام
نبئت أنك دون سيد هاشم ... كالسيف جرد ساعة الإقدام
طولوا بنصرتكم لآل محمد ... فلكم يفر جحاجح (4) الأقوام
سارت خصالك(5) في البلاد فأصبحت(6) ... غراء محجلة المنار سوامي
راموا القرامط محو دين محمد ... فمنعتهم عن طاعة الروام
لما استخفوا كل ساقط همة ... وجدوكمُ من راجح الأحلام
خطبوا إليك صحيح عقلك والتوت(7) ... نفس تنزهها عن الإجرام
فطفقت(8) بالتوحيد تأمر معلناً ... ونفيت حوب فعال كل حرام
قد كان دين محمد أشفى على ... أن يهتكوه بعودة الأصنام
ودعوا إلى ترك الصلاة وأسقطوا ... فرض الصلاة وحتم كل صيام
جعلوا التشارك في النساء ديانة ... كفراً وما أنفوا على الاحرام
فاستنقذ الله العباد بلطفه ... منا بفرع نبيئه القوام
ذاك ابن يحيى المرتضى من هاشم ... عالي الذرا وسنام كل سنام
مصباح أمة أحمد وجمالها ... وسمام ظالمها وأي سمام /103/
لن تهلكوا ما دام نسل نبيئكم ... فيكم يقوم بأمر ذي الإنعام
يحمى حماكم أن يطور به العدا ... يوم الكريهة والرماح دوامي
فتمسكوا بالناصر الدين الذي ... عزت بسطوته عرا الإسلام
بوركت فينا يا محمد ما دعت ... فوق الغصون حمامة لحمام
فأجاب محمد بن أحمد - رضي الله عنه -:
يا لائمي في حب آل محمد ... تباً لرأيك لاتحين(9) ملام
ما للملام وقد عرفت فضائلاً ... أرجو النجاة بها من الآثام
بمحمد علم الهدى وشقيقه ... قمر الدجى والفضل(10) والإنعام
__________
(1) في (ب): وإن أي.
(2) في (ب): عداته.
(3) في (ب): والحق.
(4) في (ب): تقر جحاجح.
(5) في (أ): خصالكم.
(6) في (ب): في البلاد فأصبحت.
(7) في (ب): فالتوت.
(8) في (ب): فصفقت.
(9) في (ب): لات حين.
(10) في (ب): ذي الفضل.
فوعيتها وجعلت أقصى همتي ... حفظ القرابة سائر الأيام
من كان أصبح راغباً في نائل ... فسماحهم حظي من الأقسام
الله أنقذنا بناصر دينه ... من دولة عمياء ذات ظلام
لما دعانا الفاطمي لبيعة ... رامت بها(1) الأعداء كل مرام
فبسطت كفي عند ذاك(2) ولم تكن ... بسطت لبيعة (3) سائر الأقوام
وحروب أيام بصفين مضت ... كنا بها أنصار خير إمام
أيام ناداهم معاوية(4) اتركوا ... يا عك ما هذا بخير قيام
ودعا علي يا لهمدان اثبتوا ... نفسي الفداء لكم على الإقدام
فكذاك اتبع ما مضى من فعلهم ... في نصرة الهادين(5) غير كهام
دون المطهر أحمد علم الهدى ... الناصر الدين الشريف أحامي
أفديه من عرض الحوادث صادقاً ... ببني والأخوال والأعمام
ووصيتي لبني قبل مغيبتي(6) ... أن يمسكوا من حبله بزمام
__________
(1) في (ب): به.
(2) في (أ): ذلك.
(3) في (أ): لبيعته.
(4) في (ب): ناداه معاوية.
(5) في (ب): العادين.
(6) في (ب): يعثني.
محمد بن أحمد بن محمد أبي الرجال
العلامة الفقيه، المحدث المذاكر، بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال - رحمه الله - هو من أفاضل العلماء وصلحائهم، ترجم له العلامة المذاكر محمد بن سليمان، وقد ترجم له السيد العلامة يحيى بن القاسم الحمزي، وأثنوا عليه بما هو أهله من التقوى والتوقف(1) على الشرع الشريف في مصادره وموارده، ولم يزغ لزيغ غيره في حق الإمام السيد(2) أحمد بن الحسين - عليه السلام -(3)، فإنه دام على عقده وعهده ونصح وناصح ولقي هو والإمام المظلل بالغام المطهر بن يحيى السيد الحسن بن وهاس إلى (باعة) للمناصحة، وكتب إليهما الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - كتاباً عظيماً، وذلك في أوساط الفتنة التي عمت مصيبتها، وآل أمر(4) هذا العلامة إلى الهجرة، وأحسب أن العلامة محمد بن سليمان - رحمهما الله - ذكر أنه هاجر إلى (راحة بني شريف)، ومات هنالك /104/، وكان تلميذاً للإمام المهدي وشيخاً للإمام المطهر بن يحيى، ويقول: أنا تلميذ إمام، وشيخ إمام، محدثاً بالنعمة، وإجازة الإمام له(5) بخط يده الكريمة في نسخة الفقيه المذكور، وهو الذي عناه السيد الهادي - رحمه الله - بقوله بآخر البيت(6):
وبالقاضي العنسي والقاضي الذي ... تخيره المهدي أفضل فيصل(7)
أراد بالعنسي: عمرو بن مسعود، والقاضي الذي تخيره(8) المهدي، يعني: أحمد بن الحسين، هو هذا - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): التوفيق.
(2) في (ب): الشهيد.
(3) غير موجود في (ب): عليه السلام.
(4) في (أ): وآل هذا.
(5) في (ب): الإمام له.
(6) في (ب): بآخر البيت وهو قوله:
(7) في (ب): أفضل.
(8) في (ب): تخيره.
محمد بن أحمد النجراني [ - 603 ه ]ت
الشيخ العلامة، محيي الدين محمد بن أحمد النجراني والد الشيخ عطية، قد مضى ذكر نسبه عند ذكر ولده، وكان إماماً في العلوم متبحراً متصرفاً تصرف المجتهدين، وله مسائل مفيدة، وله مقالات في أسئلة تختص بالحج يصرح فيها برأيه، وقد وجدت رسالة للناصر محمد بن المنصور بالله عبد الله بن حمزة ظننتها إليه، وفيها تعظيم له وإنصاف يشعر بأن الشيخ اعترض في السيرة، ولكنه أجابه الناصر بجواب العلماء الفحول، وكانت وفاته - رحمه الله - في سنة مولد الشيخ عطية، سنة ثلاث وستمائة - رضي الله عنه - ورأيت مكتوباً إلى جنب شرح الشيخ(1) إسماعيل بن عطية النجراني ما يفيد أن في هذا البيت من اسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم(2) بن عطية بن محمد بن أحمد، هذا ووصف حجه إلى بيت الله، وأنه كتب هذه القصيدة، ولا أدري متمثلاً أو من صنعته:
بَرَزَتْ تَبَخْتَرُ بالقميص المعلمِ ... وتميسُ في حُلَلٍ من الإبريسمِ(3)
فسلت قلوب العاشقين وأضرمتْ ... في القلب لوعة عاشق ومتيمِ
وجلت محاسنها فما من عاشقٍ ... إلا وقد رشقتْ حشاه بأسهمِ
سفرت وأشرق نورها فكأنها(4) ... شمس الضحى في ناظر المتوسمِ
إن لم أته طرباً وقد شاهدتها ... ويحق ذلك لي فلست بمغرم
يا ربة الأستار وفدك أحرموا ... فتشبهي بالوافدين وأحرمي
ومنها:
اليوم عهدي بالوصال فقل معي ... لا عاد عهد(5) صدودها المتقدمِ
طف حولها واغنم لذيذ وصالها ... تربت يداك وخبت إن لم تغنمِ
كم من غريق دونها قد مات في ... لجج البحار بحسرة وتندُّمِ
كم من أسير هوى سرى يطوي الفلا ... شوقاً إلى هذا الجناب الأعظمِ
جاز المهامه والقفار وما ونى ... يفري الفلا بالعِيْس(6) فري مصممِ
سكران من فرط الصبابة والأسى ... ولهان من ألم الغرام المؤلمِ
__________
(1) في (أ): للشيخ.
(2) في (ب): بن عبد الله بن إبراهيم بن عطية بن.
(3) الإبريسم: الحرير.
(4) في (ب): فكأنما.
(5) في (أ): عهدي.
(6) في (أ): بالعيش.
وإذا ترنم ما تراه مزمزما ... إلا بـ(مكة) والحطيم وزمزمِ
وإذا رأى برق (الحجاز) بطرفه ... فتراه يذرف بالمدامع والدمِ
ويقول من وَلَهٍ وفرط صبابةٍ ... آها لهذا البارق المتبسمِ /105/
شوقاً إلى هذي العروس فكم لها ... من عاشق ولكم لها من مغرمِ
هذا الذي تعدو الخلائق نحوها ... ما بين معتمر وحاج محرمِ
طوبى لمن أضحى لديك مخيماً ... طوبى له وهناه نيل المغنمِ
ومنها:
قد أثقلت ظهري الذنوب فليس لي ... إلا حماك به ألوذ وأحتمي
أنا جارك الناوي(1) إليك أنا الذي ... طول المدى أغدو إليك وأنتمي
يا صاح قد أدركت غايات المنى ... لم يبق إلا قبر أحمد فاعزمِ
واقدم قدوم العِيْس(2) نحو المصطفى ... وبسوحه أنخ المطيَّ وخيمِ
ذاك النبي الهاشمي المصطفى ... ذاك الشفيع لذي المتاب المحرمِ
من سبحت في كفه صم الحصى ... بفصاحة كالناطق المتكلمِ
والجذع حن إليه عند فراقه ... والضبي كلمه كلام المفهمِ
كم معجزات لا يحيط بوصفها ... من ذا يحيط بوصف ما لم يعلمِ
صلى عليك الله يا خير الورى ... ورضي الإله عن الصحاب الأنجمِ
وعلى بني المختار ما بَرْقٌ سرى ... وهما(3) الرباب(4) على الرياض بمنجمِ(5)
(6)وإليه أشار السيد جمال الدين بقوله:
وبالشيخ محيي الدين وهو محمد بـ ... ـن أحمد ذي المجد العتيد المؤَثَّلِ(7)
ولمح إلى ولده عطية بقوله:
وبالشيخ محيي الدين أعني عطية ... وحامي حمى الإسلام من كل مبطل
وهذا يدل على أنه عرف كل منهما بمحيي الدين.
__________
(1) الناوي: القاصد.
(2) في (أ): العيش.
(3) هَمَا أو هَمَى: صَبَّ. القاموس المحيط 1235.
(4) الرَّباب: السحاب الأبيض. القاموس المحيط 94.
(5) في (أ): بمجم.
(6) زيادة في (ب): انتهى.
(7) المؤهل: المؤصَّل. القاموس المحيط 883.
محمد بن أحمد بن الحسن الدواري
القاضي العلامة، عز الإسلام، محمد بن أحمد بن الحسن الدواري - رحمه الله تعالى - هو الذي عناه السيد جمال الدين بقوله:
وبالواحد القاضي التقي(1) محمد بـ ... ـن أحمد جلى كل ديجور مذهل
كان عالماً كبيراً، ذاكره الإمام عز الدين بن الحسن - عليهما السلام -.
محمد بن أحمد البخاري
العلامة الفقيه الفاضل محمد بن أحمد البخاري الأنصاري - رحمه الله - ذكره الذماري صاحب (السلوك)، وأثنى عليه بالعلم، وهذا البطن شهير بـ(صعدة) وبـ(صنعاء) عدد أصل نسبهم من هذا البيت المنيف أنصار المختار صلوات الله عليه، (وعلى آله)(2) ممن صرح بذلك الإمام الناصر لدين الله صلاح بن علي ووالده(3) - عليهم السلام -.
محمد بن أحمد بن عمران
الفقيه العارف المحقق محمد بن أحمد بن عمران (بن سعيد الجروني)(4) - رحمه الله - أحد العلماء الأجلاء، أخذ عن الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد، وأخذ عنه الفقيه الفاضل محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش - رحمهم الله تعالى -.
محمد بن أحمد بن سلامة
العلامة الصدر، إنسان العلماء، محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي الحنش(5)، كان عالماً مشهوراً(6) كبيراً، متبحراً في العلوم، مرجوعاً إليه، مشهوداً له بالفضل، من مؤلفاته (الروضة) المشهورة في الفقه، جمعها عن شيخه محمد بن سليمان - رحمهما الله - قال /106/ العلامة ابن الغزال المصري - رحمه الله - في صفته: هو (7) العالم العامل الكامل الفاضل المتقن المتفنن، جامع العلوم والآداب، حافظ(8) اللغة والإعراب، عارف المعقول والمسموع من الأصول والفروع، ركن الإسلام والمسلمين، بدر الدين محمد بن أحمد (9) بن سلامة المذحجي(10) - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): التقي.
(2) في (ب): وقد قالوا.
(3) في (ب): وولده.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): الحسن.
(6) سقط من (ب): مشهوراً.
(7) في (ب): هو العالم العالم.
(8) سقط من (ب).
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): المذحجي.
محمد بن أحمد العلماني
الشيخ جمال الدين الفقيه الفاضل محمد بن أحمد العلماني - رحمه الله تعالى - (1) ترجم له بعض العلماء، وذكر أنه من تلامذة الإمام محمد بن المطهر - عليهما السلام -.
محمد بن أحمد بن محمد بن مرغم [836هـ - 931 ه ]
العلامة حامي حمى الإسلام، لسان العلماء، شحاك الأعداء، محمد بن أحمد بن محمد بن(2) مرغم - رحمه الله - تعالى، أحد شيوخ الإسلام، وإنسان علماء الشريعة الأعلام، كان عالماً فاضلاً وجيهاً، له حيطة في الدين، وعلا صيته، وكان من أنصار(3) الإمام الناصر لدين الله الحسن بن عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - ولذلك كان السلطان عامر بن عبد الوهاب يرعى جنابه، ويجل(4) محله، ويقبل شفاعته؛ لأنه كان بين السلطان وبين الإمام الناصر مباقاة ومسامحة، ولأجل ذلك حفظ ابن مرغم شعارات الإسلام، منها، الأذان بحي على خير العمل الذي كاد أن يكون الخلاف فيه، ويعجب ابن عربي من إجماع أهل المذاهب على إنكاره، وهو عجيب كما قال، لأن الأذان نفسه عند كثير من الفقهاء من السنن لا الفروض، وبعضهم أثبت جملته برؤيا، ولم يتأول كما تأول غيره، فحق ما كان هذه المسامحة، سيما وقد رويت فيه طرق منها: ما في(5) (السنن الكبرى) للبيهقي الشافعي - رحمه الله - وصاحب كتاب (السنام)، وحكي أنه اتفق على الأذان به في الخندق، وقد حكى في (الموطأ)(6) أنه أذن به الحسنان جميعاً، وابن عمر، وبلال، وجماعة من الصحابة، وذكر نحو هذا العلامة المحب الطبري في كتاب (الأحكام الكبير)، وقد قال سعد الدين التفتازاني في (حاشيته على العضد): إن حي على خير العمل كان ثابتاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأن عمر هو الذي أمر أن يكف عن ذلك مخافة أن يتثبط الناس عن الجهاد، ولبعض العلماء فيه مصنف مفيد في ثبوته، فما هذا حاله كيف
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): من شيعة.
(4) في (ب): ويجلي.
(5) في (ب): فيه.
(6) في (ب): شرح الموطأ.
يترك لأمر ليس بثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - باتفاق النقلة الحفاظ؛ حتى إن شارح (السنة) ركن الإسلام البغوي لما روى الحديث أنه أمر به - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إسناده ضعيف، فكان أقل أحوال هذا الذي لم يكن في أركان الإسلام، وثبت أصله برؤيا أن يكون القائل بما قد ثبت له رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأجمعت عليه ذريته الذين أمر الله بالتمسك بهم غير مبتدع، سيما والتحريف لهذه اللفظة وقع باجتهاد محض، انتهى. فمما كان من القاضي - رحمه الله - أنه لما صلى السلطان عامر في جامع (صنعاء) أول جمعة بعد ملكه لها (1) أمر المؤذن بعض من أراد التقرب إلى السلطان بحذف حي على خير العمل، فاستأذن المؤذن القاضي - رحمه الله - وذكر ذلك، فنهاه عن الحذف، فقال(2): أذن واللائمة عليَّ فيما لحقك من ذلك، فأذن المؤذن /107/ حتى بلغ الحيعلة فالتفت إليه جميع(3) من في المسجد من أعوان السلطان، وهم ألوف مؤلفة، وجموع جمة، ونظروا إليه شزراً، ونسبوا إليه حين تكلم بحي على خير العمل قلة الحياء - يعنون من السلطان -.
__________
(1) سقط: لها من (ب).
(2) في (ب): وقال.
(3) في (ب): عليه جميع.
وللقاضي - رحمه الله - منقبة أخرى في المناظرة لعلنا قد ذكرناها في ترجمة تلميذه صالح الدقم - رحمه الله - وكان له تلامذة جم غفير، فإنه كان مرحولاً(1) إليه، من تلامذته: عبد الهادي السودي الصوفي المقبور بـ(تعز العونية)، وهو محمد بن علي السَّودي بفتح السين، والظاهر أنه نسبه إلى (بني سود)، الفقهاء الذين رجعوا إلى مذهب آل محمد بجهة (القناوص) وغيرها، بل صرح عبد الهادي بذلك، وكان مدرساً بـ(صنعاء)، وحصل بينه وبين بعض تلامذته أمر قد اشتهر، وتبرأ منه برسالة هي عندنا والحمد لله، وآل أمره إلى أن لبس الخرقة، وصاغ رقائق الشعر، وحظي من ذلك بالعجيب، فإنه شعر سائل فتان في ذروة لا يلحق، وقد سمته(2) بعض الناس ابن فارض (اليمن)، فاشتهر شعره وعكف عليه أرباب الهوى، فقيل له في ذلك، فقال: لهم المغنى، ولنا المعنى.
قال يحيى حميد: ولما كثرت إقامة القاضي محمد بن أحمد مرغم في (الأنباء)(3) وترك نزول (صنعاء) المحمية، وكان الشيخ عبد الهادي أراد أن يسمع عليه (الكشاف)، ولم تسمح نفسه بالخروج إلى ابن مرغم(4) إلى (الأنباء) حرصاً على مجالس العلماء، فكتب عبد الهادي إلى القاضي - رحمه الله - هذا الشعر:
حاشاك أن تبقى مُعَنَّى دائماً ... ما بين حرَّاثٍ وسانٍ ساقي
يملي عليك حدا بهائمه التي ... تملا الدلاء بمائها الدفَّاقِ
فأجاب القاضي - رحمه الله -:
كَلِمٌ أتت من طيّبِ الأعراقِ ... صافي الوداد مهذب الأخلاقِ
وأخذ في الجواب، حتى قال:
أهلي وأولادي ومالي دائماً ... قد أوثقوني في أشد وثاق
__________
(1) في (ب): مرجوعاً.
(2) في (أ): سمعته.
(3) الأبناء: قرية بوادي السِّرّ، من مديرية بني حشيش. معجم المقحفي 18.
(4) في (ب): حم.
كان مولد القاضي محمد بن أحمد - رحمه الله - سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وكان وفاته في وطن مولده في مشهده المقدس بجهة (السر)(1) في المحل المعروف (بالأبناء)، وتوفي - رحمه الله - قبيل فجر يوم السبت الثالث أو الرابع من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ومن شعر تلميذه العلامة أحمد بن محمد بن حسن بن عقبة المعروف بالدنيني:
(2) أذكر من ليس ينس عهداً ولا يئسا ... وأبسط في أكناف صحبته النَّفْسَا
وأكسبها خلقاً جديداً وأهتدي ... بكل نبيل أغتذي معه الأنْسَا
وألبس ريعان الشباب وطالما(3) ... لبست الخطوب السود من دونه ورسا
لأني وإياه(4) كمزن وروضة ... يباكرني سقيا وأزكو له غرسا
صفا بيننا من صالح الود جوهر ... علينا به من نور جوهره الشمسا
مكارمه تدعى إلى جنب معقل ... أرود إذا أضحى وآوي إذا أمسى
108/ وأورد خمساً كل يوم بمائه ... وكم لِيَ دهراً قد مضى لم أرد خمسا
أبا الحسن اشرب قهوة العز وادخر ... ولائي ومن فضل العلوم اسقني كأسا
وخذ بيدي من عثرة قصرت يدي ... وقد كنت ذا بأس فلم يبق(5) لي بأسا
رميت بها نصفا(6) صتي ومهتدي ... وخطبتي(7) والنبل والقوس والترسا
ثغور المعالي قابلتك ضواحكاً ... فَصِل لثمها وامصصْ مراشِفَها اللَّعْسَا(8)
وأجيادها مالت عليك نواعماً ... كما مالت الأغصان فانعم لها لمسا
__________
(1) السِّرّ: بلدة ووادٍ في منطقة الشّرَفة، من مديرية بني حشيش بالشرف الشمالي من مدينة صنعاء بمسافة 23 كم. معجم المقحفي 782.
(2) بدأت الأبيات في (ب) بهذا البيت:
أذكر من ينسى عهداً ولا تنسى ... ……………………..
(3) في (ب): فطالما.
(4) في (ب): وإياه.
(5) في (ب): يهو.
(6) في (ب): وصفا.
(7) في (ب): والخطبة.
(8) في (أ): فصل وامضض مراشفها العسلا. واللعساء: مشتقة من اللَّعَسِ: وهو سَواد مستحسن في الشفَة. القاموس المحيط 530. وقد حذفت الهمزة لضرورة الشعر.
وفي هذا القدر كفاية، وهو شعر حسن، ولما مات العلامة المذكور رثاه تلميذه ابن عقبة هذا(1) فقال:
أراني عراني طائف فشجاني ... بطعن الأولى اقتعدوا متون هجانِ
ففاضت جفوني حين بانوا فراغموا ... ولوعي ولي منهم بقية شأن
وغاصت جموعي عن ربوعي فأعلنت ... ضلوعي بما كنَّتْ من الولهانِ
ونبهني ناع من(2) الصبح كيفما ... تشاغلت عنه عنَّ لي وعَنَاني(3)
يرزأ(4) جميع المسلمين وإنه ... لعمري على شاميهم ويماني
ولا سيما (صنعاء) لا(5) كان سرها ... وأبناؤه من مورد الحدثانِ
وفاة طبيب العصر حجته التي ... كنارٍ على عَلَمٍ بغير دخانِ
إمام علوم الاجتهاد سميدع الفريقين من عرب وعجم لسان
محمدٍ القاضي بن مرغمٍ الذي ... أقمت زماناً عنده فحباني
أصول ذوي عقل وفقهاً ومنطقاً ... ونحواً وتصريفاً وفنَ بيانِ
وتفسيرَ كشَّافٍ وجامعَ سنةٍ ... وما قد روى في المعجم الطبراني
وأحكامَ تقويمِ الحسابِ لراصدٍ(6) ... بروجاً وأفلاكاً مع الدورانِ
إلى آخرها - رحمهم الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (أ): هذا.
(2) في (ب): مع.
(3) في (ب): ولي وعيان.
(4) في (ب): ترزء.
(5) في (أ): لان.
(6) في (أ): الراصد.
محمد بن أحمد بن محمد السلفي
تاج الشيعة، وسراج الشريعة، إنسان الأسرة ولسان العلوم المدره، الشجاع الباسل، بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عز الدين السلفي - رحمه الله تعالى- (1)، كان بديع الزمان، وقريع الأوان، متبحراً في العلوم الشرعية، محققاً في العلوم العقلية، بليغ الإشارات، فصيح العبارات، مطلعاً على المقالات، له همة سامية، بلغ بها الرتب العالية، وأشير إليه بالأنامل في الفضائل، وكانت له مع هذه الصفات الحميدة، سابقة أولى في الجهاد، وكان أحد الشجعان المغامرين في الحرب(2) كما كان أبوه - رحمه الله - ولم يزل مسعوداً مقدماً مذ نشأ إلى أن رحل إلى جوار الله، وكان يقول متمثلاً بشعر زهير بن الحباب،:
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
ويقول: إذا كانت هذه التحية، وهي أبيت اللعن (تثبت) لمن ولي أقليماً واسعاً، وساس(3) جمهوره، فلا استثنى ذلك.
قلت: وأول هذا الشعر:
أبُنَيَّ إنْ أهلكْ فقدْ ... أورثتكم مجداً بنية
وتركتكم أبناء سا ... دات ريادكم وريه
من كل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحية
(4)والموت خير للفتى ... فليهلكاً وبه بقية
106/ من أن يرى بهدية(5) ... ولدان المقامة بالعشية
__________
(1) سقط: تعالى من (ب).
(2) في (ب): للحرب.
(3) في (ب): لما ولي … وسائر.
(4) في (ب): يوجد فاصل قبل البيتين الأخيرين هو كلمة: ومن آخرها.
(5) في (ب): سهديه.
وكان رفيع المكان صدراً في المحافل خطيباً مفوها جزلاً، وكان أبناء الإمام يعظمونه، يلبس الفاخر(1) من الثياب مع بسطة في جسمه، وكان إذا تلا القرآن أسهى(2) الركب، حكى بعض الفضلاء أنه رآه في حضرة السيدين الحسنين - رحمهما الله - متودعاً لهما عند توجهه إلى (صنعاء) وهما بـ(ضوران)، ففعلا من الإحسان ما يليق بهما وبه، ونشرا عليه الخلع، قال(3): ولما انفصل عنهما وقد رابني ذلك التوسع منه في القبول(4) للجوائز على علمه، فلما استوى على بغلته، تلا القرآن بتلاوة كأني ما سمعت القرآن من قبل(5)، فقلت في نفسي يحق له كل ذلك، واطمأنت نفسي.
وله شيوخ عدة، أما الفقه فشيخه في كثير منه العلامة عامر الصباحي، وكان يعظه(6) كثيراً، فاستنكر بعض التلامذة، فقال يحق له هذا، وأما سائر العلوم فعلى شيوخ عدة، ولما حج، لقي شيوخ الحرم، وأعطى العلامة بن علان عطية سنية، وكانت بينهما صحبة أكيدة، وكتب له إجازة عظيمة جامعة، وكان يأنس به كل أحد لحفظه كلام الناس، ولقد تاه في مدحه عثمان الشرواني الشافعي حين سمعه يملي لفظ (تحف بن حجر) غيباً في مقام الدرس.
وفي آخر أمره كف بصره فأقبل على الصدقات والتلاوة، ونفذ وصاياه وعمر في جامع القربة الأكثر منه، وتقرب بقرب مقربة، وانتقل إلى جوار الله، وقبر(7) في (خزيمة) بتاريخ. وكان يستروح للشعر الجزل الفحل، وتولع بقصيدة ابن دريد اللامية التي أولها:
هل الحر إلا من أفاد فَأَصَّلا ... وما المال إلا ما استفيد ليبذلا
دعيني لهذا المجد أرعى(8) سوامه ... وإن لم أعش إلا ملوماً(9) معذلاً
__________
(1) في (ب): المفاخر.
(2) في (ب): أسهر.
(3) سقط من (ب): قال.
(4) في (ب): في القبول وفي الجوائز.
(5) في (ب): قبلها.
(6) في (ب): يعظمه.
(7) في (ب): وقبره.
(8) في (ب): أدعى.
(9) في (ب): ملولاً
وكان ينشدها مستروحاً بها بصوت جهوري، ونظم على وزنها قصيدته التي نظمها في السيد الكبير سلطان الإسلام الحسن بن القاسم - عليهما السلام - التي أولها:
كفى المجد فخراً إن غدا لك مرسلا ... وقد كان للماضين قبلك موئلا
وكان ينشد هذه القصيدة في الحضرة الحسينية(1) في ليالي الجمع والأنس، وكان لسيدي الصفي مجلس كل ليلة جمعة يجتمع بالناس للأنس والمجابرة، ويمر بهم الطيب، ثم تقرأ الأشعار، ويختم ذلك بتلاوة شيء من القرآن، فكانت(2) هذه القصيدة مما يقرأ فيها، وكان في الحضرة الحسينية(3) رجل يحسن إنشاد الشعر بصوته، وكان ينشد والموكب يسير بأبهته الكاملة في أثناء الطريق، فاتفق أن ذلك المنشد أنشدها بين الخيل عند خروج سيدي الشرفي من (إب) متنزهاً (والقاضي حاضر، فارعى كل سمعه والقاضي - رحمه الله - يزيد في الاستماع، فالتفت سيدي الحسن بن)(4) القاضي العلامة يحيى بن علي الفلكي - رحمه الله - ينبهه على ذلك.
ومن شعره - رحمه الله - في مولانا العلامة البحر الحسين بن المنصور بالله القاسم بن محمد (- عليهما السلام -) (5)، وأنشدني بعضها من لسانه، وكان تعلقه /110/ بسيدي الحسين وهي هذه:
حلي إنها(6) تسبي العقول وما تدري(7) ... وما عذرها في ذاك إلا الهوى العذري
قلت: سمعته من لفظه: على أنها تسبي العقول وما تدري.
وإلا فما في العالمين نظيرها ... ويكفيك(8) وصفاً أنها غرة الدهرِ
يرى طيفها ليلاً فذكرني الأسى ... وعهداً بليلى حيث ما طيفها يسري(9)
فلولا التسلي من هواها وعهدها ... لأحرقت الأهوا بحرِّ الجوى صدري
ولكنه أنساني اليأسَ أُنْسُها ... وقلدت من نعمائها بِحُلَى التبر
__________
(1) في (أ): الحنسية.
(2) في (أ): فكان.
(3) في (أ): الحنسة.
(4) ما بين القوسين سقط من (أ).
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): حلا اتها.
(7) في (أ): وما يدري.
(8) في (أ): ويكفي.
(9) في (أ): سرى.
عذوليَ صفحاً عن ملامي وخلنا ... فأذنايَ عنها فيهما أيما وقرِ
سلي(1) هل سلا قلبي إذا لم أزرهمُ ... أم انطوت الأحشاء مني على جمرِ
هو الحب إنْ يملكْ فغيرُ مُدَافَعٍ ... وإنْ تَحْتَكِمْ أسبابه في الفتى يبري
وَمَنْ شَأنُه حَمْلُ الهوى مثل مذهبي ... فليس له غيرُ التجلُّدِ والصبرِ
عساها(2) يدوم الوصل منها(3) تكرماً ... ففي وصلها بين الورى شرف القدرِ
وما ليلة يأتيك منها(4) سفيرها ... ببشرى التلاقي غيرها ليلة القدرِ
إذا شُبِّهَتْ بالأنْجمِ الزهرِ أنفُسٌ ... فما أُنْصِفَتْ إنْ شُبِّهَتْ هيَ بالبدرِ(5)
وإن أطنبوا في وصف بيضاء دمية ... فلا شك يوماً أنها بيضة الخدرِ
ألا لَسْتُ لولا حبُّها أعرفُ الهوى ... ولا كنتُ أدري بالقريض وبالشعرِ
قفا فلأمر ما(6) أوري بذكرها ... على عادة التشبيب بالنظم والنثرِ
جلا غزلاً فن الفوافي وأهلها ... كما حلت الغزلان في الحلل الخضرِ
فأسحرت في نظم(7) القوافي بواكراً ... كما بان في(8) بعض البيان من السحرِ
وما علق التشبيب صدر شبيبتي ... بشمسٍ ولا ذات الخمار ولا الخمرِ
ولكن بمدح الطاهر المسلم الذي(9) ... كسا الناس ثوب البر والبحر والبحر
وأجرى ينابيع الهدى في الورى معاً ... وأورى زناد الملك بالنهي والأمرِ
وأروى(10) السيوف المرهفات من العدا ... أولي(11) الفسق والفحشاء والبغي والنكرِ
وجرد فيهم همة نبويةً ... فأفناهمُ بالجرد والبيض والسمرِ
وأحيا منار الدين بعد خموله ... ببرهان قول دونه فلق الفجرِ
ألا ذاك فامدحه الحسين وما عسى ... نَقُصُّ ويُحصي(12) المادحون من الفخرِ
__________
(1) في (ب): سلا.
(2) في (ب): عشاها [ولعل الصواب: عساها].
(3) في (ب): عنها.
(4) في (ب): عنها.
(5) في (أ): بالدر.
(6) في (ب): قفا فلا مر ما أورى.
(7) في (ب): سبك المعاني.
(8) في (أ): لي.
(9) في (ب): السلم الذي.
(10) في (ب): وأوري.
(11) في (أ): أولو.
(12) في (أ): تقصير ويحكي.
هو الشرف الأعلى هو الناس جملة ... إذا قيل في من دونه أوحد العصرِ
هو السيد المعروف بالحلم والندى ... وبالعلم والتقوى وبالخيل(1) والبترِ
همام كريم همه المجد والعلا ... وشيمته عم الخلائق بالوفرِ
رؤوفٌ بلا عجزٍ رحيمٌ بلا ونى(2) ... حليمٌ يلاقي المدلهمَّاتِ بالبشرِ
إذا نشرت آراؤه(3) عند مشكل ... يحل وإن راياته تأت بالنصرِ
وسل عنه في الذكر الجميل مشاهداً ... تريك ثناء طيباً ذاكي العطرِ
فيوم الأعادي(4) لم يزل منه باكياً ... دماً إِذْ لَهُ الأيام ضاحكة الثغرِ
إليك أبا يحيى أتتك تحية ... تضوَّعَ من أرجائها أَرَجُ النشرِ(5)
تجوب الفيافي نحو بابك مثل ما ... يَؤُمُّون نحو البيت والركن والحجرِ
مسربلة بُرْدَ المعاني قويمة ... كما ازدان نظم الدر في الصدر والنحرِ
لها شرف يزهو بتقلبيلها الثرى ... لديك ومن سوح العلا مثلها يثري
بكرت لها فكراً ومن وصفك الذي ... يزين القوافي في(6) فيك ساعدني فكري
كما قيل في الباني الذي وحد البنا ... فلا عجب إن طال ما شاء من قصر(7)
وماذا يقول الواصفون وهل أتى ... لغيركمُ من هل أتى محكم الذكرِ
وأثنى عليكم في المثاني دلائلاً ... جليات أحكام تحد عن الحصرِ(8)
ومن ذا الذي في الله شاد معالماً ... وأربى بها فوق السماكين والنسرِ
وكف الأذى عن ملة الدين كافياً ... كما كُفيَ الكفان بالأنمل العَشْرِ
فلو رام كل العالمين توسماً ... لشكر الأيادي منك لم تفِ بالعُشْرِ
ولكنها تأتي بهذا توسلاً ... وبعض وفاء الحر إن فاه بالشكرِ
وكيف يكون المدح زيناً لأهله ... إذا قيل إن الشعر بالمرء قد يزري
وأنت الذي في كل أمر يسوءني(9) ... شددت به أزري وملكته أمري
__________
(1) في (ب): وبالحل.
(2) في (ب): وني.
(3) في (ب): آلاؤه.
(4) في (ب): فيوم أعادي.
(5) في (ب): البشر.
(6) في (أ): القوى في.
(7) هذا البيت زيادة في (ب).
(8) هذا البيت زيادة في (ب).
(9) في (ب): يسوء لي.
وكلفت نفسي في رضا الله أولاً ... أموراً أرى أعباءَها أثقلت ظهري
وسعياً إلى ما عم تكليفه(1) الورى ... وأوجبه الرحمن في السر والجهرِ
وجرياً على مرمى مرامك أنه(2) ... على السيرة(3) المختار للسادة الغرِ
على قصر(4) من ذا الأناء وليتما ... إذا لم أجد نفعاً سلمت من الضرِ
ولكن هنا الناس مهما أرد بهم ... لأنفسهم خيراً يجازون بالشرِ(5)
أصابر أيامي لديهم تجرعاً ... وأحملها منهم على المركب الوعرِ
وأغظي على المكروه منهم ترفقاً(6) ... ويثنون لي صدراً على الغدر والمكرِ
وأكثرهم في كل شيء تألفاً ... وليسوا على شيء سوى التيه والكبرِ
ألية بر بالذي برأ الورى ... ومن وصف التقوى بالإيمان والبرِ
112/ وبالقمر المنشق والشمس(7)والضحى ... وبالفجر والشفع المؤكد بالوترِ
لقد عيل صبري عند قوم قلوبهم ... لدى سبل التوفيق أقسى من الصخرِ
بعيدون عن نهج الرشاد وإنما ... تجارتهم كسب المآثم والأصرِ
وينسون حق الفضل فيهم تجاهلاً ... ولم يفرقوا ما بين زيدٍ ولا عمرِ
فلا حصلوا طولاً على أي طائل ... ولا وصلوا وصلاً بعشر ولا نكرِ
لبين مسيءٍ في الأنام ومحسن ... كما بين أهل(8) العدل في القول والجبرِ
ألا قيدتني في (حراز) لوازم ... فما اسطعت أمضي قيد شبر ولا فِتْرِ(9)
لك الخير رِشني(10) أنت يا شرف الهدى ... فخير الموالي من يريش(11) ولا يبرى
__________
(1) في (أ): تكلفه.
(2) في (أ): جرباً على مرما مرامك أنه.
(3) في (ب): السير.
(4) في (ب): وطر.
(5) هذا البيت زيادة في (ب).
(6) في (ب): مرفقاً.
(7) في (ب): بالشمس.
(8) سقط من (ب): أهل.
(9) الفِتْر: ما بين طَرَفِ الإبهام وطَرَف الْمُشِيرة. القاموس المحيط 423.
(10) في (أ): رضني.
(11) رِشني: فعل أمر. وماضيه: راشٍ. ومضارعه: يَرِيش، وراش الرَّجُلُ صديقَه: أطعمه، وسقاه، وكساه، وأصلح حاله. القاموس المحيط بتصرف 551.
فما خيبت آمال من أم(1) فضلكم ... وأنتم لها مستعذب الحوض والنهرِ
ولا انقبضت [عنا] أياديك(2) طولها ... أمان لها طول الزمان من الكسرِ
لعمري ما أخشى وآل محمد ... هم العروة الوثقى لعمري وما عمرِ
بكم شرفت أنسابنا حين تنتمي ... إلى تبَّع السامي الذي في العلا يجري
وما كان وصَّانا بغير اعتصامنا ... بدوحة خير الخلق من دوحة النظرِ
وأسلافنا من يهتدون بهديكم ... وإنا على آثارهم في الهدى نجري
محمد بن أحمد بن حسن بن عقبة [ -ت 772 ه ]
الفقيه النبراس الفاضل بدر الدين محمد بن أحمد(3) بن حسن بن عقبة - رحمه الله -. قال العلامة أحمد بن محمد بن عقبة: كان يسكن (هجرة معين)، وشهد له علماء زمانه، وصرح به جميع أقرانه أنه جمع، وأحرز، ودقق، وبرز في سائر فنون العلم(4) الدينية، وأحلوه(5) منزلة الاجتهاد البالغ الكامل والفضل الواسع الشامل، توفي - رحمه الله - بربيع(6) الآخر سنة اثنين وسبعين وسبع مائة، انتهى.
__________
(1) في (ب): رام.
(2) في (أ): أياديكم.
(3) في (ب): بن أحمد بن محمد بن حسن.
(4) في (ب): العلوم.
(5) في (ب): وأحلوا.
(6) في (ب): في ربيع.
محمد بن أحمد بن محمد عقبة [757هـ - 784 ه ]
العلامة الجليل محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحسن(1) بن عقبة - رحمه الله تعالى - هو حفيد صاحب الترجمة التي قبل هذه. قال الناظم أحمد بن محمد بن عقبة: هو رباني أمته، الشاغل بدرس العلم(2)، ورقم كتبها مدة شبيبته، كعبة الكرم والورع، صاحب العلم البديع الفائق، والنظم البليغ الرائق، توفي بيوم(3) الأربعاء من شهر الكريم لعشرين منه، سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وكان مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة، وبلغ الاجتهاد وعمره نيف وعشرون سنة، وقرأ محمد هذا الحفيد على القاضي عبد الله بن الحسن الدواري، وكان زميله العلامة علي بن عبد الله بن الحسن الدواري، ولما توفي القاضي علي بن عبد الله بن حسن في حياة والده سنة أربع وسبعين وسبعمائة، رثاه(4) محمد المذكور بقصيدة اشتملت على فوائد وعلوم، طالعها:
الدهر للخلق مغتال وخوّانُ ... يضمهم(5) بالمنايا فهو(6) فتانُ
ما جاد يوماً على الأحيا بنعمته ... إلا تعقبه بؤس وأحزانُ
/113/ وهي طويلة عددها ثلاثة وأربعون بيتاً، ومحمد هذا هو الذي أهدى إليه العلامة الخطير علي بن أحمد بن أسعد(7) الحملاني نسخة (الكشاف)، وهي ستة أجزاء، فشكر له محمد ذلك، وكافأه، وكتب إليه رسالة ونظماً عدد أبياته تسعة وثلاثون بيتاً، طالعها:
برق سرى فرمى الأحشاء بالألمِ ... وضعضع الجسم بالتبريح والسقمِ
فمهجتي بنيار الشوق محرقة ... ومدمعي للنوى مغدودق بدمِ
ولعلنا قد أتينا بشيء منها في ترجمة العلامة علي بن أحمد بن أسعد الحملاني المذكور - رحمه الله -(8).
__________
(1) في (ب): حسن.
(2) في (ب): العلوم.
(3) في (ب): في يوم.
(4) في (ب): رثاه.
(5) في (أ): فضمهم.
(6) في (أ): وهو.
(7) في (ب): سعد.
(8) في (ب): تعالى.
محمد بن أحمد بن مظفر
الفقيه العلامة، المحقق الفاضل، محمد بن أحمد بن مظفر مؤلف (البستان) و(الترجمان)(1)، هو من بيت شهير بالفقه والفضل، نسبهم إلى حارث بن إدريس بن قيس (2) بن راع بن سبأ بن معاوية بن سيف بن الحارث بن مرهبة الأكبر، وهذا الفقيه الفاضل خاتمة المصنفين منهم(3)، رحل إليه العلماء، وانتفع بعلمه ممن ورد إليه كالسيد العلامة أحمد بن علي حصين، وترجم له الفقيه محمد بن أحمد هذا، وأثنى عليه، وكان السيد متبحراً في العلوم، إلا أنه قرأ على العلامة محمد بن أحمد في الفقه، وهو أحد حفاظه، ألف (البستان) شرحاً على (البيان) الذي صنفه العلامة يحيى بن مظفر، وسبب ذلك أنه لطول الدرس اجتمعت حواشي مفيدة في الهوامش، فرجح جمعها في كراريس، وأضاف إليها ما يجري مجرى الشرح المفيد النافع، اشتمل على الدليل، وأجاد، ثم صنف (الترجمان) فيه فوائد جمة - أعاد الله من بركته - وكان بينه وبين الإمام شرف الدين بعض الشيء، لأنه اتصل زمانه، بزمانه ولاطفه الإمام ملاطفة لم تفد، وله قصة(4) بسطها في (ترجمانه) منفصلة عنه من(5) نوب الحدثان التي ينوب الفضلاء - رحمه الله تعالى -.
محمد بن أحمد بن علان المعدل
العلامة المسند شيخ (الكوفة) محمد بن أحمد بن علان المعدل - رحمه الله تعالى - أحد شيوخ زيدية (الكوفة) - رحمهم الله -(6) في أفراد ستمائة، وقرأ(7) على أبي طالب محمد بن الضياع(8)، - رحمهم الله -.
__________
(1) في (ب): - رحمه الله -.
(2) سقط من (ب): بن قيس.
(3) سقط من (ب): منهم.
(4) في (ب): في (ب): قضية.
(5) في (ب): في.
(6) في (ب): تعالى.
(7) في (ب): قرأ.
(8) في (ب): الضاع.
محمد بن أحمد الدثاني
العلامة الفاضل، وحيد زمانه، محمد بن أحمد الدثاني - بالدال المهملة بعدها ثاء مثلثة - هو من فضلاء العلماء العاملين، وتزوج الكينعي بابنته، قال في (النزهة): كان من الفضلاء العلماء، سكن درب أحمد بن حميد بـ(صنعاء) المقدم ذكره، وولده علامة التفسير المحقق علي بن محمد عنده في (الدرب)، وقرأه علي بن محمد الدثاني على والده، وقرأ على علي فضلاء منهم القاضي محمد النهدي شيخ محمد(1) بن منصور الزيدي، وهذه سلسلة في الإسناد طيبة، تخرج بإسنادهم حديث في فضل صلاة الجماعة، ذكره في (حدائق الياسمين)، واستحسن ذلك الحديث الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين - عليه السلام -.
محمد بن أحمد بن جناح الضمدي
العلامة البليغ المفوه، لسان الحق، بدر الدين محمد بن أحمد بن جناح الضمدي(2)، هو من بيت بالفضل معمور، ومن منار علا ظاهر غير مغمور، لهم في التشيع غرر شادخة، ذرا دور شامخة(3)، وفيهم الأعقاب، والبقية الصالحة إلى يومنا /114/ هذا، وكان هذا الفاضل لساناً متكلماً كما هو منهاج أهله بل منهاج بلده، فَلِلَّهِ بلدة (ضمد) ما حوت من كرم(4)، ومما اتفق بين هذا العلامة وبين أهل زمانه من (الشافعية) في البيع الذي يزاد(5) في ثمن المبيع لأجل النسيئة أشعار مرت بنا أيام القراءة بـ(صعدة)، ولم يبق عندي مما دار غير جواب هذا المنطيق، ولعله خاتمة ما دار، ومن تحقق هذا عرف ما سبقه من الأشعار، وقد رأيت إثباته لجودته،
أجاب على مقالتنا القوية ... بتحريم الزيادة في النسية
أناس حاولوا نيل الثريا ... وطمس شموس مذهبنا المضية
فمن (جازان) جاء إليَّ نظم ... ونظم من (زبيد) الشافعية
ونثر من أبي دنقور وافى ... لنثر(6) سلوك مذهبنا البهية
__________
(1) في (ب): منصور بن محمد.
(2) في (ب): - رحمه الله تعالى -.
(3) في (ب): ... غرر شادخة، وفي الكمال دراً شامخة...
(4) في (ب): حوت من كرام وعهد، واتفق بين...
(5) في (ب): يزد.
(6) في (أ): لثر.
أبو دنقور - بالدال المهملة مفتوحة بعدها نون ثُمَّ قاف ثُمَّ واو ثُمَّ راء مهملة - (زقاق بمدينة صبيا)(1).
فكان جوابنا عن ذا وعن ذا ... بما يشفي النفوس اللوذعية
بنثر يسلب الألباب حسناً ... ونظم كالعقود العسجدية
إذا أفرغته في سمع واع ... سرى في ذهنه كالقرففية
فنظم (زبيد) دل على وقار ... لناظمه وجودة ألمعية
ولكن شاب صافيه وعفى ... محاسنه التعصب والحمية
أتى بأدلة لم تُجْدِ فيما ... يروم ولا أفادت في القضية
أخالك لم تكن يا ذا المعالي ... بدارٍ ما أدلتنا الجلية
ولم تعلم بقول الله فيها ... وقول نبيئه خير البرية
ألست مسلِّماً أن الربا في ... مقالتنا الزيادة والمزية
وأن حصولها لا شك فيه ... لمن يعطي الثمينة بالوقية
فقد قال الإله بغير شك ... دعوا هذا الربا وذروا النسية
وقال رؤوس أموال خذوها ... وخلوا الظلم ظلم الجاهلية
وقال بأن آكله صريع ... يقوم كذا جنون بالسوية
وقال نبيئكم وأجل قول(2) ... لمتبع مدى الدنيا الدنية(3)
دعوا هذي الكبائر وهي(4) سبع ... وعدد ذا الربا في ذي الخطية
كذاك أتى ابن مسعود بلعنٍ ... لمن يعطي الربا ولذي العطية
وشبه(5) أحمد فعل المرابي ... بناكح(6) أمه بين البريَّة
وأخبار مبينة وفي ذا ... شفاء نفوس أفئدة صدية
وأما ما ذكرت عن ابن عمرو(7) ... وصاحبه المعارض بالبلية
فعارضه حديث النهي فارفض ... فذلك ذات ذي النفس الحسية
وعد نحو الأحاديث اللواتي ... تجلت فهي ظاهرة جلية
وقلت وقال بيعوا كيف شئتم ... فآخذه يداً بيد عطية
وقولٌ في حديث التمر أعني ... هدية خيبر نعم الهدية
/115/ فلسنا منكرين فإن هذا ... من الحيل الصحيحات السنية
وأي دلالة فيها(8) على ما ... ذكرت ونحن في بيع النسية
__________
(1) في (ب): قرية غربي مدينة صبيا.
(2) في (ب): قوم.
(3) في (ب): بنية.
(4) في (ب): فهي.
(5) في (ب): سيدي.
(6) في (ب): كناكح.
(7) في (ب): عمرو.
(8) في (ب): يرجو فرد.
وكل تحيل فيه انتهاب ... فدعه فهو من حيل ردية
وكل تحيل فيه رضاًء ... لربك فهو من جيل زكية
فما حيل الربا إلا انتهاب ... لأموال الخلائق بالأذية(1)
فخذ عني رضاء الدين نظماً ... أجبت به نظامك عن روية
وكان جوابنا للنثر قدماً ... بألفاظ عذاب سلسلية
ونظم لا يرجوه فردد(2) وعيوب ... يجانبها ذوو الهمم العلية
فأبلغه السلام وناد جهراً ... عليه عثرت سبعاً جوفرية
فأول عثرة لم تأت فيما ... نظمت بغير شتم الهادوية
ولم تنصب ولم تذكر دليلاً ... على تجويزكم بيع النسية
ذممت مذاهب السادات جهلاً ... كأن الذم للكملا سجية
وقلت بأن أنجمكم مضية ... وأنجمنا مكدرة خفية
وقلت بأننا مخفون ديناً ... وأنتم في المذاهب ظاهرية
وتشتم مذهباً لبني علي ... وتذكر آل أحمد بالأذية
فويلك استقل من ذا التعامي ... وويلك استقل من ذي الخطية
إذا أنكرت فضل بني علي ... وحسن مذاهب لهم جلية
فما تأتي به يوم التنادي ... إلى من عنده فصل القضية
فمن آذى علياً أو بنيه ... فقد آذى المهيمن أو نبيه(3)
ألا دع شتم مذهب آل طه ... إذا ما كنت ذا نفس حنية(4)
وتب فيما ذكرت فهم أصول ... وكل العالمين لهم رعية
فلولا هم لما(5) كنتم ولولا ... مساعيهم لكانت جاهلية
ولولا هم أبا حفص لكنتم ... كسائمة الفلاة بلا مزية
بهم قام الهدى بعد اعوجاجٍ ... وذاقوا دونه طعم المنية
وهم أرووا قواضب من عداهم ... وهم أرووا رماحاً سمهرية
وحاطوا بيضة الإسلام حقاً ... بأطراف الرماح الراعبية
فلا تغررك(6) دنيا قد أميلت ... لغيرهم فذي الدنيا دنية
وإن بني أمية أو سواهم ... أنيلوا من محاسنها الشهية
ولا يخفى على الرحمن أمر ... له ابتدع العباسية العرية
سيعلم ظالموهم يوم حشرٍ ... لكل الخلق ما سبب البلية
وإن جزاءهم جنات عدن ... وإن لظى جزاء للشقية
__________
(1) في (ب): بل أذية.
(2) في (ب): يرجو فرد.
(3) في (ب): نبيه.
(4) في (ب): حيية.
(5) في (أ): ما.
(6) في (أ): تغرركم.
وثاني عثرة لك لم تحافظ ... على وزن العروض ويا رزية(1)
وثالث عثرة قلت اعتسافاً ... بأن الشعر من حرف دنية
فمالك يا همام دخلت فيها ... كأن دخولكم من غير نية
ورابع عثرة ما قلت إني ... ذممت إمامكم يا شافعية
أمثلي مولع بالذم كلا ... لعمري إن ساحتنا برية
وقولي ظاهر فتتبعوه ... بأنظار مهذبة ذكية
وخامس عثرة قلت افتخاراً ... مقامكم أضاء على البرية
أفي نص الكتاب رأيت هذا ... أم السنن التي ليست خفية
بحق الله أخبرنا وإلا ... فسلني إن أخباري سنية
إذا ابتدعت أراذلكم مقاماً ... وسوقتكم فحزتم عجرفية
كأنا سوقه الأمصار حتى ... تغرونا بأقوال ردية
إذا كانت نفوسكم غبية ... فإن نفوسنا ليست غبية
وسادس عثرة قلت افتحاراً ... نُفَاخِرُ(2) بالتكاثر والمزية
متى كان التكاثر فيه فخر ... إذا ما (3) لم يكن فخر النقية
وسابع عثرة ذكر الكفية ... وتسمية الرواية بالروية
ولفظاً قلته غشاً ركيكاً ... يدل على غفولك في القضية
نظرنا في الكتاب كتاب عمرو(4) ... فطالعنا(5) الطروش الأصمعية
وبالتسهيل كان لنا احتفال ... فلم نجد الكفية والروية
ولم(6) يظفر ولم يسمع بخير ... يسمى ذرية العلما ذرية
وقلت مقالة شنعاء دلت ... على نفس خصصت(7) بها جرية
بأنا لم نكن أتباع زيدٍ ... فمن أتباعه يا ذا الأذية
وقلت لو اننا أتباع زيد ... لكنتم أجمعون لنا رعية
كأنك منكر أنا رعاة ... لكم هذا إباق المارقية
وحين فخرت جهراً بالجويني(8) ... فخرنا بالليوث الحيدرية
أئمتك الأولى بهم فخار ... لكم لأئمتي أبداً رعية
لنا زيد إمام من كزيدٍ ... وإن مثلت به ألفية (السعية) (9)
نسيت إمامنا يحيى بن زيد ... وإبراهيم ذا النفس الأبية
__________
(1) في (أ): وباردية.
(2) في (ب): وسوفيكم.
(3) سقط من (ب): ما.
(4) في (أ): عمر.
(5) في (أ): وطالعنا.
(6) في (أ): من.
(7) في (ب): خصص.
(8) . الامام ....
(9) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
ويحيى ذا العلا سبط بن يحيى ... كذاك محمد النفس الزكية
/117/ وأسبل دمعه جبريل وجداً ... على قتلى أئمتنا الرضية
بهذا أخبر المختار فأحكم ... لقتلى فخ بالرتب العلية
ومنا ابن الحسين القرم يحيى ... مبيد ذوي الفساد القرمطية
إمام دوخ الأضداد طراً ... وشردهم إلى دمن خلية
ومنا نجل حمزة خير داع ... أباد بسعيه الفرق الغرية
هو المنصور تعرفه الأعادي ... وتعرفه متون الأعوجية
تزعزع خوف سطوته دمشق ... وبغداد وأرض القادسية
وفي ذيبين كان لنا إمام ... أخو همم أباد الباطنية
ومن سبط ابن حمزة ذاك يحيى(1) ... أخو العليا وبدر الهاشمية
ومنا صاحب البحر ابن يحيى(2) ... ومنا صاحب النفس السخية
إمام العصر مولانا جميعاً ... ومالكنا ومولى الشافعية
أبو الحسن الذي في الجود أزرى ... نوالاً بالهبات الحاتمية
وكم من سيدٍ منَّا وهادٍ ... إلى التقوى وكم أُسْدٍ ضرية(3)
فلا تفخر علينا بالجويني ... فنفخر بالشموس الفاطمية
عليهم بعد جدهم صلاة ... مدى الأيام ما غذت مطية
وأصحاب النبي وتابعيهم ... وتابعهم على الطرق الرضية
محمد بن أحمد بن يحيى
العلامة الرئيس، بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن أبي حجلان الوادعي - رحمه الله - قد سبقت ترجمة أبيه، وهو من العلماء الكبار.
قال السيد يحيى بن القاسم الحمزي: ولي (صعدة) للإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام -.
محمد بن أحمد بن أسعد الحاشدي
الفقيه العلامة محمد بن أحمد بن أسعد الحاشدي - رحمه الله -(4)، ترجم له بعض العلماء وقال: رأى له نسخة من (الزهرة الجامعة لمعاني اللمع)، فرغ من زبرها في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
__________
(1) في (ب): ومنا سبط حمزة ذاك يحيى.
(2) في (أ): البحران يحيى.
(3) في (أ): رضية.
(4) في (ب): الله تعالى.
محمد بن أحمد بن محمد
الفقيه العالم(1) الفرضي، محمد بن أحمد بن محمد(2) بن أبي القاسم بن محمد بن محمود الناظري(3) - رحمه الله -(4)، واسم الناظري أحمد، وهو الذي يجمع نسب هذا العلامة، ونسب القاضي عبد الله، وهذا(5) المسمى بالناظري هو أحمد بن محمد بن منصور بن محمد بن العثور. قبر محمد بن أحمد صاحب الترجمة في (مرارة(6) عبس) في جهة (حجة)، وعليه مشهد مزور.
محمد بن أحمد بن إبراهيم
الفقيه العارف البليغ، بدر الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم النعمان الضمدي - رحمه الله - كان من أهل البلاغة واللسن والأدب والعرفان والفضل والكمال، ولي أعمال (ينبع) للإمام المتوكل على الله يحيى(7) شرف الدين - عليه السلام - ومدح الإمام يجيد الشعر(8)، فمما أنشده ضحوة يوم الأضحى بدار السكران السعيد(9) بقصر غمدان هذه القصيدة: /118/.
وحق الهوى العذري ما لِيَ من عذرِ ... إذا لم أمت من حب مخجلة البدرِ
مثّقلة الأرداف مخطفة الخصر ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشرِ
فويترة الألحاظ خمرية الثغر
برهرهة(10) رود رُشَيِّقة القدِّ ... معقربة الأصداغ وردية الخدِّ
يلمضها ظلم ألذ من الشهدِّ ... ومبسمها الدري أبهى من العقدِّ
أذابت فؤادي في الهوى وهي لا تدري
أنوح إذا(11) ناح الحمام المطوقُ ... إلى غادةٍ(12) في خدها الورد مورقُ
يهيّجني بلبالها(13) ويؤرقُ ... فمن لي بها إني إليها لشيقُ
__________
(1) في (ب): العلامة.
(2) سقط من (ب): ابن محمد.
(3) في (ب): بن الناظري.
(4) سقط من (ب): رحمه الله.
(5) في (ب): وهو.
(6) في (ب): خرارة.
(7) في (ب): يحيى بن شرف الدين.
(8) في (ب): الإمام يجيد من شعره.
(9) في (ب): البكران السعيدة.
(10) بَرَهْرَهة: البرهرهة: المرأة البيضاء الشابة، والناعمة، أو التي تُرْعَد رطوبة ونعومة. القاموس المحيط 1145.
(11) في (ب): إلى.
(12) في (أ): غادرة.
(13) بلبالها: البلبال: البُرَحاء في الصدر، وهو تَوَهُّجُ الشّوق. القاموس المحيط بتصرف 891.
تفيض دموعي من غرامي على صدري
فرفقاً فدتك النفس بالمغرم الصبِّ ... ومنّاً على الصادي(1) إلى ريقك(2) العذبِ
فقد كدت أقضي من أليم(3) الهوى نحبي ... وما لي لا والله غيرك من طبِ
فزوري سمير النجم في حندس الشعرِ
لعل(4) تباريحَ الصبابة تبرحُ ... ويسكن وَجْدٌ كان في القلب يقدحُ
وَيَرْقَأُ دَمْعٌ منه جفني مُقَرَّحُ(5) ... فيا ليت شعري هل لي الدهر يسمحُ
بوصلك إني صرت كالقلم المبري
عسى ولعل الدهر بالوصل يسعفُ ... فلم (آنس) لا والله إذْ بِتُّ أقطفُ
شقائق خد بالنضارة تنطفُ ... كأن ندا مولى البرية يقذفُ
عليه بأمواج تجل عن الحصرِ
إمام الهدى يحيى أجل الورى قدراً ... وأطولهم باعاً وأعظمهم فخراً
وأبسطهم كفاً وأرفعهم ذكراً ... وأربطهم جأشاً وأوسعهم(6) براً
وأثبت من قد قام بالنهي والأمرِ
وأعلى بني الدنيا وأوفاهم عُهدا ... وأنفذهم رأياً وأوراهم زِنْدا
وأرجحهم حلماً وأشرفهم مجدا ... وأفضلهم طراً وأرحبهم رفدا(7)
وأولاهمُ والله بالحمد والشكر
__________
(1) الصادي: الضمآن.
(2) في (أ): رتقك.
(3) في (ب): ليتم.
(4) في (ب): لعلي.
(5) في (أ): مفرح.
(6) في (ب): وألمعهم.
(7) في (أ): وفدا.
محمد بن أحمد الطبش
الفقيه العالم، محمد بن أحمد الطبش - رحمه الله - من العلماء المفيدين والمدرسين المحلقين، قرأ على (فراغ).
محمد بن أحمد المعروف بالحاج [912هـ - 973 ه ]
الفقيه المحقق، الفاضل، بدر الإسلام، محمد بن أحمد المعروف بالحاج بن حنش - رحمه الله - كان من الفضلاء الكبار ومن العلماء، زاهداً ورعاً، متقنعاً محققاً في العلم، بليغاً في النظم والنثر، مولده في الثلث الأخير من ليلة الأربعاء لخمس بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ووفاته في ثامن وعشرين من جمادى الأولى من سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة /118/ قبيل الشروق يوم الجمعة، وقبره بصرح جامع (ذيبين) عند الباب الشرقي بجنب الصومعة، وله أشعار كثيرة، منها ما كتبه إلى الإمام الحسن بن حمزة بن علي بن محمد بن سليمان القاسمي المعروف بصاحب اللسان(1):
شرف الهدى شَرَّفْتَ(2) عندك محسنا ... وأنلته السؤْلَ المؤملَ والمنى
وقضيت حاجته فنال مرادهُ ... وشفى غليل الصدر فانزاح العنا
فوقوفه بعناية منكم على الر ... وض المجْود المشتهى حلو الجنا
ذاك الذي ما زلت مرتقباً له ... فلكم علي جميل شكري والثنا
ومنها:
فغدوت من فرح(3) به متحيراً ... هل أرتوي أو أجتني ما يُجتنى
وأردد الطرف الحسير تعجباً ... مما حواه فيكسب(4) الطرف السنا
وأقول دام لنا سلالة(5) حمزة ... يبدي لنا ما لم يكن في علمنا
فهو العليم الحاذق الطب الذي ... في كل فن قد غدا متفننا
ونقتصر على هذا القدر، فأجابه الإمام بقصيدة منها:
أنت الفصيح وما عداك مفحّم ... وغلبت غيرك من قصى أو من دنا
أرحلت أفراس البيان ورضت أفـ ... ـراس البديع وصرت عيني دهرنا
فنفثت في هذا الكتاب بدائعاً ... أفحمت منها يا جمال الألسنا
ومنها:
لك في البلاغة معجزاتٌ جَمَّةٌ ... لم تجتمع أبداً لغيرك في الدنا
لكنْ أبوك العالم الفذ الذي ... خضعت له أشعار من في عصرنا
وأخذ على هذا(6) النمط رحمة الله عليهم.
__________
(1) في (أ): لسان.
(2) في (ب): شرف عندك.
(3) في (ب): من فرحي.
(4) في (أ): فسكت.
(5) في (ب): سلامة.
(6) سقط من (أ): هذا.
محمد بن إدريس بن علي
السيد الأمير، المحقق الفاضل البحر، بدر الدين والإسلام أبو القاسم محمد بن المعتصم بالله إدريس بن الناصر للحق علي بن سيف الإسلام عبد الله بن الحسن بن حمزة بن سليمان، كان شمساً مضيئة الأنوار، وعلماً من أعلام العترة الأطهار، ترجم له السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد - رحمه الله - ترجمة غير مبسوطة، وهو حري بالبسط، صنف في التفسير كتباً أحدها (التيسير) والآخر (الإكسير الإبريز في تفسير القرآن العزيز)، وله (التحرير)، وله (الحسام المرهف تفسير غريب المصحف)، وله (الدرة المضية في الآيات المنسوخة الفقهية)، وله في الفقه (شفاء غلة الصادي في فقه الهادي)، وله (النور الممطور في فقه المنصور)، وله (الذخرة الزاخرة في مناقب العترة الطاهرة)، وله شرح على (اللمع)، وله في التفسير أيضاً (المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم)، ثُمَّ(1) فرغ منه في عام أربع وثلاثين وسبعمائة بقرية (بيت بوس) (2).
قلت: وقد يلتبس بالأمير محمد بن إدريس المسمى سيف الإسلام الملقب بالمعتصم بالله عبد الله بن الحسن الملقب /120/ بأبي اليتامى، فاعرف هذا.
__________
(1) سقط من (ب): ثم.
(2) في (أ): بقرن بيت بوس.
محمد بن أسعد المذحجي
الفقيه الهمام العالم محمد بن أسعد المذحجي المرادي، داعي الإمام المنصور بالله - عليه السلام - كان داعية إلى الحق وداعية(1) للعلم وهو يعتني(2) بالمذهب المنصوري أو بأكثره، كان محققاً في الغاية، وأرسله(3) المنصور بالله إلى عراق العجم وما صاقبه(4) من البلاد، وبلغ وعاد إلى حضرة الإمام، وبعض الناس ينسب بيتاً من الفقهاء(5) آل عابس إليه، ولم أقف على ذلك في كتب الأنساب، وهذا المحل الذي فيه هذا البيت المنتسبون إليه بقرب (جهران)، فلعله وقع اللبس بين محمد بن أسعد(6) هذا وبين الفقيه العارف محمد بن أسعد الحبشي من جنب (جهران) و(ذمار)، كان من كبار المطرفية بعد أن كان جندياً، ثم تاب وتاب معه ولده(7) المسلم بن محمد، وكان لمحمد هذا المطرفي عبادة واسعة)(8)، وسكن(9) (شظب) مدة للهجرة، ثم اعتزل الناس وسكن بأهله في جانب بعيد على مزدرع ليبعد عن العصاة، كان له مولى حبشي يقال له فرح قد تفقه، وتخلق بأخلاق العبادة، ومن عجيب ما يروى عن فرح أنه صحبه مزين فانتفع بفرح في دينه وصلح حاله، وكان المزين يدخل بعض أسواق (شظب) ليمتهن(10)، فمر به يوماً أبو العمر مسلم اللحجي شيخ المطرفية، فوقعت عين أبي العمر على رجل من عباد الأباضية ومجتهديهم، قد نهكته العبادة، فصار أسود كأنه خشبة محرقة وهو يمشي في السوق برفق وقد رفع أطراف ثيابه
__________
(1) في (ب): وواعية.
(2) في (ب): المعني.
(3) في (ب): وأرسله الإمام المنصور بالله.
(4) في (أ): صافية.
(5) في (ب): ببلاد آل عابس.
(6) في (ب): محمد بن أحمد بن أسعد.
(7) في (ب): وولده.
(8) جاء ما بين القوسين في (ب) بهذا اللفظ: الفقيه العارف محمد بن أسعد ولده المسلم بن محمد وكان لمحمد هذا المطرفي عبارة واسعة المحيسني من جنب جهران و(ذمار)، كان من كبار المطرفية بعد أن كان جندياً ثُمَّ بان وبان معه، وولده المسلم بن محمد وكان لمحمد هذا المطرق عبادة واسعة.
(9) في (ب): سكن.
(10) في (أ): ليتمهن.
لئلا يصيبها شيء يكرهه، وتواضع وتخشع، فقال أبو العمر: وكان يومئذ شاباً حدثاً ينخدع لمثل هذا مخاطباً للمزين المذكور، وكان شديد البغض(1) للخوارج والمجبرة والمشبهة، وكان اسم المزين سليمان بن صبيح، فقال له أبو العمر: يا سليمان أنا والله(2) أوافقك في ضلال الإباضية إلا هذا الشيخ العفيف الخاشع لله، أما ترى ما هو عليه من الصورة وأنت تزعم أنه هالك؟ فقال له(3) سليمان: ويحك، أرأيت إن كان هذا يقول بالجبر، وينسب إلى الله أفعال خلقه، ويعتقد منه خلق الفساد في الأرض، ماذا ترى؟ قلت: أرى أنه هالك إذا كان هذا منه، فقال: أدركه ثُمَّ اسأله عن ذلك، فأدركه أبو العمر، وكان الرجل من بطن من الحار(4) بينهم وبين أبي العمر رحم، فرفق به وقال: يا خال ما تقول في الكفر والإيمان من خلقهما؟ فقال: الله يا بني، فأكد عليه أبو العمر حتَّى تيقن دخيلته(5)، وعاد إلى المزين، فأوسع المزين في سبه، وكان هناك عبد زنجي(6) يعرف بالحمامي لم يفصح كما ينبغي، يبول في ناحية السوق غير مستتر، بين الخمارين، ويعصر لهم الخمر، ويكسح لهم الدور وبيوت الماء، و(7) يعيش في أخبث مهنة تكون (8)، ولا يكاد يلقى إلا سكران أو حامل نجاسة، وعلى أقبح صورة في الدين والدنيا، فقال المزين حالفاً بالله العظيم: إن الزنجي(9) أقرب إلى الله من هذا الإباضي، وأهون عذاباً منه في النار الذي قد أعجبتك هيبته وخشوعه، /121/ ثُمَّ التفت المزين إلى الزنجي(10) الحمامي، فوقع بصره عليه صريعاً(11)، فدعاه فقال: يا حمامي أخبرني من حملك على ما أنت عليه من شرب الخمر، وقطع الصلاة، والتمرغ(12) في النجاسات
__________
(1) في (ب): البغضة.
(2) سقط من (ب): والله.
(3) سقط من (ب): له.
(4) في (ب): في (ب): الحائريين.
(5) في (ب): دخلته.
(6) في (ب): نجي.
(7) سقط من (ب): الواو.
(8) سقطت من (ب): تكون.
(9) في (ب): المزني.
(10) سقط من (ب): الزنجي.
(11) في (ب): سريعاً.
(12) في (أ): المرغ.
والأوساخ، وحمل الأقذار، أنت أم الله(1) جل وعلا؟ فكأنه ارتاع، ثُمَّ رفع صوته: هاتني(2) أنبيلا هاشى أنبيلا(3) يكررها ويرددها (4)، ومعناها حاشا الله حاشا الله، وأنبيلاً عندهم الرب سبحانه، ثُمَّ التفت وقال: يا سليمان هملتني نفسي(5) (هملتني نفسي هما مي كيبة همامي كيبة)(6)، معناه: حملتني(7) نفسي حمامي خيبة حمامي خيبة. وخيبة يعني خبيث يستعمله العامة.
محمد بن إسماعيل بن أبي النجم
العلامة البليغ، سليل الأكابر، وبهجة الأكابر(8)، وبهجة المحافل والمنابر، محمد بن إسماعيل بن أبي النجم - رحمه الله -(9)، من البيت المعمور بالفضل، وأهل السبق في الخيرات، - رحمه الله - أظن والده إسماعيل بن عبد الله صاحب القصيدة التي في المنتصر بالله(10) داود بن المنصور بالله، وله الشعر إلى أبي يحيى محمد بن سعيد صاحب (الحزم)، ولمحمد هذا شعر، منها مرثية في القاضي ركن الدين(11) عبد الله بن علي بن أبي النجم - رحمه الله - التي أولها:
لعمري لفي المختار أحسن أسوة ... لمن ضامه الدهر المسيء(12) وروعا
وله فيه أخرى طالعها:
صفو المعيشة ممزوج به الكدرُ ... والموت غاية ما الأحياء تنتظرُ
وفي هاتين القصيدتين ما يدل على فضل القاضي ركن الدين إلى الغاية، وعلى جلالة محمد هذا، ومن شعر محمد هذا - ولله دره -:
أقلا من التفنيد بالله وأعذرا ... ولا تعذلا من ليس يجدي ملامُهُ
دعاه فإن اللوم أوفى بلية(13) ... وأوفى دليل للحليم سقامُهُ
__________
(1) في (ب): أم الله تعالى.
(2) في (ب): هاشي.
(3) في (ب): أم انبيلا.
(4) سقط من (ب): ويرددها.
(5) في (ب): هملتني نفسي همامي كيبة.
(6) ما بين القوسين غير مجود في (ب).
(7) في (ب): حملتني نفسي حملتني نفسي همامي خيبة حمامي خيبة.
(8) سقط من (ب): وبهجة الأكابر.
(9) في (ب): الله تعالى.
(10) سقط من (ب): بالله.
(11) في (أ): الدر.
(12) في (ب): المسمى.
(13) في (ب): في بليته.
فكيف تلوما من يبيت مسهداً ... جفا طرفَه سلوانه ومنامُهُ
يحن لفقد النائبين عن الحمى ... فما ذكروا إلا وجد غرامُهُ
فيا مخبري كيف الحمى بعد أهله ... هل أخضر منه زنده(1) وخزامُهُ
وهل جاده مزن الخريف ووبله ... وهل وكفت بعدي عليها(2) غمامُهُ
وهل ذلك الروض الأنيق كعهدنا ... تعانق منه شيحة(3) وبشامُهُ(4)
وهل غادة(5) الأغصان في جنباته ... يغني(6) بها أقماره وحمامُهُ
بنفسي حبيب كان فينا مخيماً ... يحاكي وميض البرق(7) منه ابتسامُهُ
فمن وجهه البدري ينفسر(8) الضحى ... ومن شعره ليل الدجا وظلامُهُ
فما عرف الأملود قبل تثنياً ... ولا الغصن(9) لولا قده وقوامُهُ
بدا لي وقد شد الرحال ضعانهم ... وقد جد عني بينه وانصرامُهُ
وغاب لذيذ العيش عني عشية ... بها قوضت عن حافتيه(10) خيامُهُ
وأغور حادينا وحادي ضعانهم ... (زبيد) لعمري قصده وسهامُهُ /122/
(11)أنحه بسفح(12) فيه عذب لوارد ... ومرعى خصيباً ليس يحمى ثمامُهُ
فيحيى عماد الدين أكرم من مشى ... وأكرم سوح في الزمان مقامُهُ
وحط به الأنساع والْثم ترابه ... فأيسر فرض الزائرين استلامُهُ
وعظمْه فالتعظيم حق لمثله ... كما حق للبيت العتيق احترامُهُ
فلله من بحر نزلت بسوحه ... ومن باسل أغنى الكماة لزامُهُ(13)
فتى شاد(14) من أبنا أبي النجم مفخراً ... فساد(15) ولم يمرر عليه فطامُهُ
__________
(1) في (ب): زبده.
(2) في (ب): عليه.
(3) في (أ): سبحة.
... الشيح: نَبْت.
(4) البَشَام: شَجَرٌ عَطِرُ الرائحة. القاموس المحيط 997.
(5) في (ب): عادت.
(6) في (أ): نعني.
(7) في (ب): يحاكي وميض البرق ابتسامه.
(8) في (ب): فمن وجهة البدري ينقشر الضحى.
(9) في (ب): الغص.
(10) في (ب): جهلتيه.
(11) زيادة في (ب): ومنها.
(12) في (ب): بسوح.
(13) في (ب): ومن نازل أعيى الكماة لزامه.
(14) في (ب): ساد.
(15) في (أ): فشاد.
تجود إذا ظلم الكريم(1) ثباته ... ويروى وما يروى السحاب سحامُهُ
إمام لمحرابٍ لسان لمنبر ... ومقدام خيل(2) لا يطاق صدامُهُ
وهي طويلة، وجميعها(3) إلى العلامة يحيى بن أبي النجم رحمه(4) الله تعالى.
محمد بن إسماعيل
العالم(5) العلم، الفاضل المفضال، محمد بن إسماعيل(6) - رحمه الله - هو الذي كان مرجع الفضلاء، وغوث الطلبة، وإنسان الكمال، جمع مع العلم فضائل عدة - رحمه الله - وبيتهم شهير، وقد قل المنتسب إليه بعد هذا العالم وأولاده، وكان موته وموت أولاده في سفر الحج في عام واحد بعد أن قضوا الحج والزيارة في أوائل سنة سبعمائة(7) يوم عاشوراء، وذلك تاريخ(8) وفاة هذا العالم، وموت أولاده لم أظفر بتاريخه، وكانت وفاته بـ(ينبع)، وكذلك ولده الفقيه الفاضل فخر الدين عبد الله بن محمد بن إسماعيل توفي هنالك، وأما الفقيه جمال الدين(9) علي بن محمد بن إسماعيل فتوفي بالمركب عند (اللحية)، وكان لموتهم موقع عند الفضلاء، ووجه الإمام شرف الدين(10) مرثية فيهم، وكان عمر الإمام يومئذ ثلاث وعشرين سنة، والقصيدة هي هذه:
لا تعذلي فالصبر أسما عيلا(11) ... والموت(12) فرق آل إسماعيلا
قوم أصيب الدين عند مصابهم ... والعلم أضحى حده مفلولا
وتهدمت أركان ملة أحمد ... لما أقاموا في القبور حلولا
وبكتهم عين الكمال بمقلة ... عبراً(13) تهمل بالدموع همولا
ما كان همتهم سوى كسب العلا ... والمجد دأباً بكرة وأصيلا
صاموا نهارهم وقاموا ليلهم ... وغدوا إلى سبل النجاة دليلا
__________
(1) في (أ): طم الكريم.
(2) في (أ): جبل.
(3) في (ب): وجهها.
(4) في (ب): رحمهم.
(5) في (ب): العامل.
(6) في (ب): إسماعيل الحجي.
(7) في (ب): تسع مائة.
(8) في (ب): تارخ.
(9) في (ب): - عليه السلام -.
(10) في (ب): - عليه السلام -.
(11) في (ب): إسماعيل.
... عيلا: عِيْلَ: غُلِبَ. أي نَفَذ، والألف للإطلاق.
(12) في (ب): فالموت.
(13) في (ب): عرا.
وتفردوا للعلم حتى أنهم ... صاروا لأفراس العلوم فحولا
سل عنهم الفرقان هل لم يوضحوا ... من لفظه الإعجاز والتأويلا
واسأل أصول الدين عنهم هل(1) غدوا ... في تاج همة علمه إكليلا
وكذا أصول الفقه إن عَلِيَّهُمْ ... كانت له فيه اليمين الطولا(2)
/123/ هذا تصريح بأن علي بن محمد متقناً لأصول الفقه، وذلك مأثور عنه،
وكذا الفروع فإنهم كانوا به ... للعارفين دعائماً وأصولا
ثم استتمَّ فخارهم فاستوجبوا ... عن هذه الدار الجنان بديلا
آهاً لمصرعهم فقد هدَّ القوى ... وأثار في كل القلوب غليلا
عمت محاسنهم فعم مصابهم ... فترى لكلٍ رنة وعويلا
يا نكبة نفت الرقاد وغادرت ... في الجسم منا ما حييت نحولا
الحزن إلا فيك كان مذمماً ... والصبر إلا فيك كان جميلا
يا هجرة الظهرين(3) ما لبدورك الـ ... لائي(4) بك استتمت(5) صرن أفولا
قد كنت عند محجة (ذو كعبة)(6) ... للعالمين ومقصداً مأهولا
من بعد مسعود سليمان ثلا ... ومحمد وابناه(7) راحوا جيلا
كانوا على الطاعات مجتمعين في ... الأولى وفي الأخرى(8) كما في الأولى
وآها لهم يا ليت إني بينهم ... فأفوز فوزاً لو ظفرت جليلاً(9)
نشر الآله عليهمُ من فضله ... سحباً وظلاً في الجنان ظليلا
وابني لإبراهيم كل رزية ... وأثابه أجراً يكون جزيلاً
والله إني آخذ مما به ... حظاً عريضاً بعدهم وطويلا
لكننا نرضى بحكم إلهنا ... فيما قضاه طاعة وقبولا
__________
(1) سقط من (أ): هل.
(2) في (ب): كانت له فيه الثمين الطولا.
(3) في (أ): الطهرين.
(4) في (ب): اللاتي.
(5) في (أ): استمر.
(6) ما بين القوسين فراغ في (ب).
(7) في (أ): وأبناؤه.
(8) في (أ): الآخرة.
(9) في (ب): جزيلاً.
ثم كتب الإمام(1) بعدها كتاباً ما سمحت بترك نقله لما اشتمل عليه من البلاغة والموعظة، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، ?وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ?[لقمان:34]، {إن الله عليم خبير}، الدهر يومان: مشكو ومشكور، والدهر(2) يومان معسور وميسور، والعاقل(3) لم يكن للنعمى غابطاً، ولا للبلوى ساخطاً، أما بعد، فإنه لما(4) بلغنا ما قضاه الرحمن، وحكم به العدل الديان، من انتقال أرواح الفقهاء المتقين، من دار الهوان، إلى غرف الجنان، طرقنا من هذا العلم ما أذهب البصر، وألهب الصدر، وأسال الدمع، وكاد يصم السمع، وأصاب صميم القلب فأوجع، وسلب اللب والقوى أجمع، فيا لله من هذه الدنيا فإنها سحابة صوبها المصائب، وكنانة نبلها النوائب(5)، عهودها محفوفة بخديعة، ووصلها موصول بقطيعة(6)، وهديتها مسفوعة بوقيعة، وعذب مائها كسراب بقيعة، ولكن لنا برسول الله أسوة حسنة، وقدوة مستحسنة، والصبر أليق بالرجل الحليم، والحر الكريم، لأن أمر الله المحكم، وقضاؤه المبرم، لا يرده راد، ولا يصد عنه صاد، وإنما يهيج العبرة، ويعظم /124/ الحسرة، على من فارق الدنيا وهو محزون مكروب، من اقتراف السيئات والذنوب، فأما من راح وصحيفة عمله بالأنوار(7) مملوءة، وصحيفة سيئاته من صدى(8) السيئات مخلوة، فلا يصلح لعاقل(9) الجزع عليه، وإنما يليق به الاشتياق إليه، والله المأمول(10) أن يتلقى الهالكم(11) بالرحمة والرأفة، ويحسن على الباقي الجزاء والخلافة، ولولا أشغال عرضت، وأعمال على
__________
(1) في (ب): - عليه السلام -.
(2) في (ب): والعيش.
(3) في (ب): من.
(4) سقطت من (أ): لما.
(5) في (ب): الثواب.
(6) في (ب): وصلتها موصلة بفجيعة.
(7) في (ب): وصحيفة حسناته مملوءة.
(8) في (أ): صفا.
(9) في (ب): للعاقل.
(10) في (ب): المسئول.
(11) في (ب): إلهاك.
القلب ازدحمت، لما ناب القلم عن المشي بالقدم(1)، وإن كان لا يعيد فائتاً، ولا يحيى مائتاً، ?رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ?[الأعراف:126] انتهى.
وكان محمد بن إسماعيل هذا كالأب الحدب للإمام أيام قراءته(2)، وكان ينصحه، ومما أجاب الإمام عليه(3) في بعض النصائح، هذه الأبيات - ولله دره -:
شكراً لمن عرّض لي في مقال ... منظم اللؤلؤ رطب المثال
ما للفتى بالجد(4) فخر ولا ... بثروة المال ولا بالجمال
ولا(5) بقوم سابق أمرهم ... ولا بعز باسق الشأو عال
ولا بأن صار مليكاً ولو ... دان له من في مهب الشمال
كلا ولو أضحى له ذو الورى ... ما بين مولى وموالٍ ووال
إن كان في مهوى الردى ثاوياً ... مرتكباً في لج بحر الضلال
ولم تكن(6) تصدر أفعاله ... في الحال قصداً لصلاح المآل
وإنما فخر الفتى إن غدا ... جليسه الدفتر في كل حال
يفتض أبكار معان به ... عزت على أفكار كل الرجال
ويقسم الساعات من عمره(7) ... في طاعة الحي الذي لا يزال
حتى يحوز(8) السبق من بين من ... جاراه في مضمار خير المعال
ويقمر الخصم على قرنه ... عند طلاب الفخر يوم النضال
لو أنه لم يختلج وهمه ... بالفلك(9) في خلجان ظن المحال
ولم يقدر في ميول إلى ... جناب أرباب الشقا والضلال
ولا ملالاً عن طلاب العلا ... ولا اطراحاً لخصال الكمال
ولا طرا الشك على علمه ... لكنه استهواه قِيْلٌ وقال
ومن وعى للناس أقوالهم ... مال به الناس يميناً شمال(10)
ولم يدع في دهره صاحباً ... إلا لسوء الظن فيه افتعال
يا نسل إسماعيل يا ذا الذي(11) ... جالت به الأوهام كمن(12) محال
__________
(1) في (ب): على القدم.
(2) في (أ): قرابة.
(3) في (ب): السلام.
(4) في (ب): بالمجد.
(5) في (أ): ويا.
(6) في (ب): يكن.
(7) في (أ): عمر.
(8) في (أ): يجوز.
(9) في (ب): في الفلك.
(10) في (أ): وشمال.
(11) في (ب): ياذا الثرى.
(12) في (ب): كم من.
لا تحسبن(1) إني ممن إذا استميل ... عن علياه بالمال مال
/125/فو الذي أوسعني همة(2) ... قعساء(3) تسمو فوق شم الجبال
ما أقبل الدنيا وإن أقبلت(4) ... إن كان في أخراي منها(5) اختلال
ولا أمني النفس بالرزق إن ... لم يحصل الرزق بغير السؤال
ولا أرى في العمر خيراً إذا ... لم يك(6) بالطاعات فيه اشتغال
فهذه سبلي التي أقتفي(7) ... أهلي طراً في القرون الخوال
لا أنثني عنها ولو عضني ... دهري وأبدا السوء(8) نحوي ومال
ثم صلاة الله تترى على ... محمد وآله خير آل
محمد بن جابر الزائمي
العلامة الفقيه، الفاضل الأصولي، بدر الدين محمد بن جابر الزائمي - رحمه الله - ترجم له السيد صارم(9) الدين - رضي الله عنه - فقال (.....) وكذا ترجم له صاحب (النزهة)، وذكر مدرسه في أصول الفقه، وقال: إنه جرى بينه وبين الأمير الحسين في ذبائح أهل الكتاب لما حضرهما طعام مأدوم بلحم من ذبائحهم، وطالت المراجعة حتى رجع الفقيه إلى كلام الأمير من جواز أكلها، وكان هذا الفقيه من فضلاء الشيعة الأتقياء، (10) ومن تلامذة عبد الله بن زيد، انتهى.
محمد بن جبريل بن محمد
السيد الأمير، الكبير الخطير، عين أعيان الأمراء محمد بن جبريل بن محمد بن علي بن الإمام الداعي يحيى بن المحسن، قال الإمام عز الدين: هو السيد العلامة الشهير، وهو أحد أنصار الإمام علي بن المؤيد، وله مصنف في التفسير، وقبره بالقرب من (المعلي)(11) في أسفل (فللة)(12)، وعليه مشهد محاط (13)، توفي في زمان علي بن المؤيد، وذكره أيضاً صاحب (اللآلئ).
__________
(1) في (أ): تحسب.
(2) في (أ): همه.
(3) في (ب): فعسى.
(4) في (ب): ولو زخرفت.
(5) في (ب): فيها.
(6) في (أ): يكن.
(7) في (ب): اكتفى.
(8) في (أ): السواء.
(9) في (ب): الصارم.
(10) في (أ): وهو من تلامذة.
(11) في حاشية (ب): بالغين المعجمة.
(12) في (ب): فلة.
(13) سقط من (ب): محاط.
محمد بن جحاف بن عز الدين
السيد العارف، عز الدين، سليل الأكرمين، محمد بن جحاف بن عز الدين بن الحسن القاسمي - رحمه الله -(1)، كان من أعيان السادة، له معرفة في النحو، وله فصاحة وخط حسن - أعاد الله من بركته -.
محمد بن جعفر بن أمير المؤمنين
الأمير الهمام، سلطان الإسلام، ناصر الحق، برهان الدين، عز الملة(2)، محمد بن جعفر بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن علي - سلام الله عليهم - هو أحد أساطين(3) الإسلام وأحد أعلام الدين، أشهر في الفضل من نار على علم، وقد سبق له ذكر عند ترجمة أخيه الفاضل، وذكرنا أهلية كل واحد منهما للإمامة العظمى، وأنهما لم يتركا الإمامة إلا (4) لما كان الطبق الأدهم(5) من الشيعة يعتقدونه، وأن هذا القول - أعني حياة الحسين(6) بن القاسم - لم تكن له بمعتقد(7)، وقدرهما يجل عن هذه الجهالة، ولعلنا قد ذكرنا في ترجمة الفاضل من أين نشأ هذا المعتقد لأهله، وهو أنه رأوا(8) الشريف أحمد العباسي المحسني اجتماع الأشراف القاسميين عند طلحة الملك بـ(جراف خمر)، ووصلوا جعفر بن القاسم والد الأميرين إلى هنالك، وتلقى أهل بيته ووجوه الناس له بالعزاء، وإظهاره لهم الإنكار لقتل أخيه الحسين، ثم أنه خلا بأهله القاسميين، /126/ وقال لهم بأمثال هذه العقول (يعاشرون الناس وكرنا الذي يصاب وأفرحنا فيه وبهم نفذت)(9) أحكامنا، وذكر همدان بجميل وحسن، ثم قال: والعجب منكم أنكم تدعون أنهم قتلوا إمامكم، إن أهدرتموه أخزيتم، وإن قتلتم به ظلماً أخربتم، وبطلت عدالتكم، ثم إنه(10) ذكر أنه حي، وأنه من بمدرك ابن إسماعيل (بالكساد)(11)
__________
(1) في (ب): تعالى.
(2) في (ب): ذو الشرفين.
(3) في (ب): سلاطين.
(4) سقط من (أ): إلا.
(5) في (ب): الأوهم.
(6) في (ب): حسين.
(7) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
(8) في (ب): روى.
(9) في (ب): تعاشرون الناس أن همدان وكربا الذي بضبنا وأفرخنا فيه.
(10) سقط من (أ): إنه.
(11) جاء في حاشية (ب): الكساد اسم بلد في بلاد مرهبة قد قدرنا منه في هذه [.......لم أتمكن من قراءته.....].
وروج لهم هذه الدعوى لهذا المقصد.
قلت: ويدل على صدق براءة الأميرين من ذلك قصة الضرير الذي كان بـ(شهارة) يعرف بالبصير، وكان مولى بن أهل درب شاكر بناحية (بني صريم)، وأنه كان يستعمل حيلاً وأخباراً لا يليق ذكرها، والحاصل أن الناس اعتقدوا فيه، وكان يكثر الزعمات في حياة الحسين، قالوا: فكان الأمير ذو الشرفين يداريه بهذا اللفظ أعني بلفظ يداريه، ومن ذلك قصة الحسين السراج الصنعاني(1).
__________
(1) وتقدمت في ترجمة في (ب).
قلت: كان هذا الأمير آية من آيات الله في الكمالات، هو(1) وأخوه الفاضل يمدان إلى الصواب يداً واحدة، وكانا شمسين في فلك واحد، ولما استشهد الفاضل - رحمه الله - قام ذو الشرفين بالأمر وشن الغارات، ونال من أعداء الله منالاً عظيماً يتزين بذكرها التواريخ، وكان - رحمه الله -(2) حليماً في القول والفعل، وله حكم نافعة، وله(3) قصائد، ومن الدلائل على حلمه ما كتبه إلى أبي محمد بن(4) عبد الرزاق بن أحمد(5) بن عبد الباعث وإخوته من الزيدية المخترعة بـ(شبام): وفهمت ما ذكرتم يا إخوتي(6) وسادتي، رفع الله ذكركم، وأصلح بلطفه أمركم، من الخلاف(7) الذي وقع بين من يدعي التشيع في مسائل ذكرتموها في كتابكم، واعلموا أن الخلاف(8) لا يؤدي إلى مصلحة ولا رشاد، ولا يسلم من تعلق به من الفساد، والاختلاف في أمور الدنيا لا يصلح لتناقضه بعده (9) من النصفة وتداحضه، فكيف يجوز الاختلاف(10) في دين الحكيم والصراط المعتدل والمستقيم، وقد حرمه الله كما حرم سائر المعاصي تحريماً أوعد من تعلق به عذاباً عظيماً، فقال - عز من قائل كريم - ?وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ(11) الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ?[آل عمران:105] فحكم عليهم رب الأرباب في تفرقهم واختلافهم كما تسمعون من العذاب(12)، وقال أيضاً قبل ذكر(13) الآية قولاً فيه الشفاء والكفاية لمن اكتفى، وهو قوله جل وعلا: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *
__________
(1) في (ب): وكان هو.
(2) سقط من (ب): لفظ الجلالة.
(3) سقط من (ب): وله.
(4) سقط من (ب): ابن.
(5) في (ب): وأحمد بن.
(6) في (ب): إخواني.
(7) في (ب): الاختلاف.
(8) في (ب): الاختلاف.
(9) سقط من (ب): بعده.
(10) في (ب): الخلاف.
(11) في (ب): جاءهم.
(12) في (ب): بالعذاب.
(13) في (ب): هذه.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ?[آل عمران: 102- 103]، فاحرصوا إخواني وساداتي(1) على التباعد من الاختلاف(2)، وعلى صلاح ذات البين والائتلاف، فمن قبله أتي الأولون والآخرون، وبه /127/ هلك المتقدمون(3) المجترون، سلمنا الله وإياكم من المهالك، وسلك بنا وبكم خير المسالك، وقد نظرت يا إخواني وساداتي في مسائلكم فإذا هي على وجهين، أحدهما ما لا يغني(4) المتعبد عن المراجعة فيه، والاستفادة لمعانيه، والثاني مما يسع المتعبد جهله، ويكفي عن فروعه أصله، فأما ما لا غنى عنه في الدين، ولا يسع جهله(5) أحداً من المتعبدين، فبيانه من كتب أئمتنا - عليهم السلام - واضح، ونور برهانه بين فاتح(6)، فانظروا في تلك الكتب، وقفوا عليها تجدوا(7) بيان ما تحتاجون إليه لديها، وأنا أسميها لكم ليسهل عليكم في الحال في اتباعها(8)، وهي كتاب (التفريع للقاسم بن علي - عليه السلام -)، وكتاب (المختصر لولده المهدي)(9)، وكتاب (المسائل التي أجاب عنها الإمام القاسم بن علي - رضي الله عنه -)، وكتاب (التثبيت)، و(الدلالة) أيضاً، وكتاب (الاستفهام) الذي سأل عنه زين بن أحمد الحميري(10) له أيضاً، وجواب (مسائل الطبري) له - عليه السلام - أولها: سألت أيها الأخ أعطيت سؤلك، وبلغت من السؤل مأمولك،
__________
(1) سقط من (ب): وساداتي.
(2) في (أ): التباعد والخلاف.
(3) في (ب): المقدمون عليه.
(4) في (ب): يسع.
(5) في (ب): جملة.
(6) في (ب): لائح.
(7) في (أ): تجدون [والصواب ما أثبتناه].
(8) في (ب): ابتغائها.
(9) في (ب): - عليه السلام -.
(10) في (ب): الحمزي.
والجامع من جمعها واستخراجها ووضعها وجوه أحدها الاكتفاء بما سطروا، والاستغناء بما قد ذكروا، أعلى الله في عليين درجتهم، وخص بأفضل الصلاة أرواحهم ومهجهم(1)، ومنها: إني أحب أن أكون أمة وسطاً، لا منحرفاً إلى بعض دون بعض ولا مخلطاً، ومنها: إن أكثر من ألف شيئاً ووافقه، لم يكد أبداً أن يفارقه، فالاشتغال(2) به عني، والرجاء نعود(3) مني.
محمد بن جعفر بن أبي هاشم
السيد الكبير، العلامة المجتهد، الأمير الخطير، محمد بن جعفر بن أبي هاشم الوهاسي - رحمه الله - هو البحر الذي لا يساجل، والجم الذي لا يحافل، قال ابن المظفر - رحمه الله -: كان هذا السيد يشار إليه بالإمامة لكماله بالعلم والعمل، وذكر أن له قصيدة غراء في الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة - عليه السلام - مطلعها:
الفكر حار فأي شيء أنظم ... مدحاً لمن مدح الكتاب المحكم
وترجم له الإمام عز الدين بن الحسن - عليهما السلام - وذكر أن الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر تزوج ابنته السيدة فاطمة، وأولدها أولاده النجباء المطهر، وقاسم وحسن وأحمد، ومن شعره ما قاله كالجواب للأمير الجمالي المحل الرفيع علي بن عبد الله(4) التي أنشأها في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأجابها الأمير محمد بن جعفر هذا بقصيدة قرر فيها ما أراده الأمير الجمالي من فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام - وإمامته، ثم شرحها الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بالشرح النفيس الحسن المفيد الذي سماه (الكواكب الدرية شرح الأبيات البدرية)، وأول قصيدة محمد بن جعفر - رضي الله عنه -:
هذي مالة أهل بيت محمد ... حقاً وإنك بحرها التيار
العالم الصدر النبيه ومن غدا ... في كفه الإيراد والإصدار
__________
(1) في (ب): ومهجتهم.
(2) في (أ): فالأشغال.
(3) في (ب): لعوته.
(4) زيادة في (ب): بن الحسن بن حمزة لما اطلع محمد بن جعفر على قصيدة علي بن عبد الله.
وهاب جرد الخيل كل مطيه(1) ... لم يثنه عن جوده الاقتار
محمد بن جعفر الطائي
العلامة الأواه(2)، المعاضد لأولياء الله، محمد بن جعفر الطائي - رحمه الله - والده جعفر المذكور، يعرف بالوقار، وأصلهم من (صيد) إلا أنهم نسبوا إلى (طي)؛ لأنهم كانوا ينزلون بجبل طي، ونسبتهم في بني (صبية ابن اد ولعلها)(3) قد مرت ترجمة والده - رحمه الله - وأنه أول من خرج إلى الهادي إلى الحق - عليه السلام - وولده محمد هذا كان من أكابر العلماء، عليه تعويل في رواية المذهب، وكان يختص بعبد الله بن المختار بن الناصر - عليهم السلام - وبالحسن بن أحمد الطبري والحسن أستاذه، وروي /128/ أنه - رحمه الله - خرج مع جيوش الناصر للحق - عليه السلام - يوم يغاش، فتشكك فرآه محمد بن يحيى المرتضى لدين الله - عليهم السلام - فأنكر ذلك، وقال: مالك لم تخرج في طاعة الإمام، فقال الطائي: لم أدر كيف وجه الخروج في ذلك، فأقبل عليه، وقال: يا أخي من تخلف عن الناصر، فالنار فالنار فالنار، قالها ثلاثاً، وكان محمد بن الوقار من حملة الأدب وأربابه، له في نظم الشعر إحسان، وروى أبو بكر محمد بن الحسن الكلاعي الزيدي - الآتي ذكره إن شاء الله - في آخر قصيدته النبوية(4) التي يجيب بها القصيدة المعروفة بأم الدبات(5) المنسوبة إلى أبي زيد محمد بن الخطاب العدوي الصنعاني، وهو رجل قرشي النسب من رواة الأدب ودرى(6) الفضل، وقومه العدويون من ولد عمر بن الخطاب، منهم العدد بـ(صنعاء) و(ذيبين) وبقرب (صنعاء)، وهي قصيدة يفخر بها للمعدية والأعاجم على (اليمن)، وفيها نفي أنساب، وتكلم على الباطنية، من جملتها فيهم:
ألستم مذعنين لابن فضل ... ومعطين المقادة أجمعينا
سما فيكم وقال أنا نبي ... فلبيتم وقلتم قد رضينا
__________
(1) في (أ): مطهم.
(2) في (أ): الأول.
(3) في (ب): طيه براود ولعلها.
(4) في (ب): المنونة.
(5) في (ب): الريان.
(6) في (أ): وذرى.
ويسميها غير(1) أهل (اليمن) بالقارعة، نعم فروى الكلاعي أن القارعة المذكورة ليست لأبي زيد المذكور، ونزهه(2) عنها، وجعل نسبتها إلى جماعة من أهل (صعدة) تجمعوا(3) على نظمها، منهم العلامة هذا محمد بن جعفر الوقار، ومنهم الحسن بن أحمد بن عبد الرحمن الصرار، وهو من بني دارم من بني تميم، خرج من (البصرة) إلى (اليمن) أيام صاحب الزنج، وأكثرها مما قال الكلاعي للصرار المذكور، وأعانه الجماعة، ومنهم أيضاً أبو أحمد بن أبي الأسد، وكان ينسب إلى بني سليمان(4)، ومحمد بن الحسن بن دانة، وقد مضى ذكر الحسن بن دانة، ونسبتهم(5) إلى بني عبد الدار بن قصي بن كلاب من قريش وعلي بن عشام (بن ثيق وعلي بن محمد السحولي، وهذا السحولي جد آل المذاهبي بـ(صعدة)، وكان أصله يهودياً من يهود بني هارون ثم أسلم وصار عقبه إلى العبل بـ(صعدة) وأبو عبيده الصنعاني، وقد استبعد ما قال الكلاعي سيما في ابن الوقار هذا، فإنه كان من أهل العلم والديانة وشرفه بديانه ويدفعه عن الخوض في أمثال هذه، ومحمد بن الحسن بن دانة أبعد أيضاً فإنه كان على منهاج أبيه، وكان من أوعية العلم، وكتب بخطه كثيراً من علوم الأئمة (ب)، وقرأ على الحسن الضمدي والحسن الظهيري قراءته على محمد بن الفتح بن يوسف ومحمد بن الفتح قرأ على المرتضى (ب) وأمَّا ابن أبي الأسد وأبي غنام)(6) فإنه هاجى النسابة المعروف بابن الحائك، وهو الحسن بن أحمد الذي هدم الناصر(7) - عليه السلام - داره بـ(صعدة)، وكانت(8) دخيلته فاسدة، وبحلية خبيثة، ومن عجيب أمر أبي عبيد وابن أبي الأسد المذكورين أنهما كانا يتماريان ويتمازحان، فكان أبو عبيدة يفضل الجبن على الشجاعة، وابن أبي الأسد يناقضه، فحكما في ذلك الحسن بن الهادي إلى الحق -
__________
(1) في (ب): عند.
(2) في (ب): ونزه.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): سليم.
(5) في (ب): نسبهم.
(6) سقط ما بين القوسين من (أ).
(7) في (ب): للحق.
(8) في (أ): كان.
عليهما السلام - فقضى(1) للشجاعة على الجبن، فمن شعر أبي عبيد يمازح ابن أبي الأسد، ويخاطب زوجته /128/:
دعيني عن السيف الحسام وحمله ... ولا تعذلي في نيل أعلى المراتبِ
فإني رأيت الحرب تودي بأهلها(2) ... وتنطح كبش العارض المتراكب(3)
أبا الله إن أحضى بسيف مهند ... فلا تكثري ما حل غيثاً بصاحب(4)
دعيني فما عيب قعودي عن الوغى ... ولكن عيب أن ترى في النوادب(5)
ولما حكم الحسن بن الهادي لابن(6) الأسد بتفضيل الشجاعة، قال:
قضى بيننا بالعدل محض الضرائب(7) ... قضية نفت في جميع المذاهب
وحاط بها علماً فيقل خيرها ... وصحت له في قدرها والمراتب
قضى بين هياب ذليل وصابر ... عزيز بما أدلى به في التخاطب
محمد بن جعفر بن الشبل
العلامة الفقيه، النحرير البليغ، أبو عبد الله محمد بن جعفر بن الشبل بن عبد الله - رحمه الله - هو العالم البليغ المتكلم، كان وجهاً من وجوه زمانه، وعيناً من أعيان أوانه، وله شعر حسن، وكان مثنياً على الإمام المهدي الحسين بن القاسم، ولم يبلغ فيه مبلغ الغلو، ولما اطلع على مصنفات الإمام، وعلى ما قاله السيد حميدان فيه قال:
هذا إمام عالم عامل ... أبرا إلى الرحمن من رفضه
ومن موالاة لأعدائه ... ومن غلو فيه أو رفضه
قف واتق الله إله السما ... يا أيها الطاعن في عرضه
إن تك منه اليوم مستقرضاً ... فمن غد تندم في قرضه
أدين إن الحق ما قاله ... من صفة الباري ومن فرضه
وإن من فضله قد غلا(8) ... أكثر جرماً من ذوي بغضه
فخف إله الخلق يا من غلا(9) ... في خلط ما قد شيب في محضه
مثل ابن غظريف الذي لم يقل ... في كلمة(10) الحق ولا بعضه
__________
(1) في (ب): فقضى يفضل.
(2) في (أ): أهلها.
(3) جاءت البيت في (ب) كما يلي:
فإني رأيت الحرب تؤدي بأهلها
فلا تكثري ما حل غيثاً بصاحب
(4) في (ب): لصاحب.
(5) في (ب): النوائب.
(6) في (ب): أبي.
(7) في (ب): النوائب.
(8) في (ب): إلى.
(9) في (ب): إلى.
(10) في (ب): كله.
قال ابن غطريف الذي قاله ... فشمر المهدي في نقضه
ورد ما قال ولم يرضه ... إذ أسخط الله ولم يرضه
صلى عليه الله من راحض ... طاب فطاب الدين من دحضه
محمد بن الحجاج النخلي(1)
محمد بن الحجاج النخلي، من تلامذة الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهم السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله -.
محمد بن الحسن بن عبد الرحمن
السيد العارف بالله، والمحجة إلى معرفة الله، بدر الدين محمد بن الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن محمد بن عيسى الحسني النعمي - رضي الله عنه - هذا سيد أهل الطريقة، وإمام الحقيقة(2)، صاحب ورع وزهد، وعفة وصلاح كامل، كان متألهاً ربانياً، لا يلوي على شيء من الدنيا، وله مقامات تجل عن الاستقصاء، وتعمر - عادت بركاته - عمراً نافعاً، وطريقته على السؤال(3) في تلك المدة، وهم أهل بيت(4) طاهر مطهر لا يخلو منهم من هذه صفته، وقد سبقت ترجمة ولده الحسين - رحمه الله - ومن شعره - رضي الله عنه - القصيدة الرحمانية السيارة(5) في البلاد من أنفع الوسائل إلى الله تعالى، وهي:
يا حي يا قيوم فرج كربتي ... وعافني واغفر جميع زلتي
/130/ يا خالقي ورازقي ومنجاي ... وملجأي ومفزعي وعدتي
يا سيدي يا سندي يا موجدي ... من عدم يا مددي يا جنتي
يا منتهى سؤلي وأقصى مقصدي ... يا مستغاثي عند كل شدةِ
ويا ملاذي عند كل حادث ... ويا دليلي عند كل حيرةِ
يا رب يا معطي لكل سائل ... سؤاله من نيل كل بغيةِ
أنت غنى فقري وكنزي دائماً ... وحيلتي عند انقطاع حيلتي
وأنت رب النعمتين والذي ... برى جميع الخلق والبريةِ
يا حافظي ماءً مهيناً مودعاً ... في ظلمتي قبل تمام صورتي
ومخرجي من بطن أمي بشراً ... بحسن لطف شامل وحكمةِ
وكافلي طفلاً صغيراً مرضعاً ... في حجر أم برة مشفقةِ
__________
(1) هذه الترجمة غير موجودة في (ب).
(2) في (ب): وإمام الحقيقة على الحقيقة.
(3) في (ب): على السواء.
(4) في (ب): أهل بيت نبوي.
(5) في (ب): السائرة.
وكم وكم خولتني من نعمة ... يا مالك الملك العظيم جلتِ
وكم أعد من أياد جمة ... وأنعم سابغة جزيلةِ
حتى بلغت الحلم في معرفةٍ(1) ... مقرونة منك بكل نعمةِ
ولم أقم يا رب يوماً واحداً ... بالعشر من شكر لتلك المنةِ
علمتني القرآن والنور الذي ... أنزلته على إمام الحضرةِ
ولم تزل يا ذا الجلال محسناً ... إليَّ تحبوني بكل منحةِ
وكلما أذنبت ذنباً خشناً ... سترت بالصفح الجميل هفوتي
تظهر عني كل شيء حسن ... وتستر السيء من سريرتي
وصرت أدعى بين قومي سيداً ... سام عزيز القدر والعشيرةِ
ويسأل الناس الدعا من طرف ... مني ويشفى بعضهم بنفثتي
كأنني بشراً والبصري أو ... شقيق في نسكي وحسن سيرتي
وما دروا بأنني مخلط ... طول زماني ساهياً في غمرتي
يا من هو الله الذي لا غيره ... يا من هو الشافي لكل علةِ
بك استجرت(2)رب لا واخذتني ... بسوء تدبيري ولا بصيرتي(3)
اسأت أسرفت فهل من جذبة ... تصلح مني ما بدا من خلةِ
فاز المخفون الذين شمروا ... قبلي وساروا وأنا في نومتي
مضى زماني كله سبهللاً ... أرفل في اللذات طول مدتي
ثم ذكرت بعد فوت العمر ما ... بعد ممات العبد من عقوبةِ
فقمت أقفو إثْرَهم مقهقراً ... فقصرت(4) عمن مضى مطيتي
/131/ وفاتني القوم الذين أدلجوا ... بالليل حتى نزلوا بالجنةِ
وليس من أدلج كالمضحي ولا ... معسفٍ(5) كصاحب المحجةِ
يا ليتني رفضت دار الإلتوا ... قبل زمان الشيب والكهولةِ
وسرت نهج من مضى من سلفي ... في فعل كل واجب أو(6) سنةِ
أسفت يا صاح على ما قد مضى ... من هفوات(7) أحصيت وزلةِ
كيف خلاصي من جنايات إذا ... ذكرتها طار الكرى من مقلتي
وا أرقي وا قلقي وا حرقي ... من سوء(8) ما قدمت من خطيئتي
__________
(1) في (أ): معرفتي.
(2) في (أ): بك استجرت يا رب.
(3) في (أ): وبصيرتي.
(4) في (أ): قصرت.
(5) في (أ): مستعف.
(6) في (ب): وسنة.
(7) في (ب): موات.
(8) في (أ): من سواء.
شغلت بالدنيا التي قد نقصت ... من هونها عن قيمة البعوضةِ
ولم أصب فيها مراداً أبداً ... سوى اكتساب الذنب والخطيئة
أنا المسيء المذنب العاصي الذي ... مضى زماني كله في غفلةِ
لكنني تبت(1) إلى الله الذي ... يقبل عذري كله وتوبتي
أستغفر الله العظيم تائباً ... إليه مما خط في صحيفتي
توبة عبد ظالم لنفسه ... قد زاحم السبعين في الشيخوخةِ
فهو الذي إذا أتاه عبده ... يمشي أتاه ساعياً بسرعةِ
يا رب يا ذا العرش يا من يستحي ... عز وجل الله من ذي شيبةِ(2)
أمهلتني حتى بلغت ما ترى ... في العمر فارحم يا إلهي عثرتي
تلقني منك بلطف شامل ... ورأفة مقرونة برحمةِ
وجد فإني قد لجأت هارباً ... إليك فاقبل يا كريم توبتي
فقد علمت ما ثوى في مهجتي ... من أسف قد سفني(3) وحرقةِ
وأنت يا رحمن قد قلت لنا ... قد وسعت لكل شيء رحمتي(4)
فعافني يا رب واستر عورتي ... واعطف على ذلي وسكن(5) روعتي
وكن بجاه المصطفى وآله ... راض عليَّ مستجيباً دعوتي
ومُنَّ واختم لي بخير وقني ... عذابك الأكبر يوم رجعتي
(وقبل موتي [أن] أرى منازلي ... في جنة الفردوس حقق رويتي
وإن أتاني ملك الموت وقد ... جاء أجلي وانقطعت معيشتي
فَمُرْه يرفق بي وقل يا سيدي ... أيتها النفس ادخلي في جنتي) (6)
وارض وثبت مضجعي(7) يا سيدي ... في القبر وارحم وحشتي ووحدتي
وإن أتاني الملكان يسألا ... سؤال رفق لا سؤال غلظةِ
/132/ فاجعل جوابي لهما مثبتاً ... منك(8) بتوفيق وقوم حجتي
حتى أقول الله ربي وحده ... والكعبة البيت الحرام قبلتي
والمصطفى المختار ديني دينه ... وملة الإسلام حقاً ملتي
إمامي القرآن فارحمني وكن ... لي قابلاً يا رب يوم أوبتي
__________
(1) في (ب): رجائي (ظ).
(2) في (ب): عبرتي.
(3) في (أ): قد سفتني.
(4) في (أ): رحمة.
(5) في (ب): واستر عورتي.
(6) سقط ما بين الأقواس من أبيات من (أ).
(7) في (ب): مضرعي.
(8) في (ب): فيك.
ونجني من ضمة اللحد وما ... في القبر من ضيق وسوء ظلمةِ(1)
حتى يكون القبر روضاً نشره ... من جنة الفردوس يشفي علتي
وحين تعطيني كتابي بيدي ... فباليمين كي أرى مسرتي
وكي أرى العفو عن الذنب الذي ... جنيته في الأعصر القديمةِ
وارض وثبت قدمي يا سيدي ... على الصراط وأقلني عثرتي
حتى أمر سالماً مسلماً ... عليه كالبرق ولمح الطرفةِ
يا أهل كل عادة جميلة ... وأهل كل نعمة سنيةِ
سألتك اللهم بالاسم الذي ... تعطي به السائل كل بغيةِ
وكلما أنزلته من صحف ... على جميع الأنبيا وسورةِ
وبالنبي المصطفى وآله ... وكل صديق تقي مخبتِ
بحرمة السبع المثاني والذي ... أنزلته من آية كريمةِ
بكل اسم لك لا يعلمه ... غيرك يا ذا الكبريا والعزةِ
بالملأ الأعلى وبالروح الذي ... رتبته عندك أعلى رتبةِ
هب خير أيامي الجميع كلها ... يوم لقاك فهو أقصى منيتي
ولا تحاسبني وقل عُدُّوْهُ من ... أهل الكسا في الغرف المبنيةِ
الطيبين الطاهرين والأولى ... هم سلفي وفيهمُ عقيدتي
فإنهم أصلي وأهلي وبهم ... أرجو النجاة وهمُ ذخيرتي
يا رب فاجعلني سعيداً ناجياً ... وسر بالفوز العظيم مهجتي
حاشاك أن أجزى بما جنيته ... في سالف الأيام من جريرتي
بحسن(2) ظني فيك لا خيبت لي ... فيك رجا ولا هتكت حرمتي
رب أغثني وأعني واعطني ... منك رضاك وأعطني(3) وسيلتي
ووالديَّ هم(4) وأهلي كلهم ... اجمع شملي بشملهم في الجنةِ
وكل أولادي وصحبي عافهم ... من كل مكروه وكل نقمةِ
وكن بنا براً رؤوفاً واقياً ... يا رب في الدارين كل كربةِ(5)
/133/ ثم الصلاة والسلام دائماً ... على إمام الأنبيا والحضرةِ
__________
(1) يوجد في (ب): بعد هذا البيت بيتان هما:
وداو بالريحان والروح الأسى ... في القبر وارحم وحدتي وغربتي
واملأ علي القبر نوراً ساطعاً ... منك وبشرني بفوز الصفقة
(2) في (ب): وأحسن.
(3) في (ب): واستمع وسيلتي.
(4) في (أ): ووالديَّ وأهلي.
(5) في (ب): كريهة.
وآله الغر مصابيح الدجى ... وصحبه وتابع للسنةِ
محمد بن الحسن بن القاسم
قائد الجحافل وواحد المحافل سلطان الإسلام المسعود، وإنسان الأعلام المحمود، عز الملة محمد بن الحسن بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد - عليهما السلام - كان سرياً حُوَّلا قُلَّباً حنكته التجارب، وعرف الموارد والمصادر، وصحبته السعادة في الصغر والكبر، ولم يزل حميداً في الحالين، واستمرت أيامه على نمط واحد غير ما لا بد منه في أوائل العمر من الوقوف في الكتاب للقراءة، وأما مذ نيطت(1) عنه التمائم، فما هو إلا مستوداً(2) مقدماً محفوداً(3) بالجنود والهنود، فولي (صعدة) ونواحيها، وما ذرأ(4) الشعر بعارضيه فحمدت(5) سيرته، واتصل به الفضلاء، ووفد إليه الأخيار، ونكى أعداء الله في ذلك الإقليم على شراستهم وأبانهم، وغزا مغازي محمودة الأثر، وقرأ في أثناء هذه المدة أكثر الكتب المعتمدة على شيوخ كملة، كالقاضي شمس الإسلام أحمد بن يحيى حابس - رضي الله عنه - والفقيه صديق بن رسام السوادي، وما ترك من مهمات العلوم فناً إلا وأبلغ جهده في الطلب، وقيلت فيه الممادح الغراء أيام إقامته بـ(صعدة)، وأجاز الجوائز السنيات، ولما اختار الله لوالده المولى شرف االإسلام دار الخلد، وكان يومئذ أبياً(6) من زيارة والده بحضرة الإمام الأعظم المؤيد بالله - عليه السلام - فلما بلغ الإمام مرض صنوه الشرفي أو وقوع الأمر العظيم نفذه إلى جهة (ضوران)، فوقف في الديار اليمنية متردداً بين (ضواران) و(ذمار)، ثم سكن مدينتي(7) (إب) و(ذي جبلة)، وجمع جنداً جراراً من وجوه العسكر وكبراء الأمراء من أعيان دولة والده المسعود حتى اختار الله للإمام دار السعادة، فدعا - رحمه الله - دعوة إلى الرضا من آل
__________
(1) في (ب): تنصب عنه التمام.
(2) في (ب): مسوداً.
(3) في (ب): محقوداً محفوفاً بالجنود.
(4) في (ب): در الشعر.
(5) في (أ): فحدت.
(6) في (ب): أيباً.
(7) في (ب): مدينة.
محمد، فلما عرف الرضا وهو الإمام الأعظم مفخر الأئمة المتوكل على الله - وسع الله في عمره ومملكته المسعودة - سلم الأمر طوعاً إليه على يد صنوه سيف الإسلام ناصر الملة أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين حفظه الله، وولاه الإمام ولاية عظمى في أقاليم وحصون ومدن، وبحار، فاستمر على حالة حميدة محفوفاً بعساكر يضيق بها الرحب في رفاهية ودعة لما له من الإسعاد، وأعظم أنواعه كونه تحت لواء والده الذي أيد الله به الملة، وأسعد به الإسلام - عليه السلام - ولتولي صنوه سيف الإسلام للثغور والزحف بالجنود فاستمرت الحال كذلك على نمو وازدياد من حدود سنة أربع وخمسين وألف إلى عام تسع وسبعين، وكان يجعل شطر(1) الإقامة بـ(ذمار) و(اليمن الأسفل) وشطرها بـ(صنعاء) المحروسة، كما كان يفعل طاووس الفقيه من الإقامة أيام الشتاء بـ(الجند) وأيام الربيع، وما وراها بـ(صنعاء)، وقرأ - رحمه الله - في هذه المدة الآخرة(2) (تذكرة العلامة النحوي) على علامة الفقه محمد بن صلاح السامي(3)، وكملها على العلامة أحمد بن سعيد الهبل، وقرأ (الفصول اللؤلؤية) على العالم الرباني إبراهيم بن يحيى السحولي، وفي سنة تسع وسبعين طلع من (اليمن) إلى (صنعاء)، وصادف قدوم إمام الزمان الأمام الأعظم أيده الله من (شهارة) المحروسة متوجهاً إلى (ضوران) /134/، فامتلأت الساحات بالخلائق، وامتلأت القلوب بالمسرة، فما كان أسرع من أن أصابه ألم أحسبه من الحميات، ولعله صحبه ألم ذات الجنب، واختار الله له جواره بداره بدرب السلطان(4) من أعمال (الروضة) المحروسة في الثلث الأول من الليلة المسفرة عن نهار الخميس لعلها(5) من شهر ربيع الأول أحد شهور سنة(6) تسع وسبعين وألف سنة، فاجتمع السادات إلى داره وأمير المؤمنين
__________
(1) في (ب): صدر الإقامة.
(2) في (ب): المتأخرة.
(3) في (ب): في (ب): السلامي.
(4) في (ب): السلاطين.
(5) في (ب): لعله ثامن شهر ربيع.
(6) في (ب): لفظة سنة غير موجودة.
هنالك، ودفن بقرب داره المباركة، وكان الخطب(1) جسيماً لولا حضور أمير المؤمنين - أيده الله - فإنه خبر الخواطر، واشتغل بصلاح شأن أولاده، وعرض عليهم الولاية، وحاول أن المولى صفي الإسلام أحمد بن الحسن يلم الشعث، ويحفظ البلاد والجند، فعف المولى صفي الإسلام(2)عن البلاد قبل أن يعرف أمير المؤمنين قدرها، فتأخر عن الجميع، وبقي أولاد مولانا عز الإسلام محمد بن الحسن وهما السيدان النجيبان عماد الدين يحيى بن محمد وإسماعيل بن محمد بعد أن بعد صيتهما، وذكرا في الناس ذكر آبائهما، وقد كانا توليا ولايات من والدهما، فلذلك كان مقامهما قد كبر، واختار الله ليحيى جواره، وكان قد ناهز الأشد، وكان - رحمه الله - قد مهر في علم الطب خصوصاً، ولما مات بقي في يد إسماعيل جهة (العدين) من مخلاف جعفر، فتوجه إليها عن أمر(3) أمير المؤمنين، فلم يصل إليها إلا وقد ألم به ألم(4)، ونقله الله إلى جواره في (مذيخرة)، وكان ذلك أنكى للقلوب وأبكى للعيون، وانمحت محاسن، وشرب محبوهم(5) من الأسن، فسبحان من له البقاء والدوام، ولما كان ذلك كذلك أوت العساكر(6) إلى صنوه صفي الإسلام - حفظه الله - وأعطاه أمير المؤمنين إلى بلاده بلاداً، فاستوسق الأمر، وانتظم ببركة سعيه المحمود، أدام الله عافية أمير المؤمنين وعافيته، وقيل فيه المراثي من البلغاء، ووصلت التعازي من (مكة) المشرفة، فممن رثاه ولده البليغ العارف(7) إسماعيل بن محمد، وذكر فيها الحال وذكر صنوه العمادي، وما أجد في القلوب أوقع منها؛ لأنها عين الحقيقة، ولا كلفة فيها، وعليها مسحة الحزن، ورب شاعر يشعر ويجيد، ولا يجد على الشعر مسحة ما يضمنه من مرثية أو موعظة أو غزل، وأما هذه فانظر بقلبك وهي:
__________
(1) في (أ): وكان الخطيب.
(2) في (ب): الصفي عن البلاد.
(3) سقط من (ب): أمر.
(4) في (ب): الألم.
(5) في (ب): محبوهم من الآسى.
(6) في (ب): العسكر.
(7) في (ب): ولده البليغ العارف الحليم إسماعيل.
هل أقال الموت ذا حذره(1) ... ساعة عند انتها عمره
أو تراخى عن كحيل ربا(2) ... فاق كل الغيد في حوره
أو رثا يوماً لمرضعة ... طفلها ما دبَّ في حجره
أو تراه هائباً ملكاً ... صائلاً قد عز في نفره
أو تناسى(3) من له نظر ... تصدر الأشياء عن نظره
أو تحامى روح سيدنا ... مصطفى الرحمن في بشره
وأبا السبطين حيدرة ... وكبار الآل من(4) عثره
بل دها من كان منتظراً ... قربه أو غير منتظره
وسقاه كأس سطوته ... مرهفاً من كف مقتدره
ما ترى عز الأنام ثوى ... حفرة إذ آب من سفره
لم يقم في قصره زمناً ... غير وقت زاد في قصره
بعد ما قد كان غرته ... ترشد الساري إلى وطره
وندى كفيه منهمراً ... مذهلاً للروض عن مطره
كان طوداً لا يحركه ... أي خطب جل في خطره
كان بحراً طال ما التقط الـ ... ـطالب المحتاج من درره
/135/شاد ركن الدين ملتمساً ... لرضا الرحمن من صغره
وحوى الدنيا وديدنه ... طلب الأخرى إلى كبره
فسقى الرحمن تربته ... صيباً ينهلُّ في سحره
وعماد الدين أزعجه ... بعده يغدو على أثره
لم ينل في العمر بغيته ... لا ولا أفضى إلى وطره
لم يذق من دهره أبداً ... صفو عيش صين عن كدره
ما أراه الدهر مطلبه(5) ... ليته أخلاه عن غيره
رحم الرحمن مصرعه ... ووقاه الحر من سقره
كيف أنسى شمس مفخرنا ... أو أرى السلوان عن قمره
فهما قد أضرما لهباً ... في فؤادي طار من شرره
وأسالا مدمعاً بخلت ... أعيني دهراً بمنهمره
لا أفي يوماً بحقهما ... لو أسلت الروح عن قطره
غير أن الصبر شيمة من ... صوب الرحمن في قدره
لينال الأجر منه إذا ... ذاق طعم الصاب من صبره
يسأل الرحمن خاتمة ... ترضي للمرء(6) في صدره
ورثاه الشيخ البليغ صارم الدين إبراهيم الهندي بقصيدة فخيمة، منها:
قضى الفخار فلا عين ولا أثرُ ... وأحلولك الخطب لا شمس ولا قمرُ
__________
(1) في (أ): حذر.
(2) في (ب): رنا.
(3) في (أ): تحامى.
(4) في (ب): عترة.
(5) في (ب): مطلبةً.
(6) في (أ): للمراء.
أمهبط الوحي ما هذا الذي صنعت ... يد(1) القضاء وماذا أحدث القدرُ
وما الذي مادت الدنيا لصدمته ... تفجعاً وتوارى (2) النجم والشجرُ
وما الذي ماج منه الكون واضطربت ... منه(3) الجبال وزيغ الزاد والسحرُ
وما الذي جزر(4) البحر اللهام له ... واستشعر الحشر منه البدو والحضر
يا ناعي(5) الجود والمجد الأثيل صهٍ ... ماذا زعمت بفيك الترب والحجر
أفق فإن جناح الجيش منخفظٌ ... مما ذكرت وقلب الملك منكسر
مهلاً رويدك فيما قد صدعت به ... دهياً يذهب منها السمع والبصر
مات الهمام(6) أبو يحيى وحسبك من ... رزية تتحامى حرها سقر
مات الذي كان للرواد(7) منتجعاً ... وللعفاة إذا ما أخلف المطر
مات المليك الذي كانت موارده ... للواردين عذاباً ما بها كدر
هُدت مباني المعالي يوم مصرعه ... ومربع المجد والعلياء مندثر
وأقلعت يا لعمري من أنامله ... سحب شأبيبها الأبريز والبدر
وغاض بحر علوم منه كم حفظت ... مسائل هن في جيد العلا درر
وكان في صدره حلم يحقر ما ... يجني المسيء وللزلات يغتفر
من للرعيل(8) وللخيل العتاق ومن ... يزهو لديه بها التحجيل(9) والغرر
ومنها(10):
لم (آنس) نعشاً له أضحت تشيعه الـ ... أفلاك والشهب والأملاك والبشر
ومن دعا أمير المؤمنين له ... وسيلة وهي للزلفاء والظفر
طود تحمله(11) ظهر السرير وما ... تحملت جبلاً من قبله السرر
ومنها(12):
يا أيها المولى الخليفة يا ... من في بقاه لنا المأمول والوطر
يعز في عز دين الله سيفك من ... كانت به تزهو الآصال والبكر
136/ واس(13) فيه أخاه الأحمدي وقل ... يا أحمد القوم أنت الصارم الذكر
__________
(1) في (أ): يدا.
(2) في (أ): ونار.
(3) في (ب): له الجبال .... والسحر.
(4) في (ب): نرجز.
(5) في (ب): يا باغي.
(6) في (ب): الحمام.
(7) في (أ): للوراد.
(8) للرجل ومن للخيل.
(9) في (ب): للرحيل ومن للخيل.
(10) زيادة في (ب).
(11) في (ب): يحمله.
(12) زيادة في (ب).
(13) في (ب): وأين فيه أخوه.
وشد أزر عماد الدين خير فتى ... له مخائل فضل كلها درر(1)
واس أيضاً ضياء المكرمات تجد ... مهذباً طاب منه الخبر(2) والخبر
وهي من محاسن الأشعار، وأرخ(3) وفاته الأخ النبيل علي بن صالح بن أبي الرجال، فقال:
(4)هذا هو القبر الذي قد حله ... رب المكارم والأيادي والمنن
نجل الأئمة من أهيم بحبهم ... وبه فخار لا بقعب من لبن
وأجل ملك في الملوك وكامل ... دانت لهيبته الشوامخ والفنن
من أنجبته أئمة قد طهرت ... من كل رجس في البريئة أو درن
أولاد من حمل الرسول أباهم ... من فوق منكبه ليقتلع الوثن
صلى عليه الله بعد نبيئه ... وعلى الأئمة ما سرى سحب وشن
من ليس يطلب أحمد أجراً على ... ما دل من طرق الهداية والسنن
إلا مودتهم وهذا نجلهم ... والثم ثراه ليجتلي عنك الحزن
سبقت له الحسناء كما سبقت لهم ... وقفا طريقهم وصار على سنن
وهو الذي ساس البلاد بحلمه ... وبه لعمر أبيك أخمدت الفتن
دانت له الدنيا فما أبدت له ... سواء ولا قلبت له ظهر المجن
وقضت له الأيام عند جنابه ... أن يرتقي هو والسعادة في قرن
وقضت له لما قضى تاريخه ... للخلد فاز محمد نجل الحسن
ومن مؤلفاته (سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد) مختصر مفيد في علم الكلام، ومن مؤلفاته (- رحمه الله -)(5) (شرح مرقات الوصول إلى علم الأصول) تأليف جده المنصور بالله - عليه السلام - وأجاد وأحسن، وله جواب مبسوط في حديث ستفترق أمتي على(6) الشيخ أحمد بن مطير الشافعي، انتهى.
__________
(1) في (ب): تمرر.
(2) في (ب): الخير.
(3) في (ب): ورثاه الأخ.
(4) هذه القصيدة مكانها في (ب): فارغ.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): عن.
محمد بن الحسن بن المهدي
السيد العلامة الكبير الأمير العالم العامل العابد جلال الدين محمد بن الحسن بن المهدي بن علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى - رحمه الله تعالى - قال الأمير صلاح الدين بن الجلال: كان معروفاً بالعلم والزهد والعبادة والفضل والبركة، وحكى لي من أثق به من طريقين أنه رأى ليلة القدر، وحكى لي القاضي حسن بن سليمان المسوري أنه رأ على قبره وقبر الأمير الخضر بن الإمام الحسن رضوان الله عليه نوراً ساطعاً وقبراهما في المقبرة التي باب مسجد تاج الدين الذي بهجرة (رغافة)، ولد في صفر سنة أربعين وستمائة، ومات في شهر القعدة سنة أربع عشرة وسبع مائة سنة، قدس الله روحه.
محمد بن الحسن بن هبة
السيد(1) الأكمل محمد بن الحسن بن هبة من آل الهادي - عليه السلام - من آل جيل(2).
قال الإمام عز الدين - عليه السلام -: (و)(3) كان ذا بصيرة ودين.
محمد الأصغر بن الحسن
الأمير الكبير السامي بدر الملة محمد الأصغر بن أمير المؤمنين الحسن بن بدر الدين - عليه السلام -(4).
قال الأمير صلاح بن الجلال(5) - رحمه الله -: كان من الصالحين العارفين المتقين، وقبره في المقبرة التي على باب مسجد تاج الدين /136/ في هجرة رغافة.
__________
(1) في (ب): الأجل الأكمل.
(2) في (ب): جميل.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): - عليهم السلام -.
(5) في (ب): بن جلال الدين.
محمد بن الحسن بن شرف الدين الحمزي
السيد العلامة الزاهد بدر الإسلام محمد بن الحسن بن شرف الدين الحمزي الكحلاني العارف بن العارف الناسك(1) - رحمه الله تعالى - كان أحد أعيان الحضرة المؤيدية، كاتباً من كتاب الإنشاء، فاضلاً سالكاً مشتغلاً بمهمات دينه جواداً متلافاً على قلة ذات يده يسع الناس بصدره الرحب(2) وميسوره من النفقة، فما يغلق له باب عند أكل الطعام مع كثرة الوفد إلى إمامة(3) المؤيد بالله محمد بن القاسم - عليهما السلام - وكان يقصد للرقي ويستشفي بنفثه(4) الطاهرة، وكان من عجيب أمره إذا دخل منزله وقد آن نزول الإمام إلى الديوان ولما يحضر الطعام تناول من ن الفيحة - بالفاء بعدها ياء باثنتين من أسفل ساكنة ثم حاء مهملة - من مقدمات الطعام المسمى باللحوح يتناول بيده الطاهر(5) منها شيئاً بصفة اللعوق، ثم يحضر حضرة الإمام - عليه السلام - وكان نسابة لآل محمد مطلعاً على البيت الشريف متطلعاً إليه بالسؤال والبحث، وله في الفقه يد حسنة، واشتهرت بركة قراءته، فمن افتتح بالعلم عليه بلغ مبلغاً نافعاً، توفي - رحمه الله - في تاريخ (فراغ) وقبر عند والده بفية(6) ذي الشرفين.
__________
(1) في (ب): الناسك بن الناسك.
(2) في (ب): الرحيب.
(3) في (ب): إلى إمامة الإمام.
(4) في (ب): بنفثته.
(5) في (ب): الطاهرة.
(6) في (ب): بقبة.
محمد بن الحسن بن علي
السيد العلامة الحافظ شيخ الشيوخ محمد بن الحسن بن علي بن باقي السيد الكبير العالم(1) الخطير، كان مطلعاً على علوم أهله مرحولاً إليه، من تلامذته شيخ العترة السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم(2) الوزير - رحمه الله - ومن جملة ما قرأه عليه نهج البلاغة، وكان السيد الهادي يرجع(3) إليه - رضي الله عنه - في حل عقدها وتبيين مقاصدها، مع أنه قرأها على خاله المحقق السيد صلاح بن المهدي بن أحمد بن صلاح - عليهم السلام - ورأيت بخطي أنه محمد بن الحسن بن إبراهيم بن باقي، فيحقق ذلك، وإليه لمح السيد جمال الدين - رحمه الله - بقوله في الرياض:
وبالسيد الحبر بن باقي ... يباع سعافي(4) ساحل العلم أطول
محمد بن الحسن بن دانة
السيد السند(5) المحقق محمد بن الحسن بن دانة - رحمه الله تعالى - هو العالم بن العالم أحد رجال الإسناد، (وقد سبق كثير من حاله)(6) في ترجمة محمد بن جعفر الوقار، فنكتفي بذلك فليراجع.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): ابن الوزير.
(3) في (ب): مرجع.
(4) في (ب): يباع سعى في.
(5) في (ب): المسند.
(6) في (ب): وقد كثر من حالد من ترجمه.
محمد بن الحسن الكلاعي
لسان الزيدية البليغ المنشيء الهمام بدر الدين محمد بن الحسن الكلاعي - رحمه الله تعالى - كان أحد(1) عجائب الدنيا في بلاغته ونباهته، وطال عمره واتصل بالسلطان حسين بن سلامة، وكتب له وقد ذكرنا شيئاً من أحواله في ترجمة الوقار وفي رحلة الطبري عن (اليمن) أحسبه اجتمع به في تهامة، ورجع الطبري من هنالك كما تراه إن شاء الله في ترجمة أحمد بن موسى، ولهذا الإنسان أشعار مجيدة ينبغي ذكر شيء منها ومن أحسنها مساجلته للأمير المطهر بن علي جد الإمام أحمد بن سليمان - عليهم السلام - فإنهما اجتمعا في منزل الأمير الحسن (2)بن محمد بن يحيى بن الناصر بـ(صعدة) (وحضر هنالك الأمير زيد بن إبراهيم بن محمد بن المختار بن الناصر) (3) وحضر معهم جماعة من أصحابهم منهم محمد الكلاعي، هذا فاستدعى الشريف المطهر الدواة والبياض فأحضرا ومديده إلى /138/ القاضي محمد بن الحسن الكلاعي، فقال له: قل بيتين فيما شئت حتى أجيزهما، وكان الجو يومئذ لابساً للسحاب، فقال الكلاعي مبتدئاً:
أما ترى الجو وتعبيسه ... كأنه من غيضه مغضب
يحكي لنا تعبيسه أنه ... عما قليل دمعه يسكبُ
فقال المطهر :
يوم من الأيام يستطرب ... بديع لون طرزه مذهبُ
قد طبق الأرض بأطباقها ... فليس من أطباقه مهربُ
فقال الكلاعي:
والرعد في حافاته مزجل ... كأنه ثاكلةٌ تندبُ
والبرق كالبيض إذا جُرِّدَتْ ... يوم الوغى شعلته مقنبُ(4)
فقال المطهر:
صهصلق(5) مؤتلف(6) برقه ... مغرورق مستحتفزٌ ملجبُ
مجلجل محتفل مسبل ... أطفاؤه دانية يجلب
فقال الكلاعي:
أخبرنا(7) أن سوف يكسو الربا ... ثياب نور نسجها معجب
__________
(1) في (ب): إحدى.
(2) في (ب): الحسين.
(3) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(4) في (ب): مقبب. ... مِقْنَب: مخلب الأسد. القاموس المحيط.
(5) الصَّهْصَلِق من الأصوات: الشديد. القاموس المحيط 831.
(6) في (ب): مؤتلق.
(7) في (أ): أخبرنا.
من فاقع أصفر أو ساطع(1) ... أو أخضر بسفنه(2) الهندبُ
فقال المطهر:
شقائق النعمان من نسجه ... يضحك منها لونها المغربُ
كأنها وَشْيٌّ وقد زخرفت ... أو درر تزهو ولا(3) تثقبُ
فقال الكلاعي:
فاشرب على الروض وأنواره ... من قهوة أنوارها(4) تلهب
يبدو لها في الكأس من درها ... نظيم أكليل إذا تقطبُ
فقال المطهر:
ومسمع يسبي عقول الورى ... مهفهف ذو أدب يطربُ
يستخرج القلب بألياطه ... إذا انبرى ينشد أو يطربُ
فقال الكلاعي:
وأهيف يسعى بها طائفاً ... كأنها من خده تشربُ
كأنه في لحظه شادن ... حواه في آلافه سبسبُ
فقال المطهر:
في وجفه ليل وفي وجهه ... بدر وفي الثغر له كوكبُ
مهفهف أغيد ذو غنة ... دعض نفى من خلفه مكثبُ
فقال الكلاعي:
هذا وقد أغدو وجنح(5) الدجى ... قد صوبت أنجمه تغربُ
محمل يرى أشقر سابح ... مبرز في عنقه سلهبُ
فقال المطهر:
نهد من الخيل العراب التي ... آباؤها المنجب فالمنجبُ
يختطف الأرض إذا ما مشى ... وتملأ العين إذا تجنبُ
فقال الكلاعي:
يدرك ما شاء إذا ما غدا ... ويعجز الطالب إذ يطلبُ
كأنه مستقبلاً يرتقي ... إلى كؤود وعرةٍ(6) تصعبُ
فقال المطهر: [أظن مستقبلاً نحن نصبه على الحال أي كأنه حال يستقبله يرتقي إلى عنقه كؤود لطول عنق](7).
مقارب الصلب قريب القرى ... ما حامه السنبك(8) والحوشبُ
أكرم به حرزاً ليوم الوغى ... وزينة للعين(9) إذ يركبُ
فقال الكلاعي:
إن مديح الصيد من هاشم ... أجدر ما ينعته المطنبُ
ودي لهم ذخر(10) ليوم القضا ... لأنني في ذاك لا أكذبُ
/139/ فقال المطهر:
هم النجوم الطالعات التي ... يزهو بها المشرق والمغربُ
هم البحور الزاخرات التي ... يحيى بها المقتر والمجدبُ
__________
(1) في (أ): وساطع.
(2) في (أ): سفنه.
(3) في (أ): ولم.
(4) في (ب): أنهارها.
(5) في (أ): اغدودق جنح.
(6) في (أ): وعسرة.
(7) ما بين المعكوفين في (ب).
(8) في (ب): السبك.
(9) في (ب): للعير.
(10) في (ب): ذخري.
فقال الكلاعي:
هم الليوث الضاريات التي ... أسيافها يوم الوغى تخضبُ
هم الملوك الفصحاء الألى ... مصقعهم(1) يعلق إذ يخطبُ
فقال المطهر:
إن سوجلوا طالوا وإن يذكروا ... طابوا لمن يذكر أو ينسبُ
أصلهم الزاكي كما فرعهم ... هو الزكي الأفضل الأطيبُ
فقال الكلاعي:
والدهم ذو المفخر(2) المصطفى ... قد أنجبته أمه والأبُ
من غالب والغلب من خندف ... تسمو(3) به الأحساب والمنصبُ
فقال المطهر:
أنا ابن ساداتهم والدي ... منصبه(4) من بينهم أغلبُ
في ذروة من عزهم لم يزل ... يسمو به الأنجب فالأنجبُ
محمد بن الحسن بن سليمان
الفقيه العالم، الفصيح المنطيق، بدر الدين محمد بن الحسن بن سليمان بن أبي الرجال - رحمه الله - هو العالم الفاضل، الفصيح الخطيب المصقع(5)، خطيب الإمام يحيى بن حمزة - عليه السلام -(6)، وكان مشهوراً بجودة الخطب، وحسن التأدية، وهو الذي لمح إليه السيد جمال الدين - رحمه الله - في قصيدته بقوله:
وبالعلم(7) البر الفقيه محمد ... به كل خير في ممادحه قل
وقبره بـ(صعدة) عند قبر محمد بن سليمان صنو أبيه - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (أ): مصقهم.
(2) في (ب): الفخر.
(3) في (ب): يسمو.
(4) في (أ): نصبه.
(5) في (ب): - رحمه الله - خطب للإمام.
(6) سقط من (ب): عليه السلام.
(7) في (ب): وبالعالم.
العالم(1) المتأله، جنيد زمانه، وفضيل أوانه، محمد بن الحسن الزيدي(2) الديلمي - رحمه الله تعالى - هو العلامة الرحال، العابد المتأله، شيخ الطريقة النبوية، ومعلم الشرائع السنية(3)، ارتحل إلى (اليمن) من (الديلم)، وله مصنفات، منها كتاب (قواعد عقائد آل محمد)، وبيان ثبوت إمامتهم، وترجيح مذهبهم، وفضل زيد بن علي على سائر الأنام، قال: كان الفراغ من تأليفه وكتابته بـ(صنعاء اليمن) في شوال، وهو على ظهر السفر للرجوع إلى وطنه، ولم يبلغ ذلك، بل توفي - رحمه الله - في وادي مر في موضع يسمى أرض حسان شامي (مكة) - حرسها الله تعالى(4) بالإيمان - سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وكان وروده إلى(5) (اليمن) المحروس أيام الإمام المهدي لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله المطهر المظلل بالغمام - عليهما السلام - ومن جملة كلامه في ذكر الباطنية - أقماهم الله - بعد أن بين مقالاتهم الفسلة، واعتقاداتهم النذلة الرذلة: ومن أراد ذلك، فعليه بكتاب (الحسام البتار) لحميد المحلي؛ لأنه أخذ من كتبهم /140/ المشهورة، مثل كتاب (البلاغ الأكبر) لأبي القاسم القيرواني، وكتاب (الرضاع)، وكتاب (الجامع)، وكتاب (المبتدأ والمنتهى)، وكتاب (العلم المكنون والسر(6) المخزون) لأبي يعقوب السجستاني، و(دعائم الإسلام) و(المحصول)، وكتاب (تأويل الشريعة)، وغيرها، ثُمَّ قال: وإنما ذكر ذلك؛ ليطلع على مخازيهم من أراد ذلك؛ ومن مصنفاته - رحمه الله - كتاب (الصراط) في علم الطريقة، وكتاب (التصفية) في الطريقة أيضاً، وهما يتشابهان كثيراً، قال: إنه فرغ من جمع (التصفية) سنة ثمان وسبعمائة، وهما كتابان جليلان مفيدان في بابهما، عكف عليهما الصالحون بـ(صعدة) مدة، وصلح بهما أمه، ولما وقف الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة -
__________
(1) في (ب): العلامة.
(2) في (أ): الزبيري.
(3) في (ب): السنية السّنية.
(4) سقط من (ب): تعالى.
(5) سقط من (ب): إلى.
(6) في (أ): الستر.
عليه السلام - على كتاب (التصفية) هذه، قال في (مجموعه) ما لفظه: لما وقفت على كلام الفقيه الصالح محمد بن الحسن الديلمي في علم المعاملة، وجدته قد سلك مسلكاً من مسالك من تقدم من مشائخ الطريق، كالجنيد، والشبلي، والبسطامي، ونقل كلامهم من غير تحريف ولا تبديل، وربما يكون في بعض كلامهم ألفاظ موهمة، ويقع في بعض إطلاقاتهم كلامات خارجة يتجاسرون بإطلاقها، وإذا سئلوا عن مفهومها، أبرزوا معاني معقولة، وأموراً مقبولة، يمكن تنزيلها على(1) أمور الشريعة، ومقاصد الملة، وهم أخوف الناس لله، وأكثرهم تنزيهاً لذاته، وأبعدهم عن مقالات(2) ضلال الفرق، فلا يظنن من وقف على شيء من كلامهم الموهم أنهم يقصدون معنى لا يليق بحال الربوبية، ولا يوافق أصول الحكمة، بل همهم تعظيم الخالق، وتطهير قلوبهم عن الرذائل، فهذا ما عندي فيهم - إن شاء الله تعالى-.
__________
(1) في (ب): عن.
(2) في (ب): مقالة.
محمد بن الحسن بن محمد النحوي
العلامة الفقيه الفاضل، بدر الدين محمد بن الحسن بن محمد النحوي - رحمه الله تعالى - هو العالم(1) بن العالم من البيت الكبير(2) - رضي الله عنهم - ترجم له العلامة محمد بن علي بن عبد الله بن حسن بن يحيى بن الحسن النحوي - رحمهم(3) الله - ومحمد بن علي هذا عالم فاضل، قد اكتفينا بذكره هنا، ترجم لمحمد هذا، وليحيى بن الحسن، ولفظه الأصدر الترجمة، فليس من كلامه للفقيه حسن بن محمد النحوي صاحب (التذكرة)(4) ولدان نجيبان عالمان عاملان دارت عليهما حلق التدريس، وهما جمال الدين الأكبر محمد بن الحسن، كان محلقاً عليه في فقه آل محمد، أنظاره وسجاياه مثل أبيه، وورعه وزهده واجتهاده كأبيه، أقضيته وأحكامه ماضية في مدن الإسلام، وتفد عليه الفتاوى كما كانت تفد على أبيه، والثاني عماد الدين يحيى بن الحسن، من أفاضل وقته، وعلماء عصره، كان يحلق عليه في فقه آل محمد، كان ذا ورع وتقوى ودين، محبباً في(5) المسلمين كافة، لطيف الشمائل إلى القريب والبعيد، مولعاً بكل عبد منيب، اتخذهما إبراهيم الكينعي من أجل إخوانه، وأجلهما في ديوان أحبابه وخلانه، انتهى.
محمد بن الحسن بن أحمد [ - 916 ه ]
العلامة الفقيه الفاضل، محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عقبة الشهير بالديني - رحمه الله - كان عالماً(6) ورعاً تقياً محبوباً في الله عند صلحاء المسلمين، وهو والد العلامة أحمد بن محمد بن حسن بن عقبة الماضي /141/ ذكره، وإلى والده لمح بقوله في قصيدته النبوية:
ولما ارتقيت الأربعين شرحت من ... غوامض فن الفقه محتجب المعنى
بتذكرة النحوي رفواً محرراً ... فلا يجد النقاد(7) في آية طعنا
وعاق عن الإتمام صول حوادث ... تصم وتعمي القلب والعين والأذنا
__________
(1) في (ب): هو العالم بن العالم بن العالم بن العالم.
(2) في (ب): المبارك.
(3) في (ب): - رحمه الله -.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): إلى.
(6) في (ب): كان عالماً فاضلاً ورعاً.
(7) في (ب): الناقد.
فأزمعت في أثناء ذاك(1) زيارة ... رحلت لها حرفاً عزيزية وحنا
بـ(صعدة) في القرضين حي سميدع ... وحي أبيه قادم الابن(2) في السكنى
قلت: أراد بالقرضين مقبرة بـ(صعدة) الغربية - وهي بالقاف بعدها راء مهملة وبالضاد معجمة بصيغة المثنى - وقبر هذا الفاضل فيها، ووفاته في آخر نهار الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان الكريم سنة ست عشرة وتسعمائة، ورثاه العلامة الخطيب بـ(صنعاء) المحروسة أحمد بن الحسن(3) بن محمد بن إبراهيم الشاوري(4) بقصيدة غراء، قال(5):
سلام على الدنيا سلام وداع ... فما عيشها إلا قليل متاع
سهام المنايا في مقاتل أهلها ... صوائب قد عيوا لها بدفاع
وأيدي الرزايا كل يوم تنالهم ... بخطب له يرتاع كل شجاع
وما برحت أحداثها تستفزهم ... وتصرع من أمسى شديد صراع
تفرق منهم كل شمل مؤلف ... وتنزلهم في الوهد بعد يفاع
ويقضي على الأبناء وجه أبيهمُ ... وما بينهم إلا كقيد ذراع
وكم قرعت من مسمع بملمة ... وقارعة تنسى بكل قراع
وصالت على أهل الممالك صولة ... تقود برغم الأنف كل مطاع
والموت يمر في الأرض شرقاً ومغرباً ... وأودت بمرعيٍّ ومن هو راعي
وما الناس بعد(6) الموت إلا كمثلما ... يرى مر طير في الهواء سراعي
فهل يا عباد الله معتبر بما ... يراه وبالأخبار عند سماع
وهل صارف عن هذه الدار وجهه ... وساع إلى ما فيه يحمد ساع
له من عقال العقل منها صوارف ... ونحو التي تبقى لديه دواعي
فما الناس إلا هالك وابن هالك ... وما بين منعي إليه وناعي
وقد صح أن الموت بالغ كل من ... أقام ولو في شامخات قلاعي
وأن ليس للأعلين تعرف رتبة ... ولا للزمام الماضيات تراعي
فلو ذاده فضل عن المرء أو نفى(7) ... ونجاه مجداً أو تطاول باعي(8)
__________
(1) في (أ): ذلك.
(2) في (ب): الأب.
(3) في (ب): الحسين.
(4) في (ب): الساودي.
(5) في (ب): فقال.
(6) في (ب): نحو.
(7) في (ب): نقى.
(8) في (ب): باع.
بجانب سوح المأخذ الأكرم الذي ... فضائله تروى بغير نزاع
فتى كان للذكر الحكيم مجالساً ... وللوعظ من معناه أحسن واع
وبالأهل والأرحام براً وقائماً ... قيام شفيق للحقوق يراعي(1)
وفي سبل الإحسان ينفق ماله ... لذي ظمأ أو لشبع جياع
فلله من بدر تغيَّبَ وجهه ... وقد كان في الدنيا مضيء شعاع
ولله من ركن لبنيان قومه ... تهدم إذ أمسى بغير سطاع
فما هلكه في مجده هلك واحد ... ولا شأنه في فضله بمضاع
ولكنه بحر القراءة(2) والقرى ... ثوى فالمعالي مجدبات مراعي
وأصبح في جنات عدن مخلداً ... وحل رياضاً طيبات بقاع
فقابله خلاقه بقبوله ... وواصله(3) بالبر دون قطاع
وأعظم فيه الأجر للأهل كلهم ... وكال لهم منه بأوفر صاع
حليف التقى شمس الهدى(4) الفذ أحمد ... رضيع لباب(5) المجد أي رضاع
وأوزعهم صبراً وشكراً فكل من ... عليها ففان مؤذن بوداع
[دعاه إلى مولاه داعي كرامة ... وأكرم بمدعو هناك وداعي
هنالك يعنيه مقيل وروضة ... وربع وصال واتصال رباعي
ولقَّاه ريحاناً وروحاً وراحة ... وضائع مسك في فسيح ضياع
ولا سيما للأوحد الكامل الذي ... غدا الفنون العلم أي جماع
فأبقاه رب العالمين مكرماً ... وإخوته الساعين خير مساعي] (6)
وصلى على خير البرية ربه ... وآلاً وأصحاباً وخير تباع
صلاة توالى ما جرت فوق مائها ... سفينة بحر أرخيت بشراع
محمد بن الحسن الحارثي المداني
/142/ العلامة الفاضل، مفخر العلماء، بدر الدين محمد بن الحسن الحارثي المداني - رحمه الله - تعالى-(7).
__________
(1) في (أ): بداع.
(2) في (أ): القرآن.
(3) في (ب): وأوصله البردون.
(4) سقط من (أ): الهدى.
(5) في (ب): لبان.
(6) ما بين المعكوفين جاء في نسخة (ب) متخللاً ما سبق ابتداءً من قوله: ولكنه بحر القران والقرى...
(7) سقط من (ب): تعالى.
قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم الصغير: القاضي العلامة فقيه زمانه، والمبرز في ذلك الميدان على أجناسه وأقرانه، جمال الدين، حاكم المسلمين بـ(صنعاء) محمد بن الحسن الحارثي المداني نسباً، المعروف المذحجي، من تلامذته العلامة حافظ الإسناد السيد محمد بن عبد الله والد السيد الصارم، قرأ عليه في مسجد الزبير كتاب (اللمع) و(التذكرة) في جماعة من الأعيان وأقره، وكان القاضي المذكور ينقل (التذكرة) جميعه(1) غيباً - رضي الله عنه -.
محمد بن الحسن بن حميد بن مسعود
العلامة الفاضل، المحقق الراسخ، محمد بن الحسن بن حميد بن مسعود بن عبد الله المقرائي الحارثي المذحجي نسباً - رحمه الله -(2)، هو(3) من مشاهير العلماء، ترجم له صاحب (النزهة)، قال: وله شرح على (التذكرة) موسوم بـ(المصابيح الظاهرة لالتقاط لآلئ التذكرة الفاخرة).
قلت: لعلها الزاهرة عوضاً عن الظاهرة(4)، سباناً مني وهي جزءان جعله رفو أوله السلوان المنتزع من (وفيات الأعيان) لابن خلكان(5)، وشرح على رسالة (الحور العين)، وكان قد شرع في شرح على (البحر الزخار)، فمنعه عن التمام الحِمَام، ولا يظن الواقف على هذا أنه المذحجي الذي ترجمته قبله، فالزمان غير الزمان عن تحقيق - إن شاء الله تعالى-.
محمد بن الحسن النحوي
العلامة الفقيه، المدرس المحرر المقرر، محمد بن الحسن النحوي - رحمه الله تعالى - هو أحد شيوخ يحيى بن حميد المقري(6)، ذكره العلامة الحسن بن حنش - رحمه الله - وكان من العلماء الجلة الكبار(7).
__________
(1) في (أ): جميعاً.
(2) في (ب): نسباً هو - رحمه الله -.
(3) سقط من (ب): هو.
(4) في (أ): عن الظاهرة مني… وهو جزءان.
(5) في (أ): حسباناًً.
(6) في (ب): المقارئي.
(7) في (ب): الكتاب.
محمد بن الحسن السودي
إنسان العلماء، وسيلة الكبراء إلى الله، بدر الدين محمد بن الحسن السودي - رحمه الله -(1)، علامة بن علامة شهير، وإليه وإلى أبيه لمح السيد الهادي في قصيدته ضياء الأبصار بقوله:
وبالحسن السودي والحبر ابنه ... وبالمفرد الإخلاص بالواحد(2) العلي
محمد بن الحسن بن عيسى [742هـ - ]
ولي آل محمد، بليغ البطحاء، شمس الأدباء، محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم بن محيي - بضم الميم كمعلي - المعروف بالعليف - تصغير علف - الشراحيلي الحكمي العكي العدناني الحلوي، نسبه إلى مدينة (حلي)، - رحمه الله - مولده سنة اثنين وأربعين وسبعمائة بـ(حلى) ببلاد(3) (بني يعقوب)، وتردد لـ(مكة)(4) غير مرة، وسمع في(5) مقدماته على العزيز جماعة ومعاني(6) الشعر، فمهر فيه، وفاق أقرانه، ونظم(7) كثيراً، وفيه أشياء مستحسنة، إلا أنه كان يستحسن شعر نفسه، ويعظمها على المتنبي وأبي تمام ونحوهما، فيستهجن بذلك، وامتدح غير واحد من الأعيان، وأجازه عنا وبن عامر(8) الزيدي الحسني على قصيدة امتدحه بها أولها:
بروج زاهرات أو معاني
__________
(1) زيادة في (ب): تعالى.
(2) في (ب): للواحد.
(3) في (ب): بلاد.
(4) في (ب): بـ(مكة).
(5) في (ب): في بعض مقدماته.
(6) في (ب): ويعاني.
(7) في (ب): وتعلم.
(8) في (ب): معامس.
بثمانية وعشرين ألف درهم، وانقطع إلى الشريف الحسن بن عجلان نحو اثنتي عشرة سنة، فوصله بصلات سنية، وله فيه قصائد كثيرة حسنة، ومدح أشراف (مكة)، ورؤساء (ينبع) والإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي بن محمد، وقدم إليه إلى (صنعاء)، وكان بينه وبين البسويجي شاعر (مكة) مهاجات أقذع(1) التسو عليه، وذكر أنه رأى في النوم وهو صبي قائلاً يقول له: أنا يحيى البحتري، وأنا نجيك، فقال له العليف(2): الحمد لله الذي(3) ارتحلك جذعاً، وارتحلك بازلاً. ومما يستحسن من شعره قوله في الإمام صلاح بن علي - عليهما السلام -:
يا وجه آل محمد في وقته ... لم يبق بعدك منهما إلا قفا
لو كانت الأبرار آل محمد ... كُتُبَ العلوم لكنت أنت المصحفا
أو كانت الأسباط آل محمد ... يا ابن الرسول لكنت منهم يوسفا
قال بعض الأدباء المكنين: وهو صاحب اللامية التي أولها:
جادك الغيث من طلول بوالي ... كبروج من النجوم خوالي
/143/ قال: هي لمحمد هذا لا كما زعم بعضهم لعلي بن محمد.
قلت: وقد ذكرها السخاوي في (الضوء اللامع) عند اسم محمد هذا، قال: ويحكى أنه لما فرغ من إنشادها قال الإمام: أحسنت، لا كما قال الفاسق أبو نواس:
صدح الديك الصدوح ... فاسقني طاب الصبوح
فقال له ما ينفعني من الإمام هذا، إنما أريد حكمك بتفضيلي على المتنبي، فقال الإمام: ليس هذا إلي، هذا إلى السيد المطهر صاحب حص العصر(4)، فإنه هو المشار إليه في علم الأدب، فقام إليه وعرض عليه ذلك بإشارة الإمام(5)، وأنشده للمتنبي أبياتاً ذمه بها، منها:
أفي كل يوم تحت ظبني شويعر ... ضعيف يقاويني قصير يطاول
والمنشد العليف، فضحك السيد؛ لأن ابن العليف كان قصيراً، وقال له هذا المتنبي يقول في صباه غزلاً(6) أوله:
__________
(1) في (ب): أقدع النسق.
(2) في (أ): العفيف.
(3) سقط من (ب): الذي.
(4) في (ب): حص القص.
(5) سقط من (ب): الإمام.
(6) سقط من (أ): أوله.
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى يدني(1) ... وفرق الهجر بين الجفن والوسن
ثم قال له: يا هذا، إن للمتنبي ثلاثمائة وستين مثلاً يتمثل بها الخليفة، فمن دونه، وهلم جرا، فأْتِنا أنت بثلاثة أمثال لم تسبق إليها، فقام من عنده، ورجع إلى الإمام وقال له: إن السيد له إلمام بالأدب(2)، فحسدني، ولم يقض لي بشيء، فقال له الإمام: لا يفضلك أحد على المتنبي بعده، ولكن أقول لك يا محمد: لو نطقت في أذن حمار، لصهل. ويروى أنه قابل القصيدة الهمزية التي في السبق لشاعر (مكة) التي أولها:
عزة النفس شيمة الكرماء
وسيأتي ذكرها ، ولمحمد بن الحسن بن(3) العليف قصائد في أهل البيت واسعة(4)، ولكني(5) لا أعرف هل الرجل القائل لهذا(6) هذا أو غيره، فلعله(7) اتفق اسم كل منهما محمد بن الحسن(8) كلهم يحبون أهل البيت، فسيأتي ذكر ذلك مما روي لمحمد بن الحسن العليف:
أقول قول صادق ... لا كاذب لا مدعي
سمت علت بي همتي ... إلى المحل الأرفع
بالمصطفى محمد ... وبالبطين الأنزع
بخمسة ما بعدهم ... لطامع من مطمع
من طهروا وشرفوا ... على الورى بالأجمع
فاحكم بفضلهم على ... سواهم وأقطع(9)
الماء هم وغيرهم ... سراب قاع بلقع
خير ملاذ للورى ... وعصمة ومفزع
في المحل والقحط لنا ... مثل الغيوث(10) الهمعِ
في الأزمات لم نزل ... نستامهم ونرتعي
أبر بالأمة من ... أم بطفل مرضع
عروتي الوثقى همُ ... وعصمتي ومنجعي
وإن سألت خالقي ... شيئاً بهم لم أمنع
وإن ذكرت فضلهم ... دمعت كل مدمعي
أمنني الله بهم ... من خوف يوم المفزع(11)
وأحسن الله بهم ... منقلبي ومرجعي
__________
(1) في (ب): يدلي.
(2) في (ب): ولي إلمام بالأدب فحسدني.
(3) سقط من (ب): ابن.
(4) في (ب): واسعة كثيرة.
(5) في (ب): لكني.
(6) في (ب): لها هذا.
(7) سقط من (أ): اتفق.
(8) زيادة في (ب): وأهل هذا البيت.
(9) في (أ)، (ب): بفضلكم على سواكم. وما أثبتناه في حاشية (ب).
(10) في (أ): القمع.
(11) في (ب): الفزع.
وبرد الله بهم ... في وسط قبري مضجعي
ورفع الله بهم ... منزلتي وموضعي
فليت أهلي كلهم ... وليت إخواني معي
لكن من منحته ... نصحي له لم يسمع
إذا ذكرت طفهم ... فاضت عليه أدمعي
كم ظل فيه لهم ... من مقتل ومصرع
رؤوسهم على القنا ... مثل النجوم الطلع
بدرهم إمامهم ... رأس الإمام الأرفع
رؤوس خير سجد ... لربهم وركع
كم فيهم من قائم ... لربه لم يهجع
لم تغرب الشمس على ... مثلهم وتطلع
وزينب بينهم ... على قعود جدع
قد جردوها لعنوا ... من الردا(1) والمقنع
تصيح يا أم ابصري ... حالي ويا أم اسمعي
وليس منهم أحد ... يسمعها ولا يعي
يا قلب ذب عليهم ... يا كبدي تقطعي
الحي يزيداً كلما ... ذكرته وابن الدعي
بعبرة سائلة(2) ... مني وقلب موجع
ليت أبا موسى أتى ... على البطين الأنزع
أوليت عمرو الحب إذ ... خادعه لم يخدع
أوليتهم لم يعجلوا(3) ... على الأمير النخعي
قلت: وقد ذكرت بهذه القصيدة قصيدة الأمير علي /144/ بن المقرب - رحمه الله - وقد تطلبت له ترجمة، فلم أجد، وفي أشعاره ما يدل على العدل والتوحيد، ونفي الرؤية لله تعالى، وفيها ما يدل على التمسك بحبل الله، أهل بيت نبيئه - عليهم السلام - وقد ذكرت هنا له قصيدتين يدلان(4) على ذلك، ثم أرجع - إن شاء الله - إلى ذكر ابن(5) العليف، فقال(6) المقرب - رحمه الله تعالى -:
يسود الورى من كلم الله في السماء ... وقام بساق(7) العرش يستمع الوحيا
يرى نور وجه الله لا بعيونه ... ولكنه بالقلب أثبتها رؤيا
وهي طويلة مشتملة على تقديس الله وتنزهه كما يعتقده أهل البيت، والقصيدة التي تدل على محبته للعترة، (8)هي:
يا واقفاً بدمنة وأربع ... ابك على آل النبي أو دعِ
__________
(1) في (أ): من الرداء المقنع.
(2) في (ب): سالته.
(3) في (ب): يهجعوا.
(4) في (ب): تدلان.
(5) في (ب): بني.
(6) في (ب): قال ابن المقرب.
(7) في (أ): ساق.
(8) في (أ): وهي.
يكفيك(1) ما عاينت من مصابهم(2) ... من أن يبكي طللاً تلعلعِ
نحهم قلت ويبكي غيرهم ... إنك فيما(3) قلته لمدعي
أما علمت أن إفراط الأسى ... عليهم علامة التشيعِ
أقرب(4) معانهم فهن بالبكاء ... أحق من وادي الغضا والأجرعي
يا ليت شعري من أنوح منهم ... ومن له ينهل فيض أدمعي
أللوصي حين(5) في محرابه ... عمم بالسيف ولما يركعِ
أم للبتول فاطم إذ دفعت ... عن إرثها الحق بأمر مقنعِ
وقول(6) من قال لها يا هذه ... لقد طلبت باطلاً فارتدعي
أبوك قد قال بأعلى صوته ... مصرحاً في مجمع فمجمعِ
نحن جميع الأنبياء لا نتركاً ... أبناءنا لإرثنا بموضعِ(7)
وما تركناه يكون مغنماً ... فأرضي بما قال أبوك واقنعي
قالت فهاتوا نحلتي من والدي ... خير الأنام الشافع المشفعِ
قالوا فهل عندك من بينة ... نسمع معناها جميعاً ونعي
فقالت ابناي وبعلي حيدر ... أبوهما أبصر به وأسمعِ
فأبطلوا شهادتهم ولم ... أيضاً يكونوا عندهم بمقنعِ
والله ما تكذيبهم لفاطم ... والحسنين والإمام الأنزع
بل للنبي والكتاب والذي ... أنزله لوحيه المتبعِ
(أم للذي أودت به جعدتهم(8) ... يومئذ بكأس سم منقعِ
وإن حزني لقتيل كربلا ... ليس على طول البلاء بمقلعِ)(9)
إذا ذكرت يومه(10) تحدرت ... مدامعي(11) بأربع فأربعِ
يا راكباً نحو (العراق)(12) جرسعا ... يتمي لعبدي والنجار(13) حرسعِ
إذا بلغت نينوى فقف(14) بها ... وقوف محزون الفؤاد موجعِ
والبس إذا بلغتها ثوب أسى ... فكل(15) ثوب للعزاء المفجعِ
__________
(1) في (أ): يكفك.
(2) في (ب): معابهم.
(3) في (ب): مما.
(4) في (ب): أقوت.
(5) في (ب): حيرى.
(6) في (ب): فقول.
(7) في (ب): لموضع.
(8) إشارة إلى جعدة زوجة الحسن التي سممته.
(9) البيتان ما بين القوسين غير موجودين في (ب).
(10) في (ب): غير واضح.
(11) في (ب): مدمعي.
(12) في (ب): العرار.
(13) في (أ): النجار.
(14) في (ب): بنينوى قف.
(15) في (ب): وكل.
فإن فيها للهدى مصارعاً ... هائلة بمثلها لم يسمعِ
واسحح(1) بها دمعك لا متبقياً ... في غربة ونح دواماً واجزعِ
بكل دمع ضائع جرى على ... عين غريب المصطفى المضيعِ
لله يوم بالطفوف لم يدع ... لمسلم في اليوم من(2) مستمعِ
يوم به اعتلت(3) مصابيح الدجى ... بعارض من الضلال مفزعِ
يوم به لم يبق من دعامة ... تشد ركن الدين لم يضعضعِ
يوم به لم يبق من داعية(4) ... يدعو إلى الشيطان لم يبتدعِ
يوم به(5)لم يبق من عمامة ... تحيي ثرى الإسلام لم تقتشعِ
يوم به لم تبق قط راية ... تهدي إلى ضلالة لم ترفعِ
يوم به لم يبق قط مازن ... ومعطش للحق لم يخدعِ
يوم به لم تبق قط وصلة ... حقاً لآل المصطفى لم تقطعِ
يوم به الكلب(6) الذريع يعتدي ... على هزبر الغابة المدرعِ(7)
يوم به غودر سبط المصطفى ... للعاسلات والضباع الجمعِ
لهفي له يدعو الطغاة(8) معلناً ... دعاء مأمون الفرار أروعِ
يقول يا شر الأنام أنتمُ ... أكفر(9) من عادٍ وقوِّم تبعِ
145/ كاتبتموني بالمسير نحوكم(10) ... وقلتمُ جد في المسير أو دعِ
فنحن في طوعك لم ننس الذي ... لكم من الود ولم نضيعِ
حتى إذا [ما] جئت لم يصلحكمُ ... من إرث جدي أو(11) ذراريه معي
لقيتموني بسيوف في(12) الوغى ... منتضيات ورماح شرّعِ
هل كان هذا في سجلاتكم ... يا شر مرأ للورى ومسمعِ
هل لكم أن تفوا(13) ببيعتي ... إن تسمحوا لي عنكمُ بمرجعِ
قالوا له: هيهات ذاك إنه ... مالك في سلامة بمطمعِ(14)
بايع يزيداً أو ترى سيوفنا ... بهامكم يقعن(15) كل موقعِ
فعندها جرد سيفاً لم يضع ... نجاده منه على موضعِ
__________
(1) اسحح بمعنى: صب وأسل.
(2) في (أ): أن يستمع.
(3) في (ب): أعلت.
(4) في (ب): من دعامة.
(5) في (ب): له.
(6) في (ب): انكلت.
(7) في (ب): المورع.
(8) في (ب): الطفاة.
(9) في (ب): من أكفر من.
(10) في (أ): إليكم.
(11) في (ب): و.
(12) سقط من (أ): في.
(13) في (ب): تنو.
(14) في (ب): من مطمع.
(15) في (ب): يقع.
وصار(1) في إبطالهم حتى أبقى ... من بأسه الحاسر بالمقنعِ(2)
وحوله من صحبه كل فتى ... حامي الذمار بطل سميدعِ
كم غادر غادره يجدرا(3) ... والخيل يروي(4) والكماة تدعي
حتى رماه الرجس شلت يده ... عن نازح الرمية صلب المنزعِ
فخروا لهفاً له(5) كأنما ... عليه درع(6) أو حلوق أودعِ
من بعد أن لم يبق من أنصاره ... غير طعام أنسر وأضبعِ
ثمة(7) مالوا للخيام ميلةً ... قالتْ لركن(8) الدين أيها فقعِ
ضرباً ونهباً وانتهاك حرمةٍ ... وذبح أطفالٍ وسلب أدرعِ
لقد رأوا في الكفر تعساً لهم ... رأي قذار رأيهم ومصدعِ
وأين عقر(9) ناقة مما جنوا ... يا للرجال للفعال الأشنعِ
ما مثلها في الدهر من عظيمة ... لقد غدت بكل أمر مفضعِ
تسبى ذراري المصطفى محمد ... رضا لشانيه الزنيم اللُّكَعِ(10)
يا لهف نفسي للحسين بالعرا ... وقد أقيم أهله بجعجعِ(11)
لهفي لمولاي الشهيد ضامياً ... يذاد عن بحر الفرات المنزعِ
لم يسمح القوم له بشربة ... حتى قضى بغله لم ينقعِ
لهفي(12) له والشمس فوق صدره ... بَحرِّ أوداجٍ وهشم أضلعِ
لهفي له ورأسه في ذابل ... كالبدر يزهو في أتم مطلعِ
لهفي لثغر السبط إذ يقرعه ... من لصفاه مجدباً لم يقرعِ
يا لهف نفسي لبنات أحمد ... بين عطاش في الفلا وجُوَّعِ
يُسَقْنَ في ذل السبا حواسراً ... إلى الشام فوق حسر أضلعِ
يقدمهن الرأس في قنائه ... هدية إلى الدعي بن الدعي
__________
(1) في (ب): طال.
(2) في (ب): من مقنع.
(3) في (ب): مجدلاً.
(4) في (ب): يردي.
(5) في (أ): بهفاله.
(6) في (ب): ردع.
(7) في (ب): سمت.
(8) في (ب): ركن.
(9) في (أ): عاقر.
(10) اللُّكَع: اللئيم، والأحمق ومن لا يتجه لمنطق ولا غيره. القاموس المحيط 703.
(11) الْجَعْجَع: ما تطأ من الأرض، والموضع الضيِّق الخشن. القاموس المحيط654.
(12) في (ب): لنفي.
يندبن يا جداه لو رأيتنا ... بسلب(1) كل معجر(2) وبرقعِ
نُهدى إلى الطاغي يزيد لُغباً(3) ً ... شعثاً بأسوء حالة وأبدعِ
يحدو بنا حاد حثيث(4) سيره ... لو قيل أربع(5) ساعة لم يربعِ
يتعبنا السير فيستحثنا ... إذا تخلفنا بضرب موجعِ
ولو ترى السجاد في كبوله(6) ... يضرب ضرب النعم الْمُسَلّعِ(7)
يعز(8) عليك جدنا مقامنا ... ومصرع في الطف أي مصرعِ
استأصلوا رجالنا وما اكتفوا ... بسبي نسوان وذبح رضعِ
ثم يصحن يا حسيناه أما ... بعد فراق اليوم من تجمعِ
خلفتنا بعدك وقفاً محجراً ... على الحنين والبكا والجزعِ
يا عجباً(9) للأرض كيف لم تنح ... وللسماء كيف لم تزعزعِ
فلعنة الرحمن تغشى عصبة ... غرتهم وعصبة لم تدفعِ(10)
يا آل طه أنتمُ وسيلتي ... إلى الإله وإليكم مفزعي(11)
واليتكم كيما أكون عندكم ... تحت لواء الأمن عند الفزعِ
146/ وإن منعتم من يوالي(12) غيركم ... أن أرد الحوض غداً لم أمنعِ(13)
إليكم نفثة(14) مصدور أتت ... من مصقع ندب وأي مصقعِ
مقربي عربي طبعه ... ونحره وليس بالمدرعِ
ينمي إلى البيت العيوني إلى ... أجل بيت في العلا وأرفعِ
عليكمُ صلى إلهي وسقى ... أجداثكم بكل غيث مُمْرِعِ(15)
__________
(1) في (ب): سلب.
(2) مِعْجَر: ثوب نعتجر به. القاموس المحيط 407.
(3) لُغباً: أي بلغن أشد الأعياء.
(4) في (ب): عنيف سيره.
(5) أربِعْ: قف وانتظر. القاموس المحيط 664.
(6) كبوله: قيوده.
(7) في (أ): الملع.
... السَّلع: الشق في القدم. القاموس المحيط 672.
(8) في (ب): يعوز.
(9) في (ب): واعجباً.
(10) في (ب): تدع.
(11) في (ب): مفزع.
(12) في (ب): يواخي.
(13) في (ب): أن يرد الحوض غدا لم يمنع.
(14) في (ب): نفيت.
(15) مُمْرِع: مُخْصِب. القاموس المحيط 704.
انتهت القصيدة(1)، وهي مكذبة لمن سماه خارجياً من الجهال.(2)
قلت: وحين قد صرح السيد الحافظ الهادي بن إبراهيم بأن بني العليف(3) على مذهب العترة - عليهم السلام - فلنذكر من عرفنا اسمه.
قال السيد الهادي عند تعداد من لقيه بـ(مكة) ونواحيها ما لفظه: وكمثل الفقهاء بني العليف وغيرهم من أهل تلك الناحية، وبني العليف قوم من (عك) كانوا على مذهب الشافعي، فخرجوا إلى مذهب أهل البيت علهيم السلام، وكان لسانهم وخطيبهم(4) وبليغهم حسن بن محمد العليف، وهو القائل:
إذا ما رأوني من بعيد تغامزوا ... علي وقالوا شافعي تَزَيَّدا
ووالله ما بعت الهدى بضلالة ... ولكنني بعت الضلالة بالهدى
انتهى كلام السيد.
قلت: هؤلاء قوم فضلاء جلة علماء، من أولياء آل محمد، ولهم أشعار واسعة في الموالاة تدل على صدق لهجة في ذلك، منهم حسين بن محمد بن حسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم بن محمد بن محيي- بالميم بعدها حاء مهملة بعدها مثناة - كمعلي، يعرف ببدر الدين، وهو أبو علي الجمال الشراحيلي الحكمي العكي العدناني الحلوي، نسبه إلى مدينة (حلي)، ثم المكي، وهو والد أحمد وعلي، ويعرف بالعليف تصغير علف، ولد سنة أربع وتسعين وسبعمائة بـ(مكة)، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ المقامات والنحو واللغة، وتقدم في فنون الأدب، وقال الشعر الجيد، ومدح أمراء (مكة) بالشعر المفلق، وكان كثير السكوت والايجاع(5) عن الناس، ولقب بشاعر البطحاء، وكان شاعراً من فحول الشعر(6) الوافدين على الملوك وكبراء العرب.
__________
(1) في (ب): هذه.
(2) في (ب): مابين هذا السطر والسطر الذي يليه توجد ترجمة السيد محمد بن الحسين بن موسى في ص165 إلى ص166 إلى نهاية السطر الرابع.
(3) في (أ): الليف.
(4) سقط من (ب): وخطيبهم.
(5) في (ب): السكون والانجماع.
(6) في (ب): الشعراء.
ذكره الخزرجي، وقال السخاوي: إنه مات في المحرم سنة ست وخمسين وثلاثمائة(1)، ودفن بـ(المعلا)(2)، لم أطلع له على شعر، فأرويه، ومن شعر والده محمد بن الحسن المقدم(3) في صدر الترجمة القصيدة الهمزية يهجو بها النسور(4)، وقيل: إنها لأحمد بن الحسين بن العليف، فأخرناها عن صميم ترجمته، وهي:
عزة النفس شيمة الكرماء ... والتحلي بحلية الأدباءِ
وادعاء الكمال بالجهل نقص ... معرب عن جهالة الأغبياءِ(5)
وامتهان العزيز بالذل داء ... كامتحان الكريم باللوماءِ
لا يجاري السفيه بالجهل حلماً ... آفة الداء من فساد الدواءِ
إنما الحزم في التغاضي(6) وإن كا ... ن أخو الجهل صادقاً في الإخاءِ
رب جان يزيده الحلم جهلاً ... كل شرط لا بده من جزاءِ/147/
لا رعى الله من ينام على الذل وفي الأرضِ مذهبٌ والفضاءِ
إن خير الكلام ما دل فحواً(7) على مقتضاه قبل الأداءِ
يجهل الفضل من مقالي أناس ... نطقهم بالثناء دون هجائي
نافسوني على اكتساب المعالي ... واحتفالي بشأنها واعتنائي
حين أعيتهمُ كرام المساعي ... عن مدى غايتي وحسن عنائي
سودوا باجتراحهم صحف الخيـ ... ـر وما زلت ذا يد بيضاءِ
بذلوا جهدهم لإطفاء نوري ... وأبى الله أن يزيل ضيائي
ركبوا شقة الشقاء لحظي ... رب سعد يجره ذو شقاءِ
هل يعدون لي على الدهر ذنبا ... غير فضلي وهمتي وحيائي
كلما حاولوا إخفاء ظهوري ... كنت كالشمس في ظهور خفاءِ
أين فضلي إن لم أَبُوْ أَنَّ بالفضل ... وأسمو له(8) على نظرائي
أنا في مقلة الكرام جلاء ... وبعين اللئام مثل القذاءِ
ما على العمر إن نظمت على الحر ... لألي قلائدي(9) وثنائي
يقتضيني الجهول غير طباعي ... وصفاتي وسائري وورائي
__________
(1) في (ب): وثمانمائة.
(2) في (ب): بالمفلاه.
(3) في (ب): المتقدم.
(4) في (ب): النسو.
(5) في (أ): الأتناء.
(6) في (أ): الغاضي.
(7) في (أ): فحوى.
(8) في (أ): وأسمو على.
(9) في (أ): قلائد.
ويرد السفاه حلمي فتأبى ... عزة النفس أن أموت بدائي
لن يراني على الهضيمة قوم ... شوطهم في الكمال دون خطائي
وإذا المقتضى تعارض والما ... نع قدمت جانب الاقتضاءِ
ذل من يطرف الجفون على الضيـ ... ـم وفي الأرض مذهب والفضاءِ
ليس ذل المقام حتماً على الحر إذا كان غرة في الثناءِ(1)
لا يقيم الكريم إلا على العز وإلا فالدار دار الفناءِ
إن من أعظم المصائب في الدهـ ... ـر مداجاة(2) الحر لابن الخناءِ
وامتحان الكريم داء عضالٌ ... باحتمال الأذى من السفهاءِ
وإذا ما الغصون تبنى على العر ... ق كفى في البيان يصح الإباءِ
ينزع الفرع منزع الأصل طبعاً ... ودليل الآباء في الأبناءِ
كل داءٍ يُرْجَى له البرء حيناً ... غير داء الجنون(3) والحمقاءِ
علة أعيت(4) الدواء وجارت ... عن كثير الأساة والحكماءِ
وبلائي(5) من منكر لست أدري ... بجلال نزوعه أم زناءِ
جَعْظَرِيٌّ(6) معلهج(7) يقتفيني ... بضروب من الكلام الهزاء(8)
ضوطريٌّ هِلْبَاجةٌ(9) ذا عوار ... للمخازي يجيب قبل النداءِ
اقتصر على هذا القدر من القصيدة لأن في آخرها إقذاعاً.
ومن آل العليف أحمد بن الحسين هذا، هو الشهاب البدري المكي، مولده في جمادي الأولى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بـ(مكة).
قال السخاوي: وكان له شعر حسن، رأيت له في سنة تسعمائة /148/ قصيدة فحلة نحو سبعين بيتاً، وأوردها كلها في تاريخه، وأولها:
خذ جانب العليا ودع ما يترك ... فرضا البريئة غاية لا تدركُ
__________
(1) في (ب): التناء.
(2) مداجاة بمعنى: مداراة. القاموس المحيط 1179.
(3) في (ب): المجنون.
(4) في (ب): أحنت.
(5) في (أ): وبل أي.
(6) الجَعْظَرِيّ: الفظّ الغليظ، أو الأكول الغليظ، والقصير المُتَنَفِّخُ بما ليس عنده. القاموس المحيط 343.
(7) المُعَهْلَج: الأحمق اللئيم، والهجين. القاموس المحيط 195.
(8) في (أ): الألعزاء.
(9) الهِلْبَاجة: الأحمق الضخم القدم الأكُول، الجامع كل شر. القاموس المحيط 205.
واجعل سبيل الذل عنك بمعزلٍ ... فالعز أحسن ما به يستمسكُ
وامنح مودتك الكرام فربما ... عز الكرام وفات من (1) يستدركُ
وإذا بدت لك من عدو فرصة ... فافتك فإن أخا العلا من يفتكُ
ودع الأماني للغبي فإنما ... عقبى المنى للحر داء منهكُ
من يقتضي سبباً بغير عزيمة ... ظلت مذاهبه وعز المدركُ
تعست مدارات العدو فإنها ... داء تحول به الجسوم وتوعكُ
لا يدرك الغايات إلا من له ... في كل حي من عداه مسلكُ
وهي طويلة، إلا أن هذه القطعة تدل على ما ورائها.
قال الشيخ جار الله الحنفي في الذيل على (الضوء اللامع): إن ابن العليف هذا توفي بـ(مكة) بعد طول مرض في يوم الثلاثاء في الساعة الرابعة منه الثامن من ذي الحجة عام ست وعشرين وسبعمائة، وجهز في ظهره ودفن بـ(المعلا)(2).
ومن آل العليف علي بن محمد بن الحسن بن عيسى اليمني، ثم المكي أخو البدر حسين الماضي ذكره(3)، ويعرف بابن العليف، ولد في سنة ثمانين وسبعمائة تقريباً، (بجلي) من (اليمن)(4)، وقدم مع أبيه إلى (مكة)، فقطنها، وامتدح أهلها وأمراءها بما دل على فضله، فمن ذلك قصيدة أولها:
إن نام بعد فراق الحي إنساني ... فما أقل مراعاتي(5) وإنساني
قلت: وما أشبه هذا بقول الإمام المطهر محمد بن سليمان عليه(6) السلام:
على الأحبة إن لم تبك أجفاني ... فما أقل الوفاء مني وأجفاني
وله قصيدة أخرى يمدح بها مقبلاً صاحب (ينبع)، وقد آوى إليه:
حملتني والمدح قود المهارا ... وامتطينا نطوي إليه(7) القفارا
يقول في مديحها:
يا أبا منجدٍ عدتك الليالي ... وتسقى بك العدو المرارا
ما تمخضت بين فخذي لكاع ... من نزار ولا رضعت الحوارا
__________
(1) في (أ): من لم.
(2) في (ب): المعلاة.
(3) سقط من (ب): ذكره.
(4) في (أ): النمر.
(5) في (أ): صراعاتي.
(6) في (ب): - عليهم السلام -.
(7) في (ب): عليها.
يعرض بمخدومه الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير (مكة)، فلما بلغه، توعده، فخاف، وهرب إلى (فارس)، ثم إلى (بغداد) و(خراسان)، ثم (الهند)(1)، فأقام بها حتى مات سنة سبع وأربعين وثمانمائة، ومن العجب أنه قال عند مفارقته لـ(مكة) أبياتاً منها:
ولما رأيت العرب خابوا عن الوفا ... ومالوا عن المعروف صاحبت(2) فارسا
فمات بالهند، والقصيدة في(3) الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي بن محمد عليه(4) السلام التي أولها:
جادك الغيث من طلول بوالي ... كبروجٍ من النجوم خوالي
فقدت بيض أنسها فتساوى ... بيض أيامها وسود الليالي
قاسمتني وجدي بها فتساوى ... حالها بعد من أحب(5) وحالي
/149/ يقول في مديحها:
وترى الأرض أدنهم بمعرى ... هي في رعدة وفي زلزال
قرأت سال سائل بعذاب ... واقع منه في سهول الجبال
قد نسب(6) إلى علي بن محمد هذا، وقد سبق كلام(7) صاحب (الضوء اللامع) أنها لمحمد بن الحسن المتقدم ذكره، وهذا آخر من أحببت ذكر اسمه من بني العليف لاشتهار المتأخرين بعد الحسن الذي(8)، لقيه السيد الهادي بالبريد، وقد ذكر الجنيد من متقدميهم في الشافعية أبو الحسن علي بن قاسم بن العليف بن هيس بن سليمان بن عمرو بن نافع الشراحيلي الحكمي من ساكني (حرض)، قدم (زبيد) بعد أن تفقه بقرية (السويراء) على إبراهيم بن زكريا، ودخل مدينة (ذي أشرق)، وانتفع به فقهاء الشافعية، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): ثم إلى الهند.
(2) في (أ): صاحب.
(3) في (ب): التي.
(4) في (ب): عليهم.
(5) في (أ): مراحب.
(6) في (ب): نسبت.
(7) في (أ): كلامه.
(8) في (أ): الذر لقبه.
محمد بن الحسين بن موسى المشهور بالشريف الرضي [359هـ-406 ه ]
السيد الذي هو فلك الفضل الدوار، ونور شمسه، وزبرقانه(1) النوار، صاحب الحسين(2)، مفخر أبناء الحسنين، فريدة التِقْصَار، وزينة الأعصار والأمصار، المشهور بالشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر الصادق - عليهم السلام - نسب عالي الأنساب، و(3)حسب فائق الأحساب، فما أغناه عن التطويل في الترجمة والإسهاب.
وإذا استقام الشيء قام بذاته(4) ... وصفات ضوء الشمس يذهب باطلاً
غير أنه(5) ذكر نعمان، فلا غنيه بالدفاتر عن شرف ذكره(6)، وقد ترجم له القريب والبعيد، والولي والعنيد، فما ذكروا غير ما يُشَنِّفُ المسامع، ويشرف(7) المجامع.
__________
(1) في (ب): وزبرقا النوار.
(2) الحسبين ظ.
(3) سقط من (ب): الواو.
(4) في (ب): بنفسه.
(5) جاء في حاشية (ب): إشارة على قول الشاعر: أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ... هو السكر ما كرر به يتضوع.
(6) في (أ): هيئة.
(7) في (ب): وأشرفت به.
قال الشريف ابن عنبة: أما محمد بن أبي أحمد الحسن بن موسى الأبرش، فهو الشريف الأجل، الملقب بالرضي، ذو الحسبين، يكنى أبو الحسن نقيب النقباء بـ(بغداد)، وهو ذو الفضائل الشائعة، والمكارم الرائعة، كانت له هيبة(1) وجلالة، وفيه ورع وعفة وتقشف، ومراعاة للأهل والعشيرة(2)، ولي نقابة الطالبيين مراراً، كانت إليه إمارة الحاج والمظالم، كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب، ثم تولى ذلك بعد وفاته مستقلاً، وحج بالناس مرات، وهو أول طالبي خلع(3) عليه السواد، وكان أحد علماء عصره، قرأ على الأجلاء(4) الأفاضل، وله من التصانيف كتاب (المتشابه في القرآن)، وكتاب (مجاراة الآثار النبوية)، وكتاب (نهج البلاغة)(5)، وكتاب (تلخيص البيان عن مجازات القرآن)، (6) وكتاب (الخصائص)، وكتاب (سيرة والده الطاهر)، وكتاب (انتحاب شعر ابن حجاج)، سماه الحسن من شعر الحسين، وكتاب (أخبار قضاة بغداد)، وكتاب (رسالة) ثلاثة مجلدات، وكتاب (ديوان شعره)، وهو مشهور. قال الشيخ أبو الحسن العمري شاهدت مجلداً في تفسير القرآن منسوباً إليه، مليح حسن يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطوسي أو أكبر، وشعره مشهور، وهو أشعر قريش، وكان لا يقبل من أحد شيئاً، حكى أبو إسحاق محمد بن إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب قال: كنت عند الوزير أبي محمد ذات يوم، فدخل الحاجب، واستأذن للشريف الرضي، وكان الوزير قد ابتدأ بكتابة رقعة، فألقاها، وقام كالمدهش حتى استقبله من دهليز الدار، وأخذ بيده، وأعظمه، وأجلسه في دسته، ثم جلس بين يديه متواضعاً، وأقبل عليه بمجامعه، فلما خرج الرضي، خرج معه، وشيعه إلى الباب ، ثم رجع، فلما /150/ حف المجلس، قلت: أيأذن لي الوزير - أعزه الله تعالى - أن أساله عن شيء،
__________
(1) في (ب): هيبة.
(2) في (ب): وللعترة وفي.
(3) في (ب): طلع السواد.
(4) في (ب): أجلاء الأفاضل.
(5) ارحع إلى السطر الثاني أوله
(6) من هنا إلى نهاية الترجمة لا يوجد في (ب).
قال: نعم، وكأني بك تسأل عن زيادتي في إعظام الرضى على أخيه المرتضى، والمرتضى أسن منه وأعلم. قلت: نعم أيد الله الوزير. فقال: اعلم أنا أمرنا بحفر النهر الفلاني، وللشريف المرتضى على ذلك النهر ضيعة، فتوجه عليه من ذلك قدر ستة عشر درهماً أو نحو ذلك، فكاتبني بعدة رقاع يسأل في تخفيف ذلك المقدار عنه، وأما أخوه الرضي، فبلغني ذات يوم أنه ولد له غلام، فأرسلت إليه بطبق فيه ألف دينار، فرده، وقال: قد علم الوزير أني لا أقبل من أحد شيئاً، فرددته إليه، وقلت: إني إنما أرسلته للقوابل، فرده ثانية، وقال: قد علم الوزير نساؤنا عربية، فرددته، فقلت يفرقه الشريف على تلامذته من طلاب العلم، فما جاء الطبق وحوله طلاب العلم، قال: هاهم حضور، فليأخذ كل واحد ما يريد، فقام رجل وأخذ ديناراً، فقرض من جانبه قطعة، فأمسكها، ورد الدينار إلى الطبق، فسأله الشريف عن ذلك، فقال: احتجت إلى دهن السراج ليلة، ولم يكن الخازن حاضراً، فاقترضت من فلان البقال دهناً، فأخذت هذه القطعة لأدفعها إليه عوض دهنه، وكان طلبة العلم الملازمون للشريف الرضي في دار قد اتخذها لهم سماها دار العلم، وعين لهم جميع ما يحتاجون إليه، فلما سمع الرضي ذلك، أمر في الحال أن يتخذ للخزانة مفاتيح بعدد الطلبة، ويدفع إلى كل واحد منهم مفتاحاً ليأخذ ما يحتاج إليه، ولا ينتظر خازناً يعطيه، ورد الطبق على هذه الصورة، فكيف لا أعظم من هذا حاله؟ وكان الرضي مترشحاً للخلافة، وكان أبو إسحاق الصابي يطمعه فيها، ويزعم أن طالعه كان يدل على ذلك، وله في ذلك شعر أرسله إليه، ووجدت في بعض الكتب أن الرضي كان زيدي المذهب، وأنه كان يرى أنه أحق قريش بالإمامة، انتهى ما أردت نقله من كلام ابن عنبة.
وذكر السيد النسابة أبو فضيل منكراً محمد بن أبي الفتوح الأوسط بن أبي (اليمن) سليمان بن تاج الملة الشهير بصدر العالم - رحمه الله تعالى - في كتاب (النفحة العنبرية في أنساب خير البرية) الذي صنفه لمحمد بن الناصر أحمد بن المتوكل على الله المطهر بن يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم بن المطهر بن علي بن الناصر لدين الله أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عليهم السلام - وهو كتاب حسن في بابه، ذكر فيه ما نصه: قال ابن مهنى: وجدت في بعض الكتب أن الرضي هذا كان زيدي المذهب، وأنه كان يرى أنه أحق قريش بالإمامة، وقد ذكر الإمام المنصور بالله في جوابه (الشافي) الذي أجاب به أبا القبائل عبد الرحمن بن منصور الأشعري كلاماً معناه: أن الشريف الرضي كان فريد وقته ونسيج وحده، وكان من خلصان الزيدية، ومثل هذا ذكره الحاكم في (العيون) /151/.
قال السيد العلامة أحمد بن عبد الله الوزير - رحمه الله -: ويدل على ذلك أشعاره.
قلت: من ذلك ما أنشده ابن عنبة في ترجمته شعراً:
هذا أمير المؤمنين محمدٌ ... طابت أرومته وطاب المحتدُ
أو ما كفاك بأن أمك فاطمٌ ... وأبوك حيدرة وجدك أحمدُ
قال ابن عنبة: وأشعاره مشحونة بذلك، ومدح القادر بالله، فقال في تلك القصيدة:
ما بيننا يوم الفخار تفاوتٌ ... الكل منا في المفاخر معرقُ
إلا الخلافة قدمتك فإنني ... أنا عاطل منها وأنت مطوَّقُ
قال له القادر بالله على رغم أنف الشريف.
قلت: هكذا قال هؤلاء الكلمة، وأفادنيه بعض شيوخي عن غير هؤلاء، فاستشكلت الأبيات التي تروى حين نقله أبو عبد الله الداعي في النقابة، فإن فيها:
لو لم أقل بالنص في مذهبي ... وكنت كالصارم من حيلة
لقلت قد قام إمام الهدى ... فاجتمع العالم في ظله
فأجابني بعض شيوخي الحفاظ - أدام الله عزه - بأنه قد بحث على هذا فلم تكن هذه للشريف الرضي بعد البحث، وأقام - رضي الله عنه - على ذلك دليلاً، مولد الشريف سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد السادس من محرم سنة ست وأربعمائة، ودفن في داره، ثم نقل إلى مشهد الحسين - عليه السلام - بكربلاء، فدفن عند أبيه، وقبره ظاهر معروف، ولما توفي، جزع المرتضى جزعاً شديداً لا أبلغ منه إلى أنه لم يتمكن من الصلاة عليه، ورثاه هو وغيره من شعراء زمانه، وأمه وأم أخيه المرتضى فاطمة بنت أبي محمد الناصر الصغير، يعرف بناصرك بزيادة الكاف، ومعنى هذه الكاف التصغير في لسان العجم، والناصر الصغير هو ابن أبي الحسين أحمد بن الإمام الأعظم أمير المؤمنين أبي محمد الأطروش الماضي ذكره، ولهما ولها الكرامة المذكورة التي حكاها السيرافي، وذلك أنه رأى أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - جاءت إليه بالحسن والحسين تقربهما، فكان في الغد، وجاءت فاطمة بنت أبي محمد بالشريفين على صفة ما رآه ليلاً، ولم يشتغل بإنشاد شيء من شعره وشعر أمثاله ممن شعره أشهر من نار على علم إلا ما دعت إليه ضرورة حال. انتهى).
محمد بن الحسين بن محمد المحرابي
السيد العلامة، المتعبد الزاهد، بدر الدين محمد بن الحسين بن محمد المحرابي - رحمه الله -(1)، كان سيداً فاضلاً صالحاً مطلعاً، له إشراف كامل على العلوم بطريق المطالعة والقراءة على الشيوخ، إلا أن سعة حفظه عن المطالعة، وكان متكففاً متعففاً لم يخرج من بلده (المحراب) إلا لزيارة الأئمة بـ(شهارة)، وكان يأكل من نذره، ووالده - رحمه الله تعالى - [كان] سيداً فاضلاً، أكبر من ولده قراءة(2) سيما في أصول الدين إلا أن حظه في الحفظ قليل - رحمه الله تعالى - وفاة السيد محمد فيما أظنه في أفراد عشر الخمسين وألف في أواخر سنيها، وهذا تقريب لا تحقيق.
__________
(1) في (ب): تعالى.
(2) في (أ): قرأ.
محمد بن الحسين بن القاسم [ - 1067 ه ]ت
/152/ السيد السَّرِيُّ الهمام، العالم الأديب، قائد الجنود، عطر الأخلاق، محمد بن الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد سلام الله عليهم، عالم بن عالم بن عالم، كان من أهل الأدب والرعاية(1)، مطلعاً على مقاصد الأدباء ومناهجهم، ومع ذلك فهو مكين في علوم الأدوات، يعاطى الاستنباط والتكلم في المسائل عن نظرة من غير متابعة، وذلك في آخر أمره(2)، واشتغل بشرح آيات الأحكام التي جمعها السيد المحدث الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، وعددها مائتا آية ونيف وعشرون آية، ففسرها، واستنبط منها، وأظهر عجائب من علمه، وخرج الأحاديث من أمهاتها، وكان من أعيان الدولة المتوكلية من وجوه سادات أهلها في البسطة منهم، وكان بعد موت والده - رحمه الله تعالى -(3) مقيماً بالبستان غربي (صنعاء)، يحف به فقهاء وجماعة من الجند، ولما اختار الله للإمام المؤيد بالله جواره، وحصل ما حصل من الاختلاف، قصد(4) حضرة والده المتوكل على الله من البستان(5) إلى محروس (ضوران)، وكانت طريقه على (أعشار)، وهي طريق(6) مسلوكة، فأنسه الإمام، وأنزله(7) منزلته التي يستحقها، ثم إنه(8) وجهه إلى (خدار) للقاء العساكر الخارجة من (صنعاء) من جانب مولانا شمس الدين(9) أحمد بن أمير المؤمنين - رحمه الله تعالى-(10)، فاتفقت حروب في (خدار)، وما زالت الحروب مماسية مصابحة للفريقين حتى طلع مولانا سيف الإسلام أحمد بن الحسن بن أمير المؤمنين من (ذمار) لحصار (صنعاء)، فاجتمعا لذلك ثم نفذ إلى (ثلا)، واتفق تسلم(11) مولانا صفي الإسلام(12)
__________
(1) في (ب): ورعاية.
(2) في (أ): مرة.
(3) سقط من (ب): الترحم.
(4) في (ب): فقصد.
(5) في (ب): من العراس.
(6) في (ب): طريقة.
(7) في (ب): وأنزلته التي يستحقها.
(8) سقط من (ب): إنه.
(9) في (ب): شمس الإسلام.
(10) سقط من (ب): تعالى.
(11) في (ب): تسليم.
(12) في (ب): صفي الدين بثلا.
الثلا، والأمير الجليل الناصر بن عبد الرب، ثم عاد مكرماً، وارتفعت حاله، وعلت كلمته، واجتمعت له جنود مثل جنود أبيه، وولي أضعافاً كثيرة عن(1) أمر إمامه وأبيه - عليهم السلام - ثم توجه في جنده مع صنوه سيف الإسلام أحمد بن الحسن إلى (نجد السلف) لقتال سلاطين المشرق، واقتضت تهيئة الحرب وتعبيته جعله من جانب مفرد فقضي الأمر، وكان النصر(2) الذي لم يعهد مثله في ساعة من نهار، ذهبت سلاطين المشرق على كثرتهم ونجدتهم بين قتيل وأسير في لمحة الطرف، ولم يصل(3) إلا وقد انجلت المعركة عن الفتح والنصر، لم(4) يزل حريصاً على أن يظفر بمثلها، فكان في (يافع) ما كان من الحرب؛ لأنهم لم يسلموا يومئذ تسليم طاعة، فاجتمعوا وطلع(5)، وتلاه مولانا صفي(6) الإسلام، وصفوة عز الإسلام(7)، محمد بن أمير المؤمنين، وهو أحد أقطاب الحرب في (نجد السلف)، وأبلى بلاء حسناً، فطلعوا جبل (يافع)، وتم النصر - بإذن الله وفضله -(8)، واستراح قلب مولانا محمد بن الحسين لظفره بنصيب وافر، وعاد هو ومولانا(9) سيف الإسلام مرة أخرى إلى هنالك، وكان النصر المبين، والتفت في آخر عمره إلى العلم التفات أمثاله، وكانت الشيوخ تفد إليه إلى منزله، واجتمع له(10) من الكتب ما لا يجتمع إلا للعلماء السلاطين، أخبرني في أوساط المدة بل هو أقرب إلى إقبال الكتب عليه إلى(11) أنه يملك من دواوين الشعر مائة كتاب وخمسين كتاباً، وما جاء الكثير إلا من بعد. توفي بعد عصر الجمعة ثامن شهر شوال سنة سبع وستين /152/ و ألف، ودفن بالتربة المشهورة بالبستان بباب صنعاء الغربي، وبجواره فيها السيد العلامة أحمد بن
__________
(1) في (ب): ثُمَّ.
(2) في (ب): النظر.
(3) في (ب): فلم يصل.
(4) في (ب): فلم.
(5) في (ب): وطلعوا.
(6) في (ب): سيف.
(7) في (ب): وصنوه عز الدين الإسلام محمد بن أحمد بن أمير…
(8) في (ب): بفضل الله واستراح.
(9) في (ب): والمولى.
(10) سقط من (ب): له.
(11) سقط من (ب): إلى.
علي الشامي(1)، وعمه السيد عماد الدين يحيى بن أمير المؤمنين المنصور بالله - رضي الله عنهم - ويحيى بن أمير المؤمنين هذا(2) كان سيداً قد تأهل للرئاسة، وتولى أموراً نيابة عن أخيه العلامة(3) الحسين بن أمير المؤمنين، وكانت له مكارم، ومات في ريعان الشباب في عام مات فيه صنوه نجم آل الرسول يوسف بن أمير المؤمنين المنصور بالله، توفي بـ(الحمى)، ودفن هنالك، هو والسيد الرئيس الشهيد الهادي بن علي الشامي، أظنهما في تابوت واحد، وكان يوسف هذا من كملة أهله، ووجوه آل محمد من أهل مكارم الأخلاق باسماً، ومع ذلك كان(4) يزاحم إخوته الثلاثة في الصلاحية، والرتب العلية، ومكافحة الأعداء، وكان محبباً إلى الأمة المحمدية، ولعل ذلك سر محبة والده، فإنه(5) كان عنده يوسف إخوته، وكمَّله(6) الله في الخلق اليوسفي، ومات في عام موتهما السيد النجيب الفارس الهمام الحسن بن الشهيد علي بن أمير المؤمنين، وكان سيداً تلوح عليه أشعة الرئاسة، يحب المعالي، وتمكن من ركوب الخيل تمكناً عجيباً، فيه يضرب المثل، وتوفي بـ(ضوران)، وقبره(7) في المقبرة التي يأخذ من جانب القبلة إلى جانب الغرب عن مدينة (الحصين)، وكان يوسف حقيقياً بإفراد ترجمة - أعاد الله من بركتهم الجميع - وكان موتهم في وقت متقارب في حدود سنة خمس وأربعين وألف أو قبلها بعام لم يحضرني ما اعتمده، وفي هذا المعنى كتب علامة (اليمن)، أحنف الحلم، مولانا الحسين بن أمير المؤمنين - عادت بركاته-(8) إلى أخيه شيخ آل الرسول وسيد أبناء البتول وإمام الأمة وأمانها مما يهول ويصول المتوكل على الله إسماعيل بن المنصور بالله أعلا الله شأنه، ورفع مكانه، وأمضى على كل سلطان
__________
(1) في (ب): - رحمه الله -.
(2) في (أ): هذا سيداً.
(3) سقط من (ب): العلامة.
(4) في (ب): فكان.
(5) في (ب): له فكأنه كان عنده.
(6) في (ب): وكلمه الله كلام في الخلق يوسفي.
(7) في (ب): وقبر بالمقبرة.
(8) في (ب): بركته.
سلطانه، هذا الشعر - رحمهم الله تعالى -(1):
سادة عوجلوا(2) بكأس المنايا ... عجباً ما أمر كأس المنية
من نقيبين(3) سيدين بـ(صنعا) ... وبضوران قبل نفس زكية
ثم من بالحمى أجل فقيد ... يوسف ذو المحاسن اليوسفية
يا لها أوجهاً غدت في لحود ... كالنجوم التي تضيء بهية
ما رعى الموت في علاهم ذماماً ... للمعالي وللخلال السنية
أودع القلب(4)فقدها نار حر ... ضاعف الله أجرها من رزية
محمد بن الحسين الأصفهاني
العلامة المحقق، الراسخ الحجة، بدر الدين محمد بن الحسين الأصفهاني - رحمه الله تعالى-(5)، كان من عيون العلماء محدثاً، قرأ عليه الفقيه المجتهد يوسف بن أحمد الأكوع(6) - رحمه الله تعالى - (تيسير المطالب)، وهو أحد تلامذة شعلة وسع الله في أيامه حتى لحق به الكملاء.
محمد بن حمزة بن المظفر
إمام المفسرين الحافظ، شيخ الأئمة، إنسان العلماء وقدوتهم، محمد بن حمزة بن المظفر - رحمه الله - ترجم له الإمام عز الدين بن الحسن - عليهما السلام - ومحمد بن أحمد بن المظفر، وابن /154/ فند وغيرهم، واتفق الفضلاء على فضله، ورجع إليه المحققون، وصنف في أنواع(7) العلوم، ومن عجيب تأليفاته كتاب (البرهان) يشتمل على عشرين علماً، أحدها التفسير، وفيه: الأصول، والكلام، والفقه، والفرائض، والحديث، واللغة، والتصريف والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، وسيرة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وابتداء الخلق، والطب، والنجوم، والمنطق، والعروض، والرمل، والسحر.
__________
(1) في (ب): - رحمهم الله جميعاً -.
(2) في (ب): علجوا.
(3) في (ب): فقيدين .
(4) في (أ): وادع الله.
(5) سقط من (ب): تعالى.
(6) سقط من (ب): الأكوع.
(7) في (أ): في إنفاع.
قلت: يذكر أحكامه وخواصه أعني السحر ليتمكن المسلمون(1) من حله وإبطال(2) مكر أهله - علمت الشر لا للشر ولكن لتوقيه - وهو من مهمات الإسلام، وللعلامة أحمد الشامي في هذا القاضي خمس قصائد منها:
يا حبذا قاضياً شاعت فضائله ... في الشرق والغرب والشامات واليمنِ
قال المقري(3) - رحمه الله -: له كتاب تأليف في جميع الفنون.
قلت: وله (المنهاج) وغيره كـ(شرح الظاهرية) وغيره مما لم آت عليه، وتوفي بـ(صعدة) المحروسة، ودفن قبر الجبان الذي يصلى فيه العيد شامي (صعدة) في تاريخ (……)(4).
وذكر الإمام عز الدين بن الحسن أنه ممن حضر عقد إمامة الإمام الجليل علي بن المؤيد، وذكره في رسالة له محتجاً بشيء من كلامه، لما ذكر السيد الخطأ اعتراضاً على الإمام في إعطائه لأهل الطبول عطايا سنية، وأنهم لا يستحقون ذلك فذكر في الرسالة علوماً، ومن جملتها أن القاضي هذا لما عقد وأعقد الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، وانتظم الأمر، واجتمعت الجماعة، ولزمت الحجة، والعقد الوثيق.
قال القاضي: لا أنفصل عن الحضرة إلا وقد سمعت الطبول تضرب؛ لأنها شعار كامل، وبها علو الكلمة، وقمع(5) هامات المفسدين، فلما ضربت، انفصل عن الحضرة - رحمه الله تعالى -.
محمد بن حمزة بن إسماعيل(6) [ - 533 ه ]ت
ومن مراة الزمان أيضاً محمد بن حمزة بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن الحسين بن الحسن أبو المناقب الحسني العلوي، من أهل (همدان)، رحل إلى البلاد، وكتب الحديث الكثير، وسمع وجمع، وكان يروي عن جده علي بن الحسين أشعاراً حسنة منها:
ومالك من دنياك إلا بليغة ... ترجى بها يوماً وتقضى بها ليلا
وما دونها مما جمعت فإنه ... لزيد وعمرو أو لأختهما ليلا
توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
__________
(1) سقط من (أ): المسلمون.
(2) في (ب): إبطاله.
(3) في (ب): المقراني.
(4) في حاشية (ب): في تاريخ شهر ربيع الآخر سنة 880.
(5) في (ب): ودمع.
(6) هذه الترجمة ليست موجودة في (ب).
محمد بن حميد الزيدي
شحاك الملحدين، وواحد(1) الموحدين، ولسان المتكلمين، محمد بن حميد الزيدي - رحمه الله - هو العالم الكبير، والخضم الزاخر الغزير، كان بحراً من البحار، مطلعاً على العلوم، مستقيم الطريقة مع اعوجاج أهل زمنه بالتطريف، فكان شجى(2) في حلوقهم، وكانت له الغلبة، فما زالت المطرفية تفتري عليه، وتقلل(3) مدحه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، وأعظم ما قالوا فيه: أنه تصدر في المجالس، وتقدم في الكلام، وأحلته السلاطين إلى القبيب(4)، وأنه كتب بخطه علوماً من علوم الأوائل، وقد علمت أن الذي ذكروه من خلطة السلاطين، له وجوه ربما وجب ذلك، والمسألة مسألة خلاف بين العلماء - رحمهم الله - يعني مع عدم المقتضى، فأجازها أقوام من العترة، ومنعها الرَّسِّيُّون - عليهم السلام - كما حقق ذلك الأمير الحسين في المسائل /155/ العقبانية، وحققه عمران في رسالة له، وأما مع ظهور المصلحة، ورجاء النفع، فيجب على العلماء ذلك، والأعمال بالنيات، وأما ما كتبه بخطه، فالذي عابوه به لم يعينوا أي شيء، وقد زعموا أن مذهب البهشمية والجباية(5) من علوم الفلاسفة، وسطروا(6) ذلك في أوراقهم، ولذلك وغير(7) قتلهم الأئمة، واستباحوا أموالهم؛ ولمحمد بن حميد هذا أرجوزة في ثلب التطريف، منها ذم رجال المطرفية، وتكذيبهم في القول(8) عليه، وكان من المتعولين(9) الأفكين عليه رجلان بمدينة (شبام)، جدليان متكلمان، منهم يقال لأحدهما(10) مبارك الدريان، والآخر حسين السراج، وكان منهم شيخ القول(11) إبراهيم بن أبي الهيثم، فعرض ابن حميد بصاحبي (شبام) بقوله:
ومرجف يرجف في شبام ... يقول للأوباش والطغام
__________
(1) في (ب): وأوحد.
(2) في (ب): شجا.
(3) في (ب): كثير مدحه.
(4) في (ب): العنقد.
(5) في (ب): والهباية.
(6) في (ب): وينظروا.
(7) في (أ): وغيرهم.
(8) في (ب): في التقول.
(9) في (ب): المتقولين.
(10) في (أ): لأحدهم.
(11) في (ب): القوم.
ابن حميد عندنا إمامي
وضمن الأرجوزة قول محمد(1) المؤيد أبي نصر هبة الله بن موسى الرازي الداعي، كان على عهد المنتصر بالله:
يا قوم إنا منهم براء ... هم واليهود عندنا سواء
وعرض بابن أبي الهيثم، وقد كان ابن أبي الهيثم يومئذ نزل بـ(مدر)(2) من أعمال المشرق بعد خروجه من (شبام)(3) هو وجماعته قبل عمارة (وقش)، فقال معرضاً به:
ومرجف يرجف في سوق مدر ... ما بين ذيبان وما بين عذر
حجته مخلاته إذا افتخر
وهذه الأرجوزة فائقة، وقد أجابها من المطرفية أبو مسعود(4) بن زيد، وهو بليغ في الغاية، ثم قامت الزيدية بعد ذلك مجيبة عن أبي السعود، وتكلموا بما ينتصر به ابن حميد - رحمه الله - منهم إسماعيل بن علاء وجماعات، وقد ذكرنا بعض أرجوزة أبي السعود فيما تقدم، وذكرنا أوائل أرجوزة إسماعيل بن علاء، ومنها (5):
قالت وقد أتت بنو القربة ... خلوا الطريق أنها عنسية
ليست رجال مذحج السنية ... يدخل في مذاهب الطبائعية
ومنها:
وقلتم لم ينعقد نكاح ... إن صح ذا فأنتم سفاح
(6)زنيتم ويحكم النساء(7) ... وحمزة والمرتضى عليا
إياهم قد أشركوا مليا
إلى قوله:
وقلتم ليس لعاص مسلك ... ولا له من تر دينه سلك
توحيده وقت المعاصي شرك ... ليست تقول ذا المقال الترك
إلى قوله:
(8)وقلتم لا نسمع القرآن ... وهو إلى العالم ترجمان
وقلتم الموت المتاح المبرم ... من الطباع والغذاء والدم
إلى قوله(9):
صفرا وسودا(10) قلتم وبلغم ... ليست من الله عليهم تحتم
إلى قوله:
روى لنا أن صبياً ماتا ... في (ريدة) وجاور الأمواتا
فقال شيخ حضر الوفاتا ... وحمل المشعل والمخلاتا
لو أحكمته أمه ما ماتا ... …
__________
(1) سقط من (ب): محمد.
(2) في (ب): بمرر.
(3) في (ب): سناع.
(4) في (ب): السعود.
(5) زيادة في (ب): أعني من أرجوزة ابن علاء.
(6) في (ب): إلى قوله.
(7) الأرجع النبيا.
(8) في (ب): إلى قوله.
(9) سقط من (ب): إلى قوله.
(10) في (ب): سوداء وصفراء.
وهي طويلة، والمراد ذكر أحوال محمد(1) بن حميد - رحمه الله - /156/، فإنه كان إنساناً كاملاً، فاضلاً مطلعاً، نبيهاً، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، متكلماً على أعداء الله بالحجج النيرات، واستقر آخر أمره بشرق(2) (حاشد) على العبادة والنسك، وكان يقال: لو صلح أحدٌ للإمامة من غير أبناء فاطمة الزهراء صلح لها محمد بن حميد، وكان ينشد - رحمه الله - كثيراً:
وللفتى في نفسه إذا عقل ... شغل بها عن غيرها إذا اشتغل
في الاعتقاد والمعاش والعمل
محمد بن خليفة بن سالم
العلامة المجتهد، أستاذ العلماء، كعبة الطالبين، أبو عبد الله محمد بن خليفة بن سالم بن محمد بن(3) يعقوب بن القاسم بن يعقوب الهمداني - رحمه الله تعالى-(4)، علامة مفيد رحلة، تخرج عليه الناس بمدرسة (حوث)(5)، وتوصل به(6) له الفضلاء، وعنه أخذ الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة - عليه(7) السلام - والأمير الكامل إدريس بن علي بن عبد الله الحمزي، والفقيه المحقق المطلع سليمان بن أحمد بن أبي الرجال، وجماعة(8)، والأمير إدريس في إجازة واحدة.
__________
(1) في (ب): ذكر أحمد بن حميد…
(2) في (ب): بمشرق.
(3) سقط من (ب): محمد بن.
(4) سقط من (ب): تعالى.
(5) في (ب): حوت.
(6) في (أ): نبل له.
(7) في (ب): عليهما.
(8) في (ب): وجمعة.
قال الجندي في تاريخه: كان بن خليفة فقيهاً كبيراً متورعاً، ما قرأ عليه أحد إلا انتفع، وربما بلغ رتبة الاجتهاد، أو قريباً منه، يلبس الثياب الفاخرة ويقول: قصدي تعظيم العلم، وله ولد عالم اسمه عبد الله، ورع زاهد، رد على ابن حميد(1)، وأفتى بجواره، وحل قباله، هكذا فيما أنقله(2) من منقول كتاب(3) الجندي، ثم نظرته فيه لأتحقق قوله في أمر عبد الله ولده أنه رد على ابن حميد(4) إلى آخره، فوجدته هكذا، ولعل قوله: أفتى بجوازه، أي بجواز الرد على ابن حميد(5)، وأظن فيما اطلعت من المنقول والأصل غلط.
قال السيد الصارم: إنه اطلع على خط ابن خليفة وفيه جودة وحسن.
قلت: وخالط الإمام المهدي لدين الله، ونقل عنه التحرم من أهل(6) ولايته - عليه السلام - وقت القراءة، وقال: ما أنكر أن في(7) أهل ولايتي من العمال ما لا يوافق الصواب، واتفق بالإمام في ذروة الحصن المشهور، ونقل عنه أن الإمام يومئذ قد(8) كان جنح إلى ترك الأمر، والله أعلم.
محمد بن داود بن القاسم
السيد الفاضل، العلامة الكامل، بدر(9) الدين محمد بن داود بن القاسم بن صلاح بن أحمد بن صلاح بن أحمد بن علي بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام -.
قال الأمير صلاح بن الجلال - رحمه الله -: هو من فضلاء السادة في عصرنا، وأهل الديانة، والورع والذكر.
قلت: وذكر السيد الأمير صلاح الدين أن والده داود كان من فضلاء السادة وكرمائهم، قال: حتى بلغني أنه أوصي بوصية لأفضل آل يحيى بن يحيى، فأمر الإمام علي بن المؤيد بصرفها إليه.
__________
(1) في (ب): حمير.
(2) في (ب): فيما نقلته.
(3) في (ب): من كتاب.
(4) في (ب): حمير.
(5) في (ب): حمير.
(6) في (ب): من ولاته.
(7) في (ب): أن أهل ولاياتي.
(8) في (ب): كان قد.
(9) في (ب): نهر.
محمد بن داود النهمي
الفقيه الشيخ المحقق، أستاذ المحققين، محمد بن داود النهمي - رحمه الله تعالى - ذكره في (النزهة)، وذكر أن أستاذه هو الشيخ العالم الكبير إسماعيل بن عطية، ومن تلامذته السيد بن أبي العطايا - رحمهم الله تعالى -.
محمد بن داود الحسني
الفقيه المحقق، الكامل الناسك، محمد بن داود الحسني - رحمه الله تعالى - رأس العلماء، صاحب الفنون، كان من فضلاء زمانه، ونبلاء أوانه(1)، لقي الإمام عز الدين بن الحسن، وأحسبه أضاف الإمام في رحلته المشهورة، وكان وحيداً في علم الكلام، والفقه، والعربية، وأثنى عليه الإمام الهادي عز الدين بن الحسن - عليهم السلام - وقبره بـ(عرثومان) بقبة مشهورة هنالك، وله عقب فيها.
محمد بن ذعفان الصنعاني
الشيخ المحقق(2)، البليغ اللسان، مناصر الحق ومعاضده، محمد بن ذعفان الصنعاني - رحمه الله -(3) هو من آل أبي(4) عمرو الذين كانوا أهل البلاغة والمكانة في الفضل بـ(صنعاء)، منهم أبو فراس بن دعثم وغيره، وكان محمد شاعراً مجيداً محمود المقاصد، وله في الإمام المنصور بالله(5) فرائد من الشعر، من ذلك قوله يوم فتح (صنعاء):
همم الخطير جليلة الأخطار ... محمودة الإيراد والإصدار
وتفاضل العزمات في أربابها ... تجري بحسب تفاضل الأقدار
والناس منتهبو الذوات وإنما ... ليس المعادن كلها بنضار
إن اليواقيت الثمينة لم تكن ... مما يقاس بسائر الأحجار
جاء ابن حمزة في القيام بمعجز ... من جنس معجز جده المختار
وأتى ابن بنت محمد كمحمد ... ما أشبه الآثار بالآثار
كنا عن المنصور نرجو مخبراً ... حتَّى بذي يغني عن الأخبار
وهي طويلة، وله قصائد منتخبات - أعاد الله من بركته -.
__________
(1) في (ب): وأنه لقي.
(2) سقط من (ب): المحقق.
(3) في (ب): تعالى.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): - عليه السلام -.
محمد بن زبارة الماربي
الشيخ البليغ، فخر (اليمن)، إنسان البلاغة والعلوم، محمد بن زبارة(1) الماربي الزيدي - رحمه الله - كان عالماً فصيحاً، جيد النظم، يزاحم أبا تمام وأضرابه، ذكره عمارة وغيره، قرأ العربية، وأتقن على العلامتين ابني أبي رزين علي وموسى ابني أحمد، وكانا عالمين في العلوم مقدمين في العربية، تشد إليهما الرحال، إلا أنهما نسب إليهما التطريف، ففاتهما(2) الوساطة في الشرف، ولولا ذلك، لكانا من مفاخر العصابة، وهما من آل أبي رزين، ونسبهم في الأزد، فمنهم من سكن (صعدة)، ومنهم من سكن (صنعاء) و(شبام)، وأحسب أن نسبهم إلى رزين السابق ذكره، فصحبهما الماربي وغيره من أفاضل النحاة بـ(اليمن)، كإسماعيل بن علي بن عبد الله الآثار، وكان إسماعيل هذا صاحب أدب وفصاحة(3) وشعر حسن، وكان قد تعبد مع المطرفية، ثم ولع بمدح الأصلوح، والرواحيين، وابن وائل الكلاعي، وسلاطين الجند، وغيرهم، وتظاهر بشرب(4) الخمور، وله أخبار ونوادر؛ لأنه كان سريع البادرة، وحي النادرة، ولما ولع بهذه النقائص، زهد شيخه(5) ابن أبي رزين في التدريس لعلوم العربية، فاحتاج الناس إلى الرحلة من (اليمن) إلى (مصر)، فرحل سليمان بن يحيى بن عبد الله البحتري إلى أبي بكر محمد بن عبد الملك الشنتريني، ولم يزل الماربي مقدماً يتنافس فيه الملوك ويتردد بديار (اليمن)، وكانت تأتيه الجوائز ألوفاً من الذهب ويفرقها، فإنه كان متلافاً، وهو أحد شيوخ الشريف علي بن عيسى كما قيل، وكان منقطعاً إلى والده عيسى بن حمزة بن وهاس الحسني، فأحسن إليه ورفع منزلته حتى اشتد حب الماربي له، فلما قتله أخوه يحيى بن حمزة، قال الماربي فيه القصيدة النونية السائرة التي أولها:
جئت المودة وهي ألام حطة ... وسلوت عن عيسى بن ذي المجدين
__________
(1) في (ب): بن زياد المازني الزيدي - رحمه الله تعالى -.
(2) في (ب): ففاتهم.
(3) في (ب): وحظ جيد وشعر…
(4) في (أ): شرب.
(5) في (أ): مشيخه.
/158/يا طفَ (عثّر) أنت طف آخر ... يا يوم عيسى أنت يوم حسين(1)
قد كان يشفى بعض ما بي من جوى ... لو طاح يوم الروع في الحيلين
هيهات إن يد الحمام قصيرة ... لو هز مطرد الكعوب رديني
أبلغ بني حسن وإن فارقتهم ... لا عن قلا وحللت باليمنين
إني وفيت بعهد عيسى بعده ... لا لو وفيت قلعت أسود عيني
ولشدة جزعه عليه(2) - رحمه الله - كان نذر ألاَّ يرى الدنيا إلا بعين واحدة، وغطى(3) أحد عينيه إلى أن مات، فقال(4):
قرت عيون الشامتين وأسخنت ... عيني على من كان قرة عيني
فانتهى هذا الشعر إلى يحيى بن حمزة قاتل عيسى، فغضب، وقال خلدني(5) الله خلدة الماربي لأسفكن دمه، فقال الماربي:
نبئت أنك قد أقسمت مجتهداً ... لتسفكن على حر الوفاء دمي
و(6) لو تجلد جلدي ما عذرت ولا ... أصبحت ألأم(7) من يمشي على قدم
قلت: وسبب قتل يحيى بن حمزة لأخيه عيسى والد الشريف علي - رضي الله عنه - أن الغز أخذت الشريف يحيى بن حمزة بن وهاس(8) أسيراً إلى (العراق)، وبقي بعده أخوه أميراً في البلاد، (حرض) وما يليها، فبذل عيسى الأموال لفكاك يحيى حتى افتك من (العراق)، ورجع وأعمل الحيلة في قتل أخيه، و(عثر) المذكور في الشعر - بالعين المهملة بعدها ثاء مثلثة مشددة - موضع بـ(اليمن)، والماربي بالراء المهملة نسبة إلى (مأرب) شرقي (صنعاء)، ومن شعر الماربي:
ما لقينا من الضبا والعواطي(9) ... خافقات القرون والأقراطِ
هجنت بالبدور والدر والور ... د وأزرت(10) بالرمل والأحواطِ
ومن شعره يمدح أبا السعود بن زريع:
يا ناظري قل لي يراه كما هوه ... إني لأحسبه تقمص لؤلؤه
__________
(1) في (ب): حنين.
(2) في (ب): على عيسى رحمة الله.
(3) في (ب): فغطى.
(4) زيادة في (ب): قرب موته.
(5) غير منقط في (ب).
(6) سقط من (ب): الواو.
(7) في (ب): الأمر.
(8) في (ب): الحسني.
(9) في (أ): العواطي.
(10) في (أ): وازدرت.
ما إن بصرت بزاخر في شامخ ... حتى رأيتك جالساً في الدملوه(1)
محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل
سلطان آل محمد الكبير، الداعي إلى الله الأخير، محمد بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو أخو الداعي الكبير الحسن بن زيد، ويسمى الحسن الداعي الأول، والحسن لم أكتب ترجمته لظني حين مررت على موضع رقمه أنه يسمى بالإمامة(2)، والظاهر أنهما قاما ناصرين للحق، ومقامهما شهير، افتخر(3) السيد العلامة الهادي بن إبراهيم في (دامغة الدامغة) بملكهما وسلطانهما، وهو كذلك وللحسن بن زيد تأليفات في المذاهب(4)، منها (البيان)، ومنها(5) (الجامع في الفقه)، وكتاب (الحجة في الإمامة)، ولما مات، استولى على الأمر محمد هذا، وعارضه بعض العلويين بـ(طبرستان)، فزحف إليه محمد بن زيد من (جرجان) سنة إحدى وسبعين، فقتل العلوي وملك (طبرستان) وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر، وكان أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني الكاتب المعتزلي المفسر اللغوي البحري يكتب له، ويتولى أمره، واستولى على تلك الديار، حتى خطب له رافع بن هرثمة بـ(نيسابور) أياماً، ثم قتله محمد بن هارون صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني على باب (جرجان)، /159/ وحمل رأسه إلى (مرو)، مع ابنه زيد بن محمد(6)، وزيد المذكور في الأصل، ثم حمل من هنالك إلى (بخارى)، ودفن(7) بـ(جرجان) عند قبر الديباج محمد بن جعفر الصادق، وكان محمد هذا كثير الفضل والإفضال، جليل القدر، ذا جود وشجاعة ومروءة، قصدته العلماء والشعراء، وأنشده أبو المقاتل(8) نصر بن نصير الخلوابي الضرير يوم مهرجان قصيدة أولها:
__________
(1) هذا البيت غير موجود في (ب).
(2) في (ب): تسمى.
(3) في (ب): بل افتخر.
(4) في (ب): في المذهب.
(5) في (ب): كتاب الجامع.
(6) في (ب): بن محمد بن زيد وابن زيد المذكور في الأسرين.
(7) في (ب): ودفن بدنه.
(8) في (ب): أبو القاتل.
لا تقل بشرى ولكن بشر بان ... غرة الداعي ويوم المهرجان
فأنكر عليه لا تقل بشرى، فقال أبو المقاتل: يا ابن رسول الله، إن أفضل الكلام(1) لا إله إلا الله، وأوله لا، فاستحسن ذلك منه، وأحسن جائزته.
ويروى أن أبا المقاتل هذا أنشده، وأنشد(2) أخاه، وفي بعض حواشي (المطول) أنه أنشد أخاه الحسن، وقد حكى ابن عنبة القولين معاً متشككاً: موعد أحبابك بالفرقة غد.
فقال: بل أحبابك يا أعمى، ولك المثل السوء(3)، ثم نهض من مجلسه.
__________
(1) في (ب): الكلم.
(2) في (ب): أو أنشد.
(3) في (أ): السواء.
وحكي أنه كان إذا اجتمع الخراج، نظر ما في بيت المال من خراج السنة الماضية، ففرقه في قبائل قريش، ثم في الأنصار، والفقهاء، وأهل القرآن، وسائر طبقات الناس، حتى لا يبقى منه درهم، فجلس في بعض السنين يفرق، فبدأ ببني عبد مناف، فلما فرغ من بني هاشم، دعا بسائر بني عبد مناف، فقام رجل فقال له محمد بن زيد الداعي: من أي بني عبد مناف أنت؟ فقال: من بني أمية، قال: من أيها؟ فسكت، فقال(1): لعلك من ولد معاوية؟ قال: نعم، قال: من أي ولده أنت؟ فأمسك. قال(2): لعلك من ولد يزيد؟ قال: نعم، قال: بئس الاختيار اخترت لنفسك، تقصد ولاية آل أبي طالب وعندك ثأرهم، قد كان لك مندوحة عنهم بـ(الشام) و(العراق) عند من يتولى جدك، ويحب برك، فإن كنت جئت على جهل بهذا، فما يكون بعد جهلك جهلاً، وإن كنت جئت مستهزءاً بهم، فقد خاطرت بنفسك، قال: فنظر إليه العلويون نظراً شديداً، فصاح بهم محمد وقال: كفوا عنه، كأنكم تظنون أن في قتل هذا دركاً لثأر الحسين، أي جرم لهذا، إن الله - عز وجل - قد حرم أن تكلف نفس بغير ما اكتسبت، والله لا تعرض له أحد بسوء إلا قدته به، واسمعوا حديثاً أحدثكم به يكون(3) لكم قدوة فيما تستأنفون: حدثني أبي عن جدي(4) قال: عرض على المنصور جوهر فاخر وهو بـ(مكة) فعرفه، وقال: هذا جوهر كان لهشام بن عبد الملك، وقد بلغني أنه عند ابنه محمد، ولم يبق منهم غيره، ثم قال للربيع(5): إذا كان غد، وصليت بالناس في المسجد الحرام، فاغلق الأبواب كلها ووكل بها(6) بقائك، ثم افتح باباً واحداً، وقف عليه، فلا تخرج إلا من تعرفه، ففعل الربيع ذلك، وعلم محمد بن هشام أنه هو المطلوب، فتحيز، وأقبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام -(7) فرآه متحيزاً، وهو لا يعرفه، فقال
__________
(1) في (ب): قال.
(2) في (ب): فقال.
(3) سقط من (ب): يكون.
(4) في (ب): عن أبيه.
(5) في (ب): الربيع.
(6) سقط بها من (ب).
(7) غير موجود في (ب).
له: يا هذا أراك متحيزاً، فمن أنت؟ قال(1): ولي الأمان؟ قال: لك الأمان، وأنت في ذمتي حتى أخلصك؟ قال: أنا محمد بن هشام بن عبد الملك ، فمن أنت؟ قال: أنا محمد بن زيد بن علي. فقال محمد: احتسبت نفسي إذاً، فقال: لا بأس عليك يا ابن عم، فإنك لست بقاتل زيد، ولا /160/ في قتلك درك بثأره، وأنا الآن بخلاصك أولى مني بإسلامك، ولكن تعذرني في مكروه أنالك به، وقبيح أخاطبك به يكون فيه خلاصك، فقال: أنت وذاك، وطرح رداءه على رأسه، ووجهه، ولبته، وأقبل يجره، فلما وقف على الربيع، لطمه لطمات، وقال: يا أبا الفضل إن هذا الخبيث حمال من أهل (الكوفة) أكراني جماله ذاهباً وراجعاً، وقد هرب مني في هذا الوقت، وأكرى بعض قواد الخراسانيين، ولي عليه بذلك بينة، فضم إليه حرسين، فمضيا معه، فلما بعدوا عن المسجد، فقال له: يا خبيث تؤدي إليّ حقي؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال للحرسين: انصرفا عنه، ثم أطلقه، فقبّل محمد بن هشام رأسه، وقال: بأبي أنت وأمي، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، ثم أخرج جوهراً له قيمة عظيمة، فدفعه إليه، وقال: شرفني بقبول هذا، فقال: يا بن عم، إنا أهل بيت لا نقبل على المعروف شيئاً، وقد تركت لك ما هو أعز وأعظم من هذا، دم زيد بن علي - عليه السلام - فانصرف راشداً، ووارِ شخصك حتى يرحل هذا الرجل، فإنه مجد في طلبك.
__________
(1) في (ب): فقال.
قال: ثم أمر محمد بن زيد الداعي للأموي بمثل ما أمر به لسائر بني عبد مناف، وأمر جماعة من مواليه أن يوصلوه إلى (الري)، ويأتوا بكتابه في سلامته(1) ووصوله إلى مقامه، فقام الأموي، وقبل رأسه، ومضى القوم معه حتى أوصلوه إلى مقامه، وجاؤوا بكتابه إلى الداعي محمد بن زيد، والله أعلم، ولما قتل - رحمه الله - رثاه الناصر للحق - عليه السلام - وبكاه، وقد كان يظن بعض الناس أنه لا يبكيه، وإن في الصدر من الناصر - عليه السلام - حرج من سلطان محمد، ولما مات(2) كان(3) يظهر من نفثات الناصر - عليه السلام - شيء من هذا، وولاه محمد بن زيد القضاء، ثم أعفاه، ولما مات، ناح عليه نوح الحمام، وممن رثاه أبو الحسن علي بن أمير المؤمنين(4) الناصر الأطروش، فأما(5) قصائد الناصر، فغابت عني عند الرقم، وأما قصيدة ابنه(6)، فقد سبق لها ذكر في ترجمة ليلى بن النعمان، ولعلي وعدت بذكرها هنا وهي:
نأت دار ليلى بسكانها ... فأوحش(7) معهد جيرانها
وعاقك من وصلها عائقٌ ... يرد النفوس بأشجانها
وقد كان يجمعنا للوصال ... إحدى مواعيد إحسانها
وعهدي بها وهي تقتادنا ... بألحاظ أعين غزلانها
منازل يجمع بين المرور ... والزور عامر بنيانها
كأن النطوع(8) تباهى بها ... بحمرانها وبصفرانها
سقتها رواعد من صيب ... بقطقطها وبسفانها(9)
نسيم الصبا زعزعت موهنا ... من الروض نوار خوذانها
فما روضة من رياض الحرون(10) ... تروق العيون ببستانها
نأت دار ليلى فخل الدموع ... تشفي الغليل بهتانها
فمالك منها سوى غلة ... تقلقل أحشاء ظمآنها(11)
__________
(1) في (ب): بسلامته.
(2) سقط من (ب): ولما مات.
(3) في (ب): وقد كان.
(4) في (ب): الحسن الناصر.
(5) في (ب): وأما.
(6) في (ب): أبيه.
(7) في (ب): وأوحش.
(8) النطوع: مفردها: نَطِع وهو البساط من الأديم. القاموس المحيط 708.
(9) في (ب): وبسفاتها.
(10) في (ب): الحروب.
(11) هذا البيت محذوف في (ب).
/161/ فدع عنك ليلى وأيامها ... وهيهات شأنك من شأنها
فمالك منها سوى غلة ... تقلقل أحشاء ظمآنها
تنيلك مبروز معروفها ... على المطل منها بأدهانها
أنا ابن النبوءة عند الفخار ... وأين بواهر برهانها
نماني الوصي(1) وجدي النبي ... وفاطم أفضل نسوانها
لنا ذروة المجد هل(2) تعلمون ... بأعراقها وبأغصانها
ومنا الفوارس يوم الهياج ... والطاعنون بمرانها
ولما أصبنا بشيخ العشير ... وابن جلاها ومنانها
نصبنا لهم مدرها في الخطوب ... برد الأمور لألبانها(3)
حلاحله تستدير الرحال ... وتقضي فوادح أديانها
كأنَّ نواقد آرائه ... صوائب عن بيض مرانها
فبات ينابذ آرائه ... ويتلوا معائر عبدانها
يقلب قلباً له همة ... يجوز(4) السماء بأعنانها
فلما تأمل أسبابه ... وأبصر فرصة إمكانها
نجى جبل الديلمين المنيف ... يدعو إلى الله رحمانها
يبوح(5) بأسراره معلناً ... لأشياخها ولشبانها
فبايعه منهم عصبة ... كأسد العرين بخفانها
وشمَّر في نصره ذو الوفاء ... حسنانها وابن حسانها(6)
فتى لا يمل(7) حروب العدا ... حتى تمل بأضغانها
يطيل ويطوي لها بشره ... ويدني لها بشر(8) أكفانها
ومنها(9):
فسارت(10) عساكرنا كالأداء ... يصونها رحب قيعانها
كأنَّ الرجال بأرماحها ... نواضح تسقي بأشطانها
فقل للألى جهلوا(11) حربنا ... أتتكم شماطيط سرعانها
إلى أن نقيم لكم سوقها ... ونصليكمُ حر نيرانها
رويدكمُ إنها وقعةٌ ... تسارى(12) ثواقب أعيانها
أتدرون يا زمعات النبيط ... وحشو بقاية بلدانها
بأي المحارم أوقعتمُ ... وخالفتمو دين ديّانها
بنفسي قتيلاً بأرض الثغور ... غودر رهناً(13) بجرجانها
__________
(1) في (ب): الرضي.
(2) في (ب): قد تعلمون.
(3) في (ب): لأثانها.
(4) في (ب): يجول.
(5) في (أ): يفوح.
(6) في (ب): حستانها.
(7) في (ب): يكل.
(8) في (ب): شر.
(9) ومنها، زيادة في (ب).
(10) في (أ): فسألت.
(11) في (ب): جملوا حربنا.
(12) في (أ): ساري.
(13) في (ب): رهيناً.
شرى نفسه برضا ربه ... بروح الجنان وريحانها
فيا كبداً إن سلت بعده ... وهيهات كيف بسلوانها
أسيت وما في الأسى مطمعٌ ... وفي القلب لاعج نيرانها(1)
فيا نفس لا تقنطي إنما ... قنوط(2) النفوس بكفرانها
فكم ترحة بعدها(3) فرحة ... أتتك كأحسن إتيانها
محمد بن زيد بن داعر
العلامة الفاضل الكامل، محمد بن زيد بن داعر - رحمه الله تعالى - قال في (الصلة): هو الفقيه الإمام العلامة، فخر العصابة الزيدية، وتاج إكليل الفرقة الناجية، وكان محلقاً مجتهداً، سيما في أصول الدين، زاهداً عن الدنيا متورعاً بساماً في وجوه الناس، انتهى.
محمد بن أبي السعادات
العلامة محمد بن أبي السعادات الزيدي الفقيه /162/ المتقن - رحمه الله - كان وحيداً في الفقه، درس عليه الفضلاء، منهم الإمام أحمد بن الحسين، وكان أحد الأساطين في وقته، ولما اتفق الخلف(4) بين الإمام وبين من خالفه، استقام محمد، وهدمت داره بـ(ظاهر بني صريم) - رحمه الله تعالى -.
محمد بن سعيد الرسمي
الشيخ الفاضل، الناسك المجاهد، محمد بن سعيد الرسمي - رحمه الله تعالى -(5)، صحب إمام الأئمة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم - عليهم السلام - وكان من زعماء أصحابه الكرام، ووجوههم، وهو أحد من عول الناصر للحق أحمد بن الهادي عليه في المشورة بعد رجوعه من (الحجاز)، فإنه لما طولب بالإمامة بعد رجوعه، جمع أصحاب أبيه الجلة - رحمهم الله - وهم محمد بن سعيد، هذا وأبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي، وإبراهيم بن إسحاق - رضي الله عنهم -.
__________
(1) في (ب): زاعج أحزانها.
(2) في (ب): تنوط.
(3) في (ب): عندها.
(4) في (ب): الحلف.
(5) سقط من (ب): رحمه الله تعالى.
محمد بن سليمان بن محمد [730هـ - 804 ه ]
السيد الإمام، مفزع الأئمة، ومرجع المحققين، سلطان العلماء، محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن يحيى بن الحسين بن حمزة بن علي بن محمد بن حمزة بن الحسن النفس الزكية بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام -. هو الإمام البحر الحبر، المحقق الحافظ الحجة، زين الملة، سلطان العلماء، رئيس المتكلمين، لسان المتقنين(1)، وهو والد الإمام المطهر بن محمد، وما أحسن هذا النسب المسرود الذي تغار(2) له الجواهر والزواهر، وما أحراه بقول الإمام المطهر بن محمد هذا بعد أن تم(3) تسرد آبائه الكرام فقال:
أولئك آباء كرام كأنجم الـ ... ـمجرة في السرد العوالي الثواقبِ
فلا نسب يعلو على النسب الذي ... يمتُّ إلى المختار من كل ناسبِ
عليه صلاة الله ثم عليهم ... وإخوانه والخير من كل صاحبِ
__________
(1) في (ب): المقنين.
(2) في (ب): لا تعاد.
(3) في (ب): بعد أن تم تسرد آبائه.
قال مصنف (سيرة الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد) عند ذكر آباء الإمام ما لفظه: والده السيد الفاضل العالم العامل، الحبر البحر، المحقق المدقق، الذي فاق أهل زمانه علماً وفصلاً، وإيضاحاً وفضلاً، وضح من العلم كل مشكل، وسهل منه كل معظل، واعترف له بالكمال، ورمقته العيون من كل مكان، وذلك السيد محمد بن سليمان، ومن أخبار هذا السيد الفاضل أنه لما عزم على الحج، فحمل زاده، وجاء إلى الإمام الناصر صلاح بن علي - عليهم السلام - إلى (ذمار) ليخبره بذلك، ويستأذنه في السفر في تلك السنة، فوقع ذلك مع الإمام موقعاً عظيماً لغزارة علم هذا السيد، وقلة العلماء في (اليمن)، فما أذن له في ذلك، بل قال له: تقف في هذه الجهات، وتأهل فيها، وتحييها بالعلم(1)، فأخبره بأنه قد حمل زاده، وقد جد عزمه على ذلك السفر للحج، وهو يعتقد أن (اليمن) خال عن طلبة العلم المهرة الراغبين فيه أكمل رغبة، قال الإمام الناصر - عليه السلام -: فلا يؤمن أن السيد إذا سافر للحج، تعدى إلى الجهات الشامية أو غيرها حيث يعلم بالعلم، أو(2) طلبته؛ لشدة رغبته في إحياء العلم ونشره، قال الإمام - عليه السلام -: فالرأي أن نطلب له زوجه ذات منصب وكمال؛ ليكون سبباً في وقوفه، فقال /163/ السيد المطهر الواثق: بنت أخي داود صاحب (ذروان)، وكان أبوها من بني عمه، وهو أخوه من أمه، فقال الإمام صلاح - عليه السلام -: فزوجني إياها للسيد محمد، فأوجب النكاح السيد المطهر الواثق، وقبل النكاح الإمام الناصر صلاح بن علي - عليه السلام - محمد من غير علم للسيد(3) بذلك، ثم إن الإمام - عليه السلام - طلب وصولها من (ذروان) لتمام ما فعل، وأهب للسيد وزوجته داراً بجنب بيت السيد المطهر الواثق بجميع ما يحتاج إليه فيها، ثم إن الإمام أخبر السيد بأني قد تزوجت لك زوجة، فقال: من هي؟ قلت: بنت صاحب (ذروان)، وأخبره بأنها
__________
(1) في (ب): في العلم.
(2) في (ب): وطلبته.
(3) في (ب): السيد.
على وصول، قال السيد(1): إلى أين؟ فأخبره الإمام بما قد فعل، وأمره بالوصول إلى تلك الدار، فجاء إلى دار عظيمة كاملة الفرش والآلات، ورأى فيها الخبازين والطباخين والذبائح لوليمة عرسه، فقال: متعجباً لمن هذا، فقيل: لك، ثُمَّ إن السيد المطهر الواثق رجح وصولها إلى بيته، فاستشار السيد محمد الإمام في ذلك، فأشار بمساعدة السيد الواثق، وأمر بنقل الطعام إلى بيته، وأن تغلق تلك الدار بما فيها من الفرش والآلات، فكان ذلك أسد رأي وأبلغ فعال لحسن(2) مقصد الإمام الناصر الذي أشار به - رحمه الله ونفع به - وما ذلك إلا لأن محل العلم والعلماء عند الإمام الناصر المحل الأعلى، وقدحهم القدح المعلى، وحظهم عنده الحظ الأسنى(3)، بهم حياة الدين، وهم شحاك الملحدين، ومما يروى أن الإمام الناصر صلاح بن علي - عليه السلام - أراد القدوم إلى (صعدة)، فاختار لمرافقته هذا السيد العالم الفاضل محمد بن سليمان لغزارة علمه وقوة بصيرته، وقد عرف الإمام أن في (صعدة) من يتعرض للاعتراض على الأئمة، إما مستفهماً، أو متعنتاً، فاتفق أن الإمام(4) دخل (صعدة)، وعلى جنده من الفضة(5) والحرير وغيرهما ما يدهش الناظرين، ويوجل المعاندين، ويكبت الحاسدين، فتحزب جماعة من شيع المدينة ممن يتطلع للقدح على أئمة الهدى جاهلاً أو متجاهلاً، يذكرون للإمام - عليه السلام - في ذلك، فجرى في كلامهم ما معناه: إن أولئك لبسوا ما يعلم تحريمه في الشريعة المطهرة استحلالاً، وأنتم أيها الأئمة تنكرون ذلك، وبكم القدوة في إقامة الشريعة، ومخالفة الجبابرة، فقال الإمام - عليه السلام - أجب الأصحاب يا سيد عز الدين، فقال السيد محمد بن سليمان: أما(6) قولكم إنهم لبسوا ذلك استحلالاً، فلا يعلم ذلك إلا من اطلع على الضمائر، ثم إن مسألة
__________
(1) في (ب): فقال.
(2) في (ب): بحسن.
(3) في (ب): لأن بهم حياة.
(4) في (ب): - عليه السلام -.
(5) في (ب): من الحرير والفضة.
(6) في (أ): ما.
التهييب لا تجهل، ثم وإن قد سلم أنه قد بلغ من هيبة الإمام - عليه السلام - ما صدع قلوب المخالفين، وأذهل المعاندين، لما قد فعل في الجهاد من إهلاك الكافرين، وإذلال الجبارين، فأغنى ذلك عن التهيب باللباس، ولبس الحرير لا يستكثر ولا ينكر لوقوع الخلاف في تحريم لبسه، فذكر أولئك المتعرضون أنهم لا يعرفون الخلاف في ذلك، فقال السيد عز الدين: إنه خالف في(1) تحريم لبس الحرير أربعة عشر من أكابر الصحابة، وذكروا(2) أن تحريم /164/ الحرير قد صار منسوخاً.
قال السيد محمد بن سليمان: حكى الخلاف في (شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة)، فانقطع أولئك المناظرون حتى قال قائلهم، لولا علي، لهلك عمر، مولده - رحمه الله - يوم الجمعة آخر يوم في القعدة سنة ثلاثين وسبعمائة، وتوفي بـ(صنعاء) يوم الثلاثاء بواقي خمس من صفر سنة أربع وثمانمائة.
محمد بن سليمان بن محمد بن سالم
السيد العلامة المحقق الشريف محمد بن سليمان بن محمد بن سالم - رحمه الله تعالى-(3)، من أهل المخلاف السليماني، ذكره الأهدل وعده في العلماء، وعد معه ثلاثة أولاد، يعني علماء، موسى وسليمان وعيسى.
__________
(1) سقط من (أ): تحريم.
(2) في (أ): ووكدوا.
(3) سقط من (ب): تعالى.
محمد بن سليمان الكوفي
علامة العلماء وسيدهم، الفاضل المحدث الجامع للكمالات الربانية، محمد بن سليمان الكوفي - رحمه الله - هو العلامة حافظ الإسلام، صاحب الهادي إلى الحق - عليه السلام - ونسبه في أسد بن خزيمة، وتولى القضاء للهادي - عليه السلام - ولولده الناصر وهو غير علي بن سليمان الكوفي قاضي الهادي - عليه السلام - فهما رجلان شهيران، ومحمد هو صاحب (المنتخب) الذي سأل عنه الهادي إلى الحق، وصاحب كتاب (الفنون)(1)، وله كتب صنفها في الدين، منها كتاب (البراهين) في معجزات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي آياته، وكتاب (المناقب) في فضائل أمير المؤمنين - كرم الله وجهه-(2) وشواهد إمامته، وكرم منشئه، وحظه من الله ومن رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وشريف صحبته، وخلافته، وصدق وصيته، بالأسانيد الخمسة المعروفة المشهود بفضل رواتها في علماء الحديث، وفقهاء (العراقين) و(الحجاز) و(مصر) و(الشام) و(اليمن)، وغيرها من البلدان، وفيها الشهادة بفضل علمه في الفقه وأصول الملة، ونقل(3) أخبارها، وبعلمه بطرق الاستدلالات على الحق فيما اختلف فيه الناس من أمور الدين وفضل همته ورفعة طبقته في العلماء.
__________
(1) في (ب): القبول.
(2) في (ب): في الجنة.
(3) في (ب): ونقله.
قال الشيخ أبو الغمر: وهذه ألفاظه، وكذلك ما رأيت من كتبه التي كانت في (مكة)، وعليها اسمه، وما بخطها الدال على أن كاتبها واحد - إن شاء الله تعالى - نحو (كتاب فضائل أهل البيت - عليهم(1) السلام-)، من علي وفاطمة والحسن والحسين، وخبر مقتل الحسين - عليهم السلام - بأصح الروايات، وما(2) ينبغي أن يورد عنه شيء(3)، من ذلك رواية أبي عبد الله محمد بن زكريا بن دينار العلابي البصري - رحمه الله - وبروايته أيضاً كتاب (صفين) وكتاب (الحكمين) وكتاب (النهروان)، وهي من أصول العلوم(4) الخبرية الجيدة التي يفتقر إليها، وذلك كله مع اختياره لنفسه الهجرة من (العراق) إلى الهادي - عليه السلام - واختياره له - عليه السلام - لولاية قضاء المسلمين في بلدته، وبحضرته واختيار ولديه لذلك كذلك، ومع ما في أخباره مما يدل على أنه من تلامذة الشيخ الفاضل العبد الصالح محمد بن منصور المرادي - رحمه الله - صاحب القاسم - عليه السلام - وواحد الزيدية بـ(الكوفة) وعلم(5) العلماء في عصره ومصره وغير مصره، انتهى.
__________
(1) في (ب): - عليه السلام -.
(2) في (ب): ومن.
(3) في (ب): يورد ومن ينبغي أن يورد عنه شيء.
(4) غير موجود في (ب): العلوم.
(5) في (ب): وعالم.
قلت: وكان محمد بن سليمان - رحمه الله - خرج مع علي بن زيد الزيدي - رحمه الله - بـ(الكوفة)، وذلك أنه - عليه السلام - دعا، فلم يجتمع لدعوته الناس بعد يحيى بن عمر - عليهما السلام - /165/ توجه إليه العباسي الشاه بن ميكائيل في عسكر ضخم، وذلك قبل خروج علوي (البصرة)، قال محمد بن سليمان - رحمه الله - كنا معه - عليه السلام - نحو مائتي فارس نازلين ناحية من سواد (الكوفة)، وقد بلغنا خبر الشاة بن ميكائيل، فقال لنا علي بن زيد: إن القوم لا يريدون غيري، فاذهبوا، وأنتم في حل من بيعتي، فقلنا: لا والله لا نفعل هذا أبداً، فأقمنا معه، ووافى الشاه بن ميكائيل في جيش عظيم لا يطاق، فداخلنا من الرعب من عظيم، فلما رأى ما لحقنا(1)، قال(2): اثبتوا، وانظروا ما أصنع، فوقفنا، ونضى سيفه، وقنع رأسه(3) وحمل في وسطهم يضرب يميناً وشمالاً، وأفرجوا له حتى صار خلفهم، وعلي على قلعة، ولوح بسيفه إلينا، ثُمَّ حمل من خلفهم، وأفرجوا له حتَّى عاد إلى موقعه عاد إلى موقفه، ثم قال: لا تجزعوا من مثل هؤلاء، ثم حمل ثانية، ففعل مثل ذلك، ثم عاد إلينا، وحمل الثالثة، فحملنا معه، فهزمناهم أقبح هزيمة، وتنفلنا منهم ما شئنا.
__________
(1) في (ب): ما لحقناه.
(2) في (ب): قال لنا.
(3) في (ب): برأسه.
محمد بن سليمان بن أحمد [ - 703 ه ]ت
(1)العلامة المذاكر المجتهد محمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن أحمد(2) محمد بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف بأبي الرجال - رحمه الله -(3)، هو العبادة المشهور(4)، أويس زمانه، وسابق أقرانه، امتلأ صدره بتعظيم الله وتجليله، وبالفضائل، فدرس العلوم بـ(اليمن)، ثم رحل إلى (مكة المشرفة) فلقي الفضلاء من المخالفين والموالفين، فأخذ عنهم، وتكمل بهم كماله، كالشيخ أحمد بن إبراهيم بن عمر بن فرج القاروي، وسيد الزيدية في عصره محمد بن المهدي بن الناصر بن الهادي بن الحسين بن الهادي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن جعفر بن عيسى من ذرية الإمام زيد بن علي - عليهما السلام - وكان سيد أهل (العراق) في عصره، لقيه بـ(مكة)، وورى له (الكشاف) بطريق بلغ بها إلى الصدر الخطيب المشكى، وهو أخذ عن صاحب (الكشاف) أدر الله عليه شآبيب الألطاف، وهذه طريقة لم يظفر بها(5) الكثير من العلماء؛ لأن مدار الإسناد على ربيب الشعرانية، وقد ذكر العلماء أن جار الله اعتذر عن التدريس في (الكشاف) أولاً، ثم أذن، هكذا يقال، ولعل طريق المشكى إن لم يصرح بالسماع هي الإجازة، وهي لدينا بخط يديه(6) الكريمة، غير أنها لم تحضر عند الرقم، وأجاز له هذا السيد الجليل جميع فقه العلماء من آل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وذكر السيد محمد طريقة في فقه القاسمية.
قلت: وأجازه أحمد بن إبراهيم القاروي له في ذي الحجة سنة ثماني وثمانين وستمائة.
قلت: ومن شيوخه بـ(اليمن) الأمير المؤيد بن أحمد وعبد الله بن علي الأكوع.
__________
(1) في (ب): الفقيه العلامة.
(2) في (ب): بن محمد.
(3) في (ب): تعالى.
(4) في (ب): المشهورة.
(5) في (ب): به الكبير.
(6) في (ب): يده.
قلت: وعلمه - رحمه الله - واسع كثير، اشتهر على ألسن المحققين اجتهاده، وصرح به السيد الصارم(1) في حواشيه على فصوله، وسماه الفقيه يوسف بإمام المذاكرين، وكان هجراه - رحمه الله - تلاوة القرآن حتى إنه يقال: إنه أثر في لسانه، وكان ورعاً لم يمس من الدنيا شيئاً، مع إمكان ذلك، ولم يقبل من أحد شيئاً، وكان يوصي بذلك، وحرم قبول هبة العاصي مطلقاً، ووصلت إليه رواحل تحمل الحنطة من بعض الأمراء، فلم يقبل منها حبة واحدة، وكان /166/ متمكناً من تركيب الآفاق(2) على أكمل صورة، وأحسن موافقة، وسكن بجهات متعددة لخفة ظهره عن العلائق، وإنما كان إقباله على الله تعالى، فكثر(3) سكونه بـ(صعدة) المحروسة، وسكن قرية (قملي)، وملك بها بيتاً، وأعمره تلميذه وخريجه العلامة أحمد بن هبة - رحمه الله - وكان أحمد بن هبة تلميذاً للقاضي متحرجاً به منقطعاً إليه، وأجازه إجازة كاملة، وذكر بعض العلماء من السادة أنه - رحمه الله - لم يعقب(4)، وكذا ذكره العلامة أحمد بن علي بن أبي الرجال - رحمه الله - ورأيت ما يدل على أنه أعقب ولداً سماه علياً، وكانت بنته تزوج بها والد الإمام عز الدين بن الحسن وأولدها عدة أولاد نجباء، وقبرها بهجرة (فلة)(5)، وورقة الأمير الحسن(6) بن علي بن المؤيد في الخطبة لها، كانت باقية لدينا، وكان سكن(7) القاضي محمد (بقملى) مدة، ولعله لقي ابن معروف(8) وسكن أيضاً في (المثة)(9)، ولعلها التي تعرف في الكتب (المدثاة)(10).
__________
(1) في (ب): صارم الدين.
(2) في (أ): الأوفاق.
(3) في (ب): الكثيرة.
(4) في (ب): لم يعتقب.
(5) في (ب): فلله.
(6) في (ب): الحسين.
(7) في (ب): كان سكون.
(8) في (ب): معرف.
(9) في (ب): بالمثة.
(10) في (ب): بالمدثاة.
ومما شاع على الألسن أنه نزل إلى (الجب) - بالجيم والباء - وهي قرية (بيش) - بالباء بواحدة من أسفل بعدها ياء مثناه تحتية بعدها شين معجمة - بوزن قيس عند قرابته الذين هنالك، فتغيب (اللمع) هنالك، وكان يستملى عند الكتابة صدوراً، ثُمَّ يكتبها من حفظه.
قلت: وفي (قملى) جماعة يذكرون أنهم من ولده أو من ولد أحد إ خوته، وذكر في مشجر الفقهاء المذكورين أولئك بذكر مجمل، كما ذكر أهل الرياضة من قرابتهم بالإجمال، والذي استفدته بالظن المكتسب من التتبع أن أولئك الفقهاء من(1) ذرية هذا العالم المسمى بأحمد بن هبة، وأنه لكثرة انقطاعه إلى القاضي - رحمه الله - نسبوا إليه، فإنه يقال لهم الآن آل هبة، والله أعلم، ومن مؤلفاته - رحمه الله - (الروضة) المشهورة في الفقه، كتبها عند(2) العلامة محمد بن أحمد بن سلامة بن أبي الحنش المحجي(3) - رحمه الله - وكان من الفضلاء العلماء، توفي محمد بن سليمان - رحمه الله - في النصف الآخر من جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة، وقبر عند(4) جبان العيد المعروف بالمشهد قبلي (صعدة) المحروسة.
محمد بن سليمان الحجي
العلامة الفقيه الفهام(5)، محمد بن سليمان الحجي، علامة الفقهاء، وفقيه العلماء، أستاذ المحققين، قرأ عليه السيد الصارم - رحمه الله - وغيره.
محمد بن سليمان النحوي
العلامة الفاضل، إمام المعقول والمنقول، محمد بن سليمان النحوي - رحمه الله - من أعيان العلماء، كان مدرساً، قرأ عليه جماعات، منهم السيد الصارم، قرأ عليه في المنطق.
محمد بن سليمان بن شاس
العلامة الفقيه محمد بن سليمان بن شاس(6) - رحمه الله تعالى - علامة خطير، قرأ على محمد بن إبراهيم الحيي، وتولى القضاء للإمام شرف الدين - عليه السلام - وأهل هذا البيت من جهة (الحيمة).
__________
(1) سقط من (ب): من.
(2) في (ب): عنه.
(3) في (ب): المذحجي.
(4) في (ب): بجبانة.
(5) في (ب): الفقيه الفاضل محمد...
(6) سقط ابن شاس من (ب).
محمد بن سليمان بن محمد [ - 1041 ه ]ت
الفقيه الناسك الفاضل محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان(1) الروسي الأهنومي النسري - رحمه الله تعالى - كان من خيار عباد الله وأهل التقوى والورع والمعاملة لله في السر والجهر، قرأ عليه عدة من الفضلاء، منهم القاضي العلامة أحمد بن سعد الدين - رحمه الله - وكان يسكن بهجر (ابن المكردم)، وبها توفي في سلخ رجب(2) أول شعبان سنة إحدى وأربعين وألف، ودفن في سوق (العرقة) إلى جنب السيد حليف القرآن أحمد بن يحيى، والقاضي سعد الدين(3) - رحمهم الله -(4).
محمد بن سالم (5)
العلامة محمد بن سالم، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - وممن أخذ منه، وله فضائل جمة، ذكره الشيخ العلامة /167/ ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق البغدادي.
محمد بن صالح الجيلاني
محمد بن صالح الجيلاني، والد الحسن والحسين، كان في التحقيق(6) غاية، أمه في المتأخرين من الناصرية، ووالده كذلك، وله آراء وأنظار جيدة، واسمه محمد بن(7) صالح، فهذا المحل غير محله، لكنا لم نذكره(8) إلا هنا، فرقمناه.
محمد بن صالح الآنسي
الفقيه الصالح ذو الكرامات محمد بن صالح الآنسي - رحمه الله -(9) وصفه الإمام عز الدين بالكرامات، والصلاح، وهو شهير، وقد ذكره غيره، وكان أحد من حضر دعوة الإمام علي بن المؤيد - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): فراغ مكان ابن محمد بن سليمان.
(2) في (ب): أو أول.
(3) في (أ): سعد الدر.
(4) في (ب): تعالى.
(5) هذه الترجمة غير موجودة في (ب).
(6) في (ب): كان غاية في التحقيق.
(7) سقط من (ب): ابن.
(8) في (أ): لم نذكر.
(9) غير موجود في (ب): رحمه الله.
محمد بن صالح بن عبد الله [ - 1068 ه ]ت
القاضي العلامة، المتعبد الصالح، محمد بن صالح بن عبد الله بن حنش - رحمه الله - كان من أفضل أهل وقته في سمته الحسن، وخلقه النبوي، وإعراضه عن الدنيا وأهلها، طاهر القلب، محسن الظن في الأمة(1)، قد اتفقت القلوب على محبته، والرضا بحكمه، وكان حاكم (ذيبين) في أيام الإمام المؤيد بالله، وصدر كثير من ولاية أمير المؤمنين المتوكل على الله - حفظه الله تعالى - وكان راضياً بميسور المعيشة(2) مع كمال العبادة، وتوفي بـ(ذيبين) قبيل الفجر من الليلة المسفر عنها صباح الأحد، لعله ثامن عشر رجب الفرد أحد شهور سنة ثمان وستين وألف، وفي أهل هذا البيت الكريم محمد بن صالح بن محمد بن صالح بن حنش، مولده يوم الخميس تاسع صفر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بهجرة (الملاحة)، وأحسبني قد رأيت له ما يدل على كمال وفضل، ولم يحضرني، والله أعلم.
__________
(1) في (ب): بالأمة.
(2) في (ب): العيشة.
محمد بن صلاح القطابري
السيد العلامة الفاضل، عز الإسلام، محمد بن صلاح القطابري اليحيوي - رحمه الله -(1)، كان من كملاء السادة في عصره، وهو صنو(2) السيد يحيى بن صلاح الآتي ذكره، ولوالدهما دعوة دعا في سنة إحدى وتسعين وتسعمائة سنة، بعد قتل الأمير أحمد بن الحسين المؤيدي، ووفاة الإمام أحمد بن عز الدين - عليه السلام - وتوفي والدهم(3) بالحرجة من بلاد (قحطان)، وهو صلاح بن يحيى بن محمد بن يحيى بن القاسم بن الأمير محمد بن الهادي بن إبراهيم بن المؤيد بن أحمد بن(4) المهدي بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى العالم بن يحيى الكامل سلام الله عليهم، ومحمد هذا هو والد السيد العلامة أحمد بن محمد القطابري الماضي ذكره، وجد السيد العلامة صلاح بن عبد الله القطابري، وكان سيداً نجيباً، قد حصل في العلوم، وله نظم، ولم أفرده بترجمة لوقوع الغفلة في محله، وكان للسيد(5) محمد بن صلاح صاحب الترجمة فضل كثير، وله شعر، ومما يحسن نقله ما تساجل به هو والسيدان الكاملان يحيى بن صلاح صنوه، والسيد محمد بن عبد الرحمن المؤيدي، قال السيد محمد بن صلاح هذا - رحمه الله -:
وقائلة مالي رأيتك فاركاً ... لقربي أما لي في هواك نصيبُ
ومالك ترضى بالبعاد وعذبه ... وترغب عني إن ذا لعجيبُ
أما أنا ذات المبسم العذب واللما ... وساجية الطرف الكحيل عروبُ
فقال السيد عماد الدين:
فقلت وقد أشكت(6) بقلبي حرارة ... بمنطقها فالقلب منه كئيبُ
أما وإني ما غير الدهر لوعة ... فحبك شيء لست عنه أتوبُ/168
وما مغرم بالماء جران صادياً ... يكاد من الغيض الشديد يذوبُ
بأبرح(7) من سوقي إلى طلب العلا ... ولست وبيت الله عنه أتوبُ
وقال محمد بن عبد الرحمن:
دعاني إليها محتد أي محتد ... وإني لداعيه المهيب مجيبُ
__________
(1) في (ب): تعالى.
(2) في (ب): صنوه.
(3) في (ب): والدهما.
(4) سقط من (ب): ابن.
(5) في (ب): السيد.
(6) في (ب): أشلت.
(7) في (أ): فأبدح.
على أنني أدعو العلا فيجيبني ... إجابة محبوب دعاه حبيبُ
إلى المجد أربى(1) من علي وفاطم ... ومن أنجبا في الناس فهو نجيبُ
وإن(2) لم أصن مجدي فما أنا منهما ... ولا لِيَ فيما خلَّفاه نصيبُ
ويروى أن الآخر أتم أبياته قبل أن يجف(3) مداد الأول، ولما اطلع على هذا السيد العلامة أحمد بن محمد بن عز الدين بن الحسين بن الإمام عز الدين كتب (......)
محمد بن صلاح بن مهدي [ - 962 ه ]
السيد(4) الفاضل العارف، محمد بن صلاح بن مهدي بن يحيى بن علي بن يحيى بن أحمد بن مداعس - رحمه الله تعالى-(5)، ترجم له بعض الفضلاء، وذكر أن وفاته في يوم(6) السبت من جمادى الأولى سنة اثنين وستين وتسعمائة، وهو والد العلامة شيخ القراء العابد الصالح يحيى بن محمد المتوفى في شهر جمادى في نهار الأربعاء منه لعشرين ليلة خلت من سنة ست عشرة بعد الألف، لعلنا نذكر ترجمته.
__________
(1) في (ب): أرثى.
(2) في (ب): فإن لم يصن.
(3) في (ب): يجف القلم مداد.
(4) في (ب): الفقيه الفاضل.
(5) سقط من (ب): تعالى.
(6) في (ب): في نهار.
بدر الدين محمد بن صلاح السلامي
الفقيه(1) العلامة، المحقق المقرر، بدر الدين محمد بن صلاح السلامي - رحمه الله - كان فقيهاً حاذقاً ماهراً في الفقه، وله في علم الكلام مسكة حسنة، وأما الفقه فكان محلقاً فيه، يقر له الأقران، وكان أكثر قرابة على العلامة إبراهيم بن حثيث الذماري - رحمه الله - وكان يملي عليه(2) عجائب وغرائب شيخنا العلامة إبراهيم بن يحيى السحولي الشجري(3) - رحمه الله - إذا ذكر له القاضي هذا أثنى عليه، ورويت عنه روايات رواها عن شيخهما إبراهيم بن حثيث، فقال - رحمه الله -: هذا ما هو على ذهني، من رواه لك؟ فقلت: سيدنا محمد السلامي. فقال: رجل ثبت راجح الرواية، وكان - رحمه الله - خشن الملبس، غير متأنق فيما يتأنق الناس فيه من الملابس ونحوها، قد يلبس الفرو، وجلد الضأن، ويعتم على ما يشبه القلنسوة من جلد الضأن أيضاً، مع وجاهته عند آل القاسم وتجليله، وصحب مولانا شرف الإسلام الحسين بن أمير المؤمنين - عليهما السلام - وما زال يتردد بين وطنه بـ(بني سلامة) و(ذمار) و(الدامغ)، ولما كانت الدعوة المسعودة المتوكلية التي أعز الله بها الإسلام، ورفع بها منار العترة، كان جديلها المحكك، وأول من وضع يده في يد الإمام للبيعة، فتفاءل الفضلاء بأنها دعوة سلامة(4) - إن شاء الله - وكانت كذلك أدام الله ظلالها، واجتمعت به مراراً(5) في حضرة المولى - عليه السلام - وسمعته يروي له أن فقهاء (ذمار) الفضلاء تركوا التوضي من ماء المدرسة الشمسية لأن الذي ينزع الماء إلى المطاهر لم يبلغ بل هو صغير، فقالوا: هذا الماء مباح قد ملكه الولد بالنقل والإحراز، فبأي شيء يخرج عن ملكه، فتحرجوا لذلك، فعارضهم إبراهيم بن حثيث أيام طلبه وقال: هذا لا يملكه(6) الفاعل، كل تملكه الأمر لسبق الحق /169/، وهكذا كما(7)
__________
(1) في (أ): العلامة الفقيه.
(2) في (ب): عنه.
(3) في (ب): البحري.
(4) في (ب): سلامة انتهى.
(5) في (ب): مراراً منها في.
(6) في (ب): يملك.
(7) في (ب): كل ما قد.
قد سبق فيه حق، وهي الحيلة لمن أراد التوكيل في الإحياء، فسألوه من أين أخذ ذلك؟ فنسبه(1) إلى (التذكرة) أو (البيان)، فات عني، وهي مذكورة فيهما، وفي (معيار البحري)، واجتمعت(2) به عند والدي وجماعة من أعيان سيدي الحسن(3) على ضيافة، وهو على ما وصفت من اللباس، سمع(4) الأصحاب يذكرون ما يقتضيه الحال من السلاح ونحوه، فقال لي: فأنت يا ولدي(5) هل تريد الفضل؟ فعليك بالعلم، أو قد شغل قلبك هذا الذي ليس بشيء، أو كما قال - رحمه الله -(6)، توفي ببلده، وله أولاد نجباء، ووالده من الفضلاء مقبور في قبة ببلدهم - رحمه الله تعالى -(7).
__________
(1) في (ب): فنسبوه.
(2) سقط من (أ): به.
(3) في (أ): وهو على ضيافة.
(4) في (ب): يسمع.
(5) في (ب): يا والدي هل تريد.
(6) في (ب): تعالى.
(7) زيادة في (ب): كان الفراغ من زبره يوم السبت ثامن وعشرون من شهر القعدة سنة ثلاثة وتسعين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والحمد لله رب العالمين.
محمد بن صلاح بن محمد الفلكي [ -1073 ه ]
العلامة المفتي المحقق، حاكم المسلمين(1)، إنسان العلماء(2)، محمد بن صلاح بن محمد الفلكي، نسبه إلى (الفلك)(3) قرية من قرى (ذمار) يعرف جده الأعلى بناصر الدين(4) الفرائضي لمهارته في علم الفرائض، وهذا علم متوارث فيهم، لم يترك هذا القاضي لمحقق(5) تحقيق إلا من ورائه، فهو الغاية في الفرائض والحساب والجبر والمقابلة وغير ذلك مما يتعلق بالفن، وكان يتوقد ذكاء، سريع البادرة، مقبول الجد والهزل، يضرب الأمثال بكلماته، وكان في الفقه نسيج وحده، جميع الطلبة بـ(ذمار) آخذون عنه، وكان محبباً إلى الطلبة كثيراً، وتولى القضاء مدة طويلة، محمود الأثر، وكان يصدع بالحق، ومن عجيب(6) أنهم رثوه أعيان الشعراء، غابت عني عند الرقم، وهي موجودة، فمنها وهي متضمنة لتاريخ وفاته لمولانا السيد العلامة شرف الإسلام الحسن بن الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله القاسم بن محمد - قدس الله روحهما -:
يا مبليات الليالي ... عن الأفاضل كفي
فقد هدمت علاهم ... بفقد أشرف ألفي
محمد ذي المعالي ... من حاز أكمل وصفِ
تاريخه قيل فيه ... شمس العلوم توفي
وللسيد العلامة البليغ أحمد بن الحسين بن أمير المؤمنين المنصور بالله - عليه السلام - متضمنة للتاريخ:
يا دهر مهلاً بنا رويداً ... فما على اخيارنا مدارك
سلبتنا من حوى المعالي ... كأن في الصالحين ثارك
وذاك عين الوجود حقاً ... وخير من حازه خيارك
محمد فزت طبت فابشر ... فإن فردوسها قرارك
تاريخ بدر الهدى وفائه ... تم بدار النعيم دارك
وللفقيه العلامة البليغ محمد بن علي المسوري - رحمه الله -:
قد قلت لما أذيق الفاضل الفلكي ... كأساً تدور على الصعلوك والملكي
وأصبح الفقه والأحكام قد لبست ... لون الحداد على من بالدماء بكي
__________
(1) سقط حاكم المسلمين من (ب).
(2) في (ب): العلم.
(3) في (ب): الفلكه.
(4) في (أ): الدر.
(5) في (ب): المحقق تحقيقاً.
(6) يوجد فراغ في (ب) حتَّى نهاية الترجمة.
وأودع المسلمون الكل فرط أسىً ... يحيى الكبابين والباوين في الدرك
يا من تأخركن في الموت معتبراً ... بمن تقدم هل أنجى من الشرك
وقل لدنيا أصابت غير عالمنا ... حويت كل نفيس فالهناء لك
لله من عالم ندب فجعت به ... لعد منيته أو حل مشتبك
سقى ثراه من الرحمن غادية ... تهمي بحون من الرضوان منسفك
170/يا دهر رد فاضلاً فرداً يذكرنا ... تاريخه إن قضى قضا فلكي
وللسيد البليغ المفوة البديع شمس الدين أحمد بن محمد سنة 1073 الآنسي في جملة جوابه على التعزية في القاضي - رحمه الله -:
نجم هوى بذمار في أفق الثرى قد كان ثاقب
قسماً بموضعه العظيم فهذه أم المصائب
نار على علم خبت وأوها نار الحباحب
لا مرحباً بالجهل لا أهلاً به قد جاء راكب
بين الجهالة والنواكة حوله منها مواكب
يا من إليه المشتكى يا قابلاً من جاء تائب
أجبر لنا هذا المصاب بآيبٍ يضحي كذاهب
فلك الحرائر لا نفاد لها وأنت أجل واهب
ولغير هؤلاء غير ذلك تراث وتواريخ، (....) وللشيخ إبراهيم الهندي:
مات أخو العلم فابك منتحباً ... بمدمع في الخدود منسفكِ
فها نجوم القضاء هاديه ... مُذْ حَلَّ في اللحد صورة الفلكي
وكان انتقال روحه الطاهرة إلى دار الآخرة في ضحى يوم الثلاثاء، لعله سادس عشر من شهر جمادى الأولى من شهور سنة ثلاث وسبعين بعد الألف بمحروس (ذمار)، ودفن - رحمه الله - في المقبرة المعروفة هنالك بمقبرة المجاهد غربي مدينة (ذمار)، حرسها الله تعالى.
محمد بن عبد الله بن عبد الله العباسي
الشريف أبو جعفر محمد بن عبد الله (1) بن عبد الله العباسي، العالم الكبير، الفاضل الشهير، فارس بني هاشم المفضال، خرج مع الهادي إلى الحق من(2) (الحجاز)، ولي(3) (نجران) و(جربة آل الحرث)، فكان له يوم كيوم الطف مع الحسين(4)، وقبره بمدينة (الأخدود) بـ(نجران) يطلع من جهته النور، وعنده جماعة من أهله، ولا يتميز قبر أبي جعفر ويتغير(5)، وحفيده علي بن موسى المقبور بجامع (صنعاء) غربي الصومعة الكبرى، وقد تقدمت ترجمته في حرف العين.
محمد بن عبد الله بن حمزة [ - 647 ه ]ت
القاضي ركن الدين، محمد بن عبد الله بن حمزة بن أبي النجم - رحمه الله -(6)، قاضي قضاة المسلمين، وواحد علمائهم، حجة الفضلاء، كان حاكم (صعدة) أيام المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وله مذكرات ومراجعات، وأثنى عليه الإمام المنصور بالله كثيراً، وأظن مما دار بينه وبين الإمام من المراجعة الكلام في وقف المشاع، قال الإمام (.....)، ولما توفي ولى الإمام - عليه السلام -(7) قضاء (صعدة) ولده تقي الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله المذكور، وكتب له عهداً، واستمر على القضاء إلى أيام الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام -(8)، وولاه القضاء(9) في تاريخ شهر رجب المعظم سنة ست وأربعين وستمائة، وتوفي في نصف شهر(10) رجب سنة سبع وأربعين وستمائة، وولى القضاء بعده ولده ركن الدين محمد بن عبد الله(11) عادت بركاتهم.
__________
(1) في (ب): محمد بن عبيد الله العباسي.
(2) في (ب): إلى.
(3) في (ب): وولي.
(4) . وقد تقدم في ترجمة ولده أنه ثار….. الهادي - عليه السلام -.
(5) في (ب): ويتعين.
(6) في (ب): رضي الله عنه.
(7) سقط من (ب): السلام.
(8) سقط من (ب): عليه السلام.
(9) في (ب): القاضي.
(10) سقط من (ب): شهر.
(11) زيادة في (ب): محمد بن عبدالله.
محمد بن عبد الله الحميري
القاضي محمد بن عبد الله الحميري، هو القاضي الجليل العلامة، كان من صدور الزيدية، وبدور كمالهم، وكان له في النظم يد طولى، وله في ذكر يوم الشرزة بين السلطان حاتم بن أحمد والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليهما(1) السلام - أبيات سيأتي حكاية لبعضها(2)، وضمنها ذكر العيد؛ لأن الإمام - عليه السلام - عيد بـ(صنعاء) المحروسة عيد الإفطار، وصفة القصة /171/ الملموح إليها، هي أن الإمام نهض من (اليمن) بقبائل(3) (مذحج ذوجنب) و(عنس) و(زبيد)، والمراد بجنب هذه قبائل تسكن (جهران) وما قاربه، وكانوا أهل بطش، وأما (عنس) فهم و(همدان) حمرة العرب، فاجتمع عند الإمام من هذه الأحياء زهاء ألف فارس وثمانمائة فارس في شهر شعبان من سنة اثنين وخمسين وخمسمائة، فحط بهم في (جهران)، ونهض حاتم بن أحمد من (صنعاء) بمن معه من همدان وغيرهم، فحط في (نجاد الرفاض)، وتراءا العسكران، فصعب على جنود الإمام طلوع (النقيل) لمكان حاتم وجنوده، فتقدم الإمام بجنده طريق (ثعيل)، وكان ذلك مصداق(4) المروي عن أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - في ذكر المنصور من ولده(5) حيث يقول: اضطرابه في أمره، وشدته في قهره، ما بين (النقيل) إلى (ثعيل)، فسار الإمام حتى حط بنجد الشرزة ونجد سيعان، وجوب بمحل ضيق بين قرون وحصون، فلامه أهل الخبرة، فقال: حطوا هنا، فإن الله سبحانه سيبصركم(6)، وكانت خيل حاتم تسعمائة فارس مكملة العدة ورجاله عشرة آلاف، فيهم ثلاثة آلاف قايس وألف فارس، فبينا الإمام وأصحابه في أغراض وأشغال بمنشد ينشدهم الشعر، إذ بدا عليهم من أسفل الوادي أول القوم، فلم يفزعوا منهم، وظنوهم الأبناء، وهم أولياء الإمام، فتيقنوا(7) أنهم العدو بعد قربهم، فلم يمكنهم حمل السلاح، لكنهم ابتدروا القتال
__________
(1) في (ب): عليه.
(2) في (ب): بعضها.
(3) في (أ): بقاتل.
(4) سقط من (أ): المروي.
(5) في (أ): من والده.
(6) في (ب): سينصركم.
(7) في (ب): فتيتنقوا.
كأنهم الليوث، وكان أول النهار، ورفع الإمام يديه(1) حينئذ وقال: اللهم إنه لم يكن إلا نصرك، وقال في نفسه: إن ظفر القوم بنا، ظهر مذهب الباطنية، وهلك الإسلام، فعند ذلك أرسل الله ريحاً عاصفاً(2) من المشرق تقابل وجوه القوم، فاستبشر الإمام بالنصر، وقال لأصحابه: احملوا، فولى الباطنية منهزمين لا يلوون على شيء، فانحلت القضية على(3) خمسمائة قتيل وخمسمائة أسير، ودخل الإمام (صنعاء) متوجهاً(4) محبوراً وعيد بها عيد الإفطار، فقال القاضي محمد بن عبد الله - رحمه الله تعالى-(5):
يهنا بك الأعياد إذ أنت عيدها ... وإذ أنت منها بدرها وسعودها
فخمس مئين(6) حز منها وريدها ... وخمس مئين(7) أثقلتها قيودها
وطاروا إلى روس(8) الجبال شلائلاً ... من الخوف منها خافقات كبودها
وسرنا لغمدان المنيف فأصبحت ... ذوائبه في الشرق ثاوٍ(9) مشيدها
وأضحى ابن عمران المتوج حاتم ... يقول ألا عفواً فلست أعودها
وأنت بنفس لا يزال نفيسها ... إلى كل مجد ليس يحصى عديدها
إذا طلبت همدان منك إقالة ... وسنحان يوماً واستقال(10) أويدها
فعدلهمُ بالصفح منك وبالرضا ... فلن يبلغ الغايات إلاَّ معيدها
وحاشاك أن تنسى السوابق منهم ... وما فعلته في القديم جدودها
قلت: وقد(11) وكان الإمام - عليه السلام - دخل (صنعاء) عنوة، وحصلت فيها بين (همدان) وجنود الإمام /172/ ملحمة، وصدق أهل (صنعاء) ما عاهدوا الله عليه، ولم يسلم حاتم إلا لعناية رجل من أهل (صنعاء)، كان بيده لو أعطاه إياه الإمام، فلما علم أن الجنود لا محالة ستتأصل السلطان أعطاه الراية أماناً، وخرج السلطان إلى بين يدي الإمام، وقال متمثلاً:
__________
(1) في (ب): يده.
(2) في (ب): عاصفة.
(3) في (أ): القصة عن.
(4) في (ب): متوجاً (ظ).
(5) سقط من (ب): تعالى.
(6) في (أ): مائة.
(7) في (أ): مائة.
(8) في (أ): رؤوس.
(9) في (أ): يأو.
(10) في (ب): واستقاد.
(11) سقط من (ب): قلت وقد.
أيقنت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
فأجاره الإمام، وفي ذلك يقول العلامة سليمان بن فضل الزيدي - رحمه الله -(1):
يوم صنعا كيوم (مكة) بل أعـ ... ـظم من يوم (مكة) أضعافا
فتحت بالحسام في طرفة العيـ ... ـن كما يخطف الحسام اختطافا
وقعة أفرغت(2) يعوق ونسرا ... ويغوثا وأتبعتها أسافا(3)
محمد بن عبد الله الكوفي
محمد الغزال، هو محمد بن عبد الله الكوفي المضري - بالضاد المعجمة - شيخ الزيدية، ورد (اليمن) مرتين في آخرهما، أهدى للإمام محمد بن المطهر نسخة (الكشاف) المشهورة(4)، وصارت من بعد بخزانة الإمام الناصر صلاح الدين، ذكر ذلك في (كاشفة الغمة).
__________
(1) في (ب): تعالى.
(2) في (ب): أفزعت.
(3) في (ب): سافا.
(4) في (أ): مشهورة.
محمد بن عبد الله بن أبي الغيث
العلامة المجتهد، محمد بن عبد الله بن أبي الغيث الرقيمي، العبد الصالح، حجة الله ، علق عن الفقيه محمد بن يحيى بن أحمد بن(1) حنش - رحمه الله - على (اللمع) تعليقه أربعة مجلدة، وذكره مستوفىً في الصلة، وكان محمد بن عبد الله بن أبي الغيث الرقيمي(2) - رحمه الله تعالى - عالماً مجتهداً، مصنفاً عابداً زاهداً، انقطع(3) في طاعة الله، النهار صياماً والليل(4) وقياماً، روى الإمام(5) المهدي علي بن محمد قال: من أحب أن يرى ملكاً يمشي على الأرض فلينظر إلى محمد بن عبد الله الرقيمي وإلى حاتم بن منصور، وله تصانيف، منها كتاب (تنبيه الراغبين)، وكتاب (التحفة في الأخبار النبوية)، وكتاب الأدلة من الكتاب والسنة على مراد الله من خلقه، ومواعظ شافية، وحكم بالغة، وله آثار بالخير معروفة، اهتدى(6) على يديه خلق، ومات بـ(صنعاء) المحروسة، وقبر(7) بقرب مسجد (فروة)، (وله مع الكينعي أخبار عجيبة، - رحمهم الله تعالى -)(8).
محمد بن عبد الله بن حمزة
محمد بن عبد الله بن حمزة(9) بن أبي النجم - رحمه الله - الأكبر(10)، والد قاضي المنصور بالله عبد الله بن حمزة(11) عبد الله بن محمد(12) بن حمزة جامع (درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية) وجامع كتاب (البيان الناسخ والمنسوخ من القرآن)، وجامع (كتاب أحكام الحسبة والدور) وما يختص بالإمام وغيره من الأمور.
__________
(1) سقط من (ب): ابن.
(2) في (أ): الرقمي.
(3) في (ب): يقطع.
(4) سقط من (ب): والليل.
(5) في (ب): عن الإمام.
(6) في (ب): واهتدى.
(7) في (ب): وقبر قبلتها بقرب.
(8) ما بين القوسين سقط من (ب).
(9) سقط من (ب): ابن حمزة.
(10) سقط من (ب): رحمه الله الأكبر.
(11) في (ب): بن.
(12) في (ب): بن محمد بن عبد الله بن حمزة.
محمد بن عبد الله بن الهادي [810هـ - 897 ه ]
السيد العلامة محمد بن عبد الله بن الهادي، قال السيد أحمد بن عبد الله بن الوزير في (تاريخ السادة آل الوزير) ناقلاً عن السيد الهادي الأصغر حفيد السيد محمد بن عبد الله ما لفظه: كان - رحمه الله تعالى(1) ورضوانه عليه-(2) من أعيان السادة في زمانه، وكبرائهم، وأهل الرئاسة فيهم، له معرفة تامة في العلوم، وبلاغة رائعة في المنثور والمنظوم، وسبقة في ذلك يشهد به الأصدقاء والخصوم، وخط يقضي منه العجب، كأنه سلاسل الذهب، وأسمع عليه كثير من كتب أهل البيت - عليهم السلام - كـ(أصول الأحكام) و(شفاء الأوام) و(الأمالي) وكتب(3) من كتب الحديث لابن تيمية وابن(4) حجر، وللقاضي عياض وغيرهم، وكذا في التفاسير القرآنية، وكلها له سماع وإجازة، وكان - رحمه الله - له إلى الله إقبال وقيام في الأسحار، وتلاوة مستمرة، وختم الله له /173/ بانقطاع ثماني سنين في كسر بيته بسبب إقعاد عرض له، فكان ذلك زيادة في اللطف به، وفي ازدياد طاعته، وإقباله على التهجد، وملازمة الخلوات، وكان - رحمه الله - إماماً في علم أنساب الأشراف، والمعرفة بأحوالهم، وأيامهم، وأحوال غيرهم، مطلعاً على ذلك غاية الاطلاع، حفاظاً لما سمعه، متقناً لما يرويه مرجوعاً إليه في ذلك، وفيما عرض لهم يرضون قوله، ويمتثلون أمره، وكان - رحمه الله - حسن الخلق والأخلاق، طويل القامة، حسن الهيئة، له وجاهة وجلالة، وشارة وجاه، عريض مع الأقارب والأباعد، وله(5) نفس كريمة، وميل إلى فعل المعروف، ولو مع مشقة وتكليف(6)، يصل الأرحام، ويجب الأنعام، ويرعى الحقوق، وينهى عن العقوق، وعلى الجملة، فطرائقه(7) وخلائقه كانت غراء واضحة، وموازين فضل على أبناء جنسه وازنة(8) راجحة، كانت(9) طرائقه على
__________
(1) في (ب): رحمة الله عليه.
(2) سقط من (ب): عليه.
(3) في (ب): وكثير من.
(4) في (ب): ولابن حجر.
(5) سقط من (ب): له.
(6) في (ب): وتكلف و…
(7) في (أ): فرائقه.
(8) في (ب): رازنة.
(9) وكانت.
طرائق الأوائل من أسلافه - رحمة الله عليه وعليهم أجمعين - في سلامة قلبه، وسعة أخلاقه، والمسامحة(1) والإغضاء، وعدم المؤاخذة، وكانت ولادته بالهجرة اليحيوية بـ(صعدة) المحروسة بالمشاهد المقدسة في شهر شعبان الكريم من سنة عشر وثمانمائة، ونشأ بـ(صعدة) ثم بمشهد جده القاسم بن علي بعيان، ثم بـ(صنعاء)، وكانت وفاة والدنا عز الدين محمد بن عبد الله - رحمة الله عليه ورضوانه - بحدة من بلاد بني شهاب وأعمال (صنعاء اليمن)، في ليلة السبت المسفرة عن خامس عشر شهر شعبان الكريم من شهور(2) سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وقد بلغ من العمر سبعاً وثمانين سنة، انتهى من تاريخ السادة باختصار.
محمد بن عبد الله البخاري
العلامة محمد بن عبد الله البخاري، قال السيد الشمسي في (تاريخ السادة آل الوزير): محمد بن عبد الله البخاري مفتي (صعدة) في زمانه، وقرأ في تفسير السيد جمال الدين، وقرأ في الأصولين، وكان حسن الصوت في تلاوة القرآن، فإذا قرأ في محراب، أو بعد صلاة، هدأت الأصوات له، وكان إماماً في علم العربية جميعها(3)، وله في علوم العربية(4) بسطة، وله شعر، ومن شعره قوله:
مالي مع الناس من ناصر ... إلا النبي المصطفى الهادي
وصنوه من بعده حيدر ... ثم التزامي مذهب الهادي
وغير ذلك من القصائد، وتوفي في الفناء الأعظم في (صنعاء اليمن) بعد موت جميع أهله - رحمه الله تعالى -(5).
محمد بن عبد الله الرصافي
محمد بن عبد الله الرصافي، كان فاضلاً نبيلاً، عده البغدادي من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما(6) السلام-.
__________
(1) في (ب): والمساعدة.
(2) غير موجود في (ب).
(3) سقط من (ب): جميعها.
(4) في (ب): العربية جميعها.
(5) في (ب): رحمة الله عليه.
(6) في (ب): - عليه السلام -.
محمد بن عبد الله الغشم الآنسي [ - 1043 ه ]ت
محمد بن عبد الله الغشم الآنسي - رحمه الله -(1)، كان فاضلاً عالماً عاملاً، عارفاً بالله، عازفاً نفسه عن هواه، على طريق الزهاد، وأرباب الرياضة العباد، ولقد نفع، وتم به النفع، وتفقه به خلائق، وكان يرتحل إلى الفضلاء، ويقرأ على الشيوخ، ويمر على العامة، ويعلمهم، ويجمع معه خلق من الراغبين في الخير، وكان لا يرفع(2) طرفه إلى أحد - رحمه الله -(3).
__________
(1) سقط من (ب): رحمه الله.
(2) سقط من (ب): لا.
(3) في (ب): تعالى.
وله رسائل وكتب تفسير بخطه، وهو خط غير قيم ولا واضح، ولذلك لم ينقل ولم(1) يحضرني من فوائد هذا التفسير إلا ما أملاه لي الأخ محمد بن /174/ عبد الله الآنسي الماضي ذكره في ترجمة أحمد بن علي الأعقم، وكان من عباد الله علماً وعملاً، قال: رأيت في هذا التفسير في التكلم على آية الكرسي ذكر فضائلها وخصائصها، ثم قال: وبالجملة فإنها تغني عن رؤية النار، ثم ذكر قصة رؤية النار، وهو أن العامة من أهل البلاد الغربية(2) الآنسية وغيرها كثرت عندهم الشكوك لما يرون من أكل بعض السفهاء لما حرمه الله بالإجماع من الحيات والحنشان، وقالوا: هؤلاء لا يشك أنهم على حق بدليل هذه الكرامة، فإن لم يأت من علمائنا ما يقاومها، انتقلنا من مذهب أهل البيت، فعظمت القضية على العلماء، فتكاتب الفقهاء من (المغرب الصغير)، و(مقري)(3) و(مخلاف كبة) و(آنس) و(ذمار)، واجتمعوا وأمروا العامة بجمع حطب، فاجتمع كالجبل العظيم، ثم أشعلوه، فلم يزل يستعر حتى صار يرمي بشرر كبار، فقرب الفقهاء بالمصاحف، وقرأوا القرآن، ولم يزالوا على ذلك مع أدعية أخرجها(4) الفقيه محمد المذكور حتى اصفرت النار، ودخل الفقهاء، وحملوا منها في ثيابهم، ودخلوا فيها كما يدخل بين الماء والطين، واشتهرت القصة، ولما سمعت هذه، لم أزل أبحث عنها، فبلغت عندي مبلغ التواتر، وليس ذلك يبعد(5) من فضل الله تكريماً لكتابه العزيز وعلماء الإسلام.
__________
(1) في (ب): وما.
(2) في (ب): المغربية.
(3) في (ب): مقرا.
(4) في (ب): أخرجها والد الفقيه.
(5) في (ب): بعيداً.
وتوفي (- رحمه الله -)(1) بالجهة المغربية(2) في (بني الذواد)(3) تحت (الرغيل) (4) وغربي جبل مسور المنتاب، وقبره في مسجد بناه رجل من أهل تلك البلدة، كان القاضي متزوجاً لابنته، واستثنى مع قبر القاضي في المسجد موضع قبره بجنب قبر القاضي - رحمهما الله تعالى -(5).
محمد بن عبد الله بن محمد
السيد العلامة محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن الهادي بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة - عليه السلام - ذكره السيد أحمد بن عبد الله - رحمه الله -(6) في (تاريخ السادة) من(7) مشيخة السيد الهادي بن إبراهيم - رضوان الله عليهم-(8).
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، صاحب رسالة الإمام زيد بن علي - عليه السلام - التي كان يدعو إليها(9) (يحيى الذويد، قرأ عليه العروض وأجاز له ما يجوز له روايته)(10).
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): الغربية.
(3) بنو الذَّوَّاد: مركز إداري من مديرية بني العام، وأعمال حَجَّة، من بُلْدانه: الجَمِيْمَة، وبيت القيسي، والحِجلة، والغُوَل، وبيت القُحْطَة، وقلعة خازم، وقلعة دحيم، وبيت الْمَرَّاني، وبيت الغشم. والأخيرة نُسِبت إلى العلامة محمد بن عبدالله بن علي الغَشْم، الذي سكنها، وتوفي بها سنة 1043هـ، وفيها وذريته وأحفاده. معجم المقحفي 654.
(4) الرُّغَيْل: مركز إداري من مديرية مسور وأعمال محافظة عمران. معجم المقحفي 697.
(5) غير موجود في (ب).
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): في.
(8) في (ب): عليه.
(9) في (ب): إليها وهو ممن أخذ عنه - رحمه الله تعالى -.
(10) ما بين القوسين ساقط من (ب).
قال السيد شمس الدين: وكان (1) محمد بن عبدالعزيز بن(2) بهران(3).
محمد بن عطف الله العبسي
القاضي العلامة المحقق في المعقول والمنقول، محمد بن عطف الله العبسي - بالباء الموحدة من أسفل - البركي كان عالماً متكلماً، متمكناً في العلوم، سيما المعقولات، له رسائل ومقاولات، وله ما يجري مجرى الرد على (قسطاس) الإمام الحسن بن عز الدين شرح (المعيار)، وذلك أن الإمام الحسن شرح (المعيار)، واستقصى، وشاجح(4) وواخذ في ظاهر العبارات، ففعل القاضي شرحاً كالذب عنه، وله رسائل إلى الإمام مجد الدين بن الحسن، تدل على علم بالحكمة والمنطق، وكان مشهوراً بالجدل ووقعت بينه وبين الإمام (البحر واسطة عقد الأئمة الإمام المسعود ملك الإسلام رباني الأئمة المتوكل على الله)(5) يحيى شرف الدين - رحمه الله وأعاد من بركته - مناظرة وذلك في الثالث والعشرين(6) من جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، وقد ذكرها ابن داعر وغيره، ووصفوا ما دار بينهما من الألفاظ /174/ والحجج، والنقوض والتعليلات، ووصف العلامة الزريقي باختصار، فقال: إن المناظرة حصلت بين الإمام والقاضي والفقيه حسن بن يحيى الجدر القرشي في بيان الفرقة الغوية المتلبسة بمذهب الصوفية، بعد أن ظهر للإمام الجنوح من القاضي المذكور إلى مبتدع هذا المذهب المنكور، وإخلاد الفقيه حسن بن يحيى الجدر المقدم ذكره إلى أهل هذه الطريقة الغوية(7) الغريقة في تيار بحر ضلالها، وأي غريقة، والغارقة بجهلها، واجترائها على الله سبحانه ما بين الشريعة والحقيقة،
__________
(1) سقط من (ب): قال السيد شمس الدين وكان.
(2) سقط من (ب): بن.
(3) في (ب): من شيوخ أحمد بن يحيى الذويد، قرأ عليه العروض وأجاز له ما يجوز روايته، قال سيدنا شمس الدين: وكان محمد بن عبد العزيز بن بهران المذكور ذا أدب ومعرفة.
(4) في (ب): وساحجج.
(5) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(6) سقط من (ب): والعشرين.
(7) سقط من (ب): الغوية.
وأنصف الإمام - أعلى الله شأنه، ورفع في الحق بنيانه - من نفسه الكريمة في المراجعة كل الإنصاف، وانبسط معهم لاستنباط ما هم عليه من هذا المذهب الذي ليس ابتداعه على أحد من أهل الكتاب والسنة بخاف، ولم يفعل ذلك - أيده الله - إلا لما رأى من ميل القاضي المذكور إليهم ((1)ونصرته لمذهبهم وتقويهم به وتحجبهم لكونه من أعيان الزمان، وممن يشار إليه بالبنان، وله تبصر في علوم المعقول، وخوض في تفسير الكتاب العزيز وسنة الرسول (- صلى الله عليه وآله وسلم -)(2) خلا أنه ممن غلبته نفسه على المراء والإدلال على ما لا يعنيه من تمحلات التأويلات الباطلة والاجتراء، فنعوذ بالله من ذلك(3)، ومما يوقع من(4) اتباع النفس في مهاوي الهلاك، فوقع ما حصل منهم من الذب عنهم صورة حجة منقوبة(5)، وهي في نفس الأمر شبهة لهم(6) مغوية، كلامعة السراب يحسبه الضمآن ماء، وما هي لضمئه بمروية، وإلا فقد كان قبل ذلك خمدت نارهم، وقل تظهرهم بذلك واشتهارهم، ونبا بحمد الله حدهم، وانفل، ودرس منهج سلوكهم، واضمحل، إلا من يخفى بذلك الرقص والتصفيق والغناء في البيوت يخفي من بارز الله - سبحانه وتعالى - بما هو من المعاصي على هذا الحال المنعوت، وما كان سبب ضعفهم وخذلانهم عن ذلك إلا ما صار يصدر عن الإمام - أيده الله - من النهي عن ذلك والزجر عن السلوك في تلك المسالك من أول دولته السعيدة، المجتاحة لفرق الضلالة والمبيدة، إلا أن عادته - أيده الله - الإليان قبل الإخشان، والتخفيف قبل التعنيف، رجاء للاكتفاء في النهي عن المنكر بلطائف الأمور، ومحبة للتباعد عما يؤدي إلى جرح الصدور، فجزاه الله عن المسلمين أفضل ما جزى راعياً عن رعيته، ما أرأفه بهم وألطف مزاجه، وأوضح من دعائه إياهم(7) إلى
__________
(1) من هنا إلى: فلا يقبل منه ذلك، غير موجود في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): ذاك.
(4) في (ب): في.
(5) في (ب): مقوية.
(6) سقط من (ب): لهم.
(7) سقط من (ب): إياهم.
الله منهاجه.
وأما حسن بن يحيى الجدر المشار إليه آنفاً، فلم يدخل عليه في نفس الإمام - أيده الله - إلا خير لعدم رسوخ يده في العلوم، وقرب مساعدته إلى هجر السبيل المذموم، ولحسن خلقه، وظهور قوة محبته لأهل البيت - عليهم السلام -، ولما ظهر للإمام - أيده الله - قوة جدال القاضي محمد بن عطف الله المذكور في الذب عن أهل ذلك المذهب المذكور، أغلظ عليه القول، واشتد عليه النكر، لتكلفه لتأويل ما لا يحتمل غير التأويل الظاهر من الآيات القرآنية، والأخبار /176/ النبوية، محبة ليستر(1) فضائح ما(2) لا يجوز التأويل له من أهل هذه الطريقة في قوله أو فعله الموجبات للكفر الصريح، وقد أشار الإمام - أيده الله - في خطبة كتابه (شرح أثمار الأزهار) إلى ما معناه(3) أن التأويل لا يجب إلا فيما ظاهره يخالف العقل والشرع من كلام الحكيم سبحانه والنبي المعصوم، وأما في غيره، فهو لا يجب، وأما لمثل هؤلاء القوم المقدمين على مثل تلك الأفعال الخطيرة، كقول بعضهم هو الحق، أو قول آخرإنه لا يصل إلا لنفسه، بل صلوه غيره أيضاً لنفسه، أو من يفرق بين الحقيقة والشريعة، ويثبت مقام الولاية، ويقدمه على مقام النبوة والرسالة، وغير هؤلاء من أهل(4) الأقوال الشنيعة، فالتأويل(5) لا يجوز أبداً، هذا خلاصة كلامه - أيده الله سبحانه - وفي خلال مراجعة(6) الإمام - أيده الله سبحانه - للقاضي والفقيه المذكورين بين لهم بأدلة واضحة، وإلزامات فاضحة، فتح مقالات هذه الفرقة، وتأدية عقائدها الخبيثة إلى الكفر الصريح، والدخول في النصب بالإيماء إليه والتلويح، كقول بعضهم: إن آل النبي - صلى الله عليه وآله(7) وسلم - إنما هم من كان من أتباعه يخبر بالمغيبات، إشارة إلى ما يزعمون من أن الولي يخبر(8)
__________
(1) في (أ): لمحبة ليسترع.
(2) في (ب): من.
(3) في (أ): منعه.
(4) سقط من (ب): أهل.
(5) في (ب): والتأويل.
(6) في (أ): مرجعه.
(7) في (ب): صلى الله عليه وعليهم أجمعين.
(8) في (أ): خبر.
بالمغيبات؛ لأخذه عن الله سبحانه بغير واسطة على زعمهم الفاسد، قال: إذ المراد تشبيه آل نبيئنا - صلى الله عليه وآله وسلم - بآل إبراهيم - صلوات الله عليهم - في قوله كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وقد كان آل إبراهيم - عليه السلام -(1) أنبياء يخبرون بالمغيبات، (فلا يكون آل نبيئنا - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا أولياء يخبرون بالمغيبات)(2)، وهذا هو الوجه الجامع بين المشبه والمشبه به، وأما الذين هم على التحقيق على ما يلوح من كلامهم هذا، فليس بآل النبي - صلى الله عليه(3) وآله وسلم - تعالى الله من أن يدان بهذا علواً كبيراً، وهذا مأخوذ من معنى كلام حكاه الإمام - أيده الله-(4) في خطبة شرح المقدمة، ذكره لبعضهم وقد بينه هنالك أيده الله بياناً وافياً شافياً، ثُمَّ أخذ القاضي الزريقي - رحمه الله - في نقل كلام الإمام في المعنى من أغزر القول قيمة، وأكثر قيمة، قال: ثُمَّ إن الإمام أخذ قيمة، قال: ثُمَّ إن الإمام - أيده الله - قد أفحم القاضي المذكور، والفقيه رجع كل منهما عما اعتقد إلى إصلاح ما أبطل من دينه وفسد(5)، ثُمَّ لاح للإمام أن رجوع القاضي المذكور مداحاه، فما قبلته نفسه الكريمة، فأعاد عليه مراجعة(6) في موقف آخر، وفي حضرته الشريفة جماعة من العلماء الأعيان، وأحب حضورهم ليكونوا شهوداً، فلما راجعه، لاح له بقاء القاضي على تلك العقيدة الرديئة، صارحه الإمام بمر الحق، وسمعه بمنزلته عند الله من الكفر، وأنه لا بد له من الإقلاع، فإن لم يفعل، عامله معاملة المرتدين، وأمر(7) باعتزال الزوجات له، وعدم قربانه المساجد في تلك الحال(8)، وأمهله حتى يراجع نفسه أن يرجع وإلا عومل بالمثل(9)
__________
(1) سقط من (ب): عليه السلام.
(2) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(3) في (ب): صلى الله عليه وعليهم.
(4) في (ب): سبحانه
(5) في (ب): وأفسد.
(6) في (ب): المراجعة.
(7) في (أ): وأمره.
(8) في (أ): في ترك حال.
(9) في (ب): بالقتل.
، ثم إن القاضي المذكور رجع وتاب، واستغفر ربه وأناب، وكتب رسالة صدرها:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الحمد لله الذي جعل الشريعة منهاجاً إلى نيل السعادة الأبدية، فمن تمسك بها استقر على الصراط المستقيم، ومن هزته حوادث الأيام وما يطرأ من الشبه الرديئة /177/، وخاض في بحر الحق لسفن النجاة هداة الأمة المرضية، أولئك آل الرسول الأطهار، غير مغتر بقول كل فرقة غوية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المختص بصفات الكمال، المنزه عن كل نقص في الذات والصفات الأزلية، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالقرآن؛ لإرشاد البريئة صلى الله عليه(1) وآله الأبرار، المنزهين عن نقائص البشرية، وبعد فإن(2) أهم ما يبنى عليه القواعد، تحقيق أحوال العقائد، وتمييز الصحيح منها من الفاسد(3)، وذلك بميزان البرهان عن السنة المرضية، ومحكم القرآن، فمن(4) قال غير ذلك، فهو في مركب الغواية خابط، وعن سماء الدراية ساقط، ?وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?[الأنعام:153]، ثم إن من المنهمكين في الضلال، وادعاء الأحوال من غير صدق(5) وفعل (6) قوم من الصوفية جعلوا الإرادة وسيلة إلى نيل أغراضهم الرديئة، وشبكة يقتضون بها الأموال السنية، ولذلك(7) اتخذوا الحلول المنزه عنه القديم صفة(8) من الصفات، وأضافوا أعمالهم الشنيعة إلى صفة الذات، فوقعوا من الباطل على أعلى مناره ورتعوا في رياض الجهل خاضعين أفواههم من آثاره، ومع ذلك (....).
__________
(1) في (ب) إضافة: وعلى.
(2) في (أ): فإن.
(3) في (ب): والفاسد.
(4) في (ب): لمن.
(5) في (ب): حق، وكتب فوقها صدق.
(6) سقط من (ب): وفعل.
(7) سقط من (ب): ولذلك.
(8) سقط من (ب): صفة.
فلما ملك مولانا الأعظم(1)، الجليل الأكرم، إنسان(2) عين الأئمة الهادين المهتدين، و(3) واسطة عقد الخلفاء المصطفين، مولانا ومالك أمرنا، وخليفة عصرنا، الإمام الأواه، الباذل(4) نفسه من الله المتوكل على الله يحيى(5) شرف الدين بن شمس الدين بن أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وعلى آبائه - بلغه الله ما رجا وأمل، وكفاه كل شر وضير، وجلل (صنعاء)، فنهانا عن ذلك المذهب الرديء بعض نهي، ولم يبالغ في ذلك، ثم(6) لما تحقق فساد ذلك المذهب وخلله، بعد أن نظر في مجمله ومفصله، نظر تدقيق وتحقيق إذا تليت على ما فتح(7) للإمام اعتقاد الحلال والحرام، فنظر في ذلك، فإذا هو مبني على غير قواعد الدين الحنيف، وأسس على أساس من التلبيس والتحريف، نهانا عن الوقوف في الربط على ذلك الأمر، وبين لنا خلل ذلك الأمر، وفساده، ونزوله عن الشريعة المحمدية، وانحطاطه، واحتار(8) في ذلك(9) المقام بعلوم جمة، وأخبار مهمة، كان ينبغي تدوينها لو حصل من أحد الحاضرين همة، لما(10) اشتملت عليه من الفوائد، ثم تركنا ذلك، ومعي في النفس شيء؛ لعدم الاطلاع على ذلك بالكلية، مع ما قد وقع في النفوس من تبيين ما لم يخطر ببال، ولا أبرزه أحد من الرجال، ثم(11) لما كان في شهر جمادى الآخرة من سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، حضر الفقيه حسن المذكور في حضرة الإمام - عليه السلام - فأبان في ذلك لي(12) وللحاضرين في مذهب الصوفية من الخلل ما لا مزيد عليه، ومن الكفر ما لا يقاس به ولا يزاد عليه، وأن بعضهم يدعي أنه متحد بالذات تعالى عن ذلك علوا كبيراً، وبعضهم يدعي أن /178/ الولاية أعظم من النبوءة تجرياً وكفراً،
__________
(1) في (ب): الأمر الإمام الأعظم.
(2) سقط من (ب): إنسان.
(3) سقط من (ب): الواو.
(4) في (ب): البائع.
(5) سقط من (ب): يحيى.
(6) في (ب): و.
(7) في (ب): ما صح.
(8) في (أ): وإحسار.
(9) سقط من (ب): ذلك.
(10) في (ب): بما.
(11) في (ب): و.
(12) في (ب): لي في ذلك.
وقد كنا سمعنا ذلك وأولناه بجهل منا تأويلاً مردود وكلام غير محمود وظنناً أن ذلك يخلصنا عند الله وعند رسوله حتى أبان الإمام وأخبر حفظه الله تعالى أنه لا يقبل الكلام المشتبه ويؤل الأمر الحكيم القادر والنبي المعصوم، واما غيرهما) فلا يقبل منه ذلك ويرد في وجه قائله ما هنالك، وأظهر من (المفاسد و)(1) المعايب والنقائص والمثالب التي هي فسق واضح وكفر صريح لا يقر خاطر مؤمن عليها ولا يرتضيها له مذهباً، وذكر الإمام حفظه الله في مصنفه أثمار الأزهار(2) بلغه الله تمامه من القبائح والشناعة والفضائح ما لا مزيد عليه، ومن أراد أن يقف عليه(3) فلينظر في ذلك المصنف، ولما تيقنت ذلك وتحققته عرفت أني خابط خبط عشواء، وأني في الخطأ والخطل بل الكفر والنفاق والزلل لولا(4) تداركني الله (تعالى)(5) ببركة الإمام حفظه الله ونصره، فنعوذ بالله من خفي الكفر وصريحه وباطنه وظاهره، ولما كانت التوبة تجب ما قبلها وتحرض ما تقدمها اشهدت الله وملائكته ورسله وأنبيائه وأئمة الله ومولانا الإمام نصره الله(6) شرف الدين وكل من بلغه أو سمع ذلك من المسلمين أني أستغفر الله(7) وأتوب إليه من اعتقاد تصويب مذهب الصوفية، ومما تأولت له قبل هذا الموقف وما فعلت(8) ذلك من فعل أو عمل أو اعتقاد أو نية، وذلك كله بجهل مني نادماً على ما فعلت من ذلك مقلع في الحال عازماً على أن لا اعود إلى شيء من ذلك في المأكل(9)، وكفى بالله شهيداً ?وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ?[المائدة:95]، والله خير الشاهدين، ثم إني أرجع وأقول، ولا أحيد عن الحق ولا أحول، وإني أبرأ إلى الله تعالى من أهل الحلول، الذين يقولون إن الله - جل وعلا - يحل في
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): أنهار الأثمار.
(3) في (ب): على ذلك.
(4) في (ب): لولا قد.
(5) غير موجود في (ب).
(6) زيادة في (ب): تعالى.
(7) زيادة في (ب): العظيم.
(8) في (ب): من ذلك.
(9) في (ب): في المآل.
الصور، وكذلك من يعتقد في حق الباري تعالى حقيقة الإتيان والمجي والنزول، أو أنه مستو على العرش كما يستوي الجسم في المكان؛ لأن هذه كلها من صفات الأجسام، قال أمير المؤمنين - كرم الله وجهه-(1): ((الاستواء غير مجهول، والتكييف(2) غير معلوم، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة))، إذ الله تعالى مبرأ عن ذلك، منزه عن السلوك في هذه المسالك، لا يوصف بكيفية، ولا آينية، ولا إحاطة، وكذلك أبرأ من أهل الإباحة والمحرفة والمتظهرين بالنواميس، وكذلك ما ينسب من الشعر إلى عبد القادر الجيلاني فإنه يدل على المعنى القبيح، والكفر الصريح وقد ذكر مولانا الإمام - نصره(3) الله وحفظه - أن عبد القادر منزه عن ذلك، ولا ينسب إليه؛ لأجل منصبه من الشرف، ومحله من العلم، وذلك حقيقة، فإن(4) الكلام المسموع(5) المنسوب إليه ضعيف القواعد، ملحون لحناً فاحشاً، لا يصدر إلا من أضعف الناس، وإنما قيل على لسانه، فإن صح عنه، فهو كفر، وأما ما يترجم عن اعتقادي في الذات والصفات في محل القول لا مفصلة(6)، فهو أني قد علمت وأعتقد أن حقيقة التوحيد العلم بأن الله واحد لا ثاني له يشاركه فيما يجب له من الصفات، ويستحيل عليه منها نفياً وإثباتاً على الحد الذي يستحقه /179/، وأنه شيء لا كالأشياء، لا تشبه ذاته الذوات ولا، صفاته الصفات، منزه عن الجسمية، والعرضية، وتوابعهما من الجهة والمكان والحلول والاجتماع والافتراق وغيرها(7) من صفات الأجسام، وكلما حكاه الفهم، أو تخيله الوهم، فالله(8) سبحانه بخلافه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصل الله على سيدنا محمد وآله وسلم، فلما تم هذا مني، وصدر عني، أمرت بالتوبة جميع من أعرفه إن كان يميل إلى ذلك، أو
__________
(1) في (ب): في الجنة.
(2) في (ب): والكيف
(3) في (ب): وقد ذكر مولانا أيده الله وحفظه..
(4) في (ب): وإن.
(5) سقط من (ب): المسموع.
(6) في (أ): تفضله.
(7) في (أ): وغيرهما.
(8) في (ب): فإن الله.
تخالطنا(1) على ما هنالك، وحقيقة الأمر وبمقتضاه(2)، وعرفتهم بمراد مولانا - حفظه الله تعالى - إذ ليس له مراد إلا هداية الخلق، وتبيين الحق، فتابوا عن ذلك، وأعرضوا عن تلك المسالك، فحصلت التوبة، وتقررت من الجميع، ورجعوا عن ذلك الأمر الشنيع، بعد أن عرفت وتيقنت أن ذلك اليقين(3) والإظهار واجب عليَّ، وأن قبح ذلك، وآثامه تعود إلي، مع أنهم لا يعرفون شيئاً من العقائد التي تؤول بمعتقدها إلى الفاسد لجهلهم، وعدم معرفتهم، وإنما كان يجمعهم الذكر الذي قد علم، فحصل جميع ماطابت به النفس، ولم يبق في قلب أحد منهم زيغ ولا لبس، فالحمد لله على كل حال، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم والشكر(4) لله سبحانه، ثم لمولانا الإمام - نصره الله تعالى على تيسير ذلك الأمر وإظهاره، وتحقيقه لبطلان ذلك الحال وإنكاره - ?رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ?[آل عمران:8] والحمد لله رب العالمين. فلما ظهرت هذه الرسالة، طابت نفس الإمام والعلماء، وحملوه على ظاهرها، وهو الذي يجب، وفي ألفاظها ما يدل على عدم التصنع، ولما فتح الإمام (صعدة)، وجد عند بعض متصوفتها كتاباًً من الفقيه حسن الجدر فيه التحريض له على البقاء على التصوف، وأنه لا يردعه الكلام والزجر من الإمام، فلما رأى الإمام ذلك، همَّ بقتله، فأشار بعض الحاضرين بحبسه(5)، ثم إن الفقيه حسن حلف(6) الأيمان المغلظة أنه قد خرج عن هذا المعتقد سراً وجهراً، وأن الكتاب كان قبل رسالة ابن عطف الله، فقبل الإمام عذره، واستمرت الحال إلى شهر صفر سنة اثنين وأربعين، ثم ظهر منه البقاء على مذهبه المشؤوم، وأنه مسر(7)
__________
(1) في (ب): يخالطنا.
(2) في (ب): ومقتضاه.
(3) في (ب): التبيين.
(4) في (ب): وآله خير آل والشكر .
(5) في (ب) زيادة: فأمر الإمام أبيه شمس الدين بحبسه.
(6) في (ب): حلف بالله بالأيمان.
(7) في (أ): مسير.
للكفر، أمر الإمام بقتله، فقتل في صحوة نهار الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر المذكور بحلقة (صنعاء).
محمد بن عز الدين المفتي
السيد العلامة، محمد بن عز الدين المفتي، جامع الحاشية على (الحاجبية)، - رحمه الله -(1)، قال القاضي أحمد بن صلاح الدواري في صفة السيد: كنت لازمت، وأدركت مولانا السيد المقام العلامة عز الدين(2) محمد بن عز الدين بن صلاح بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد(3) - عليهم السلام - منذ ابتداء طلبي إلى حين وفاته - رحمه الله - وقرأت عليه (الحاجبية) وحاشيته عليها، وبعض (المفصل) وبعض مقدمات (البحر) و(الأزهار)، ثم شرعنا عليه في قراءة كتاب (الأحكام) من (البحر الزخار) إلى أن قطعنا من تمام قراءته عليه عائق الحمام، فالله المستعان، وكان فارس العلوم في كل فن مع حسن تأديبه(4)، وتعليمه، ولطفه، وترغيبه، وتوسعه، وبذله لنفسه لكل طالب وراغب، /180/ فجزاه الله أفضل الجزاء في جنات المأوى.
__________
(1) سقط من (ب): رحمه الله.
(2) سقط من (أ): محمد بن.
(3) في (ب): المؤيد بالله.
(4) في (ب): تأديه.
محمد بن عز الدين المفتي
السيد الإمام العلامة، محمد بن عز الدين المفتي(1) بن محمد بن عز الدين المؤيدي، إمام العلوم المطلق، منتهى المحققين، وبقية(2) المدققين، قرأ على أحمد الضمدي المسمى بالحصب من آل النعمي في الحاجبية، وقرأ (المطول) على العلامة عبد الله المهلا النسائي شيخ العربية وإمامها، وقرأ عليه أكثر (نجم الدين)، وقرأ بعض نجم الدين على السيد علي بن بنت الناصر، وكان هذا السيد علي إماماً علامة، وازر(3) المطهر بن الإمام، وفي أصول الفقه على والده وعلى الفقيه صلاح الشظبي(4)، وفي (الكشاف) على والده، وفي الفروع على صنوه المهدي، وعلى إمام العلم سيد العلماء عبد الله بن أحمد(5) بن الحسين المؤيدي، وقرأ في الحديث على الشيخ الخاص الحنفي، وأجازه فيه وفي غيره، وقرأ على العلامة الصابوني، وعلى العلامة محمد شلبي الرومي، وقرأ (الشمسية) على الشيخ أحمد بن علان البكري المصري، ووالده عز الدين أول من خرج من (صعدة) إلى (صنعاء)، أخرجه الأروام قسراً، بقي في الحبس حتى أخرجه بعد أن أخرج الأمراء أولاد الأمير أحمد بن الحسين بن(6) محمد وأحمد (7) وعبد الله والحسين.
محمد بن علي بن إسماعيل
الفقيه العلامة، العابد الزاهد، أحد العلماء العباد المبرزين، محمد بن علي بن إسماعيل الكتاني، كان مبرزاً، وهو الساعي برأي(8) التأني بين الإمام المهدي (9) والسيد محمد بن إبراهيم بعد أن حصل بينهما التنافر(10)، ثم التناضل، فسعى بينهما المذكور بالصلاح - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): بن المفتي.
(2) في (ب): وفقيه.
(3) في (ب): وزر.
(4) في (ب): وفي أصول الفقه أيضاً عن السيد صلاح بن أحمد الوزير، وعنه أخذ الحديث، وفي الكشاف.
(5) في (أ): الحمد.
(6) سقط من (ب): بن.
(7) في (أ): محمد أحمد.
(8) في (أ): براء التأني.
(9) سقط من (ب): المهدي.
(10) في (أ): التناظر.
محمد بن العفيف
السيد العلامة محمد بن العفيف، عالم كبير، فاضل شهير، ولما مات رثاه المنصور بالله(1) - عليه السلام - فقال:
أقول وأيام الحياة قليلُ ... وقد غالب الأحساب قبل يعولُ
إلا كل حي ما خلا الله هالك ... وليس إلى نيل الخلود سبيلُ
نظل ونمسي والحمام كأنه ... علينا بإتلاف النفوس كفيلُ
إلى أن قال:
سقى جدثاً وارى سواد محمدٍ ... أغر كنصل السيف وهو صقيلُ
ولا زال ريحانٌ ومسكٌ وعنبرٌ ... على القبر تذريه صبا وشمولُ
محمد بن علي المرتضى
السيد محمد بن علي المرتضى. قال السيد أحمد بن عبد الله - رحمه الله - حاكياً عن السيد الهادي - رحمه الله - في - تاريخ السادة-: هو في الفضل والحلم(2) والورع على منهاج آبائه الطاهرين، ولست أذكر إلا دون ما فيه من العلم والفضل والورع والتقوى(3) - رحمه الله - معروفاً بالشارة الطاهرة، والفضل الظاهر، والورع الحاجز، والمروءة الفائضة، والنصرة التامة الحسنة، وعلى الجملة فإنه من أكمل الآباء الطاهرين صلاحاً، وفلاحاً، ونسكاً، ومعرفة، وورعاً، وزهداً، وفضلاً، ومجداً، وغظاً للنظر عن المحارم (4)، وقصراً للجوارح عن المآثم، ونشراً لجلباب الزهادة، وتقمصاً لبرود العبادة، وابتدأ لسربال السماحة، وارتدأ بثياب الرجاحة، حليف العفاف والتقوى، وعدو اتباع الشهوات والأهواء، عرف بذلك من صغره إلى كبره.
__________
(1) سقط من (ب): بالله.
(2) في (ب): والعلم.
(3) في (ب): كان - رحمه الله - معروفاً.
(4) في (ب): وعفا النظر إلى المحارم.
وكان - رحمه الله - تعالى(1) ظاهر الكرامات، واضح العلامات، ومما يحكى من كراماته أنه وصل إلى (ذمار) لزيارة الإمام /181/ الناصر - عليه السلام - ولما دخلها، صادف فيها رجلاً من أهل (جبل كبة) من فضلائهم، دخل متسوقاً، فلما رأى السيد مال قلبه إليه من غير معرفة، فترك شأنه، وأقبل يلازم السيد في مدة إقامته، فظهر له من كراماته، وواضح بركاته، ما أوجب عليه أن رحل معه بأهله إلى (هجرة وقش)، وسكنها إلى الآن، وهو جد الفقيه قاسم البناء، ومما حكاه الفقيه عنه - رضي الله عنه - أنه بلغ معه إلى (يكلا) واشتهى عنباً في زمان شات(2)، فيسر الله سبحانه في ذلك المكان وفي ذلك الزمان ذلك المطلوب، قال: وأكلنا منه حتى قضينا الوطر الكامل، وهو مشهور البركة والفضل، وكان رأيه الكف(3) عن الترضية عن المشائخ حتى إنه كان يأمر باعتزال الصلاة جماعة مع ابن أخيه صلاح بن إبراهيم، ويقول: إنه يرضي عن الصحابة، وإنما اكتفى بهذه الجملة عن التفصيل تعليلاً للتنائي، واستدلالاً باليسير من الثناء.
محمد بن علي بن المنصور
السيد العلامة محمد بن علي بن المنصور بن محمد بن الناصر بن علي بن المهدي. قال في (تاريخ السادة): كان من أهل الفضل والدين، ومن عيون أهل البيت المطهرين، قرأ في اللغة والعربية والفقه والفرائض(4)، انتهى.
محمد بن علي بن ناجي
الفقيه محمد بن علي بن ناجي، عالم كبير مشهور - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) في (أ): شتات.
(3) في (ب): الوقف.
(4) في (ب): والفرائض والفقه.
محمد بن علي بن موسى [195هـ - 220 ه ]
الشريف محمد بن علي بن موسى الرضا، هو أبو جعفر الثاني الملقب بالجواد، وبالتقي أيضاً، وأمه أم ولد يقال لها الخيزران(1) من مولدات المدينة، ولد في النصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، وكان في غاية الفضل، ونهاية النبل، وزوجه المأمون ابنته أم الفضل، وكان الرشيد يجري على موسى بن جعفر في كل سنة ثلاثمائة ألف درهم، وأن له في كل شهر عشرين ألف درهم، فقال المأمون لمحمد بن علي بن موسى: لأزيدنك إلى مرتبة أبيك وجدك، فأجرى له ذلك، ووصله بألف ألف درهم، وتوفي سنة عشرين ومائتين، وقيل: سنة تسع عشرة ومائتين لخمس خلون من ذي الحجة، قال أبو مضر البخاري: سقاه المعتصم السم، ويقال أم الفضل بنت المأمون بأمر(2) أبيها، ودفن - رضي الله عنه - ببغداد في مقابر قريش إلى جنب جده موسى الكاظم، وأما أبوه علي بن موسى الرضا - عليهم السلام - فإنه زوجه المأمون ابنته أم حبيب، فلا يلتبس(3) على الناظر، وعلي بن موسى أمه أم ولد اسمها سلامة بالتخفيف، وقيل: تكتم، وكان أسود اللون، يكنى أبا الحسن، ويلقب الرضا، ولد سنة إحدى وخمسين، وقيل ثلاث وخمسين ومائة، كان من(4) العلم والفضل والزهد والعبادة بحيث لم يكن في عصره مثله، وكان الفضل بن سهل وزير المأمون، قد حض المأمون على أن يبايع علي بن موسى بولاية العهد، وقال له(5): تجمع بهذه البيعة المتفرق، وتؤلف بين القلوب، وتقضي حق آل(6) الرسول صل الله عليه وآله(7) وسلم وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأرسل المأمون رجاء بن(8) الضحاك وباشر الخادم إلى علي بن موسى لأشخاصه محمل مكرماً، ووصل إلى المأمون، والمأمون بـ(مرو)(9)، ولما قرب منه خرج المأمون، فتلقاه، وأكرمه، وحمل بين يديه
__________
(1) في (أ): حيزران.
(2) سقته بأمر أبيها.
(3) في (أ): يلبس.
(4) في (ب): كان من الفضل والعلم.
(5) سقط من (ب): له.
(6) سقط من (ب): آل.
(7) وعلى آله.
(8) في (أ): رجاء الضحاك وباشر خادم.
(9) في (أ): بمرة.
أموالاً، وأنزله بأحسن منزل، وأمر المأمون بخواص الأولياء، فأعلمهم أنه نظر في ولد العباس بن عبد المطلب وولد علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - فلم يجد في وقته أفضل ولا أحق بالأمر من علي بن موسى، فبايع له بولاية العهد، وضرب اسمه على الدراهم والدنانير، وخطب بعض الخطباء على بعض المنابر العباسية، فقال: اللهم /182/ أصلح ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي - عليهم السلام -(1).
ستة أباهم ما هم ... أشرف من يشرب صوب الغمام
__________
(1) سقط من (ب): عليه السلام.
واختار له المأمون لباس الخضرة، وقال: هو لون الجنة، ولباس أهلها، فجعلت الأعلام والألوية خضراً، وكتب بالتخضير إلى الآفاق، وأعطى الجند رزق سنة، وذلك من(1) يوم الاثنين لتسع خلون من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين، فلما عقد المأمون لعلي بن موسى، قلق لذلك العباسيون، فخلعوا المأمون، وعاد المأمون قواد خراسان، والعباس بن المأمون على الخصوص، وعابوا الخضرة، وباعوا السواد، فنادى المأمون عند ذلك بالرحيل إلى (العراق)، وكان الرضا على يقين أن هذا الأمر لا يتم له، ويقال أيضاً: إن المأمون لم يكن مريداً لهذا، وإنما أراده عليه الفضل بن سهل، وروى أبو بكر الصولي عن عبد الله بن أبي سهل بن توتحب أنه قال: والله ما أراد المأمون بما فعل إلا أن يستأنس القوم(2) بعد وحشتهم، فيراهم الناس وقد دخلوا مداخلهم؛ لأن الرشيد أوحشهم في أيامه، فاستخفوا، وكان الناس يتمسحون بهم إذا رأوهم، فإذا رأى الناس من بعضهم ما ينكرون، خف ما كان لهم(3) في قلوبهم، ثم إن الفضل بن سهل قتل(4) غيلة سرحس في الحمام فاستعظم المأمون ذلك، وقتل(5)، فلما صاروا إلى (طوس) متوجهين إلى (العراق)، توفي الإمام علي بن موسى الرضا تعيب، كان قد أكثر منه، ويقال: إنه كان مسموماً، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين، وصلى عليه المأمون، ودفن إلى جنب الرشيد هارون بن محمد، وفي ذلك يقول دعبل بن علي الخزاعي:
قبران في طوس خير الناس كلهمُ ... وقبر شرهمُ هذا من العبرِ
ما ينفع الرجس من قبر الزكي وما ... على الزكي بقبر الرجس من ضررِ
محمد بن علي بن المهدي الجحافي
السيد محمد بن علي بن المهدي الجحافي - رحمه الله - كان عالماً فاضلاً جليلاً، له معرفة في فروع(6) الفقه، تولى القضاء للإمام شرف الدين وأولاده.
__________
(1) في (ب): في.
(2) في (ب): يتأنس الناس.
(3) سقط من (ب): لهم.
(4) في (أ): فاستعظم المأمون ذلك وقتل قتلته.
(5) في (أ): فرع.
(6) في (ب): فروع.
محمد بن علي بن عبد الله بن الهادي [ - 1029 ه ]ت
العلامة محمد بن علي بن عبد الله بن الهادي بن يحيى بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن الإمام يحيى بن حمزة المؤيد بالله، عالم كبير، مات بـ(اللحية)، وكان استأجره الإمام المؤيد بالله لتأدية ما أوصى به الإمام القاسم من الحج، وكانت وفاته في ذي القعدة عام تسع وعشرين وألف بساحل (اللحية) كما ذكرنا.
محمد بن علي بن جعفر الزُّبيري [ - 1079 ه ]
القاضي الزاهد، المجتهد الرئيس، محمد بن علي بن جعفر(1) الزبيري(2) - بضم الزاي - (نسبه إلى قرية ببلاد خولان الشام)(3)، كان عالماً كبيراً وفاضلاً شهيراً، وهو مصنف (مختصر السيرة)، توفي في ثامن عشر شهر رمضان الكريم سنة تسع وسبعين وألف، وقبره بجبل (رازح)، وقبر في قبة بناها إلى جنب القبة التي فيها السادة العلماء بقلعة (غمار)، وأمر ألاَّ تسقف القبة - رضي الله عنه -.
__________
(1) سقط من (ب): ابن جعفر.
(2) في (ب): الرمزي.
(3) سقط من (ب) ماب ين القوسين.
محمد بن علي الشظبي
العلامة الفقيه الفاضل، محمد بن علي الشظبي صاحب (تجريد شرح العمدة)، أمر الإمام المؤيد بالله محمد بن أمير المؤمنين المنصور بالله - عليهما السلام - أن يكتب للشرح ترجمة، قال (تجريد شرح العمدة) مع زيادة تكتب معتمدة مما جمعه الفقيه الفاضل، الأوحد الكامل، العالم العامل، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن مسعود بن علي الحاشدي الشظبي - غفر الله لهم ولجميع المسلمين - و(شرح العمدة) الذي(1) هو تجريده من إملاء الشيخ الإمام العلامة، الحبر القدوة، علم العلماء، وناظورة الفضلاء، بقية المجتهدين جمال الدين(2) محمد بن علي بن وهب القشيري، عرف بابن دقيق العيد /183/، وهذا الشرح(3) هو كتاب (العمدة في الأحكام عن خير الأنام) رسول الله (- صلى الله عليه وآله وسلم -)(4) محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل السلام، جمعه(5) الشيخ الإمام العالم تقي الدين أبي محمد عبد المغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجيلي، وجملة ما في (العمدة) من الأحاديث أربعمائة حديث على حسب ما عده المؤلف، وجميعها مما اتفق عليه الإمامان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج، ذكر ذلك مؤلف (العمدة).
__________
(1) في (ب): هو الذي تجريده.
(2) سقط من (ب): جمال الدين.
(3) في (ب): المشروح (ظ).
(4) سقط من (ب): ما بين القوسين.
(5) في (ب): جمع الشيخ.
محمد بن عليان البحيري
الشيخ(1) محمد بن عليان البحيري، هو شيخ العصابة، الموفق في مراماته ومراميه للإصابة، كان يشبه بأبي السرايا سرى بن منصور الشيباني، ونسبه - رحمه الله - في بني بحير بن(2) أرحب، وكان كما قال السيد العلامة محمد بن عبد الله بن الهادي الوزيري - رحمه الله - من كبار الشيعة، وذوي الجاهات الوسيعة، وكان يخالط الكبراء والأمراء والسلاطين والملوك، ويقدم بنفسه إلى ملوك بني زريع، فأخذ الولاية منهم لحاتم بن أحمد(3) بـ(صنعاء) ومخالفيها، وإنما فعل(4) محمد ذلك لأن حاتماً كان محسناً إلى الشيعة، فلما حصلت الولاية لحاتم، واستوثق له الأمر، قتل محمد بن عليان غيلة بقاع (سهمان)، فغضب الشيعة، واجتمع فريقا(5) الزيدية المخترعة والمطرفية، وقصدوا الإمام أحمد بن سليمان، فبايعوه، وخرج في عسكر ضخم من همدان وغيرهم، فقصد (صنعاء)، وأخرج حاتماً منها(6).
__________
(1) في (ب): الشيخ الأمجد.
(2) في (ب): بني بحير بن صناف بن أرحب.
(3) في (ب): على (صنعاء).
(4) في (ب): وإنما دخل.
(5) سقط من (ب) فريقاً.
(6) في (ب): والوقعة مشهورة، قلت.
قلت: وقد عد من تصدر لرقم أخبار الزيدية ما كان محمد بن عليان عليه من الهمة السامية في إعلاء الشريعة، وإعلانها، وقيامه، وقعوده، وإنضائه الرواحل، وقطعه المراحل إلى أبواب الملوك، ليزيل الأكثر بالأقل كما جرت الشريعة به، وكما هو شرع الأنبياء والمرسلين، (بل لا عبادة لهم حقيقة إلا ذلك، ولو جعلناه مثلباً، لكان إلى الأنبياء والمرسلين)(1) والخلفاء الراشدين أسرع من منحدر السيل - صانهم الله - ولقلنا: كيف رغب، يوسف الصديق فيما رغب ووصف نفسه بالأمانة عند كفار ليلي مصالح الأمة؟ وكان - صلى الله عليه وآله وسلم -(2) يعرض نفسه في المواسم، ويدعو الناس، ولما أمكنته الفرصة، نقب النقباء في أول يوم، والله يقول(3):?أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا?[الفرقان:75- 76] (4)، وهذا طلب للعلو؛ لكنه العلو الديني، وما ينبغي لمسلم أن يحط همته عن هذا العلو، وإنما هذا المسلط رجل من المطرفية، هو مسلم اللحجي هو ابن دانة المنظلب لإعراض أهل الحق، ويضم الدعاة من الأئمة، فضلاً عن محمد بن عليان، وما بغضه للأئمة إلا أنهم كشفوا عن عواره، وأظهروا شيئاً من شناره، ولقد أثنى على الشريف السيد الحسن بن محمد الحسني المعروف بالقاضي بامتناعه عن القيام بعد أن ذكروا أوصافه، وكماله، وجعل مناط المدح امتناع من القيام بالحق، وأرسل لسانه على الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام -(5) لما دخل في الفرض الواجب، ومما ذكره مسلم في
__________
(1) سقط ما بين القوسين من (ب).
(2) في (ب): صلوات الله عليه يعرض نفسه.
(3) في (ب): والله يقول فيمن قال فيهم: ?أُوْلَئِكَ..?.
(4) في (ب): وهذا دليل الرضا عنهم لأوصافهم السابقة التي خاتمتها قوله: ?وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا?[الفرقان:74]، وهذا طلب للعلو.
(5) في (ب): الإمام أحمد بن سليمان لما دخل.
شأن محمد بن عليان قال: رأيت بمسجد آل أبي طاهر بـ(نجران) على أسطوانة منبه(1):
قل لابن عليان دع عنك النواميسا ... فإن ذلك أمر صار(2) مدروسا
إن كان إبليس أغوى الناس كلهم ... فأنت أنت(3) الذي أغويت إبليسا
/184/ قال: فسألت فيمن قيلت؟ فقيل لي: فيه، وسألت من القائل، فقيل رجل من (صنعاء)، وقيل: محمد بن حسن الطير(4) الحضوري، قال: وكان كثير الأهاجي، شاعراً فيها. قلت: يا(5) للعجب، كيف انتصرت بهذا الشاعر المفتون، وسطوت على هذا العرض المصون، لا جرم أن الشعراء(6) يتبعهم الغاوون، وكان مسلم هذا منحرفاً عن العصابة المطهرة عصابة الزيدية حقاً، وكان(7) يزعم أنه هو الزيدي، فإنه اجتمع هو ومحمد بن عليان - رحمه الله - في دار القاضي أبي الخير أحمد بن عبد الله(8) بن أبي يحيى - والد القاضي جعفر رحمه الله - بمدينة (صنعاء) ليلة من الليالي فصلى مسلم العشاء الآخرة ومحمد ينظر صلاته، فلم يَحِدْ عن صلاة الزيدية. قال له محمد: أراك تصلي صلاتنا، قال: ومن أنتم؟ قال: نحن الزيدية، فقال مسلم: يا شيخ يا محمد: نحن الزيدية وكثر من أمثال هذا، وذكر له أن الزيدي حقاً أبوك(9) عليان بن إبراهيم، وذكر صفاته، وسأذكر - إن شاء الله - شيئاً من أخبار والده عليان، فإنه كان رأساً من المطرفية، وإنما احترق عليه مسلم لذلك.
__________
(1) في (ب): فيه.
(2) سقط قد صار من (أ).
(3) سقط من (ب): أنت.
(4) في (ب): الطثير.
(5) في (ب): يا لله العجب.
(6) في (ب): الشعر.
(7) في (ب): وإن كان يزعم.
(8) في (ب): بن عبدالسلام.
(9) في (ب): أبو عليان.
قلت: ومن مناقب محمد بن عليان - رضي الله عنه - نقمة بثأر الشريف الأمير مفخر آل يحيى بن الحسين العالم الشجاع المحسن بن الحسن (فراغ)(1) الرواحي بين (ثلا) و(شبام) ناقماً بثأر الأمير حمزة بن أبي هاشم - رضي الله عنهم - كان قابل(2) محسن المذكور من عيون العترة، وكبار الأسرة.
قال حميد الشهيد - رحمه الله -: ولما وصلت الدعوة(3) دعوة الإمام أبي طالب الأخير - عليه السلام - قام بها أحسن قيام، ونفذت أوامره بـ(صعدة) و(نجران) و(الجوفين) و(مصانع حمير)، انتهى كلام حميد.
قال الأمير الحسين مصنف (الشفاء) في مشجره: إن محسناً سلام الله عليه ملك (ثلا) وغيره من الحصون، وإن أهل (صعدة) قتلوه، وقتلوا ولده غدراً، فقام بثأره السيد الشريف الواصل من (الديلم) من جهة الإمام أبي طالب، وأحرب (صعدة)، وأعانه على ذلك شيخ الشيعة في وقته محمد بن عليان بن سعد البحيري، وأمدهم الأمير غانم بن يحيى بن حمزة السليماني بمال كثير، وقال الشيخ محمد بن عليان شعراً أوله:
تألبت الأوغاد من أهل (صعدة)
__________
(1) سقط من (ب): قابل.
(2) سقط من (ب): الدعوة.
(3) غير موجود في (ب).
قلت: وسنذكره - إن شاء الله تعالى - وذكر الأمير الحسين خارج المشجرات قتل المحسن وولده كان بدرب الحر بـ(صعدة)، فعند ذلك خرجت ابنته إلى (خولان)، فتكفت(1) القبائل، وعاضدها محمد بن عليان، وأمدهم الأمير غانم المذكور بعشرة آلاف دينار، وكتب إليهم يعتذر بأن الخيل لا صبر لها في جهتكم، فعند ذلك اجتمعت القبائل على حرب (صعدة)، وحاصروهم مدة، وضيقوا عليهم حتى انتهى أمرهم إلى أنهم أمنوهم يحيزون(2) أموالهم ثمانية أيام، وقالوا لهم: نحن نرعى لكم حرمة الهادي، وأما خراب (صعدة)، فلا بد منه، واشترط ابن عليان أن يلعب بفرسه في درب العز لمكان قتل حي(3) الأمير المحسن فيه، فلما حيزوا في هذه(4) الأيام، بقي من أموالهم شيء لم يحيزوه، فنهبته القبائل، (وأخربوا (صعدة))(5)، وبالغوا في خراب درب العز(6) حتى لعب محمد بن عليان، وحرقت(7) فيه جواده، وقد كان وعد القبائل بشيء من المال؛ لأنه قد كان أفنى المال الذي أمده الأمير غانم إلا الشيء(8) /185/ القليل، جعل عشيرة(9) كيزان سقوفاً على هيئة الدنانير، وجعل في رأس كل كوز شيئاً من الدنانير التي بقيت عنده، وعدلها لهم عند من ارتضاه من شيوخ القبائل(10)، فلما قضى وطره من خراب (صعدة)، وقتل من قتل منهم، خشي النشبة مع القبائل فيما كان قد وعدهم(11)، فعند ذلك هرب في الليل، واختلف في أمره، فقيل: إنه هرب على جواده حتى وصل (العقرة)، وقيل: بل خرج في(12) هودج على هيئة المرأة، والله أعلم أي ذلك كان.
__________
(1) في (أ): فكفت.
(2) في (أ): يحيزوا.
(3) سقط من (ب): حي.
(4) سقط من (أ): في.
(5) سقط ما بين القوسين من (ب).
(6) في (ب): العر.
(7) في (ب): حرف.
(8) سقط من (ب): إلا الشيء.
(9) في (ب): عشرة كيران.
(10) في (ب) زيادة: وعدهم به فلما.
(11) في (ب): وعدهم به.
(12) في (ب): على.
قال الأمير الحسين بن بدر الدين - عليهما السلام -: ولما كثرت عناية ابن عليان في نصر أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-(1) نحو ما تقدم، ونحو عنايته في اجتماع الشرفاء بـ(مدر) من بلاد (حاشد) في صفر من(2) سنة خمس وأربعين وخمسمائة، فالتقوا(3) وحضر من ذرية علي - عليه السلام - بشر كثير يزيد على ألف(4)، ومن علماء الشيعة وأعيان الشريعة ليتفاوضوا فيمن يحمي الحوزة، واجتمع(5) الرأي على(6) أحمد بن سليمان.
قلت: والقصيدة التي تنسب إلى ابن عليان - رحمه الله - هي(7) منتقة على (ما قاله ابن)(8) حميد - رحمه الله - فإنها تبلغ ثمانين بيتاً، وقد نسبها(9) الأمير الحسين - رحمه الله - إلى محمد بن أحمد الطيش، قال إنه نحلها ابن عليان وأولها:
تألبت الأوغاد من أهل (صعدة) ... لتهدم دين الله في كل وجهةِ
فحل بها أمر من الله واقع ... بما أسلفت من أمرها واستخفتِ(10)
أتاها من المنصور داع فصدقت ... به ثم عنه بعد ذلك صدتِ
فلما رأى منها المحسن ما رأى ... من الفسق ناداها بصوت فصمتِ
وأعلنت الطغيان في الشرب والخنا ... وأضمرت البغضا له وأسرتِ
فدوخ نجراناً ودمر (صعدة) ... وذلَّلها عن الرشد ضلتِ
وأرسل نحوي بعد ذاك كتابه ... يعاتبني فيه ويطلب نصرتِي
فثرت إليه قاصداً نحو (صعدة) ... وعقّدت بالعزم اعتقادي ونيتِي
وسار بسيري عصبة أهل عفة ... وتبعتهم في الدين أعظم تبعةِ
__________
(1) سقط من (ب): وآله وسلم.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (أ): فالقوا.
(4) في (ب): الأكف.
(5) في (ب): فاجتمع.
(6) في (ب): الإمام أحمد.
(7) غير موجود في (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): بينها.
(10) في (أ): واسخفت.
وهذه الأبيات سيارة، ولا حاجة إلى التطويل مع ما عليه من(1) الأحوال من الملل والقصور من الجامع لهذه، ومن أبناء الزمان الذين وقفوا أنفسهم على القصور إلا في مطالب الراحة والدثور، وكان والده عليان بن سعد البحيري(2) حامل لواء المطرفية لقي القاضي إسحاق بن عبد الباعث بـ(شبام)، فتكلما في الخلاف، ومن جملة ما دار بينهما أن أخذ القاضي إسحاق المصحف، فقال لعليان: في هذا القرآن. قال: لا. قال(3)، فما فيه؟ قال دليل القرآن وقيده، فقال له: فقوله تعالى: ?وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ?[الطور:1-2] هذا قسم، قال: نعم، قال: فبِمَ أقسم(4)؟ قال: بالكتاب المسطور. قال: قلت: هو هذا، وأشرت إلى المصحف، فقال: لا، فأمسك عنه القاضي إسحاق، ونقده من حضر، وكان عليان داعية إلى هذا المذهب، وكان متبوعاً انقادت له جماعته، واقتياد(5) الزيدية لأبي الحسين الطبري، ولقد كان السلطان حاتم بن العشم اليامي قلق من جماعة الصلاة ووقار بها بـ(وقش) خلف عليان خوفاً من أن يفتح عليه باب الخلاف في سلطانه، فما سكن روعته إلا قول بعض الناس له: الزيدية لا /186/ ترى الخروج إلا مع إمام، وقد كان لولا هداهم لغزوا عليان ومن معه بـ(وقش) وعليان أول من اتخذ هجرة (الروعة) من حضور الأحبوب، وكان بها هو وولده من بعده، وبنى مسكناً بـ(مسور)، وبنى بناحية حيث المحجر المعروف بمحجر قلد، وبنى بحضور غير هجرة الروعة، وبنى بـ(الأهنوم) وفي أهل بيته فقه وأدب، منهم جشيم - بالجيم بعدها شين معجمة بصفة التصغير - وكلهم من صباب من سفيان بن أرحب، ويقال لهؤلاء البحريين بنو محمد، ومنزلهم الشوابة، وينتسبون من سفيان إلى بني أسد، وكان جشيم شاعراً له نوادر قوية المعاني، وله متحفات، من(6) ذلك أنه اتفق ببعض المتعبدين بغير علم، المتنسكين
__________
(1) سقط من (ب): من.
(2) في (ب): الحميري.
(3) في (ب): قال إسحاق فما.
(4) في (ب): أقسم إليه.
(5) في (أ): وانقياد.
(6) في (ب): فمن ذلك.
بغير بصيرة، وكان ذلك الرجل جميل الحال، وحسن الثياب المعتادة للطاعة نظيفها(1)، كثير الصمت، فما عرف أحد بقدره ومقامه، بل أجلوه لظاهر حاله، فتوسم جشيم أحواله، فظن فيه الجهل، فاعترضه يوماً، فسأله ما يقول: هل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حسني أو حسيني؟ فقال: بل حسني؛ لأنه من عشيرة أم مهدي، يعني من قبيلة المهدي، وهذه أم الطائية، وكان الرجل هذا يعتقد حياة الحسين بن القاسم، فقال: جشيم قصيدة أولها:
الدين ثوب نفيس ليس يبتذلُ(2) ... وليس يلبس ثوب المصطفى السفلُ(3)
ثم قال:
ما لي أرى عرباً بيضا ثيابهمُ ... ومن قلوبهمُ بالميلُ يُكتحلُ
مخلاته من لحاف الصوف مقمعة ... وقلبه من معاني دينه عطلُ
وهي قصيدة(4) طويلة منها:
دين تحمله يحيى وحققه ... أفضت إليه به آثاره الأُوَلُ
ومن شعره:
كفى للعاقلِ الفطنِ اللبيبِ ... بما في الصنع من أمرٍ عجيبِ
وما تأتي المنايا في البرايا ... بأنواع المصائب والخطوبِ
فلو لم تبق(5) في الأيام إلا ... مفارقة الأحبة للحبيبِ
وسكنىً في المرامس(6) وارتحالا ... عن اللذات والمال الرغيبِ
لكان لنا به شغلٌ عظيمٌ ... فكيف بموقف اليوم العصيبِ
عزيزٌ في قبيلته حسيبٌ ... وليس لدى جهنم بالحسيبِ
تراه يقاد(7) مغلولاً ذليلاً ... شديد الوجد ذا قلب(8) كئيبِ
وقد خذلته أسرته ولانت ... قساوته وأعلن بالنحيبِ
وكان إذا التقت غرر المذاكي ... شديد البأس في رهج الحروبِ
يرد الخيل دامية الهوادي ... منفرة الخواصر والثريبِ
تراه يستطيع غداً دفاعاً ... بنصر من(9) قريبٍ أو نسيبِ
__________
(1) في (ب): نظيفها كثيراً كثير الصمت.
(2) في (ب): ليس مبتذل.
(3) في (ب): النفل.
(4) سقط من (ب): قصيده.
(5) في (أ): لم يلق.
(6) في (ب): في المراس وارتحالاً. وفي (أ): في المرامس وارتحلا.
... المرامس: القبور.
(7) في (أ): وجد.
(8) في (ب): قلب.
(9) في (ب): عن قريب.
ألا لا(1) ليس منتفعاً بشيءٍ ... سوى الإيمان والدين الصليبِ(2)
وللإيمان أخلاط كثير ... تحافظ مثل(3) عقار الطبيبِ
ويكفي المرء من أدنى الخطايا ... كما يكفي الذباب من القليبِ
فيا رب(4) البريئة فاعف عني ... بحقك أنت علام الغيوبِ
ففي ذي الدار قد أكملت حظي ... فلا تقطع من الأخرى نصيبِي(5)
/187/ وله قصيدة حسنة الوعظ:
دع الذخر مغرور إن التقى ذخر ... فليس هنا عسر(6) يدوم ولا يسرُ
وما الذخر إلا مسلك الدين والتقى ... فمن لم يسرْ فيه فليس له ذخرُ
ومن لم يَضَعْ قُدَّامَهُ التبرَ جُنةً ... ينجيه لم ينفعه مِنْ خلفهِ التِّبْرُ
ومن رام عزاً بالتكبر لم يكن ... له لَبَثٌ حتى يذلِّلَه الكبرُ
وما كِبْرُ مَن يَبْتَزُّهُ الموت صاغراً ... وما عز ذي عز وآخره القبرُ
سواء عليه يوم يصبح هالكاً ... أعاش بعمرٍ طال أم لم يطل عمرُ
ولا فرق بعد الموت بين مُعَمَّرٍ ... مئين ونفس لم يتم لها شهرُ
وكم غاشم قد أرغم الدهر أنفه ... وذي جدة أبلى شبيبته الدهرُ
وما أطول الدنيا إذا ما جهلتها ... وما أقرب الأخرى إذا اسْتُعْمِلَ الفكرُ
__________
(1) سقط من (ب): لا.
(2) الصليب: الشديد. القاموس المحيط111.
(3) في (ب): من.
(4) في (ب): فيا بارئ.
(5) في (أ): نصيب.
(6) في (أ): عيش.
ومن أهل هذا البيت محمد بن إبراهيم بن السميدع، وهو شاعر مشهور بينه(1) وبين محمد بن أحمد اليامي صنو حاتم بن أحمد مشاعرات، وكان في محمد بعض الاختلال، وبحير - بالباء الموحدة والحاء المهملة - وقد تلتبس هذه النسبة بنسبة بني اليحيري - بالياء المثناة من تحت بعدها الحاء المهملة بعدها ياء - وهم جماعة أجلاء علماء شعراء زهاد، إلا أن جمهورهم مال إلى التطريف، ولم يتميز لي الخالص منهم، مع أنه قد ذكر منهم الخالص(2)، وهذه بدعة التطريف نشأت عام خمسين وأربعمائة، وكادت تعم لو لا تكفل الله، وكفى به أنه(3) لا تزال طائفة على الحق ظاهرين، فكانت في مدتهم المصاولة والمقاولة إلى ثلاث عشرة وستمائة، واضمحل مذهبهم، ?فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ?[الرعد:17] - وتاريخ ابتداء أمرهم وانتهائه نص عليه العلامة عبد الله بن الحسن الدواري - رحمه الله تعالى-(4)، ولمح السيد الحافظ محمد بن إبراهيم إلى بدعتهم هذه مع بدعة الخوارج بقوله:
كم أطرف العقلاء مبدع قولهم ... ومطرف من جنسهم وطريف
كم أطرفوا في الابتداع ذوي النهى ... والظفر نوع منه والتطريف
عنى بقوله(5) طريف بن طريف الخارجي، فحذف ابن، وأقام المضاف إليه مقامه، فهو شبيه ما أنشده العلامة في مفصله:
عشية فر الحارثيون بعد ما ... قضى نحبه في ملتقى القوم هرمز
__________
(1) في (ب): وبينه.
(2) في (ب): الخالص منهم.
(3) في (أ): أن.
(4) سقط من (ب): تعالى.
(5) في (ب): عني به طريف.
أي ابن هرمز، وأراد بمطرف رأس المطرفية الغوية، وهو مطرف بن شهاب بن عمرو بن عمرو بن عباد الشهابي من بني شهاب حيدان من (بلاد القد)(1) من بلاد (خولان قضاعة)، وعلى احتمال وشك يمكن أن يكون عباد بن العمر أحد رؤساء بني شهاب عاصر الرشيد، وحبسه إسحاق العباسي، وتوفي سنة تسعين، وهو عباد بن العمر بن عباد بن مالك بن شهاب الأكبر(2) بن ربيعة بن وهب بن الحارث بن معاوية بن كثيرة، وهو بور بن كندي بن عقير(3) بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد(4) بن كهلان بن سبأ(5) بن شحب بن يعرب بن قحطان، فهو كندي، لكن بنو شهاب هؤلاء سكنوا بـ(خولان قضاعة)، وإلا فبين السنين بون، وقد ذكر السيد الحسن بن يعقوب المعروف بابن الحائك أن عقب عباد المذكور منهم من صار إلى أرض /188/ بني شهاب من حيدان القد، وكان عباد بن العمر من أجلاء العرب بـ(اليمن)، وإليه ينسب ميدان عباد بحقل (صنعاء)، وهو صاحب سقاية عباد بـ(صنعاء)، وكان مطرف هذا رجلاً داهياً صباراً متواضعاً، فانخدع به خلق كثير(6)، وحرصت(7) به خلوق الدولة، وما رأيت لهذه الطائفة وجهاً كثر لها السواد إلا أمرين أحدهما، وهو الأعظم: تركهم للدنيا، وميلهم عن شهواتها، ومعاملتهم لأنفسهم وإخوانهم وجيرانهم بالمعاملة العجيبة من الاحتمال والتواصل والتشافق، كأنهم الجميع إنسان واحد مع ورع شحيح، وعبادة يكل عنها الجليد، أشبه شيئاً بحال الخوارج، مع طهارات وشح في كل شيء، هذا وجه ميل القلوب من(8) العامة إليهم، فإن دنس الدنيا وحبها لا يترك للعالم جمالاً.
__________
(1) في (أ): حيدان بالقد.
(2) في (ب): بن العاقل الأكبر بن ربيعة.
(3) في (ب): عمر.
(4) في (ب): بني زيد بن عريب بن زيد بن كهلان.
(5) في (أ): سيناء.
(6) سقط من (ب): كثير.
(7) في (ب): جر خصب.
(8) في (ب): الميل من.
والوجه الثاني: قرب مقالاتهم من عقول الجهال، فإن دعوا أحداً، ففي الحقيقة ما جاؤوه بغير جهالته، وإن ناظروا العالم الذي يعرف الزائف من المرضي، عقل الجاهل من القبائل ونحوهم مقالة المطرفي ولا يدري ما يلتزم عليها، ولأي شيء يقتضيه الدليل العقلي والنقلي، كقول عليان بن سعد للقاضي إسحاق: هل الله اسم أم مسمى؟ قال القاضي إسحاق: بل اسم، قال: أفنعبد الاسم أم المسمى، قال: اعبد المسمى بالله، قال عليان: أولست بعبد الله، قال: لا، قال: فالمشركون أقرب من الحق منك، قال الله تعالى: ?وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ?[الزخرف:87]، قال: فشنعت العامة على القاضي إسحاق - رحمه الله تعالى-(1)، قلت: وغير بعيد أن يشنعوا لجهالتهم، فإنهم ينظرون إلى ظاهر قوله - رحمه الله - أنا أعبد المسمى، فما أعبد الله أي الاسم، ولفظه كما رأيت معناه ظاهر(2)، فقعقع عليان بالآية، وهذا من المغالطة بمكان، وإذا كان السامع بصيراً، عرف الحكم إلى أين توجه النفي في كلام القاضي إسحاق، وعلاف أنه قد لزم عليان ثبوت قدماء مع الله، فإن مقالته التي هي المناظرة صادرة عنها أن لله أربعين اسماً قديمة؛ لأنها هي المسمى، فتدبر هذه النكتة، وهي حسبك، والعوام أصدق وصف لهم قول الله الصادق سبحانه: ?إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ(3)?[الفرقان:44]، وقد كان الشيخ إبراهيم بن(4) الهيثم يروي عن مطرف أنه كان يقول في انخداع العامة لو جاء رجل يدعي أن الشمس طلعت من الغرب ما غابت(5) ذلك اليوم إلا وله أتباع، والله حسبنا وكفى. وأما اليحيويون - بالياء المثناة التحتية أول الحروف - فنسبهم في حمير في بجير من آل ذي رعين، وأصل وطنهم بيت رحال من ناحية (المعلل) من أرض (بني شهاب)، وهم(6)
__________
(1) سقط من (ب): تعالى.
(2) في (ب): ظاهر أعبد الله.
(3) سقط من (ب): بل هم أضل.
(4) في (ب): بن أبي الهيثم.
(5) في (ب): غابت الشمس ذلك.
(6) في (ب): وهم جماعة أجلاء.
أجلاء علماء، بحار متكلمون، نحاة لغويون، يعرفون الهندسيات والاقليدسات وأنواع العلوم الإسلامية، ولهم في النظم والنثر كل سابقة أولى، وكل منهم أعلى، فمنهم الثلاثة الأخوة يحيى والحسن والحسين بنو عبد الله بن أحمد بن محمد بن يوسف بن شعثم البجيري المشمري، وفيهم المتقدم الزمان كيحيى والمتأخر العمر كالحسين وللحسين ولد علامة بارع في فنون الأدب مفخراً لأهل (اليمن) اسمه يحيى بن الحسين بن عبد الله بن أحمد، وهو شارح (المكنون) كتاب القاسم بن /189/ إبراهيم - عليهم السلام - وفاته سابع شهر رمضان الكريم سنة سبع وسبعين وخمسمائة(1).
قال بعض السادة آل الوزير: غالب الظن أنهم في نيف وعشرين وخمسمائة(2)، وليحيى بن عبد الله أكبر الثلاثة الإخوة ولد اسمه سليمان بن يحيى بن عبد الله علامة شهير، فصيح بليغ، أنشد له ابن عمه وهو يحيى بن الحسين بن عبد الله في شرحه على (المكنون).
إذا ما كنت تحصد(3) قول حتى ... حصدت بغير شك قول ليتِ
ومطلب العلوم بغير شيخ ... كمطلب الطعان على كعيتِ
فلا تغبط أخا عمر طويل ... يضيع العمر في خل وزيتِ
ومن يجهل شيات الدهر(4) يوماً ... فلا يسأله عن لون الكميتِ
مضت أعمارنا في غير شيء ... وأكثر جلنا حي كميتِ(5)
عجبت لمن تضيق به قصورٌ ... ويرضى حفرة بدلاً ببيتِ(6)
__________
(1) في (ب) زيادة: سنة والإخوة المبقية قال.
(2) زيادة في (ب): سنة.
(3) في (ب): تحصد، وجاء فوقها كلمة تزرع.
(4) في (ب): الدهم.
(5) في (ب): مضت أعمارنا في غير شيء ويرضى حفرة بدلاً ببيت.
(6) سقط هذا البيت من (ب).
محمد بن عيسى العراقي
العلامة محمد بن عيسى العراقي(1) القادم من (الجيل والديلم)، كان عالماً فاضلاً، كاملاً محققاً عارفاً، محل كلام المؤخرات من الكتب، مطلعاً على جنايا بسائطها، قدم (اليمن)، وكان يرى رأي المؤيد بالله - عليه السلام - ووفوده في الكسور بعد خمسمائة من الهجرة، ولما وفد تقدم إلى (وقش) وهي يومئذ مملوءه بالتطريف، فقامت سوق الحق معه، وتنبه الناس، وقد كان وقع بين القوم شقاق وخلاف بعد أن قدم (شرح التجريد) و(شرح التحرير) ونحوهما من التعاليق، فتكلم في معانيها على وفق الصواب الفقيه أبو السعود بن المنصور أبي ثور الأبهري الخنيص من حمير من آل ذي بهر من ولد أبي نصر الخنيصي محمد بن سعيد البسامة شيخ الهمداني صاحب (الإكليل)، فأجاد وأحسن، ونبت أفهام الجماعة عن معاني الكتب، فنافروا(2) الشيخ أبا السعود، فلما قدم محمد بن عيسى حل الكتب المذكورة بما حلها علماء (العراق) الذين يعتمد عليهم، فاتصل به أبو السعود وزادت نفرة المطرفية عنه، وأشاعه(3) عنه الخلاف، فلزم الجدال في بعض المسائل لهم، وأضرب عن بعض(4)، فلما ظهرت له كراهتهم فلزم منزله، ثم صار بعد ذلك إلى هجرة (الهراثم) من بلاد (وادعة) وإلى بعض بلاد (الأهنوم)، ثم زعموا أنه أقرأ الناس أصول المطرفية، ومن عجيب أخبارأبي السعود بن أبي ثور(5) أنه وفد على قاضي بالبون من آل أبي ثوير - بالتصغير - يقضي بغير علم، بل لكونه من بيت علم، فخطأه ابن أبي ثور، فقال: يخطئني وأنا ابن الثوير، فكادت حفائظ(6) للعامة تغضب معه، فقال(7): لا بأس، أنت ابن الثوير الصغير، وأنا ابن الثور الكبير، فضحك الحاضرون، وذكر لي هذا ما اتفق للقاضي عبد الله الثور الصنعاني في أيام(8) المؤيد بالله محمد بن
__________
(1) سقط من (ب): العراقي.
(2) في (أ): ونافروا.
(3) في (ب): وأشاعت.
(4) في (ب): عن بعضها.
(5) في (ب): بور، (ظ).
(6) في (ب): حفائظاً.
(7) في (أ): فقال أبو السعود: ولا بأس.
(8) في (ب): أيام الإمام.
القاسم عليهما(1) السلام، فإنه نزل إلى بيت الفقيه بن عجيل عن أمر الإمام أو أحد قرابته(2)، فاتفق بينه وبين عبد الله بن عجيل من أولاد أحمد بن عجيل العارف الكبير، فقال ابن عجيل: إنما أنت ثور، قال: نعم، وأنت عجيل، أو ما هذا معناه.
محمد بن أبي الفتح
محمد بن (أبي)(3) الفتح بن يوسف علامة خطير وإمام كبير من أعمدة الزيدية /190/ وأساطين الشريعة المحمدية، قرأ على المرتضى لدين الله محمد بن يحيى، وكان يعد من أصحابه، قرأ عليه الأحكام للهادي - عليه السلام - وكتاب التوحيد المعروف بالمسترشد، وهو من أجل الكتب، وقرأ على أبي جعفر محمد بن سليمان الكوفي في الحديث، ولم يؤثر عنه إلا الصالحات، وما يدل على مكانته في الفضل(4) والعلم والرغبة في طلب العلم وإيثار الخير وأهله، وقرأ عليه الحسن الضمري(5).
محمد بن الفرات الحزمي
محمد بن الفرات الحزمي(6)، كان محدثاً فاضلاً، وهو ممن أخذ عن الإمام الأعظم زيد بن علي عليه(7) السلام، ذكره الشيخ العالم ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله -.
محمد بن محمد بن الحسين
الشريف الكبير محمد بن محمد بن الحسين عالم كبير، وهو من أعيان المائة الرابعة، ومما كتبه إليه الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم مجيباً له ما نصه: ويجب على المؤمن أن يكون مجتهداً في الإحسان رحيماً شفيقاً على جميع الحيوان، ولقد بلغنا عن الإمام التقوي(8) النقي البر الطاهر الزكي الهادي المهدي(9) الليث الكمي والبطل الحمي زيد بن علي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين أنه كان يتكرم بإكرام الكلاب وغيرها من الحيوانات والدواب.
__________
(1) في (ب): عليه.
(2) في (أ): أو أحد من قراباته.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): في العلم والفضل والرعية.
(5) في (ب): الصهري.
(6) في (ب): الحربي.
(7) في (ب): عليهما.
(8) في (أ): النهي.
(9) في (ب): المهتدي.
محمد بن المحسن بن يحيى
السيد العلامة محمد بن المحسن بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن الإمام المعتضد بالله عبد الله بن الإمام المنصور بالله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق، هو(1) المذكور في باب الوضوء فيما يجب غسله من الفرج، وأنه لا يتعدى ثقب الذكر وحلقة الدبر.
محمد بن المرتضى
محمد بن المرتضى. قال السيد العلامة الهادي بن إبراهيم: كان - رحمه الله - سيداً فاضلاً عالماً ورعاً زاهداً بارعاً في علمه وخطابته وكتابته، حاز العلم والعمل، وظفر من سؤله في العلوم بمنتهى الأمل، واشتغل بطلابه وقطع عمره في اكتسابه وتغرب وارتحل وحسنت فائدته في طلب العلوم، وظفر منها بالمسموع والمفهوم وما زال ذلك ديدنه حتى شاخ وهو في حال شيخوخته أحرص في طلبه وأنشط من الشباب، وكان مع هذا بالغاً في العبادة مبلغاً فاق على أهل زمانه وجميع أخوانه وأقرانه حتى رمقته العيون، وبلغ أقصى المبالغ في جميع الفنون وصلح للزعامة وأشير إليه بالإمامة، واتصل بالإمامة محمد بن المطهر - عليه السلام - وكان ملازماً له اشد الملازمة، وأخذ عنه وحصل واستفاد كل الفائدة لعظم رغبته في العلم واقتناص شوارده واكتناز فوائده والتزين بمحاسن فوائده، ولما يرفع وعلى ذكره وارتفع ملك(2) الإمام المهدي محمد بن المطهر - عليه السلام - (صنعاء)، وثبت فيها يده أمر بقوانين تعود مصلحتها على المجاهدين، فوقع في نفوس العلماء بعض الارتياب وأحبوا سؤال الإمام عن وجه ذلك فتولى السيد محمد بن المرتضى السؤال وأجابه الإمام - عليه السلام - باحسن جواب وأكمله وأتمه، وفي السؤال والجواب مسائل عظيمة وفوائد جليلة، وكان له نصرة للإمام المهدي بيده ولسانه، وكان رابط الجأش، له شجاعة وبسالة عظيمة، وكان جيد /191/ الصنعة في الرمي والاتقان له لا يكاد يخطي ما قصد رميه، ولما حط الإمام - عليه
__________
(1) في (ب): وهو.
(2) في (ب): وملكه.
السلام - على قرن عنتر ويعرف الآن بـ(ظفار)، وهو فوق بيت محفد، وهو للسلطان المؤيد أو(1) المجاهد، وكان فيه قدر مائتي رجل، فلما طال الحصار وقع في بعض الأيام قتال كثير عظيم، وعجز الناس لشدة الحرس، وكان على باب الحصن رجل من أشد الناس بأساً وهو الذي دفع جند الإمام - عليه السلام - فقال السيد محمد بن المرتضى للإمام - عليه السلام -: أنا أكفيكم أمره إن شاء الله تعالى(2)، فرماه فأصماه وحصل الفتح بذلك السبب، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين وستمائة، وقتل الإمام في ذلك اليوم نحواً من مائة رجل ممن بالحصن، وأمر السيد يوماً بموضع مخافة بين يسار ومجنب يقال له (عرعرين المراصب)(3)، ففاجأه الدعار، فرمى أحدهم بسهم شواه(4)، فرأوا له رمياً منكراً وأيقنوا بالهلاك، فوادعوه واعتذروا إليه، وكان ناقلاً للكتاب العزيز، وآثاره(5) الصالحة تدل على ذلك،
إن أثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
وكان بليغاً خطيباً مصقعاً، وله نسخة الكشاف التي نسخها لنفسه، وهي نسخة سماعة على حي الإمام محمد بن المطهر - عليه السلام - وعليها من حواشي الإمام المنسوبة إليه التي أخذها عن محمد بن عبد الله الغزالي(6) الكوفي شيخ الإمام، توفي في السنة التي توفي فيها والده المرتضى بن مفضل، وعاش تقريباً نحواً من الستين أو فوقها بيسير.
محمد بن المطهر بن علي
محمد بن المطهر بن علي، بلغ في العلم مبلغاً لا يلحق أهل زمانه، يصلح للإمامة العظمى، وأمه مليكة بنت القاسم العياني.
محمد بن مفضل بن علي
محمد بن مفضل(7) بن علي (بن علي)(8) بن العفيف، وهو الأمير المنتصر بالله.
__________
(1) في (ب): و.
(2) في (ب): إن شاء الله، ثم رماه.
(3) في (ب): عريرير.
(4) في (ب): أشواه.
(5) في (ب): وإثارة الحرب.
(6) في (ب): الغزال.
(7) في (ب): المفضل.
(8) غير موجود في (ب).
قال في تاريخ السادة آل الوزير: كان من أهل التقدم والسبق في مدارج الكمال، خطيراً عالماً فاضلاً مشتهر الذكر، منتشر الصيت، حجة عند الأنام، وشفاء من الضمأ(1) والأوام، مجاب الدعوة مسموع الكلمة، عظيم الجاه، علمه نافع ومعروفه واسع، قام محتسباً بالله لما طلعت دولة الأتراك واتسع نطاقها، وذلك في زمن طغتكين ابن أيوب المعروف بسيف الإسلام، وأيام أبيه المعز سيف الإسلام، فجاهد في الله حق جهاده وبذل جهده(2) وفعل جهده وشن الغارات عليهم من أطراف البلاد، وأقام في بيت بوس، وهو بالقرب من (صنعاء) حصن حصين، قد يقيم به من أراد حرب من بـ(صنعاء) من السلاطين، وقد أقام به الناصر أحمد بن يحي - عليهما السلام - وأحمد بن سليمان(3) وحبس به المرتضى بن الهادي عليهم(4) السلام، وأقام غير هؤلاء من الأئمة المتقدمين والمتأخرين، ولم يزل الأمير المنتصر بالله بحرب الغز من هذا الحصن ومن غيره إلى ان قام الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليهما السلام - وقد ذكر الأمير المنتصر بالله وحربه للغز جماعة، منهم محمد بن أحمد بن الوليد، وهو شيخ الإمام المنصور بالله (- عليه السلام -)(5)، وتلميذ الإمام أحمد /192/ بن سليمان - عليهما السلام - ذكر ذلك من حال(6) المنتصر بالله في سيرته التي سيرها للإمام المنصور بالله - عليها السلام - وهي سيرة لطيفة، وكان سببها أن الإمام المنصور بالله - عليه السلام - لما أجاب رسالة ابن أبي القبائل التي ذكر فيها خلفاء بني العباس واحداً فواحداً أجابها الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في كتابه الشافي، وذكر أهل البيت واحداً فواحداً على حسبما ذكره ابن أبي القبائل، كل إمام في مقابله من عاصر من الخلفاء، وترك بقية فقال الشيخ محمد بن أحمد بن
__________
(1) في (ب): من الضنا والأسقام.
(2) في (ب): جهاده.
(3) في (ب): - عليهما السلام -.
(4) في (ب): عليهما.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): من حال الأمير المنتصر.
الوليد - رضي الله عنه - هذه السيرة الشريفة لتخفيه(1) - عليه السلام - بمن ذكر من الأئمة - عليهم السلام - وكذا حرب الأمير المنتصر بالله للترك أبو فراس بن دغثم بن أبي عمر(2) الصنعاني، وهم بيت كبير في (صنعاء)، فيهم علماء وفصحاء وشعراء، وهم من بني تميم من أولاد أبي بكر المقري، ويحكى عن الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن احمد بن الوليد في ذلك(3) كرامات المنصور بالله - عليه السلام - أنه كان يرى منامات تشعر بقائم حق من أهل البيت - عليهم السلام - ينابذ(4) الغز.
__________
(1) في (ب): لتلخيصه.
(2) في (ب): عمرو.
(3) في (ب): في ذكر كرامات الإمام المنصور.
(4) في (ب): منابذ.
قال الفقيه: فكنت لا أشك أن ذلك هو الأمير المنتصر بالله؛ لأنه في ذلك الوقت هو القائم من أهل اليبت - عليهم السلام - بقتال الغز، وعلي بن نشوان في سيرته لا يقول على ذلك؛ لأن للإمام المنصور بالله - عليه السلام - ثلاث سير، وهي هذه المذكورة، ولما قام(1) الإمام عبد الله بن حمزة - عليه السلام - كان الأمير المنتصر (بالله)(2) من أعضاده وأعوانه، ومن أجل سادات أهل زمانه وإن شئت تنظر إلى فضله، فطالع سيرة المنصور بالله تجدها مشحونة مرصعة بذكره معطرة بوصفه ومقلده فرائد المحاسن من فضله ونعته ونصرته للإمام المنصور بالله - عليه السلام - ظاهرة بعساكر معقودة وجنود موفرة محشودة، وجد وعزم ماض، وكان الناس طوع أمره، (و)(3)باقون على موالاته وامتثال أمره، وأشار أنه لما كان عليه من الاحتساب والاشتغال بالجهاد وجمع العساكر وتجنيد الأجناد، وكان من العلماء الأعلام الذين بايعوا المنتصر بالله الأمير أبو الفتح بن محمد العباسي، والفقيه العلامة علي بن يحيى بن عبد الله البحتري الواقف للجربة التي تسمى مهرة من مزارع وقش، والشيخ ناصر بن علي القرشي(4) والسلطان محمد بن إسماعيل الشهابي وأحمد بن محمد بن مداعس الحسني، ولم يزل المنتصر بالله (للإمام المنصور بالله)(5) حساماً قاطعاً ونوراً ساطعاً يعاضد به في المعضلات، ويتنور به في المشكلات، انتهى.
__________
(1) في (ب): ولما قام المنصور بالله.
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): القرصي.
(5) سقط من (ب).
قلت: من جملة أخبار الأمير المنتصر بالله الغزاة إلى العمد أظنها من بلاد المغرب، فإنه الذي ضرب (الأجل)(1) الملقى، وأحصل بالناس وقفل الجند من حضرته بغنائم واسعة، وكان مقصد الأمير بقاء الجند عنده، وأن يلحق الغز تهامة(2)، فكتب إلى الإمام - عليه السلام - فحقق له الأخبار وما فتح الله من النصر ببركته واضطربت تهامة لهيبة الإمام ونصيحة الأمير، وفي صدر كتاب الأمير شعراً
عليك سلام الله يا نجل حمزة ... ويا ابن رسول الله وابن الأئمة
كتبت على بعد المزار الوكد(3) ... تعبر عن فتح قريب ونصرة /193/
أعرب(4) وقد جمعت شملاً مشتتاً ... فما رحب إلا (فراغ) بشمل مشتت
أتت نحونا سنحان تطلب غارة ... وقد (فراغ).
فسرت أمام القوم لله طاعة ... بفصال صدق من قبلي وأخوتي
فبات لنا من (فراغ) الليل ليلة ... تخوض سهاماً مرة بعد مرة
فلما أتتنا ساعة العمد التي ... بها يكفر الرحمن في كل خيمة(5)
فكل له هم فأخذ(6) غنيمة ... وهمي رؤس المفسدين غنيمتي
(فرغ) (7)
فإن يرسم المولى وصول ... (فراغ) (8)
وفي طاعة الله الكريم وطاعة ... الإمام أصالي كل جهد بمهجتي
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): بتهامة.
(3) في (ب): الوكةً.
(4) في (ب): أعرت.
(5) في (ب): ختمتي.
(6) في (ب): بأخذ.
(7) في (ب):
فإن لم تقولوا إنني ابن حمزة
أمد عفتي في رضاك قبيلتي
ولقد طالعني في رضاك بهامتي
وكأسي في الصلح أساح المتي
ولكنها خيل الإمام وجنده
أفادت قليلاً من ظهيع وقلت
ولو صيرت نالت غنائم جمة
تضيق بها الآفاق من كل وجهة
(8) في (ب): فإن يرسم المولى وصولاً وصلته بحبل فأأروى عروة بعد عروة
محمد بن موسى بن داود
الشريف الأجل محمد بن موسى بن داود بن علي بن حمزة بن أبي هاشم، رفيع الرتبة والمنزلة راوي لمجد آل محمد بسلسلة الإسناد المتصل(1)، ومن كلامه وحمزة(2) بن سليمان بن علي - عليهم السلام - كان حمزة بن سليمان - رحمه الله - رجلاً فاضلاً عالماً ورعاً تقياً خائفاً لله سبحانه، فربى أولاده أحسن تربية وهذبهم، فما أفصحوا إلا بذكر الله تعالى والتعظيم له والتكبير والتسبيح والتهليل.
محمد بن منصور المقري المرادي
شيخ العترة والشيعة عذب الشريعة لمن أراد، بحر الشريعة محمد بن منصور المقري المرادي، كان الأئمة في زمنه يجلونه إجلال الأب الكريم، وهو ينزلهم في منزلهم(3) الشريف العظيم، وكان شيخاً معمراً، قد ذكر في عمره بخط بعض الطلبة كلام لم يقف عندي، فأنقله وهو الذي جمع أمالي أحمد بن عيسى، وهو أحد(4) الأربعة الذين أعتمد عليهم في الجامع الكافي؛ لأن مؤلف الجامع الكافي هو(5) صاحب المقنع، وهو الذي قال الذهبي فيه: الإمام المحدث الثقة العالم مسند (الكوفة) أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي، جمع كتاباً فيه علم الأئمة بـ(العراق)، فاجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره.
__________
(1) في (ب): المتصلة.
(2) في (ب): في حمزة.
(3) في (ب): منزلتهم.
(4) في (ب): الأئمة الأربعة.
(5) في (ب): وهو.
وقال السيد محمد بن إبراهيم: هو ستة مجلدة، (و)(1) شملت من الأحاديث والآثار وأقوال الصحابة والتابعين، و(مذهب)(2) العترة الطاهرين ما لم يجتمع في غيره، واعتمد فيه على ذكر القاسم بن إبراهيم عالم آل محمد وأحمد بن عيسى فقيههم، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، وهو في الشهرة بـ(الكوفة) في العترة كأبي حنيفة في فقهائها، ومذهب محمد بن منصور علامة (العراق) وإمام الشيعة بالاتفاق، وإنما خص صاحب الجامع(3) ذكر مذاهب هؤلاء، قال: لأنه رأي الزيدية بـ(العراق) يقولون(4) على مذاهبهم، وذكر أنه جمعه من نيف وثلاثين مصنفاً من مصنفات محمد بن منصور، وذكر في خطبة المقنع إنما أطلقه فيه، فهو مذهب محمد بن منصور.
قال المقرائي في شرح خطبة الفتح: إن محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح صحب محمد بن منصور /194/ المرادي خمساً وعشرين سنة، والله أعلم.
قال السيد (العلامة)(5) السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد - عليه السلام - لمحمد بن منصور تفسير.
قلت: وذكر بعض شيوخنا - رضي الله عنهم -(6) لمحمد بن منصور كتاب التفسير الكبير وكتاب التفسير الصغير وكتاب أحمد بن عيسى عليه(7) السلام، لعله يريد الأمالي وسيرة الأئمة العادلة، وكتاب رسالته بخراسان، وبعض إلى الحسن بن زيد بـ(طبرستان).
محمد بن وهاس الحمزي
الأمير الكبير العالم النحرير محمد بن وهاس الحمزي صنو الحسن بن وهاس الذي عارض الإمام (الشهيد)(8) أحمد بن الحسين - عليه السلام -.
محمد بن الوقار
العلامة محمد بن الوقار
(فراغ)(9)
محمد بن ناصر
(الشريف)(10) محمد بن ناصر(11)، كان عالماً فطناً كامل الصفات أميراً خطيراً.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): الجامع الكافي.
(4) في (ب): يعولون.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): عنه أن.
(7) في (ب): عليهما.
(8) غير موجود في (ب).
(9) فراغ في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): الناصر.
قال السيد (الإمام)(1) صارم الدين إبراهيم بن يحيى بن الحسين بن حمزة بن(2) هاشم: كان الشريف محمد بن الناصر راجح العقل كثير الفطنة والعلم، فصيح اللسان، شديد الورع.
قلت: وكان كثير الاختصاص بالإمام المنصور بالله - عليه السلام - رواية لأحواله الخاصة من علمه وعمله أعاد الله من بركاتهم(3)، والسيد إبراهيم المذكور (قد)(4) سبق اسمه(5) فيمن اسمه إبراهيم.
محمد بن الناصر بن أحمد
السيد(6) العالم محمد بن الناصر بن أحمد بن المطهر بن أحمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، كان عالماً فاضلاً، وهو والد الإمام المنصور بالله الناصر بن محمد.
محمد بن ناصر بن دغيش
القاضي العلامة المحقق محمد بن ناصر بن دغيش العيشمي(7) - رحمه الله - قرأ على القاضي عامر بن محمد الصباحي ورحل إليه إلى عاشر مسكن القاضي - رحمه الله - وكان أحد رواة أخباره رحمهما(8) الله تعالى.
محمد بن نشوان بن سعيد
القاضي الكبير العلامة الصدر النحرير إمام العلوم الإسلامية وحافظها محمد بن نشوان بن سعيد (بن سعد)(9) بن أبي حمير بن عبيد بن القاسم بن عبد الرحمن الحميري - رحمه الله - كان بحراً من البحار، ذكره الشيخ ابن(10) العسقلاني في معرض كتب اللغة، ونقل عنه، وذكره الجلال الأسيوطي(11) وغيرهما.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): بن أبي هاشم.
(3) في (ب): بركتهم.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): ذكره.
(6) في (ب): الأمير العالم.
(7) في (ب): الغشمي.
(8) في (ب): - رحمه الله -.
(9) في (ب): بن سعيد.
(10) في (ب): ابن حجر العسقلاني.
(11) في (ب): السيوطي.
قال صنوه العلامة علي بن نشوان: هو رجل غزير العلم والمعرفة، جم الحفظ في جميع العلوم والفنون، معروف بالديانة والورع والأمانة، ولاه (الإمام)(1) المنصور بالله عبد الله بن حمزة (- عليهما السلام -)(2) القضاء وإقامة الجمعة في مغارب خولان ونواحي القد اليماني وحيدان وبرط(3) ومران وما يوالي تلك الجهات من النواحي والبلدان، وولاه على قبض الحقوق منها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الوزن والكيل بالقسط ونفي الجور، فقام في ذلك أحسن قيام.
قلت: وله في اللغة (ضيم(4) الحلوم مختصر شمس العلوم) تأليف والده نشوان بن سعيد، وكان(5) وفادته إلى المنصور بالله - عليه السلام - إلى حصن كوكبان، ولم يكن عرفه من قبل وإنما بايعه للإمام (الأمير)(6) الخطير شمس الدين يحيى بن أحمد، وقرت عين القاضي بإمامته بعد أن باحث(7) في دقائق العلوم وجلائلها، ولما أراد توديعه في شهر رمضان سنة أربع وسبعين(8) وخمسمائة ودعه بهذه الأبيات:
يا سيداً سبق السادات كلهم ... إلى مدى بالغ في المجد والجود
وعالماً (فراغ) (9) أهل العلم إن له ... من ربه لطف توفيق وتسديد/195/
وقائماً مكن الرحمن وطأته ... على البريئة من بيض(10) ومن سود
الله أتاك ما لم يؤته أحداً ... من الأئمة من نصر وتأييد
أجابك الناس من شام ومن يمن ... ملقين في كل أمر بالمقاليد
جرت على حكمك الأملاك مهطعة ... إليك وانقادت الجراد(11) في البيد
مارمت (ثغر)(12) مدخل ثغر للعداء ظفرت ... منه يداك بباب غير مسدود
حمداً لمن طهَّر الدنيا ونورها ... بنور وجه جميل منك مسعود
بدأ فابدأ رياض الحق مؤنقة ... بالعدل مفترة مخضرة العود
__________
(1) سقط من (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وفوط وبلد مران.
(4) في (ب): ضياء.
(5) في (ب): وكانت.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): باحثه.
(8) في (ب): وتسعين.
(9) . في (ب): ند.
(10) في (ب): أبيض.
(11) في (ب): الجراب.
(12) غير موجود في (ب).
أنت الإمام الذي أحيى الهدى ورعاً ... سرح المعالي برفد منه مرفود
أنت الذي لم يكدر صفو نعمته ... من ولا شأنها خلف المواعيد
يا أيها الناس قد نادى إمامكم ... فاسعوا إليه بتشمير وتجريد
عبد الإله الذي جاد الإله له(1) ... فشد ما كان منا غير مشدود
إن ابن حمزة مذ نيطت تمائمه ... أحيى الذي مات من إبائه الصيد
آل النبي وأبناء الوصي ومن ... لهم على الناس فضل غير مجحود
لهم مناقب من عين ومن أثر ... تجل في الوصف أن تحصى بتعديد
هذا الإمام الذي كنا نأمله(2) ... وكان يروى بتصحيح الأسانيد
فالحمد لله (أعطانا)(3) إرادتنا ... فيه وقربها من غير تبعيد
قد اختبرناه خير(4) العارفين له ... حق اليقين ولم نقنع بتقليد
فكان الخبر أو فأمنه(5) في خبر ... مستحسن كنسيم(6) المسك محمود
جئنا إليه فأولانا الجميل ولم ... يرضى القليل ولم يبخل بموجود
يا من يعز عليّ البعد عنه ومن ... أعد طاعته نسكاً لمعبودي
نفسي فداؤك والأقوام كلهم ... من المكاره لو أن امراء فودي
ولو تخلد في الدنيا أخو كرم ... لكنت أجدر(7) من يحظى بتخليد
آن الرحيل وصبري اليوم عيل فجد ... بحسن فسيح وجود منك معهود
لولا الشواغل لم أسمح ببعدك في ... قيد من القبر بل بعض من القيد
ما هاج قلبي أولاد ولا وطن ... ولا أشتياق إلى البيض الأماليد
لكن شواغل دهر ما علقت به ... من غيرها عادني من همها عنيدي(8)
قلت: أذكر في شعره هذا ما كتبه القاضي النحوي علي بن سليمان الحيدرة الناظم عقيب شهر رمضان المذكور في شوال(9) من السنة المذكورة بكوكبان إلى الإمام في معنى الوداع للإمام(10):
دنت رحلة والبين مركبه وعر ... فبين ظلوعي من فراقكم جمر
__________
(1) في (ب): به.
(2) في (ب): نؤمله.
(3) في (ب): إذ أعطى.
(4) في (ب): خبر.
(5) في (ب): فكان في الخبر أوفى منه
(6) في (ب): كشم.
(7) في (ب): أكرم من.
(8) في (ب): عندي.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): للإمام فقال:
ولو كنت ممن تألف الدمع عينه ... بكيت دماً إذ عيل صبري فلا صبر
ووالله ما فارقتكم عن ملاله ... فكيف(1) به والحول لي عندكم شهر
ولكن هذا الدهر يقضي لنفسه ... فبين لنا قسراً على حكمه الدهر
وإني وإن أزجت ركابي نية ... إلى الأهل والأوطان لم يبرح الشكر
جزاك أمير المؤمنين بخير ما ... جزى أحداً رب يقتضيه الأجر
انتهى، وهي طويلة.
محمد بن الهادي بن أحمد
السيد الكبير العلامة الخطير صدر العلماء الأكابر ونور أرباب المنابر(2) محمد بن الأمير جمال الدين الهادي بن الأمير تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن الإمام(3) العالم المعتضد (بالله)(4) عبد الله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (بن إسماعيل بن إبراهيم)(5) بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - كان عادت بركته صدر العلماء وواحد أهل البيت الكرماء عين أهل الزمان، معروفاً بالعلم الغزير، والكمال، وتجربة المور، وله من المؤلفات المشهورة كتاب (الروضة والغدير)، ونسبه الواضح الاقتدى، ونسبته في هذا التأليف الاهتداء سيما (من)(6) أصحابنا.
__________
(1) في (ب): وكيف.
(2) في (ب): والمحابر.
(3) في (ب): بن الأمير العالم.
(4) في (ب): بالله.
(5) غير موجود في (ب).
(6) سقط من (ب).
قال الفقيه العلامة يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان - رضي الله عنه -: وبعد فإنه لما وقع في النفس جمع الأحكام الواردة في أشرف كتاب واقتطاف ثمراته من مدلول اللفظ وفحوى الخطاب لتكون هذه الأحكام كافلة بمحاسن العجب العجاب منورة لصائر ذوي الأفهام والألباب، وكفى بها فضلاً إذ هي معلوم أشرف كتاب، ولما رمت ذلك واستطار القلب شوقاً إلى ما هنالك أعملت الفكر وأجلت النظر في منار أهتديه وسبيل أقتفيه بعد أن طالعت عدة من كتب الفقه والتفسير، فوقفت(1) على ما وضعه المير الخطير في كتابه المسمى بالروضة والغدير، وهو كما قال - رحمه الله -: (إنه)(2) تصنيف لم يسبق إليه، وتأليف لم يزاحم عليه، وهو السيد عز الدين محمد بن الهادي بن تاج الدين، فكان ترتيبه لهذا الكتاب على ترتيب القرآن، ثم أن بعض السادة الفضلاء(3) من إخوانه رتبه على ترتيب الفقيه(4) إلى آخر كلام الفقيه يوسف - رحمه الله -.
(فظهر لك من كلامه أنه الذي نفح الألباب وفتح الأبواب)(5)، جزاهم الله جميعاً خير الجزاء، وقد سمى كتابه الأمير صلاح بن تاج الدين بالأنوار المضيئة في معرفة الأيمان الشرعية، ويحتمل أنهما (كتاب بأن)(6) مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، ومات عام عشرين وسبعمائة (سنة)(7) بأفق، وهي مقبرة المرباه من بني جماعة.
__________
(1) في (ب): فوقعت.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): والفضلاء.
(4) في (ب): الفقه.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): كتابان.
(7) غير موجود في (ب).
محمد بن الهادي بن تاج الدين
الأمير محمد بن الهادي بن تاج الدين (- رحمه الله -)(1)، علامة خطير وإمام شهير، وهو الذي كمل المقنع في أصول الفقه، تأليف الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن، وكان الإمام يحيى بن المحسن الغاية في العلوم دراية ورواية، وكان بليغاً فصيح النظم والنثر(2)، اشتهر عند بني الهادي أنه أفصح قريش، وله من الشعر كل معنى عجيب، وله في النحو مصنفات، وهذا الكتاب من وجوه كتبه إلا أنه صنف الجزء الأول وعاقه عن تمامه الحمام، فكمله الأمير محمد بن الهادي بن تاج الدين، وللداعي - رحمه الله - في كتاب المقنع المذكور:
هذا الكتاب كتاب المقنع الشافي ... أزرى على الكتب في مجموع أوصاف
دحى(3) معان تجلى منه في شهب ... من الكلام دزار بين أصداف/197/
أدلة كسيوف الهند قاطعة ... صقلتها(4) بصقيل الفكرة الصافي
وما احتذيت منالاً فيه عن أحد ... إلا طريقة آبائي وأسلافي
وممن بايع الداعي الأمير محمد بن أحمد، وكان من أجلاء العلماء، والجواب الذي فيه البسط من قبل الداعي إلى الشيعة.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): بل اشتهر.
(3) في (ب): ذي معان.
(4) في (ب): سقلتها بصيقل.
قال السيد الهادي - رحمه الله - (تعالى في الكاشفة)(1): هو الأمير(2) محمد بن أحمد المذكور، وله رسائل ظفرت بما وجهه إلى القضاة آل أبي النجم(3): (بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على سيدنا محمد و(على)(4) آله وسلم في المثل السائر كثرة الانتظار، يورث الاصفرار، وقد طال ما انتظرت وجه اليسار، ليجلي دياجي الاعسار، ولست بالمشتاق إلى الغناء إلا لبلوغ المنى في نساخة تفسير الحاكم، واشتغل بهذا الكتاب الخاطر، وسهر الناظر، وبقيت مذبذباً بين الرجاء واليأس، وقلت من هذا المقصود بهذه الحاجة في(5) الناس، فلقد كسد سوق المروات، وعز على ظهر البسيطة من يقضي الحاجات، فما في وقتنا من يبني المجد الأثيل، ويدخر الحمد والثناء الجميل، ويطلب من الله الثواب الجزيل، ثم أدكرت بعد أمة، فانكشفت عني هذه الغمة، واستيقظت بعد السنة وبعد ذهاب الأزمة(6)، ومرور سنة بعد سنة، لما ذكرت قوماً في الزمان يوقون ولو بالفصاصة(7)، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويفيون(8) المجد، ويكسبون الأجر والحمد، فتزهو بهم المحاضر، وتحسن بهم الدفاتر والمنابر، وتبتهج بهم الأقلام والمحابر، ويحق لهم قول الشاعر:
لو كان يقعد فوق الشمس(9) من أحد ... قوم تأولهم أو مجدهم قعدوا
والمشار إليهم هم(10) القضاة، كعبة الوفاد والعفاة، آل أبي النجم، الذي(11) يحسن (بهم)(12) النثر والنظم، شعرا:
آل أبي النجم هم (ما)(13) هم ... هم خير من يمشي على الأرض
لو سرت في الأرض جميعاً إلى ... أن تقطع الطول مع العرض
لم تلق مثلاً لهم في الورى ... من أهل رفع الأرض والخفض
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): للأمير.
(3) في (ب): وهو.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): بين الناس.
(6) في (ب): الأزمنة.
(7) في (ب): بالفصاحة.
(8) في (ب): ويبنون.
(9) في (ب): السماء.
(10) في (ب): هم السادة القضاة.
(11) في (ب): الذين بهم.
(12) غير موجود في (ب).
(13) غير موجود في (ب).
إن نقضوا لم يدعوا مبرماً ... أو أبرموا عز عن النقض
أو بسطوا أيديهم للندى ... والجود لم ترجع إلى القبض
فهم غيوث الصيف إن أبكرت ... وأبحر دائمة الركض
وهم بحور العلم في الأصل والفرع ... وفي النقل(1) وفي العرض
وأنتم الأهل قديماً وهذا ... من بحركم تأتي إلى أرضي(2)
(وما عسى أن يقول نثراً الناثر والناظم، فيمن جمع المفاخر والمكارم، وأنحد ذكره وغار وشاع في جميع الأقطار)(3).
لن يبلغ الناظم والناثر ... مدحاً لهم(4) إن أجهد الشاكر
آل أبي النجم كرام اللحى ... ومن نداهم وابل عامر
وذكرهم بين الورى شائع ... وقدحهم(5) عند النداء قامر
/198/ وجودهم عم جميع الورى ... يعرفه المنجد والغائر
لا يمكن الحاسد كتمانه ... وكيف يخفى القمر السائر
إن غضبوا فالأسد(6) يوم اللقاء ... وإن رضوا فالوابل الهاجر
لو سبقوا لم يذكروا حاتماً ... جوداً ولم يبق له ذاكر
ولم يكن يذكر في جوده ... أوس وكعب المؤثر الصابر
أضحى لهم ربع النداء عامراً ... من بعد ما قد خرب العامر
فهم غيوث قطرها وابل ... وهم بحور موجها زاخر
وهم جبال الحلم إن طاشت ... الأحلام فالحلم لهم حاجر
وهم بحور العلم إن أشكلت(7) ... مسائل فهم بها(8) ظاهر
هم كعبة الشرع وأربابه ... يقضي(9) الأول والآخر
في سوحهم يؤسر ذو عسرة ... ومن قراهم يشبع الطائر
إن أقبلوا قلت بدور بدت ... فيهم على العالم الظاهر
__________
(1) في (ب): وفي النفل وفي الفرض.
(2) في (ب): ثلاثة أبيات زائدة هي:
ذكرتم والعين تشتهي غمضاً
فقد عادت على الغمض
وأنتم الأهل قديماً وهذا الـ
ـقص لا ينكر من البعض
يا أبحر الجود عسى مجة
من بحركم يأتي إلى أري
(3) في (ب): وما عسى أن يقول الناظم الناثر فيمن جمع المكارم والمفاخر
وأنجد ذكره وغار وشاع في جميع الأقطار.
(4) في (ب): وان.
(5) في (ب): ومدحهم.
(6) في (ب): فالأسود.
(7) في (ب): شكلت.
(8) في (ب): لهم.
(9) في (ب): يقضي به.
وفيهم يحيى عماد الهدى ... غيث وليتُ في اللقاء حادر
وذا سليمان حليف التقى ... بالعلم دأباً فهمه فاغر
وذاك عبد(1) الله من جوده ... ومجده بين الورى سائر
وكلهم من يلق منهم يقل ... ذا أسد(2) القوم الذي يأمر
فلما ذكرت لحاجتي هؤلاء القوم استيقظت من سنة النوم واستعدت على أمسي اليوم(3)، وعدت على نفسي في تقصيرها عنهم باللوم، وأنشأت أقول:
لا تعودي يا سالف الأيام ... قد غنينا بهذه الأقوام
وأمناً من جور ما كنت أسلفت ... إلينا في قادم الأيام
وقصدنا الحماة آل أبي النجم ... أولي العزم في الأمور الجسام
هم بحور الندى إذا نضب البحر ... وشحت فروع كل غمام
سبقوا السابقين في طرق الجود ... ببذل النوال والإنعام
صيروا حاتماً بخيلاً وكعباً ... وابن سور وبرمك وابن لام
شيد وأربع كل مجد درس ... وأقاموه(4) ظاهر الأعلام
فيهم العالم الجواد علي ... وعماد الهدى سليل الكرام
وسليمان ذو التقى(5) وفيهم ... كل رأس مهذب قمقام
سادة كالنجوم من تلق منهم ... قلت هذا رأس أولاد سام(6)
هم غيوث الأنام في زمن الجدب ... وهم كالليوث عند الصدام
وبحور الندى وهم كعبة العلم ... وأهل القضاء والأحكام
وقضاة الأنام والسادة الأعلام ... أهل النقض والإبرام
وعلمت بعد هذه القصة(7) أن حاجتي (منهم)(8) مقضية، لما جمعوه من الأخلاق الرضية(9)، والشمائل المرضية(10)، والكرم الواسع والفضل الشاسع، ولو(11) تقدمت بهم الأيام لم يذكر في الجود حاتم ولا ابن لام، ولا طال ذكر كعب وهم(12) في الأنام، ولا عد البرامكة في(13) الكرام،
فلو سبقوا ما عد في الجود حاتم ... ولا هرم أو أوس رب المحامد
__________
(1) في (ب): عبده.
(2) في (ب): سيد.
(3) في (ب): باليوم.
(4) في (ب): باليوم.
(5) في (ب): والتقي.
(6) في (ب): حسام.
(7) في (ب): القصيدة.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): المرضية.
(10) في (ب): الرضية.
(11) في (ب): فلو.
(12) في (ب): وهرم.
(13) في (ب): من.
ولا كان في الأجواد كعب ابن مامة ... ولا ذكروا أولاد يحيى بن خالد
ألم يعلموا أن المكارم أصبحت ... لآل أبي النجم الكرام الأماجد
شروا وبنوا مجداً على قمة السهاء(1) ... فهم ورثوه والداً بعد والد/199/
وهم شيدوا ما قد بنته جدودهم ... (من المجد)(2) قدماً واحداً بعد واحد
بحور نداً في كل حطم وأزمة ... غيوث العطاء يغنى بهم كل وافد
بحور علوم لا تغيض لسائل ... بدوراً إذا عاينتهم في المشاهد
هم الشهد للأدواة والصيف طعمه ... وهم للعدا والضد سم الأساود
وإن جحد الحساد مجداً وسؤدداً ... وفخراً فلا تخفى الشموس لجاحد
ألا فليمت حسادهم موت حسرة ... فما ضَرَّ محسودين(3) من حسد حاسد
فهم سبقوا في المجد من كان سابقاً ... فما ماجد في المكرمات كماجد
وها أنا أيها السادة قد أدليت دلوي في الدلاء، أريد أن أملأه من بحر جودكم مع من ملأ، وتشيدوا بإحسانكم إلى عندي ربوع العلا، فالمملوك من أهل الوداد لكم والولاء، أليس جدي تاج الدين أرسلم(4) رسالة على المعترضين، على بعض آبائكم الأولين، وكذلك يحري الحال منا ومنكم بين المتأخرين، فقد ورد في الأثر أن الحب يتوارث، والبغض يتوارث،
أحلف(5) بالله والآية ... إني على الود لكم مستقيم
أحفظ ما كان أبي حافظاً ... من ودكم باقي(6) عليه مقيم
وعادتي أرعى قديم الإخاء ... لكل ذي دين وخير عليم
أحبهم في الله لا أنثني ... عن حبهم لو كان فيه الجحيم
كيف بمن يجمع في علمه ... ودينه (عن ودود)(7) قديم
يا أيها السادة (و)(8) القادة الأعلام ... حبي في لقاكم عظيم
(قد)(9) هزني الشوق ولكنني ... يعوقني الخوف وربي عليم
__________
(1) في (ب): النهى.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): محسود.
(4) في (ب): رسالة.
(5) في (ب): أني على أحلف.
(6) في (ب): باقٍ.
(7) في (ب): [لم أتمكن من قراءتها].
(8) الواو غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
لكنني أرجو الذي جوده ... عم البرايات(1) اللطيف الكريم
أن يجمع الشمل على حالة ... يرضى بها الرب الرؤف الرحيم
يا أكرم الناس يا عز(2) جودهم ... يستكرم الضيف ويغنى العديم(3)
في كل يوم لهم نجدة ... نجدوا بها الركب وجود عميم
إليكم مني على بعدكم ... نثر وشعر مثل در(4) نظيم
أطلب من إحسانكم قطرة ... تروى بها أرضي فإني مليم
فإنما أنتم بحور الندى ... والجود والفضل لكم من قديم
ثم اسلموا ما سار ركب وما ... تبسم البرق دجا في نعيم
__________
(1) في (ب): البريات.
(2) في (ب): الناس عن جودهم.
(3) في (ب): النديم.
(4) في (ب): دم نظيم.
والمقصود من جودهم العميم وإحسانهم الجسيم تمام المرام والتعجيل والإنعام(1) بأحد وجهين(2)، أن يعيروني تفسير الحاكم ويجعلوا سعياً(3) فيما طلبت من جملة المفاخر والمكارم التي يبنونها بالغدو والآصال، ولا يقصروا(4) عنها في حال من الأحوال، عارية هنيئة، وطعمة شهية، لا يكدر(5) فيها شرب ولا يروع لي عليها سرب، ولا يقع في تعجيل الرد لجاجة، حتى تنقضي من الكتاب الحاجة، قراءة فيه ونساخة منه، فالمملوك من أهل الحكمة الذين أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بإعطائهم إياها، والقضاة السادة ممن يعطيها(6) أهلها ولا يمنعهم إياها، وللسادة في ذلك من الشكر والثواب ما لا يعلمه إلا رب الأرباب، ويجدونه مرقوماً في الكتاب ?يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا?[آل عمران:30]. الوجه الثاني: أن ينعموا علي بورق يكفي هذا الكتاب وأجرة نساخه، ويفرقوه على الكُتَّاب ليسرع في الحال ويصلني بعد نجاحه، ويكون ذلك منّة ونعمة من(7) الله سبحانه أجرها ومني إلى آخر الأبد شكرها وذكرها، وأي الوجهين إذ قد جرى الوجهين حصل فلا خلل وحيَّ على خير العمل، وقد تحكمت على جودكم بأي الوجهين؛ إذ قد جرى من عادة أهل /200/ (المطالب)(8) التحكم على أهل الجود في العطاء والتعوذ من كثرة المواعيد والبطاء، وذلك ظاهر(9) في أخبار العرب وديوان الأدب(10).
إني تحكمت على جودكم ... فانعموا إليَّ الذي(11) أطلب
[لو كان لي في مطلبي قدرة ... ما كان لي عندكم مطلب](12)
__________
(1) في (ب): بالإنعام.
(2) زيادة في (ب): أحدهما.
(3) في (ب): اسعافي.
(4) في (ب): يقصرون.
(5) في (ب): لا يكدر لي فيها.
(6) في (ب): يعطهم.
(7) في (ب): على.
(8) سقط من (ب).
(9) في (ب): مظاهر.
(10) في (ب): والأدب شعراً.
(11) في (ب): بالذي.
(12) في (ب): هذا البيت يوجد بعد البيت الآتي: فحين أعوزت ولم يبق لي ملجأ إلى هذا ولا مهرب
فحين أعوزت ولم يبق لي ... ملجأ إلى هذا ولا مهرب
نظرت في الأمر فلم ألق من ... يكتسب(1) الجود ومن يرغب
ومن له نحو العلا همة ... سامية من دونها العقرب
إلا بني(2) النجم فهم في العلا ... شيده الأمرد والأشيب
فجودهم عم جميع الورى ... يناله الأبعد والأقرب
وهم بحور الجود في عصرنا ... وهم بدور أنتم(3) لا تغرب
وهم كروح والورى جسمه ... وهم شموس والورى غيهب
المملوك محمد بن الهادي يخدم المقامات العالية الأفضلية السامية العالمة العاملة المطهرة المكرمة الجمالية العمادية العلمية والكافة من آل أبي النجم، سلام يضاهي أخلاقهم الرضية، وإلمام يحاكي أعراقهم الأصلية الزكية، ورحمة الله وبركاته، والله سبحانه وتعالى يعلم شدة الشوق إلى لقائهم(4)، عجل الله الاتفاق قريباً بمنه وكرمه، ولم يكن(5) علم يحب المطالعة به إلا السلام والعافية لموليها الحمد والمنة، وسواء ذلك فإن الحاجة داعية إلى كتاب تفسير الحاكم، ولم أقدر على نساخته في هذا الوقت، وقد كنت تعبت في طلبه، وضاقت علي المسالك بسببه حتى ذكرت المقامات العلية، ثم هان علي الطلب، وذل(6) لي الصعب)، انتهى.
__________
(1) في (ب): يكسب.
(2) في (ب): بنو.
(3) في (ب): اليم.
(4) في (ب): لقاهم.
(5) في (ب): فلم يكن علم.
(6) في (ب): لديَّ.
محمد بن علي بن محمد
العلامة الزاهد محمد بن الهادي بن محمد بن علي بن محمد بن سليمان بن أبي الرجال (- رحمه الله -)(1)، فقيه زاهد حاوي لخلال المحامد، متفق على الثناء عليه، أقام بـ(صعدة) المحروسة، وبها مات - رضي الله عنه - وكان(2) أخلاقه نبوية، رؤفاً بالضعفاء، ومؤلفاً للأخيار، وكان الوافد إلى (صعدة) من الجهات اليمنية يقف في بيته حتى يسعى هو - رحمه الله - في صلاح شأنه، ولا يترك في ليلتي العيدين صدقة عامة للطلبة جميعهم بالجامع المقدس بـ(صعدة)، ويقول قال لي عمي (الفقيه)(3) علي بن محمد بن أبي الرجال - رحمه الله -(4): لا يُرحم في هاتين الليلتين إلا الغريب؛ لأنه لا أهل له(5)، والأسواق مصفدة الأبواب، وكل مشغول بشأنه، وكان مواضباً على جميع الفضلاء ليلة الجمعة على تلاوة القرآن مدارسة، وكان يكرمهم في آخر زمانه - رحمه الله - ومع ذلك فهو مقتر العيش، قليل المدر، طولب(6) بالقضاء في جهات فامتنع، وطولب بالبقاء بذي جبلة من أعمال (اليمن) فامتنع، وقال: لا يحل لي ذلك، فقيل له في المانع، فأجاب بأني رأيت (اليمن) ينزله الثبت المحكك من الرجال، فتظهر صفرة، وأما أنا فأنا نحاس ضعيف الحال، فعذر وتقطعت أسباب معايشة(7) زمناً طويلاً، ونحن إذ ذاك ممن يعول والينا غيرنا، فما ظهر لذلك حديث ولا أثر إلا بعد موته - رحمه الله - وكان قد(8) أغلق محرابا بيته لا يدخله(9) غيره، يوهم الجميع أن القوت فيه، وينظر في (تحصيل)(10) ذلك يومية، ثم يدخله لوجه خفي، ويدعو قهرمانة بيته، فيخرج لها ذلك من المخزان، وهذا نوع من صبره، ومن صبره أمور يعجب الناظر فيها، ولقد نعي إليه ولد من أولاده قد تزعزع، وهو في محل القراءة، فما /201/ نقض حبوته
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): وكانت.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): - رحمه الله تعالى -.
(5) في (ب): لهم.
(6) في (ب): وطولب.
(7) في (ب): معاشه.
(8) في (ب): وقد كان.
(9) في (ب): أحد غيره.
(10) سقط من (ب).
(بل)(1) أرسل بعض ثقاته لإصلاح عمله، وقال حق الطلبة متوجة، وعند الله أحتسب المصاب، ولما مرض أبوه (بقراض) من بلاد آل الخطاب عند توجههما للحج قال لي بما وقع، وقال ما أخبرتك بموت أبي، وصفته إلا لغرض كأنه يريد مني الاقتداء به، قال: وصفة ذلك أنه ابتدأه المرض - رحمه الله - (تعالى)(2)، ورأيته مرضاً مثقلاً والسفر إذا عزموا تحيرت عن مطلبي، فخرجت إلى ماء في الوادي، وصليت ركعتين، وسألت الله أن يعافيه في الحال إن بقي له في العمر نصيب أو ينقله إليه إن يكن الكتاب قد بلغ أجله، ثم أتيت المحل فلقيني الأصحاب بالتعزية، ثم عول علي أرباب النظر العود لما خلفي من الحريم، والمكالف، فقلت الله خليفتي في أهلي، وكفى به، وهذه طريقة(3) تدل على صبر فيه - رحمه الله - لا سيما وهو لا(4) يتحدث بذلك ولا غيره، إلا الغرض(5) صيحح، وما أحقه بما كان يقول سيدنا الفقيه العالم محمد بن عيسى شجاع الشقيقي أنه من الإبدال، قال: لأن طاعتهم الصبر، وبما قاله إمام زمانه المؤيد بالله - عليه السلام - الفقيه محمد بن الهادي رجل الدنيا والآخرة، ووصف - عليه السلام - عنه عجائب عرفها الإمام بفهمه، قد كان الفقيه - رحمه الله - (تعالى)(6) أخبرني أنه قصدها وظن أن الإمام لم يعرف مقصده فيها، ويكفيه ما رواه(7) السيد الجليل محمد بن مجلي الرغافي، قال: رأيت وأنا برغافة والفقيه محمد بـ(صعدة)(8) ليلة موته - رحمه الله - أن خلائق منهم النبي صلى الله عليه (وآله)(9) وسلم مجتمعون ببستان وإذا بقائل يقول من الحاضرين: هذه الليلة مات الفقيه محمد بن هادي، وأجابه آخر فقال لهم(10): ذلك أب الأخيار، (قال)(11): فأصبحت فسألت عن الفقيه(12) - رحمه
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): وهذا يدل.
(4) في (ب): لم.
(5) في (ب): لغرض.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): ما روى.
(8) في (ب): (صعدة).
(9) سقط من (ب).
(11) غير موجود في (ب).
(12) في (ب): محمد.
الله - (تعالى)(1)، فقالوا: مرض وشفي. قلت(2): قد انتقل الليلة، وأمرتهم بحفظ الوقت لامتحاني الرؤيا، فلم يلبث أن جاء الخبر بذلك، وقد شهدت له رؤيا من الصالحين كثيرة، وليس هذا محل ذكرها، وله كرامات لا يسع الرقم ذكرها مستوفاة، لكني أتبرك بواحدة أو اثنتين، منها ما حكاه السيد علي بن المنتصر رحمه(3) الله تعالى أنه نبهه منبه وهو مستغرق في النوم إذا أنت تريد النظر إلى أهل الجنة تقدمت قبل الفجر إلى قبلة مؤخر جامع الهادي - عليه السلام - وأول داخل يدخل عليك وصفته كذا وكذا ويفعل كذا وكذا فهو من أهل الجنة، فتقدم في ذلك الوقت، فدخل عليه - رحمه الله - على(4) ما وصف، وفعل كما وصف، فجلس السيد المذكور في حلقة القراءة حتى تمت، وقام معه وبشره بذلك أعاد الله من بركته(5). وقال لي: واستكتمني (- رحمه الله -)(6) مدة حياته أنه مرض من حمى الربع ثمانية(7) شهراً، وكان يؤخر العشائين لأنه يحصل شديد المرض في وقتهما، فإذا تضيق الوقت سمع صوت من يقول له: يا فقيه محمد قم هذا وقتك، ومما أخبرني به - رحمه الله - (تعالى)(8) أراد الصيام في بعض الأيام الفاضلة، وكان بيته بقرب جامع الهادي - عليه السلام - بحيث يدرك الحسن المتوسط في المئذنة، قال: فأيقضت أهلي ليعملوا لي سحوراً فقالوا: ليس في البيت إلا شعيراً لا إدام له، وكان - رحمه الله - ضعيف القوة إذا أكل في اللبن الحامض والشعير يحتبس صوته، قال: فقلت في نفسي أنا إمام الجامع /102/ ولي خمسة مدارس فيه يمنعني الصيام على الشعير(9)، لا شك أن الترك أفضل، فجنحت إليه فسمعت قائلاً يقول: يا فقيه محمد، قد وعدت الله فلا تخلف، فاستيقظت وأمرتهم بذلك وصمت، - رحمه الله تعالى - وكان
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): فقلت.
(3) في (ب): عافاه الله أنه.
(4) في (ب): كما وصف.
(5) في (ب): بركاته.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): ثمانية عشر شهراً.
(8) سقط من (ب).
(9) في (ب): على الشعير معها.
له في الفقه يد طولى وسابقة أولى، قال مشائخه للإمام المؤيد بالله في (صعدة) خزانة من الفقيه، وهو الفقيه محمد بن الهادي، وكان شيخه (السيد)(1) أحمد الديلمي - رضي الله عنه - يقول: ما أتمنا إلا سكون سناع هجرة القاضي جعفر بن أحمد، وأن يكون عندي الفقيه محمد يذاكرني في الفقه، وبالجملة فلو استوعبت خرجت مما أريد وهو أستاذي - رحمه الله - في العربية إلا المناهل، فقرأ هو علي (رحمة)(2)، وله شعر مقبول، منها مرثية(3) في عمه الفقيه الشهيد قاسم بن محمد - رحمه الله - (تعالى)(4)، وفي القاضي أحمد بن صالح حنش وغير ذلك ومما كتبه إلي إلى (صنعاء) المحروسة يوصيني بطريقته في الصبر، وهيهات أن يدرك الضالع شأو الضليع.
تصبر تلق أما رمت أمرا ... قرار العين بعد الاصطبار
فسر الصبر مصباح تجلى ... كمثل الليل يتلى بالنهار
مولده - رحمه الله - بالخيسين من أعمال (مرهبة)، وفي ليلة مولده وفد الإمام القاسم - عليه السلام - إلى البيت الذي ولد فيه، وهو بيت جده من قبل أمه القاضي علي بن أحمد، وأدخل إلى الإمام في ليلة مولده، وبرك عليه، وذلك (في)(5) سنة ست عشرة بعد الألف، وانتقل إلى جوار (الله)(6) خالقه الكريم (في)(7) يوم الاثنين السابع من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وألف، ورثاه جماعة من العلماء، وكتب مولانا العلامة صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين حرس الله ذاته الكريمة ونفع بعلومه أبياتاً على الصخر الذي عند قبره، وممن رثاه (مولانا)(8) العلامة جمال الدين الهادي بن عبد النبي الهادوي المعروف بابن حطبة فقال:
يزهد في الدنيا فراق الأفاضل ... وصم علوم تحت صم الجنادل
وقفز النداء عن دار قوم ترحلوا ... فدار القرى قفر على كل نازل
__________
(1) سقط من (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): مرثيته.
(4) غير موجود في (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) غير موجود في (ب).
(7) سقط من (ب).
(8) غير موجود في (ب).
ألا مبلغ عني أخلا قد يؤووا ... بدار اغتراب راحل بعد راحل
أيا قبر عز الدين واريت شامخاً ... وغيبت بحراً لا يسد بساحل
فما لي لا أبكي العلوم وأهلها ... نجوم سماء آفل بعد آفل
وتبركت بكتابة هذه المرثية ذلك الوقت على ركة الحال، فقلت:
يا نفس مات بنو الزمان الأول ... ومضوا كما مضت الهبوب بمنزل
مات الأكاسرة الذين تعززوا ... بمعاقل وبكل جيش جحفل
ومضى التبائعة الذين بنوا لهم ... في كل ربع آية المتأمل(1)
لم يلق بعدهم سوى آثارهم ... من مورد وردوا ودار قد بلي
بالله إن يوماً مررت بناعظ ... أو دار سحرار الذي عنهم خلي
أو إن مررت ببيت خبيص صحوة ... والبوم ناطقه بصوت مذهل
أو بيت بوسا مرة فقفى كما ... وقف ابن حجر عند دارت(2) جلجل
فسلي الديار عسى يكون بها الذي ... ينبيك عن حال لها متحول
أين القصور وأين كل خريدة ... غيداً ترفل في المروط وفي الحلي
/103/ أين الرياض فهذه آثارها ... غبراء تنبي عن أربض مخضل
أين الكهول اللائي قد حملوا فهم ... كالشم للحدثان لم يتزلزل
أين الشباب(3) التائهون بنعمة ... وغضارة وتدهن وتكحل
فأظن أنك كنت عامرة بهم ... فلما خلوت كبطن مرت مجهل
فجوابها أنا(4) مثلما قد قلت لي ... خطراً حافلة الجوانب ممتلي
لكنه مات النزول منازلي(5) ... الراتعون الواردون بمنهلي
بينا هم في غبطة من عيشهم ... فأجاءهم كأس نحيف قد ملي
فمضوا كأنهم سراب قد مضى ... أو وامض في عين ليل أليل
فلك العزاء بمن مضى في هالك ... متزهد متورع متبتل
أفنى بطاعة ربه أوقاته ... حتى دعاه إلى منازله العلي
مذ أبعدت عنه التمائم لم يزل ... حلفاً لآيات الكتاب المنزل
متفقهاً في دينه بقواعد الآل الكرام سلالة المزمل
حتى غدا في العصر أوحد عصره ... فكاك أغلال السؤال المشكل
يملي مقالة شيخه عن شيخه ... عن أفضل عن افضل عن أفضل
__________
(1) في (ب): للمتأمل.
(2) في (ب): داره.
(3) في (ب): الشبام.
(4) في (ب): أنك.
(5) . ط: النازلون منازلي.
وإذا سألت عن الدليل أجاب بالإجماع ... أو بالدين والنص الجلي
فتمر ساعات النهار عليه في الإملاء ... ويقطع ليله بتبتل
ما مل قط نهاره أو ليله ... إذ كلها محروسة لم تهمل
ويود طولهما فليس بقائل ... يا أيها الليل الطويل ألا انجل
وإذا أتته ضيوفه في أزمة ... متعرضين لمشرب(1) أو مأكل
أومى إلى المدخور هذا طارق ... أكلتني ألأساد إن لم أوكل
وإذا أتى المسكين وهو مقطب ... من حادث جلل(2) عظيم معظل
حياه ثم حباه كل فضيلة ... حتى يؤوب بوجهه المتهلهل(3)
أسفاً عليه وهل يفيد تأسف ... من كان مثلي بالمصيبة قد بلى
ليت القضاء لغداه كان مساعدي ... لقبول روحي فهو شيء ما غلي
أوليت (إن)(4) حفيره في مهجتي ... حتى يكون بمثل ذلك(5) يعللي
لكن يهون ذاك موت محمد ... ووصية في العالمين معاً علي
وعليه ألف تحية ما كنت من ... جزع عليه أفوز فوز المرجلي
وليهنه قرب النبي محمد ... في عيش جنات النعيم الأفضل
ثم الصلاة على النبي وآله ... ما رنحت قصب البشام ببلبل(6)
محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش
العلامة شرف الدين محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش - رضي الله عنه - مفخر العصابة وسهم التوفيق والإصابة المحرز من الاجتهاد نصابه مولده في عشر خمسين وستمائة، ووفاته - رحمه الله - (تعالى)(7) يوم الثلاثاء في العشر الأول من ذي القعدة سنة تسع عشرة وسبعمائة، وقبر إلى جنب أبيه في الطفة من جهة (اليمن)، ومبلغ عمره نيف وستون سنة وهو أحد العلماء المجتهدين المحققين المذاكرين وأنظاره ومصنفاته تدل على علو شأنه في العلم، وهو شيخ الإمام المتوكل(8) (على الله)(9) محمد بن المطهر، وشيخ السيد العلامة المرتضى بن المفضل.
__________
(1) في (ب): متعرضين في مشرب.
(2) في (ب): جليل.
(3) في (ب): المتهلل.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): ذاك.
(6) في (ب): بسبل.
(7) سقط من (ب).
(8) في (ب): جاء فوق كلمة المتوكل: المهدي.
(9) سقط من (ب).
قال في تاريخ السادة آل(1) الوزير في ترجمة السيد المرتضى بن المفضل /204/ وذكر قراءته وانتقل إلى (ظفار)، وقرأ على حي الفقيه العلامة شرف الدين محمد بن يحيى بن حنش - رحمه الله - (تعالى)(2)، وكان هذا الفقيه إماماً مجتهداً مصنفاً، وأبوه(3) يحيى فقيه فقط، وكذلك جده أحمد بن السلطان حنش الكندي الشهابي - رضي الله عنهما - وكان وصل أحمد هذا من بلاده يجاهد مع الإمام المنصور بالله بآلة الحرب على ما كانت عليه قبائل الزيدية، وكان سكن(4) الخسمة وفيها واد ينسب إليه، ويعرف الآن بوادي حنش، فساقه اللطف إلى طلب العلم الشريف والرغبة فيه، وإلى أن بلغ به وبأولاده إلى حيث عرف في أمر الدين، انتهى.
قلت: الخسمة - بالخاء معجمة فسين مهملة بعدها ميمم ثم تاء تأنيث - وقرأه العلامة المذكور على والده يحيى بن أحمد، وعلى العلامة عبد الله بن علي (بن أحمد)(5) الأكوع، وله من التصانيف التمهيد والتفسير(6) لفوائد التحرير ألقاه على بعض تلامذته والغياصة في أصول الدين شرح(7) خلاصة الشيخ أحمد(8) الرصاص، وتعليقات أخرت على اللمع واليواقيت على لمع الأمير، وشرح التقرير والقاطعة في(9) الرد على الباطنية جزءان، وله تعليقة على اللمع علقها عنه الفقيه(10) الفاضل الناسك المتأله محمد بن عبد الله الرقيمي.
__________
(1) في (ب): بني.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): وأبو يحيى فيه.
(4) في (ب): يسكن.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): التيسير.
(7) في (ب): وشرح.
(8) في (ب): بن الحسن.
(9) في (ب): والرد.
(10) في (ب): العلاقة.
قال بعض أولاد الفقيه أحمد بن حميد المحلي: روى لنا الوالد(1) يحيى المذكور من صفة الفقيه العلامة بدر الدنيا والدين ثمرة الروضة العليا وحيد الزمن جوهرة الشام واليمن عز الإسلام والمسلمين محمد بن يحيى حنش(2)، ذكر الوالد أنهم قرأوا عليه شرفاً كاملاً، ثم شرعوا في الشرف الثاني، ثم انتهوا إلى باب صلاة الجماعة في ليلة الاثنين، وراح منا صحيحاً سالماً في ثاني ليلته، ثم قرأ وولى في أول يوم الاثنين إلى الغد، فلما فرغ من ذلك ابتدأه المرض من جبنه(3) باقي يومه وليلته إلى آخر الليل، وآن(4) طلوع الفجر، واختار(5) الله له ما لديه(6)، وأصح يوم الثلاثاء معدوداً في الأموات محسوباً فيمن فات(7)، وهو اليوم الخامس من ذي القعدة سنة تسع عشرة وسبعمائة من الهجرة النبوية، أمطر الله عليه شآبيب رحمته وألبسه سر بال مغفرته في مستقر روضات جنته، وكان - قدس الله روحه - على ما كان من جلالة وعظم شأنه وكثرة هيبته وحسن جلالته سهل الطريقة لين العريكة، رضي الأخلاق، رحيماً عطوفاً رؤوفاً، لازماً لما ندب إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - من صفة العالم الرحيم، مرنياً للفطر اللبيب التصرير(8) لطرق المراجعة والسؤالات من القراء والدرسة، رحيماً بالبليد، بعيد الفطنة، يسأله هل فهمت؟ فإن قال نعم وإلا أعاد عليه بلين وبرهان، وكرر ثانياً وثالثاً واضعاً لكل (شيء) (9) في منزلته(10)، محباً لرضى جميع تلامذته، كارهاً لما يضيق صدورهم، يرى أنه ينال(11) ولا ينالهم.
هيهات أن يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل
__________
(1) في (ب): أحمد (ظن).
(2) في (ب): حنش.
(3) في (ب): حينه.
(4) في (ب): أوان.
(5) في (ب): ثم اختار.
(6) في (ب): ما لحق به، فأصبح.
(7) في (ب): مات.
(8) في (ب): التصير.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): منزله.
(11) في (ب): يناله.
وكان قدس الله روحه مائلاً طبعه إلى الجمع بين الأصول والفروع مولعاً بالبحث والتدقيق والإيضاح والتحقيق، محباً لتعليل المشكلات والفروق(1) بين المتشابهات، مطبوعاً على الأسئلة الجوابات، (فلذلك(2) كان سراجاً للشرعيين) شفاء للأصفياء الأصوليين إنساناً للمتكلمين إماماً للمجتهدين، قال فيه الأمير شمس الدين أحمد بن علي في قصيدة له(3)، وقد ترسل على الباطنية رسالة تسمى القاطعة، وجعلها جواباً على أسئلة /205/ واعتراضات وردت منهم على الإسلام وقواعده في العدل والتوحيد، وبالغ فيها عليهم في إبطال مذهبهم،
لولى عجائب صنع الله ما ثبتت ... تلك الفضائل في لحم ولا عصب
وكان - رحمه الله - (تعالى)(4) سريعاً في مذاكرته، طلقاً في مراجعته، ينحدر انحدار السيل، ويغلي غليان المرجل، قوي العزيمة، عالي الهمة، محباً لإرشاد المتتفيين(5) مقرباً للقراء والمتدرسين، واقفاً بنفسه على معالم أمور الدين، ومرضات رب العالمين، رحباً ناديه سمحاً أياديه جامعة لصفة الكمال، نشأ وهذه سيرته، وهي سريرته رحم الله مصرعه، ونور مضجعه، آمين.
__________
(1) في (ب): والفرق بين المشتبهات.
(2) في (ب): فذلك شفاء للشرعين.
(3) في (ب): قصيدته.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): المستفتين.
محمد بن يحيى بن الحسين
السيد العلامة محمد بن يحيى بن الحسين، قال في تاريخ السادة آل الوزير: العلامة محمد بن يحيى بن الحسين بن محمد (بن)(1) القاسمي - رحمه الله - وأعاد من بركاته - هو شارح أبيات الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر التي(2) ذكر فيها عقيدة أهل البيت - عليهم السلام - والشرح مسمى (كتاب اللآلي الدرية في شرح الأبيات الفخرية)، وهو كتاب جليل قدره عظيمة فائدته في جميع أقوال أهل البيت - عليهم السلام - في أصول الدين وعقائدهم وبيان حججهم(3) وأدلتهم، وكان ينبغي أن تشحن به الخزائن وتخبى مكنوناته في الصدور، ولكن(4) المتأخرين من أهل(5) البيت أهملوا علوم آبائهم، فنسجت عليها عناكب النسيان حتى أنها إذا ذكرت الآن كذب (راويها، وضل)(6) معتقدها، وكان هذا السيد - رحمه الله - (تعالى)(7) - آية من آيات الله، متقناً(8) في جميع العلوم، حائزاً قصبات السبق في منطوقها ومفهومها(9)، وقد ترجم له غير واحد، وكتابه هذا شاهد، صدق على تبحره، أعاد الله من بركته(10).
محمد بن يحيى بن صلاح بن عبد الله
السيد الإمام العلامة مؤلف الأنوار في الفقه، هو السيد المحقق الفاضل المحيط بالفقه محمد بن يحيى بن صلاح بن عبد الله بن القاسم بن الناصر بن المطهر بن أحمد بن داود بن القاسم بن داود بن الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن الإمام القاسم بن علي العياني - عليهم السلام - كان من العلماء الكبار والنحارير الأخيار(11)، وكتاب الأنوار هذا كتاب جامع في الفقه غزير المد(12)، غزير النظير، وقبره قريب من مشهد جده القاسم بعيان، توفي في شهر رجب سنة خمس وخمسين وتسعمائة.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): الذي.
(3) في (ب): حجتهم.
(4) في (ب): لكن.
(5) في (ب): هذا البيت.
(6) في (ب): رواتها، ضلل.
(7) سقط من (ب).
(8) في (ب): متفنناً.
(9) في (ب): والمفهوم.
(10) في (ب): بركاته.
(11) في (ب): الخيار.
(12) في (ب): المدد.
محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد
العلامة المجتهد الفهامة (السبقة الدر)(1)، قال فيه إمامه المتوكل على الله يحيى شرف الدين عمره في العلم عمر سعها(2) نسر، وأطال في نعته بما تحقر عنه عبارتي(3) وتعصر، محمد(4) بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن أحمد بن يونس، لقبه (ابن)(5) بهران بن حسن بن حجاج بن حسن بن إسماعيل(6) بن سعد بن زيد، مناه ابن تميم بن مركان، فلكاً عليه شمس الفضل تدور، وبحراً إذا غاضت البحار فلن يغيض ولن يغور، ترجم له العلماء، وذكر بعض صفاته الحميدة الزريقي - رحمه الله - وغيره من علمائنا، وترجم له السيد محمد بن الخالص بن عنقا الشافعي، واتفقت كلمتهم على جمل(7) نعته وعلى أنه وحيد زمانه ووقته، خاض في العلوم الإسلامية جميعها(8)، وانقاد له أبيها المنيع مطيعاً، فله في كل علم علم منشور، ولو(9) يمضي تحته كل علم مشهور، وألف في العربية التحفة، ونسب إليه تأليف البلاغة، وله في العروض والقوافي مختصر الشافي، وله في أصول الفقه الكافل، وفي الفقه شرح على الأثمار /206/ (كتاب)(10) تشد إليه الأكوار، اشتمل على الدليل والتعليل وعلى غريب الفقه والأهيل، اعتنى بشرحه عن أمر الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، فكان فنه أعجوبة، ولأهل ذلك العلم البغية المطلوبة، ولما وصل إلى الإمام نوه بذكره وأعلنه، وروي أنه أمر الإمام أن يطاف به في المشاهد والمدارس بالطبول خانات مع أعيان العلماء الفضلاء(11)، وله في الحديث تخريج البحر، وله المعتمد جامع الأمهات الست جميعها، كما فعل ابن الأثير، غير
__________
(1) في (ب): المتقنب الذي.
(2) في (ب): سبع اسر.
(3) في (ب): تحقر عبارتي عنه وتقصر.
(4) في (ب): الفقيه محمد.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): إسماعيل بن إبراهيم بن حميدان بن قمران بن مالك بن عمر بن رازح بن أباح بن سعد بن زيد بن مناة.
(7) في (ب): جميل.
(8) في (ب): جميعاً.
(9) في (ب): ولواء.
(10) سقط من (ب).
(11) في (ب): الفضلاء العلماء.
أنه رتب ذلك على أبواب الفقه، وله حاشية على الكشاف اختصرها من العلوي يستحسنها من ولع بالتحقيق، وله التفسير الجامع بين الرواية والدراية، جمع فيه بين تفسيري الزمخشري - رحمه الله - وتفسير العلامة ابن كثير، فكان مقنعاً في علمه، ورأيت بخط ولده عبد العزيز - رحمه الله - أن الإمام شرف(1) أمر بزفافه في المشاهد كما وصفناه في شرح الأثمار، غير أني لم أر ذلك مكتوباً في شرح الأثمار، وأما في التفسير فرأيته بخط والده(2) المذكور، وهو من العلماء الكبار، ومن الجلة الخيار.
قال شيخ شيوخنا القاضي شمس الدين أحمد بن يحيى(3) حابس: كان عبد العزيز متقناً لأدوات الاجتهاد، لكنه كان يقصر(4) فهمه عن الأخذ عن الدليل.
قلت: وقد يكون ذلك إما لعدم مساعدة الفهم وانتقاله في المآخذ أو تركاً للدليل؛ لئلا يلزمه حكمة كما ذكر(5) السيد محمد بن إبراهيم عن العلامة ابن أبي الخير رضي الله عنهما -(6).
قال السيد محمد: وذلك لا بأس به، وإن كان فيه قصور همة.
__________
(1) في (ب): شرف الدين.
(2) في (ب): ولده.
(3) في (ب): بن حابس.
(4) في (ب): يقصر طرف.
(5) في (ب): ذكره.
(6) في (ب): عنه.
قلت: وفي النفس شيء من ترك ذلك مع تمكن(1). توفي عبد العزيز في سنة عشر بعد الألف. وكان محمد بن يحيى (المذكور)(2) رئيس وقته في العلوم، وجيهاً في العلماء، وذلك نتيجة الورع وعزف النفس عن الطمع، فإنه كان بهذه المثابة كان في بداته يرتحل للتجارة، ودخل إلى (جهة)(3)الحبشة، ودخل كثيراً من بلاد (اليمن)، لكنه ملتزم أنه إذا وفد قرية فيها قراءة حضر معهم ولم يستقل قليلاً من العلم أينما سقط على درة لفظ معولاً على ما اشتهر، إنما السيل اجتماع النقط، ولما برع في العلوم وعاد من رحلته إلى شيخه العلامة السيد المرتضى بن قاسم نشر العلوم بمسجد الصّرحة من مدينة (صعدة)، وكان فيه أكثر وقته، ويشهد بذلك ما أخبرنا به العلامة الفاضل(4) علي بن الهاد(5) القصار - رضي الله عنه - أنه لما فتح الإمام شرف الدين بعض حصون (اليمن) أرسل إلى القاضي محمد بن يحيى بكيس من النقد، وقال: هذا نصيب القاضي مما أفاء الله به، وكان القاضي إذ ذاك لم يبايع بل كان(6) قد بايع الإمام مجد الدين بن الحسن - عليه السلام - فوصل الرسول إلى مسجد الصرحة فأعطاه الكتاب والدراهم فلم يقبض الدراهم، فقال له الرسول: أنا غريب ولا مكان لي، فتفضل بحفظ الدراهم وديعة حتى أقضي ما يحتاج إليه المسافر وأحملها، فأذن له القاضي أن يضعها في زاوية المسجد(7) ولم يمسها، فأبطأ الرسول حتى جن الليل والقاضي منتظر، فخرج إلى باب المسجد يحرس ليلته جميعها، فلما جاء الرسول قال: شغلتنا مبيتي الليلة كان باب(8) المسجد لحفظ وديعتك /207/ فقال (له)(9): هلا أغلقت باب(10) المسجد وعزمت إلى بيتك، قال (له)(11) التغليق عندي
__________
(1) في (ب): التمكن.
(2) غير موجود في (ب).
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): القاضي.
(5) في (ب): الهادي.
(6) في (ب): قد كان.
(7) في (ب): في المسجد.
(8) في (ب): شغلتنا فإن مبيتي كان بباب المسجد.
(9) سقط من (ب).
(10) في (ب): الباب وعزمت.
(11) غير موجود في (ب).
قبض ولا يحل لي قبضها.
قال سيدنا (الفقيه)(1) علي بن القصار، وكان محمد بن يحيى يأكل من كسبه يمتهن بصنعة الحرير - رضي الله عنه - وله شعر في الذروة، ومن مشاهير شعره اللامية الدائرة في الأقاليم على نهج قصيدة الطغراي وأولها:
الجد في الجد والحرمان في الكسل(2) ... (فانصب تصب عن قريب غاية)(3) الأمل
وهي أشهر من أن تذكر قد سارت مسيرة(4) الأمثال والذي عول عليه في إنشائها تلميذه العلامة محمد بن علي بن عمر الضمدي وإليه لمح بقوله:
تمت برسم أخ ما زال يسألني ... أنشأ أحرفها في الصبح والطفل
وله مقاطيع، ومن شعره لما بات بهجرة حوث متوجهاً إلى حضرة الإمام في ذي القعدة سنة تسعمائة وسبع (سنين)(5) فأكرمه السادة الحسينيون أولاد الإمام يحيى (بن حمزة - عليه السلام -)(6) والمشائخ الجلة آل الرصاص فقال:
أقمنا بحوث بعض يوم وليلة ... فلله حوث من محل مكرم
وبهجرة(7) علم فاز بالسبق أهلها ... وفاقت وراقت ناظراً المتوسم
به سادة من آل طه كأنهم ... نجوم منيرات على أثر أنجم
جحاجحة شم الأنوف أعزة ... كرام لهم فضل على كل مسلم
وفيها قضاة جلة ومشائخ ... لهم درجات في العلا والتقدم
وله قصيدة إلى شيخه السيد الأفضل مجد الدين المرتضى بن قاسم (- رحمه الله تعالى -)(8):
سرى وجلى عن مقلة العالم الغمض ... عشية حن الرعد وابتسم الومض
وأسبل جفن الغيم وأكف دمعه ... على صحن خد الأفق فاهتزت الأرض
ولاعبت الأغصان وهناً يد الصبا ... فأصبح يحكي السندس الورق الغض
بروض أريض ساطع نور نوره ... به الزهر مصفر وقان ومبيض
يفوح به رياء الرياحين ضائعاً ... كفارة مسك بال من ختمها الفض
وأطياره في كل دوحة منبر ... خطيباً ويدنو منه مستمعاً بعض
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): بالكسل.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): مسير.
(5) غير موجود في (ب).
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): وهجرة.
(8) غير موجود في (ب).
فيا عجباً حتى من الطير بأقل ... وقس تعالى من له البسط والقبض
يحض على علم بفضل ورحمة ... من الخلق أفراداً محبتهم فرض
كما حض عز الدين علامة الورى ... بمرتبة في الرفع ليس لها خفض
(إلى أن قال)(1):
أحبكم في الله آل محمد ... ونعم الغناء الحب في الله والبغض
وأبذل في ظنك المضائق مهجتي ... مدافعة للخصم عنكم فينقض
بأسهم ألفاظ حداد قسيها ... براهين حق لا غلو ولا رفض
وهي طويلة، فأجاب السيد بجواب طالعه:
مودتنا من ودنا عندنا فرض ... علينا فلوموا ياذوي النصب أو فارضوا
وشيعتنا منا كما قال جدنا ... فيشملنا ود من الناس أو بغض
/208/ وهي طويلة، وجاراها موسى بن بهران بقصيدة طالعها،
نضامكم كالروض مبتسم غض ... لطرف ذوي الآداب عن حسنه غض
نضمّن من بيض المعاني بدائعاً ... يكاد سواد الحبر منهن يبيض
وهي طويلة ولو استوفينا فضائله استوعبت القرطاس وإنما هذه مجة من لجة، مات بـ(صعدة) المحروسة في وقت العصر سنة سبع وخمسين وتسعمائة، وذكر في لوحة أنه (قد)(2) ورد حديث في عالم تميم، ولعله الفقيه - رحمه الله - ولم يحضرني لفظ الحديث، ولما صنف كتابه التفسير وبلغ إلى الإمام شرف الدين وهو يومئذ بالجراف كتب إلى أولاده وخلصانه كتاباً في تعظيم ذلك الكتاب ولفظه، ومن خط الإمام نقلت: (بسم الله الرحمن الرحيم، أمير المؤمنين وألزمنا الولد الشمسي وصنوه الولد الجمالي، وجميع الأولاد(3)، والخواص أن يكونوا من جملة من يزف السفر الجليل النبيل إلى المساجد المحروسة والمشاهد المأنوسة مع العلماء والمتعلمين والأعيان أجمعين، وإمامهم الأرياح والأعلام وجميع ما يفعل في المسار(4) العظام؛ لأن هذه المسرة أعظم ما يكون، وفيها قرار القلوب والعيون)، انتهى كلام الإمام شرف الدين، وألصقها العلامة عبد العزيز بن محمد بهران بكتاب التكميل المذكور.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): الأولاد الخواص.
(4) في (ب): المنار.
محمد بن يحيى بن محمد المدحجي
محمد بن يحيى بن محمد المذحجي، كان من العلماء البارعين المحققين في علم الكلام، سمع عليه الإمام المهدي الخلاصة.
محمد بن يحيى
السيد العارف محمد بن يحيى من أشراف وعلان، وهو من آل أبي الفتح من ولد زيد بن الحسن، كان فاضلاً تقياً مخلصاً(1)، مات بحصن هران من أعمال (ذمار).
المحسن بن الحسن بن الناصر المنتخب
المحسن بن الحسن بن الناصر المنتخب، هو الذي قام بدعوة الإمام أبي طالب الصغير، وليس بوالد الإمام الداعي يحيى بن المحسن، فإن المحسن والد الداعي، هو ابن محفوظ، ويكنى(2) أبو الفوارس.
__________
(1) في (ب): محصلاً.
(2) في (ب): أبا الفوارس.
المحسن بن محمد بن كرامة
الشيخ العلامة(1) أستاذ العلامة الزمخشري الحاكم أبو سعيد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، كان إماماً عالماً صادعاً بالحق، له جملة كتب، منها كتاب الإمامة على مذهب الزيدية، وله (كتاب العيون وشرحه)، وله كتاب تنزيه الأنبياء والأئمة، وله كتاب (تنبيه الغافلين في فضائل الطالبين)، وله كتاب (التأثير والمؤثر)، وله كتاب (الانتصار لسادات المهاجرين والأنصار)، وكتاب (تحكيم المعقول في الأصول)، وله (التفسير المبسوط) بالفارسية، و(التفسير المؤخر) بالفارسية، و(الرسالة الغراء)، وكتاب (ترغيب المبتدي)، وله (كتاب)(2) تذكرة المنتهي، وله كتاب (العقل)، وله كتاب (في الشروط والمحاضر)، وكتاب(3) (الأسماء والصفات)، وكتاب (نصيحة العامة)، وكتاب (الحقائق والوثائق) و(المنتخب في فقه الزيدية)، وله (السفينة المشهورة)، وله (تفسير القرآن الكريم)، قدر تسعة أجزاء كبار، وغير ذلك إلى نيف وأربعين مصنفاً، وقتل بـ(مكة) غيلة في سنة خمس وأربعين وخمسمائة، وعمره أحد وستون سنة، واتهم بقتله أخواله وجماعة من الجبرية بسبب رسالته المسماة برسالة الشيخ أبي مرة، وكان حنفياً، وانتقل إلى مذهب الزيدية - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): الإمام أستاذ أستاذ العلامة.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وله كتاب.
محسن بن محمد الحسني
الشريف محسن بن محمد الحسني /209/ القادم من (طبرستان) إلى (شهارة) بشهر جمادي الأولى سنة خمس وثمانين وأربعمائة، أيام الأميرين الفاضل وذي الشرفين، كان يحدث على مذهب الزيدية، وله في الحديث لسان، وفي الأدب حظ، وتحدث معه الناس في شأن الحسنية أصحاب الحسين بن القاسم، فقال: عندنا بـ(طبرستان) ونواحيها من الشيعة الحسينية زها ستة عشر ألفاً، ولهم شريف فاضل يمتاحون من علمه، وعندهم من كتب المهدي - عليه السلام - المعجز والتفسير، ثم ذكر (شهارة)، فقال: اشتهارها ببلادنا أكثر، وهي عندنا أشهر، ومن وصل منها إلى بلادنا حال(1) وشأن يتبارك به، وهي عندنا مذكورة في قصة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، بينها باسمها، وسماها قبة الإسلام في (اليمن)، حولها ثلاثمائة وستون وادياً في ناحيتها معادن أربعة ذهب وفضة (فراغ) وكحل.
المحسن بن يحيى بن يحيى
الأمير العظيم المقدار السامي علي بن جنسة من ذوي الأخطار المحسن بن يحيى بن يحيى، كان إماماً عالماً فاضلاً مشاراً إليه، وكان من أعضاد الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عليه السلام - ذكره غير واحد من العلماء وأثنى عليه.
أبو المحاسن بن إبراهيم الزيدي
الفقيه العلامة أبو المحاسن بن إبراهيم الزيدي - رحمه الله - كان عالماً عاملاً، توفي بهجرة ذيبين في رجب سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة(2)، وهو الذي روى أنه رأى بعض(3) الملاحم أنه يقوم من ذيبين إمامان، كان أحدهما المنصور بالله، ومات الفقيه ولم يدع الإمام المهدي في الملحمة (أن الإمام)(4) الثاني من الدرب المعروف، وكان مسكن الإمام المهدي - عليه السلام -.
محرز بن حلية الأشجعي
محرز بن حلية الأشجعي من تلامذة الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره البغدادي - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): كان له في بلادنا حال.
(2) في (ب): ستمائة (ظن).
(3) في (ب): في الملاحم.
(4) غير موجود في (ب).
محمود بن علي بن باش الديلمي
العلامة محمود بن علي بن باش الديلمي والعلامة عبد المنصور الجيلاني، من كبار العلماء، ووصل إلى الإمام أحمد بن الحسين - عليه السلام -.
محمود بن يحيى بن علي
العلامة محمود بن يحيى بن علي بن الحسين الديلمي - رحمه الله - (تعالى)(1)، قرأ على الشيخ أحمد بن عبد ربه مجموع زيد (بن علي)(2) والأربعين العلوية، وأجاز له في شهر القعدة(3) سنة خمس وتسعين وستمائة.
المرتضى بن علي
المرتضى بن علي عم السيد الإمام الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى، كان شاباً(4) تقياً، نشأ على العلم عاضاً عليه حريصاً على طلبه أتقن علم الكلام ولازم أشياخه، وقرأ كتبه المشهورة كالخلاصة وشرحها والواسطة والوسيط وشرح الأصول، وتذكرة ابن متويه ومحيطه، وكيفية الشيخ الحسن الرصاص وسائر الكتب، محصنا(5) وتدقيقاً.
قال السيد الهادي(6) بن أخيه: قرأت أنا وهو في بعض كتب الكلام، فكان يتلطف من السؤال بما لا يحسن له سواه، ولا يجده غيره، وذكر أنه كان يورد مسائل دقيقة، وله مسائل مشهورة ما سبق إليها، وكان يعلق ما أجيب به عليه، وبعضه يتولى الجواب عنه، وكان حسن الأخلاق طويل الأمل في طلب العلم يتعطش إلى قراءة الفقه، ويتردد بين القراءة فيه أو(7) في أصوله، فرجح عنده الشروع في الفقه، ثم عرض له الألم، وتوفي بـ(صعدة) في (مسجده)(8) بمنزل ربه ليلة الاثنين سنة خمس وثمانين وسبعمائة عن ثلاثين سنة، ودفن بالقرضين، وكان من(9) ذلك قد تعلم الفراسة وركوب الخيل، تهيأ للجهاد.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): ذي القعدة.
(4) في (ب): سابقاً.
(5) . كذا.
(6) في (ب): الهادي بن إبراهيم بن أخيه.
(7) في (ب): وفي.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): مع ذلك.
المرتضى بن قاسم
السيد العلامة المرتضى بن قاسم شيخ(1) بهران، قال علي بن /210/ الإمام هو من آل المؤيد بن أحمد القطابري الأصل نزيل (صنعاء) (اليمن)، كان إماماً عالماً منطيقاً مصقعاً متقناً محققاً علماً في المنطق والمعاني والبيان وسائر علوم العربية، له في أصول الفقه وفروعه يد طولى وفتواه بالتحقيق مشهورة مذكورة من أكابر شيوخه عبد الله بن محمد النجري، وكانت وفاته في شهر شعبان سنة أحد أو(2) ثلاثين وتسعمائة، وقبره في قرية من قرى السيرة(3).
__________
(1) شيخ بن بهران.
(2) في (ب): إحدى وثلاثين.
(3) في (ب): السر.
المرتضى بن مفضل
السيد العلامة المرتضى بن مفضل، قال في تاريخ السادة آل الوزير: كان - رحمه الله - (تعالى)(1) مجتهداً عالماً اجتهاد مطلقاً في غاية الكمال، في العلم والفضل والورع والزهد، بلغ في ذلك مبلغاً، وقف به على من تقدمه من آبائه الهادين وعلماء أهل البيت المتقدمين، نشأ مشغوفاً بالعلم منذ ترعرع إلى أن شاخ وشعشع، توفي أبوه وهو كامل من الرجال، وكان تفرس فيه، فعلقه بالعلم ونظم له مرافقه، وقد رأى عليه سيماء الخير والبركة والعلم والمعرفة، روى والده علي بن المرتضى أنه أخبره قال: أرسلني والدي وأنا غلام إلى الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام - إلى بعض بلاد بني شهاب، وأرسل معي بجماعة ممن يثق منهم(2) من أصحابه، فلما وصلت إلى عند الإمام رآني بعين الشفقة التامة، ورفعني منزلاً فوق الخاصة والعامة، و(كان)(3) قد كتب معي والدي بكتاب إلى عند الإمام - عليه السلام - لا علم لي بما فيه، فلما أردت القيام بأصحابي قال لي: اقعد يا مرتضى، وأمر أصحابي بالنهوض، فقال: اذهبوا حيث تحبوا، قالوا له: المرتضى يمشي معنا(4)، وقال لي بعد خروجهم: يا ولدي إن أباك كتب إلينا أن لا تفارقنا في المساء، قال: فأمسيت معه، فلما كان من الليل أعطاني جوخته، وأقبل علي بوجهه الكريم، قال: أساجلك يا مرتضى؟ فقلت: نعم يا سيدي، فقال:
(و)(5) من يساجلني يساجل ماجداً ... يملأ الدلو إذا الدلو رفض
فقلت على البديهة:
ضليع إذا استدير به سد فرحة ... يصاف فوق الأرض ليس بأعزل
قال: فقال الإمام، أحسنت يا مرتضى، وأعجب بسرعة الإجابة وحسن الإصابة، ثم (قال)(6): أقبل على الصلاة، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): بهم.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): معانا.
(5) سقط من (ب).
(6) غير موجود في (ب).
المرتضى بن مجد بن أبي الرضى
الشريف العلامة أبو طالب المرتضى بن مجد(1) بن أبي الرضى حيدر بن الأشرف شراهيك أي(2) تراب بن أبي الكرم محمد بن أبي زيد يحيى بن علي بن يحيى (بن علي)(3) بن الحسين(4) شراهيك المرعشي الرازي(5) بن حمزة النجيب بن الحسن القاضي العالم بن الحسين الأمير الرئيس بن علي المرعشي الأمير مساهم سادات العراقيين بن عبد الله بن محمد أبي الكرام بن الحسن الحليم بن الحسين الأصغر الحليم بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم.
قلت: المشهور في ضبط مرعش أنه بالراء والعين المهملتين والشين المعجمة على وزن مقعد. قال في القاموس: بلد بالشام قرب انطاكية، ووجه نسبه هذا المرعشي إليها.
قال الشريف المرتضى صاحب هذه الترجمة: إنه كان يملك قلعة المرعش، فنسب إليه، وحصن المرعش قلعة بين أرمينية وحلب. قال الشاعر:
ولقد شهدت أم القدير طعائناً ... بمرعش خيل الأرمني أريت(6)
مسعود بن علي العباسي
/211/ الشريف الأجل مسعود بن علي العباسي - رحمه الله - (تعالى)(7)، كان من أهل العلم، سكن مذاب من قرى بكيل، وكانت هجرة عامرة بالفضل، وأهله فيها الأشراف والأشياع - رحمهم الله تعالى -.
مسلم بن أسعد
الشيخ المحقق اللغوي مسلم بن أسعد، كان إمام العربية حافظ اللغة مبرزاً في الأدب، سكن حجة، ورحل إليه الإمام المنصور بالله - عليه السلام - إليها، وعليه تخرج في هذه العلوم النافعة، وعلى غيره، وكان الإمام في هذه العلوم بحيث هو أعاد الله من بركته، وكان رحلته إلى الشيخ مسلم قبل رحلته إلى شيخ الإسلام تقي الدين الحسن بن محمد الرصاص - رحمه الله -.
__________
(1) في (ب): بن محمد بن أبي الرضي.
(2) في (ب): أبي تراب.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): بن شراهيك.
(5) في (ب): الواسي.
(6) في (ب): أريب.
(7) سقط من (ب).
مشاور بن حديد العامري
مشاور بن حديد العامري من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره العلامة البغدادي (- رحمه الله تعالى -)(1).
المطهر بن أحمد بن سليمان
المطهر بن أمير المؤمنين أحمد بن سليمان عليهم(2) السلام، كان أديباً أريباً لطيف الأخلاق حسن الشمائل، حائز الفضائل، مات بالمنظر من أعمال الرحبة ببلاد (صنعاء) عند السلاطين بني حاتم، وعظم الخطب وناحوا عليه، وقيلت فيه المراثي.
مطهر بن تاج الدين
السيد مطهر بن تاج الدين. قال القاضي أحمد بن صلاح الدواري في وصفه: قرأ(3) على (حي)(4) السيد فخر الدين مطهر بن تاج الدين الحمزي - رحمه الله - (تعالى)(5) كتاب تاج علوم الأدب، وكان فيه من اللطافة والمداعبة والتحبب والترغيب في أنواع الآداب وحسن الأخلاق مما(6) لا يوجد في غيره، وكانت أكثر قراءته ومجالسته لحي مولانا الإمام شرف الدين - عليه السلام -.
مطهر التمار
مطهر التمار، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره العلامة البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(7).
المطهر بن علي بن الناصر
الأمير الخطير المطهر بن علي بن الناصر، هو جد الإمام أحمد بن سليمان (- عليه السلام -)(8)، وكان عالما (متصفاً بصفات الكمال)(9)، مصنفاً في علوم آبائه التصانيف النافعة على مذهب يحيى - عليه السلام - وتصرف في شرح التجريد للم بالله وتعقبه حفيده الإمام أحمد بن سليمان بأصول الأحكام، اختصر فيه شرح التجريد، وللمطهر على مذهب الهادي تخاريج كثيرة منها أن الترتيب في الضوء بين اليد اليمنى واليسرى، وبين الرجل اليمنى واليسرى، لا يجب، وكان شاعراً فصيحاً، وله المساجلة بينه وبين الكلاعي، ومن شعره:
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): عليه.
(3) في (ب): قرأت.
(4) غير موجود في (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): ما.
(7) سقط من (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
لجاني في الهوى لاح نصوح ... فغالب(1) نفوذي رأس جموح
فقلت له وفي الخدين مني ... دموع جدها الدمع السفوح
أتطيع(2) أن أميل إلى سلوٍّ ... وأن ينسى الهوى قلب جريح
بروحي من يرى روحي فأعجب ... بروح منه كيف أذاب(3) روح
(ومنها)(4):
فسيح(5) في الأرض واطلب المعالي(6) ... فكم من سيد فيها يسيح
ولولا أن فيمن ساح خيراً ... يفوز به لما ساح المسيح
وتوفي بذي جبلة من أعمال (اليمن) سنة خمس عشرة وأربع مائة.
مطهر بن علي النعمان الضمدي
الفقيه العارف الفصيح المتفنن مطهر بن علي النعمان الضمدي، كان عارفاً فصيحاً رحالاً متنزهاً عن الخصال الذميمة، وقرأ على مشائخ أجلاء، وله في أهل البيت (- عليهم السلام -)(7) قصائد جليلة القدر، وخمس قصيدة العلامة محمد بن علي بن عمر الضمدي التي في الزيدية - رضي الله عنهم - بهذا التخميس البديع، وهو قوله:
لذ بالقروم البزل
في كل أمر معظل
أتباع آل الرسل
أشياع زيد بن علي ... بن الحسين بن علي
هم البدور الطلع
هم الغيوث الهمع
هم حتف من يبتدع
هم الذين اتبعوا ... سنة خير مرسل
ولازموا طول الزمن
آل النبي المؤتمن
وحافظوا على السنن
وفارقوا من زاغ عن(8) ... نهج الكتاب المنزل
شيعة زيد لم(9) تضل
بل نصروه إذ خذل
وقاتلوا حتى قتل
فشأنهم في موقف ... الحشر لدى الله علي
وله قصيدة رابية في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة أظن أولها:
أقسمت بالشفع وبالوتر ... والفجر والليل إذا يسر
إن علي بن أبي طالب ... سيد آل(10) النبي الغر
وهي طويلة، وله قصيدة حسنة جامعة لسور القرآن، يتوسل بها إلى الله تعالى، أولها:
بفاتحة الكتاب أجب دعائي ... وزهراوي كتابك والنسائي
__________
(1) في (ب): فغالت مفودي.
(2) في (ب): أتطمع.
(3) في (ب): ذاب.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): فسح.
(6) في (ب): العلاء.
(7) سقط من (ب).
(8) في (ب): من.
(9) في (ب): لن.
(10) في (ب): أصحاب النبي.
وغير ذلك، لكنه عدل(1) بعد هذا إلى مطالعة أسفار رقمها سم الأراقم، ومناقب مطالعتها(2) هي عين المناقم، فمما ولع به كتب ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، فعظمها وأجلها وأنزلها منزلة الدليل المحلل والمحرم، وأجلها، ولما وصل إلى مولانا العلامة الجليل محمد بن عز الدين المفتي (- رحمه الله تعالى -)(3)، ذكره بشيء من ذلك، فنفر عنه غاية النفور(4)، وصده عن القراءة، فتوجه إلى الفقيه أحمد بن مطير لسماع بعض الأمهات التي كان رام سماعها على السيد، وله عدة كتب، منها كتاب في الطب وكتاب سماه النفحات المسكية في الأفعال الثلاثية، اختصره من الضياء، والمنقح شرح الموشح، والفرات النمير(5) كتاب فيه عبارة حسنى، وتكلم في وجوه الإعراب والبلاغة، ولكنه شابه بما شأنه من وصم محمود الطريقة، شيخ المفسرين على الحقيقة جار الله الزمخشري (- رحمه الله -)(6)، وحط /213/ من قدره في ذلك الفرات النمير بغير هدىً ولا كتاب منير، ولقد أجل (قدر)(7) هذا الشيخ الموالف(8) والمخالف، واعترفوا له بأنه العلامة، وجعلوا ذلك علمه، أعرف المعارف كما قال سعد الدين: إن علماء الأمصار أنزلوا كتابه في منازل الأبصار أو كما قال، وبعظيم هذا الشيخ آية بينة على منزلة العالم في العلم، فإنه لا يعرف (الفضل)(9) لذي الفضل إلا ذو الفضل، ولله الفقيه ابن هطيل شارح المفصل حيث يقول في قصيدته التي(10) فيها على النحو التي أولها:
هل النحو إلا بحر علم يخوضه ... صبور على درس الدفاتر مقبل
ومنها في صفة صاحب النحو:
ويرعا لجار الله حرمة جاره ... وهل مثل جار الله ألا يفضّل
على فضله الكشاف أكبر شاهد ... ولم يعرض النظار إلا المفصل
__________
(1) في (ب): بعد هذا عدل.
(2) في (ب): مطالعها.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): النفار.
(5) في (ب): النمير تفسير.
(6) غير موجود في (ب).
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): المخالف والمؤالف.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): التي يخص فيها.
وكان الفقيه مطهر من أهل الذكاء والفطنة الوقادة والحافظة الحسنة والسليقة المطاوعة، وله الأشعار البليغة في الإخوانيات والغزليات، يأتي بكل معنى لطيف، لولا(1) خوف الإطالة لذكرنا مقاطيع سكرها نباتي قد روقه بزلال صافي(2)، ومن تحفة أنه كان لمولانا السيد العلامة(3) جمال الإسلام صلاح بن أحمد بن المهدي عبد شديد السواد يسمى سوّاد - بوزن فعّال، بتشديد العين وضم الفاء - وكان يعطي الأصحاب في الحضرة القهوة أو نحوها، فسكت عن الفقيه مطهر وأخره، فقال بديها:
جمعت سواد الوجه والقلب يا فتى ... فمن أجل ذا سماك أهلك سواد
وكان بينه وبين السادة الكرام من آل المؤيد مطارحات أدبية ومفاكهات حسنية على أساليب أولئك السادة الصيد بناة المجد وثبوت(4) القصيدة، ولهم في ذلك كل معنى حسن، ولم يحضرني إلا ما أنشده الفقيه المطهر عقيب رحلة السيد صلاح الدين من أبي عريش عقيب فتحه له(5) من يد الأروام:
إن كان أحبابنا بالهجرة(6) قد طالبوا ... قلباً فسيان أعداء وأحباب
وهل يريد بك الأعداء أقتل من ... هذا المصاب الذي من دونه الصاب
شدوا المطايا غدات البين فارتحلت ... نفسي كأن غراب البين أقتاب
وثارت العيس بالأضعان راعية ... يوم النوى فاستوى راع ونعاب
لله روحي وقلبي بعد بعدهم ... ورحمة لعيوني عب ما غابوا
فالروح طائرة والقلب قد فتحت ... سماؤه فهو يوم البين أبواب
والعين كالعين من بعد الرحيل فما ... ينفك من جفنها فيض وتسكاب
وكل جارحة مجروحة بسكا ... كين الفراق كأن البين قطاب(7)
أحبابنا إن نأت عنا دياركم ... وقوضت من خيام الوصل أطناب
__________
(1) في (ب): ولولا.
(2) بياض في (ب).
(3) في (ب): العلامة الحافظ جمال الدين.
(4) في (ب): وثبت القصيد.
(5) في (ب): فتحه له واحدة.
(6) في (ب): بالهجرة قد طلبوا.
(7) في (ب): قصاب.
فالقلب(1) قد ضربت فيه خيامكم ... (وما لكم عنه طول الدهر أضراب)(2)
وكيف يسلوا أخلا الصفا وقد ... (شبوا الجوى ولمحض الود ما شابوا)(3)
وإن أهل جنان الخلد في غرف ... مبنية تحتها نخل وأعناب
/214/لهم فواكه مما يشتهون ومن ... صافي الشراب أباريق وأكواب
يطوف غلمانهم بالراح بينهم ... وعندهم قاصرات الطرف أتراب
وكل ذلك لا يسليهم أبداً ... عن اجتماع بإخوان لهم طابوا
واقرأ على عذلي القرآن يستمعو ... في الرعد والطور والتطفيف ما عابوا
فأجابه المولى السيد الإمام(4) صلاح الدين - رحمه الله تعالى - فقال:
ما طبت من بعد أصحاب لنا طابوا ... نفساً ولا آب نومي بعد ما غابوا
فالقلب والعين والأحشاء بعدهم ... لها خفوق وتسكاب وتلهاب
والصبر والوجد والأشواق قد فتحت ... وأغلقت مذ نأوا من تلك أبواب
أقمار تمّ غدا في القلب برجهم ... إذ لم يكن لهم في الطرف حساب
إلى آخر أبياته - رحمه الله - (تعالى)(5)، والسياق لمعرفة مكانة الفقيه في الشعر، وله أبيات،
ويلاه من جفنة السقيم ... وخدّه يريح(6) القسيم
يلوح صبح الجبين منه ... تحت دجا شعره البهيم
كأنما الخد من نظار ... والثغر من لؤلؤ عظيم(7)
كأنما اللحظ منه موسى ... يخرج في قلبي الكليم
إذا رآه الوشاة قالوا ... تبارك الله من حكيم
يقول إن(8) رمت وصله ما ... لظالم (قط)(9) من حميم
معتزلي رافضي لهذا ... لا يعرف الجبر للنديم
وهي طويلة، حضر عند الرقم هذا اليسير والقليل إلى الكثير يشير، ودخل عدن للاعتبار والتنزه، ولما وصل لحجاً أنشده(10) يقول:
__________
(1) في (ب): والقلب.
(2) في (ب): وقوضت من خيام الوصل أطناب.
(3) في (ب): ومالكم عنه طول الدهر أضراب. والبيت كله مكرر في (ب).
(4) زيادة في (ب): العلامة.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): الأملح.
(7) في (ب): نظيم.
(8) في (ب): إذا.
(9) في (ب): وما من.
(10) في (ب): أنشد.
عيسى وقد وفيت(1) مجتهداً ... لحجاً ولاحت لها الأعلام من عدن
أمنتها الأرض يا هذا تريد بنا ... فقلت كلا ولكن منتهى (اليمن)
توفي بضمد الهجرة المشهورة بتهمة(2) أظن ذلك في عام تسع وأربعين وألف تقريباً.
مطهر بن كثير الجمل
الفقيه العلامة المحقق أحد الأعلام، فخر الدين مطهر بن كثير الملقب بالجمل، هو العالم الكبير والفاضل الشهير، (متقن)(3) في جميع العلوم وهو مصنف المعراج والمتمم جامع الخلاف، وقرأ وحقق في علم المنطق، فروي أنه كان يقول مبالغة والله أعلم أن دجاجه يعرفن منطق(4) من كثرة تحقيقه له، ولما وصل الدماميني الشافعي - رحمه الله - في رحلته إلى (صنعاء) والفقيه مطهر يدرس في العلوم فقال فيه:
إني رأيت عجيبة في ذا الزمن ... شاهدتها في وسط (صنعاء) (اليمن)
إن تسألوني ما رأيت فإنه ... جمل بها يقري الورى في كل فن
__________
(1) في (ب): أوفيت.
(2) في (ب): بتهامة.
(3) في (ب): متفنن.
(4) في (ب): المنطق.
وقرأ عليه (عدة من)(1) جلة(2) السادات، منهم السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد بن الوزير، والسيد عماد الدين يحيى بن صلاح وغيره من أخيارهم، وله مع أهل زمنه حكايات من المعاندين والموافقين كما يجري لمثلهم من أهل الفضل وأهل العلم، وله رسائل في شأن الوسوسة أرسلها إلى (مكة) وإلى الهند (وعينها)(3) أجوبة كانت عندي بخطوط أهلها، ومن تحفه أنه قبر المنع في(4) حدة الذي كان المهاتير يستحثون به القبائل في إعراضهم، وهو ريحان يضعونه بينهم ويرقصون هم ونساءهم في البلاد ويفعلون منكرات كبار في أبناء ذلك، فلما وصلوا إلى حدّه نكر(5) ذلك ودفن ريحانهم في التراب، ولذلك يسمون أهل(6) قبارة المنع - رحمه الله تعالى -. وسمعت كتابه الأصول على سيدنا الفقيه نسر بن أحمد(7) /215/ بن عبد الله الطربي - رحمه الله -(8). انتهى ما نقلته عن السيد العلامة عبد الله بن الإمام شرف الدين بلفظه من قوله: وقرأ عليه. وقوله: وسمعت كتابه الأصول، لفظ عبد الله بن الإمام(9).
مطهر بن محمد بن حسين
__________
(1) في (ب): غير موجود.
(2) في (ب): حلة السادات.
(3) في (ب): وعليها.
(4) في (ب): بحدة.
(5) في (ب): أنكر.
(6) في (ب): أهل حدة قبارة.
(7) في (ب): نسر بن أحمد بن أحمد بن عبدالله بن أحمد.
(8) زيادة في (ب): تعالى.
(9) زيادة في (ب): انتهى.
العلامة مطهر بن محمد بن حسين، هو الفقيه العلامة الإمام الأصولي النحوي المفسر المحدث أحد مذاكري المذهب وفصحاء الشيعة جمال الملة والدين مطهر بن محمد بن حسين بن محمد بن يحيى (بن)(1) تريك التميمي نسباً، الصعدي بلداً، الزيدي(2) مذهباً، كانت ولادته قبل(3) سبعمائة من الهجرة النبوية تخميناً، ووفاته لسنة(4) ثماني وأربعين وسبعمائة تحقيقاً، ودفن بأعلى العريضين غربي (صعدة)، وقبره مشهور مزور، من فضائله اعتنائه ببناء القبة الشريفة بالمشهد اليحيوي المقدس على الكيفية التي هي عليها الآن على(5) الإمام الأعظم إمام (اليمن) المحيي لميت الفرائض والسنن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحافظ بن الإمام الملقب بالعلم(6) القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين، وعلى من عنده من أهله، وكان قبل هذا الصنع على أربعة أركان لا سداد بينها فجزاه الله عن الأئمة خيراً، وكانت قراءته في الأصولين على الفقيه العلامة ترجمان الدين قاسم بن أحمد بن حميد المحلي، وكان يومئذ فارسهما المجلي، وكانت قرائتهما عليه في وحوب(7) بـ(صنعاء) أيام دخلها المؤيد(8) بالله يحيى بن حمزة، وترحبه وهي هجرة جدّه حميد الشهيد - رحمه الله - (تعالى)(9)، وكانت قراءته في العربية على الإمام يحيى(10) بحوث في ايام سيادته، ثم انتقل من حوث إلى (صنعاء)، فقرأ في علم المعاني(11) على القاضي العلامة تاج الدين عبد الباقي بن عبد المجيد بن متى القرشي، فسمع عليه كتاب مفتاح العلوم للسكاكي واستكمل أجزاؤه قراءة، وكتاب التلخيص وهو يرويه عن مصنفه قراءة، وسمع كتاب الكشاف جميعه على الفقيه العلامة شمس
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): والزيدي.
(3) في (ب): كانت ولاده قبل عام دخول سبعمائة.
(4) في (ب): سنة.
(5) في (ب): ومن.
(6) في (ب): بالعالم.
(7) . كذا وفي (ب): حوث (ظ).
(8) في (ب): الإمام المؤيد.
(9) سقط من (ب).
(10) في (ب): يحيى بن حمزة.
(11) في (ب): المعاني والبيان.
الدين محمد بن عبد الله الكوفي المعروف بابن الغزال بـ(صنعاء) بمحضر الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر - عليهما السلام - ومحضر جماعة من الأعيان، وذلك سنة سبع وعشرين وسبعمائة، والدولة يومئذ(1) للإمام - عليه السلام - وللفقيه المذكور ديوان جيد يشتمل على غرر مرقومة ودرر منظومة وسمى ذلك الديوان أشجاع حمائم(2) الأيك من نظم العلامة البارع(3) مطهر بن تريك وختمه برسالة حسنة سماها عنوان السعادة ومفتاح الإفادة، وكتبها إلى الأمير جمال الدين الهادي بن عز الدين محمد بن أحمد بن (الإمام)(4) المنصور (بالله)(5)، وهو يومئذ أمير (صعدة) ونواحيها يأمره(6) فيها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وختمها بأبيات، ورسالة أخرى سماها تبصرة أولي الألباب الراغبين إلى(7) الحق من اهل الكتاب، نصرة لأهل الإيمان ورداً على اليهودي سليمان، وكان هذا اليهودي قد صدر رسالة يذكر أنه معترف بنبوية(8) نبيئنا - صلى الله عليه وآله وسلم - وبما جاء به خلى أنه يزعم أنه رسول إلى العرب دون أهل الكتاب، فأجابه الفقيه بأحسن جواب فجزاه الله عن المسلمين خيراً، وحل شبهه، ومن شعره إلى الإمام محمد بن المطهر يطلب منه عارية نسخة الكتاب الذي جيء له به(9) من الشام ونسخة المفتاح المشتملة على العلوم الأربعة فيقص عليهما(10) نسختيه من أبيات /216/:
هل يسمحن لنا الإمام المرتضى ... وهو الجواد بعارة(11) الكشاف
فلنا إليه تطلع وتشوق ... شوق العطاش إلى الزلال الصافي
بل شوق مولانا إلى بذل اللّها ... وإغاثة الملهوف والإنصاف
__________
(1) في (ب): والدولة يومئذ بـ(صنعاء) للإمام.
(2) في (ب): حمام.
(3) في (ب): البارك.
(4) سقط من (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): يأمر فيها.
(7) في (ب): إلى أهل الحق.
(8) في (ب): بنبوءة.
(9) في (ب): بها.
(10) في (ب): عليهم.
(11) في (ب): بعارية.
وله من أبيات كتبها إلى القاضيين (العالمين)(1) أحمد والفضل ابنا أخي القاضي الفضل العالم المشهور وبلدهم دمت بخبان، وكانا قد كتبا أبياتاً إليه وإلى (الفقيه)(2) العلامة شمس الدين أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، و(كان)(3) قد بلغهما (عنهما)(4) أنهما بايعا السيد شمس الدين أحمد بن قاسم الحسيني(5) الزيدي في زمن الإمام محمد بن المطهر، ولم يكن من ذلك شيء، فأجاب عنه وعن الفقيه أحمد بأبيات طويلة، منها:
فتوبوا عن ظنونكم الخواطئ ... ليهديكم الهكم الصراطا
ومن شعره إلى قاضي القضاة ابن حسان:
مني السلام على القاضي ابن حسان ... من لا يشابه في صرف ولا إحسان(6)
ومن شعره إلى الإمام يحيى(7) - عليه السلام - أيام سيادته في وصف كتاب صنفه وسماه القسطاس في علم القياس(8):
من رام للفقه تحصيلاً من الناس ... ولم يكن لمعانيه بقياس
فقد تشوق للهيات يدركها ... على تنوعها من غير إحساس
كذا القياس لعمري في تعسره(9) ... على مؤمله من غير قسطاس
تأليف أعلم آل المصطفى وهم ... الأخيار في العلم والسادات في الناس
يحيى بن حمزة المحي للعلوم وقد ... كاد الزمان يواريها بإرماس
وله أشعار كثيرة إلى الشيخ العلامة علي بن إبراهيم بن عطية البحراني(10)، وكتب (بها)(11) من (صنعاء) وحوث.
المطهر بن محمد بن المتوكل على الله
السيد العلامة المطهر بن الإمام المهدي لدين الله محمد بن المتوكل على الله، هو(12) من عيون أهل اليبت - عليهم السلام - ومن العلماء المعتبرين، صالحاً للإمامة، فصيحاً(13) شاعراً، وكان ادعى الإمامة واعتزل بعد ذلك، ذكره العلامة بن الجلال.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): الحسني.
(6) في (ب): من لا يشابهه في طرف وإحسان
(7) في (ب): يحيى بن حمزة أيام.
(8) في (ب): فقال:
(9) في (ب): تعره.
(10) في (ب): النجراني.
(11) سقط من (ب).
(12) في (ب): وهو.
(13) في (ب): شاعراً فصيحاً.
المطهر بن محمد
المطهر بن محمد، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: له معرفة تامة في العلوم، وله مسائل في علمي الأصولين جيدة، (البحرين)(1) في غوامض العلمين، ودقيق مباحثهما، وهي معنا بخطه وخطه جيد حسن.
المطهر بن الهادي الجحافي
السيد المطهر بن الهادي(2) (الجحافي)(3). قال السيد الصارم(4) - رحمه الله - (تعالى)(5): السيد الفاضل العارف الكامل صلاح الدين المطهر بن المهدى بن إبراهيم، كان - رحمه الله - من أعيان السادة وأهل المعرفة في الفرائض والفقه وغير ذلك، وتولى النظر في بلاد ظليمة وما إليها نيابة عن والده وعمه، ثم ولي النظر فيها للإمام الناصر الحسن بن علي بن داود عادت بركته(6).
مطهر بن يحيى بن الحسين
مطهر(7) بن السيد عماد الدين يحيى بن الحسين - رحمهم الله - (تعالى)(8)، كان حسن الطريقة، صاحب البصيرة(9)، وفضل وخصال حميدة، أعاد الله من بركته، ونفع بعلومه.
معاوية بن إسحاق بن يزيد
معاوية بن إسحاق بن يزيد بن حارثة من أصحاب زيد بن علي - عليه السلام - وممن أخذ عنه (- رحمه الله -)(10)، ذكره(11) الشيخ العالم، وليّ آل محمد القاسم بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(12).
معمر بن خثيم
معمر بن خثيم من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي عليه(13) السلام، وممن أخذ عنه و(ممن)(14) شهد مقتله وجاهد /217/ معه - عليه السلام - وكان محدثاً فاضلاً، ذكره الشيخ العالم القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(15).
__________
(1) في (ب): التحرير (ظ).
(2) في (ب): بن الهدى.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): صارم الدين.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): بركاته.
(7) في (ب): المطهر.
(8) سقط من (ب).
(9) في (ب): بصيرة.
(10) غير موجود هنا في (ب).
(11) في (ب): ذكره - رحمه الله - الشيخ.
(12) غير موجود في (ب).
(13) في (ب): عليهم.
(14) سقط من (ب).
(15) سقط من (ب).
معوضة بن محمد بن عبد الله
العلامة(1) معوضة بن محمد بن عبد الله مؤلف البيان، وسمى كتابه هذا أيضاً البيان لمناهج الإسلام في معرفة الحلال والحرام لفوائد التحرير لمذاهب العترة الكرام.
معيض بن مفلح بن معان
الفقيه النقاب الكاشف عن أسرار التنزيل كل نقاب معيض بن مفلح بن معان، فقيه جليل نبيه نبيل، له تفسير من أعجب التفاسير، يشتمل على كل فائدة سرية، يستشهد بالأبيات العربية القح بألفاظ يستزل العصم جزاه الله خيراً وقرع منه في مجلدين كاملين رأيته بخط يده خط واضح البيان، وقال: فرغ منه في (فراغ)، وهو من مشيخة(2) الإمام الناصر صلاح الدين محمد بن علي - عليه السلام - لازمه حتى أخذ عنه في العلوم، وكان في النحو إماماً، وهو من موالي آل الهبي(3).
معين بن الحكم
العالم الكامل معين بن الحكم صاحب الهجرة التي تعرف بدار معين، (وهجرة معين)(4) - أيضاً - من نواحي أرض الربيعة من خولان، وكان عالماً زاهداً، وقعت منه مفارقة للإمام المهدي الحسين بن القاسم بعد أن كان بايعه مبايعة من دون بيعة، وحضر حرباً فقتل فيه قتيلاً، ثم استنكر شيئاً في السيرة، فسلم نفسه لأهل القتيل، وسلم السلب فصفح(5) أهل القتيل وأحسنوا إليه ولزم منزله سائر عمره، فلم يأت أحداً.
__________
(1) في (ب): العلامة معوضة العلامة.
(2) في (ب): في شيخه.
(3) في (ب): المفتي (ظ).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): فصفح عنه.
مفضل بن منصور
مفضل بن منصور. قال (السيد)(1) الشمسي في تاريخ السادة: كان(2) مشهور العلم والإجابة في الناس، لا يمتري في فضله ولا يختلف في شرفه وفضله(3)، جامعاً بين العلم والعبادة والورع والزهادة، وأفضت إليه رئاسة بني المفضل، وكان في أول الأمر في زمان الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - وهو شاب صغير السن في أيام الطلب والقراءة، فلم يظهر له في وقت الإمام المهدي صيت عال، ولا ذكره صاحب السيرة في الكبراء الذين ذكروا، وإلا فقد وصل إلى الإمام - عليه السلام - وكتب له خطاً فيه ذكر له ونعت(4) وثناء، وذكر (فيه)(5) درسته وأشياعه، وإن أمر بهجرة(6) وقش والنظر في مصالحها ومساجدها إليه، وحين أدرك مراده من العلم الشريف وبلغ فيه غاية(7) ما يبلغه أهل التدريس والتصنيف ضم إلى فضيلة العلم، (وشرفه)(8) فضيلة الجهاد، وشرفه لما دعا الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليه السلام - تلقاه بالإكرام(9) والإعظام، واجتهد في أمره وإقبال الناس إليه، وحث على إلزام(10) طاعته، وبالغ في نصرته والإهراع إلى جمعته وجماعته، وحين وصل إلى (اليمن) أدخله إلى وقش، وأقام بها وأسكنه داره، وفعل إليه من المعروف والإكرام ما لا يوصف ولا يجد ولا يتكلف، وكان مما قال الإمام إبراهيم بن تاج الدين: الحمد لله الذي ثبتكم بأصحابنا وثبت من لديكم (بالهجر بين)(11) وقش والحليلة، وعصمكم عن المشاركة في أمر الإمام المهدي أحمد بن الحسين - عليه السلام - وكان الهجرتان في ذلك الزمان مشحونتين بالعلماء والأفاضل، وفاته - رحمه الله - (تعالى)(12) كما ذكر محمد بن عبد الله، ومن حظه نقلت توفي سنة اثنين
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): وكان.
(3) في (ب): ونبله.
(4) في (ب): ذكر له نعت.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): هجرة.
(7) سقط من (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): بالإعظام والإكرام.
(10) في (ب): التزام.
(11) في (ب): من الهجرين.
(12) سقط من (ب).
وثمانين وستمائة، وقبره بوقش بالموضع المسمى بالمقلع(1) /218/ انتهى.
قال السيد أحمد بن عبد الله - بعد تمام كلام السيد الهادي (- رحمه الله -)(2) - في التاريخ: قلت وقد أثنى على سيدي المفضل الإمام الحسن بن بدر الدين - عليه السلام - في قصيدته التي ذكر فيها من أجاب دعوته، فقال فيه:
ومثل مفضل والفضل حق ... لذلك(3) قيل فهو به حري
ففي شرف الهدى علم وحلم ... ودين قيم وبه كفى
وكان ينبغي تقييد هذه الفضيلة من سيدي جمال الدين - رحمه الله - (تعالى)(4)، ومما ينبغي أن يلحق في أخباره رضي(5) الله عنه ما ذكره سيدي الهادي بن إبراهيم بن علي - رضي الله عنه - قال: حدثني سيدي ووالدي - رحمه الله تعالى - قال: أصاب أهل شطب جدب عظيم وارتفعت عنهم الأمطار، وتعطلت(6) المناهل عن المياه فوصلوا إلى جدي مفضل بن منصور وطلبوه الخروج للاستسقاء، فاعتذرهم ووعدهم بخير، (و)(7) وقف إلى جانب في الليل، ثم نزل إلى مصلاه، وكان في أسفل الدار، فتوضى أحسن الوضوء، ثم استقبل محرابه في مصلاه فصلى فيه ثم(8) دعا إلى الله تعالى أن يسقي البلاد ويرحم العباد، فما خرج من موضعه الذي صلى فيه ودعا حتى أنزل الله تعالى مطراً عظيماً خصيباً، وروي الماجل وملأ المناهل(9)، وأخصبت بها الأفنية والقضاب، وكانت هذه من فضائله - رضي الله عنه -.
__________
(1) في (ب): القلع.
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): بذلك.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): رضوان الله عليه.
(6) في (ب): فتعطلت.
(7) سقط من (ب).
(8) في (ب): ودعا الله تعالى.
(9) في (ب) زيادة: وملأ المناهل وأصبح الناس في أمطار قد سالت منها الأودية والشعاب وأخصبت.
موسى بن أحمد بن سليمان
موسى بن أحمد بن سليمان بن أبي الرجال، فقيه فاضل عظيم المقدار(1)، له آثار صالحة، وعمارات بمشهد الإمام(2) أحمد بن الحسين عادت بركته(3) بذيبين، وقبره غربي مسجد حنط حمران مسكن القضاة آل أبي الرجال، وموته (- رحمه الله -)(4) يوم الجمعة بشهر صفر سنة أربعين وثمانمائة.
موسى بن سليمان بن أحمد
موسى بن سليمان بن أحمد بن أبي الرجال، صنوه(5) العلامة محمد بن سليمان بن أبي الرجال رحمه(6) الله (تعالى)(7)، فقيه عالم كبير محدث، رحل إلى (الحجاز) وسمع هنالك جملة(8) كتب من كتب الأئمة، أمالي (الإمام)(9) الناطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني على الشيخ الحافظ لعلوم العترة علي بن أحمد بن داعس البخاري (- رحمه الله -)(10)، وللشيخ المذكور طريق هي عندنا بخطه من طريق الفقيه حميد المحلي - رضي الله عنه - وقرأ عليه الإرشاد في طريق الآخرة والزهاد للعلامة رباني الشيعة عبد الله بن زيد، وقرأ عليه موطأ مالك من كتب الفقهاء، كل ذلك بينبع من أعمال (الحجاز) الشريف، كل ذلك في سنة خمس عشرة وسبعمائة، وكان لموسى كتب نافعة مضبوطة من كتب المذهب وغيره، (و)(11) له تحشية بخط معروف على كتب (أهل)(12) المذهب، وله نسخة الموطأ التي في الخزانة، ونهاية(13) المجتهد، وكان بينه وبين أخيه إبراهيم الماضي ذكره اختصاص كلي واتحاد.
موسى بن عبد الله بن موسى الجون
موسى بن عبد الله بن موسى الجون (- رحمه الله -)(14)، كان سيداً سرياً شريفاً كامل الصفات وجيهاً، وولده حوالي (مكة) بادية فيهم البأس والنجدة والشجاعة، بهم يضرب الأمثال.
__________
(1) في (ب): عظيم القدر.
(2) في (ب): للإمام.
(3) في (ب): بركاته.
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): صنو.
(6) في (ب): - رحمهما الله -.
(7) غير موجود في (ب).
(8) جملة من الكتب من كتب.
(9) سقط من (ب).
(10) سقط من (ب).
(11) سقط من (ب).
(12) سقط من (ب).
(13) في (ب): ونهايته.
(14) غير موجود في (ب).
قال الشريف ابن عنبة: كان سيداً يروي الحديث، ويقال له موسى الثاني.
قال أبو مضر البخاري: مات بسويقة المدينة. قال أبو جعفر بن معية الحسني النسابة: قتل سنة ست وخمسين ومائتين. (و)(1) قال المسعودي في مروج الذهب: حمل سعيد الحاجب من المدينة في ايام المعتز موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - وكان /219/ من الزهد(2) والنسك في نهاية الوصف، وكان معه ابنه إدريس بن موسى، فلما صار سعيد بناحية من تأله من ناحية (العراق) اجتمع خلق من العرب من بني قرارة وغيرهم لأخذ موسى من يده، فسمه (ومات)(3) هنالك، وخلصت بنو فزارة ابنه إدريس بن موسى من يدي سعيد، والله أعلم.
أبو الزياد الموح بن علي
أبو الزياد الموح بن علي، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - ذكره الشيخ العالم ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(4).
المؤيد بن أحمد بن يحيى
الشريف العلامة الكبير النحرير(5) الفاضل المؤيد بن أحمد بن يحيى من ولد إسحاق بن يوسف المنصور الداعي سلام الله عليه من اهل الفضل الكبير والقدر الخطير والعلم والعبادة والنسك والزهادة، أعاد الله من بركته، ترجم(6) له ابن السيد جلال الدين - رحمه الله - (تعالى)(7).
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): وكان من النسك والزهد.
(3) غير موجود في (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): الفاضل النحرير.
(6) في (ب): ممن ترجم له.
(7) سقط من (ب).
المؤيد بن أحمد بن شمس الدين
الأمير جمال الدين المؤيد بن الأمير ترجمان الدين أحمد بن(1) شمس الدين يحيى - عليهم السلام - كان من العلماء المبرزين والفضلاء المحققين، تشد(2) إليه الرحال (ويسند إليه الرجال)(3)، سكن قطابر ونشر العلوم، ومن تلامذته السيد الإمام صاحب الياقوته والجوهرة والعلامة يحيى البحيبح، وحاتم بن منصور، واتصل به الفقيه محمد بن سليمان، ولعل بينهما صهارة، وقبر(4) ببلاد بني حذيفة في وادي صارة.
المؤيد بن الحسن بن عز الدين
السيد المؤيد بن الحسن بن الإمام عز الدين، كان عالماً عاملاً كاملاً فاضلاً من سادات وقته، وعيون أوانه، رحل من (صعدة) إلى (صنعاء)، فكان لوصوله إلى هجرة الجراف من المقام ما تزينت به الأيام ونشر عليه إخوانه إلى(5) الإمام شرف الدين المطارف وألوائه(6) اللطائف سيما علي بن أمير المؤمنين، وكان وقوفه في دار شمس الدين بن الإمام، ووصل الحضرة في آخر الحجة الحرام(7) سنة إحدى وخمسين، وأقام إلى ثاني شهر ربيع الأول على أحسن حال، ثم انتقل إلى جوار الله - رحمه الله - (تعالى)(8)، وكثر لمصرعه التأسف، ورثي، ومن جملة ما قيل فيه كتاب يحيى بن أحمد بن أمير المؤمنين عليهم(9) السلام (فراغ).
__________
(1) في (ب): أحمد بن المهدي بن شمس الدين.
(2) في (ب): وتشد.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): وقبره.
(5) في (ب): آل الإمام.
(6) في (ب): ووالو له.
(7) في (ب): آخر سنة.
(8) سقط من (ب).
(9) في (ب): عليه.
منصور بن راشد
منصور بن راشد، قال العلامة حسن بن نسر بن منصور - رحمه الله - (تعالى)(1) ما لفظه: كان مولد حي القاضي العالم (العامل)(2) الورع الزاهد حليف القرآن وربيب الإيمان وبدر المجالس، وبهاء المدارس فخر العصابة العدلية وإمام الفرقة الزيدية المحاسب نفسه مدة حياته والمشتغل بعبادة ربه في أوقاته قدس الله روحه ونور ضريحه بهاء الدين منصور بن حسن بن نسر سنة تسع وأربعين وستمائة، وكانت وفاته - رحمه الله - لثمان خلون من شهر محرم (غرة)(3) سنة اثنين وثلاثين وسبعمائة (سنة)(4) في الثلث الأخير من ليلة الجمعة أفاض الله علينا من بركاته، ووفقنا لمرضاته ورزقنا حسن الاستعداد لمثل وفاته إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
منصور بن علي بن محمد
القاضي العلامة منصور بن علي بن محمد بن مديح، له مختصر في الفرائض حسن مفيد.
المنصور بن المعتمر
المنصور بن المعتمر، (من)(5) أحد دعاة زيد بن علي - عليهم السلام - وممن أخذ عنه، كان فقيهاً ورعاً محدثاً، ذكره الشيخ ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز(6) البغدادي - رحمه الله -.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) غير موجود في (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): بن إسحاق بن جعفر البغدادي.
منصور بن المفضل
منصور بن المفضل. قال السيد الشمسي في تاريخ السادة: هو(1) من أهل العلم والكمال، ومن أعظم سادات الآل، وهو أكبر من أخيه محمد، وكان جامعاً لمحمود الخصال ومحاسن الخلال، مقدماً في الشجاعة والفصاحة والبراعة، وكان لا يرى تكفير المطرفية /220/، وروى صاحب سيرة(2) المنصور بالله - عليه السلام - وكان نغيصاً كما قدمنا أن الإمام احمد بن سليمان - عليه السلام - لما قدم على الأمير المفضل بن الحجاج إلى وقش وأكرمه وأضافه وأحسن نزله قال (له)(3) لا يحضر الذبائح ولدك منصور فإنه لا يرى كفر المطرفية ويواليهم، قال: فضحك مفضل بن الحجاج من ذلك، وقال: هو ولدك، وتوفي (- رحمه الله -)(4) بهجرة وقش.
منصور بن يحيى
منصور بن يحيى، قال في تاريخ السادة: كان كامل الأوصاف موطأ الأكتاف شريف الفعال زكي الأعمال، له علم ورجاحة وفضل وسماحة، وأدرك الدولة المنصورية، وجرى في مهيع(5) الله يحيى بن منصور مع الإمام المنصور بالله - عليه السلام - من التزام أمره ومتابعته واعتماد نصره ومشائعته.
أبو منصور الشريحي
القاضي أبو منصور الشريحي - رحمه الله - من ناقلة جعفر الصادق صاحب(6) الزيادات.
__________
(1) في (ب): وهو.
(2) في (ب): الإمام.
(3) غير موجود في (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): منيع.
(6) في (ب): شارح.
المهدي بن إبراهيم بن مفضل
المهدي بن إبراهيم بن مفضل. قال السيد الشمسي في تاريخ السادة: كان سيداً عالماً فاضلاً ركناً مرضياً ورعاً زاهداً تقياً، نشأ على نهج الطهارة والفضل والعبادة وارتضع أخلاف العلوم وميز بين منطوقها والمفهوم وحسنت فائدته في العلم، وجادت قرابة(1) ومهرت فيه صناعته، وكان علم أوانه وسيد سادات أبناء زمانه، وكان في أعداد(2) أكابر العلماء، أقبل على العلم ولم يشغله غيره، وسكن بوقش، ولم ينفصل عنها إلا لطلب العلم، وكانت قراءته بـ(صنعاء)، وهي إذ ذاك الأوان مشحونة بالعلماء والفضلاء، وتوفي شهيداً حميداً، (فقيل(3) في سنة خمس وأربعين وسبعمائة)، أدرك فضل الشهادة وختم له بالحسنى وزيادة، وذلك أنه لما تجهز الإمام علي بن محمد - عليه السلام - إلى بلاد (حراز) لجهاد الباطنية سار معه وجوه السادة والفضلاء والعلماء، قال أخوه محمد بن إبراهيم: سار من أصحابنا جماعة وافرة، ورأيت أخي المهدي استعد للمسير، واشتقت للسير مع السائرين، فقال(4) لي أخي المهدي: تقف يا محمد ويكون لنا بقية، قال: فرابني كلامه، وقلت في نفسي ما هذا إلا لأمر، وسار وأنا ذلك اليوم في عنفوان الشباب، فما راعني إلا ورود العلم الهائل بقتل الإمام - عليه السلام - ومن معه، وكانوا قد وقعوا بالإمام حتى ظنوا أنهم قد قتلوه لما أصابه من طعن وضرب، وما صدروا عنه وله عين تطرف، لكن أراد الله نشر السر المستودع فيه بإبقائه لما علم الله من صلاح الإسلام بحياته، وكان الإمام يحيى بن حمزة بهران واقفاً هنالك وقت مسير الإمام علي بن محمد إلى العيانة بـ(حراز) هو ومن(5) معه وإلى هذه القصة(6) أشار الواثق بقوله:
وأنا بذروان ليس(7) أنا بمديح ... وأنا المطهر(8) ليس أنا المبوح
__________
(1) في (ب): قراءته.
(2) في (ب): عداد.
(3) في (ب): فقيداً سنة 745.
(4) في (ب): قال.
(5) في (ب): ومن سار معه.
(6) في (ب): ومن سار معه.
(7) في (ب): وليس.
(8) في (ب): مطهر.
(وكان الإمام علي بن محمد - عليه السلام - يعرف مع العامة بالإمام المتوح؛ لأنه جرح في (حراز) جراحات قاتلة، ووقاه الله منها فسموه المتوح أي لم يتم قتله، وهي معروفة في لسان القبائل)(1)، وقتل المهدي بن إبراهيم، وكان في ذلك المقام تام الهيبة والثبات في القتل قدم من الشهادة على ما قدم عليه الشهداء من سلفه، وظهرت له فضائل وكرامات، وهي مذكورة بعضها في سيرة الإمام المهدي - عليه السلام - منها أنه لما /221/ قتل دفن بمكان، وكان قد قطع رأسه، ثم أرادوا نقل جثته من الموضع الذي قتل فيه إلى مكان آخر فوجدوا رأسه قد رد إلى جسده واتصل بعنقه، وقتل معه جماعة من السادة والشيعة وغيرهم - رضي الله عنهم - وأعاد من بركتهم(2).
المهدي بن إبراهيم
المهدي بن الإمام إبراهيم، كان فاضلاً (عالماً)(3)، مات بهجرة تاج الدين بسنة(4) تسع عشرة وسبعمائة، وله أحد وستون سنة.
__________
(1) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(2) في (ب): بركاتهم.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): سنة.
المهدي بن أحمد بن الهدي
السيد المهدي بن أحمد بن المهدى، قال السيد صارم الدين، هو السيد الفاضل الزاهد الكامل العالم (العامل)(1) صلاح الدين المهدي بن أحمد بن المهدى، كان - رحمه الله - (تعالى)(2) من اهل الفضل والصلاح، وله الخط الجيد، كتب الكثير، ولما استولى الأتراك على البلاد وحصروا (شهارة) توجه السيد المهدي إلى لاعة، ثم إلى نمرة، ثم اتصل بعلي بن محمد (بن)(3) مطير، وأكرمه الفقيه علي وخلطه بأولاده، وسمع عليه الصحيحين، ولما حبس أولاد الإمام القاسم - عليه السلام - بكوكبان وبلغ الفقيه علي بن مطير (أن شريفة)(4) تزوجت بغير فاطمي ببلاد لاعة فكتب في ذلك فتوى بالتفريق، واستبدل وبسط، ثم طلع إلى كوكبان وطلع معه السيد المهدي ورام الفقيه أن يتفق بعلماء الزيدية كمهدي الرخمي وصلاح الشطبي، فلم يتيسر(5) ذلك، وبعد مدة أعاد السيد المهدي إلى وطنه، قرأ عليه السيد إبراهيم بن يحيى مختصر سيرة (سيد)(6) البشر للطبري (والدعوات) للبيهقي وغيرها، وأجازه في مسموعاته، وقرأ على السيد إبراهيم بن يحيى البحر الزخار، وتوفي - رحمه الله - في شهر (فارغ) سنة تسع وثلاثين وألف بحبور، وقبره في الحيفة عند قبر السيد المهدي بن إبراهيم.
مهدي بن أحمد بن داود
القاضي العلامة مهدي بن أحمد بن داود الرحمي من اجلاء العلماء، وهو أحد شيوخ الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - رضي الله عنه - توفي في عام ست عشرة وألف بموضع يعرف بحصن صالح من جهة الأهجر - رحمه الله تعالى -.
المهدي بن أحمد بن صلاح
السيد العلامة المهدي بن أحمد بن صلاح بن الهادي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين. قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: كان إماماً في علوم الإسلام جامعاً للفنون يشار إليه بالإمامة، ووقع منه اعتراض في سيرة الإمام الناصر - عليه السلام -.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): فلم يتيسر له ذلك.
(6) غير موجود في (ب).
المهدي بن أحمد
المهدي بن تاج الدين أحمد - رحمه الله - كان سيداً سرياً مقدماً في خلال الكمال ملموحاً إليه للرتب العوالي، وكان شاعراً مجيداً وجواداً سبحاً(1) يباري الريح ويقر له المساميح، مات مسموماً بحده بني شهاب (أيام)(2) أولاد الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة، وهو صنو الإمام إبراهيم بن تاج الدين.
المهدي بن صلاح بن
الأمير المقدم والنبراس المعظم المهدي بن صلاح بن الأمير جمال(3) الدين السيد السابق الذي لا يلحق في الفضائل علم وقته وأوانه ومفخر عصره وزمانه أحد أساطين العلوم وسلاطينها، له التيسير للروضة والغدير في الآيات الشرعية، وكتاب النجم الثاقب في فضل علي بن أبي طالب، وتعليق على المفتاح ومسائل منثورة، توفي في عاشر ذي الحجة بعد العصر سنة ست وسبعين وسبعمائة.
المهدي بن علي بن المرتضى
المهدي بن علي بن المرتضى، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: مولده في رمضان الكريم سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ووفاته في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، وهو تلو من سلف من آبائه في ورعه، والنظر في أمر آخرته والاستعداد /222/ للأمر الذي أمر بالاستعداد له، وكان فاضلاً عالماً زكياً ناسكاً زاهداً كاملاً في أدبه وفقه قلبه ورعاية أمر دينه، من أهل المعرفة والبصيرة غير قاصر عن مراتب الفضل الخطيرة، خطيباً مصقعاً فائقاً في نثره وشعره وفرائده ومحاسن مقاصده، موجودة بين أشعار الأهل، ومن شعره وقد كتب به قدمه بين يدي (مولانا)(4) الإمام الناصر، فلما قام من عثاره قال:
جسد الرأس على المشي القدم ... نحو مولانا وسلطان الأمم
لم يكن ذاك عثاراً إنما ... أخذ الرأس بخط في الخدم
وكان مزوجاً من آل القاسم بن علي أهل غربان، فقال ذات يوم يخاطب زوجته:
أيا بنت مولانا الأمير ابن قاسم ... وبنت الإمام بن الحسين الهدى المهدي
__________
(1) في (ب): سمحاً.
(2) في (ب): سمحاً.
(3) في (ب): جلال.
(4) غير موجود في (ب).
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له ... أكيلاً فإني لست آكله وحدي
ومما يحكى عنه أنه وصل إلى البون وقد خرج الأمراء آل يحيى بن الحسن من (صنعاء) وزال ملكهم لها بملك الإمام الناصر - عليه السلام - (لها)(1)، فقال - وقد رآهم وخيلهم -:
الحمد لله الذي أزالهم ... عن إزالهم وجمع بينهم وبين بونهم
مهدي بن عبدالله البصير الذيباني
الفقيه المقري مهدي بن عبد الله البصير الذيباني شيخ القراءة، قرأ عليه الناس وتتلمذ له المولى الحسن بن القاسم وغيره كشيخنا العلامة علي بن سعيد الشريحي، وكان الشريحي حافظاً لقواعد القراءة حفظاً متقناً يقل نظيره، وله معرفة بعلم الكلام والفقه، (و)(2)توفي بالبرك في(3) طريق الحج، وشيخه المهدي صاحب الترجمة، توفي في العشر الأواخر من رجب سنة ست وأربعين بعد الألف بمدينة (صنعاء)، وقبر بباب (اليمن) وشيخه سعيد بن علي فتحه وشيخ فتحة إبراهيم جحون(4) وعبد الله الشاوري، وعبد الوهاب المسلمي.
المهدي بن قاسم
السيد المهدي بن قاسم جد السيد أبي العطايا، (كان)(5) عالماً كبيراً يؤهل للإمامة، وطولب بالدعوة بعد موت الإمام يحيى بن حمزة(6)، وكان امتناعه من الإمامة تورعاً، ومات بـ(صنعاء) وعليه مشهد بناه الفقيه سعيد بن منصور الحجي.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): بالبرك من.
(4) في (ب): جحون.
(5) غير موجود في (ب).
(6) زيادة في (ب): وكان زوجاً للشريفة دنيا بنت الإمام يحيى وكان امتناعه من الإمامة.
المهدي بن محمد بن شهاب
العلامة المهدي بن محمد بن شهاب عالم فاضل زاهد ورع كامل الصفات حميد(1) النعوت، كان من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين من أهل الطويلة وصحب حسين بن شمس الدين بن الإمام، وكان الحسين(2) - رضي الله عنه - مجمعاً للفضلاء مألفاً للصلحاء محتسباً أوى إلى ظله أعيان الزمان وأجلائه، وهو حري بأفراد ترجمة حافلة - رضي الله عنه - ثم أن العلامة المهدي بن محمد لقي الإمام القاسم بن محمد وعاون وظاهر وجد في الخير واجتهد وأذن له الإمام بالبقاء أيام السلطنة في الطويلة لمصالح علمها، فأقام مدرساً مفيداً مجيباً لجميع الأوقاف وكثيراً من أموال الله، ويصيرها في محلها، وكان متحرياً إلى الغاية، والعلماء (من بعده)(3) الذين يلون(4) أمر الأوقاف يرون ما كتبه بخطه - رحمه الله - (تعالى)(5)، حكماً لازماً، وكان خطه جلياً واضحاً، (وله خزانة كتب)(6)، وكان الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - يقول: ليس في نسخ الشفاء أصح من نسخة ابن شهاب - رحمه الله تعالى -.
__________
(1) في (ب): حسن (حميد) ظ.
(2) في (ب): حسين.
(3) غير موجود هنا في (ب).
(4) في (ب): بلون من بعده.
(5) سقط من (ب).
(6) غير موجود في (ب).
حرف الواو
الوشاح الكلالي
الفقيه العلامة الوشاح الكلالي /223/ - رحمه الله - قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: كان إمام عصره في علوم العربية، وكان مقيماً بـ(ظفار)، وله خزانة كتب هنالك، وتصدر لنشر العلم والإفادة، وللفقيه على بعض الفقهاء المتعلقين ببني فاهم كلام جيد، وذلك أن الفقيه المتعلق بهم جوز لبعض بني فاهم أن يتزوج شريفة، فأنكر عليه جميع الشيعة الذين بوقش والجليلة والحرب(1) والحيام، وتلك الجهات ثم وجهوا بذلك إلى الظاهر وغيره، فجاء جواب(2) الظاهر بخط الوشاح الكلالي عنه، وعن سائر أهل (ظفار)، والجواب بخط كاتبه موجود بين كتبنا، وفيه أن من فعل ذلك وأفتى به استحق القتل إن لم يتب؛ لأنه استخف برسول الله صلى الله عليه وآله(3) وسلم واستهان.
وكيع بن الجراح الرواسي
وكيع بن الجراح الرواسي الكوفي، عده الحاكم في كتاب العيون من رجال الزيدية - رضي الله عنه -.
الوليد بن يعلى
الوليد بن يعلى من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - وممن أخذ عنه، وكان حسن الصوت بالقراءة، حتى أنه كان يخشع(4) لقراءته قلوب العصاة، وكان يعجب زيداً قراءته، ذكره البغدادي (- رحمه الله -)(5).
الوليدي القاضي
أبو عبدالله الوليدي القاضي صدر الزمان، حافظ علوم العترة، له(6) كتاب الألفاظ المشهور، وذلك أنه كان يلزم مجلس الناصر ويعلق جميع ما سمع منه(7) مما يتصل ببجنس(8) العلم، والأدب ويتعلق بضرب من الفائدة، وصنف كتاباً في ذلك سماه ألفاظ الناصر، وهو كتاب معروف، قال الإمام أبو طالب - رضي الله عنه - ومن نظر فيه عرف يقين الناصر - عليه السلام - وفضيلته.
__________
(1) في (ب): والحدب.
(2) في (ب): جواب أهل الظاهر.
(3) في (ب): وعلى آله.
(4) في (ب): بجمع.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): وله.
(7) في (ب): عنه.
(8) في (ب): بحبس.
وهاس بن أبي هاشم الحسني
الأمير العلامة وهاس بن أبي هاشم الحسني الحمزي من أمراء المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - ذكره ابن دعثم.
حرف النون
ناجي بن مسعود
العلامة ناجي بن مسعود - رحمه الله - ألف الجمع على مشكلات اللمع.
الناصر بن أحمد بن المطهر
السيد العلامة الناصر بن أحمد بن أمير المؤمنين المتوكل على الله المطهر بن يحيى المظلل بالغمام، كان هذا السيد إمام المعقول والمنقول، مرجوعاً إلى علمه، معولاً عليه، قرأ عليه الأجلاء، وكان يسكن مسجد الأجذم بـ(صنعاء)، وقرأ عليه السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزيري - رحمه الله - ووفاة السيد الناصر في شهر القعدة سنة اثنين وثمانمائة.
ناصر بن الحسن بن إسماعيل الحسيني
الشيخ الشريف الخطيب أبو الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل الحسيني الزيدي، قرأ على الشيخ أبي عبد الله محمد بن بركات بن جلال النحوي العبد(1)، وقرأ على الشيخ اسكندر المنصور بالجامع العتيق بـ(مصر).
نشوان بن سعيد بن سعيد
القاضي العلامة الإمام المحقق النحوي اللغوي نشوان بن سعيد بن سعيد بن أبي حمير بن عبيد بن القاسم بن عبد الرحمن الحميري (- رحمه الله -)(2).
__________
(1) في (ب): العبدي.
(2) سقط من (ب).
قال الفقيه العلامة المورخ محمد بن علي بن يونس الرحيف في اللواحق الندية: كان من علماء الزيدية، ولم (يكن)(1) يقدح عليه إلا بكثرة افتخاره بقحطان على عدنان، وله في ذلك هو والأشراف بنو القاسم نقائض كثيرة، وأنا أشير إلى طرف منها على /224/ عادتي في الاختصار، وحصر(2) ذلك جميعه لا يسعه هذا الشرح، فأول ما أذكره هنا العجب ممن يزعم أنه أخ للإمام(3) أحمد بن سليمان من أمه، وفي هذا غاية الجهل فإن أم الإمام (الشريفة الفاضلة)(4) مليكة بنت عبد الله (بن القاسم)(5) بن أحمد بن أبي البركات، واسمه إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم، وأم نشوان عربية من آل أبي عشن - على وزن حسن وهو بعين مهملة وشين معجمة وبعدها نون - ذكر معنى(6) ذلك في شمس العلوم وتقوى فيه بقول الشاعر:
وسيد همدان أبو عشن الذي ... غزا بيشة واجتاحها بعظائم
ثم أنه كان يبنه وبين الإمام في ابتداء الأمر عداوة ومهاجاة، هذا كلام الزحيف - رحمه الله - أنه كان بينهما في أول الأمر معاداة، والذي أظنه أن أول الأمر كان على المودة والمحبة، وأن أبياته السائرة التي أولها:
دع برسمي للمساني واقصد اليمنا ... فاقفر الناس من بابن الكرام سبا
هي(7) طائرة سائرة، كانت في(8) مباديء الأمر؛ لأنها قبل الدعوة، وفيها ملاطفة، وحث على الدعوة، ووعد بالنصرة(9)، وقد كان منه (أيضاً)(10) ذلك، ومن تحف ملاطفتهما في الحال هذه أن الإمام - عليه السلام - أرسل إلى نشوان رجلاً اسمه عيسى يخبر القاضي بوصوله - عليه السلام - فقال القاضي:
بشرنا عيسى بأحمد بعده ... بشارة عيسى في الكتاب بأحمد
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): إذا حصر ذلك.
(3) في (ب): الإمام.
(4) غير موجود في (ب).
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): ذكر ذلك.
(7) في (ب): وهي.
(8) في (ب): كان بمبادئ.
(9) في (ب): بالنصر.
(10) غير موجود في (ب).
أتانا بنور البينات فلم يقل ... مقال سوانا جيت بالسحر فأبعد
وقلنا له سمعاً وطوعاً لربنا ... ولابن الرسول الأبطحي محمد
فأهلاً وسهلاً بالأمير ومرحباً ... ومن معه من سيد وابن سيد
رجعنا إلى كلام الزحيف، قال: ثم تلا ذلك التعاطف والتلاطف كما ستراه، وأي دليل يدل على أنهما أخوان، ودليل صفاء الوداد بينهما أنه لما توفى المطهر بن الإمام وردت التعازي (إليه)(1) فيه من كثير من أهل الإسلام، وكان من جملة من كتب إليه فيه بتعزية القاضي نشوان، قال(2) راوي سيرته - عليه السلام -: وصدرت مكاتبة الشيخ(3) الجليل نشوان بن سعيد فاعتذر(4) من الشعر وقال: والله ما أحسنت غير التمثل(5) بقول الشاعر:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
تكدرت الآمال بعد مطهر ... وأصبح مشغولاً عن(6) السفر السفر
قلت: وهذان البيتان في مطلع قصيدة لأبي تمام، رثى بها محمد بن حميد الطوسي الطائي، فعبر القاضي (نشوان)(7) لفظ محمد بمطهر، وهذه المرثية من جيدات المراثي، ففي الرواية أن أبا تمام لما مدح أبا دلف بالقصيدة الجيدة التي أولها:
على مثلها من أربع وملاعب
فاستحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم، وقال: والله إنه لدون شعرك، ثم قال له: (والله)(8) ما مثل هذا القول في الحسن إلا ما رثيت به محمد بن حميد، فقال له أبو تمام: وأي ذلك أراد الأمير، فقال (له)(9): قصيدتك الرائية، وودت أنها لك فيّ(10) فقال له: (إنه)(11) لم يمت من رثى بهذا الشعر، انتهى.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): وكان راوي سيرته.
(3) في (ب): واعتذر.
(4) في (ب): مكاتبة للشيخ نشوان.
(5) في (ب): التمثيل.
(6) في (ب): من.
(7) غير موجود في (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): أنها لك في فقال له أبو تمام: بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي وأكون المقدم قبله فقال له لم يحث.
(11) غير موجود في (ب).
قلت: وقد وقفت على رسالة أظنها لبعض ذرية نشوان بن سعيد، قال فيها: والمشهور من نشوان - رحمه الله - أنه كان يختار أقوال الهادي - عليه السلام - على سائر فقهاء /225/ الإسلام ويحكم بها بين الخاص والعالم(1)، إلا أن يتقوى عنده دلالة فيخبر المستفيئين(2) بالخلاف الواقع بين أهل الإسلام، وكان في عصره جلة من العلماء، هم نجوم في الأرض كنجوم في السماء من علماء قحطان، ونزار،فلم يزر عليه في مذهبه زار مع كثرة المناظرة في ذلك، والمذاكرة، وكان في ذلك العصر مظهر المذهبة في إشعاره وكتبه ولم يقع بينه وبين أحد من أهل عصره سوى الأشعار التي قالها هو والشرفاء.
__________
(1) في (ب): والعام.
(2) في (ب): والمستفتين.
قال نشوان: انقضت النقائص بيني وبين الشرفاء(1)، وذلك قبل طروز الشارب وبلوغ المآرب، وأما اليوم فقد زدت على الأشد وصرت من الهزل إلى الجد، وأتاني نذير الشيب وزايلني كل ريب، وتحليت بحلية الوقار، ونظرت نفسي بعين الاحتقار، وزعمت عن القريض وملاهي معبد والعريض، وأقمت الشعر بأبخس شعر(2)، واعتضت القرآن بالشعر بدلاً، وتركت الجدال، ?وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً?[الكهف:54]، وذهبت في ذلك مذهب لبيد واستدلاله(3) الشهد بالهنيد، وجعلت مقاطيع الآيات عوضاً عن مصاريع الأبيات، وذكر الله عوضاً عن التشبيب، وذكر المعاد بدلاً عن(4) الزيغ(5) والحبيب، ولست من الشعراء بل من عباد الله الفقراء، الذين تحل لهم صدقة الدعاء التي لا يقتض في وعاء، وزكاة الاستغفار التي تصرف العذاب عن الكفار، ثم قال: والشرفاء أبقاهم الله مما سألت مثرون، ومما طلبت مكثرون، فلتشملني بركتهم بهبة أفضل الصدقات، إذا ذكروا الله في أفضل الأوقات، وهي صدقة الدعوات عقيب الصلوات، إن الله يجزي المتصدقين ويجعل العاقبة للمتقين، فدعاء الشرفاء المالكين مجاب وليس بين العبد وربه حجاب، فلعل الله ان يمحو عني موثق الذنوب ويغسلني من رحمته بذنوب، فقد ضقت ذرعاً بما فرطت وأنشبت نفسي في أضيق المسالك، وورطت وأصبحت لنفسي ظالماً، ومن ظلم غيرها سالماً، ولكن استغفر رباً كريماً، ?وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا?[النساء:110].
قال صاحب الرسالة: هذا من كلام نشوان بعد كتاب المسك.
__________
(1) في (ب): الشرفاء القاسميين.
(2) في (ب): الشعر.
(3) في (ب): واستبداله.
(4) في (ب): من.
(5) في (ب): الربع.
قلت: ولعله كتاب ديوان أشعاره، قال: فهل صاحب هذا الكلام حقيقة بسب أو ملام، قال: ثم وصل إلى نشوان شعر من الأمير عبد الله بن القاسم(1):
فليهن ندباً سيداً شرفت به ... من حمير الأحياء والأموات
إلى آخرها. فأجابه نشوان(2):
أما كتابك يا ابن أوحد هاشم ... فحديقة فيها الكلام نبات
قد أثمرت محض الوداد وفاح لي ... من طيبات نسيمها نفحات
غرس أمراء(3) طابت مغارس أصله ... فزكا وطاب فعاله والذات
فغدا وحيد العصر غير مدافع ... تزهو به الساعات والأوقات
أثنى عليّ ببعض ما هو أهله ... وله المكارم والندى عادات
ثم أتى إلى نشوان شعر من الأمير الأجل محمد بن محمد القاسمي مدحه(4)، ويعتذر من الهجو الذي /226/ سبق من الأمير عبد الله بن القاسم الذي أوله، أما الصحيح فإن أصلك فاسد، فأجاب(5) محمد بن محمد عن الاعتذار(6) بقوله:
أعلى الكآبة منكما لي مسعد ... فالخل يأسي للخليل ويكمد
إن طاب عيشكما وطاب كراكما ... فأخوكما مر المعاش مسهد
في قلبه من عتب أبناء قاسم ... حرق تأجج نارها وتوقد
قوم لهم شرف ومجد باذخ ... من تحت أخمصه السها والفرقد
وعلى محبتهم نشأت ووالدي ... والحب يولد والمحبة تولد
حتى سعت بيني و(7)الوشاة وبينهم ... فأمال عبد الله عني بالحسد(8)
وأطاع أمرهم وصدق قولهم ... فأتى بقافية تقيم وتقعد
فيها مقال ليس (فيه)(9) يحيد ... ما بال عبد الله وهو الجيد
فرددت حين بهت غير مبالغ ... في الرد خوفاً من مقال ينقد
وغدوت مظلوماً كأني ظالم ... إني على ما نابني متجلد
يا ابن الأئمة من ذؤابة هاشم ... حيث انتهت علياؤها والسؤدد
__________
(1) زيادة في (ب): بن محمد بن جعفر وهو الذي كان يهاجي نشوان فيه بقول:
(2) في (ب): نشوان بقوله.
(3) في (ب): إمرء.
(4) في (ب): بمدحه.
(5) في (ب): فأجاب نشوان على الأمير محمد بن محمد.
(6) في (ب): عن الاعتذار هذا بقوله.
(7) الواو غير موجود في (ب).
(8) في (ب): الحُسَّدِ.
(9) غير موجود في (ب).
وافا كتابك بالصلاح مبشراً ... لا زلت تصلح أمرنا وتفقد
ونظامك الحسن الذي أهديته ... تحيا القلوب به إذا ما ينشد
حققت فيه مودة لك ضعفها ... عندي وودي في الحشا يتجدد
وذكرت آل محمد وودادهم ... فرضاً علينا في الكتاب مؤكد
وذكرت زيداً والحسين ومولداً ... لهما زكي الأصل نعم المولد
بأبي وأمي من ذكرت ومن به ... يهدي الجهول ويرشد المسترشد
ومنها قوله:
وأترك جعيداً سوف يلقا ربه ... ويصيب ما زرعت يداه ويحصد
وتعمد الخطأ الذي منه جرى ... فالسيد المحمود من يتعمد
والعفو منكم عادة مألوفة ... والناس يطلب عندهم ما عودوا
وأنا المناضل ضدكم(1) عن دينكم ... والله يشهد والبرية تشهدوا
لا أستعيض بدين زيد غيره ... ليس النحاس به يقاس العسجد
إني على العهد القديم بحبكم ... كلف الفؤاد بكم وجسمي مبعد
ثم أتى الأمير الحسين بن القاسم بن محمد بن جعفر شعر إلى نشوان يمدحه (فيه)(2)، فأجابه بهذا الشعر:
والله والله العظيم إليه ... يهتز عرش الله منها الأعظم
إني لودك يا حسين لمضمر ... في الله أبديه وحيناً أكتم
ولود والدك الذي أثاره ... عنه بحسن حديثه تتبسم
ولود عميك الذين كلاهما ... في صالحي آل الرسول مقدم
ولود سائر أهل بيت محمد ... وودادهم(3) فرض علي ومغنم
قوم أدين بدينهم وبحكمهم ... ونصوصهم أفتي الخصوم وأحكم
وأنا المحب ابن المحب وإن وشى ... واشٍ ورجم بالظنون مرجم
إن اللسان عن الفؤاد معبر ... والنطق عما في الضمير مترجم
يا طيباً من طيب ومطهراً ... من طاهر ما فيه وصم يعلم
شوقي إليك على البعاد مضاعفاً ... يزداد لاعجه وقلبي مغرم
ثم أتى من الأمير الأجل محمد بن عيسى بن محمد بن جعفر إلى نشوان مديح أوله:
إلى(4) كلما ناح الحمام المطوق ... بكيت وقد يبكي الحزين التشوق(5)
__________
(1) في (ب): عندكم.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وودهم.
(4) في (ب): ألاَ.
(5) في (ب): المشوق.
/227/ عدد فيها جدود نشوان، وذكر ملوك حمير من السابعة وغيرهم، حتى قال في آخرها:
أولئك هم آباؤك الغر كلهم ... أبا حسن والفرع بالأصل ملحق
فهم كالنجوم الزهر إن غاب كوكب ... بدا بعده في الجوّ أزهر مشرق
وإني لأرجو أنك الكوكب الذي ... به ذلك الأصل المؤسس يسمق
لئن كنت قد أنسيت عقد مودتي ... فقلبي بأشطاب المودة مؤنق
هذا آخرها، فأجابها نشوان بقوله:
أثار شجاً ذاك الحمام المطوق ... أهجَّه بث به أم تشوق
به مثلما بي من جوى غير أنّنا ... شجيّان معكوم وآخر مطلق
أسر الذي يخفى الزناد ولم أبح ... به خوف نار منه تبدو فتحرق
وهي من جيد الشعر الذي يعمل في(1) الفكر، عمل السحر، قال الراوي: ثم كثرت الأشعار بين الأشراف ونشوان والمدائح، ورفضوا الهجر الذي تضمنته القرائح، قال: ولقد تهاجَى نشوان هو والإمام أحمد بن سليمان (- عليه السلام -)(2) بعد المناظرة التي وقعت بينهما حتى كان من نشوان أنه أرسل بأبيات يقول في أولها:
هل لك في هجرة تفوز بها ... فالهجر بين الرجال مطرح
لا غرو من صلحنا وسروبنا(3) ... على العلا نمتري ونصطلح
إني رأيت النعاج رابضة ... وادعة والكباش تنتطح
عم بنا الحاسدين الهم(4) ... قد طال باب(5) الكرام ما فرحوا
ثم مدحه نشوان بقوله:
يا ابن الأئمة من بني الزهراء ... وابن الهداة الصفوة النجباء
وإمام أهل العصر والنور الذي ... هدي الولي به من الظلماء
كم رامت الكفار أطفاله(6) ... عمداً فما قدروا على إطفاء
شمس يراها الحاسدون فلم يطق ... منهم لها أحد على إ خفاء
يا داعياً يدعو الأنام لرشدهم ... وصلاحهم في بكرة وعشاء
أسمعتهم فكأنهم لم يسمعوا ... ما جاءهم من دعوة ونداء
لبيك ألفاً من صديق وامق ... من بعد خذلان وطول إباء
__________
(1) في (ب): بالفكر.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وسر بيننا.
(4) في (ب): أنهم.
(5) في (ب): بابن.
(6) في ب): إطفاءً له.
قلت: وهذا البيت ونحوه يشهد(1) بأن الحال من الإمام ونشوان اتحدت آخر أوانهما، ماتا على داعية الوفاء، وسلوك مسلك إخوان الصفاء، فما لمح إليه السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد في بسامته متطرق(2) إلى ما كان بينهما من المناظرة والمنافرة أول المدة، يزيده وضوحاً قول نشوان في هذه القصيدة بعد قوله لبيك ألفاً:
من شك فيك كمن تبدل حيرة ... بهداية وعماية بضياء
يا خير من يمشى به قدم على ... وجه البسيطة من بني حواء
ما عاينت عيني البرية بعده ... إلا وهم فيها من الأقذاء
لم ألق بعدك من أسر بوجهه ... ممن أعضت به من الصدقاء/228/
إن غبت عن ناظر(3) العيان فلم تغب ... ذكراك بين القلب والأحشاء
يجري ودادك حيث يجري الروح في ... بدني وحيث يحل في أعضائي(4)
أقضي لبانتي التي أنا طالب ... في الدهر عاجر نظرة ولقاء
فأجابه (الإمام)(5) أحمد بن سليمان (- عليه السلام -)(6) بقوله:
يا أوحد الأدباء والشعراء ... بل أوحد(7) البلغاء والفصحاء
يا من له عقل رصين ثابت ... ويعده العقلاء في العقلاء
ويعده الفقهاء في فقهائها ... ويعده العلماء في العلماء
لما زكت(8) أعراق وأصوله ... جادت له أفعاله بزكاء
حاز المكارم والمحامد والعلا ... إرثاً عن الأجداد والآباء
من حمير الأملاك خير قبيلة ... في يعرب والشوكة الحجباء
وأتى الكتاب فكان كالماء الذي ... يهدى إلى العطشان في الرمضاء
ينبي بما يخفى وما يبدي لنا ... من محض ود خالص وصفاء
ومذاكر(9) ما كان قدماً بيننا ... من صحبة ومحبة وإخاء
وملبياً لي إذ دعوت إلى الهدى ... كل البرية سامعاً لدعائي(10)
وموازراً ومعاوناً ومساعداً ... ومعاضداً ومصدقاً لرجائي(11)
__________
(1) في (ب): شهد.
(2) في (ب): سطر وإلى.
(3) في (ب): نظر.
(4) في (ب): أعضاء.
(5) سقط من (ب).
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): يا أوحد.
(8) في (ب): يامن زكت أعراقه.
(9) في (ب): ومذكر.
(10) في (ب): لدعاء.
(11) في (ب): لرجاء.
فليبق في عيش هني سالم ... في العز والتوفيق والنعماء
قال صاحب الرسالة التي نقلت منها هذه النبذة: فليعلم الواقف على هذا الذي أوردت من شعر الشرفاء ونشوان أنه كان بعد كتاب المسك يمده من الزمان، قال: ولو كان شعر نشوان المتقدم كفراً صريحاً لكان شعره الآخر إسلاماً صحيحاً. قال: وقد كان لنشوان عناية واجتهاد في قيام الأمير علي بن زيد، وقيام الإمام (المتوكل على الله)(1) أحمد بن سليمان (- عليه السلام -)(2)، قال: وكذلك لما قام الإمام (المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام -)(3) خرج معه(4) نشوان وجدوا(5) واجتهدوا في خدمته، انتهى المراد اختصاره من الرسالة المذكورة، وإنما بسطت القول في هذا الفصل محبةً مني أن يكون جميع الناس شيعة لأهل البيت (- عليهم السلام -)(6)، فمهما وجدت إلى جمع شمل الشريعة سبيلاً ولقيت في ذلك تأويلاً جنحت(7) إليه وعولت عليه.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) في (ب): المنصور بالله - عليه السلام - عبدالله بن حمزة.
(4) في (ب): ابنا.
(5) في (ب): وجدوا واجتهدوا.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): احتجت.
نعم، وقد حكى في كتاب المفيد في أخبار (صنعاء) و(زبيد) أن القاضي نشوان دعا إلى نفسه في بيحان، واجتمع معه قريب من سبعمائة فراس(1)، هذا إن صح يدل على أنه يصحح الإمامة في غير قريش، وقد روى عنه بعض أصحابنا اختياره لهذا المذهب، وقد وقفت له على كلام يدل على أنه ندم على دعوته المذكورة، ووجدته بخط حي الفقيه محمد بن ناجي الحملاني - رحمه الله - ما لفظه: كان من علم الله، وصولي إلى الشرف(2)، فكلفني أهلها (أن)(3) أحمل الذر إحمال العين(4)، وسمحوا بالمنن والإيمان وشحوا بالصدق والإيمان، فرغبت وطمعت في ظاهر كلامهم الذي سمعت حتى أدركني الإملاق بـ(مأرب)، فخرجت من الدائرة الرائعة إلى دائرة التقارب(5)، فقلت:
مشارق الأرض مثل الحبس في الضيق ... فمن تغرب فلا يهمم بتشريق
229/ لم يبق حي بهم حتى صبحتهم ... قد أبرقت بالرقي من أجلهم ريقي
ولبث بحضرموت على ما لبث يونس ببطن الحوت إلا أن بعض المفسرين قال: لبث أربعين يوماً، ولبثت سنتين ونصف أخصف ورق الندامة خصفاً، ويعرض لرزق حلال، فحصل ما فيه سد (لبعض)(6) الخلة، ثم عدت إلى (مأرب) فلقيني من(7) ربها فتعرض (سفهاؤهم)(8) للعطية فقاسمتم(9) ما على المطية ثم عولت على العود إلى المغارب، وحلفوا أيماناً على التمام وسلموا ذماماً بعد ذمام، فأشار السلطان راشد بن جحاف الجوفي بترك العود، فقصدت (الجوف)، فلحقني من خولان إلى نقيل، فأخذوا القطار، وكانت الكتب على بعيرين، فسلم أحدهما واقتدى الثاني، فسلمت ووصلت (الجوف) متخلياً من الأعوان والأنصار، ولو شئت وصلته بالجيوش الكبار، لكني قلت ما عند الله خير وأبقى، وأنشدت:
وما أنا إلا من عرنة(10) إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
__________
(1) في (ب): فارس.
(2) في (ب): المشرق.
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): البعير.
(5) في (ب): المتقارب.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): ما بها.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): فقاسمتهم.
(10) في (ب): غزية.
نصر بن أبي طالب بن أبي جعفر
أبو طالب نصر بن أبي طالب بن أبي جعفر، هو فقيه الزيدية في عصره، وعالمهم، اجتمع في خزانته من عيون العلم اثنا عشر ألف كتاب، ووصل (إلى)(1) (اليمن) داعياً إلى(2) الإمام أبي طالب الصغير، وهو يحيى بن أبي الحسين بن أحمد بن أبي القاسم الحسني بن المؤيد (بالله)(3) بن الحسين الهاروني - عليهم السلام - الخارج بجيلان الراتب أمره أولاً في الموضع الذي أظهر الناصر للحق(4) نفسه فيه، وهي قرية حوبة بكحائل رأس جيلان، وترتب الأمر في هذه الدعوة سنة اثنين وخمسمائة، وقد عده الإمام في البحر من أئمة الهدى، وكان مبرزاً في العلوم حافظاً حيفاً للباطنية، قتل منهم في يوم واحد ألفاً وأربعمائة، أخذ(5) من قلاعهم ثماني وثلاثين قلعة، وكاتبه صاحب عمان، وكان زيدياً محباً مناصراً له، وكانت حاشيته وغلمانه اثنا عشر ألفاً على مذهب الهادي - عليه السلام - وخدامه كلهم يصلون، ولا يستجيز أن يستعين بفاسق، وكان له من الهيبة ما لم يكن لأحد مثله، وكان يركب الفرس من الأرض لشدته وقوته وتمام بسطته، وكان له غاشية على سرجه خشية من سم الباطنية، وكان الشيخ أبو طالب هذا من أنصاره، وخرج إلى (صعدة) ومعه ابناه وشريف من ولد الهادي الأصغر يحيى بن محمد بن يحيى بن الهادي إلى الحق - عليهم السلام - يقال له الحسين، ورجل من وجوه الناصرية يقال له الحسين بن يوسف، ورجل آخر من الأعيان يقال له عبد الله بن المبارك البرجي، وشاعت لمقدمهم الشوائع، وعلا صيتهم، وكان حجاج (اليمن) العلماء والفقهاء قد اجتمعوا بحجاج الجبال ونواحي (الري) و(طبرستان) والجيل والديلم، وشهدوا لهم بالدعوة وثبات الداعي، وكان من مشاهير الموسم القاضي أبو طالب الرازي المذكور هنا، وعبد الجليل القزويني، فأنهض لدعوته
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): داعياً للسيد الإمام أبي طالب.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): للحق - عليه السلام -.
(5) في (ب): وأخذ.
السيد الأمير المحسن بن الحسن ، وكان من عيون آل الهادي وشجعانهم وعلمائهم، فملك حصوناً /230/ ورعية(1) وعسكر عساكر.
نصر بن خزيمة
العلامة نصر بن خزيمة، أحد أعيان زيد بن علي - عليه السلام - (و)(2)كان يحبه زيد بن علي - عليه السلام - قال له زيد: يا نصر بن خزيمة، أخاف أهل (الكوفة) أن يكونوا قد فعلوها حسينية، قال: جعلني الله فداك، أما أنا فوالله لأضربن بسيفي معك حتى أموت، وصدق - رحمه الله - (تعالى)(3)، فإنه فعل كذلك حتى استشهد(4) مع زيد (بن علي) (5) - عليه السلام - بعد أن نكا في العدو (6) نكاية عظيمة، وهو - رحمه الله - الذي كان ينادي أهل (الكوفة) وهم بالمسجد(7): يا أهل (الكوفة)(8) اخرجوا من الذل إلى العز وإلى الدين والدنيا - رحمه الله تعالى -. وصلب(9) مع زيد بن علي - عليه السلام - وهو عشي.
نصر بن مزاحم المنقري
نصر بن مزاحم المنقري الزيدي، نسبه إلى منقر - بكسر الميم بعدها نون بعدها قاف - وهو منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناه بن تميم، (كان)(10) - رحمه الله - أحد أعلام(11) الزيدية - كثر الله عددهم - وأحد أعيان أصحاب الإمام الأعظم محمد بن إبراهيم - عليه السلام - وهو جامع أخبار صفين.
نعيم بن ذي جدل
(نعيم بن ذي جدل)(12)، ممن أخذ عن زيد بن علي عليه(13) السلام، ذكره البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(14).
__________
(1) في (ب): ورعاية.
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) في (ب): - رحمه الله - مع.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): بعد أن أنكا في عدوه نكاية.
(7) في (ب): في المسجد.
(8) في (ب): يا أهل المسجد اخرجوا من الذل.
(9) في (ب): وصلب نصر بن خزية مع.
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): الأعلام.
(12) في (ب): نصر بن ذي حران ممن أخذ.
(13) في (ب): عليهما.
(14) سقط من (ب).
نوح بن أبي حمزة
نوح بن أبي حمزة، ومنصور بن أبي حمزة، وحمزة بن أبي حمزة الثمالي، من جماعة الإمام الأعظم زيد بن علي (- عليه السلام -)(1)، ذكرهم العلامة ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي (- رحمه الله -)(2).
حرف الهاء
هاشم بن البريد
هاشم بن البريد، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي (- عليه السلام -)(3)، ذكره العلامة البغدادي - رحمه الله -.
هاني بن محمد
هاني بن محمد، من علماء الزيدية وأعيان المائة الرابعة فيما أحسب، وبينه وبين المهدي (لدين الله)(4) الحسين بن القاسم مقاولة أجمل في حقه الحسين، ولم يقل فيه ما قال في أضرابه، كابن أبي العبرة وعبد الملك بن عطريف - رحمهم الله تعالى -.
هاشم بن حازم بن راجح
السيد العلامة هاشم بن حازم بن راجح بن محمد بن بركات(5) بن حسين بن عجلان بن رمينة بن محمد بن حسن بن علي الأصغر بن أبي عزيز(6) قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد الثائر بن موسى الثاني بن أبي محمد عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المخض (- رحمه الله -)(7).
الهادي بن الإمام
الهادي بن الإمام [..غير واضح..] عالماً فصيحاً، مات ببلاد رازح وبها عقبه - رحمه الله -.
__________
(1) سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): بركات بن محمد بن بركات بن حسن.
(6) في (ب): بن قتادة.
(7) غير موجود في (ب).
الهادي بن إبراهيم بن المهدي
الهادي(1) (بن الإمام إبراهيم)(2) بن المهدي بن أحمد الجحافي - رحمه الله -. قال السيد صارم الدين إبراهيم بن يحيى: أما السيد الفاضل العالم الكامل صلاح الدين الهدى بن إبراهيم - رحمه الله - فكان من أعيان السادة واخيارهم، كان له معرفة في العلوم، وجمع الكتب، وشرى خزانة (للفقهاء)(3) الفضلاء بني عرجلة من بلاد الشرف الأعلى بما فيها من الكتب وحملها إلى معمور حبور، وانتفع بها السادة، وفيها كتب مفيدة من الفقه والنحو والمعاني والبيان والتفسير وغير ذلك، وكان يحب كتب الحديث، وحصل من ذلك مثل أصول الأحكام وبعض الشفاء، ونسخ تجريد جامع الأصول، وكتب بخطه عدة الحصن الحصين، وأمر أولاده بتحصيل إرشاد العنسي، فحصّله، وكذلك أمر إخوته بمطالعة كتب الحديث، وكان يحثهم /231/ على مطالعتها والقراءة فيها، ويقول: إنها تزهدهم في الدنيا، ولم يزل على قدم الصلاح والسداد وحسن التوسط بين الإمام شرف الدين وأولاده إلى(4) اختار الله له.
__________
(1) في (ب): السيد الهدى.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وشرى خزانة الفضلاء الفقهاء.
(4) في (ب): إلى.
ومما حدثني به والدي - رحمه الله - أن الإمام شرف الدين - عليه السلام - لما كف بصره وسكن(1) الظفير في آخر عمره زاره جدي الهادي(2) ووصله بما قدر عليه لما بلغه أنها تقاصرت عليه الأمور، وأنه اشتهى أن يشتري لحماً من فصيل بقر، ثم تعذر عليه، فوصل إليه وشكا عليه الإمام من أولاده، ولم يأل جهداً في تعريف أولاده ما يجب له، وكان السيد الجليل المطهر بن الإمام شرف الدين قد اختص السيد الهدى واستصحبه وفوض إليه أعمال البلاد يوليها بنظره من أولاده وإخوته(3)، فولى (الناصر بن الهدى)(4) بلاد الشرف(5)، وولى بلاد الأهنوم، وكذلك (بلاد)(6) ظليمة بعض قرابته، وكان لا يفارق حضرة المطهر بن الإمام للتوسط بينه وبين الناس يشفع للمحتاج ويعين المظلوم ويدفع عن الضعيف، توفي في كوكبان (حجة)(7) بعد خروجه مع مطهر بعد حصاره في ثلا من جهة الوزير سنان الأعظم، وتوجه معه إلى بلاد حجة، ومرض في كوكبان، وطلب ولده السيد الناصر وأوصى إليه، وتوفي ليلة الخميس رابع شهر رجب سنة ثلاث وستين وتسعمائة - رحمه الله - وقبره(8) في كوكبان حجه معروف ببلاد الخير.
قال السيد إسماعيل بن إبراهيم حماه الله: قبره شرقي الحصن تحت الدائر في حضيرة بني الصبري(9).
__________
(1) في (ب): في الظفير.
(2) في (ب): الهدى.
(3) في (ب): وإخوانه.
(4) سقط من (ب).
(5) زيادة في (ب): الكبير من أولاده السيد الناصر بن الهدى.
(6) غير موجود في (ب).
(7) سقط من (ب).
(8) في (ب): وقُبر.
(9) في (ب): بني السري.
الهادي بن إبراهيم بن محمد
السيد الهادي بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الوزيري (- رحمه الله -)(1). قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: هو السيد الإمام علم الأعلام وعلامة العترة الكرام والمقتعد من علوم الاجتهاد أعلى ذروة السنام، جمال الإسلام، الهادي بن إبراهيم - رضي الله عنه - برّز في المعقول والمنقول، وطرز بتحقيقاته وأنظاره الثاقبة مصنفات آل الرسول، وروى رياض أزهارها ببحار معارفه التي هي غرر في وجوه الدفاتر، وحجول، وفتح بتلخيص التلخيص باب منتهى السؤل، وبلغ الطلبة بأنظاره الشافية الكافية ما يعرض(2) شرحه وبيانه ويطول، وكان المشار إليه بالبنان في بيان أصول الأحكام ونافع علة الصد بأن شفاء الأوام المنتخب للإرشاد إلى مناهج الوصول إلى جامع الأصول فاضت عليه أنوار والده المشرقة النوارة وهطلت عليه سحائب علومه المغدقة الداره، فمشى على سنته وتسنم ذروة تبحره وتحقيقه أن عدياً كاتبه في الكرم، ومن شابه أباه فما ظلم، هذا مع مضاهاته لوالده في الديانة والصيانة والزهادة والرصانة والمتانة والأمانة والجلالة والمكانة أحسن الناس خلقاً وخلقاً وأفصحهم لساناً وأعذبهم منطقاً وأعظمهم أبّهة مع أنه أوسعهم ليناً ورفقاً ومحباً(3) إلى القلوب معظماً في النفوس، ازدحم عليه الطلبة الكملة، وتخرج به العلماء الجلة، وكان - رحمه الله - هو الواسطة بين حي مولانا السيد المنصور(4) بالله أحمد بن النصر(5) وبين السلطان في تسليم البلاد، وكان عرّة كهول ذلك العصر، وإنسان عين ذلك …(6)، واشترط لحي السيد المنتصر(7) شروطاً، وأخذ من السلطان عهوداً على أنه يخرج السيد ……(8) من (صنعاء) إلى(9) مرمر بأهله وأمواله، فنكث السلطان عهده وغدر في عقده، وأحيل
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): ما يعرض من إيضاح شرحه.
(3) في (ب): رحمه.
(4) في (ب): المنتصر بالله.
(5) في (ب): الناصر.
(6) في (ب): الدهر.
(7) في (ب): المنتصر.
(8) في (ب): المنتصر من.
(9) في (ب): إلى ذي مرر.
سيدي الهادي لأهل (صنعاء) أماناً عاماً، وشرط لهم شروطاً وثيقة، وكذلك أخذ للجند ولمن يتعلق بالدولة، واستوثق وقرر ومهد، ولم يذكر نفسه ولا أهله بكلمة ولا …(1) لهم شرطا، فعجب السلطان، وكان يعجب أصحابه من وفاء سيدي إبراهيم لحي السيد المنتصر، وشرف نفسه ومهم(2) حسبه وشهامة قلبه، وكان ذلك من أسباب جلالته عنده وعلو منزلته لديه، فلقد كان أكرم الناس منزلة عنده وأوسعهم جاهاً وأفخمهم محلاً، فبتعظيمه له كان احترام جانب أهل المذهب(3) وصيانتهم ومسيانته(4) عن الإهانة والتغيير في الأغلب، ولما نقل سيدي الهادي من (صنعاء) مع نقل السيد(5) أحله السلطان رداع، وحانقه عن تعز، لوباها الذي هلك به من أجل من(6) … رباها رحم الله تلك الرقاب المظلومة وضاعف أعواض تلك الأكباد التي وردت حياض المنية مكلومة مكظومة، فسكن سيدي الهادي رداع وهو كثير الملازمة والوقوف مع السلطان في حضره وسفره وضعنه وإقامته على صفته الرهنية، إلا أنه وافر الجلالة محترم المكانة، تؤخذ عنه الفتاوى ويرضى أقواله الأقصى والأدنى، ولم يزل على ذلك حتى حضر مع السلطان وقعة التربة التي كانت بينه وبين الترك، وهو أليم لم يعذره السلطان عن العزم معه، وقد اعتذر بالألم، فسار مكرهاً إلى تعزّ فتألم أياماً ثم(7) توفي هنالك - رحمه الله تعالى - ……(8) عليه غريباً شهيداً، ويقال: إنه مات مسموماً، وكانت وفاته في صباح يوم الجمعة خامس عشر شهر محرم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وقبر بالأجيناد مع من هناك من الأشراف عند قبة ضريح(9) المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين - رضي الله عنهم - وأعاد من بركتهم(10).
__________
(1) في (ب): ولا أشترط لهم.
(2) . كذا.
(3) في (ب): المذاهب.
(4) في (ب): وصيانته.
(5) في (ب): الأشراف.
(6) في (ب): من حل من الأشراف رباها.
(7) في (ب): وتوفي.
(8) في (ب): تعالى ورضوانه.
(9) في (ب): ضريح الإمام المهدي.
(10) في (ب): بركاتهم.
ومولده - رحمه الله - في اليوم الثاني من شوال سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ورثاه السيد البليغ عز الدين محمد بن المرتضى بن محمد بن علي بن أبي الفضول(1) - رحمه الله - بهذه القصيدة، وكان بتعز حينئذ:
أبلغ هديت مقام السادة العلماء ... إن الأجيناد حاز العالم العلماء
وعزهم في الذي عزت مراتبه ... بل عز فيه التقى والدين والعلماء(2)
كم شيد الله من علم به وهدى ... وكم عن الخلق قد جلا به الظلم
(لله ما حاز من علم(3) ومن همم ... بها على النجم حط النعل والقدم)(4)
وكم به اتضح الإيمان وارتفعت ... به العلا وأزاح الكرب والصمم(5)
233/ وفاق فيها بني الزهراء وسادتهم ... وطأطأ الرأس إجلالاً له العلماء
حبر (و)(6)في صدره بحر يفيض ومن ... أخلاقه الغر تأديب لمن علماء
آهٍ على قمر تبكي العيون له ... حزناً وتهمي بدمع يخجل الديما
لفقده صارت الأكباد ذائبة ... وقل من كل عين أن تفيض دما
فيا سماء له صبي الدموع أساً ... فإنه ركن دين الله قد هدما
من في بني المصطفى قدراً يشابهه ... وهو الذي قد علا قدراً بهم وسما
اليوم ما بقيت للدين باقية ... والرزء فيه على الإسلام قد عظما
وأصبح الدهر ذا هم وذا كرب ... يبكي عليه وقدماً طال ما ابتسما
وانحط كل عزيز حين غاب سناً ... ذاك الجبين وأنف المجد قد رغما
والعلم غيب منه نير حسن ... به جناب العلا قد كان محترما
ما كان إلا إماماً عالماً علماً ... من بعده جبل(7) هذا الدين قد قضما
ومنها:
الحمد لله نرضى ما يريد ولا ... نبدي له جزعاً في حادث جسما
حمداً له دائماً ما ناح ذو حزن ... وانهل دمع كئيب محرق وهما
يا قاصداً لإزال(8) لا رأت غيراً ... وأمطر الله فيها الخير والنعماء
__________
(1) في (ب): الفضائل.
(2) في (ب): والأمما.
(3) في (ب): فضل.
(4) هذا البيت بعد الذي بعده.
(5) في (ب): والعمم.
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): جل.
(8) في (ب): الآزال أرات.
أبلغ إلى عز دين الله تسلية ... وقل من الموت من ذا عز أو سلما
خير الورى ذاقه وهو الذي جعلت ... له الشفاعة ممن يدفع النعماء
صبراً ففي الصبر خيرات مضاعفة ... وعز نفسك يا ابن السادة الكرماء
ما مات من أنت يا ابن الشم تخلفه ... وخذ نظاماً كعقد الدر قد نظما
الهادي بن إبراهيم بن علي الوزيري
السيد الكبير الخطير (العلامة)(1) الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير(2)، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: هو السيد السند الإمام المعتمد ذو الفضائل والآثار، والذي لم تسمح بوجود مثله الإعصار الركن الأشم في أولاد الإمام الهادي والمرثي على أقرانه في اهل الحواظر والبوادي، جامع أشتات العلوم وشاطرها(3) في المنثور والمنظوم، ولد بهجرة الظفير(4) وأبي شطب، ولما فرغ من قراءة القرآن سار والده إبراهيم بن علي (بن المرتضى)(5) به وبابن عمه محمد بن أحمد بن محمد بن المرتضى إلى عمه المرتضى بن علي إلى (صعدة)، وكان عمه المرتضى بن علي فيها طالباً للعلم الشريف، ولما سار بهما حي سيدي إبراهيم بن(6) كان متى تعب ولده الهادي وولد عمه محمد بن أحمد من السير في طريقهما وهما صبيان صغيران يحمل كل واحد منها قليلاً حتى وصلوا (صعدة)، فقرأ فيها مدة طويلة في علوم العربية نحواً وتصريفاً ومعانياً وبياناً (ولغة)(7)، وكذا تفسير القرآن على الشيخ العلامة إمام المحققين وترجمان أهل عصره أجمعين إسماعيل بن إبراهيم بن عطية البحراني(8)، وقرأ على الفقيه العلامة محمد بن علي بن ناجي في علوم الأدب /234/ أيضاً واللغة، منها ديوان أبي الطيب المتنبي، وقرأ في الأصولين والفروع على القاضي العلامة ملك العلماء عبد الله بن الحسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي، وكان إماماً
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): الوزيري.
(3) في (ب): ومناظرها.
(4) في (ب): الظهور.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): إبراهيم بن علي.
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): النجراني.
في علم الكلام، وقد(1) أتقن كتب الكلام المتداولة، وكذا على عمه أحمد بن علي، ولسيدي جمال الدين في ذلك إجازات عديدة، وطرق سماعية مفيدة، منها سماعه لجامع الأصول بـ(مكة) المشرفة على قاضي الحرم الشريف إمام علم الآثار محمد بن عبد الله بن مطهر(2) القرشي المخزومي سمعه عليه في سنة حجته، وله في البلاغة اليد الطولى، وانقدح(3) المعلا، وله من الرسائل والمسائل والأشعار والمنظومات ما لا يحصىكثره وسعه، حتى قال(4) الفقيه محمد بن علي بن ناجي العالم المشهور: إن السيد الهادي هو المراد بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: (يكون رجل من ولد الحسن ينفث بالشعر كما تنفث الأفعى بالسم)، وله مصنفات عديدة، منها كتاب (كفاية القانع في معرفة الصانع)، نظم الخلاصة بشرحها، وكتاب (الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين) و(التفصيل في التفضيل)، وكتاب (الرد على ابن العربي)، و(هداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت المطهرين(5))، وكتاب(6) في الرد على الفقيه علي بن سليمان في العارضة والناقضة، وكتبه موجودة، منها بل من أحسنها كتاب (كاشفة الغمة عن حسن سيرة إمام الأمة(7)) وكتاب (السيوف المرهفات على من ألحد في الصفات)، وعلمه زاخر وأمره ظاهر، حتى لقد حكى بعض أهل المعرفة أنه سمع بجبل عرفات من لا يعرفه ولا يعرف جهته ينشد قصيدته(8) المنسك التي أولها: بعث الهوى شوقي(9) إلى أم القرى.
وكان بينه وبين (أهل)(10) (اليمن) الأسفل مراجعات ومراسلات ومشاعرات، كابن الخياط وإسماعيل المقري والنظاري، وهو أقدم سنامهم، ومن شعره إلى سيدي الهادي قوله:
__________
(1) في (ب): قد أتقن.
(2) في (ب): طهرة.
(3) في (ب): والقدح.
(4) في (ب): قال حي الفقيه.
(5) في (ب): الطاهرين.
(6) في (ب): وكتاب الرد على.
(7) في (ب): سيرة إمام الأمة.
(8) في (ب): قصيدة.
(9) في (ب): شوقا.ً
(10) في (ب): علماء.
والمرتضى ابن المرتضى بن مفضل ... والرأس في المجد الصميم الرأس(1)
واستجاز منه ابن الخياط وغيره، وكذا بينه وبين أهل تهامة مثل(2) الناشري والنفيس العلوي، وله منهم(3) الإجازة الحسنة في علوم الآثار والنفيس العلوي حنفي المذهب عتكي النسب، ينسب إلى رجل منهم يقال له علي هو وغيره، وكذا بينه وبين علماء المخاليف والجواز مثل الفقيه محمد بن حسن بن سود العالم(4) المشهور (المكاشف)(5)، أحد الواصلين(6) في علم الطريقة، ومثل الأمراء الأشراف، وجميع السادة والقضاة في المخلاف السليماني وأهل (مكة) و(الحجاز) وينبع، كمثل القضاة بني ظهير قضاة الحرم الشريف، حكى أنه - رحمه الله - قال للقاضي المذكور - يعني محمد بن عبد الله بن ظهير المتقدم ذكره - وهو يسمع عليه الحديث بـ(مكة) وقد قال له يستقبل(7) القبلة ولا يستقبله كما هو عادة المشائخ في استقبال الشيخ القبلة النظر إلى أبناء الجليل أفضل من النظر إلى أبناء الخليل، وقد كان سيدي الهادي كثير الكلمة منتشر الذكر عند جميع الأكابر /235/ والعلماء في جميع البلاد العربية(8) والبعيدة حتى في ديار (مصر) مع غلظ طباع أهلها وشدة كراهتهم، وقد ذكره علامة المتأخرين (وكعبة المعتمرين)(9) خاتمة الحفاظ بلا خلاف ابن حجر العسقلاني المصري في تاريخه، وأثنى عليه وذكر أخاه محمداً في ذلك التاريخ أيضاً بما هو أهله، وكان هذا الحافظ واسع الحفظ يلحق بالمتقدمين، ولما حج سيدي الهادي أكرمه الأمير حسن وكل من بـ(مكة) من الأشراف والقضاة والفقهاء وبالغوا في ذلك وأراد أن يدخل الكعبة، فكلم الأمير حسن بن عجلان، فبلغ ذلك أبا شيبة الذي إليه السدان للبيت، فتمثل بقول الشاعر:
__________
(1) في (ب): الراسي.
(2) في (ب): مثل بني الناشري.
(3) في (ب): منه.
(4) في (ب): العابد.
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): الفاضلين.
(7) في (ب): استقبل.
(8) في (ب): البلاد القريبة والبعيدة.
(9) في (ب): وفقيه المعمرين.
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إلي فهلا نفس ليلى شفيعها
أكرم(1) من ليلى علي فينبغي ... به الجاه أم كنت امرءً لا أطيعها
توفي - رحمه الله - بـ(ذمار) بحمام السعيدي آخر نهار تاسع عشر ذي الحجة الحرام صائماً في سنة اثنين وعشرين وثماني مائة، ومولده يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر المحرم سنة ثماني وخمسين وسبع مائة، وكان موته رائعاً للمسلمين، وفلاً عظيماً في عضد أهل الدين، ونقصاً في أهل البيت المطهرين، ومنع بسبب بلوغ خبر موته ما يعتاد فعله في الأعياد مع الأئمة وأهل الأموال في المدائن والأمصار، وكانت روعة عظيمة، وأعزي في أمصار الزيدية في (ذمار) و(صنعاء) و(صعدة)، ومع جميع الزيدية في المدارس والبوادي، وعمره ثلاث وستون سنة، ورثاه عدة من الناس من أهله وغيرهم من النواحي، ومن أحسن مراثيه مرثية الفقيه الأديب عبد الله بن عتيق المشهور(2) بالمزاح الموزعي، وقبره بـ(ذمار) بموضع يقال له صنبر(3) غربي قصر (ذمار) المشهور(4) عليه حجران من أحجار (صعدة)، وإلى هذا المحل(5) أشار من قال:
إن الفصاحة والرجاحة والعلا ... في تربة الهادي بجربة صنبر
شرفت بأعظمه فطاب صعيدها ... فترابها كالمسك أو كالعنبر
بمفضل من صيد آل مفضل ... سادات أبناء(6) النبي وحيدر
أكرم بها من تربة يمنية ... نسبة إلى ترب بطيبة والغرى
قلت: وهذه أبيات من إسماعيل المقري إلى (حي)(7) سيدي الهادي نثبتها هنا ونتبعها بمرثاة المزاح في سيدي الهادي (- رحمه الله تعالى -)(8)، (وقد اشتمل كل بيت منها(9) على التورية كافأه الله، فلقد استرق الطباع وأطرب الأسماع بهذه الغريدة المتوحدة بمصاب المجد)(10):
__________
(1) في (ب): أأكرم.
(2) في (ب): المشهور المعروف.
(3) في (ب): خربة صنبر.
(4) في (ب): المشهور مزور عليه.
(5) في (ب): الموضع.
(6) في (ب): آل النبي (وأبناء النبي) ظ.
(7) غير موجود في (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
أيملك طرفي دمعي اليوم فانياً ... وقد حلت الأشواق مني العواليا
فهلا كففتم عن رحا كف أدمعي ... أما قد علمتم أن فيها الدواء ليا
كأني وقد أهدت لي الريح أدمعي ... أنادم من تلك الجواري سواقيا
رضيت ببذل المال والروح والهوى ... فما لكم والروح روحي وماليا
ومنها:
لئن كان إسماعيل بالشوق قد رضي ... فإن ابن إبراهيم قد كان راضيا
236/ إمام هدىً يروي أسانيد(1) فضله ... فيسبقها شوق الكعان(2) عواليا
مجالسه تشفي الصدور فمن يزغ ... يرى الداء في هجرانها والدواميا(3)
هو الرأس والهادي لآل محمد ... فلا زال للسرب الرسولي هاديا
له فطن يعدي الجليس فكم جلت ... لذي حيرة ذهناً وروّته صاديا
وكم من سقيم فهمه قد شحذ به ... فأصبح ماض في الضريبة باريا
لقد زارني مشياً على بعد داره ... فكيف تراني ليت لو كان جاريا
ولما أتى بالكتب منه رسوله ... تناولت منها باليمين(4) كتابيا
وضيّعت رشدي إذ تضوع ريحه ... وما خلت إن المسك يهدي الغواليا
كتاب كريم منه أصبحت سامعاً ... مقالاً به يكبو الحسود ورابيا
أبا المرتضى خذها قواف حلوتها لكم ... بل على الأعداء حتفاً قواضيا
(وهذه مرثية المزاح لسيدي - رحمه الله تعالى -)(5):
مات الندى وثوى لسان الشادي ... ونعي إلينا ديمة الروادي
فطفقت أنظر ذكره من مقلة ... لم تكتحل من بعده برقاد
وأعرت ماء الورد لون مدامعي ... ومنحتها لوناً من الفرصاد
ساعد أخاك على البكاء ولا تكن ... من باخل بالدمع غير جواد
إن الحمام على الغصون نوائح ... تبكي لمبكانا وليس بشاد
خلى لباسه(6) وساعد غيره ... لله درك يا حمام الوادي
للوجد ماء في الخدود وللأسا(7) ... نار تضرمها على الأكباد
والنوم لا يلقى الجفون لأنه ... قد ضل عنها منذ مات الهادي
__________
(1) في (ب): أسانيد فضله.
(2) في (ب): الكعاب.
(3) في (ب): الدواهيا.
(4) في (ب): بالكتاب كتابيا.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): لبانته.
(7) في (ب): وللأسى.
من لم يفجعه الزمان بمثله ... لم يدر كيف شماتة الحساد
أنست أعاديه المنون كأنها ... وجدت تروى(1) للعليل الصادي
يا عاذلي وقد وكلت بعهده ... عيناً كان لها شؤن عهاد
لا تلحيا إلا امرء لم يبكه ... مثلي بعيني حلة وودادي
فو حقه لو كان يفدي(2) هالك ... من هلك(3) لفديته بفؤادي
أو بالطريف وبالتليد وإنما ... رهن المنية ماله من فادي
ومن الذي أعطى الأمان من الردا ... كل يصير إلى فناء ونفاد
والناس مرتحلون هذا رائح ... ليقيم في الموتى وهذا عادي
والخلق زرع الموت يرقب منتهى ... آجالهم فيعمهم بحصاد
لو يعقل الإنسان ما اتبع الهوى ... ونسي المنية وهو بالمرصاد
بأبي شهيد لم يعلل بالمنى ... يوماً ولم يفحش على العوّاد
لا ريب وهو من النبي وسبطه ... لا من يزيد المعتدي وزياد
فاشهد له بالصالحات ولا تقل ... بمقال أهل الكفر والإلحاد
أيقال إن حمامة حمّامه ... كلا لقد كانا على ميعاد
/237/ لما استهم(4) طهارة ونظافة ... وافاه بين الماء والإيقاد
ولعل ذلك حظه من حرها ... وسواه واردها مع الوراد
أما الدليل على عظيم ثوابه ... فمماته في أشرف الأعياد
لو أنصفوا قلنا معاً في خاتم الأ ... يام هذا خاتم الأفراد
إن العلا من بعده لسليبة ... والمكرمات عواطل الأجياد
علم يواري في الحفيرة فاعجبوا ... من غيبة الأعلام في الإلحاد
سقيى(5) له ماذا تضمّن قبره ... بين المقابر من هدىً ورشاد
ونباهة ونزاهة ووجاهة ... ونجابة وإصابة وسداد
(ا قبر كيف طويت بحراً زاخراً ... متدافع الأمواج والإمداد)(6)
يا قبر كيف سترت طوداً شامخاً ... عهدي به يعلو على الأطواد
أوفى على العلماء في طبقاتهم ... وزرى على البلغاء والأجواد
ورقى مع الإبدال في درجاتهم ... بل عد في الأقطاب والأوتاد
__________
(1) في (ب): وحدت تدري.
(2) في (ب): يدري.
(3) في (ب): من هلكه.
(4) في (ب): استتم.
(5) في (ب): سقياً.
(6) غير موجود في (ب).
لا يبعدنك الله نجم هداية ... وغياث ملهوف وسيف جهاد
لم يبد للأيام بعدك رونق ... لم يبق للدنيا جمال بادي
مذ غاب وجهك ما ملكت دامعي ... حزناً ولا ملك السلو قيادي
صلت عليك بنو البتول بطيبة ... ونعيت بين سوية وجياد
وبكى لنقلتك الحطيم وزمزم ... والبيت ذو(1) الزوار والوفاد
لقاك ربك عفوه وثوابه ... وجزاك أجر الطائع المنقاد
وعليك صلى الله ما لعب الصبا ... بقوام حوط البانه المياد
الهادي بن تاج الدين
الهادي بن تاج الدين، هو صنو الإمام المهدي إبراهيم بن تاج الدين، كان من العلماء الكبار، مات (حيدان)
الهادي بن الجلال بن صلاح
الشريف الكامل الفاضل الهادي بن الجلال بن صلاح، كان من أهل الديانة والرصانة والمكانة في الفضائل والركانة على منهاج سلفه الكرام وسادات اليحيوية الفخام، مات برغافة.
__________
(1) في (ب): و.
الهادي بن عبد الله بن إبراهيم
القاضي العلامة ………(1) معاضد نسيج وحدهفي الجهاد، الهادي بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الرجال، كان من الفقهاء المحققين في علم الفروع والكلام، وأما الفرائض والجبر والمقابلة فهو الخاتمة في أهلها، وله في هذا العلم عجائب تحاز، لها الألباب، ولقد كان يستغني عن كيل ما ينساق إليه من الحنطة والطعام على كثرتها بمساحة المحل، ولا يختلف عليه ذلك بزيادة ولا نقص، ومما اشتهر عنه، وأخبرني به مولانا السيد العلامة عبد الله بن عامر وسيدنا العلامة أحمد /238/ بن علي بن قاسم العنسي، قال: أخبره الثقة الحاج المجاهد أحمد بن محمد البحش الأسدي - رحمهم الله - أنه تحدث بـ(ظفار) أنه يمكنه أن يمسح البركة الكبيرة(2) المعروفة بحداف في (ظفار)، ويعرف مقدار مائها المجتمع فيها، وكان شجاعاً مدبراً له في تدبير الحرب، صناعة يذكر عنه(3) عجائب بجامع قلة، عدده من صولة الباشا ونحوه لجودة رأيه، كان في بعض الأيام في أطراف البلاد الإمامية، فبلغ الأروام فغزوه، فأجنهم الليل في محل(4) قريب منه، فكتب إليه النقيب محمد سعدان يخبره بذلك، فتحير كيف يصنع(5)، إن تأخر انفتحت البلاد للأروام، وإن استقام فالذي عنده نحو أربعين رجلاً، فثبت مكانه حتى إذا تمكن الليل أمر الأربعين النفر يأتون من وراء المحطة ويوقدون النيران ويرمون بالبنادق ويضربون المدفع، فلما سمع الأروام ذلك من ورائهم قالوا: هذه مادة للقاضي لا ينبغي أن نرتحل إلا بعد طلوع الشمس، فنستكشفها فتحيروا في المحطة حتى جمع القاضي من به الكفاية من حاشد وبكيل ودفع الله كيد الأروام، ولله القائل:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العليا كل مكان
__________
(1) في (ب): المجاهد المعاضد.
(2) هنا بياض في (ب).
(3) هنا بياض في (ب).
(4) في (ب): مكان.
(5) في (ب): كيف ينصع لكونه في طرف البلاد.
وكان من الزهد بمحل، حسبك أنه ما خلف لأولاده بيتاً يسكنونه وإنما بنى بيوت الله عز وجل كمسجد هزم ومدر، ونباعة، وبيت بنا وحيط (حمران) (1)، وغير ذلك، وكان جواداً مؤثراً على نفسه، بلغني عنه بطريق الاستفاضة أنه جاء إليه رسول يخبره أن بعض الرتب من العسكر لا قوت لهم، وكان في بيته (- رحمه الله تعالى -)(2) ثلاثة أقداح قد قربها أهله للطحن، فأخرجها من بيته ولم يبق لأهله شيء، ومن سماحته - رحمه الله - (تعالى)(3) ما أخبرني به الوالد العلامة بدر الدين محمد بن عبد الرحمن من أولاد حميد الشهيد - رحمه الله - (تعالى)(4)، وأبقى المذكور، قال: جاء رجل من مشائخ غولة ابناً من بني جبر، فقال له: يا سيدنا، دخلت (صنعاء) لبعض حوائجي فوجدت أكافاً يصلح لحمارك، فأخذته لك، وكان القاضي محتبياً بسباعية عظيمة، فقال(5): كثر الله خيرك، وهذه السباعية لك، ثم التفت إلى بعض قرابته الذي بيده مفتاح طعامه، فقال: يا فلان حمل على ناقتي عشرين قدحاً من الذرة عشاء أولاد الشيخ، فلما أقبل الولد بالناقة محملة قال: يا شيخ(6)، والناقة لك انتفع بها، فقال له الولد الذي عنده مفتاح الطعام: لعلك تريد يا عم تجعلني أيضاً هبة للشيخ متحفاً بذلك، و(على)(7) بالجملة فهو رجل جليل القدر، محمود الأثر، ولقي الله شهيداً حميداً ببلاد (العصيمات)، وذلك أنه أخبرني الوالد العلامة أحمد بن عبد الرحيم - رضي الله عنه - كان بجهة بني علي، فجاءه كتاب من الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (- عليه السلام -)(8) يذكر أنه وصل إلينا شيوخ وادعة /239/ فشكوت(9) عدوان العصيمات عليهم، وقد أمرناكم بالنهوض معهم(10)، وكنا نسمع كثيراً أن هذا الكتاب من ولد الإمام، وهو مولانا
__________
(1) في (ب): عمران.
(2) غير موجود في (ب).
(3) سقط من (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) في (ب): وقال.
(6) في (ب): يا والناقة.
(7) سقط من (ب).
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): يشكون.
(10) في (ب): معاهم.
المؤيد بالله وهو إذ ذاك الناهض بأعمال والده - عليهما السلام - ولكن الوالد أحمد أخبرني بذلك وقال: هو متيقن لذلك، فنهض القاضي مع وادعه، ولم يصحبه من أصحابه المعتادين إلا القليل، الظاهر أنه صحبه نحو أربعمائة وخمسين رجلاً، لكنهم غير جماعته المعتادين، ولم(1) ينهض معه من قرابته رجل لسبب اقتضاء ذلك، فلما وصلوا بلاد العصيمات تولى تدبير الحرب شيوخ وادعة وانعكست الحال واشتغل الناس بالنهب، وكان القاضي في محل قد وضع فيه راية يرجع الناس إليها، ومرفعاً يضرب، فكان سبب ذلك اشتهاره للعدو، فكأنما ضرب المرفع ونشر الراية علماً لأعدائه، فكان ما كان وأحظاه الله بالشهادة، ودفن بحوث بجوار الصالحين، وقتل معه رجل من بني جبر، ورجل من بني زهير، واثنان من جبل عيال يزيد وغيرهم نحو سبعة نفر، وكان لذلك موقع عظيم عند العدو والولي والحمد لله الذي أظفره بذلك، وكان الفقيه سعيد بن صلاح الجبري يروي عن الإمام الحسن بن علي (- عليه السلام -) (2) أنه كان يحدث عن أحوال الإمام القاسم، ومن جملة ما قال: فقتل(3) رجل من أعيان أصحابه بناحية رميض من بلاد العصيمات، ورثاه جماعة منهم ابن أخيه العلامة (شمس الدين)(4) أحمد بن علي الماضي ذكره، وهي من أوائل شعره، وتولى قراءتها في حضرة الإمام سيدنا العلامة سعد الدين بن الحسين المسوري - رضي الله عنه - وأعجبته وأعجب السيد العلامة داود بن الهادي - رحمه الله - (تعالى)(5)، وهو(6) السبب في إظهارها، وهي:
بكى(7) مصابك ذو الشحناء والرحماء ... وأصبح الدين مفلولاً(8) ومنهدما
قال الإمام وقد ذاقوا مرارته ... يحق(9) للعين أن تجري عليك دما
__________
(1) في (ب): من لم ينهض.
(2) الحسن بن علي عينه أنه كان.
(3) في (ب): يقتل.
(4) سقط من (ب).
(5) سقط من (ب).
(6) في (ب): وهما.
(7) في (ب): أبكى.
(8) في (ب): مبلولاً.
(9) في (ب): يحسن [ولعل الصواب ما أثبت].
يا حائزاً كل معروف ومكرمة ... ومن على هامة العلياء رسى قدما
من للمساكين كهف يوم مسغبة ... ومن لهم ذخرة إن أملقوا عدما
وللمحاسن تاجاً راق منظره ... وللمدارس نور زحزح الظلما
يا ملجأ لطريد عضه زمن ... ومن يعد لكشف الخطب إن عظما
ومن إذا أعيت الأفهام مشكلة ... وجاش من فوقها طوفانها وطما
قالوا جميعاً لهذا(1) فيصل فطن ... أموا عليماً نجا في أمرها علما
أما الجهاد فلا تحصى وقائعه ... فيه ومن يحصر المزان(2) والديما
من بالصلات وبالصولات مشتهر ... يروي بهذ بن السيف(3) والقلما
كذا الزمان ولا تحصى مصائبه ... جنى علينا ولم يحفل بنا ورما
وما أصبنا خصوصاً في قضيته ... بل تلك بلوى أتتنا عمت الأمما
إن العصيمات أخلى الله أرضهم ... عن كل حي ولا أتاهم النعما
دحوا مشيداً على الإسلام واعتمدوا ... قتل الهمام سليل القادة العلماء
وإن يقولوا مقالاً يفخرون به ... على الأنام ليزادوا به كرما
وإن(4) يقولوا شفينا غيضنا بحجا ... كما شفاه(5) راوس قبلنا قدما
آباؤنا استعرقوا الأقرام من قدم ... ولم يروا أحداً للثار منتقما
قلنا لنا مفزع بعد الإله إلى ... حامي حما الدين بل من شاده وحما
ما يظفرون وملجانا أبو حسن ... يبني لنا ما دحاه الدهر وانهدما
بقي لنا فهو نعم المستغاث به ... سعداً لمن بعراه لا ذو النزما
والصبر خير وقد قالوا(6) به الحكما ... لكنه لم يفد ما قاله(7) الحكما
متى النصيف أمير المؤمنين متى ... يكون ممن لهذا الدين قد ثلما
وجرع الضيم أرحاماً يبيت لها ... تحت الظلام نحيب يجلب الألما
وللبنين وللأطفال نائحة ... يحسها من حوت آذانه الصمما
وزادهم حرة من فوق ما لهم ... يدوه(8) النصف من الأعداء والخصماء
__________
(1) في (ب): هذا.
(2) في (ب): الأمزان.
(3) في (ب): بهذين حَدُّ السيف والعلما.
(4) في (ب): فإن.
(5) في (ب): سقاه رواس.
(6) في (ب): قالت.
(7) في (ب): ما قالت.
(8) في (ب): يطوه النصيف.
ما(1) أدرك الروم بل فاضت دماؤهم ... بمرهفاتك وانقادت لك الزعماء
إياك للسلم باقيهم محاذرة ... من أن يحل بهم ما حل بالقدما
وتحت اسرك أملاك غطارفه ... من هاشم يضربون الهام والقمما
أبناؤك الصيد حامون الحدود ومن ... بهم إلى الرتبة القصوى ارتقا ونما
وواحدان(2) تهيّا في سريته ... أفنى العداه وأوفا الفيء والقسما
إذا(3) أذنت لشمس الدين أرسلها ... شعثاء وأسقاهم بالصارم النقما
يجرها من نواحي الشام عادية ... فرسان صدق عليها(4) أمره حكما
شامية تملأ الأقطار هيبتها ... ليوث حرب إذا ما شدت الحزما
تأتيهم تحت أعلام وألوية ... ليلاً فيصبح ربع القوم منحسما
فذاك والله ما صعب يقوم له ... إلا تيسر ما يرجوه والتأما
بجودة الرأي والدين الذي أنصدعت ... منه الجبال إذا ما جيشه صدما(5)
(6)هذا وإن الوفاء إن كنت فاعله ... فأنت ممن(7) استرعى رعاء وحما
إن لم يكن منكم في سلم مناصفة ... فما ترجا انتصاف حيث لا سلما
ثم الصلاة على المختار ما خطرت ... عيس وما شن مزن هاطل وهما
كان(8) مولده - رحمه الله - (تعالى)(9) يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر أحد شهور سنة سبع وتسعين(10) وتسعمائة، واستشهد - رحمه الله - في العشر الوسطى من (شهر)(11) ربيع الآخر سنة ست وعشرين وألف.
__________
(1) في (ب): ما أدك.
(2) في (ب): ووحدان.
(3) في (ب): أذنت.
(4) في (ب): عليه.
(5) في (ب): انهدما.
(6) زيادة في (ب) هذا اليبت:
حاشاك أن تكسو اسرى حلائلهم منا وأرحامنا الأحزان والندما
(7) في (ب): ممن إذا.
(8) في (ب): وكان.
(9) سقط من (ب).
(10) في (ب): سنة سبع وستين وتسعمائة سنة.
(11) غير موجود في (ب).
المهدي بن المؤيد بن علي
السيد الفاضل الصدر العلامة /241/ الهمام الهادي بن المؤيد بن علي بن المؤيد - رحمه الله - كان فاضلاً عيناً في آل محمد، وبايع الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وكان عين حضرته ورئيس(1) أسرته، وجاهد معه وتوجه على رايه، وعسكر(2) كثيف غازياً بطرف تهامة، وهناك قبائل عظيمة من بني عبس، فاستولوا على مواشيهم إبلاً وبقراً، فتقدم (لهم)(3) تلك القبائل مضيقاً بين أشجار وعرة، فاستردوا مواشيهم وقتلوا السيد الهادي المذكور وجماعة معه، فاغتمّ المسلمون لذلك غماً شديداً، وأنشد الإمام - عليه السلام - مرثية عظيمة في هذا السيد - عليه السلام -:
على الأحبة إن لم تبك أجفاني ... فما أقل الوفاء مني وأجفاني
رضيع أخلاف أنواع العلوم ومحييها وناشرها حقاً بإتقان
الهادي الهادي ابن الإمام ومن ... كان المرام إذا يوماً عنا عان
وهي طويلة نحو مائة بيت عدد فيها ما جرى على أهل البيت من المحن من أولهم إلى آخرهم.
__________
(1) في (ب): ورائس.
(2) في (ب): في عسكر.
(3) سقط من (ب).
قال(1) في اللآلي: ومشهد الهادي بن المؤيد المذكور في هجرة الروس من بلاد الأهنوم، وقد كان قبر في موضع يسمى الدير، وهو بالقرب من بلاد عبس قبلي الشرف الأسفل، مما يلي تهامة، فنقل إلى الروس لأنها بلده التي يسكنها، هو واخوته وعليه قبة مشهورة مزورة، ولما قام الإمام عز الدين بن الحسن - عليه السلام - وهو ابن عمه، قتل من عبس قتلاً كثيراً، منهم المتهم بقتل السيد الهادي، ويروى أن هذا السيد مذكور في كتاب الجفر الذي أملاه أمير المؤمنين - كرم الله وجهه - عند بئر الجفر على ولده الحسن، ثم تناقله أولاده في الصدور حتى انتهى إلى الصادق - عليه السلام - وروي أنه فنده بالكتاب، وسمى كتاب الجفر باسم البئر التي أملاه عندها أمير المؤمنين، وذلك أن بعض السادة قدم به إلى برط، فلقيه بعض السادة آل يحيى بن يحيى، فتلقفه(2) فيه، فوجد فيه(3) نعت الإمام المطهر بن محمد بن سليمان بلفظه واسمه، وذكر بعده أن في المرتبة الثانية من مرتبة الإمام - عليه السلام - في عصر السيد الهادي بن المؤيد بن الإمام الهادي علي بن المؤيد، لكنه يموت قبله، (انتهى)(4).
الهادي بن المهدي بن عز الدين(5)
السيد العلامة جمال الدين الهادي بن المهدي بن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، كان سيداً فاضلاً رئيساً، دخل إلى (زبيد) بأمر الإمام شرف الدين لمقاصد حميدة ومصالح عرفها الإمام - عليه السلام -.
__________
(1) في (ب): وقال.
(2) في (ب): فتلقفه منه.
(3) في (ب): منه.
(4) سقط من (ب).
(5) هذه الترجمة سقطت من (ب).
الهدي بن يحيى بن الحسين بن يحيى
السيد الهادي بن يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين بن الحسين بن يحيى، كان من أكابر العلماء وأعلامهم، ومن لا يجارى في الفضائل، وله من التجربة في الأمور ومعرفة مصادرها ومواردها ما ليس لغيره، وعلى يديه ويدي الفقيه العلامة الحسن بن محمد النحوي تسلم الواثق - عليه السلام - للإمام المهدي علي بن محمد، وللسيد الهادي بن يحيى التعليقة المسماة بالشرفية، وكان الأشراف بنو حمزة أسروه سنة ثماني وخمسين وسبعمائة في خلافة الإمام علي بن محمد، وكان من أنصاره، وأقام في حبسهم ثمانية شهور،و خلصه الله وقبره في حجرة /242/ جده الهادي إلى الحق - عليه السلام - (غربي قبة الإمام الناصر أحمد بن يحيى. ويروى أنه كان ينبت على قبره شجرة الزعفران)(1)، وذلك مشهور بـ(صعدة)، وتوفي في شهر صفر سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وله من العمر سبع وسبعون سنة، واستفاض على الألسن أنه مر به تالٍ يتلو سورة (يس)، فغلط فرد عليه، والله أعلم.
الهادي بن يحيى
السيد العلامة الهادي بن يحيى صنو الإمام المهدي لدين الله احمد بن يحيى - عليه السلام - كان عالماً كبيراً عابداً صالحاً، قرأ عليه الإمام المهدي في علم الكلام، ذكره الإمام في الغايات في حياة أهل القبور.
هارون بن سعيد
هارون بن سعيد، من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي - عليه السلام - وممن أخذ عنه، ذكره الشيخ العالم القاسم بن عبد العزيز بن جعفر البغدادي - رحمه الله - (تعالى)(2)، وبايع هارون أيضاً لإبراهيم بن عبد الله - عليه السلام - قال أبو طالب - عليه السلام -: (و)(3) كان فقيهاً معروفاً بالصلاح والدين، وقد لقي الشعبي، وروى عن إبراهيم النخعي، وتولى لإبراهيم القضاء بواسط.
__________
(1) مابين القوسين سقط من (ب).
(2) سقط من (ب).
(3) سقط من (ب).
هاشم بن القاسم بن عبد الله الرسي
الشريف أبو هاشم بن القاسم بن عبد الله الرسي، كان من بحار العلم، وكان من أعيان المائة الرابعة، - رحمه الله - (تعالى)(1).
الهيشم الطهوي
الهيثم الطهوي الذي حدث عنه كبار أهل (الكوفة)، وكان ممن أخذ عن زيد بن علي - عليه السلام - ذكره الشيخ العالم ولي آل محمد القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي - رحمه الله تعالى -
(فراغ)
حرف الياء
يحيى بن أبي النجم
القاضي العلامة عماد الدين يحيى بن أبي النجم، وصنوه سليمان، كانا عالمين، وفيهما يقول السيد الإمام المنصور بالله محمد بن الهادي بن المقتدر:
إني أنادي عماد الدين عن كثب ... رب السماحة يحيى سيد العرب
ورد سليمان رب العلم حاكمنا ... يرضى به الكل عالي القدر والرتب
بدرين بحرين إن جادا وإن حكما ... فاها بدر خلاص غير مخشلب
هما الجوادان في الأزم الشداد إذا ... شح الكرام وشحت(2) دلج السحب
كأن سوحهما للوفد مرتبع ... ومنزل لبعيد أو لمقترب(3)
كم أغنيا عائلاً من بعد عيلته ... وجلياً كرب مكروب من الكرب
وأكرما الضيف والأيام كالحة ... وأشبعا جائعاً في ساعة السغب
وأعطيا سائلاً في الحال حاجته ... لم يحوجاه لوعد الصدق أو الكذب)(4)
/243/ لا ينطقان بلا للسائلين إذا ... سئلا ولو كان في نفس وفي نشب
ما حاتم ما ابن سعد قط ما هرم ... ما كعب يوم قضى من شدة التعب
محسدين على ما كان من نعم ... أصيب حاسدهم بالويل والحرب
من سادة هم رؤس أينما ذكروا ... كانوا رؤوساً وليس الرأس كالذنب
وهم بنو النجم من أمسي فخارهم ... فوق السماكين يعلوا (أو على)(5) علب
أعلا الأنام معاً قدراً ومرتبة ... وهم خلاص الورى في الأصل والنسب
فدمتما يا أعز الناس في نعم ... محروسة عن صروف الدهر والريب
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (بي): [غير واضحة].
(3) في (ب): مقترب.
(4) في (ب): لو لم يحوجاه لوعد الصدق والكذب.
(5) في (ب): وعلى.
لا زلتما ملجأ(1) كهفاً يلوذ به ... من كل حادثة في الدهر أو سبب
(ومما قيل في القاضي يحيى بن أبي النجم - رحمه الله تعالى -)(2):
عماد الهدى والدين يا سيد الورى ... ويا فائض الإحسان يا حامي الحما
ويا من إليه المعيفون كأنهم ... حجيج يأمون الحطيم وزمرما
ومن سيفه في الروع يركبه الطلا ... ويورده قهراً ويصدره دما
ومن ينحر الكوم السمان لضيفه ... ويعطي المذاكي للوفود تكرما
وأفرس من رأفت(3) به الجرد في الوغا ... ويوم اللقاء يروي الوشيح المقوما
إليك عماد الدين أفردت خدمتي ... لأنك خير الناس طراً وأكرما
فبادر لقصدي يا عماد فإنني ... جعلتك لي فيما أرجيه موسماً
ودمت بعز لا يزال(4) معمراً ... مدا الدهر ما لبا الحجيج وأحرما
ومما قيل في (القاضي المذكور وفي صنوه علي - رحمهما الله تعالى -)(5):
آل(6) أبي النجم الجواد ارتحلتها ... محترة وافت بدر منظم
إلى السيدين العالمين الذي(7) غدت ... معاليهما فوق السماكين ترتمي
فذاك عماد الدين ماجد عصره ... وذا علم الدين الحليم المكرم
ترى الضيف في سوحيهما الرحب دائماً ... كمثل الحجيج من محل ومحرم
فيا راكباً حرفاً أموياً بسملة ... تخبّ كمثل الآل في البيد ترتمي
إذا جئت سوح القاضيين فقف به ... وأبلغ تحيّاتي هناك وسلم
سلام كنشر المسك فض ختامه ... وكالروض من صوب الحياء متبسم(8)
وقل شافعي رب السماء ومحمد ... وكل نبيء ثم عيسى ابن مريم
وأسرته الهادين من كل سيد ... همام إمام طاهر متكرم
لتغتنما(9) جاهيكما فثوابه ... جنان إلى عند الأمير المعظم
وجاهكما يحظا به كل أمل ... إلى كل مأمول فصيح وأعجم
__________
(1) في (ب): كهفاً ملجأ.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وافت.
(4) في (ب): لا يزول.
(5) في (ب): القاضي وفي صنوه علي - رحمهما الله -.
(6) في (ب): إلى ابن أبي.
(7) في (ب): التي.
(8) في (ب): مقسم.
(9) في (ب): لتغنما.
وإن جلب(1) بالعين دار سكينها ... لبعد كما عن كل خل ومسلم
فلولا كما لم أعتدي متشفعا(2)ً ... ولولا كما ما كنت بالمتوسم
ولولا كما ما كنت للشعر قائلاً ... ولولا كما ما كنت بالمتكلم
ودونكما يكن(3) أعروساً جبيتما ... بكل نعيم راق من خير منعم
يحيى بن أحمد بن أحمد
/245/ الأمي(4)ر الفاضل الجحجاح النبيل يحيى بن أحمد من ولد يوسف الأصغر بن أحمد بن يوسف الأكبر - رضي الله عنهم - كان من الفضلاء الكملاء له مشاهد مشهودة ووقائع في الأعداء محمودة، جمع بين فضيلتي الجهاد والاجتهاد، وكان من أساطين الملة وسادات البلاد وأكثر وقائعه مع الإمام المهدي علي بن محمد - عليه السلام -.
يحيى بن أحمد بن يحيى
الأمير شمس الدين شيبة الحمد الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى - عليهم السلام - هو شيخ آل الرسول وإمام فروعهم والأصول وشمس فضلهم(5) التي ليس لها أفول ولا قفول، علمه أشهر من الشمس في(6) ضحاها والقمر إذا تلاها، له فواضل وفضائل ومحامد، أحظته(7) قول القائل:
يحيى بن أحمد لولا أن والده ... محمداً ختم الأنبياء لكان نبي
توفي بهجرة قطابر، قال بعضهم:
ألا إن شمس الدين يحيى بن أحمد ... تقضت لياليه بشهر المحرم
لست مئين حجة قد عددتها ... وست سنين بعد ذلك فاعلم
وعاش من الدنيا ثمانين حجة ... سوى حجة والمرء غير مسلم
ورثاه المنصور بالله قدس(8) روحه بقصائد رائية، قال في(9) بعضها:
عهدنا مغيب الشمس في الغرب دائماً ... فغابت ضحى شاميه في قطابر
و(قال)(10) في أخرى:
فلو كان يفدى بالنفيس فديته ... بنفسي وما أحوي من المال والوفر
__________
(1) في (ب): فما إن جلت.
(2) في (ب): منفقاً.
(3) في (ب): بكراً عروساً.
(4) زيادة في (ب): الكامل.
(5) في (ب): فضلها الذي ليس لهم قفول ولا أفول.
(6) في (ب): من الشمس وضحاها.
(7) في (ب): خطته بقول.
(8) في (ب): قدس الله روحه.
(9) في (ب): قال لي بعضها.
(10) غير موجود في (ب).
وفضائل هذا الأمير لا يطاق لها حصراً، ولا يحيط بها(1) سفراً، (انتهى)(2).
يحيى بن أحمد بن الناصر
السيد الخطير يحيى بن أحمد بن الناصر بن الهادي إلى الحق عليهم(3) السلام، قال ابن عنبة - (- رحمه الله -)(4)- يكنى أبا الحسن ويلقب المنصور، وله فضل(5) وفيه خير، حكى القاضي أبو علي التنوخي في كتاب نشوان المحاضرة أن يحيى هذا أنفذ رجلاً(6) من أهله يكنى أبا الحسن إلى بغداد أيام كان أبو عبد الله محمد بن الداعي مقيماً بها، وقال له: اختبر حال أبي عبد الله(7) الداعي، فإن رأيته أفضل مني وأولى بالإمامة فاكتب إلي ذلك(8) لأبايع له، وأدعو إليه، وأطيعه، (قال)(9): فلما طالت صحبة(10) العلوي لأبي عبد الله، ورآه من أتقياء الطالبيين وصلحائهم ووجوههم بايع أبا عبد الله سراً.
قال التنوخي: فأخبرني(11) من سمعه من خاصتهم يقول لأبي عبد الله أنك لو أمرتني بسياسة دابتك لفعلت فجزاه الخير(12) وشكره. قال التنوخي: وإن أبا الحسن هذا كان من وجوه أهله وفحولهم ورؤساهم(13) وأدبائهم مع شجاعة عظيمة، وتحلى بالعلم وآداب النفس وفصاحة حسنة، كما(14) سمعت لفظ علوي حضري قط أفصح منه ولا أعذب، وكان لي صديقاً، وكان أيضاً صديقاً لأبي، وأول رؤيتي له كانت عنده، وهو (إذ)(15) ذاك يخضب ثم ترك الخضاب.
يحيى بن أحمد بن إبراهيم
يحيى بن أحمد بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين - عليهم السلام - كان عالماً بالعربية شاعراً مجيداً، مات بخاو - رحمه الله -)(16).
__________
(1) في (ب): ولا يحيط بها شعراً.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): عليه.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): فضائل.
(6) في (ب): رجلاً جليلاً من أهله.
(7) في (ب): أبي عبدالله بن الداعي.
(8) في (ب): بذلك.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): صحبه هذا العلوي.
(11) في (ب): وأخبرني.
(12) في (ب): فجزا خيراً.
(13) في (ب): ورؤسائهم.
(14) في (ب): ما سمعت.
(15) سقط من (ب).
(16) غير موجود في (ب).
يحيى بن أحمد الوادعي
/246/ (الشيخ العالم)(1) يحيى بن أحمد بن حجلان الوادعي الزيدي - رحمه الله - علم من الأعلام الشامخة وغرة من غرر الدهر (2)الشادخة، من بيت للفضائل منانة، ومنصب قد شاده سلفه وأعلوا فنانه، وكان عليهم مدار العمال(3) الجسيمة والمهمات العظيمة، وقد سبق أن مسكنهم بهجرة معين، ومنهم جماعة فضلاء، وكان يحيى - رحمه الله - على طرزهم وعلى صهوة عزهم، وله شعر وفصاحة، ومن شعره القصيدة المنصورية التي أنشدت يوم الجمعة في شهر محرم سنة ست وتسعين وخمس مائة بـ(صعدة) المحروسة:
فتحت سعودك كل باب مقفل ... والبيض في أغمادها لم تسلل
والخيل مقرنة بطل كواسيا ... حول المنازل والقنا لم يحمل
جاريت أهل الفضل في ميدانهم ... فسبقتهم سبق الجواد الأول
تسموا إلى رتب العلا متوشحا ... سيف الإمامة ذا النجاد الأطول
متسربلاً للمجد مرتدياً به ... يا حبذا المرتدي(4) المتسربل
متمكناً في(5) الذروة القعساء مرتديا ... بثوبي عزة وتذلل
كالنجم في جو السماء محلقاً ... وتراه في قعر القليب الأسفل
والقصيدة طويلة، وأقول: لو لم يكن فيها إلا هذا البيت الأخير، وهو السابع منها، لكان آية بينة على فصاحته (- رحمه الله تعالى -)(6).
يحيى بن أحمد الزيدي
يحيى بن أحمد الزيدي العلامة المحقق الرئيس الكامل عماد الدين(7) يحيى بن أحمد الزيدي الصعدي، أظنه والد العلامة الرئيس سيف الإسلام أحمد(8) بن يحيى الشهيد بسيان أيام الإمام أحمد بن الحسين - عليهما السلام - وكان يحيى المذكور عالماً أديباً، مجيد الشعر، ومن قوله في الإمام المنصور بالله - عليه السلام -:
الله أكبر حي بعد خموله ... دين المهيمن يا ابن بنت رسوله
__________
(1) في (ب): السيد العلامة يحيى بن أحمد.
(2) في (ب): من غرف الدهر شادخة.
(3) في (ب): الأعمال.
(4) في (ب): للمرتدي.
(5) في (ب): من في الذروة.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): عباد الملة.
وتبلج الإسلام بعد ظلامه ... نوراً وهذا اليوم غاية سؤله
(وزهى بعبد الله صفوة حمزة ... من بعد ما درست رسوم طلولة)(1)
قام الإمام بهمةٍ علوية ... قطاعة كسنانه وصقيله
درس العلوم فقادها بزمامها ... وأحاط بالتنزيل في تفسيره(2)
وهي طويلة.
يحيى بن أحمد بن مظفر
القاضي العلامة يحيى بن أحمد بن مظفر مؤلف البيان، كان - رحمه الله - عارفاً مجوداً
(فراغ)
يحيى بن أحمد بن سلمان
الأمير المعتز بالله يحيى بن الإمام أحمد بن سليمان، كان عارفاً، وكان بطلاً /247/ شجاعاً.
قال علي بن نشوان: كان أميرا عظيماً جرباً فارساً شجاعاً مجاباً(3) مطاعاً، قد فتح المدن الكبار وناصب العجم وحاربهم بناحية الحقل، وجيش إلى (صعدة) في حربهم الجيوش وعسكر العساكر، وجند الجنود وعقد البنود، وكان له جرأة في الحرب، وحذق ودهاء وارتكاب الهول العظيم(4)، وكانت(5) له هيبة في قلوب العامة.
قلت: ولما أرسله الإمام المنصور بالله تثاقل عن النصرة، وتمادى في حرب أهل الهضم بأثاقب وحرب الحجاجين من وادعة، فوعظه الإمام، فلم ينجح، ثم أغلظ له فلم ينجع، فلم يأنف الإمام، وعاودوه، فرجع على شروط، وقد كانت الشيعة حثوه على المسارعة إلى الإمام ممن (راسله)(6) القاضي الوجيه(7) علي بن نشوان (من جملة)(8) قصيدة له في ذلك:
يا ناصر الدين عجل نصرة الدين ... واضرب بسيفك أعناق الملاعين
استصحب الجد والتشمير مبتغياً ... في طاعة الله أجراً غير ممنون
جرد حساماً وعزماً منك نعرفه ... كصارم لك في الهجاء(9) مسنون
حتى تنير منار الحق منتضياً ... وتلحق البغي والباغين في(10) الهون
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): وأحاط بالتفسير في تنزيله.
(3) في (ب): شجاعاً مطاوعاً قد.
(4) في (ب): للهول العظيم.
(5) في (ب): وكان له.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): الوحيد.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): الهيجاء.
(10) في (ب): بالهون.
إلى آخرها، فانتدب الأمير لطاعة الله وطاعة إمامه، ووصل إلى الإمام (إلى)(1) براقش من أعمال (الجوف)، وكان وقت المراسلة بالحموس، ووصل في جماعة، فتلقاه الإمام بالتكريم والتبجيل، وخلع عليه ووعده برفع منزلته وهناه وشكره القاضي (علي)(2) نشوان بهذه الأبيات:
دلتك همتك الشريفة للتقى ... ولمرتقى(3) في المجد أعلى مرتقاً
ودعتك انساب زكت علوية ... نبوية للعز في دار البقاء
صدقت(4) حسن الظن فيك ولم تزل ... أبداً(5) الراجي الخير فيك مصدقا
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): ولمن نعى.
(4) في (ب): صدقتك حسن الظن ولم تزل.
(5) في (ب): أبداً لراجي.
يحيى بن أحمد بن حنش
(القاضي)(1) العلامة يحيى بن أحمد بن حنش - رضي الله عنه - مولده في شهر صفر سنة أربعين وستمائة، وتوفي - رحمه الله - آخر يوم الاثنين الثالث من شوال سنة سبع وتسعين وستمائة، فبلغ عمره سبع وخمسون سنة، وقبره(2) في الطفة مقبرة (ظفار) المشهورة، وهو أحد المذاكرين الذين حققوا الفقه ودققوه ولخصوه وهذبوه، وله تصنيف فيه يسمى الجامع، بلغ إلى كتاب الجنائز وعاقه عن التمام هجوم الحمام، قال في النزهة: وتممه ولده شرف الدين - رحمهما الله - وله كتاب (إسرار الفكر في الرد على الكني وأبي مضر)، ومن مشاهير مشائخه الأمير الكبير العالم النحرير محمد بن وهاس الحمزي صنو الحسن بن وهاس، الذي عارض الإمام الشهيد أحمد بن الحسين - عليه السلام - ووالده أحمد بن حنش، هو أول من تأهل بالعلم(3) من أهل هذا البيت الشهير - نفع (الله)(4) بهم - وهو شيخ الإمام احمد بن الحسين في التهذيب للحاكم تفسير (القرآن)(5)، ووفاته في عشر السبعين وستمائة، وقبره إلى جنب قبة /248/ أولاد المنصور بالله من جهة القبلة، وكان منه ما حكى من العفوة(6) في مبايعة الفقهاء الذين مالوا عن الإمام الشهيد أحمد بن الحسين عليه(7) السلام، وروى الفقيه عبد الله بن زيد توبته ورواها غيره، ولم يزل يشعرها(8) ويكررها حتى توفاه الله على أحسن طريقة.
يحيى(9) بن أحمد بن يحيى بن حنش
يحيى بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن حنش، متفنن(10)، له سماعات وإجازات تدل على غزارة علمه وظهور فضله، وللواثق - عليه السلام - ترثية فيه أولها:
وفاة عماد الدين يحيى بن أحمد ... أقلت غروس الدين في كل مشهد
__________
(1) سقط من (ب).
(2) في (ب): وقبر.
(3) في (ب): للعلم.
(4) في (ب): الحاكم.
(5) في (ب): الحاكم.
(6) في (ب): الهفوة ظ.
(7) في (ب): عليهما.
(8) في (ب): يشعر بها.
(9) يوجد قبل هذه الترجمة في (ب) ترجمة كل من: يحيى بن آدم ويحيى بن جابر بن جحاف و يحيى بن القاضي جعفر.
(10) في (ب): علامة متقن.
توفي ليلة الأحد في العشر الأول من شهر رمضان في سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ومما نسب إليه من الشعر:
أيا نخلتي دار الملاحة دمتما ... دوام أخي النجمين فرقدي(1) السماء
فلا زلتما يسقيكما(2) كل واكف ... ملث إذا ما أقلع الغيث أسجما
لعمري لقد جاورتما قبر(3) فاضل ... حوى المجد حتى كان بالمجد مغرماً
أجاهد في الرحمن حق جهاده ... وكان يرى فيه الشهادة معرماً
يحيى بن بريك
العلامة يحيى بن بريك الحسن بدر يحيى بن رويك الذي تقدم الوعد بترجمته [الخط غير واضح ص248]
(فراغ)
يحيى بن الحسن بن عز الدين
السيد العلامة يحيى بن أمير المؤمنين الحسن بن الإمام عز الدين عليه(4) السلام، كان أعجوبة الزمن وحيد وقته في آدابه وظرافته، وكان رئيساً كبيراً سامي الهمة، عذب الناشئة، مطلع على العلوم والآداب، بليغ الشعر والكتابة، وله مقامات تشهد له بذلك، وصحب الإمام شرف الدين على جانب من التعظيم عظيم وتكريم وتبجيل، وله ملح معجبة، واتفق بينه وبين الإمام خوض في علم الكلام، وكان من الإمام ما يدل عليه(5) العتاب الذي كتبه السيد عماد الدين - رحمه الله - وهو:
سطا علينا ومن كان الإمام سطا ... كأنني لم أكن في الأمة الوسطاء
وقام من حينه غضبان مكترثاً ... وكان يبغي علينا بغية الخلطاء
وزاد ألزمني كفراً بلا سبب ... وإن تكفير غير الكافرين خطا
ألم يرى في أصول الدين معرفتي ... وإنني بضعة من واصل ابن عطاء
تالله لو كشفت للعلم أغطية ... ما ازددت علماً إلى علمي بكشف غطاء
رويت قولاً عن النعمان معتمداً ... على البيان فهل قلنا إذاً شططا
__________
(1) في (ب): فرقد السماء.
(2) في (ب): شقيكما.
(3) في (ب): قبل فاضل.
(4) في (ب): - عليهم السلام -.
(5) في (ب): عليه هذا العتاب.
قل للخليفة مولانا وسيدنا ... لا تجمعن(1) بين تكفير وقل عطاء
يحيى بن الحسن بن أحمد
العلامة المحدث يحيى بن الحسن بن أحمد بن عثمان الزيدي - رحمه الله - عالم كبير وفاضل شهير، وهو مؤلف كتاب الكوكب المضيء المنتزع من جامع الترمذي /249/ ومن كلامه في الخطبة: (اعلم ألهمنا الله وإياك الحجة وأوضح لنا سلوك المحجة، إن الأعمار قصيرة، وفنون العلم كثيرة، يعجز عنها اللبيب ولا يبلغها الأديب، وانظر إلى تأليف من ألف في البسيط والقصير(2)، فقصيرها نقض(3) لذوي التقصير، وبسيطها عدة لذوي الفحص والتشمير، ولما سمعت ما عن لي سماعه من كتب الحديث، منها الكتاب المسموع(4) بالجامع من السنن للترمذي على الفقيه الفاضل الورع الكامل المحدث المحقق شمس الدين أحمد بن سليمان بن محمد الأوزري الصعدي مد الله مدته زادني بعض الإخوان شوقاً إلى نقل الصحيح من الحديث القائل بصحته مصنف الكتاب أبو عيسى - رحمه الله - فنقلت الصحيح من الأخبار النبوية مسلوبة الأسانيد - إلى أن قال ـ: وسميته بالكوكب المضيء). وقال في آخر الكتاب: وكان الفراغ من جمعه وتأليفه يوم الخميس في العشر الآخرة(5) من ذي القعدة سنة تسع وستين وسبع(6) مائة، بدرب قيس بـ(صعدة).
__________
(1) في (ب): جاء في حاشية (ب): لا تجمعن، لا يستقيم كذا، وفي هذا الكتاب العظيم أغلاطٌ كثيرة لعدم الاهتمام بالتصحيح، إنا لله وإنا إليه راجعون، كتب مجد الدين بن محمد عفى الله عنهم.
(2) في (ب): والوصير.
(3) في (ب): يقصر.
(4) في (ب): الموسوم.
(5) في (ب): الأخرى.
(6) في (ب): وتسع.
يحيى بن الحسن العقيقي
يحيى بن الحسن العقيقي - عليه السلام - هو يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - هو النسابة الشهير صاحب أخبار المدينة، ويقال: إنه أول من صنف في أنساب الطالبيين، وهو من مشاهير أصحاب الإمام الأعظم القاسم بن إبراهيم ترجمان الدين - عليه السلام - وله إليه مسائل، وهو جليل القدر عظيم الشأن، روى فأكثر وروى عنه اهله والمحدثون من غيرهم، ومن تلامذته ابن عقدة الحافظ، ويقال: إنه العقيقي، (وهو والد طاهر بن يحيى العقيقي)(1) المحدث المشهور الذي ينسب إليه بنو إخوته، فيقال: فلان بن أخي طاهر العقيقي زيادة في تشريفهم وتعريفهم وبيتهم كبير وعقبهم كثير، ومن(2) ولد طاهر (هذا)(3) الأصغر بن الحسن بن طاهر بن يحيى، وهو ممدوح المتنبي بالبابية التي منها:
إذا علوي لم يكن مثل طاهر ... فما هو إلا حجة للنواصب
يحيى بن الحسن بن المرتضى
العلامة يحيى بن الحسن بن الإمام المرتضى بن الهادي إلى الحق عليه(4) السلام، هو الذي سمع كتب الهادي - عليه السلام - على عمه أحمد، ودخل بها إلى (العراق)، فاتفق بالسيد أبي العباس، فسمع كتب الهادي - عليه السلام - ونشر مذهبه هنالك.
يحيى بن الحسن البحيبح
الفقيه يحيى بن الحسن البحيبح عالم كبير وفاضل شهير، وكان - رحمه الله - أحد مذاكري فقهاء الزيدية المعتمد على أقوالهم في حياته وبعد موته، وله تعليقة على اللمع، وهو من تلامذة الأمير العالم الكبير المؤيد بن أحمد بن المهدي بن الأمير شمس الدين يحيى بن أحمد - رحمه الله تعالى - (وكان مولده في شهر [فراغ] وتوفي في شهر [فراغ] )(5).
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): ومنهم ولد.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): - عليهم السلام -.
(5) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
يحيى بن الحسن الأعرج
العلامة يحيى بن الحسن(1) الأعرج /250/ من شيوخ السيد صلاح بن الجلال ويحيى بن حسن يروي عن محمد بن أحمد البخاري.
يحيى بن الحسن بن يحيى
يحيى الفاضل بن الحسين بن يحيى بن يحيى سيد سري واحد زمانه فضلاً، وهو وأخوه على جدهما من قبل(2) الإمام أحمد بن سليمان - عليه السلام -.
يحيى ين الحسين بن يحيى
السيد العماد حافظ الشريعة يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين، هو سيد المذاكرين وعلامة الفقهاء وفقيه العلماء صاحب الياقوتة والجوهرة، كان مجمعاً للخير والفضل رئيساً كبيراً، وكان من أعضاد الإمام علي بن صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين، ومع ذلك لم يقل بإمامته لكنه عضده لصلاح الأمة جزاه الله خيراً، وينسب إلى السيد يحيى بن الحسين من الشر(3) أظنه في(4) حداثته ما وجهه إلى العلامة سليمان بن أبي النجم(5):
إليك عماد الدين حنت مطيتي ... وأنت لها ركن وكهف ومويل
وسباق غايات وليث وصارم ... وبحر يرى للمعتقين ومنهل
ولا زلت مقصوداً لكل عظيمة ... ووجهك ضحاك لنا متهلهل
ولا زال سيف الله بالدين ساطعاً ... سليمان قاضي الحق بالحق يفصل
ثمال(6) اليتامى والأرامل عصمة ... لكل طريد قل عنه التحيل
له همة تعلو الكواكب كلها ... وكف(7) نداً بالمكارم يهمل
وللسيد يحيى كتاب في الفقه يسمى اللباب، ذكره في شرح البحر، توفي السيد يحيى (بن الحسين)(8) سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وعمره نيفاً وستين سنة، وقبره في العوسجة بقرب الجامع بـ(صنعاء).
يحيى بن الحسين الحمزي
السيد عماد الدين يحيى بن الحسين الحمزي، فاضل قومه، وسيد معشره النسابة المحقق، كان مبرزاً فاضلاً (- رضي الله عنه -)(9).
__________
(1) في (ب): حسن.
(2) في (ب): من قبل الأم الإمام.
(3) في (ب): من الشعر.
(4) في (ب): في أيام حداثته.
(5) زيادة في (ب): وصنوه يحيى بن أبي النجم شعراً.
(6) في (ب): عمال.
(7) في (ب): وكفٌّ نديٌّ.
(8) غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
يحيى بن آدم
يحيى بن آدم الفقيه - رحمه الله - بايع محمد بن إبراهيم - عليه السلام - وكان شرط لنفسه في البيعة الاستطاعة على ما يجب، فقال له محمد: هذا شرط قد استثناه لك القرآن.
يحيى بن جابر بن جحاف
الفقيه العلامة يحيى بن جابر بن جحاف الصعدي البصري، كان فقيهاً محموداً(1)، شرح التذكرة النصف الأول منها، وكان ناقلاً للكتاب العزيز، ذكره العلامة ابن الوزير.
يحيى بن القاضي جعفر
القاضي ركن الدين يحيى بن القاضي جعفر، كان مبرزاً في العلوم محققاً في أنواعها وأجناسها مجتهداً، تولى للإمام المنصور بالله - عليه السلام - صهيل(2) وحقالته وما بينهما من بلاد حنب، وتولى القضاء في ما بان هنالك.
قال في ذكره بعض العلماء: (كان القاضي)(3) يحيى - هذا - غزير الفهم كثير العلم بالغاً درجة الاجتهاد.
يحيى بن حاتم الحسيني
الفقيه العلامة يحيى بن حاتم الحسيني، هو (أحد)(4) مشائخ السيد صارم الدين إبراهيم بن علي، ذكره العلامة ابن الوزير في تاريخ(5) أهله.
يحيى بن دينار
أبو هاشم الرماني - بضم الراء - اسمه يحيى بن دينار، وهو أحد من بايع الإمام زيد بن علي (- عليهما السلام -)(6)، واحد شيعته المشاهير، مات سنة اثنين وعشرين ومائة، يقال (له)(7) نباع(8) الرمان، وقيل: لأنه نزل قصر الرمان، (ذكره البغدادي)(9).
يحيى بن سليمان بن أحمد
يحيى بن سليمان /251/ بن أحمد بن إسحاق بن الإمام الداعي إلى الله (يوسف)(10)، كان عالماً فاضلاً استشهد ببلاد يام(11)، وذريته أشراف صدان، (وهجرة فلفاح)(12)، وفي هجرة الزيلة ببلاد الأشمور.
__________
(1) في (ب): مجوداً.
(2) في (ب): صبيل ومعاليه.
(3) غير موجود في (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): في تاريخه.
(6) غير موجود في (ب).
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): بياع.
(9) غير موجود في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): ببلاد يام - عليه السلام -.
(12) غير موجود في (ب).
يحيى بن صلاح بن محمد
السيد العلامة الشامة في أهل البيت والعلامة عماد الدين يحيى بن صلاح بن محمد بن أبي الفضائل.
قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم(1): له في العلوم يد طولى، قرأ في الأصولين والعربية والفقه وسائر العلوم، وله مشائخ عدة بـ(صنعاء) و(صعدة)، كالقاضي علي بن موسى والهاجري(2)، والناصر لدين الله محمد بن يوسف والسيد صارم الدين إبراهيم بن محمد والمتوكل والقاضي إبراهيم بن علي بن يحيى المدحجي والفقيه أحمد بن سليمان العسكبة (والفقيه محمد بن سليمان الحجي)(3)، والشيخ أحمد(4) بن إبراهيم النجراني وغيرهم، وله نظر جيد وحفظ وإتقان، قرأ كتب الفنون، وأحاط بها، وله مع ذلك جلالة ومحل (عظيم)(5)، كمحل الخلفاء، وكانت له إمارة بـ(صعدة) وخطابة ومقاومة للملوك ومعارضة للأئمة وتجنيد أجناد وحشد عساكر، وسار في الجهات وبلغ بيشه وذهبان وجمع خيلاً كثيرة لنفع (المنصور بالله) (6) الناصر(7) بن محمد لما عزم على التقدم عليهم إلى (صعدة)، ثم أن تلك الخيل لما وصلوا(8) إلى المنصور فرت وعابوا وتغير كثير من الناس فوقع الاستيلاء، وانتقل السيد إلى (صنعاء)، وهو ملزوم، ثم وقف بـ(صنعاء)، وأقام بها وطابت له.
يحيى بن عطية بن أبي النجم
القاضي العلامة يحيى بن عطية بن أبي النجم، كان من أعيان العلماء وكبارهم، قتله الأمير أحمد بن المسور وأسد الدين التركماني بعد دخولهما (صعدة) مباينين للإمام الشهيد أحمد بن الحسين (- عليه السلام -)(9)، وقتلوا أيضاً القاضي زيد بن(10) مقبل، وكان من عيون(11) العلماء، وكشفوا النساء وانتهبوا بيوت المدينة وأسروا منها طائفة، وأقاموا فيها مدة.
__________
(1) في (ب): في تاريخه.
(2) في (ب): والهادي.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): محمد.
(5) غير موجود في (ب).
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): الناصر بالله بن محمد.
(8) في (ب): لما وصل المنصور.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): زيدان بن مقبل.
(11) في (ب): من أعيان.
يحيى بن علي بن المرتضى
يحيى بن علي بن المرتضى. (قال(1) العلامة) ابن الوزير في تاريخهم: مولده(2) سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وموته في شهر رجب سنة ثماني وأربعين وثماني مائة، كان له فضل ودين وصلاح وخلوص نية وحسن سريرة وصلاح طوية، كان إمام مسجد جده الهادي في (صعدة) (مدة طويلة)(3)، وكان له فصاحة وخطابة، وكان إماماً محموداً(4) في علم الحديث، وهو من مشائخ الفقيه المحدث يحيى بن أبي بكر العامري(5)، وإليه سنده في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث، وله شمة في سائر العلوم.
__________
(1) في (ب): والعلامة.
(2) في (ب): في تاريخهم مات في رجب سنة 848 ومولده في سنة 774، كان له فضل.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): مجدداً.
(5) في (ب): العاري.
يحيى بن علي السليماني
الأمير الأجل العالم الفاضل نظام الدين السيد يحيى بن علي السليماني - رحمه الله - قال علي بن نشوان: هو رجل(1) من كبراء أهل البيت وفضلائهم، واهل العلم الغزير والمعرفة، وكان ممن يومى إليه بالقيام، ولا شك أنه يصلح لهذا المقام، وقد مر سامي بهامة في اليوم الثالث من شهر صفر سنة ست وتسعين وخمس مائة إلى الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في خيل ورجال من أصحابه، فخرج أمير المؤمنين - عليه السلام - في لقائه وركب(2) الجند إلى قدام المدينة (صعدة)، وساروا في موكب عظيم إلى المسجد الجامع بـ(صعدة)، (حرسها الله)(3)، وافتتح السيد بالكلام والسؤال، فأجابه الإمام بما قرت به /252/ عينه، فحمد الله تعالى (وأقسم بالله تعالى لقد خشي الهلاك بالتثبط، ولما قضى السيد الكريم - رضي الله عنه - عاد داعياً لأمير المؤمنين)(4)، ومن جملة ما كتبه الإمام إلى الشرفاء بني علي يحضهم على طاعة هذا الأمير المكبر وتأمرهم(5) بطاعته ومساعدته، وقد بلغه عنهم بعض التثبط(6)، فقال في صدر كتاب(7):
ألا أبلغ هديت بني علي ... خصوصاً من سليمان الكرام
بني الركن المعظم والمصلى ... وأهل الحل والبلد الحرام
خصصتم دون قومكم بيحيى ... شريف الفعل محمود المقام
فتى لم يخل عن فعل حميد ... ولم ينسب إلى دنس ودام
ولو يحيى دعا قدماً إليها ... لصار بها إماماً للإمام
بحق وصيكم لا تجهلوه ... أيجهل حرمة الشهر الحرام
وكونوا دونه حصناً منيعاً ... من الأعداء في يوم الصدام
وحفوا حول هجرته جميعاً ... تحوزوا الفخر في يمن وشام
__________
(1) في (ب): هو من رجل.
(2) في (ب): وركب معه.
(3) سقط من (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): ويأمرهم.
(6) في (ب): التثبيط.
(7) في (ب): في صدر كتاب شعراً.
يحيى بن علي بن زيد بن محمد
الأمير الأجل المكين يحيى بن علي بن زيد بن محمد بن جعفر القاسمي، من أهل النباهة والشرف والكمال، وكيف لا وهو من بيت شريف القدر معمور الفخر، ولأهله الآثار الجميلة في كل معنى من معاني الفخر - أعاد الله من بركته - وكان والده من الكبار الأجلاء، وليحيى بن علي المذكور شعر يدل على كمال:
لك الرتب(1) العليا وأنت بها أحرى ... وأولى الورى في العصران يلي(2) الأمراء
دعوت فلا مينا نطقت ولا مرى ... وقمت فلا بدعاً أتيت ولا نكراً
وناديت بالإعلان من كان سامعاً ... وأظهرت فينا دعوة للهدى جهراً
وأحييت دين المصطفى بعد أن ثوى ... وبدله أهل الجفا والشقاء كفراً
(وهي طويلة، وفي هذا القدر تنبيه على فضله - رحمه الله -)(3).
يحيى بن علي الفلكي
القاضي العلامة يحيى بن علي الفلكي - رحمه الله - من علماء الشيعة، تولى القضاء في (ذي)(4) جبلة وإب من أعمال (اليمن) في مدة الإمام المؤيد بالله والمتوكل على الله سلام الله عليهما، توفي(5) - رحمه الله - (في ليلة الخميس لعله حادي وعشرين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين بعد الألف)(6).
يحيى بن محمد الشبيبي(7)
القاضي العلامة يحيى بن محمد الشبيبي - رحمه الله - كان من العلماء الشيعة وكبرائهم، وكان له شجاعة وفراسة وصولة، تولى القضاء مدة طائلة في (ذمار) في وقت الإمام المتوكل على الله - أعاد الله من بركته - مولده في شهر (فراغ) وتوفي في شهر (فراغ).
__________
(1) في (ب): الرتبه.
(2) في (ب): أن يلي الأمرا.
(3) غير موجود في (ب) الموجود: وفي هذا القدر كفاية في بيان فضله رحهم الله.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): وتوفي.
(6) غير موجود في (ب).
(7) غير موجودة هذه الترجمة في (ب)، يوجد فراغ.
السيد يحيى بن قاسم العلوي
السيد يحيى بن قاسم العلوي، مؤلف سيرة الإمام علي بن صلاح الدين، كنا نحفظه(1) أنه صاحب الرحلة الإمام الكبير الذي شرح الكشاف، وذكر بعض المطلعين أنه غيره زمانهما واحد ونسبهما واحد (ومحلهما صناعين)(2)، والسيرة هذه جمعها يحيى بن القاسم(3) إلى سنة خمس عشرة وثماني مائة، تمها(4) ولده /253/ الناصر بن يحيى (بن القاسم)(5).
يحيى بن القاسم بن عمر العلوي
النسيك(6) النحرير المقدم في أرباب التقرير(7) والتحرير زمخشري العترة وسيبويه الأسرة(8) يحيى بن القاسم بن عمر العلوي (العباسي)(9) المعروف بالفاضل اليمني، بحر في العلوم أطم، وبدر في المعارف أتمّ وأشهر في الفضائل من نار على علم.
(قال بعض الفضلاء)(10): ذكره السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزيري في الحسام المشهور في الذب عن سيرة الإمام المنصور. قال(11): إنه من مشيخة الإمام، (وذكره أيضاً في غير هذا الكتاب)(12)، وإليه يلمح بقوله:
وكذاك سيدنا سلالة (قاسم)(13) ... يحيى الأخير الحبراي(14) مشيد
__________
(1) في (ب): نحفظ.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): قاسم.
(4) في (ب): ثم تمها.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): السيد النحرير.
(7) في (ب): التحرير والتقرير.
(8) في (ب): سيبويه الأسرة عماد الإسلام.
(9) غير موجود في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): وقال.
(12) غير موجود في (ب).
(13) غير موجود في (ب).
(14) في (ب): الحبر أبي.
قلت: وقول السيد محمد بن إبراهيم يحيى الأخير فيه دلالة على ما سنذكره، إن من(1) هذا البيت المبارك رجلين كل منهما يعرف بيحيى بن القاسم، فليس هذا في شعر السيد محمد وترجمته، هو المفسر، وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله (تعالى)(2) بخط(3) بعض شيوخنا في هامش المناهل، (كلام)(4) حاصله أنه كان وحيد عصره (وفريد دهره)(5)، ارتحل في طلب العلم إلى (العراق) والشام حتى بلغ من العلم أطورته وأربا(6) على الخليل وسيبويه، وذكر في كتاب له إلى أهله أنه وصل بغداد، ثم ارتحل عنها إلى أرض(7) العجم، (ثم (الري) وأصفهان)(8)، ثم جيلان وديلمان، ثم (بلده أهل العدل والتوحيد)(9) خوارزم(10)، ثم دامغان، وذكره صلاح الدين الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات، ووهم فيه وهمين أحدهما في نسبه والآخر في مذهبه، فجعل نسبه حسنياً، ومذهبه شافعياً، (وقد وهم - في بالي - غيره، فجعله حنفياً)(11) ولا جرم أن ظهور (12) البدعة أوجب خفاء مثله، ولقد ذكر (الإمام)(13) المنصور بالله القاسم بن محمد في الجواب المختار أن رجلاً من علماء (مكة) حلف بالله رب هذا البيت - وأشار إليه - لو رأيت زيدياً لقتلته، فيا لله العجب، ولم يكن ذلك عن معرفة بالحال(14)، فإن السيد العلامة الهادي بن إبراهيم - رحمه الله - ذكر في (كتاب)(15) هداية الراغبين أن بعض الجبرية ذاكره فذكر له السيد فضل زيد بن علي - عليه السلام - فقال: من هذا زيد هو زيد بن ثابت(16)، أو زيد بن
__________
(1) في (ب): من أن هذا.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): وبخط.
(4) غير موجود في (ب).
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): أطوريه وأربى على.
(7) في (ب): بلاد.
(8) غير موجود في (ب).
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): ثم خوارزم وخراسان.
(11) ما بين الأقواس غير موجود في (ب).
(12) في (ب): ظهرت.
(13) غير موجود في (ب).
(14) في (ب): الحال.
(15) غير مودو في (ب).
(16) في (ب): هل زيد بن حارثة أو زيد بن ثابت فقلت له.
حارثة. قال: قلت: أفضل منهما زيد بن علي، (فأنكر أن يكون)(1) عارفاً له نسباً فضلاً عن أن يعرف له فضلاً ومذهباً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وحكى السيد (الإمام)(2) العلامة عبد الله بن الإمام شرف الدين أنه عام حجة اختلط بسيد عراقي من زيدية (العراق) الفضلاء لا يأكل إلا من كسبه، فكان ينسخ كتاباً لبعض /254/ الحنفية بالأجرة، فدعاه يوماً وقال: انظر يا شريف هذا البهتان، وإذا في الكتاب: الزيدية طائفة تقول بنبوة نبي بعد محمد صلوات الله عليه، فانظر هذه المجازفة والإقدام على البهتان، فحق للسيد العلوي أن يحقر(3) دمه ويحصن نفسه بالكتمان.
قال الصفدي - (ما لفظه)(4) ـ: يحيى بن قاسم بن عمر بن علي ينتهي(5) إلى الحسن بن علي (بن أبي طالب - رضي الله عنه -)(6)، عز الدين اليماني الصنعاني الشافعي، قدم(7) علينا دمشق من بلاد العجم قاصداً للحج في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، سألته عن مولده فقال: سنة ثمانين وستمائة، رحل إلى بغداد وأمّ بالشافعية بالمدرسة المنتصرية(8)، وقرأ القرآن بها على أبي المعروف الواسطي، وقرأ القرآن بـ(اليمن) على عدة مشائخ، وقرأ المحرر ومختصر بن الحاجب (الأصل)(9)، ومنهاج البيضاوي والمعالم، ونظر في (الأربعين)(10)ونهاية العقول، ورحل إلى خراسان، وله درية بالكشاف، وله عليه تعليقة، وشرح اللباب لتاج الدين الأسفرايني في النحو، والسيد شريف يذكره في حواشي الكشاف بلفظ(11) الفاضل اليمني، ويروي له شعر حسن، من ذلك:
إن المفضل والمفتاح قد شغلا ... صباي واستغرقا بالدرس أوقاتي
__________
(1) في (ب): فلم يكن عارفاً به.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): يحقن.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): ينتهي نسبه إلى.
(6) في (ب): - عليه السلام -.
(7) في (ب): قد مر علينا.
(8) في (ب): المستنصرية.
(9) غير موجود في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): وبلفظ الفاضل اليمني انتهى وله شعر حسن يروى من ذلك.
ووافق الفايق الكشاف آوُنةً ... مع الأساس على كدي وإعناتي
ولا تسل عن دواوين القريض ودع ... ذكر المقامات عني والمقالات
والله يعلم ما عانيت من تعب ... في الجامعين وتخريج الزيادات
وفي الأصول وفي(1) فن الخلاف على ... رأي العميدي ثم الأبهر يأت
وخضت في أبحر الرازي أعبر من ... شرح العيون إلى شرح الإشارات
وكم نسخت وكم صححت من نسخ ... وكم تضرفت في محو وإثبات(2)
فما استفدت بما حصلت(3) من عمري ... سوى عقارب تؤذيني وحيات
والآن سن أشدي(4) قد أرتني من ... وخط المشيب على فؤادي آيات
والله أسأل توفيقاً يعين على ... قضاء ما فات من فرض العبادات
وتوبة من معاصي سودت صحفي ... وغرقتني في لج الخطيات
فتلك غصة دهر ما يسوغ بها ... لي مطعم في غدوي(5) والعشيات
قلت: وأنشدني بعض شيوخي أدام(6) الله سلامته هذه الأبيات (بقراءتي عليه وهو يسمع)(7)، قال - أيده الله - هذه المدحة في الشريف يحيى بن القاسم(8)، قالها مولانا الإمام العلامة الفاضل المحقق فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي الكوفي - دام فضله - المفيد بمشهد أبي حنيفة، وأرسلها(9) حين ورد دار السلام قافلاً من (حج بيت الله الحرام)(10) سنة أربع وعشرين وسبعمائة:
حق علينا الآن واجب ... لك ما يؤدي بأنحائب
وافيت بالمولى النجيب ... ابن النجيب بن النجايب
فارعي مرعا(11) مخصب ... وردي إذا عذب المشارب /255/
(وتروحي لا تتعبي ... فلقد أمنت من المتاعب)(12)
__________
(1) في (ب): على نسرة الخلاف.
(2) في (ب): يوجد بعد هذا البيت البيت الآتي: وكم لقيت شيوخاً برَّزوا قدماً في الصالحات وفاقوا في الروايات
(3) في (ب): بما فضلت في عمري.
(4) في (ب): والآن سره أشدني قد أرتني مره.
(5) في (ب): غدوتي.
(6) في (ب): سلمه الله.
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): بن قاسم.
(9) في (ب): فأرسلها.
(10) في (ب): قافلاً من الحج سنة.
(11) في (ب): بمرعى.
(12) البيت غير موجود في (ب).
كم قد وطئت من الفلاة ... وكم وطئت من السباسب
وصبرت في دار السرى ... مع ألف للسير ذائب
فلك الهناء بكلما ... أحببته(1) من غير شائب
فلأجزينك بالكرامة ... حيث أبت بغير(2) آيب
(رب النداد رأى الردى)(3) ... حتف العداء تحف المصاحب
ومنها:
(هدي الأئمة حيث ضلت ... بالورى سبل المذاهب)(4)
مفتي الخلائق في الدقائق(5) ... بالحقائق(6) غير هايب
بحر طما في العلم ... عذب اللما مواج الجوانب
فهو المحيط وساحلاه ... هما المشارق والمغارب
(تهمي سحائبه على ... إعلاء المعالي والمذانب)(7)
منه تعلمت العوادي ... بسقيمها(8) محل الأحادب
ناف لشبهة خصمه ... بمحقق(9) التحقيق صائب
(10)هو آية عظمى ومن ... قوم معظمة المناسب
هو من سراة الناس من ... خير البرية آل طالب
هو زينة الدنيا وبهجتها ... ورونق كل جانب(11)
لا زال يحيى فهو يحيى ... القاسمي جل(12) المراتب
هو مؤمن الفريقين(13) عز ... الدين موئل كل هارب
أهلاً به من قادم ... أعطى الأماني كل طالب
وهي طويلة (غراء)(14) ، اقتصرت(15) على هذا القدر؛ (لأن وضع هذه الكلمات على الاختصار)(16) والله المستعان، وقبر السيد - رحمه الله -(17) كما يقال بجهة اللجب من الشرف الأسفل، وتسميه أهل اللجب الشولي والله أعلم (بالصواب)(18).
__________
(1) في (ب): أحييته.
(2) في (ب): بخير.
(3) في (ب): رب الندا ردا الردا.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): في الحقائق.
(6) في (ب): بالدقائق.
(7) غير موجود في (ب) ويوجد بعد البيت: (فهو المحيط رب جلاه هما المشارق والمغارب).
(8) في (ب): سقيمها.
(9) في (ب): المحقق.
(10) في (ب): ومنها.
(11) تأخر هذا البيت في (ب) بعد البيت الذي يليه.
(12) في (ب): جلي.
(13) في (ب): الفرقين.
(14) غير موجود في (ب).
(15) في (ب): اقتصرت فيها.
(16) غير موجود في (ب).
(17) في (ب): - رحمه الله تعالى - يقال بجهة.
(18) غير موجود في (ب).
وذكر بعض المطلعين (على التاريخ)(1) أنه مات (- رحمه الله -)(2) قافلاً من رحلته الكبيرة بالسرحة(3)، ولعل الذي في اللجب مؤلف سيرة الإمام علي بن صلاح، فهو سيد جليل من قرابة هذا السيد، والذي جمع منها إلى سنة خمس عشرة وثماني مائة، وتممها ولده الناصر، كذا ذكره بعض المحققين، وذكر انهما رجلان، وهذا هو المناسب؛ لأن السيد يحيى بن القاسم كما ترى(4) في كلام الصفدي قبل هذا التاريخ الذي كتب فيه السيرة، وهذه فائدة نفيسة والحمد لله.
يحيى بن القاسم بن يحيى
السيد العالم يحيى بن القاسم(5) بن يحيى بن القاسم بن يحيى بن حمزة، كان شريفاً عالماً عاملاً، وهو فيما أحسب مؤلف سيرة الإمام (المهدي لدين)(6) الله أحمد بن الحسين (- عليه السلام -)(7)، ومن تلامذته الآخذين عنه الشيخ العارف أحمد بن أبي الخير العمري المحجي(8)، أخذ عنه سنة ست وستين وستمائة.
يحيى بن قاسم
العالم يحيى بن قاسم بن أبي عثمان، قرأ على الإمام علي بن محمد في الكشاف - رحمه الله - (تعالى)(9).
يحيى بن مالك العضدي
يحيى بن مالك العضدي(10)، عالم كبير من (أهل)(11) المائة الرابعة.
يحيى بن محمد بن الحسين
الفقيه اللسان البليغ يحيى بن محمد بن الحسين الزيدي - رحمه الله - من أجلاء (أهل)(12) المائة السادسة، له علم باللغة والأدوات، بارع في الكتابة والشعر، وله مقامات حميدة ومآثر سديدة، ومن شعره القصيدة المشهورة في الإمام المنصور (بالله)(13) يهنيه بفتح (صنعاء):
بك انتعش الإسلام وانطمس الكفر ... فما لإمرء إلا بك المجد والفخر
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): بالشوحة.
(4) في (ب): يرى.
(5) في (ب): قاسم.
(6) غير موجود في (ب).
(7) غيبر موجود في (ب).
(8) في (أ): المحجي.
(9) سقط من (ب): بن.
(10) في (ب): الصعدي.
(11) غير موجود في (ب).
(12) غير موجود في (ب).
(13) غير موجود في (ب).
وكيف يرجي كنه وصفك مادح ... ودونك ليث الغاب والبحر(1) والبدر
وأنت الذي نشرت(2) دين محمد ... وقد ضمّه لولى محاماتك القتر(3)/256/
نهضت وليل الجور داج ظلامه ... فكان له من عدلك المرتجى فخر(4)
نقمت لقحطان وعدنان وترها ... ولولاك لم تنقم لها أبداً وتر
ولو شكرتك العرب ما در شارق ... جميعاً لما كافا صنائعك الشكر
ألست الذي نهنهت عنها سأ الورى(5) ... وقد فل من أسادها الناب والظفر
وكانوا عبيداً للأعاجم كلهم ... فأضحوا معاً والكل من رقهم حر
كأنك موسى والعصا بيمينه ... وأعداؤك القبط الفراعن والسحر
ولكن مواضيك البواتر حتفهم ... وسمر القنا الخطيّ والجرد لا البحر
وكم لك منهم وقعة بعد وقعة ... ومن فتكة يوماً هي الفتكة البكر
هم أضرموا ناراً غدوا حطباً لها ... وسلوا سيوفاً كأن منهم(6) لها جزر
(وجاؤوا بجيش كالآتي جنابه الجنا ... صع والزرق اللوامع والبتر)(7)
فسرت إليهم والجنان مشيع ... سواء لديه القل في الروع والكثر
وقد أمك(8) الملك المتوج ذو العلا ... خليلك سيف الدين يقدمه النصر
إلى آخرها، وهي جيدة رائعة(9)، كانت وفاته - رحمه الله - (فراغ).
يحيى بن محمد بن أبي القاسم
السيد العلامة يحيى بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسن بن أحمد بن الهادي إلى الحق - عليه السلام - وهو صنو السيد العلامة علي بن محمد بن أبي القاسم، قال ابن فند: كان رأساً ذا همة، ولاه الإمام علي بن محمد حصن (ظفار) وبه توفي سنة أربع وستين وسبعمائة، وقبره في الظفير(10) رأس العقبة بـ(ظفار).
__________
(1) في (ب): والبدر والبحر.
(2) في (ب): أنشرت.
(3) في (ب): لولا مخافاتك القبر.
(4) في (ب): فجر.
(5) في (ب): عنها سبأ الردى.
(6) في (ب): كان منها لهم جزر.
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): أمكن.
(9) في (ب): رائقة.
(10) في (ب): الضفة.
يحيى بن محمد التهامي
يحيى بن محمد التهامي، كان عالماً في الأصولين والفرائض علماً راسخاً وتحقيقاً بالغاً، شيخه فيها السيد بن المهدي (بن القاسم)(1)، وكان حسن الخلائق لطيف الطريق(2).
يحيى بن محمد بن صالح بن حنش
العلامة يحيى بن محمد بن صالح بن حنش، كان فاضلاً(3) عالماً عابداً بليغاً متكلماً، لقي الشيوخ، سمع شرح ابن مفتاح على مصنفه (في)(4) سنة اربع وسبعين وثماني مائة، وهو شارح قصيدة الإمام المطهر بن محمد بن سليمان(5) التي أولها:
ماذا أقول وما آتي وما أذر
يحيى بن محمد بن يحيى
العلامة الصدر الفاضل محرز علوم الاجتهاد يحيى بن محمد بن يحيى بن صالح بن محمد بن حنش، كان صدراً من الصدور، وبدراً من البدور، عالماً من العلماء الكبار.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): الطرائق.
(3) في (ب): عالماً فاضلاً عابداً.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): عليلم.
قال ولده شمس الدين(1) أحمد بن يحيى (- رضي الله عنهما -)(2): كانت ولادته في تاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة ست وستين وتسعمائة في السنة الثانية من موت(3) الإمام الأعظم شرف الدين يحيى بن شمس الدين المتوكل (على الله)(4)، ونشأ في طلب العلم وارتحل(5) وجد فيه واجتهد وبلغ مبلغاً عظيماً، وزميله(6) في الطلب مولانا الإمام المنصور (بالله)(7) القاسم بن(8) محمد (أعاد الله علينا من بركتهم)(9)، وشيخنا(10) السيد العلامة أمير الدين بن /257/ عبد الله (- رحمه الله تعالى -)(11)، ومن مشائخه في التفسير(12) العلامة جمال الدين أبو القاسم (الهادي)(13) الصنعاني، قرأ عليه الكشاف، والفقيه العلامة شمس الدين أحمد الجرني(14)، والقاضي علي بن قاسم السنحاني، والشيخ العلامة يحيى بن أحمد الطشي الرصاص، والفقيه العلامة عبد الله بن المهلا بن سعيد النيساي(15)، وقرأ في آخر عمره على الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم قبل الدعوة بـ(شهارة)، سمع عيه الجوهرة في أصول الفقه والمعيار، وكان باذلاً نفسه للطلبة، بلغ أقراؤه في اليوم (الواحد)(16) سبعة أدوال مع اشتغال بنسيخ(17)، وكان له خط كسلاسل الذهب، وكان - رحمه الله - نحيفاً دقيقاً، لكنه كان يتوقد قلبه ذكاء وفطنة، وكان يحفظ القرآن غيباً وكثيراً من المختصرات، وكان (يراه)(18) كثيراً في الخلوات يتلو القرآن ويلازم مطالعة الكشاف، وجمع كتباً كثيرة بعضها بخطه
__________
(1) في (ب): شمس الإسلام.
(2) في (ب): رض.
(3) في (ب): أو فات.
(4) غير موجود في (ب).
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): وكان زميله.
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): القاسم بن محمد - عليه السلام -.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): وشيخهما.
(11) غير موجود في (ب).
(12) في (ب): الفقيه العلامة.
(13) غير موجود في (ب).
(14) في (ب): الجربي.
(15) في (ب): النسائي.
(16) غير موجود في (ب).
(17) في (ب): تنسيخ.
(18) غير موجود في (ب).
والبعض(1) (الآخر)(2) حصل له، فجزاه الله عنا (وعن المسلمين)(3) خيراً، (وكتب مثوبته)(4) وجمع بيننا وبينه في مستقر رحمته، وكانت وفاته - (- رحمه الله - في يوم السبت)(5) في شهر شوال لثلاث بقين منه سنة ثماني وعشرين بعد الألف بمحروس (شهارة)، وقبره يماني مسجد الأشراف في الحوطة التي تليه (من دون فاصل)(6)، وحضر دفنه ومواراته (مولانا)(7) الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد(8) (عادت بركاته)(9)، وكان قد سكن (ظفار) في آخر عمره بأولاده، وجمع كتبه هنالك وأراد الإقامة وعدم الخروج منه لخلوة بعد أن مكن(10) الله الإمام(11) (المنصور بالله - عليه السلام -) (12) من خراب الحجر والمدينة، ولم يبق إلا المشهد المنصوري - (على ساكنه سلام الله)(13) - فجاءت أسباب اقتضت عزم الوالد - رحمه الله - إلى (شهارة)، ودعت إلى بقائه هنالك(14) وملازمته للأقراء إلى أن توفاه الله (سبحانه)(15) حميداً سعيداً (مشكوراً فعله)(16)، وكان الإمام المنصور (بالله)(17) قد ألزمه الخروج إلى جهات الظاهر ذيبين وظفار مع السيد (الجليل)(18) المجاهد (بدر الدين)(19) محمد بن صالح (بن عبد الله)(20) الغرباني لما ولاه تلك البلاد، وأراد ملازمة الوالد له ومعاونته(21) ومناصحته، فاختار الله له ما عنده وما عند الله خير للأبرار.
يحيى بن محمد بن يحيى
__________
(1) في (ب): وبعض.
(2) غير موجود في (ب).
(3) غير موجود في (ب).
(4) سقط من (ب).
(5) غير موجود في (ب).
(6) غير موجود في (ب).
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): - عليه السلام -.
(9) غير موجود في (ب).
(10) في (ب): أمكن الله.
(11) في (ب): الإمام القاسم من.
(12) غير موجود في (ب).
(13) غير موجود في (ب).
(14) في (ب): هناك.
(15) غير موجود في (ب).
(16) غير موجود في (ب).
(17) غير موجود في (ب).
(18) غير موجود في (ب).
(19) غير موجود في (ب).
(20) غير موجود في (ب).
(21) في (ب): ومناصحته ومعاونته.
الفقيه العلامة الأوحد الفهامة رحلة الطالبية(1) ومقصد المتعلمين يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن حنش، من كبار العلماء، وجهابذة الكملاء الحلماء.
قال الجندي في ترجمة والده محمد بن يحيى: وله - (يعني لمحمد بن يحيى)(2) - ولد اسمه(3) يحيى، فاضل عالم، لا سيما في الأصول والمنطق. وذكر القاضي العلامة أحمد بن ساعد في إجازته لإدريس بن عبد الله (بن أحمد بن ساعد)(4) أن بعض العياصة لهذا قال في الإجازة والعياصة التي وضعها الفقيه شرف الدين محمد بن يحيى وضع أكثرها والفقيه يحيى بن(5) محمد تممها، توفي (في)(6) (فراغ).
__________
(1) في (ب): الطالبين.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): يسمي.
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): والفقيه محمد بن يحيى.
(6) سقط من (ب).
يحيى بن محمد بن حسن
/258/ العالم النحرير المقدم في أرباب التقرير (والتحرير)(1)، عماد الإسلام بدر الشيعة الكرام، يحيى بن محمد بن حسن بن حميد بن مسعود المقراي، بلداً الحارثي المذحجي نسباً، وهو مؤلف شرح الفتح الكتاب المشهور، نفع الله بعلومه وجزاه خيراً (وعاد من بركته)(2)، كان مولده - رحمه الله - آخر(3) سنة ثماني وتسعمائة(4) تقريباً، ونشأ يتيماً في حجر أبي أمه الفقيه عبد الله بن مطير؛ (لأن والده توفي وهو ابن سنتين)(5)، فقرأ القرآن الكريم، ثم قرأ في الفرائض على الفقيه العالم الزاهد يحيى بن محمد البهاء، وكان فرضياً محققاً، (ثم فيها أيضاً على الفقيه العالم الفرضي إسماعيل بن سنينة)(6)، وكان ممن أخذ على(7) والده محمد بن حسن بن حميد، ثم قرأ في الفقه على مشائخ كبار، منهم الإمام شرف الدين سلام(8) الله عليه، والقاضي(9) العلامة محمد بن أحمد (بن محمد)(10) بن مرغم، والقاضي محمد بن حسن النحوي والقاضي علي بن عبد الله(11) في رداع، وابن بهران، انتهى من خط شيخنا (شمس الإسلام)(12) أحمد بن سعد الدين.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) غير موجود في (ب).
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): وسبعمائة.
(5) غير موجود في (ب).
(6) غير موجود في (ب&.
(7) في (ب): عن والده.
(8) في (ب): - عليه السلام - ومنهم العلامة محمد بن أحمد مرغم.
(9) غير موجود في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): بن عبدالله بن راوع في رداع.
(12) غير موجود في (ب).
قال: نقلتها من خط سيدنا الحسن بن علي (بن)(1) حنش، وكتبها الفقيه حسن في ديباجة كتابه (مكنون السر)(2) (في تحذير تحارير السر)(3)، ذكر فيه جماعة من العلماء وبيوت العلم، ثم النظر في بيان أوقافه (وأعيان)(4) مزارعها، وأرّخ الفقيه حسن ما كتبه بثالث(5) وعشرين (من)(6) شهر رمضان سنة ست وستين وتسعمائة(7).
يحيى بن محمد بن أحمد
الأمير مجد الدين (يحيى)(8) بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد أجل الرجال محلاً، من آيات الله البينات، اتفقت الكلمة على فضله، وكان أهلاً للإمامة، واستشهد(9) سنة سبع عشرة وستمائة(10)، وهو قائد جيوش المنصور بالله (- عليه السلام -)(11) وقبره بالحموس، وعمره سبع وستون سنة، وأمه وأم أخوته (الفضلاء)(12) أحمد والحسن والحسين والمختار(13) الشريفة الطاهرة حسنة بنت عبد الله بن الناصر بن يحيى بن المحسن(14) بن يحيى بن عبد الله المعتضد بن المختار بن الناصر - عليهم السلام -.
يحيى بن محمد بن أحمد
الأمير العلامة يحيى بن محمد بن أحمد بن يحيى بن الهادي، من أمراء المنصور بالله عبد الله بن حمزة، ذكره ابن دغثم.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): كتابه المكنون، ذكر فيه.
(3) غير موجود في (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): ثالث.
(6) سقط من (ب).
(7) في (ب): وسبعمائة.
(8) في (ب):
(9) في (ب): استشهد.
(10) في (ب): سبعمائة (وفوقها ستمائة ظ)
(11) غير موجود في (ب).
(12) غير موجود في (ب).
(13) غير موجود في (ب).
(14) في (ب): بن محسن.
يحيى بن المرتضى بن المطهر
السيد الإمام المحقق الفاضل يحيى بن المرتضى بن المطهر بن القاسم (بن المطهر بن علي بن الناصر)(1) بن الهادي، هو والد الإمام المظلل بالغمام المطهر بن يحيى (رضوان الله عليهم)(2)، كان عالماً مجتهداً فاضلاً، لا نظير له ، من حسنات الأيام (ومحاسن العترة الكرام)(3).
يحيى بن المرتضى
يحيى بن المرتضى، قال في تاريخ السادة قلت: قد أثنى عليه صاحب سيرة(4) المتوكل على الله شرف الدين (- عليه السلام -)(5)، (فقال)(6): هو السيد الجليل العظيم النبيل (عماد الدين يحيى بن المرتضى)(7) المشهور بالتقوى والزهادة، والمعروف بالفضل والعبادة، قال فيه بعض(8) (سادات أهل البيت)(9) مرثياً له:
آهٍ لمصرع شيخ آل محمد ... آه على البكاء والسجاد
فتأس يا هادي ويا مهدي بالآباء ... من مهدينا والهادي /259/
(فلأنتما إن عدت الأشكال في ... حرم من الأشكال والإيراد)(10)
قد خضتما بحر العلوم وما انتهى ... سن(11) الحداثة بالذكاء الوقاد
(فمثالكم يرجى لكشف ملمة ... وفكاك معظلة ونفي فساد)(12)
وذكر هذه الأبيات السيد الحسن بن الإمام المهدي في سيرة أبيه الكبرى، وقال: إن القائل(13) مشهده مشهور(14) في مدينة (صنعاء) في القبة المشهورة بمسجد الفليحي(15).
__________
(1) في (ب): بن المطهر بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر.
(2) في (ب): - عليه السلام - كان.
(3) غير موجود في (ب)، يوجد فراغ.
(4) في (ب): سيرة الإمام.
(5) غير موجود في (ب).
(6) سقط ن (ب).
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): بعض السادة مرثياً له.
(9) غير موجود في (ب).
(10) غير موجود في (ب).
(11) في (ب): بين.
(12) غير موجود في (ب).
(13) في (ب): أن قائلها.
(14) في (ب): في (صنعاء) مشهور.
(15) في (ب): انتهى.
يحيى بن مكنى القاسمي
الأمير الكبير يحيى بن مكنى القاسمي، من فحول الرجال وعيون الكملة، له همة سامية، ومقره(1) في المعالي عالية، وله شعر مستجاد، (وكلم يرضى عنه الإنقياد)(2)، ومن شعره القصيدة التي أولها:
على سامي مقامك يا إمام ... صلاة الله ربك و…
(3)لقد شهدت لك الفضلاء طرا ... بهذا الأمر إن أمر يرام
وأصبح من أقر قرير عين ... بما يرجوه إن(4) جحد الطغام
على أن امرءً أعمى إذا لم ... يرى الشمس المنيرة لا يلام
(وألزم واجب لمكلف أن ... يكون له بطاعتك التزام)(5)
يحيى بن منصور
السيد العلامة يحيى بن منصور، قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: كان سيداً عالماً متبقراً(6) في العلوم والفنون، بلغ في علم الكلام (خاصة)(7) الغاية القصوى ضارباً فيه باليد البيضاء، سالكاً فيه المحجة الغراء، اشتهر بالكلام(8) وبرز فيه على سائر الأنام، (ولحج في غماره واحتوى على فراته بثأره)(9)، وخاض عباب الموج من زخاره(10)، ولم يعلم(11) في وقته من أهل(12) البيت ما له في هذا العلم، وله (فيه)(13) مصنفات عديدة، ومن أجودها وأنفعها (جُمل الإسلام) ، وهي (بالغة)(14) نهاية (الحسن، و)(15)الإفادة وغاية الإحسان والإجادة.
__________
(1) في (ب): ورتبه في.
(2) في (ب): وكلمة رضى عند الانتقاد.
(3) في (ب): ومنها.
(4) في (ب): وإن.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): متبحراً في.
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): في علم الكلام.
(9) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(10) في (ب): زخائره.
(11) في (ب): ولم يعلم لأحد في.
(12) في (ب): من أهل هذا البيت.
(13) غير موجود في (ب).
(14) غير موجود في (ب).
(15) غير موجود في (ب).
وقال - رحمه الله - (تعالى)(1): إنه رأى قبل تصنيفه لهذا الكتاب المبارك كأنه يغرس نخلاً في الأرض، وهي خمس عشرة جملة تحتوي على التوحيد والتعديل(2) وغيرهما من الأصول وقواعده(3)، ومن طالعها عرف مهارة مصنفها وأنها فيض علم كلي واختصار ماهر ألمعي، وشرحها - رحمه الله -(4) - شرحاً فائقاً، ولها شرحان، له ولغيره، والذي معنا (وفي خزانتنا)(5) لغير المصنف، وفيه كلام عجيب، وعلى الجملة(6) فهذه الجملة كافلة لمن أدركها وأتقنها بالكفاية في هذا الفن، وصاحبها قد أحاط بالجل الجليل من علم الكلام والدقيق، وحقق فيها غاية التحقيق، وعدل إلى ترجيح الجمل دون التعمق، ومثله اختار الغزالي ذكر في إحياء علوم الدين (الاكتفاء)(7) في علم الكلام أصلح وأرجح بكلام عجيب، قال فيه في أثناء كلامه: وليس تعلم الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف، ولعل التخبيط والتطليل(8) فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدّث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا، فاسمع هذا الكلام ممن خبر(9) الكلام /260/ ثم قلاه بعد حقيقة(10) الخبرة، وبعد التغافل فيها إلى منتهى درجة المتكلمين، وجاوز ذلك إلى التعميق في علوم أخر يناسب نوع الكلام، وتحقيق ذلك أن الطريق(11) إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه (مسدود)(12)، وهو كلام الغزالي، وكان يحيى بن منصور هذا حذا هذا الحذو ونحا هذا النحو، ولم يرض التعليل في الغوامض (من هذا أكثر الناس)(13)، ورأى أخذ جملة وصفوة والوقوف عل ميسوره وعفوه،
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): والتعديل وغيرهما.
(3) في (ب): والقواعد.
(4) في (ب): - رحمه الله تعالى -.
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): الجمل.
(7) في (ب): أن الاكتفاء.
(8) في (ب): التخبيط فيه والتضليل أكثر.
(9) في (ب): فمن خير هذا الكلام.
(10) في (ب): بعد الخبرة والحقيقة.
(11) في (ب): الطرائق.
(12) في (ب): [فراغ].
(13) في (ب): من هذا العلم أكثر الناس.
وله اشعار عجيبة غريبة فصيحة في هذا الشأن، ومن قصيدة طويلة قوله:
يا طالب الحق إن الحق في الجمل ... وفي الوقوف عن الإفراط والزلل
واتفق بينه وبين علماء الظاهر مراسلات ومراجعات، وكان أهل الظاهر يرون برأي أبي هاشم، وهو يرى برأي أهل البيت - عليهم السلام - ورأي أبي الحسين وأرادوا التقدم إليه إلى وقش، فمنعهم بعض كبارهم، وقال: إن هذا الرجل عالم وجاد للحجة مفوه، له إلزامات صعبة، وكان فصيحاً شاعراً مفلقاً، يقهر خصومه بالدليل ويفلجه بالبرهان، وكان يحيى بن منصور مقصوداً للعلم من الآفاق حتى (أن من الغرائب)(1) أنه قرأ عليه بعض الجن، وكان يقرأه(2) في مسجد هجرة الروعة، قراءة مستمرة في دول يواضب عليه كقراءة الأنس، وله صوت دقيق خفي يسمعه من حضر للقراءة، لكنه يجد له وحشة لا يسكن معها القلب، ومما يحكى عنه أنه أبطى ذات يوم عن دوله، ثم جاء فسأله السيد عن (سبب)(3) تراخيه، فقال: ما أبطأت إلا أنه شغلني أني دافعت عن بعض أولادكم بعض الجن أصاب ولده(4) ولدكم بجناية، فسألتهم العفو وأبو(5) إلا القصاص، ولم يقع منهم المساعدة إلا بعد مشقة(6) أوجبت التراخي إلى هذا الوقت.
توفي يحيى بن منصور - رحمه الله - (تعالى) (7) خارجاً عن بلده سائراً إلى شظب لزيارة صنوه العفيف، فأصابه الألم، فتوفي هنالك - رحمه الله - بموضع(8) سهل البون.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): يقريه.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): أصاب ولدكم ولده.
(5) في (ب): فأبوا.
(6) في (ب): المشقة.
(7) غير موجود في (ب).
(8) زيادة في (ب): يسمى.
يحيى بن منصور بن مفضل
يحيى بن منصور بن مفضل، قال في تاريخ السادة: له من الحال في العلم والزهادة والخير والبركة والإفادة والنجدة والشره على الظالمين ومحاربة أعداء الدين مثل ما لأخيه، قام بعد الإمام المنصور بالله - عليه السلام - واحتسب وتكنى(1) بالمعتضد، ونابذ الغز وقاتلهم، وكان بينه وبينهم أيام حرب، منها يوم ضبوة(2) وغيره من الأيام، وله أشعار في ذلك وافتخار وتوعد(3) لهم بإزالة ملكهم على يده وأنه سيطهّر منهم البلاد ويريح عنهم العباد، وكان الإمام المنصور بالله - عليه السلام - يعرف منه الهمة العالية، فكان يجله ويرفع مكانه، وله إليه مكاتبات كثيرة، (وقفنا عليها، ومنها ما هو معنا وبين كتبنا، ومنها ما وقفنا عليه في بعض الكتب)(4)، ومما وقفنا عليه كتاب من الإمام - عليه السلام - إلى /261/ الأمير المعتضد بالله مع حي السيد المهدي علي بن الهادي (ويحيى بن منصور، هو الذي بنى بهجرة شمس وأحدثها، وكانت تسمى قبل ذلك العشة - أعني في ابتداء إحداثها)(5). مات يحيى بن منصور فيما أحسب قبل أخيه محمد، وقبره بوقش.
يوسف بن الحيص الحجوري(6)
الفقيه العلامة أبو محمد يوسف بن الحفيص الحجوري - رحمه الله - من مصنفاته كتاب روضة الأخبار وكنوز الأسرار، ويكتب الآثار، ومواعظ الأخيار.
__________
(1) في (ب): وتسمى.
(2) في (ب): صنوه.
(3) في (ب): وتوعدهم.
(4) مابين القوسين غير موجود في (ب).
(5) ما بين القوسين غير موجود في (ب).
(6) في (ب): لا توجد هذه الترجمة هنا وهي موجودة قبل الفقيه العلامة أبو محمد يوسف بن أبي العشيرة.
يعقوب بن داود بن جهان
أبو عبد الله يعقوب بن داود بن جهان(1) بن عمرو بن طهمان السلمي بالولى مولى (أبي صالح)(2) عبد الله بن حازم، والي خراسان، كان أديباً كاملاً سمحاً جواداً كثير البر والصدقة (واصطناع)(3) المعروف، وكان كاتب الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - وكان جده أبو داود بن طهمان كاتباً لنصر بن سار(4) عامل خراسان، من جهة بني أمية، ولما مات نشأ ولداه علي ويعقوب أهل أدب وفضل وافتتان(5) في صنوف العلوم، ولما ظهر المنصور على عبد الله بن الحسن (- عليهما السلام -)(6) ظفر بيعقوب بن داود المذكور، فحبسه في المطبق في سنة ست وأربعين ومائة.
قلت: واستوفى أحواله دعبل بن علي الخزاعي لسان الشيعة وبليغهم في كتابه الذي جمعه في أسماء الشعراء، وكان يعقوب مقصوداً مثابة للشعراء (وألم …)(7) ممدحاً بالشعر مدحه أعيان عصره كأبي الشيص وسلم الحاسر وغيرهما، ولما مات المنصور الدوانيقي وقام بالأمر بعده المهدي جعل يتقرب إليه حتى أدناه واعتمد عليه، وعلت منزلته عنده حتى خرج منه كتائب إلى الدواوين أن أمير المؤمنين قد (آخا)(8) يعقوب بن داود فقال في ذلك: لم(9) الحاسر:
قل للإمام الذي جاءت خلافته ... تهدي إليه بحق غير مردود
نعم القرين على التقوى أعنت به ... أخاك في الله يعقوب بن داود
__________
(1) في (ب): بن داود بن عثمان.
(2) غير موجود في (ب).
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): بن سيَّار.
(5) في (ب): وافتنان في.
(6) غير موجود في (ب).
(7) غير موجود في (ب).
(8) في (ب): آتى.
(9) في (ب): سلم الحاسر.
فلم يزل مع المهدي ينتقل في الرتب العالية حتى كثر حساده، فقالوا فيه وأكثروا وذكروا خروجه مع إبراهيم بن عبد الله الكامل، وروى عنه بعض خدم المهدي أنه سمعه يقول: (بني هذا)(1) الرجل - يعني المهدي - متنزهاً، أنفق عليه خمسين ألف ألف درهم، وأن ذلك من السرف، وأراد المهدي أمراً فقال (له)(2) هذا: هو السرف، فقال: ويلك، وهل يحسنن(3) السرف إلا لأهل الشرف، وقد كانت نفسه(4) بعقوب رمت(5) من الخلطة للمهدي فاستعفاه عن الوزارة فلم يعفه، ثم أن المهدي أراد امتحانه في ميله إلى العلوية فدعا به يوماً، وهو في مجلس فرشه مورد(6) ، وعليه ثياب مورده، وهو مشرف على بستان فيه (أشجار من أصناف وأنواع)(7)، فقال له: يا يعقوب: كيف ترى مجلسنا هذا فقال (على)(8) غاية الحسن يمتع الله أمير المؤمنين، فقال: جميع ما فيه لك، وهذه الجارية لك ليتم سرورك، وقد أمرت لك بمائة ألف /262/ درهم، فدعا له فقال له المهدي لي إليك حاجة، فقام يعقوب قائماً وقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا القول إلا لموجده، وأنا أستعيذ بالله من سخطك، فقال: أحب أن تضمن لي بقضائها، فقال: السمع والطاعة، فقال: والله، (فقال له: والله، قال: والله ثلاثاً)(9)، فقال: ضع يدك على رأسي واحلف به، ففعل (ذلك)(10)، فلما استوثق منه قال (له)(11): هذا فلان ابن فلان رجل من العلوية أحبّ أن تكفيني مؤنته وتريحني منه، فخذه إليك فحوّل(12) إليه الجارية، وما كان في المجلس (من)(13) المال، فأشد(14) سروره بالجارية (في المجلس)(15)، فقرب منه ليصل إليها ووجه
__________
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): يحسن.
(4) في (ب): نفس.
(5) في (ب): برمت.
(6) في (ب): مورده.
(7) في (ب): أنواع الشجر فقال له.
(8) في (ب): في غاية
(9) في (ب): قال والله، فقال والله ثلاثاً.
(10) غير موجود في (ب).
(11) غير موجود في (ب).
(12) في (ب): وحول.
(13) في (ب): والمال.
(14) في (ب): فاشتد سروره.
(15) غير موجود في (ب).
فأحضر العلوي فوجده لبيباً فهماً، فقال له: ويحك يا يعقوب، تلقى الله بدمي (وأنا رجل من ولد يعقوب يا هذا، أفيك خير)(1)، فقال: إن فعلت خيراً شكرت ودعوت لك، فقال: خذ هذا المال وخذ أي الطريق(2) شئت، فقال: طريق كذا آمن لي، فقال له: امض مصاحباً، وسمعت الجارية الكلام كله، فوجهت مع بعض خدمها وقالت: هذا فعل الذي آثره على نفسه في وهذا جزاؤك(3) منه، فوجه المهدي نحو(4) الطريق حتى ظفر بالعلوي وبالمال، ثم وجه إلى يعقوب فأحضره (5)، فلما رآه قال له: ما حال (هذا)(6) الرجل، قال: قد أراحك الله منه (مات، قال: نعم)(7)، قال: والله قال: والله، قال فضع يدك على رأسي، فوضع يده على راسه وحلف له، فقال: يا غلام، اخرج إلينا من في هذا البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه، فبقي يعقوب متحيراً، وامتنع الكلام عليه، (فما درى ما يقول)(8)، فقال له المهدي: لقد حل دمك، ولو أثرت إراقته لأرقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه، وأمر بأن يطوى عنه خبره، وعن كل أحد، فأقام(9) سنتين وشهوراً في أيام المهدي، و(جميع أيام)(10) الهادي موسى بن المهدي وخمس سنين وشهور في أيام هارون الرشيد، ثم ذكر يحيى بن خالد بن برمك أمره وشفع فيه، فأمره(11) بإخراجه، فأخرج وقد ذهب بصره، فأحسن إليه الرشيد ورد ماله وخيره المقام حيث يريد، فاختار (مكة)، فأذن له (في ذلك)(12) فقام(13) بها حتى مات سنة سبع وثمانين ومائة(14).
__________
(1) في (ب): وأنا رجل.
(2) في (ب): طريق.
(3) في (ب): جزاك.
(4) في (ب): المهدي شحن الطريق.
(5) في (ب): فأحضره.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): قال مات؟ قال نعم.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): فأقام فيه.
(10) في (ب): ومدة الهادي.
(11) في (ب): فأمر بإخراجه.
(12) في (ب): غليها.
(13) في (ب): فأقام.
(14) في (ب): - رحمه الله -.
يوسف بن الحفيص الحجوري
الفقيه العلامة أبو محمد يوسف بن الحفيص الحجوري - رحمه الله - من مصنفاته كتاب روضة الأخبار وكنوز الإسرار، ونكت الآثار ومواعظ الأخيار.
يوسف بن ابي العشيرة
يوسف(1) بن أبي العشيرة (الوادعي)(2)، شيخ الزيدية وواسطة عقدهم وحجة مجدهم، كان من الأعيان العلماء القائمين بالقسط الصادقين في المنشط والمكره، ولو على(3) نفسه، ونسبه في بني معمر بن(4) وادعة، وسكن أوائل أمره لظمو(5) ثم انتقل إلى (ريدة) فنزل جانب آل أبي جهيش، وكان محلاً يختص بهم معتزل عن الناس، وكان عالماً باختلاف الناس في المذاهب، وكان يحج(6) على اثنين وسبعين فرقة من الأمة، وارتحل إلى (العراق) في طلب العلم، فجمع علوماً وهو من حتوف أهل التطريف باعتبار ما قعّد(7) وأسّسه عن الأئمة بالبراهين، (وأن يلق ليامهم)(8)، وكان ممن تسمو همته إلى معالي الأمور طلاّباً للعلم حريصاً عليه، قليل الأنفة عن(9) طلبه، يأنف من الجهل، روي(10) أنه لما أقام(11) ببني جهيش وتزوج هنالك /263/ مرت به خيرة بنت جهيش وهو يقرأ القرآن فأنكرت عليه شيئاً، فقرعت عليه الباب، فأجابتها امراته، فقالت لها: قولي للشيخ ليس الحرف كما قرأه، فقام إلى(12) ناقة كان قد أعدها لترحاله، وكان لا يركب غير الإبل، وقد كان أعدّ للناقة أعواداً يشدها عليها يصون بها جسده وثيابه، ويصلي عليها، فلما سمع كلامها أدركته أنفة من الجهل وخوف(13) الله، فشد على (تلك)(14) الناقة (زاده)(15)، وما يحتاج إليه، وارتحل إلى
__________
(1) في (ب): الفقيه العلامة يوسف بن أبي العشيرة.
(2) غير موجود في (ب).
(3) في (ب): ولو على ماله ونسبه.
(4) في (ب): في (ب): من وادعة.
(5) في (ب): بطمِّرا.
(6) في (ب): يحتج.
(7) في (ب): قعده.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): من طلبه.
(10) في (ب): يروى.
(11) في (ب): لما أقام عند بني.
(12) في (ب): فقام إلى ناقة له.
(13) في (ب): وخوف الله تعالى.
(14) غير موجود في (ب).
(15) غير موجود في (ب).
الطائي بـ(صعدة)، وكان من أصحاب المرتضى (لدين الله)(1) محمد بن(2) الهادي (إلى الحق)(3)، فقرأ عليه القرآن وجود فيه، وكان الأمير يشكر أمير (مكة)، وهو(4) محمد بن أبي الفتوح الحسني، وهو من بني موسى بن عبد الله(5) (بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب)(6) يحب يوسف (بن أبي)(7) العشيرة ويعظمه، فإذا أتى (مكة) حاجا(8) أمر بضرب الريح من الطبول ونحوها، ويخرج في رجاله حتى يتلقاه(9)، فحج في بعض حجاته(10) ودخل على يشكر(11)، وكان قد قدم شاب من (العراق) له علم على رأي العامة، فمال إليه يشكر(12)، وكان له علم بالنحو والعروض وما شاكل ذلك، فكان يلفت(13) شكراً عن يوسف بن (أبي العشيرة)(14)، فسأل يشكر(15) العراقي ذات يوم عن قوله تعالى: ?وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ?[الإسراء:44]، فقال: هل الجبل والحجر والشجر يسبح كتسبيح الناس؟ فقال(16) العراقي: نعم، فهان أمره على يشكر(17)، وقال: اذهب، ثم التفت على يوسف بن أبي العشيرة (- رحمه الله -)(18) وقال(19): بارك الله عليك(20) وعلى مذهبك.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): بن الإمام الهادي - عليهم السلام -.
(3) غير موجود في (ب).
(4) في (ب): وكان محمد بن أبي الفتوح.
(5) في (ب): في (ب): وهو من بني موسى بن عبدالله بن الحسن المثنى - عليه السلام -.
(6) غير موجود في (ب).
(7) في (ب): يحب يوسف أبا العشيرة.
(8) في (ب): خارجاً.
(9) في (ب): يلقاه.
(10) في (ب): فحج في بعض السنين.
(11) في (ب): على شكر.
(12) في (ب): شكر.
(13) في (ب): فكان يرغب.
(14) غير موجود في (ب).
(15) في (ب): شكر.
(16) في (ب): قال.
(17) في (ب): شكر.
(18) غير موجود في (ب).
(19) في (ب): فقال.
(20) في (ب): يا يوسف وعلى مذهبك.
يوسف بن أحمد بن محمد
الفقيه المحقق النظار المدقق الزخار المتدفق ضياء الإسلام يوسف بن أحمد بن محمد بن عثمان، علامة كبير ومحقق شهير، هو أحد الأساطين في المذاكرة بين الأصحاب، وكتبه من أجمع الكتب للفوائد وأنظمها للفرائد، وكان مستقره بهجرة العين من بلاد(1) ثلا مأوى للطلبة يأتون إليه من كل فج عميق حتى أنه لكثرة الزحام كان بعض الطلبة لا يستمعون إلا من الكوى ورحاب المسجد، وخلف الجدارات(2)، ويقال: إن مسكن سلفه صرم بني قيس بقرب المصنعة ببلاد خبان، لكنه استشار إمام زمانه الإمام الناصر، فرجح له الطلوع إلى هذه الديار لمقاصد، ولذلك كان الفقيه ضياء الدين كبير(3) التلهف(4) على الإمام، وكان يقول لأهل حضرته قوموا لنبك جميعاً على الإمام، وكان يجل الإمام المهدي أحمد بن يحيى، ولما جاءه البشير بخروجه من السجن سجد سجدة أدمى (وجهه - رضي الله عنه -)(5)، وله عدة كتب نافعة (كالمنتزع من الانتصار)، وله (الرياض على التذكرة)، وله (الزهور) على اللمع، وله (الثمارت اليانعة)(6) المقتطفة من آي القرآن، المجتناه من كلام الإله الرحمن، وله تعليق شرح على الزيادات نافع، وله كتاب على مسائل العبيد(7) في الدور مستقل، وكان وحيداً في كل علم لا سيما الفرائض والتجذير(8) والجبر والمقابلة، وكان بين طلبته وطلبة الإمام المهدي /264/ مفاخرة بالشيوخ من أوسع(9) علماً، فلما ظفر بعض تلامذة الفقيه (- رحمه الله -)(10) بشعر الإمام (المهدي - عليه السلام -)(11) الذي يقول فيه:
وكم قائل في الناس قد قال إنني ... عن الفقه عار(12) وهو غني غافل
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): الجدرات.
(3) في (ب): كثير.
(4) في (ب): التلهب والتلهف.
(5) في (ب): وجهه فيها - رحمه الله -.
(6) في (ب): الثمرات.
(7) في (ب): مسائل الدور في العبيد.
(8) في (ب): والتحدر.
(9) في (ب): من أكثر علماً.
(10) غير موجود في (ب).
(11) غير موجود في (ب).
(12) في (ب): عاب.
ووالله ما في الأرض أعلم حافظاً ... من الفقه غيباً مثل ما أنا ناقل
فمنها ألوف قد حفظن بلفظها ... ومنهن بالمعنى حفظن مسائل
كثير بلا حصر وهذا تحدّث ... بما الله من إحسانه لي فاعل
فأجابه بعض طلبة الفقيه ضياء الدين بما حاصله نظماً (بما حاصله)(1) (أنه يلزمه في هذا القسم)(2) الكفارة لوجود الفقيه يوسف(3) - رحمه الله - وتمثل بعض الطلبة يوماً بقول القائل:
ومالي إلى ما سوى النيل حاجة ... ولو أنه استغفر الله زمزم
يعرّض بأن علم الفقيه مغني عن (من)(4) سواه فأجابه الإمام المطهر بن محمد بن سليمان أكبر تلامذة الإمام المهدي - عليهما السلام - فقال:
ومالي إلى صدا والنيل حاجة ... لدي وإني أحمد الله زمزم
وهذه تحف وملح - رضي الله عنهم - (أجمعين)(5)، ومن مصنفات الفقيه يوسف - رحمه الله - كتاب (الجواهر والغرر في كشف أسرار الدرر)، يعني درر الأمير(6) علي بن الحسين - عليهما السلام - وله في المساحة ومقدماتها من الضرب والقسمة كتاب جليل صغير الحجم سماه (برهان التحقيق وصناعة التدقيق)، قال في خطبته: (اعلم أن المساحة علم ودلالة ذلك واضحة وضوح الأعلام مستغنية عن إقامة دليل عند ذوي الأفهام، وإذا تقرر كونها علماً فكل ما دل على فضل العلم من جهة العقل أو من جهة النقل فهي داخلة فيه.
الوجه الثاني: التفرقة الضرورية بين الجهل بالشيء والعلم(7).
الوجه الثالث: ما اجمع عليه أهل العقل والشرع من كون الظلم قبيحاً، ولا شك أن المساحة طريق إلى دفع الظالم(8) وسبباً في التخلص منه، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب كوجوبه، وفي هذا أكبر دليل على فضلها، وأبلغ المرغبات لمن هداه الله لها.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): أنه يلزم الإمام في هذا القسم.
(3) في (ب): يوسف هذا - رحمه الله -.
(4) غير موجود في (ب).
(5) غير موجود في (ب).
(6) في (ب): درر الإمام علي.
(7) في (ب): والعلم به.
(8) في (ب): التظالم.
الوجه الرابع: أنها باب من الفرائض ، فهي داخلة فيه.
الخامس: أنها آلة وقاعدة لقسمة المواريث التي تولى الله قسمتها بنفسه حيث قال (تعالى)(1): ?يُوصِيكُمْ اللَّهُ..?[النساء:11] الآيات.
السادس: اهتمام أمير المؤمنين وسيد الوصين بها، وذلك أنها من علم الجبر والمقابلة، وقد كان انطمس حتى أتى رجل في وقت الخلفاء له علم بها فاتفق(2) عليه من بيت المال، وقرأ عليه الناس، فأدرك علمه أمير المؤمنين في ثلاثة أيام، وقل أهلها بعد ذلك إلى زمن المأمون، فصنف الخوارزمي كتابه إجابة للمأمون (ونشره)(3)، فهذا وجه يشهد بفضلها ويحث على تعلمها. توفي - رحمه الله - (تعالى)(4) في أول جمعة من جمادي الأخرى(5) سنة اثنين وثلاثين وثماني مائة.
يوسف بن القاضي حسن الكلاري
/265/ القاضي العلامة يوسف بن القاضي حسن الكلاري شارح الزيادات.
يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الديلمي
العلامة يوسف بن الحسن بن أبي القاسم الديلمي المرقائي(6) المدفون في بكيل، له تفسير القرآن و(سمط الدرر)، شرح التحرير و(عمدة الوالي) و(سيرة الأئمة)، وله ولد علامة اسمه شهردوير بن يوسف، له (لوائح الاختيار في بحث الروح والنور)، و(عذاب القبر)، وقد تقدمت ترجمته في حرف الشين المعجمة.
يوسف بن محمد الأكوع
القاضي يوسف بن محمد الأكوع قاضي (صنعاء)، هو شيخ اليوسي(7) مصنف (الحفيظ) في الفقه (والملقي له عليه)(8)، وكان القاضي يوسف معاصر للإمام يحيى بن حمزة عليهما(9) السلام والمعارضين له، وكان يقول بإمامة أحمد بن أبي الفتح واليوسي(10) هو القاضي (العلامة)(11) إبراهيم بن محمد بن سليمان اليوسي.
__________
(1) غير موجود في (ب).
(2) في (ب): فأنفق.
(3) غير موجود في (ب).
(4) غير موجود في (ب).
(5) في (ب): الآخرة.
(6) في (ب): المرقاني.
(7) في (ب): البوسي.
(8) غير موجود في (ب).
(9) في (ب): - عليه السلام -.
(10) في (ب): البوسي.
(11) غير موجود في (ب).
يوسف النعمان
العلامة يوسف النعمان من معاصري الإمام صلاح بن علي عليهما(1) السلام.
***
(انتهى كما وجد والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله)(2).
(وكان الفراغ آخر نهار السبت لعله خامس شهر شعبان سنة اثنين ومائتين وألف) (3).
__________
(1) في (ب): - عليه السلام -.
(2) في (ب): انتهى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله وصحبه الحامين لكتابه وسلم تسليماً كثيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(3) غير موجود في (ب).