الكتاب : لوامع الأنوار
المؤلف : السيد العلامة المجتهد مجدالدين المؤيدي

كتاب لوامع الأنوار
في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار
لمؤلِّفه مولانا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى

(/)


لوامع الأنوار الجزء الأول
كلمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وبعد:
يسرّ مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة أن يقدّم للأمة الإسلامية كتاب لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار، لمؤلِّفه مولانا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، ويكفي في علوّ منزلة هذا الكتاب ومكانته، أنه هو - أيده الله تعالى - مؤلّفُه، فهو لسان أهل البيت(ع)، وقرين الكتاب والسنة في الأنام، وإليه انتهت رئاسة أهل البيت(ع)، وفي شخصه تجلّت عظمتهم في هذا الزمان.
وهذا الكتاب خلاصة فكره، وعصارة جهده، ورسالته لأمة جده، صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم.
ولا داعي للإسهاب في توضيح مقام المؤلف أيده الله تعالى، ومكانة هذا الكتاب، فهو يعبّر عن نفسه، من خلال ما صَدَع به.
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
فعليك أخي المؤمن بالنفائس والدرر، وكنْ عاملاً بما جمع مؤلّفه فيه ونثر، واطّرح الهوى والتعصّب تُدْرك حلاوة الإيمان.
وإنما نقدّم لك أخي المؤمن هذا الكتاب وفاءً منّا بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا بالمشاركة في إخراج كنوز أهل البيت(ع) من مخابئها، عرفاناً منّا بتضحياتهم وجهادهم، وتمسكاً بوصية جدّهم، صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، والتزاماً بفكرهم ونهجهم، الذي هو منهج السنّة والقرآن، وما أراد من عباده الرحمانُ، فهم ورثة الأنبياء، وحجج الله الأمناء.
ـــــــــــــــ

(1/1)


وقد صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة حتى الآن:
م · الكتاب · المؤلف · المحقق
1 · المنير · أحمد بن موسى الطبري · علي سراج الدين عدلان
2 · نهاية التنويه في إزهاق التمويه · السيد الإمام/ الهادي بن إبراهيم الوزير · أحمد درهم حورية -إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
3 · تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين · الحاكم الجشمي/ المحسن بن محمد بن كرامة · ابراهيم يحيى الدرسي الحمزي
4 · عيون المختار من فنون الأشعار والآثار · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
5 · أخبار فخ وخبر يحيى بن عبدالله(ع) وأخيه إدريس بن عبدالله(ع) · أحمد بن سهل الرازي · عبدالرقيب مطهر حجر
6 · الوافد على العالم · الإمام/ القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) · حمود بن عبدالله الأهنومي
7 · الهجرة والوصية · الإمام/ محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) · عبدالله ناصر أحمد عامر
8 · المختصر المفيد فيما لا يجوز الإخلال به لكلّ مكلّف من العبيد · القاضي العلامة/ أحمد بن إسماعيل العلفي · -
9 · خمسون خطبة للجمع والأعياد · - · عبدالله حسن الغالبي - علي محمد فارع الحمزي
10 · رسالة الثبات فيما على البنين والبنات · الإمام الحجة/ عبدالله بن حمزة (ع) · -
11 · الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
12 · إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
13 · الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
14 · النور الساطع - أدعية مأثورة لأيام الأسبوع · الإمام الهادي/ الحسن بن يحيى القاسمي · -

(/)


كما شارك مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة مشاركةً فعليةً في إخراج:
1- مجموع رسائل الإمام الهادي (ع)، تأليف الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين(ع)، تحقيق عبدالله بن محمد الشاذلي، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
2- العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، تحقيق عبدالسلام عباس الوجيه، تأليف الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع)، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
3- الموعظة الحسنة، تأليف الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع)، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
4-المصابيح وتتمته، تأليف السيد الإمام أبو العباس الحسني(ع)، والتتمة لعلي بن بلال رضي الله عنه، يصدر قريباً جداً إن شاء الله تعالى عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
5- البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية، تأليف الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع)، صدر عن مكتبة التراث الإسلامي.
ـــــــــــــــ

(/)


وفي هذه الأيام صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة:
م · الكتاب · المؤلف · المحقق
1 · لوامع الأنوار · (ثلاثة مجلّدات) · الإمام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي · محمد علي عيسى
2 · مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم زيد بن علي(ع) · الإمام الأعظم/زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) · إبراهيم يحيى الدرسي الحمزي
3 · الإفادة في تاريخ الأئمة السادة · الإمام أبوطالب يحي بن الحسين الهاروني(ع) · إبراهيم بن مجدالدين المؤيدي - هادي بن حسن بن هادي الحمزي
4 · الجامعة المهمة لأسانيد كتب الأئمة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
5 · سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد · السيد العلامة/ محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد(ع) · إسماعيل بن مجدالدين المؤيدي
6 · الجواب الكاشف للإلتباس عن مسائل الإفريقي إلياس ويليه/الجواب الراقي على مسائل العراقي · السيد العلامة/ الحسين ين يحيى الحوثي، حفظه الله تعالى · -
7 · كتاب أصول الدين · الإمام الهادي إلى الحق/ يحيى بن الحسين(ع) · -
وهناك الكثير الطيّب في طريقه للخروج إلى النور إن شاء الله تعالى.

(/)


وأغتنم الفرصة لأتوجّه بالشكر الجزيل لمؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية لدورها البارز في تأسيس مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة، ونحمد الله تعالى أن كنّا جميعاً ثمره من ثمار إمام أهل البيت الكرام(ع) في هذا العصر، مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، متشرّفين بالعمل تحت رايته، وما نحن إلا حسنة من حسناته، والتفاته من جنابه، بارك الله في أيامه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
كما أتوجّه بالشكر الجزيل لكلّ من شارك في إخراج هذه الكنوز إلى النور، وأخصّ بالذكر الإخوان الكرام الذين كان لهم الدور البارز في جميع إصدارات مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة، وهم/
علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي.
هادي بن حسن بن هادي الحمزي.
إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي.
صالح علي علي أبو زيد.
ــــــــــــــ
وأخيراً أتوجه إلى الله العلي القدير، بالدعاء الخالص لمولانا شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام، مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، على رعايته الكريمة للمركز، فمن حرصه الشديد على بعث كنوز أهل البيت(ع) ومفاخرهم؛ كان هذا المركز، نسأل سبحانه وتعالى بحقّ محمد وآله، أن يكتب له ذلك في ميزان حسناته، وأن يجزيه عن أمّة جده خير الجزاء، وأن يمدّ في عمره المبارك.
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مدير المركز/
ابراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
اليمن - صعدة، ت(511816)، ص ب (91064)

(1/2)


مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الواحد القهار، وصلى الله وسلم على نبيه المختار، وعلى آله الأطهار، ما اختلف الليل والنهار.
أما بعد:
فهذا كتاب لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار،أحد الكتب التي قرأتها على مؤلِّفه، حجة العصر، ودرّة الدهر، ومنبع الفخر، ربّ الفواضل والفضائل، وزينة هذا الدهر العاطل، البدر الزاهر، والبحر الخضمّ الزاخر، أمين الله في بلاده، وحجته على عباده، أمير المؤمنين، ومولى المسلمين، عماد الدين المحمدي/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي، أيده الله تعالى، وقد أجازني فيه وفي غيره من مؤلفاته، ومسموعاته ومجازاته، إجازة عامة بقوله وخطّه - صلوات الله عليه-.
ولقد وجدتُ رغبة عارمة في تحقيق هذا الكتاب، وتقديمه للطبعة الثانية، وإخراجه بصورة جديدة وكاملة، وتصحيحه من الأخطاء المطبعية، وتنسيقه بعلامات الضبط والترقيم، وقد بذلتُ ما بوسعي في ذلك، مع كثرة الشواغل والأشغال، وتراكم الموانع والأعمال، وبحمد الله تعالى وإعانته تمّ لي ذلك، على وجهٍ أرجوا أن يكون مرضياً.
هذا وقد جرت العادة في التحقيق، على أن يضع المحقق مقدمة للكتاب تكون بمثابة نافذة على الكتاب، تعطي القارئ نظرةً شاملة، وإلمامةً عاجلة، بمحتوى الكتاب، فيترجم لمؤلفه، ويبين منهجه في التأليف، وخطته في إبراز الكتاب وتحقيقه.
ونظراً إلى أن كتاب لوامع الأنوار قد قدم له السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، والسيد العلامة/ محمد رضا الحسيني الجلالي، وقد استوفيا في مقدمتيهما الكلام في هذا الشأن، ولم يتركا مجالاً فيه لمن بعدهما، فقد وضعتُ هذه المقدمة القصيرة، جرياً على العادة، وبياناً لما يلزم بيانه.
فأقول وبالله التوفيق:
أما المؤلف(ع) فهو أعرف من المعرفة، وأشهر من نار على علم، لدى الخاص والعام، فمن المستدرك عليّ وعلى غيري أن أتصدى للتعريف به.
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
مع أن وجود هذا الكتاب بين يدي القارئ، يوقفه على علم من أعلام الدين الرباني، وإمام في التحقيق، وفريد في التدقيق، ذي باع طويل في شتى علوم الدين والمعرفة، ودراية ومهارة في تنسيق المعاني، وصياغة بديع الكلام.
هو البحر من أي الجهات أتيته

(/)


ومن أراد التوسّع في معرفته، فعليه بترجمته، التي كتبها تلميذه الوفي، السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، المطبوعة في نهاية كتاب المؤلِّف - أيده الله تعالى - التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية، وليطّع على ما قاله العلماء في مرجعهم وحجة عصرهم.
منهج المؤلف في الكتاب
ذكر المؤلّف أيده الله تعالى أنه سيسلك النمط الوسيط، المجانب لجانبي الإفراط والتفريط، فقد سلك - أيده الله تعالى - طريقة آبائه الكرام - عليهم السلام - في تأليفه، حيث أتى به في سهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، ونراه يوجز تارة، ويطنب أخرى، حسب ما يقتضيه المقام، إضافة إلى استخدامه لأنواع البديع والبيان، بكثرة وإتقان، مع توشيحه للنص بالاقتباس من آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، وضرب الأمثال نثراً وشعراً.
وقد استخدم بعض الرموز للاختصار، مثل:
(ح)، تحويل، ومعناه الرجوع إلأى طريق أخرى في السند.
(رجع)، ومعناه العودة إلى كلام كان قد شرع فيه، واعترضه بكلام.
عملي في تحقيق الكتاب
أولاً: قابلتُ نصّ الكتاب على مخطوطة السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، ثم أكملتُ تصحيح نسختي على نسخة المؤلف المطبوعة المصححة، وأشرت إلى مواضع الإشكال، وسألتُ عنها المؤلف أيده الله تعالى، فإذا أكثرها نتيجة أخطاء مطبعية، فكتبتُ ما قد فسّره المؤلف في هوامش نسخته وبيّن أصلها، وتمّ الصف للطبعة الثانية على نسختي المصححة.
ثانياً: قابلتُ المصفوفة بنسختين وأصلحتُ ما فيها من الأخطاء.
ثالثاً: قطّعت النص إلى فقرات، والفقرات إلى جمل، حسب قواعد التحقيق.
رابعاً: وضعتُ عناوين للمباحث، واعتمدتُ على ما وضعه السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي من الفهارس، مع تغيير فيها بزيادة كلمة أو نقص أخرى، أوتقديم أو تأخير، أو زيادة عنوان أو حذفه.
خامساً: وضعت أرقام صفحات الطبعة الأولى بين خطين مائلين، هكذا / /، مثلاً: /234

(1/3)


: نهاية الصفحة 234، ليسهل الرجوع إليها.
سادساً: وضعتُ التفسيرات والتنبيهات في الهامش أسفل الصفحة، وعزيتُ ما هو من المؤلِّف إليه.
سابعاً: وضعتُ فهرساً للأحاديث، والأشعار، والأعلام، والكتب، ومباحث الكتاب.
ثامناً: اتبعتُ قواعد التحقيق المتعارف عليها، كالنقطة والفاصلتين الصغرى والمتوسطة، وغير ذلك.
وفي الختام، أسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه لكريم، وأن يرزقنا حراسة الأعمال من المحبطات، وأن يتقّبل منّا، وأن يطيل في عمر مولانا مؤلّف الكتاب - أيده الله تعالى - وأن يثبّتنا على نهجه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وصلِّ وسلم على محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
محمد بن علي عيسى الحذيفي
ليلة الجمعة، 5 رمضان 1421هـ

تقديم للسيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد: فبين يَدَيْ هذا لوامع الأنوار، في جوامع العلوم والآثار، وتراجم أولي العلم والأنظار، الموسوعةُ الفريدة، والمجموعةُ الوحيدة، بأساسها المكين، وعمادها المتين، وحصنها الحصين، بفنِّها الجديد، ومغزاها الرشيد، ومَغْنمها الحميد.
بمستواها الفائق، ومحتواها الخارق، لأبكار الرقائق والدقائق، بوقفتها مع الدليل، وسلوكها مسلك التنزيل، وهداها لسواء السبيل، ببراعتها في التنقيب، ولباقتها في التهذيب، برقَّتها في الأسلوب، وسهولتها في الإيصال إلى المطلوب، فهي وجامعها كما قيل:
حِكَمٌ سحابتُها خلالَ بنانه .... هطّالةٌ وقَلِيْبُها من قَلْبهِ
كالروضِ مُؤتلقاً بحُمْرةِ نَورِهِ .... وبياضِ زَهْرَتِه وخُضْرة عُشْبِهِ
حَلَّلَتْ وأَبرمتْ، وأوجبتْ وسلبتْ، مع قوّة في الحبك، ومَهَارة في السبك، عقود منضودة، ودروع مسرودة، موادّها كتاب الله وسنة رسوله، وموضوعاتها تبيان الحق وجيله، حدودها تكشف عن تلك المعالم، ورسومها تزيل التشكيك فيها والمزاعم، رفعت المرتفع، ووضعت المتّضِع، ما بين تقريب وتبعيد، وتصويب وتصعيد، بمنطقها الجزْل، وحكمها العدْل.
لم تدع لذي الداء الدويّ نقاهةً ولا إبلالاً، ولا لألد الخصوم مُنْطَلَقاً ولا مجالاً، وقفتْ لهم بالمرصاد، ولذَعَتْهم بألسنةٍ حداد، رَمَتْهم بثالثة الأثافي، ونسفتْ آثارهم في الفيافي، صبّتْ عليهم حميم الانتقاد، وألزمتهم الاستسلام والإنقياد، رغم التمرّد والعناد، شعر:
إذا غَضِبَ الفحْلُ يوم الهياج .... فلا تعذلوه إذا ما هَدَرْ
غيره:
وما السمر عندي غير خطيّة القنا .... وماالبيض عندي غير بيض الّلهاذمِ
غيره:
في كلّ مَنْبَت شَعْرة مِنْ جِسْمه .... أسدٌ يمدّ إلى الفريسة مخلبا
قام خطيبُ أطيارها، على منابر أشجارها، فصدح بفصيح أنغامه، ونثر - على رؤوس أوليائه؛ وفِطَر أعدائه - بليغ سجعه، وبديع نظامه، شعر:
فَأَسْمعهم قَولاً ألذّ من المنا .... وأحلى من المَنّ المنَزّل والسلوى
مرامي أطرافها مروجٌ مُمْتِعات، ومسارح سرحها هضاب مُخْصِبات، وشوادي بلابلها هواتف جاذبات، شعر:
هذي الحمائمُ في منابر أَيْكها .... تُمْلي الهوى والطلّ يكتبُ في الورقْ
والقُضْبُ تخفضُ للسلام رؤُوسَها .... والزّهرُ يرفعُ زائريه على الحدَقْ
بنفسجها يريح الأرواح، وشقائقها مراهم تُدْملُ الجراح، يا لها من رياض أَريضة، وجنان عريضة، شعر:
أيا حسنها روضةً قد غدا .... جنوني فنوناً بأفنانها
أتى الماءُ فيها على رَأْسِه .... لتقبيل أقدام أغصانها
تُنهِل وتُعِلّ، وتُسنِد وتُرسل، تُورِدُ وتُصْدِر، وتُحلي وتمِرّ، ناهيك منها بمثيرٍ للخبايا، كاشفٍ لما في الحنايا والزوايا، فاتحٍ للبراعم، كاشفٍ لوجوه التمائم، جالٍ لصداها عن الصادح والباغم.
وكيف لا تكون كذلك ومُبْدعها مَنْ لا يُشقّ له غبار، ولا يُوقف له على عثار، ولا تُطْمس منه آثار، ولا تُعكس مقدّماتُه وأخبارُه، ولا يَجْزُرُ تيّارُه وإنْ تظاهر مَعَ عدوّه أنصارُه.
مولانا وشيخنا، الإمام الحافظ الحجة الحلاحل، والسابق المجلي على السُّبَّاق الأماثل، أبوالحسنين الأمجد، مجد الدين بن محمد، بيّضَ الله غرّته، وأجزلَ في الدارين كرامته وتحفته.
فحي هلا أخي إلى مائدة الحكمة المتنوّعة، وملاك الذخائر النفيسات الرائعة، فقد صارت نصب عينيك، وفي متناول يديك، بعد أن كانت هنا وهناك، لا تخضع لطابع هذا الأسلوب، وبعضها في سِرّ أسرار الغيوب، والعَدَمِ المحجوب.
فتصدّى لها بجهود جهيدة، في مدّة مديدة، واستخرجها من أمّهاتها، وأصلحَ منها ما كان قد أخذ منه الزمن، وجلا الصدى عن وجهها المُسْتَحْسن الحسن، مع ما ضمّ إليها من روافدها، شعر:
ذُكِرَتْ فصغّرها العذولُ جَهَالَةً .... حتى بَدَتْ للناظرين فكبَّرا

(1/4)


ومصداق هذا ما قاله المؤلف حين قال: (فهذا المجموع المبارك - إن شاء الله تعالى - خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً في هذا الباب وغيره، سوى ما منّ الله تعالى بجمعه وتحصيل نفعه، مما لم يكن مزبوراً في كتاب، وليس مختصاً بجمع الأسانيد؛ بل يتضمن إن شاء الله فوائد وفرائد من أنواع من الفنون، تقرّ بها العيون، ويرتاح لها الراغبون).
وقد رَكّزَها المؤلف على أحد عشر فصلاً: قال:
الفصل الأول: اعلم ـ أيدنا الله وإياك بتأييده، وأمدنا بمواد لطفه وتسديده ـ أن من أقدم ما يتحتَّم، وأهم ما يتعين، على الناظر في كتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ذوي الألباب عرفانُ الحقّ والمحقّين، المشار إليهم بقوله عزّ وجل: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [التوبة]، لما يتوقف عليه من رواية السنة الشريفة، وتفسير الكتاب، ولتولّيهم واتباع سبيلهم، المأخوذَيْن على كافّة المكلّفين بقواطع الأدلة، وإجماع جميع المختلفين.
ثم ساق حتى قال: وقد أقام الله جلّ جلاله حجَجَة على هذه الأمة كما أقامها على الأمم؛ فكان مما أوجب عليهم وحتم، وأمرهم به وألزم، وافترضه عليهم وحكم، في محكم كتابه الأكبر، وعلى لسان رسوله سيد البشر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المأخوذ ميثاقه في منزلات السور: الاعتصام بحبله، والاستمساك بعترة نبيه وآل رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الهادين إلى سبيله، الحاملين لتنزيله، الحافظين لقيله، العاملين بمحكمه وتأويله، ومجمله وتفصيله.
الذين سيّدهم ومقدّمهم وإمامهم، ولي المؤمنين، ومولى المسلمين، سيد الأوصياء، وإمام الأولياء، وأخو خاتم الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد أعلى الله شأنهم، وأعلن برهانهم، بما شهد به كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما أجمعت عليه الأمة على اختلاف أهوائها، وافتراق آرائها، فخُرِّج في دواوين الإسلام، وعلم به الخاص والعام، ولزمت به الحجة جميعَ الأنام.

(1/5)


ثم ساق في موضوع أدلة وجوب الاستمساك بالعترة المتواتر من الأحاديث والمشهور ونحوهما، كحديث الغدير والثقلين، وأخبار المهدي المنتظر، وأخبار النجوم، وبيّن الآل، وخبر: لا يؤمن عبد، وخبر براءة، وآية المباهلة، وتفسير: أولي القربى، وأحاديث حبّ علي، وأخبار السفينة، وأخبار الولاية، وأخبار المنزلة، وفتح خيبر، وأخبار الراية، وأخبار الإنذار، وأخبار المؤاخاة، وسدّ الأبواب؛ وغيرهنّ مما ورد في العترة عموماً أو خصوصاً.
ليبين بذلك أن العترة هم المحقون؛ لأنهم الثقل الأصغر، وأحد الخليفتين لرسول الله في أمته، وأما الحق فهو الثقل الأكبر: كتاب الله، وما إليه من السنة والإجماع، وما سيذكره في الفصل الرابع في إسناده لمذاهب العترة.
ولقد وُفِّقَ فيما قال، وأجاد في الاستدلال، ثم ألقى عصى الترحال، وانتقل إلى الفصل الثاني حيث قال:
الفصل الثاني: في بيان ما عليه المفارقون لأهل بيت النبوة من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة واطراح عظيم الحرمة، لما ألزم الله عز وجل من البيان في محكم القرآن بأمثال قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].
حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقّين والمشاقّين، وأعمال الموافقين والمفارقين.
ثم ساق في بيان أحوال وأعمال المشاقّين والمفارقين من تعديل مَنْ عدَّلوا من الناكثين والقاسطين والمارقين، وموالاتهم لهم، وإساءة الذهبي وشيخه ابن تيمية، وأفضى إلى الكلام على البخاري ومسلم وكتابيهما، ومن تُكلِّم فيه من رجال البخاري، وإلى الكلام على الشيعة والنسائي، وإقرار الحفاظ أنه لم يصح لمعاوية فضيلة.
والكلام على النصب والرفض، وذكر بعض أعلام الصحابة المفضِّلِين لعلي أمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ.
ثم إلى الكلام على القدرية، والأخبار في ذمهم هم والمرجئة، ثم تعقّب ذلك الخوض في القضاء والقدر، وفي مسائل أخرى من أصول الدين، ثم خرج إلى الفصل الثالث الذي قال فيه:
الفصل الثالث: في إيراد لُمَع من نصوص كلمات من اتصل بهم سندنا من الأئمة السابقين، ثم من بعدهم من العلماء العاملين، ورَسْم أسمائهم الشريفة حسب تحريرهم للتبرك بذكرهم، والاقتداء بآثارهم، وكون من سبقهم قد جُمِعت محرراتُهم، وهؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الكرام لا جامع لما حرروه، ولا مقيّد لما زبروه، وإنما هي مفرّقة قد كادت تذهب بها أيدي الضياع، وقد نشير في هذا الفصل إلى تعيين بعض ما أخذه العالم عمّن قبله إلى آخر ذلك، انتهى.

(/)


ثم استرسل في نشر وتحرير إجازات لجده الإمام الأعظم المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي من الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم، ومن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، ومن إمام العلوم الحافظ محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي.
ثم أتبع ذلك بتحرير وزبر الإجازة من الإمام المهدي محمد بن القاسم المذكور أولاً للسادة العلماء: حسين بن محمد الحوثي، ولأولاده الأربعة وهم: يوسف بن الإمام، ومحمد بن الإمام، والقاسم بن الإمام، وإبراهيم بن الإمام، ولسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع ما ذكر بتحرير وزبر إجازة من الإمام المهدي المذكور للسادة العلماء: عبدالله بن يحيى العجري، وعبدالله بن عبدالله العنثري، وعبد الكريم بن عبدالله العنثري، ومحمد بن إبراهيم بن حورية.
ثم أتبع كلما ذكر بزبر الإجازة من إمام العلوم الحافظ أحمد بن محمد الكبسي لسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع بتحرير موضوع من كتاب الإحازة للعلامة عبدالله بن علي الغالبي، ثم عقّب بتحرير إجازة من السيد العلامة علي بن يحيى العجري للسيد العلامة عبدالله بن يحيى العجري، ثم حرر بعد ذلك إجازة من العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي لسيدي العلامة محمد بن منصور المؤيدي والد المؤلف، ثم ختم ما ذُكر بتحرير إجازة له ولأعيان علماء عصره من والده.
ثم ذكر المؤلف شيئاً من مسموعاته، وسنداً من عنده، وهذه الطبقة المذكورة من العلماء تأخر بهم الزمان عن زمان محرري الإجازات والتراجم، فرأى المؤلف فَرْضيَّة التسجيل لإجازاتهم إلحاقاً لهم بسلفهم في هذا الموضوع ـ جزاه الله خيراً ورضي عنه وعنهم، وألحقنا بهم صالحين ـ.
ثم قال: الفصل الرابع: في الإسناد إلى مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جملة، وفي ذكره هنا على هذا الوجه الإجمالي فوائد جمّة، منها: تقديم الإفادة بتسلسل الرواية عن قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، وأشياعهم الذين هم أكرم قبيل.
ومنها: الابتداء بتعريف طبقاتهم، وتوضيح مراتبهم ودرجاتهم، ومنها: إمكان الإحالة على هذه الأسانيد المباركة فيما يأتي من التفصيل.
ثم ساق إلى أن قال: أروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأصول عقائدهم ودياناتهم في العدل والتوحيد والوعد والوعيد، والنبوات والإمامات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقههم، وأحاديث الأحكام من سنة جدهم سيد الأنام؛ عن والدي وشيخي، ورفع السند إلى أن ختمه بقوله: عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ عن الرسول الأمين، صفوة الله رب العالمين، خاتم النبيين، محمد بن عبدالله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين؛ فهذه السلسلة النبوية، الهادية المهدية، من العترة الطاهرة، نجوم الدنيا وشموس الآخرة.

(1/6)


سلسلةٌ من ذهبٍ .... منوطةٌ بالشهبِ
ونسبةٌ ترددتْ .... بين وصيّ ونبي
سبحان من طهَّرها .... عن سائبات النسبِ
من استمسك بهم فقد استمسك بقوي الأسباب، وهُدي إلى منهج السنة والكتاب، هم العروة الوثقى، وهم معدن التقى،
وخير جبال العالمين وثيقها
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21)} [الحديد].
نعم، وهذا السند الشريف من بعد الإمام القاسم بن محمد، منه ما هو متصل ومنه ما هو بواسطة، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله: بطرقه، انتهى.
وقد أتبع بمكتوب من جده الإمام المهدي إلى المدينة المنورة في سنة 1034هـ.
ثم قال: الفصل الخامس: في تفصيل المختار من رواة العلوم والآثار، ولنقدّم الطرقات إلى مؤلفات آل الرسول، قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، على جدهم وعليهم أفضل الصلوات والتسليم، والتكريم والتبجيل، وأولاها تقديماً وتشريفاً، وأولها تقدماً وتأليفاً، مؤلفات إمام آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، فاتح باب الجهاد والاجتهاد، ومقيم حجة الله في الأرض على العباد، الولي بن الولي، الطاهر الزكي، الهادي المهدي، أمير المؤمنين، المبشِّر به جدّهُ الرسول الأمين، أبي الحسين الإمام الأعظم زيد بن علي..إلى آخر ذلك.
ثم أتى بسنده إلى مؤلَّفي الإمام زيد، مجموعَيْه: الحديثي، والفقهي؛ ثم عقبه بتراجم، ثم احتجاج أعلام الأئمة برواية أبي خالد، وبتلقي المجموع بالقبول.
ثم بصفة الرسول الأعظم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم بسنده لأمالي أحمد بن عيسى، ثم بذكر وتراجم لبعض الأعلام.
ثم بسند جامع لمؤلفات إمام اليمن الهادي إلى الحق، ومؤلفات إمام الجيل والديلم الناصر للحق، ومؤلفات أئمة العراق: المؤيد بالله، والناطق بالحق، وغيرهما.
ثم بالكلام والإسناد لكتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وكتاب الإحاطة للموفق بالله؛ ثم بالسند لأمالي المرشد بالله، وكتاب الأنوار.

(/)


ثم أتبعه بالكلام حول الجامع الكافي وحول الزيادات فيه، ثم السند لكتاب التأذين بحي على خير العمل، ثم بالكلام حول نهج البلاغة مع سنده، والكلام حول شروحه، ثم السند لصحيفة علي بن موسى، وكتاب أنساب الطالبية، وسلسلة الإبريز، ثم الكلام حول الشافي وسنده، ثم حول أنوار اليقين وسندها، وشفاء الأوام وسنده.
ثم انتقل إلى الفصل السادس، في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق، قال: اعلم ـ أيدنا الله وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك قد اشتمل فيما مضى وفيما يأتي إن شاء الله على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهمّ، من الأسانيد الصحيحة، الجامعة لمؤلّفات أئمة العترة ونجوم علمائهم وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبق إليه، ومنوال لم يُنْسَج عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك من غرر الفوائد، ودرر الفرائد...إلى آخره.
ثم ذكر فيه الاجتماع التاريخي العظيم، وترجمة الحاكم الجشمي، والسند إلى مؤلفاته، وترجمة للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام، وإشارة إلى السند إلى مؤلفاته، وإسحاق بن أحمد بن عبدالباعث، والحسن الرصاص، وعبدالله بن زيد العنسي، وعلي بن حميد، وذِكْر مؤلفاتهم والسند إليها.
وذكر الإمام المعتضد وقصيدة له، والسيد حميدان، والإمام يحيى بن حمزة، وحول الزهراء ـ عليها السلام ـ والإسناد إلى كتاب الروضة والغدير، وطرق إسناد شرح القاضي زيد، وترجمة السيد يحيى بن الحسين صاحب الياقوتة وما إليها، والإسناد إلى مؤلفاته...إلى غير هؤلاء من الأعلام.
ثم معنى الصحيح عند أهل البيت، وعَدَد أحاديث بخاري ومسلم، وأسباب الاختلاف بين العترة، وتقديم رواية أهل البيت، وقصائد للهادي بن إبراهيم الوزير، وبحث عظيم في صفات رب العالمين، وقصيدة الواثق.
والكلام حول عابد اليمن القاضي إبراهيم الكينعي، وحول فضائل للأئمة ـ عليهم السلام، ثم حول تراجم لبعض الأئمة، والأسانيد إلى الإمام عز الدين، ونفي الذوات في العدم، وحجيّة قول أمير المؤمنين ـ كرم الله وجه ـ ومعاوية بين الصحبة والاجتهاد، وترجمة لصارم الدين، والأدلة على أن السبطين وأبناءهما أبناء رسول الله.
ثم نبذة يسيرة عن كتاب الفلك الدوار، وتفسير القرآن عن الزيدية، والحديث في ميزان الزيدية وأهل البيت، والدولتان الأموية والعباسية، والشيعة، وكتب الحديث.

(1/7)


كما قال في الفصل السابع، في الكلام على أطراف من علوم الحديث: ولنتكلم قبل الشروع في المقصود على مقدمتين وخاتمة؛ المقدمة الأولى: في تعيين الأمهات الموعود بالجمع بينها من كتب العترة والمحدثين، والطريق إليها.
ثم قال: المقدمة الثانية: فيما لا يسع طالب الحديث جهله من علومه، واصطلاحات أهله، وبيان مذهبنا فيه، مع زيادات فوائد وقواعد يحتاج إليها الشيعي العدلي، ويناضل بها الخصوم في المقام الجَدَلي.
ثم الطريق إلى الكتب الستة وتعدادها، وحول مؤلف جامع الأصول، ومدخل إلى علوم الحديث، وتعريف الصحيح، وانتقاد على المحدّثين، وبحث في صحة كتابي بخاري ومسلم، والكلام حول ذلك، ونبذة من علوم الحديث، ومجهول العدالة والضبط.
واعتراف محمد بن إبراهيم الوزير بتضعف أصول أهل الحديث، والكلام على أبي موسى الأشعري، وإشارة إلى أدلة على وجوب الموالاة والمعاداة..إلى غير ما ذكر.
ثم ارتحل فقال: الفصل الثامن، في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة، ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة، وهي تقابل السنة، التي هي: الطريقة المحمدية ـ على صاحبها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول..إلى آخر ما قال.
ثم أعقب بذكر جماعة من النواصب، وعدد من تُكلِّم فيهم، والمجاهيل في البخاري، ومن أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم، والعكس.
ثم طُرُق خبر الطير، وذكر خبر العشر الفضائل في أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ وخبر عن أبي بكر في تفضيل أمير المؤمنين علي، وخبر الجواز، وقصة الحسين مع الشيخين، وتهنئة أبي بكر وعمل لعلي (ع) بالولاية، وخبر: ((لأبعثن عليكم رجلاً مني))..إلى غير ذلك.
ثم قال: الفصل التاسع: في جوامع من معاني هذه الأخبار الشريفة، التي هي من أعلام النبوة، وهي معلومة قد روتها طوائف الأمة، بألفاظ وروايات مترادفة ومختلفة، مطوّلة ومقصّرة، كأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة..إلى آخر ما قاله.
في مضمون هذا الفصل أخبارُ من تولاّه فقد تولاّني، وخبر المحاربة واختلاف أحكام أهل الكفر، وبحث أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين، وأخبار قاضية لأمير المؤمنين بالسيادة والخيرية.
وبحث في الأدلة على إمامة الحسنين، وعلى أن أولادهما أحق بالإمامة، والتخيير لعلي ـ عليه السلام ـ بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتّم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين.

(/)


وكلام المحدّثين وأهل السير في امتناع علي ـ عليه السلام ـ عن البيعة، والمتخلّفون عن بيعة أبي بكر، وتواصي الخصوم على ترك البحث عن معنى النصوص، ورميهم لمن يبحث عنها بالرفض، والإقرار بتواتر أخبار الحوض، وانقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام، وانقسام المخالفين من العرب أيام الردة، وبحث في الإمامة..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل العاشر: في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة..إلى آخر ما قال.
ثم كلام أمير المؤمنين في بيان أهل السنة والبدعة، وأهل الجماعة والفرقة، والكلام على جعلهم السنة مكان العترة، وأخبار في العترة، وأخبار في الشفاعة، وفريقا الرفض والنصب، وتشبيه علي بجماعة من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ، واختلاف معاملة الكفار، وطريق جامعة لطبقات الزيدية، وغيرها من الأسانيد..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل الحادي عشر: اللاحق بلوامع الأنوار، والمقصد منه الأهم ذكر أعلام العترة الأطهار، وكرام العصابة الأبرار، الذي عليهم في باب الرواية معظم المدار، والمبحوث عنه أولاً وبالذات الرواة الثقات في أصل أسانيد أئمتنا السابقين، ومَنْ بيننا وبين المؤلفين؛ فإنْ ذُكِر غيرهم لغرض فبالعَرَض.
ثم عقّب هذا بتراجم لمن ذكره، في المبتدأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ـ وآخرهم أبان بن تغلب.
أخي المطَّلع، قد كشفتُ لكَ أكثر الموضوعات، وأشرتُ إلى بعض جواهر اللوامع النفيسات، ولمثلها فليتنافس المتنافسون، ويتسابق المتسابقون.
ولو تدري ما قد لقي المؤلِّفُ في سبيل جمعها وتصحيحها، وما أنفق من عمره النفيس في لمِّ نَشْرِها وتَصْفيتها؛ لخصَّصتَ له جزءاً من راتب الابتهال، إلى ذي الكمال والجلال، أنْ يختم له بالسعادة، ويجزيه بالحسنى وزيادة، خلَّد الله ذكره، وأعظمَ أجره، وألحقه بسلفه المطهرين، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)} [القصص]، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله المعظَّمين.
حسن بن محمد الفيشي
وحرر: 17/ صفر / من سنة 1422هـ

(1/8)


تقديم للسيد العلامة/ محمد رضا الحسيني الجلالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، وعلى شيعتهم الأبرار الصالحين، ما بقي الليل والنهار من الآن إلى يوم الدين.
وبعد:
فإني أرى التقديم لهذا الكتاب الكبير، يقتضي من الجهد والوقت الشيء الكثير، كي يكون وافياً، ومؤدياً للحق الذي يجب، ولا أملك ـ في ظروفي الخاصة ـ مثل ذلك، إلا أن النزول عند رغبة الإخوان أوجب الاقتصار على هذه العجالة، حتى لا أكون مخلاً بهذا الحق، وإن لم أدرك أداء الأول بالشكل التام.
فأقول ـ مستعيناً بالله ذي الجلال والإكرام ـ:
هذا الكتاب:
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا (لوامع الأنوار) هو واحد من تلك الكتب التوثيقية المؤدية لهذا الدور العظيم.
وقد جاء طبع هذا (الكتاب) في هذه الفترة بالذات (أجلاً) محتوماً لتلك الدعوات الباطلة ضد التراث الإسلامي. /3

(1/3)


فهذا الكتاب: يمثل واحداً من جهود العلماء في سبيل تحصيل العلم والمعرفة، وتوصيل حلقاتها بأوثق العرى، مدى القرون.
ويمثل الحرص والولع الدؤوب والمواظبة التي يبذلها العلماء في سبيل العلم، ونقله وضبطه، والتأكد من سلامته.
ويمثل مدى حرية الفكر في المجال العلمي عند العلماء، واعتمادهم الدليل والبرهان والمنطق، واتباعهم الحجة في الرأي.
ويمثل ضخامة التراث الاسلامي، وسعة أطرافه واتساع المجال الذي يبحث عنه، ويحقق فيه من موضوعات المعرفة البشرية.
وبه وبأمثاله، يمكن أن تتم الحجة على الجهلة بهذا التراث، وتلقم تلك الأفواه التي تنعق بالشبه والتشكيكات المثارة من قبل أعداء الدين، والعلم، والمعرفة الإسلامية ومصادرها.
ثم إن أفضل دور يقوم به هذا الكتاب هو الدفاع عن (الحق) الذي تغافل عن إعلانه ـ بل ذكره ـ كثير من أصحاب العلم والقلم والرأي في التاريخ!
بل سعى بعضهم في هجره وإخماد نوره وإطفائه، وهو: (تراث أهل البيت النبوي الطاهر) الذين كانوا منذ صدر الإسلام ـ وعلى طول خط تاريخه، ومدى القرون الخمسة عشر، وحتى اليوم ـ في طليعة المدافعين عن الإسلام في عقيدته، وفقهه، وكل معارفه.
وهم حاملوا رايته، والمناضلون الشجعان عن قدسيته، مع أن النبي الأكرم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والقرآن العظيم أكدا في كثير من نصوصهما، وبمختلف البيانات الصريحة، والإشارات البليغة، على تقديس أهل البيت وأولي القربى، وطهارتهم.
وجعلهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ (الخلفاء) له مع القرآن، وأنهما المصدران /4

(1/4)


الأساسيان للمعرفة عند المسلمين ـ بعد الرسول ـ يجب الأخذ منهما واتباعهما، وعدم التفرق عنهما، وذلك في حديث (الثقلين) كتاب الله وعترة الرسول.
رغم ذلك، فإن التغافل عن حق أهل البيت، ودورهم، ودور تراثهم، ليس كاشفاً إلا عن انحراف قديم، وتقصير متعمد تجاه مصادر المعرفة الإسلامية.
فهذا الكتاب (لوامع الأنوار) قد تحدث في مقاطع عديدة منه عن هذا الحق المهدور، المتغافل عنه، وقام بالاستدلال المحكم لإثباته، ولزوم الرجوع إليه واعتماده أصلاً من أقوى أصول المعارف الإسلامية الحقة، ومن أقوى روافدها الثروة الغنية، عملاً بوصية الرسول الأكرم، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
ويكفي هذا الكتاب، وما احتوى عليه من التراث الضخم، دليلاً على ما مني به المبتدعون عن أهل البيت من الحرمان، ومدى ما اجترمه المهملون لهذا التراث!
هذا، والسيد المؤلف إنما يتحدث عن تراث أهل البيت في الأوساط الزيدية، فإذا أضيف إليه تراثهم الزاخر في المذهب الإمامي الإثنى عشري، وهو يربو على عشرات الآلاف فإن ذلك الحرمان والجريمة يكونان أعمق وأكبر.
تحديد أغراض الكتاب:
ذكر السيد المؤلف ـ دام مجده ـ أنه ألف هذا الكتاب على أساس التماس جمع ـ من طلاب العلم ـ (أن يوصل سندهم بسنده، ويصحح لهم في طرق الرواية معتمدة، ويوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها /5

(1/5)


كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإحرام).
ويتواضع في حديثه ـ على عادة العلماء الكرام ـ فيقول: (فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع، لما ورد في السنة والقرآن من تحتم التبليغ والبيان، والوعيد الشديد على الكتمان).
ويؤكد أسباب تأليفه، فيقول: (ولما شاهدت تقاعد الهمم، وانحلال العزائم، وانهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخبر والخبر... وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، من الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لا سيما في هذه الأعصار: حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة).
وهذا تصوير حي لما توصلت إليه الأمة من حالات التردي في الجهل بتراثها، والبعد عن معارفها، ومصادر الثروة الغنية الموثوقة، بحيث تجرأ أدعياء الفكر الجديد، والعقل الجديد، والوعي العربي الحديث على التهجم على الإسلام وأدواته المعرفية!
فهذا الكتاب هو رد علمي على هذه الشرذمة المستأجرة للغرب، ونزعاتهم.
بينما هو أداة لتوعية الأمة، وإرشادها إلى ما في حوزتهم ومتناول أيديهم من ذخائر الفكر والتراث العظيمة، التي تمكن الآباء بها من العيش في الحياة بسلام في عالم الأمس، ومن أجل ذلك استهدفه الغربيون وعملاؤهم في عالم اليوم.
ثم إن وصية السيد المؤلف بضبط الكتاب والتأكد من صحته، مما يؤكد ما ذكرناه من الوثوق بمصادر المعرفة الإسلامية، ويركز هذا /6

(1/6)


الغرض، حيث يقول:
(وإني أوصي، وآخذ على كل من نقل كتاب التحف، وهذا المؤلَّف ـ إن شاء الله ـ أن يتحرى في التصحيح والمقابلة، فقد أبلغت الوسع في طلب الصحة، ولم أرسم شيئاً ـ بحمد الله ـ إلا على دقة وتحقيق ووقوف على الأصول المأمونة المصونة....).
إن هذه الوصية ـ بحد ذاتها ـ تفند مزاعم أولئك الأقزام المشككين في التراث الإسلامي، ومصادر المعرفة على أساس من الإشكالات المزعومة في العربية من حيث اللغة، أو الخط، أو الضبط، التي قد تمنى بها هذه اللغة.
فإنما ينفذ مثل ذلك في سوق الجهلة البعداء عن هذه اللغة، وعن دينها، وعن تراثها، وعن مجالس العلم، ومصاحبة العلماء المحققين، أما العاملون بمثل هذه الوصية فهم في مأمن من كل ذلك.
محتوى الكتاب:
إن السيد المؤلف ـ دام مجده ـ لكونه من كبار العلماء وأعيانهم، وممن تربى في حجور العلم، وأحضان المعرفة، ولأنه من السادة الأشراف من العترة النبوية الطاهرة، قد يسر الله له الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية، بطريق أعلام الفكر من آبائه الكرام، وغيرهم من العلماء العظام، وبما مد الله له من العمر الطاهر في العقود التسعة الماضية، فهو أوثق عروة تربط عصرنا بأوائل القرن السابق، وإلى أعلى قمم المراتب الشامخة التي تصبو إليها نفوس /7

(1/7)


الطلاب للعلم.
هذا، مع ما يملكه من ملكات قدسية، في الإيمان والعمل، وفي مختلف أفنان العلم، وفي مكارم الخلق العظيم من الهمة والمجد والإخلاص والدقة.
فقد تميز بما لم يجتمع إلا للأفذاذ من الرجال، فتمكن لذلك من الإحاطة بأكثر المصادر الأساسية المتداولة في المجتمع العلمي الزيدي، والمعتمدة في تلك الحواضر المجيدة والبلاد السعيدة، وقد عكس صورة من ذلك في هذا الكتاب العظيم، فحق له أن يقول في مقدمته:
(فهذا المجموع المبارك خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً في هذا الباب وغيره، سوى ما من الله تعالى بجمعه وتحصيل نفعه مما لم يكن مزبوراً في كتاب، وليس مختصاً بجمع الأسانيد، وإنما هو مقصد من المقاصد، وفائدة من الفوائد...).
وقد احتوى الكتاب على كل ذلك ضمن فصول عشرة بالترتيب التالي:
الفصل الأول:
في المطلب الأهم، وهو إثبات حق أهل البيت عليهم السلام في الخلافة عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والمرجعية الدينية بعده؛ لأنهم قرناء القرآن في المصدرية للمعرفة الإسلامية حسب النصوص الكثيرة، فشرح السيد في هذا الفصل أبعاد ذلك الحق، وفصل الاستدلال عليه بإيراد النصوص وتأكيدها سنداً، وبيانها دلالة. /8

(1/8)


الفصل الثاني:
في مواقف المعارضين لهذا الحق، وتفنيد مزاعمهم، وذكر ما جنوه على الإسلام والمسلمين جراء ذلك، وهذا التجاسر على مصادر المعرفة واحد من ذلك.
الفصل الثالث:
في بيان أساليب العلماء وجهودهم في توصيل حلقات التحصيل، وذكر آرائهم في هذا المجال.
الفصل الرابع:
في مجمل طرق المؤلف إلى مذاهب أهل البيت عليهم السلام.
الفصل الخامس:
في تفصيل تلك الطرق، وذكر مؤلفي الكتب والمصادر، وخاصة الأئمة من العترة.
الفصل السادس:
في أسانيد بقية الكتب، وذكر مؤلفيها.
الفصل السابع:
في طرق السيد صارم الدين من أوسع المؤلفين عن أصحاب التراجم، وفي هذا الفصل بحث واسع عن أقسام الحديث الشريف وأنواعه، وهو بحث توثيقي قيم.
الفصل الثامن:
في تحقيق معنى السنة والبدعة.
الفصل التاسع:
في جوامع مما ورد في علي وذريته أصحاب الحق المهدور. /9

(1/9)


الفصل العاشر:
مميزات الكتاب:
ويمتاز هذا الكتاب بأمور:
1ـ اشتماله على فوائد مهمة، ومطالب نافعة، حول مختلف المواضيع التي تذكر في الأثناء.
2ـ اشتماله على تراجم كثير من الأعلام وذكر مواقفهم المجيدة للدفاع عن الحق.
3ـ تميزه باللغة الواضحة، والفصاحة والبلاغة، والبيان والبديع، مما يشد القارئ، ويجعله أكثر تفاعلاً واندفاعاً إلى متابعته، والاستفادة منه.
4ـ اعتماده على الإنصاف، والجدال بالحسنى، واعتماد البرهان والمنطق في استدلالاته.
هذا مضافاً إلى كونه من أجمع الكتب في مجال توثيق المصادر، وأوسعها في تعداد المؤلفات التراثية كما أشرنا إليه من قبل، وكل ذلك يدل وبوضوح على قدرة المؤلف الكبيرة على ما تصدى لتأليفه وتصنيفه، وتمكنه من علمه، ووثوقه بعمله، مما يرفع من قيمة الكتاب.
أما المؤلف:
فأظن أن من المستدرك التصدي للتعريف به، بعد ما ذكرناه، وبعد وجود هذا الكتاب أمام القارئ، وهو سيقف من خلاله على عملاق من عمالقة الفكر الإنساني، وبطل من أبطال المعرفة الإسلامية، وإمام في التحقيق، وجامع للمنقول، ومتضلع في المعقول، وحافظ لآيات القرآن وتفسيره، وحاكم في السنة الشريفة سنداً ومتناً، ومتبلغ واسع /10

(1/10)


الأطراف، ذو باع طويل في الفقه، ومجتهد ضليع في الأحكام، ومالك لأزمة اللغة وتصريف الكلام، وأديب ماهر في البلاغة والفصاحة، تنساق المعاني طوعاً لبيانه، فيصوغها في بديع ألفاظه وكلماته.
إلى جانب تواضع فذ، ووعظ نافذ، وتحرق على الحق وأهله، ومما يجد من التحريف عند المعاندين، والانحراف عن سنن الدين وإلى هدف الإصلاح الذي يتابع به خطواته وحركاته عندما يحاور المخالفين، ويحاول إرشاد قارئيه.
فهو بكل ذلك يمثل بحق (الأئمة الهداة من أهل البيت) الذين أمر الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بهم، وجعل الهداية عندهم، والضلالة في مخالفتهم ومفارقتهم، والتخلف عنهم، ومن أراد التوسع في معرفة ترجمته، فعليه بما كتبه تلميذه الوفي الأديب العلامة حسن بن محمد الفيشي حفظه الله، فإنه استوفى ذلك بشكل كامل، وهي مطبوعة في نهاية (التحف شرح الزلف).
صلتي بالمؤلف والكتاب:
لقد تعرفت على شخصية السيد المؤلف ـ دام مجده ـ سنة (1394هـ) من خلال معرفتي بأحد تلامذته الكرام ممن زار النجف الأشرف، حيث كنت ساكناً للتحصيل العلمي، فطلبت منه أن يوصل رسالة مني إلى سماحة السيد، وقد استجزته فيها، فأجازني بالجامعة المهمة لأسانيد الأئمة، التي هي مختصر من الفصل الخامس من هذا الكتاب (لوامع الأنوار).
وبعد سفري إلى قم واتخاذها دار هجرة لي انقطعت صلاتنا إلى أن اتصل بي أحد الطلبة اليمانيين المهاجرين إلى قم للدراسة، فوقفت /11

(1/11)


على أحوال السيد ومؤلّفاته، وفي هذه الأيام زارني بعض السادة من أحبة السيد، فأطلعني على هذا الكتاب القيّم، وطلب مني أن أقدم له، وأعرّف بموضوعه، وبمكانته التراثية والعلمية، وبموقعه في المكتبة الإسلامية.
فوفقني الله لمطالعة الكتاب، والاستزاده من علمه الزاخر، وقد استندتُ إلى مخطوطته في تأليفي كتاب (جهاد الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام).
ولا بد لي أن أقدّم جزيل الشكر إلى فضيلة العلامة السيد محمد قاسم الهاشمي الذي هيأ لي هذه الفرصة.
والحمد لله كثيراً على توفيقه لي لهذا العمل، وأسأله المزيد من فضله إنه ذو الجلال والإكرام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، والشيعة الأبرار، وسلم تسليماً.
حرر في الثامن والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربعمائة وأربع عشر للهجرة.
وكتب السيد: محمد رضا الحسيني الجلالي. /12

(1/12)


التقريض
[من تقريض كتاب لوامع الأنوار للسيد العلامة/ أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي]
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وصلى اللَّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
مما قاله المولى العلامة الفهامة، نبراس المحققين، ورأس أهل التقوى واليقين، البقيّة من الآل، والعمدة من أهل الفضل والكمال، خيرة الخيرة، والطاهر السريرة، من نجوم العترة المنيرة: أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي الحسني، حفظه اللَّه ورضي اللَّه تعالى عنهم، من التقريض للوامع الأنوار[مالفظه]:
الحمد لله المفيض نعمه، العدل في قسمه، المعزّ من يشاء، المختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
سيدي العلامة، بقيّة أهل الاستقامة، نقطة بيكار بني الحسن، وترجمان علوم الآل في الزمن، ذي المجد الأثيل، والشرف الأصيل، ذي الأنظار الثاقبة، والمعارف الصائبة، مطهّر علوم الآل، عن دنس أولي الغيّ والضلال.
الفاطمي العلوي الأحمدي .... مجد الهدى والدين نجل محمدِ
نهدي إليك تحيةً محفوفةً .... بالخير والبركات أزكى ما بُدِي
سلام اللَّه يغشاكم ورحمة اللَّه وبركاته.
صدورها عن أحوال ـ بحمد اللَّه ـ صالحة، ومنن جسيمة، ونعمة مستديمة، نرجوا اللَّه لكم ذلك، وفوق ما هنالك.
...إلى أن قال: وقد فعلتُ تقريظاً ـ بحسب ضعف القريحة ـ للّوامع، صدر أسفل هذا، أحبّ وضعه على نسختكم، وكان المقام خليقاً بالبسط والإعظام، ولكن برد الشتاء يطفيء نار الفطنة، والكِبَر أقحل ناعم القريحة، فاعذروا؛ ولا زلتم في حماية اللَّه ورعايته، وحفظه وكلايته، مؤيدين مخلدين.. إلخ /9

(1/9)


هذا الكتاب مسوَّد لمسوَّدِ .... ومُجددٌ في فنه لمجدِّدِ
هذا الكتاب لوامعٌ أنواره .... وضياؤه كالشمس للمسترشدِ
فيه أسانيد العلوم تصحّحت .... وفوائد غرّاءُ قصد المهتدي
كم حاز من نكتٍ جليل قدرها .... لمؤلّف شهمٍ كريم المحتدِ
في همة قعساء تعلو المنتهى .... شادَ العلوم علوم آل محمّدِ
ببلاغةٍ وبراعةٍ وفطانةٍ .... لم لا وذاك سراج عترة أحمدِ
حامي علوم الآل قامَ بنصرها .... فأماطَ عنها دسَّ غاوٍ معتدِ
وكذاك لاينفك نجم طالع .... منهم لدين اللَّه أي مشيّدِ
فحباك مجدَالدين ربُّك فضله .... فز بالسلامة والكرامة في غد
فلقد أفدت وقد أجدت بما حوى .... هذا من الدر النفيس وعسجدِ
قُوْلا لمن يبغي الهدى وسبيله .... فعليك بالأنوار فابحث ترشدِ
تجد السبيل موضحاً وملخصاً .... عن كل شائبة ورأي مفندِ
محض الطريق طريق آل محمد .... هذا المرام وبغية المسترشدِ
ما الحق إلا نهجهم وسبيلهم .... ومخالفوهم في الضلال الأبعدِ
هم باب حطّة والسبيل إلى النجا .... وهم الصراط المستقيم له اقصدِ
مَنْ مال عن منهاجهم فلقد هوى .... من رام غير هداهمُ لم يهتدِ
قد جاءَ في الأخبار قولٌ صادق .... عن جدهم فيهم بما يشفي الصدي
إن كنتَ لم تعلم بصحة قولنا .... فلتبحث الأنوار بحثَ المجتدي
ثمّ الصلاة على النبي وآله .... القائمين بنصر دين محمدِ
نصحوا لدين اللَّه أي نصيحةٍ .... بتصلبٍ وتصبرٍ وتجلّدِ
أقلامهم وسيوفهم ورماحهم .... منصوبة للكائدين بمرصدِ
يتهالكون لنصر دين أبيهمُ .... لا ينثنون عن الجهام الأسودِ
ما زال أوّلهم إماماً هادياً .... ما انفك آخرهم بذاكم يقتدي /10

(1/10)


[مقدمة المؤلف]
[الديباجة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
الحمد لله، الذي رفع درجات العلماء العاملين، وحفظ بهم نيرات حججه على العالمين، ووصلهم بمتواتر إفضاله، وغامر نواله، وأبلغهم من كرامته أعلا علّيين، وجعلهم لدينه أعلام الاقتداء، وأنوار الاهتداء، إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على نبيه الأكبر، ورسوله الأطهر، سيد البشر، الخاتم لما سبق من أنباء النبوة، والفاتح لما انغلق من أخبار الرسالة، المأخوذ ميثاقه على جميع الأمم؛ رحمته للعالمين، وحجته البالغة على الأولين والآخرين، ختام النبيين، وإمام المرسلين، أبي القاسم، محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه، وابن عمه ووليه ونجيه، وباب مدينة علمه، من يدور معه الحق والقرآن، المنزل منه تارة منزلة هارون من موسى (ع) وأخرى بمنزلة نفسه كما نطق به الفرقان، في آل عمران، ولي المؤمنين، بنص الكتاب المبين، ومولى المسلمين، بتبليغ خاتم المرسلين، من مهّد اللَّه بسيفه وعلمه قواعد الإسلام، وأورثه علم أنبيائه ورسله الكرام، أبي الأئمة الأطايب، والنجوم الثواقب، علي بن أبي طالب؛ وعلى آله عترته وورثته، خيرة اللَّه من ذؤابة إسماعيل، وحملة حجته من سلالة إبراهيم الخليل، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وأمان أهل الأرض من /11

(1/11)


العذاب، مصابيح الظُّلم، ومفاتيح البهم، وينابيع الحكم، المشهود بعصمة جماعتهم، وحجية إجماعهم، بآي التطهير والمودة، والأمر بالطاعة والشهادة، والاصطفاء والاعتصام، وأحاديث التمسك والسفينة والأمان، وأخبار الكساء، ومالا يحاط به كثرة، كتاباً وسنة، وما أصدق قول قائلهم:
ولهم فضائل لست أحصي عدها .... من رام عدّ الشهب لم تتعدد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثَقَلان للثَّقَلَين نص محمد
اصطفاهم اللَّه للقيام بالسنة والفرض، وإن رغمت أنوف أولي النصب والرفض، وارتضاهم لخلافة جدّهم في الأرض، إلى يوم العرض، ولله قائلهم:
وما إن زال أولنا نبيا .... ولا ينفك آخرنا إماما
يصلي كلُّ محتلم علينا .... إذا صلى ويتبعها السلاما
جعلنا اللَّه ممن استمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بالحبل المتين الأقوى، واقتفى سوِيَّ مناهجهم، ومشى على سنن أدراجهم، وهو دينه القويم، وصراطه المستقيم، إنه هو السميع العليم؛ ورضوان اللَّه على الصحابة الأبرار، من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، على مرّ الأزمان.
[تخريج أحاديث كون العترة حماة للدين وأحاديث الحث على الولاية]
هذا، وإن اللَّه وله الحمد حرس معالم دينه بصفوة اختارهم، من حملة العلم، وخزنة الحكم، كما قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: فيما رواه الإمام الأعظم الزكي، أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين))، وهو مروي عند /12

(1/12)


المحدثين، وصححه أحمد بن حنبل.
ورواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) في الشافي، بلفظ: ((إن كل خلف من أهل بيتي عدول موكلون، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
قال في جواهر العقدين: وأخرج الملا ـ فذكر معناه بزيادة ـ ((ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللَّه عز وجل فانظروا بمن تفدون)).
وأخرج أحمد في المناقب، من حديث حميد بن عبد اللَّه بن يزيد، مرفوعاً: ((الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت)) انتهى.
واختص أهل بيت النبوة بالحظ الأوفر، والنصيب الأجزل الأكبر، لما أهلهم له من حماية سوح الدين، ورعاية سرح اليقين، فحباهم من أنوار الهداية بأوضحها وأبهجها، واجتباهم لدلالة العباد إلى سوِيِّ منهجها، فلا طريق إلى الدين الصحيح تخالف عن طريقهم، ولا سبيل إلى النجاة إلا ركوب سفينتهم والتمسك بفريقهم، وكفاهم شرفاً، ما نالهم من دعوات جدهم المصطفى، نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيما رواه الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى ابن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل (ع): ((اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي، وعقب عقبي، وزرعي وزرع زرعي)).
وروى الإمام المنصور بالله في الشافي، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (ع) قال: سمعتُ جدي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((من أحبّ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتولّ علي بن أبي طالب، وذريته الطاهرين، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، من بعدي؛ فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)) وأخرجه الباوردي وابن شاهين وابن مطين عن زياد بن مطرف؛ قال برهان الدين في أسنى المطالب: /13

(1/13)


وأبو بكر بن مردويه .
وروى الإمام المرشد بالله (ع) أيضاً بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم اللَّه علمي وفهمي، وهم عترتي، خُلقوا من لحمي ودمي؛ إلى اللَّه أشكو من ظالمهم، والله لتقتلنهم أمتي، لاأنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي))، ورواه عنه أيضاً الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي.
ولفظ الخبر من رواية العامة ـ ما أخرجه الأسيوطي في الجامع الكبير: روى أبو نعيم في الحلية، والرافعي، عن ابن عباس: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علياً وليتول وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي؛ فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي)).
ورواه الكنجي والطبراني، عن ابن عباس، بلفظ: ((وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، صاحب إمام الأئمة الهادي إلى الحق، عن محمد بن علي (ع) بلفظ: ((والأخيار من ذريتي)).
ورواه أيضاً، عن عمران بن الحصين، بلفظ: ((فليحب علياً وذريته فإنهم لن يخرجوكم...)) إلخ.
[تخريج أحاديث في الاقتداء بالوصي وولده]
وفي معناه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده))، رواه الحاكم الحُسكان ي، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقوله: ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإسلام، ولياً من أهل بيتي موكلاً، يذب عنه، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على اللَّه))؛ رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في أماليه، بسنده إلى جعفر الصادق بن محمد الباقر، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) /14

(1/14)


قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: الخبر.
ورواه السيوطي، عن أبي نعيم في الحلية، وأبي نصر السجزي في الآباء، بلفظ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام وأهله ولياً صالحاً، يذب عنه ويتكلم بعلاماته)).
وغير ذلك في هذا المعنى وغيره جم غفير، وجمع كثير، والوامض اليسير، يدل على النوِّ المطير؛ ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، ذلك هو الفضل الكبير، فلم يزالوا يتلقونه خلفاً عن سلف، متصلاً ذلك المدد، إلى آخر الأمد، كما في أخبار الثقلين، وإن عند كل بدعة، والنجوم، وسواها مما هو معلوم.
قال الوصي في وصفهم: (بهم يدفع اللَّه عن حججه، حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم)، إلى آخر كلامه، عليه أزكى صلوات اللَّه وسلامه.
[كلام المؤلف في بيان الحامل له على التأليف]
وبعد، فيقول عبد اللَّه وابن عبديه، المفتقر إليه، المتكل في كل حال عليه، مجدالدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد اللَّه بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبداللَّه بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، رضي الله عنهم وشملهم بسابغ لطفه، وبالغ عطفه، وغفر لهم وللمؤمنين آمين: إنه الْتَمَسَ مني جماعة من بدور الدراية، ونجوم الهداية، الراغبين في أفضل الرغائب، والمقبلين على أجلّ المطالب، وأشرف المكاسب، الذي هو على الحقيقة حياة الدارين، وحيازة شرف الحظين.
وكل فضيلة ولها سناء .... وجدت العلم من هاتيك أسنا
فلا تعتد غير العلم كنزاً .... فإن العلم كنز ليس يفنى
وكفى بما أثنى العلي الأعلى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28]، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران] /15

(1/15)


وقد سبق لكثير ممن يسر اللَّه تعالى لي ولهم الاجتماع، والأخذ على الحقير والسماع، مختصر مفرد فيه تعيين مسموعاته، وإيصال الطرق إلى كتب الإجازات، وذكر السند مفصلاً إلى مؤلفات الإمام المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) وغيره من أئمتنا (ع) وعلمائنا ـ رضي الله عنهم ـ مع اشتمال الشافي على سند المجموع والأماليات الأربع؛ وغير ذلك من مؤلفات علماء أهل البيت (ع) وأتباعهم والعامة.
نعم، وعوّلوا علي أن أوصل سندهم بسندي، وأصحح لهم في طرق الرواية معتمدي، وأوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها، الموصلة ـ بفضل اللَّه تعالى ومنّه ـ كما أمر ـ جل وعلا ـ بإتيان البيوت من أبوابها، وأجيز لهم الرواية عني في جميع ما صحّت لي روايته بالطرق المعتبرة، التي هي عند ذوي العلم مُصَدَّرة، كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإبرام، استسمانا منهم ـ أيدهم اللَّه ـ للورَم، وتوسماً لرسوخ القدم، وأين نور السها، من إضاءة مصابيح السماء؛ إلا أن اللَّه ـ تعالى وله المن ـ مَنّ علينا بالاتصال بأعلام كرام، هم نجوم سماء الإسلام، وحرسة الكتاب وسنة سيد الأنام، اقتبستُ لمحة من ضياء أنوارهم، واغترفت غرفة من معين أنهارهم، مع ما وهب اللَّه ـ وله الحمد ـ تحدثاً بنعمته الربانية التي لاتجحد، وشكراً لمنته الإلهية التي لاتنفد، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه؛ ووقع لي السماع ـ بحمد اللَّه تعالى ـ في فنون العلوم من معقول ومسموع، وأصول وفروع، من الأصولين والحديث والتفسير، والآلة من نحو، وتصريف، ومعان، وبيان، وبديع، ومتون اللغة، ومنطق؛ وفي علم المعاملة، وفروع الفقه، والفرائض، والسير، وغير ذلك؛ وأجازوا لي في جميع طرقهم إجازات تامة الإفادة، أجازنا اللَّه تعالى وإياهم بالحسنى وزيادة، وضاعف لهم الأجور وجزاهم عن الإسلام والمسلمين الجزاء الموفور.
هذا، فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع؛ لما ورد في السنة والقرآن، من تحتم التبليغ والبيان، /16

(1/16)


والوعيد الشديد على الكتمان، وامتثالاً لأمثال قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة:2]، ولما شاهدت من تقاعد الهمم، وانحلال العزايم، وإنهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخُبْر والخَبَر.
وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، عن الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لاسيما في هذه الأعصار، حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة؛ فإنك قد ترى العالم المتصدر لايعرف كثيراً من أسماء أئمته، فضلاً عن تحقيق أحوالهم ومؤلفاتهم، فضلاً عن حفظ أسانيدهم ومروياتهم.
ولقد تصدى بعض من لاتحقيق لهم لرسم شيء من ذلك، فركبوا متن عمياء، وخبطوا خبط عشواء، وأتوا بما ينقضي عنده العجب، من التخاليط الواضحة، والأغاليط الفاضحة، في أقوال الأئمة والعلماء، وفي أسمائهم وأنسابهم، مع الإهمال للكثير الطيب، لاسيما من كان من أهل هذا القطر بشمال اليمن؛ فإنهم يعرضون عن أعلامهم، ويتركونهم كأنهم في منقطع الأرض، أو من خلف السد، مع أن عمدتهم النقل عن كتب المنحرفين عن العترة الزكية، المعرضين عن علومهم، المقبلين على طرائق خصومهم، ميلاً إلى الهوى وعدولاً عن السواء؛ ولكنه ينفق في سوق الرعاع، ولا يدرون أصابوا أم أخطأوا لعدم الاطلاع.
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا .... ببيت قديم شاع في كل مجلسِ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها .... كلاها وحتى سامها كل مفلسِ
والله المطلع أنا لانحب الكلام في مثل هذا، بل يسوءنا، ويثقل كل الثقل علينا، لولا وجوب النصح والبيان، والله المستعان، وعليه التكلان، وإليه ترجع الأمور.
نعم، فلعمر الله تعالى إن الإهتمام بهذا الشأن من الواجب الأهم، /17

(1/17)


واللازب الأعظم، كيف لا والدين بسوحهم متصل، والعلم إلى صرحهم متسلسل، ومودتهم واتِّباعهم مطوّقة بهما الرقاب، كما صرّحت به السنة الشريفة ونطق به الكتاب، والمودة واِلاتباع ممن لا يعرفهم تحيلهما الألباب.
وتحتم حينئذ صرف العناية، مع تبلبل البال، وتوفر الأشغال، بعد استخارة الله تعالى، واستمداد الإعانة منه جل وعلا، والتسديد والتوفيق، إلى أقوم طريق.
وترجح تقديم فصل مشتمل على المقصد الأعلى، والمطلب الأسنى، مما يلزم الطالب للحق عرفانه، ويتوجه على مبتغي النجاة تحقيقه وإتقانه؛ حتى يكون على بصيرة من ذلك في الدين، غير مرتبك في حبائل المقلدين، ولا مرتطم في ضلال المضلين، من الجاهلين والمعاندين؛ وستطلع ـ إن شاء الله ـ على بيانه، وتكرع ـ بفضل الله تعالى ـ من معين برهانه، وتعرف الحق بالدليل، وتقتفي ـ بتوفيق الله تعالى ـ أوضح سبيل، إن لم تكن ـ والعياذ بالله ـ ممن غطّى الرين على قلبه، وغشي الزيغ أنوار بصره ولبّه، وأخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلدهم فمالوا به من يمين إلى شمال، فكان من دين الله على أعظم زوال، كما ورد به الخبر، عن سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله خير آل؛ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون؛ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
وما أوجب التقديم لذلك، والاهتمام بما هنالك، إلا أنها كثرت في هذه الأعصار الضلالات، وانتشرت كل الانتشار الجهالات، وصار يدعي اتِّباع الحق والدليل، ويموه على الرعاع من الأتباع بالوقوف على منهاج السنة ورفض التقليد ليصدهم عن السبيل ـ من ليس من ذلك القبيل؛ بل هو رافض للحجج المنيرة، مفرق لعمى بصره بين ما جمع الله تعالى على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، من الكتاب والسنة والعترة المطهرة، واقف في حومة الدعوى، داع إلى تقليد أرباب الزيغ بمجرد الأهواء؛ ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولاهدى ولاكتاب منير، ثاني /18

(1/18)


عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق.
ووقعت شبههم هذه الباطلة، وتأثرت محالاتهم المضمحلة الماحلة، في قلوب كثير ممن لاثبوت لأفهامهم في مجال العلوم، ولارسوخ لأقدامهم في مقام المنطوق والمفهوم، ولا اطلاع لهم على الحقائق، ولاتمييز بالنظر الصحيح بين مخالف وموافق.
ومَنْ لا يتق الضحضاح زلّت .... به قدماه في البحر العميقِ
وصار الحال كما قال:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى .... فصادف قلباًفارغاً فتمكنا
وأكد هذا أن مؤلفات المخالفين منشورة، قد امتلأت بها جوانب المعمورة، وأسفار الهداة، من سفن النجاة، عن الانتشار محصورة ومهجورة؛ حتى صار الذين لا هوى لهم في مجانبة الحق، يطلعون على نقولات الباطل المختلق، ولايهتدون إلى أقوال أئمتهم، وردود أعلام ملّتهم، ويرون الروايات عن الرواة، فلا يفرقون بين معدّل ومجروح، ومقبول ومطروح، ولا يعرفون من هو في حزب المضلين الغواة، ومن هو في حزب المهتدين الهداة، مع سفن النجاة.
[تشنيع المؤلف على من شنَّع على العترة ونسب إليهم ترك الإسناد]
وإن من العجائب ـ وما عشتَ أراك الدهر عجباً ـ أن أناساً من رؤساء هؤلاء الفريق، صاروا يموهون على الأغمار، بأن العترة الأطهار (ع)، وأتباعهم الأبرار ـ رضي الله عنهم ـ، ينهون عن اتباع الدليل، ويأمرون بالتقليد، ويَسِمون من خالف آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ورفض الأدلة المعلومة من الكتاب والسنة، بالاجتهاد المطلق، والاتباع للحق.
ويا سبحان الله! ومن الذي دعا الخلق إلى الحق، واتباع الكتاب والسنة، وهدى العباد، وسن لهم الجهاد والاجتهاد، والأخذ ببرهان الأدلة، غير أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، قرناء التنزيل، وأمناء التأويل، ـ صلوات الله وسلامه عليهم؟! /19

(1/19)


[سبب تقليد غير العترة وتنزيه الأئمة الأربعة عن مخالفتهم]
وقد علم كل ذي علم أنها ما تأسست التقليدات، التي لأجلها نُصبت المقامات، في الحرم الشريف للمذاهب الأربعة، إلا بعناية الدول المضلة؛ لصد الناس، عن العترة المطهرة عن الأرجاس، المنزهة عن الأدناس؛ وهي من البدع المحدثة في الأديان، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد علم أولوا العلم أن هؤلاء الأئمة، الذين أضافوا إليهم المقامات، وأمروا الناس بتقليدهم، كانوا من أنصار أئمة العترة، القائمين بما أمرهم الله تعالى لهم من المودة والنصرة، وأقوالهم وأفعالهم معلومة؛ وحاشاهم عن رفض التمسك بالثقلين، وتنكّب سفينة النجاة، وترك المودة لمن أمرهم الله تعالى بمودته، وألزمهم بموالاته وطاعته، من أعلام أهل بيت نبيهم الهداة.
قال المحدث الكبير، يحيى بن أبي بكر العامري، في الرياض المستطابة: وقد ذكر ابن الجوزي وغيره أن الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع كل واحد منهم لإمام من أئمة أهل البيت؛ بايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وبايع مالك لأخيه محمد، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى. انتهى المراد.
ومتابعة أبي حنيفة للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) مشهورة.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء صفحة (242): وفي سنة (45) كان خروج محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: وآذى المنصورُ خلقاً من العلماء ممن خرج معهما، أو أمر بالخروج، قتلاً وضرباً وغير ذلك؛ منهم: أبو حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان.
وممن أفتى بجواز الخروج مع محمد، على المنصور، مالكُ بن أنس ـ رحمه الله ـ وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين.
وسيمر بك ـ إن شاء الله تعالى ـ في كتابنا هذا عند عروضه في محله ما تطلع عليه /20

(1/20)


[قصيدة ابن الوزير في المقامات]
ولله السيد الإمام، جمال الدين، الهادي بن إبراهيم الوزير ـ رضي الله عنهم ـ حيث يقول لما عاين المقامات:
خبرونا ما شأن هذي المقاما .... ت؟ وما جاءكم بها من شريعهْ؟
ما دليل الكتاب فيها؟ وما جا .... ءَت به سنة النبي الرفيعهْ؟
أم أقام الاجماع فيها دليلاً؟ .... فأرونا هذا وهذا جميعَهْ
قد صبرنا لكم على الجبر والأقـ .... ـوال تلك الملفقات الشنيعهْ
وعلمنا أن الدلائل منكم .... في أصول الهدى سراب بقيعهْ
غير أن الذي عجبنا له منـ .... ـكم وخالفتموا علوم الشريعهْ
هذه البدعة التي في المقاما .... ت وتضييقها الطريق الوسيعه
قلتمُ: لامقام فيها لزيد .... ولأتباعه هداة وشيعه
ما دليل اختصاصكم بالمقاما .... ت وإيذائكم لنا بالوقيعه؟
خبّرونا دليلكم أيها القو .... م فأذن الإنصات منا سميعهْ
كيف كانت صلاة أصحاب بدر .... قبل ما تعمرون للزيغ ريعهْ
وما أرادوا إلا سلب الأمر عن أولي الأمر، وطمس الذكر لأولي الذكر، فخاب ما راموا وظهر أمر الله وهم كارهون؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
هذا، فكيف ينسب المبتدعون ذلك إلى ورثة الكتاب والسنة، وكلُّ إمام منهم(ع)، يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كلَّ من بلغته الدعوة، ومؤلفاتهم مشحونة بالأدلة، على وجوب اتباع الأدلة؟! ولكن لابد لكل مبتدع من دعوى (كلمة حق يراد بها باطل) أو تلفيق شبهة زيغ يُستَهوى بها الجاهل الغافل، وهذا هو لبس الحق بالباطل، الذي /21

(1/21)


ينهى عنه الملك العادل، بأمثال قوله عز وجل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].
ولهذا تعين البيان، بحسب الإمكان؛ لما أخذ الله تعالى من الميثاق في منزل الفرقان، وسنة سيد ولد عدنان؛ ولسنا ـ والحمد لله ـ نستنكر من غلبة الباطل وكثرة أهله، ولانستوحش لانقباض الحق وقلة حزبه، فإن سنة الله ـ عز وجل ـ في عباده، وعادته المستمرة في بلاده، التخليةُ بين خلقه في هذه الدار؛ ليتمكن الجميع من الاختيار، وقد أخّر الجزاء لدر القرار.
[إشارة إلى انزواء الدنيا عن الخلاصة المصطفاة]
واقتضت حكمته الربانية قبض الدنيا عن خاصة أوليائه، وانزواءها عن خلاصة أصفيائه؛ ليكون الاتباع لخالص الدين، والطاعة لمحض اليقين.
وعلى كل حال فحزبه المنصورون وإن قُهروا، وجنده الغالبون وإن غلبوا، كما قصه ـ عز وجل ـ في الكتاب المبين: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)} [الأعراف].
وقد قال عمار، الذي يدور مع الحق حيثما دار ـ رضوان الله عليه ـ لما أُخّر عن المقام الذي اختاره الله تعالى له ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامُه وإمام الأبرار:
يا ناعي الإسلام قُمْ فانعه .... قد مات عرفٌ وبدا منكر
ما لقريش لا علا كعبها .... من قدّموا اليوم ومن أخروا
وذلك في صدر الإسلام، فكيف بمثل هذه الأيام، التي هي من أعلام النبوة، بتصديق مواعيد الله على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، من اغتراب الإسلام، وتغيير الأعلام، واقتراب ظهور دينه الحنيف، وتجديد شرعه الشريف، بقيام خاتم الأئمة، ومقيم الحجة من أهل بيت نبيه، مهدي هذه الأمة، كاشف الظلمة، ومفرج الغمة؛ فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر /22

(1/22)


من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا، واعلم أني قد استغنيت عن الإشارة إلى أحوال من تتصل بهم هذه الأسانيد المباركة، ممن قد تيسر ـ بمن الله تعالى ـ لنا في التحف الفاطمية، شرح الزلف الإمامية ـ نفع الله تعالى بها ـ ذكرُهم.
أما الأئمة الكرام (ع)، فقد جَمَعتْهم بفضل الله تعالى على التمام، واشتملت على أنسابهم على التحقيق، وجوامع مؤلفاتهم وكراماتهم، ولمع من أخبارهم، وأول درجة من أولادهم، وتعيين المجددين، والإشارة إلى ما ورد فيهم عن جدهم سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وعلى الأعيان من علماء أهل البيت وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ إلى العصر، وسوى ذلك مما فتح الله تعالى به، على اختصارها، وقرب انتوالها؛ فيرجع إليها ـ إن شاء الله ـ ففيها كفاية وافية.
وما أشرتُ إليه من أحوال الرجال فهو علامة أنه لم يكن هنالك، أو على وجه يكون أكمل من ذلك.
[حث النساخ على التصحيح]
وإني أوصي وآخذ على كل من نقل كتاب التحف وهذ المؤلف ـ إن شاء الله تعالى ـ وغيرهما أن يتحرى في التصحيح والمقابلة؛ فقد أبلغت الوسع في طلب الصحة، ولم أرسم شيئاً ـ بحمد الله تعالى ـ إلا على ثقة وتحقيق، ووقوف على الأصول المأمونة المصونة.
ولقد عاب كثيراً من كتب الأصحاب ما اعتراها من الغلط وتغيير أهل النسخ، حتى كثر التحريف في الإعراب، والتصحيف للكلمات؛ والألفاظ قوالب المعاني.
وتقاعد المتأخرون عن البحث والتصحيح، حتى صار بعضها لايُنتفع به ولا يمكن الوقوف فيه على أصل صحيح؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقد أكدت التوصية بهذا؛ لتتم الإفادة المقصودة إن شاء الله تعالى.
[إشارة إلى أمهات هذا الكتاب]
نعم، وقد تيسرت لنا ـ بحمد الله تعالى ـ أرفع الطرقات العالية، وأعمها /23

(1/23)


نفعاً، وأعظمها جمعاً.
وتحصلت لدينا ـ بفضل الله تعالى ـ جوامع الكتب المرجوع إليها في هذا الشأن، كأماليات أئمتنا والشافي للإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والفلك الدوار المسمى علوم الحديث، للسيد الإمام حافظ اليمن، وعالم بني الحسن، إبراهيم بن محمد الوزير، وطبقات الزيدية للسيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن القاسم بن الإمام المؤيد بالله (ع)، وغيرها من مؤلفات أئمتنا وأشياعهم، ومؤلفات العامة؛ وما آخذ من مؤلف فسيضاف إليه، كما هي الطريق المرضيّة والمنهج القويم.
[التقريع على منتحل ثمرة جهود غيره من أرباب العلم]
لاكما يصنع كثير من الماسخين المنتهبين؛ فلعمري، إنه عمل غير محمود، ومذهب ذميم، وما يُؤْمِنُ صاحبَه من الولوج في زمرة الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا؛ والمتشبع بما ليس فيه؟!.
وما عليه من نسبة الكلام إلى من هو له، وإضافة القول لمن حصّله؟
وأي نقص في ذلك عليه، وأي لوم يتوجه إليه؟
ولو لم يكن في الإضافة إلى صاحب الكلام، إلا أنه الحق الصريح، وأن فيه تيسير البحث للباحث وتمكين المطلع من التصحيح، وغير ذلك مما لا يعزب على ذوي النظر الصحيح؛ ولا يغتر ناظر بما قيل: إنه أمر يرتاح له اللبيب، وللأرض من كأس الكرام نصيب؛ فإنما هو تسلية للمأخوذ منه لا الآخذ فهو غير مصيب.
ولا شك أن ذلك الصنيع بعيد عن المقصد الصالح، والمنهج الراجح؛ عصمنا الله تعالى عن الزلل، ووفقنا لرضاه وتقواه في كل قول وعمل.
نعم، وكذلك تحصّلت كتب الأسانيد، كإجازات القاضي العلامة، حواري آل محمد (ع) أحمد بن سعد الدين المسوري - رضي الله عنهما - المشتملة على طرقات أئمتنا (ع) وإجازاتهم، وعلماء شيعتهم وغيرهم، خلفاً عن سلف؛ وهي حافلة، بغالب مؤلفات من سبقه كافلة؛ إلا أنه ـ رضي الله عنه ـ كانت همته الجمع لما وقف عليه من الإجازات والتقييد، فجاءت غير مرتبة ولامهذبة ولا خالية عن التكرير والترديد؛ بل الإجازات فيها موضوعة بألفاظ المؤلفين من غير بيان في الأغلب لاتصال الأسانيد؛ حتى أن كثيراً فيها ليس إليه طريق للمستفيد /24

(1/24)


وكبلوغ الأماني، للقاضي العلامة الولي، محمد بن أحمد بن يحيى بن جار الله مشحم ـ رضي الله عنهم ـ، وهي نعم المجموع في مؤلفات علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ خاصة، من طريق شيخه صاحب الطبقات خاصة، وطريقه أيضاً التحصيل لطرقه إلى الكتاب على أي صفة.
وثمة طرق إلى من تتصل بهم الأسانيد، كالإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والإمام يحيى شرف الدين (ع) هي أجمع وأرفع مما ذكره، كما يطلع على ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد أفاد القاضيان وأجادا، وخدما علوم آل محمد (ع)، ـ رضي الله عنهما ـ وجزاهما عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
وتيسرت ـ بحمد الله ـ كثير من أصول هذين المجموعين، ومما اختصر منهما، كالذي جمعه القاضي العلامة النحرير، حافظ العصر الأخير، شيخ الإسلام، محب آل النبي، عبدالله بن علي بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ ولم يكمل شيء من مجموعاته، بل يشرع فيه وينقطع في أثنائه، إلا الإحازة في طرق الإجازة فإنه أتمها، ولكنها مختصرة جداً؛ وقد جَمَعتْ الكثير الطيب من طرقاتهم الجامعة النافعة وكأنها على عجالة؛ ومسوداته التي بخط يده حاصلة لديّ.
وغير ذلك من محررات أئمتنا وأعلام ملتنا، أغلبها بأقلامهم الشريفة.
[إشارة إلى ما تضمنه هذا المؤلف]
فهذا المجموع المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً، في هذا الباب وغيره، سوى ما من الله تعالى بجمعه، وتحصيل نفعه، مما لم يكن مزبوراً في كتاب؛ وليس مختصاً بجمع الأسانيد، فإنما هي مقصد من المقاصد، وفائدة من الفوائد، بل يتضمن ـ إن شاء الله تعالى ـ فوائد وفرائد، من أنواع الفنون، تقرّ بها العيون، ويرتاح لها الراغبون، وتحقق لهم ـ إن شاء الله تعالى ـ ما يرجون؛ ولكنه لايجل نفعها، ويعظم وقعها، إلا عند ذوي الاختبار، المليين بالإيراد والإصدار، والقصد ـ بفضل الله تعالى ـ التقرب إليه ـ عز وجل ـ بتقريب الفائدة للطالبين، وتحصيل الثمرة العائدة على الراغبين؛ سائلاً لمن وقف عليه /25

(1/25)


من إخواني المؤمنين، والعلماء العاملين، صالح الدعوات المباركات، في المحيا والممات؛ لاسيما بالسداد والثبات، والعفو والمغفرة من رب البريات.
وأنا أسأل الله تعالى بحق جلاله أن يصلي ويسلم على ملائكته المقربين، وأنبيائه الأكرمين، الذين صفوتهم سيد المرسلين وآل محمد الطاهرين، وأن يكافئ عني من أنالني بأفضل المكافاة، ويحسن من فضله وكرمه له في الدارين المجازاة، ويرزقنا جميعاً المرافقة لأوليائه في المقام الأمين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، آمين؛ وأن ينفع به، ويجعله من الأعمال المقبولة، والآثار المكتوبة، إنه قريب مجيب.
وقد وسمته بلوامع الأنوار؛ في جوامع العلوم والآثار، المتضمن للبلاغ المبين، ببراهين اليقين.
وسيكون ـ إن شاء الله تعالى ـ جامعاً نافعاً، شاملاً لِلُباب ما حفلت به الأبواب، مع المبالغة عند الانتهاء إلى الطرقات، في انتقاء أصحّها وأرجحها، وأجمعها وأنفعها، والاقتصار على مالا غنى عنه من المختار، والإيراد لبحث نافع، مما يوفق الله تعالى له من المؤلفات بعد تمام الإسناد، كما هي طريقة الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، عند ذكره لطرق كتب العترة (ع)؛ إلا أني آتي بأبسط مما صنعه الإمام؛ لكونه لم يذكر ذلك إلا عارضاً على سبيل الإلمام، وقد أفعم كتابه بما عمّ نفعه جميع الأنام، وأشاد قواعد الإسلام، فعلى روحه الزكية أزكى السلام؛ سالكاً في جميع ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ للنمط الوسيط، المجانب لجانبي الإفراط والتفريط، وهو المسلك القويم، كما قال:
عليك بأوساط الأمور فإنها .... سبيل إلى نيل المراد قويم
ولا تك إما مفرطاً أو مفرّطاً .... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ويتحصل المقصود ـ إن شاء الله تعالى ـ في فصول عشرة، والحادي عشر في الرجال ـ وهو مستقل ـ، تتمايز بها مباحث المقاصد، ويكون التحويل عليها في /26

(1/26)


المصادر والموارد، وبالله عز وجل الاستعانة، ومنه استمداد العصمة، والتوفيق والهداية، في البداية والنهاية، والحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه.
اللهم صل على محمد وآله، وأتمم علينا نعمتك في الدارين، واكتب لنا رحمتك التي تكتبها لعبادك المتقين؛ اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، واجعلنا هداة مهتدين؛ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم؛ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين /27

(1/27)


الفصل الأول [الاستدلال على تحريم الافتراق في الدين]
اعلم ـ أيدنا الله وإياك بتأييده، وأمدنا بمواد لطفه وتسديده ـ أن من أقدم ما يتحتم، وأهم ما يتعين، على الناظر في كتاب ربه وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ذوي الألباب، عرفانُ الحق والمحقين، المشار إليهما بقوله عز وجل: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة]، لما يتوقف عليه من رواية السنة الشريفة وتفسير الكتاب؛ ولتوليهم واتباع سبيلهم، المأخوذين على كافة المكلفين، بقواطع الأدلة وإجماع جميع المختلفين.
ومن المعلوم: أن الله تعالى أمر عباده بسلوك دين قويم، وصراط مستقيم، ونهاهم عن اِلافتراق في الدين، واتباع أهواء المضلين؛ قال جل جلاله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى:13]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]، في آيات بينات، وأخبار نيرات.
وما كان العليم الحكيم سبحانه، /31

(1/31)


ليأمرهم وينهاهم إلا بما يستطيعون، وله يطيقون، بعد إبانة الدليل، وإيضاح السبيل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة:286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا } [الطلاق:7]، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)} [طه]، {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة]، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال].
وقد قص الله على هذه الأمة أنباء الأمم السابقة، والقرون السالفة، وما كان سبب هلاكهم، من الإختلاف في الدين، وعدم الائتلاف على ما جاءتهم به أنبياؤهم من الحق المبين؛ قال عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام:159]، في آي منيرة، ودلائل كثيرة.
ورَفْعُ الجناح للمتأول بالخطأ، مَحَلُّه فيما شأنه أن يخفى، مما لم يقم عليه بيان قاطع، ولابرهان ساطع، وإلا امتنع الحكم بالضلال؛ للاحتمال لكل مدع لشبهة، من أهل الكتابين وسائر الملل الكفرية، وارتفع القطع بالهلاك لأي مخالف يجوَّز ذلك في حقه من البرية، مالم يقروا بالعناد، وذلك أقل قليل من العباد؛ وهذا عدوّ الله إبليس تشبث بالشبهة وهو رأس الإلحاد، ولم يعذر الله تعالى من /32

(1/32)


حكى عنهم ظن الإصابة واِلاعتقاد، نحو قوله عز وجل: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)} [المجادلة]، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف]، وما ورد من أوصاف المارقين من الدين.
ولانسدت الطريق، إلى معاملة كل فريق، ولبطلت الأحكام، من الجهاد والمعاداة وغيرها؛ وهذا خلاف المعلوم الضروري من دين الإسلام، وقد أمر الله بالمقاتلة والمباينة لغير المعاهدين، من الكافرين والباغين، ولم يستثن ذا شبهة وتأويل، بل جعل المناط مخالفة الدليل؛ ولايمكن الفرق قطعاً بين من عذره الله تعالى ورفع عنه الجناح، ومن لم يعذره وأوقع عليه اسم الكفر أو البغي ونحو ذلك، مما يفيد المؤاخذة باتضاح، إلا بأحد أربعة أمور:
1. إما أن يكون الخلاف في ضروري.
2. وإما أن يصرح كما قدّمنا بالعناد، وعدم النظر.
3. أو يرد فيه نص بخصوصه.
4. أو يكون المناط المخالفة للمعلوم المكلف به ضرورياً كان أو استدلالياً جلياً.
والأول والثاني غير موجودين قطعاً في كثير من أهل الكتابين، وأهل الملل وغيرهم، وقد علم قطعاً جري الأحكام عليهم جميعاً، من كان منهم في عصر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وبعده.
والثالث ممتنع بعد ارتفاع الوحي؛ وأيضاً على هذا أنه لايحكم إلا على من ورد فيهم النص بأعيانهم، أو قاتلهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذلك؛ وأما غيرهم ـ وإن كانوا على /33

(1/33)


ما هم عليه من الملة ـ فلا؛ لاحتمال أن يكونوا مخطئين متأولين قد بذلوا الجهد، فليسوا بمؤاخذين؛ وهو خلاف ما قضت به الآيات القرآنية، ونطقت به السنة النبوية، وأجمعت عليه الأمة المحمدية، من معاملة كل فرد من كل طائفة من أهل الكتابين، وسائر الملل الكفرية بمعاملتهم، من غير فرق بين ناظر ومعاند، ومقرّ وجاحد.
ولم يبق إلا الرابع؛ واشترك فيه كل مخالف؛ وسواء قُدّر أنه عاند أو قصر؛ لمخالفة المعلوم، الذي كلف العلم به، ضرورياً كان أو استدلالياً جلياً، مع التمكن من النظر، وإن اختلف حكم المخالفة، وتفاوتت الدرج، إلى مُخْرج عن الملة وغير مُخْرج، حسبما يقتضيه الدليل.
وبهذا وغيره من الأدلة القاطعة مما لايسعه المقام يتبين أنه غير معذور، وأن المطابقة للحق ممكنة؛ إذْ لايكلف الحكيم ماليس بمقدور؛ والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
هذا، وقد علم ماعمت به البلوى من الافتراق، وقامت به سوق الفتنة في هذه الأمة على ساق، وصار كل فريق يدعي النجاة لفريقه، والهلكة على من عدل عن منهاجه وطريقه، وأن حزبه أولوا الطاعة، وأولى الناس بالسنة والجماعة؛ كما قال ذو الجلال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} [المؤمنون] /34

(1/34)


والدعاوي إن لم تقيموا عليها .... بيّناتٍ أبناؤها أدعياءُ
[السبيل الوحيد لطالب النجاة]
وسبيل طالب النجاة، المتحري لتقديم مراد الله، وإيثار رضاه، الاعتماد على حجج الله، وتحكيم كتاب ربه تعالى، وسنة نبيه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، واطراح الهوى والتقليد، اللذين ذمهما الله في الكتاب المجيد، وتوخي محجة الإنصاف، وتجنب سبل الغي والإعتساف، غير مكترث في جانب الباطل لكثرة، ولا مستوحش عن طريق الحق لقلة؛ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله؛ إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلايخرصون.
وقد قرع سمعك ـ أيها الناظر، وفقنا الله وإياك ـ مانعى الله تعالى على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وماذاك إلا اتباعهم لهم، وطاعتهم إياهم، كما فسر ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعدي بن حاتم - رضي الله عنه -: ((فتلك عبادتهم)).
وسمعت ما حكى من تبري بعضهم عن بعض، ولعن بعضهم لبعض، وتقطع الأسباب، عند رؤية العذاب ـ أعاذنا الله تعالى منه، وأنالنا بفضله وكرمه الزلفى وحسن المآب ـ والله جل جلاله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135].
ومن المعلوم أنه متى كان النظر من أهله، فيما يحتاج الناظر فيه إلى النظر على هذه الطريقة، معتصماً في كل مقام بهذه الوثيقة، تتنوّر بصائر صاحبه ببراهين اليقين، وتنكشف عنه رِيَبُ المرتابين. /35

(1/35)


والذين اهتدوا زادهم هدى؛ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً؛ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا؛ وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حَيي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
[وجوب التمسك بالثقلين]
وقد أقام الله ـ جل جلاله ـ حججه على هذه الأمة، كما أقامها على الأمم؛ فكان مما أوجب عليهم وحتم، وأمرهم به وألزم، وافترضه عليهم وحكم، في محكم كتابه الأكبر، وعلى لسان رسوله سيّد البشر - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ المأخوذ ميثاقه في منزلات السور، الاعتصام ُ بحبله، والاستمساك بعترة نبيه وآل رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الهادين إلى سبيله، الحاملين لتنزيله، الحافظين لقيله، العاملين بمحكمه وتأويله، ومجمله وتفصيله، الذين سيدهم، ومقدمهم وإمامهم، ولي المؤمنين، ومولى المسلمين، سيد الأوصياء، وإمام الأولياء، وأخو خاتم الأنبياء، - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.
وقد أعلا الله شأنهم، وأعلن برهانهم، بما شهد به كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما أجمعت عليه الأمة على اختلاف أهوائها، وافتراق آرائها، فخُرِّجَ في جميع دواوين الإسلام، وعلم به الخاص والعام، ولزمت به الحجة جميع الأنام؛ امتلأت به الأسفار، واشتهر اشتهار الشمس رابعة النهار، فلا يستطاع دفعه برد ولاإنكار؛ وسيمر بك في كتابنا هذا ـ إن شاء الله تعالى ـ على سبيل الاختصار، ما فيه تذكرة لأولي الأبصار، وبلاغ لذوي الاعتبار، والوارد فيهم عن الله ـ سبحانه ـ وعلى لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على أعظم البيان، وأبلغ البرهان. /36

(1/36)


وأعظمه وأبلغه مالإمام المتقين، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ وهو مالا يُستطاع حصره، ولايُطاق إحصاؤه وذكره، فما زال إمام المرسلين، وخاتم النبيين - صلوات الله عليهم وسلامه - يبين للأمة مقامه في كل مقام، ويقرر لهم حجته عند الله وعند رسوله من ابتداء الدعوة النبوية إلى آخر الأيام؛ فأما المقامات العظام، التي خطب بها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لإبلاغ الحجة أهل الإسلام، فإن أكثرها من أعلام نبوة سيد الأنام، ومعجزاته المخبرة بالغيوب على مرور الأعوام.
[تواتر خبر الموالاة وهو خبر الغدير ومخرجوه]
كالمقام الشهير، الذي قام به الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم الغدير، في ذلك الجم الغفير، والجمع الكثير؛ لتأكيد حُجته، عام حَجته، ووداعه لأمته، موصياً لهم بالثقلين، مستخلفاً عليهم الخليفتين، مبيناً لهم اقتراب إجابته لداعي الله، وتلبيته لوعد الله، مقرراً لهم بحجة الله، قائلاً لهم: ((أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: بلى يارسول الله.
فقال: ((اللهم اشهد)) ثم قال: ((اللهم اشهد)).
ثم قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)).
وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3]، وستأتي الطرق في ذلك.
ولا ينافي هذا مارواه بعضهم ـ أي العامة ـ من نزول الآية في يوم عرفة، فالجمع ممكن مع الصحة، بتكرر النزول كما نصوا على ذلك في غيرها من الآي، كآية التطهير؛ ذكره الطبري وغيره.
قال إمام اليمن، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم أزكى التحيات والتسليم ـ في الأحكام: وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خمّ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]؛ وساق الخبر بتمامه /37

(1/37)


وخبر الموالاة معلوم من ضرورة الدين، متواتر عند علماء المسلمين، فمنكره من الجاحدين.
أما آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فلا كلام في إجماعهم عليه.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ع)، في الشافي: هذا حديث الغدير ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار الصلوات الخمس.
ومن كلامه (ع): ورفع الحديث مفرعاً إلى مائة من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منهم العشرة، ومتن الحديث فيها واحد، ومعناه واحد، وفيه زيادات نافعة، في أول الحديث وآخره، وسلك فيه اثنتي عشرة طريقاً ـ يعني بهذا صاحب المناقب ـ.
قال الإمام (ع): بعضها يؤدي إلى غير ما أدى إليه صاحبه من أسماء الرجال، المتصلين بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد ذكر محمد بن جرير صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية.
وذكر أبو العباس، أحمد بن محمد بن عقدة، خبر يوم الغدير، وأفرد له كتاباً، وطرقه من مائة وخمس طرق؛ ولاشك في بلوغه حد التواتر، ولم نعلم خلافاً ممن يُعتد به من الأمة،.....إلى آخر كلامه (ع).
وكلام أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ في هذا المقام الشريف وغيره معلوم، في جميع مؤلفاتهم في هذا الشأن.
وقد رواه السيد الإمام، الحسين بن الإمام (ع) في الهداية، عن ثمانية وثلاثين صحابياً بأسمائهم، غير الجملة؛ كلها من غير طرق أهل البيت (ع).
وقال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: إن خبر الغدير يروى بمائة وثلاث وخمسين طريقاً. انتهى.
وأما غيرهم، فقد أجمع على تواتره حفاظ جميع الطوائف، وقامت به وبأمثاله حجة الله على كل موالف ومخالف؛ وقد قال الذهبي: بهرتني طرقه، فقطعت بوقوعه. انتهى.
وعده السيوطي في الأحاديث المتواترة.
وقال الغزالي في كتابه سر العالمين: لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير، على خطبة يوم الغدير؛ وذكر الحديث.
واعترف ابن حجر في صواعقه، أنه رواه ثلاثون صحابياً.
وذكره ابن/38

(/)


حجر العسقلاني في تخريجه أحاديث الكشاف، عن سبعة وعشرين صحابياً.
ثم قال: وآخرون؛ كل منهم يذكر أسماء أفرادهم، غير الجملة مثل: اثني عشر، ثلاثة عشر، جمع من الصحابة، ثلاثين رجلاً.
وقال المقبلي فيه في أبحاثه: فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم. انتهى.
ولو استوفيت من صرح من العلماء بتواتره، لطال المقام.
وعلى الجملة إن خبر الغدير ومقدماته وما ورد على نهجه مما يفيد الولاية في ذلك المقام وغيره، لاتحيط به الأسفار، ولا تستوعبه المؤلفات الكبار؛ وقد ألفت علماء الإسلام في ذلك الباب مؤلفات جامعة؛ ومن أعمها جمعاً، وأعظمها نفعاً، من المؤلفات الحافلة بروايات آل محمد (ع) وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ ومخالفيهم ـ تولى الله مكافأتهم ـ: كتبُ الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، كالشافي، والرسالة النافعة، والناصحة؛ والأنوار للإمام الأوحد الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد، وينابيع النصيحة لأخيه الحافظ الأمير الناطق بالحق الحسين بن محمد، واعتصام الإمام الأجل، المنصور بالله عز وجل، القاسم بن محمد؛ وشرح الغاية، لولده إمام التحقيق، ونبراس التدقيق، الحسين بن الإمام؛ ودلائل السبل الأربعة، لحفيده جمال آل محمد، علي بن عبدالله بن القاسم؛ وتفريج الكروب، لإسحاق بن يوسف بن المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم؛ وتخريج الشافي، لعلامة العصر الأوحد، نجم آل محمد، الحسن بن الحسين الحوثي ـ نفع الله تعالى بعلومه ورضي عنه ـ وغيرها من مؤلفات السابقين واللاحقين، من الآل (ع) وغيرهم؛ فهي واسعة العدد، طافحة المدد؛ وقد جمعت هذه المؤلفات ـ بحمد الله ـ فأوعت، وعمّت فأغنت؛ ونتبرك بذكر شيء من الكلمات النبوية، صلوات الله وسلامه على صاحبها وعلى آله.
فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: قد تقدمت رواية إمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، في /39

(1/39)


الأحكام (ع).
وفي تفسير آل محمد من جوابات نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم ـ صلوات الله عليهم ـ: وسألت عن قول النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، ((ومن كنتُ وليّه فعلي وليّه))...إلخ كلامه؛ وذكر الرواية في أن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3]،...الآية، نزلت في حجة الوداع؛ قال ـ أي نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليهم الصلاة والتسليم ـ: والحج آخر مانزلت فريضته.انتهى.
وأخرج الإمام المؤيد بالله (ع) في أماليه، بسنده إلى كامل أهل البيت، عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم غدير خم: ((أليس الله عز وجل يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ }؟[الأحزاب:6])).
قالوا: بلى، يارسول الله.
فأخذ بيد علي (ع) فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره)).
فأتاه الناس يهنئونه، فقالوا: هنيئاً لك ياابن أبي طالب؛ أمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأخرج فيها ـ أيضاً ـ من طريق الإمام الناصر للحق، الحسن بن علي ووالده علي بن الحسن، مسنداً إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: قيل لجعفر بن محمد: ما أراد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقوله يوم غدير خم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))؟
فاستوى جعفر بن محمد قاعداً، ثم قال: سئل عنها - والله - رسول الله - صلى /40

(1/40)


الله عليه وآله وسلم - فقال: ((الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لاأمر لهم معي؛ ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه)).
وأخرج فيها ـ أيضاً ـ حديث المناشدة، بسنده إلى عامر بن واثلة، وفيه: هل فيكم من أحد نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للناس ولكم يوم غدير خم فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) غيري؟
قالوا: اللهم لا..إلخ.
[الرواة لنزول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }...الآية]
وأخرج صاحب جامع آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فيه، عن الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) مالفظه: ثم دلّ على أن الإمام أمير المؤمنين وسيدهم، علي بن أبي طالب؛ فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]، فلما نزل جبريل بهذه الآية، وأمر أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم.
[خطبة الغدير]
إلى قوله: وذلك في آخر عمره حين رجع من حجة الوداع، متوجهاً إلى المدينة، ونادى ((الصلاة جامعة)) ولم يقل: ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً يؤكد عليهم الطاعة ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة ما أوجب لنفسه، وجعل عدوه عدوه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعدائه؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الولاية والنصرة؛ فمن تولاه /41

(1/41)


وأطاعه فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله.
إلى قوله: ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
وذكر فيه رواية خبر الغدير والمنزلة وغيرهما، عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ النقل عن الجامع في محله بما هو أبسط من هذا.
وروى الإمام الحسن بن محمد (ع) في الأنوار، عن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ع) مالفظه: وأنزل الله ـ عز وجل ـ على هدايته وصحة ولاية أخيه من السماء، وأمره أن يبلغ ذلك، فقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } أي بلغ الولاية بعد الرسالة، {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
إلى قوله: فقام ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بغدير خم، ونصبه مكان نفسه.
إلى قوله: وقال لأصحابه: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قالوا: اللهم نعم .
ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت نبيه فعلي أميره، ومن كنت أولى بنفسه من نفسه فهذا أولى بنفسه من نفسه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
وأمر أصحابه أن يبلغ الشاهد الغائب؛ فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3].
إلى قوله: فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة والولاية لعلي بن أبي طالب)).
ولم يؤكد موسى (ع) على قومه أكثر من هذا في خلافة هارون (ع) إنما كانت خلافته كلمة (اخلفني في قومي).
إلى قوله: ورسول /42

(1/42)


الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وكّد على قومه في خلافة علي (ع) ماوكّد بغدير خم.
إلخ كلامه (ع).
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67]..إلخ: أنزلت في علي؛ أمر رسول الله أن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيد علي فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وروى عن جعفر (ع) قال: لما نزل جبريل بالولاية على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ضاق بذلك ذرعاً؛ فنزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ }...إلخ.
وروى بإسناده عن الإمام زيد بن علي (ع) نحوه.
وروى بإسناده عن أبي جعفر (ع): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]، قال: نزلت حين أقام النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً يوم غدير خم، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وروى بسنده إلى أبي سعيد، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لما دعا الناس بغدير خم...إلى قوله: فلم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]،...إلخ؛ فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي)).
وروى مثل ذلك إمامُ الشيعة، محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ عن أبي سعيد الخدري، بلفظ: ((ورضى الرب بولايتي وبالولاية لعلي من بعدي))، ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) رواه عنه في المناقب من طريقين.
ورواه الحاكم الحسكاني، عن أبي سعيد الخدري من طريقين.
وروى الحاكم بإسناده عن /43

(1/43)


ابن عباس عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال لعلي: ((نزلت الآية في ذكري وذكرك)) من طريقين.
وروى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي هريرة - وساق الخبر - قال: فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]، الآية ـ وزاد ذكر فضيلة اليوم ـ.
وروى فرات بن إبراهيم بن محمد الكوفي، بإسناده إلى حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت والله جالساً بين يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد نزل بغدير خم، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقال: ((أيها الناس؛ إن الله أمرني بأمر، فقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67])).
ثم نادى علياً فأقامه عن يمينه، ثم قال: ((ياأيها الناس، ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))؛ رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل.
وروى نزول قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67] في ذلك، في الشواهد، عن أبي جعفر الباقر (ع) وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - من ثلاث طرق، وعن جابر بن عبدالله، وعن عبدالله بن أبي أوفى، وعن أبي سعيد، وعن أبي هريرة.
وروى ذلك الحلي في كتاب العمدة، عن ابن عباس، وعن أبي جعفر الباقر (ع).
ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ } الآية قال: قال أبو جعفر محمد بن علي (ع): معناه بلغ ماأنزل إليك من ربك في فضل علي /44

(1/44)


بن أبي طالب (ع).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى أبي جعفر (ع).
قلت: والموقوف في مثل هذا له حكم المرفوع، كما لايخفى.
وقد روى نزول قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67] الآية، في الأمر لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بتبليغ ولاية أمير المؤمنينَ الجمُّ الغفير من آل محمد (ع) وشيعتهم والعامة؛ منهم: الإمام الأعظم أبو الحسين زيد بن علي، وأخوه أبو جعفر الباقر محمد بن علي، وولده أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق، وحفيده الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا، والإمام نجم آل الرسول أبو محمد القاسم بن إبراهيم، وحفيده الإمام الهادي إلى الحق أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام أبو الفتح الديلمي، والإمام المتوكل على الرحمن أبو الحسن أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة، والإمام الأوحد المنصور بالله أبو علي الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وأبو الحسين أحمد بن موسى الطبري في كتاب المنير ، ومحمد بن سليمان الكوفي ـ صاحبا إمام اليمن (ع) ـ والحاكم الجشمي في التنبيه؛ قال: والمروي عن جماعة أنها نزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [المائدة:67]، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خطيباً بغدير خم.
إلى قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم نعم.
فقال: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
ثم ساق تهنئة عمر وأبيات حسان /45

(1/45)


والحاكم الحسكاني في الشواهد، والواحدي في أسباب النزول، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، والبطريق الحلي في عمدته، والطوسي في تفسيره، والرازي في مفاتيح الغيب، وغيرهم؛ ورفعت إلى من سبق ذكرهم من الصحابة وغيرهم.
وقد روى خبر الموالاة بلفظ: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) من العامة خصوصاً ـ أحمدُ بن محم د بن حنبل، والطبراني، وسعيد بن منصور عن علي (ع) وزيد بن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة وعن أبي أيوب وجمع من الصحابة، والحاكمُ في المستدرك عن علي (ع) وطلحة؛ وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد بن أبي وقاص، والخطيب عن أنس بن مالك، والطبراني عن ابن عمر، وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب، وعن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة، والطبراني عن عمرو بن مرة وزيد بن أرقم بزيادة ((وانصر من نصره وأعن من أعانه)) تطابق على هذا اللفظ هؤلاء الرواة؛ دع عنك من سواهم وماسواه.
واعلم أن هذا الخبر الشريف صدر في مقامات عديدة، وأوقات كثيرة، وأعظمها يوم الغدير؛ فإنه حضره ألوف، كما رواه الحاكم الجشمي عن جابر بن عبدالله بلفظ: قال جابر: وكنا اثني عشر ألف رجل. انتهى.
[الكلام الأكمل في خطبة الغدير]
ومن أكمل الروايات للخطبة النبوية: مارواه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، ورواه غيره من علماء العترة والأمة بأسانيدهم، ولفظه: أقبل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من مكة في حجة الوداع، حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدوحات، فقم ماتحتهن من شوك؛ ثم نادى ((الصلاة جامعة)) فخرجنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في يوم شديد الحر؛ إن مِنَّا من يضع رداءه على رأسه وبعضه تحت قدمه من شدة الحر، حتى انتهينا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فصلى بنا الظهر؛ ثم انصرف /46

(1/46)


إلينا فقال: ((الحمد لله، نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، الذي لاهادي لمن أضل ولامضل لمن هدى؛ وأشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد،
أيها الناس، فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ماعُمِّر مَنْ قبله، وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أشرعت في العشرين؛ ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون؛ فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟
فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبدالله ورسوله، قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره، وعبدته حتى أتاك اليقين؛ جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
فقال: ((ألستم تشهدون أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وتؤمنون بالكتاب كله؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((أشهد أن قد صدقتم وصدقتموني؛ ألا وإني فرطكم وأنتم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقوني عن ثَقَليَّ، كيف خلفتموني فيهما؟)).
قال: فأُعيل علينا ماندري ماالثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله، ما الثقلان؟
قال: ((الأكبر منهما كتاب الله، سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم)).
قلت: وتوجيه مافي هذا الكلام الشريف من المجاز واضح؛ والأحسن حمله على المجاز المركب من باب التمثيل على سبيل الاستعارة، كما لايخفى على ذوي العرفان، بأساليب المعاني والبيان، من غير اعتبار للتجوز في شيء من المفردات، التي هي الطرفان والأيدي، بل في جملة الكلام، شبه هيئة إنزال الله تعالى الكتاب المبين، وإبلاغه إلى الخلق أجمعين، وإحكامه لمعانيه، وإلزامه لهم بأوامره ونواهيه، وقصصه لما فيه، واطلاعهم عليه، وإرجاعهم إليه، ودوامه بين ظهرانيهم على مرور الأيام، وتعاقب الأعوام، بهيئة اتصال الحبل الوثيق، الممتد من جهة إلى جهة، الممسك بقوة طرفاه، المتناول باجتماع الأيدي جانباه.
وأما قوله /47

(1/47)


ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كتاب الله سبب)) فهو من صريح التشبيه لذكر طرفيه، فلا مجاز فيه.
نعم، وفي جميع ذلك من الفصاحة الرائعة، والبلاغة البارعة، والبعث للعباد على التزامه، والوقوف عند حله وإبرامه، مايبهر الألباب، وتخر خاضعة لجلالة موقعه الرقاب، كيف لا وهو كلام من لاينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى؟
ونعود إلى تمام الخطبة النبوية ـ صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله ـ.
((فتمسكوا به ولاتولوا ولاتضلوا؛ والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولاتقهروهم ولاتَقْصُرُوا عنهم؛ فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير؛ فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ؛ ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها، وتظاهر على أهل نبوتها، وتقتل من قام بالقسط منها)).
ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها؛ وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ـ قالها ثلاثاً ـ)) انتهى.
[مخرجوا خطبة الغدير]
وقد روى هذه الخطبة النبوية صاحب المناقب أبو الحسن علي بن محمد المغازلي الشافعي، بسنده.
ورواها صاحب جواهر العقدين عن حذيفة بن أسيد أو زيد بن أرقم ـ كذا في كتابه الموجود؛ وفي الهداية شرح الغاية، لابن الإمام (ع)، نقلاً عن الجواهر: عنهما، بالجزم ولفظ: قالا، وساق الخبر ـ نحو ماسبق باختلاف يسير وفيه: ((لن يعمر نبي إلا نصف عمر الذي قبله)) وفيه: ثم قال: ((ياأيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وفيه: ((وإني سائلكم حين تردون علي عن ثقليّ فانظروا كيف تَخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به، لاتضلوا ولاتبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا /48

(1/48)


علي الحوض)).
أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح؛ قال: وأخرجه أبو نعيم في الحلية وغيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطي، وقد حسنه الترمذي.
إلى قوله: عن حذيفة وحده من غير شك به. انتهى من الجواهر.
وأخرج هذه الخطبة الشريفة إمام الحفاظ، وعالم الشيعة، أبو العباس، أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي، المعروف بابن عقدة - رضي الله عنه - مع اختلاف يسير في اللفظ، عن عامر بن ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد؛ وفيها: ثم قال: ((أيها الناس، ألا تسمعون؟ ألا فإن الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه))، وأخذ بيد علي ورفعها حتى عرفه القوم أجمعون ثم قال: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))، ثم قال: ((ألا أيها الناس، أنا فرطكم، وإنكم واردون عليّ الحوض أعرض ممابين بصرى وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة؛ ألا وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني)).
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا وعترتي؛ فإني قد نبأني اللطيف الخبير أن لايفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي لهم ذلك، فأعطاني، فلا تسبّوهم فتهلكوا ولاتعلموهم فهم أعلم منكم)).
قال في الجواهر: أخرجه ابن عقدة في الموالاة من طريق عبدالله بن سنان، عن أبي الطفيل، عنهما، به، انتهى.
ومن أتم الروايات فيها رواية الكامل المنير.
ولهذه الخطبة العظمى، والحجة الكبرى، طرق جمة، قد جمعها حفاظ الأمة، وأعلام الأئمة، مابين مطوّلة ومختصرة.
نعم، وما روي في بعض طرقها من قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((فإنه لم يكن لنبي من العمر)) إلخ ـ يمكن حمله على أوجه كثيرة لاإشكال معها؛ منها: أن يكون المقصود الأنبياء المرسلين بالكتب الجامعة.
أو أولي الدعوات العامة.
أو من بعث على فترة.
أو من في رؤس القرون.
أو نحو ذلك من /49

(1/49)


التأويل، أو يكون المقصود بنبي الرسول نفسه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والتنكير فيه للتعظيم؛ هذا على فرض حصول معارضة بينه وبين شيء من ذلك القبيل، والواجب اتباع الدليل، وتقديم ماوردت به الأخبار الصحيحة على ماسواها من الحكايات والأقاويل، والله أعلم.
هذا، وقد تضمنت خطبة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم الغدير خبر الثقلين، وتوصية الأمة بالخليفتين، وهو من أخبار السنة المتواترة، والحجج المنيرة القاهرة، القاضية بوجوب اتباع العترة الطاهرة، ولزوم الائتمام بهم، والاعتصام بحبلهم وتقديمهم، والاهتداء بهديهم، والتمسك بدينهم، على جميع المسلمين، في جميع معالم الدين.
[تعدد مقامات خبر الموالاة]
وقد صدر في مقامات عديدة، ومواقف كثيرة؛ منها: في هذا المقام بغدير خم، ومنها: بعرفة، ومنها: بعد انصرافه من الطائف، ومنها: بالمدينة في مرضه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد امتلأت الحجرة بأصحابه.
وفي رواية عند الطبراني، عن ابن عمر: آخر ماتكلم به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اخلفوني في أهل بيتي)) وفي ألفاظها: ((إني تارك فيكم))، و((مخلّف فيكم))، و((قد تركت فيكم)) وبلفظ: ((ثقلين))، و((خليفتين))، و((أمرين))، و((ما إن تمسكتم به))، و((إن اعتصمتم به))، و((ما إن أخذتم به لن تضلوا))؛ وفيه: ((لاتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)).
فائدة، لم ترد الفاء الرابطة في شيء من روايات ((ما إن تمسكتم لن تضلوا)) ونحوها؛ مع أنه من مواضع لزومها في الجزاء؛ والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن الجواب لقسم مقدر، أي والله ماإن تمسكتم به لن تضلوا؛ وهذا أولى من الحمل على الشذوذ فيه، والمقام يرجحه ويقتضيه، والله الموفق.
نعم، بعد تحرير هذا وجدت الشريف الرضي قد سبق إليه؛ والحمد لله /50

(1/50)


[المخرجون لأخبار الثقلين والتمسك]
وقد أخرج أخبار الثقلين والتمسك أعلامُ الأئمة، وحفاظ الأمة؛ فمن أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وحفيده إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، والإمام الرضا علي بن موسى الكاظم، والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله، والإمام أبو طالب، والسيد الإمام أبو العباس، والإمام الموفق بالله، وولده الإمام المرشد بالله، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والسيد الإمام أبو عبدالله العلوي صاحب الجامع الكافي، والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، وأخوه الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن محمد، والإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، والإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وولده إمام التحقيق الحسين بن القاسم، وغيرهم من سلفهم وخلفهم.
ومن أوليائهم: إمام الشيعة الأعلام، قاضي إمام اليمن الهادي إلى الحق، محمد بن سليمان ـ رضي الله عنه ـ رواه بإسناده عن أبي سعيد من ست طرق، وعن زيد بن أرقم من ثلاث، وعن حذيفة؛ وصاحب المحيط بالإمامة الشيخ العالم الحافظ أبو الحسن علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، والحافظ أبو العباس ابن عقدة، وأبو علي الصفار، وصاحب شمس الأخبار - رضي الله عنهم -.
وعلى الجملة؛ كل من ألَّف من آل محمد (ع) وأتباعهم - رضي الله عنهم - في هذا الشأن، يرويه ويحتج به على مرور الأزمان /51

(1/51)


ومن العامة: أحمد بن حنبل في مسنده، وولده عبدالله، وابن أبي شيبة، والخطيب ابن المغازلي والكنجي الشافعيان، والسمهودي الشافعي، والمفسر الثعلبي، ومسلم بن الحجاج القشيري، في صحيحه، رواه في خطبة الغدير من طرق ولم يستكملها، بل ذكر خبر الثقلين وطوى البقية؛ والنسائي، وأبو داوود، والترمذي، وأبو يعلى، والطبراني في الثلاثة، والضياء في المختارة، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد، وأبو موسى المدني في الصحابة، وأبو الفتوح العجلي في الموجز، وإسحاق بن راهويه، والدولابي في الذرية الطاهرة، والبزار، والزرندي الشافعي، وابن البطريق في العمدة، والجعابي في الطالبيين، من حديث عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عن آبائه عن علي (ع)، وغيرهم.
[الرواة لخبر الثقلين والتمسك من الصحابة]
ورفعت رواياته إلى الجم الغفير، والعدد الكثير، من أصحاب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأبي ذر، وأبي سعيد الخدري، وأبي رافع مولى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأم هانئ، وأم سلمة، وجابر، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وضمرة الأسلمي، وخزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد الساعدي، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي شريح الخزاعي، وأبي قدامة الأنصاري، وأبي ليلى، وأبي الهيثم بن التيهان، وغيرهم؛ هكذا سرد أسماءهم الحسين بن القاسم (ع) ومن تبعه.
وزاد في نثر الدر المكنون جماعة نذكرهم؛ وإن تكرر ذكر بعض المخرجين، لأجل من لم يسبق من الراوين وهم أحمد بن حنبل وابن ماجه عن البراء، /52

(1/52)


والطبراني في الكبير عن جرير، وأبو نعيم عن جندع، والبخاري في التاريخ، والطبراني وابن قانع عن حبشي بن جنادة، وابن أبي شيبة، وابن عاصم، والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني في الكبير عن مالك بن الحويرث، وابن عقدة في الموالاة عن حبيب بن بدر بن ورقا وقيس بن ثابت وزيد بن شراحيل الأنصاري، والخطيب عن أنس بن مالك، والحاكم وابن عساكر عن طلحة، والطبراني في الكبير عن عمرو بن مرة، وأحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والضياء عن بريدة، والنسائي عن عمر بن ذر، وعبدالله بن أحمد عن جماعة منهم ابن عباس، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة.
[فائدة في معنى الثقلين]
قال الشريف الرضي في المجازات النبوية: وفي هذا الخبر محاسن؛ وذلك تسميته ـ عليه الصلاة والسلام وآله ـ الكتاب والعترة بالثقلين، وواحدهما ثقل، وهو متاع المسافر الذي يصحبه إذا رحل، ويسترفق به إذا نزل، فأقام ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكتاب والعترة مقام رفيقه في السفر، ورفاقه في الحضر، وجعلهم بمنزلة المتاع الذي يخلِّفه بعد وفاته؛ فلذلك احتاج إلى أن يوصي بحفظه ومراعاته.
إلى قوله: وقال بعضهم: إنما سُميا بذلك لأنهما العدتان اللتان يعوّل في الدين عليهما، ويقوم أمر العالم بهما؛ ومنه قيل: الإنس والجن ثقلان؛ لأنهما يعمران الأرض ويثقلانها، ومن ذلك قول الشاعر:
تقومُ الأرضُ ما عُمِّرت فيها .... وتبقى مابقيتَ بها ثقيلا
لأنك موضع القسطاس منها .... فتمنع جانبيها أن تزولا
/53

(1/53)


قال في جواهر العقدين: سمّاهما ثقلين، لعظمهما وكبر شأنهما.
إلى قوله: إذ الثقل (محركاً) يطلق لغة كما في القاموس على متاع المسافر وكل نفيس مصون؛ قال ـ أي صاحب القاموس ـ: ومنه الحديث: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي)) والثقلان: الإنس والجن، والأثقال: كنوز الأرض وموتاها، انتهى.
وقال غيره: كل خطير نفيس ثَقَل. انتهى المراد.
[الدليل على أن الأربعة وذريتهم أهل البيت(ع)]
هذا، واعلم أن الأربعة: علياً، وفاطمة، والحسنين، وذريتهم ـ صلوات الله عليهم ـ مرادون بجميع ماورد في آل محمد وأهل البيت والعترة قطعاً، لغة وعرفاً وشرعاً، وأخبار الكساء المتواترة، المعلومة المتكررة، مصرحة بالحصر والقصر عليهم، وإخراج من عداهم، ممن يتوهم دخوله معهم، قولاً وفعلاً؛ وقد أتينا بأطراف فيها وفي غيرها نافعة ـ إن شاء الله تعالى ـ في التحف الفاطمية، وذكرنا وجه دلالتها على الحصر فيهم.
[الكلام على آية التطهير]
وقد اعترف بالحق في هذا أهل الإنصاف، كالحافظ ابن حجر، حيث قال، في الجزء السابع صفحة (138) من فتح الباري في فضائل خديجة ـ رضوان الله عليها ـ في ذكر البشارة لها ببيت في الجنة؛ مالفظه: وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأن مرجع أهل بيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33]، قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - فاطمة وعلياً والحسن والحسين، فجللهم بكساء، وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) الحديث، أخرجه الترمذي وغيره /54

(1/54)


قلت: أخرجه مالك، وأحمد بن حنبل، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدار قطني، والحاكم، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وعامة المحدثين، وأهل البيت بأسانيدهم إلى أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء، وابن عباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
وقد أوضحت ذلك في صفحة 234 من شرح الزلف [الطبعة الأولى].
قال ابن حجر: لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها، وعلي نشأ في بيت خديجة، وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها؛ فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها. انتهى المراد.
وقد تكلم أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، ـ رضوان الله عليهم ـ على وجه الدلالات في أخبار الغدير وأخبار الثقلين وغيرها، في مؤلفاتهم بما لامزيد عليه.
[تلخيص البحث على حديث الكساء]
وقد لخص البحث في أخبار الكساء من هذا الوجه الإمام الناصر الأخير، عبدالله بن الحسن (ع) في الأنموذج الخطير ، ولفظه: وقد دل الحديث على تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، وإخراج غيرهم من الموجودين في ذلك الوقت من وجوه:
الأول: أنه دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم في كونه من أهل البيت(ع) لدعاه.
الثاني: اشتماله عليهم بالكساء دون غيرهم؛ ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه قال: ((اللهم إن هؤلاء أهل بيتي)) مؤكداً للحكم بإنّ.
الرابع: تعريف المسند إليه بالإشارة، الذي يفيد تمييزه أكمل تمييز، كما يعرفه علماء المعاني.
قلت: وهذه الصيغة من طرق الحصر، كما صرح به أهل المعاني والبيان وأصول الفقه؛ وقد وردت هذه الصيغة في غير هذا المقام، لما نزل قوله تعالى /55

(1/55)


: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..الآية دعا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)) أخرجه الحاكم عن عامر بن سعد، عن أبيه؛ وقال: حديث صحيح.
ورواه عن سعد قال: لما نزلت هذه الآية (ندع) دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) [أخرجه] مسلم والترمذي، كلاهما في الفضائل؛ أفاده في الإقبال عن كتاب كشف المناهج؛ قال: للعلامة صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي الشافعي. انتهى.
قال: الخامس: أنه أتى بالجملة مكررة للتأكيد؛ ليرفع توهم دخول الغير، كما هو شأن التأكيد اللفظي عند أهل اللغة.
السادس: دفعه لأم سلمة ـ رضي الله عنها ـ بأن قال لها: ((مكانك أنت إلى خير)).
وفي بعض الأخبار: ((لست من أهل البيت أنت من أزواج النبي)) ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي بعضها: ((أنت ممن أنت منه)) دلّ بإخراجها على خروج جميع الزوجات؛ وأيضاً علل إخراجها بأنها من الزوجات.
فإن قلت: إن في بعض الأخبار عن أم سلمة قالت: يارسول الله، ألست من أهل البيت؟
قال: ((بلى فادخلي في الكساء)) فدخلت.
قلت: الجواب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن رواية دفعها أكثر وأصرح، فكانت أولى وأرجح.
الثاني: أنه لم يشر إليها معهم بقوله: ((هؤلاء أهل بيتي)) ولم يدعُها؛ وأيضاً قالت: فدخلتُ بعدما قضى دعاءه لابن عمه، وابنيه وفاطمة؛ فعرفت أن دخولها كان على جهة التبرك فقط.
الثالث: أنه ماأدخلها إلا على وجه الإيناس، وتجنباً للإيحاش؛ بدليل أنه /56

(1/56)


ما أدخلها إلا بعد أن سألته؛ ثم إن في الروايات الأخر، مثل: رواية أبي الحمراء وغيره، أنه كان يأتي إلى باب علي وفاطمة ثمانية عشر شهراً أو تسعة أشهر ويتلو الآية؛ ولم يكن في البيت أم سلمة ولاغيرها؛ وهكذا ماقاله في حق واثلة بن الأسقع؛ فظهر أنه لم يرد إلا الإيناس.
قلت: كما ورد من نحو: ((سلمان منا أهل البيت))، ((وشيعتنا منا)) مما يعلم قطعاً أن ليس المراد في الأحكام الخاصة على الحقيقة، وإنما هو في الاتصال والانضمام.
قال الإمام ـ رضي الله عنه ـ: السابع: أنه لو أريد غيرهم في الآية، لما دعاهم وحدهم ولما أشار إليهم وحدهم؛ بل يكون ذلك الفعل والحكم بأنهم أهل البيت وحدهم، تلبيساً وخيانة في التبليغ؛ وحاشا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عن ذلك؛ فيقطع حينئذ مع هذه الوجوه بخروج غيرهم عن أن يكون من أهل البيت، سواء كنّ الزوجات أو الأقارب، كبني العم أو نحوهم، كما يقتضيه بيانه وإيضاحه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للمقصود من الآية.
[دخول الذرية في مسمى أهل البيت(ع)]
فإن قلت: يعلم مما ذكرت أن أهل البيت هم الأربعة فقط، فلا يكون ذريتهم من أهل البيت كما ذكرت أنه يقتضيه البيان.
قلت ـ وبالله التوفيق ـ: إنما أراد بقصر الحكم على الأربعة، إخراج من عداهم من الموجودين في زمنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - من الزوجات والأقارب، ولو وجد في ذلك الوقت أحد من ذريتهم لأدخله، ولكن لم يوجد إلا الأربعة؛ وأيضاً أهل البيت يتناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مثل ما أن لفظ الأمة تناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم ـ أدلة /57

(1/57)


[الكلام على المهدي المنتظر]
الدليل الأول قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، عن علي.
وأخرج أبو داود ـ أيضاً ـ عن علي وقد نظر إلى الحسن ابنه وقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلق ولايشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلاً).
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي)).
وأخرج أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، والطبراني، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) فدلّت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين.
والأحاديث في المهدي وكونه من أهل البيت متواترة.
قلت: الأخبار النبوية، والبشائر العلوية، بإمام الأمة، وختام الأئمة، المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أكثر من أن تحصر؛ والأمر فيه كما قال شارح نهج البلاغة، عند قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ قد لَبِس للحكمة جنتها؛ مانصه: وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لاينقضي إلا عليه. انتهى.
وما زال أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ يبشرون به وينتظرون الفرج من الله تعالى بأيامه، يوصي بذلك أولُهم آخرَهم، ويبلغ سابقُهم لاحقَهم.
[أحاديث في المهدي (ع)]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: (أولنا محمد بن عبدالله، وأوسطنا محمد بن عبدالله، وآخرنا محمد بن عبدالله).
فالأول محمد بن عبدالله النبي صلى /58

(1/58)


الله عليه وآله وسلم والأوسط محمد بن عبدالله النفس الزكية، والآخر محمد بن عبدالله المهدي؛ رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
وبهذا وأمثاله من أوصافه المعلومة يتبين أنه ليس الإمام المهدي النفس الزكية (ع) وإن كانت البشارات وردت به؛ فإنما هي كالبشارات الواردة في غيره؛ كالإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول، وحفيده الهادي إلى الحق وغيرهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وليس بالمهدي الذي وعد الله به الأمة، وختم به الأئمة.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: وإلينا مصير الأمر وبمهدينا تنقطع الحجج؛ خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة؛ رواه المسعودي في مروج الذهب، عن الصادق، عن آبائه، عن علي (ع).
وروى الحافظ أبو علي الهمداني، من حديث علي بن علي الهلالي، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الحالة التي قُبض عليها؛ فإذا فاطمة عند رأسه، فبكت عند رأسه حتى ارتفع صوتها، فرفع ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طرفه إليها، فقال: ((حبيبتي فاطمة ماالذي يبكيك؟)).
فقالت: أخشى الضيعة من بعدك.
فقال: ((ياحبيبتي، أما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً برسالته؛ ثم اطلع عليها اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إلي ان أنكحك إياه؛ يافاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله خمس خصال لم يعطها أحداً قبلنا ولايعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عز وجل، وأحب المخلوقين إليه، وأنا أبوك؛ ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو بعلك؛ وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو حمزة بن عبدالمطلب، عم أبيك وعم بعلك؛ ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة حيث يشاء مع الملائكة، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك؛ ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما؛ والذي بعثني بالحق، إنّ منا /59

(1/59)


مهدي هذه الأمة؛ إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبيرهم يرحم صغيرهم، ولاصغيرهم يوقّر كبيرهم، فيبعث الله ـ عز وجل ـ عند ذلك من يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً؛ يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمتُ به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)).
انتهى من شرح التحفة، للسيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، وهو في ذخائر العقبى للمحب الطبري الشافعي، والأمير ناقل منها.
وروى نحوه ابن المغازلي، عن أبي أيوب ـ رضي الله عنه ـ وفيه: ((إن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً؛ ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً؛ أما علمت ـ يافاطمة ـ أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً)).
إلى قوله: ((يافاطمة، له ثمانية أضراس ثواقب: إيمان بالله، ورسوله، وحكمة، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب الله ـ عز وجل ـ)) إلى قوله - صلوات الله عليه وآله -: ((نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا ـ والذي نفسي بيده ـ مهدي هذه الأمة))؛ رواه في تفريج الكروب.
قلت: والاطلاع من الله تعالى مستعار؛ لتوجه الحكم بالاختيار في تلك الحالة، أو نحو ذلك من وجوه التأويل؛ إذ لايمكن حمله على الظاهر بمقتضى الدليل.
وفي تخريج الشافي، بعد أن ساق الرواية للخبر الأول من تحفة الأمير مالفظه: وروى مايقاربه ابن المغازلي عن أبي أيوب الأنصاري، ورواه عيسى بن حفص بطريقه إلى أبي أيوب إلى قوله: ((ومنا مهدي هذه الأمة)) ذكره في الكامل المنير؛ ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده /60

(1/60)


إلى أبي أيوب؛ والاختلاف في الروايات يسير؛ ورواه أبو القاسم محمد بن جعفر، في كتابه إقرار الصحابة، بسنده إلى عثمان، انتهى.
[صفات المهدي ومدته (ع)]
هذا، وروى في تفريج الكروب ((أبشروا أبشروا؛ إنما أمتي كالغيث، لايدرى آخره خير أم أوله؛ أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً؛ لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها عرضاً، وأعمقها عمقاً، وأحسنها حسناً؛ كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها؟ ولكن بين ذلك ثبج أعوج، ليسوا مني ولا أنا منهم)) أخرجه النسائي عن جعفر بن محمد عن آبائه مرفوعاً.
((أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزلة؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسم المال صحاحاً ـ قال: بالسوية ـ، ويملأ قلوب أمة محمد غنى؛ ويسعهم عدله)) إلى قوله: ((فيلبث في ذلك ستاً أو سبعاً أو ثمانياً أو تسع سنين، ولاخير في الحياة بعده)) أخرجه أحمد والباوردي عن أبي سعيد.
قلت: وما ورد من تقدير مدته بالست إلخ المراد فيه على حالة مخصوصة، أشار إليها في الخبر؛ لاجميع أيامه؛ وقد ورد مايدل على ذلك كما في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدري؛ اللون لون عربي)) إلى قوله: ((يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً؛ يرضى بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجو؛ يملك عشرين سنة)) أخرجه الديلمي في الفردوس، عن حذيفة، مرفوعاً.
قلت: وفي الجواهر: أخرجه الروياني وكذا الطبراني؛ وعند أبي نعيم والديلمي في مسنده: وعن حذيفة رفعه ((يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (ع) كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم فصل بالناس، فيقول عيسى (ع): إنما أقيمت الصلاة لك؛ فيصلي خلف رجل من ولدي)) وذكر باقي الحديث؛ أخرجه الطبراني. انتهى /61

(1/61)


فهذا منطوق صريح بالزيادة، وليس في الأول ونحوه، إلا مفهوم عدد، مع إمكان تأويله كما سبق؛ وهذا الحديث أيضاً محتمل للزيادة والأمر واضح.
وروي: ((المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف؛ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)) أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد، انتهى.
وعن علي (ع) ((المهدي منا، يُخْتَمُ الدين بنا كما فُتِحَ بنا)) أخرجه الطبراني ورفعه؛ رواه في السبل الأربعة عن السمهودي؛ وفيه: قال: وعن نعيم بن حماد، عن علي ـ كرّم الله وجهه ـ قال: المهدي بالمدينة من أهل بيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ اسمه اسم نبي، ومهاجره بيت المقدس؛ أكحل العينين، بَرّاق الثنايا، في وجهه خال، في كتفه علامة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يخرج براية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من مرط حلة سوداء مرقعة، فيها حجر، لم تنشر منذ توفي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولاتنشر حتى يخرج المهدي؛ ويمده الله ثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفه وأدبارهم؛ يبعث وهو مابين الثلاثين إلى الأربعين)).
إلى قوله: قال: وفي حديث آخر عند الحاكم في صحيحه: ((يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم)) إلى قوله: ((فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض)) إلى آخره. انتهى.
قال الأمير الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن بدر الدين (ع) في ينابيع النصيحة: وعن أنس، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((نحن سادات أهل الجنة، أنا، وعلي، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، والحسن، والحسين، والمهدي)).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وجعفر، وعلي، والحسن، والحسين، والمهدي محمد بن عبدالله)) انتهى.
قلت: وروى خبر سادات أهل الجنة الأول الطبري، وقال: أخرجه ابن السري عن أنس؛ ورواه ابن المغازلي أيضاً عن أنس بلفظ: ((نحن بنو عبد المطلب)) إلى ((الحسن والحسين)) أفاده في /62

(1/62)


تفريج الكروب؛ وروى الخبر الأول إلى قوله: ((والمهدي)) في الجواهر، وقال: أخرجه السدي، والديلمي في مسنده. انتهى.
قال في السبل الأربعة: وحديث خروج المهدي وظهوره ـ في كتب المحدثين من أهل الصحاح وغيرهم؛ وذكروا أنه يحثو المال حثواً، ولا يعدّه عداً.
قال: ووجدت في بعض الكتب ـ ورواه عن الإمام الناصر الأطروش (ع) أن المهدي (ع) في بعض شعاب اليمن، أو كما قال؛ ولا بُعْدَ ولا مناقضة بين الأحاديث؛ لأنه يمكن أنه قبل ظهوره يكون سائحاً متنقلاً، من المدينة، إلى بيت المقدس، إلى مكة، إلى اليمن، والله أعلم.
قال: فإذا عرفت هذا، عرفت أن أهل البيت النبوي سلسلة منوط بعضها ببعض، لاتنفك حلقة عن حلقة منها، من زمن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى قيام المهدي، إلى ورود الحوض على النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - كما أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عن الله تعالى، أن كتاب الله وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - لايفترقان حتى يردا عليه الحوض.
قال: وهذا الحديث من المعجزات الغيبية، التي مخبرها كما أخبر به الصادق الأمين؛ فإنهم كما سمعنا في الأخبار والسير، وشاهدنا؛ وهم الحجج في كل زمان وحين.
قال: حتى لقد انقرض سلطان قريش بأجمعها، إلا سلطان العترة النبوية، فإنه ظاهر في كل زمان إلى يوم الدين.
...إلى آخره.
قلت: ونختم الكلام في خاتم الأئمة بما قاله إمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، يحيى بن الحسين بن القاسم ـ صلوات الله عليهم ـ في الأحكام، وهو مانصه: وبلى وعسى؛ فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً؛ عسى الله أن يرتاح لدينه، ويعز أولياءه ويذل أعداءه؛ فإنه يقول عز وجل: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} [المائدة]، وفي ذلك ما يقول رسول رب /63

(1/63)


العالمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اشتدي أزمة تنفرجي)).
[نجم آل الرسول (ع) يمدح المهدي (ع)]
وفي ذلك مايقول جدي القاسم بن إبراهيم (ع):
عسى بالجنوب العاريات ستكتسي .... وبالمستذل المستضام سينصرُ
عسى مشرب يصفو فتروى ظمية .... أطال صداها المنهل المتكدرُ
إلى قوله:
عسى الله لاتيأس من الله إنه .... يسير عليه مايعز ويكبرُ
إلى قوله:
عسى فرج يأتي به الله عاجلاً .... بدولة مهدي يقوم فيظهرُ
وقال (ع): المنتظر للحق والمحقين، كالمجاهد في سبيل رب العالمين؛ وفي ذلك ما بلغنا: عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((من حبس نفسه لداعينا أهل البيت أو كان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله بدمه)).
وقال بعد أن أطنب في صفات الإمام المهدي ـ صلوات الله عليهما ـ:
كريم هاشمي فا .... طمي جامع القلبِ
رؤوف أحمدي لا .... يهاب الموت في الحربِ
يرى أعداؤه منه .... حذار الموت في الكربِ
شجاع يُتْلِفُ الأروا .... ح في الهيجاء بالضربِ
رحيم بأخي التقوى .... شديد بأخي الذنبِ
حكيم أُوتي التقوى .... وفصل الحكم في الخطبِ
بعدل القائم المهدي .... غوث الشرق والغربِ
[مخرجوا أخبار النجوم والأمان]
عدنا إلى تمام الكلام.
قال الإمام الناصر عبد الله بن الحسن (ع): الدليل الثاني /64

(1/64)


قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض ذهب أهل الأرض)) أخرجه أحمد بن حنبل عن علي (ع) وعمار ـ رضي الله عنه ـ وأخرج معناه الطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه.
فلو كان أهل البيت الأربعة فقط، لكان قد ذهب أهل الأرض.
قلت: أخبار النجوم والأمان شهيرة رواها الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام وكتاب معرفة الله، والإمام الرضا علي بن موسى الكاظم بسنده المتصل عن آبائه(ع)، والإمام أبو طالب، والإمام الموفق بالله، والإمام المرشد بالله، والإمام المنصور بالله (ع) بأسانيدهم، وصاحب جواهر العقدين عن سلمة بن الأكوع وقال: أخرجه مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبري في ذخائر العقبى عن سلمة أيضاً؛ وصاحب الجواهر أيضاً عن أنس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؛ فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات مايوعدون)).
قال: أخرجه ابن المظفر من حديث عبدالله بن إبراهيم الغفاري.
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء)) الخبر بلفظ ماتقدم أخرجه أحمد في المناقب؛ وهو في ذخائر العقبى بلفظ: قال: وعن قتادة، عن عطاء، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف؛ فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان)) قال: أخرجه الحاكم؛ وقال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد.
قلت: وهذا الخبر يفيد أن متابعتهم أمان من الاختلاف، كما أن وجودهم /65

(1/65)


أمان من الذهاب والهلاك؛ ورواه الحاكم الجشمي عن سلمة، ومحمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنهم ـ من ثلاث طرق عن سلمة بن الأكوع.
وروى في الشافي عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: ((مثل أهل بيتي مثل النجوم، كلما مرّ نجم طلع نجم)).
وفي نهج البلاغة: مثل آل محمد كمثل النجوم إذا خوى نجم طلع نجم.
وفي الأمالي: عن نصر بن مزاحم قال: سمعت شعبة يقول: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) قاله لما ظهر الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع).
ورواه الإمام المنصور بالله (ع) عن علي بن بلال، عن شعبة؛ ورواه الإمام المرشد بالله(ع) بسنده إلى موسى الكاظم، بسند آبائه، عن علي (ع)، عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فويل لمن خذلهم وعاندهم)).
قال الإمام الناصر (ع): الدليل الثالث، قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم)) الحديث إلى قوله: ((لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) وهذا الحديث متواتر.
انتهى المراد من كلام الإمام عبدالله بن الحسن الناصر الأخير، في الأنموذج الخطير.
وقد وشّحنا فصوله بما وفق الله تعالى إليه؛ ولولا العناد، لم يحتج في كثير من هذه الأبواب وأمثالها إلى الاستشهاد؛ فهي أنور من فلق الصباح، وأبين من براح.....
وفي تعب من يحسد الشمس نورها
ويجهد أن يأتي لها بضريبِ /66

(1/66)


[الرد على أهل الزيغ وبيان من هم الآل]
ولقد حاول أهل الزيغ بكل ممكن في أهل بيت نبيهم إبطال الحجة، كما عارض أهل الكفر جدهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وحاولوا رد النبوة، والله متم نوره ولو كره الكافرون؛ والعاقبة للمتقين.
[إزراء على قول نشوان: إن أهل البيت جميع الأمة]
وإن شئت أن تنظر غاية الخذلان، ونهاية التهافت في هذا الشأن، الدال على سلب التوفيق وعمى البصيرة، الموقع لصاحبه في المباهته ومكابرة الضرورة، فانظر إلى أمثال هذيان نشوان في قوله:
آل النبي هم أتباع ملّته .... من الأعاجم والسودان والعربِ
لو لم يكن آله إلا أقاربه .... صلى المصلي على الغاوي أبي لهبِ
ولعمر الله، إن مثل هذا الاستدلال لايستحق الجواب؛ لكونه مكابرة في مقابلة الضرورة، مع خلله وفساده، ووضوح عناده لأولي الألباب؛ وإنما يجاب بمثل قول بعض قرناء الكتاب،:
أشعّة الفضل أعمَتْ ناظريكَ فما .... فرّقتَ بين حصاء الأرض والشهبِ
وإنه ماكان ينبغي أن يصدر، ممن له مسكة بصر، أو رائحة نظر، فضلاً عن مثل نشوان، لولا الخذلان الشديد، والضلال البعيد؛ وإنه لايدرى أي وجهيه أعجب؟ أمخالفة القواطع المعلومة، من آية المودة ونحوها من الآيات، وأخبار الكساء الدالة على الحصر والتعيين، وأخبار الثقلين المتواترة، /67

(1/67)


فمن المتروك؟ ومن المتروك فيهم؟ ومن المتمسك؟ ومن المتمسَّك بهم؟ وأخبار السفينة؛ فمن المشبه بها؟ ومن المشبه براكبها؟ وغير ذلك مما لايحصى كثرة، مما سبق وما يأتي ومالم نذكره.
ولو لم يكن إلا ماورد في المعنى العام باللفظ الصريح، من تحريم الزكاة على آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في النصوص المعلومة، لجميع الأمة؛ وهذا ونحوه هو العمدة في الاستدلال؛ وإنما ذكرتُ ماسبق ـ وإن لم يكن فيه نزاع ـ لأن أصل آل أهل، كما ذكروه، فالمعنى واحد؛ أم اعوجاج الاحتجاج، الدال على وضوح اللجاج، وتنكب المنهاج.
[جواب المقري وصلاح الدين على نشوان]
قال السيد الإمام السباق، المجتهد على الإطلاق، صلاح بن أحمد المؤيدي في شرحه لهداية ابن الوزير المسمى لطف الغفار، الموصل إلى هداية الأفكار، بعد ذكر البيتين:
ورد عليه إسماعيل المقري الشافعي؛ منتصراً لمذهبه:
لم قدَموا العُجْم إن كان الحديث كذا .... على الصحابة أهل الفضل والحسبِ؟
إذْ قدموا الآل من بعد النبي إذا .... صلّوا عليه على أصحابه النجب
آل النبي همو أبنا أبيه كما .... هذا هو المذهب المعروف في العربِ
وألحقوا بهمو في حفظ عهدهم .... أبناء مطلب في حرمة النسبِ
قربى الكفور مع الإسلام قد نُفيت .... ما ابن على الكفر باقٍ وارثٌ لأب
فارجع وراءك مغلوباً فليس لكم .... عذر من الله في ذكرى أبي لهبِ
قال: ولقد أجاد في الرد على نشوان، وإن أخطأ في تعميم الدعوى لبني هاشم وبني المطلب بغير برهان.
قال (ع): وقلت أيضاً مستعيناً بالله سبحانه: /68

(1/68)


آل النبي هموا أهل الكساء كما .... جاءت به واضحات النقل عن كثبِ
قد قال أهلي بتقديم الإشارة في .... بعض الأحاديث قولًا غير ذي كذبِ
وذاك حصر لهم فافطن لما زبرت .... أهل المعاني أولوا التحقيق في الكتبِ
وألحقوا بهمو أبناء إبنته .... إذْ يلحقون به بالنص في النسبِ
واسْتَقْرِ ماضمت الأسفار من شرف .... سام لآل النبي السادة النجبِ
و {قل تعالوا } يفيد القطع أنهمو .... أبناء أحمد فادعوهم لخير أبِ
ذرية شرفت من نسبة عظمت .... ترددت في وصي طاهر ونبي
والله ميّز آل الأنبياء بها .... في آل عمران لابالعجم والعرب
ذرية بعضها من بعضها فلذا .... قلنا هم الآل لا أبناء مطّلبِ
إلى قوله:
قال الإله لنوح ليس ابنك من .... أهليك دع عنك عماً غير مقتربِ
كيف التعامي عن الإنصاف ويحك يا .... نشوان لم تصح لامن خمرة العنبِ
انتهى.
هذا وقد رُويت توبته، والله أعلم بصحتها؛ والله سبحانه يقول: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } [البقرة:160]، فلا بد من الإصلاح والبيان، كما شرطه الله تعالى مع الإمكان؛ والذي يقضي به هذا وكلام الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع) حيث قال لما وقف على قبره ـ ولله دره ـ:
ياقبر نشوان ماضمّنت من حكمٍ .... ومن علوم له تُربي على الديمِ
ياقبر نشوان لولا النصب فُقْتَ على .... من كان من علماء العُرب والعجمِ
وهكذا كلام الإمام يحيى شرف الدين، والسيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) بقاؤه على ماكان، وكم لنشوان من إخوان وأخدان، في جميع الأزمان.
ومع هذا فقد كان نشوان يعترف بالحق لآل محمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من ذلك قوله: /69

(1/69)


وذكرت آل محمد وودادهم .... فرض علينا في الكتاب مؤكّدُ
وهذا نقض صريح لقوله السابق: آل النبي.. إلخ.
قال:
وذكرت زيداً والحسين ومولداً .... لهم زكي الأصل نعم المولدُ
بأبي وأمي من ذكرت ومن بهم .... يهدى الجهول ويرشد المسترشدُ
وأنا المناضل ضدكم عن دينكم .... والله يشهد والبرية تشهدُ
لاأستعيض بدين زيد غيره .... ليس النحاس به يقاس العسجدُ
إني على العهد القديم بحبّكم .... كلف الفؤاد بكم وجسمي مبعدُ
وقوله:
سلام الله كل صباح يوم .... على خير البرية أجمعينا
على الغرّ الجحاجح من قريشٍ .... أئمتنا الذين بهم هدينا
بني بنت الرسول إلامَ كل .... يظن بكم من الناس الظنونا؟
فأبلغ ساكني الأمصار أنّا .... بأحمد ذي المكارم قد رضينا
يعني الإمام أحمد بن سليمان (ع)، قال:
بأكرم ناشيء أصلاً وفرعاً .... وأعلا قايم حسباً وديناً
رضينا بالإمام وذاك فرض .... نقول به ونعلن مابقينا
وقال مخاطباً للإمام (ع):
يابن الأئمة من بني الزهراء .... وابن الهداة الصفوة النجباءِ
وإمام أهل العصر والنور الذي .... هُدي الولي به من الظلماءِ
كم رامت الكفار إطفاءً له .... عمداً فما قدروا على إطفاءِ
شمس يراها الجاحدون فلم يطق .... منهم له أحد على إخفاء
/70

(1/70)


..الأبيات، وقد ذكرتها في شرح الزلف.
وقد ذكر في اللآلي المضيئة ومآثر الأبرار ـ شرحي البسامة وغيرهما ـ من أحوال القاضي نشوان بن سعيد الحميري مافيه الكفاية.
[إشارة إلى الابتلاء بالتفضيل وعظم حوب من استكبر عنه]
وهذا باب امتحن الله به عباده كبير، قد زلّت فيه أقدام خلق كثير؛ بل هو أعظم التكاليف على المكلفين، وأصل الفتنة في الأولين والآخرين، وعادة الله تعالى الجارية في خلقه، أن يلبس من تكبر عن أمره فيه، وغمط نعمته عليه، أثواب الصغار، وأنواع الخزي والشنار؛ وإن في إبليس ـ لعنه الله تعالى ـ لعبرة لأولي الأبصار، فعدو الله أول من سخط أمر الله، ورد قضاءه؛ ثم تبعه كل من نفخ في أنفه، فشمخ بنفسه، فأنزل الله تعالى به سوء النقمة، وسلبه مالديه من النعمة، وأحل عليه اللعنة، ولم يغنِ عنه ماتعلل به من الأعذار، ولم ينفعه ماسلف له من السوابق الكبار، وقد عبد الله ستة الآف سنة، لايُدرى من سني الدنيا أم من سني الآخرة؟ كما قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ فبطل ذلك كله باستكباره عن أمر واحد؛ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله تعالى بمثل معصيته؛ كلا، ماكان الله تعالى ليدخل الجنة بشراً بأمر ـ أي مع أمر ـ أخرج به منها ملكاً، وإن حكم الله في أهل السماء والأرض لواحد، ومابين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمىً حرَّمه على العالمين..إلى آخر كلامه؛ صلوات الله عليه وسلامه.
فلا ينزل عند حكم الله تعالى في هذا الشأن، ويمتثل أمر الله تعالى فيه بالجنان والأركان، إلا من امتحن الله قلوبهم للتقوى، وثبت أقدامهم على العمل بمحكم السنة والقرآن، أولئك أولياء الله، وأولياء رسوله، الذين خلقوا من شجرتهم، ونزلوا في منزلتهم، ووردت البشارات لهم، على لسان سيد المرسلين، وأخيه سيد الوصيين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
وقد تطاول البحث في هذا وماكان مقصوداً، لولا ماعلم الله من قصد /71

(1/71)


النصح لإخواننا المؤمنين، والإشفاق عليهم من الوقوع في هذه المزلة التي هلك فيها كثير من المفتونين؛ فأما أهل بيت النبوة فقد أغناهم الله تعالى عن ذلك، وقد صبروا على جفوة الأمة، وميل الخلق عنهم إلا من تداركته العصمة، وهم أهل الصفح والكرم، كما قال قائلهم:
وإن جفونا وحالوا عن مودتنا .... ولم يراعوا وصاة الله في العترِ
فالصبر شيمة أهل البيت إن ظلموا .... وهل يكون كريم غير مصطبرِ؟
[الاستدلال بشيء ما على تفضيل العترة(ع)]
ولقد كان الإضراب أوفق، والإمساك أليق، لولا أن الله تعالى أمر بقول الحق وإن شقّ، فإن المقام خطر، يترتب عليه أي أثر؛ وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) رواه الإمام الناصر للحق(ع) في البساط، بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ورواه المرشد بالله (ع) عن أبي ليلى، وأخرجه البيهقي، وأبو الشيخ، والديلمي، والطبراني، وابن حبان، عن أبي ليلى.
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: ((لايؤمن أحدكم)) الخبر، بدون ((وذاتي..إل خ)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله فيم أنفقه، ومن أين اكتسبه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع)، عن علي ـ صلوات الله عليه ـ، وابن /72

(1/72)


المغازلي، والطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، والكنجي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، والخوارزمي عن بريدة.
وفي أخبار الثقلين: ((فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به؛ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) أخرجه أحمد، ومسلم، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، عن زيد بن أرقم.
وروى الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الإمام المرشد بالله (ع)، يرفعه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)) وبمعناه: ((نحن أهل بيت لايقاس بنا أحد)) أخرجه الملا، والطبري عن أنس؛ وأخرجه الديلمي.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لايعادل بآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من هذه الأمة أحد ولايساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً.
وروى الحاكم في شواهد التنزيل، بإسناده عن ابن عمر قال: إذا عددنا قلنا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.
فقال رجل: فعلي.
قال: ويحك، علي من أهل البيت لايقاس بهم؛ علي مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في درجته.
فهذا ابن عمر صرح بالحق فيما هو معلوم للأمة، من أنه لايقاس بأهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قدّموهم ولاتقدموهم، وتعلّموا منهم ولاتعلموهم؛ ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
قال الإمام الحجة المنصور بالله (ع) في الشافي: روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في أهل بيته: ((قدموهم....الخبر)).
قلت: وهو في أخبار الثقلين، بلفظ النهي عن التقدم، ومافي معناه كلا تَقْصُروا ولا تسبقوا، والأمر بالتعلم منهم فإنهم أعلم، وقد سبق.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرمات، من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومن ضيعهن لم يحفظ الله له شيئاً)).
قيل: وما /73

(1/73)


هنّ يارسول الله؟
قال: ((حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي)) رواه الإمام المنصور بالله بسنده، إلى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((إن لله...الخبر)).
وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الشيخ في الثواب، وأبو نعيم عن أبي سعيد؛ أفاده في تفريج الكروب.
قلت: وروايتهم بلفظ: ((إن لله حرمات ثلاثاً))، وبدون ((دنياه)) ولا: قيل: يارسول الله.
قال فيه: وفي رواية: ((لم يحفظ الله له أمر دنياه ولا آخرته)) قال: وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد، بلفظ ((ثلاث من حفظهن)) الخبر، وحذف لفظ أمر، انتهى.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أيها الناس، أوصيكم بعترتي أهل بيتي خيراً؛ فإنهم لحمي وفصيلتي، فاحفظوا منهم ماتحفظون مني)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وهذا قليل من كثير، والمقام أوضح من أن يحوج إلى تطويل وتكثير، وقد صادف مناسبة للمقصود، وارتباطاً بالمطلوب، وما حمل عليه إلا واجب النصح والتذكير؛ إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ونعود إلى المقصود، بعون الملك المعبود.
والله ـ عز وجل ـ يقول: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور:21].
وإجماع الأمة على كونهم ـ أعني ذرية الخمسة ـ آل الرسول وأهل البيت والعترة لا اختلاف في ذلك؛ وإنما الخلاف في إدخال غيرهم معهم؛ والأدلة القاطعة /74

(1/74)


تقضي بعدم المشاركة لهم كما سبق.
[الرد على تفسير زيد بن أرقم للآل بالمعنى الأعم]
وأما تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت بآل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل، فإنما حمله على الذين حرمت عليهم الصدقة، وهو معنى عام للآل، مخصوص الاستعمال في حديث الصدقة لاغير، وهو مجاز من باب التغليب للمعنى الحقيقي الذي هو آل علي (ع) على غيره، وقد صرح زيد نفسه بحمله على الذين حرموا الصدقة؛ هكذا في الخبر.
قال في تخريج الشافي: مع أن زيداً قد أخرج الزوجات ـ أي فيكون حجة على المخالف.
قلت: وكذا أخرج بقية بني هاشم وبالأولى بني المطلب، وسائر قريش، فليس لأهل هذه الأقوال فيه متمسك، وهو رد عليهم جميعا،ً قال: ولعله من جملة ماكتمه كما كتم حديث: ((من كنت مولاه)) فذهب بصره؛ فتأمل.
قلت: وقد ظهر من حاله أنه تاب عن ذلك بعد أن وقعت له الآية، وقد ذكر في الطبقات أنه كان من خواص علي (ع) وشهد معه صفين.
هذا وكذلك روايته المرفوعة؛ قال الإمام الناصر عبدالله بن الحسن (ع): لنا في الجواب عن هذا الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن حديث الكساء وحديث الثقلين جاءا متواترين، ولم تثبت هذه الزيادة إلا بهذه الطريق؛ فهي شاذة منكرة.
الوجه الثاني: أن في رجال إسناده من لايرتضى، فمنهم: أحمد بن بشار مجهول، ومنهم: أبو عوانة وضاح بن عبدالله الواسطي البزار؛ قال أحمد وأبو حاتم: إذا حدث من حفظه وَهِمَ ويغلط كثيراً، وضعفه ابن المديني عن قتادة.
قال: ثم لو سلمنا صحته وسلامته عن كل قادح، فهو آحادي ظني، إلى آخر كلامه (ع).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج في سياق الجواب عن هذا: وإن رواية الرفع مقدوح في رجالها، وإنها آحادية لاتصلح أن تعارض المعلوم من أخبار الكساء، القاضية بأن أهل البيت المطهرين علي، وفاطمة، وأولادهما.
إلى قوله: وقد تقدم من حديث سعد بن مالك قوله: فنودي فينا (ليخرج من كان في المسجد إلا آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ) فجاء /75

(1/75)


العباس فقال: يارسول الله، أخرجت أعمامك إلخ؛ فإنه يفيد أن الآل يختص بمن بقي في المسجد وليس إلا الأربعة، كما هو في خبر سد الأبواب.
قلت: وهو صريح في عدم إطلاق الآل على العباس ـ رضي الله عنه ـ وغيره من القرابة؛ إذ هو أقربهم، ماعدا أهل الكساء، ويعارض حديث ابن أرقم أيضاً.
قال: والحديث أخرجه الكنجي، والنسائي.
قلت: وفي أخبار الكساء عن عبدالله بن جعفر الطيّار - رضي الله عنهما - قال: لما نظر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى الرحمة هابطة قال: ((ادعوا لي آلي، ادعوا لي آلي)) قالت صفية: من يارسول الله؟ قال: ((أهل بيتي: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين)) فلما جاءوا إليه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ألقى عليهم كساءه؛ ثم رفع يديه وقال: ((اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد)) وأنزل الله سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
قال ـ أيده الله ـ: وكذا قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن مسجدي حرام)) إلى قوله: ((إلا على محمد وأهل بيته: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين)). من حديث أخرجه البيهقي، عن أم سلمة؛ والصفار، عن أسماء بنت عميس.
وقد قالت عائشة: إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دعا لأخيها محمد بن أبي بكر بأن قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وارزقه محبة أهل بيت نبيك)) قالت: فقاتلني بالبصرة؛ فذكرت الدعوة؛ روى معناه الهادي بن إبراهيم.
قلت: ورواه صاحب قواعد عقائد آل محمد (ع).
ومما ورد في هذا المعنى عن علي ـ صلوات الله عليه ـ قال: قلت: يارسول الله مم خلقت؟
وساق حديثاً طويلاً.
...إلى قوله: فقال: ((فَخُلِقْتَ وأهل بيتك في القسم الأول، وخَلَقْتُ أزواجك /76

(1/76)


وأصحابك من القسم الثاني، وخَلَقْتُ من أحبكم من القسم الثالث)) إلخ.
انتهى من شرح هداية ابن الوزير، للسيد الإمام صلاح بن أحمد المؤيدي (ع).
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول من يلحقني من أهلي أنتِ يافاطمة؛ وأول من يلحقني من أزواجي زينب)) أخرجه ابن عساكر عن واثلة.
[تواتر خبر تبليغ علي لسورة براءة]
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وبعث النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر ببراءة، فدعاه وقال: ((لايبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي)) فبعث بها مع علي؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى سماك عن أنس؛ وبلفظ ((من أهلي)) من طريق أخرى عنه عن أنس أيضاً؛ إلى أن قال: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي وإن علياً من أهل بيتي)) وذلك عند أخذ براءة من أبي بكر؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن جميع بن عمير عن ابن عمر.
إلى قوله: وأخرج ـ أي النسائي في الخصائص ـ حديث بعث أبي بكر ببراءة ثم أخذها منه إلى علي؛ ثم قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهلي)) أو ((من أهل بيتي)) أو ((مني)) عن علي، وعن أنس، وعن سعد، وعن جابر، على اختلاف الروايات.
قال ـ أيده الله ـ: وقد أخرج الكنجي حديث براءة عن سعد بن أبي وقاص بلفظ: ((إنه ليس يبلغ عني إلا رجل مني من أهل بيتي)).
قال: وقد روى أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي، عن أنس بن مالك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعث أبا بكر ببراءة؛ فلما قفَّى دعاه ودفعها إلى علي وقال: ((لايبلغها إلا رجل من أهلي)).
وأخرجه أحمد بن /77

(1/77)


حنبل عن أنس وعن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود، والترمذي عن أنس؛ من تفريج الكروب.
قلت: ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، من ثمان طرق بلفظ: ((أو رجل من أهل بيتي)) أو ((رجل من أهلي)).
وخبر تبليغ علي (ع) لبراءة وأخذها من أبي بكر متواتر، قد روته طوائف الأمة، من المحدثين والمفسرين، وجميع النقلة، وليس فيه متمسك لجواز النسخ قبل إمكان العمل؛ فيرد على أهل العدل؛ لعدم التصريح في الروايات المتواترة بالأمر لأبي بكر بقراءتها؛ وإنما المعلوم بعثه بها وأخذها منه، فليس المأمور به والمقصود منه إلا أخذها، والسير بعض المسافة، على اختلاف الروايات؛ لما فيه من الحكمة ببيان عدم صلاحية أبي بكر لذلك؛ وأنه لا يقوم مقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في أمثال هذا المقام إلا وصيه وأمينه، وسيد أهل بيته، وخليفته على أمته.
[تعللاتهم في صرف الخلافة]
ولأمر ما، احتج بذلك ترجمان القرآن، وبحر العلم، وحبر الأمة، عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ على عمر بن الخطاب، لما تحاورا في أمر الخلافة، فقال عمر: ما أرى صاحبك إلا مظلوماً.
فقال ابن عباس: فاردد إليه ظلامته.
فمضى يهمهم ثم قال: ياابن عباس، ماأظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه.
فقال ابن عباس: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.
...إلى آخر المحاورة.
رواه أبو بكر الجوهري بإسناده إلى ابن عباس، ورواه الزبير بن بكار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وروى طرفاً منها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة /78

(1/78)


(ع) في الشافي، وفيه: قال عمر: هو والله لها أهل، ولكن الناس يستصغرونه.
قال ـ أي ابن عباس ـ: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، يستصغرونه على الخلافة ولا يستصغرونه يوم أقحم على الناس عمرو بن عبد ود العامري فكاعت عنه الفرسان، وأحجمت الشجعان، فبرز إليه فقتله؛ ولا استصغروه يوم خيبر، يوم رجعت راية رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرة بعد أخرى، حتى أخذها فكان الفتح على يديه ـ وعدّ أشياء.
قال عمر: هو ماتسمع ياابن عباس...إلى آخر الكلام المروي في الجزء الرابع من الشافي، وهو من جملة تعللات عمر ومن تبعه في صرف الأمر عن وليه، فتارة يقول: استصغره الناس.
وأخرى: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة.
ومرة: خفناه على اثنتين: صغر سنه، وحبه بني عبد المطلب.
وأخرى: لاتجتمع عليه قريش؛ ونحوها من الأعذار الباردة، التي لا تقوم بها حجة، ولا تكون فيها معذرة للمدافعة، في وجوه النصوص المعلومة، من الله تعالى ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، التي بلّغهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إياها على مرور الأعوام، وسمعوها ووعوها وأقروا بها في مقام بعد مقام، وهي مستوفاة في الشافي، وشرح النهج، وغيرهما من البسائط؛ وذلك باب متسع الأطراف، يطول فيه الكلام، فالحكم لله والموعد يوم القيام.
هذا، وقد بيّن ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ العترة بأهل البيت وأهل البيت بالعترة، في أخبار الثقلين، والكساء، وغيرها.
[معنى العترة لغةً وشرعاً]
والعترة نسل الرجل لغةً وعرفاً وشرعاً؛ إلا ان الشرع حكم بدخول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في معنى عترة الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - /79

(1/79)


قطعاً، كما في أخبار الكساء من الإشارة إليهم بهؤلاء أهل بيتي، وعترتي، وغيرها مما لايحصى؛ بل هو إمامهم وسيدهم المقدم، والمقصود الأعظم، بما ورد فيهم ـ صلوات الله عليهم ـ على العموم، وقد قال أبو بكر: علي بن أبي طالب عترة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لما علم أنه أعظم مقصود، وأجل معهود.
قال في جواهر العقدين: أخرجه الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار قال: سمعت أبا بكر يقول: علي بن أبي طالب.. إلخ.
قال الشريف في الجواهر: أي الذين حث على التمسك بهم.
إلى قوله: ولهذا خصه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من بينهم يوم غدير خم، بما سبق من قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) قال: وفي رواية عقيب قوله: ((وعاد من عاداه وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، أخرج هذه الرواية البزار برجال الصحيح، إلا فطر بن خليفة، وهو ثقة.
وفي رواية: أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص فقال أبو بكر وعمر: أمسيت ياابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ثم ساق مالا يسعه المقام.
نعم،قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي: ولهذا أكد حديث الثقلين بذكر العترة، وهم الذرية لغةً وعرفاً.
أما اللغة؛ فإنه أخذ من العتيرة وهو نبت في البادية، سمي به أولاد الرجل وأولاد أولاده؛ ذكره ابن فارس في المجمل وغيره.
وأما العرف؛ فمتى أطلق لفظ العترة لم يسبق إلى الفهم إلا الأولاد، دون الأقارب.
على أن العترة لو كانت في الأصل هم القرابة لكان الحكم للعرف، كما يعرفه أهل المعرفة، انتهى.
وممن نص على ذلك من أئمة اللغة: صاحب كتاب العَيْن فقال حاكياً عن /80

(1/80)


العرب: عترة الرجل هم ولده، وولد ولده.
وقال ابن الأعرابي: عترة الرجل ولده وذريته وعقبُه من صلبه.
قال: فعترة الرسول، ولد فاطمة البتول، انتهى، وهذا المروي عن ابن سيده.
وقال إمام أئمة اللغة والشرع، الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع): إنما سمّاهم عترة؛ لأن الولد عند والده أطيب ريحانة من عترة المسك؛ ولهذا تقول العرب للولد: ريحانة أبيه، ولاشك أن عترة المسك أطيب من الريحانة؛ فسمَّاهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأطيب الطيب، وجعل ذلك صفة لهم غير مشتركة، انتهى.
قلت: وفي القاموس: والعترة قلادة تعجن بالمسك، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون، انتهى.
وفي صحاح الجوهري: وعترة الرجل نسله ورهطه الأدنون، انتهى.
قلت: وما ذكراه من الرهط والعشيرة الأدنين على فرض تسليمه في غير النسل، يجاب عنه بما تقدم من قصر الشرع لذلك على من ذكر.
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: إلا أن ذلك ـ أي ما ذكره الجوهري ـ لايمنع من غلبة استعماله هنا في نسله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وجريان العرف بذلك، ومصير استعماله في غيره على جهة المجاز العرفي.
قال (ع): وأجاب في العمدة: بأن العترة هم أولاد الرجل وأولاد أولاده دون غيرهم؛ لأن هذه اللفظة متى أُطلقت سبق ذلك إلى الأفهام؛ ولاخلاف في تناولها لمن ذكره حقيقة، وإنما الخلاف في تناولها لغيرهم؛ فإذا لم يكن عليه دليل وجب قصرها عليهم، انتهى.
قلت: وأيضاً قد أفادت الأدلة أن إجماع المتصفين بأهل البيت والآل والعترة حجة قطعاً، والإجماع واقع من الأمة أن غير الأربعة وذريتهم غير /81

(1/81)


معتبر في إجماعهم قطعاً؛ لأن الأمة بين قائلين: قائل بحجية إجماعهم وهم هؤلاء لاغير، وقائل بعدمه وقد بطل قوله قطعاً؛ فتحصل أنهم هؤلاء وإلا بطلت الأدلة، وخرج الحق عن أيدي الأمة وهو باطل، وهذا واضح جلي عقلاً وشرعاً.
وهذا كله على فرض عدم البيان من الشارع؛ فأما مع ورود البيان القاطع، على قصر ذلك على الأربعة وذريتهم ـ صلوات الله على أبيهم وعليهم أجمعين ـ فلا اعتبار بغيره ولا اعتداد بسواه؛ إن فرض ثبوته، كما علم ذلك في سائر الاستعمالات الشرعية، المنقولة من المعاني اللغوية، كالصوم والصلاة، والحج والزكاة.
والحقائق الشرعية مقدمة في خطابات الشرع قطعاً، فكيف إذا تطابقت البراهين على ذلك لغة وشرعاً؟
ودلائل اختصاصهم بذلك قد عُلِمت بالطرق المعلومة الموصلة إلى القطع، كأخبار الكساء المفيدة للحصر والقصر عليهم بطرق عديدة، وما لايحصى كثرة، كتاباً وسنة؛ وليس بعد بيان الله تعالى ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيان، ولا أقوى ولا أقوم من برهانه برهان؛ وكم ورد في السنة الشريفة مما تواتر، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سره أن يحيا حياتي)).. إلى قوله: ((فليتول علي بن أبي طالب)) إلى قوله فيه وفي ذريته: ((وهم عترتي خلقوا من لحمي ودمي)) الخبر، وقد تقدم بطرقه.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي)) أخرجه ابن عساكر عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
وقول وصيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وقد سُئل عن العترة في خبر ((كتاب الله وعترتي)): أنا، والحسن، والحسين، والأئمة إلى المهدي، لا يفارقون كتاب الله، ولايفارقهم، حتى يردوا على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ حوضه /82

(1/82)


أخرجه أبو جعفر القمي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه.
وقوله ـ صلوات الله عليه ـ لما قُبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: قلنا: نحن أهله، وورثته، وعترته، وأولياؤه، دون الناس؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ماكنا لهم عليه.
وغير ذلك من المأثور، لايحيط به المسطور، مما علم لهم في كتاب الله، وتواتر من سنة رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ معنى، أو لفظاً ومعنى، مما يفيد اصطفاء الله تعالى لهذه الصفوة واختياره لتلك الخيرة، واختصاصه تعالى لهم بأجل الفضائل، وإنزاله إياهم أفضل المنازل.
[بحث حول: آية المباهلة]
نحو قوله عز وجل:
{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران].
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، (ع) في سياق خبر المباهلة: وهذا الخبر مفيد جداً؛ لأنه أثبت أن ولدي علي ولدان لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: وأثبت أن المراد بقوله في الآية: {نساءنا } فاطمة، فخرجت زوجاته عن مقتضى الآية والخبر.
ولاخلاف بين الأمة أنه لم يدع أحداً من زوجاته.
...إلى قوله: وأن المراد بقوله {أنفسنا }: محمد، وعلي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ؛ فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؟!
وكيف يعتري الشك في كونه أفضل /83

(1/83)


الصحابة رضي الله عنهم؟
وكم من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون، ويتلونها وهم عنها عمون. انتهى.
[الإجماع على صحة خبر المباهلة]
وقال الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد بدر الدين (ع) في الينابيع: أطبق أهل النقل كافة، مع اختلاف أغراضهم واعتقاداتهم ـ يعني على خبر المباهلة ـ.
وقال أخوه الإمام الأوحد، الحسن بن محمد (ع): متواتراً.
وقال والدنا الإمام عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: أطبق أئمة النقل وجمهور العلماء على ذلك...إلخ.
ولا نزاع في هذا بين العترة والأمة، وممن روى ذلك: الحسن، والشعبي، والسدي، والحاكمان: الجشمي والحسكاني، وأبو نعيم، والثعلبي، والخوارزمي، والزمخشري، والبيضاوي، والرازي، وأبو السعود.
ومن ألفاظ الرواية، من طرق العامة: مارواه الحاكم، صاحب المستدرك، عن عامر بن سعد؛ وقال: حديث صحيح، لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا } إلخ [آل عمران:61]، دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)).
[مخرجوا خبر المباهلة]
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وأخرجه ـ أي هذا الخبر الذي رواه الحاكم ـ محمد بن يوسف الكنجي وقال: أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال في موضع آخر من مناقبه: وأخرجه أحمد بن حنبل عن غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والتابعين.
...إلى قوله: وقال الحاكم أبو القاسم في حديثه عن عامر: لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..إلخ. /84

(1/84)


رواه مسلم، والترمذي.
وقال في الإقبال : ولمسلم، والترمذي عن سعد ـ وذكر الحديث.
قلت: وقد تقدم مافي الإقبال بلفظه في الاستدلال بما فيه من صيغة الحصر وهي: ((اللهم هؤلاء)) كما في خبر الكساء.
وقال يحيى بن الحسن القرشي في منهاجه: أجمع الناس على أنها ـ أي {فَقُلْ تَعَالَوْا } الآية ـ، نزلت في الخمسة الأشباح. انتهى.
[كلام نفيس للزمخشري حول آية المباهلة]
قال في الكشاف: فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به، وبمن يكاذبه؛ فما معنى ضم الأبناء والنساء؟
قلت: ذلك آكد في الدلالة، على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته، وأفلاذ كبده، وأحب الناس إليه، لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له؛ وعلى ثقته بكذب خصمه، حتى يهلك خصمه، مع أحبته وأعزته، هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
إلى قوله: وقدمهم في الذكر على الأنفس؛ لينبه على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس، مفدّون بها؛ وفيه دليل لاشيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع)، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
وقال في سياق القصة: فأتوا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: ((إذا أنا دعوت فأمِّنوا))، فقال أسقف نجران: يامعشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولايبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: ياأبا القاسم، رأينا ألا نباهلك.
...إلى قوله: وقال: ((والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران /85

(1/85)


وأهله، حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا)).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود؛ فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال: (({إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33])) انتهى كلامه.
فانظرإلى كلامه هنا في أهل الكساء وروايته لما في آية التطهير؛ ولمَّا وصل إلى موضع أخبار الكساء في تفسير آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33]..الآية نسي أو تناسى مانقله، ونقلته جميع الطوائف، وعلمه الموافق والمخالف، فأتى بعبارة تفيد خلاف ذلك، فقال: وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من أهل بيته.
وكلامه هذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أن الآية نازلة في النساء على الخصوص، وقد حمل كلامه عليه بعضهم؛ وذلك مخالف لصريح المعلوم، من أخبار الكساء، ورد لما علم بإقراره وإجماع الخصوم.
والثاني: أنها نازلة في أهل البيت، وأنه يتناولهن على سبيل العموم، وذلك باطل؛ لمخالفة المعلوم أيضاً، من الأدلة الناطقة بالحصر والقصر على العترة المطهرة، كما سبق؛ ولو لم يكن من ذلك إلا رد أم سلمة - رضي الله عنها -؛ فيالله العجب! كيف يصنع الهوى بأهله؟! فهذه مهواة زلّت فيها قدمه، ولم ينفعه علمه وفهمه؛ وأجمل مايحمل عليه الرجوع عن التفسير هذا بما صرح في آل عمران؛ لأن مافي /86

(1/86)


الأحزاب سابق في الوضع؛ لكونه ابتدأ بالجزء الآخر، وإلا فقد تناقض القولان، مع مافي مخالف المعلوم منهما من البطلان، والله المستعان، والمستعاذ به من الخذلان.
[الكلام على آية المودة ـ رواة تفسيرها]
هذا، ومما خصهم الله ـ جل جلاله ـ به من الفضل المبين، جعلهم أولي قربى سيد المرسلين، المرادين بإيجاب مودتهم على التعيين، المستلزمة لعصمتهم ولزوم متابعتهم على الخلق أجمعين، والمبالغة في ذلك الإكرام والإعظام، بكونه أجراً لسيد الأنام، على تبليغ الرسالة، وإنقاذ الأمة من الضلالة، ودعائه العباد إلى الهداية التي هي أعظم الإنعام، وأبلغ المنن الجسام؛ فقال ـ جل وعلا ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23].
قال الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم (ع): لما نزلت آية المودة قيل للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هم علي، وفاطمة، وأبناؤهما)).
وفي أمالي الإمام المؤيد بالله (ع) بإسناده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خبر المناشدة: هل فيكم من أحد أمر الله بمودته من السماء حيث يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] /87

(1/87)


غيري؟ قالوا: اللهم لا نعلمه...إلخ.
وقال الحسن السبط ـ صلوات الله عليه ـ في خطبته: ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في أماليه.
وقال أيضاً: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم، فقال فيما أنزل على رسوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } [الشورى:23]، رواه أبو علي الصفار، والكنجي عن أبي الطفيل، ورواه الدولابي عن زيد بن الحسن، ورواه عنه البزار، والطبراني.
وفي شواهد التنزيل: بإسناده عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قال: فينا آل محمد آية؛ لايحفظ مودتنا إلا كل مؤمن؛ ثم تلا: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، انتهى.
ورواه أبو الشيخ، إلا أن مكان آل محمد، آل حم.
وأخرج الطبراني عن زين العابدين (ع) مامعناه أنه قال للشامي: أما قرأتَ {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]؟.
قال: وأنتم هم؟.
قال: نعم.
وروى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما نزلت {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، قالوا: يارسول الله، ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: ((علي، /88

(1/88)


وفاطمة، وابناهما)).
ورواه في الكشاف، ورواه الحاكم الحسكاني في الشواهد، مسنداً إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من نحو ثمان طرق.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وأخرجه الكنجي، عن ابن عباس، وقال: هكذا أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وكذا رواه الحاكم في مناقب الشافعي، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس، أفاده ابن حجر العسقلاني في التخريج. انتهى.
وفي شرح الهداية للسيد الإمام الأوحد، صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ: وأخرجه أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم، عن ابن عباس انتهى ـ يعني بلفظ: ((علي، وفاطمة، وأبناؤهما)) ـ.
ورواه إمام الشيعة، أبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي، قاضي الإمام الهادي إلى الحق (ع) وتلميذ محمد بن منصور المرادي - رضي الله عنهم - في مناقبه، بإسناده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ورواه الثعلبي في تفسيره، وابن المغازلي الشافعي في مناقبه، وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وهو في رواية الحاكم من ثلاث طرق؛ وروى البخاري، ومسلم عن سعيد بن جبير تفسير القربى في الآية بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: وروى الكنجي بإسناده قال: جاء أعرابي إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وساق إلى أن قال بعد عرض الشهادة عليه: تسألني عليه أجراً؟
قال: ((لا إلا المودة في القربى)).
فقال: قرابتي أو قرابتك.
قال: ((قرابتي)).
قال: هات أبايعك؛ فعلى من لايحب قرابتك لعنة الله.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((آمين)).
وروى الحاكم ـ قلت: أي الحسكاني كما في الإعتصام ـ بإسناده عن أبي أمامة الباهلي؛ وروى ابن المغازلي نحوه عن جابر قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله خلق الدنيا من أشجار شتى، وخُلِقْتُ أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، /89

(1/89)


وأشياعنا أوراقها؛ فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى؛ ولو أن عبداً عبدالله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام؛ حتى يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا، لكبّه الله على منخريه في النار))، ثم تلا: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
[تفسير: ومن يقترف حسنة ـ تفسير خير البرية]
إلى قوله: وروى عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } إلخ قال: هي المودة لآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ رواه عنه من خمس طرق، ورواه عن السدي.
وروى عن علي (ع) أنه قال لأبي عبدالله الجدلي: الحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة حبنا، والسيئة التي من جاء بها أدخله الله النار بغضنا؛ رواه عنه من طريقين؛ ورواه الثعلبي عن أبي عبدالله الجدلي، ورواه الحاكم بإسناده عن علي.
وعن أبي برزة الأسلمي في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، قال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((هم أنت ياعلي وشيعتك))، ورواه فرات الكوفي عن الباقر من ثلاث طرق، وفي واحدة بزيادة: ((راضين مرضيين))، ورواه عن ابن عباس بزيادة: ((وتأتي أنت وشيعتك راضين مرضيين ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين)).
قال: ورواه الفضل بن شاذان المقري ـ أي بسند متصل برجال سند الحاكم ـ، ورواه عن أبي بريدة.
إلى قوله: وروي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم-: ((خير البرية علي)) ورواه فرات عن معاذ وعن ابن عباس.
قلت: وفي الاعتصام: قالا: علي بن أبي طالب (ع) مايختلف فيه أحد. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ: وروى الحسن بن علي الصفار، بإسناده إلى جابر بن /90

(1/90)


عبدالله قال:كنا عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فأقبل علي فقال: ((قد أتاكم أخي))، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده وقال: ((والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة))، ثم قال: ((إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية)) قال: ونزلت{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، من الأربعين له ـ رحمه الله ـ.
إلى قوله: رواية الفقيه حميد الشهيد لهذا الحديث، عن جابر.
وأخرجه الحافظ ابن عقدة، والخوارزمي، عن جابر، وأخرجه محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي عن جابر وفيه زيادة: وكان أصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية.
وقال: رواه ابن عساكر بطرق؛ ورواه الحاكم الحسكاني، وأخرج الكنجي حديث أبي أمامة الباهلي الذي رواه الحاكم عنه كما رواه الحاكم وقال: رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه ورواه محدث الشام ـ قلت: يعني ابن عساكر ـ بطرق شتى. انتهى بتصرف.
قال ابن الإمام (ع) في شرح الغاية: وخرج ذلك ـ يعني نزول {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، ـ في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وأتباعه ـ رضي الله عنهم ـ، عن علي وابن عباس وأبي بردة وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي الباقر عن آبائه، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ وغيرهم. ولن يكون خير البرية إلا والحق معه /91

(1/91)


[تواتر أحاديث حب علي (ع)]
وأما أحاديث حب علي فقد بلغت حد التواتر، وخُرّجت عن علي، وابن عباس، وعمر، وابن عمر، وأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي بردة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وأبي رافع، وأم سلمة، وعائشة، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، وأبي ليلى الأنصاري، وجرير البجلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وسلمة بن الأكوع، وسهل بن سعد الساعدي، وعبدالله بن أحجم الخزاعي، وعامر بن سعد، وغيرهم.
ولن يكون حبه علامة الإيمان، وبغضه علامة النفاق إلا والحق معه. انتهى.
هذا، وقد علم مافي أخبار الثقلين، والمباهلة، ونحوها، من أعلام النبوة، ودلائل الرسالة، أما المباهلة فواضح، وأما أخبار التمسك، والثقلين، والنجوم؛ فلما فيها من الإعلام ببقاء أهل هذا البيت النبوي الشريف، وعدم انقطاعهم إلى انقطاع التكليف، وأنهم حملة حجته، وأمان أمته، وهداة أهل ملته، إلى الدين الحنيف، فالكتاب والعترة متلازمان، لن يفترقا إلى آخر الأزمان.
وقد علمت الأمم حق مخبراتها، وصدق مدلولاتها، ومافي أخبار الثقلين من الإعلام لأمته، باقتراب نقلته، وإجابته لداعي ربه، والإشارة إلى مايكون من كثير من صحابته وغيرهم، من التغيير والتبديل، كما في أخبار ورود الحوض، وهي على انفرادها متواترة معلومة، عند جميع فرق الأمة، تركناها خشية الإطالة.
وفيها، وفي أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين، أقوى دلالة على /92

(1/92)


وقوع التبديل، وبطلان مايدعونه لكافة الصحابة من التعديل، وأن ماورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية من الثناء عليهم والتعظيم لهم والتبجيل، ليس على العموم، كما هو معلوم، بل هو خاص بآل محمد - صلوات الله عليهم - وبمن قام بفرائض الله تعالى، وارتدع عن محارم الله، واستقام على ماأمر الله تعالى به من موجبات الصحابة، وأدى ماألزمه الله تعالى لرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من حقوق القرابة، واستمسك بالكتاب المبين، وعترة الرسول الأمين، الذين هما خليفتاه في الأرض، إلى يوم العرض؛ وإلى هذا أشار الإمام يحيى شرف الدين (ع)، بقوله في القصص الحق:
وكلّهم عندنا عدل رضىً ثقة .... حتم محبته حتم تولّيهِ
إلا أناساً جرى من بعده لهمو .... أحداث سوء وماتوا في أثانيهِ
من ردّة ومروق والخروج عن الـ .... أمر الإلهي والقسط المنافيهِ
ماقلتُ إلا الذي قد قال خالقُنا .... في ذكره أو رسولُ الله حاكيهِ
فكلّ حادثة في الدين قد وردت .... وفتنة وامتحان من أعاديهِ
الأبيات.
[خبري السفينة]
هذا، وفي معنى ما تقدم إخباره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن أهل بيته في أمته كسفينة نوح، وباب حطة، وباب السلم.
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى)) رواه إمام اليمن الهادي إلى الحق (ع) في الأحكام؛ وهو خبر معلوم بالتواتر، لااختلاف فيه بين الأمة.
ورواه من أئمة العترة (ع) الإمام علي بن موسى الكاظم في الصحيفة، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله في أماليهما، والإمام أبو عبدالله الموفق بالله /93

(1/93)


الجرجاني، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وغيرهم (ع) كثير.
قال الإمام يحيى شرف الدين (ع): حديث: ((أهل بيتي كسفينة نوح)) أخرجه الحاكم من وجهين عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - يقول: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل)) وفي الوجه الآخر بدون ((ومثل باب حطة...إلخ)).
قلت: وأخرجه عنه الإمام المرشد بالله (ع) بلفظ: ((ومن تخلف عنها هلك))، والإمام أبو طالب (ع) كذلك بدون ((ومثل باب حطة)) إلخ.
قال الإمام شرف الدين: وأخرجه أبو يعلى في مسنده، والطبراني في الصغير والأوسط من غير طريق، والفقيمي وأبو نعيم كذلك، وأبو يعلى عن أبي ذر - رضي الله عنه - أيضاً، والبزار، وابن المغازلي أبو الحسن، وزاد: ((من قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)) وأخرجه الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبزار، وغيرهم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيره.
وأخرجه ابن المغازلي عن سلمة بن الأكوع، وأخرجه البزار عنه، ورواه الطبراني في الصغير والأوسط أيضاً عن أبي سعيد الخدري. انتهى.
من الاعتصام: قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وفي ذخائر العقبى عن علي(ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زخ في النار)).
قال: أخرجه ابن السري.
وفيها أيضاً عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)).
قال ـ أي صاحب الذخائر ـ: أخرجه الملا في سيرته.
قلت: وأخرج الروايتين بلفظهما عن أمير المؤمنين (ع) وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في كتاب الجواهر للقاسم بن محمد اليمني الشقيفي.
قال الحسين /94

(1/94)


بن القاسم (ع): وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة حتى صار في عترة نبيكم)) رواه الإمام المهدي (ع) في الغيث مرفوعاً؛ ووَقْفُهُ على علي (ع) أشهر. انتهى.
[الكلام على حديث السفينة ـ مخرجوه]
وقال في دلائل السبل: وقد أخرجه ـ أي خبر السفينة ـ من المحدثين الحاكم في مستدركه، وابن الأثير في نهايته، والخطيب ابن المغازلي في مناقبه، والكنجي في مناقبه، وأبو يعلى المحدث في مسنده، والطبراني في الثلاثة، والسمهودي في جواهر العقدين، وأخرجه الأسيوطي في جامعيه، وأخرجه الملا، وأخرجه ابن أبي شيبة، ومسدد، وهو في كتاب الجواهر للقاسم بن محمد اليمني المعروف بالشقيفي، وهو في ذخائر المحب الطبري الشافعي.
وأخرجه غيرهم ممن يكثر تعدادهم؛ وأكثرهم أخرجه بطرق كثيرة عن عدة من الصحابة منهم: علي ـ كرم الله وجهه ـ وابن عباس، وأبو ذر الغفاري، وسلمة بن الأكوع.
قلت: وأبو سعيد الخدري، وابن الزبير.
وأخرجه عن عمار أحمد بن حنبل، وعن أنس أحمد والترمذي، وعن ابن عمر الطبراني؛ أفاده السيوطي.
هذا، وقد تحصل هنا ـ بحمدالله ـ من الطرق مافيه الكفاية، وإن وقع التكرير في بعض فلا يخلو عن الفائدة.
قال في الدلائل: ولم يكن قاله النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرة؛ بل مرات، فلهذا في لفظ بعضه: ((ومن تأخر عنها هلك)) وفي بعضها: ((ومن تركها غرق)) وفي بعضها: ((ومن ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زخ في النار)) وفي بعضها زيادة: ((ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)) يعني: من قاتلنا في كل زمان. /95

(1/95)


قال في صحاح الجوهري: وقولهم: لاأفعله آخر الليالي أي: أبداً، انتهى باختصار.
وقد وضح البرهان، بما ورد في أهل بيت النبوة على أبلغ البيان، من وجوب التمسك بهم، وقصر النجاة على ركوب سفينتهم، وأنهم قرناء القرآن، وحجة الله في كل زمان.
[الكلام على خبر المنزلة ـ مخرجوه ـ تواتره]
هذا، وقد نزل الله سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين، من ابن عمه سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بمنزلة نفسه كما نطق به الذكر المبين، وبمنزلة هارون من موسى، على لسان المصطفى، - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كما تواترت به الأخبار عند جميع المسلمين، وهو قوله ـ صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)) هكذا رواه الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال الإمام الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم الصلاة والتسليم -: وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ماكان يجب لهارون مع موسى، ماخلا النبوة؛ وهارون - صلوات الله عليه - فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، إلى آخر كلامه.
وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من قَبْل الإمامين الأعظمين ومن بعدهما وما بينهما، مجمعون على ذلك، محتجون بما هنالك.
وأما سائر فرق الأمة، فقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): فيه من الكتب /96

(1/96)


المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً، من غير رواية الشيعة، وأهل البيت. انتهى.
وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة، الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، في صحيحيهما، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار.
وعلى الجملة، الأمر كما قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع): والخبر مما علم ضرورة، انتهى.
قال السيد الإمام الحسين ابن الإمام (ع) في شرح الغاية بعد سياق رواياته من كتب المحدثين: واتفق الجميع على صحته، حتى صار ذلك إجماعاً منهم.
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حد التواتر.
[الرواة من الصحابة لحديث المنزلة]
قال ابن الإمام: وقد رواه عدد كثير من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، منهم: علي، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس؛ وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه عن سعد بن أبي وقاص من اثني عشر طريقاً، وعن أنس وابن عباس وابن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. انتهى.
قلت: وقد ساق الإمام /97

(1/97)


المنصور بالله (ع)، في الشافي طرقه من كتب العامة، بما فيه كفاية؛ وفي إحدى الطرق المسندة مانصه: سأل رجل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم.
إلى قوله: قولك فيها أحب إلي من قول علي.
فقال: بئس ماقلت ولؤم ماجئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يُغِرُّ العلم غراً، ولقد قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))؛ ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه؛ ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا علي.
قم لاأقام الله رجليك.
ومحى اسمه من الديوان.
ومناقبٌ شهدَ العدوُّ بفضلها .... والحق ماشهدت به الأعداءُ
إلى قول الإمام (ع): وما ظهر منه من تعظيم علي (ع)، فبلطف من الله؛ لتكون الحجة عليه وعلى أتباعه؛ فما عذره عند الله في سب رجل هذه حاله. انتهى.
هذا، وقد تكرر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ البيان، بكون أمير المؤمنين (ع) منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران (ع)، بالأفعال والأقوال، في مقامات جامعة كثيرة، ومقالات واسعة غزيرة.
[فائدة في دلالة الاستثناء على العموم]
وهذا الكلام الشريف النبوي، قد أوجب لسيد الوصيين، من سيد النبيين، كل منزلة كانت لهارون من موسى ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إلا مااستثناه وهو النبوة؛ والاستثناء دليل العموم؛ إذ هو الإخراج من الحكم، والإرادة لما هو داخل بمقتضى الدلالة، فهو قرينة عدم الإرادة، ولايرد عليه الاستثناء المنقطع؛ إذ هو خلاف الأصل بالاتفاق، ولا الاستثناء من المحصور بالعدد، ولام العهد؛ إذ موجب الدخول قد حصل في المحصور بالحصر فلا عموم.
وأما مالا /98

(1/98)


حصر فيه فلا يدخل حتى يصح إخراجه إلا بالشمول، فثبت العموم كما قرر ذلك أرباب التحقيق في محله من الأصول، والله ولي التوفيق.
وأيضاً هذه الصيغة مفيدة للعموم وضعاً؛ إذ هي جنس مضاف إلى معرّف، وقد فَهِمَ عموم المنازل، واستحقاق أعلا المناقب وأعظم الفضائل، أعلامُ الأئمة وعلماء الأمة في الأواخر والأوائل.
ومنها: الشركة في الأمر، كما هو نص الكتاب، وورد في السنة الشريفة في أشرف خطاب.
ومن الأدلة التي يعلم بها قصد العموم: ماذكرناه سابقاً من تكرر وروده، في مقامات صدوره ووروده.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة، لما قال: إنه (ع) استخلف علياً على المدينة، كما استخلف موسى هارون على قومه عند خروجه إلى الطور: والجواب: أنا لم نستدل بسبب استخلافه على المدينة.
إلى قوله: والعمومات لايجوز قصرها على الأسباب، فإذا كان هكذا فالسبب الذي أورده لا يؤثر في الدليل على وجه من الوجوه، وعلى أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يقل هذا القول لأمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت فقط؛ بل أتت الروايات أنه قاله في مواطن كثيرة، وأحوال مختلفة، حتى روى بالإسناد يبلغ به ابن عباس، قال: بينما النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قاعداً، إذ أقبلت فاطمة تبكي؛ ونسق الحديث بطوله إلى أن قال لها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضين أن علياً مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
ومنها في رواية أخرى عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال لأم سلمة: ((ياأم سلمة، هذا لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى؛ ياأم سلمة، هذا أخي في الدنيا وقريني في الجنة، تزول الجبال الراسيات ولايزول عن دينه)).
ومنها: أنه قال ذلك يوم خيبر.
وذكر الصاحب الجليل كافي الكفاة أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ذكر ذلك في تسعة مواضع؛ فعلمنا أن الاعتبار بعموم اللفظ؛ لأن روايته غير مقصورة على سبب واحد.
إلى قوله: هي /99

(1/99)


مطلقة من غير مراعاة سبب، وعلى أن علياً (ع) ذكر ذلك يوم الشورى من غير سبب، وفي رواية الفقيه: رواه بعد قتل عثمان، فوجب أن يكون الاعتبار بعموم اللفظ. انتهى.
[مقامات خبر المنزلة]
ونشير ـ بإعانة الله تعالى ـ إلى تعيين ماتيسر من مقامات الخبر؛ لبيان ذلك، ولما يتضمن كل مقام من الحجج والدلائل؛ وإن كانت فضائله - صلوات الله عليه - بحراً ليس له ساحل؛ ولقد أحسن صاحب الهمزية حيث يقول:
كل لفظ له ابتدأت به استو .... عب أخبار الفضل منه ابتداء
والترتيب هذا في الذكر لا في الوقوع.
فالأول: ماتقدم في تبوك.
الثاني والثالث: ماأشار إليهما الإمام (ع)، في خبري فاطمة وأم سلمة ـ رضوان الله عليهما ـ؛ وقد رُويا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بطرق كثيرة.
الرابع: مارواه ابن عباس ـ أيضاً رضي الله عنهما ـ، أنه قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس:
كنت أنا، وأبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، ونفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبيه، ثم قال: ((ياعلي أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً))، ثم قال: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب عليَّ من زعم أنه يحبني ويبغضك))، أخرجه الحسن بن بدر في ما رواه الخلفاء، والحاكم في الكنى، والشيرازي في /100

(1/100)


الألقاب، وابن النجار؛ أفاده ابن الإمام (ع) في شرح الغاية.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: فكيف يقول عمر: أحب إلي مما طلعت...إلخ؟ وقد شارك علياً من هو دون عمر عند الناس.
وقال في موضع آخر: وقد استخلف النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كثيراً من الصحابة عند مغيبه على المدينة.
إلى قوله: ولم يرو في أحد منهم عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ماروي في علي من المنزلة؛ فلو لم يكن المراد إلا الاستخلاف على المدينة حال غيبته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يكن لتخصيص علي وجه؛ إذ قد شاركه البقية من الصحابة، ولم يكن لقول عمر....إلخ، وكذا قول سعد: لن أسب علياً مهما ذكرت خصالاً؛ وعدّ منها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون، إلخ)).
قلت: وكذا إيراد أمير المؤمنين (ع) له في مقامات الاحتجاج، كما في خبر المناشدة.
وقول علي بن الحسين (ع): ما خالف علياً أحد فسعد ولا رشد؛ وكيف لا يكون كذلك وهو من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى (ع)؟! رواه الإمام المنصور بالله (ع) بسنده إلى الباقر عن أبيه (ع).
وقول علي بن الحسين أيضاً: فمن هذا الذي هو من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى؟!! وهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون؟...إلخ، رواه عنه محمد بن سليمان من ثلاث طرق.
وقول شعبة بن الحجاج: فهارون أفضل أمة موسى، فيكون علي (ع) أفضل من كل أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، صيانة لهذا النص الصريح الصحيح ـ يعني خبر المنزلة ـ، رواه الكنجي، واستدل به جميع العترة المطهرة، الإمام الأعظم زيد بن علي فمن بعده ـ صلوات الله عليهم ـ على الإمامة كما ذلك معلوم.
هذا، وكذا قول الحسن البصري فيه ـ صلوات الله عليه ـ: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ايتمانه على براءة، وما قال له في غزاة تبوك؛ فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه، وقول النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((الثقلان كتاب الله وعترتي))، وأنه لم يُؤمّر عليه أمير قط، وقد أُمّرت الأمراء على غيره؛ رواه في شرح /101

(1/101)


النهج مع رواية أخرى عن الحسن ذكر منها براءته عن الانحراف، وفيها: ما أقول فيه؟ كانت له السابقة، والفضل، والعلم، والحكمة، والفقه، والرأي، والصحبة، والنجدة، والبلاء، والزهد، والقضاء، والقرابة؛ إن علياً كان في أمره علياً، رحم الله علياً، وصلى عليه.
قال الراوي: فقلت: يا أبا سعيد، تقول: صلى عليه لغير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؟.
فقال: رحِّم على المؤمنين إذا ذكروا، وصل على النبي وآله؛ وعلي خير آله.
قلت: هو خير من حمزة وجعفر؟.
قال: نعم.
قلت: وخير من فاطمة وابنيها؟.
قال: نعم، والله إنه خير آل محمد كلهم، ومن يشك أنه خير منهم، وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وأبوهما خير منهما)).
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لفاطمة: ((زوجتك خير أمتي)) فلو كان في أمته خير منه لاستثناه؛ ولقد آخى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بين أصحابه، فآخا بين علي ونفسه، فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خير الناس نفساً، وخيرهم أخاً.
إلى قوله: يا ابن أخي، احقن دمي من هؤلاء الجبابرة.
رواه ابن أبي الحديد عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي قال: ووجدته في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي. انتهى.
وهذا شيء عرض، ولنا فيه غرض.
قال ـ أيده الله ـ: كرر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذكر ذلك، في مواطن ويقول لعلي: ((أما ترضى)) وكيف يرضيه بأمر قد شاركه فيه من هو دونه؟ إن هذا لبين، وإنما العناد لاحيلة له.
وعلى أصل الفقيه، يكون قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضى))..إلخ أي: أما ترضى أن تكون بمنزلة ابن أم مكتوم وسائر الصحابة؟!!
وكيف يرجع علي راضياً مستبشراً حتى أنه رجع ساعياً، ورؤي غبار قدميه ساطعاً، من شدة عدوه، كما في حديث أخرجه أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك؛ ومحمد بن سليمان الكوفي كذلك؛ لأنه قد حصل له منزلة ابن أم مكتوم ونحوه؟!!
إن هذا من تحريف من قلبه مختوم، وعند الله تجتمع الخصوم. انتهى. /102

(1/102)


الخامس: في المقام الأعظم، والأمر المقدم، وذلك سبب نزول آية الولاية، ومن ألفاظ الرواية، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي مسنداً، قال: بينما عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذ أقبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لايقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إلا وقال الرجل: قال رسول الله، فقال له ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟
قال: فكشفَ العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري؛ سمعتُ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، يقول: ((علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أما إني صليت مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء؛ وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، فلم يعطني أحد شيئاً؛ وكان علي راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: ((اللهم إن موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري؛ فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } [القصص:35]، اللهم، وأنا محمد نبيك /103

(1/103)


وصفيك، اللهم، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري)).
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكلمة، حتى نزل عليه جبريل (ع)، من عند الله، فقال: يا محمد، اقرأ.
قال: وماأقرأ؟
قال: اقرأ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]. انتهى.
رواه (ع) من تفسير الثعلبي، ورواه الحاكم الحسكاني عن أبي ذر.
وروى مافي هذا الحديث من الدعاء بزيادة ((وأشركه في أمري)) محمد بن سليمان بسنده إلى أسماء بنت عميس، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وأخرجه عنها أحمد بن حنبل؛ ذكره الأمير في شرح التحفة؛ أفاده في التخريج.
قلت: وروى الإمام (ع) نحو حديث أبي ذر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: ((واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري، وأشركه في أمري)) ولم يذكر آية الولاية، وقال عقيب الدعاء: فأنزل الله تعالى على نبيه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} [مريم]، إلى قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام)).
والله أنزل في علي كرائم القرآن. انتهى.
رواه في الشافي مسنداً.
ورواه ابن المغازلي، والفقيه حميد الشهيد، والحاكم الحسكاني، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقد ذكرت الكلام على هذه الآية الشريفة، وغيرها من الآيات والأخبار والآثار، في التحف الفاطمية ، شرح الزلف الإمامية، نفع الله تعالى بها بما فيه بلاغ لأولي الأبصار، فما أعدت الكلام هنا فيه على ماذكر هنالك؛ فلأجل إفادة لم تسبق، أو لانسياق البحث إلى ذلك، والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بعد ذكر الأسانيد: فقد اتفق الخاصة /104

(1/104)


والعامة، على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب (ع)؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته (ع)، ووجوب خلافته عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)، فهو الولي النافذ التصرف في الأمة؛ كما يقال: هذا ولي المرأة وولي اليتيم.
إلى قوله: وقد شرك سبحانه مع ولايته وولاية رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ثالثاً، وعينه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة، إشارة متفقاً عليها من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية، ماثبت لله تعالى ولرسوله على كافة خلق الله تعالى. انتهى.
[خبر الراية وقصة فتح خيبر]
السادس: في فتح خيبر، ومن ألفاظه الشريفة ما رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم (ع)، بإسناده عن جابر: أن علياً(ع)، لما قدم من خيبر بعد ما افتتحها، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي، ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً، لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب نعليك، وفضل طهورك، يستشفون به؛ ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيء بعدي، وأنك تبري ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك على الحوض خليفتي، وأنك أول من يكسى معي، وأنك أول داخل معي من أمتي الجنة، وأن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم، أشفع لهم غداً، ويكونون غداً جيراني، وأن حربك حربي، وسلمك سلمي، وأن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وأنك امرؤ /105

(1/105)


سريرة صدره كسريرة صدري؛ وأن ولدك ولدي، تنجز عداتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأمة يعدلك، وأن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك، حتى ترد الحوض معي)).
وأخرجه الخطيب ابن المغازلي بسنده عن جابر، وفيه بعد قوله: ((ولايغيب عنه محب لك)) فخر علي ساجداً، وقال: الحمد لله الذي منَّ علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، وأكرم أهل السماوات وأهل الأرض على ربه، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله في جميع العالمين، إحساناً منه تعالى إليّ، وتفضلاً منه عليّ.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أنت ياعلي، ماعُرف المؤمنون بعدي؛ لقد جعل الله ـ عز وجل ـ نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك، يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي، وأعزهم عندي، ومحبك أكرم من يرد عليّ من أمتي)).
أفاده حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ في محاسن الأزهار.
ورواه الخوارزمي في الفصول، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)؛ كما ساقه هنا من دون اختلاف يخل بشيء من المعنى، إلا أن فيه زيادات نحو: ((وأنت باب علمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار)) قال: فخررت لله ساجداً، وحمدته على ماأنعم به من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين، وسيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[مخرجوا خبر فتح خيبر]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي بعد روايته لما تقدم: ورواه الإمام القاسم بن إبراهيم، من طريقة عبد الرزاق بن همام، بسنده إلى جابر، قال: لما قدم علي على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بفتح خيبر، قال له: ((لولا أن تقول فيك طوائف إلخ)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى جابر بن عبدالله من طريقين.
ورواه ابن المغازلي بإسناده عن جابر في مناقبه.
ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر.
ورواه محمد بن منصور المرادي، بسنده إلى جابر؛ ذكره الإمام أحمد بن سليمان.
وقد روى هذا /106

(1/106)


السيوطي في الجامع الكبير، وساق سنده من طريق ابن المغازلي، عن جابر؛ ذكره محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة العلوية، وقال: وعلى فصوله شواهد.
وأخرجه الخوارزمي عن علي، والكنجي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف)) إلى آخر ماهنا بيسير اختلاف. انتهى.
[تواتر خبر فتح خيبر ـ دلالته على عصمة أمير المؤمنين (ع)]
نعم، وفي هذا الخبر إشارة إلى فتح خيبر، الذي وعد الله تعالى به رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشيد ذكره في الآيات؛ وقد أظهر الله تعالى فيه لسيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المعجزات النيرات، وأكرم به سيد الوصيين (ع) بغاية الكرامات البينات، وهو من المتواترات التي أطبق على نقلها أرباب الروايات؛ وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لما نزل بعسكر الإسلام، لمحاصرة خيبر، وقف المسلمون عدة أيام ينازلونهم فلا يفتح عليهم، وكان الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في تلك المدة قد أصابه الرمد، فأخذ أبو بكر اللواء، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه؛ ثم أخذها عمر كذلك؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد أصابه ألم الشقيقة، فاشتد الخطب، وعظم الأمر، فخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على المسلمين، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)) فتطاول لها الناس؛ لما يعلمون من تأثر أمير المؤمنين (ع) وكان فيمن تطاول لها أبو بكر، وعمر.
قال الإمام في الشافي: وفي كثير من الروايات: فاستشرف لها كبار الصحابة كل يريدها لنفسه.
وفي بعضها: فأمسى المسلمون يدوكون ليلتهم. /107

(1/107)


انتهى.
فأرسل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمير المؤمنين (ع)؛ فقالوا: يا رسول الله، مايبصر.
قال: ((ائتوني به)).
فتفل في عينيه وقال: ((اللهم اكفه الحر، والبرد))، فما ضره بعد ذلك حر ولا برد، ولا ألم العيون؛ وأعطاه الراية، فنهض معه المسلمون، ولقي أهل خيبر، وخرج مرحب يرتجز بين أيديهم ويقول:
قد علمَتْ خيبرُ أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
الأبيات.
فأجابه الوصي (ع):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... كليث غابات شديد قسورة
الأبيات.
وضربه ضربة سمع أهل العسكر صوت ضربته، وما تتام الناس حتى فتح لأولهم واقتلع الباب وحمله، حتى صعد المسلمون عليه، وما حمله بعد ذلك دون أربعين؛ قال ابن أبي الحديد:
ياحامل الباب الذي عن رده .... عجزت أكف أربعون وأربعُ
وقال في أخرى:
وما أنس لا أنس الَّذَين تقدما .... وفَرَّهما والفرُّ - قد علما - حوبُ
عذرتكما إن الحِمَام لمبْغَضٌ .... وإن بقاءَ النفس للنفس محبوبُ
ويكره طعم الموت والموت طالب .... فكيف يلذّ الموت والموت مطلوبُ
قلت: وقد وردت الرواية بأخذ عمر للراية أولاً، وأبي بكر ثانياً، ثم عمر ثالثاً.
قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة مالفظه: لأن قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية غداً)) تعريف بأنه أحق وأولى، ولو كان أولاً وفتح الله على يديه لظن الناس أن غيره لو كان أعطيها لفتح الله عليه؛ فقدمهما ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ ليعرف تباين الأحوال؛ وتمييز موارد الرجال.
*وبضدها تتبين الأشياء *
ثم وصف ذلك /108

(1/108)


الرجل بأنه: ((يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)).
إلى قوله: وقوله (ع): ((كراراً غير فرار)) منه بيان تباين الحالين، حال مَنْ فَرّ في ذلك اليوم، وحال من يكر ولايفر؛ واقتضى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كراراً غير فرار)) أنهما سجيته (ع).
إلخ كلامه (ع).
[رواة خبر فتح خيبر]
وقد روى خبر فتح خيبر كما سبق حفاظ الأنام، وأئمة الإسلام، فمن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر للحق، والإمام أبو طالب عن جابر من طريقين، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن، وأخوه الأمير الحسين، وغيرهم من أعلام أهل البيت، وشيعتهم، والعامة.
وقد جمع المولى العلامة الحسن في تخريج الشافي مافيه الكفاية، فقال أيده الله: وحديث الراية وقول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) فأعطى علياً وفتح خيبر على يديه.
رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة: عن أبي سعيد، وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه، وتجبينهم إياه؛ وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عمران بن الحصين، وعن سهل، وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمر، وعن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر، من مناقبه.
وروى ابن المغازلي قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) إلخ بأسانيده، عن إياس بن سلمة عن أبيه من طريقين، وعن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن أبي سعيد الخدري من طريق، وعن بريدة من /109

(1/109)


طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص بطريق، وفي بعضها زيادة، وبعض نقص. من المناقب .
وكذا رواه في خصائص النسائي، عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد.
فأما عن سعد بن أبي وقاص فبثلاث طرق، وكلها متفقة على مايفيد عصمة علي(ع).
قلت: لإخبار الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقطع على محبة الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ له، والقطع على مغيب الوصي (ع)، بمحبته لله ولرسوله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقال ـ أيده الله ـ: وكذا رواه في الخصائص عن الحسن بن علي (ع)، وعن عمران بن حصين، وعن أبي هريرة من أربع طرق، وكذا عن ابن عباس من حديث التسعة الرهط الذين قال فيهم: أُفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، ومنها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يجب الله)) إلخ.
وذكر حديثاً فيه، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه))، فتطاولوا لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((أين علي؟)).
فقالوا: هو أرمد.
قال: ((فادعوه)).
فدعوه، فبصق في عينيه؛ ثم أعطاه الراية إلخ.
أخرجه ابن أبي شيبة والنسائي عن سعد بن أبي وقاص. من التفريج.
ومثل: حديث سعد، أخرجه أحمد، عن سعيد بن المسيب.
قال في التفريج: وحديث الراية أخرجه البخاري، ومسلم، وسائر المحدثين بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مالك والدار قطني، والبخاري، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، من التفريج بالمعنى.
وأخرجه أبو طالب عن جابر من طريقين، وأصل الحديث: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)) فأعطى علياً.
رواه البخاري في آخر الجزء الثالث، رفعه إلى سلمة بن الأكوع، وإلى سهل بزيادة: فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أين /110

(1/110)


علي؟)).
فقالوا: يشتكي عينيه.
فدعا له فبريء.
ورواه في الجزء الرابع، رفعه إلى سهل أيضاً، وفي آخره قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك)) إلخ.
وفي الجزء الخامس، رفعه إلى سلمة، وإلى سهل.
ورواه مسلم في الجزء الرابع، بإسناده إلى عمر بن الخطاب، وإلى ابن عباس، وإلى أبي هريرة، ورواه عن سلمة بن الأكوع.
ورواه الترمذي بإسناده إلى سلمة؛ ذكره رزين في الجزء الثالث في الجمع بين الصحاح.
أفاد هذا، الإمام الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين.
وقد روى نحو حديث الثعلبي في الأصل ـ قلت: يعني الشاف،ي وهو خبر الراية ـ ابن المغازلي، والكنجي، والنسائي عن بريدة وفيه: أخذ أبو بكر أول يوم الراية، وفي اليوم الثاني عمر.
وأخرج نحوه بطوله محمد بن يوسف الكنجي عن بريدة، إلا أنه لم يذكر فيه التجبين، وقال: أخرجه ابن السمان.
وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: كان علي يخرج في الشتاء في إزار، ورداء، ثوبين خفيفين، وفي الصيف في القبا المحشو والثوب الثقيل، لا يبالي بذلك.
فقيل لأبي ليلى: لو سألته عن هذا.
فسأله فقال: وما كنتَ معنا يا أبا ليلى بخيبر؟
قال: بلى والله لقد كنت معكم.
وساق الخبر حتى قال: فقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار)) فأرسل إليّ فأتيته، وأنا أرمد لاأبصر شيئاً، فتفل في عينيّ وقال: ((اللهم اكفه الحر والبرد)) فما آذاني بعده حر ولابرد.
أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، والبزار، وابن جرير وصححه، والنسائي في خصائصه، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور.
وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره)) قال: ((أين علي بن أبي طالب؟)).
قالوا: يارسول الله، مايبصر.
قال: ((آتوني به)) فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله /111

(1/111)


وسلم ـ: ((أُدْنُ مني))؛ فدنا منه فتفل في عينيه ومسحهما بيده، فقام علي من بين يديه كأن لم يرمد.
أخرجه مالك بن أنس، والبخاري، والدارقطني في سننه، وابن عساكر. انتهى شرح غاية.
ثم ساق الروايات إلى قوله: قال الحاكم: هذا حديث دخل في حد التواتر.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: قال أبو القاسم الطبري: فتح علي خيبر ثبت بالتواتر.
إلى قوله: انتهى ماأردت نقله على جهة الاختصار، والأمر فيه أجلى من النهار، والحديث دليل على فضل علي وعصمته، والقطع على مغيبه، وأنه أحق الأمة بمقام أخيه محمد، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة: وهذه القضية من أشهر القضايا، رواها عدة من الصحابة.
وسرد جماعة من الرواة قد تقدموا.
إلى قوله: وهي من أشهر القضايا عند جميع الطوائف.
انتهى المراد من التخريج بتصرف يسير.
قال الأمير: قد اشتملت هذه القصة على معجزات للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعلى فضائل لوصيه (ع).
إلى قوله: فمن معجزاته الإخبار بالغيب من فتح خيبر، واستجابة دعوته، وشفاء الرمد بريقه في ساعته، وفي أنه (ع) يُكفى الحر والبرد.
إلى قوله: ومن الفضائل إخبار من لاينطق عن الهوى، أن وصيه (ع) يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهذه فضيلة تتضاءل عنها الفضائل؛ فإنها جملة تحتها جمل يعجز عن تفصيلها لسان كل قائل.
إلى قوله: كما أن الإخبار بأنه (ع) يحبه الله ورسوله، جملة تحتها أسفار من التفصيل.
إلى قوله: وكل فضيلة أخبر الرب ـ جل جلاله ـ أنه يحب المتصف بها، فقد دخل تحت الاتصاف بها، دخولاً أولياً.
قلت: يعني كالمحسنين والمتقين، والصابرين والمتطهرين.
قال: لأن الصادق المصدوق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قد أخبر أن الله يحب وصيه، وأطلق الفعل عن التقييد، بسبب المحبة؛ فهو صادق على متعلقاته كلها. /112

(1/112)


كما أفادت أيضاً نفي كل رذيلة لايحب الله المتصف بها، كالظلم، لا يحب الله الظالمين؛ وكالاختيال والفخر: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} [لقمان]، وغير ذلك مما لايأتي عليه العد، ولو أفردت هاتان الكلمتان بتأليف، لجاء بسيطاً.
إلى قوله: ومن هنا يظهر سر الإخبار من الصادق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق؛ لأن المؤمنين هم الذين يحبون ماأحب الله ورسوله وملائكته، فيالله، هاتان الجملتان ما اشتملتا عليه من الاتصاف بالفضائل، وما أفادتاه من طهارته (ع) من الرذائل!، ولا غرو، فهي من تحت شفاة من لا ينطق عن الهوى، ومن لسان من أوتي جوامع الكلم؛ فلأمرٍ ما اختار هذه الصفات في ذلك المقام، تنويهاً بالثناء، وإعلاماً بما منحه الله من الحسنى.
ومن فضائله (ع) وصفه بأنه كرار غير فرار؛ فإنها نهاية في وصفه بالشجاعة المحبوبة لله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللعقلاء من كل ملة ونحلة.
إلى قوله: ولايحسن الإطناب في كون الشجاعة صفة مدح، ولا في كونه كان أكمل الناس اتصافاً بها؛ لأن الإطناب في ذلك كالإطناب في وصف الشمس بالإضاءة والإشراق، ووصف الليل والنهار بالتعاقب والافتراق. انتهى.
قلت: ودلالة خبر الغدير وخبر المنزلة، وغيرهما من الآيات والأخبار، التي هي أجلى من شمس النهار، قولاً وفعلاً وحالاً على إمامته ـ صلوات الله عليه ـ وعصمته، وقيام حجته متجلية المنار، واضحة الشموس والأقمار، لأولي الأبصار.
والشمس إن خفيت على ذي مقلة
وَسط النهارِ فذاكَ محصولُ العمى /113

(1/113)


وقد قرر الدلالات أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، في مباحث الأصول، بما فيه كفاية لأرباب المعقول والمنقول.
ونرجع بإعانة الله إلى السياق في بيان مقامات خبر المنزلة.
[حديث الإنذار واللواء ـ مخرجوهما]
السابع:
حال الإنذار، وممن رواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، بسنده إلى عبدالله بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ عن علي (ع) قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، دعاني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وساق الرواية إلى قوله: ثم دعاهم فقال: ((إن الله ـ عز وجل ـ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، ورهطي المخلصين؛ فأنتم عشيرتي الأقربون، ورهطي المخلصون؛ وإن الله ـ عز وجل ـ لم يبعث نبياً، إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً؛ فأيكم يقوم فيها يعينني، على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي، ووصيي وخليفتي في أهلي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).
إلى قوله: فقام علي (ع)، وهم ينظرون كلهم؛ فبايعه وأجابه إلى مادعاه إليه؛ فقال: ادن مني، فدنا منه؛ فقال: افتح فاك؛ فمجّ فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وبين يديه.
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ملأته عِلْمَاً، وحُكْمَاً وفَهْمَاً)).
قال الإمام (ع): وهذا قليل من كثير، مما نرويه في هذا الباب.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: روى هذا الخبر محمد بن سليمان الكوفي، عن علي (ع) بسنده إليه.
إلى قوله: وروى هذا الخبر بسنده إلى ابن عباس وفيه: ((أيكم يوازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري)).
ورواه الحاكم في السفينة، عن مسعدة العبدي أنه سئل علي ـ عليه /114

(1/114)


السلام ـ: بم ورثت ابن عمك دون عمك؟
فقال: جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ...وسرد حديث الإنذار، وفيه: ((ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
وفيه: ((فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، ووصيي ووارثي؟)) إلخ.
إلى قوله: قال: وعن جابر من حديث طويل: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
ذكره السيد الشرفي، في الآلي المضيئة، انتهى.
[أخبار المؤاخاة]
الثامن:
في خبر المؤاخاة.
ومن رواياته الشريفة، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله (ع)، في الشافي، عن مجدوح بن زيد الهذلي، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ آخا بين المسلمين، ثم قال: ((يا علي أنت أخي مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؛ أما علمت يا علي، أنه أول من يدعا به يوم القيامة يدعا بي؛ فأقوم عن يمين العرش، فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعا بالنبيين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين عن يمين العرش، ويكسون حللاً خضراً من حلل الجنة؛ ألا وإني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة؛ ثم أنت أول من يدعا؛ لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي، وهو لواء الحمد، فتسير به بين السماطين، آدم (ع) وجميع خلق الله يستظلون بظل لوائي؛ وطوله مسيرة ألف سنة)) الخبر.
قال في تفريج الكروب: رواه أحمد بن حنبل عن مجدوح بن زيد الهذلي، ورواه الخوارزمي في فصوله. انتهى.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ورواه الخوارزمي، وابن المغازلي عن /115

(1/115)


عطية بن زيد الباهلي، ورواه الأكوع بسنده إلى عطية في الأربعين، ورواه الفقيه حميد الشهيد بطريقه إلى ابن المغازلي بسنده إلى زيد الباهلي، ورواه أحمد في مسنده، وفي كتاب فضائل علي، انتهى بتصرف.
قلت: وقد تقدم له ـ رضي الله تعالى عنه ـ ما لفظه: وروى ـ أي محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ بإسناده إلى عبدالله بن أبي أوفى، قال: دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أصحابه.
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((إنما ادخرتك لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت أخي ووصيي، ووارثي)) إلخ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت أخي ووارثي)).
أخرجه أحمد بن حنبل، عن زيد بن أبي أوفى. من التفريج، انتهى.
وأخرج الإمام في الشافي، بسنده إلى أنس، من خبر طويل في المؤاخاة، قال فيه: فأخذ بيده فأرقاه المنبر وقال: ((اللهم إن هذا مني وأنا منه؛ ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى؛ ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
قال: فانصرف علي (ع)، قرير العين، فاتبعه عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ ياأبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
وقال حذيفة في حديثه: فرسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له شيبه ولا نظير، وعلي أخوه. انتهى.
وقد جمع هذا الخبرُ الشريف خبرَ الموالاة والمنزلة والمؤاخاة، والحمد لله.
[حديث: سد الأبواب إلا باب علي ـ مخرجوه]
التاسع:
في خبر الأبواب.
ومن ألفاظه النبوية، مارواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع)، عن جندب بن عبدالله الأزدي قال: شهدت أبا ذر، وهو /116

(1/116)


آخذ بحلقة باب الكعبة يقول: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لسلمان حين سأله: من وصيّك؟
فقال: ((وصيي، وأعلم من أخلف بعدي: علي بن أبي طالب)).
وسمعته يقول، حين أخرج الناس من المسجد وأسكن علياً: ((إن عليا مني بمنزلة هارون من موسى))، ثم قال: ((ألا إن رجالاً وجدوا من إسكاني علياً وإخراجهم؛ بل الله أسكنه وأخرجهم)) انتهى.
وروى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي (ع): ((أنت وارثي)).
وقال: ((إن موسى سأل الله أن يطهر مسجده لهارون وذريته، وسألت الله أن يطهر مسجدي لك ولذريتك)).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه ابن ميمون، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي، قال: أخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيدي، وقال: ((إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده لهارون وذريته))، وكذا في رواية أبي نعيم له.
وروى في المحيط علي بن الحسين، قال: حدثني أبي قال: حدثني قاضي القضاة؛ وساق سنده إلى شعبة قال: سمعت سيد الهاشميين زيد بن علي بن الحسين بن علي بالمدينة، في الروضة، يقول: حدثني أخي محمد بن علي أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سدوا الأبواب كلها إلا باب علي)).
وأومأ زيد إلى بابه. انتهى.
وأخرجه بسنده إلى سعيد، إلى آخر مافي المحيط.
قال: وروى في المحيط بسنده إلى جابر بن عبدالله، قال: كنا نصلي في المسجد، ومعنا علي بن أبي طالب؛ قال: فخرج علينا رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، ومعه عسيب من رطب، فضربنا به فانجفلنا، وانجفل علي بن أبي طالب معنا، وأدركه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((إنك لست كهيئتهم؛ إنه يحل لك في المسجد مايحل لي؛ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي؛ كأني بك على حوضي)).
إلى قوله: ((تذود عنه رجالاً؛ كما يذاد البعير الصادي عن الماء؛ يقتلك أشقى /117

(1/117)


هذه الأمة، كما قتل ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود)). انتهى.
ورواه محمد بن سليمان، عن جابر بلفظ: ((كأني بك عن حوضي تذودهم))؛ ولم يذكر فيه: ((أما ترضى)) إلخ.
والحديث المروي في المحيط، عن زيد بن علي، رواه أبو علي الصفار، بإسناده إلى زيد بن علي قال: حدثني أخي محمد..إلخ.
قال في الإقبال، في ترجمة حرام بن عثمان الأنصاري: وهو الراوي بسنده عن جابر: جاء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ونحن مضطجعون.
وساق الحديث وفيه: ((تعال يا علي، فإنه يحل لك من المسجد مايحل لي، والذي نفسي بيده، إنك لذوَّاد عن حوضي يوم القيامة)). انتهى.
وقال الكنجي، بعد أن أخرج حديث جابر: وهكذا رواه ابن عساكر في تاريخه.
ورواه محمد بن سليمان، عن جابر من طريقة حرام بن عثمان.
وعن أبي جابر من طريقته أيضاً.
قال: وأخرج الكنجي عن أبي رافع، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خطب الناس، فقال: ((ياأيها الناس، إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لايبيت في مسجدهما جنب، ولايقرب فيه النساء، إلا هارون وذريته، ولايحل لأحد أن يُعَرِّس النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب، إلا علي وذريته)).
وقال: ذكره الحافظ الدمشقي، في مناقب علي (ع).
انتهى المراد من التخريج.
قال الإمام (ع) في الشافي: وروينا عن الفقيه بهاء الدين هذا، يبلغ به الحسن بن علي الشافعي، بسنده إلى عدي بن ثابت، قال: خرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المسجد، فقال: ((إن الله أوحى إلى نبيه موسى: أن ابن لي مسجداً طاهراً، لايسكنه إلا موسى وهارون، وأبناء هارون؛ وإن الله أوحى إليّ: أن أبنيَ مسجداً طاهراً، لايسكنه إلا أنا وعلي، وأبناء علي)).
وبهذا الإسناد يبلغ به حذيفة، قال: لما قدم أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد، فقال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتبيتوا في المسجد فتحتلموا))، ثم إن القوم بنوا بيوتاً حول /118

(1/118)


المسجد، وجعلوا أبوابها إلى المسجد؛ وإن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر، فقال: إن الله يأمرك أن تخرج من المسجد، وتسد بابك الذي فيه.
وساق الخبر في سد أبواب الصحابة.
إلى قوله بعد ذكر علي (ع): وكان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد بنى له بيتاً في المسجد، بين أبياته؛ فقال له النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: ((أسكن طاهراً مطهراً)).
إلى قوله في مخاطبة الرسول لحمزة، وبيان تخصيص علي (ع): ((والله ماأعطاه إياه إلا الله، وإنك لعلى خير من الله ورسوله؛ أبشر)) وبشره النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقتل يوم أحد شهيداً.
ونَفِسَ ذلك رجال على علي (ع)، فوجدوا في أنفسهم، فبيّن فضله عليهم، وعلى غيرهم من أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فبلغ ذلك النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقام خطيباً فقال: ((إن رجالاً يجدون في أنفسهم في أن أُسكن علياً في المسجد؛ والله، ما أخرجتهم ولاأسكنته؛ إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه: {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } [يونس:87]، وأمر موسى (ع)، أن لايسكن مسجده، ولاينكح فيه ولايدخله إلا هارون وذريته؛ وإن علياً بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي، فمن ساءه فهاهنا))، وأومأ بيده نحو الشام.
وساق الإمام (ع) الروايات في سد الأبواب إلا باب علي (ع)، عن سعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب.
إلى قوله: وبه عن نافع، مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؟
قال: ما أنت وذاك، لا أم لك.
ثم قال بعد ذلك: أستغفر الله؛ خيرهم بعده من كان يحل له مايحل له، ويحرم عليه مايحرم عليه.
قلت: من هو؟
قال: علي، سد أبواب المسجد وترك باب علي وقال له: ((لك في هذا المسجد مالي، وعليك ماعلي؛ أنت وارثي ووصيي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتُقتل /119

(1/119)


على سنتي، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني)).
قال (ع): فهذه الأخبار، مما صحت لنا روايته في سد الأبواب، جمعناها ليقف عليها الفقيه، وليميز بينها وبين مايرويه، من هذا الجنس وغيره.
إلى قوله: فإن كان من أهله علمه، وإلا فسواه يعلمه، ولايضر العناد إلا المعاند.
انتهى المراد، وساق في التخريج ـ أيده الله ـ طرق أخبار سد الأبواب، وهي متواترة معلومة لأولي الألباب.
[رد لما أورده البخاري في شأن خوخة أبي بكر]
وأما مارواه البخاري في أبي بكر فقد كفى المؤونة في الرد على البخاري وغيره، حفاظُ القوم من المحدثين، فكيف بالعترة الطاهرين؟
قال ابن حجر في فتح الباري، شرح البخاري: جاء في سد الأبواب أحاديث، منها حديث سعد بن أبي وقاص: أمر رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد، وترك باب علي.
أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي، وفي رواية الطبراني: ورجاله ثقات.
إلى قوله: وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة إلى المسجد؛ فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سدوا هذه الأبواب إلا باب علي)) فتكلم ناس، فقال: ((إني والله ماسددت شيئاً ولا فتحته، ولكني أُمرت بشيء فاتبعته)).
أخرجه أحمد، والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات.
وعن ابن عباس: أمر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأبواب المسجد، فسدت إلا باب علي.
وفي رواية: فكان علي يدخل المسجد وهو جنب، ليس له طريق غيره.
أخرجهما أحمد، والنسائي، ورجالهما ثقات.
وعن جابر مثل هذه أخرجه الطبراني.
وعن ابن عمر.
إلى قوله: سد الأبواب إلا بابه.
أخرجه أحمد وإسناده حسن.
وأخرج النسائي من طريق العلا بن عرار، قال: قلت لابن عمر: أخبرني عن علي.
إلى قوله: انظر إلى منزلته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قد سدّ أبوابنا في المسجد، وأقرّ بابه.
ورجاله رجال الصحيح إلا العلا، وقد وثقه يحيى بن معين.
أفاد هذا في التخريج.
قال ـ أيده الله ـ: تمت من كتاب /120

(1/120)


الإمام محمد بن عبدالله الوزير، والحمد لله تعالى.
قلت: وكلام ابن حجر قد وقفت عليه في فتحه، والله الموفق.
قال في تفريج الكروب: وقال الحافظ ابن حجر: قصة علي في سد الأبواب: وأما سد الخُوَخ فالمراد به طاقات كانت في المسجد، يستقربون منها؛ فأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في مرض موته بسدها، إلا خوخة أبي بكر.
وقال فيما تقدم: قد ألّف الأسيوطي كتاباً فيما ورد من سد الأبواب إلا باب علي، وما ورد في الخوخة لأبي بكر، وسماه (سدُّ الأبواب في سدِّ الأبواب).
إلى قول الأسيوطي: كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله.
وعبارة الكلاباذي: لاتَعارُضَ بين قصة علي، وقصة أبي بكر.
إلى قوله: وأبقيت خوخة أبي بكر فقط.
وأما باب علي، فكان داخل المسجد، يخرج منه ويدخل منه.
إلى قول صاحب التفريج: ثم قال ـ أي السيوطي ـ: قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة؛ بل المتواترة، أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منع من فتح باب شارع إلى المسجد، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمه العباس، ولا لأبي بكر، إلا لعلي (ع)؛ لمكان ابنته، ومن فتح خوخة صغيرة، أوطاقة أو كوة، ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمر، إلا لأبي بكر.
قال في تفريج الكروب: هذا تعليل السيوطي، في أمر لا علة له، إلا أمر الله بنص الحديث، وفي ذلك الحديث المصدَّر من قول الراوي في عثمان وعنده رقية ما يفيد أنه لم يعتبر ذلك. انتهى.
قلت: وقد صرح الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن ذلك لكونه منه بمنزلة هارون من موسى (ع)، ولكنهم يأبون إلا مدافعة البراهين بكل وسيلة.
وقد أيد الله الحق، وأخرج الصدق، على ألسنتهم، والحمد لله رب العالمين.
وقال في تفريج الكروب: قال السيوطي: فأقول: قد ثبت في الأحاديث السابقة، وقرر العلماء، أن أبا بكر لم يؤذن له في فتح الباب؛ بل أمر بسد بابه؛ /121

(1/121)


وإنما أذن له في خوخة صغيرة وهي المراد في حديث البخاري.
انتهى المراد.
قال المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في التخريج: وروى حديث سد الأبواب إلا باب علي، ابن المغازلي عن حذيفة بن أسيد، وعن سعد من طريقين، وعن البراء بن عازب، وعن ابن عباس من طريقين، وعن ابن عمر.
وقد مرّ إخراج أبي طالب له عن أبي ذر، وكذا رواية الصفار، عن جابر وعن ابن عمر، وكذا عن أسماء بنت أبي عميس: ((إن مسجدي حرام)) إلخ.
وأخرجه البيهقي عنها، وأخرج عنها، وابن عساكر: ((لايحل مسجدي)) إلخ.
وأخرج ابن المغازلي خبر سد الأبواب إلا باب علي، عن جعفر بن محمد؛ مع أن الإمام قد ذكر هنا في الكتاب ((لكن)) تأكيداً، كذا رواه ابن المغازلي والخوارزمي من حديث المناشدة، بإسنادهما إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة عن علي.
وكذا رواه المؤيد بالله (ع) من حديث المناشدة.
إلى قوله: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس عن علي، في مجادلته للصحابة.
قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف: حديث أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يأذن لأحد أن يلمس في المسجد أو يمر فيه جنباً إلا لعلي؛ لأن بيته كان في المسجد.
ثم ساق الروايات.
إلى قوله: انتهى كلام ابن حجر.
قال ـ أيده الله ـ: نعم، وقوله: لأن بيت علي كان في المسجد، تعليل من ابن حجر.
إلى قوله: فإنه قد صحّ أن العباس والحمزة وغيرهما تكلموا في إسكان علي وإخراجهم؛ فأجاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن الله هو الذي أسكنه وأخرجهم.
وكذا علل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك بأن موسى أمر ببناء مسجد لايسكنه إلا هارون وذريته، وأمر ببناء مسجد لايسكنه إلا علي وذريته؛ وأن علياً مني بمنزلة هارون من موسى.
ولم يقل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: إنما أسكنت علياً؛ لأن بيته كان في المسجد.
وقد مرّ من الأحاديث، ما يضطر كل منصف إلى أن تعليل ابن حجر وغيره من المائلين، لا أصل له، وأنها خصيصة ومزية من الله لعلي (ع)، على كل الصحابة؛ لكن العداوة لآل محمد، /122

(1/122)


ألجأت بعض الخصوم إلى القدح في المعلوم من هذه المزية، مثل: ابن الجوزي، والجوزجاني؛ وبعضهم إلى وضع الحديث في أبي بكر.
إلى قوله: كما قال ابن أبي الحديد، من وضع البكرية، وبعضهم وضع له حديثاً يثبت له خوخة، كل هذا كأنه امتثال لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23]، وحَذَرٌ من قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في عترته: ((ولاتخالفوهم فتضلوا)) وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لا نالت شفاعتي من لم يخلفني في عترتي)).
ثم ساق الأخبار والآثار.
إلى قوله: والعجب أن البخاري مرة بوّب للخوخة، ومرة بوّب للباب ثم قال في ترجمة الباب: قاله ابن عباس.
وليس عن ابن عباس إلا الخوخة، وهذا منه تدليس أو غفلة.
[الطعن في رجال ما أورده الخصم: في فليح المدني]
ثم تكلم على رواية البخاري، ناقلاً لذلك عن مناقب خير الأوصياء، للمولى العلامة، فخر العترة، عبدالله بن الإمام الهادي ـ رحمه الله تعالى ـ فقال ـ أيده الله تعالى ـ: ثم إن في سند حديث أبي سعيد الأول، فُلَيح بن سليمان المدني، ضعفه النسائي وأبو حاتم، وروي عن يحيى بن معين أنه ضعيف، وروي: ليس بثقة، وروي عنه: لايحتج به.
وروي عن مظفر بن مدرك أنه كان يحذر منه، ويأمر باتقائه.
وقال أبو داود: لا يحتج به.
ووهمه الساجي، وذكر الدارقطني الاختلاف عليه.
إلى قوله: ثم قد روي عن الإمام القاسم بن محمد (ع)، أن فليحاً أحد من اعتمد عليه البخاري، ممن يتجارى على الله بالكذب وعلى رسوله، ويعلن ببغاضة أمير المؤمنين.
[الطعن في وهب بن جرير]
وأما حديث ابن عباس، ففيه وهب بن جرير، حدث عن شعبة.
قال أحمد وابن مهدي: ماكنا نراه عند شعبة.
وهما إمامان عظيم شأنهما عند أهل الحديث فلا يقول مثلهما ذلك، إلا لعلمهما بعدم لقائه له.
إلى قوله: وقال يحيى: هو ضعيف /123

(1/123)


في قتادة؛ وكذا قال غيره.
وقال البخاري: ربما يهم وهب بن جرير في الشيء، ثم اختلط في آخر عمره.
قال: وحديث وهب هذا عن أبيه، فيكون قدحاً فيه.
قلت: وقد ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح، في سياق من طعن فيه من رجال البخاري.
[الطعن في عكرمة، وإسماعيل بن عبدالله]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وفيه عكرمة، مولى ابن عباس، كذبه يحيى بن سعيد الأنصاري، وروى عبدالله بن الحارث، عن علي بن عبدالله، أنه قال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
ويروى عن ابن المسيب أنه كذبه؛ وابن سيرين.
وعن أبي ذيب: ليس بثقة.
وقال محمد بن سعد: ليس يحتج بحديثه.
ثم إنهم رووا عنه أنه كان يرى رأي الخوارج.
وبسط الإمام القاسم بن محمد القول في تضعيفه.
إلى قوله: وأما الحديث الآخر عن أبي سعيد، ففيه إسماعيل بن عبدالله.
قال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
وقال أحمد بن يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.
وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب إلخ.
وعن ابن معين: أنه لا يساوي فلسين.
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ: إسماعيل ممن يقبله أصحابنا، ويعدونه في الشيعة.
وقد روى عنه الإمام القاسم بن إبراهيم (ع)، واحتج به الهادي (ع) في الأحكام، مع تحرّيه.
قلت: ويكفينا في القدح، مخالفة خبرهم هذا للمعلوم، وما علم من حال رواته؛ إلا أن هذا مجاراة للخصوم.
وقد أفاد ـ أيده الله تعالى ـ حيث قال: إلا أنه لما تواترت الأخبار، بالأمر بسد الأبواب إلا باب علي، ولم يذكر فيها وإلا باب أبي بكر، حتى أنه قال رجل: دع لي كُوَّة فأبى، في خبر أنس، عند العقيلي.
وكذا قول ابن عمر للعلا وقد سأله عن علي (ع): انظر إلى منزلته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، سد أبوابنا وترك بابه، من رواية النسائي، وأخرجه الكلاباذي بمعناه.
وقال (ع): إنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخرج الناس من المسجد وتركني.
أخرجه ابن المغازلي عن ابن عباس.
إلى /124

(1/124)


قوله: وغير ذلك عن ابن عباس، وزيد بن أرقم، وجابر، وسعد، والبراء بن عازب، وأبي رافع، وعلي، وجابر بن سمرة، وأنس، وبريدة، وابن مسعود، وحذيفة بن أسيد، وعمر، وأبي ذر، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، على كثرة المخرجين وكثرة طرقهم لو لم يكن إلا قول ابن عمر.
إلى قوله: ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال.
إلى قوله: زوجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ابنته، فولدت له؛ وسد الأبواب إلا بابه في المسجد؛ من رواية أحمد بن حنبل وأبي علي الصفار، مما يعلم به وضع الأخبار في هذا لأبي بكر، فساغ أن يقدح في طرقهم بما يلتزمونه من هذا الوجه، لا من حيث قدحهم في إسماعيل. انتهى ماأردت نقله على نوع من تصرف واختصار.
أي نقله من مناقب خير الأوصياء.
[الرد على من أثبت المنة لأبي بكر على الرسول(ص)]
وقال المولى الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ: ولايخفى مافي أخبار البخاري ونحوه، كالطبري في تاريخه، من الركاكة في ألفاظها، وما فيها من المخالفة للمعلوم، من إثبات المنة لأبي بكر على الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والثابت من ضروريات دينه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن المنة لله ثم له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } [الحجرات:17]..إلخ.
إلى قوله: مع أن المعلوم أن أبا بكر وغيره لايبلغ ولايقارب علياً، فيما عدّ منه من المواساة، والنصرة، وتفريج كل شدة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قضت بذلك الآثار.
ثم قد مرّت الأحاديث المستفيضة من كون علي (ع) خليل رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وأنه وزيره.
قال علي (ع): إن خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: إلخ.
رواه الملا في الصواعق، وقد مرّ.
وقال عمار بن ياسر: صدق خليلي، إلخ.
رواه أبو القاسم الطبراني. انتهى من الكنجي.
ورواه نصر بن مزاحم. انتهى شرح نهج. /125

(1/125)


وكذا قال ابن مسعود لما أُخْرِجَ من المسجد: أنشدكم الله، أن تخرجوني من مسجد خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
روى ذلك الواقدي. انتهى شرح نهج.
وقال أبو ذر: قال خليلي رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((إذا غضبتَ فاقعد)).
أخرجه أبو طالب.
فكيف يقول: لو كنت متخذاً خليلاً...إلخ؟!.
قلت: والأخبار في هذا كثيرة واسعة.
ولا يقال: إن هذه الأخبار تفيد أنهم اتخذوه، وخبره يفيد أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذهم؛ لأنا نقول: لو كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذ خليلاً منهم، ماجاز أن يتخذوه؛ لأنه لايكون خليلاً إلا من الطرفين، كالصاحب ونحوه، كما هو معلوم.
وأيضاً فقد ورد بلفظ الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كما في خبر: ((إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب)).
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بطريقه عن سلمان، وأخرجه الحاكم أبو القاسم بطريقه عن أنس.
[الكلام في الصحاح وفي الزهري]
قال ـ أيده الله ـ: وبهذا يتبين لك أن تسميتهم لكتبهم بالصحاح، إنما هو اصطلاح؛ ولقد أحسن أبو زرعة حيث قال لمسلم: تُسميه صحيحاً، وتجعله سلماً لأهل البدع.
وكذا ترى القوم لايلتفتون إلى ماخالف الصحاح ولم يكن فيها وإن تواتر؛ بل لو خالف مافيها القرآن وقضية العقل، خذلاناً صُبّ عليهم؛ لما مالوا عن الثقل الأصغر، دعوةٌ قد أُجيبت ((واخذل من خذله)).
ولاشك أن من عمد إلى الغض من علي، وإبطال مناقبه، تارة بنسبة رواتها إلى الوضع والقدح فيهم، وتارة بمعارضتها بروايات أعدائه المنافقين، بالنص المعلوم، فقد خذله، ونرجوا الله أنا ممن شملته دعوة محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((وانصر من نصره)).
وأما رواية الطبري في التاريخ أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((انظروا هذه الأبواب الشارعة اللافظة إلى المسجد فسدوها إلا ماكان من بيت أبي بكر)) /126

(1/126)


إلخ، فهي من طريقة الزهري، ويأتي بعض مافيه من المطاعن.
قلت: أما كونه من أعوان الظلمة فمما لاخلاف فيه، وكتاب أبي حازم الأعرج إليه، الذي ذكره في الكشاف مشهور، وقد قدح فيه نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ القاسم بن إبراهيم.
قال (ع) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المائدة:33]..الآية مانصه: وليس ما في أيدي هذه العامة، في تفسير هذه الآية المحكمة عن ابن شهاب الزهري وأضرابه، ولا من كان من لفيفه وأصحابه، الذين كانوا لايعدلون بطاعة بني أمية، وما أشركوهم فيه من دنياهم الدنية، فلم ينالوا مع ماسلم لهم منها، ما حاطوا به ودفعوا به عنها، من تلبيس لتنزيل، أو تحريف لتأويل؛ وابن شهاب لمكان كثرة وفادته إليهم معروف..إلى آخر كلامه.
انتهى من تفسير آل محمد (ع).
[الكلام في رواة صلاة أبي بكر بالناس]
[الكلام على: الزهري ـ أبي موسى ـ سالم ـ ابن زمعة]
وقال الإمام (ع) في الشافي، رداً على فقيه الخارقة: فكيف تجعل سالم بن عبيد، وابن شهاب وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبدالملك، الجبار العنيد، وأبا بردة بن أبي موسى، أتعجب من الولد أو الوالد؟!.
إلى قوله (ع): وكذلك سائر من أضاف إليه أخبار صلاة أبي بكر، من الزهري، وأبي موسى، وسالم، وعبدالله بن زمعة بن الأسود.
أما أبو موسى فكان علي (ع) يقنت بلعنه فيمن يلعن؛ ولعنته من لعنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وابن شهاب مائل إلى الدنيا، أعان الظلمة من بني أمية على ملكهم بعلمه، وأصاب من دنياهم نصيباً وافراً.
وأما ابن زمعة وابن عبيد، فلا يساويان عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع).
وكلامه (ع) في شأن الأمر لأبي بكر بالصلاة؛ فإنه روى الإمام عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ما أمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي بالناس.
وروى /127

(1/127)


عن الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، أن الآمر لأبي بكر عائشة، وأن جبريل (ع) أمره بالخروج ليصلي بهم، ونبه على مايقع من الفتنة إن صلى أبو بكر؛ وخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يمشي بين علي والفضل...إلخ كلامه (ع).
فانظر إلى جرح الأئمة الهداة، سفن النجاة، للزهري، وعليه المدار الأكبر، في روايات صحاح القوم.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: وقد عدّ الزهري، وعروة، ابنُ أبي الحديد في رواية أبي جعفر الإسكافي من المنحرفين.
وروي أن علي بن الحسين (ع) دخل عليهما، وقد نالا من علي فجبههما وأغلظ لهما؛ فراجعه في شرح النهج.
قال في الإقبال: روي عن أبي جعفر أن الزهري قال لعلي بن الحسين (ع): كان معاوية يسكته الحلم، وينطقه العلم.
فقال: كذبت يازهري، بل كان يسكته الحصر، وينطقه البطر، وأي حلم مع من سفه الحق، ورد الشرع، وحمل الأدعياء على بناته، وأظهرهم على أخواته.
وكذلك صرح القاسم بن إبراهيم (ع)، بجرحه.
وحكى الذهبي أنه قال: نشأت وأنا غلام، فاتصلت بعبد الملك بن مروان، ثم توفي عبد الملك، فلزمت ولده الوليد، ثم سليمان، ثم عبدالعزيز، ثم لزمت هشام بن عبدالملك.
إلى قوله: وحكى الذهبي في ترجمة خارجة قال: قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني أمية؛ وذكر أن بين يديه آلات اللهو.
إلى قوله: فقلت: قبح الله ذا من عالم؛ فلم أسمع منه.
وفي علوم الحديث للحاكم، أنه قيل ليحيى بن معين: الأعمش خير أم الزهري؟
فقال: برئت منه إن كان مثل الزهري؛ إنه كان يعمل لبني أمية. انتهى.
قال: ومثل مافي الإقبال في المقصد الحسن لابن حابس ـ رحمه الله تعالى ـ.
انتهى المراد.
وهذا جرح حفاظ أهل الخلاف، فأي شبهة تبقى لذي لب وإنصاف، /128

(1/128)


وبمثل هذا تعلم صحة أن بين صحاحهم والصحة مراحل، إن لم تكن من ذوي الزيغ والانحراف.
ونعود إلى تمام الكلام في سد الأبواب، وإلى الله تعالى المرجع والمآب.
قال أيده الله : وأما روايته -أي الطبري- بسنده إلى بعض آل أبي سعيد بن المعلا أن رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم قال يومئذ في كلامه هذا: ((فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً؛ ولكن صحبة وإخاء إيمان إلخ)) فالبعض مجهول والظاهر إرساله.
ومع أنه يعارض حديث البخاري عن ابن عباس من قوله: ((ولكن خلة الإسلام أفضل))، ولعل الراوي لما لاح له أنه لامعنى لتفضيل خلة الإسلام، على خلة الله سبحانه، في حديث البخاري، ولا وجه يصحح ذلك، عدل عنها إلى أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ولكن صحبة وإخاء إيمان))، مع أن هذه الصفة قد شارك أبا بكر فيها بقية الصحابة؛ وأين يقع ممن هو أخوه في الدنيا والآخرة، ومنه، وعديل نفسه، بل نظيره؟
ومن رواية أبي بكر: منزلة علي منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كمنزلته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ربه.
أخرجه ابن السمان عن أبي بكر، وابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
إلى قوله: نعم، في رجال سند الطبري أحمد بن عبد الرحمن؛ قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه.
إلى قوله: وقال ابن يونس لا تقوم به حجة.
انتهى المراد من التخريج.
[تمام مقامات حديث المنزلة]
العاشر:
حال ولادة الحسنين (ع).
قال جبريل (ع)، للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامحمد، العلي الأعلى يُقرئك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولانبي بعدك، فسم ابنك هذا ـ يعني الحسن السبط ـ باسم ابن هارون)) الخبر.
ومثله في الحسين (ع)، إلا أنه لما وضعه في حجره بكى وقال: ((تقتله الفئة الباغية من بعدي، لاأنالهم الله شفاعتي)).
أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه، عن علي بن الحسين سيد العابدين (ع)، عن أسماء بنت عميس ـ رضي الله عنها ـ.
وقال صلى الله عليه /129

(1/129)


وآله وسلم: ((إني سميتهما ـ يعني الحسن، والحسين ـ باسم ولدي هارون))، أخرجه الإمام أبو طالب عن علي (ع).
وأخرج ابن المغازلي نحوه عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه شَبِير وشُبَّر ومشَبِّر)).
أخرجه أحمد بن حنبل والدارقطني في الأفراد، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي، وابن عساكر عن علي (ع)، والبغوي، والطبراني أيضاً في الكبير عن سلمان. انتهى من تفريج الكروب.
وزاد في التخريج، الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن حبان، والدولابي عن علي (ع).
قال ـ أيده الله ـ: وهذا فرع كون علي بمنزلة هارون من موسى في جميع منازله، إلا النبوة؛ فتأمل. انتهى.
الحادي عشر:
لما تحوّل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى بيت أم سلمة عقيب تزوجه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بزينب ـ رضي الله عنهما ـ.
روى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة، يبلغ به ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ تزوج زينب بنت جحش؛ ثم تحوّل إلى بيت أم سلمة، فلما تعالى النهار انتهى علي إلى الباب، فدقه دقاً خفيفاً، عرف رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - دقه؛ فقال: ((يا أم سلمة، قومي فافتحي له الباب؛ فإن بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا بالنزق، ولا بالعجل في أمره، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله)).
فقامت ففتحت؛ فدخل علي (ع)؛ فقال: ((يا أم سلمة، هو علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي؛ يا أم سلمة، اسمعي واشهدي؛ علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وباب الدين، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة في الأحياء من أمتي، أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى؛ اشهدي يا أم سلمة، أنه قاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين)) انتهى. /130

(1/130)


ورواه الإمام أبو طالب، وأبو العباس الحسني، عن ابن عباس رضي الله عنهم، وحميد الشهيد عنه بلفظ: ((وبابي الذي أوتى منه)).
وكذا أخرجه الكنجي عن سعيد بن زيد بزيادة ونقص، ونحوه عن ابن عباس، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: ((يا أم سلمة هذا لحمه من لحمي)).
وأخرجه العقيلي عن ابن عباس بلفظ: ((يا أم سلمة؛ إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى)).
ورواه عبد الرزاق بن همام، عن ابن عباس؛ ورواه صاحب المشكاة عن القرشي، بإسناده إلى ابن عباس.
قال صاحب تفريج الكروب: وعلى فصوله شواهد.
وقد روى نحوه محمد بن سليمان الكوفي، عن ابن عباس، عن أم سلمة؛ قالت: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي، قبل أن يموت بجمعة، وإن زاد فلا يزيد على عشرة أيام: ((يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة)) ومنه: ((وهو مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
أفاده في التخريج.
وهذا موطن قبل وفاة رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، يصلح أن يكون ثاني عشر.
فهذا ماحضر، ولو حصلت المبالغة والتتبع، لوقف على ماهو أكثر؛ فإن في الذهن غير ذلك؛ وقد حكى الإمام (ع) عن الصاحب أنه ذكر في تسعة ولم يعينها؛ ولما وقع البحث زادت كما ترى.
قال المولى الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ويؤيد ما قال الإمام، من أنه قاله في مواطن كثيرة، سؤال سعيد بن المسيب، لسعد بن مالك؛ لما روى له قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في علي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
إلى قوله: فقال: نعم لامرة ولا مرتين.
من رواية ابن المغازلي؛ وقد مرّ ذكر الإمام له وسنده في الجزء الأول انتهى.
وفي هذا الخبر التصريح بأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، على لسان سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وسنورد في هذا البحث ـ بإعانة اللَّه وتسديده ـ ماتيسر من النصوص النبوية، المصرحة بإمرة المؤمنين، وبالإمامة والخلافة، /131

(1/131)


وولاية الأمة، ونحوها؛ مع ماسبق من الحجج القاطعة، المعلومة على الإمامة، والعصمة، والحجية؛ كل ذلك نسوقه على طريقة الجمع مع الاختصار، فإن هذا خوض للجج البحار، وتعرض لما تنقطع عن الحوم حول مداه أفكار أولي الأفكار، وترتدع عن إدراك أدناه أبصار ذوي الأبصار.
[حديث لا يتقدمك بعدي]
فأقول، مستعيناً بمن ملكه لايزول: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((لايتقدمك بعدي إلا كافر، ولايتخلفك بعدي إلا كافر؛ وإن أهل السماوات يسمونك أمير المؤمنين)).
رواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، بسنده إلى الشيخ الإمام صاحب كتاب المحيط بالإمامة أبي الحسن علي بن الحسين الزيدي ـ رضي الله عنه ـ يبلغ به الحارث بن الخزرج الأنصاري، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لعلي (ع): الخبر.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ورواه أبو العباس الحسني (ع)، يبلغ به الحارث بن الخزرج؛ وقد مرّ ماشهد له من حديث أبي ذر: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر)).
قلت: وتمامه: ((وقد حارب اللَّه ورسوله؛ ومن شكّ في علي فهو كافر)).
أخرجه الإمام في الشافي من طريق الخطيب ابن المغازلي، بسنده إلى أبي ذر - رضي الله عنه - وأخرجه الكنجي.
قال ـ أيده الله ـ: وكذا الحديث الذي رواه الحاكم وفيه: ((كمن جحد نبوتي)). انتهى.
قلت: ويشهد له قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).
قال الإمام (ع) في الشافي: والأخبار المتواترة المروية عن جابر أنه قال: ((علي خير البشر لايشك فيه إلا كافر)).
قال ـ أيده الله ـ: أخرجه أبو يعلى، وابن عساكر، وقال: روي عن عائشة.
وأبو القاسم الجابري عن عائشة مرفوعاً. انتهى.
وسيأتي الكلام عليه ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
ويشهد له أيضاً قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً)).
أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول من /132

(1/132)


يدخل علينا أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين)).
إلى قوله: وإذا علي بن أبي طالب (ع)، فدخل يتمشى؛ فرأيت رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - وثب على قدميه مستبشراً، فلم يزل قائماً وعلي يتمشى حتى دخل عليه البيت، فرأيت رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - يمسح عرق وجهه بكفه، ويمسح به علياً؛ ويمسح وجه علي (ع) بكفه فيمسح به وجه نفسه.
إلى قوله: فقال له رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ما يمنعني وأنت وصيي وخليفتي، والذي يبين لهم الذي يختلفون فيه من بعدي، ويسمعهم صوتي)).
أخرجه الإمام (ع) في الشافي بسنده إلى صاحب المحيط، يبلغ به أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((يا أنس اسكب لي وضوءاً))، فسكبتُ للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم عدتُ إلى البيت فأعلمتُه، فخرج وتوضأ ثم عاد إلى البيت إلى مجلسه، ثم رفع رأسه إليّ فقال: ((يا أنس أول من يدخل))... الخبر.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي من أربع طرق عن أنس، وذكره في الكامل المنير، والخوارزمي.
وأخرجه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء بلفظ: ((أول من يدخل عليك من هذا الباب، إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين)).
إلى قوله: فجاء علي (ع) فقام إليه مستبشراً، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه، فقال علي: يارسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليك وآلك ـ لقد رأيتك اليوم تصنع بي شيئاً ماصنعته بي قبل.
قال: ((وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي)) بهذا اللفظ رواه عن أبي نعيم في شرح النهج.
ورواه عنه بلفظ: ((إمام المتقين)) بنقص يسير في دلائل السبل.
ورواه ابن الإمام (ع) بلفظ: ((أول من يدخل عليك من هذا الباب، أمير المؤمنين)) إلى تمام رواية شرح النهج؛ إلا أنه لم يذكر ((يعسوب الدين)) عن الكنجي الشافعي، وقال ـ أي الكنجي ـ: أخرجه أبو نعيم في الحلية. انتهى.
[أحاديث: تسمية علي أمير المؤمنين ـ إمام المتقين ـ مخرجوها]
وروى الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه، بسنده إلى بريدة قال: /133

(1/133)


أمرنا رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أن نسلم على علي بن أبي طالب، بياأمير المؤمنين.
ورواه عنه الإمام (ع) مسنداً في الشافي.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ينادي مناد ـ يعني يوم القيامة ـ هذا علي بن أبي طالب، وصي رسول رب العالمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم)) من حديث أخرجه الكنجي عن ابن عباس، وأخرجه الخوارزمي؛ ذكره ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: هو من حديث طويل، أوله: ((يأتي على الناس يوم القيامة)) إلخ.
رواه الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس؛ ذكره في تفريج الكروب.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تَرِدُ عليّ الحوض راية علي، أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين؛ فأقوم فآخذ بيده، فيبيض وجهه ووجوه أصحابه؛ فأقول: ما خلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه، ووازرنا الأصغر وتبعناه، وقاتلنا معه؛ فأقول: رِدُوا رِدوا مرتين؛ فيشربون شربة لايظمأون بعدها؛ وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر، وكأضوأ نجم في السماء)).
أخرجه الحافظ محدث الشام الكنجي في كفايته، بسنده إلى أبي ذر الغفاري؛ ويشهد له خبر الرايات الثلاث، الذي رواه الحاكم الجشمي في السفينة؛ وقد أوردناه في التحف الفاطمية .
[حديث علي: كان لي عشر من رسول الله (ص) ومخرجوه]
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فيما أخرجه الإمام أبو طالب، عن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي، بسند آبائه، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ قال: كان لي عشر من رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ماأحب أن لي بإحداهن ماطلعت عليه الشمس؛ قال لي: ((يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأقرب الخلق مني في الموقف يوم القيامة، منزلي يواجه منزلك في الجنة كما يتواجه منزل الأخوين في اللَّه، وأنت الولي، والوزير، والوصي، والخليفة في الأهل والمال وفي المسلمين في كل غيبة، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة؛ وليك وليي ووليي ولي اللَّه، وعدوّك عدوي وعدوي عدو اللَّه)).
وأخرجه الإمام المؤيد بالله (ع)، في أماليه، /134

(1/134)


بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، بلفظ: كان لي عشر من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يُعْطَهن أحد قبلي ولايعطاهن أحد بعدي، قال لي: ((ياعلي))...إلخ، باختلاف يسير.
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، قال: أخبرنا الشريف أبو طالب، يحيى بن الحسين بن هارون الحسني البطحاني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ رحمه الله ـ قال: حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور المرادي، قال: حدثنا الحكم بن سليمان، عن نصر بن مزاحم، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، وساقه كما في أمالي الإمام أبي طالب (ع)، إلا أن فيه: ((وأنت الوارث)) مكان: ((الولي))، وليس فيه: ((الوزير)) وطريقة الإمام أبي طالب (ع) في أماليه، غير طريقته التي رواها عنه الإمام المرشد بالله (ع)؛ يعلم ذلك.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، أنا سيد المرسلين، وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))؛ أخرجه الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم في الصحيفة، بسند آبائه، إلى أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لما كانت ليلة أُسْري بي، أوحى اللَّه ـ عز وجل ـ إليّ في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)) أخرجه الإمام (ع) في الشافي، بطريقه إلى الإمام الناصر الحسن بن علي الأطروش (ع)، بسنده إلى عبدالله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: مع تصرف، رواه الناصر للحق، وعلي بن بلال، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن أسعد بن زرارة.
ورواه في المحيط، بسنده إلى الناصر (ع)، عن أسعد بن زرارة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكذا أخرجه ابن المغازلي، والكنجي، عن عبدالله بن أسعد، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى عبدالله بن أسعد، عن جابر، وأخرجه في المستدرك الحاكم، عن أسعد بن زرارة، /135

(1/135)


وصححه مرفوعاً.
وأخرج نحوه المحاملي عن عبدالله بن أسعد.
وأخرج نحوه الكنجي عن أبي ذر، وعن ابن عباس.
ومحمد بن منصور عن ابن عباس.
وأخرجه الخوارزمي، وأبو نعيم في الحلية بلفظ: ((مرحباً بسيد المسلمين وإمام المتقين)). انتهى.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ماإن تساءلتم عليه، لم تهلكوا؛ إن وليكم اللَّه، وإن إمامكم علي بن أبي طالب؛ فناصحوه وصدقوه، فإن جبريل أخبرني بذلك)).
أخرجه الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم، الناصر للحق (ع)، وابن المغازلي.
ورواه ابن دَيْزِيل، بسنده إلى زيد بن أرقم، قاله صاحب شرح النهج.
أفاده في التخريج.
[تسمية الرسول (ص) علياً بسيد العرب]
وأخرج نحوه أبو نعيم بلفظ: ((ادعوا لي سيد العرب علياً)) فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟
قال: ((أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب)).
فلما جاء، أرسل إلى الأنصار فأتوه، فقال لهم: ((يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ماإن تمسكتم به لن تضلوا أبدا؟)).
قالوا: بلى، يا رسول اللَّه.
قال: ((هذا علي، فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي؛ فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن اللَّه عز وجل)).
وأخرجه الطبراني، عن الحسن السبط (ع) بلفظ: ((يا أنس، انطلق فادع لي سيد العرب)) الخبر بلفظه إلا أنه قال: فلما جاء قال: ((يامعشر الأنصار)) وليس فيه ذكر الإرسال.
أخرجه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى زيد بن أرقم، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((ألا أخبركم بما إذا تبعتموه لم تهلكوا، ولم تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((علي بن أبي طالب))، وعلي إلى جانبه؛ فقال: ((وازروه وناصحوه وصدقوه)).
ثم قال: ((جبريل أمرني بالذي قلتُ لكم)).
ورواه عنه الإمام (ع) في الشافي.
وأخرج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ماإن تمسكتم به لن تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((هذا علي))..إلخ محمدُ بن سليما ن الكوف ي، عن الحسن السبط (ع)، من ثلاث طرق؛ والكنجي عنه أيضاً.
وأخرج محمد بن منصور المرادي ـ رضي الله عنه ـ، بسنده إلى الإمام الأعظم، زيد بن /136

(1/136)


علي، عن آبائه، عن علي (ع)، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامعشر المسلمين، لاتخالفوا علياً فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وروى أيضاً بسنده إلى الإمام الأعظم، زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع) قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، إنك الهادي لمن تبعك؛ ومن خالف طريقك ضلّ إلى يوم القيامة)).
وفي معناه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع، فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل اللَّه، ومن تركه مرق من دين اللَّه، ومن تخلف عنه محقه اللَّه، ومن ترك ولايته أضله اللَّه، ومن أخذ بولايته هداه اللَّه)).
رواه العلامة إبراهيم بن محمد الصنعاني، في كتاب إشراق الإصباح، عن محمد الباقر، عن آبائه (ع)، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
والأخبار في هذا الباب كثيرة، ستأتي إن شاء الله تعالى منها غُرر منيرة.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن اللَّه عهد إلي في علي عهداً، فقلت: يا رب، بيّنه لي؛ قال: اسمع، إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين؛ من أحبه فقد أحبني، ومن أطاعه فقد أطاعني؛ فَبَشِّرْهُ بذلك؛ فقلتُ: قد بشرته يارب؛ فقال: أنا عبدالله، وفي قبضته، فإنْ يعذبني فبذنوبي، لم يظلم شيئاً، وإن يتم لي ماوعدني فهو أولى؛ وقد دعوت له، فقلت: اللهم اجْلِ قلبه، واجعل ربيعه الإيمان بك؛ قال: قد فعلت، غير أني مختصه بشيء من البلاء، لم أختص به أحداً من أوليائي؛ فقلت: يا رب أخي وصاحبي؛ قال: إنه سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به)) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، عن أبي برزة الأسلمي.
ذكره ابن الإمام (ع) في شرح الغاية مختصراً، وابن أبي الحديد في شرح النهج، تاماً؛ وغيرهما.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وأخرجه ابن المغازلي عن أبي برزة؛ وأخرجه بهاء الدين الأكوع، بالسند إلى أبي جعفر، عن أبي برزة. انتهى.
قال شارح النهج: ثم رواه ـ أي أبو نعيم ـ بإسناد آخر، بلفظ آخر، عن أنس بن /137

(1/137)


مالك: ((إن رب العالمين عهد إليّ في علي عهداً، أنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني؛ إن علياً أميني غداً في القيامة، وصاحب رايتي؛ بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي)) انتهى.
ورواه ابن الإمام (ع) مختصراً عن محدث الشام الكنجي الشافعي، عن أبي نعيم.
وروى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، أن عماراً ـ رضي الله عنه ـ، خرج في بعض أيام صفين، والقراء محدقون به، حتى دنا من مقام علي في الصف، فقال: ألا أحدثكم بحديث، سمعتُه من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الواقف ـ يعني علياً (ع) ـ؟.
قلنا: هات يا أبا اليقظان.
قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لهذا: ((ياعلي، إن اللَّه زينك بزينة، لم يزين أهل الدنيا بزينة هي أحب إلى اللَّه منها، وهي زينة الأبرار عند اللَّه: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تميل إليها ولا تميل إليك، ووهب لك مع ذلك حب المساكين، فجعلهم يرضون بك إماماً، وترضى بهم أتباعاً؛ فطوبى لمن صدق عليك، وويل لمن كذب عليك؛ فإني أقسم بالله، ليوقفنهم اللَّه موقف الكذابين)).
ثم قال: قاتلوا هذه الراية ـ يعني راية معاوية ـ فوالله، لقد قاتلتها مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثلاث عشرة مرة بهذه المرة؛ والله، ما هي في هذه المرة بأبرئها من الشرك.
ثم نظر إلى راية علي (ع)، ثم قال: قاتلوا مع هذه الراية؛ فوالله، لقد قاتلت معها اثنتي عشرة مرة، والله، ماهي في هذه المرة بأقلهن براً.
ثم قال الإمام (ع): فهذا كلام عمار، الذي يدور مع الحق أينما دار، بشهادة الرواة للأخبار، عن النبي المختار ـ صلى الله عليه وآله الأخيار ـ. انتهى.
[أحاديث متنوعة في فضائل علي ـ ومخرجوها]
قال شارح النهج، في سياق أخبار في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: الخبر الأول ((ياعلي، إن اللَّه قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها، هي زينة الأبرار، الزهد في الدنيا، جعلك لاترزأ من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً)).
رواه أبو نعيم الحافظ في كتابه المعروف بحلية الأولياء، وزاد فيه أبو /138

(1/138)


عبدالله أحمد بن حنبل في المسند : ((فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك)) انتهى.
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع)، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((إن اللَّه تعالى جعلك تحب المساكين، وترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماما؛ فطوبى لمن اتبعك وصدق فيك، وويل لمن ابغضك وكذب فيك)).
وأخرج خبر الشافي، صاحب درر السمطين، محمد بن يوسف المحدث الشافعي، عن عمار بن ياسر ـ رضوان الله عليه ـ باختلاف يسير، وفيه: ((ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً)) أفاده الإمام القاسم بن محمد (ع).
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج، بعد ذكر خبر الشافي: وروى هذا الخبر ابن المغازلي عن أبي أيوب؛ اسم أبي أيوب خالد بن زيد.
وأخرجه أحمد، وأخرجه أبو نعيم، إلى: ((فطوبى له)) قاله ابن أبي الحديد.
وأخرجه الكنجي، عن أبي مريم السلولي، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ. انتهى.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لأبي بن كعب: ((عليك بعلي فإنه الهادي المهتدي، الناصح لأمتي، المخبر بسنتي؛ وهو إمامكم بعدي؛ فمن رضي بذلك، لقيني على مافارقته عليه، ومن غير وبدل، لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوتي، لاأشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي)).
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ بسنده إلى الإمام النفس الزكية، أوسط المهديين في الأمة، المبشر به جده رسول الرحمة، محمد بن عبدالله، وأخيه الإمام البايع نفسه من اللَّه، المستشهد في سبيل اللَّه، يحيى بن عبدالله، عن أبيهما كامل أهل البيت، عن أبيه الإمام الحسن الرضى بن الحسن السبط، عن جده سيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
وقال جبريل - صلوات الله عليه - للنبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((قرت عيني بما أكرم اللَّه به أخاك، ووصيك وإمام أمتك، علي بن أبي طالب.
قلت: /139

(1/139)


وبما أكرم اللَّه به أخي وإمام أمتي؟.
قال: باهى بعبادته البارحة ملائكتة وحملة عرشه؛ وقال: ملائكتي انظروا إلى حجتي في أرضي، بعد نبيي، فقد عفر خده في التراب، تواضعاً لعظمتي؛ أشهدكم أنه إمام خلقي، وإمام بريتي)).
رواه الخوارزمي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع). انتهى من التفريج.
وفي معناه روى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ، بسنده إلى ثوبان قال: شهدت علي بن أبي طالب وقد أقبل إلى النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجبريل عن يمينه، فقال جبريل (ع): ((يا محمد هذا قد جاء يمشي الهوينا، هو إمام الهدى، وقائد البررة، وقاتل الفجرة، والمتكلم بالعدل والتوحيد، والنافي عن اللَّه الجور؛ يا محمد، إن ملائكة علي ليفتخرون على سائر الملائكة، أنهم ماكتبوا على علي كذباً)).
إلى قوله: ((قال جبريل: قد آلى ربنا ألا يعذب علياً بالنار، ولا شيعته ولا أحباءه))، انتهى من المحيط، ذكره ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب)).
قال علي (ع): من هم يارسول اللَّه؟.
قال: ((هم شيعتك، وأنت إمامهم)).
رواه الإمام الناصر الأطروش (ع)، بإسناده عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم-.
رواه حسام الدين الشهيد في الحدائق.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: رواه الناصر للحق، بإسناده عن داود بن شريك السلمي، من محيط علي بن الحسين ـ رحمه اللَّه ـ.
ورواه ابن المغازلي، بإسناده إلى أنس بن مالك، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، انتهى.
قلت: وأخرجه الحافظ الكنجي، عن أنس بلفظ: ثم التفت إلى علي، وقال: ((إنهم من شيعتك، وأنت إمامهم))؛ أفاده في الدلائل.
وروى الباقر (ع): أن نبي اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((إن عن يمين العرش رجالاً، وجوههم من نور، عليهم ثياب من نور، ما هم بنبيين ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء)).
قيل: من هم؟.
قال: ((أولئك أشياعنا، وأنت إمامهم ياعلي)) أخرجه حسام الدين في الحدائق، ورواه غيره /140

(1/140)


وقال جابر بن عبدالله: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول يوم الحديبية، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب: ((هذا إمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه؛ أفاده في دلائل السبل، وتفريج الكروب.
[قصة مبارزة علي لفاتك العرب يوم الصوح وما تضمنت]
ولما أقبل فاتك العرب، أسد بن غويلم، يوم الصوح، يرتجز؛ ثم سأل البراز فأحجم الناس؛ قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من خرج إلى هذا المشرك فقتله، فله على اللَّه ـ عز وجل ـ الجنة، وله الإمامة بعدي)).
فلم يبرز له أحد، فقام علي بن أبي طالب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((نحن بنو هاشم، جود مجد، لا نجبن ولا نغدر، وأنا وعلي من شجرة، لاتختلف ورقها؛ أخرج إليه ولك الإمامة بعدي)).
فخرج علي بن أبي طالب نحوه، وأتبعه الناس أبصارهم، فضربه ضربة قسمته نصفين بالسوية، ووصل السيف إلى السرج، وهز علي سيفه، وحمل على المشركين، فانهزموا، وآب راجعاً وهو يقول:
ضربته بالسيف وسط الهامه
إلى قوله:
أنا عليّ صاحب الصمصامهْ .... وصاحب الحوض لدى القيامهْ
أخو نبي اللَّه ذي العلامهْ .... قد قال إذ عممني العمامهْ
أنتَ أخي ومعدن الكرامهْ .... ومن له من بعدي الإمامهْ
روى هذا الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي، قال: مشهور عند أصحاب الحديث.
ورواه الناصر للحق (ع) وساقه بسند اختصرت منه المذكور.
ورواه حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم من كتاب الناصر للحق (ع)، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم أيضاً، عن أبي رافع.
أفاده السيد الإمام، أحمد بن محمد الشرفي (ع)، في شرح الأساس؛ وهو مروي في كثير من مؤلفات علمائنا /141

(1/141)


ـ رضي الله عنهم ـ.
نعم، في نسخة الشافي، الحاضرة حال التحرير: ((نحن بنو هاشم جود)) إلخ برفع بنو؛ والوارد في مثل هذا النصب، على الاختصاص، كما لايخفى؛ والخبر مابعده، ولكن مع ثبوت الرواية، يكون خبراً على جهة التوطئة لما بعده، الذي هو محط الفائدة.
وكذا في المنقول عنه، ثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة، في قوله: ((وبما أكرم اللَّه به أخي، وإمام أمتي)) وهو وارد، وإن كان الأكثر حذفها.
وكذا في الذي قبله: ((لقد سماه اللَّه باسمٍ ما سمى به أحد قبله)) بحذف الألف من أحد المنصوب؛ وهو لغة ربيعة، ويحتمل أن يكون الفعل مغير الصيغة، فيرتفع أحد بالنيابة، والأمر في مثل هذا واضح.
وإنما نبهت؛ لئلا يسارع المطلع بالتصحيح، على غير بصيرة.
هذا، وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده)) أخرجه الحاكم الحسكاني، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ: أشهد أني سمعت رسول اللَّه، وهو يقول: ((علي إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والأمير من بعدي)) رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
[حديث: تسمية الله لعلي بالصديق ـ وفضل الشيعة]
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قال لي ربي ليلة أُسري بي: من خلّفت على أمتك يامحمد؟
قال: قلت: أنت أعلم يارب.
قال: يامحمد إني انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، فأنت نبيي، وخيرتي من خلقي؛ ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، الطاهرين المطهرين، سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين؛ أنت شجرة وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها؛ خلقتكم من طينة عليين)) بضمير الجمع في المجموع.
وفي الشافي، والمنهاج للإمام محمد بن المطهر (ع): ((خلقتهما)) فالضمير للحسن والحسين.
وفي بعضها: ((خلقتها)) فهو لفاطمة أو للشجرة.
تمام الخبر: ((وخلقت شيعتكم منكم؛ إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف، لم يزدادوا لكم إلا حباً.
فقلت: يارب، ومن الصديق الأكبر؟. /142

(1/142)


قال: أخوك علي بن أبي طالب)).
قال: بشرني بها رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابناي الحسن والحسين منها؛ وذلك قبل الهجرة بثلاثة أحوال.
قلت: والرواية وابناي بالألف فيكون مبتدأ، والحسن والحسين، عطف بيان، ومنها، الخبر، والجملة حالية، أو الخبر محذوف، أي: بشرني بهما، أو نحو ذلك؛ ويحتمل غير هذا، إلا أنه أقرب.
نعم؛ روى هذا الخبرَ الشريفَ الإمامُ الأعظم، زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ في مجموعه.
ورواه من طريقه أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، منهم: الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في شافيه.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، بسنده إلى الحارث؛ وعلى فصوله شواهد لاتحصى، ونظائر لاتستقصى.
نعم؛ واعلم أن النص بلفظ ((الخليفة)) و((الوصي)) و((الوزير)) و((الحق معه)) ونحوها لا يسعها المقام، وقد بسط فيها الإمام الحجة المنصور بالله في الشافي؛ والإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد؛ والإمام الشهير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير؛ والسيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع) في شرح الغاية؛ والمولى العلامة الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ في التخريج، وصاحب التفريج، وصاحب دلائل السبل المتقدم ذكرهما؛ وغيرهم، مافيه بغية الرائد، وضالة الناشد.
وقد اجتمع هنا ـ بحمد اللَّه ومنّه ـ في المقامات الجامعة المهمة، على وجه الاستكمال والاختصار، ماتفرق في الأسفار، ولا يوقف عليه مجموعاً في شيء من المؤلفات الكبار؛ فأما الانتهاء إلى غاية في هذا الباب، أو الوقوف على نهاية من ذلك الخطاب، فمما لا يدخل في حساب، ودونه نزح العباب.
يفنى الكلام ولايحيط بوصفه .... أيحيط مايفنى بما لاينفد؟!
واعلم أنا ندين اللَّه تعالى بما دانت به جماعة العترة الأحمدية، والصفوة /143

(1/143)


العلوية، ومن اهتدى بهداهم من علماء الأمة المحمدية، أن إمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخا سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ الإمام، وخليفة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على الخاص والعام، وحجة اللَّه بعد نبيه على جميع الأنام، وأنه منزل منزلته إلا النبوة، كما نطق به ـ صلوات الله عليه وآله ـ عن اللَّه تعالى في جميع الأحكام؛ فقوله ـ صلوات الله عليه ـ حجة، ومنهجه في كل شيء أعظم محجة.
[الكلام في: حجية قول أمير المؤمنين (ع) في الأصول، والفروع]
أما في الأصول، فلا خلاف بين آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأتباعهم في ذلك؛ لمكان ماجعل اللَّه تعالى له من العصمة، وكون الحق فيها واحداً، كما قضت به الأدلة السابقة المعلومة.
وأما في فروع الأحكام، فكذلك عند جمهور أهل البيت وأتباعهم؛ لما سبق من الحجج المنيرة، المتواترة الشهيرة، وغيرها من الكتاب والسنة.
وقد جمع في ذلك المقام، السيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع)، ماكثر وطاب، وأفعم الوطاب، وفيه كفاية لأولي الألباب؛ ولم تفصل البراهين القاضية بكون الحق معه وكونه على الحق، وما شاكلها، بين أصول وفروع، ولا بين معقول ومسموع.
فإن قيل: إن الحق في الاجتهادات متعدد، كما قد احتج بذلك بعضهم.
قيل: هذا على فرض صحته؛ إنما هو فيما لم تبلغ المجتهد فيه الحجة؛ ومع قيام الأدلة على حجية قوله، تجب متابعته، ولاتسوغ مخالفته، كقول أخيه الرسول الأمين، وقول جماعة العترة الهادين، ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.
فإن قيل: فيلزم أن يكون أعظم حالاً من الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؛ لتجويز الخطأ عليه دونه.
قيل: عن هذا جوابان، إلزامي وتحقيقي:
أما الأول: فهو لازم لكم في قول جماعة العترة والأمة، فإن الجميع لايجيزون عليهم الخطأ، فما أجبتم به فهو الجواب.
وأما الثاني: وهو الحل، فهو أن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وإن جاز عليه ذلك فلا يُقَرّ عليه، فهو مُؤَيّد بالوحي، مُسَدّد بالعصمة، /144

(1/144)


لايمضمي على شيء من الخطأ، إن وقع، فعند التحقيق لايجوز عليه الخطأ على الإطلاق؛ لأن مالا يستقر ـ وإنما يصدر لحكمة البيان ولايثبت ـ لا اعتبار به.
وأما غيره ممن قامت الحجة على أنه حجة، فلو فرض الخطأ، لدام، ولا يجوز على الحكيم أن يأمر باتباع الخطأ من الأحكام، وفي هذا أوضح بيان لذوي الأفهام.
فإن قيل: إنها تروى عنه ـ صلوات الله عليه ـ الروايات المتعارضة، وفي بعضها التصريح برجوعه عن القول الأول.
قيل: على فرض صحة ذلك، نقول: كان الحكم مؤقتاً لديه، بإعلام من الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمد معلوم، وليس هذا من النسخ؛ وأيضاً لامانع منه، بل يكون هذا مع صحته دليلاً عليه، وهو أقوى برهان.
فإن قيل: لو كان كذلك، لما خالفه الصحابة، ولأنكر عليهم المخالفة.
قيل له: أما المخالفة فلا تنكر، وليست بدليل، مالم يكن إجماعاً.
[مخالفة بعض الصحابة للرسول (ص) حينما أراد أن يكتب لهم العهد الأخير]
كيف وقد خولف الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مراراً؟ أشهرها ماجرى من خلاف يوم الخميس، الذي أشار إليه الإمام يحيى شرف الدين (ع)، في قوله:
وفي الخميس وما يوم الخميس به .... كل الرزية قال البحر هي هي هي
عنى بالبحر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
قال الشارح: هذا إشارة إلى الحديث، الذي أخرجه البخاري، ومسلم، عن ابن عباس قال: لما حُضِرَ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده)).
قال عمر ـ وفي رواية: قال بعضهم ـ: رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله.
قلت: سبحان اللَّه، ومن جآءهم بكتاب اللَّه؟! وأي وثوق به، إن لم يكن معصوماً فيما طريقه التبليغ على كل حال؟!.
كلا، ولكن فَهِمَ عمرُ مراد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من التأكيد في خلافة أخيه؛ كما صرح به عمر في رواية ذكرها في /145

(1/145)


شرح النهج وغيره.
رجعنا إلى تمام الخبر.
قال: واختلف أهل البيت، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ ومنهم من يقول ماقال عمر.
انظر كيف رجعت مسألة خلاف، بين رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعمر بن الخطاب؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: وفي رواية: ومنهم من يقول غير ذلك؛ فلما أكثروا اللغط والاختلاف، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قوموا عني)).
قال: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية، ماحال بين رسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.
وساق رواية أخرى قال فيها: ثم بكى ـ أي ابن عباس ـ حتى بل دمعه الحصى.
وأَمْرُ هذه الواقعة معلوم، وإنما آثرت رواية الصحاح لتسليم الخصوم.
فبالله عليك، أترى هذا خلافاً لرسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أم لا؟ وهل هذا يبطل حجية قوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ؟.
بل نقول: لااعتبار بمن خالف الحجة، وإن خالف من خالف، وإن اختلفت أحكام المخالفة، وعند الله تجتمع الخصوم؛ وأما عدم إنكار الوصي صلوات الله عليه المخالفة فخلاف المعلوم، من أقواله وأفعاله، وخطبه منادية بالإنكار على الاستمرار، منها قوله: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم؟.
وقوله: أين يتاه بكم عن علم تنوسخ عن أصلاب أصحاب السفينة؟.
وقوله: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب؛ ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً.
وقال في ذم المخالفين له: لايقتصون أثر نبي، ولايقتدون بعمل وصي.
إلى غير ذلك مما يفوت الحصر.
وأورد ابن تيمية في فتاواه ص24 في الجزء (20) ـ الطبعة الأولى ـ: وقال عليٌ في قصة التي أرسل إليها عمر فأسقطت لما قال له عثمان وعبد الرحمن بن عوف: أنت مؤدب ولا شيء عليك: إن اجتهدا فقد أخطآ، وإن لم يكونا اجتهدا فقد غشّاك.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنّها الأهواءُ عمّت فأَعْمتِ
وهذا هو القول المعمول به، عند قدماء العترة ـ صلوات الله عليهم ـ؛ كما قرره إمام /146

(1/146)


الأئمة الهادي إلى الحق في الأحكام، وغيره من مذهبه ومذهب آبائه (ع).
وكرره الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد.
وقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي: وكلام علي(ع) حجة..إلخ.
[أدلة لزوم علي للحق ـ مخرجوها]
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ في التخريج: قال علي بن الحسين في المحيط: ومن خصائص علي (ع) أن قوله حجة يجب المصير إليه؛ وذلك إجماع أهل البيت، لايختلفون فيه.
ثم استدل بأخبار فقال:
روى الناصر للحق.
إلى قوله: بسنده إلى أم سلمة قالت: سمعتُ النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ثم قال: وحدثني السيد يحيى بن الحسين الحسني؛ وساق سنده إلى زيد بن علي قال: كان علي بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علماً في الحق والباطل؛ لو أخذ الناس جانباً، أخذنا مع علي.
وروى بإسناده إلى زيد بن علي قال: نحن أهل البيت، لم نستوحش إلى أحد من هذه الأمة، إذا ثبت لنا الأمر عن أمير المؤمنين، لم نَعْدُهُ إلى غيره.
وقال: حدثني القاضي أبو علي الحسن بن علي الصفار؛ وساق إلى ابن عباس قال: إذا بلغنا شيء عن علي (ع)، من قضاء، أو فتيا؛ وثبت، لم نجاوزه إلى غيره.
قلت: وفي الجزء السابع من فتح الباري شرح البخاري ص 73: فقد روى ابن سعد بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا، لم نتجاوزها.،انتهى.
وفي الاستيعاب، بالسند إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي، لم نعدل به. انتهى.
قال: وحدثني والدي؛ وساق إلى عبدالله بن الحسن قال: كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يذكر الفتن، وما يكون في أمته؛ فمرّ علي بن أبي طالب فقال: ((ياحذيفة، هذا وحزبه الهداة إلى يوم القيامة، لو أخذت الأمة جانباً، وأخذ علي جانباً كان الحق مع علي، وعلي مع الحق)). من المحيط /147

(1/147)


قلت: وقد سبق للإمام رواية خبر عمار، بسنده إلى علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا له: إن اللَّه تعالى أكرمك بمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك.
إلى قول أبي أيوب: إني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا البيت الذي أنتما فيه، ومافي البيت غير رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعلي جالس عن يمينه، وأنا قائم بين يديه، إذ حرّك الباب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا أنس انظر من بالباب)).
فنظر فرجع، فقال: هذا عمار بن ياسر.
قال أبو أيوب: فسمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((يا أنس افتح لعمار، الطيِّب المُطيَّب)).
ففتح أنس الباب.
إلى قول رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعمار: ((فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني علياً (ع) ـ وإن سلك الناس كلهم وادياً، وسلك علي وادياً، فاسلك وادي علي، وخل الناس طراً؛ يا عمار، إن علياً لايضل عن هدى؛ ياعمار، إن طاعة علي من طاعتي، وطاعتي من طاعة اللَّه عز وجل)).
قال ـ أيده الله ـ: ورواه الإمام أبو طالب (ع)، بإسناده إلى أبي أيوب الأنصاري.
وأخرجه ابن البطريق في العمدة؛ ذكره علي بن عبدالله بن القاسم بن محمد (ع) في الدلائل.
وأخرجه الديلمي وهو معنى ماذكر.
قال: وقال أبو جعفر الهوسمي: إن خبر ((علي مع الحق)) صحيح بالإجماع.
قال في المحيط: حديث ((علي مع الحق، والحق مع علي))؛ روي ذلك رواية عامة، لم يدفعه أحد.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال لعلي: ((أنت باب علمي، والحق معك، وعلى لسانك)) أخرجه الكنجي، عن علي (ع).
وروى محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى سعد، وأم سلمة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((علي مع الحق، والحق معه)).
إلى قوله: وروى بإسناده، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((من أحبني فليحب علياً؛ ألا إنه مني، وأنا منه)) /148

(1/148)


وساق إلى قوله: ((فالحق معه وهو حيث الحق))؛ ثم التفت إلى علي، وقال: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لانبي بعدي)).
وروى ـ أي محمد بن سليمان ـ بإسناده إلى أم سلمة قالت: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول لعلي: ((أنت مع الحق، والحق معك)).
وروى بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي، إنك الهادي لمن اتبعك؛ ومن خالفك ضلّ إلى يوم القيامة)).
وروى بسنده إلى محمد بن ثابت الأنصاري، عن أم سلمة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((لايزال الدين مع علي، وعلي معه، حتى يردا عليّ الحوض)).
وروى بسنده إلى ابن عباس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((يامعشر المسلمين، لاتخالفوا علياً فتضلوا، ولاتحسدوه فتكفروا)).
قلت: ورواه محمد بن منصور، بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع).
قال: وقد مرّ حديث بريدة، الذي أخرجه الكنجي، عن عمران بن الحصين، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في علي (ع)؛ وفيه: ((فلا تخالفوه في حكمه)).
قال: ورواه أبو عيسى الحافظ ـ يعني الترمذي ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مخاطباً لعائشة.
إلى قوله: ((وأنه مع الحق، والحق معه)) من حديث طويل، أورده أبو جعفر الإسكافي، عن أم سلمة.
ومن حديث أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أطيعوا علياً، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني؛ ألا لعن اللَّه من خالف علياً)) رواه في الكامل المنير.
وقال: ((ألا إن التاركين ولاية علي، هم الخارجون من ديني، فلا أعرفنّ خلافكم على الأخيار من بعدي)) رواه أبو العباس الحسني، عن حذيفة.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به، لن تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((هذا علي))..الخ من حديث رواه أبو نعيم، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن الحسن بن علي من ثلاث طرق، والطبراني والكنجي، عن الحسن السبط أيضاً؛ وأخرجه ابن المغازلي، عن زيد بن أرقم.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((وإن /149

(1/149)


الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك)) من حديث جابر؛ رواه القاسم بن إبراهيم (ع)، وابن المغازلي؛ ورواه عنه محمد بن سليمان الكوفي، من طريقين؛ ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر؛ ورواه الإمام المنصور بالله، بطريقه إلى الناصر للحق (ع)، يبلغ به جابراً؛ وقد مرّت روايته (ع)؛ ورواه الكنجي، بسنده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((فإنه ـ يعني علياً ـ لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة)) من حديث زيد بن أرقم؛ أخرجه الحاكم في المستدرك، والطبراني، والكنجي، ومحمد بن سليمان، وأبو نعيم؛ ورواه فقيه الخارقة، بسنده إلى أبي إسحاق، عن زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم.
قلت: وإنما رواه لقصد التصويب على رواية الشيخ محيي الدين للخبر؛ وهو من إخراج الإقرار بالحق على ألسنة المبطلين.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا المنذر وأنت الهادي؛ بك ياعلي، يهتدي المهتدون))؛ أخرجه في المحيط، عن ابن عباس؛ وأخرجه ابن عساكر، عن علي(ع)؛ والديلمي، والكنجي؛ وأخرج في المحيط أيضاً نحوه، عن زين العابدين (ع)؛ وأخرج نحوه الناصر للحق، عن أبي برزة الأسلمي، من دون زيادة ((بك يهتدي)) إلخ؛ أخرجه ابن مردويه؛ والضياء في المختارة، عن ابن عباس، وابن مردويه أخرجه أيضاً عن أبي برزة؛ وأخرجه في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن عساكر، عن علي (ع)؛ وأخرجه ابن جرير، وأبو نعيم، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار، والثعلبي، والنقاش؛ وأخرجه الحاكم الحسكاني، عن علي (ع)، وعن ابن عباس من ست طرق، وعن أبي برزة من ثلاث، وعن أبي هريرة، وعن يعلى بن مرة، وعن مجاهد، وعن زرقاء الكوفية.
وخبر: ((علي مع الحق، والحق مع علي))، رواه في المحيط، بإسناده إلى أبي اليسر، عن عائشة.
ورواه ابن المغازلي، بسنده إلى أبي سعيد؛ ورواه أيضاً عن علي من حديث المناشدة؛ ورواه الإمام أبو طالب ـ عليه /150

(1/150)


السلام ـ بلفظ: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي)).
عن أم سلمة: ((وعلي مع القرآن، والقرآن مع علي))؛ أخرجه الحاكم، والطبراني، والكنجي، ومالك؛ عن أم سلمة أخرجه في الموطأ.
وأخرج البخاري في صحيحه، عن علي (ع)، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((رحم اللَّه علياً، اللهم أدر الحق معه حيثما دار)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من فارق علياً، فقد فارقني))؛ أخرجه الحاكم، عن أبي ذر؛ وابن المغازلي، عن ابن عمر وأبي ذر.
قلت: وفي شرح الغاية: وأخرج أحمد في المناقب، والحاكم عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((ياعلي من فارقني فارق اللَّه، ومن فارقك فقد فارقني)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق))؛ أخرجه ابن عساكر، عن عمار.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحقُّ مع ذا، الحقُّ مع ذا)) ـ يعني علياً ـ؛ أخرجه أبو يعلى، وسعيد بن منصور، عن أبي سعيد الخدري؛ وابن المغازلي، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي على الحق، ومن تبعه فهو على الحق، ومن تركه ترك الحق))؛ رواه موسى بن قيس، الملقب عصفور الجنة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك)) من حديث الناصر للحق، بسنده إلى جابر عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وقد مرّ مثله؛ وهو طويل جامع لفضائل عظيمة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة)) ـ يعني علياً (ع) ـ؛ أخرجه الخطيب، عن أنس؛ وأخرجه ابن المغازلي عنه بدون ((يوم القيامة)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((وأنت الفاروق، الذي يفرق بين الحق والباطل))؛ أخرجه المرشد بالله (ع)، وأبو علي الصفار، والطبراني عن أبي ذر، ومحمد بن سليمان عن أبي ذر من طريقين، وعن سلمان وأبي ذر معاً من طريق؛ وأخرجه ابن عدي، والعقيلي، والبيهقي، والكنجي عن ابن عباس؛ والبيهقي وابن عدي، عن حذيفة، عنه صلى /151

(1/151)


الله عليه وآله وسلم؛ وأخرجه ابن عساكر عن ابن عباس، ورواه عن أبي ليلى في ظاهر قول الكنجي؛ وأخرجه أبو عمر بن عبد البر، عن أبي ليلى الغفاري؛ والكنجي، عن أبي ليلى أيضاً؛ ورواه أبو جعفر الإسكافي، عن أبي رافع؛ ورواه في المحيط علي بن الحسين.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه))؛ أخرجه الحاكم وصححه؛ والديلمي، عن ابن عباس؛ ومحمد بن سليمان، عن أنس من أربع طرق؛ وابن مردويه، عن أنس، والحارث بن محمد الأسدي؛ وأخرجه أبو نعيم، والكنجي، وصاحب المحيط؛ ورواه أبو القاسم الجابري، بسنده إلى ابن عباس وابن مسعود وجابر؛ وصدره: ((ليهنك ياأبا الحسن العلم والحكمة؛ أنت وارث علمي؛ من أحبك لدينك وأخذ بسنتك، فقد هُدي إلى صراط مستقيم؛ ومن رغب عن هداك وأبغضك، لقي اللَّه ولا خلاق له)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي؛ حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة))؛ أخرجه الديلمي عن أبي ذر.
وروى محدث الشام، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، بالإسناد إلى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ، يقول: ((هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي بعدي)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((أنت تؤدي دِيني، وتقاتل على سنتي، وأنت باب علمي، وإن الحق معك، والحق على لسانك))؛ رواه الإمام الأعظم زيد بن علي (ع). أفاده في شرح الغاية.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع؛ فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل اللَّه، ومن تركه مرق من /152

(1/152)


دين اللَّه، ومن تخلف عنه محقه اللَّه، ومن ترك ولايته أضله اللَّه، ومن أخذ بولايته هداه الله))؛ رواه العلامة إبراهيم بن محمد الصنعاني، في كتاب إشراق الإصباح، عن محمد بن علي الباقر، عن آبائه، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
انتهى المأخوذ من الشافي وشرح الغاية ودلائل السبل، والتفريج، والتخريج، بتصرف.
ولقد اعترف بالحق علماء المخالفين؛ لما بهرتهم البراهين.
قال البيهقي: ومن اقتدى في دينه بمتابعة علي بن أبي طالب، كان على الحق؛ والدليل عليه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم أدر الحق مع علي أينما دار)).
وقال أيضاً هو والرازي: ومن اتخذ علياً إماماً لدينه، فقد تمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
والحق أبلج ماتخيل سبيله .... والحق يعرفه أولوا الألبابِ
[جمع نفيس لنصوص نبوية، في أخي الرسول ووصيه]
هذا، واعلم أنه قد وقع الجمع لزبدة شافية، من نصوص سيد المرسلين، في أخيه سيد الوصيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ في خاتمة بحث من التحف الفاطمية ، نفع اللَّه بها؛ ووقفت على مثله في التخريج العظيم، الذي وَشّح به الشافي، المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ؛ ولم يكن قد وقع اطلاع على هذا البحث، ولا على سائره على سبيل التفصيل؛ وإنما كان قد ناولني الكتاب، وأمليت عليه بعض مباحثه، وهو باق ـ حال تأليف التحف ـ لديه، ولو كان قد وقع الاطلاع عليه، لجمعت البحثين هناك.
وكذا وقع التوافق، على رسم مخرجي أخبار الكساء، وأسماء الرواة، على تلك الصفة، وحصل ـ بحمد اللَّه ـ في كل واحد من الأبحاث، مالم يكن في الآخر؛ وقد ترجح إيراد ماحرره هنا، وجَعْلُه خاتمة لهذا المقام؛ ليكون من وقف على الجميع وقف على منتهى المرام على التمام، والله تعالى ولي التوفيق إلى أحسن ختام. /153

(1/153)


قال ـ أيده الله ـ: ويعلم اللَّه، أن من تأمل ما اشتمل عليه هذا الكتاب أصلاً وتعليقاً.
قلت: يعني الشافي وما علق عليه، أي: وحدهما، دع ما سواهما، فكيف بمن تأملهما، وتأمل غيرهما؟.
قال: لا يبقى معه شك في إمامة علي (ع)، وكونه حجة يجب اتباعه، ويحرم خلافه؛ فإنه باب العلم، وباب الحكمة، وباب حطة، والمبين للأمة، والهادي، وعيبة علم محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأعلم الأمة، وأفقهها، وإمام أولياء اللَّه، ونور من أطاعه، وخير الأمة، والصديق الأكبر، والفاروق، عديل نفس رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولي كل مؤمن، ومولى كل مؤمن، سيد العرب، وسيد المسلمين، وإمام المتقين، والكلمة التي ألزمها اللَّه المتقين، الطاهر المطهر، أحب الخلق إلى اللَّه، وإلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يحبه اللَّه ورسوله؛ مِن محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة رأسه من بدنه، من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومحمد منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وجبريل منهما؛ أفضل السابقين والصديقين، وارث أخيه محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وخليفته من بعده، ووصيه، ووزيره، وخليله، والأحق به، المنتجى لله، والمختار بعد أخيه، سيد في الدنيا والآخرة، سيد ولد آدم ماخلا الأنبياء، ذو اللواء في الدنيا والآخرة، أول الناس وروداً على الحوض، والساقي من أحبه، قسيم النار والجنة، المتولي لمفاتيح خزائن رحمة اللَّه؛ الأبصر بالقضية، والأعدل في الرعية، والأقسم بالسوية، والأعظم في المزية؛ خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلى اللَّه وسيلة؛ منصور من نصره، مخذول من خذله؛ هو مع الحق والقرآن، وهما معه؛ من فارقه فارق اللَّه، ومن لم ينصره فليس من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ عَلَم الهدى، وحتف الأعداء، سيف اللَّه الذي لاينبو؛ حبه إيمان، وبغضه نفاق؛ من تمسك به لن يضل، ذو الجواز، خير البرية؛ وهو الطريق الواضح، والصراط المستقيم؛ وهو باب اللَّه الذي لايؤتى إلا منه، باب الجنة، والمقتول على السنة؛ أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، /154

(1/154)


وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم، وصالح المؤمنين؛ حجة اللَّه على الأمة، خاتم الأوصياء؛ لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون؛ قرين محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في درجته، في السنام الأعلى، أبو ولده، واسطة بينه وبين خليل الرحمن.
فمن ذا يشك في أمره إلا مصاب بدعوة أخيه؟! وحقه على كل مسلم كحق الوالد على بنيه، المردود عليه الغزالة صلى اللَّه على محمد وآله وسلم.
انتهى المراد.
فإذا أحطتَ علماً بما قضت به هذه البراهين الناطقة، وفهمتَ ما صرحت به تلك الحجج من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم المتطابقة، لاالدواعي الماحلة، والأماني الماحقة؛ علمتَ علماً لاريب فيه، أن جماعة إمام الأبرار، وقسيم الجنة والنار، وأتباع سائر العترة الأطهار، الذين تركهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خلفاء مقامه، وقرناء كتاب ربه، وأمر أمته بالتمسك بهم في جميع الأعصار ـ هي الجماعة الصادقة؛ وأن سنتهم هي السنة الجامعة لا المفارقة، وأن فرقتهم هي الفرقة الناجية، والعصابة الهادية، وكلمتهم هي الكلمة الباقية ـ؛ ومن يتول اللَّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللَّه هم الغالبون؛ وأن من اتبع غير سبيلهم، أو لم يتمسك بحبلهم، وزاغ عن سفينتهم، ولم يدخل في قبيلهم، أو ركن إلى أعدائهم، ولم يعتصم بهداهم؛ فهو النابذ للكتاب ظهرياً، والمرتكب من الضلال والمحال شيئاً فرياً، وهو الخارج عن الطاعة، والمفارق للجماعة، والرافض للكتاب وللسنة والعترة، والمتبع للضلالة والفرقة والبدعة، فسوف يلقون غياً؛ وهو السالك سبيل المخافة، والخالف لنبيه في أهل بيته شر الخلافة /155

(1/155)


وخير أمور الناس ماكان سنّة .... وشرّ الأمور المحدثات البدائعُ
فسبحان اللَّه! كيف يرضى لنفسه بذلك ذو عقل سليم، ونظر قويم؟! أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم؛ ذلك مبلغهم من العلم؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل؛ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
ولقد أذْكَرَ المقام، بما قاله الإمام، يحيى شرف الدين (ع)، في خاتمة قصص الحق؛ للتوسل بمن توسل، والسؤال لما سأل، والله ولي العصمة والتسديد، في كل مبدء وختام.
قال (ع):
يا سيد الرسل إنا معشر خُشُن .... في دينك الصدق نحييه ونحميهِ
من آل سبطك لاتنفك طائفة .... منا على الحق تخزي من يناويهِ
ولا تزال على أكتافنا خُذُمٌ .... تبيد خضراء قوم لا تراعيهِ
منا خليفة حق من تكون له .... شروط شرع بالاستخلاف تمليهِ
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
تركتنا مع كتاب اللَّه جل إلى الـ .... ـحوض الذي لموالينا نُرَوِّيه
سفينة اللَّه تُنْجي مَنْ يلوذ بها .... ومن تخلّف في النيران تهويه
ونوركم أيها الأشباح صاربنا .... وهو الذي آية التطهير تعنيهِ
إجماعُنا حجة الإجماع وهو له .... أقوى دليل على ماالعلم ينبيهِ
/156

(1/156)


إلى قوله:
وإنّ عبدك يارحمن يسألك الـ .... ـقبول والعفو والتوفيق توليهِ
إلى قوله:
وهب لنا رحمة يارب شاملة .... لنا جميعاً وعنا الشر تنفيهِ
وفي دعائي أولادي كذا سلفي .... وإخوتي وكذا أشياعنا فيهِ
والحمد لله في صدر المقال وفي الـ .... ـختام منه وفي الأثناء ننشيه
حمداً جميلاً جزيلاً لاكفاء له .... إلا جلال إله العرش معطيه
كذا الصلاة على المختار دائمة .... وآله ماشدا في الأيك شاديهِ
/157

(1/157)


الفصل الثاني [في بيان ما عليه مفارقوا العترة(ع)]
في بيان ماعليه المفارقون لأهل بيت النبوة، من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة، واطراح عظيم الحرمة؛ لما ألزم اللَّه ـ عز وجل ـ من البيان، في محكم القرآن، بأمثال قوله ـ جل جلاله ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء: 135] حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقين والمشاقين؛ وأعمال الموافقين والمفارقين.
فأقول والله المستعان، وبه الثقة وعليه التكلان: تالله، إن كل من له أدنى مسكة من الاطلاع، ورائحة من الإنصاف، ومادة من التوفيق، ليعلم تحريفهم، وانحرافهم، وتحاملهم على العترة الطاهرة، الذين طهرهم اللَّه عن الرجس، وأمرهم بمودتهم في الكتاب، وخلّفهم فيهم الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، وجعل نجاة الدنيا والآخرة في التمسك بهم، والاعتصام بحبلهم، في الأخبار المتواترة؛ ويعلم ميلهم إلى أعدائهم، المحاربين لهم، السافكين لدمائهم، من الفرق التي تواترت النصوص النبوية، عند كافة الأمة المحمدية، بضلالهم ونكثهم، وبغيهم ودعائهم إلى النار، ومروقهم عن /161

(1/161)


الدين، من الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن تلاهم من الجبارين.
[تعديل الخصوم لرؤساء النفاق، والأخذ عنهم ـ وشيء مما جاء فيهم]
وأي بيان في هذا الباب، أبلغ من توليهم وتعديلهم لرأس أحزاب البغي، وزعيم أرباب القسط، المحارب لسيد الوصيين (ع)، والقاتل للألوف المؤلفة من طائفة الحق والمحقين، معاوية بن أبي سفيان، وأبيه، اللذين لم يزالا يبغيان لدين اللَّه الغوائل، ويسعيان في إطفاء نور اللَّه ويجمعان القبائل، حتى ظهر أمر اللَّه وهم كارهون؛ وتوليهم وتعديلهم لشركائه في أمره، ووزرائه وأنصاره، كعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وطريد رسول اللَّه وابن طريده مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة؛ فهؤلاء عندهم من المركون عليهم في الدين، الموثوقين على تبليغ شريعة سيد المرسلين، المعتمد على رواياتهم في أصح صحاحهم، كالبخاري ومسلم.
ولا كلام فيهم؛ لشمول اسم الصحبة لهم عندهم؛ وقد عمّموا بذلك المدح والثناء مطيعَهم وعاصيَهم، ومحقَّهم وباغيهم، ومخلصهم ومنافقهم، ومؤمنهم وفاسقهم؛ وقد علموا ماورد عن اللَّه وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من النصوص المعلومة القاطعة؛ منها ماهو خاص لمسمى الصحابة أولاً وبالذات، ومتناول لمن شاركهم من غيرهم، كما ورد في الفرق الثلاث: الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وغير ذلك مما هو معلوم في شأن أمير المؤمنين، وأخي سيد النبيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ من أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، المروي عند جميع المسلمين.
[حديث: المحلؤون يوم القيامة عن الحوض من الصحابة]
ومنها: ماهو وارد في الصحابة خاصة، كأحاديث الحوض، المتضمنة لطردهم وإبعادهم، وأنه لايخلص منهم إلا كهمل النعم، وأنهم غيروا وبدلوا، وأنه ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ يقول: ((أصحابي أصحابي)) فيقال: إنك لاتدري ماأحدثوا بعدك، فيقول: ((سحقاً سحقاً)).
ولم يقل: لا كلام فيهم؛ لأنهم صحابة، ولا لأنهم خير القرون، ولا إنهم كالنجوم، ولا إن فيهم من أهل بدر فيعملون ماشاؤا.
وأخبار الحوض، متواترة مروية عند آل محمد (ع)، وعند هؤلاء القوم في /162

(1/162)


صحاحهم كالبخاري ومسلم.
وفي لفظ رواية لمسلم والبخاري، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني؛ فأقول: أي رب، أصحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
وفي أخرى لهما عن أنس، أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((ليَرِدنّ عليَّ الحوض رجال، ممن صاحبني، حتى إذا رفعوا اختلجوا؛ فلأقولن: أي رب، أصحابي أصحابي؛ فيقال لي: إنك ماتدري ماأحدثوا بعدك)).
زاد في رواية أخرى: ((سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي)).
وغير ذلك كثير، فلا نطول بالبحث.
وما ورد في الكتاب العزيز في شأنهم خاصة، كقوله تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [الفتح: 10].
فيا عجباه، ممن يستدل ببيعة الرضوان، على استمرار طاعتهم، والقطع بنجاتهم، كابن تيمية، ومن مشى على منهاجه.
وقوله تعالى في أهل بدر: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } [آل عمران: 152].
وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } [آل عمران: 144].
وقوله ـ جل وعلا ـ مخاطباً لسيد رسله ومن معه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} [هود].
وفي الرواية /163

(1/163)


أنها شَيَّبَتْ به ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وهو في مقام النبوة، ومحل العصمة ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ؛ وماعند اللَّه هوادة لأحد من خلقه، وما حكمه إلا واحد في جميع عباده.
ومنها ماهو عام لهم ولغيرهم، كوعيد اللَّه في كتابه، وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على جميع حدوده، وإيجاب البراءة من جميع أعدائه، نحو: قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة: 22] الآيات.
فأعرضوا عن هذه الآيات والأخبار، واتخذوها ظهرياً، وأغلقوا الباب، وقطعوا الخطاب، وصيروها نسياً منسياً؛ ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون؛ سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون.
كل ذلك ميلاً إلى الهوى، وحباً للرئاسة، وإخلاداً إلى الدنيا؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم؛ والمرء مع من أحب؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فإن قيل: إنهم إنما قبلوا حديثهم؛ لظنهم صدقهم، ولم يتولوهم ولا أحبوهم.
قيل: إن كنتَ لاتعلم؛ فاعلم أنهم تولوهم، وترضوا عنهم وعدلوهم، وعدلوا كل من شمله اسم الصحبة، ومنعوا الكلام فيهم بالكلية؛ بل عدوا ذلك جرحاً، ووضعوه قدحاً، كما صرحت به دفاترهم، وجرى عليه أولهم وآخرهم؛ وكان الأولى بمن بلغ به الجهل بحالهم إلى هذا، أن يسكت؛ فإن سكوته أسلم.
[كلام على معاوية وبقية بني أمية]
هذا، ومنها ماهو خاص لأناس منهم، بأسمائهم وأعيانهم، كرأس الباغين، معاوية بن أبي سفيان.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر؛ عن سعيد بن المسيب، قال: رأى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بني أمية على منابرهم؛ فساءه ذلك، فأوحى اللَّه إليه (إنما هي دنيا أعطوها)؛ فقرّت عينه، وهو قوله تعالى: {وَمَا /164

(1/164)


جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء: 60].
قال فخر الدين الرازي في تفسيره: وهذا هو قول ابن عباس، عن عطاء.
ثم قال أيضاً: قال ابن عباس: الشجرة الملعونة في القرآن: بنو أمية.
قال: ورأى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في المنام بني مروان يتداولون.
وقال النيسابوري في تفسير سورة القدر: ذكر القاسم بن المفضل، عن عيسى بن مازن، عن الحسن بن علي (ع)، أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رأى في منامه بني أمية، يطئون منبره واحداً بعد واحد ـ وفي رواية: ينزون على منبره نزو القردة ـ فشق ذلك عليه، فأنزل اللَّه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر] إلى قوله: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} يعني: ملك بني أمية.
وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 13) عن الترمذي، بسنده إلى الحسن بن علي (ع)، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رأى بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر] ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر].
إلى قوله: قال: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر] يملكها بنو أمية، يامحمد.
قال: وأخرج هذا الحديث الحاكم في مستدركه، وابن جرير في تفسيره؛ وساق سنده إلى عبد المهيمن بن عباس بن سهل؛ حدثني أبي عن جدي، قال: رأى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات؛ وأنزل اللَّه في ذلك: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء: 60].
قال: إسناده ضعيف، لكن له شواهد من حديث عبدالله بن عمر، ويعلى بن مرة، والحسن بن علي، /165

(1/165)


وغيرهم؛ وقد أوردتها في كتاب التفسير، والمسند، وأشرت إليها في كتاب أسباب النزول. انتهى.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن أهل بيتي يلقون من أمتي قتلاً وتشريداً، وإن أشد قومنا لنا بغضاً بنوا أمية وبنوا المغيرة وبنوا مخزوم)) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
وقد ساق الشوكاني في فتح القدير الأخبار في هذا المعنى، وزاد: وأخرج ابن مردويه، عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لأبيك وجدك: ((إنكم الشجرة الملعونة في القرآن)).
قال الشوكاني: في هذا نكاره؛ وعلل ذلك بأن جد مروان، لم يدرك زمن النبوة.
قلت: وذلك ساقط؛ لأن اللام ليست للتبليغ هنا؛ بل بمعنى عن، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [الأحقاف: 11] وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } الآية [آل عمران:168] أي: عنهم وفي شأنهم.
وهنا كذلك أي: يقول عن أبيك وجدك.
فهذا هو الذي يجب المصير إليه، ولامعنى للتشكيك في الرواية الصحيحة، التي لها شواهد متضافرة؛ بل متواترة، بمثل هذا التعليل العليل.
وأيضاً، فلو كانت للتبليغ، لأمكن ذلك باعتبار الحَكَم، وعطف والده عليه تغليباً؛ وهذا واضح للمنصفين.
وفي البخاري بسنده إلى أبي هريرة، أنه قال: سمعت الصادق المصدوق يقول: ((هلكة أمتي على يد غلمة من قريش)).
قال مروان: لعنة اللَّه عليهم غلمة.
قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان بني فلان، لقلت.
قال في فتح الباري في الجزء (13) ص (9): تنبيه، يُتعجب من لعن مروان الغلمة، مع أن الظاهر أنهم من ولده، كأن اللَّه أجرى ذلك على لسانه؛ ليكون أشد عليهم في الحجة، لعلهم يتعظون.
وقد وردت أحاديث في لعن الحكم، والد مروان، وما ولد، أخرجها الطبراني؛ وبعضها فيه مقال وبعضها جيد. انتهى المراد. /166

(1/166)


[نقاش في معنى الصحبة]
ونقول لهم فيما يقعقعون به، ويموهون على من لانظر له، ولا رؤية عنده، في شأن الصحابة، التي أضاعوا بسببها حقوق اللَّه، وحقوق رسوله، وحقوق الجامعين للصحابة والقرابة: إن أردتم الصحبة اللغوية على الإطلاق، التي هي الملازمة للغير، فليست من أسماء المدح والتعظيم في شيء؛ وقد سمى اللَّه تعالى بها الخارج عن دينه، الكافر بربه.
قال ـ عز وجل ـ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } [الكهف: 37].
وإن أردتم الصحبة الشرعية، التي تقتضي التجليل والتعظيم، والتبجيل والتكريم، المحمود أهلها في الكتاب الكريم، وسنة الرسول العظيم؛ فلا ولا كرامة؛ لاتطلق إلا لمستحقيها، الثابتين على الدين القويم، اللازمين لهدي الرسول الأمين، وصراطه المستقيم، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولم يبدلوا ولم يغيروا، حتى أتى اللَّه كل منهم بقلب سليم.
ولا ريب أن لصحابة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم، وعلى الطاهرين من آلهم ـ منزلة عظمى، ومرتبة كبرى؛ ولكن ذلك لمن خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، ولم يستبدل الآخرة بالأولى؛ فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى؛ بل ذنبه أعظم، وجرمه أطم؛ لمشاهدته لأنوار النبوة، وكفرانه لعظيم ماأنعم اللَّه به عليه، كما أخبر اللَّه تعالى في نساء نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وعلى كل حال، فكل فضيلة لاتتم إلا بالسلامة من موجبات سخط ذي الجلال، ومحبطات صالح الأعمال؛ وقد قرعت سمعك النصوص المعلومة على العموم والخصوص؛ ومابعد كلام اللَّه أحكم الحاكمين، وكلام رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أصدق القائلين مقال /167

(1/167)


[كون إجرام الصحابي أقبح من غيره]
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق المبين، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين(ع) في المعراج؛ في سياق كلام، أجاب به على صاحب البهجة العامري: وأن صحبة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شرف ورفعة؛ ولكن لم يثبت أنها تبيح المحرمات، ولا تكفر الذنوب الموبقات؛ بل العقل والنقل يقضيان بعكس ذلك.
أما العقل: فلا شك أن المناسب عنده وفي حكمه، أن جراءة الصحابي، الذي صحب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دهراً طويلاً، وشاهد أنوار النبوة، وانفجار أنهار الحكمة، فأخذ دينه من غير واسطة أعظم موقعاً من جراءة غيره، وأدل على الشقاوة، وشدة التمرد، وعظيم العتوِّ؛ إن لم يشهد ذلك بالنفاق، وجميع مساويء الأخلاق.
وأما النقل: فقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30].
فأكد ماذكرناه، ودل على أن صحبتهن لرسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، وهي أبلغ صحبة، وأخصها وأعظمها، لم تكن سبباً في التجاوز عنهن؛ بل في التغليظ عليهن؛ فكيف تكون صحبة معاوية مع نوع من النفاق والتمرد العظيم، وأبلغ الشقاق، سبباً في تجاوز ماكاد به الإسلام، وأحدثه من المصائب العظام، والحوادث الطوام؟!
ثم ساق (ع) أخبار الحوض وغيرها.
وكلام أئمة الهدى على هذا المنهج.
وقد أورد في الجزء الرابع من شرح النهج، بحثاً نفيساً، جواباً على ماتُوَعْوَع به الحشوية في هذا المقام.
ولقد قارب حد الإنصاف، والخروج عن التورط في دائرة الانحراف والاعتساف، العلامة المحقق، سعد الدين التفتازاني، حيث قال في شرح المقاصد مانصه: إن ماوقع من الصحابة من المشاجرات، على وجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد، والفساد /168

(1/168)


والحسد واللدد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ وليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالخير موسوماً.
إلى قوله: وأما ماجرى بعدهم من الظلم على أهل البيت (ع)، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، تكاد تشهد به الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور، ومرّ الدهور؛ فلعنة اللَّه على من باشر أو رضي أو سعى؛ ولعذاب الآخرة أشد وأبقى..إلى آخر كلامه.
نعم، وهكذا يُعْلَمُ تعصبهم في أكثر طرائقهم، ومصطلحاتهم، التي شرعوا لهم بها من الدين مالم يأذن به اللَّه، وأنها دعاوي مجردة عن البرهان، مجانبة لمحكم القرآن، وسنة سيد ولد عدنان؛ وإنما تنفق على غلف القلوب، صم الأسماع، عمي الأبصار، الذين يقلدون في دين اللَّه الرجال، فيميلون بهم من يمين إلى شمال؛ فقد صاروا لعمى البصيرة، مقتادين لترهاتهم وإن خالفت أحكام الضرورة.
[جواب مايقال: إن العترة رووا عن المنحرفين مصرحين ومتأولين]
هذا، فإن قلت: إن آل محمد (ع)، وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ، قد رووا في مؤلفاتهم عن هؤلاء الفريق، وسلكوا مع السالكين لتلك الطريق.
قلت: لايخلو هذا القائل من أن يكون من أهل النظر والاطلاع، أو من الهمج الرَّعاع، الواقفين على الجمود والاتباع.
إن كان الأول، فهو من الملبسين للحق بالباطل، وحسابه في ذلك على الملك العادل.
وإن كان الثاني، فيقال: إنه لملبوس عليك، وما كان لك أن تغمض عينيك، وتلقي بيديك، ولقد سمعتَ ومانظرتَ، وتوهّمْتَ وما فَكّرْتَ؛ وماحالك إلا كما قيل:
فقلْ لمن يدعي في العلم معرفةً .... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ
/169

(1/169)


والجواب: أما التولي لهؤلاء الظالمين، والترضي عن القوم الفاسقين، والمجادلة عن أولئك المختانين، فحاشا اللَّه، ومعاذ اللَّه؛ كيف؟! وأولهم وآخرهم، ومقتصدهم وسابقهم، وجميع أهل التوحيد والعدل، يحكمون على جميع هؤلاء بما حكم اللَّه تعالى به ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عليهم من البغي والنفاق، والنكث والشقاق، والمروق عن دين الملك الخلاق؛ وتبرؤهم عنهم، وإنكارهم لزيغهم معلوم، يصرحون به في جميع الدفاتر، ويبلغونه على فروع المنابر.
كيف؟! وإمامهم الأعظم، وسيدهم المقدم، أمير المؤمنين، وإمام المتقين ـ صلوات الله عليهم ـ مصرح بالبراءة منهم، واللعن لهم في الصلوات، التي هي أقرب القربات، وفي غيرها من المقامات؛ وهو أول من أجرى عليهم حكم اللَّه ورسوله في جهادهم وقتالهم، وسفك دمائهم؛ وهو في ذلك وغيره إمام الأئمة، وهادي هداة الأمة، والمبين لهم ما اختلفوا فيه، من بعد أخيه ـ صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله ـ.
وأما الرواية عنهم، فإن كانت لتأكيد الحجة على المخالفين، وإقامة البرهان على المنازعين، بما يقرون بصحته، ولا يستطيعون دفع حجته، فلا ضير في ذلك، ولا اعتراض عند أولي العلم على من سلك تلك المسالك؛ وهذا شأن علماء الأمة من موالف ومخالف.
وقد صرح بذلك أئمة آل محمد ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ، عند روايتهم عن المخالفين؛ كما أبانه الإمام الهادي إلى الحق في باب الأوقات من المنتخب؛ والإمام الناصر للحق في كتابه البساط؛ والإمام المؤيد بالله في خطبة التجريد؛ والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك؛ والإمام المنصور بالله في الشافي؛ والإمام شرف الدين، والسيد صارم الدين؛ وغيرهم من آل الرسول ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ.
وذلك معلوم لاريب فيه، مكشوف لناظريه، وإن كان قد اتخذه وسيلة إلى التغرير والتلبيس، على من لااطلاع له، بعضُ أولي التمويه؛ مع أنه في رواية قدماء أئمتنا(ع)، أقل قليل، كما يعلم ذلك أولوا التحصيل.
وإن كانت الرواية للاعتماد عليها، والاستناد إليها؛ فأما عن هؤلاء الفاسقين المجاهرين وأمثالهم فحاشا وكلا، وكلماتهم في ذلك ناطقة،/170

(1/170)


ومؤلفاتهم على ذلك شاهدة متطابقة.
[القدح في الزهري، ووائل بن حجر]
هذا الإمام المؤيد بالله (ع) يقول، في شرح التجريد، في الزهري، ما لفظه: والزهري عندنا في غاية السقوط.
وفي وائل بن حِجْر مالفظه: وائل عندنا غير مقبول؛ لأنه فيما روي كان يكتب بأسرار علي (ع) إلى معاوية؛ وفي دون ذلك تسقط العدالة..إلخ.
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عند الكلام على بعض الرواة مالفظه: ومن دخل بغض علي قلبه، فأقل أحواله ألا تقبل روايته.
وسيأتي الكلام في جرحه وغيره من أئمة الهدى، لأئمة الضلال وأتباعهم، وكلام أئمة الآل، على هذا المنوال؛ فهذا جرحهم لمن كتب الأسرار، فكيف بالمكتوب إليه والمباشر للقتل والقتال ومن في حزب الأشرار، من الدعاة إلى النار؟!.
وأما عن أهل التأويل، الذين لم يقدموا إلا عن شبهة، فقد اختلفت الأقاويل، وكثر في ذلك القال والقيل، والمعتمد الدليل؛ وقد مال كثير من المتأخرين إلى القبول، ومحل البحث في ذلك علم الأصول؛ ولكنهم لم يقصدوا بذلك هؤلاء المتَجَرِّين المتهتكين، الذين قامت النصوص القاطعة على كونهم من الباغين، المنافقين المارقين، الداعين إلى النار، وبئس القرار.
وهذا الإمام المؤيد بالله والأمير الحسين (ع)، وغيرهما، جرحوا الزهري بمخالطة الجبابرة، ووائلاً بكتابة الأسرار، وجريراً باللحوق بالأشرار، وقيساً ببغض إمام الأبرار؛ وهما ممن يصرّح بقبول المتأولين؛ ولكنهما لم يريدا من لاشبهة له كهؤلاء المضلين.
وإنما بسطت الكلام؛ لأنه قد كثر الخبط والتخليط في هذا المقام، وصار من لا تحقيق له بمقاصد الأعلام، أو الأمر عنده واضح ولكنه يريد التلبيس على قاصري الأفهام؛ كما قال بعض أئمتنا (ع): يُدْمِج الإشكال عموماً، ويصير المعلوم موهوماً، فيتم ذلك على من لارسوخ لقدمه في مجال الأنظار، ولاثبوت لفهمه في مزالق الأخطار.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره .... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
/171

(1/171)


والقصد الخروج من العهدة، فيما أمر اللَّه تعالى به من بيان الحجة، وإيضاح المحجة، والقيام بواجب النصح، لمن ألقى السمع وهو شهيد، والله ولي التوفيق والتسديد.
[الكلام على المتسمين بأهل السنة]
نعم، ويعلم زيغهم وخذلانهم، في زعمهم لهؤلاء المعاندين للدين، أنهم من المجتهدين.
فسبحان اللَّه!.
ما أعظم الاجتراء على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه حكم بكونهم ناكثين وباغين وقاسطين، وداعين إلى النار، ومارقين عن الدين، ومنافقين؛ لبغضهم لأمير المؤمنين (ع)، الذي عُلم بالنصوص المتواترة أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، عند جميع المسلمين!.
ومعلوم ضرورة أنه لادليل على البغض في شيء من الأفعال أدلّ من القتل والقتال؛ مع أنها قد تطابقت على بغضه وسبه منهم الأفعال والأقوال، كما وقع من معاوية وأتباعه ـ كافاهم اللَّه تعالى ـ سبّه ـ صلوات الله عليه ـ على منابر الإسلام، وقتله هو وعماله من لم يعلن البراءة منه بعلم الخاص والعام، كما قال قائلهم:
يا أمة ضلّت وغابَ رشادها .... إذْ أصبحت بيد الضلال مقادُها
أَعَلَى المنابر تعلنون بسبّه .... وبسيفه قامت لكم أعمادُها؟
قال في الكشاف، في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }..الآية [النحل: 90]، مالفظه: وحين أُسقطت من الخطب لعنة الملاعين، على أمير المؤمنين، علي ـ رضي الله عنه ـ أُقيمت هذه الآية مقامها؛ ولعمري، إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً؛ ضاعف اللَّه لمن سنها غضباً ونكالاً وخزياً، إجابة لدعوة نبيه، ((وعاد من عاداه)). انتهى.
ودعاء معاوية لسعد بن أبي وقاص، أن يسب أمير المؤمنين (ع)، /172

(1/172)


وامتناعه عليه، ونشره عند ذلك لفضائله مروي في الصحاح وغيرها.
وما أرادوا بذلك إلا سبّ اللَّه تعالى ورسوله، والرد عليه في قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وهم في ذلك من المجتهدين المأجورين، فحكم بذلك بزعمهم على المجتهدين المخطئين، والله ـ جل جلاله ـ يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب: 5] فرفع الجناح على المخطئين، ولم يكلف فوق الطاقة أحداً من العالمين؛ ولله القائل مع تغيير، لائق في التعبير!:
قال المخالف: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: محال فلم قال النبي لنا: .... في النار قاتل عمار وسالبهُ
[تعديل أهل السنة لقاتل سبط رسول الله (ص)، وابن حطان، ونقمهم على الإمام الصادق، والجواب عليهم]
وحسبك أن من رجالهم المعدلين المؤتمنين ـ بزعمهم ـ على حمل السنة عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش القاتل لسيد شباب أهل الجنة، سبط رسول اللَّه وريحانته ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث: إن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت (ع).
إلى قوله: وعظموهم، ورضوا عنهم، وعدلوهم؛ حتى تجاسر بعضهم على تعديل عمر بن سعد، قاتل الحسين (ع).
قال العجلي فيه: تابعي ثقة، روى عنه الناس. انتهى.
وقال في تهذيب التهذيب: روى عنه الناس، وهو تابعي ثقة، وهو الذي قتل الحسين، انتهى بحروفه؛ ذكره العلامة ابن عقيل.
ومنهم: عمران بن حطان الخارجي، من رؤوس المارقين عن الدين، وشر الخلق والخليقة، وكلاب النار، المثني على أشقى الآخرين ابن ملجم قاتل سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وهذا الطاغية المارد المارق المنافق، من /173

(1/173)


رجال البخاري، الذين هم على شرطه، وخرج لهم في صحيحه؛ وفي ذكر هذين الماردَين غنية عن غيرهما، فاعتبروا واستعبروا.
وقد شهد عليهم حافظهم ابن حجر في مقدمته بتوثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعي مطلقاً؛ قال: ولاسيما إن علياً ورد في حقه ((لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق)) إلخ كلامه.
مع أن البخاري تجنب الرواية عن سادات آل محمد (ع)، كالإمام زيد بن علي، وجعفر بن محمد الصادق، وعبدالله بن الحسن الكامل، وأمثالهم (ع).
وقال في إسناد أُويس القَرَني سيد التابعين المستشهد مع سيد الوصيين بصفين: نظر.
ولقد أحسن من قال:
قضيّة أَشْبه بالمرزءة .... هذا البخاري إمام الفئهْ
بالصادق المصدوق مااحتج في .... صحيحه واحتج بالمرجئهْ
ومثل عمران بن حطّا ن أو .... مروان وابن المرأة المخطئهْ
مشكلة ذات عوار إلى .... حيرة أرباب النهى ملجئهْ!
وحق بيت يممته الورى .... مغذة في السير أو مبطئهْ
إن الإمام الصادق المجتبى .... بفضله الآي أتت منبئهْ
قلامة من ظفر إبهامه .... تعدل من مثل البخاري مائهْ
وهكذا يعلم المنصف أنهم حاولوا سد الأبواب، على حمل السنة عن قرناء الكتاب؛ فمن أمكنهم الكلام فيه تناولوه، وغضوا منه، ولم يستحيوا من اللَّه تعالى، ولامن جده رسول اللَّه؛ ولم يراقبوا اللَّه في أفاضل قرابته؛ كما أنهم راعوه ـ على زعمهم ـ في أراذل صحابته.
ستعلم أروى أي دين تداينت؟ .... وأي غريم في التقاضي غريمها؟
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث المسمى بالفلك /174

(1/174)


الدوار عند قول يحيى بن سعيد القطان شيخ مشائخ البخاري ومسلم في إمام آل محمد جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع): مجالد أحب إلي منه ـ مالفظه: وهذا القول مشعر بأن القطان كان من نواصب البصرة العثمانية؛ ولو وُفِّقَ مولى تميم، لم يَغُض من هذا الإمام العظيم؛ فإذا كان هذا كلام حافظ القوم في الصادق، فما ظنك بغيره؟ وقد كنت قلت:
رام يحيى بن سعيد .... لك ياجعفر هضماً
وأتى فيك بقول .... ترك الآذان صماً
وأرى عبد تميم .... عن طريق الحق أعمى
غلب النصب عليه .... فاغتدى يخبط وهماً
عكّس الترجيح لمّا .... عدم المخذول فهماً
يابني المختار لاقدِّس من .... رام لكم نقصاً وذماً
إنما الفائز من تا .... بعكم حرباً وسلماً
ومعاديكم شقي .... لم يصب علماً وحلماً
وغداً يحشر فيمن .... منع المستشهد الماً
غضب اللَّه عليهم .... فاصطلوا ناراً وإثماً
انتهى.
ومجالد هذا من أشياع آل محمد (ع)؛ ولكنهم نالوا منه لذلك؛ فترجيحه عليه من الهضم العظيم، وهو المجالد بن سعيد بن المجالد الهمداني؛ فالمجالد الأخير قال فيه صاحب الإكليل الحسن بن أحمد الهمداني في الجزء العاشر مالفظه: والمجالد بن ذي مرَّان، وهو القائل لمعاوية لما فطن تمويهه، وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان: /175

(1/175)


يابن هند جَشَّمْتَ نفسك أمراً .... جُرْتَ فيه وقال صحبك هُجْراً
إن عمراً وعتبة حين مالا .... ك ومروان والوليد وبسراً
إلى قوله:
لو يذوقون طعم مااجترموه .... وجدوا طعم ذلك القول مُراً
ولعمري لئن همُ شتموه .... إنه أنضر الكواكب طهراً
وله طارت القلوب إذا السمـ .... ـر خلال العجاج تُحْسَبن جمراً
حتى قال:
فارس يضرب الكتيبة بالسيـ .... ـف دراكاً ويطعن القوم شزراً
شهد الفتح والنضير وأحداً .... وحنيناً وخيبراً ثم بدرا
وله في قريظة الخبر الأعـ .... ـظم إذْ رُدت الفوارس كسراً
وله ضربة الولاء على النا .... س بخم وكان ذا القول جهراً
ثم يوم البراء أُرْسل بالوحـ .... ـي فهذا من أعظم الناس قدراً
وله كل موطن يوجب الجنـ .... ـة جدعاً لشانئيه وعَقراً
لاكمن باع دينه أخسر البيـ .... ـع بمصر ومن تجرع جمراً
وأبي الأعور الشقي ومروا .... ن وبسرٍ قد شاركوا الأمر عمْراً
قال: وكان المجالد فقيهاً عالماً؛ ولد المجالد سعيداً، وكان فقيهاً فارساً بطلاً، قتله شبيب الحروري في أيام الحجاج، فأولد سعيد المجالد، وهو فقيه أيضاً..إلخ.
قلت: وهذا يدلك أن الهمداني صاحب الإكليل، لم يكن منحرفاً عن أهل البيت كل الانحراف؛ وإلا لما نقل هذا وغيره من سيرة الهادي (ع)، وأولاده الذي كان في عصرهم، ويدل على أن الهمدانية تأبى الميل عن آل محمد /176

(1/176)


(ع) كيف ماكان صاحبها؛ فالمجالد بن سعيد عالم فاضل من ثقات محدثي الشيعة.
وقد أنكر على القطان الذهبي؛ فكيف بغيره؟!.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الذهبي: هذه من زلقات القطان؛ بل أجمع علماء هذا الشأن، على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى. انتهى.
وفي كلام حافظهم هذا، في صادق العترة، وعالمهم، وإمامهم وابن إمامهم، دلالة تغني عن الإطالة.
[الطعن على الذهبي وابن تيمية]
وحسبك ماقاله المقبلي في العلم الشامخ في قصيدته التي منها:
والناصبيين أهل الشام كالذهبي
قال في الأرواح النوافح: المراد به صاحب التآريخ الجمة؛ ومصداق مارميناه به كتبه، سيما تاريخ الإسلام؛ فطالعه تجده لايعامل أهل البيت (ع) وشيعتهم عامة، إلا بما ذكرناه خاصة من تكلف الغمز، وتعمية المناقب، وعكس ذلك من أعدائهم، سيما بني أمية، سيما المروانية؛ وكفى بما أطبق عليه هو وغيره، من تسميتهم خلفاء؛ ثم يقولون: خرج عليهم زيد بن علي، وإبراهيم بن عبدالله، ومحمد بن عبدالله، ونحو ذلك؛ بل قال الذهبي في ريحانة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ: أَنِفَ البيعة ليزيد، وكاتبه أهل الكوفة فاغترّ، وفي قصته طول. هذه جملة ترجمته. انتهى.
قلت: ولا عجب أن يذهب الذهبي أسوأ المذاهب، وشيخه أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية عامله اللَّه بعمله، وأنصف منه العترة النبوية؛ وكفى بما في منهاجه من تحامله على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين؛ تارة بالتكذيب للنصوص المعلومة، وأخرى بالتمحل والتأويل، والتحريف والتبديل؛ /177

(1/177)


ومرة بالتنقيص في عظيم جانبه، والحط من رفيع مناقبه؛ ولم يتجاسر أحد من المضلين، أن يقدم على ما أقدم عليه هذا الشيخ في شأن سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ فإن أكبر أعدائه معاوية، كان يقر بفضله، ولم يعتل إلا بقتل عثمان؛وكذلك المارقة لم تعتل إلا بالتحكيم، ولم يستطع أحد منهم أن ينكر ما اختصه اللَّه به من الفضائل، ولا يجحد ماجعله اللَّه له من المنازل، ولو لم يتأخر به الزمان، لكان بلا شك في صف معاوية بن أبي سفيان، أو حزب ذي الثدية قتيل النهروان، إن لم يقعد به الجبن والهوان؛ ولئن لم ينصرهم بيده، فقد نصرهم بقلبه وقلمه؛ وكفى بتخطئته لأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، في قتاله للناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ فإنه حكم بذلك مراراً في منهاجه.
ويأبى اللَّه تعالى أن يحبه إلا مؤمن، وأن يبغضه إلا منافق.
وقد أنصف اللَّه تعالى من هذا الشيخ؛ فقيّض له من علماء عصره من انتصف منه، فمات في السجن عام ثمان وثلاثين وسبع مائة.
ومن فلتات لسانه ما يُحكى عنه من قوله: لولا تدارك الحسين نفسه بطلب الوصول إلى يزيد، لكان هالكاً.
فبالله عليك أيها المطلع، أيتكلم بهذا مؤمن يحفظ محمداً في عترته؟!.
واعلم أن ماننقله عن ابن تيمية مما يدل على موافقته، إنما هو من إخراج الحق على ألسنة الخصوم؛ وإلا فهو من أشدهم عناداً، وأبينهم فساداً؛ وسأنقل هنا ما فيه أكبر برهان على ذلك، مع بيان الرد عليه وعلى أمثاله بالأدلة الساطعة.
فأقول وبالله التوفيق: قال ابن تيمية في المنهاج، الجزء الأول ص (269) مالفظه: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
إلى قوله: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا الأمر من أبي بكر؛ ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر، وإنما قاله من فيه أثر جاهلية، عربية أو فارسية: إن بيت الرسول أحق بالولاية؛ لأن العرب في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء؛ وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي؛ وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام، فأما /178

(1/178)


الذين كانوا يحكمون بحكم الإسلام المحض، وهو الإيمان والتقوى، فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر..إلخ.
أقول وبالله التوفيق: إعلم ـ وفقنا اللَّه وإياك ـ أن هذا الكتاب قد امتلأ بالافتراءات، وإنكار المعلومات، ورد الضروريات؛ ولا بأس بلفت نظر الناظر إلى بعض من ذلك؛ ليعرف ذوو الألباب إلى أي مبلغ بلغ في هذا الباب.
فأولاً، قوله: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
يقال: وهل كان الأمر في قريش، الذين هم قرابة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أثر جاهلية عربية أو فارسية؟؛ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في أهل بيت الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خاصة؟!.
فعلى هذا، يجب العمل بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الأئمة من قريش)) بشرط أن لايكون في علي أو في بني هاشم.
ثم يقال له: ماذا تصنع بقوله تعالى حاكياً عن إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه ـ وآله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [البقرة:124]، ـ أي واجعل من ذريتي أئمة ـ. أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ وكذا قول اللَّه سبحانه: {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء]، أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ!؟
ثم انظر إلى ماكرره في هذا البحث، من الإنكار والجحد للمعلوم ضرورة وبإجماع المسلمين، وبرواية الصحاح وغيرها، أن علياً، والعباس، وجميع بني هاشم، والزبير بن العوام، وغيرهم من سادات المهاجرين والأنصار، قالوا: إن علياً (ع) أحق بهذا الأمر.
وقد روى البخاري ومسلم أن علياً لم يبايع أبا بكر ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وهل يكون في هؤلاء أثر جاهلية أو فارسية؟!.
وانظر إلى قوله: وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يُقدِّم الإيمان والتقوى على النسب؛ فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام..إلخ.
ففيه التصريح بأن تقديم علي (ع) لأجل الإيمان والتقوى جمع بين حكم الجاهلية والإسلام لأجل نَسَبِه.
فعلى هذا، لايصح أن يكون الخليفة /179

(1/179)


أقرب إلى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وإن بلغ في الاستحقاق من الإيمان والتقوى والعلم والفضل أي مبلغ؛ لأجل قرابته من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فقد صارت القرابة من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مانعة من الإمامة.
ولو نص عليها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لكان ذلك أثر جاهلية أو فارسية في حكم ابن تيمية، وأضرابه؛ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
وانظر إلى مباهتته وإنكاره للضرورة في قوله: وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي.
فهذا كذب وافتراء محض، ليس له أي شبهة أو مبرر؛ فالمعلوم من جميع الأمة أن العباس ـ رضي الله عنه ـ لم يقل ولا غيره: إنه أولى بالأمر من علي (ع)؛ والمعلوم كذلك أن سعد بن عبادة ادعى أنه أولى بالأمر من أبي بكر، وأنه لم يبايع حتى توفي؛ فكيف يقول: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا من أبي بكر.
وعلى الجملة، فهذا الكلام غني عن التصدي لرده وإبطاله؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن تيمية ـ كافاه اللَّه ـ في الجزء الثاني من منهاجه ص 230 مالفظه: وعلي يقاتل ليطاع، ويتصرف في النفوس والأموال؛ فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؛ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك مافرض اللَّه؛ ليطيع اللَّه ورسوله فقط..إلخ.
أقول: بالله عليك ـ أيها المطلع ـ انظر كيف جعل جهاد علي (ع) للكفار والمشركين، وهو وعمه أسد اللَّه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمهما عبيدة بن الحارث (ع) أول من بارز للجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ وجهاده في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين؛ وقتاله للناكثين والقاسطين، الذين هم الفئة الباغية الداعية إلى النار، القاتلة لعمار ـ رضوان الله عليه ـ؛ وللمارقين الذين هم الخوارج المارقون عن الدين؛ وهو الجهاد والقتال الذي ثبت اللَّه به قواعد الإسلام؛ جعل ذلك كله ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال.
تأمل بالله عليك، هل /180

(1/180)


يقول هذا من يؤمن بالله تعالى، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ واليوم الآخر؟
وصدق الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)).
وما هذا من غيره؟ فقد صار الكذب الصريح، والتكذيب للصحيح، لهجة له يجازف بها، بلا عدد ولا حساب، ولا مكيال ولا ميزان؛ وإذا لم تستح فاصنع ماشئت، وما حكم علماء عصره بتكفيره وزندقته، وسُجن حتى مات إلا لشأن.
ولقد كنتُ أعجب غاية العجب من الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، حيث أثنى عليه في الإيثار، حتى وقفتُ على كلامه فيه، أنه لم يطلع على منهاجه، فهوَّن ذلك علي.
وكذا العلامة محمد بن عقيل في النصائح؛ ثم ذكر في كتابه تقوية الإيمان أنه لم يكن اطلع على منهاجه هذا، ورد عليه أبلغ الرد؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن حجر الهيثمي في فتاواه مالفظه: ابن تيمية عبد خذله اللَّه وأضله، وأعماه وأصمه وأذله؛ بذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله؛ ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السُّبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العِزّ بن جماعة، وأهل عصره من الشافعية والمالكية والحنفية.
إلى قوله: والحاصل أنه لايقام لكلامه وزن، بل يرمى به في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال، جاهل غال، عامله اللَّه تعالى بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وفعله، آمين.
انتهى من كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ـ يعني ابن حجر الهيثمي وأحمد بن عبد الحليم بن تيمية ـ، للألوسي من الصفحة الرابعة.
ولقد عَلِمَ علام السرائر، المطلع على خفيات الضمائر، أنا نحب أن ننزه كلامنا، ونطهر أقلامنا، عن التعرض لهؤلاء؛ ولكن كيف السبيل، والله ـ عز وجل ـ /181

(1/181)


يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135]، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }؟ [آل عمران: 187] فقمنا بما أمرنا اللَّه تعالى من الحق، وسطعنا بما ألزمنا ـ جل جلاله ـ من الشهادة على الخلق، على غير مبالاة بقول قائل، ولا احتفال بعذل عاذل؛ ونقول لكل جاهل: سلام، ومرجع الأمر إلى الملك العلام، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ونعود إلى مانحن فيه؛ فهذا عارض انجر، والشيء بالشيء يذكر.
نعم، ويكفي شاهداً على الذهبي تلميذه السُّبكي، فقد وصفه في الطبقات بالنصب، وقال فيه: وهو شيخنا ومعلمنا، غير أن الحق أحق أن يتبع؛ وقد وصل من التعصب المفرط إلى حدٍ يسخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم، الذين حملوا لنا الشريعة النبوية.
قال: والذي أدركنا عليه المشائخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرئ أن يظهر كتبه التاريخية، إلا لمن يغلب على ظنه أنه لاينقل عنه مايعاب عليه.
إلى قوله: ومنها أمور أقطع بأنه يعرف بأنها كذب، وأقطع بأنه يحب وضعها في كتابه لتنتشر، وأقطع بأنه يحب أن يعتقد سامعها صحتها، بغضاً للمحدَّث فيه، وتنفيراً للناس؛ مع قلة معرفته بمدلولات الألفاظ، ومع اعتقاد أن هذا مما يوجب نصر العقيدة التي يعتقدها هو حقاً، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة..إلخ كلامه.
ولله در الإنصاف ما أعذب مشرعه، وأطيب مرتعه! وما أحقه بقول المتنبي في غيره:
سُمّيتَ بالذهبي اليوم تسمية .... مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب
/182

(1/182)


هذا، ومن لم يمكنهم الكلام فيه، تناولوا بالجرح والقدح خُلَّص أصحابه ومتابعيه، وتجنبوا الرواية عنهم، والأخذ منهم، إلا من ألجأتهم إليه الضرورة، ولم يجدوا عن الأخذ عنه معذرة، فإنهم يسترقون عنه السمع، مع رميهم له بالطعن والوضع.
[كون آل محمد وأتباعهم حملة الكتاب والسنة وأن أهل الحديث عالة عليهم]
وإنما اضطروا إلى النقل عنهم لأن آل محمد (ع) وأتباعهم هم حملة الكتاب، وأعلام السنن، وحماة الدين، وحفظة شريعة سيد المرسلين، ورواة الأخبار، ونقلة الآثار، وأرباب الحديث، في القديم والحديث؛ ومن له عناية واطلاع، علم أنهم هم الناس، وأن غيرهم عالة عليهم؛ وإنما أضاع متأخريهم، عدم عنايتهم بآثار سلفهم وسابقيهم.
[قدح الذهبي في ابن المديني وقدح ابن معين في عبد الرزاق، والرد عليهما من مضمون السياق]
وقد قال الذهبي، في حق الحافظ المتقن، علي بن عبدالله بن جعفر المعروف بابن المديني، المتوفى سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، الخارج للجهاد مع الإمام المهدي لدين اللَّه النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) المتواري أيام أبي جعفر؛ وهو شيخ أحمد، والبخاري، وأبي داود، وغيرهم؛ خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)؛ وقد ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء.
قال الذهبي مالفظه: بئس ماصنع قد شحن البخاري صحيحه بحديثه؛ وقال البخاري: ما استصغرتُ نفسي بين يدي أحد، إلا بين يدي علي بن المديني؛ قال: ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، ولخرج الدجال؛ أفمالك عقل ياعقيلي؟ انتهى.
وقال أيضاً في الميزان: لو تركت رواة ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية.
وقد قال قبله ابن معين، في حق الحافظ الكبير، عبد الرزاق بن همام اليماني، الصنعاني، الحميري، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائتين؛ خرج له إمام الأئمة الهادي إلى الحق في المنتخب، والإمام المؤيد بالله (ع)، وجماعة العامة؛ وهو من المعدودين في ثقات محدثي الشيعة، /183

(1/183)


وهو الذي قيل فيه: إنه لم يرحل إلى أحد في طلب الحديث بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما رحل إليه، وهو شيخ الشافعي، وأخذ عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن معين؛ وحكى الذهبي عنه كلاماً في أمر فدك، فيه غاية الصلابة؛ وذكر عنده رجل معاوية فقال: لاتقذر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان؛ وكان لايزال يروي حديث الغدير والاستخلاف وغيرهما، حتى نهاه بنو العباس، وقد أنكروا عليه، ونالوا منه، بسبب أحاديث يرويها في فضائل علي (ع) ومثالب أعدائه مثل: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، فقال ابن معين لمن قدح فيه بالتشيع: لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ماتركنا حديثه.
وقال البخاري، لمن سأله عن الحافظ أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، المتوفى سنة (219) تسع عشرة ومائتين المعدود في ثقات الشيعة؛ خرج له الإمام أبو طالب (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ والجماعة: مامذهبه في التشيع؟: هو على مذهب أهل بلده؛ ولو رأيتم عبدالله، وأبا نعيم، وجميع مشائخنا الكوفيين، لما سألتمونا عنه. انتهى.
فانظر كلامهم، لما علموا أن بطرح الشيعة، تنسد عليهم أبواب الشريعة.
وتناقض أقوالهم، واضطراب أحوالهم، واعتمادهم على الأهواء، لايخفى على أولي الألباب.
[قدح القوم في أبي الطفيل وهند بن أبي هالة والجواب عليهم]
نعم، فممن نالوا منه، من أفاضل أصحاب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ، أبو الطفيل، عامر بن واثله الكناني الليثي، المولود عام أحد، المتوفى سنة عشر ومائة، على الصحيح، آخر الصحابة موتاً ـ رضي الله عنه ـ.
قال في ترجمته في تهذيب التهذيب: كان أبو الطفيل ثقة في الحديث، /184

(1/184)


وكان متشيعاً.
إلى قوله: وكانت الخوارج يرمونه باتصاله بعلي، وقوله بفضله وفضل أهل بيته؛ وليس في روايته بأس. انتهى.
وإن كنت ممن يعرف مصطلح القوم، علمت مافي هذه الكلمات من التوهين عندهم.
وحَكَى عن المغيرة، أنه كان يكره حديثه.
وأبو الطفيل ـ رضي الله عنه ـ ممن شهد مشاهد سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، كلها؛ وهو راوي حديث الشورى بطوله.
وروى عنه الإمام الأعظم، زيد بن علي (ع)، قال: كان أبي يحج بنا ونحن صغار، فرأيت أبا الطفيل الكناني شيخاً همّا، عليه مقطعات.
قال الإمام: سمعته يقول لأبي: سألني معاوية، كيف حبك علي بن أبي طالب؟
قال: فقلت: حب أم موسى لموسى. الخبر.
وقام مع من قام للطلب بدم الحسين، سبط سيد المرسلين، صلوات الله عليهم؛ ووصل مكة مع من وصل؛ لإنقاذ محمد بن علي أمير المؤمنين، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ، ومن معهم من قرابة الرسول الأمين، لما أراد عبدالله بن الزبير بن العوام إحراقهم بسجن عارم.
أفاد معنى هذا في طبقات الزيدية وغيرها.
وهند بن أبي هالة، الصحابي الأفضل، ربيب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابن خديجة سيدة أمهات المؤمنين، أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بكلماته، المبلَّغة للتسليم، عن الملك العظيم، المبشرة ببيت في الجنة، بلسان جبريل الأمين، سيد الملائكة المقربين؛ وأخو فاطمة سيدة نساء العالمين، وخال الحسنين، سيدي شباب أهل الجنة ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ، والمستشهد بصفين، مجاهد الباغين، بين يدي أمير المؤمنين، ـ صلوات الله عليه ـ.
أدخله البخاري في الضعفاء.
وقد نقضوا كلامهم في شأن الصحابة، بكلامهم /185

(1/185)


في هذين الصحابيين الفاضلين ـ رضوان الله عليهما ـ، لما كانا في جانب الحق، ومن طائفة أفضل الخلق، لم يبالوا بصحبتهما، ولم يراعوا جليل منزلتهما.
وأما طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الوزغ ابن الوزغ، مروان بن الحكم، وأضرابه، فالكلام فيهم غير مقبول، والمتكلم فيهم زائغ عن القصد مرذول.
قال ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، في سياق من انتقد على البخاري في الرواية عنهم، في ذكر مروان مالفظه: يقال: له رؤية؛ فإن ثبت، فلا يعرّج على من تكلم فيه. انتهى.
فيا سبحان اللَّه! صارت الرؤية عاصمة لأعداء اللَّه، وأعداء رسوله، ولم تكن الصحبة مانعة عن الوقوع في أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ركوباً للهوى، وعدولاً عن السواء، وكم لهم من مناقضة واضحة، ومخالفة لسنن الحق فاضحه، يطلع عليها العالمون، ويقرّ بها المنصفون؛ مالكم كيف تحكمون؟!.
قال بعض سادات العترة (ع): وأقول: البخاري ككثير غيره، يزعمون عدالة كل من سموه صحابياً، بحسب اصطلاحهم الذي أحدثوه، حتى الذي سماه اللَّه فاسقاً، يقولون: إنه عدل.
قلت: كالوليد بن عقبة.
قال: وكذا من اشتهر بالزنا وشرب الخمر، ومن قتل المسلمين عمداً ظلماً، أطفالاً ورجالاً.
قلت: كبسر بن أرطأة.
قال: ومن أخبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه يموت على غير الإسلام، ومن ذكر أنه من أهل النار.
قلت: كسمرة بن جندب.
قال: ولم أرهم جرحوا ممن يسمونه صحابة، إلا هنداً ربيب النبي، وأبا الطفيل.
إلى قوله: لجِدِّهما في قتال الطاغية، واختصاصهما بعلي؛ وعند اللَّه تجتمع الخصوم. انتهى.
[قدحهم في أصبغ، والحارث، والجواب عليهم]
وأصبغ بن نباتة، الحنظلي المجاشعي الكوفي.
قال في طبقات الزيدية: ذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في ثقات محدثي الشيعة /186

(1/186)


قالوا: قال الخصوم: كان يأتي بطامات ـ يريدون الأحاديث المخالفة لمذهبهم ومعتقدهم ـ. انتهى.
قال السيد صارم الدين: روى الأصبغ عن علي (ع): إن خليلي حدثني، أني أضرب لسبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى (ع)؛ وأموت لاثنتين وعشرين من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى (ع).
وعن الأصبغ عن علي (ع)، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من آذاني في أهل بيتي، فقد آذى اللَّه؛ ومن أعان على أذاهم، وركن إلى أعدائهم، فقد آذن بحرب من اللَّه، ولا نصيب لهم في شفاعتي)).
قال الإمام المنصور بالله: وهذا يعمّ جميع أعداء العترة.
روى له في الأمالي، وابن ماجه. انتهى.
قال في الطبقات: خرج له ابن ماجه، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني. انتهى.
والحارث بن عبدالله الهمداني، أبو زهير الكوفي، الأعور، المتوفى سنة خمس وستين.
قال السيد صارم الدين: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس.
وقد نال منه طائفة، وقد بسط في الطبقات وعلوم الحديث مانالوه به.
قال في الطبقات: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في التوضيح، في ثقات محدثي الشيعة.
إلى قوله: وقال السيد أحمد بن عبدالله الوزير: لايمتري أهل البيت (ع) في عدالة الحارث، /187

(1/187)


وجلالته وفضله.
وقال غيره: هو صاحب علي (ع)، وأحد شيعته.
وفيها: قال القاضي عياض: أُسيء الظن بالحارث، لما عرف من حاله التشيع. إلخ كلامه.
[قدحهم في كل من له أدنى إلمام بالحق، وأهله]
وقد جرحوا جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، من التابعين، وتابعي التابعين، من عهد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، فمن بعده من الأئمة السابقين - صلوات الله عليهم -؛ ولا ذنب لهم، إلا متابعة أئمة الحق، وموالاة من افترض اللَّه ولايتهم على الخلق؛ وفي تعدادهم مايخرجنا إلى الإكثار، ويجانب ماقصدنا من الاختصار، وقد اشتملت على ذلك كتب أئمتنا (ع)، وشيعتهم - رضي الله عنهم -، وغيرهم من القوم ـ تولى اللَّه مكافأتهم ـ.
[تعديل جماعة من الثقات]
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): ومنها أنهم قالوا: إنه ـ يعني أبا خالد ـ وضّاع؛ يريدون لما خالف مذهبهم.
إلى قوله: وقدحوا بذلك على جماعة من أهل الصدق، منهم: إسماعيل بن أبان، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن مخلد القطواني، وسعيد بن عمرو بن أَشُوْع، وسعيد بن فيروز البختري، وسعيد بن كثير بن عفير، وعباد بن العوام، وعباد بن يعقوب، وعبدالله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبدالملك بن أعين، وعبدالله بن عيسى العنسي، وعدي بن ثابت الأنصاري، وعلي بن الجعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وفطر بن خليفة الكوفي، ومحمد بن جحادة الكوفي، ومحمد بن فضيل بن غزوان، ومالك بن إسماعيل أبو غسان.
كل هؤلاء جُرحوا بالتشيع، وروايتهم لفضائل آل محمد.
وكذلك جرحوا عدة من أهل هذا الشأن، مما لاأحصي ولا يسعه /188

(1/188)


المسطور. إلخ كلامه (ع).
وهذا توثيق لهذه الجماعة؛ فإن عرض ذكرهم بعد، فسيكون فيه بسط إن شاء اللَّه تعالى.
وعلى الجملة؛ فقد رشقت سهام جرحهم، وطرقت أقلام قدحهم، علماء الأمة، وفضلاء الملة، حتى من يدعي أكثر المنتحلين للسنة الاقتداء بهم، والانتماء إليهم.
قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع): فائدة يعرف بها أهل الأهواء من المحدثين؛ إن من خالف مايهوونه، ويذهبون إليه من الأباطيل يجرحونه؛ فإن أجملوا تركوه.
فمن ذلك ماروى السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين، أنه قال: الشافعي ليس بثقة؛ لمّا كان يتشيع.
[جرحهم للفقهاء الأربعة]
قال (ع): وطعن المحدثون على الفقهاء الأربعة، فقالوا: إن أبا حنيفة، فقيه العراق، يروي عن الضعفاء والمجاهيل؛ وضعفه في نفسه النسائي، وابن عدي، وجماعة.
إلى قوله: وحكوا عنه أنه كان يعتمد القياس، وإن خالف النص.
قال بعضهم: ردّ بقياسه أربع مائة وثلاثين حديثاً.
إلى أن قال: وإن مالكاً، فقيه دار الهجرة يروي عن جماعة متكلم فيهم.
إلى قوله: قالوا: وإن إمام المحدثين، أحمد بن حنبل يروي عن جماعة كذلك.
إلى قوله: وقال ابن معين: جُنَّ أحمد، يروي عن عامر.
وكذلك طعنوا على أبي خالد، وقد عدله أئمة الهدى (ع).
قال (ع): قال الفقيه يحيى بن حميد المقري في كتاب توضيح المسالك: روى الحموي الشافعي في تاريخه، أن الشافعي أسرَّ إلى الربيع، أنه لايقبل شهادة أربعة /189

(1/189)


من الصحابة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد.
فلم يكن ذلك بقليل عند النواصب.
ثم ذكر ماقاله السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين: إن الشافعي ليس بثقة. انتهى.
[كل واحد من صاحبي الصحيحين يستضعف كثيراً من رجال الآخر]
وبحمد اللَّه تعالى، قد جرح بعضهم بعضاً، فيكفينا في الرد عليهم، وهو لازم لهم؛ وإن كنا لانعرج على كلامهم، ولسنا به نرضى.
فهذا محدثهم الأكبر، محمد بن إسماعيل البخاري، تكلم فيه شيخه، وشيخ مشائخهم، الذي هو مقبول عندهم لاينكر، محمد بن يحيى الذهلي.
فمن كلامه فيه: من ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فاتهموه؛ فإنه لايحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه.
وقوله: من يقربه فلا يقربنا.
وترك محمد بن إدريس الرازي، وأبو زرعة، حَدِيْثَه، لما كتب إليهما محمد بن يحيى بذلك.
والبخاري رمى محمد بن يحيى الذهلي بالكذب، ثم اعتمده في صحيحه ودلسه، فكان يقول: محمد بن عبدالله، نِسْبَةً إلى جده.
وهذا عندهم مشهور، واضح غير منكور؛ ذكره الذهبي وغيره.
وقد ذكر تدليسه في نسبته إلى جده كثير من الحفاظ، كابن حجر في مقدمة الفتح، وذكر أن الحاكم وغيره جزموا بذلك في مواضع عدة؛ وهذا تدليس عجيب.
وقال السيد العلامة، يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد (ع)، في سياق كلام:بل في البخاري، تكلم فيه أبو زرعة، ومسلم تكلم في البخاري أيضاً، كما أشار إليه أول خطبته ـ أعني مقدمة كتاب مسلم ـ. انتهى.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح، بعد أن حكى ماجرى بين الذهلي والبخاري: قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه لاعن هذا ولا عن هذا. انتهى /190

(1/190)


[عدد المتكلم فيهم من رجال البخاري]
قالوا: وإن البخاري نظر في كتاب مسلم بمحضر منه، فعلّم على جماعة عدهم مسلم في الصحابة، وهم من التابعين، وجماعة عدهم من التابعين، وهم من الصحابة، ورغب مسلم عن جماعة، لم يرغب عنهم البخاري، كما قالوا في عكرمة وعاصم بن علي وغيرهما.
وحكوا أن مسلماً لما وضع كتابه الصحيح، عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وتغيّض، وقال: سميته الصحيح، فجعلته سلماً لأهل البدع وغيرهم.
وقالوا: اعتمد البخاري على كثير من أهل الإرجاء، وغيرهم من أهل التدليس، ومجاهيل، ومتكلم فيهم.
فالذين تكلم فيهم بالجرح بحق وباطل، ممن اعتمدهم، ثلاثمائة وخمسة وخمسون رجلاً؛ والذين علق لهم من المتكلم فيهم خمسة وسبعون رجلاً؛ والمجاهيل المختلف فيهم وفي تعيينهم مائة وثمانية وأربعون رجلاً.
ذكر هذا حواري الآل، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ.
قال السيد العلامة، جمال آل محمد، علي بن عبدالله بن القاسم بن محمد (ع)، في دلائل السبل في سياق كلام: ومع هذا، فإن ابن حجر ذكر ـ ومثل حكايته حكى ابن البيع، وكذا حكى النووي في شرح مسلم، والحاكم في كتاب المدخل إلى معرفة المستدرك ـ أن عدد من أخرج له البخاري في صحيحه، ولم يخرج له مسلم، إلى أربعمائة شيخ وأربعة وثلاثين شيخاً، استضعفهم مسلم، والاستضعاف بمعنى الجرح.
قالوا: وعدد من أخرج له مسلم، ولم يخرج له البخاري: ستمائة وخمسة وثلاثون شيخاً استضعفهم البخاري.
وقالوا أيضاً: وصحيح أن البخاري رمى الذهلي بالكذب واعتمده. انتهى /191

(1/191)


قلت: ومن العجب تعصب من يتعصب، ممن يتسنن وينتمي في الصورة إلى أهل هذا المذهب، كيف يدعي على صحة الصحيحين بزعمهم الإجماع، ولايبالي بما يفضحه عند أرباب الاطلاع؟!.
مع أن من أعظم من ارتكب الغلوّ والمجازفة، والإغراق والمخالفة، أبا عمر، عثمان بن الصلاح، لما ادعى الإجماع على تلقي البخاري بالقبول، استثنى من ذلك ما انتقده عليه الدار قطني وغيره؛ كما ذكر ذلك في مقدمة الفتح.
قال ابن حجر فيها، وقال في مقدمة شرح مسلم له: ما أخذ عليهما ـ يعني على البخاري ومسلم ـ، وقدحه فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه؛ لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول. انتهى.
ومع هذا فقد ردّ عليه قوله، ولم يسلم له منقوله، وقد حرر الرد على دعوى التلقي، صاحب توضيح الأفكار، وهو في البطلان، أوضح من أن يحتاج إلى بيان؛ فإن النزاع في التصحيح فيهما، فضلاً عن الإجماع عليهما من عصرهما إلى الآن.
قال في الميزان: وفي رواة الصحيحين عدد كثير ماعلمنا أن أحداً نص على توثيقهم.
وقال أيضاً: وفي رجال الصحيحين خلق كثير، مستورون، ما ضعفهم أحد، ولاهم مجاهيل.
قال صاحب الأرواح: والعجب من مجاملة الذهبي بقوله: ولاهم مجاهيل.
ثم قال بعد كلام طويل: فعلمت أن مداهنة الذهبي هيبة؛ لخرق عادة الأصحاب في احترام الصحيحين.
إلى قوله: فما بقي إلا أن يجعل سيئاتهما حسنات. انتهى.
وقد قال ابن الصلاح: إن في كتاب البخاري ماليس بصحيح. انتهى.
[قول الذهبي: في رجال البخاري من لايعرف إسلامه]
وقال الذهبي: إن في رجال البخاري من لم يعرف إسلامه فضلاً عن عدالته.
وقال المقبلي: إن أحاديث رواها البخاري لاتمسها الصحة /192

(1/192)


فهذا كلام حفاظهم المحققين، الذين هم أطول باعاً، وأوسع اطلاعاً، وأشد من هؤلاء المقلدين عنهم دفاعاً، فقد صاروا كما قيل في المثل العامي (زاد على معلمه).
ومن البلية عذل من لايرعوي
عن غيه وخطاب من لايفهم
[حقيقة التشيع المقدوح به عند أهل السنة]
هذا، ومن أعظم البراهين على ميلهم وانحرافهم عن قرناء القرآن، جعلهم الشيعة على الإطلاق من المجروحين، ولم يقصدوا الغالين؛ بل المتولين لعترة خاتم النبيين؛ يعلم ذلك المطلع على مصطلحاتهم، المتصفح لصرائح منصوصاتهم.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح: والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة؛ فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي.
وقد صرح قبله الذهبي، وشيخه ابن تيمية، أن من يتولى علياً (ع) ويحبه وأهل بيته فهو شيعي.
قال في طبقات الزيدية: وحقيقة الشيعي من قال بتقديم أمير المؤمنين علي (ع) على الشيخين؛ ومن المهم معرفة هذا الشأن، ويسمون عند العامة بالرافضة.
قال السيد صارم الدين: وقالوا: تفضيل علي على عثمان أول عقدة من الرفض؛ وأما تفضيله على الشيخين فرفض كامل.
وأعانهم على ذلك خلفاء الدولتين؛ ومن طالع الأخبار، وعرف علوم الرجال، عرف ذلك ضرورة. انتهى.
وجعلوا مجرد توليهم ومحبتهم بدعة، مع اتفاق الأمة على وجوب موالاة كل مؤمن /193

(1/193)


قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ـ ومقامه شهير ـ معترضاً على تحديد ابن حجر للشيعي مالفظه: فعلى هذا كل زيدي رافضي، وكل مؤمن شيعي؛ فإنه يحبه ـ يعني علياً ـ كل مؤمن.
إلى قوله: وصح أنه لايخرج عن اسم الشيعي، إلا من تجرد عن محبته، فحينئذ يخرج عندهم عن هذه الوصمة؛ وهذا عجيب. انتهى.
قال بعض أئمة العترة (ع) مالفظه: فهؤلاء القوم قد جعلوا مجرد التشيع وصمة في اصطلاحهم، ينزهون كبارهم عنه؛ لكن يرد عليهم سؤال: مايقول أهل السنة؛ هل كان النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يحب علياً وأهل بيته أولا؟.
إن قلتم بالثاني، خالفتم ماورد في كتبكم، وكتب أهل الإسلام، الناصة على أنه كان يحبهم؛ بل خالفتم الضرورة.
وإن قلتم بالأول، فلا يخلو إما أن يحبهم، ولايقدم علياً على المشائخ، أو يقدمه عليهم.
إن كان الأول، لزمكم على اصطلاحكم أنه شيعي، والشيعي عندكم فيه وصمة.
وإن كان الثاني، لزمكم على اصطلاحكم أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شيعي، غال رافضي، إلخ، لاتقبل روايته في أهل البيت؛ مع أنه قد روي بالتواتر أنه قدمه؛ لأنه في آية المباهلة جعله نفسه، ونفس النبي أقدم.
قلت: وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه كفاية.
قال: وكذا في خبر المنزلة؛ لأن هارون أقدم من سائر بني إسرائيل.
وفي خبر الغدير؛ لأنه قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
والمعلوم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مولى الصحابة.
وخبر براءة فإنه قدمه على أبي بكر.
قلت: وكلها من الأخبار المتواترة، وقد سبق البحث فيها، وفي غيرها.
قال: وخبر جمع بني هاشم بعد نزول آية إنذار الأقربين، فإنه قدمه على الكل.
هذا لايمكنهم /194

(1/194)


دفعه إلا بالبهت.
وكذا خبر الثقلين، فإنه مقدم لأهل البيت على كافة الأمة، وخبري السفينة فإنه حكم فيهما بوجوب اتباعهم، والمتبوع أقدم وأفضل من التابع.
والخبران هذان لايمكن دفعهما إلا بالمكابرة.
هذا من غير مارووه من الأخبار القاضية بتقديمه؛ فعلى هذا إن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته على مصطلح أهل السنة روافض غلاة مبتدعون؛ صانهم اللَّه عن ذلك، وأعلا درجتهم في الدارين.
ثم إنهم رووا مع الشيعة أن اسم الرفض لمن سماهم به الإمام زيد بن علي.
قلت: وممن رواه منهم النووي في شرح مسلم، وكذا غيره، وهو إجماع الأمة؛ وسيأتي لهذا مزيد بحث إن شاء اللَّه.
قال: فنقلوا هذا الاسم فجعلوه فيمن فضل علياً، أو قدح فيمن حاربه من أعدائه، فإنه ضال مضل؛ مع أنهم قد رووا قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في أهل بيته: ((أنا حرب لمن حاربتم))، ونحوه مما يؤدي معناه.
فقد قدح النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيمن عادى أهل البيت، أو حاربهم؛ فلزمهم أنه رافضي، وهذا بيّن.
إلى قوله: فلا يخلو أهل السنة من أحد أمرين:
إما أن يقتدوا بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)، ولزمهم التشيع، ولزمهم من الوصمة مالزم الشيعة.
أو لايقولوا بالمحبة لهم، لزمهم العداوة للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)؛ لأن القرآن قابل التشيع بالعداوة في قصة موسى {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } [القصص: 15] فليتبوؤا أي الأمرين.
ولله من قال:
وأُقْسِمُ ماجَاْزَوْهُ في أهل بيته .... وفي نفسه إلا جزا أمّ عامر
/195

(1/195)


ثم إنه قد اشتهر عن أمير المؤمنين أنه نال من معاوية وأضرابه، وتجرم من أهل السقيفة؛ ومن فعل هذا فهو عندهم ضال مضل، رافضي غال؛ إلى آخر عباراتهم الشنيعة.
فيلزمهم أن علياً ـ كرم اللَّه وجهه ـ كذلك.
وكذلك النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد سمى أعداء أمير المؤمنين بالناكثين، والقاسطين، والمارقين الباغين.
فيلزمهم في النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن هذه السمات من أبلغ السب.
[قدحهم في الحاكم والكلام على النسائي]
ولذا قال بعضهم: لايُقبل من الحاكم؛ لأنه كان ينال من معاوية.
حتى قال السبكي: لايليق بالحاكم ذلك.
ورموا النسائي بالتشيع؛ لإمتناعه من التأليف في فضل معاوية.
قلت: النسائي هو أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب الخراساني، صنف كتاب الخصائص في فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع): خرج من مصر إلى دمشق، فسئل بها عن فضائل معاوية، فقال: لايرضى رأساً برأس حتى يتفضل؟!؛ لا أعرف إلا حديث: ((لاأشبع اللَّه بطنه)).
فداسوه بأرجلهم، فتوفي بعد ذلك شهيداً.
وذكر مثل هذا في طبقات الزيدية، قال فيها: قال الإمام أبو علي النيسابوري: حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة، أبو عبد الرحمن النسائي، وكان له في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم.
وذكر فيها أنه لما سُئل عن معاوية أي شيء؟ أخرج حديث: ((اللهم لاتشبع بطنه)) /196

(1/196)


فسكت السائل.
وفيها: وحُمل إلى مكة وتوفي بها، كذا قيل، والصواب إلى الرملة.
وقال الدارقطني: خرج حاجاً فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة.
فحُمل فتوفي بها.
وهو مدفون بين الصفا والمروة.
وكان وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة. انتهى.
وفي الخلاصة: سنة أربع وثلاثمائة شهيداً..إلخ.
خرج له الإمام المرشد بالله (ع)، وعده السيد صارم الدين، وابن حميد، وابن حابس: في ثقات محدثي الشيعة.
[إقرار حفاظهم أنها لم تصح لمعاوية فضيلة]
قلت: وقد أقرّ حفاظهم أنه لم يصح لمعاوية بن أبي سفيان فضيلة.
وكيف يصح لرأس الدعاة إلى النار، ومحارب إمام الأبرار، وقاتل عمار، والألوف من المسلمين، والراد لقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر)) فضيلةٌ؟!.
قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري: وقع الإجماع على أن معاوية لم تصح له فضيلة، وتواتر عن إسحاق بن راهويه، أن كل فضيلة تروى لمعاوية فإنها كذب على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وإنما ذكر البخاري معاوية ـ وإن لم يكن له فضيلة ـ دمغاً لرؤوس الروافض. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: فسبحان اللَّه! كيف يدمغ رؤوس الروافض بذكر فرعون هذه الأمة؟!.
إلى قوله: وقد صحّ وقطع بأنه منافق؛ لبغضه علياً، وقد تواتر أن بغضه نفاق، وثبت أنه حرب لرسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وقد صح أنه قال في علي: ((حربك حربي)).
فمن أحق بالدمغ، الروافض، أم النواصب؟.
هذا إن أريد بالروافض من رفض الجهاد مع الأئمة من آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، /197

(1/197)


كزيد بن علي (ع)، فأما إن أريد من قدم وفضل علياً، فأطمّ وأطمّ أن يدمغ رؤوس العترة وأنصارهم، بذكر عدوّهم وعدوّ محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إن هذا ليوجب كفر الدامغ، فكيف بتصحيح سنده؟
إلى قوله: والحديث الذي فيه: ((لاأشبع اللَّه بطنه)) أخرجه مسلم عن ابن عباس؛ وهو الذي أشار إليه النسائي.
وروى في الإقبال للسيد الإمام المهدي بن الهادي النوعة ـ رضي الله عنه ـ، عن أبي برزة قال: تغنّى معاوية، وعمرو بن العاص؛ فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم اركسهما في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعّاً)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: أخرجه أحمد في المسند، وأخرجه أحمد، وأبو يعلى عن أبي برزة، وقَبِلَه الطبراني.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي برزة الأسلمي.
وذكره ابن الأثير في النهاية. انتهى.
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير، عن ابن عباس؛ أفاده في النصائح لابن عقيل.
وروى الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الحاكم، رافعاً له إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاضربوا عنقه)).
وقال (ع): رواه جماعة، منهم أبو سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن مسعود.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه نصر بن مزاحم، بسنده إلى ابن مسعود؛ قاله ابن أبي الحديد.
وروى الذهبي في الميزان: ((إذا ارتقى معاوية على منبري فاقتلوه)).
وفي رواية: ((فابقروا بطنه)).
وأورد أيضاً: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) بثلاثة أسانيد، عن أبي سعيد. انتهى من التفريج.
قال ابن بهران: وقواه الذهبي، وأخرجه ابن عدي، عن أبي سعيد مرفوعاً.
وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)).
ورواه سفيان بن محمد بسنده إلى الباقر، عن جابر مرفوعاً. انتهى من النصائح لابن عقيل.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أبي سعيد في مناقبه.
ورواه عن الحسن البصري، من طريقين. انتهى. /198

(1/198)


وحديث: ((يلي الأمة ـ أو أمتي ـ واسع البلعوم)) الخبر، رواه الإمام الحجة المنصور بالله (ع) في الشافي، عن سفيان بن الليل، عن الحسن السبط (ع)، قال: إني سمعت أبي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: الخبر.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: رواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى الشعبي، عن سفيان بن الليل، عن الحسن بن علي، عن علي، موقوفاً.
ورواه المدايني عن سفيان بن الليل النهدي، عن الحسن بن علي، عن علي، موقوفاً.
ورواه أبو الفرج الأصفهاني، عن سفيان بن الليل، من طريقين كما في الأصل، وفيه زيادة من شرح النهج لابن أبي الحديد.
وروى الحافظ نحوه عن أبي ذر، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[ترجمة ابن ديزيل، والثمالي]
قال ـ أيده الله ـ في بحث قبل هذا: وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقات، وأفاد أنه إبراهيم بن الحسين، أبو إسحاق الكسائي الهمداني ابن ديزيل (بفتح الدال مهملة، وسكون التحتية، وكسر الزاي، وسكون تحتية أخرى، ولام).
قال الحاكم: ثقة مأمون، يضرب بضبط كتابه المثل، وحكى ثناء غيره عليه بصحة إسناده؛ وفاته بشعبان سنة إحدى وثمانين ومائتين؛ لم يخرج له في الستة.
وخرج له السيدان المؤيد بالله، والمرشد بالله. انتهى بتصرف.
قلت: وخرج له العلامة، شارح نهج البلاغة.
(رجع) بإسناده إلى الحكم بن عمير الثمالي، وكانت أمه أخت معاوية.
قلت: ترجم للحكم السيد الإمام في الطبقات في الصحابة، ولم يذكر وفاته، وحكى قول محمد بن منصور فيه: وكان بدرياً. إلخ.
وسيأتي ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، في خبر البسملة.
خرج له الإمام المؤيد بالله، ومحمد بن منصور، وغيرهما.
قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامعاوية، كيف بك إذا وليت؟)).
قال: اللَّه ورسوله أعلم.
فقال: ((أنت رأس الحطم، ومفتاح الظلم، حصباً وحقباً، تتخذ الحسن قبيحاً، والسيئة حسنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، أجلك يسير، وظلمك /199

(1/199)


عظيم)).
على أن الأدلة المفيدة للعلم بنفاق من أبغض علياً، تقضي بنفاق معاوية وحزبه؛ لأن بغضه لعلي معلوم ضرورة، لأهل البحث عن الأخبار، ولا يشك فيه إلا من خذل.
قال نصر بن مزاحم: وحدثنا يحيى بن يعلى، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى علي (ع)، فقال: ياأمير المؤمنين، هؤلاء القوم الذين نقاتلهم.
إلى قوله: فماذا نسميهم؟
قال: سمهم بما سماهم اللَّه في كتابه.
قال: مافي الكتاب أعلمه.
قال: ماسمعت اللَّه يقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } إلى قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ ءَامَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ }؟ [البقرة: 253]؛ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله، وبالكتاب وبالنبي وبالحق؛ فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا. انتهى.
قلت: ولايشكل على ذلك اختلاف الأحكام؛ فإن معاملة الكفار تختلف، فلأهل الذمة معاملة، ولأهل الحرب معاملة، وللمنافقين معاملة، مع أن اسم الكفر يشملهم؛ فمعاملة الوصي ـ صلوات الله عليه ـ للمحاربين له، تقتضي أن تلك معاملة من يقاتله، ممن يظهر الشهادة والصلاة إلى القبلة، وإن كان منافقاً كافراً، وذلك معلوم.
فهذا الباغي، هو الذي يتولاه ويحامي عنه أهل السنة بزعمهم، وهو الذي بَوّب لذكره البخاري في صحيحه؛ وقد اغترّ بتسمية كتبهم صحاحاً كثير من المقلدين لهم، حتى جعلوا ذلك دليلاً على صحتها، لما سمعوا تداول هذه الأسماء لها؛ ولم يدروا أن ذلك مجرد تسمية، كسائر الأسماء العَلَمِية، وقد أريناك سابقاً جرح حفاظهم لكبار معتمديهم.
فأما أئمتنا (ع) وشيعتهم، فكلامهم فيهم أظهر، وطرحهم لكثير من رجالهم؛ وردهم لأكثر مروياتهم أكثر وأشهر، /200

(1/200)


وإجماع آل محمد (ع)، ومن معهم من أهل التوحيد والعدل، على بطلان مايروونه ويدينون بصحته، مما يقتضي بصريحه الذي لايحتمل التأويل من التشبيه والجبر، الذي صنفوا فيه كتاب خلق الأفعال، ويسمون من دان بخلافه ـ الذي هو العدل من العدلية ـ قدريةً، والإرجاء والإمامة لغير من حكم اللَّه بها له ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ معلوم، وعند أرباب البحث والاطلاع مرسوم؛ وكفى بإجماع آل محمد، الذين سادتهم الأربعة علي، وفاطمة، والحسنان، ثم من بعدهم إلى هذه الغاية على عدم اعتماد الرواية الثابتة عندهم: ((إنا معاشر الأنبياء لانُورَث)) الحديث.
[اتفاق الأمة على أن فاطمة ماتت غضبانة]
وقد اتفقت الأمة أن فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ ماتت غاضبة على أبي بكر، هاجرة له، ودفنها سيد الوصيين، وعمه العباس عمّ سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ ومن معهما من أهل بيتهم وشيعتهم، ليلاً، بوصية منها، مع روايتهم: ((إن اللَّه يغضب لغضبها)) وروايتهم أن علياً ـ صلوات الله عليه ـ لم يصالح القوم، إلا بعد وفاتها، وأنه كان معتزلاً عنهم، غير داخل فيما عقدوه من بيعتهم، في سقيفتهم، ستة أشهر؛ وكل ذلك ثابت في صحاحهم من رواية البخاري، ومسلم، وغيرهما.
ومن لفظهما: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه، حتى توفيت؛ وعاشت بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي ـ رضي الله عنه ـ.
أخرجه الشيخان.
قال إمام الأئمة، وهادي الأمة، أمير المؤمنين، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) في حديث: ((إنا لانورث ماتركناه صدقه)) في سياق كلام: ثم جاءت أسانيد قد جمعها الجهال؛ لحب التكثير بما لاينفع، عن عائشة، وعن عمر، فنظرنا عند ذلك إلى أصل هذه الأحاديث، فإذا عائشة تقول: سمعت أبا بكر، وإذا عمر يقول: سمعت أبا بكر، وإذا هذه الأسانيد المختلفة، ترجع إلى أصل واحد /201

(1/201)


وقال (ع): في كلام فاطمة (ع) لأبي بكر بيان لمن خاف اللَّه سبحانه: (أنتَ ترث أباك، ولا أرث أبي).
[إجماع العترة على أن الأنبياء يورثون]
قال الإمام الأجل، المنصور بالله ـ عز وجل ـ، القاسم بن محمد (ع): وأجمع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الأنبياء يُورَثُون. انتهى.
فمن ترى إمام اليمن (ع) عنى بالجهال، الذين جمعوا الأسانيد، وقد كرر وحذر ـ صلوات الله عليه ـ في الأحكام عن الأخذ عنهم، والاعتماد عليهم، والركون إليهم؛ وذلك واضح.
قال في طبقات الزيدية، نقلاً عن الإمام الأواه، المنصور بالله، القاسم بن علي العياني (ع): وهذا الهادي (ع) يبطل كثيراً من الأخبار، التي رويت عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعن أمير المؤمنين (ع)، حيث لم يقم بتلك الأخبار براهين يُعْمل بها.
ويقول في مواضع: يتقى بعض أخبار العامة.
إلى قوله: فالهادي (ع) يعلّ الأخبار المضعفة.
إلى قول صاحب الطبقات: قلت: وكما يقول في الأحكام في بعض المواضع: هذا لا يصح عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، هذا لا يصح عن أمير المؤمنين؛ لا تقبل رواية الجهال أهل الضلال؛ ونحو ذلك.
وقال الإمام المهدي لدين اللَّه أحمد بن يحيى المرتضى (ع) في المنهاج في سياق كلام: لأن لعلمائهم (ع) كالقاسم، والهادي، وغيرهما، من الورع الشحيح، والتحرز عن المآثم، مكاناً لايجهله إلا متجاهل.
وكذلك لهم من الاطلاع على أحوال الرواة، ماليس لغيرهم، ولقد وقفت على كتاب القياس للهادي (ع) فذكر فيه من تقبل روايته، ومن لاتقبل، في كلام طويل، من جملته أنه ذكر أهل الحديث، فضعف رواياتهم، حتى قال: فلهم كتابان يعبرون عنهما بالصحيحين ـ يعني: صحيحي البخاري ومسلم ـ.
ثم قال: وإن بينهما وبين الصحة لمسافات ومراحل؛ هذا معنى كلامه.
ولعمري، إنه على ورعه، لايقول ذلك عن وهم وتخمين، بل عن علم يقين..إلى آخر كلامه.
وهذا قدح من الإمامين الهادي، والمهدي (ع) في الكتابين.
ونقل ذلك عن الهادي إلى الحق الشيخ العالم الشهيد، محمد بن صالح بن حريوه.
وتكلم في كتابي البخاري ومسلم، الإمام الناطق بالحق أبو طالب، في /202

(1/202)


شرح البالغ المُدْرِك.
وقد نقلت لفظه في التحف الفاطمية والله ولي التوفيق.
وقال الإمام المرتضى لدين اللَّه، محمد بن يحيى بن الحسين (ع): وقلتَ: لأي معنى لم نُدْخل الأحاديث في أقوالنا؟ ولسنا ندخل من الحديث ماكان باطلاً عندنا؛ وإنما كثير من الحديث مخالف لكتاب اللَّه سبحانه، ومضاد له، فلم نلتفت إليها، ولم نحتج بما كان كذلك منها.
إلى قوله: وفي الحديث الذي ترويه العامة مالاتقوم به حجة، ولاتصح به بينة، ولا يشهد له كتاب ولاسنة.
انتهى المراد منه.
وقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): وأما الحشوية النابتة، هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بأنهم أصحاب الحديث، وأنهم أهل السنة والجماعة، فهم بمعزل عن ذلك.
إلى قوله: إلا أنهم مجمعون على الجبر والتشبيه، ويدعون أن أكثر السلف منهم، وهم بَراء من ذلك، وينكرون الخوض في الكلام والجدل، ويعوّلون على التقليد، وظواهر الروايات.
وقال (ع): إن الحشوية يروون في كتبهم الحديث وضده؛ كما قال بشر بن المعتمر:
يروي أحاديث ويروي نقضَها .... مخالفاً بعضُ الحديث بعضَها
وأقوالهم المنهارة: إن سنّتهم هي السنة، لقول إمامهم معاوية: حتى إذا قُطع قيل: قُطِعَت السنة، قال (ع): وأكبر دليل على ماقلناه، لذوي العقول السليمة، تشدد المتسمين بالسنة والجماعة، على محبة معاوية وولده، وتحاملهم على علي بتقديم غيره عليه.
قال (ع): وإن الإمامة تنعقد عندهم بالقهر والغلبة، وإنه تجوز إمامة الفاسق والجاهل، إذا كان من قريش، وقهر وغلب، وإن معاوية كان مجتهداً، وإنه لايجوز سبه؛ وعندهم أن الحق ماوافق مذاهبهم، وأصول شيوخهم، والباطلَ عندهم ماخالف مذاهبهم.
وأهل الحق عندهم من كان ماشياً في سبيل باطلهم، وأهل الباطل عندهم من مشى في /203

(1/203)


سبيل التوحيد لله، والتعديل له، والتبري من أعداء اللَّه.
قال: وأما تسميتهم بالجماعة فإنه لما اضطر الحسن بن علي (ع) إلى صلح معاوية، وسلم وتمّ الأمر له، سموا العام عام الجماعة.
إلى قوله (ع): فقالوا: إنهم أهل السنة والجماعة.
وقال (ع): وذلك قاعدة دينهم، وعنوان يقينهم، لايكون السني سنياً على الحقيقة، مالم يكن منقطع القرين في حب معاوية، وآل معاوية، سمج الحال في علي وآل علي.
انتهى المراد.
وكلام نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وعيون أشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ، على هذا المنهج، على غير مخالفة لما سبق عن أعلامهم ولاعوج.
هذا، وقد روى إجماع آل محمد على أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - يتوارثون، صاحب كتاب المحيط، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وهو الثابت بلا ارتياب، نطقت به السنة ومحكم الكتاب.
هذا، وقال نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي بعد كلام على حديث من صحاحهم: وكيف يسوغ لمسلم له مسكة من دين أن يقبل مثله؟! ولذا صار دعوى الصحة لكتب القوم من الدعاوي الساذجة، وتسميتها بذلك من الأسماء التي ماأنزل اللَّه بها من سلطان؛ فتأمل، وعليك بالنصفة، وباب حطة.
[الحديث الذي وضعه عمرو في آل أبي طالب، والرد عليه]
وكذا روى البخاري، ومسلم، بسند متصل بعمرو بن العاص، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء؛ إنما وليي اللَّه وصالح المؤمنين))؛ فرواية مثل هذا الحديث المعلوم بطلانه في صحيحيهما، مما يفيد أنهما عن الصحة بمراحل، وأنه لامعنى لقول من حكم بصحتهما من متعصبي العامة.
واستناده إلى أن البخاري مثلاً قد صحح كتابه، فالعهدة عليه.
أيكون البخاري قد صحح هذا الحديث، وكذا مسلم، فيكون قدحاً فيهما؟ /204

(1/204)


أم لاعهدة عليهما في تصحيح ولاغيره، بل الواجب على الناظر التثبت؟!.
ثم حكى ماقدمنا سابقاً من قول المقبلي إن أحاديث رواها البخاري لاتمسها الصحة.
قلت: الحديث الذي رواه عمرو في النسخ الموجودة الآن بلفظ ((آل أبي فلان)).
قال في تفريج الكروب، للسيد العلامة الحافظ إسحاق بن يوسف بن الإمام المتوكل على اللَّه إسماعيل بن القاسم (ع) بعد روايته قوله: ((آل أبي فلان)): قد فسره الشراح بآل أبي العاص، منهم الحَكم طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ممن فسره بذلك القاضي عياض في شرح مسلم، وكذلك النووي في شرح مسلم أيضاً، وكذلك ابن حجر في مقدمة شرح البخاري. انتهى.
قال مؤلف التخريج ـ أيده الله تعالى ـ، في حاشيته على ذلك الكتاب: المروي عند ابن أبي الحديد ((إن آل أبي طالب)) ولعل الشراح كنوا ثم فسروه بما فسروه، محاذرة من افتضاح عمرو. انتهى.
قلت: فإن هذا من المصارحة بالرد لكتاب اللَّه، وسنة رسوله، ودين نبيه.
[تفسير: صالح المؤمنين]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وقد قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله /205

(1/205)


تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم:4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) رواه الحاكم بأسانيده؛ فعن علي من أربع طرق، وعن أسماء بنت عميس من أربع طرق، وعن حذيفة، وعن أبي جعفر، وعن ابن عباس، وفي واحدة عن علي: ((والمؤمنون من بني أبيك الصالحون)).
وروى عن ابن عباس مسنداً قال: نزل {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } [التحريم: 3] في عائشة وحفصة {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] علي.
وروى عنه أيضاً من طريقين، ورواه عن أبي جعفر أنه قال: صالح المؤمنين علي.
وكذا رواه عن زين العابدين مرفوعاً مرسلاً؛ من الشواهد.
وأخرجه الثعلبي عن ابن عباس، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن علي.
وروى ابن المغازلي في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] عن مجاهد قال: ((هو علي بن أبي طالب)).
وروى الكنجي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) أخرجه عن علي (ع)، وعن أسماء بنت عميس، وقال: هكذا رواه أئمة التفسير عن آخرهم. انتهى.
فإذا حديث عمرو ينقض آخره أولَه، ولذا قال الهادي إلى الحق في صحيحي البخاري، ومسلم: بينهما وبين الصحة مراحل، من رواية الإمام المهدي، ومحمد بن صالح.
[القدح في حريز بن عثمان]
وقال ابن الصلاح: إن في كتاب البخاري ماليس بصحيح.
إلى قوله: ومما يدلك إن كنت غير مخذول، أن حريز بن عثمان المشهور ببغض من بُغضه نفاق، قال إسماعيل بن عياش: سمعته يقول في حديث: ((إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ: إنما قال رسول اللَّه ـ صلى /206

(1/206)


الله عليه وآله وسلم ـ: ((إنما أنت مني بمنزلة قارون من موسى)) فأخطأ السامع؛ ثم نقل المروي عن هذا المارق المنافق، الدال على عداوته لسيد الخلائق.
إلى قوله: ومع هذا أخرج له البخاري.
قلت: قال ابن حجر في ترجمة هذا الخبيث، في تعداد من انتقدوا عليهم من رجال البخاري: قال الفَلاَّس وغيره: إنه كان ينتقص علياً.
إلى قوله: وقال ابن عدي: كان من ثقات الشاميين، وإنما وَضَع منه بغضه لعلي، وقال ابن حبان: كان داعية إلى مذهبه، يُجتنب حديثه.
إلى قوله: وروى له أهل السنن.
قال ـ أيده الله ـ: فأين يتاه بأصحابنا ممن مال إلى العامة، ويعوّل على زخارفها، ثم يزعم أنه على دين آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف ومن سود فقد شرك؟! الخ كلامه ـ رضي الله عنه وبارك في أيامه ـ.
[الكلام على النصب والرفض]
هذا، ومن مباينتهم لآل رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومجانبتهم لأوليائهم، ماعُلِمَ منهم من التبديع لهم والتضليل، وعدم التأول لهم بأي تأويل، ورميهم لأوليائهم ـ من العصابة الناجية، والطائفة الهادية ـ بدائهم، من الرفض والغلو؛ وقد علموا أن النصب والرفض مع ماتقدم من أسماء الذم، واردة في أعدائهم.
أما النصب فواضح، وليس بين الأمة اختلاف، في أنه لأعداء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ابن حجر في تحديده: والنصب بغض علي، وتقديم غيره عليه. انتهى.
قلت: وظاهر هذا العموم في تقديم غيره عليه.
وقد قدمه اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعد أخيه وابن عمه سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ على الخلق، فهو الحق الذي نطقت به السنة والقرآن، ودلّت عليه صرائح /207

(1/207)


حجج اللَّه القاطعة البرهان، لابالدعاوي المختَلقة التي لم ينزل اللَّه بها من سلطان؛ فقد أخرج اللَّه تعالى الحق على لسانه، ولم يزل يخرج اللَّه الحق على ألسنتهم، وإن حاولوا كتمه وخالف مافي أجنتهم.
فانظر إلى هذا وإلى ماتقدم له في تحديد التشيع المذموم عندهم، الذي هو من أعظم الجرح، ففيه التصريح بأن تقديمه على الشيخين غلوّ ورفض، وأن مجرد محبته تشيع وهو عندهم ذم وغض؛ لتعلم إن كنت من ذوي العلم، وتنظر إن كنت من أولي النظر، وتعتبر إن كنت من أهل الفِكَر؛ فقد صارت محبة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ عندهم تشيعاً، وبغضه نصباً، وتقديمه على غيره رفضاً، وتقديم غيره عليه نصباً، وكل اسم من هذه الأسماء ذماً وجرحاً، وهضماً وقدحاً، فهل بقي على هذا للسالك من سبيل؟ وإلى أي جيل ينحاز طالب النجاة والحق عندهم، في شأن سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم؟ وفي أي قبيل؟ وليس هذا ببدع من تناقض أقوالهم، وتهافت أحوالهم.
ولئن رمتَ التأويل لهم في شأن التقديم، بأن المراد ـ بتقديم غيره ـ غيرُ المشائخ على بُعده وتعسفه؛ إذ ليس بين الأمة خلاف إلا في تقديمه عليهم، أو تقديمهم عليه، فلا يستقيم لك بوجه التأويل، في شأن المحبة والبغض؛ فليس بينهما واسطة في حقه عقلاً وشرعاً، إلا التوقف، وهو غير مراد إجماعاً وقطعاً.
وليس مرادهم بالمحبة إلا المحبة المطلقة؛ لأنهم جعلوا أول درجات الغلو فيها التقديم، كما صرح به الشيخ هذا وغيره، واعترضه كما تقدم السيد محمد بن إسماعيل الأمير.
وذلك واضح لمن لم يعم التعصب بصيرته، ولم يسلب الهوى فكرته، وما ذلك وغيره مما هو أعظم وأطم من مناقضتهم وتهافتهم، إلا مصداق الإصابة بالدعوة النبوية: ((واخذل من خذله)) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى /208

(1/208)


نعم، وأما الرفض فقد أجمع الجميع على أنه اسم للفئة الرافضة للإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهم ـ كما صرح به النووي في شرح مسلم، وصاحب القاموس، وغيرهما من علمائهم.
قال ابن تيمية في الجزء الأول من المنهاج (ص 21): لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين.
إلى قوله: فقال: (رفضتموني) فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً؛ لانتسابهم إليه.
وقال في (ص 67): ومن حينئذ انقسمت الشيعة.
ثم قال: فالزيدية خير من الرافضة، أعلم، وأصدق، وأشجع. انتهى.
وهو معلوم لانزاع فيه بين الأمة، وإنما النزاع في السبب، وآل محمد (ع) أعلم بذلك، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ مع أنه لو فرض صحة ماروته العامة أنهم رفضوه لعدم تصريحه بالبراءة من الشيخين، فلا مستروح لهم في ذلك.
أما أولاً، فلا يلزم إظهار البراءة ولو كانت عنده جائزة، لخشية افتراق الجمع، وانشقاق العصا، وإثارة الفتنة، ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108]؛ وله بأبيه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ أعظم أسوة، فقد كان يسكت على أشياء كثيرة هي عنده منكرة، كما عُلم ذلك من صرائح كلماته المنقولة بالتواتر، لمن اطلع على سيرته ـ صلوات الله عليه ـ.
وأما ثانياً، فليس ذلك إلا سبب الرفض للإمام ولآل محمد (ع) بالاتفاق، والذم والوعيد واردان على الرفض، لاعلى الباعث عليه ولا على علامته.
ألا ترى أن من ترك الصلاة مثلاً لأجل محبة الراحة، أو نحو ذلك من الدواعي المباحة، وعلامته أنه مثلاً يلبس الثياب السود، يكون مذموماً ومعاقباً /209

(1/209)


على ترك الصلاة قطعاً لاعلى السبب والعلامة؟.
وأما السبب ونحوه، فأمر آخر موقوف على الدليل.
وقد روى إمام الأئمة الهادي إلى الحق عن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ بعد أن حكى سبب رفضهم، وأنهم تعللوا عليه بما يدعون من الوصية والنص على جعفر بن محمد (ع) مانصه: فلما كان فعلهم على ماذكرنا، سماهم - أي الإمام زيد بن علي (ع) - روافض، ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي، ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حرورا علي بن أبي طالب حتى حاربوه. انتهى.
فانظر على أي شيء وجَّه اللعن، وعلل الرفض؟ أعلى البراءة؟ أم على رفضه، والخروج من بيعته، كما رفض أهل حرورا جده ـ صلوات الله عليهم ـ؟
ولم يذكر البراءة ولا ذكر كونه جعلها الموجب، ولا أنه علّق عليها الذم أحد من الرواة، لامن آل محمد (ع) ولا من غيرهم، وإن كانوا قد رووا أنها السبب في رفضهم له.
[قول صاحب التهذيب في كلام الإمام زيد (ع) في الرافضة]
وهذا الحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال، وهو الذي عليه المدار عندهم في علم الرجال، روى عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) في ترجمته، مالفظه: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة؛ مرقت الرافضة علينا، كما مرقت الخوارج على علي (ع).
ونقله صاحب الخلاصة بلفظه.
وقال في التهذيب: قالوا: إذاً نرفضك؛ فسميت الرافضة.
وقال في شأن الزيدية: فخرجوا مع زيد بن علي فسُميت الزيدية. انتهى المراد.
فهذا نقل أئمة آل محمد (ع)، ونقل ثقات غيرهم، وإقرارهم أنها مرقت عليه، كما مرقت الخوارج على جده، وأنها سميت الرافضة لرفضها له (ع)، وهو المعلوم. والأخبار والآثار دالة على ذلك.
وروى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ: بسنده إلى أبي الطيب محمد بن /210

(1/210)


محمد بن فيروز الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم(ع).
قلت: يعني إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع).
قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: لما ظهر زيد بن علي، ودعا الناس إلى نصرة الحق فأجابته الشيعة، وكثير من غيرهم وقعدوا عنه، وقالوا: لستَ الإمام.
قال: فمن هو؟
قالوا: ابن أخيك جعفر.
فقال لهم: إنْ قال جعفر هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه واسألوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة، ولانجد رسولاً إلا بأربعين ديناراً.
قال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا وأرسلوا إليه.
فلما كان من الغد أتوه، فقالوا: إنه يداريك.
فقال لهم: ويلكم إمام يداري من غير بأس؟ أو يكتم حقاً؟ أويخشى في اللَّه أحداً؟
اختاروا: إما أن تقاتلوا معي، وتبايعوني على مابويع عليه علي، والحسن، والحسين(ع)، أو تعينوني بسلاحكم، وتكفوا عني ألسنتكم.
فقالوا: لانفعل.
فقال: اللَّه أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول اللَّه: ((سيكون من بعدي قوم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي، ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف، ولانهي عن منكر، يقلدون دينهم، ويتبعون أهواءهم)) انتهى.
وقد روى هذا السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع).
فمن الذين يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت ويقولون: ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ويرون تحريم الخروج على الظلمة، ويوجبون الطاعة للجبابرة المتغلبين على الأمة، فيعينونهم بذلك على تعدي حدود اللَّه، وانتهاك كل حرمة، وينصرونهم على قتل الآمرين بالقسط، الحافظين لحدود /211

(1/211)


اللَّه من الأئمة، وقد علموا أن الله تعالى لم يجعل بنص كتابه للظالمين عهداً، وأنه لايتخذ المضلين عضداً؟!.
وعلى الجملة، قد قضت المعلومة من الأدلة، وإجماع جميع أهل الملة، أن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وطائفته هم المحقون، وأن هذه الفرقة الرافضة له مبطلون؛ وليس النزاع إلا فيما كان عليه من البراءة عن الشيخين، أم الولاية لهما، أم التوقف فيهما؛ وهو أمر آخر يجب على المتدين الاعتماد فيه على الدليل، من غير تقليد ولاتعويل، على متابعة الأقاويل.
والمعلوم من حال الإمام الأعظم ـ صلوات الله عليه ـ بالإجماع من الجميع أنه لم يبحث عن معتقدهم في ذلك، ولم يسألهم عن البراء، ولا التولي، وأنه لم يسمهم الرافضة، ولم يلعنهم، ولم يتبرأ منهم؛ إلا حين خذلوه، ورفضوه، ولم ينصروه؛ وبذلك يعلم أنهم لم يستحقوا ذلك، إلا لرفض إمام الحق، والخروج عن طاعة سادة الخلق، كائناً في ذلك السبب ماكان؛ هذا معلوم بأبين بيان، وأوضح برهان، والله المستعان.
فكيف يكون رافضياً من تولاه، ونصره وقاتل بين يديه، ومن أتى من بعده متبعاً لأثره، مقتدياً بهديه، مهتدياً بنوره؟! فقد صارت هذه الطائفة المتسمية بالسنية ترمي به قطعاً أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه، القانتين من هذه العصابة، تجارياً على اللَّه، واطراحاً للمفروض عليهم من حقوق القرابة، ومعاندةً للحق، ومضادة لبراهينه، وقواطعه، فإن كنت أيها الطالب للنجاة، المراقب لله، ممن اطلع على الأحوال، ومارس علم الرجال، لم تحتج إلى تجشم بيان، ولاتكلف برهان.
[ذكر بعض من رماه القوم بالرفض]
فممن رموه بدائهم من الرفض، من خلّص أتباع الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الآخذين عنه، القائمين بنصرته، المجيبين لدعوته، أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفي، الذي تُنْسب إليه الجارودية.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الناصبة: رافضي متهم، له أتباع؛ يروي في الفضائل والمثالب، إلى قوله: روى له الترمذي، انتهى /212

(1/212)


ومنهم هارون بن سعد العِجْلي، قال في التقريب: صدوق، رُمي بالرفض، ويقال: رجع عنه إلخ.
قال السيد صارم الدين (ع): قالوا فيه: صدوق، من المعلنة بالتشيع، رافضي بغيض، وهذا منهم تحامل ونصب. انتهى.
وهو ممن حملتهم الضرورة إلى الأخذ عنه. روى عنه مسلم، فلذا قالوا: صدوق.
وكلامهم في جماعة الآل، على هذا المنوال، فقد نالوا بذلك علماء الأمة، وأعيان الملة، كما ذلك مأثور، وعلى صفحات الصحائف مسطور.
قال محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الموالي لأبناء الوصي، والقائم بدعوة الأئمة من أسباط النبي: فيما رواه في جواهر العقدين للسمهودي الشافعي، عن البيهقي، عن المزني: قال: سمعت الشافعي ينشد:
إذا نحن فضلنا علياً فإننا .... روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وروي أيضاً عن الجمال الزرندي، عن الشافعي أنه قال:
قالوا ترفضت قُلْتُ كلا .... ماالرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شك .... خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضاً .... فإنني أرفض العباد
قال: وروي أيضاً عن الربيع قال: أنشدنا الشافعي:
ياراكباً قِفْ بالمحصب من منى .... واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى .... فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ
قِفْ ثم نادِ بأنني لمحمد .... ووصيه وابنيه لست بباغضِ
إنْ كان رفضاً حبُّ آل محمد .... فليشهد الثقلان أني رافضي
هكذا في الجواهر؛ إلا البيت الثالث، فليس في النسخة المنقول منها، ولعله سقط، فهو ثابت في كتب أهل البيت (ع) وغيرهم عنه.
قال: وقد نقل /213

(1/213)


البيهقي عن الربيع بن سليمان أحد أصحاب الشافعي: أن ناساً لايصبرون على سماع منقبة، أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً منا يذكرها يقولون: هذا رافضي، ويأخذون في كلام آخر، فأنشأ الشافعي:
إذا في مجلس ذكروا علياً .... وسبطيه وفاطمة الزكيهْ
فأجرى بعضهم ذكرى سواهم .... فأَيْقِنْ أنه لِسَلقلقيهْ
إذا ذكروا علياً أو بنيه .... تشاغل بالروايات العليهْ
وقال تجاوزوا ياقوم هذا .... فهذا من حديث الرافضيهْ
برئت إلى المهيمن من أناس .... يرون الرفض حبّ الفاطميهْ
على آل الرسول صلاةُ ربي .... ولعنتُه لتلك الجاهليهْ
نقل هذا في جواهر العقدين بعد أن قال: ولم تزل جماعة من الأشقياء ينتقصون علياً ـ رضي الله عنه ـ، وأهل بيته، ويكرهون من يذكر فضائلهم، وينسبونه بمجرد ذلك إلى الرفض.
إلى قوله: وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقيب حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)): قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مسؤولون عنها يوم القيامة، وروي في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات] أي: عن ولاية أهل البيت؛ لأن اللَّه أمر نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ألا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القربى.
إلى قوله: يشير إلى ماأخرجه الديلمي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً ((وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ)) /214

(1/214)


ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: ((والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي؟)) وأخرج أبو الحسن المغازلي من طريق عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ))، وسيأتي في الذكر العاشر حديث: ((والذي نفسي بيده لاتزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل اللَّه الرجل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله مم اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)).
فقال له عمر: يانبي اللَّه، وماآية حبكم؟
فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جنبه، فقال: ((آية حبي، حب هذا من بعدي)).
فكيف يبغض مع هذا من يذكر فضل أهل البيت، وينسب بمجرد ذلك إلى الرفض؟ انتهى المراد من كلامه.
قلت: بل مع مالا يحصى، ولايستقصى، من كتاب اللَّه، وسنة رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما علم، ووضحت حجته على الخلق أجمعين.
وقد سبق مصطلحهم في الرفض، الذي رتبوا عليه معظم الجرح والغض، وأنهم حرّفوه عن موضوعه، ونقلوه عن معناه، ورموا به نجوم أهل الأرض، الحافظين للسنة والفرض، الحامين لدين اللَّه في ذات الطول والعرض، إلى يوم العرض، والحق أنه مع النصب داؤهم كما قيل في المثل: (رمتني بدائها وانسلت) فكيف يرجى علاجهم، ودواؤهم؟ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً؛ وكيف نقلوه إلى من يقول /215

(1/215)


بتقديم أخي سيد المرسلين، وإمام المتقين؟ مع أن روايتهم التي رووها من وقوع سبب الرفض إنما هي: الاختلاف بينهم وبين الإمام الأعظم، لما طالبوه في البراءة لاالتقديم.
ولم يجر بينهم، وبين الإمام (ع) كلام في التفضيل، ولا حرف واحد من ذلك القبيل.
وبهذا تعلم أن ليس لهم في ذلك مستند، ولاشبهة دليل لابالتحقيق، ولا بالادعاء، وإنما هي مجرد افتراء؛ فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
قال ابن حجر كما سبق في مقدمة الفتح: والتشيع محبة علي، وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي. انتهى المراد.
[تراجم بعض عظماء الصحابة الذين لم يزالوا مع أمير المؤمنين]
فعلى مقتضى كلامهم أن جماعة آل محمد - صلوات الله عليهم - أولهم وآخرهم، وجميع بني هاشم روافض.
منهم: أبو الفضل العباس بن عبد المطلب، عمّ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ساقي الحجيج، المستنزل به الغيث، المستجاب الدعوة، المتوفى بالمدينة عام [34هـ] أربعة وثلاثين من الهجرة سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وولده: أبو العباس عبدالله بن العباس، بحر العلم، وحَبْر الأمة، وترجمان القرآن، المناصر لابن عمه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ المهتدي بهديه، المستمد من علمه، والمجاهد معه في جميع مشاهده، والمتولي /216

(1/216)


لأعماله، والمبلغ لفضائله، الذي ذهب بصره لبكائه عليه بعد فراقه، المتوفى بالطائف عام [68هـ] ثمانية وستين، سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وسائر بني هاشم وبني المطلب، وأعيان صحابة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من المهاجرين، والأنصار.
منهم: أبو اليقظان عمار بن ياسر، الطيب المطيب، الموعود هو وأهل بيته بالجنة، المملوء إيماناً، الدائر مع الحق أينما دار، علم سادات السابقين، المعذبين في اللَّه، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي صار استشهاده مع سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، من أعلام نبوة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وإخباره عن الغيب بوحي رب العالمين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو ذر: جندب بن جنادة الغفاري، السابق الصادق، بشهادة سيد الخلائق، الصادع بالحق، الذي لاتأخذه في اللَّه لومة لائم، المتوفى بالربذة عام [32] اثنين وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله سلمان أهل البيت (ع) سلمان الخير، مولى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أحد المخصوصين بالبِشارات من اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المدرك للعلم الأول والآخر، البحر الذي لا يُنزح بشهادة سيد الوصيين، المترقب لبعثة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ المستدل عليه بالعلامات الموصوفة، في الكتب المنزلة، كخاتم النبوة، المتوفى بالمدائن عام [35] خمسة وثلاثين، بعد أن عُمّرَ على ماقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة رضوان الله عليه.
وأبو الأسود المقداد بن عمرو الكندي، أحد الرفقاء والنجباء، والسابقين الأولين المبشرين، المهاجرين الهجرتين، الشاهد بدراً وما بعدها، وهو فارس رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، المتوفى بالمدينة عام [33] ثلاثة وثلاثين - رضوان الله عليه - /217

(1/217)


وأبو عبد الرحمن عبدالله بن مسعود الهذلي، أحد العلماء السابقين، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المتوفى سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ وثلاثين، كان من الجبال في العلم، وعلى قامة القاعد في الجسم، وهو القائل: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب؛ قال في فتح الباري شرح البخاري: رواه البزار، رجاله موثوقون، انتهى من الجزء السابع صفحة 58 - وهو القائل: قرأت القرآن على رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب ـ رواه الإمام الحجة (ع) في الشافي.
قال الإمام أبو طالب (ع) بعد أن روى عنه أنه قال: أُمِرَ علي بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين: هذا حديث مستحسن؛ لأن عبدالله بن مسعود توفي وقد حدث بأمر هؤلاء القوم قبل وقوعه بمدة إلخ ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عمارة خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، الذي أقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شهادته مقام شاهدين، الشاهد بدراً وما بعدها، ومع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال الناكثين يوم الجمل، واستشهد بين يديه بصفين، بعد أن وقف لينظر معجزة الرسول الأمين - صلوات الله عليه وآله - في الإخبار بقتل عمار، وقال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((تقتل عماراً الفئة الباغية))؛ ثم سلّ سيفه فقاتل حتى قُتل.
ومثل هذه الآية العظمى التي يزداد المؤمنون بها إيماناً، والموقنون إيقاناً، وتطمئن إليها القلوب عرفاناً، قد تَطَلّبَها إبراهيم الخليل (ص) ولم يُعِب عليه في ذلك الملك الجليل ـ سبحانه وتعالى ـ مع أنه لم يتضيق عليه الإقدام، وهو قائم في صف الإمام؛ فأي حرج في الانتظار، بين يدي إمام الأبرار ـ صلوات الله عليه؟ وقد جاهد الناكثين معه يوم الجمل، وهو القائل عند المنبر، لما بويع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ:
/218

(1/218)


إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا .... أبو حسن مما نخاف من الفتنْ
وجدناه أولى الناس بالناس إنه .... أطبّ قريش بالكتاب وبالسننْ
وإن قريشاً ماتشق غباره .... إذا ماجرى يوماً على الضُّمَّر البُدُنْ
وفيه الذي فيهم من الخير كله .... وما فيهمُ كل الذي فيه من حسنْ
والقائل أيضاً:
ويلكم إنه الدليل على اللَّـ .... ـه وداعيه للهدى وأمينهْ
وابن عم النبي قد عَلِم النا .... س جميعاً وصنوه وخدينهْ
كلّ خير يزينهم هو فيه .... وله دونهم خصال تزينهْ
الأبيات ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله حذيفة بن اليمان، أحد السابقين، الذي أَسَرّ إليه الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علم المنافقين، المتوفى سنة [36] ست وثلاثين - رضوان الله عليه - بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، وهو يحث أصحابه على اللحاق بأمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ لحرب الناكثين، وأمر ولديه: صفوان، وسعيداً، باللحاق بأمير المؤمنين، فقُتلا معه بصفين؛ أفاده ابن عبدالبر في الاستيعاب، والمسعودي في مروج الذهب.
وأبو الهيثم بن التيهان أحد المبايعين لرسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - والنقباء ليلة العقبة، الشاهد بدراً وما بعدها، والمستشهد على قول الأكثر بصفين مع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ واسمه مالك ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي، المخصوص بنزول رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ضيفاً له لما قدم المدينة المنورة، وأوحى الله تعالى إلى راحلته فبركت ببابه، الشاهد مع رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - /219

(1/219)


العقبة وبدراً وما بعدها، ومع أخيه الوصي - صلوات الله عليه - جميع مشاهده، المتوفى عام [52] اثنين وخمسين، مجاهداً للروم بقرب القسطنطينية - رضوان الله عليه -.
[زيارة جابر بن عبدالله لقبر الحسين السبط]
وأبو عبدالله جابر بن عبدالله بن حرام (بمهملتين، فألف، فميم) الأنصاري الخزرجي، الغازي مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بضع عشرة غزوة غير بدر، وأَحَدُ سادات الصحابة، المخلصين في ولاية الوصي والقرابة ـ صلوات الله عليهم ـ المتوفى بالمدينة المشرفة، في عشر الثمانين، عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة المشرفة ـ رضوان الله عليه ـ.
وله كلام عظيم عند زيارة الحسين السبط ـ صلوات الله عليه ـ بعد أن مَسّ قبره، وقد كف بصره فخر مغشياً عليه، ورُشّ عليه بالماء؛ فلما أفاق قال: ياحسين، ياحسين، ياحسين ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: حبيب لايجيب حبيبه.
إلى قوله: فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء؛ وما بالك ألاّ تكون هكذا وقد غذتك كفّ محمد سيد المرسلين، ورُبيت في حجور المتقين، وأُرضعت من ثدي الإيمان.
إلى قوله: فعليك سلام اللَّه ورضوانه؛ وأشهد أنك مضيت على مامضى عليه يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي بِفِناء الحسين ـ صلوات الله عليه ـ.
إلى آخر كلامه؛ رواه الإمام أبو طالب بسنده في الأمالي.
وأخذ عنه الإمام الأعظم زيد بن علي، وأخوه الباقر محمد بن علي (ع)، وأبلغه عن جده رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ السلام، وشهد صفين مع الوصي (ع)، كما في الاستيعاب؛ وأبوه: أحد الشهداء بأحد - رضوان الله عليهم- /220

(1/220)


وأبو ثابت سهل بن حُنَيف (بالتصغير) الأنصاري الأوسي، أحد السابقين الشاهدين جميع مشاهد الرسول الأمين ـ صلوات الله عليه وآله ـ ومع أخيه سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ قتال القاسطين، واستخلفه على المدينة حال قتال الناكثين؛ توفي بالكوفة عام [38] ثمان وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
وأخوه، أبو عمرو عثمان بن حنيف، أحد عمال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ، وناله مانال من الناكثين بالبصرة؛ لم تذكر وفاته على التعيين رضوان الله عليه.
وأبو المنذر أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، سيد القراء، شهد العقبة الأخرى وبدراً وغيرها من المشاهد، اختلف في وفاته؛ قال السيد الإمام رضي الله عنه في الطبقات: والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودفن بها ـ رضي الله عنه ـ.
وأبو عبدالله قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، صاحب المقامات المشهورة مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومع وصيه أمير المؤمنين في جميع مشاهده، ومع ابن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسن بن علي.
وقد روى عن أبيه سعد بن عبادة مامعناه أنه لم ينازع القوم إلا لكونهم عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ؛ وما أقرب ذلك إلى الصحة فإنهم أنصار رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنصار وصيه في جميع المواطن؛ وقد قال أبو الهيثم بن التيهان ـ رضي الله عنه ـ:
كنّا شعار نبينا ودثاره .... يفديه منا الروح والأبصار
إن الوصي إمامنا وولينا .... بَرَح الخفاء وباحت الأسرار
في أبيات له، والمعتبر جمهورهم الأعمّ، وسوادهم الأعظم؛ فجزاهم اللَّه عن الإسلام، والمسلمين أفضل الجزاء /221

(1/221)


وأبو عبدالله خباب (بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الموحدة، فألف، فموحدة) بن الأرت (براء، فمثناة من فوق) أحد المعذبين في اللَّه، شهد بدراً مع الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وصفين مع أخيه سيد الوصيين صلوات الله عليهم؛ وتوفي منصرفاً من قتال القاسطين عام [37] سبعة وثلاثين، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقال: رحم اللَّه خباب بن الأرت فلقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وقنع بالكفاف، ورضي عن اللَّه، وعاش مجاهداً.
وولده عبدالله، المستشهد بعدوان أهل النهروان المارقين؛ وقتلوا معه أم ولده، وولداً له صغيراً؛ وقد جعل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ إقرارهم بقتله أحد الحجج في حلّ دمائهم، وقال: اللَّه أكبر، لو أقرّ بقتلهم أهل الدنيا، وأقدر على قتلهم لقتلتهم.
وكان الخوارج سألوه فأثنى على أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بما هو أهله، فقتلوه ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالمدينة عام [74] أربعة وسبعين، من علماء الصحابة المكثرين للرواية، رُدّ يوم أحد لصغره، وشهد مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - اثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، ومع أخيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال المارقين، وروى ماسمع فيهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالكوفة عام [68] ثمانية وستين الشاهد مع الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مشاهده غير أحد فإنه استصغر فيها، ومع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ صفين، وكان من خواصه، ووقعت له آية أخبر بها وهي: أن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ استنشد بعض الصحابة عما سمعوا، فكتم أناس منهم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا؛ قال: وكنت فيمن كتم فعميت، هذا معنى ماروى، ورب ضارة /222

(1/222)


نافعة، ولايخبر بهذا إلا وقد صحت التوبة، وخلصت الإنابة ـ رضي الله عنه ـ.
وبُريدة (بضم الموحدة) بن الحُصيب (بضم المهملة مصغرين) ابن الحارث الأسلمي؛ المتوفى عام [62] اثنين وستين، آخر الصحابة موتاً بخراسان، أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد خيبر ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم كثير؛ لكن هؤلاء طائفة ممن نقل علماء الأمة من الموافقين والمخالفين قولهم بتقديم سيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر مالفظه: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، أن علي بن أبي طالب، أول من أسلم؛ وفضله هؤلاء على غيره.
ومن المتفق على كونهم من خلّص شيعة أمير المؤمنين من الصحابة الراشدين - رضي الله عنهم - أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الأوسي، الشاهد أحداً ومابعدها، وبيعة الرضوان مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجميع مشاهد أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، المتوفى بالكوفة في نيف وسبعين؛ وهو ممن استصغر يوم بدر ـ رضي الله عنه ـ.
وحجر بن عدي الكندي، العابد الزاهد، الصادع بالحق، المصارح بالصدق، الراد على أمراء البغي على رؤوس الخلق، الباذل مهجته في سبيل اللَّه، وولاية أمير المؤمنين أخي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طَلَبَ منه، ومن أصحابه الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ أَمِيْرُ القاسطين معاوية بن أبي سفيان، أن يتبروا من أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ أو تُضْرب أعناقهم؛ فأبوا وصبروا، فضربت أعناقهم صبراً عام [51] أحد وخمسين، وقد أنكر قتلهم علماء الأمة.
وكان حجر ـ رضوان الله عليه ـ مستجاب الدعوة؛ وفيه وفي أصحابه قالت عائشة: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((يقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء)) /223

(1/223)


قال السيوطي: أخرجه يعقوب بن سفيان، وابن عساكر؛ وأفاد المولى فخر الإسلام عبدالله بن الإمام الهادي القاسمي - حماه الله تعالى، ورضي الله عنه -، في الجداول أنه أخرجه معهما البيهقي.
قال: وعن علي (ع) أنه قال: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مَثَلُهم كمثل أصحاب الأخدود؛ أخرجه البيهقي، وابن عساكر. انتهى.
واحتاج الماء في السجن، فلم يعطوه، فدعا اللَّه تعالى فأرسل له سحابة بالماء فاغتسل، وطلب أن يصلي قبل قتله ركعتين، وقال: لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما؛ وأخباره كثيرة، وهي مبسوطة في الشافي وغيره من كتب أئمتنا (ع) وغيرهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو طَرِيف عدي بن حاتم، الجواد ابن الجواد، الذي أكرمه رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أحد خاصة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ شهد جميع مشاهده، وفُقئت عينه يوم الجمل، توفي بالكوفة عام [68] ثمانية وستين، عن مائة وعشرين ـ رضي الله عنه ـ.
وعمرو بن الحمق الخزاعي ـ رضي الله عنه ـ أحد خواص الوصي ـ صلوات الله عليه ـ الشاهد جميع مشاهده، وكان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال له: ((ياعمرو، أتحب أن أريك آية الجنة)).
قال: نعم يارسول اللَّه.
فمر علي بن أبي طالب، فقال: ((هذا وقومه آية الجنة)) رواه السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقات.
قال في سياق خبره: ثم كتب معاوية في طلبه.
إلى قوله: عن رفاعة بن شداد البجلي، وكان مؤاخياً لعمرو بن الحمق، أنه خرج معه حين طُلِبَ فقال: يارفاعة، إن القوم قاتلي؛ إن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي.
إلى قوله: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل، فودعته، وواثبته حية فلسعته، فأدركوه فاحتزوا رأسه؛ فكان أول رأس أهدي في الإسلام.
استشهد بالموصل عام [51] أحد وخمسين ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم ممن يطول ذكرهم، ويشق حصرهم؛ وإنما هذه العصابة المرضية، وجوههم، من صحابة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم /224

(1/224)


أجمعين ـ وكذا أعيان التابعين لهم بإحسان، وتابعي التابعين إلى يوم الدين؛ فكل هؤلاء روافض لتقديمهم إمام المتقين.
وكذا جميع المؤمنين شيعة؛ لمحبتهم سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ الذي حبه إيمان، وبغضه نفاق، على لسان سيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكلا الطائفتين مجروح في عدالته، مقدوح في روايته، على قول هؤلاء؛ فقد عاكسوا ماقضى الله تعالى به، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وضادوا حكمه ـ عز وجل ـ حيث حكم بأن حبه إيمان، وبغضه نفاق، فلم يبق على قَود مصطلحهم مرضي العدالة، مقبول الرواية، إلا طوائف الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ومن تبعهم من المضلين.
أفيدين بهذا من يؤمن بالله، ورسوله، وكتابه، واليوم الآخر، من المسلمين؟!.
كلا والله؛ إن ذلك هو الضلال المبين، والخذلان اليقين، والانسلاخ عن الدين؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
هذا، وقد قدمنا ماأشار إليه بعض أئمة العترة (ع)، من اللوازم التي تلزمهم، مما لا محيص لهم عنها، ولامخلص لهم منها، ونعود إلى تمامه.
قال (ع) في سياق ذلك البحث: ثم إن حديث ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، أورده الذهبي في الميزان، عن شريك قال: بإسناد كالشمس.
وروى معناه السيوطي في الدر المنثور قال مالفظه: وأخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبدالله، كنا عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقبل علي (ع) فقال: ((والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)) ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة].
فكان أصحاب النبي /225

(1/225)


ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذا أقبل علي، قالوا: جاء خير البرية.
وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: ((علي خير البرية)).
وأخرج ابن عدي، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين)).
وأخرج ابن مردويه، عن علي (ع) قال: قال لي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألم تسمع قول اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، أنت وشيعتك؛ وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب، تُدْعون غراً محجلين)). انتهى.
وأخرج ((علي خير البشر، من شك فيه كفر)) في كنوز الحقائق، عن أبي يعلى.
وأخرج أيضاً: ((علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة)) عن الديلمي.
وأخرج أيضاً ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، عن الخطيب البغدادي.
وهذا الخبر ـ أعني علياً خير البشر إلخ ـ قال شارح كتاب الدعامة: إن شيخه يرويه بإحدى وسبعين طريقاً.
وأورده محمد بن سليمان الكوفي مسنداً في مناقبه بطرق ذكرها. ورواه الكنجي.
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني أحاديث كثيرة في حديث ((علي خير البرية)) مرفوعة وموقوفة.
نعم، قال: فإذا صحّ أن علياً خير البشر، والبرية.
إلى قوله: فما بقي إلا أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فَضّل علياً، وأثنى عليه، وعلى شيعته، وأتى بما يخالف اصطلاح أهل السنة، ولزمهم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رافضي غال، إلى آخر كلامهم الفضيع. انتهى.
قلت: وكتاب اللَّه، وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مصرحان ناطقان، وشاهدان صادقان، بأفضلية إمام المتقين، وتقديم سيد الوصيين، /226

(1/226)


وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ مما أجمع عليه جميع الخلائق، واتفقت الأمة على نقله من جميع الطرائق، ولزمت حجة الله تعالى به كل موافق ومشاقق.
[إقرار حفاظ السنية بأنه لم يرد في غير علي مثلما ورد فيه]
وقد أقرّ حفاظهم لما بهرهم مارووه في إمام الأبرار، وسيد الأخيار، وقسيم الجنة والنار، غير ماورد مما يعمّ جميع العترة الأطهار، عترة الرسول المختار، وصفوة الملك الجبار ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ؛ فقالوا: ماجاء لأحد ماجاء لعلي من الفضائل، ولم يرد في حق أحد من الصحابة ماورد فيه.
ولكن هؤلاء المخذولين لايعتمدون على بيان، ولايعولون على برهان؛ ومن لم يجعل اللَّه له نوراً فماله من نور، إنها لاتعمى الأبصار؛ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
[الإقرار بحق أهل البيت (ع) باللسان والمخالفة في العمل]
قال بعض علماء العترة (ع): إني لأكثر التعجب ـ وماعشت أراك الدهر عجباً ـ من رجل عالم بمصادر الأمور ومواردها، وكيفية الاستدلال ومقاصدها، ودلالات الألفاظ على معانيها، وتراهم وهم كثير، يوردون ويروون عن اللَّه ـ عز وجل ـ، وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، تلك الأدلة والنصوص، والقواطع في حق أهل البيت ـ عليهم الصلاة والسلام ـ على الخصوص، بما لايمكن دفعه لفظاً ولامعنى، ولا سنداً ولامتناً؛ حتى إذا استنتجت منهم فائدتها، وطلبت منهم عائدتها، بوجوب اتباعهم ـ الذي هو مقتضاه ـ في علم أو عمل، أنكر وبرطم، ولوى عنقه وتجهّم، وإن ذكرت عنده خلافتهم رآها نكراً، أو رأى من يتابعهم في مقالة أو مذهب عدّه مبتدعاً، أو سمع بقراءةفي كتبهم ومؤلفاتهم اتخذها هزؤاً ولعباً.
فما أدري مابقي لهم من معاني تلك الأدلة والنصوص؟ وأي فضل ترك لهم على الناس؟ إذ أوجب عليهم أن يكونوا تبعاً، والله قد جعلهم متبوعين، ومؤخرين والله قد جعلهم مقدمين.
وأجِلِ النظرَ فيما تجده في كتب كثير من محدثي العامة، وفقهائها، فلا تلقاها إلا على هذا النهج، ماذاك إلا لإرادة اللَّه ـ عز وجل ـ إظهار الحق، على ألسنتهم وأيديهم، حجة عليهم، وإن راموا إنكارها /227

(1/227)


قلت: فقد صار الأمر في حالهم ماقصه الله تعالى من أمثال قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل:14].
[السبب الرئيسي للميل عن العترة]
وأصل كل ضلالة وفتنة، ومنبع كل فُرقة ومحنة، في هذه الأمة والأمم السابقة، اتباع الأهواء، والإخلاد إلى الدنيا، ومحبة الترأس على الأحياء، فإنه لم يستقم الملك للملوك العاتية، والجبابرة الطاغية، إلا بمخالفة أنبياء الله وكتبه، ومباينة أوليائه وأهل دينه، كما قصه الله في كتابه، وعلى ألسنة رسله.
ولم تتم لعلماء السوء الرئاسة منهم، والتقرب لديهم، ونيل حطام دنياهم، إلا بتقرير ماهم عليه، وتأييد مامالوا إليه.
وقد عَلِمَ كل ذي عِلْم، وفَهِمَ كل ذي فَهْم، ماجرى لأهل بيت النبوة في هذه الأمة، ومافعله ملوك الدولتين الطاغيتين مع العترة المطهرة، وما ساعدهم به علماء السوء، وفقهاء الضلال، من اتباع أهوائهم على كل حال، ورفض أهل بيت نبيهم، وطرح مايدينون به من دين ربهم؛ حتى غيروا معالم دين اللَّه، وافتروا على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لترويج مايَهْوَوْنه من الصد عن سبيل اللَّه في الأفعال والأقوال؛ كل ذلك معارضة للآل، ومخالفة لما أمرهم به في شأنهم ذو الجلال.
وقد قصد ملوك السفيانية، والمروانية، والعباسية، استئصال السلالة النبوية، وإبادة الذرية العلوية، وإزالتهم عن وجه البسيطة بالكلية، وأبلغوا مجهودهم في طمّ منارهم، وطمس أنوارهم، فأبى اللَّه تعالى لهم ذلك، وغلبهم على ماهنالك؛ كيف وهم قرناء الكتاب، والحجة على ذوي الألباب، والسفينة المنجية من العذاب، والثقل الأصغر، الذين خلفهم الرسول مع الثقل الأكبر في الأرض، ولن يفترقا إلى يوم العرض؟!؛ يريدون أن يطفئوا نور اللَّه /228

(1/228)


بأفواههم، ويأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وتهافت في أثر الملوك الجبارين، والعلماء المضلين، الذين حذر عنهم سيد المرسلين، الأتباعُ من العوام، والهمج الرعاع من الطغام، أتباع كل ناعق، وسيقة كل سائق، وركضوا في ميادين الدول، كما وصفهم اللَّه عز وجل: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الفرقان:44]، وهم الجم الغفير، والجمع الكثير، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللَّه، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين؛ فعظمت الفتنة، واشتدت المحنة، وتمت الفرقة المنهي عنها في الكتاب المبين، وعلى لسان الرسول الأمين.
وحجج الله تعالى واضحة المنهاج، بينة الفجاج، ودينه قويم، وصراطه مستقيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة وإن اللَّه لسميع عليم.
وهذا مع ماتقدم معظم ماخالفوا فيه أهل بيت نبيهم من العقائد، وإليك النظر أيها المطلع المتبع لكتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إن كنت عن طريق الحق غير حائد، ولا لضروري المعقول والمنقول بجاحد، لتنظر أي الفريقين أهدى سبيلاً، وأي الطائفتين أقوم قيلاً، وأبين دليلاً.
والمقصود بالخطاب أرباب النظر والاعتبار، من ذوي الأبصار؛ إنما يتذكر أولو الألباب.
فأما من أعمى بصائرهم الهوى، وأعشى أبصارهم الردى، من طائفتي المتمردين والمقلدين، الذين أَلْفَوا آبائهم ضالين؛ فليسوا بمقصودين؛ إنك لاتسمع الموتى ولاتسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين،/229

(1/229)


وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
ومالم نورده من الدلائل، فللإحالة على ماقرره علماء الأمة، وحرره في علم الأصول أعلام الأئمة، في جميع المسائل.
[الأمور التي نقم بها أهل الحق على أعدائه:(1)ـ التشبيه (2)ـ قدم القرآن (3)ـ نفي الحكمة (4)ـ الجبر]
فأقول، وبتسديد الله وبتوفيقه أصول: إن مما نقمه طائفة التوحيد والعدل، من آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن دان بدينهم من علماء المعقول والمنقول، على سائر فرق الأمة من العامة مجموعَ أمور من الأصول:
الأول: التشبيه للطيف الخبير، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فمنهم من تكلم به صراحة، من الحشوية، والمجبرة، والروافض، وصنّفوا فيه، وحققوه؛ ومنهم من أُلزم بذلك إلزاماً، كالمثبتين للرؤية.
ولقد أحسن الزمخشري حيث يقول:
وجماعة سمّوا هواهم سنّة .... وجماعة حمر لعمري موكفهْ
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا .... شنع الورى فتستروا بالبلكفهْ
الثاني: اعتقادهم أن كلام الله تعالى، قديم مع الله تعالى؛ بل قالوا بإثبات سبع صفات قديمات، وهي المعاني على زعمهم: القدرة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة.
والقائلون بهذا الأشعرية، ومن وافقهم.
قال بعض علماء آل محمد (ع): فأما مقالة الأشعرية في إثبات هذه المعاني السبعة وأنها قديمة، وأن الذات هي الثامنة؛ فإنها زائدة على مقالة /230

(1/230)


النصارى، الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، بزيادة بينة؛ لأن الثمانية أكثر من الثلاثة إلخ.
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ ولقد تهالكوا أشد التهالك في القول بقدم القرآن، وتكفير من يقول بأنه مخلوق لله تعالى بلا حجة ولا بيان.
أما طغام الحشوية، فلم يبالوا بالافتضاح بين البرية، وقالوا بقدم المتلوّ في المحاريب المكتوب في المصاحف علانية.
وأما الأشعرية، فعدلوا كما هي عادتهم في التمويه واللبس، إلى إثبات الكلام النفسي، وأنه لله تعالى صفة قديمة أزلية، فخرجوا عن المعقول وموضوعات اللغة العربية؛ وقد أقيم عليهم البرهان، وأن كلامهم في غاية البطلان، في الكتب الأصولية.
الثالث: إطباقهم على نفي الحكمة عن جميع أفعال الحكيم العليم، واعتقادهم أنه يفعل الأشياء لالحكمة وصواب، فخالفوا بذلك أحكام العقول ومحكم الكتاب، والمعلوم أن كل فعل لا لحكمة فهو عبث؛ وأفعاله ـ جل وعز ـ عندهم كلها من هذا الباب، وحرف ذووا الزيغ والتحريف من متكلميهم ـ لتلفيق ذلك المعتقد السخيف ـ كلامَ الحكيم اللطيف.
قال الرازي: إنهم يتأولون كل لام في القرآن ظاهرها الغرض؛ لأنه تعالى لا يفعل كذا لكذا. انتهى.
فكم من آية في الكتاب المبين حرّفوها، ودلالة في الذكر الحكيم صرفوها؛ فهذا صريح الرد لكلام أحكم الحاكمين.
قال ـ سبحانه وتعالى، وهو /231

(1/231)


أصدق القائلين ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء] {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون] {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)} [الدخان].
وكم كرر العزيز الحكيم العليم؛ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟!.
[شيء من عقائد الأشعرية الباطلة]
ولقد كثرت المغالطة من أشعرية المجبرة، في أكثر مسائل الأصول، لما لم تستقم لهم على قود مذاهبهم الردية مسالك المعقول، فأوقعهم ذلك في الاضطراب والمناقضة، ولم يزالوا في ملاوذة ومعارضة، حتى مال من لا عرفان له بمراوغتهم، إلى الحكم بموافقتهم، وليس كذلك، وأنّى له بذلك.
فمما ناقضوا فيه: تعريفُهم للمعجز بأن الله تعالى أنزله لتصديق الرسل.
قال بعض العدلية: ودعوى العضد، أنهم يقولون بالمصالح تفضلاً يرده تصريحهم في الأصول، بأن تعليل أفعاله تعالى بالحكم محال؛ لأنه يكون مستكملاً بالغير وهو محال؛ ومناقضة بعضهم في كلامه في الكلام والأصول ـ عجيبة. انتهى. /232

(1/232)


وقال السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير: إذا تكلموا بالفطرة، أقروا بالحكمة، وإذا ذكروا المذهب جحدوا. انتهى.
وقد قال الرازي: لايمكن الحكم بصحة ماجاءت به الأنبياء، إلا على أصول المعتزلة. انتهى.
فهذا كلام محققهم؛ فهل يرتضي عاقل لنفسه أن يذهب إلى مذهب لايمكنه معه تصحيح دينه؟!.
إن ذلك لغاية العجب؛ وقد شهد الرازي على إمامهم الأشعري، بتناقض قواعده.
وقالوا: إنه جل وعلا لايقبح منه قبيح، فجوزوا أن يقع من الغني العليم الحكيم ـ سبحانه وتعالى ـ فعل جميع القبائح، ولم ينزهوه ـ عز وجل ـ عن ارتكاب شيء من الفضائح، وسدوا على أنفسهم تصديق الشارع، ولم يبق لديهم طريق إلى إثبات شيء من الشرائع؛ إذ لامانع من أن يكون كلامه ـ سبحانه ـ عندهم كذباً، وأن يظهر المعجز على يد الكاذب، ومغالطة بعضهم بأن ذلك صفة نقص لاتنفعهم؛ وقد تحيّر محققوهم في هذا المقام، وأقروا بتهافت الأقدام.
قال العضد في المواقف، والشريف في الشرح: واعلم أنه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل، وبين القبح العقلي فيه؛ فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه فيها؛ وإنما تختلف العبارة دون المعنى، فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي، كيف يتمسكون في دفع الكذب عن الكلام اللفظي، بلزوم النقص في أفعاله تعالى؟ إلخ ماذكره ابن الإمام (ع) في الهداية.
وقال الجويني: لايمكن التمسك في تنزيه الرب ـ جل جلاله ـ عن الكذب لكونه نقصاً؛ لأن الكذب عندنا لايقبح لعينه. انتهى.
أي: إنما يقبح لنهي الشارع عنه عندهم؛ لنفيهم الحسن والقبح عقلاً.
وقال صاحب التلخيص: الحكم بأن الكذب نقص؛ إن كان عقلياً، كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً، وإن كان سمعياً لزم الدور. انتهى.
وقال بعضهم: لايتم استحالة النقص على الله تعالى، إلا على رأي /233

(1/233)


المعتزلة، القائلين بالقبح العقلي.
حكاه ابن الهمام في المسايرة، وشارحه المقدسي في المسامرة، وقد تقدم كلام الرازي.
وقالوا: لاحكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع؛ ولو عكس الشارع فحسن ماقبح، وقبح ماحسن، لم يكن ممتنعاً.
[رجوع الشريف، والغزالي إلى التوحيد والعدل]
وقال الغزالي ـ وقد كان من رؤوسهم إلا أنه قد صحّ رجوعه، ورجوع المحقق الشريف إلى القول بالتوحيد، والعدل، والدخول في زمرة الزيدية الهادية المهدية، أشياع العترة الزكية؛ أما الشريف، فهو الذي يحق لمنصبه المنيف؛ وأما الغزالي، فمثله في علمه من يتنزه عن ذلك المذهب السخيف، والله ولي التوفيق ـ مالفظه: إن الأشعرية قدحوا في الحكمة بأسرها، فكان ماذهب إليه المعتزلة أهون. انتهى من النبراس.
وقال فيه ناقلاً عن بعضهم: وحسبك بمذهب فساداً، استلزامه جواز ظهور المعجزات على يد كاذب، واستلزامه جواز نسبة الكذب إلى أصدق الصادقين، وأنه لا يقبح منه تعالى، واستلزامه جواز التسوية بين التثليث والتوحيد في العقل؛ وأنه قبل ورود النبوة لا يقبح التثليث، ولا عبادة الأصنام، ولا تشبيه المعبود، ولايقبح شيء من أنواع القبائح أصلاً؛ وقد التزم النفاة ذلك.
إلى قوله: وأنه لافرق قبل السمع بين ذكر الله، والثناء عليه، وحمده، وبين ضد ذلك، وبين شكره بما يقدر عليه العبد، وبين ضده، ولابين الصدق والكذب، والعفة والفجور، والإحسان إلى العالم والإساءة إليه بوجه ما، وأن التفريق بالشرع بين المتماثلين من كل وجه؛ وقد كان تصور هذا المذهب كافياً في العلم ببطلانه، وأنه لايتكلف رده، ولهذا رغب عنه فحول النظار من الطوائف كلهم.
إلى قوله: وكذا الإمام أسعد بن علي الزنجاني، بالغ في إنكاره على أبي الحسن الأشعري، القول بنفي التحسين والتقبيح، وأنه لم يسبقه إليه أحد، وكذا أبو القاسم الراغب، وأبو عبدالله الحليمي، وخلائق /234

(1/234)


لا يُحصون؛ وكل من تكلم في علل الشرع، ومحاسنه، وماتضمنه من المصالح، ودرء المفاسد، لايمكنه إلا بتقرير الحُسْن والقبح العقليين.
إلى قوله: ومنه يعلم مجازفة ابن حجر المكي، في فتاويه الصغرى.
إلى قوله: وإنها ـ أي قاعدة الحُسْن والقُبْح ـ لو بطلت لبطل القياس، وانهار الأساس.
حتى قال: فإن العضد ـ وناهيك به ـ لما بلغ إلى القياس في شرح أصول ابن الحاجب اضطرب، وبعد وقرب، حتى وقع في مناقضة المذهب.
وكذا من هو أكبر منه في فن الكلام، كالبيضاوي في المنهاج، وكفى به، وكذا من دونهما، كالسبكي في جمع الجوامع، والمحلي في شرحه، والقاضي زكريا في لبه وشرحه، فمن شاء أن يراجعها فليراجع.
وإنما يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم.
إلى قوله: وكم وكم لهم من جنس هذا الصنيع؛ وليست هذه المناقضة بأغرب من التصميم على مناقضة القرآن العظيم، فإن قولهم: لو عكس الشارع القضية ـ كما قال المعترض ـ فقَبّح ماحسنه، وحَسّن ماقبحه، لانقلب الأمر ـ مناد بخلاف قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم] وكأنهم في هذا الخطاب وأمثاله هم المعنيون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي لفظ {تَحْكُمُونَ } من هذه الآية الكريمة، إشارة جلية، إلى أن الأحكام العقلية، يفهمها كل من سلمت فطرته عن تغيير الجبرية.
انتهى المراد.
[الرابع من تلك الأمور، الجبر]
الرابع: اعتقادهم الجبر؛ فذو الجلال، هو ـ جل وعلا ـ عندهم الفاعل لكل ضلال، والخالق لكل عصيان وفسق وكفر، والقاضي بكل فساد، والمريد لكل غيّ وعناد، وأنه ـ جل وعز ـ خلق في عبده المعصية، وأرادها منه ونهاه عنها، ويعذبه عليها، وأنه تعالى ماخلق الكافرين إلا للكفر والعصيان، وأنه تعالى كره منهم البر والإيمان، وأنه تعالى كلّف العاصين /235

(1/235)


الطاعة، ومنعهم عليها الاستطاعة؛ تعالى الله الملك القائم بالقسط، العزيز الحكيم، الذي لايريد ظلماً للعالمين، ولايرضى لعباده الكفر، ولايحب الفساد.
وفي هذا القول إبطال جميع ماأنزل الله من الأمر والنهي، والوعد والوعيد؛ ولم يبقَ معنى لإرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وقد دان بذلك جميع الجبرية، من جهمية، وأشعرية، وسائر القدرية.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، في الشافي، في تعداد الفرق، وقد ذكر الجبرية، ومنهم الأشعرية.
إلى قوله: والأشعري بصري، وليس له سلف يرجع إليه.
إلى قوله: لأنه درس على أبي علي الجبائي، شيخ المعتزلة، وخالفه إلى مقالة المجبرة.
إلى قوله: بل أحيا مذاهب لجهم بن صفوان كانت داثرة، فحرّفها وصحّفها؛ ليبقى له أدنى مسكة من الإسلام؛ وقد حيل بينه وبين ذلك بالدليل.
ومما أحدثه: أنه تعالى مسموع، وأنه أسمع نفسه موسى.
وروي عنه: أنه يُدْرك بجميع الحواس؛ وأصحابه يطلقون أنه مسموع.
وكان يقول: إن علم الله، وقدرة الله، وحياته، وسمعه، وبصره، معان قديمة.
وما أطلق قبله أحد القول بأنها قديمة.
وزعم أن الكلام صفة الله تعالى شيء واحد، ليس بذي حروف ولا سور، وأنه التوراة والإنجيل والقرآن، وأن هذه الكتب المنزلة ليست بكلامه، ومايتلى ويكتب ويحفظ مخلوق، وليس بكلامه تعالى.
وزعم أن أمره ونهيه شيء واحد، والأمر بالصلاة هو الأمر بالزكاة، ولا يقدر على أنه يأمر وينهى ويخبر بشيء، ولا يصح أن يأمر بأكثر مما أمر.
وزعموا أن كلامه لم يسمع قط، وأنه لم يزل يخاطب موسى: ياموسى؛ ويخاطب آدم: اسكن أنت وزوجك الجنة.
وزعم أن أهل الجنة يرون الله لافي جهة، غير منفرد منهم، ولاخارج من أجسامهم؛ وذلك يوجب أنهم يرونه في أنفسهم.
وزعم أنه تعالى يرضى الكفر ويحبه؛ ولم يوافقه أحد على ذلك.
وزعم أنه لو كَلّفَ /236

(1/236)


العاجز لَحَسُنَ، ولو كَلَّفَ جمع الضدين لَحَسُنَ، ويحسِّن تكليف مالايطاق، وأن الاستطاعة مع الفعل، وأن جميع الأوامر تكليف مالايطاق.
وزعم أنه لو عاقب الأنبياء على ذنوب الفراعنة، وأثاب الفراعنة على طاعات الأنبياء، لَحَسُنَ منه.
وزعم أن الثواب والعقاب ليسا بجزاء على الأعمال.
وزعم أن الفعل خلق لله كسب للعبد؛ وجوّز على الله الإلغاز والتعمية.
وزعم أنه لاصيغة للعموم؛ وأبطل أدلة الشرع.
وزعم أنه لانعمة لله على الكافر.
وزعم أنه لايقبح شيء عقلاً، ولايحسن عقلاً، ولو حسَّن الكذب وكل القبائح جاز، ولو أظهر المعجز على كذاب جاز.
وزعم أنه يفعل لالغرض.
وزعم أنه يضل عن الدين، وأنه يخلق الكفر في الكافر، ويمنعه الإيمان وقدرة الإيمان، ثم يعاقبه عليه.
وزعم أن اليد، والجنب، والوجه صفات، وأن الاستواء على العرش صفة، وأنه يجوز له أن يُؤْلم أنبياءه وأصفياءه، والأطفال والمجانين، من غير عوض.
إلى قوله: وغير ذلك من المذاهب، التي يطول تفصيلها؛ ولم يكن له في زمانه سوق، وفشا مذهبه بعده.
ولا شك أنه قفا قريبه أبا موسى، في كيد الإسلام وإذهابه؛ وأكثر أقواله هذه غير معقولة، لاتقبلها العقول السليمة.
إلى آخر كلامه (ع).
[تمويه الأشعرية بالكسب]
هذا، وأما تمويه الأشعرية بالكسب، فراراً على زعمهم من لوازم الجبر، فلا معنى له؛ بل مذهبهم عين مذهب الجبر، فالكسب كما قالت العدلية: أمر لاتحقق له.
وعباراتهم تفيد محض كلام الجبرية؛ فقد فسروا الكسب بما يرجع إلى المحلية، وجعلوا العبد محلاً لما يخلقه الله ويوجده ـ على زعمهم ـ فيه من الأفعال؛ وليس العبد عندهم بموجد لطاعته، ولا معصيته، ولا قدرة له مؤثرة في شيء من الأعمال.
وقد اعترف محققوهم بفساد ماتستروا به من الكسب؛ وإليك نصوصهم في ذلك المقال.
صرح الجويني في مقدمات البرهان، بأن الكسب تمويه؛ بل لو سئلوا عن كل جزء من أجزاء الفعل، فإن كان من الله فهو الجبر، وتعطل معنى الكسب، /237

(1/237)


والجزء الاختياري، وإن كان من العبد فهو مذهب أهل العدل؛ فليس لهم جواب عن هذا السؤال، إلا بالجبر أو العدل، وما زادوا على تفسيره بالمحلية، وماخرجوا عن زمرة الجبرية.
قال بعض العدلية: الأشاعرة تحيروا، وحيروا أتباعهم، وصاروا يوهمون أنهم على شيء، وأنهم متمسكون بذَنَب الحق؛ وهم في طرق الضلال، وعجزوا عن التعبير عن هذا الخيال، وهم في الباطن معترفون بأنهم في حومة الإشكال.
قلت: ومعترفون أيضاً في الظاهر، كما تعرفه من الأقوال.
قال: ألا ترى أن التفتازاني، وهو من أشدهم في نصرة الأشعري، ولو بمجرد الجدال، قد اعترف بصعوبة إيضاح معنى الكسب.
وقال الغزالي: لا تُعْرف مسألة الكسب، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال ابن عربي: مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها ولم أعرفها.
ثم اعترف بالجبر.
حتى قال: والذي أظنه أن الأشعري، إنما قال بالكسب، مع معرفته أنه ليس تحته مسمى، تستراً عما يلزم الجبر من اللوازم..إلخ.
أفاده في الاحتراس.
قال بعضهم: ومن العجائب: إصرارهم على دعوى الكسب، مع عدم عثورهم على ماهيته، قرناً بعد قرن، منذ عصر الشيخ أبي الحسن ـ أي: الأشعري ـ إلى تاريخنا، وقد تعب من تعب منهم، في البحث عن حقيقته، وأفنى عمره في طلب معرفته، فلم يجد مايشفي، وكأنهم يلتمسون محله، الذي واراه فيه الشيخ الكبير، ويظنون بأنفسهم القصور أو التقصير، وهم في هذا التعب والشقاء، ولم يعلموا أن الشيخ إنما دفنه تحت بيضة العنقاء. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ تعالى في تخريج الشافي: ومع هذا فهم يقولون: يُمْدَحُ الفاعل ويُذَم، كما يُمْدح صاحب الجمال، ويُذَمّ المبروص.
قاله الكِرماني في /238

(1/238)


شرح البخاري.
ونسوا أن الحمد لا يكون إلا على الجميل الاختياري، وكذا اللوم.
وقال الكرماني: فإن قلت: فلمَ يحكم بأنه يثاب ويعاقب؟.
قلت: لأنه علامة لهما.
فانظر إلى جعلهم الوعد والوعيد، إنما هما علامة الثواب والعقاب، كالرعد والبرق علامة للمطر؛ وهذا محض الجبر؛ ولم يلتفتوا إلى الاعتذار بالكسب، وإن عدلوا إليه عندما يلزم من القول الشنيع، إنما هو تستر وتمعذر، بما لاحقيقة له.
وقال الرازي في مفاتيح الغيب، بعد ذكر إشكالات واردة على المجبرة: فإن قال قائل: هذه الإشكالات إنما تلزم على من يقول بالجبر، وأنا لاأقول بالجبر، ولابالقدر؛ بل أقول: الحقُّ، حالة متوسطة بين الجبر والقدر، وهو الكسب.
فنقول: هذا ضعيف؛ لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل، على سبيل الاستقلال، أو لايكون، فإن كان الأول فهو كمال القول بالاعتزال، وإن كان الثاني فهو الجبر المحض؛ والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول، فكيف يعقل حصول الواسطة؟ انتهى.
ومما يدل على فساد مذهب الجبرية، أن النقاد منهم رجعوا عنه في آخر أيامهم، كالغزالي ـ روى ذلك في مطلع البدور ـ والفخر الرازي ـ روى ذلك الإمام عز الدين بن الحسن ـ والسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني.
قال بعض العدلية: بلغنا ذلك بالسند الصحيح، وهو اللائق بفطنته وهمته العلية. انتهى.
قلت: ماذكره ـ أيده الله ـ تعالى من رجوع مَنْ ذكر؛ فأما الشريف، والغزالي ـ رحمهما الله تعالى ـ، فقد سبقت الإشارة إلى رجوعهما؛ والعدلي الذي روى رجوعه إلى مذهب أهله من آل محمد (ع) هو العلامة المحقق، إسحاق العبدي ـ رحمه الله ـ في إبطال العناد؛ وأما الرازي، فقد ذكر غيره ـ حماه الله تعالى ـ رجوعه.
وما أرى إلا أنهم قصدوا بذلك ماحكاه الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج، وهو /239

(1/239)


مالفظه: قوله: وقال المدعون للتحقيق منهم ـ أشار به إلى الجويني، وتلميذه الغزالي، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وابن الخطيب الرازي، وهؤلاء من متأخريهم؛ وهم المشاهير من علماء المذهب واتفقوا على إنكار الكسب، وتجهيل القائلين به، وأن حدوث أفعال العباد من جهتهم؛ لكنهم ذهبوا إلى أن القدرة موجبة لمقدورها، عند الدواعي، وقالوا بأنها صالحة للضدين، لكن يجب أحدهما عند حصول الداعي؛ هكذا حكاه بعضهم..إلى آخر كلامه.
وهذا كما ترى إنما يفيد عدم قولهم بالكسب.
وأما الجبر فلم يخرجوا عنه بهذا؛ لتصريحهم بإيجاب القدرة، ووجوب الفعل، وهو عين مذهب الجبر، وقد تكرر نقل الإمام عز الدين بن الحسن (ع) عن الرازي، مايفيد استمراره على مذهب الجبرية، وإصراره على تلك المقالات الفرية؛ بل حكى تكفيره عمن لايكفر سائر القدرية.
[تكفير الإمام يحيى بن حمزة للأشعري والرازي والمجسمة]
قال (ع) في المعراج في سياق الكلام في إنكارهم النعمة على الكافر، مانصه: ممن صرح بذلك الرازي.
إلى قوله: قال بعض أصحابنا: ولقد ارتكب عظيماً من الضلال؛ فإن المعلوم بضرورة الدين أن إنزال الكتب، وإرسال الرسل، نعمة على المؤمن والكافر، وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء].
فإنكار النعمة الدينية على الكافر، إنكارٌ لما عُلِمَ ضرورة من الدين، وَرَدّ للقرآن، وهذا كفر شنيع، من أوضح الكفر.
ولهذا فإن الإمام يحيى بن حمزة (ع) مع بُعْده عن التكفير، كَفَّرَ القائل به أبا الحسن الأشعري، والرازي ابن الخطيب، ولم يكفر من أهل القبلة إلا هؤلاء، والمجسمة المصرحين بالأعظاء لفظاً ومعنى. انتهى.
وقال (ع) في المعراج بعد أن حكى مقالة الأشعري (إنه لانعمة لله على الكافر لا في الدين، ولا في الدنيا) ما لفظه: قال الإمام يحيى: وهذه مقالة /240

(1/240)


شنيعة، ومذهب منكر، لا يقول به من وقر الإسلام في صدره، وهو كفر صريح، فنعوذ بالله من الجهل، المؤدي إلى الخذلان؛ وكيف يمكن إنكار نعمة اللَّه على الخلق؟! ولا يمكن حصرها وعدها؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [إبراهيم:34]، فإذاً لاعذر له في هذه المقالة إلا الرد والتكذيب، لما هو معلوم بالضرورة من الدين؛ ولاتعريج على التأويلات الباردة، التي لابرهان ينطق بها، ولايدل عليها؛ ولو ساغ في هذا تأويل، لساغ للباطنية وغيرهم من الفرق الخارجة عن الإسلام تأويلاتهم.
إلى قوله، حاكياً عن الإمام يحيى (ع): وإنما العجب من ابن الخطيب الرازي، حيث صوبه على هذه المقالة، وتابعه على ركوب غارب هذه الجهالة، من غير مخافة لله تعالى، ولا مراقبة للدين، ولا محاشاة لأهل الإسلام؛ ويدعي مع ذلك حذقاً وفطانة، وتبحراً في العلوم وكياسة، وقد ذكر هذه المقالة في تفسيره، ونزل كلام اللَّه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، على منهاج الجبر، وقرره على قواعده، وحاشا لله وكلاّ، أن يشير كلام اللَّه إليه، أو يدل بظاهره ومفهومه عليه، ولو بعث نبي مرسل على تصديق الجبر، لكان ذلك عندي قدحاً في معجزته.
قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): ولله در الإمام يحيى! لقد سَلّ سيف الانتصار للعدل وأهله، وأتى في ذلك بما يشهد بغزارة علمه ووفور فضله. انتهى.
فهذا وغيره يدلك أنه عند الإمام عز الدين (ع) الذي حكوا عنه رجوعه عن ذلك المذهب، وإنما التبس عليهم الكلام؛ نسأل الله تعالى حسن الختام، ونعوذ به من سوء المنقلب /241

(1/241)


[القدر، والأحاديث الواردة في القدرية، أدلة أنهم المجبرة، مخرجوا ذلك]
هذا، ومن تحريفهم وزيغهم، ورميهم بدائهم لأعدائهم، تسميتهم لأهل التوحيد من العدلية بالقدرية، كما أشار إليه الرازي في قوله: وأنا لاأقول بالجبر، ولابالقدر.....إلخ.
وقد اتفقت طوائف الأمة على ذمّ القدرية؛ لما ورد فيهم من كونهم مجوس هذه الأمة، على لسان خير البرية، وهم فريق الجبرية؛ لأنهم الذين يقولون: أفعال العباد بقدر اللَّه وخلقه، وهو الفاعل لها، ولا اختيار لهم فيها؛ ومنها معاصيه جل وعلا.
والعدلية تنفي ذلك عن اللَّه تعالى، وتنزهه ـ سبحانه ـ.
والنسبة في لسان العرب من الإثبات لامن النفي، كهاشمي لمن انتسب إلى هاشم، وثنوي لمن قال بالاثنين، وجبري لمن دان بالجبر، وغير ذلك كما هو معلوم.
وللمجبرة بهذا اللفظ لَهَجٌ كبير، كما قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): بحيث أنه مِن أحب الأشياء في ألسنتهم، فلا يأتي أحد بطاعة، أو معصية، إلا قالوا: هي بقضاء من اللَّه وقدر. انتهى.
ومن أكثر من ذكر شيء نُسِبَ إليه.
قال بعض أئمتنا (ع): قالت المجبرة: بل العدلية هم القدرية؛ لأنهم أثبتوا للعبد قدرة.
قالت العدلية: فالنسبة إليه قُدْرِيٌ (بضم القاف).
قالوا: هو من تغييرات النسب.
قالت العدلية: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) جاء في مقام التحذير منهم، والقول بمقالتهم، فلا ينبغي أن يكون كلامه مغيراً في هذا المقام، الذي هو من أخطر مقامات الضلال؛ لأنه يكون نوعاً من التلبيس.
إلى قوله: ثم إن المجبرة يلهجون بذكر القدر، فصحت النسبة إليهم، ولم يلهج العدلية بل يقولون: الطاعة والمعصية فعل العبد.
ألا تراهم يفزعون عند معاصيهم إليه، ويضيفون ذلك إلى اللَّه، فيقولون: قضاء /242

(1/242)


اللَّه، وقدره.
إلى قوله: ثم إنه قد صح عن المجوس، أنهم يقولون: إن اللَّه تعالى أراد منهم وطء الأمهات وشرب الخمور؛ وهذا عين مذهب المجبرة؛ وقد سبق لابن القيم أن المجبرة قدرية، ومذهبهم واحد.
ولانسلم مانسبه إلى العدلية، فقد شهدوا بذلك على أنفسهم؛ ثم إنهم لم ينظروا أنه لو صح مازعموا، أن النسبة لأجل إثبات قدرة للعبد، لَشَمِلَهم ذلك لقولهم للعبد قدرة غير مؤثرة. إلخ كلامه.
قلت: وما ورد من الذم للمكذب بقدر الله تعالى، فالمراد به كما قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: من نفى أفعال اللَّه عنه، وأن تكون بقضاء منه، وقدر.
قال المولى العلامة، الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ تعالى، في التخريج: أو على نفي القضاء والقدر، بمعنى العلم، والقول بأن الأمر أنف، أي: ليس ثمة كتابة ولا علم، ويكون إشارة إلى من يُجَهِّل الله تعالى، ويقول: لاعلم له بالحوادث، إلا بعد وجودها، وأنه تعالى يعلم الأشياء بعلم محدث.
قال النجري في شرح القلايد: إنه مذهب هشام بن الحكم من الروافض، وجهم بن صفوان من المجبرة.
ومثل ماذكره النجري، ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج. انتهى.
وهذه الفرقة الضالة المبتدعة، قد استوفى الكلام على بطلان قولها، وبيان أهلها ـ علماءُ الإسلام؛ وقد ذكروا انقطاع أربابها، والحمد لله رب العالمين.
نعم، وقد شبههم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالمجوس، وبينهم وبين المجبرة كمال المشابهة.
قال الحاكم ـ رضي الله عنه ـ في الرسالة: القدرية هم المجبرة لوجوه أربعة:
أحدها، أن هذا الاسم أخذ من القدر، وإنما يؤخذ من الإثبات، لا من العدم، كالموحد، والمشبهة، والمجسمة؛ وقد اختلفنا أن المعاصي بقدر الله أم لا، /243

(1/243)


فقلتم: بلى وقلنا: لا، فأنتم بالاسم أولى.
ثانيها، أنكم لهجتم بذكر القدر، في إضافة القبيح إليه؛ فنسبتم إليه كما يقال: تمري.
ثالثها، ماروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه سئل مَن القدرية؟؛ قال: ((قوم يعملون بالمعاصي، ثم يقولون قدرها اللَّه عليهم)).
ورابعها، أنه شبههم بالمجوس، ومذهب المجبرة عين مذهب المجوس؛ لأن المجوس يقولون: من يَقدِر على الخير، لا يَقدِر على الشر ـ قلت: وهو النور عندهم ـ ومن يقدر على الشر لايقدر على الخير ـ قلت: وهو الظلمة ـ.
قال: والمجبرة يقولون: من يقدر على الإيمان لايقدر على الكفر، ومن يقدر على الكفر لايقدر على الإيمان.انتهى المراد.
قلت: وهذا على قول بعضهم، بأن للعبد قدرة موجبة للفعل، ليس لصاحبها اختيار؛ والشبه الجامع لمذهب الجبرية، أن من يأتي من قبله الخير، يستحيل أن يأتي منه الشر، كالمؤمن، فإنه عندهم جميعاً غير متمكن من الكفر، والكافر على العكس.
وقال الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع): قد صحّ عند الجميع ماروي عن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((القدرية مجوس هذه الأمة)).
إلى أن قال: وقد صحّ أن المجوس يقولون في نكاح البنات، والأمهات: إنه بقضاء اللَّه وقدره..إلخ كلامه.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: الحديث أخرجه أبو داود، والحاكم عن ابن عمر.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة: المرجئة، والقدرية))، أخرجه الطبراني عن واثلة وجابر، وأبو نعيم عن أنس. /244

(1/244)


وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي لايردان علي الحوض، ولايدخلان الجنة: القدرية، والمرجئة))، أخرجه الطبراني عن أنس.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية))، أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس، وابن ماجه عن جابر، والخطيب عن ابن عمر، والطبراني عن أبي سعيد.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم))، أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم عن عمر.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لُعنت القدرية على لسان سبعين نبياً)) أخرجه الدار قطني عن علي. انتهى.
أورد سعد الدين في شرح المقاصد، ماروي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في حديث القادم عليه من فارس فسأله: من أعجب مارأى؟
قال: رأيت أقواماً ينكحون أمهاتهم، وأخواتهم، فإن قيل لهم لم تفعلون ذلك؟ قالوا: قضى اللَّه علينا وقدر؛ فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سيكون في آخر أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس)).
انتهى من إيقاظ الفكرة لابن الأمير. انتهى.
[إقرار ابن تيمية وابن القيم بأن المجبرة قدرية]
قلت: وقد أقر الشيخ ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، بأن المجبرة قدرية؛ مع محاولتهما لإخراج أنفسهما بما سبق من تمويههم بالكسب، على رأي الأشعرية.
قال بعض أئمتنا ـ رضي الله عنهم ـ: ومنها ماذكره هذا ابن القيم في ذمِّه من استدل بالقدر على الجبر، وهو أيضاً حجة عليهم، وحجة للعدلية؛ وقد رأينا نقله ليعرف أن بديهة عقولهم، تنكر مايؤول إليه مذهبهم.
قال مالفظه: وأما المقام الثاني، وهو مقام الضلال، والردى والهلاك، فهو الاحتجاج به ـ يعني بالقدر ـ على اللَّه، وحمل العبد ذنبه على ربه، وتنزيه نفسه الجاهلة الظالمة، والأمارة بالسوء، وجعل أرحم الراحمين، وأعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وأغنى الأغنياء، أضر على العباد من إبليس كما صرح به بعضهم، واحتج عليه بما خصمه فيه من تدحض حجته، ولاتطاق مغالبته، /245

(1/245)


حتى يقول قائل هؤلاء:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له .... إياك إياك أن تبتلَّ بالماءِ
ويقول قائلهم:
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى .... دخولي سبيل بينوا لي قضيتي
ثم ساق احتجاجات العدلية، وحكايات فضائح الجبرية.
ومنها قوله: وبلغ بعض هؤلاء أن علياً (ع) مر بقتلى النهروان فقال: بؤساً لكم، فقد ضركم من غركم.
فقيل: من غرهم؟.
فقال: الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، والأماني.
فقال هذا القائل: كان علي قدرياً، وإلا فالله غرهم وفعل بهم مافعل، وأوردهم تلك الموارد.
إلى قوله: وسمعته يقول ـ يعني ابن تيمية ـ: القدرية المذمومون في السنة، وعلى لسان السلف، هم هؤلاء الفرق الثلاث: نفاته، وهم القدرية المجوسية؛ والمعارضون به للشريعة، الذين قالوا: لو شاء اللَّه ماأشركنا، وهم القدرية المشركية؛ والمخاصمون به للرب سبحانه، وهم أعداء الله وخصومه وهم القدرية الإبليسية، وشيخهم إبليس، وهو أول من احتج على اللَّه بالقدر فقال: بما أغويتني.
قلت: وقد عنى بالأولى العدلية، وبالأخريين إخوانه الجبرية؛ وانظر إلى قوله هذا كيف أداه إلى المناقضة، والتوسط على زعمه بين الأقوال المتعارضة؟! والقصد بيان إقراره على نفسه؛ فقد أخرج الله تعالى الحق على لسانه؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
إلى أن قال: ولا ريب أن هؤلاء القدرية الإبليسية والمشركية، شر من القدرية النفاة؛ لأن النفاة إنما نفوه تنزيهاً للرب، وتعظيماً له أن يقدر الذنب، ثم يُلزم عليه ويعاقب العبد، على مالا صنع للعبد فيه البتة..إلخ.
فيقال: فما بال ذمهم أيها الشيخ على قول الحق؟ وإلى أي ملاذ لذت عن /246

(1/246)


الولوج في زمرة الثلاث الفرق؟ نعوذ بالله من الخذلان!.
قال الناقل لكلامه من أئمتنا (ع): قال بعض العدلية: وغير خاف عليك ماذهبت إليه الجبرية، وقد سبق، فلا حاجة إلى تكريره، فقد وقعوا فيما شنعوا، وذموا، وكفوك المؤونة في فساد قولهم وبطلانه، وصحة مذهب العدل ورجحانه.
وأما تسترهم بالكسب، فهو شيء لامعنى له؛ وقد سبق كلام الرازي، وهو فحلهم، وقد صرحوا بأن للعبد قدرة لاتأثير لها.
قالت العدلية: فلا فائدة فيها إذاً؛ بل لاتسمى قدرة رأساً. انتهى.
واعلم أن الجميع مجمعون على نفي القضاء والقدر، على معنى الأمر بالمعاصي، وعلى إثباته بمعنى العلم، والكتابة، والأمر بالطاعة.
قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): اتفق أهل القبلة على إثبات القضاء والقدر، في جميع أفعال العباد بمعنى العلم، والكتابة، واتفقوا على نفيه بمعنى الأمر بكل أفعال العباد.
إلى قوله: ولقولهم ـ أي العدلية ـ بثبوته بمعنى العلم والكتابة، منعوا أيضاً من إطلاق نفي كونها بقضاء اللَّه وقدره.
وأما المجبرة فلإثباتهم بمعنى الخلق، أجازوا إطلاق القول بأنها بقضائه تعالى وقدره..إلخ كلامه.
[قصة الشامي في القدر مع أمير المؤمنين (ع)]
قلت: وقد أبانه، وصرح به على مقتضى مادانت به العدلية في الوجهين، وأوضح من الفرقة الموسومة بالقدرية المجوسية من الفريقين، مع ماتقدم من الدلالات القاطعة، والبراهين الساطعة، إمامُ الموحدين، باب مدينة علم سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، المبين للأمة ما /247

(1/247)


اختلفوا فيه من بعد أخيه، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، في جوابه للشامي الذي سأله.
رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي بإسناده إلى أمير المؤمنين علي ـ كرم اللَّه وجهه ـ وقد سأله الشيخ الشامي عن مسيره إلى الشام: أكان بقضاء وقدر؟.
فقال علي (ع): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ماقطعنا وادياً، ولاعلونا تَلْعَةً، إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند اللَّه أحتسب عنائي؛ ماأرى لي من الأجر شيئاً.
فقال علي (ع): بلى أيها الشيخ، قد عظم اللَّه لكم الأجر على مسيركم، وأنتم سائرون، وعلى منصرفكم، وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين.
فقال الشيخ: فكيف والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟.
فقال علي (ع) للشيخ: لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حتماً؛ لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من اللَّه والنهي، ولما كانت تأتي من اللَّه محمدة لمحسن، ولا مذمة لمسيء، ولما كان المحسن بثواب الإحسان أولى من المسيء، ولا المسيء بعقوبة الإساءة أولى من المحسن؛ تلك مقالة عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهود الزور، وأهل العمى عن الصواب في الأمور، قدرية هذه الأمة ومجوسها؛ إن اللَّه أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرِهاً، ولم يرسل الرسل هزؤاً، ولم ينزل القرآن عبثاً، ولم يخلق السماوات والأرض، وعجائب الآيات باطلاً؛ ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
فقال الشيخ: ماالقضاء والقدر، اللذان ماوطئنا موطئاً إلا بهما؟.
فقال (ع): الأمر من اللَّه والحكم.
ثم تلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء:23].
فنهض الشيخ مسروراً بما سمع، وهو يقول شعراً:/248

(1/248)


أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته .... يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ماكان ملتبساً .... جزاك ربك عنا فيه إحساناً
نفسي الفداء لخير الناس كلهم .... بعد النبي علي الْحَبر مولانا
نفى الشكوك مقالٌ منك متضح .... وزاد ذا العلم والإيمان إيماناً
فليس معذرة في فعل فاحشة .... يوماً لراكبها ظلماً وعدوانا
لا لا ولا قائل ناهيه أوقعه .... فيها عبدت إذاً ياقوم شيطاناً
انتهى.
قلت: وساق الرواية الأمير الناصر للحق، الحسين بن بدر الدين (ع)، في الينابيع بمخالفة يسيرة في بعض اللفظ، لاتخل بالمعنى.
ورواها القرشي في المنهاج كذلك، ولم يذكر إلا البيتين الأولين، وفيه مكان يوم النشور إلخ يوم الحساب من الرحمن غفراناً.
قال الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: قد روي يوم النشور من الرحمن رضواناً، ويروى بعد البيتين اللذين ذكرهما المصنف نفسي.
ثم ساق الإمام (ع) الأبيات المتقدمة.
قال الإمام في المعراج بعد ذكر الرواية: وإن اسم الشيخ أزور بن ضرار؛ ففيها نص صريح على بطلان ماذهب إليه المجبرة، وبيان أنهم القدرية، وكلامه (ع) حجة. انتهى.
قال المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي: وروى هذا الخبر الشيخ أبو الحسين البصري، في كتاب الغرر، عن الأصبغ بن نباتة، وفيه ذكر البيتين الأولين؛ ذكره شارح نهج البلاغة.
وأخرجه ابن عساكر، عن محمد بن زكريا العلابي ، عن عكرمة /249

(1/249)


قال: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ، فقال: أخبرنا عن مسيرنا أكان بقضاء وقدر؟..إلخ.
من شرح التحفة، وليس فيه ذكر الأبيات لكن النثر نحو ماهنا.
ورواه في نهج البلاغة بلفظ: ويحك، لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد؛ إن اللَّه سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً؛ ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار. انتهى.
قال الرضي، من كلام طويل هذا مختاره: وقد ذكره المرتضى ـ أخو الرضي ـ في أماليه بطوله نحو مافي الأصل، وفيه ذكر البيتين الأولين.
ورواه الحاكم أبو سعيد، في جلاء الأبصار، بإسناده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، ورواه في كنز العمال. انتهى.
وروى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي بطرقه، عن أنس بن مالك، وحذيفة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((صنفان من أمتي لاتنالهما شفاعتي، لعنهما اللَّه على لسان سبعين نبياً: القدرية، والمرجئة)).
قيل: يارسول اللَّه، من القدرية؟.
قال: ((الذين يعملون بالمعاصي، ويقولون هي من قبل اللَّه)).
قيل: فمن المرجئة؟.
قال: ((الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل)).
وكذلك عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يكون في آخر هذه الأمة قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون: هي من اللَّه؛ الراد عليهم كالشاهر سيفه في سبيل اللَّه)).
وفي روايته الأخرى عن جابر قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون: هذا بقضاء اللَّه /250

(1/250)


وقدره؛ الراد عليهم كالمشرع سيفه في سبيل اللَّه)).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((سيكون في هذه الأمة قوم يعملون بالمعاصي، ثم يزعمون أنها من اللَّه، فإذا رأيتموهم فكذبوهم كذبوهم ثلاث مرات)).
قال (ع): ومن ذلك بهذا الطريق عن الحسن قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لن يلقى العبد ربه بذنب أعظم من الإشراك بالله، وأن يعمل بمعصية، ثم يزعم أنها من الله تعالى)).
وروى (ع) عن أبي أمامة في خبر، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قال في آخره: ((ولاتحملوا على اللَّه ذنوبكم)).
وساق (ع) في ذلك أخباراً، وآثاراً كثيرة؛ وقد روى جملة مما رواه الإمام أئمتنا (ع)، وسائر علماء التوحيد والعدل ـ رضي الله عنهم ـ.
وممن بسط في ذلك الأمير الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن محمد (ع) في ينابيع النصيحة؛ قال فيها: وروينا عن السيد الإمام أبي طالب أنه روى بإسناده عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: إذا كان يوم القيامة، دعي إبليس وقيل له: ماحملك على ألا تسجد لآدم؟ فيقول: يارب، أنت حلت بيني وبين ذلك؛ فيقال له: كذبت؛ فيقول: إن لي شهوداً، فينادى أين القدرية، شهود إبليس وخصماء الرحمن؟ فيقوم طوائف من هذه الأمة، فيخرج من أفواههم دخان أسود، فيطبق وجوههم، فتسودّ؛ وذلك قول اللَّه تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } [الزمر:60].
إلى آخر كلامه (ع).
ومما يدل دلالة قاطعة، لاسبيل إلى التردد فيها والمنازعة، على أن طائفة الجبرية، من الجهمية والأشعرية، هم المرادون بالمجوس القدرية أن أهل بيت محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جميعهم عدلية، يتوارثون العدل أباً عن أب، إلى أبيهم سيد الأوصياء، وابن عم سيد الأنبياء؛ معلوم ذلك من دينهم لجميع /251

(1/251)


الأمة المحمدية، وفي المثل السائر: العدل هاشمي، والجبر أموي.
ومعلوم أنهم المطهرون عن الرجس، والمفروضة مودتهم بنص الكتاب، والأمان من الضلال، والسفينة المنجية من العذاب، والمأمور بالتمسك بهم والتعلم منهم جميع أولي الألباب، ولم يزالوا يناظرون فرق الجبرية، ويقيمون الأدلة العقلية والنقلية؛ وتواتر هذا المعنى عنهم لايرتاب فيه عند طوائف البرية، ولم يشذ عن ذلك إلا من لايؤبه له، ممن تأخر زمانه، وغلب عليه مذهب أهل بلده، وضعفت همته عن النظر في طلب الحق، فدخل تحت أسر التقليد للمنحرفين عن العترة الزكية، وهو مسبوق بإجماع السابقين المعلوم، وليس بمتبوع ولامشهور؛ بل هو تابع لأهل الزيغ على غير بصيرة وفيهم مغمور؛ ولم يُعلَمْ معهم من المحققين، إلا الشريف الجرجاني، وقد ـ رجع بحمد الله تعالى ـ وأدركه اللطف الرباني، واتبع دين آبائه الذين لايقال في شأنهم إلا ماقاله ـ سبحانه ـ في المنزل القرآني: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [يوسف:38] الآية.
فكيف يكونون القدريةَ ومجوسَ هذه الأمة، المحذَّر عن مفاتحتهم، مع ماعلم عن اللَّه وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من وجوب مودتهم، والتمسك بهم، والتعلم منهم، ومتابعتهم؟ هل هذا إلا محض التناقض وعين التعارض؟.
فصح ضرورة أن العدلية ليسوا مرادين بحديث القدرية، وأن ذلك الذم لمن خالفهم من البرية؛ والحمد لله رب العالمين./252

(1/252)


الفصل الثالث [في لمع من نصوص رجال إسناد المؤلف في إجازاتهم]
في إيراد لمع من نصوص كلمات من اتصل بهم سندنا من الأئمة السابقين، ثم من بعدهم من العلماء العاملين، ورسم أسمائهم الشريفة حسب تحريرهم؛ للتبرك بذكرهم، والاقتداء بآثارهم، وكون من سبقهم قد جُمعت محرراتهم، وهؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الكرام، لاجامع لما حرروه، ولامقيد لما زبروه؛ وإنما هي مفرقة، قد كادت تذهب بها أيدي الضياع، وهي حقيقة بأن تُؤثَر على الأبصار والأسماع، فإنها من أقرب الوسائل إلى الله تعالى، وإلى رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ وما رَسَمْتُه هو مما وقفت عليه بمنّ الله تعالى، برسم أقلامهم الشريفة؛ وقد نشير في هذا الفصل، إلى تعيين بعض ماأخذه العالم عمن قبله، على طريقة الاختصار، والقصد بيان اتصال السماع؛ ولايخفى ماتتضمنه هذه الموسومات الكريمة من الأخبار النبوية، والآثار العلمية، جزى اللَّه قائليها أئمة الإسلام، وهداة الأنام، أفضل الجزاء والإكرام، وأنالنا من بركاتهم وألحقنا بهم في دار السلام.
[إجازة من الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم(ع)]
فأقول وبالله التوفيق: قال الإمام الأجل، المنصور بالله ـ عز وجل ـ أمير المؤمنين، أبو محمد أحمد بن هاشم، في إجازته للإمام الأعظم، المجدد للدين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، أمير المؤمنين، أبي القاسم محمد بن القاسم الحسيني ـ رضي الله عنهم ـ /255

(1/255)


بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله، الواصل من انقطع إليه بمتواتر الإحسان، وأوفر الأسباب، المجيز بموصلات نعمائه عباده، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم اللَّه وأولئك هم أولوا الألباب، وصلواته وسلامه على حبيبه الحسن الأخلاق، وعلى آله الثابتين الأصول والأعراق.
إلى أن قال في ذكر الإمام (ع):، المفضال التقي طيب الشمائل والخلال، محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل الحوثي ـ وفقه اللَّه ـ، بأن أجيزه فيما أَسْمَعَ عليَّ.
إلى أن قال: استسماناً للورم، وظناً لرسوخ القدم، فلما كان العلم أمانة يبلغه السلف إلى الخلف، ويتلقاه الخلف عن السلف، كما في أحاديث السماع: ((ليبلغ الشاهد الغائب))، ((ورحم اللَّه من سمع مقالتي))، ((وبلغوا عني)) وأمثالها، أجبته.
إلى آخر كلامه، عليه رضوان اللَّه وسلامه.
قال فيها: حرر يوم السبت، خامس وعشرين، شهر ربيع الآخر، أحد شهور ثمان وستين ومائتين وألف، بهجرة دار أعلى، أعلا اللَّه مقامنا لديه آمين.
ومما أسمع عليه الإمام (ع)، فيه، جامعا آل محمد: أصول الأحكام، وشفاء الأوام، وذكرهما الإمام في هذه الإجازة، بسنده إلى الإمام المتوكل على اللَّه، والأمير الحسين(ع)، ومن الآلة: الخبيصي، والمناهل، وشرح التلخيص.
[إجازة الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير للمهدي]
وقال الإمام الشهير، البحر الغزير، المنصور بالله، أمير المؤمنين، أبو عبدالله، محمد بن عبدالله الوزير، في إجازته للإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل العلم وسيلة إلى نيل أرفع الدرجات، وسهّل لنا السبيل إلى حفظه بما ركّب فينا من الآلات، وحفظ دين الإسلام، بحفظ كتابه الكريم، /256

(1/256)


وحرس سنة نبيه بنجوم العلماء من كل شيطان رجيم؛ نحمده على مواهبه التي لا تحصى، وألطافه الشاملة للأدنى والأقصى، وأشهد أن لاإله إلا اللَّه، شهادة نستدر بها شآبيب التوفيق واللطف والهداية، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرع منه وإليه قواعد الرواية، صلى الله عليه وآله مارُويت سنة وتُليت آية.
وبعد:
فيقول أفقر العباد إلى رحمة ربه، الراجي من اللَّه الكريم غفران ذنبه، قصير الباع، حقير الاطلاع، محمد بن عبدالله بن محمد الوزير، سامحه اللَّه إنه هو السميع البصير: إنه ورد إلي كتاب كريم، وخطاب وسيم، من الولد البر الرحيم، التقي العظيم، غرّة سادات العصر، وسيد أبناء الدهر، درة التقصار، ونقطة البيكار، رضيع أخلاف العلم، المخصوص من اللَّه بثاقب النظر والفهم، عز الإسلام، وشمس الأعلام، محمد بن القاسم بن محمد الحوثي، فتح اللَّه عليه أبواب العلم والسعادة، ومنحه أسباب الحسنى وزيادة؛ أدهشني قدومه، وحقَّرني عند نفسي تعظيمه، يلتمس مني ما يلتمسه الأمثال، وتتوق إليه نفوس ذوي الكمال.
إلى أن قال: فقلت: أهلاً وسهلاً، بمطالبي مالست له أهلاً، ولم أكن هناك خمراً ولاخلاً، غير أني نظرت أن الإسعاف لمثل هذا الولد، الذي هو عندي أعز من الطارف والتلد، هو الأقرب إلى التقوى، وإعطاؤه مطلوبه هو المناط الأقوى.
وقال (ع) في إجازة أخرى: ولي مشائخ كثيرون ـ رحمهم الله تعالى ـ غير أن الإجازة العامة، من الوالد العلامة، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير.
إلى أن قال: ومن الأخ العلامة، سيد بني الحسن، مدرس علوم النبي المؤتمن، أحمد بن زيد الكبسي رحمه الله؛ فقد أجازني إجازة عامة عن مشائخه.
وقال (ع): وبحفظ السند إلى من جاء بالشريعة، والتمسك بمن أمر اللَّه بالتمسك بهم، سفينة النجا، والعصمة من الردى، من تمسك بهم اهتدى، /257

(1/257)


ومن خالفهم ضلّ واعتدى، ولن يفلح أبداً، ونحن نبرأ إلى اللَّه من كل ماينقض قواعد الإسلام المقررة، وما يخالف إجماع الأمة أو العترة، مما تقتضيه ظواهر أحاديث التشبيه والجبر والرؤية، ونقض الوعد والوعيد.
ومما ذكر (ع) في الإجازة الأولى: شفاء الأُوا م.
قال (ع): وأنا أرويه سماعاً للكثير منه عن شيخي ووالدي، علامة الزمن، مدرس كل علوم النبي المؤتمن، أحمد بن يوسف زبارة ـ بل اللَّه ثراه بوابل الرحمة ـ إلى آخرها.
وفيها: حرر يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى سنة تسع وستين ومائتين وألف، كتبه الفقير إلى اللَّه محمد بن عبدالله ـ وأتم النسب إلى السيد صارم الدين (ع) تركته لما تقدم ـ.
ومما ثبت السماع فيه للإمام على الإمام (ع): تجريد الإمام المؤيد بالله، وأصول الأحكام للإمام المتوكل على اللَّه، وشفاء الأمير الحسين، وشرح غاية الحسين بن القاسم، وغير ذلك ـ على جميعهم الصلاة والسلام ـ.
[إجازة من السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي للمهدي]
وقال السيد الإمام، حافظ اليمن، وسيد سادات بني الحسن، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ في إجازته للإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم، ـ وهذا السيد الإمام الحافظ عالي الإسناد؛ فإسناده أرفع أسانيد أهل عصره، فإنه يروي عن شيخيه السيدين العالمين: محمد بن عبد الرب، والحسن بن يحيى الكبسي، ومن في درجتهما، وهما شيخا مشائخ الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، والقاضي العلامة عبدالله بن علي الغالبي، فهو في درجة السيدين العالمين أحمد بن يوسف زبارة، وأحمد بن زيد الكبسي؛ ومن الآخذين عنه ولده عالم اليمن، وحافظ الآثار والسنن، أحمد بن محمد بن محمد، والقاضي العلامة فخر الإسلام عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ مالفظه:
بسم الله الرحمن الرحيم، حمداً لمن جعل العلم الشريف وسيلة إلى بلوغ أقصى الغايات، وحفظه علينا بحفظ إسناده، فتلقيناه من حملته العدول /258

(1/258)


الثقات، وأصلي وأسلم على رسوله المبلغ عنه، وعلى آله حملة علمه الأئمة الأثبات.
إلى أن قال: فبلّغ عن ربه كما أمر، حتى قبضه اللَّه، وترك فيهم ثقلين من تمسك بهما لن يضل: كتاب اللَّه، وقرناءه.
إلى قوله: وإنه سألني حسنَ ظنٍ ولدي وفخري وذخري، قرة العين، وخيرة الخيرة من أبناء الحسين ـ صلوات الله عليه ـ العالم النحرير، البدر المنير، فرع الشجرة الهاشمية، وسليل العصابة العلوية الفاطمية، ذو الفهم الصادق الثاقب، والهمة العالية المتقاضية لأشرف المناقب، محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل الحسيني، فهو أوحد عصره، وفريد دهره، علماً وورعاً وزهداً، زاده اللَّه مما أولاه.
إلى قوله: فلقد جمع كمال الخصال، وخصال الكمال، وتنافست في بلوغ مرتبته وتطاولت أعناق الرجال.
هيهات أن يأتي الزمانُ بمثله .... إن الزمان بمثله لبخيلُ
و:
ليس على اللَّه بمستنكرٍ .... أن يجمعَ العالم في واحدِ
إلى قوله: وإن كنت جديراً بأن أستمد منه؛ لما هو عليه من الخصال الموجبة للاستمداد، إلا أنه سلك مسلك أهل هذا الشأن، في استمداد الإجازة من الشيوخ، تبركاً وحفظاً للأسانيد، فأجبته إلى ذلك الطلب، وتكفلت له بنجاح الأرب، وأجزته يروي عني جميع مسموعاتي.
إلى قوله: وأنا أروي ذلك عن مشائخي المجتهدين المحققين، العظماء المصطَفَين ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ أولهم والدي العلامة الزاهد، إسماعيل بن أحمد بن محمد الكبسي ـ رحمة اللَّه وسلامه عليه ـ في كتب الآباء ـ سلام اللَّه عليهم ـ؛ ثم شيخي ووالدي، العلامة الحسن بن يحيى الكبسي ـ بل اللَّه ثراه بوابل الرحمة ـ أخذت عنه علم المعاني، والبيان، وعلم الحديث، وشروحه؛ ثم شيخي الوالد العلامة، محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن الإمام المتوكل على اللَّه إسماعيل، أخذت عنه البحر الزخار، وحواشيه، وتخاريجه.
ثم عدد بقية /259

(1/259)


مشائخه، إلى أن قال: يروون عن مشائخهم كما فُصِّل ذلك في إجازاتهم.
وقد أجزته يروي عني؛ لعلمي أنه أهل لذلك، وقد خَبَرتُه عند قراءته عليّ، واستفدتُ منه، أكثر مما استفاده مني؛ نوّر اللَّه بصيرته، وزاده مما أولاه، ورزقني وإياه العمل بالعلم، وأعاننا على حراسته.
حرره رهين كسبه، أسير ذنبه، من لم يزل بأثواب ستره يكتسي، محمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن الكبسي، تجاوز اللَّه عنه، حرر جمادى الآخرة سنة تسع وستين ومائتين وألف.
انتهى كلامه، ـ رضوان الله عليه وسلامه ـ.
ومما ثبت للإمام السماع عليه فيه: تجريد الإمام المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وشفاء الأمير الحسين، وشرح غاية الحسين بن القاسم (ع)، وشرح التلخيص في المعاني والبيان.
وتشارك في الأخذ عنه الإمام، وولده السيد العلامة، الجهبذ المنتقد، والحافظ المجتهد، صفي الآل، أحمد بن محمد بن محمد ـ رضي الله عنهم ـ.
وللإمام عليه أيضاً سماعات، منها: في كتب العامة في البخاري، وشرحه، ومسلم، والنسائي، والجلالين، وفي ثمرات الفقيه يوسف، وفي الآلة كالخبيصي، وشرح التهذيب في المنطق.
[إجازة من مشائخ الإمام المهدي، مَنْ حُبس معه، مَنْ بايعه من الأعلام]
وممن أخذ عنه الإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم الحسيني: السيد الإمام الولي المحقق، محمد بن إسماعيل الحسيني الحوثي الملقب عشيشاً ـ رضي الله عنهم ـ، المتوفى بحبس الأتراك سنة ست وتسعين ومائتين وألف (1296) عقيب وفاة الإمام المتوكل على اللَّه المحسن بن أحمد الشهاري (ع)، وجمع ذلك الحبس الأعلام باليمن، في ذلك الزمن، منهم الإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم؛ والإمام المنصور بالله، محمد بن يحيى حميد الدين؛ والسيد الإمام الحافظ، أحمد بن محمد الكبسي؛ والسيد الإمام المذكور، وغيرهم؛ أخذوهم غدراً ولم يتركوا مشاراً إليه بعدهم؛ وفي حال حبسهم نصب بعض العلماء الهادي شرف الدين بن محمد الحوثي الحسيني؛ للقيام، على أن يكون النظر لأولي الحل والإبرام، من هؤلاء الأعلام، متى فرّج الله تعالى عنهم؛ لأنه أظلم /260

(1/260)


اليمن بأسرهم، فلبثوا في السجن سنتين، ثم يسر الله تعالى إخراجهم، وأجمع أولوا الحل والعقد، على قيام الإمام الأعظم المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم.
ومن أعيان المبايعين له السيد الإمام، نجم آل الرسول، وحافظ المعقول والمنقول، شيخ آل محمد، عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري البصير؛ والقاضي العلامة شيخ الإسلام، محمد بن عبدالله الغالبي؛ وأخوه صارم الإسلام، إبراهيم بن عبدالله؛ والإمام الهادي لدين اللَّه، الحسن بن يحيى القاسمي؛ والسيد الإمام، نجم الأعلام، في عترة سيد الأنام، العالم الرباني، الحسين بن محمد الحوثي؛ والسيد الإمام، عالم الآل الكرام، العابد الزاهد، الولي، الحسين بن عبدالله الشهاري؛ والسيد الإمام، شمس الدين، وشيخ العترة الأكرمين، أحمد بن إبراهيم الهاشمي؛ وأخوه العلامة بدر الدين، محمد بن إبراهيم؛ وجميع علماء الزيدية، والعصابة المحمدية، من صنعاء وصعدة، وحوث وضحيان، وغيرها؛ بل ومن سائر الديار النائية، لايعتريه شك ولا لبس، حتى أن من مال عنه من أرباب الدنيا، وأتباع الهوى، كانوا يقرون بحقه، ويصرّحون بسبقه، ولا يمكنهم رد ولا إنكار، إذْ كان كالشمس رابعة النهار؛ ولم يزل على القيام بمناصرته، وإجابة حجته، وتأييد إمامته، والاعتصام بطاعته، والانتظام في زمرة جمعته وجماعته، هؤلاء الأعلام، حماة الإسلام؛ ولهم في المصابرة في الدعاء إلى اللَّه، والذب عن دين اللَّه، والبذل لأنفسهم ونفيسهم في طاعة اللَّه، وطاعة الإمام، أعلى مقام.
وقد ألّفوا في بيان إمامة إمامهم، والرد على الخارجين عن الطاعة، والمفارقين للجماعة، المؤلفات البالغة، كالرسالة الشافية والهادية إلى سواء السبيل، والرسالة الرافعة للخلاف، وغير ذلك كثير؛ قدس اللَّه أرواحهم في عليين، وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين؛ وهذا عارض جرّ إليه الكلام.
نعم، ومما أسمع الإمام فيه على السيد الإمام محمد بن إسماعيل ـ عليه /261

(1/261)


السلام ـ المتقدم: شرح ابن جحاف، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وطريقة ابن جحاف في الحساب.
وسيأتي ـ إن شاء اللَّه ـ ذكر بقية أشياخ الإمام (ع) في إجازته، والقصد هنا الإشارة، والله ولي الإعانة والتوفيق.
[إجازات من الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي لعدة من الأعلام]
وقال الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، في إجازاته للنجوم الأعلام، أقمار الهداية، وبحور الدراية، من سادات الأنام، الآتي ذكرهم (ع):
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله المجيز لمن أطاعه بمتواتر الإحسان، وموصول الأسباب، والمجير لمن انقطع إليه واستمسك بقويِّ الأسباب، من السنة والكتاب؛ والصلاة والسلام على جامع كل حسن من خصال الكمال والمناقب، القائل: ((ليبلغ عني الشاهد الغائب))، وعلى آله الثقات، المعدلين بنصوص الآيات.
وبعد: فإنه سألني الولد العلامة، النحرير الفذ الفهامة، الضارب بالقِدْح المعلى في فنون العلم وسهامه، التقي الولي، الذي هو بالمكرمات حري، شرف الأيام والليالي، وبدر سمائنا المضيء المتلالي، حسين بن محمد.
ثم رفع نسبه إلى أمير الدين بن عبدالله الحوثي، وقد اكتفيت بما ذكرته سابقاً من الاستغناء بما في التحف الفاطمية.
إلى أن قال: حرسه اللَّه وأسعده في الدارين، وفتح له من المعارف ماتقرّ به العين، أن أجيزه فيما أسمعه علي من علوم الإسلام، وأوصل سنده بسندي إلى مشائخنا العلماء الأعلام، الذين هم في جبين الدهر غرة، ولعيون أهل ذلك العصر قرة.
إلى أن قال: وأجزت له ولمن حضر القراءة إجازة عامة، وأوصلت طرقهم بطرقاتي، وأمرتهم أن يرووا عني.
وقال (ع) في أخرى: أجزت الولد العلامة الضيا، يوسف بن المهدي، ولإخوته البدور، الولد العلامة، الورع الزكي الذكي الفهامة، سيف الإسلام، محمد بن المهدي؛ والولد العلامة المفضال، شريف الخصال، علم الآل، القاسم بن المهدي؛ والولد العلامة، البدر التقي، صارم الدين، إبراهيم بن المهدي؛ وكذلك /262

(1/262)


أجزت للولد العلامة، ذي الخلق المرضي، والعمل الزكي، عز الإسلام والدين، سليل الآل المطهرين، محمد بن منصور الضحياني، فتح اللَّه عليهم بالعلم النافع والعمل به، ورفع لهم الدرجات، وأنالهم في رضاه أقصى الغايات.
وقال (ع) في إجازته للقاضي العلامة محب آل النبي، محمد بن عبدالله الغالبي، وأخيه ـ رضي الله عنهم ـ في سياق ذكرهما: القاضي العلامة، الورع الفهامة، ذو العلم الغزير، والفضل الشهير، والمناقب التي تنيف على رضوى وثبير، عز الإسلام الولي، محمد بن عبدالله بن علي الغالبي، وصنوه القاضي العلامة، المفضال الصمصامة، العالم بن العالم، الذي هو بوظائف الصالحات عامل وقائم، صارم الدين إبراهيم بن عبدالله الغالبي.
فرعان من أصل المكارم أورقا .... بدران بل شمسان للمسترشدِ
عوّلا عليّ أن أجيزهما في جميع مسموعاتي ومُجازاتي، وما أرويه من علوم الدين.
إلى قوله (ع): ولي ـ بحمد اللَّه ـ مشائخ عدة جهابذة، هم نجوم الاهتداء، ورجوم الاعتداء، جزاهم اللَّه عنا أفضل الجزاء، أخذتُ عنهم في جميع الفنون في اللغة، من نحو وتصريف، ومعان وبيان، ومتن اللغة، وفي علم الحديث، والتفسير رواية ودراية، والأصولين والفروع، والفرائض والتاريخ، وغيرها كعلم المنطق، والحساب، ومادة من علم النجوم، ونحو ذلك.
وقال (ع): في بعض إجازاته لهؤلاء الأعلام: فمن مشائخنا ـ رضي الله عنهم ـ الإمام السباق، وكبير المتأخرين على الإطلاق، الإمام المنصور بالله، أحمد بن هاشم بن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والإمام الفاضل العلامة الخطير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير.
وذكر شيخه الثالث فقال (ع): شيخي، وبركتي، العالم المجتهد، بدر العترة ومحققها، عز الإسلام، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ بل اللَّه ثراه، وجعل الجنة مثواه ـ.
قال (ع): وولده الأخ العلامة الجهبذ أحمد بن محمد الكبسي، ومنهم الوالد العلامة محمد بن يحيى الأخفش، ومنهم والدنا العلامة الولي محمد بن إسماعيل /263

(1/263)


عشيش، ومنهم القاضي العلامة المحقق أحمد بن عبد الرحمن المجاهد.
قلت: مما أسمع عليه الإمام شفاء الأمير الحسين، وغاية ابن الإمام، وفي شرح الأزهار.
قال: ومنهم سيدنا العلامة المفضال حسين بن عبد الرحمن الأكوع.
قلت: مما أسمع عليه الإمام تجريد المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وشفاء الأمير الحسين، وشرح البحر الزخار، والثمرات، وشرح الخمس المائة، والمناهل.
قال (ع): ومنهم القاضي العلامة شيخ الإسلام، أحمد بن إسماعيل القرشي رحمه الله.
قلت: مما أسمع عليه الإمام فيه ـ مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، والكشاف بحاشية العلوي، وعدة الأكياس شرح الأساس، وحقائق المعرفة، وشرح الأزهار غيباً إلى النكاح، وبيان ابن مظفر، والناظري، وشرح التهذيب.
قال (ع): ومنهم سيدنا العلامة الورع، إسماعيل بن محمد الخالدي.
قلت: مما أسمع عليه الإمام شرح الأساس.
قال (ع): وغير هؤلاء؛ فقد ـ بحمد اللَّه ـ أسمعنا عليهم.
إلى أن قال: في كتب الآل، وعلماء شيعتهم، وشطراً صالحاً في كتب السنة، ومؤلفات غيرهم، وأجازوا لي ـ رضي الله عنهم ـ إجازات خاصة وعامة، بطرقهم العديدة الجمة؛ فمنها بإسنادها المتصل، ومنها بأسانيدها إلى كتب الإجازات المشهورة، ثم بطرقها المذكورة.
ثم ذكر (ع) طرقه إلى كتب الإجازات، وعدّ بقية أشياخه، وبعض مسموعاته عليهم؛ وقد أشرتُ إلى طرف من ذلك لبيان الاتصال، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الأسانيد مايغني.
[الآخذون عن الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي]
وقد استوعب ـ رضوان الله عليه ـ في إجازاته، فهي أبسط الطرقات، وأعمها جمعاً، وأعظمها نفعاً.
وهي كثيرة؛ فإنه أخذ عنه، واستجاز منه /264

(1/264)


أغلب علماء عصره الأعلام، وقد أشرت إلى الآخذين عن الإمام (ع) في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المتوكل على اللَّه، المحسن بن أحمد الشهاري (ع).
هذا، ورسم الإمام (ع) في الإجازة الأولى مالفظه: وحرر بمحروس مدينة حوث، في شهر جمادى الأخرى، سنة تسع وتسعين ومائتين وألف [1299]، حرره بقلمه الحقير، المفتقر إلى الملك الكبير، عبدالله أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، كان اللَّه له خير ناصر ومعين، على أمور الدنيا والدين.
ورسم في إجازة القاضي العلامة، شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي ـ رضي الله عنه ـ، مالفظه: سنة ثمان وثلاث عشرة مائة.
نعم، واستجاز من الإمام (ع) جماعة من المتأخرين، فحوّل على إجازة الأولين فقال (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي وصل حبل العلماء الأعلام بحبله المتين، وأرسل خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لتعليم معالم الدين، فلا يخافون الانقطاع، لما كانوا من بحره مغترفين، ولا يخشون الإعضال، إذ صاروا إلى كنفه مسندين ومستندين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
إلى قوله: في ذكر المجاز له: الولد العلامة الأحب، ومن له علي وعندي الحق الأوجب، العالم العامل الزكي الأورع، خيرة الخيرة من أولاد البطين الأنزع، عماد الإسلام يحيى بن حسن طيب..إلخ.
وقال (ع): وبعد فقد سأَلَنا الأولاد الأمجاد، الذين هم الولد العلامة فخر الإسلام عبدالله بن يحيى العجري، والولد العلامة الهمام عبدالله بن عبدالله العنثري، وصنوه الولد العلامة الماجد عبد الكريم بن عبدالله، والولد العلامة عز الإسلام، محمد بن إبراهيم حورية، أن أجيزهم.
إلى قوله: حسن ظن، واقتفاء لطريق آبائهم الأكرمين، من عترة النبي عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
إلى أن قال: أجزتهم، واشترط عليهم ما اشترطه العلماء /265

(1/265)


الأعلام، وجعلت إجازتهم كإجازة الولد العلامة النحرير، الفذ الخطير، شرف الإسلام الحسين بن محمد بن أمير الدين ـ حرسه الله ـ والولد العلامة الجهبذ، علي بن يحيى العجري المؤيدي أبقاه الله، فليستنقلوها من ثمة، ففيها مايغني عن الإعادة، رزقهم الله وإيانا الحسنى وزيادة، وفتح عليهم بما فتح على العلماء العاملين، وأمدهم بالتوفيق والتحقيق، وهدانا وإياهم إلى أيمن طريق، آمين اللهم آمين؛ حرر شهر ربيع، سنة ثمان عشرة وثلاث مائة وألف [1318هـ] انتهى.
[إجازة من السيد الإمام أحمد بن محمد الكبسي لوالد المؤلف]
وقال السيد الإمام حافظ اليمن، ومجدد الآثار والسنن، علامة بني الحسين والحسن، أحمد بن محمد بن محمد الكبسي، في إجازته لوالدنا ـ رضي الله عنهم ـ:
الحمد لله، الذي لانحمد إلا إياه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، وآله سفن النجاة.
إلى قوله: وبعد، فإن الولد عز الإسلام العلامة، محمد بن منصور الضحياني، طلب مني الإجازة، كما ذلك مأخوذ على الأصاغر، أن تتصل أسانيدهم بالأكابر، فأقول: قد أجزته مشترطاً عليه، مايشترط على مثله من مثلي، صلاح النية والعمل لدار الآخرة، وأن يجعل الله نَصْب عينيه، في جميع الحركات والسكنات، وأن يحقق ويكرر النظر فيما نظر فيه، حتى يحصل له العلم فيما فيه العلم، والظن فيما يكفي فيه الظن.
فأقول: قد أجزته في جميع مسموعاتي، ومقروءاتي، ومجازاتي، ومناولاتي، في علوم الآلة وفروع الأحكام، والتفسير وسنة سيد الأنام، عما أرويه عن الآل الكرام، أو القوم أولي الأحلام، متصلاً سندي بوالدي العلامة عز الإسلام محمد بن محمد الكبسي، وهو يروي عن جدي أبى الأم العلامة إسماعيل بن أحمد الكبسي، عما يرويه عن جامع الأسانيد للقاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم.
إلى قوله: متصلاً سندي بوالدي المذكور، وبالوالد العلامة أحمد بن زيد الكبسي، وبالوالد العلامة علي بن أحمد الظفري، /266

(1/266)


وبالوالد العلامة يحيى بن مطهر بن الإمام، وغيره في الأسانيد؛ ماصحّ له روايتي له، عن سائر المشائخ الكرام.
إلى قوله: رزقه الله تعالى التقوى، ووفقه لما يحب ويرضى، وجعل فيه البركة كما بارك في الأنواء، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، والسلام.
أحمد بن محمد الكبسي.
[إجازة من السيد الإمام عبدالله العنثري والقاضي الحافظ عبدالله الغالبي لوالد المؤلف]
وقال السيد الإمام، علم الأعلام، شيخ آل الرسول، وحافظ المعقول والمنقول، زين العابدين، كعبة المسترشدين، فخر آل محمد، عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري الضحياني البصير ـ رضوان الله عليه ـ في إجازته لوالدنا ـ رضي الله عنه ـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله، وبعد، فيقول الفقير إلى الله، الغني عمن سواه، عبدالله بن أحمد العنثري الضحياني المؤيدي: قد أجزتُ سيدي الولد العلامة عز الإسلام، محمد بن منصور الضحياني، أن يروي عني جميع مسموعاتي ومجازاتي، بألفاظ الرواية كلها، من حدث وأخْبَر، وغيرهما على حسب مامعي في الإجازة لي ولغيري، من حي سيدنا العلامة عبدالله بن علي الغالبي، رحمه الله.
إلى قوله: وحسبما معي من الإجازة، من حي سيدنا العلامة أحمد بن عبدالرحمن المجاهد، وسيدنا العلامة الصفي، أحمد بن إسماعيل العلفي، رحمهم الله جميعاً.
إلى قوله: بعد القراءة، والسماع منه ومن جملة من الطلبة، لجملة من الكتب النافعة المشهورة نفع الله بها. إلى آخره.
ومما ثبت لوالدنا السماع عليه فيه أمالي الإمام المرشد بالله، وأنوار الإمام الحسن، والاعتصام للإمام القاسم، وغاية ولده الحسين (ع)، وثمرات الفقيه يوسف، والجزرية بشرحها، وإعمال مولانا المذكور ـ رضي الله عنه ـ.
وقال القاضي العلامة، شيخ الإسلام، وحافظ علوم العترة الكرام، فخر الدين الولي، عبدالله بن علي بن علي الغالبي، في الإحازة (بالحاء المهملة) /267

(1/267)


في طرق الإجازة (بالجيم) ـ وهذه النسخة التي وقفنا عليها منسوخة على نسخة الإمام الأعظم، المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي (ع) وهو الذي سماها بهذا الاسم؛ وقد أفادني بصحتها وأفاد جماعة من علماء العصر بذلك، والدُنا العلامة شيخ آل محمدٍ، محمدُ بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ بعد أن أجاز روايتها ورواية غيرها إجازة عامة لي ولهم. وقد رسم ذلك في النسخة المذكورة والله ولي التوفيق.
هذا فقال شيخ الإسلام فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي وصل من انقطع إليه، وفاز بمتواتر إفضاله وقرب من أوقف مطي آماله عليه، وأجاز على القول الصحيح، والعمل الحسن أحسن إجازة، والصلاة والسلام على أشرف مرسل، أوضح معالم الدين، وكشف كل معضل، حتى ظهر اليقين، فتنوّر برهانه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ماكان كل منكر متروكاً موضوعاً، وعلى آله قرناء القرآن، وحجج الله في كل أوان..إلخ.
وقال في القسم الثاني منها: وبعد فإن مولانا الإمام ذا الفضائل، والمكارم التي لاتأتي بمثلها المناقب والمساجل، التي لايستطيع وصف كنهها لسان قائل، الحائز قصبات السبق في مضمار المفاخر، الفائز من أوصاف الكمال بما شرف به على الأوائل والأواخر، الذي طبق بذكره الآفاق، ففضله أشهر من المثل السائر.
إلى قوله: الذي نشر على الأقطار جلابيب أنوار عدله، وأمطر البادين والحضَّار بشآبيب مدرار جوده وفضله.
إلى قوله:
لن يدرك الواصف المُطْرِيْ خصائصَه .... ولو يكن سابقاً في كلّ ما وصفا
أمير المؤمنين، الداعي إلى الله المنصور بالله، أحمد بن هاشم ابن رسول الله، حفظه الله بما حفظ به كتابه، وأهل ولايته، وجعله في كنفه، وحماه بحمايته، وأصلح به الأمور، وفتح له الثغور، وجمع به شمل الجمهور، وأعز بقيامه الدين، وأحيا به شريعة سيد المرسلين إلخ /268

(1/268)


قال فيها: حرر في هجرة ضحيان، صبح السبت، ثالث شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين ومائتين وألف [1266هـ].
وقال في إجازة له أخرى بسط فيها الكلام، في شأن العترة الكرام، واستوعب نقل ماأورده العلامة أحمد بن عثمان، صاحب المسوح، في آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من الأخبار والآثار، في إجازته للإمام الأعظم القاسم بن محمد (ع)، مالفظه:
ولله الحمد على منته علي بتشرفي بأخذ العلوم، عن مشائخ آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولم أزل أتشرف بأخذ العلم عنهم.
إلى قوله: وأرتع في رياض إفادتهم، وأكرع من حياض علومهم، وأمتع بمشاهدة أنوارهم، وأقتبس من ذكي أنظارهم؛ فهم خزنة السنة والكتاب، وتراجمتهما بلا ارتياب، أخذوا علومهم عن آبائهم أباً فأباً إلى أبيهم الوصي وجدّهم رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
ولله در الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة:
ما بين قولي عن أبي عن جدّه .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخُنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
ثم تشرّفت ثانياً بقراءة جماعة من أهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: منهم: الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم ـ رضوان الله عليه ـ، ومنهم: الإمام أمير المؤمنين، سمي حبيب الله، محمد بن عبدالله ابن رسول الله، كشف الله بقيامه الغمة، وأظهر به شريعة محمد بن عبدالله، وفتح له الثغور، وأصلح به أمر الجمهور؛ فإنه أطال الله بقاءه، شاركني في القراءة، على سيدي العلامة، صفي الإسلام، الهادي إلى الحق، الشهيد السعيد، أحمد بن علي السراجي ـ بل الله ثراه بوابل الرحمة ـ وذلك في الفقه، والفرائض حتى فاق عليّ وعلى أقرانه، وكذلك شاركني في القراءة على سيدي العلامة صفي الإسلام، أحمد بن يوسف زبارة ـ رحمه الله ـ في علوم آل محمد، والأصول على سيدي العلامة، عماد الإسلام يحيى بن عبدالله بن عثمان /269

(1/269)


ـ رحمه الله ـ؛ فقرأ عليه الكثير، وحضرتُ في بعض قرائتهم.
إلى قوله: مع مامنحه الله من الحفظ، والفهم والدراية وسعة الاطلاع، ومن جهل ذلك نظر في أحكامه، عند فصل الخصومات، وَجَواباته، ومكتوباته؛ فكنت إذا أبهم عليّ الأمر، رجعتُ إليه، فيكشف بنظره الثاقب، واستنباطه الصائب.
إلى قوله: حتى أقرّ له بالفضل عداه، وقصر فضلاء العصر عن بلوغ مداه، فطبق ذكره الآفاق، ففضله أشهر من المثل السائر في الأطباق، فكان هو الرضى من آل محمد على الإطلاق.
وممن قرأ على الحقير: سيدي فخر الإسلام، جوهرة بني المؤيد، العلامة عبدالله بن أحمد البصير الضحياني، فقرأ على الحقير في سائر العلوم في الأصولين، والعلوم الآلية، وأسمع عليّ في مسندات أهل البيت المطهرين، أمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وأمالي المرشد بالله، وفي جامع الأحكام، وشمس الأخبار، وفي الشفاء، وأصول الأحكام، وشرح التجريد للمؤيد بالله، والبحر وتخاريجه، وفي التفسير، والاعتصام للإمام القاسم، وأنوار التمام، لسيدي صفي الإسلام، أحمد بن يوسف زبارة، وكملت القراءة والسماع بحمدالله.
قلت: وقد عدّ في غير هذه الإجازة مما أسمعه عليه فيه، مجموع الإمام زيد بن علي الحديثي، وشرح غاية ابن الإمام، والشرح الصغير، والمناهل وغيرها.
نعم، ثم قال: ملتمسين من الحقير، ألبسهم الله تاج الإكرام، وبلغهم في رضاه كل مرام، أن أكتب لهم فيما أرويه إجازة، سيما مولانا الإمام سمي حبيب الله، محمد بن عبدالله.
إلى قوله: فاحتقرتُ نفسي عند ذاته الشريفة، وتصاغرتُ قدري عند رتبته العالية المنيفة، وعلمتُ بقصور بضاعتي، وأيقنت بضعف استطاعتي، فأنشدتُ بيتي ابن الوردي: /270

(1/270)


يا أهل بيت النبي من بذلت .... في حبكم نفسه فما غُبنا
من جاء في بيتكم يحدثكم .... قولوا له البيت والحديث لنا
إلى قوله: علماً مني أن من أهل بيت النبوة الالتماس، ومن أنوار علومهم الاقتباس، وكيف لي أن أنظم في سلكهم الثمين، ويتصل سببي بسبب الآل الأكرمين، وقد قال نبي الله الصادق الأمين ـ صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ـ: مما أخرجه ابن سعد أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا؛ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً)).
فصار الاتصال إلى ذلك الجناب، آكد الوصول إلى الله تعالى وأوثق الأسباب، وأمناً من الحادثات السالبة للألباب، وحرزاً من طوارق الحتوف، ونجاة في الدارين من كل مخوف؛بلغنا الله بهم المرام، وأدام لنا بحبلهم الاعتصام، ومتعنا بالمعية معهم في دار السلام، إنه هو أهل التفضل والإنعام.
وقال ـ رضي الله عنه ـ: مع ماجاء عن سيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي)) وحديث: ((تعلموا منهم، ولا تعلموهم)).
وإذا نظر المنصف بعين الإنصاف، وجد ذلك واقعاً حقاً؛ فمن بحار القدماء، من أئمة أهل البيت، اغترف أئمة المذاهب الأربعة ـ رضي الله عنهم ـ.
وساق فيها، كما تقدم ماحرره صاحب المسوح في إجازة الإمام القاسم بن محمد، ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
[إجازة من السيد الإمام الحسين بن محمد الحوثي للسيد عبدالله بن يحيى العجري]
وقال السيد الإمام الرباني، عالم آل محمد وعابدهم وزاهدهم، عمدة الموحدين الولي، الحسين بن محمد الحوثي ـ رضي الله عنه ـ: الحمد لله، الماحي للسيئات بالحسنات، القائل في كتابه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] المجيز لمن أطاعه بجزيل الهبات؛ والصلاة /271

(1/271)


والسلام على محمد، المنزل عليه كرائم الآيات، وعلى آله الهداة المقتفين أثره المعدلين بواضح البينات.
إلى أن قال: فقد أجاز الحقير الفقير إلى الله تعالى، حسين بن محمد بن حسين بن أحمد ـ وأتم النسب وقد تركته اكتفاء بما أشرت إليه سابقاً ـ، الأخ العلاَّمة، والشامة في الآل والعلاَمة، إنسان عين الآل، وهالة بدر فخرهم والكمال، عبدالله بن يحيى العجري المؤيدي، أن يروي عني جميع مسموعاتي ومجازاتي، وما يصح نقله بجميع الطرق الأربع بعد أن قال: وإن كان ظلي لايطاول حصاة، وموضع قدمي أضعف من مفحص قطاة، خلا إن الامتثال خير من الأدب، ومن قدر عليه رزقة فلينفق مما أتاه الله.
ثم قال: حسبما معي من الإجازات من مشائخي البدور الغرر، من أعلام الآل، الأئمة أهل الكمال، وأشياعهم كريمي العناصر والخلال.
وقال في موضع آخر: حسبما أجاز لي مشائخي شكر الله سعيهم؛ منهم: إمام الزمان، وترجمان البيان، ومعدن التبيان، الحجة مولانا محمد بن القاسم الحوثي مدّ الله مدته، وحرس مهجته..إلى آخرها.
وقال ـ رضي الله عنه ـ: فممن أجازني: شيخنا إمام المعقول والمنقول، فخر الآل، وبدر الكمال، عبدالله بن أحمد العنثري المؤيدي ـ رحمه الله ـ والإمام سيد بني الحسين والحسن، إمام العلوم، معقولها ومنقولها ومنطوقها والمفهوم، ذو الأقوال الواضحة، والأنظار الراجحة، محمد بن القاسم الحوثي ـ رضي الله عنه ـ.
إلى أن قال في آخرها: تاريخ شهر محرم، سنة عشرين وثلاثمائة وألف [1320هـ].
ومما أسمع فيه على الإمام: شرح الأزهار، وشرح أساس الإمام القاسم، وحقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان (ع)، وفي العربية: الشرح الصغير /272

(1/272)


، والمناهل الصافية وغيرها؛ والقصد الإشارة كما سبق.
[إجازة من السيد الإمام علي بن يحى العجري لصنوه عبدالله]
وقال السيد العلامة، المجتهد المطلق، نجم العترة، جمال الدين، المرتقي درجات الاجتهاد، قبل تمام العشرين، الولي بن الولي، علي بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا، وارض عنا، وتقبل منا، إنك أنت السميع العليم.
ولما كانت طرق الرواية موضوعَهَا لحفظ العلوم الدينية، وسمطاً للثقة بما صدر عن رسول رب البرية، ووصيه المبين عن النبي صحيح السنة النبوية.
إلى أن قال: وكان الصنو العلامة الفهامة، فخر الإسلام، وقرين الإستخراج في مدارك الأحكام، عبدالله بن يحيى بن أحمد بن الحسين العجري المؤيدي ـ أيده الله وثبته ـ.
إلى أن قال: قد سألني أن أجيزه، فيما ثبت له عندي طريق من طرق الرواية.
إلى أن قال: ووصلت طرقه بجميع طرقي، عن جميع مشائخي ـ رضي الله عنهم ـ وهم مولانا أمير المؤمنين، ومجدد ماأشكل من مسائل الدين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم ابن رسول الله الحسيني الحوثي.
ثم ذكر مسموعاته على الإمام وعدّ منها شفاء الأمير الحسين (ع)، والبحر الزخار ومايتعلق به من تخريج ابن بهران، وأساس الإمام القاسم، وكشّاف الزمخشري.
ثم قال: وأجازني إجازة عامة في جميع العلوم؛ وهو ـ صلوات الله عليه ـ يروي عن الإمام المنصور بالله، أحمد بن هاشم، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير؛ ومن مشائخ مولانا: السيد العلامة النحرير، محمد بن محمد الكبسي.
إلى أن قال: وقد انتظم لمولانا (ع) منظوم الأسانيد عن مشائخه، متصلة بكتب الأسانيد.
قال: ومن مشائخي الكرام: والدي العلامة البر المنور، عماد الدين، يحيى بن أحمد.
ثم أدرج نسبه وعدّ من مسموعاته عليه، أحكام الإمام الهادي (ع) من فاتحته إلى خاتمته.
قال: وأجازني إجازة عامة؛ وهو يروي بالسماع والإجازة، عن شيخه القاضي العلامة /273

(1/273)


عبدالله بن علي الغالبي.
قال: ومن مشائخي: شيخ العترة، السيد الإمام، العلامة فخر الإسلام، عبدالله بن أحمد العنثري ثم المؤيدي؛ قرأتُ عليه في فنون كثيرة من العلوم، في أمالي أحمد بن عيسى، وأكثر الاعتصام للإمام المنصور بالله، وتتمته.
إلى أن قال: وأجازني إجازة خاصة في كتب مخصوصة، ثم إجازة عامة في جميع العلوم.
إلى أن قال في آخرها: وصلى الله على محمد وآله؛ حرر يوم الجمعة، شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف [1316هـ].
كتبه الفقير إلى الله تعالى علي بن يحيى العجري.
ثم تمم نسبه، وقد سبق ماقلت في الاكتفاء.
[إجازة من السيد العالم يحيى بن حسن طيب للسيد عبدالله بن يحيى العجري]
وقال السيد العالم، العابد الزاهد، الولي، عماد الدين، يحيى بن حسن طيب الحسني، من ذرية الكامل عبدالله بن الحسن (ع)، المهاجر هو وأهل بيته من تهامة إلى ضحيان، كما حققنا ذلك في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفقير إلى الله تعالى، يحيى بن حسن طيب بن محمد بن علي بن الطاهر ـ لطف الله به ـ: قد قرأ علي سيدي العلامة فخر الآل، ومعدن الكمال، رضيع علوم آبائه الأمجاد، أهل الورع والتحري والانتقاد، عبدالله بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري، شطراً صالحاً من العلوم.
إلى أن قال: فقد أجزتُ سيدي المذكور ـ عافاه الله ونور قلبه ـ أن يروي عني جميع مسموعاتي، ومجازاتي، على حسبما معي من الإجازات المسطرة، من سيدي المولى إمامنا، ومجدد ديننا، المهدي محمد بن القاسم، ومن سيدي شيخ الشيوخ، ومرجع أهل الرسوخ، فخر بني الزهراء، عبدالله بن أحمد المؤيدي، وسيدنا العلامة النحرير، شيعي الآل الكرام، محمد بن عبدالله الغالبي.
إلى أن قال: وفوضت سيدي المذكور في الرواية عني، بحدّث وأخبر وأنبأ ونبّأ عموماً وخصوصاً، ولا أشترط عليه شرطاً؛ لعلمي بدينه، وورعه وتثبته؛ وصلى الله على محمد وآله؛ حرر سلخ شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف /274

(1/274)


[1316هـ]. انتهى كلامه، رضوان الله عليه وسلامه.
[إجازة من القاضي الحافظ محمد الغالبي لوالد المؤلف]
وقال القاضي العلامة، شيخ الشيعة، وعلم حفاظ الشريعة، محب آل النبي، محمد بن عبدالله بن علي بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ في إجازته لوالدنا ـ قدس الله روحه ـ؛ بعد حمد الله، والصلاة والسلام على النبي وآله: وبعد فيقول الفقير إلى مولاه الغني، محمد بن عبدالله بن علي بن علي الغالبي، وفقه الله سواء الطريق، وأذاقه حلاوة التحقيق، ورزقه الكون في زمرة آل محمد الذين هم أهدى فريق: قد سألني سيدي، السيد الأجل، العلامة المبجل، الفهامة الأمثل، نجم الآل، وبهجة الكمال، عز الإسلام محمد بن منصور الضحياني المؤيدي ـ وفقه الله إلى الخيرات، وسلك بنا وبه سبيل أهل الثبات ـ أن أجيز له إجازة عامة، فيما صحّ لي قراءته وسماعه، أو صحت إجازته، وقد كان قرأ على الحقير في علوم الآلة، وأصول الفقه، وغيرهما.
إلى قوله: فأقول وبالله التوفيق: قد أجزتُه أن يروي عني كلما ثبت لي سماعه وإجازته، من معقول ومنقول؛ أجزت له إجازة عامة، يروي عني بحدثنا، وغيرها من ألفاظ الرواية.
إلى أن قال: وممن ثبت لي عنه الإجازة العامة: مولانا مجدد ما اندرس من العلوم، ومحقق منطوقها والمفهوم، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ فقد أجاز لي إجازة عامة؛ في جميع ماصح له.
ثم أشار إلى طرق الإمام (ع)، وذكر من مشائخه المجيزين له، الذين ثبت له عليهم السماع، والإجازة العامة: السيد الإمام، العلامة فخر الإسلام، عبدالله بن أحمد العنثري.
قال: وأما سيدي شيخ الإسلام وفخره، عبدالله بن أحمد المؤيدي، فقرأتُ عليه الاعتصام وتتمته جميعه، وأمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام المرشد بالله، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وشفاء الأوام، وأصول الأحكام، وشمس الأخبار، والجامع الكافي جميعه.
إلى أن قال: والشافي للمنصور بالله، إلا الجزء الآخر من أربعة أجزاء.
قال: والمصابيح لأبي العباس، والإفادة للمؤيد بالله، وتكملتها، وشرح الأساس، /275

(1/275)


وغاية ابن الإمام.
وسرد بعد ذلك مسموعات له عليه كثيرة، في علوم العربية، والأصول، والفروع، وكذا والده شيخ الإسلام عبدالله بن علي ـ رضي الله عنهم ـ أجازه إجازة عامة، ومن مسموعاته عليه: المجموعان للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الحديثي، والفقهي، وشفاء الأوام جميعه، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، وغير ذلك كثير؛ وكذا سيد بني الحسن، علامة اليمن، أحمد بن محمد بن محمد الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ أجازه إجازة عامة، وأسمع عليه في الشفاء، والغاية، وغيرهما؛ وأجازه إجازة عامة الإمام الكبير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وكان تحريره لإجازة والدنا هذه ـ رضي الله عنهما ـ بشهر القعدة الحرام، سنة ثمان وثلاثمائة وألف [1308هـ] قال فيها: حرره الحقير الفقير إلى كرم الله، محمد بن عبدالله الغالبي، وفقه الله آمين.
[إجازة من والد المؤلف العالم الحجة لولده المؤلف ولأعيان العلماء]
وقال والدنا ـ رضي الله عنه وأرضاه، وأكرم لديه نزله ومثواه ـ في إجازته لي، ولأعيان علماء العصر ـ حماهم الله تعالى ـ بعد حمد الله والصلاة على النبي وآله: وبعد؛ فإنه طلبني المذكورون هاهنا.
إلى أن قال: وإن كان مثلي لا يعوّل عليه، في ذلك الميدان؛ ولم تسعني مخالفتهم على قصور الباع، وقلّة الاطلاع؛ نظراً إلى قول جامع كل حسن من خصال الكمال والمناقب: ((ليبلغ عني الشاهد الغائب))، وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً.. إلخ))، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة: 2].
ثم ساق طرقه، وطرق مشائخه ـ رضي الله عنهم ـ.
إلى أن قال: قد أجزتهم في جميع مسموعاتي، ومجازاتي هذه المسطورة، إجازة عامة تامة، بجميع طرق هؤلاء، في جميع العلوم، معقول ومنقول، في جميع علوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم، وسائر علوم الإسلام، /276

(1/276)


على اختلاف فنونها، مشترطاً عليهم مااشترطه عليَّ مشائخي هؤلاء المذكورون، رؤساء الملة، وعلماء الأمة، مرجع علماء اليمن والشام، الإمام الأواه، أبو القاسم، إمام المتقين، وزينة الموحدين، المهدي لدين الله، محمد بن القاسم ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويعسوب الآل، وحيد عصره، فخر الملة، عبدالله بن أحمد اليحيوي ـ قلت: أي العنثري البصير ـ، وعلامة اليمن صفي الإسلام، أحمد بن محمد الكبسي، وفخر الشيعة الكرام، وعالمها، محمد بن عبدالله الغالبي ـ رضي الله عنهم، وسكنهم بحبوح جنته، وجزاهم عنا، وعن الإسلام أفضل الجزاء ـ أولاً تقوى الله في السر والعلن، والعمل بالعلم، وبذله لأهله، وتحري النسخ الصحيحة، المأمونة من التحريف، والغلط والتصحيف، والضبط لما يروونه؛ ولا ينسوني من صالح دعائهم، وما أمكن من وجوه البر.
إلى قوله: حرره بقلمه الحقير، المفتقر إلى الملك الكبير، عبده وابن عبديه، محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله اليحيوي المؤيدي ـ عفا الله عنه ـ جمادى الأولى [1354هـ] سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف.
وذكر والدنا ـ رضي الله عنه ـ مما ثبت له السماع فيه، على والدنا الإمام الأعظم، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين: كتاب البحر الزخار، للإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (ع) وتخريجه لابن بهران، وشرح غاية ابن الإمام (ع)، وكشاف الزمخشري، وغير ذلك كثير؛ فقد لازم والدي ـ رضي الله عنه ـ مقام الإمام (ع) قدر عشرين عاماً، وانتقل من وطنه هجرة ضحيان، للهجرة مع من هاجر من الأعلام، إلى الإمام (ع)، بعد خروجه من اليمن إلى هجرته المباركة بجبل برط، وسبب ذلك التحصن في الجبل، حال جهاد الأتراك؛ وارتحل إليه (ع) الأعلام من كل قطر، وكان من المهاجرين لديه: حي السيد العلامة نجم آل محمد الولي، الحسين بن محمد الحوثي، وقد كان ملازماً له في مقام الإمام السابق الأمجد، /277

(1/277)


المتوكل على الله المحسن بن أحمد (ع)، وفي هجرة حوث؛ ومنهم: حي السيد العلامة، شيخ آل محمد، الحسين بن عبدالله الشهاري، وحي السيد العلامة المجتهد، الفهامة المنتقد؛ جمال آل محمد، علي بن يحيى المؤيدي العجري، وحي والدنا ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم كثير؛ وقد أشرنا إليهم في التحف الفاطمية .
هذا، ولم ينفكوا يقتبسون من فيض أنواره، ويلتمسون من هديه وآثاره، حتى قبضه الله تعالى إليه.
[كلام المؤلف في سيرة والده]
وأقول: وأنا بحمد الله تعالى وفضله، وتحدثاً بنعمته، وشكراً لمنته، منَّ الله علي بملازمة والدي ـ رضوان الله عليه ـ، من ابتداء قراءة القرآن الكريم، قرأته عليه، وأسمعتُ عليه في المتون، ثم في علوم الآلة، والأصولين، والتفسير، والحديث؛ ولم أزل أستضيء بمصباحه، وأهتدي بضوء صباحه، وذلك نحو خمس وعشرين سنة، حتى اختار الله له ماعنده ـ رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل جزاه، وجمع بيننا في مستقر رحمته، ودار كرامته ـ.
وإسناده ـ رضي الله عنه ـ أرفع أسانيد من أدركنا من أعلام عصره، ونجوم أهل دهره، فلم يبق أحد ممن أسمع على الإمام، ومن في سمته من العلماء الكرام غيره.
وكان ـ رضوان الله عليه ـ على ذلك المنهج من العلم، والعمل، والزهد، والورع، وبلوغ الغاية في الاجتهاد، والتحري والانتقاد، وشدة المراقبة لله سبحانه، والغضب له، وتقديم معاملته في كل إصدار وإيراد؛ وآثر في آخر أيامه ـ رضي الله عنه ـ العزلة والبعد عن الناس، لما شاهد من فساد أهل الزمن، وتغير الأعلام والسنن، حتى صار كثير من الناس ـ لعدم الخلطة ـ لايتحقق معرفته؛ وتفرد للخلوة بنفسه، والعبادة لربه، وإحياء الليل والنهار، بالتلاوة والأوراد والأذكار، إلا ما توجهنا إليه في تفريغه من الأوقات للقراءة؛ وأكرمه الله تعالى بكرامات نيرات، وبشارات بينات، شاهدناها معاينة، ورأيناها مكاشفة، مما يفيضه الله تعالى لأوليائه، وخاصة أصفيائه، من قرابة خاتم أنبيائه، وأوليائهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
فلله /278

(1/278)


الحمد على ماوهب، ونسأله تعالى الإعانة على القيام بما وجب، إنه قريب مجيب.
[تعداد مسموعات المؤلف على والده]
نعم، فقد ثبت لي السماع عنه ـ بمنِّ الله تعالى ـ في فنون العلوم؛ منها: في هذه الكتب التي ذكرت سماعه لها على الإمام (ع)، وفي مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ بقراءته علينا، وفي أمالي حفيده الإمام أحمد بن عيسى (ع) كذلك، وصحيفة الإمام علي بن موسى الرضا، بقراءتي لها عليه - رضي الله عنه - بتمامها، وأحكام الإمام الهادي إلى الحق (ع) كذلك إلى كتاب الحدود ـ وصحّ لي سماع بقيته بحمد الله تعالى ـ وفي البساط للإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع)، وفي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله (ع)، وفي تحرير الإمام أبي طالب (ع) بقراءته ـ رضي الله عنه ـ، وفي أماليهما (ع)، وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) الخميسية، وفي تفاسير آل محمد (ع)، ومجموعاتهم، وأصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان (ع) بقراءتي لها عليه ـ رضي الله عنه ـ من فاتحتها إلى خاتمتها، وفي شافي الإمام الحجة المنصور بالله (ع)، وحديقة الحكمة، شرح الأربعين له (ع)، وفي مجموع السيد الإمام، حميدان بن يحيى القاسمي(ع)، وشفاء الأوام، للأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين (ع) في السّنّة، وينابيع النصيحة له (ع)، وأنوار اليقين لأخيه الإمام الحسن بن بدر الدين (ع) بقراءتي لها عليه ـ رضي الله عنه ـ، وفي البحر الزخار، للإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى (ع) في النسخة التي لدي الآن، بخط والدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع)، وإنما ذكرتها لتعيين هذه النسخة، وإلا فقد تقدمت في مسموعاته؛ وفي شرح أزهاره (ع)، وفي فصول السيد الإمام صارم الدين (ع) في أصول الفقه، وفي الفلك الدوار له، وفي شرح أساس الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع) في أصول الدين، وفي مرقاته في أصول الفقه، واعتصامه في السنة، والبدور المضيئة، /279

(1/279)


جواب الأسئلة الضحيانية، لوالدنا الإمام، المهدي لدين الله محمد بن القاسم (ع)، وفرائد اللآلي، في الرد على المقبلي، للإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وفي العيون للحاكم المُحَسّن بن كرامة - رضي الله عنه -، وفي نكت العبادات، للقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ، والأسانيد اليحيوية ، التي جمعها القاضي العلامة تقي الدين، عبدالله بن محمد بن أبي النجم، وفي شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة، من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وفي مقاتل الطالبيين للأصفهاني، وفي الحدائق الوردية، للفقيه الشهيد حميد بن أحمد المحلي ـ رضي الله عنه ـ في سير الأئمة، وفي قواعد عقائد آل محمد، لمحمد بن الحسن الديلمي ـ رضي الله عنه ـ، وفي شرح الثلاثين المسألة، للقاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس ـ رضي الله عنه ـ في أصول الدين، وفي المقصد الحسن له؛ وغير ذلك من كتب الأصول، والفروع.
وقد صحّ لي ـ والحمد لله تعالى ـ السماع عليه ـ رضي الله عنه ـ، وعلى غيره في مؤلفات واسعة، منها: المعراج شرح منهاج القرشي، لوالدنا إمام المحققين، الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين (ع) في أصول الدين، وفي قسطاس ولده الإمام الحسن (ع)، وشرح الغاية كما سبق، وفي الكوافل في أصول الفقه، وفي الجامع الكافي، والمنهاج الجلي شرح مجموع الإمام زيد بن علي، للإمام محمد بن المطهر (ع)، والروض النضير شرح المجموع أيضاً، لحافظ العصر الأخير، الحسين بن أحمد السياغي في الحديث، وبيان ابن مظفر في الفقه والفرائض، وفي مباحث وأوائل كتب كثيرة من كتب أئمتنا، وأتباعهم، وكتب المحدثين، كالأمهات الست، وفي النحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، في الكتب المعهود درسها.
هذا، وأجازنا والدنا ـ رضي الله عنه ـ كما سبق في جميع طرقه، وما صحّ له ـ رضي الله عنه وأرضاه، وبل بوابل الرحمة ثراه ـ.
ونقتصر في هذا المحل، على هذا القدر؛ فقد جمعت هذه الطرق ـ بحمد الله ـ /280

(1/280)


كثيراً طيباً، ووابلاً صيباً، كيف لا؟! وأربابها أعلام الأئمة، وهداة هذه الأمة، حجج الله تعالى في عصرهم، وأمناؤه على أهل دهرهم ـ أعاد الله علينا من بركاتهم، وأنالنا من نفحات كراماتهم، بفضله وكرمه آمين ـ.
وتحصيل اتصال السند إلى هؤلاء الأئمة السابقين، الذين إليهم انتهى استناد أعلام هذه الأعصار، وعليهم وقف اعتماد علماء العصابة الأبرار ـ سلام الله ورضوانه عليهم أجمعين ـ أنها قد صحّت لنا ـ بحمد الله ـ جميع مروياتهم وطرقاتهم، بطرق واسعة العدد، كثيرة المدد، نورد هنا أرفعها، وأجمعها، بعون الملك العلام، ونحيل ماسواها على غير هذا المقام.
[أرفع طرق المؤلف]
فيقول المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد المؤيدي ـ عفا الله عنهما ـ بعد حمد الله تعالى على جزيل نواله، وصلواته وسلامه على رسوله محمد وآله: أروي عن والدي، عالم آل محمد وزاهدهم، محمد بن منصور المؤيدي ـ رفع الله تعالى درجته، وأكرم منزلته ـ بالسماع والإجازة العامة، جميع مروياته وطرقاته، وكلما تصح روايته عنه؛ ويروي والدي ـ قدس الله روحه ـ عن والدنا الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، أبي القاسم، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي ـ سلام الله عليه وعلى آبائه ـ بالسماع والإجازة العامة جميع مروياته وطرقاته ومؤلفاته، وكلما تصح روايته عنه؛ ويروي والدي ـ رضي الله عنه ـ جميع مرويات مشائخه السابقين، الذين تقدم ذكرهم، وكلما تصح روايته عنهم ـ رضي الله عنهم ـ كما سبق.
ويروي المفتقر إلى الله تعالى مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ بما صح لي من الطرق الصحيحة، عن سيدي، الوالد العلامة الولي، فخر العترة المطهرة، عبدالله بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري ـ رضي الله عنه ـ جميع مروياته وطرقاته، وكلما تصح روايته عنه؛ وهو يروي عن مشائخه السبعة، النجوم الأعلام، جميع طرقاتهم ومروياتهم، وكلما تصح روايته عنهم، بالسماع منه عليهم، والإجازات منهم له، وهم السيد الإمام العالم الرباني الحسين بن محمد الحوثي، والإمام الهادي لدين الله الحسن بن /281

(1/281)


يحيى بن علي المؤيدي القاسمي، والعلامة شيخ العترة الولي، أحمد بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري، وأخوه العلامة المجتهد، الفهامة المنتقد، جمال آل محمد، علي بن يحيى بن أحمد العجري، والسيد العلامة الجهبذ الولي، عماد آل محمد، يحيى بن حسن طيب الحسني، والقاضي العلامة، عالم الشيعة، وحافظ الشريعة، محب آل النبي، محمد بن عبدالله بن علي الغالبي، وأخوه العلامة المحقق، البحر المتدفق، صارم الدين، إبراهيم بن عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم، وأكرم لديه نزلهم ـ.
وهؤلاء النجوم الأعلام ـ وهو أيضاً معهم ـ يروون عن والدنا الإمام، المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني (ع) جميع مروياته وطرقاته ومؤلفاته، وكلما تصح روايته عنه، كما سبق ذكره، في مسموعاتهم عليه، ومجازاتهم منه؛ ويروون أيضاً عن جميع أشياخهم، كما تقدم؛ والإمام (ع) يروي عن الأئمة المتقدم ذكرهم (ع) كما سبق تفصيله.
وستأتي طرقهم مستوفاة في الفصول الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ، والله تعالى ولي التوفيق.
ولنا طرق إلى الإمام (ع)، وإلى هؤلاء الأعلام، غير ماذكر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ ترجح الاكتفاء هنا بما سقناه؛ ففيه ـ بحمد الله ـ كفاية وافية، وإفادة شافية، والبقية راجعة إليه، ومعتمدة عليه؛ وستأتي تلك في محل آخر ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد طال البحث بما سبق، ولكنه لايخفى على اللبيب رجحان الثمرة في سوقه وتقديمه؛ لإفادته في المطلوب كلية الإفادة، وإغنائه بالتحويل عليه في جميع المقاصد الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ عن التكرار والإعادة، والله تعالى ولي التوفيق. /282

(1/282)


الفصل الرابع
[الفصل الرابع في الطرق إلى مذاهب آل محمد في الأصول والفروع]
الفصل الرابع في الإسناد إلى مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جملة.
وفي ذكره هنا على هذا الوجه الإجمالي فوائد جمة.
منها: تقديم الإفادة، بتسلسل الرواية، عن قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، وأشياعهم الذين هم أكرم قبيل.
ومنها: الابتداء بتعريف طبقاتهم، وتوضيح مراتبهم، ودرجاتهم.
ومنها: إمكان الإحالة على هذه الأسانيد المباركة، فيما يأتي من التفصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ولنا ـ بمن الله تعالى ـ في ذلك طرائق واسعة، وأسانيد جامعة.
فأروي جميع ذلك بالطرق السابقة والآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ إلى من يتصل بهم هذا السند، الذي أذكره الآن ـ بمشيئة الله تعالى ـ وأقدم طريقة متصلة بالسماع، والإجازة العامة.
فيقول عبدالله، المفتقر إلى الله تعالى المعيد المبديء، مجد الدين بن محمد المؤيدي، أفرغ الله تعالى عليهما فيض فضله الوفي، ولطفه الخفي، بعد الحمد لولي الحمد ومستحقه، وصلواته وسلامه على خيرته من خلقه:
أروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وأصول عقائدهم ودياناتهم في العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، والنبوءات والإمامات، /285

(1/285)


والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفقههم، وأحاديث الأحكام، من سنة جدهم سيد الأنام، عن والدي وشيخي العلامة الولي، عابد آل محمد وزاهدهم، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ قراءة وإجازة لجميع طرقه؛ وهو يروي ذلك عن شيخه أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحوثي الحسيني ـ صلوات الله عليه ـ قراءة، وإجازة عامة.
وأروي أيضاً عن الإمام (ع)، ذلك وغيره بجميع طرقنا؛ وهو يروي ذلك وغيره، عن شيخه أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، محمد بن عبدالله الوزير، قراءة وإجازة عامة، وعن شيخه السيد الإمام، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي (ع)، قراءة وإجازة عامة، وعن شيخه القاضي العلامة، شيخ الإسلام، أحمد بن إسماعيل القرشي العلفي ـ رضي الله عنه ـ، قراءة وإجازة عامة.
فأما الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله (ع)، فيروي ذلك قراءة وإجازة، عن السيد الإمام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، وعن السيد الإمام، مؤلف أنوار التمام، أحمد بن يوسف زبارة الحسني، وعن السيد الإمام، أحمد بن زيد بن عبدالله الكبسي (ع).
وأما السيد الإمام الحافظ، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وكذا السيد الإمام، أحمد بن زيد الكبسي، والقاضي العلامة أحمد بن إسماعيل القرشي، فيروون جميعاً ذلك وغيره، عن شيخهم السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (ع) قراءة وإجازة؛ وهو يروي ذلك وغيره عن عمه السيد العلامة، إسماعيل بن محمد، عن والده العلامة محمد بن زيد، عن والده العلامة زيد بن الإمام، عن والده الإمام الأواه، أمير المؤمنين المتوكل على الله، إسماعيل، عن والده الإمام الأعظم المجدد للدين أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، أبي محمد، القاسم بن محمد ابن رسول الله صلوات الله /286

(1/286)


عليه، وعلى آله وسلامه.
(ح)، ويروي السيد الإمام محمد بن عبد الرب أيضاً، ذلك وغيره، عن شيخه السيد العلامة إسماعيل بن إسماعيل بن ناصر الدين، عن السيد العلامة محمد بن زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم (ع)، عن والده زيد المتوفى سنة ثلاث ومائتين وألف، مؤلف الإيجاز في المعاني والبيان، والقسطاس في الرد على صاحب النبراس، عن والده محمد بن الحسن بالإجازة العامة، من الإمام القاسم لولده سلطان الإسلام، الحسن بن الإمام القاسم وإخوته (ع).
وأما السيد الإمام، بدر الآل الكرام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، وكذا السيدان الإمامان: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة (ع)، فيروون ذلك وغيره، عن شيخهم السيد الإمام، حافظ علوم آل محمد (ع)، الحسين، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف بن يوسف المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة وألف بن الحسين المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة وألف، بن أحمد بن صلاح زبارة الحسني (ع)؛ وهو يروي ذلك وغيره، عن أبيه العلامة يوسف عن أبيه السيد الإمام، شيخ آل محمد، حافظ العلوم والأسانيد، الحسين بن أحمد، عن الإمام الزاهد العابد، أمير المؤمنين، المؤيد بالله، محمد بن إسماعيل، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام الحافظ السابق، الحسين بن أحمد بن صلاح زبارة ذلك وغيره، عن شيخه السيد العلامة عامر، المتوفى سنة مائة وألف بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام الأعظم، والبحر الخضم، أمير المؤمنين، المؤيد بالله رب العالمين، أبي علي، محمد بن الإمام القاسم عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي السيد الإمام الحسين بن أحمد أيضاً ذلك وغيره عن القاضي العلامة المفضال، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، عن شيخه /287

(1/287)


القاضي العلامة، حواري الآل، شيخ الإسلام، وإمام الشيعة الأعلام، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنهم ـ، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبد الرب ابن الإمام، ذلك وغيره عن شيخه السيد الإمام علي بن عبدالله الجلال، من السادة اليحيويين، وقد سبق نسبهم في التحف الفاطمية؛ توفي سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، عن شيخه السيد العلامة الحافظ، عبد القادر بن أحمد بن الناصر الكوكباني، المتوفى سنة سبع ومائتين وألف، من ذرية الإمام يحيى شرف الدين (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن القاضي العلامة الحسين بن محمد العنسي، عن السيد العلامة إبراهيم، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، بن عبد القادر عن أبيه الحافظ عبد القادر بن أحمد بن الناصر؛ وهو يروي بطريقين:
إحداهما عن شيخه السيد العلامة يوسف بن الحسين زبارة بسنده السابق، والأخرى عن القاضي العلامة أحمد بن محمد قاطن، المتوفى سنة تسع وتسعين ومائة وألف، عن السيد العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف، عن السيد الإمام الحافظ الحسين بن أحمد زبارة، بسنده المتقدم.
وأروي أيضاً ذلك وغيره عن والدي قدس الله روحه، عن شيخه السيد الإمام، عالم آل الرسول الكرام، عبدالله بن أحمد البصير المؤيدي العنثري، قراءة وإجازة، وبجميع الطرق السابقة إليه، عن شيخيه شيخي الإسلام عبدالله بن علي بن علي الغالبي، /288

(1/288)


وأحمد بن إسماعيل القرشي العلفي.
فأما القاضي الحافظ شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي، فعن شيخيه السيدين الإمامين: أحمد بن يوسف زبارة، وأحمد بن زيد الكبسي قراءة، وإجازة، بطرقهما السابقة آنفاً، والآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وأما القاضي العلامة أحمد بن إسماعيل القرشي، فعن شيخه السيد الإمام، محمد بن عبد الرب بن الإمام ثم بطرقه المارة، والآتية إن شاء الله تعالى.
ويروي أيضاً ذلك وغيره الإمام الأعظم، المجدد للدين، المهدي لدين الله، محمد بن القاسم بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، وهو يروي هو والسيد الإمام، شيخ بني الحسن أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخهما السيد العلامة الحسن المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف، بن يحيى الكبسي، عن أخيه محمد المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين وألف؛ بن يحيى الكبسي قراءة، وعن السيد العلامة قاسم المتوفى سنة إحدى ومائتين وألف بن محمد الكبسي، إجازة عن السيد العلامة الكبير هاشم المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائة وألف، بن يحيى الشامي اليحيوي، مؤلف نجوم الأنظار، حاشية على البحر الزخار، عن السيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد (ع)، عن القاضي العلامة علي المتوفى سنة تسع عشرة ومائة وألف، بن يحيى بن أحمد بن مضمون البرطي، عن إمام العلوم، وطود الحلوم، سيد أعلام التحقيق، الحسين، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
نعم فهذا مختار الطرق إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، ومعتمدها.
وثمة طرق إلى الإمام، وإلى من بعصره من الأعلام، سيكون التعرض لها إن وقع احتياج إليها في التفصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وفيما ذكرنا كفاية وافية، وعليها المدار في الإيراد والإصدار، وسواها متفرعة منها، ومستندة إليها، كما يعلمه ذووا الاطلاع والاختبار.
هذا، وفيما قد حصّلناه هنا فائدة عظمى، ومهمة كبرى، وهي أن كل من /289

(1/289)


اتصل به السند هذا المبارك، فهو طريقنا إليه، في كل ماله من رواية ودراية وتأليف، من لدينا إلى الإمام القاسم بن محمد (ع) يعلم ذلك.
وإنما تيسر لنا هذا المطلب الأعظم بمن الله تعالى وفضله، لمزيد العناية، وكلية البحث في اختيار الرواة، الناقلين عمن اتصلوا به لجميع ما له، حتى اتصل السند ـ والحمد لله تعالى ـ؛ وسنبلغ الجهد في إتمام ذلك بإعانة الله تعالى وتسديده، ونوضح ماتحصل من ذلك.
وماكان في رواية مُعَيَّنَةٍ أو كتاب خاص، فسيتبين من السياق، والله تعالى ولي التوفيق.
ولنعد إلى المقصود، بعون الملك المعبود، فنقول: والإمام الأعظم، المجدد للدين، أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، القاسم بن محمد، يروي ذلك وغيره، بطرقه إلى الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن الإمام الهادي لدين الله، علي بن المؤيد (ع). بطرقه إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين بن شمس الدين، بطرقه إلى الإمام المنصور بالله، محمد بن علي السراجي الوشلي (ع).
بطرقه إلى الإمامين الأعظمين، المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، والهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن المؤيدي (ع) بطرقهما إلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (ع)، بطرقه إلى الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي، ووالده الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد (ع)، بطرقهما إلى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع)، بطرقه إلى الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى وولده الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع)، بطرقهما إلى الإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، بطرقه إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان، وشيخي آل رسول الله شمس الدين يحيى، وبدر الدين محمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع) بطرقهم إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) /290

(1/290)


بطرقه إلى الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، وأخيه الإمام الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)، بطرقهم إلى الإمام عماد الدين يحيى بن المرتضى محمد بن الإمام الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع)، بطرقه إلى عمه الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى (ع)، بطرقه إلى إمام الأئمة وهادي الأمة، أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع)، عن أبيه الحافظ الحسين، عن أبيه ترجمان الدين، نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم الغمر، عن أبيه إسماعيل الديباج، عن أبيه إبراهيم الشِبْه (ع)، عن أبيه الحسن الرضى، عن أبيه الحسن السبط، عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، علي بن أبي طالب (ع)، عن الرسول الأمين، صفوة رب العالمين، خاتم النبيين، محمد بن عبدالله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين ـ.
فهذه السلسلة النبوية، الهادية المهدية، من العترة الطاهرة، نجوم الدنيا وشموس الآخرة.
سلسلة من ذهبِ .... منوطة بالشُّهبِ
ونسبة ترددت .... بين وصي ونبي
سبحانَ مَنْ طهّرها .... عن شائبات النّسبِ
من استمسك بهم فقد استمسك بقوي الأسباب، وهُدي إلى منهج السنة والكتاب.
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى .... وخير حبال العالمين وثيقها
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
نعم، وهذا السند الشريف من بعد الإمام القاسم بن محمد، منه ماهو متصل، ومنه ما هو بواسطة؛ وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله: بطرقه؛ إلا أنه لم يفصل فيه، بين المتصل وغيره؛ وسيتضح جميع ذلك في التفصيل الآتي ـ إن شاء الله تعالى ـ؛ مع أن /291

(1/291)


ذلك معلوم لمن له اطلاع على أحوالهم.
ومن نظر في التحف الفاطمية ـ نفع الله تعالى بها ـ تبين له أحوال كل إمام منهم (ع).
وأما من قبل الإمام القاسم بن محمد (ع) فهو متصل؛ وكذا الأسانيد التي نوردها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ، والله الهادي.
هذا، قال الإمامان الأعظمان: المتوكل على الله، يحيى شرف الدين؛ والمؤيد بالله، محمد بن القاسم بن محمد (ع)، واللفظ للإمام المؤيد بالله (ع) بتصرف يسير، لايخل بالمقصود: وقد اشتملت هذه الطرق على الطرق الموصلة لنا إلى رواية الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي (ع)، رواها المؤيد بالله عن الفقيه العالم المجتهد، أبي الحسين، علي بن إسماعيل بن إدريس الفقيه، عن الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، الحسن بن علي الأطروش، عن شيخ الإسلام، محمد بن منصور المرادي ـ رضي الله عنه ـ.
ومحمد بن منصور يروي عن الإمام القاسم بن إبراهيم، بسند آبائه المتقدم.
ويروي محمد بن منصور أيضاً، عن الإمام عالم آل محمد، أحمد بن عيسى، عن أبيه عيسى الحافظ، عن أمير المؤمنين، إمام أهل البيت المطهرين، زيد بن علي، عن أبيه زين العابدين، علي بن الحسين، عن أبيه سيد شباب أهل الجنة، سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب، عن سيد العالمين، رسول الله الأمين، محمد بن عبدالله، صلوات الله عليه وآله وسلامه.
ويروي الإمام أحمد بن عيسى (ع) أيضاً، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد الواسطي، عن الإمام زيد بن علي (ع)، بسنده السابق.
ويروي الإمام المؤيد بالله، أحمد بن الحسين، عن أبي العباس الحسني، وهو يروي عن السيد الإمام القدوة، أبي زيد، عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، عن آبائه /292

(1/292)


وللسيد الإمام أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني، طريق أخرى رواها عن السيد الإمام علي بن العباس، عن الإمام الهادي إلى الحق، عن آبائه (ع)، كما تقدم.
وللإمام المؤيد بالله طريق أخرى، رواها عن الحافظ أبي الحسين، علي بن إسماعيل الفقيه قال: حدثنا أمير المؤمنين، الناصر لدين الله، الحسن بن علي الأطروش، قال: حدثنا الحافظ المشهور، بشر بن هارون، قال: حدثنا محدث بغداد، الحجة الفقيه، يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا الحافظ المشهور، جرير بن عبد الحميد، قال: حدثنا الحافظ الثقة، مغيرة بن مقسم الضبي، قال: حدثنا زيد بن علي؛ وذكر السند المتقدم.
وللمؤيد بالله طريق أخرى، رواها عن أبي العباس، أحمد بن إبراهيم (ع) قال: حدثني أبي قال: حدثني حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن منصور المرادي، عن محمد بن عمر المازني، عن يحيى بن راشد، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد تضمنت هذه الطرقُ الطرقَ الموصلة إلى قدماء الأئمة من ولد الحسن والحسين، الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه؛ وباقر العلم، محمد بن علي، وولده الصادق جعفر بن محمد، عن آبائهما؛ والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأخيه الإمام إبراهيم، عن آبائهما؛ وغيرهم من الأئمة، والسادة، ومشائخهم من المتقدمين والمتأخرين، من وقتنا إلى زمن سيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين. انتهى.
قلت: ولله الإمام الناصر الكبير، الحسن بن علي (ع)، حيث يقول:
وعلمهم مسند عن قول جدهمُ .... عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): قال القاضي /293

(1/293)


جعفر: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي الحسن الكني، عن الإمام العالم، توران شاه بن خسرو شاه بن بابويه الجيلي، عن الفقيه أبي علي بن آموج الجيلي، عن القاضي الأجل العالم زيد بن محمد الكلاري الزيدي، عن الشيخ علي خليل، عن القاضي الأجل يوسف الخطيب للمؤيد بالله (ع)، عن السادة الفضلاء أبي العباس، أحمد بن إبراهيم، وأبي الحسين المؤيد بالله، أحمد بن الحسين بن هارون، وأخيه الإمام الناطق بالحق الظافر بتأييد الله، يحيى بن الحسين (ع)، بجميع مافي المنتخب والأحكام، وأمالي أحمد بن عيسى (ع).
فهذا إسناد الأئمة السادة، والأخوين والرسي (ع)، المذكور أولاً.
وروى عن عمه الناصر أحمد بن يحيى قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، قال: حدثني أبي، عن أبيه القاسم بن إبراهيم، قال القاسم: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ..إلخ كلامه.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وهذا إسناد ثابت عندنا، غير أن في هذا فائدة أخرى، وهو اتصال السند بالسادة الهارونيين جميعاً، وبإسناد المنتخب مع الأحكام، يعلم ذلك الواقف عليه. انتهى.
نقلت هذا ـ أعني من قوله: قال القاضي جعفر: أخبرني.. إلخ ـ من كتاب القاضي العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ، قال فيه: انتهى بحروفه من خطه (ع).
قلت: وهذا السند أحد الطرق إلى مؤلفات الأئمة الثلاثة: الأخوين، وأبي العباس(ع)، ومروياتهم.
ولنُشِرْ على سبيل الاختصار، إلى يسير من أحوال الرواة هؤلاء، في سند كتب العراق؛ وقد جرى ذكرهم جميعاً في التحف الفاطمية، وفي هذا مزيد تحقيق.
[من ترجمة الكني، توران شاه، علي بن آموج، القاضي زيد بن محمد الكلاري]
فأقول وبالله التوفيق: أما شيخ القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد /294

(1/294)


ـ رضي الله عنه ـ فهو الشيخ الإمام الحافظ، قطب الدين، أبو العباس ـ ويقال: أبو الحسن ـ، أحمد بن أبي الحسن الكني؛ هكذا صححه الإمام القاسم بن محمد (ع).
قال السيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن القاسم في طبقات الزيدية: كان من أساطين الملة، وسلاطين الأدلة، وهو الغاية في حفظ المذهب؛ لقيه بعض شيوخ اليمن بمكة، وأجاز لجميع من في اليمن..إلخ.
وشيخه أبو الفوارس، توران شاه (بضم المثناة من فوق، وسكون الواو، فراء، فألف، فنون، فشين معجمة، فألف، فهاء) بن خسرو شاه (بخاء معجمة، فسين، فراء مهملتين، فواو، فشين معجمة) ابن بابويه (بموحدتين من تحت، بينهما ألف، فواو، فمثناة من تحت، فهاء).
قال في الطبقات: الإمام أبو الفوارس، شيخ الزيدية، وحافظ علوم الأئمة، ومرجع الإسناد؛ بل قطبه للمذهب الشريف؛ وإليه يرجع أهل المذهب، كان إماماً عالماً. وهو شيخ الكني.. إلخ.
وشيخه أبو علي ـ ويقال: علي بن آموج ـ كطالوت ـ.
قال في الطبقات: قال السيد أحمد بن الأمير: هو الفقيه العلامة الأفضل، صاحب تعليق الإبانة.
وقال القاضي: هو واسطة عقد الإسناد للمذهب، مفخر العراقين، ملحق الأصاغر بالأكابر.
إلى أن قال: وكان يكنى بعدل أهل الأرض. انتهى.
قلت: يعني بالقاضي: العلامة، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، صاحب مطلع البدور.
وقال الملا يوسف: كان معاصراً للإمام أبي طالب الأخير، وله حاشية على الإبانة، وتعليق الفقه. انتهى.
وشيخه القاضي زيد بن محمد الكلاري (بفتح الكاف).
قال في طبقات الزيدية: قال القاضي: هو القاضي الإمام، حجة المذهب، شيخ الشيوخ، وحيد أهل الرسوخ، حافظ المذهب وعالمه الذي لايبارى، ولا يمارى ولايجارى.
إلى قوله: وليس لشرحه بعد ذهاب الشرحين: شرحي /295

(1/295)


التحرير، والتجريد للأخوين، نظيرٌ أقرّ له الموالف والمخالف؛ وجميع مشائخ الزيدية يغترفون من رحيقه، ويعترفون بتحقيقه.
ذكره الملا يوسف الجيلاني، في جماعة المؤيد بالله. انتهى.
[ترجمة علي خليل، والقاضي يوسف، وابن ثال]
وشيخه العلامة الجليل، علي بن محمد خليل.
قال في الطبقات: الشيخ الجليل الجيلي، صاحب المجموع، الذي يقال له: مجموع علي خليل، يروي كتب الزيدية، وأئمتهم، وشيعتهم، بالسند المعروف، عن القاضي يوسف الجيلي بسنده.
وأخذ عنه القاضي زيد بن محمد الكلاري. انتهى.
وشيخه، القاضي، العلامة يوسف بن الحسن الجيلي الكلاري، خطيب المؤيد بالله.
وقال السيد الإمام في الطبقات: ونقلت من خط الإمام القاسم بن محمد (ع)، وصح لي عنه سماعاً بواسطة مشائخي إليه، وإجازة أيضاً، من غير واحد؛ في ذكر سند القاضي جعفر مالفظه: حدثنا الكني، عن الإمام توران شاه الجيلي، عن الفقيه علي بن آموج، عن القاضي زيد، عن القاضي يوسف الخطيب للمؤيد بالله، عن السادة الفضلاء: أبي العباس أحمد بن إبراهيم، وأبي الحسين المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وأخيه الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين (ع)؛ بجميع مافي المنتخب والأحكام، وأمالي أحمد بن عيسى، وغير ما في هذه الكتب؛ عن الناصر وغيره.. إلخ الكلام الذي مرّ قريباً.
وهذا بعد أن قال: يروي سند الفقه، عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، عن السيد أبي العباس الحسني.
وله طريق أخرى، عن الأستاذ أبي القاسم ابن ثال الهوسمي، عن المؤيد بالله، عن السيد أبي العباس.
ويروي أيضاً، عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين.
قال: وكان القاضي يوسف فاضلاً، ممن عاصر المؤيد بالله، وله شرح على الزيادات، وحكى شيئاً من سيرة المؤيد بالله، ومعدود من أصحابه، وتلامذته. انتهى.
وأروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، بالطرق السابقة، إلى الإمام الأعظم، المنصور بالله القاسم بن محمد (ع)، /296

(1/296)


وهذه الطريق تتضمن سند الأحكام، والمنتخب، والمجموع للإمام الهادي إلى الحق، وأصول الأحكام للإمام المتوكل على الله (ع)، تفصيلاً.
ولا بأس بإيراد طريقةٍ من مختار طرقنا، إلى الإمام القاسم بن محمد؛ وإن كانت قد سبقت الطرق مستوفاة إليه (ع).
وهي أني أروي جميع ماتقدم، عن والدي ـ رضوان الله عليه ـ قراءة وإجازة، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي ـ قدس الله روحه ـ قراءة وإجازة؛ عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، - رضي الله عنهما - قراءة وإجازة؛ عن السيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام، قراءة وإجازة؛ وهو يروي ذلك، عن عمّه السيد العلامة إسماعيل بن محمد، عن والده العلامة محمد بن زيد، عن والده العلامة زيد بن الإمام، عن والده الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
قال (ع): أروي مذهبي، عن السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن المهدي الجحافي القاسمي.
قلت: هو من ذرية الإمام القاسم بن علي العياني (ع)، وفاته عام أحد عشر وألف.
قراءة؛ وعن السيد العلامة، أمير الدين بن عبدالله، من آل الإمام المطهر بن يحيى، إجازة؛ وعن غيرهما، إجازة وقراءة، عن السيد العلامة، أحمد بن عبدالله، المعروف بابن الوزير؛.
قلت: توفي عام خمسة وثمانين وتسعمائة وهو السيد الإمام، شمس الدين، أحمد بن عبدالله بن أحمد بن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير (ع).
عن الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين؛ عن السيد إبراهيم بن محمد الوزير؛.
قلت: يعني صارم الدين صاحب الهداية، والفصول، والبسامة.
عن السيد صلاح الدين، عبدالله بن يحيى الزيدي نسباً ومذهباً؛ عن والده يحيى بن المهدي، عن الإمام المهدي لدين الله، محمد بن المطهر.
قلت: قال في الهامش: في هذا فائدة، أن السيد يحيى بن المهدي يروي /297

(1/297)


عن الإمام محمد من غير واسطة؛ لأن المعروف أنه يروي عنه بواسطة ولده الواثق. انتهى.
عن والده الإمام المطهر بن يحيى، عن شيخ الشيعة العلامة، محمد بن أبي الرجال.
قلت: هو محمد بن أحمد بن أبي الرجال، وفاته عام ثلاثين وسبع مائة، وكان يقول: أنا تلميذ إمام، وشيخ إمام.
عن الإمام الشهيد، أحمد بن الحسين؛ عن الشيخ أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، المعروف بشعلة.
قلت: وهذا من مشائخ الشيعة الأعلام، وهو تلميذ الإمام الأعظم المنصور بالله عبدالله بن حمزة، كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، وفاته في عشر الأربعين وستمائة تقريباً، كذا في الطبقات.
[ترجمة الشيخ محيي الدين القرشي]
عن الشيخ محمد بن أحمد بن الوليد القرشي.
قلت: هو إمام الشيعة، وحافظ الشريعة، محيي الدين، الذي يروي عنه الإمام الأعظم المنصور بالله (ع)، وعلماء عصره، ويقال له أيضاً: حميد؛ فله اسمان لمسمى؛ وقد أشرتُ إلى ذلك عند ذكره في التحف الفاطمية ، وينبغي التنبه لذلك؛ فقد وقع في الغلط بسببه بعض العلماء الأثبات، وتوهموا أنهما أخوان، وما الاسمان إلاّ له، كما حقق ذلك الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في ترثيته، وأفاده علماء عصره؛ وأشار إليه في مطلع البدور وغيره، وهو معلوم لاريب فيه.
عن الإمام المتوكل على الله، أحمد بن سليمان، عن الشيخ الأجل إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث، عن عبد الرزاق بن أحمد.
قلت: أما القاضي إسحاق فهو من أعلام العصابة، وشهرته تكفي عن شرح حاله، وقد ترجمنا له ولأمثاله في التحف الفاطمية ، كما سبق ذكره.
وأما الشيخ عبد الرزاق بن أحمد، فقال بعض علمائنا الكرام في ترجمته: كان من فضلاء أشياع العترة وكبراء علمائهم، وعظماء أتباعهم. انتهى /298

(1/298)


عن الشريف علي بن الحارث، وأبي الهيثم يوسف بن أبي العشيرة.
قلت: وابن أبي العشيرة من أعلام الشيعة الكرام، وكان إذا حج تلقاه أمير مكة، تعظيماً للزيدية؛ قيل في حقه: كان يرد على اثنتين وسبعين فرقة.
عن الحسن بن أحمد بن محمد الضهري، إمام مسجد الهادي (ع)، عن محمد بن أبي الفتح، عن الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى، عن أبيه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، عن أبيه الحسين الحافظ، وعميه: محمد، والحسن؛ عن أبيهم ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم الغمر، عن أبيه إسماعيل الديباج، عن أبيه إبراهيم الشبه، عن أبيه الحسن المثنى، عن أبيه الحسن السبط، وعمه الحسين السبط؛ عن أبيهما علي بن أبي طالب، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فهذا مذهبنا.
انتهى كلام الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
قلت: وما أحق المقام، بقول السيد الإمام، جمال الإسلام، الهادي بن إبراهيم الوزير (ع):
سندٌ عن الهادي وعن آبائه .... لا عن حديث مسدد بن مسرهدِ
القصيدة.
قلت: مسدد عدّه في الشافي من العدلية، وإنما أراد التمثيل، وللقافية.
قال في كتاب شيخ الإسلام، حواري آل محمد الكرام (ع)، أحمد بن سعد الدين ـ رضوان الله عليه ـ، عند ذكره لطريق الأحكام وأصول الأحكام المذكورة؛ وقد نقل كلامه هذا شيخ الإسلام الأخير، حافظ عصره الكبير، فخر أشياع العترة، عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنه ـ، مالفظه: وهذه الطريق، من نظر إليها بعين الإنصاف، وسَلِمَ عن داء الميل عن أهل البيت النبوي والانحراف، علم قطعاً ويقيناً، أن إجراء من ذكر فيها على لسانه، يستدفع به البلاء، ويكون سبباً لصلاح حاله وشأنه.
انظر إلى طريق أصول الأحكام، فإن ابتداءها من الإمام المتوكل على الله /299

(1/299)


شرف الدين، وتنتهي إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان؛ وبين الإمامين عشرة: سبعة من نجوم العترة النبوية، وثلاثة من أعيان شيعتهم، المهتدين بهديهم، والمستمسكين بعروتهم، المتينة القوية؛ كل واحد من الثلاثة شيخ إمام، تلميذ إمام، أو تلميذ تلميذ إمام.
قلت: يعني بتلميذ التلميذ، العلامة الأكوع المعروف بشعلة، ولكنه تلميذ الإمام الأعظم الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وإن كان لم يذكر في هذا السند إلا الشيخ محمد بن أحمد، كما يأتي في الأسانيد.
رجع إلى تمام مافي الكتاب المذكور.
قال: هذا فيما بين الإمامين: المتوكل على الله شرف الدين، والمتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع).
ثم إن بين الإمام أحمد بن سليمان، والإمام الهادي إلى الحق ستة، آخرهم الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى الهادي (ع)، وأولهم الشيخ العلامة، المشهور بالعلم والفضل، إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث ـ رحمه الله ـ وهو من أكابر علماء الزيدية، وعظماء أنصار العترة الطاهرة النبوية، وهو أخو القاضي جعفر في العلم والبراعة، وله مصنفات ورسائل، أكثرها في الإمامات؛ ولقي الحاكم أبا سعيد ـ رحمه الله ـ في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وفي البين الشريف: علي بن الحارث.
فإذا نظرت إلى ذلك، وجدت هذه السلسلة المباركة، من الإمام المتوكل على الله شرف الدين، إلى سيد المرسلين، وخاتم النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ـ؛ كلها نبوية ليس فيها إلا سبعة من فضلاء أشياع العترة، وكبراء علمائهم، وعظماء أتباعهم، أعاد الله من بركاتهم، وأماتنا على مودتهم، وحشرنا في زمرتهم، وعافانا من داء مبغضيهم، ومحبي أعدائهم، ومبغضي محبيهم، ومن تأول لمحاربيهم؛ فو الله، لا يدخل الإيمان قلب رجل هذه صفته.
انتهى كلامه، رضوان الله عليه وسلامه.
قلت: وقد اتصل سندنا ـ بفضل الله تعالى ـ كما ترى، ليس بيني وبين الإمام المتوكل على الله شرف الدين (ع) في هذه الطريق إلا أحد عشر من كرام /300

(1/300)


أئمة آل محمد، وأعلام مقتصديهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ أولهم والدي، وآخرهم السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير ـ رضوان الله عليهم ـ.
نعم، وهذه إحدى الطرق إلى إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ وقد تقدمت طريقان:
إحداهما: عن السيد الإمام، عماد الإسلام، يحيى بن المرتضى، عن عمه الناصر للحق، عن أبيه الهادي إلى الحق؛ يرويها الإمامان الأخوان: المؤيد بالله وأبو طالب؛ والسيد الإمام أبو العباس (ع).
والثانية: يرويها أبو العباس الحسني، عن السيد الإمام علي بن العباس الحسني، عن إمام الأئمة، وهادي الأمة، يحيى بن الحسين (ع).
فهذه هي الطرق المتصلة به ـ صلوات الله عليه ـ، فيما وقفنا عليه عند علماء اليمن، وعليها المدار، في الإيراد والإصدار؛ وستتكرر هذه الأسانيد المباركة، ويكون التحويل عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ؛ فلتكن على ذكر منك، والله ولي التوفيق.
ونتمم الإفادة في هذا البحث، بإيراد المقصود، مما رسمه المؤيد بالله، محمد بن القاسم بن محمد (ع)، وصحح السند إليه، من كتب أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وغيرهم.
فما نوصل السند إليه منها فيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، فهذا مقدمة له.
ومالم نوصل إليه السند من كتب أئمتنا (ع)، ولا نترك ـ إن شاء الله تعالى ـ، إلا مالا يوقف عليه في شيء من كتب الأسانيد الموجودة المعتمدة؛ ففي تصحيح الإمام (ع) له كفاية، فهو (ع) أمين الرواية، متين الدراية، من أعلام أئمة الهداية (ع)؛ وقد صحت ـ بحمد الله ـ لنا رواية ماحرره (ع)، بالأسانيد الصحيحة، المتصلة به، فيما سبق وما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[إجازة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم للسيد العلامة علي بن الحسن الحسيني المدني]
قال الإمام الأواه، المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع)، فيما كتبه (ع) إلى المدينة النبوية ـ على مشرفها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ في عام /301

(1/301)


أربع وثلاثين وألف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل العلم وسيلة إلى نيل أرفع الدرجات، وسهل لنا السبيل إلى حفظه بما ركب فينا من الأسماع والأبصار والآلات.
ثم ساق إلى ذكر المُجَاز له، وهو السيد العلامة الأجل، علي بن الحسن الحسيني المدني ـ رضي الله عنه ـ.
إلى قول الإمام (ع): فنقول وبالله التوفيق:
اعلم ـ رفع الله قدرك، وأعلا في منازل العلماء ذكرك ـ أن الإجازة نوع من الوكالة؛ إذْ هي خبر جملي، تتضمن الأذن بالإخبار عن الشيء؛ ولهذا أشترط على المجاز له شروطها المعروفة، التي منها: جودة الفهم، وإمعان النظر، والبحث عن النسخ الصحيحة، والتثبت؛ ليأمن التحريف والوهم، والقول على الله وعلى رسوله مالا يعلم.
إلى قوله (ع): وقد استخرتُ الله وأجزتُ لكم، أن ترووا عني بذلك الشرط جميع مسموعاتي، وجميع ماصحت لي روايته في الأصولين، والفروع، وأدلتها، من آيات الأحكام، وآحاديث الرسول (ع)؛ وآلتها من العربية، وتوابعها.
قلت: ومن هنا منقول عن الإمام في طبقات الزيدية، وقال مؤلفها (ع): إن الإمام (ع) ذكر فيها علماً جماً، وذكر كتب المذهب، مذهب الأئمة (ع).
وساقها إلى آخرها في موضعين من الجزء الثالث، وهي بتمامها في كتاب القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ.
قال الإمام (ع): فمن كتب المذهب: مجموعا الإمام زيد بن علي (ع)، وأمالي حفيده أحمد بن عيسى (ع)، المسماة ببدائع الأنوار.
ومنها: السير، للإمام المهدي لدين الله، النفس الزكية، محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومنها: الجامع الكافي، المعروف بجامع آل محمد، تأليف الإمام أبي عبدالله محمد بن علي.
قلت: رفع نسبه إلى جده عبد الرحمن، وقال بعده: ابن الحسين؛ وهو سبق قلم فليس ذلك في نسبه وقد نقلته /302

(1/302)


على الصحة من المشجرات المعتمدة وغيرها في التحف الفاطمية .
ولهذا السهو، لم نذكر عن الطبقات في الموضعين، إلا محمد بن علي، كما هنا، فاعلم ذلك.
وساق في وصف الجامع؛ والمقصود بذلك ماصحّ منه.
ولاشك أن أصل الكتاب قد روي بالطريق إلى المؤلف؛ فأما الزيادات، فلا، ودون تصحيحها، لمن رام ذلك خرط القتاد؛ فأما الخبط والمجازفة والعناد، فما دونها حاجز إلا تقوى الله تعالى رب العباد.
وقد تبرأ الإمام (ع) في آخر البحث ـ كما تقف عليه ـ مما خالف عقائد أهل البيت (ع).
وسيأتي الكلام على الجامع، في ذكر سنده في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ بما يعرفه أرباب الاطلاع والانتقاد، والله تعالى الموفق للسداد.
[أمهات كتب الزيدية التي تضمنتها الإجازة المذكورة]
عدنا إلى كلام الإمام.
قال (ع): ومنها: الجامعان: المنتخب والأحكام، للهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع)، وما اشتملت عليه فتاواه، وفتاوى أولاده، وكتبهم، وكتب جدهم القاسم بن إبراهيم (ع)، وروايتهم، ورواية سائر أولاد القاسم، عدا من روى عنه منهم في كتب أئمة كوفان، وهو داود بن القاسم (ع)؛ فمن طريق الجامع الكافي.
ومنها: كتب الناصر الأطروش الحسن بن علي، وقد اشتمل على معظمها كتاب الإبانة، والمغني، وزوائدهما.
ومنها: المصابيح، لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، في السير والآثار، وتتمتها لعلي بن بلال.
ومنها: شرح التجريد، للإمام المؤيد بالله، أحمد بن الحسين الهاروني (ع).
ومنها: أمالي الإمام المرشد بالله، يحيى بن الموفق بالله الجرجاني.
ومنها: أمالي الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني، وشرح التحرير له، والمجزي في أصول الفقه، وجوامع الأدلة فيهما؛ والإفادة في تاريخ الأئمة السادة، وكتاب الدعامة في الإمامة له؛ وكتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ جمع الشريف أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي.
ومن /303

(1/303)


أجلّ من أُخِذَ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى بن سراهنك، الواصل من بلاد العجم.
وساق في أحواله ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، في سند النهج.
قال (ع):
ومنها: كتاب البرهان، في تفسير القرآن، للإمام الناصر لدين الله أبي الفتح الديلمي (ع).
ومنها: كتاب أصول الأحكام، في الحديث، للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، وكتاب حقائق المعرفة له.
ومنها: مصنفات الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع)، ككتاب الشافي، والمجموع المنصوري، وصفوة الاختيار في أصول الفقه؛ وغيرها.
ومنها: فتاوى الإمام المهدي لدين الله، أحمد بن الحسين القاسمي (ع).
ومنها: شفاء الأوام، في أحاديث الأحكام، للأمير الكبير، الحسين بن محمد اليحيوي، والتقرير، له.
ومنها: كتاب أنوار اليقين، ومااشتمل عليه شرحه من الأدلة والأحاديث، الشاهدة على إمامة أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، وأهل بيته، وفضائلهم، لصنو الأمير الحسين، وهو الإمام المنصور بالله، الحسن بن محمد، المكنى بدر الدين.
ومنها: شرح النكت، للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام.
ومنها: مجموعات السيد الإمام، حميدان بن يحيى القاسمي، في الأصول.
ومنها: كتاب عقود العقيان، في الناسخ والمنسوخ من القرآن، للإمام المهدي لدين الله، محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع).
ومنها: مصنفات الإمام المؤيد بالله، يحيى بن حمزة الحسيني، مُصَنِّفُ الانتصار؛ وهي كثيرة في كل فن.
ومنها: الأزهار، في الفقه، للإمام المهدي، أحمد بن يحيى (ع)؛ وأمهاته من التذكرة، للفقيه حسن بن محمد النحوي؛ وشروحها لجماعة؛ واللمع، للأمير علي /304

(1/304)


بن الحسين اليحيوي الهادوي، وشروحها لجماعة، وغيرها من الأمهات.
ومنها: البحر الزخار، للإمام المهدي، أحمد بن يحيى، أيضاً، بجميع ما اشتمل عليه من الفنون، وجميع مصنفاته (ع) في كل فن.
ومنها: الروضة والغدير، في آيات الأحكام، للسيد محمد بن الهادي بن تاج الدين، وفروعها الثمرات، للفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان، وشرح الفقيه عبدالله النجري.
ومنها: المعراج شرح المنهاج، في علم الكلام، للإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع).
ومنها: كتاب الأثمار، للإمام المتوكل على الله شرف الدين، يحيى بن شمس الدين، وشروحه مثل: شرح القاضي العلامة، محمد بن يحيى بن بهران الصعدي البصري التميمي؛ وشرح القاضي عماد الدين، يحيى بن محمد بن حسن المقرائي؛ وشرح الفقيه، صالح بن صديق النمازي الشافعي.
ومنها: فتاوي الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي بن داود المؤيدي (ع).
ومنها: مصنفات حي والدنا، الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد ـ قدس الله روحه ـ في الحديث والأصول، والفروع، وغيرها.
إلى غير ذلك مما اشتملت عليه كتب الأئمة وفتاواهم.
ومن كتب فقهاء العامة: في التفسير كتاب الكشاف، لجار الله العلامة، وغيره.
ومنها: أمهات الحديث، وهي الصحاح الستة، وجامع الأصول لابن الأثير، وتجريد جامع الأصول لهبة الله البارزي، والتيسير للديبع، والمعتمد للقاضي محمد بن يحيى بن بهران الصعدي، والمستدرك للحاكم.
وغيرها من الكتب المتداولة بين أهل هذا الشأن، في الحديث وغيره في كل فن، مما يطول تعداده.
وأنا أبرأ إلى الله من اعتقاد مايوهمه بعضها من الجبر، والتجسيم، والتشبيه، ومايخالف المنقول، الصحيح والمعقول، ويخالف عقائد أهل البيت (ع).
فهذه الكتب المذكورة، وغيرها مما لم يذكر، قد صحت لنا بطرق الرواية المعتبرة عند أهل العلم؛ المتصلة بالإسناد إلى مصنفيها؛ وتفصيل طرقها يستوعب مجلداً. /305

(1/305)


ثم ساق (ع) الإسناد الجملي، المتصل بالأئمة السابق ذكره عنه؛ وعن الإمام يحيى شرف الدين.
إلى قوله: وبطريقنا عن والدنا المنصور بالله ـ قدس الله روحه ـ، وغيره من مشائخه الذين أخذنا عنهم، وعن غيرهم من أهل البيت، وغيرهم.
إلى قوله: وقد اشتمل على تفصيل هذا الإجمال كتاب، جمع فيه الوالد ـ قدس الله روحه ـ جميع طرق علوم الإسلام.
[فقهاء المذاهب الأربعة اغترفوا من خضم العترة الزاخر]
إلى أن قال (ع):
ومن بحار القدماء من أهل البيت اغترف أئمة المذاهب الأربعة؛ فإن أكثر الفقهاء في الصدر الأول، الذي كان فيه زيد بن علي، كانوا على رأيه، ثم بعده كذلك.
فأبو حنيفة من رجاله وأتباعه، في كل كتاب من كتب أهل المقالات، وكذا صاحباه: أبو يوسف، ومحمد.
والشافعي تلميذ لمحمد بن الحسن، وكان داعياً ليحيى بن عبدالله بن الحسن، الإمام في زمن هارون الرشيد، وشرس عليه بنو العباس لأجل ذلك.
وكذا كانت قراءته في غير الفقه، على رجلين، من أتباع زيد بن علي، وهما رجلا أهل الحق، أحدهما: يحيى بن خالد الزنجي؛ والآخر: إبراهيم بن أبي يحيى المدني.
وكذا مالك، كان يفتي من سأله بالقيام مع محمد بن عبدالله النفس الزكية، على المنصور أبي الدوانيق، وشيخه جعفر الصادق في الحديث.
فلا مذهب أقدم من مذهب زيد بن علي (ع)، وكيف لايكون كذلك، وهو يرويه عن أبيه عن جده، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ليس بينه وبينه إلا رجلان، ثالثهما الوصي ـ عليه السلام، ورحمة الله وبركاته.
انتهى كلامه رضوان الله عليه وسلامه /306

(1/306)


الفصل الخامس [في تفصيل أسانيد كتب الأئمة]
الفصل الخامس، في تفصيل المختار، من رواة العلوم والآثار.
ولنقدم الطرقات إلى مؤلفات آل الرسول قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، على جدهم وعليهم أفضل الصلوات والتسليم والتكريم والتبجيل.
وأولاها تقديماً وتشريفاً، وأولها تقدماً وتأليفاً، مؤلفات إمام آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، فاتح باب الجهاد والاجتهاد، ومقيم حجة الله في الأرض على العباد، الولي بن الولي، الطاهر الزكي، الهادي المهدي، أمير المؤمنين، المبشر به جده الرسول الأمين، أبي الحسين، الإمام الأعظم، زيد بن علي سيد العابدين، بن الحسين سبط سيد المرسلين، بن علي أمير المؤمنين، وأخي سيد النبيين، وابن فاطمة الزهراء، سيدة نساء الأولى والأخرى، بنت خاتم النبيين، وإمام المرسلين، صلوات الله وسلامه، وإكرامه وإعظامه، عليهم أجمعين، وعلى سلفهم وخلفهم الطيبين الطاهرين.
وقد سبق المختار من الطرق، إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع) في الإسناد الجملي، وإلى من بيننا وبينه في الفصول السابقة، فأروي بها جميعها عنه(ع)، وأُوْرِدُ هنا منها سنداً عالياً، ليس بيني وبين الإمام فيه، وفي كثير من الطرق إليه، وإلى أئمة الهدى ـ بفضل اللَّه تعالى ـ إلا أعلام النبوة، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، من بين إمام سابق، ومقتصد لاحق؛ ولأعلام الأئمة، /309

(1/309)


وعلماء الأمة، معظم الرغبة في مثل هذا المسلسل النبوي، حرصاً على اقتباس أنوارهم، والتماس آثارهم، والمرء مع من أحب.
قال الإمام عبدالله بن حمزة (ع):
والله ما بيني وبين محمد .... إلا أمرؤ هاد نماه هادي
إلى قوله (ع):
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتىً يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
ماأحسن النظر الصحيح لمنصف .... في مقتضى الإصدار، والإيراد
الأبيات.
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لايشكرون.
[إسناد كتب الإمام زيد (ع)]
فأقول حامداً لله كما يجب لجلاله، ومصلياً ومسلماً على رسوله محمد وآله:
يروي المفتقر إلى الله تعالى، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما وغفر لهما وللمؤمنين ـ مجموعي الإمام الأعظم الولي بن الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ عليهم صلوات الملك العلي ـ: الحديثي، والفقهي، وسائر مؤلفاته ورسائله، بجميع الطرق السابقة إلى الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد، التي أرفعها عن شيخي، ووالدي العلامة الولي، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، سماعاً في المجموع الفقهي وغيره، وإجازة عامة في الجميع، عن شيخه أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن /310

(1/310)


القاسم الحوثي، عن شيخه أمير المؤمنين المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير، وشيخه السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ.
فأما الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله، فيروي ذلك وغيره عن مشائخه الثلاثة:
السيد الإمام، بدر الآل الكرام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير.
والسيد الإمام، حافظ اليمن، سيد بني الحسن، أحمد بن زيد الكبسي.
والسيد الإمام، حافظ علوم العترة الكرام، مؤلف أنوار التمام، أحمد بن يوسف زبارة الحسني ـ رضي الله عنه ـ.
وثلاثتهم يروون ذلك، وغيره، عن السيد الإمام الحسين بن يوسف زبارة الحسني، عن أبيه السيد الإمام يوسف بن الحسين، عن أبيه السيد الإمام، حافظ علوم الإسلام، الحسين بن أحمد، عن السيد الإمام عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المجدد للدين المنصور بالله القاسم بن محمد.
(ح)، وأما السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، وكذا السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي أيضاً فيرويان ذلك، وغيره، عن السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبدالرب بن الإمام ـ رضي الله عنهم ـ، عن عمه السيد العلامة إسماعيل بن محمد، عن أبيه العلامة محمد بن زيد، عن أبيه العلامة زيد بن الإمام، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
وهو يروي ذلك، وغيره، عن مشائخه السادة الأئمة، أمير الدين بن عبدالله الهدوي الحوثي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي الجحافي، والسيد الإمام صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، المتوفى عام أربعة وعشرين وألف.
قال العلماء في شأنه إنه كان أفضل أهل زمانه، وأورعهم، وأفصحهم، صادعاً بالحق، لاتأخذه في الله لومة لائم /311

(1/311)


ثلاثتهم عن شيخهم السيد الإمام، شمس الإسلام، أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين.
وهو يروي ذلك وغيره، عن الإمام الأكرم المجاهد في سبيل الله، المنصور بالله، محمد بن علي السراجي، عن شيخه الإمام المؤتمن، أمير المؤمنين الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، بن الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، عن شيخه الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن شيخه الإمام أمير المؤمنين، المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى (ع)، عن أخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى، المتوفى عام خمسة وثمانين وسبعمائة، والفقيه العلامة محمد بن يحيى المذحجي؛ عن الفقيه العلامة، علم الدين، علامة المعقول والمنقول القاسم، عن أبيه العلامة، عين أعيان علماء الزمان أحمد، المتوفى عام أحد وسبع مائة، عن أبيه إمام الأعلام الشهيد السعيد، حميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام الحجة أمير المؤمنين، المجدد للدين، المنصور بالله رب العالمين، عبدالله بن حمزة.
(ح)، وأروي ماتقدم من المجموع، وغيره بالسند السابق، المتصل بالإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع).
وهو يروي ذلك، وغيره، بقراءته للمجموع الشريف، على شيخه السيد الإمام، محدّث اليمن، مؤلف الهداية والفصول، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله الوزير، بقراءته على السيد الإمام، شيخ العترة ومحدثها ومفسرها، وحافظ علومها، صلاح الدين أبي العطايا، عبدالله بن يحيى، بقراءته على أبيه السيد الإمام العابد الزاهد، مؤلف صلة الإخوان، يحيى بن السيد الإمام، علم الأعلام، المهدي بن القاسم الحسيني، الزيدي نسباً ومذهباً، بقراءته على السيد الإمام الواثق برب الأنام، المطهر، بقراءته على أبيه الإمام المهدي لدين الله، أمير المؤمنين محمد، بقراءته على أبيه الإمام المظلل بالغمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، المطهر بن يحيى (ع)، بقراءته على الشيخ العلامة، المذاكر تقي الدين /312

(1/312)


محمد بن أحمد بن أبي الرجال ـ رضي الله عنه ـ بقراءته على الإمام الشهيد، المهدي لدين الله، أمير المؤمنين أحمد بن الحسين (ع)، بقراءته على شيخ الشيعة، وحافظ الشريعة، العلامة أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، المعروف بشعلة - رضي الله عنهم -، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
[السند إلى كتب الإمام عبدالله بن حمزة، وبعض كتب الأئمة، ومروياتهم]
نعم، ونروي بهاتين الطريقين إلى الإمام المنصور بالله (ع) جميع مروياته، ورسائله وأشعاره، ومؤلفاته الجامعة النافعة، التي منها كتاب الشافي، المتضمن لسند المجموع، وأمالي الإمام المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام المرشد بالله الخميسية، والاثنينية، والمحيط بالإمامة، لعالم الشيعة، أبي الحسن علي بن الحسين الزيدي ـ رضي الله عنه ـ، ومناقب ابن المغازلي، وتهذيب الحاكم، وأمالي السمان، ومسند أحمد بن حنبل، والأمهات الست من كتب القوم، وغير ذلك، من العلوم الجمة، والأبحاث المهمة.
ولنا إلى الإمام في جميع ذلك طريق ثالثة، ستأتي إن شاء اللَّه تعالى، عند ذكر السند إلى مؤلفاته خاصة (ع).
وكذا نروي بهذا السند المبارك جميع مرويات الإمام الشهيد، المهدي لدين الله، أحمد بن الحسين، والإمام المتوكل على الله، المطهر بن يحيى، ومؤلفاتهما.
وجميع مرويات الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، ومؤلفاته؛ منها: المنهاج الجلي، شرح مجموع الإمام زيد بن علي، ومجموعه.
وجميع مرويات الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى، ومؤلفاته التي منها البحر الزخار والأزهار، وشرحه الغيث المدرار.
وجميع مرويات الإمام المتوكل على الله، المطهر بن محمد الحمزي، وما يروى عنه.
وجميع مرويات إمام التحقيق، الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، ومؤلفاته؛ منها: المعراج شرح /313

(1/313)


المنهاج، وشرح البحر إلى الحج.
وجميع مرويات الإمام المنصور بالله، محمد بن علي السراجي، ومايروى عنه، وجميع مرويات الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، ومؤلفاته؛ منها: الاعتصام، والأساس.
أروي مالكل إمام منهم (ع)، بالطريق المتصلة به، وكل من اتصل به الإسناد هذا ممن بيننا، وبين الإمام المنصور بالله (ع) من نجوم العترة، وعلماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، فهو طريق إليه في جميع ما له من تأليف، ورواية ـ بحمد اللَّه تعالى ـ فليحفظ هذا؛ ففيه فوائد عظام، ومقاصد جسام.
ونعود إلى التمام، بإعانة الملك العلام، فنقول:
قال الإمام الحجة المجدد للدين، عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي: إسناد مجموع الفقه لزيد بن علي.
أخبرنا الشيخ الأجل الأوحد، حسام الدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه اللَّه تعالى ـ قراءة عليه، وأخبرنا الشيخ الأجل العالم الفاضل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد العبشمي القرشي قالا: أخبرنا القاضي الأجل الإمام، شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ.
إلى آخر السند الآتي ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ، ونستكمل الأسانيد المختارة إلى القاضي جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ؛ ثم نرجع إلى كلام الإمام (ع) في الشافي، وهكذا نصنع عند كل من تتصل به الرواية من طرق متعددة كما سبق ويأتي.
وهذه علامة تحويل الإسناد (ح) كما لايخفى.
وكل من أعدنا ذكره بلفظ ويروي فلان أو نحوه فطريقنا إليه السند المتقدم إليه قبل ذلك، وهذا واضح، وإنما أكدته لزيادة البيان، وعلى الله التُّكْلان.
هذا، ويروي الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد؛ عن أبيه السيد الإمام، حافظ علوم الأئمة الكرام، محمد المتوفى، عام سبعة وتسعين وثمانمائة؛ عن أبيه السيد الإمام، فخر العترة الكرام، عبدالله، المتوفى عام أربعين وثمانمائة، ابن السيد الإمام، علم الأعلام، بحر العترة الزاخر، ونجم الأسرة الزاهر، جمال آل /314

(1/314)


محمد، الهادي بن إبراهيم الوزير، وتمام نسبهم الشريف مذكور في التحف الفاطمية ، عند ذكره في سيرة الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، كما سبق من التحويل، فيمن لم نذكره هنا على ذلك؛ عن السيد الإمام، متمم شفاء الأوام، صلاح بن الجلال اليحيوي؛ عن السيد الإمام، صاحب الكرامات العظام، الهادي بن السيد الإمام يحيى ـ مؤلف الياقوتة ـ بن الحسين بن يحيى بن الأمير الخطير ـ مؤلف اللمع والقمر المنير ـ علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)، والسيد الهادي بن يحيى مؤلف تعليقة اللمع، المعروفة بالشرفية، توفي عام أربعة وثمانين وسبعمائة، وهو في مشهد جده إمام اليمن يحيى بن الحسين (ع)؛ عن الإمام الولي أمير المؤمنين المهدي لدين الله، علي بن محمد بن علي (ع).
[ترجمة أحمد بن حميد الحارثي، وأحمد بن علي مرغم]
عن القاضيين العالمين، أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي.
قال فيه الإمام الواثق بالله (ع): ينبوع العلم الفوار، وزبرقان الفلك الدوار، فاتح الأرتاج، ودرة التاج.
إلى قوله:
وإن صخراً لتأتمّ الهداةُ به .... كأنه عَلَم في رأسه نارُ
إلى آخر كلامه.
وقال فيه السيد عماد الإسلام، يحيى بن المهدي في الصلة: كان أحمد بن حميد ـ أعاد الله من بركاته ـ عالماً فاضلاً ورعاً، يرى لأهل بيت محمد أبلغ مما يرى لنفسه.
إلى قوله: كافاه الله عنّا بالحسنى، وكان نفع الله به في علم الكلام، كعبد الجبار قاضي القضاة، وفي الورع كعمرو بن عبيد، وفي ولاء أهل البيت كالصاحب الكافي. انتهى.
توفي في عشر الخمسين والسبعمائة.
والقاضي العلامة، أحمد بن علي مرغم الصنعاني، المتوفى في عشر التسعين وسبعمائة، وكان كثير العلم شهير الفضل ـ رضوان الله عليهما ـ.
وهما يرويانه عن الإمام الأواه، أمير المؤمنين المهدي لدين الله، محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، عن الأمير المؤيد، عالم آل محمد، المتوفى بصارة بلاد جماعة، عام ثلاثة وسبعمائة، ابن ترجمان الدين أحمد، الملقب المهدي بن الأمير /315

(1/315)


الداعي إلى الله تعالى شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الأمير الكبير، حافظ العترة، الناصر للحق، مؤلف الشفاء، والتقرير أبي طالب، الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الأمير الخطير، مؤلف القمر المنير، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الشيخ الحافظ المفسر، محيي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني الحارثي، صاحب البيان في التفسير، وكان من أعلام عصابة الإمام الشهيد الحميد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، وله إليه كتاب السؤالات، اشتمل على مايقرب من ألف سؤال، وأجاب عليه الإمام (ع) بكتابه المسمى نهاية الإرشاد وبغية المراد ـ رضي الله عنه ـ؛ عن شيخى آل الرسول الداعيين إلى الله شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ.
[ترجمة الصريمي صاحب التذكرة، والسيد عبدالله بن يحيى بن المهدي]
(ح)، ويروي ذلك الإمام يحيى شرف الدين (ع) أيضاً، عن الفقيه العلامة الفاضل المفتي، جمال الدين علي بن أحمد الشظبي، المتوفى عام سبعة وتسعمائة؛ عن الفقيه العلامة المذاكر المجتهد، جمال الدين علي بن زيد بن حسن الشظبي الصريمي صاحب التذكرة، المتوفى عام اثنين وثمانمائة، وهو من أعيان جماعة الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع)، ولما رحل إلى مكة المشرفة؛ لطلب الحديث، رأى وهو في المسجد الحرام قائلاً يقول:
إن السيد عبدالله بن يحيى هو الذي تنبغي الرحلة إليه.
وقيل: إن ذلك في خروجه إلى مصر ـ والسيد عبدالله بن يحيى، المشار إليه، هو السيد الإمام، حافظ علوم الإسلام، شيخ العترة الكرام، المتكرر ذكره، أبو العطايا، عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً (ع) ـ فرجع الفقيه جمال الدين من فوره، وقرأ عليه، وقال في ذلك أبياتاً منها:
بشرايَ هذا أوان الفوز بالظفر .... ماكنتُ أبغي كموسى فاز بالخَضِرِ
/316

(1/316)


... إلخ.
عن السيد الإمام المتقدم أبي العطايا، فخر آل محمد، عبدالله بن يحيى بن المهدي (ع).
[ترجمة الفقيه يوسف]
عن الفقيه العلامة المذاكر، نجم الدين يوسف بن أحمد بن عثمان، صاحب المؤلفات الفائقة، كالثمرات اليانعة، والزهور على اللمع، والرياض على التذكرة، وله تعليق على الزيادات، والجواهر والغرر في كشف أسرار الدرر ـ يعني درر الأمير علي بن الحسين (ع) ـ.
وكان الفقيه يوسف من المبايعين للإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، ولما جاءه البشير بخروج الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى (ع)، وهو بثلا، سجد سجدة أدمى فيها وجهه، وكان كثير التأسف على الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين، محمد بن الإمام علي بن محمد (ع)، وكان يقول لطلبته: قوموا لنبكي على الإمام.
[مُؤَلَّفه: الثمرات]
وما يقع في الثمرات، في أسباب نزول الآيات، من المخالفة للحق، الذي عليه العترة المطهرة (ع)، والروايات المعلومة المتواترة، فمنشؤه الاعتماد على كتب المخالفين في النقولات، مع عدم الالتفات إلى تصحيح الروايات، على غير قصد لما تتضمنه من الدلالات، ولا تعمد لمخالفة المعلومات، وموجب التأويل لمثل هذا العالم، ماعلم من الحال من الطريقة الصالحة، والسيرة المرضية، مع عدم التصريح بما يوجب التأثيم، ورد الحق الصحيح الصريح؛ فيترجح حينئذ جانب الحمل على السلامة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب:5]، وهو المطلع على السرائر، وإليه يرجع الأمر كله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
توفي عام اثنين وثلاثين وثمانمائة.
[ترجمة الفقيه حسن النحْوِي]
عن إمام الشيعة الأعلام، وحافظ علوم العترة الكرام، شيخ الإسلام، الحسن بن محمد النحوي، الصنعاني المدحجي، المتوفى عام أحد وتسعين وسبعمائة.
قال في مطلع البدور: هو شيخ الزيدية وعالمهم، ومفتي الطوائف /317

(1/317)


وحاكمهم.
إلى قوله: علامة تعطو إليه أعناق التحقيق، عبّادة تلحظ إليه أحداق التوفيق.
قال في حقه صاحب الصلة: فأما الفقيه حسن بن محمد النحوي، فهو شيخ شيوخ الإسلام، مفتي فرق الأنام، مؤسس المدارس في اليمن، محيي الشرائع والسنن، طبق فضله الآفاق، فانتشر علمه وفاق، ومضت أقضيته وأحكامه في مكة ومصر والعراق وبلاد الشافعية لاتعاب ولا تعاق، وكانت حلقته في فقه آل محمد تبلغ زهاء ثلاثين عالماً ومتعلماً، في حلقة واحدة. انتهى.
وكان أشد الناس مودة لآل محمد، وأكثرهم تعظيماً لهم وتوقيراً. انتهى.
ونقل عنه أنه كان يقول: إذا لم يكن في حلقة قراءتنا من أهل البيت أحد، اعتقدته خداجاً، ونقصاً.
ومن مؤلفاته التيسير في التفسير، والتذكرة الفاخرة.
وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول: ذكر الصالحين وكراماتهم جلاء القلوب، وقد ورد أن عند ذكر الصالحين تنزل البركات.
ومما كتبه المفتقر إلى الله تعالى ـ عفا الله عنه ـ في مبحث ساق إليه الكلام:
وكم أتى من قصص .... في نصّ منزل السور
فبهداهم اقتده .... قيل لسيد البشر
كفى به كفى به .... إن كنت من أهل النظر
عن الفقيه العلامة المذاكر عماد الإسلام يحيى بن حسن البحيبح، عن السيد الإمام نجم آل محمد المؤيد بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ، بسنده السابق.
(ح). ويروي ذلك الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، عن السيد الإمام الأمير متمم الشفاء صلاح بن الإمام المهدي لدين الله، إبراهيم بن تاج الدين؛ عن الأمير الحسين بن بدر الدين، عن أبيه الداعي إلى الله، بدر /318

(1/318)


الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ.
(رجع) قال: أخبرنا الشيخ الإمام، شرف الفقهاء، قطب الدين، أبو الحسن أحمد بن أبي الحسن الكني ـ طول الله عمره ـ قال: أخبرنا الشيخ الإمام فخر الدين أبو الحسين زيد بن الحسن البيهقي البروقني ـ ببلد الري، قدمها حاجاً في شعبان سنة أربعين وخمسمائة ـ.
قلت: بَرُوقن (بفتح الموحدة التحتية فراء مضمومة، فواو ساكنة، فقاف مفتوحة، فنون)؛ وهو من أعلام مشائخ الإسلام، وقد ذُكر مع غيره من الأعيان في التحف الفاطمية، كما سبق.
(ح)، ويروي أيضاً ذلك الأميران شيخا آل الرسول شمس الدين، وبدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى، عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع)؛ عن شيخ الإسلام زيد بن الحسن البيهقي ـ رضي الله عنه ـ.
[ترجمة الحاكم الحسكاني، وولده]
(رجع) قال: أخبرنا الحاكم أبو الفضل وهب الله بن الحاكم أبي القاسم عبيدالله بن عبدالله بن أحمد الحسكاني.
قلت: بضم الحاء المهملة، وسكون السين المهملة.
قال في الطبقات: هو الحاكم ابن الحاكم، أبو الفضل، يروي المجموع عن أبيه، وعنه زيد بن الحسن البيهقي. انتهى.
[تفسير الحاكم والحجة والحافظ والأستاذ والمبتدي]
قلت: وذكروا أن الحاكم ـ على مصطلح أهل الأثر ـ هو المحيط بالسنة، متناً، وسنداً، وجرحاً، وتعديلاً؛ ودونه الحجة، وهو المحيط بثلاثمائة ألف حديث؛ ودونه الحافظ، وهو المحيط بمائة ألف حديث؛ ودونه الأستاذ الكامل وهو المحدث؛ ودونه المبتديء الراغب، وهو الطالب. /319

(1/319)


(رجع) قال: أخبرنا أبي وهو الشيخ الإمام الحافظ صاحب شواهد التنزيل.
قلت: وهو أعظم دليل على جلالة محله، وتمكنه في ولاء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ فقال: الحسكاني القاضي المحدث، الحافظ الحاكم أبو القاسم؛ إلى أن قال: وقد توفي من بعد السبعين وأربعمائة، ووجدت له مجلساً يدل على تشيعه، وخِبرته بالحديث، وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي (ع) انتهى.
وذكره في طبقات الحنفية فقال: الحافظ المتقن، سمع وجمع وانتخب إلخ.
[ترجمة محمد بن سليمان الكوفي ومحمد بن عبدالله الشيباني]
(رجع) قال: أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن علي النيسابوري بقراءتي عليه من أصله وهو يسمع.
قلت: وثقه الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ أن أبا الفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن المطلب الشيباني أخبرهم بالكوفة.
قلت: وهو من مشائخ السيد الإمام أبي عبدالله، محمد بن علي (ع) صاحب الجامع الكافي، أخرج له الإمامان أبو طالب، والمرشد بالله (ع)؛ وأخرج له شيخ الإسلام محمد بن سليمان الكوفي، صاحب الإمام الهادي إلى الحق (ع)، والمسائل له بما في المنتخب، ومؤلف كتاب القبول والبراهين في معجزات النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكتاب المناقب، في فضائل أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وشواهد إمامته بالأسانيد الخمسة المعروفة، المشهور بفضل رواته في علماء الحديث، وفقهاء العراقين، والحجاز، ومصر، /320

(1/320)


والشام، واليمن، وغيرها من البلدان، وفيها الشهادة بفضله، وعلمه في الفقه، وأصول الملة، ونقلة أخبارها، وبعلمه بطرق الاستدلال على الحق، وذلك مع اختياره الهجرة من العراق إلى إمام الأئمة الهادي إلى الحق، واختياره له لولاية قضاء المسلمين في بلدته، وحضرته؛ وقد جاهد قبل ذلك مع الإمام علي بن زيد الزيدي (ع) بالكوفة، وسمع عن علامة العراق محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليهما ـ.
توفي أبو الفضل سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وله تسعون سنة.
وقد غض منه الذهبي، وجَرْحهم غير مقبول لما علم من اختلاف المذهب، بل هو تعديل؛ إذ ليس ذنبهم إلا العمل بموجب مادلت عليه الآيات القرآنية، والأخبار النبوية، مما أجمع عليه جميع الفرق الإسلامية، من تمسكهم بالعترة المحمدية، ولزومهم لذوي القربى من السلالة المطهرة العلوية.
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
[تعديل علي بن كاس، وترجمة عبد العزيز بن إسحاق، وولده القاسم، والآبنوسي]
قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن كاس النخعي، القاضي بالرملة، قراءة عليه، من كتابه، سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.
قال في الطبقات: وثقه الإمام المؤيد بالله، وخرج له هو والإمام أبو طالب، والمرشد بالله، وصاحب المحيط. انتهى.
توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
(ح) ويروي ذلك أيضاً الشيخ قطب الدين، أحمد بن أبي الحسن الكني، عن الشيخ أبي الفوارس توران شاه، عن الشيخ أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد بن الحسن، عن الشيخ علي بن محمد الخليل، عن القاضي الأجل يوسف بن الحسن الخطيب ـ رضي الله عنهم ـ؛ عن الإمام المؤيد بالله أبي الحسين، أحمد بن الحسين؛ عن السيد الإمام أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)؛ عن أبي القاسم، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي.
قال في مطلع البدور: العلامة الحافظ المحدث ـ رحمه الله ـ والد الشيخ القاسم الآتي ذِكره ـ إن شاء الله ـ.
قلت: وما حكاه العلامة الشارح، في أول الروض هنا ولفظه: وله كتاب /321

(1/321)


في إسناد مذهب الزيدية، وتعدادهم..إلخ وَهَم.
وإنما ذلك ولده القاسم، وهو انتقال ذهن من ولده إليه، والذي في مطلع البدور في ترجمته ما ذكرته.
وقال في ترجمة ولده القاسم: العلامة الكبير، الفاضل الشهير، الشيخ العالم الزاهد السعيد، ولي آل محمد، القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي ـ قدّس الله روحه ـ كان رأساً في العلوم، مهيمناً على المظنون منها والمعلوم، له كتاب في إسناد مذهب الزيدية، وتعدادهم، وذكر تلامذة زيد بن علي (ع) وأصحابه الذين أخذوا عنه العلم إلخ.
هذا، وروى عن شيخ الزيدية عبد العزيز بن إسحاق البغدادي البقال، الإمامُ أبو طالب (ع) بواسطة أحمد بن محمد البغدادي، والسيد الإمام علي بن العباس العلوي، وكان سماعه عليه سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
وروى عنه صاحب المحيط فأكثر، من طريق أبي العباس الحسني، وأبي عبدالله محمد بن علي صاحب الجامع.
وسلك الذهبي في ترجمته مسلكه في أمثاله فقال: كان في حدود الستين وثلاثمائة.
إلى أن قال: له تصانيف على رأي الزيدية، عاش تسعين عاماً.
وأورد حديثاً من طريقه.
وقال: إسناده مظلم، ومتنه مختلق.
وقد ردّ عليه السيد الإمام إبراهيم بن القاسم صاحب الطبقات، وأخرج الحديث من طرق أخر، وأبان بطلان كلامه.
(ح)، ويروي ذلك أيضاً القاضي يوسف الخطيب، عن الإمام الناطق بالحق أبي طالب (ع)، عن أبي عبدالله أحمد بن محمد البغدادي الآبنوسي (بفتح الهمزة ممدودة، وفتح الموحدة، وضم النون، وسكون الواو، وكسر السين المهملة).
قال في مطلع البدور: الشيخ المحدث، الرُّحلة، شمس الدين.
إلى قوله: شيخ الإمام أبي طالب، ومن تلامذة شيخ الزيدية، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي ـ رحمهم الله جميعاً ـ. انتهى /322

(1/322)


قال الذهبي في ترجمته: أبو عبدالله الآبنوسي.
قال البُرْقَانِي: سمع لنفسه جامع أبي عيسى من غير أن يسمعه.
إلى قوله: ومات قبل الأربعمائة.
قال في الطبقات: يشير إلى تليينه لمَّا كان من محدثي الشيعة. انتهى.
قلت: قال الشارح المحقق في الروض، وفي نسخ المجموع: رواية علي بن العباس، عن عبد العزيز.
إلى قوله: ولم أقف في الأسانيد على من رواه عنه، ويغلب في ظني ـ والله أعلم ـ أن الراوي عنه السيد أبو العباس الحسني..إلخ.
ثم حكى ترجمة علي بن العباس العلوي، وماذكر من الخبط في نسبه، وقد ذكرت الصحيح في ذلك في التحف الفاطمية في ترجمة أبي العباس الحسني عند شرح:
كَذَا الحسنُ بنُ القاسِم الفرد بعده .... البيت، وأنه أدرك الإمام الهادي إلى الحق، والإمام الناصر للحق، وروى عنهما.
وروى عنه السيد الإمام أبو العباس (ع).
وذكر في حواشي الإبانة أنه سُئل عن الإمامين، فقال: كان الهادي فقيه آل محمد، وكان الناصر عالم آل محمد.
وله مؤلفات، منها: كتاب يذكر فيه أقوال أهل البيت.
هذا، قال في الطبقات: روى أي الآبنوسي، عن شيخ الزيدية عبد العزيز بن إسحاق، وأبي الفرج الأصفهاني. انتهى.
عن علي بن محمد بن كاس ـ وعنده اتفق الشيباني، وعبد العزيز بن إسحاق، كما ترى.
[ترجمة سليمان بن إبراهيم المحاربي، ونصر بن مزاحم، وإبراهيم بن الزبرقان]
قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي جدي أبو أمي سنة [265] خمس وستين ومائتين.
قلت: قال في الطبقات: وثّقه المؤيد بالله، والقاضي جعفر، خرج له محمد بن منصور، والسيدان الأخوان: المؤيد بالله، وأبو طالب. انتهى.
قال: حدثني نصر بن مزاحم المنقري العطار.
قلت: هو أبو الحسين منسوب إلى جدّ له.
(مِنْقَر: كدِرْهَم).
وهو ـ أي نصر ـ صاحب الإمامين محمد بن إبراهيم، أخي القاسم، ومحمد بن محمد بن زيد (ع)؛ له كتاب أخبار صفين، أكثر ابن أبي الحديد النقل عنه، وقال: هو من رجال الحديث. انتهى.
وأخرج له الإمام الهادي إلى الحق، والإمامان المؤيد بالله، وأبو /323

(1/323)


طالب (ع)، وغيرهم.
قال في المطلع: أحد أعلام الزيدية، كثر الله عددهم..إلخ.
وفي شأنه قال السيد العلامة عبدالله بن علي الوزير ـ رضي الله عنهما ـ، لما رأى تحامل الذهبي عليه، في ميزانه:
في كِفَّة الميزان مَيْلٌ واضح .... عن مثل مافي سورة الرحمنِ
فاجزمْ بخفض النصب وارفعْ رتبةً .... للدين واكسرْ شوكةَ الميزانِ
قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان التيمي.
قلت: قال في الطبقات: (بكسر المعجمة الأولى، والمهملة الثانية، بينهما موحدة ساكنة، ثم قاف، ثم ألف ونون) التيمي الكوفي.
وذكر أنه روى عن أبي خالد المجموعين، وعن مجاهد، وعنه أبو نعيم الحافظ، وأنه قال نصر بن مزاحم: كان من خيار المسلمين.
إلى أن قال: احتج بروايته أئمتنا؛ وثقه المؤيد بالله، وابن معين، وذكره السيد صارم الدين، في حاشية المجموع.
قال في تاريخ الإسلام: توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة. انتهى.
[قدح الخصوم في رواية أبي خالد بالتفرد]
قال الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع)، في المنهاج الجلي: قال إبراهيم بن الزبرقان: سألت أبا خالد، كيف سمعت هذا الكتاب من زيد (ع)؟.
قال: سمعته منه في كتاب قد وطأه وجمعه، فما بقي من أصحاب زيد (ع) ممن سمعه معي إلا قُتِل غيري.
رضي الله عنهم. انتهى.
وقد علم أنه لم ينقل كتاب البخاري، المسمى بالصحيح عن مؤلفه، إلا الفَِربري ، ونقلوا عنه أنه سمعه معه تسعون ألفاً اعتذر بأنهم ماتوا، كما ذكر ابن حجر وغيره.
قال في مقدمة الفتح: وذكر الفربري أنه سمعه معه تسعون ألفاً، ولم يبق من يرويه غيره.
إلى قوله: والرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار، وما قبلها، عن رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري.
انتهى كلامه.
فقبل الخصوم عذره، ولم يقدحوا بتفرده، بل جعلوا /324

(1/324)


روايته أصح الروايات، وقدحو في رواية أبي خالد بالتفرد، ولم يقبلوا عذره، مع أنه أوضح من براح، فإن الإمام الأعظم، وأصحابه ـ قدس الله أرواحهم ـ استشهدوا في سبيل الله في معركة معلومة لجميع الأمة، والبخاري وأصحابه لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان ذلك الميدان، ولم ينزل بهم شيء من الطوام، حتى ينقطع العدد الذي لم تجر العادة بانقطاع ماهو دونه في أقرب الأعوام.
قاتل الله الهوى كيف يصنع بأهله! هذا مع أن كتبهم مشحونة بالرواية عن المتفردين.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): والذي قدح عليه النواصب بأمور، منها: تفرده بالرواية.
إلى قوله: ولم يروا ذلك قادحاً؛ هذا البخاري قد أخذ عمن تفرد بالرواية.
ثم سرد أسماءهم وذلك واضح.
[ترجمة أبي خالد الواسطي]
قال: حدثني عمرو بن خالد الواسطي.
قلت: هو أبو خالد، من أعلام أشياع عترة سيد الأنام، احتج بروايته سادات الأئمة، وهداة الأمة، كالإمام أحمد بن عيسى بن الإمام الأعظم (ع)، من طريق حسين بن علوان، والإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، والإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وأخيه الناطق بالحق يحيى بن الحسين (ع).
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن: والمجموع ملتقى بالقبول عند أهل البيت (ع)، وهو أول كتاب جُمع في الفقه /325

(1/325)


قال السيد الحافظ أحمد بن يوسف، أحد شراح المجموع، المخرجين له، الذي أكثر صاحب الروض من تخريجه واعتمده: هذا مستلزم، ومتضمن لتعديل أبي خالد ـ رحمه الله ـ؛ ولاريب أنه إذا ثبت إجماع أهل البيت على عدالته، لم يؤثر فيه قدح من سواهم، كائناً من كان. انتهى.
[الكلام على تعديل أبي خالد، وصحة مارواه]
وقال السيد صارم الدين في علوم الحديث: ولا يمتري أئمتنا في عدالة أبي خالد، وصدقه وثقته، وأحاديثه في جميع كتبهم؛ وقد روى عنه الهادي (ع) بضعاً وعشرين حديثاً.
إلى أن قال: وهو مسلسل الأحاديث النبوية، بسند السلسلة الذهبية. انتهى.
هذا، ووفاة أبي خالد ـ رضي الله عنه ـ في عشر الخمسين والمائة؛ وقد نال منه بعض أهل الجرح كما نالوا من أمثاله؛ وليس لهم ذنب، إلا التمسك بمن أمر الله تعالى بالتمسك بهم، والكون معهم، وقد أوضح علماء الآل (ع)، وأشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ بطلان هذيانهم بما لايسعه المقام؛ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد.
[شيء من أحاديث مجموع الإمام زيد بن علي(ع)]
قال: حدثني زيد بن علي، وهو المصنف، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (ع) قال: لما ثقل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في مرضه، والبيت غاص بمن فيه، قال: ((ادعوا لي الحسن والحسين)) فدعوتهما؛ فجعل يَلْثَمُهُما حتى أغمي عليه.
قال: وجعل علي (ع) يرفعهما عن /326

(1/326)


وجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ففتح عينيه، وقال: ((دعهما يتمتعان مني، وأتمتع منهما؛ فإنه سيصيبهما بعدي أثرة)) ثم قال: ((أيها الناس، إني خلّفت فيكم كتاب الله وسنتي، وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي؛ أما إن ذلك لن يفترق حتى ألقاه على الحوض)).
قلت: هكذا ساق هذا الحديث في الشافي، عند تمام السند.
وبالسند المتقدم، حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) قال: عالم أفضل من ألف عابد؛ العالم يستنقذ عباد الله من الضلال إلى الهدى، والعابد يوشك أن يقدح الشك في قلبه فإذا هو في وادي الهلكات.
وبإسناده عن علي (ع) قال: العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يخلّفوا ديناراً، ولادرهماً، إنما تركوا العلم ميراثاً بين العلماء.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإنه يستغفر لطالب العلم مَنْ في السماوات ومن في الأرض، حتى حيتان البحر، وهوام البر؛ وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)).
وبه عن علي (ع) قال: من أخلص لله أربعين صباحاً، يأكل الحلال، صائماً نهاره، قائماً ليله، أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وبه عن علي (ع): تعلموا العلم قبل أن يُرفع؛ أما إني لاأقول لكم هكذا ـ وأرانا بيده ـ ولكن يكون العالم في القبيلة فيموت فيذهب بعلمه، فيتخذ الناس رؤساء جهالاً، فيسألون فيقولون بالرأي، ويتركون الآثار والسنن، فيضلون ويُضلون.
قلت: الأول مفتوحُ الأول لازم، والثاني مضموم متعدّ، أي: /327

(1/327)


يضلون في أنفسهم، ويُضلون غيرهم.
(رجع).
فعند ذلك هلكت هذه الأمة.
قلت: وقد تكلم علماء الأصول على عدم جواز خلوّ الزمان عن مجتهد، وتأولوا نحو هذا بأن المراد برفعه وقبضه قِلّة حملته، وعدم تمكنهم، وظهور الجهلة، وغلبة سلطانهم، مع بقاء الطائفة المتمسك بها، التي لاتفارق الكتاب، وهي ظاهرة بالحجة والبيان، وذلك لما وعد الله تعالى ببقائها على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبه عن علي (ع) قال: من قرأ فاتحة الكتاب فقال: الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه؛ صرف الله عنه سبعين نوعاً من البلاء، أهونها الهم.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟)).
قالوا: بلى يارسول الله.
قال: ((أفشوا السلام بينكم، وتواصلوا، وتباذلوا)).
قلت: والرواية بحذف النون مِنْ: لاتدخلوا، ولاتؤمنوا، ولا النافية لاتعمل، وقد ذكر أهل العربية أنه قد ورد حذفها لغير ناصب، ولا جازم، وله شواهد ليس هذا محلها.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن أقربكم مني غداً، وأوجبكم علي شفاعة، أصدقكم لساناً، وأداكم لأمانته، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس)).
وبه عن علي (ع) قال: يكاد الناس أن ينقصوا، حتى لايكون شيء أحب إلى امرئ مسلم من أخ مؤمن، أو درهم من حلال؛ وأنى له به؟!.
وبه عن علي (ع): من تَكْرِمة الرجل لأخيه أن يقبل بِرّه، وتحفته، وأن يتحفه بما عنده، ولا يتكلف له.
قال: وقال علي (ع): سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ /328

(1/328)


يقول: ((لاأحب المتكلفين)).
وبه عن علي (ع) قال: للمسلم على أخيه ست خصال: يعرف اسمه واسم أبيه، ومنزله، ويسأل عنه إذا غاب، ويعوده إذا مرض، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن المتحابين في الله تعالى لعلى عمود من ياقوتة حمراء، على رأس العمود سبعون غرفة، يضيء حسنهن لأهل الجنة، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا؛ فيقول أهل الجنة: انطلقوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله؛ فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم لأهل الجنة، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب خضر من سندس، بين أعينهم مكتوب على جباههم (هؤلاء المتحابون في الله عز وجل))).
وبه عن علي (ع) قال: أول ما تُغْلَبون عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم؛ فإذا لم ينكر القلب المنكر، ويعرف المعروف، نكس فجعل أعلاه أسفله.
وبه عن علي (ع) قال: لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم.
وبه عن علي (ع) قال: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فما كنتُ لأترك شيئاً مما أمرني به حبيبي، رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبه عن علي (ع) قال: بايعنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكنا نبايعه على السمع والطاعة في المكره والمنشط، في اليسر والعسر، وفي الأثرة علينا، وأن نقيم ألسنتنا بالعدل، ولا تأخذنا في الله لومة لائم؛ فلما كثر الإسلام قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((ألحق فيها: وأن تمنعوا رسول الله، وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم، وذراريكم)).
قال: فوضعتها والله على رقاب القوم، فوفى بها من وفى، وهلك بها من هلك. /329

(1/329)


وبه عن علي (ع) قال: من قال في موطن قبل وفاته: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ نبياً، وبعلي وأهل بيته أولياء، كان له ستراً من النار، وكان معنا غداً هكذا ـ وجمع بين إصبعيه ـ.
وبه عن علي (ع) قال: قال لي رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((أنت أخي، ووزيري، وخير من أخلفه بعدي، بحبك يعرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون، من أحبك من أمتي فقد برئ من النفاق، ومن أبغضك لقي الله - عز وجلّ - منافقاً)).
[صفة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ]
وبه قال: بينا علي (ع) بين أظهركم بالكوفة، وهو يحارب معاوية بن أبي سفيان، في صحن مسجدكم هذا، محتبياً بحمائل سيفه، وحوله الناس محدقون به، أقرب الناس منه أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والتابعون يلونهم؛ إذْ قال رجل من أصحابه: ياأمير المؤمنين صف لنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كأنا ننظر إليه، فإنك أحفظ لذلك منا.
فصوَّب رأسه ورقّ لذكر رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، واغرورقت عيناه.
قال: ثم رفع رأسه ثم قال: نعم، كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبيض اللون، مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق العرنين، سهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية؛ كان شعره مع شحمة أذنيه إذا طال، كأنما عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته، يجري كالقضيب؛ لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره، إلا نبذات في صدره، شثن الكف والقدم؛ إذا مشى كأنما يتقلع من صخر أوينحدر من صبب، إذا التفت التفت جميعاً؛ لم يكن بالطويل ولا بالقصير، ولا العاجز اللئيم؛ كأنما عرقه اللؤلؤ، ريح /330

(1/330)


عرقه أطيب من المسك؛ لم أرَ قبله ولا بعده مثله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[الحديث المسلسل بـ(عدَّهُنَّ في يدي) من المجموع]
وبالإسناد المتقدم إلى أبي القاسم علي بن محمد النخعي، قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي، جدي أبو أمي، قال: عدهن في يدي نصر بن مزاحم، قال نصر بن مزاحم: عدّهن في يدي أبو خالد، قال أبو خالد: عدّهن في يدي زيد بن علي (ع)، قال زيد بن علي: عدّهن في يدي علي بن الحسين (ع)، قال علي بن الحسين: عدّهن في يدي الحسين بن علي (ع)، قال الحسين بن علي: عدّهن في يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وقال علي بن أبي طالب: عدّهن في يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((عدّهن في يدي جبريل (ع)، وقال جبريل: هكذا نزلتُ بهنّ من عند رب العزة:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وترحّم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وتحنن على محمد وعلى آل محمد، كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وسلّم على محمد وعلى آل محمد، كما سلّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد)).
قال أبو خالد رحمه الله: عدّهن في يدي بأصابع الكف، مضمومة، واحدة واحدة، مع الإبهام.
وهذا ختم المجموع الشريف المرتب، والحمد لله كثيراً.
نعم، وإمام الجهاد والاجتهاد، الإمام الأعظم الزكي، الهادي المهدي، زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ، لا يحتمل المقام اليسير من فضائله، ولا يتسع البحث عشر العشير من مكارمه وشمائله؛ وكفى بما ورد فيه عن جده الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الأخبار النبوية، وعن أبيه سيد الوصيين ـ سلام الله عليهم ـ من البشائر العلوية؛ وجميعها من الأعلام /331

(1/331)


النبوية؛ وكذا عن أبويه ريحانة الرسول الحسين السبط، وسيد العابدين، وأخيه باقر علم الأنبياء، وابنه جعفر الصادق؛ وعن سادات آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم وسلامه ـ، خلفاً عن سلف؛ وقد علم إطباق علماء الأمة المحمدية، وإجماع فضلاء الملة الحنفية، من جميع الفرق، على إجلاله وتعظيم شأنه، واحترام مكانه، والقيام بحقه، والإقرار بسبقه، وتضمين مؤلفات الموالفين والمخالفين، لما أولاه الله تعالى من الفضل، وأكرمه به من الكرامات، الدالة على علوّ محله عند الله، وبلوغه غاية النبل.
وقد تضمنت شيئاً مما ورد فيه، وفي الأئمة السابقين، عن جدهم سيد المرسلين، وأبيهم سيد الوصيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ، التحفُ الفاطمية شرح الزلف الإمامية؛ وكل ذلك قد شحنت به الأسفار، ونقله الأئمة الكبار.
وسار مسير الشمس في كل بلدة .... وهبّ هبوب الريح في البر والبحرِ
وعند عروض مايقتضي ذلك، نتبرك بذكره في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ، على أن الأمر في ذلك كما قال أبو الطيب المتنبي، في والدهم الوصي (ع):
وتركتُ مدحي للوصي تعمداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استقامَ الشيءُ قامَ بنفسه .... وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلاً
وحين نذكر شيئاً من ذلك، فإنما هو من باب قوله:
أسامي لم يزدن معرفةً .... وإنما لذةً ذكرناها
والمرء مع من أحب.
هذا، وقد تضمن كثيراً من أصحاب الإمام الأعظم (ع)، تأليفُ الشيخ العالم الزاهد، ولي آل محمد (ع)، القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق البغدادي، المتقدم - رضي الله عنهم -.
وسنفرد ـ إن شاء الله تعالى ـ فصلاً جامعاً يشتمل على ثقات الرواة، في كتب الأئمة الهداة (ع)، ومن عرض ذكره قبل /332

(1/332)


ذلك وقع الكلام عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ كما قد سبق، ويأتي في غضون الأبحاث في كل محل بما يقتضيه السياق، مع كثرة المقاصد واتساع النطاق؛ وسيكون العمل إن شاء الله على هذا المنوال، بعون الملك المتعال، والحمد لله على كل حال.
[أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع) والرد على من زعم أن محمد بن منصور يقبل رواية المجهول]
(أمالي حفيد الإمام الأعظم، عالم آل محمد أبي عبدالله، أحمد بن عيسى بن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ) وهي المسماة علوم آل محمد، وجامع محمد بن منصور.
وسماها الإمام المنصور بالله (ع) بدائع الأنوار في محاسن الآثار.
ومؤلفها عالم العراق، وإمام الشيعة بالاتفاق، أبو جعفر، محمد بن منصور المقري المرادي ـ رضوان الله عليه ـ؛ وهو يروي عن أعلام آل محمد (ع).
وهذا الكتاب من أقدم كتب الإسلام؛ فإنه سُمع على مؤلفه عام ستةٍ وخمسين ومائتين، وهو العام الذي مات فيه البخاري، محمد بن إسماعيل الجُعْفي، وتوفي مسلم بعده بست سنين، وبقي شيخ الإسلام محمد بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ، إلى نيف وتسعين؛ فقد بارك الله في عمره، وانتفع به المسلمون ببركة ملازمته لآل محمد(ع).
وما يحكى عنه من قبول المجهول، لم يثبت؛ هكذا قرر بعض علمائنا.
قلت: والذي يظهر لي أن مستند الرواية عنه في قبول المجهول، ما في بعض أسانيده عن رجل أو نحوه؛ وهو مأخذ غير صحيح؛ فإن ذلك لايستلزم أن يكون مجهولاً لديه، ولعله لم يسمِّه لمقصد صالح.
ثم لو فرض أنه مجهول له فلم يُصَرح بقبوله، ولم يلتزم التصحيح في جميع مارواه في الكتاب، وإنما قصده الجمع؛ وإن كان المقصود والأغلب روايات آل محمد (ع)، وأتباعهم ـ رضي الله عنهم ـ.
وما كان عن غيرهم فعلى سبيل المتابعة /333

(1/333)


والاستشهاد؛ فالعهدة على الناظر في أخذ ماصحّ، وطرح مالم يترجح.
هذا وقد صرح السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، في تنقيح الأنظار، أن محمد بن منصور نصّ على قبول المجهول في كتابه، بهذا أو معناه، ولم نجد ذلك في كتابه أصلاً؛ والله ولي التوفيق.
[الطريق إلى أمالي أحمد بن عيسى]
نعم، أروي أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع)، بالأسانيد السابقة في المجموع، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)؛ عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى (ع)، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن إمام الشيعة الحسن بن محمد النحوي، عن العلامة عماد الدين يحيى بن حسن البحيبح - رضي الله عنهم -، عن الأمير المؤيد بن أحمد، عن الأمير الحسين بن محمد، عن الأمير علي بن الحسين، عن الشيخ عطية بن محمد النجراني، عن الأميرين الداعيين إلى الله شمس الدين، وبدره، يحيى ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي جعفر بن أحمد، عن الكني، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن علي خليل، عن القاضي يوسف الخطيب ـ رضي الله عنهم ـ، عن الثلاثة الأئمة: المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس؛ عن السيد الإمام، القدوة، عالم آل محمد(ع)، بالري، أبي زيد، عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع)، المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة بالري؛ عن شيخ الإسلام محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليه ـ.
(ح)، وأرويها أيضاً بالسند المتقدم في المجموع، إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنهما ـ، عن الأمير الداعي إلى الله، شيبة الحمد، بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ عن الشريف العالم، تاج العترة المطهرة، عماد الدين، الحسن بن عبدالله بن محمد بن يحيى، من ولد /334

(1/334)


المرتضى بن الإمام الهادي إلى الحق (ع)، المعروف بالمُهوِّل.
[ترجمة السيد المهول، وابن غبرة الهاشمي، وأبي الفرج المعدل، وابن الصباغ، وابن ملاعب الأسدي، والشريف أبي البركات العلوي]
قلت: قال في الطبقات: كان سيداً عالماً إماماً، عماداً في الدين، سمع عليه الأمير بدر الدين وقال: سمع أمالي أحمد بن عيسى، المعروف بالعلوم، عن الشيخ محمد بن محمد بن غبرة الحارثي.
إلى قوله: وروى أمالي المرشد بالله الخميسية، عن أحمد بن أبي الحسن الكني، بقراءته عليه، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.
ورواهما عنه الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ ذكره المنصور بالله في مشيخته.
إلى قوله: لعل وفاته في عشر السبعين وخمسمائة. انتهى.
قال: أخبرنا الشيخ الأجل محمد بن علوي بن غَبَرة الحارثي، قراءة عليه بدار الكوفة، في شهر ربيع الآخر، سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
قلت: قال في الطبقات: محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علوي.
إلى قوله: الهاشمي الكوفي الحارثي المعدل، أبو الحسن..إلخ.
وهو مثلث.
قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان المعدل.
قلت: ترجم له في الطبقات، ومطلع البدور، وهو من أعلام الزيدية الأبرار، كان في أفراد ستمائة ـ رضي الله عنه ـ.
عن أبي طالب محمد بن الصباغ.
قلت: قال في الطبقات: محمد بن الحسين البزار، أبو طالب، المعروف بابن الصباغ، يروي أمالي أحمد بن عيسى..إلخ.
قال: أخبرنا علي بن عبد الرحمن بن ماتي.
قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد.
وأرويها أيضاً بالأسانيد السابقة في المجموع، إلى القاضي جعفر بن أحمد، عن الشيخ الفاضل العدل، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي.
قلت: أثنى عليه في الطبقات، وهو من رجال الزيدية الأخيار بالكوفة.
قال: ولعل موته في الخمسين بعد الخمس المائة /335

(1/335)


قال: أخبرنا الشريف السيد عمر بن إبراهيم العلوي.
قلت: هو السيد الإمام، عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، المتوفى عام تسعة وثلاثين وخمسمائة، عن سبع وتسعين، وهو من أعلام آل محمد (ع)؛ ترجم له في الطبقات، ومطلع البدور.
قال فيها: هو أبو البركات، العالم النبراس، محط رحال العلماء، ومفتخر الإسلام.
ترجم له الذهبي، وترجم له ابن الأثير في كتاب اللباب، وترجم له الجلال السيوطي في البغية، وفي الطبقات.
قال السيوطي: هو أحد أئمة النحو، واللغة، والفقه، والحديث.
قال ابن الأثير: الزيدي نسباً، ومذهباً.
وذكر ترجمة الذهبي له؛ وقد نال منه كما هي سجيته، إلا أنه أقرّ بعلمه، وفضله.
وفي الطبقات: وروى عنه ابن السمعان، وابن عساكر، وأبو موسى المدني، والحسن بن علي بن ملاعب الأسدي.
قال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: وهؤلاء الذين رووا عنه حفاظ الإسلام في عصرهم..إلخ.
قال: وصلى عليه ثلاثون ألفاً. انتهى.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن بحسل العطار.
قال في الطبقات: ضبط بمهملتين، وذكر روايته.
قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن الحارث.
قلت: كذا في الإسناد، وفي الطبقات في ترجمة الشريف السابق: ولم يترجم لمحمد بن الحارث هذا والمشهور أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان السابق.
ولكن الرواية /336

(1/336)


كذا.
وفي ترجمة ابن بحسل المتقدم: أنه يروي الأمالي عن محمد بن محمد بن الحارث عن ابن الصباغ عن ابن ماتي ـ والله أعلم ـ.
عن محمد بن الحسين البزار المعروف بابن الصباغ، عن علي بن ماتى.
[ترجمة ابن ماتي، وحسين بن علوان]
قلت: هو المتقدم العلامة أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتى (بفتح المثناة الفوقية، وكسرها) مولى آل زيد بن علي (ع)، الكاتب البغدادي، المتوفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، من ثقات الشيعة، ترجم له في الطبقات، وغيرها، وأفاد ماذكرنا.
قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد، قال: حدثنا أحمد بن عيسى.
ثم ساق الأخبار والآثار إلى آخر الكتاب.
وفيه: قال ـ أي محمد بن منصور ـ: حدثني أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: كان إذا استفتح الصلاة قال: الله أكبر؛ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين؛ إن صلاتي، ونسكي، ومحياي ومماتي، لله رب العالمين، لاشريك له؛ وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
قلت: حسين هو ابن علوان (بضم المهملة ـ رواية الشريف ـ وفتحها ـ رواية القاضي جعفر بن قدامة الكلبي ـ) أبو علي الكوفي، روى عن الصادق، وعبدالله بن الحسن، وغيرهم، وهو الواسطة بين عالم آل محمد (ع)، وأبي خالد.
وعلى مثل هذا السند عند العترة مدار كبير، احتج به نجوم آل الرسول (ع)، أحمد بن عيسى، والناصر للحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب، وغيرهم.
وقد نال منه الخصوم، كما نالوا من أمثاله لاختصاصهم ومودتهم؛ توفي في بضع عشرة ومائتين، وترجم له في الطبقات، بخلاصة ماذكر؛ وكذا الحلبي. /337

(1/337)


[ترجمة أبي الطاهر العلوي]
وفيه: حدثنا أبو الطاهر.
قلت: يعني أحمد بن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (ع)، من أعلام العصابة المهدية، يروي بهذه السلسلة العلوية؛ وقد ترجم له في الطبقات، وغيرها.
[ثلاثة كل واحد منهم يُسمى أحمد بن عيسى]
وينبغي أن يعلم أنه قد تقدم ثلاثة، كل واحد منهم يسمى أحمد بن عيسى:
الأول، جد الراوي عن محمد بن منصور، كما سبق في سند أئمة العراق.
والثاني: الإمام صاحب الأمالي.
والثالث: أبو الطاهر هذا.
ونعود إلى تمام الخبر.
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى أهل بيته ـ فأتى بني مجمم، فقال: ((من يؤمكم؟)).
قالوا: فلان.
قال: ((لايؤمنكم ذو خربة في دينه)).
قال أبو جعفر: الخربة: الذي يكون شبه الخدش.
وفيه: قال محمد: سمعت أبا الطاهر العلوي يذكر، قال: إذا سمعت حديثين وثبتا عندي، حديث عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وحديث عن علي (ع) أخذتُ بالحديث الذي عن علي؛ لأنه كان أعلم الناس بما كان عليه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ. /338

(1/338)


[ترجمة موسى بن أبي حبيب، والكلام على الجهر بالبسملة في الصلاة]
وروى الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، عن الأمالي مالفظه: قال محمد: حدثنا إبراهيم بن حبيب.
قلت: ترجم له السيد الإمام في الطبقات بكونه الرواجني الكوفي، وذكر من يروي عنهم ومن يروون عنه لاغير.
عن موسى بن أبي حبيب.
قلت: هو الطائفي، يروي عن زين العابدين (ع)؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وقال: مقبول، ولم يذكروا له، ولا لإبراهيم، ولا للحكم ـ فيما اطلعت عليه من الطبقات وغيرها ـ وفاةً، ولازيادةً على ماحرر في معرفة حالهم.
قال: حدثني عمي الحكم بن عمير، وكان بدرياً، قال: صليت مع النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة المغرب، وفي العشاء الآخرة، وفي الفجر، وفي الجمعة.
قلت: وهذا الخبر يرجح؛ بل يكاد يصرح، بما اختاره الإمام الهادي إلى الحق (ع)، ذكره في المنتخب، ودلّ عليه في الأحكام دلالة واضحة بنصه، على أن حكمها حكم الفاتحة؛ واختاره جمهور الأئمة (ع) من أن البسملة حكمها حكم سائر القراءة في الجهر والإسرار، وأن العمومات الواردة فيها مخصصة بعمومات الإسرار في النهارية؛ وإنما خصّها لوقوع الالتباس على /339

(1/339)


السامعين؛ لمكان قراءتها حال التكبير أيام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وحصول النزاع فيها أيام الوصي - صلوات الله عليه -.
وهذا أرجح من العكس، وهوتخصيص أدلة الإسرار بها؛ لهذا الخبر، ونحوه، ولما ذكر، ولإطباق قدماء الأئمة (ع) عليه في مؤلفاتهم، كالجامعين للهادي إلى الحق، والتجريد للمؤيد بالله، والتحرير لأبي طالب، والشفاء للأمير الحسين (ع)، وغيرهم؛ وهم أعرف بمقاصد أبويهم النبي، والوصي ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
ويزيد ذلك وضوحاً أن كل من حكى سماع الجهر بها حكاه في إحدى الجهريات، ومثل هذا خبر ابن عمر في الأمالي، وغيره؛ وليس الواجب إلا طلب أدنى مرجّح، للخروج عن عهدة التعارض، وكل واحد من هذه وجه ترجيح صحيح، ولا حاجة لذكر أدلة الجهر والإسرار، نحو إجماع الأمة على إسراره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقراءة في العصرين، كما نقله الثقات الأثبات.
وأدلة التأسي، و((صلوا كما رأيتموني أصلي)) توجب المتابعة، وخبر مجموع الإمام الأعظم بسند آبائه، عن الوصي ـ صلوات الله عليهم ـ، أنه كان يسرّ القراءة في الأوليين من الظهر والعصر إلخ، وغيرها، وهي مفيدة للعموم.
وقد فسر بذلك الإمام الهادي إلى الحق (ع)، قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} [الإسراء]، فقال (ع): يقول: لاتجهر بالقراءة في صلاة الظهر، والعصر ولا تخافت بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء والفجر..إلخ.
وقال (ع): وأمره أن يخافت فيما قرأ فيه من جميع صلاة النهار..إلخ.
وغيرها فهي معلومة مرسومة؛ هذا الذي ظهر، وللناظر نظره؛ إذْ هذه /340

(1/340)


من مسارح الأنظار، ومطارح الأفكار، التي لامجال فيها للإنكار، والله الموفق.
نعم، قال في الطبقات، عقيب ذكر هذا الخبر: وهو ثلاثي لمحمد بن منصور لا ثلاثي له غيره.
هذا، ومن أعلام آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من ذكرهم محمد بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ في قوله فيها: رأيت في وجه أحمد بن عيسى ـ رحمه الله ـ أثراً خفياً من السجود، وكذلك رأيت في وجه عبدالله بن موسى ـ يعني: ابن عبدالله بن الحسن ـ وقاسم بن إبراهيم، وعبدالله بن موسى بن جعفر ـ يعني: الصادق ـ، وإدريس بن محمد بن يحيى بن عبدالله بن الحسن، وعبيدالله بن علي بن عبيدالله، وعبدالله بن محمد بن يحيى بن عبدالله بن حسن، بعضهم أكثر من بعض.
[نبذة ممن يروي عنهم الإمامان القاسم بن إبراهيم، وأحمد بن عيسى، وممن يروي عنهما]
قلت: وهم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي، نجوم العترة (ع) في عصرهم.
ويروي الإمام أحمد بن عيسى عن الصادق، وعن حسين بن علوان كما سبق، وعن محمد بن بكر، عن أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني، عن الباقر (ع)، وهذا السند أيضاً من معتمدات آل محمد (ع).
وروى عن أحمد بن صبيح اليشكري الأسدي، وعن محمد بن زكريا العلابي - رضي الله عنهم -.
واختلف في سماع الإمام أحمد عن أبيه عيسى بن زيد (ع).
وعنه، ابناه: محمد، وعلي.
ومن شيعته: مخول بن إبراهيم النهدي الكوفي، صاحب الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن.
ويروي الإمام نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، عن آبائه (ع)، وعن السيد الإمام عبدالله بن الحسن بن الإمام إبراهيم بن عبدالله، عن آبائه (ع) كما في البساط، وأمالي الإمام أبي طالب، والشافي؛ وعن موسى بن جعفر، وعن أبي بكر بن أبي أويس، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي أمير /341

(1/341)


المؤمنين (ع).
واسم أبي بكر، عبد الحميد بن عبدالله بن عبدالله مثنى ـ وقيل: الثاني مصغر ـ الأصبحي المدني، المتوفى عام نيف ومائتين، روى عنه نجم آل الرسول كما سبق، وأبو الطاهر العلوي (ع)، واحتج به الستة إلا ابن ماجه، وكذلك أخوه إسماعيل بن أبي أويس، المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين، روى عنه القاسم بن إبراهيم، وأبو الطاهر (ع) والبخاري ومسلم.
نعم، والحسين بن عبدالله الذي روى عنه القاسم بن إبراهيم وفاتُه بعد الستين والمائة تقريباً.
وقد ذكرنا الرواة عن نجم آل الرسول (ع) في التحف الفاطمية .
ومنهم: عالم الشيعة جعفر بن محمد النيروسي (بفتح النون، وسكون المثناة التحتية، وضم الراء المهملة، وكسر السين المهملة، بينهما واو) الراوي عن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن آبائه (ع) خبر وفاة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بطوله.
ورواه عنه عبدالله بن الحسن الإيوازي (بالمعجمة) المتوفى بعد عشر وثلاثمائة، صاحب الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع)، الراوي عنه.
وأخذ عنه أبو العباس الحسني (ع)، ومما رواه عنه: خبر الوفاة هذا بطوله في المصابيح بهذا السند.
وروى النيروسي أيضاً عن شيخ الشيعة عباد بن يعقوب الرواجني (بفتح المهملة، وكسر الجيم) الأسدي، المتوفى عام خمسين ومائتين، الراوي عن النفس الزكية، والحسين بن زيد بن علي (ع)، وأكثر الرواية عنه محمد بن منصور.
وروى محمد بن منصور أيضاً عن عبدالله بن داهر، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (ع).
وروى محمد بن منصور أيضاً عن محمد بن راشد، المتوفى عام ستة وستين ومائة، عن عيسى بن عبدالله، عن آبائه عن علي (ع).
وجميع من تقدم، وهؤلاء الذين في سند الإمامين: نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وعالمهم /342

(1/342)


أحمد بن عيسى، ومن اتصل بهم ـ من أعيان العصابة الأبرار، وأولياء القرابة الأخيار، وعلى هذه الأسانيد الصحيحة أي مدار.
وقد نال منهم القوم، لمودتهم واختصاصهم بآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، مع عدم غنيتهم عنهم، كما أشرنا إلى روايتهم عنهم.
[نبذة ممن تكلم فيهم القوم وترجمتهم]
[أبان بن تغلب]
فممن تكلموا فيه من هذه العصابة المرضية: أبان بن تغلب (بمثناة فوقية، فمعجمة، فلام مكسورة، فموحدة) أبو سعيد الكوفي القاري، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة؛ روى عن الإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وولده الصادق، وعنه الإمام يحيى بن عبدالله (ع)، وعباد بن العوام الواسطي، المتوفى عام خمسة وثمانين ومائة، صاحب الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ع).
خرج له الإمامان: المؤيد، والمرشد، ومحمد.
هذا، وأخرج لأبان أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور.
وأخرج له مسلم، والأربعة.
قال الزايغ الناصبي الجوزجاني: زايغ مجاهر.
وقد أعيت المذاهب على الذهبي، في مثل هذا الولي. إنْ ردّ أخبارهم جميعاً، انسدت عليهم الطريق؛ لاعتماد أهل صحاحهم، على هؤلاء الفريق بإقرارهم، كما أسلفنا لك، أنهم الأصل في السنن؛ وإنما استرقوا منهم السمع، وغيّروا وبدلوا.
وإنْ قبلهم على الإطلاق خرج من مركزه، فعدل إلى ردّ البعض، وقبول البعض، بلا دلالة، إلا اتباع الهوى، فحسبه ماتولّى.
قال في الطبقات: قال الذهبي: ولقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة، والإتقان؟ فكيف يكون عدلاً صاحب بدعة؟
وجوابه: أن البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلو في التشيع، أو /343

(1/343)


التشيع بلا غلو ولا انحراف، وهذا كثير في التابعين، وتابعيهم.
إلى قوله: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
إلى قوله: أما غلاة الشيعة في عرف السلف فهم من تكلم في عثمان، والزبير وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب علياً، أو تعرض لسبهم.
إلى قوله: ولم يكن أبان بن تغلب يتعرض للشيخين أصلاً؛ بل يعتقد أن علياً أفضل منهما. انتهى.
[إبراهيم بن محمد بن ميمون]
ومنهم: إبراهيم بن محمد بن ميمون، أبو إسحاق الفزاري، المتوفى عام اثنين وستين ومائة، روى عن محمد بن الحسين بن علي ابن أخي الباقر، وعن عيسى بن عبدالله، والد أبي الطاهر (ع)، وعن زيد بن الحسن الأنماطي ـ وفي رواية الأنطاكي ـ الراوي عن أئمة آل محمد (ع): الإمام الأعظم، ومن روايته عنه مناظرة هشام؛ والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، والصادق (ع)، وعن سعيد، أخي معمر بن خثيم الهلالي، صاحبي الإمام الأعظم (ع)، والراويين عنه، وأخوهما جابر بن خثيم، الرواي عن عبدالله بن الحسن (ع)؛ وعن أبي عبدالله شريك بن عبدالله النخعي، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة.
أخرج له أئمتنا الأربعة: المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور(ع)، وجماعة العامة.
وممن أخذ عنه: يحيى بن عبد الحميد الحماني، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين.
أخرج له الإمام المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله (ع) وجماعة العامة.
وعنه محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة.
أخرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الخمسة (ع).
وممن أخذ عنه: علي بن المنذر الطريقي (بفتح الطاء، وكسر القاف) المتوفى عام ستة وخمسين ومائتين الأزدي شيخ محمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ.
وإبراهيم بن محمد، من أقدم أشياخ محمد بن منصور، روى عنه /344

(1/344)


بلا واسطة، وبواسطة محمد بن جَمِيل.
وروى إبراهيم عن علي بن عابس الكوفي، وعن علي بن غراب الفزاري، المتوفى سنة أربع وثمانين ومائة.
وروى إبراهيم عن علي بن هاشم بن البريد، المتوفى سنة ثمانين ومائة، المجاهد مع الإمام الحسين الفخي، وأبوه مع الإمام الأعظم (ع).
وأخرج لإبراهيم، الإمام الناصر للحق (ع) في البساط، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني (ع).
[ترجمة إبراهيم بن أبي يحيى]
ومنهم إبراهيم بن أبي يحيى المدني، المتوفى سنة أربع وثمانين ومائة، شيخ ولي آل محمد، محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى ابن أبي يحيى، عن الإمام الأعظم، وعن جعفر بن محمد (ع)، وعن أبان بن أبي عياش (بمثناة تحتية) المتوفى في الأربعين والمائة تقريباً، الزاهد، العابد ـ رضي الله عنه ـ.
[ترجمة: أبي إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، وأبي عبدالله الجدلي، وأبي جحيفة، وسعيد بن جبير]
وروى أيضاً عن أبي إسحاق السبيعي، عمرو بن عبدالله الهمداني، المتوفى عام سبعة وعشرين ومائة، الراوي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بواسطة الحارث بن عبدالله الهمداني الأعور، المتوفى عام خمسة وستين، وواسطة عاصم بن ضمرة (بفتح المعجمة، وسكون الميم) المتوفى عام أربعة وسبعين.
وروى السبيعي، عن الحكم بن عتيبة (بمهملة، فمثناة فوقية، فأخرى تحتية، فموحدة)، المتوفى سنة خمس عشرة ومائة، الراوي عن أمير المؤمنين (ع)، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي، الشاهد مشاهد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المتوفى بالأردن عام ثمانية عشر، وأبي عبدالله الجدلي، إبراهيم بن عبدالله؛ أحد خواص أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وحبة بن جوين، (بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون التحتية، وبالنون) العرني، وأبي جحيفة عبدالله بن وهب الصحابي، المتوفى سنة أربع وسبعين، الشاهد مشاهد الوصي (ع) الذي كان (ع) يكرمه، ويسميه /345

(1/345)


وهب الخير.
وجميع هؤلاء من أعيان أصحاب الوصي (ع).
وروى السبيعي أيضاً عن عبد خير الهمداني، الكوفي، أبي عمارة، وعن علي بن ربيعة الوالبي الأسدي، أبي المغيرة.
وهو وعبد خير من خلّص أصحاب الوصي (ع)، كالذَّين قبلهما.
وروى ابراهيم بن أبي يحيى أيضاً عن العالم الشهيد، سعيد بن جبير، المبايع للإمام الحسن الرضى (ع)، قتله الجبار العنيد الحجاج بن يوسف، سنة خمس وتسعين، ودعا عليه ألا يُسَلَّط على أحد بعده، فاستجاب الله دعوته.
وروى الإمام المرشد بالله بسنده إلى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ((إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً، وسبعين ألفاً)) ورواه في المستدرك، وغيره.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة.
وله رواية عن أمير المؤمنين (ع)، عند المؤيد بالله، والطبراني، وروى عن عدي بن حاتم الطائي، وغيره من الصحابة، والتابعين.
وعنه المنهال بن عمرو الأسدي، وأبو هاشم الرماني صاحب الإمام الأعظم (ع) الراوي عنه، والراوي عن زاذان أبي عمرو المتوفى سنة اثنتين وثمانين، خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة إلا البخاري، وروى زاذان عن أمير المؤمنين (ع)، والبراء بن عازب، وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنهم ـ، وغيرهم.
نعم، قال الإمام يحيى شرف الدين (ع) في شرح مقدمة الأثمار، بعد حكايته لما قالوا في إبراهيم: انظر إلى تكلّفهم لجرح ابن أبي يحيى هذا، إنما كان لكونه من الشيعة، وأهل العدل، الذي هو كل آفة عند هؤلاء، وكان من أجِلّة مشائخ الشافعي.
حكى الذهبي عن الشافعي مامعناه أنه سئل عن جعفر بن محمد الصادق؟ فقال: هو الثقة، كيف وقد أخذنا عن إبراهيم ابن أبي يحيى أربعمائة حديث، عن جعفر الصادق؟
فأشكل عليهم الأمر في إبراهيم بن أبي يحيى، لظهور ماكان عليه من التشيع والعدل، واعتماد إمامهم /346

(1/346)


الشافعي عليه؛ مع ما يدعون عليه، وينسبون إليه من موافقته لهم، على ضلالهم عن طريق الحق في ذلك، وهو بريء منزه، انتهى.
وغيرهم كثير.
وإنما هذه لمحة من بارق، ناسب إيرادها هنا، لذكر من يتعلق بهم الإسناد.
فجميع من سبق من نجوم آل محمد (ع)، وعيون شيعتهم، الرواة والمروي عنهم ـ رضي الله عنهم ـ. وآثرت ذكرهم، ليعلم المطلع محلهم، وجرحهم لهم بالتشيع، مع كونهم عالة عليهم، ولأنه قد صار الخصوم، يدعون أن القوم الأصل في رواية الأخبار، ويموّهون بذلك على كثير من الأغمار، جهلاً من بعض وتجاهلاً من آخرين، والمعلوم أن الأمر بالعكس كما يعلم أولوا الاختبار.
هذا، ولما انساق البحث في هذا، رأيت أن نتمم الفائدة، بذكر طائفة من العصابة الأبرار، الرواة عن الأئمة الأطهار (ع) الذين اعتمد على روايتهم الأمة؛ من مخالف، وموالف، في جميع الأعصار؛ وأَخُصّ ذلك بمن روى عن الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ الذي تجنب الرواية عنه صاحب صحيحهم البخاري، كما سبق، وتجنب الرواية أيضاً عن غيره من أعلام بيت النبوة (ع) كما هو معلوم.
قال بعض علماء العترة (ع) في ترجمة الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): قال البخاري: لايتابع على حديثه.
قال: فهذا كلامه في هذا الإمام الذي قال عيسى بن زيد فيه: لو أخبرنا الله في كتابه أنه يكون بعد محمد نبي لقلنا: ذلك محمد بن عبدالله.
هذا، وإنما خصصتهم بالبحث لئلا يتسع الكلام، ولاشتمال ذلك على طائفة وافرة من الأعلام، الذين ينتهي إليهم إسناد صاحب الأمالي، وغيره من أئمتنا الكرام، وليزداد الناظر بصيرة في صنيع صاحب صحيحهم. /347

(1/347)


وكيف تجنب الإمام الصادق، ابن الإمام الباقر، ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مع أن أعلام الإسلام، وجميع أهل بيت النبوة الكرام، من عصره إلى آخر الأيام، مقتدون بذلك الإمام، مهتدون بهديه؟‍‍!.
فابن رسول الله هو العالم بكتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه، وصاحب بخارى مع ذلك يتطفل على أتباعه، ويتسرق من أصحابه وأشياعه؛ ولكنه لايروج الباطل الصريح، إلا بما يمازجه من الحق الصريح.
[من أخذ عنهم الصادق أو أخذوا عنه]
فنقول: روى أبو عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه باقر علم الأنبياء (ع)، الذي أبلغه جابر بن عبدالله السلام، عن جده رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وقال: إنه قال له: ((إنك ستعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي اسمه اسمي، يبقر العلم بقراً، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام))، فلما دخل محمد بن علي على جابر قام إليه فاعتنقه وقال له: جدك يقرأ عليك السلام.
وعن عبيدالله بن أبي رافع، كاتب أمير المؤمنين وولده الحسن السبط ـ صلوات الله عليهما ـ، المتوفى قبل المائتين؛ خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وهو وأبوه أبو رافع الأنصاري من موالي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وخواص آل محمد(ع).
وروى عن عبيدالله الأئمة الهداة، وولده محمد بن عبيدالله، الذي احتج به إمام الأئمة الهادي إلى الحق، وسائر أئمتنا (ع).
وممن أخذ عنه علي بن القاسم الكندي الكوفي، وهو كذلك روى له إمام الأئمة في المنتخب، والمؤيد بالله، ومحمد (ع).
وروى عن علي بن القاسم، الحسنُ بن الحسين العُرَني (بضم المهملة الأولى، وفتح الثانية ثم نون).
وأما الرواة عن الصادق (ع) فمنهم: أولاده إسحاق، وعلي، والإمام محمد، وموسى الكاظم، وحفيده الإمام علي بن موسى، والإمام يحيى بن عبدالله، والإمام عيسى بن الإمام الأعظم زيد بن علي، وأخوه الإمام /348

(1/348)


الحسين، وعبيدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
وهو وأخوه عبدالله بن محمد، يرويان عن خالَيهما: الإمام الأعظم، وأخيه الباقر(ع).
ومنهم: محمد بن عبدالله العلوي المتقدم، ومنهم: الحسن بن صالح بن حي الهمداني، المتوفى سنة تسع وستين ومائة، العالم، العابد، شِحَاك أعداء الله، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
روى الحسن أيضاً عن جابر بن يزيد الجعفي الراوي عن الباقر محمد بن علي (ع).
وروى الحسن، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الراوي عن الإمام الأعظم، والقائم هو وأبوه وجده مع آل محمد (ع)، وغيرهم.
وروى أيضاً عن هارون بن سعد العِجلي صاحب الإمام الأعظم (ع) والراوي عنه.
أخرج للحسن أئمتنا الأربعة (ع)، ومسلم، وأربعة العامة.
وأخذ عن الحسن بن صالح، الإمام الحسين بن الإمام زيد بن علي (ع)، وأخوه علي بن صالح، ويحيى بن آدم، المتوفى سنة ثلاث ومائتين، أحد ثقات الزيدية.
أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة.
ومنهم الولي السابق، الحصين بن المُخَارِق، (بضم الميم، وبالخاء المعجمة، فألف، وكسر الراء المهملة، والقاف) أبو جنادة السلولي، الكوفي، المتوفى رأس المائتين تقريباً، الراوي عن أعلام العترة: الإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وولده، والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، والإمام يحيى بن عبدالله، وعبدالله بن الحسين عن آبائهم(ع).
احتج به الإمام المؤيد بالله ووثقه، ومحمد بن منصور.
فمن أسانيده المعتمدة عن الإمام أحمد بن عيسى، عن حسين بن نصر بن مزاحم، عن خالد بن عيسى العُكْلي، عن الحصين بن المخارق، عن جعفر بن محمد (ع).
وروى عن الحسين بن /349

(1/349)


نصر بلا واسطة، وبواسطة الإمام أحمد بن عيسى (ع) العالمُ الموالي أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الأموي المرواني، صاحب كتاب مقاتل الطالبيين الكبير والصغير، والأغاني، المتوفى عام ستة وخمسين وثلاثمائة، وهو ممن هداه الله تعالى من الشجرة، لولاية العترة المطهرة، روى عنه السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع) وغيره، خرج له الإمامان المؤيد بالله، وأبو طالب، والإمام المنصور بالله (ع).
ووثقه وأثنى عليه في الشافي.
وخالف الذهبي فيه مذهبه فأثنى عليه في النبلاء. وقال: لابأس به.
قلت: ولعله شفع فيه نسبه.
[سفيان الثوري والآخذون عنه]
هذا، ومنهم: عالم الشيعة الزيدية، ورباني الأمة المحمدية، سفيان بن سعيد الثوري أبو عبدالله، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة.
لما قُتِل الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) قال: ما أظن الصلاة تُقْبل؛ إلا أن فعلها خير من تركها.
وكان يقول: حب بني فاطمة والجزع لهم مما هم عليه من الخوف والقتل؛ يُبكي مَنْ في قلبه شيء من الإيمان.
وكونه من خلصان الزيدية، معلوم بين علماء البرية؛ وكان من خواص الإمام عيسى بن زيد بن علي (ع).
قال السيد صارم الدين (ع): وتشدد سفيان على أئمة الجور، وكلامه في حقهم معروف، لاتستطيع الناصبية إنكاره، ولاتحتاج الشيعة دليلاً على إظهاره.
روى له الجماعة. انتهى.
وقال في مطلع البدور: وانتسابه على جلالته إلى الزيدية غير هيّن على من يكاثر بالرجال، ولم نقتنع بهذه النسبة، إلا بعد رواية الإمام الناطق بالحق مع شهرته بهذه الطريقة التي هي طريقة الزيدية.
وقد أجمع الناس على تشيعه وحبه لإمام الزيدية علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ. انتهى.
قلت: وأهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ، في غُنْيَةٍ بما جعله الله /350

(1/350)


لهم عن جميع الأمة، ولهم إلى العصر مايزيد على مائة إمام سابق، مفترض الطاعة على جميع الخلائق، دع من سواهم من المقتصدين، لولا وجوب بيان الحق، وتمييز المشاقق من الموافق.
هذا، ولهذا العالم العامل كرامة عظمى، وهي أن المنصور الدوانيقي لما حج أراد قتله، فلما وصل بئر ميمون أرسل أعوانه فجاءوا ونصبوا الخُشُب، وكان سفيان جالساً بفناء الكعبة ورأسه في حجر فضيل بن عياض ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة فقالا له: يا أبا عبدالله قم واختف، ولاتشمت بنا الأعداء.
فتقدم إلى أستار الكعبة ثم قال كلمة معناها القسم أنه لايدخلها أبو جعفر.
فركب المنصور من بئر ميمون فسقط عن فرسه فاندقت عنقه فمات لوقته، وبَرّ الله قسم عبده سفيان، وأذن بانتهاء عدوّه ذي الطغيان.
[عدد من الموالين للعترة]
وروى سفيان عن الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع).
وعن أيوب السختياني (بفتح المهملة وكسرها)، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة.
خرج له: أئمتنا (ع) والجماعة.
وعن حجاج بن أرطأة، المتوفى سنة سبع وأربعين ومائة، أخرج له أئمتنا الثلاثة: الأخوان، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ.
وعن زُبَيْد (بالتصغير) بن الحارث اليامي أبو عبد الرحمن، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة.
خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور.
وعن سلمة بن كهيل، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائة، وهما من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الرواة عنه ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى أيضاً عن محب آل محمد (ع)، سليمان بن مهران الأعمش، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والستة /351

(1/351)


وعن عطاء بن السائب المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، خرج له أئمتنا الخمسة(ع) والبخاري والأربعة.
وعن عطية بن سعيد العوفي، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائة، الراوي عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ، خرج له الإمام أبو طالب، والموفق بالله، والمرشد بالله، ومحمد (ع) وغيرهم.
وعن مغيرة بن مِقْسم الض بي مولاهم أبي هشام، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
وفي سلسلة سند التجريد الآتي إلى جرير بن عبد الحميد عن المغيرة الضبي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (ع).
وقد غلط الجنداري حيث قال: كذبه الباقر، وإنما هو ابن سعد.
أخرج له أئمتنا، وجماعة القوم.
وعن ولي آل محمد، العالم الرباني، منصور بن المعتمر السلمي أبي عتاب، المتوفى عام اثنين وثلاثين ومائة، أحد دعاة الإمام الأعظم (ع) الرواة عنه ـ رضي الله عنهم ـ، أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والستة.
وعن هُشَيِّم (بالتصغير) بن بَشِير (بالتكبير) السلمي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة، المجاهد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ع).
وأينما ورد مطلقاً فهو المراد.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
وممن روى عن هشيم من ثقات محدثي الشيعة: زكريا بن يحيى بن صبيح بن راشد الواسطي الكوفي الكسائي الملقب زحمويه (بالزاي، فمهملة، فميم مضمومة، فواو، فمثناة، فهاء).
وروى الثوري عن نصير آل الرسول، يزيد بن أبي زياد الكوفي، المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائة، المبايع للإمام الأعظم؛ أخرج له أئمتنا الخمسة، ومسلم والأربعة.
وأخرج للثوري ـ رضي الله عنه ـ أئمتنا الخمسة (ع)، وأبو /352

(1/352)


الغنائم، والجماعة، وأينما ورد سفيان مطلقاً في كتب أئمتنا (ع) فهو المراد؛ أفاده في الطبقات.
[سفيان بن عيينة، ومن أخذ عنهم وأخذوا عنه]
ومنهم: العالم الحافظ، محدث الحرم، سفيان بن عُيَي ْنَة أبو محمد، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي، (بفتح الهمزة والميم، وسكون المهملة)، المتوفى سنة ست وأربعين ومائة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة القوم.
وعن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، الإمام المفسر الشيعي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة، المبايع للإمام الأعظم (ع).
روى الحكم بن ظهير ـ بالتصغير ـ عن السدي، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) كتاب الصفوة والرسالة.
وروى ابن عيينة عن عبدالله بن أبي نجيح، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، الذي عدّه في رجال العدل والتوحيد الإمام الحجة (ع) في الشافي.
وروى ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، ومسلم، والأربعة، الراوي عن عدي بن ثابت الأنصاري، المتوفى سنة ست عشرة ومائة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة القوم.
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، أبي محمد المكي، المتوفى عام ستة وعشرين ومائة، أحد أولياء آل محمد (ع) الأثبات، الراوي عن ابن عباس، وابن مسعود، وطاووس ـ رضي الله عنهم ـ، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، والقوم.
وعن كثير بن إسماعيل النوا، الراوي عن الإمام الأعظم، وأخيه الباقر (ع)، أحد عيون الزيدية المجاهدين لأبي الدوانيق، مع العصابة المهدية - رضي الله عنهم - أخرج له الإمام أبو طالب (ع).
وعن مسعر بن كدام الهلالي، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائة، المبايع /353

(1/353)


للإمام الأعظم (ع)، أخرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، وجماعة القوم، وأينما أطلق في كتب أئمتنا فهو المراد.
وروى مسعر عن حبيب بن أبي ثابت المتوفى سنة سبع عشرة ومائة ـ رضي الله عنهما ـ، الراوي عن ابن عباس، وعلي بن الحسين (ع)، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وأربعة القوم.
وروى حبيب أيضاً عن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي، الشاهد مشاهد أمير المؤمنين (ع) كلها، الراوي عنه، وعن حذيفة، وأبي ذر ـ رضي الله عنهم ـ.
وممن أخذ عن حبيب: قيس بن الربيع الأسدي، المتوفى سنة بضع وستين ومائة، أحد المبايعين للإمام الأعظم، الراوين عنه ـ رضي الله عنهم ـ.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والأربعة إلا النسائي.
وأخذ عن حبيب أيضاً، كامل بن العلا ـ رضي الله عنه ـ الذي أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وأربعة العامة.
وأخذ عن ابن عيينة، العالم المؤلف عبدالله بن محمد بن إبراهيم أبو بكر بن أبي شيبة، المعدود هو وأخواه: عثمان، والقاسم ـ رضي الله عنهم ـ، من ثقات محدثي الشيعة، أخرج لهم أكثر أئمتنا (ع)، والعامة.
توفي أبو بكر سنة خمس وثلاثين ومائتين.
واسمه عبدالله، خلاف مافي علوم الحديث من كونه محمداً، ولعله سبق قلم، وتوفي عثمان سنة تسع وثلاثين ومائتين، وتوفي القاسم عام وفاة أخيه عبدالله.
هذا، وأخرج لابن عيينة الشريف السيلقي، وأبو الغنائم، وأئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة.
ومنهم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة، أبو محمد، العالم الولي، الذي أخذ عنه ابن المديني.
أخرج للدراوردي أئمتنا الأربعة /354

(1/354)


(ع) وجماعة القوم.
ومنهم: العالم الزكي عمرو بن جميع الكوفي، أبو المنذر العبدي، الراوي عن الإمام الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع).
وروى عنه عبدالله بن داهر الرازي، أخرج له الإمام الناصر للحق في البساط، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد (ع)، وروى عبدالله أيضاً عن أبيه داهر بن يحيى، أحد الأفاضل الرواة عن الصادق (ع).
أخرج لعمرو بن جميع أئمتنا (ع).
ومنهم: الشيعي الولي، عمرو بن شِمْر الجعفي، أخرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، والموفق بالله، ومحمد بن منصور، ـ رضي الله عنهم ـ، وأخذ عنه كادح بن جعفر، العابد الزاهد، الذي أخرج له الهادي إلى الحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب والجرجاني(ع).
ومنهم: الفاضل الشيعي، غياث بن إبراهيم النخعي، المتوفى في عشر التسعين والمائة؛ أخرج له الإمام أبو طالب، ومحمد بن منصور ـ رضوان الله عليهم ـ.
ومنهم: عالم مصر، الحافظ الأوحد، الليث بن سعد الأصبهاني، أبو الحارث، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة؛ وروى الليث أيضاً عن الباقر (ع)، وعن قاضي مصر عبدالله بن لهيعة (بفتح اللام، وكسر الهاء، وسكون التحتية)، المتوفى سنة أربع وستين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، وأخرج له جماعة العامة، إلا أن البخاري، والنسائي لم يصرحا باسمه، ومافي التجريد والشفاء من ظاهر تضعيف حديثه، فقد أجاب عنه في الطبقات، بأن ذلك إلزام للخصم على سبيل المعارضة، بعد ترجيح خلاف مارواه بوجه صحيح؛ هذا معنى ماذكر، وهو كلام قويم.
[مالك بن أنس، وأبو حنيفة ومن أخذ عنه]
ومنهم: مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبدالله، فقيه دار الهجرة، ولي آل /355

(1/355)


محمد (ع)، المبايع للإمام المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع)، والمفتي بالخروج معه؛ أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة.
وروى عن عطاء بن أبي رباح، المتوفى سنة خمس عشرة ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة.
وممن أخذ عن مالك: العالم المجاهد في سبيل الله، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، محمد بن عَجلان القرشي أبو عبدالله المدني ـ رضي الله عنه ـ القائم مع الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع).
ومنهم: شيخ الحرم، مسلم بن خالد المخزومي الزنجي، المتوفى سنة ثمانين ومائة، شيخ الشافعي الآخر ـ رضي الله عنهم ـ.
ومنهم: النعمان بن ثابت الفارسي أبو حنيفة، فقيه العراق، أحد أنصار الإمام الأعظم (ع) الراوين عنه ـ رضي الله عنهم ـ والمبايع للإمامين: محمد، وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن (ع).
عدّه من العصابة الزيدية، الإمامُ الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وغيره، وهو من الشهداء في حبّ أهل البيت (ع)، سقاه أبو الدوانيق السمّ لذلك.
وحالُ هؤلاء الثلاثة الأعلام: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، في قيامهم مع العترة، والتزامهم لما أمر الله به لهم من المودة والنصرة، معلومة، لعلماء الأمة، كحال غيرهم من علماء الإسلام، المحرزين للنجاة، بالدخول في سفينة الآل الهداة، ـ رضي الله عنهم ـ وجزاهم عن الدين أفضل الجزاء.
نعم: وممن أخذ عن أبي حنيفة الحافظ المحدث، الفضل بن دكين أبو نعيم، واسمه: عمرو بن حماد، المتوفى سنة سبع عشرة ومائة، المعدود في رجال العدلية الزيدية - رضي الله عنهم - كما أفاده الحاكم؛ وروى أبو نعيم عن عمر بن موسى بن وجيه، الراوي عن الإمام الأعظم (ع)، وغيره.
وأخذ عن أبي حنيفة أيضاً العالمُ الرباني، محمدُ بن الحسن الشيباني، المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة، الراوي عن الإمام محمد بن عبدالله النفس /356

(1/356)


الزكية (ع)، وغيره، الصادع بكلمة الحق عند السلطان الجائر هارون الغوي، لما أراد نقض أمان الإمام يحيى بن عبدالله (ع)، فناله ماناله؛ والقصة مشهورة.
أخذ عنه محمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، وأخرج له هو والإمام المؤيد بالله (ع).
وغير من ذكرنا جمّ غفير، وعدد كثير.
وقد اشتمل هذا البحث ـ بحمد الله ـ على جماعة نافعة من العصابة المرضية، المعتمد عليهم عند العترة الزكية (ع)، فجميع من سبق ذكره، أصالة، وتبعاً، من المروي عنهم، والرواة، ممن ثبت ـ بحمد الله تعالى ـ عدالتهم، وتحقق ـ بفضل الله ـ إتقانهم وولايتهم.
وقد تقدّمت الإشارة، وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كثير من المباحث، إلى توثيق كثير من الرواة بنحو صفة محمودة، أو تصريح بترضية، أو تصحيح سند؛ يعلم هذا والله ولي التوفيق، وكل ذلك ـ بمنّ الله ـ عن بحث وتحقيق.
[سند جامع لمؤلفات الهادي إلى الحق والناصر للحق والمؤيد بالله وأبي طالب وغيرهم (ع)]
وهذا سند جامع لمؤلفات إمام اليمن، الهادي إلى الحق المبين، أمير المؤمنين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (ع)، الأحكام، والمنتخب والمجموع، وغيرها.
وجميع مؤلفات إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، أمير المؤمنين، أبي محمد، الحسن بن علي بن الحسن: البساط، والتفسير، وغيرهما.
ومؤلفات أئمة العراق: الإمام المؤيد بالله، أمير المؤمنين، أبي الحسين، أحمد /357

(1/357)


بن الحسين: التجريد وشرحه، والإفادة، والأمالي، وجميع مؤلفاته.
وأخيه الإمام الناطق بالحق، أمير المؤمنين أبي طالب، يحيى بن الحسين: التحرير وشرحه، والإفادة، والأمالي، وجميع مؤلفاته.
وشيخ الأئمة، ووارث الحكمة، أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني: شرح الأحكام، وشرح المنتخب، والنصوص، والمصابيح، وجميع مؤلفاته.
وأصول الأحكام للإمام المتوكل على الله أبي الحسن، أمير المؤمنين، أحمد بن سليمان؛ عليهم، وعلى سلفهم، وخلفهم، من العترة الكرام، أفضل الصلاة والسلام.
وشرح الأحكام لعلي بن بلال.
وشرح القاضي زيد ـ رضي الله عنهما ـ المنتزع من شرح التحرير.
وقد سبق إسناد الأحكام، والمنتخب، وأصول الأحكام؛ وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ أسانيد خاصة لأفراد هذه المؤلفات الشريفة، وإنما قدمت هذا السند لجمعه.
فأقول، مستعيناً بمن ملكه لايزول:
يروي المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ جميع ما تقدم بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، التي منها: عن والدي العلامة محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي اللَّه تعالى عنهما ـ سماعاً فيما سمعت فيه منها، كالأحكام إلى كتاب الحدود، بقرائتي عليه، وفي شرح التجريد، والأماليات، والتحرير، وغيرها، وأصول الأحكام من فاتحته إلى خاتمته، بقرائتي عليه ـ رضي الله عنه ـ والإجازة العامة، وهو عن والدنا الإمام المهدي لدين الله، محمد بن القاسم، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
ويروي الإمام المهدي محمد بن القاسم ذلك، وغيره، عن شيخه الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن شيخه السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
والسيد الإمام محمد بن عبد الرب يروي ذلك، وغيره عن عمه /358

(1/358)


العلامة إسماعيل، عن أبيه العلامة محمد، عن أبيه العلامة زيد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام: إبراهيم بن المهدي القاسمي، وأمير الدين بن عبدالله المطهري، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، عن القاضي العلامة علي بن أحمد، عن القاضي العلامة علي بن زيد ـ رضي الله عنهم ـ عن الإمام المتوكل على الله، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الفقيه نجم الدين يوسف بن أحمد، عن الفقيه شرف الدين الحسن بن محمد النحوي، عن الفقيه عماد الدين يحيى بن حسن البحيبح ـ رضي اللَّه تعالى عنهم ـ عن الأمير الخطير، المؤيد بن أحمد، عن الأمير الكبير، الناصر للحق الحسين بن بدر الدين محمد (ع)، عن الشيخ محيي الدين، عطية بن محمد، عن الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى شيبتي الحمد، شمس الدين، وبدره، يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، عن القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله تعالى عنه ـ، عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في أصول الأحكام.
ويروي القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد، عن القاضي أحمد بن أبي الحسن الكني، عن أبي الفوارس توران شاه، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن علي خليل، عن القاضي يوسف الخطيب ـ رضي الله تعالى عنهم ـ عن الإمام المؤيد بالله، والإمام أبي طالب، عن السيد أبي العباس، عن السيد الإمام علي بن العباس الحسني، عن الإمام الهادي إلى الحق، جميع مؤلفاته.
ويروي الإمامان: المؤيد بالله، وأبوطالب، عن الشيخ العالم أبي الحسين علي بن إسماعيل الفقيه، عن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش، جميع مؤلفاته. /359

(1/359)


وبهذه الطريق إلى الإمام الناصر (ع) عن محمد بن منصور، جميع مؤلفاته.
ويروي الإمامان المؤيد بالله، وأبوطالب، وأبو العباس الحسني عن السيد الإمام يحيى الهادي، بن الإمام المرتضى محمد بن يحيى، عن عمه الإمام الناصر للدين أحمد بن يحيى، عن والده إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (ع).
فنروي مؤلفات كل إمام منهم، بالسند المتصل به، وكذا شرح القاضي زيد بن محمد، بالسند المتصل به، وشرح علي بن بلال بالسند المتصل بالإمامين، المؤيد بالله، وأبي طالب عنه ـ رضي الله عنه ـ.
وأروي أيضاً كتاب الأحكام، والمنتخب، والفنون، وأصول الأحكام بالطرق السابقة، في المجموع، والسند الجملي، جميعها إلى الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع)، التي منها: عن والدي ـ رضي الله عنه ـ، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن مشائخه السادة الأعلام: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام الحسين، عن أبيه يوسف، عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة الحسني، عن السيد العلامة عامر بن عبدالله بن عامر، عن الإمام المؤيد بالله محمد، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام: أمير الدين بن عبدالله، وإبراهيم بن المهدي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام شرف الدين، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى (ع)، عن أخيه الهادي بن يحيى، وشيخه محمد بن يحيى، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام المنصور بالله عز وجل، عبدالله بن حمزة (ع)، عن محيي الدين محمد بن أحمد /360

(1/360)


القرشي ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع) في أصول الأحكام، قراءة عليه إلى كتاب الوصايا، ومناولة لبقيته.
وبهذا السند إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، عن الشيخ الأجل إسحاق بن أحمد، عن عبد الرزاق بن أحمد، عن الشريف علي بن الحارث، وأبي الهيثم يوسف بن أبي العشيرة، عن الحسن بن أحمد الضهري، إمام مسجد الهادي، عن محمد بن أبي الفتح ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام المرتضى لدين الله محمد، عن أبيه إمام الأئمة، وهادي الأمة، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ:
فسائل الشهب عنه في مطالعها .... والصبح حين بدا والبدر حين أضا
سلْ سنّة المصطفى عن نجلِ صاحبها .... من علّم الناس مسنوناً ومفترضا
فالله تعالى نسأل، أن يمن لنا وللمؤمنين بمرافقتهم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
نعم، وكل من تقدم في هذه الأسانيد المباركة من مشاهير علماء الزيدية، وأعلام الثقات الأثبات من العصابة المرضية، ولو نقلتُ فضائلهم وأحوالهم لضاق المقام.
هذا فنروي بجميع الطرق السابقة إلى الإمام الهادي إلى الحق، مؤلفاته التي أشهرها كتاب الجامع الأحكام.
[جواهر من أحكام الإمام الهادي]
قال فيه ـ صلوات الله عليه ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي لاتراه العيون، ولا تحيط به الظنون..إلى آخره.
وقال فيه بعد ذكر التوحيد، والعدل، والنبوة:
فإذا فهم ذلك، وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه أن يعرف ويفهم، /361

(1/361)


ويعتقد ويعلم، أن ولاية أمير المؤمنين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب (ع) واجبة على جميع المسلمين، فَرْضٌ من الله رب العالمين، لاينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان، حتى يعتقد ذلك بأيقن الإيقان؛ لأن الله سبحانه يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فكان ذلك أمير المؤمنين (ع) دون جميع المؤمنين.
إلى قوله: وما جاء له من الذكر الجميل، في واضح التنزيل، فكثير غير قليل؛ وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خم {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]، فوقف ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة، حتى ينفذ ما عزم به عليه، في علي (ع)، فنزل تحت الدوحة مكانه، وجمع الناس، ثم قال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ((اللهم اشهد)) ثم قال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)) وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
حدثني أبي عن أبيه أنه سُئل عن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، أفرض هي من الله؟ قال: كذلك نقول، وكذلك يقول العلماء من آل الرسول ـ عليه وعليهم السلام ـ قولاً واحداً، لايختلفون فيه.
وحدثني أبي عن أبيه عمن حارب أمير المؤمنين، وعمن تخلف عنه في حربه، ولم يكن معه ولاعليه، فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، /362

(1/362)


ومن قعد عنه بغير إذنه فضال هالك في دينه.
..إلى قوله: فإذا فهم ولاية أمير المؤمنين (ع).
إلى قوله:
وجب عليه التفضيل، والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين، الإمامين الطاهرين، سبطي رسول الله المفضلين، الذين أشار إليهما الرسول، ودلّ عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما، من ذريتهما، حين يقول لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
إلى قوله: وفيهما يقول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما، وعصبتهما)).
إلى قوله: ويقول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحسن، والحسين سيدا شباب أهل الجنة)). ويقول: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ويقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى)).
ويقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ما أحبنا أهل البيت أحد، فزلت به قدم إلا ثبتته قدم، حتى ينجيه الله يوم القيامة)).
وفيهم يقول: ((النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء، أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض، أتى أهل الأرض ما يوعدون)).
إلى قوله: مثل من قام من ذريتهما من الأئمة الطاهرين، الصابرين لله المحتسبين، مثل: زيد بن علي إمام المتقين، القائم بحجة رب العالمين، ومثل: يحيى ابنه، المحتذي بفعله.
.. إلخ كلامه، عليه وعلى سلفه وخلفه أزكى صلوات الله /363

(1/363)


وسلامه.
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: حدثني أبي عن أبيه أنه قال: حدثني رجل من بني هاشم، وكان صواماً قواماً، عن أبيه يسنده إلى النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من زارني في حياتي، أو زار قبري بعد وفاتي، صلّت عليه ملائكة الله اثنتي عشرة ألف سنة)).
قال: وبلغنا عن الحسين (ع) أنه قال: للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يا رسول الله ما لمن زارنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من زارني حياً أو ميتاً، أو زار أباك حياً أو ميتاً، أو زار أخاك حياً أو ميتاً، أو زارك حياً أو ميتاً، كان حقيقاً على الله أن يستنقذه يوم القيامة)).
وفيه قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: بلغنا عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((إن من أوجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم)).
وبلغنا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) قال: ((من قضى لمؤمن حاجة، قضى الله له حوائج كثيرة، إحداهن الجنة، ومن نفَّس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرباً يوم القيامة، ومن أطعمه من جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من عطش، سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوباً كان في ضمان الله ما بقي عليه من ذلك الثوب سلك؛ والله، لقضاء حاجة المؤمن أفضل من صوم شهر، واعتكافه)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن آبائه (ع) عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه
/364

(1/364)


قال: ((الرفق يُمْنٌ، والخرق شؤم)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: وبلغنا عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - أنه قال: ((تكردس الفتن في جراثيم العرب حتى لايقال: الله؛ ثم يبعث الله قوماً يجتمعون، كما يجتمع قزع الخريف، فهنالك يحيي الله الحق، ويميت الباطل)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي من أحب ولدك فقد أحبك، ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة؛ ومن أبغضهم فقد أبغضك، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أبغض الله كان حقيقاً على الله أن يدخله النار)).
وساق في ذكر آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، حتى قال في آخره: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ:
وإنما أخرنا ذكر ما ذكرنا من بعض فضل آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ لنختم بذكرهم كما بدأنا بهم؛ لأن الله سبحانه بهم ابتدأ إظهار الحق والهدى، وبهم يختم سبحانه الدنيا. انتهى.
والحمد لله رب العالمين.
[شذور من البساط للإمام الناصر (ع)]
[طائفة ممن احتج بهم الإمام الناصر للحق (ع)]
وفي البساط للإمام الأعظم، الناصر للحق الأقوم (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
هذا كتاب عمله الداعي إلى الله، الناصر للحق، الحسن بن علي ـ وأتم النسب، وقد تقدم ـ وجعله بساطاً، ودليلاً للمتعلمين في القول بالتوحيد لله، والعدل منه على عباده فيما أحكمه وفرضه من الدين، ودلّ به على نفسه في الكتاب المبين.
أول العبادة المعرفة.. إلخ.
وفيه: قال: ـ أي محمد بن منصور، لأنه في سياق أخبار رواها الإمام الناصر (ع) عنه ـ حدثني أحمد بن محمد.
قلت: هو ابن سلام من أعيان جماعة الإمام /365

(1/365)


نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (ع)، مما سمع عليه كتاب سياسة النفس؛ وسيأتي تمام الكلام فيه في أمالي الإمام أبي طالب (ع).
قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد.
قلت: وثقة الإمام المؤيد بالله (ع)، أفاده في الطبقات، والإمام الناصر للحق كما يأتي.
قال: حدثني عباد بن يعقوب.
قلت: هو من أعلام الشيعة كما تقدم.
قال: حدثني سعيد.
يعني ابن عمر العنبري ـ، كذا في النسخة التي لدي، وليس في الطبقات إلا سعيد بن عَمرو (بفتح المهملة)، وليس فيها من يصلح أن يكون هذا الراوي، إلا سعيد بن عمرو المقبري، عن مسعدة العبدي، وعنه عباد.
لم يزد على هذا، ولكنه قد صرّح الإمام الناصر للحق (ع) في أول البحث بتصحيح ما رواه فيه، مع أن طريقة قدماء الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ في العدالة المحققة معروفةٌ، وقد قال الإمام الناصر للحق في البساط لما روى من طريقة أخرى ما نصه:
ولم أرد بذكري هذا الحديث عن عامر إلا لأن من يخالف الله ويخالفنا، عن عامر وأضرابه أحسن قبولاً انتهى.
(رجع) عن مسعدة، يعني ابن صدقة.
قلت: هو من الرواة عن الصادق، والنفس الزكية (ع)، وقد صحح حديثه الناصر للحق (ع) وكفى به.
(رجع) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، أن علياً (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لو أن عبداً قام ليله، وصام نهاره، وأنفق ماله في سبيل الله، عَلْقا عَلْقا، وعبد الله بين الركن والمقام، حتى يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوماً، لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة، حتى يظهر المحبة لأولياء الله، والعداوة لأعدائه)).
وفيه: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا حرب بن الحسن.
قلت: هو /366

(1/366)


الطحَّان.
قال في الطبقات: هو راوي الصلوات الخمس، ومسلسلهن بعدَّهن في يدي إلى آخره.
خرج له الحاكم في العلوم، وخرج له القاضي عياض في الشفاء، ومحمد بن منصور، والمرشد بالله. انتهى.
قلت: والإمام الناصر للحق كما ترى.
قال: حدثنا حبان بن سُدير.
قلت: بفتح المهملة فتشديد الموحدة رواية الشريف، وبنونين بينهما ألف رواية القاضي جعفر؛ وسدير بمهملات، وتحتية، مصغر.
قال: حدثني سُدَيف.
قلت: قال في الطبقات: كالأول أي سُدَير إلا أن (آخره فاء)، ابن ميمون المكي، عن محمد بن علي الباقر؛ إلى قوله: قال الذهبي: رافضي؛ خرج مع ابن حسن ـ يعني عبدالله ـ فظفر به المنصور فقتله؛ إلى قوله: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد، في ثقات محدثي الشيعة. انتهى.
قلت: وكفى بتصحيح ناصر الحق (ع).
قال: حدثني محمد بن علي، وما رأيت محمدياً يعدله.
قلت: أراد الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خطبنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فقال: ((أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهودياً))؛ قال: قلت: يا رسول الله، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم؟! قال: ((وإن صام، وصلى، وزعم أنه مسلم)).
ومما أخرج فيه (ع) بالسند الصحيح، عن محمد بن منصور، عن عبدالله بن داهر، عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وساق حديثاً إلى قوله: ثم قال: ((لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولانية إلا بإصابة السنة)).
وفيه: قال الناصر (ع): حدثني محمد بن منصور، قال: حدثني القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبد /367

(1/367)


الله بن الحسن، عن الحسن بن إبراهيم، عن بعض آبائه، قال: قلَّ ما كان يعتدل بأمير المؤمنين (ع) مكان مختطبه إلا قال: أيُّها الناس اتقوا الله، فما خلق امرؤ عبثاً فيلهو، ولا أهمل سدى فيلغو، وما دنياه التي تحببت إليه بعوض من الآخرة التي قبحها سوء الظن بربه، وما الخسيس الذي ظفر به من الدنيا بأعلى منيته، كالنفيس الذي ضيعه من الآخرة بأدنى سهمته.
وهذا آخر لفظ في البساط.
ولا بأس بإيراد طائفة من الذين احتج بهم الإمام الناصر للحق ـ رضوان الله عليه ـ في باب الإيمان، وصحح حديثهم، مع بيان أحوالهم حسبما يقتضيه المقام، تتميماً للفائدة المقصودة، إن شاء الله تعالى.
فمنهم: السيد الإمام أبو عبدالله الحسين بن علي الملقب المصري، صنو الإمام الناصر للحق (ع)، توفي عام عشرين وثلاث مائة تقريباً.
خرج له أخوه الناصر للحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، وصاحب المحيط ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى عنه أخوه الإمام، والسيد الإمام أبو زيد عيسى بن محمد المتقدم في سند الأمالي، وولي آل محمد أحمد بن سهل الرازي، مؤلف أخبار فخ وأخبار الإمام يحيى بن عبدالله، الراوي عن الحسين الحافظ، والد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم، عن أبيه عن جده، عن الإمام الحسين بن علي الفخي؛ خرج له الإمام الناصر للحق، والناطق بالحق، وأبو العباس الحسني (ع).
ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى القمي، أبو جعفر.
قال الذهبي ـ كافاه الله ـ: العلامة أبو جعفر.
إلى قوله: شيخ الرافضة بقم؛ له تصانيف، وشهرة، وكان في حدود الثلاث مائة؛ أفاد هذا في الطبقات، قال: أخرج له أبو طالب (ع).
قلت: والناصر للحق بلا واسطة. /368

(1/368)


ومنهم: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (بفتح المهملة الأولى، وكسر الموحدة، وسكون التحتية المثناة، وكسر المهملة الأخرى)، أبو يوسف، المتوفى سنة اثنتين وستين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، وجماعة العامة، وهو من الرواة عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وهو المراد أينما أطلق تحقيقاً؛ أفاد جميع ذلك المولى في الطبقات.
وممن أخذ عن إسرائيل: مخول بن إبراهيم النهدي، المبايع للإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن (ع)، المحبوس لذلك بضع عشرة سنة، المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة.
خرّج له الناصر للحق، وأبو طالب، ومحمد بن منصور (ع).
ومنهم: بشر بن عبد الوهاب، روى عنه الإمام (ع) في البساط واحداً وثلاثين حديثاً بلا واسطة، وأخرج له الإمام أبو طالب (ع)، ولم يفد المولى (ع) في الطبقات من المقصود من أحواله أكثر من هذا.
ومنهم: جندب بن عبدالله البجلي.
قال في الطبقات: ويقال: جندب الخير، له صحبة، ورؤية.
قلت: ورواية كما في البساط عنه كنا مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ونحن فتيان حزاورة نتعلم الإيمان ـ الخبر ـ.
توفي في عشر الستين، وذكر أنه أخرج له من أئمتنا (ع) الإمامان: المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، والسمان ـ رضي الله عنهم ـ؛ قلت: والناصر للحق (ع).
ومنهم: الحسن بن عبد الرحمن، ترجم المولى (ع) في الطبقات لثلاثة من هذا الاسم، ولم يفصل عن أحوالهم كل التفصيل، ولا ذكر أن أحداً منهم يروي عنه الناصر للحق (ع)، والذي يظهر أنه الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رحمهم الله تعالى ـ.
ومنهم: الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ومنهم: حماد بن زيد بن درهم، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، خرج /369

(1/369)


له: أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة؛ أفاده في الطبقات، قال فيه: الإمام الحافظ المحمود، شيخ العراق، أبو إسماعيل..إلخ؛ وهو في البساط مطلق، لكن تعين بالذين روى عنهم، ورووا عنه، فإن يكن كذلك فقد وثقه الإمام (ع)، وإلا فقد ظهر توثيقه؛ وقد روي عنه أنه لما قتل أهل فخ (ع) لبث نحو شهر لايجلس، وكان يُرى محزوناً، وكان يقول: بحب ولد علي حب الإسلام.
وروى حماد، عن ثابت بن أسلم البُناني (بضم الموحدة، وتخفيف النون الأولى) أبي محمد البصري، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة، الحافظ العابد.
خرج له أئمتنا الخمسة، والجماعة؛ وأينما أُطلق في كتب أئمتنا فهو المراد.
وروى عن ثابت أيضاً، حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة، المتوفى سنة سبع وستين ومائة؛ خرج له أئمتنا الخمسة، ومسلم، والأربعة، وهو من الحفاظ الأعلام ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى الحمادان، والسفيانان، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي، المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائة، وهو ممن وثقه الأئمة الهداة، سفن النجاة ـ صلوات الله عليهم ـ، وروى عنه إمام الأئمة في الأحكام، والإمام الناصر للحق، والمرشد بالله، وغيرهم.
وكلام محمد بن إبراهيم الوزير في التنقيح فيه وفي أمثاله من الشيعة الأبرار غير صحيح، على أنه إنما ساقه لقصد المعارضة وروم الاستشهاد، لما ادعاه من المجازفة؛ ولم يوضح في شأنهم وجهاً للتجريح.
وقد استوفيت الكلام فيهم جميعاً، في هذه الأبحاث ـ نفع اللَّه تعالى بها ـ.
[الإشارة إلى رجوع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير عما خالف فيه منهج سلفه]
وقد صح رجوعه عما خالف فيه منهج سلفه (ع) كما رواه الإمام المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وغيره؛ وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.
فالمقلّدون لما في كتبه من المعارضات للآل، التي أثارها غضب الجدال، لاأصل لهم، وسيأتي إن شاء الله لهذا مزيد إيضاح في الكلام على مؤلفاته؛ والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق، والحمد لله. /370

(1/370)


هذا، وفيه سالم ـ هكذا مطلقاً ـ سمع جعفراً ـ أي الصادق (ع) ـ، والراوي عنه عبدالله بن داهر ولم يحققه في الطبقات، فيحتمل أنه سالم مولى الإمام الأعظم، روى عنه، وعنه ولده الحسين بن الإمام زيد بن علي (ع)، أخرج له في المحيط؛ أو سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس المتوفى سنة أربعين ومائة تقريباً، أخرج له محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ، والبخاري في الأدب، والترمذي، وهو كذلك من الرواة عن الإمام الأعظم (ع) المبايعين له ـ رضي الله عنهم ـ والله أعلم.
ومنهم: سعد بن طَرِيف (بفتح الطاء، وكسر الراء المهملتين) الحنظلي الكوفي الراوي عن الحسن السبط، والإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وابن عباس (ع)، وعن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ بواسطة ولي آل محمد (ع) الأصبغ بن نباته - رضي الله عنه - المتقدم، وغيرهم؛ أخرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ.
ومنهم: أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان (بمثناة تحتية) الجعفري، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة، من مشاهير الشيعة الأعلام؛ أخرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، وجماعة العامة.
ومنهم: شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي الكوفي، المتوفى سنة تسع وتسعين عن خمسين ومائة عام، أدرك زمن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعاش إلى أيام عمر بن عبد العزيز، وهو من المبايعين للإمام الحسن بن الحسن (ع).
روى عن الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وابن عباس، وعمار، وحذيفة، وابن مسعود، وأم سلمة ـ رضي الله عنهم ـ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة العامة.
ومنهم: صالح بن موسى بن إسحاق الطلحي، روى عن عبدالله بن الحسن بن الحسن الكامل، وجعفر بن محمد الصادق (ع)؛ أخرج له محمد بن منصور، والترمذي، وابن ماجه؛ أفاده في الطبقات /371

(1/371)


ومنهم: عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، الراوي عن الإمام الولي، الحسين بن علي الفخي، وعن الإمام الحسين بن الإمام الأعظم (ع)، وغيرهم؛ خرج له الإمام، وأئمتنا الأربعة (ع) قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: وثقه المؤيد بالله.
قلت: والإمام الناصر للحق (ع) روى عنه بواسطة الحافظ الولي، محمد بن علي بن خلف العطار أبي عبدالله، المتوفى لثلاث مائة تقريباً، الراوي عن الإمام عيسى بن الإمام الأعظم (ع)، وعن العالم الأبر، الحسين بن الحسن الأشقر، المتوفى عام ثمان ومائتين.
قال السيد الإمام في الطبقات في ترجمته وقد تكلّم على خبرٍ رواه مالفظه:
قال بعض ساداتنا: قد روي من طريق أخرى، رواه ثقات أصحابنا، والحسين الأشقر عدل ثقة.
ثم قال: هو من رجال الشيعة. انتهى.
أخرج له الإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور.
والخبر المذكور: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج كان كافراً)).
أخرج لمحمد بن علي الإمام، وأئمتنا الخمسة (ع)، وصاحب المحيط، وصاحب المناقب.
قال الإمام الناصر (ع): حدثني محمد بن علي بن خلف العطار ببغداد المعدل الثقة.
قلت: وناهيك بهذا.
ومنهم: عبدالله بن خِراش، (بكسر المعجمة) ابن حوشب، خرج له الإمام، والمؤيد بالله، والمرشد بالله (ع).
ومنهم: عمه العوام بن حوشب الشيباني، المجاهد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) أخرج له الإمام، والمؤيد بالله، والمرشد بالله (ع)، وجماعة العامة /372

(1/372)


ومنهم: ميمون بن أبي شبيب، الراوي عن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ خرج له الإمام، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور (ع).
توفي العوام سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي ميمون سنة ثلاث وثمانين ـ رضي الله عنهم ـ.
فهؤلاء بعض من روى عنهم الإمام (ع) في باب الإيمان خاصة، ممن لم يسبق ذكرهم.
[الكلام على وكيع]
وقد أكثر الإمام (ع) الرواية في هذا الباب، وغيره عن بشر بن عبد الوهاب، عن وكيع، ولا بأس ببيان ما لاغنى عنه من حاله كما أعدنا ذكر بعض من سبق في الفصل الثاني لذلك، والله الموفق.
فأقول: هو وكيع بن الجراح الرواسي الكوفي أبو سفيان، المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة، أحد أعلام الزيدية، وأتباع العترة النبوية ـ رضي الله عنهم ـ، وما نقل عنه من الكلام في أبي خالد، غير مقبول، لعدم الصحة له؛ إذْ لم يرو ذلك إلا الخصوم.
عدّه من العصابة الزيدية الإمامُ المنصور بالله في الشافي، والحاكم في العيون، وغيره.
خرج له الإمام، وأئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
روى وكيع ـ رضي الله عنه ـ، عن أبي جعفر، باقر علم الأنبياء (ع) وعن الثقات الأثبات، كإبراهيم بن طهمان (بفتح الطاء المهملة وضمها، وسكون الهاء، وبميم، فألف، فنون) الهروي النيسابوري، المتوفى سنة ثلاث وستين ومائة، خرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
وإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي المتقدم.
وثابت بن أبي صفية الثمالي (بضم المثلثة) أبي حمزة، المتوفى بعد عشرين ومائة ـ رضي الله عنهم ـ أحد الأعلام أصحاب الإمام الأعظم الرواة عنه /373

(1/373)


وعن أخيه الباقر (ع)؛ خرج له: الإمام المؤيد بالله، والمرشد بالله (ع).
وجعفر بن برقان (بضم الموحدة، وسكون المهملة، وبقاف، فألف، فنون) الرقي، المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة، قال في الطبقات: ذكره الحاكم في ثقات الجزيرة.
خرج له: الإمام أبو طالب، والإمام الجرجاني، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، ومسلم، والأربعة.
وشعبة بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام، المتوفى سنة ستين ومائة، أخذ عن الإمام الأعظم، وخرج مع الإمام النفس الرضية إبراهيم بن عبدالله (ع)، الحافظ النقاد، سُئل عن الخروج معه فقال للسائل: أتسألني عن الخروج مع ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والله لهو عندي بدر الصغرى؟!
خرج له أئمتنا الخمسة، والجماعة.
وعمار بن زريق أبي الأحوص الضب ي، المتوفى سنة تسع وخمسين ومائة، خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومسلم، والأربعة.
وفضيل بن غزوان الضبي بالولاء، المتوفى في عشر الخمسين ومائة، خرج له الإمام، ومحمد، والجماعة؛ وهو أبو محمد بن فضيل المتقدم، شيخ محمد بن منصور.
وفضيل بن مرزوق الكوفي، الراوي عن الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع)، خرج له الإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، ومسلم، والأربعة.
ومبارك بن فضالة بن أبي أمية، المتوفى سنة أربع وستين ومائة، خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وغيرهما.
ومحمد بن عبدالرحمن بن الحارث بن أبي ذيب، المتوفى سنة تسع وخمسين ومائة، العابد، المجاهد، المبايع للإمام المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله بن الحسن؛ احتج به أئمتنا (ع)، والجماعة /374

(1/374)


وهشام بن عبد الله الدستوائي، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومائة؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
عدّ هشاماً، ومباركاً، من رجال العدلية الإمامُ الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة(ع).
وروى عن وكيع: محمدُ بن إسماعي ل بن سمرة الأحمسي: أبو جعفر، المتوفى عام ستين ومائتين، الذي أكثر الرواية عنه شيخ الشيعة محمد بن منصور -رضي الله عنه- وبعض العامة.
وفي هذا كفاية بما يليق بالمقام، والله المسؤول لحسن الختام.
[السند الخاص بشرح التجريد]
وهذا سند خاص لشرح التجريد، قد كنتُ رسمته في ديباجة النسخة التي يسر اللَّه تعالى نسخها على يدي، وقد سألني ذلك بعض طلبة العلم الكرام ـ كثر اللَّه تعالى فوائدهم، ويسر صلاتهم وعوائدهم ـ حال حضورهم لسماعه؛ فترجح تحرير ذلك مع زيادة ما يختار.
فأقول والله ولي التسديد:
أروي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله (ع) بالسند الجامع المتقدم آنفاً في مؤلفاتهم، وبالطرق المذكورة في الإسناد الجملي، وفي إسناد مجموع الإمام الأعظم، الولي زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع)، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، ثم بالسند الآتي إلى المؤلف.
والموعود به، هو ما نصه:
الحمد لله حق حمده، وصلواته وسلامه على سيد رسله وعبده، وعلى آله الهداة، سفن النجاة، من بعده؛ وبعد:
فيقول المفتقر إلى اللَّه تعالى مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ ولطف بهما، وبالمؤمنين في الدارين: أروي كتاب شرح التجريد للإمام الأعظم، والبحر الخضم، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، المؤيد بالله أبي الحسين، أحمد بن الحسين (ع) بطرق ـ بحمد الله ـ كثيرة، وأسانيد متسعة غزيرة، أرفعها، وأجمعها، عن والدي العلامة الولي، عالم آل محمد، وعابدهم، محمد /375

(1/375)


بن منصور المؤيدي ـ قدس الله روحهما في عليين ـ سماعاً فيما أسمعت عليه في هذا الكتاب، وغيره، وإجازة عامة في جميع ما صح له من العلوم.
وهو يرويه، وغيره بطرق، أرفعها عن شيخه أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، سماعاً فيما أسمع، وإجازة عامة.
وهو يرويه سماعاً فيما أسمع فيه، وفي غيره، وإجازة عامة عن شيخه العلامة سيد بني الحسن محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وهو يرويه وغيره، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام (ع).
(ح)، ويرويه الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم أيضاً، عن شيخه الإمام الشهير، محمد بن عبد الله الوزير، سماعاً، في هذا الكتاب بخصوصه، وغيره، وإجازة عامة، وهو يرويه، وغيره عن شيخه، حافظ اليمن أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب بن الإمام.
وهو يرويه وغيره، عن عمه العلامة إسماعيل بن محمد، عن أبيه العلامة محمد بن زيد، عن أبيه العلامة زيد بن الإمام، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن أبيه الإمام المجدد للدين أمير المؤمنين القاسم بن محمد (ع).
(ح)، وأرويه أيضاً بجميع طرقي المحررة في الأسانيد، إلى والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله، عن السادة الأعلام، حفاظ شريعة جدهم سيد الأنام: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام الحافظ الحسين بن يوسف، عن أبيه العلامة يوسف بن الحسين، عن أبيه حافظ العلوم الحسين بن أحمد زبارة، عن السيد العلامة عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام أمير الدين بن عبدالله الحوثي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير /376

(1/376)


، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، عن الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل على الرحمن، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام المجتبى، المهدي لدين الله، أحمد بن يحيى بن المرتضى، عن أخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده العالم الشهيد، حميد بن أحمد المحلي ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، أبي محمد عبدالله بن حمزة، عن الشيخ العالم الفاضل، محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنه ـ، عن شيخي آل رسول الله يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى، وعن القاضي شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ ثلاثتهم يروون عن الإمام المتوكل على الرحمن، أمير المؤمنين أحمد بن سليمان (ع)، عن القاضي العباس بن علي.
قلت: قال الإمام المتوكل على الله (ع): سألني القاضي الأجل شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى أدام الله عزه.
إلى قوله (ع): أن أصحح لهم نقل الأخبار، التي جمعتها في كتاب أصول الأحكام.
ثم ساق طرقه إلى الأحكام، والمنتخب.
إلى قوله: وأخذتُ الشرحين، شرح التجريد، وشرح القاضي زيد، من طريق الشريف الفاضل الإمام أبي محمد الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع)، وكتبه، وخطه بيده، ومن طريق القاضي العباس بن علي بن محمد بن العباس، قال: حدثه والده علي بن محمد، قال: حدثه به عبدالله بن علي العنسي؛ ولقيت عبدالله بن علي فسألته عن ذلك فقال: سمعه علي بن محمد، وأجاز لي أيضاً إجازة من غير سماع ولا مناولة، لكن إجازة، وكان أوصل كتب الشروح من الديلم، وذكر أنها له سماع ممن يثق به. انتهى.
ولم يترجم في الطبقات للعباس، ولا /377

(1/377)


في مطلع البدور، لكن قد ذكره، وصحح الرواية عنه خليفة الرحمن، المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في النقل الصحيح، كما سبق.
وترجم في الطبقات لوالده فقال: علي بن محمد بن العباس يروي الشرحين شرح التعليق، وتعليق القاضي زيد، عن عبدالله بن علي العنسي؛ قال: حدثه به، قال الإمام أحمد بن سليمان: فسألت عبدالله بن علي عن ذلك فقال: نعم سمعه علي بن محمد.
وفي مسند الغزال: علي بن محمد الأحلف يروي شرح التجريد، عن الاستاذ علي بن العباس الهوسمي، عن القاضي زيد بن محمد، عن القاضي يوسف، عن المؤيد بالله، وروى عنه ولده العباس بن علي، ومحمد بن أسعد بن علي. انتهى؛ هذا كلامه كله في ترجمته.
(رجع) عن أبيه علي بن محمد عن القاضي عبدالله بن علي العنسي.
قال السيد الإمام في الطبقات: عبدالله بن علي المسلم القحطاني أبو الغمر اليماني العنسي، قال ما لفظه: قرأت كتاب شرح التجريد على الفقيه العلامة أبي الحسين زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، في داره المعروفة في مدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، في شهر ربيع الأول، سنة خمسمائة من الهجرة؛ ثم قال زيد بن علي: أجزتُ للشيخ الفاضل الصابر أبي الغمر عبدالله بن علي أن يروي عني هذا الكتاب، روايتي عن القاضي أبي يوسف القزويني ـ أعني شرح التجريد ـ، عن المؤيد بالله ـ قدس الله روحه ـ، وأن يروي عني شرح التحرير؛ وكان القاضي أبو جعفر محمد بن علي الجيلي روى لنا شرح التجريد، عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وشرح التحرير عن أخيه الإمام أبي طالب.
ثم ساق طرقه، إلى قول السيد الإمام (ع): هذا نقل صحيح نقلناه من مواضع الصحة.
ثم قال: توفي ـ أي القاضي عبدالله ـ لستين وخمسمائة.
(رجع) إلى سياق الإسناد السابق قال ـ أي القاضي عبدالله بن علي ـ: قرأت شرح التجريد على شيخ الشيعة، حسام الشريعة، زيد بن علي بن أبي /378

(1/378)


القاسم الهوسمي بداره المعروفة بمدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، سنة خمسمائة.
قال في الطبقات: زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، أبو الحسين، العالم، قال ما لفظه: قرأت شرح التجريد على القاضي أبي يوسف القزويني ورويته عنه رواية له عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، وقرأت كتاب الأحكام وسمعته من القاضي جعفر بن محمد الجيلاني ـ رضي الله عنه ـ بقراءة الفقيه العالم سليمان بن عيسى، بهوسم، في شهر صفر، سنة خمس وخمسين وأربعمائة؛ وكان القاضي ـ رحمه الله ـ رواه لنا عن الإمام أبي طالب، يحيى بن الحسين بن هارون، وعن السيد أبي الحسين علي بن محمد بن سليمان بن القاسم بن إبراهيم الرسي، بقراءته عليهما قال: أخبرنا أبو الحسين يحيى بن المرتضى محمد بن الهادي، عن عمه الناصر أحمد بن الهادي، عن أبيه الهادي للحق يحيى بن الحسين؛ وكان أيضاً يرويه عن الشريف أبي الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، بقراءته عليه الكتاب كله، عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، عن يحيى بن المرتضى، عن عمه، عن أبيه الهادي للحق.
ثم قال زيد بن علي: وكان سماعنا هذا الكتاب على القاضي رحمه الله، بقراءته على الفقيه الأجل سليمان، من الأصل الصحيح، وكان عليه سماع السادة كلهم، وهم المؤيد بالله، وأخوه أبو طالب، والسيد أبو الحسين علي بن محمد الرسي، وأبوعبدالله بن عبدالله بن سلام، وأبو الحسن علي بن بلال، وأبو علي البصري، وأبو جعفر السالسوسي، عن السيد الهادي يحيى بن المرتضى، عن عمه أحمد، عن أبيه الهادي.
وكان ذلك لعله في شهر شعبان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان ذلك الأصل قد كُتِبَ في أيام الهادي في سنة ثلاث وتسعين ومائتين. انتهى المراد.
وإنما استوفيت الكلام لما تضمن من غرر الفوائد النفائس العظام، ولتعلق المقام، بكتاب الجامع الأحكام، إذْ هو شرح له.
(رجع) قال: قرأت هذا الكتاب، ورويته، كما قرأته على القاضي أبي /379

(1/379)


يوسف القزويني، عن المؤيد بالله (ع).
قلت: ووقع البحث البليغ عن اسم القزويني هذا، وأحواله، فلم يتضح إلا ما قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: حيث قال: والأظهر أنه القاضي يوسف بن الحسن.انتهى.
وهو الخطيب المتقدم في السند الجامع، فتكون هذه طريقاً أخرى إليه.
فأروي بهذا السند الصحيح، وبالأسانيد الصحيحة السابقة، جميع كتاب التجريد؛ والله ولي التوفيق والتسديد.
[جمل من خطبة شرح التجريد، وسبب نقل الإمام المؤيد بالله عن المخالفين]
قال الإمام الأواه، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، أبو الحسين، المؤيد بالله (ع) في خطبة شرح التجريد: سألني بعض من وجب علي حقه، عند فراغي من كتابي المسمى بالتجريد، أن أورد فيه من الأخبار الصحيح عندي سندها، بأسماء الرواة المجمع على عدالتهم، عند الفريقين، من أصحاب الحديث، وغيرهم.
قلت: المراد أن من يسند عنه من آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأوليائهم فهو عدلٌ عندهم، ومن يسند عنه من غيرهم فهو عدل عند فريقه؛ ليستقيم الاحتجاج على المخالفين بما يلتزمونه؛ وليس مراده أن كل من روى عنه فيه، فهو عدل عند الجميع، فذلك خلاف المعلوم، فلا يحمل عليه مع إمكان سواه؛ ومثل هذه العبارة من إرادة التفصيل قوله ـ عز وجل ـ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة:135]، أي قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى؛ والمعنى واضح لمن تدبر.
قال (ع): وأسماء الرواة الذين يروون عن أمير المؤمنين (ع)، وعن الأئمة من ولده، بما لاينكره الجميع، ملخصاً.
قلت: وهذا يدلك على المقصود بالأسانيد، التي أنهاها إلى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فيما يأتي.
قال (ع): فأجبته إلى ذلك، مستعيناً بالله سبحانه، معتمداً عليه، لكيلا يقول من نظر في كتابنا هذا من مخالفينا: إن الخبر المروي عن رسول الله /380

(1/380)


ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يصل إلينا إلا من جهة سلفنا (ع) من طريق واحدة.
قلت: وهذا تصريح بالعذر الموجب للرواية عن المخالفين، وقد صرح بالاعتذار بذلك، وأنه للاحتجاج على المخالفين، إمامُ الأئمة الهادي إلى الحق في الأوقات من المنتخب، والإمام الناصر للحق في البساط، والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك، وقد نقلتُ كلامه بلفظه، في التحف الفاطمية ؛ وهذا كلام المؤيد بالله (ع)؛ مع أن مذهبه في العدالة ألين من مذهب الأئمة المتقدمين (ع) فلا معنى لكلام بعض من لم يمارس علومهم، إلا مشارفةً: أن روايتهم عنهم لأجل القبول.
وقد غرّ بعضهم صنيع المتأخرين؛ فإنهم توسعوا في ذلك جداً، والمعتمد الدليل؛ والله الهادي إلى خير سبيل.
قال (ع): ولعل قائلاً من أصحابنا يقول: وما الغرض في نقل الأخبار عن المخالفين؟ ولو علم في ذلك ما علمناه، لسرّ في مجالس النظر بما حصلناه ونقلناه.
قلت: والذي يشير إليه (ع) هو ما سبق من قطع العذر على المخالف، حتى لا يبقى له مجال، إلى الجدال والإنكار؛ ولقد جهل كثير من الأتباع الفائدة في ذلك، فاستنكر الرواية عن المخالفين غاية الاستنكار.
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: المرء عدوّ ما جهله.
وما أحسن قوله:
أتاني أن سهلاً ذمّ جهلاً .... علوماً ليس يدريهنّ سهلُ
علوماً لو دراها ماقلاها .... ولكن الرضى بالجهل سهلُ
/381

(1/381)


قال (ع): ولكنه رضي لنفسه بالجهل، فعدل عن سبيل أهل الفضل؛ فاقتصر على طرف من الفقه، أخذه عن مثله، وظن أنه على شيء من جهله، يخطّئ مخالفيه، ويصوّب موالفيه، ولايدري أخطاؤهم في أصل أو فرع؟ أو فيما يوجب التكفير، والقدح، والخروج عن الملة، والشذوذ عن الجملة؟.
قلت: وموضع التقريع منه (ع) لمن هو كذلك لخوضه فيما لايعلم، لا لأصل التخطئة والتصويب؛ ألا ترى كيف وصفه بكونه لا يعلم ما خطؤهم فيه، وما يوجب ذلك الخطأ؟ فهو محطّ التوبيخ؛ وهذا واضح لمن أبصر.
قال (ع): وسنفرد لها ـ يعني الأخبار التي من طرق آل محمد صلوات الله عليه وآله، دلّ عليه كلامه السابق ـ، كتاباً يرجع في معرفتها إليه، ويعتمد في صحتها عليه، ينتفع به الناظر، ويرتفع به بين الملأ المناظر.
قلت: وهذا مما يبين أنه قصد بما أورده من طرق المخالفين تأكيد الحجة عليهم لا التصحيح لها، والاعتماد عليها، وأن المراد بالإجماع على عدالة الرواة عند الفريقين على سبيل التوزيع، كل فريق عند فريقه، كما تقدم.
[شرط المؤيد بالله في الرواية]
قال (ع): وشرطنا فيه السماع، والعدالة.
قلت: وإلى هذا أشار الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع) بقوله: ولنا من طرق أهل الحديث، الأحاديث الصحاح في شرح التجريد للمؤيد بالله (ع) بالسند المتقدم إليه، شرط فيه (ع) أشد مما شرط البخاري، ومسلم، في ديباجة شرح التجريد المذكورة.. إلخ.
قلت: وكلامه (ع) مجاراة للخصوم بإظهار النصفة، وإرخاء العنان، وإلا فلم يوقف على شرط للبخاري ومسلم على التحقيق، وقد صرّح بعض حفاظهم أن ليس لهما شرط إلا كونه في كتابيهما كما لايخفى على ذوي الانتقاد، /382

(1/382)


فأما أولوا التقليد والعناد، فهم متهالكون لايرعوون لحجة، ولايهتدون إلى محجّة.
ومن البلية عذل من لايرعوي .... عن غيّه وخطاب مَنْ لايفهم
نعم، وفي كلام الإمام المتوكل على الله هذا وكلام غيره من الأعلام ما يدفع التشكيك في صحة الخطبة الواقع من بعض المعرضين عن علوم آل محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ لما لم يتدبروا معنى بعض كلام الإمام (ع) فيها.
وكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
وقد أشرت إلى بعض ذلك، ونتم الكلام بإعانة اللَّه تعالى.
قال (ع): وعندنا لايحل لأحد، أن يروي الحديث عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه؛ ثم يحدث به كما سمعه.
قلت: وليس معنى كلامه (ع) إلا ثبوته عن العدل بطريق الصحة، لاقصر الرواية على السماع، ولكن المراد طريق الصحة من السماع، أو ما شاركها في ذلك، لكنه اقتصر على ذكر أعلاها.
ألا ترى أنها تحل الرواية عند الإمام، وغيره قطعاً، للمتواتر، وإن لم يتحقق سماعه، من شخص معين، وهو يجب العدول عن الظاهر، إذا قام على خلافه الدليل المعلوم، ثم ليس فيه ما يوجب بطلان الخطبة الثابتة بطرق الصحة؛ غايته أن هذا مذهب الإمام(ع)، لكنه ليس بمراد، وإنما هو مبالغة في الاحتياط في الرواية عند ذوي العرفان بمخارج الكلام.
قال (ع): فإن كان إماماً تلقاه بالقبول،.
قلت: يعني (ع) أنه إن كان المسموع عنه إماماً تلقاه السامع بالقبول، من دون بحث، ولا مطالبة له بالسند؛ إذ العهدة عليه مع إرساله، وهو بالمحل الرفيع لإمامته من الانتقاد، والتحري.
وهذا يفيد أن الإمام (ع) يجيز قبول /383

(1/383)


المراسيل، لكن من الأئمة الموثوق عليهم في التصحيح.
قال (ع): وإن كان غير إمام فكذلك.
قلت: (أي) سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه.
قال (ع): ثم رواه غير مرسل، فإن المراسيل عندنا، وعند عامة الفقهاء، لا تُقْبل.
قلت: أراد (ع) مراسيل غير الأئمة، بدليل ما تقدم له من التصريح، بقوله: تلقاه بالقبول، وبدليل أنه (ع) كثيراً ما يرسل في شرحه هذا، وأيضاً سيأتي التصريح له (ع) قريباً بقبول المراسيل، فوجه الجمع ماذكرناه، وهو واضح لا غبار عليه، لمن لم يعم التعصب قلبه.
قال (ع): والحجة على السماع قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } [التوبة:122].
[تراجم لأبي الحسين الأدَمِي، والعباس الدوري، وأبي ليلى، وولده، وحفيده، وثابت بن قيس بن شماس]
إلى قوله (ع): حدثنا أبو الحسين، أحمد بن عثمان الأَدَمِي ببغداد.
قلت: ترجم له في الطبقات، وساق خبر السماع هذا، وقال: أخرجه المؤيد بالله، وأخرجه الحاكم في أنواع العلوم، في النوع التاسع عشر في معرفة الصحيح والسقيم، واتفق عليه هو، والمؤيد بالله سنداً، ومتناً، وشيخاً، وهو أحمد بن عثمان الأدمي، ثم قال: قد وصف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الحديث أربع طبقات؛ إلى قوله: ولاشيء للأدمي في الستة، وذكره الحاكم أبو عبدالله، توفي سنة [349هـ] تسع وأربعين وثلاثمائة، وكذا في التذكرة، قال: عن أربع وتسعين سنة. انتهى.
قال الإمام (ع): قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري.
قلت: قال السيد الإمام: العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري، البغدادي الهاشمي، مولاهم، وعدد مشايخه، فذكر منهم /384

(1/384)


أبا نعيم الفضل بن دكين، وقد تقدم، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي الحِماني، (بكسر المهملة) المتوفى سنة اثنتين ومائتين، المعدود من ثقات الشيعة.
خرج له محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ، والبخاري، وغيرهما.
وساق إلى قوله: قال في الكاشف: ثقة حافظ، توفي سنة إحدى وستين ومائتين.
خرج له الأربعة، وأئمتنا الخمسة، إلا محمداً، والجرجاني، انتهى.
(رجع) قال: حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى. قال: حدثنا أبي عن أبي ليلى، وأخيه عبدالرحمن.
قلت: لم أقف لمحمد، ولا لأبيه عمران، لا في الطبقات، ولا في غيرها، على تاريخ وفاة، وقد احتج بهما الإمام (ع) مصدّراً لخبرهما، ولم يخرج لهما من القوم إلا الترمذي، وابن ماجه لعمران، ووثقهما ابن حبان، ولم يظهر أنهما من رجال العامة، فيترجح والله الموفق أنهما ممن وثقه الإمام (ع)، مع أن أبا ليلى، وولده وولد ولده من الخواص، أولياء آل محمد (ع)، وقد سبق ذكرهم، في الآخذين عن جعفر بن محمد الصادق (ع)، وأخرت تفصيل بعض أحوالهما إلى هذا المحل؛ فأبو ليلى من الصحابة السابقين، وأولياء الوصي ـ صلوات الله عليه ـ الصادقين، والشهداء بين يديه المرزوقين، ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال السيد الإمام: أبو ليلى الأنصاري بلال أو داود بن بلال بن أحيحة بن الجلاح، أبو عبد الرحمن، صحابي، شهد أحداً وما بعدها، ونزل الكوفة وحضر مع علي (ع) مشاهده جميعها، وقتل بصفين سنة سبع وثلاثين.
روى عنه ابنه عبد الرحمن، خرج له الأربعة إلا النسائي، وخرج له المرشد بالله، انتهى.
وولده عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عيسى، المتوفى سنة ثلاث وثمانين، معدود في ثقات الشيعة الأكرمين، روى عن الوصي ـ رضوان الله عليه ـ وأم هاني ـ رضي الله عنها ـ، ونَاْصَرَ الإمام الرضى الحسن بن الحسن السبط (ع)، وضربه الحجاج ليسب سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ فلم يفعل، وخرج عليه مع الإمام الحسن بن الحسن بن علي (ع).
خرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الأربعة /385

(1/385)


(ع) والجماعة.
وولده محمد بن عبد الرحمن المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة، أحد الأعلام المبايعين للإمام الأعظم (ع)، وصاحب رسالته، معدود في ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ قالوا: إذا قال المحدثون: ابن أبي ليلى فمرادهم عبد الرحمن، وإذا قال الفقهاء: ابن أبي ليلى فمرادهم ولده محمد، خرج له من خرج لأبيه، وأربعة العامة.
(رجع) عن ثابت بن قيس.
قلت: قال السيد الإمام (ع): ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، الخزرجي، خطيب الأنصار، شهد أحْداً، وما بعدها؛ استشهد باليمامة في قتال أهل الردة، سنة إحدى عشرة، روى عنه ابنه عدي، وغيره. انتهى.
قلت: وقد تقدم ولده، وأنه من ثقات الشيعة.
أخرج لثابت الإمام أبو طالب، ومحمد؛ أفاده في الطبقات.
قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تسمعون، ويسمع منكم، ويسمع من الذين يسمعون منكم، ويسمع من الذين يسمعون من الذين يسمعون منكم، ثم يأتي من بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن، ويشهدون قبل أن يستشهدوا)).
[تراجم حمزة بن القاسم العلوي وشيخه جعفر ومحمد المازني]
وقال (ع): حدثني أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله، قال حدثني أبي رحمه الله، قال: أخبرني حمزة بن القاسم العلوي العباسي.
قلت: من أولاد الشهيد، العباس بن علي بن أبي طالب، وهو من السلالة العلوية، مسلسلي سند العترة الزكية (ع)، توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وروى عنه الحسين بن هارون، والد الإمامين؛ خرج له الإمامان.
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك.
قلت:لم يذكر السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وفاته، ولم يزد على ذكر سنده، وهو من أعيان الزيدية، أتباع العترة النبوية (ع).
(رجع) عن محمد بن منصور المرادي، عن محمد بن عمر المازني.
قلت: لم يترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وترجم له غيره، ولم يذكر وفاته، /386

(1/386)


وهو كالأول من عيون العصابة المرضية، ومسلسلي مذهب السلالة المحمدية العلوية (ع).
[تراجم يحيى بن راشد، ونوح بن قيس، وسلامة الكندي، وعلي بن إسماعيل الفقيه، وبشر بن هارون، ويوسف القطان، وجرير بن عبد الحميد]
(رجع) عن يحيى بن راشد.
قلت: هو كالسابقين من الأخيار الصادقين، وذكروا أنه روى عن حميد الطويل المتوفى سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة، خرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة، ووصفه في الطبقات بالحفظ، والثقة، روى يحيى، عن خالد الحذاء.
والمترجم له عند السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في بابه خالد بن مهران الحذاء، (بتشديد الذال المعجمة، وبالمد) أبو المنازل، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائة، خرج له جميع أئمتنا (ع)، والجماعة، ووصفه في الطبقات بالحفظ، والإمامة، وخالد الحذاء آخر مطلقاً، أخذ عن خالد بن مهران هذا.
(رجع) عن نوح بن قيس.
قلت: هو أبو روح الجذامي المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة، خرج له الإمامان المؤيد بالله، وأبو طالب (ع). أفاده السيد الإمام.
وهو على منهج السابقين ـ رضي الله عنهم ـ.
(رجع) عن سلامة الكندي.
قلت: قال السيد الإمام: عدّه المؤيد بالله من مسلسلي رواية أهل البيت (ع)؛ ذكره في ديباجة شرح التجريد، ثم ساق السند.
(رجع) عن أمير المؤمنين علي (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ جميع هذه الأخبار في كتابنا هذا.
حدثني شيخنا علي بن إسماعيل الفقيه ـ رحمه الله ـ.
قلت: هو أحد أعلام الزيدية، وأعيان العصابة المرضية، الحافظ المجتهد، أبو الحسين، المتوفى سنة خمسين وثلاثمائة تقريباً، أخرج له الإمامان /387

(1/387)


عن الناصر للحق الحسن بن علي، عن بشر بن هارون.
قلت: قال السيد الإمام فيه: الحافظ المشهور.
قال السيد المؤيد بالله ما لفظه: ثم ساق السند هذا.
إلى قوله: هكذا في ديباجة شرح التجريد، وحمل على أنه كان من هذه الطريق ـ أعني: عن زيد بن علي عن آبائه ـ كما حققه غير واحد؛ وذكره السيد أبو طالب في الأمالي، في ذكر زيد بن علي (ع). انتهى.
وهذا الحافظ من عيون الشيعة، ووجوه حملة الشريعة.
عن يوسف بن موسى القطان.
قلت: توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين، والكلام عليه كالكلام على السابِقين، خرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الأربعة، والبخاري، وغيرهم.
قال:سمعت جرير بن عبد الحميد.
قلت: قد سبق ذكره عارضاً، وهو من علماء الزيدية الأبرار، وفضلاء الشيعة الأخيار، توفي سنة ثمان وثمانين ومائة، خرج له أئمتنا (ع) والجماعة؛ أفاده في الطبقات.
قال المولى العلامة فخر الإسلام عبدالله بن الإمام الهادي ـ أيده الله ـ، في الجداول المختصرة منها: وكلما ورد جرير مطلقاً، غالباً فهو ابن عبد الحميد. انتهى.
يقول: عن مغيرة الضبي.
قلت: هو المغيرة بن مقسم تقدم في الأمالي.
(رجع) عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، جميع هذه الأخبار.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، عن الحسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي؛ جميع هذه الأخبار.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله، قال: حدثنا أبو الحسين الهادي، يحيى بن محمد المرتضى، قال حدثني الناصر أحمد بن /388

(1/388)


يحيى، قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع)، قال: حدثني أبي عن أبيه القاسم بن إبراهيم (ع)، قال القاسم بن إبراهيم (ع): حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي، الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ جميع هذه الأخبار، المحتج بها في كتابنا، هذا سماعاً وقراءة.
[الرد على من شكك في خطبة شرح التجريد]
قلت: وقع التشكيك من بعض الناظرين في الخطبة بما معناه أنه (ع) روى في شرحه هذا، عن غير هذه الطرق.
والجواب، والله الموفق للصواب من أوجه:
منها: أنه أراد (ع) أن ما أورده للاحتجاج من هذه الطرق، فهذا سنده.
ومنها: أن الذي يرويه عن أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ، قد ثبت له من هذه الطرق.
ومنها:أنه لعله (ع) أراد أن يسوق الأخبار المحتج بها، من هذه الطرق، ثم منع من ذلك مانع؛ كما أنه قد ذكر فيما سبق أنه سيفرد لها ـ إن يسر الله ـ كتاباً، والمقصود التي احتج بها (ع) كما أشار إليه بقوله: المحتج بها في كتابنا هذا؛ ليخرج ماضعفه أو رواه غير معتمد عليه، وإنما هو شاهد، أو إلزام للمنازع؛ وإن استبعد هذا فلا قطع بعدمه، فهو ممكن الوقوع قطعاً، لامانع منه، ولااستحالة فيه لالذاته ولالغيره، لاعقلاً ولاشرعاً.
وأيضاً فقد دلّ عليه كلام الإمام (ع) حيث قال: فلو روينا الخبر المتصل عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من جميع الجهات، على ألسن الرواة، الذين اتسق سندهم إلينا، ولم يضطرب عندنا، ولدينا.
إلى قوله (ع): لخرجنا عن طريقة ما أوردناه.
ثم أفاد أنه لايروي الخبر حتى يعلمه صحيحاً، عن جماعة من الرواة، ويتحققه مسنداً عن الثقات؛ فهذا تصريحه في الخطبة نفسها، كما ترى.
وعلى الجملة فهذه الخطبة الكريمة، قد ثبتت برواية الثقات، من أعلام آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعلماء شيعتهم - رضي /389

(1/389)


الله عنهم -، كالإمام المتوكل على الله ـ وقد سبق كلامه ـ والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والسيد الإمام إبراهيم بن القاسم، صاحب طبقات الزيدية؛ والقاضي العلامة الحواري، أحمد بن سعد الدين المسوري.
ولم يزل أئمتنا وأشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ يتلقونها، خلفاً عن سلف، ويتداولون أسانيدها العلية، ويسمونها بمسلسل مذهب العترة النبوية، وهذا واضح البيان لناظريه، لائح البرهان لمقتفيه، فأما العناد فلا حيلة فيه؛ والله الموفق للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وبه الاستعانة في كل إصدار وإيراد.
قال (ع): قال أبو العباس ـ رحمه اللَّه تعالى ـ: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد.
وقال الناصر الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ: الأسانيد سلاح المؤمن، وكل حديث لاسند فيه فهو خلّ وبَقْل.
قال ـ قدس الله روحه ـ: من فقه الرجل، بصره بالأسانيد.
قال: قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن سوادة بن أبي الجعد، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: من طلب العلم بلا إسناد، فهو كحاطب ليل.
وقال في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف:44]، هو: حدثني أبي عن أبيه عن جده.
قلت:عثمان تقدم هو وأخواه ابنا أبي شيبة، وعدادهم في ثقات الشيعة، وعثمان ممن أخذ عنهم السيد الإمام أبو العباس، ومحمد بن منصور، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع).
وسوادة أهمله السيد الإمام، وصاحب الجداول، ولم أقف على ترجمة له /390

(1/390)


في شيء من كتب علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ، وترجم له بعض العامة فقالوا: سوادة بن أبي الجعد الجعفي، عن أبي جعفر.
إلى قوله: وثقه ابن حبان. انتهى.
فاختصاصه بالرواية عن الباقر (ع)، ورواية الإمام المؤيد بالله (ع) عنه، وليس من رجال المخالفين، يرجح كونه موثوقاً به، والله ولي التوفيق.
[افتتاح شرح التجريد بعد تمام الخطبة]
قال (ع) بعد تمام المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، أولى من حُمد، وأحق من عُبد، الذي شرع لنا الإسلام، وبيّن الحلال والحرام، فأقام عليهما الأدلة والأعلام؛ حمداً يفضي بنا إلى رضاه، ويوفقنا لسبيل هداه؛ وصلى الله على نبيه، وأمينه على وحيه، محمد وآله أجمعين.
كنتُ وعدتك ـ حين سهّل الله الفراغ من كتابي، الموسوم بالتجريد، لفتاوي القاسم، ويحيى بن الحسين (ع) ـ أن أفرغ لشرح ما أودعته من المسائل، بما يحضر من الحجاج والدلائل، وهذا أوان الشروع فيه، والله الموفق لما أضمره وأنويه، وإياه ـ عز اسمه ـ أسأل، أن يعيننا على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه، ويعصمنا فيما نكدح له، ونسعى فيه، من أن نقصد غير وجهه، إنه سميع مجيب.
«كتاب الطهارة»
باب القول في المياه.
ثم ساق الكتاب متناً وشرحاً، يأتي بالتجريد مصدراً بـ(قال)، وهو نوع من التجريد البديعي المعروف، ثم يبسط الشرح عليه من الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، بعد تقرير قول الإمامين القاسم والهادي إلى الحق (ع) /391

(1/391)


، موضحاً للنصوص، مميزاً لها عن التخاريج، مبيناً للمآخذ كلها على الخصوص؛ وهكذا طريقة أخيه الإمام الناطق بالحق، والسيد الإمام أبي العباس (ع) ومن حذا حذوهم؛ لا كما فعله بعض المتأخرين، من خلط النصوص المعلومة، بالتخاريج المفهومة، وفيه من الخبط ما لايخفى على ذي بصيرة.
[ما قد يحصل من الاستبعاد في توجيه الرد والاستدلال في شرح التجريد]
هذا، وقد يحصل في بعض المقامات نوع استبعاد، في توجيه الرد والاستدلال، فيشكل ذلك على من لاتحقيق عنده للمقاصد، ولا نظر سديد في المصادر والموارد.
أوْرَدها سَعْد وسعد مشتمل .... ما هكذا تُورد يا سعد الإبل
ولو تدبر لعلم أولاً أن القول المستدل عليه قد قرره وفرغ من الاجتهاد فيه مثلاً، إمامُ الأئمة، وهادي هداة الأمة ـ رضوان الله عليهم ـ، الذي بشّر به جده سيد الأنام، ووقفت ركائب الأعلام، بباب الخدمة لما أوضحه من الأحكام، وهدى به الأنام، إلى سبل السلام؛ وليس مقصد الإمام المؤيد بالله ومن سلك مسلكه من الأئمة الكرام (ع)، إلا الاستدلال لذلك المقرر المفروغ منه، بما أمكن من الدلائل؛ لمعرفة الوجه للناظر في المسائل، وقد صحّت بأدلتها لإمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، العالم بمكنون الكتاب والسنن، المحيي لرسوم العلوم، المفجر لينبوع المنطوق والمفهوم، ـ رضوان الله عليه ـ؛ وما أحسن قول بعض العترة الكرام:
إذا كان فضل المرء للناس ظاهراً .... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصفِ
ألم ترَ نور الشمس في الأفق بادياً .... غنياً عن الوصف المرصّع بالرصفِ
نعم، فتلك طريقة غير طريقة المستدل لقوله، والمقرر لاختيار نفسه؛ ولهم في الاجتهاد لأنفسهم مجال، غير ذلك المجال، ومقال سوى ذلك المقال /392

(1/392)


؛ وكل مجتهد مكلف بما صح له، وقد يورد ذلك بعض المعاندين، ويقصد التشكيك على من يستهويه من المقلدين، فيبرز مثلاً في مقابلة قول إمام اليمن ـ رضوان الله عليه ـ خبراً، أو يروي أثراً، يروم بذلك تضعيف أقوال الهداة، من سفن النجاة؛ ولو وفق للحق لعلم أن ذلك لا يلزم، ولا يرد على من لم يصح عنده، فأما الاعتراض بهذا على أعلام الإسلام، ونجوم الأنام، فلا سبيل إليه عند كل ذي علم وإنصاف؛ وما أحق المقام بقوله:
أقول لمحرز لما التقينا .... تنكّب لا يقطرك الزحام
والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
وهذا إنما هو للرد على من يروم التضعيف والتزييف، وإلا فلا حرج على من صح له خلاف ما اختاره الإمام الهادي؛ فإن الواجب على كل ناظر العمل بما صح عنده؛ وليس مقصد الهادي إلى الحق ولاغيره من أئمة الهدى (ع)، أن يتابعهم أحد، ويترك ما ثبت له، وحاشاهم، فهم الدعاة إلى اتباع الكتاب والسنة، والجهاد والاجتهاد؛ وإنما يحدث التعصب والتحجر ممن لا بصيرة لهم، وضررهم أكثر من نفعهم، والحق لله تعالى، أن في بعض التأويلات والاستدلالات في شرح التجريد وغيره بعداً لايحتمل؛ ولكن العذر ما سبق أنه يريد الاستدلال لما اختاره الإمام كيف ما أمكن، وإن كان خلاف ما يقرره وما يختاره لنفسه في أكثر المسائل، فتدبر.
هذا، وحال شرح التجريد، وعظم محله، وجلالة موقعه، من بين معتمدات العترة، وذخائر الآل، يغني عن الكلام في وصفه، والتعرض لشرحه، وما هو عند ذوي الحل والعقد من أرباب الاجتهاد، وأصحاب الإصدار والإيراد، إلا بمنزلة الدراري والأقمار، والشموس المسفرة، من سائر الكواكب والأنوار؛ وإنها لتقصر كثير من الأفهام، عن إدراك ما فيه، فضلاً عن استخراج ما يداني معانيه، أو استنباط ما يقارب مبانيه، ولا غرو، فهي /393

(1/393)


نتائج أفكار إمام النظار، من العترة الأطهار، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
[السند إلى شرح التحرير للإمام أبي طالب]
شرح التحرير للإمام الأعظم، الناطق بالحق الأقوم، أبي طالب (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام (ع)، وأذكر هنا سنداً، فيه فوائد غير ما تقدم، وهو له ولشرح التجريد.
فأروي شرحي التجريد، والتحرير، بالطرق السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، وهو يروي ذلك، وغيره، عن الإمام محمد بن علي السراجي، والسيد الإمام إبراهيم بن محمد، صارم الدين الوزير، والفقيه العلامة علي بن أحمد الشظبي -رضي الله عنهم -.
فأما الإمام محمد بن علي، فعن الإمام عزالدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى، عن أخيه الهادي بن يحيى، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
وأما السيد صارم الدين، فله طريقان:
الأولى، عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام محمد بن المطهر، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن أبي الرجال، عن الإمام الشهيد أحمد بن الحسين، عن الحافظ أحمد بن محمد شعلة، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
والأخرى، للسيد صارم الدين، إبراهيم بن محمد بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن السيد صلاح بن الجلال، عن السيد الهادي بن يحيى، صاحب الياقوتة، عن الإمام علي بن محمد، عن الفقيه العلامة /394

(1/394)


يحيى حنش ـ بيض لوفاته السيد الإمام ـ وله طريقان:
الأولى، عن أبيه العلامة محمد، المتوفى سنة سبع عشرة وسبعمائة، عن أبيه العلامة يحيى ـ المتوفى سنة سبع وتسعين وستمائة ـ بن أحمد حنش.
والأخرى، عن العلامة عبدالله بن علي الأكوع.
فأما يحيى بن أحمد حنش، فيروي ذلك عن السيد الإمام الرباني، محمد بن وهاس الحمزي.
قال في الطبقات: كان سيداً جليلاً، وأميراً كبيراً، صنو الحسن بن وهاس، وكان صواماً قواماً متنزهاً عن قبض الحلال والحرام.
إلى قوله: ولاقبض درهماً، حتى لقي الله تعالى، توفي في عشر الثمانين وستمائة، تقريباً. انتهى.
عن الحافظ شعلة، عن الشيخ محيي الدين، محمد بن أحمد القرشي.
وأما عبدالله الأكوع.
قلت: ترجم له السيد الإمام ولم يذكر وفاته، ولم يترجم له في مطلع البدور، وهو من علماء الشيعة الكرام.
نعم: فيروي عن أبيه العلامة، صاحب الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، وجامع اختياراته، بهاء الدين علي الأكوع، وقد ترجم له السيد الإمام، وصاحب المطلع ولم يذكرا وفاته؛ بل أفاد في الطبقات بقاءه إلى سنة سبع وعشرين وستمائة؛ وسيأتي مزيد كلام فيه، في سند الشافي الآتي؛ وله طريقان:
الأولى، عن أبيه العلامة، أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع.
قال السيد الإمام في ترجمته: أحد تلامذة القاضي جعفر بن أحمد.
إلى قوله: وأخذ عنه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وولده علي بن أحمد.
إلى قوله: قال الإمام المنصور بالله: أخبرنا الشيخ، الزاهد العابد، قراءة عليه، وهو ينظر في كتابه، وكان أستاذاً من أئمة الأثر الحفاظ، وشيوخ الأئمة (ع). انتهى.
والأخرى، عن الشيخ محيي الدين القرشي /395

(1/395)


[رجع]، وأما الفقيه علي بن أحمد الراوي عنه الإمام شرف الدين (ع)، فيروي عن الفقيه علي بن زيد الشظبي، عن السيد الإمام أبي العطايا (ع)، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن الفقيه حسن بن محمد النحوي؛ وله طريقان:
الأولى، عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، عن الفقيه العلامة محمد بن خليفة الهمداني.
ترجم له السيد الإمام، وصاحب مطلع البدور، العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال، ووصفه بالاجتهاد، ولم يذكرا وفاته.
عن السيد الإمام محمد بن وهاس، عن الشيخ محيي الدين القرشي.
والأخرى، عن الفقيه يحيى البحيبح، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن الشيخ العلامة محمد بن أحمد النجراني، المتوفى سنة ثلاث وستمائة، والد الشيخ عطية بن محمد.
ترجم له السيد الإمام، وفي المطلع، وهو من أعلام الشيعة الكرام.
عن الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى: شمس الدين، وبدره.
فالإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، يروي عن الشيخ محيي الدين، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ أحمد بن الحسين الأكوع، والشيخ حنظلة بن الحسن بن شبعان، (بمعجمة فموحدة).
أثنى عليه الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، وترجم له السيد الإمام، وكذا القاضي في المطلع، ولم يذكرا وفاته، وهو من أعيان علماء الشيعة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ.
نعم، فالأميران شيخا آل الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وهؤلاء الأربعة المشايخ محيي الدين، والحسن، وأحمد، وحنظلة، يروون ذلك عن القاضي، شمس الدين جعفر بن أحمد. ويروي ذلك محيي الدين القرشي، أيضاً عن الأميرين شمس الدين وبدره.
هذا، والأميران، والقاضي جعفر، يروون ذلك عن الإمام، المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، بسنده المتقدم، في سند شرح التجريد، إلى أبي /396

(1/396)


يوسف القزويني، عن الإمامين المؤيد بالله، والناطق بالحق أبي طالب (ع).
(ح)، ويروي ذلك القاضي جعفر أيضاً بطرقه المارة إلى القاضي يوسف الخطيب، عن الإمامين ـ رضوان الله عليهم ـ.
[شذرات من كتاب التحرير، وكلام عن شرحه]
قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في التحرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
على الله أتوكل، وبه أستعين.
الحمد لله على جزيل نعمته، وسني موهبته؛ وصلى الله على خير مبعوث من البشر إلى خليقته، محمد وآله الطاهرين من عترته.
سألتَ ـ وفقك الله وإيانا لطاعته ـ تلخيص مذهب القاسم بن إبراهيم، ويحيى بن الحسين، وأولادهما (ع) في أبواب الفقه، ومسائل الشرع، مضافة إلى الفروع، التي تقتضيها نصوصهما، ويجليها تعليلهما.
فأجبتك إلى ذلك، رجاءً لما يحصل من النفع به، ويقسم لنا من الثواب عليه، معولاً على توفيق الله، وتسديده.
إلى آخر كلامه (ع).
ومتن التحرير لي فيه سماع على والدي ـ رضي الله عنه ـ.
وأما شرحه وهو اثنا عشر ـ وقيل: ستة عشر مجلداً ـ فقد سمعتُ فيه ما تضمنته غضون كتب علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ؛ كالشفاء للأمير الحسين (ع)، وغيره؛ وشرح التحرير هذا من أجلّ ذخائر أئمتنا (ع).
وعليه، وعلى شرح التجريد، معظم مدار العصابة الزيدية، والفرقة المهدية، استدلالاً وتعليلاً، وتهذيباً وترتيباً، وتصحيحاً وتنقيحاً؛ والكل بعدهما على أثرهما يقتفون، ومن معينهما يغترفون.
وقد انتزع منه القاضي زيد بن محمد الكلاري - رضي الله عنه - الشرح المشهور وهو المسمى بسوق الزيدية؛ وقد تقدمت الطريق إليه في السند الجامع.
وشرحه الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين /397

(1/397)


(ع) بالتقرير، وهو شرح بسيط سيأتي السند إليه ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ مع جميع مؤلفاته.
قال بعض العلماء في وصف شرح التحرير ما لفظه: فإنك ترى فيها ـ يعني أجزاء التحرير ـ من العجائب، ويواقيت العلم الثمينة، وجواهره المكنونة النفيسة، التي لاترى في كتاب قط، وأودع فيها مذاهب الفقهاء، ورجّح مذهب الهادي حتى ظهر ترجيحه، وتوهجت مصابيحه، وذكى ريحه.
وقال الحاكم الجشمي - رضي الله عنه - في وصف كلام الإمام أبي طالب(ع): وعليه مَسْحة من الكلام الإلهي، وجذوة من النور النبوي، انتهى.
[السند إلى أمالي المؤيد بالله]
أمالي المؤيد بالله (ع) أرويها بالطرق السابقة في السند الجامع لمؤلفات الأئمة، إلى الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين، وبدره، عن القاضي، شمس الدين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ.
(ح)، وبالأسانيد المتقدمة في سند المجموع إلى الإمام عبد الله بن حمزة.
قال في الشافي: أخبرني الشيخ الأجل الأوحد، حسام الدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه اللَّه تعالى ـ، والشيخ الأجل الفاضل، محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد القرشي، قالا: أخبرنا القاضي الأجل الإمام شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ قراءة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، قطب الدين، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني ـ أسعده الله ـ قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزاذي ـ رحمه الله ـ إجازة.
قلت: ترجم له السيد الإمام فقال: الشيخ الإمام أبو علي ثم ساق أسانيده.
إلى قوله: قال القاضي: كان عالماً كبيراً، وإماماً خطيراً.
إلى قوله (ع): وهو الذي صلى على الإمام المرشد بالله. انتهى.
والشيخ أبو رشيد بن عبدالحميد ابن قاسورا الرازي قراءة عليه.
قلت: عده السيد الإمام (ع) في سياق الأمالي، ولم يترجم له هو /398

(1/398)


ولا غيره من أصحابنا بالاستقلال، ولم يذكروا له اسماً غير الكنية؛ والذي يظهر أنه من علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ.
والشيخ عبدالوهاب بن أبي العلاء بن بُعْدوَيه السمان، قراءة عليه أيضاً في مدرسة شجاع الدين، في شهر ربيع، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: عبدالوهاب بن أبي العلاء بن بعدويه (بضم الموحدة، وسكون المهملة، وضم المهملة الثانية، وسكون الواو، وفتح التحتية مثناة، ثم هاء) السمان، ثم ساق إسناده، ولم يذكر وفاته، وهو كالأول.
قالوا: أخبرنا الأستاذ الرئيس علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن مزدك، في الجامع العتيق بالري في ذي القعدة سنة [496] ست وتسعين وأربعمائة، بقراءته علينا.
قلت: ساق السيد الإمام في ترجمته ما في السند ولم يزد عليه، والكلام عندي فيه كالكلام على الأولَيْن.
قال: أخبرنا والدي الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن مزدك، في شوال سنة [445] خمس وأربعين وأربعمائة.
قلت: الكلام عليه كالكلام على أبيه، إلا أنه زاد السيد الإمام أنه قال في طبقات الحنفية: هو الأستاذ أبو علي، له تاريخ. انتهى.
قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن جاوك.
قلت: قال السيد الإمام: بفتح الجيم وضم الواو ثم كاف.
إلى قوله: وذكره القاضي بالهمز، وقال: علامة كبير حافظ، قرأ على المؤيد بالله، وسمع منه. انتهى.
[ترجمة لبعض رجال الأمالي، منهم: النقاش]
قال: أخبرنا السيد الإمام أبو الحسين أحمد بن الحسين، وأتمّ نسبه، وقد تقدم الكلام. قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عثمان النقاش.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وغيره، بذكر روايته عن الإمام الناصر للحق، ورواية الأخوين عنه، ولم يذكروا وفاته، وهو من المشايخ الحفاظ، أكثر /399

(1/399)


الرواية عنه الإمامان عن الإمام الناصر للحق (ع)، وكثر الاعتماد منهما عليه، وتحقق اختصاصه بأئمة آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، قال: أخبرنا محمد بن منصور، عن علي بن الحسن بن علي الحسيني، والد الناصر، عن إبراهيم بن رجاء الشيباني.
قلت: ترجم له السيد الإمام في الطبقات، وساق روايته، إلى قوله: خراساني مروزي جليل، انتهى.
خرج له الإمام المؤيد بالله، والمرشد بالله.
(رجع) قال: قيل لجعفر بن محمد: ما أراد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقوله لعلي يوم الغدير: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))؟
فاستوى جعفر بن محمد قاعداً، فقال: (الخبر المتقدم في الفصل الأول)، وساق هذا في الشافي.
قلت: فأروي بالأسانيد السابقة إلى الإمام المؤيد بالله جميع كتاب الأمالي.
قال الإمام (ع) فيها: وبهذا الإسناد عن محمد بن منصور عن علي بن الحسن الحسيني والد الناصر (ع)، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وخزن لسانه، وكف غضبه، وأدى النصيحة لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنة مفتحة له)).
أخبرنا أبو نصر.
قلت: هو منصور بن محمد الروياني، توفي بعد الخمس والثلاثمائة.
أخبرنا علي.
قلت: هو ابن عبدالله الخرزي أبو الحسن.
أخبرنا عبد الغني.
قلت: هو ابن رفاعة اللخمي، أبو جعفر، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين، ترجم له وللذين قبله السيد الإمام، وأفاد ما ذكرنا؛ وقد اعتمدهم الإمام المؤيد بالله (ع) وكرر الرواية عنهم.
قال: أخبرنا يغنم.
قلت: هو ابن سالم بن قنبر مولى علي (ع).
قال السيد الإمام: وثقة المؤيد بالله، /400

(1/400)


والذي يظهر لي أنه من رجال الشيعة، انتهى.
عن أنس بن مالك.
قلت: خادم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المتوفى سنة [93] ثلاث وتسعين.
قال السيد الإمام: على الأصحّ، وقد جاوز المائة، انتهى.
سأله الوصي ـ صلوات الله عليه ـ عن أمر فكتم، فدعا عليه بقوله: إن كنتَ كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لاتواريها العمامة ـ يعني البرص ـ؛ فأصابه البرص في وجهه، وقد رُويت توبته والله الموفق.
(رجع) عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((طوبى ثم طوبى لإخواني)).
قالوا: أولسنا إخوانك؟
قال: ((أنتم أصحابي، رأيتموني فآمنتم بي، وإخواني آمنوا بي ولم يروني)).
أخبرنا محمد بن عثمان النقاش.
قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، عن محمد بن منصور، عن عباد بن يعقوب، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم.
قلت: بضم المهملة، هو أبو عبدالله المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
قال الإمام المنصور بالله: هو ممن اشتهر بالقول بالعدل، والتوحيد، وذكره الحاكم في ثقات أهل المدينة.
خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، والجماعة.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما ذكرنا، وبقية رجال السند تقدم ذكرهم في ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: كان الحسن، والحسين (ع) عند النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ليلة مظلمة، فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذهبا إلى أمكما)).
قال: فبعث الله لهما برقة مشيا في ضوءها حتى أتيا أمهما.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحمد لله الذي أنعم على محمد وآله، إن الله إنما بعث هذه البرقة لهما)).
قلت: وقد روى معنى هذا في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا، بسند آبائه إلى الحسين بن علي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال الإمام المؤيد بالله (ع): أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الحسيني.
قلت: توفي السيد الإمام الحسن سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، عن ثمان وتسعين، وجده يحيى /401

(1/401)


هو العقيقي، صاحب الإمام القاسم بن إبراهيم، مذكور بتمام نسبه في التحف الفاطمية في سيرة نجم آل الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
قال: حدثنا جدي يحيى بن الحسن، قال: أخبرنا إبراهيم بن علي، والحسن بن يحيى.
قلت: أي ابن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وهو أحد الأربعة الأعيان نجوم آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، في عصرهم، المتكرر ذكرهم، الذين اجتمعوا في دار محمد بن منصور من الأقطار المتفرقة، وبايعوا نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال في الطبقات: وروي عن القاسم أنه قال: لما اجتمعوا في بيت محمد بن منصور سنة [220] عشرين ومائتين: أنت يا أبا محمد ـ أي الإمام الحسن بن يحيى ـ اقبل هذا الأمر ـ يعني: الإمامة ـ فإنك أهل له، وأنت أقوى على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس مالا نعرف.
فقال الحسن: يا أبا محمد، والله لايتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطئ.
ثم بايع القاسم (ع).
قال المنصور بالله: وكانت فضيلة السبق إلى منابذة الظالمين انتهت إلى هؤلاء، انتهى.
وقد ساق صفة اجتماعهم ومحاورتهم بتمامها، في المصابيح، وقد أشرنا إليها في التحف الفاطمية، وسنوردها ـ إن شاء الله تعالى ـ في مقام آخر، أفاد السيد الإمام أنه لم يؤرخ أحد وفاته، قال: فالظاهر أنه بعد الستين والمائتين، لأن الناصر أدرك زمانه، والله أعلم.
خرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد (ع).
هذا؛ وإبراهيم بن علي، قال السيد الإمام في ترجمته: إبراهيم بن علي بن حسن بن رافع الرافعي المدني، وساق الذين روى عنهم، والذين رووا عنه، /402

(1/402)


وأفاد أن وفاته بعد المائتين، وأنه خرّج له الإمام أبو طالب، ومحمد، وابن ماجه.
قلت: والإمام المؤيد بالله (ع).
(رجع) قال: حدثنا نصر بن مزاحم، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: كان لي عشر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يعطهن أحد قبلي، ولايعطاهن أحد بعدي: قال لي: ((يا علي أنت أخي في الدنيا، وأخي في الآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة، ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزلي الأخوين، وأنت الوصي، وأنت الولي، وأنت الوزير، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله، ووليك وليي، ووليي ولي الله)).
قلت: سقطت في الرواية: العاشرة، وهي تامة في أمالي الإمام أبي طالب (ع) وهي: ((وأنت الخليفة في الأهل، والمال، والمسلمين في كل غيبة)) وقد تقدمت الرواية بتمامها في الفصل الأول.
هذا، وأروي أمالي الإمام المؤيد بالله (ع) أيضاً بقراءتي لها من فاتحتها إلى خاتمتها، على سيدي المولى العلامة الولي بن الولي، الحسن بن الحسين الحوثي - رضي الله عنهما -، وهو يرويها عن حي السيد العلامة محمد بن يحيى الصعدي المؤيدي، عن والده العلامة نجم آل محمد الحسين بن محمد الحوثي ـ رضي الله عنهم ـ عن والدنا الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي محمد بن القاسم الحوثي (ع)، بطرقه السابقة، والله ولي التوفيق.
[السند إلى أمالي الإمام أبي طالب (ع)]
أمالي الإمام الناطق بالحق (ع)، أرويها بالطرق السابقة في السند الجامع لمؤلفاتهم، وبالأسانيد المتقدمة في طرق المجموع، إلى الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع).
قال: أخبرنا الشيخ الإمام حسام الدين، عمدة الموحدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه الله ـ والشيخ الأجل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي العبشمي ـ طول الله مدته ـ، والشيخ الأجل عفيف الدين حنظلة بن الحسن ـ رحمه الله ـ، والفقيه /403

(1/403)


الأجل العابد الزاهد أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع رحمه الله قراءة عليه وهو ينظر في كتابه، كلهم؛ قالوا: أخبرنا القاضي الأجل شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ، قال: أخبرنا القاضي الإمام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أسعده الله ـ، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد فخر الدين أبو الحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي بقرائتي عليه، قدم علينا الري، والشيخ الإمام الأفضل، مجد الدين عبد المجيد بن عبد الغفار بن أبي سعد الإستراباذي الزيدي رحمه الله، قالا: أخبرنا السيد الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر الحسني النقيب بإستراباذ، في شهر الله الأصم رجب، سنة ثمان عشرة وخمسمائة، قال: أخبرنا والدي السيد أبو جعفر، محمد بن جعفر بن علي خليفة الحسني، والسيد أبو الحسن علي بن أبي طالب أحمد بن القاسم الحسني الآملي، الملقب بالمستعين بالله.
قلت: رجال هذا السند؛ أما من قبل مجد الدين عبد المجيد فقد سبقت تراجمهم في التحف الفاطمية، وفي هذا المجموع.
وأما من بعده فقد ترجم لهم في الطبقات، وليس فيما ذكره زيادة إفادة في أحوالهم على مافي السند، وفيه الكفاية من الأوصاف الدالة على محلّهم في الفضل، والعلم، وذكر السيد الإمام في ترجمة محمد بن جعفر أن السماع بفتح تاء خليفة فقيل: على البدل، وقيل: غير ذلك.
قال: وكان محمد بن جعفر سيداً إماماً.
هذا؛ فكل من لم نذكره منهم، وممن سبق وممن يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ فهو إما لتقدمه في التحف الفاطمية أو في هذه الأسانيد المباركة، أو لتأخيره إلى مقام أليق به، أو لعدم الوقوف على شيء من تفصيل أحواله، بعد البحث في محله، من طبقات الزيدية، وغيرها؛ يعلم ذلك والله ولي الإعانة.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين.
قلت: وأكمل نسبه وقد تقدم.
قال ـ أي الإمام أبو طالب (ع) ـ: أخبرنا أبو /404

(1/404)


محمد الحسن بن حمزة الحسيني رحمه الله.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأتم نسبه إلى علي الأصغر بن علي سيد العابدين (ع). وقال: خرج له السيد أبو طالب.
(رجع) قال: حدثنا أحمد بن عبدالله البرقي.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وأفاد بذكر من أخذ عنهم، ومن أخذوا عنه، وأن وفاته سنة سبع وسبعين، وأنه خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وأن نسبته إلى بُرقة (بضم الموحدة) ـ وقيل: بفتحها، وسكون المهملة، ثم قاف ـ من بلاد المغرب، بينها وبين مصر مسافة شهر، على سمت القيروان، نسب إليها جماعة من العلماء.
قال: حدثني جدي أحمد بن محمد.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ كترجمة حفيده، وذكر كلام الذهبي فيه، وأن ابن حجر قال فيه: أبو جعفر، عالم الشيعة، له تصانيف في الرفض، وأنه كان في زمن المعتصم، ولم يذكروا وفاته.
(رجع) عن أبيه.
قلت: هو محمد بن خالد البرقي، ترجم له كذلك، ولم يذكر وفاته.
وهذا الذي ذكره السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ من أحوال هؤلاء، فالعمدة على نظر الناظر، والذي يظهر لي أنهم من رجال الشيعة والله الموفق.
قال: حدثني الحسين بن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، قال:
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من زار قبراً من قبورنا أهل البيت، ثم مات من عامه الذي زار فيه، وكّل الله بقبره سبعين ملكاً، يسبحون له إلى يوم القيامة)).
وهذا الخبر أورده الإمام (ع) في الشافي عند تمام السند./405

(1/405)


نعم، وثمة سند فيه زيادة فائدة من السيد صارم الدين إلى الشيخ محيي الدين - رضي الله عنهما - لم يتقدم، وهو أني أرويها عن والدي ـ رضي الله عنه ـ عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن شيخه محمد بن محمد الكبسي، عن شيخه محمد بن عبد الرب، عن شيخه علي بن عبدالله الجلال، عن شيخه عبدالقادر بن أحمد الكوكباني، عن شيخه يوسف بن الحسين، عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة، عن شيخه عامر بن عبدالله، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد، عن صلاح بن أحمد بن عبدالله المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ابن أحمد المتوفى عام ستة عشر وتسعمائة، ابن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم الوزير، عن أبيه أحمد، عن أبيه عبدالله، عن أبيه أحمد، عن أبيه حافظ اليمن، سيد بني الحسن، صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير.
(ح) ويرويها السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير أيضاً، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن شيخه صارم الدين إبراهيم بن محمد، وهو يرويها عن أبيه محمد، المتوفى سنة سبع وتسعين وثمانمائة، عن أبيه عبدالله المتوفى سنة أربعين وثمانمائة، ابن الهادي بن إبراهيم، عن شيخه صلاح بن الجلال.
فهؤلاء العصابة من نجوم الآل، ترجم لهم علماؤنا بما لايسعه الحال، وقد أتيت في التحف الفاطمية، وفي هذا المجموع، من أحوالهم بما فيه الكفاية.
قال سمعت على الشيخ العالم جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية نفع الله به.
قلت: أي النجراني؛ توفي جمال الدين سنة إحدى وثمانمائة.
كتاب تيسير المطالب الذي عني في تأليفه ـ أي ترتيبه ـ القاضي جعفر، من أمالي السيد أبي طالب، يرويه عن الإمام؛ عماد الإسلام، يحيى بن حمزة، يرويه عن شيخه العلامة بدر الدين محمد بن حسين الأصبهاني.
قلت: ترجم له السيد الإمام، والقاضي أحمد - رضي الله عنهما - وذكرا/406

(1/406)


في وصفه أنه العلامة المحقق، الراسخ الحجة، كان من عيون العلماء، محدثاً، ولم يذكرا وفاته.
(رجع) كما هو يرويه عن السيد الفاضل، عامر بن زيد بن الشماخ العباسي.
قلت: هو من ذرية العباس بن علي بن أبي طالب (ع)، ترجم له السيد الإمام بما أفاده في السند.
(رجع) كما هو يرويه عن الشيخ الأجل أحمد الأكوع شعلة.
قلت: وما في بعض الروايات أن الأصبهاني رواه عن شعلة بغير واسطة سهو؛ أفاده في الطبقات.
(رجع) كما هو يرويه، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد قراءة عليه قال: أخبرنا القاضي الأجل الإمام، شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى ـ رضي الله عنه ـ قراءة عليه.
قال: أما بعد إلخ الكتاب.
فأروي بجميع ما سبق من الأسانيد جميع أمالي الإمام.
قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع): أخبرنا أبو الحسين، يحيى بن الحسين بن محمد بن عبيدالله الحسني ـ رحمه الله ـ، قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني، قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ؛ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً، فرفع رأسه إلى السماء فقال: يارب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك)).
قلت: وهذا من المسلسلات النبوية، وقد توسط بين أبي الحسين، والإمام الرضا (ع) ابنُ مهرويه (بفتح الميم)، وداودُ بن سليمان.
قال السيد /407

(1/407)


الإمام: داود بن سليمان بن يوسف الغازي، أبو أحمد، القزويني الجرجاني، عن علي بن موسى، عن أبيه، عن جده.
وعنه، علي بن محمد بن مهرويه القزويني.
وحكى كلام الذهبي فيه، وساق أخباراً أوردها الذهبي، وحكم عليها بالوضع على طريقته المعهودة، فخرجها السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ من طرق، ورد عليه، وأوضح بطلان كلامه.
إلى قوله: وذكره في تاريخ قزوين.
وساق ما فيه إلى قوله: شيخ اشتهر بالرواية عن علي بن موسى الرضا، ويقال: إن علياً كان مستخفياً في داره مدة لبثه بقزوين، وله نسخة عنه؛ يرويها أهل قزوين عن داود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن محمد بن مهرويه.
وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: فعرفت أن وجه الرد لأخباره؛ كونه روى أحاديث الشيعة، وغيرها، انتهى.
وأفاد في مختصر الطبقات أنه تكلم فيه يحيى بن معين، والذهبي، جرياً على سجيتهم المعروفة، فيمن يخالف المذهب، ويختص بأهل البيت الطاهرين.
وقال في ترجمة ابن مهرويه: توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وقد نيف على المائة، انتهى.
قلت: وقد تكررت رواية الإمام أبي طالب (ع) عنهما، على سبيل الاعتماد ـ لا المتابعة ـ والاستشهاد، وقد عرف من كلام الإمام في شرح البالغ المدرك الذي نقلته في التحف الفاطمية ، حيث اعتذر عن الرواية من طرق العامة، بأن الداعي لذلك إنكارهم أنه لايروي على هذا الوجه إلا عن موثوق به، وهذا بخلاف من اشتهرت أحواله بين الأمة، لتمكن الباحث من الوقوف على الحقيقة، ومذهب الإمام (ع) اشتراط العدالة المحققة، مع ما ظهر من اختصاص الرجلين، وأمثالهما، بآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ حتى تناولهم لذلك أولئك الفريق، فيترجح جانب التوثيق؛ والله ولي التوفيق.
[حديث مطوَّل من الأمالي في فضل العلم]
وبه قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا إسحاق بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، عن /408

(1/408)


أبيه إسحاق بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن علي ـ رضوان الله عليهم ـ، قال: قال أمير المؤمنين علي ـ صلوات الله عليه ـ لأصحابه وهم بحضرته: تعلموا العلم؛ فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وإفادته صدقه، وبذله لأهله قربة، وهو معالم الحلال والحرام، ومسالكه سبل الجنة؛ مؤنس في الوحدة، وصاحب في الغربة، وعون في السراء والضراء، ويدٌ على الأعداء، وزين عند الأخلاء؛ يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير أئمة يُقْتدى بهم، تُرمَق أعمالهم، وتقتص آثارهم، يرغب الملوك في خلتهم، والسادة في عشرتهم، والملائكة في صفوتهم؛ لأن العلم حياة القلوب من الخطايا، ونور الأبصار من العمى، وقوة الأبدان على الشنآن؛ ينزل الله حامله الجنان، ويحله محل الأبرار؛ بالعلم يُطَاع الله ويُعْبَد، وبالعلم يُعْرف الله ويوحد، وبالعلم تفهم الأحكام، ويفصل بين الحلال والحرام؛ يمنحه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء.
وهذا كالخبر الأول، ليس بين هذه السلسلة العلوية المحمدية ـ رضوان الله عليهم ـ إلا محمد بن علي العبدكي، والكلام عليه كالكلام على السند السابق.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة إسحاق بن العباس: يروي عن أبيه عن جده، وعنه محمد بن علي العبدكي.
إلى قوله: خرج له أبو طالب، وقال في ترجمة العباس: يروي عن أبيه عن جده عن آبائه (ع)، وعنه ولده إسحاق.
قال في المقاتل: وفي أيام المقتدر فيمن قتل منهم، العباس بن إسحاق.
إلى قوله: ونحوه.
ذكره المنصور بالله في الشافي، وقال: وألزمنا نفوسنا ألا نذكر منهم إلا من لا ينازع المنصفون في فضله وكماله.
إلى قوله: خرّج للعباس السيد أبو طالب.
وقال في ترجمة إسحاق بن موسى: روى عن أبيه عن جده، وعنه ولده العباس.
إلى قوله: ويلقب الأمين.
وقال ـ أيده الله ـ في المختصر في ترجمة العبدكي: وهو رأس في علم الكلام؛ حتى قال أبو القاسم: /409

(1/409)


ما رأيتُ رجلاً أعرف بدقيق الكلام وجليله منه. انتهى.
وبه قال: أخبرنا أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي بمصر، قال: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((لما نزلت هذه الآية {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد]: ((ذلك مَنْ أحبّ الله، ورسوله، وأحبّ أهل بيتي، صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله فتحابوا)).
[تراجم لأبي أحمد بن عدي، وأبي الحسن بن الأشعث، وأحمد بن سلام]
وهذا كالأولَينِ ليس بين هذه السلسلة النبوية إلا رجلان: الأول الحافظ أبو أحمد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد بن مبارك الجرجاني، أبو أحمد بن عدي الإمام، الحافظ الكبير، ويُعْرف أيضاً بابن القطان، صاحب الكامل، والجرح والتعديل، كان أحد الأعلام.
إلى قوله: قال الخليل: كان عديم النظير حفظاً، وعدالةً، زاد معجمه على ألف شيخ.
إلى قوله: توفي في جمادى الآخرة، سنة خمس وستين وثلاثمائة.
قال: ولا شيء له في الست؛ لأن زمنه متأخر عن أهلها، وخرج له السيد أبو طالب (ع) فأكثر، انتهى.
والثاني: شيعي الآل محمد بن محمد بن الأشعث، أبو الحسن، نزيل مصر؛ حكى الذهبي عن ابن عدي أن ابن الأشعث حمل إليهم نسخة قريباً من ألف حديث، عن موسى بن إسماعيل.
في مختصر الطبقات: واحتج به البيهقي في السنن الكبرى؛ قال السيوطي: إيراد البيهقي له فائدة جليلة؛ فإنه التزم ألا يخرج في تصانيفه عن وضّاع، سيما في الكبرى التي هي من أجلّ كتبه؛ ذكر معنى ذلك في جمع الجوامع، وكان سماع بن عدي عليه سنة [305] خمس وثلاثمائة، وتوفي سنة [314] أربع عشرة وثلاثمائة، /410

(1/410)


انتهى.
قلت: ولا التفات إلى ما في تنقيح الأنظار من حكايته لتضعيف جماعة من عيون الشيعة الكرام، المعتمد على رواياتهم عند أئمة العترة الأعلام (ع)، محمد بن محمد منهم، فتلك مجازفة واضحة من الحافظ، حمله عليها المِراء كما حمله على غيرها، كما لايخفى على ذي بصيرة، والله ولي التوفيق.
وبه قال: أخبرنا أبي.
قلت: هو السيد الإمام الحسين بن هارون، كان من أعيان أصحاب الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع) ونقلة أخباره، وقد أجاب السيد الإمام في الطبقات على ما قيل من أنه إمامي المذهب، بأن ولده الإمام المؤيد بالله (ع) ذكر: أنه لايقبل أخبار الإمامية، وقد قَبِلَ أخباره.
قلت: وكذا ولده الناطق بالحق (ع) أكثر عنه أيضاً، ومذهبه العدالة المحققة كما سبق، وكونه من خواص الإمام الناصر للحق (ع)، يردّ ذلك.
(رجع) قال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن سلام.
قلت: كان من أعيان أصحاب الإمام الناصر للحق ـ رضي الله عنهم ـ، وبعده الإمام الحسن بن القاسم (ع)، وكان عالماً ديناً ورعاً، توفي بعد العشرين والثلاثمائة؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: أخبرنا أبي.
قلت: هو أحمد بن سلاّ م ـ بتثقيل اللام ـ كان من أعيان أصحاب نجم آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المكثرين عنه، وروى عن مشايخ الزيدية.
قال في الإفادة: كان ابن سلام شيخاً عارفاً فاضلاً، صاحب فقه كثير، ورواية غزيرة، وهو من رجال الشيعة، وخالصتهم؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا عبدالله بن داهر، عن عمرو بن جميع. /411

(1/411)


قلت: هم من أعلام الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، وقد تقدم الكلام عليهم.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي ـ رضوان الله عليه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هل منكم من يريد أن يعطيه الله علماً بغير تعلّم؟ هل منكم من يريد أن يعطيه الله هدى بغير هداية؟ هل منكم من يريد أن يُذْهب الله عنه العمى ويجعله بصيراً؟
ألا إنه من زهد في الدنيا وقصر فيها أمله، أعطاه الله علماً بغير تعلم، وهدى بغير هداية؛ ألا وإنه من رغب في الدنيا، وأطال فيها أمله، أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها؛ ألا وإنه سيكون أقوام لايستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولايستقيم لهم الغنى إلا بالبخل والفخر، ولا يستقيم لهم المحبة في الناس إلا باتباع الهوى؛ ألا فمن أدرك منكم ذلك فصبر على الذل وهو يقدر على العزّ، وصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة في الناس، وهو يقدر على المحبة، لايريد بذلك إلا وجه الله، والدار الآخرة، أثابه الله ثواب خمسين صديقاً))، انتهى.
هذا، ومالم نخصه بسند من كتب الإمامين: المؤيد بالله، والناطق بالحق، كالإفادتين لهما، والزيادات للمؤيد بالله، والمجزي، للناطق بالحق، وغيرها من مؤلفاتهما، ومؤلفات الأئمة السابقين، فللاعتماد على ما سبق من الإسناد الجامع لمؤلفاتهم (ع)، وقد ذكرتُ مؤلفات الأئمة (ع)، في التحف الفاطمية نفع الله بها؛ والله ولي التوفيق.
[السند إلى كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وجميع مؤلفات الإمام الموفق بالله الجرجاني]
وكتاب الإحاطة في علم الكلام للإمام الموفق بالله أبي عبدالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني، الشجري (بالشين المعجمة، والجيم، والراء)، نسبة إلى قرية قرب المدينة، وهو والد المرشد بالله، /412

(1/412)


وعين أعيان جماعة المؤيد بالله (ع).
أروي جميع مؤلفات الإمام الموفق بالله (ع) بالأسانيد السابقة، إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن الفقيه علي بن أحمد، عن الفقيه علي بن زيد، عن أبي العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن النحوي، عن الفقيه يحيى البحيبح، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن الأمير علي، عن الشيخ عطية، عن الأميرين شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: أخبرنا الشيخ الأديب محمد بن الحسين الآذوني قراءة عليه.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: الآذوني (بالمد، فضم الذال المعجمة، ثم واو، ثم نون، ثم ياء النسب)، ثم ساق ما في السند.
قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الحسن بن علي بن إسحاق الفرزاذي.
قلت: هو الشيخ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب إسحاق الفرزاذي، المتقدم في سند أمالي الإمام المؤيد بالله (ع).
قال: حدثنا السيد الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الحسني الشجري، قال الإمام أبو عبدالله الموفق بالله في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين:
الحمد لله، الذي له العزة، وذلّت دونه الأعزة، والغني الذي افتقر إلى رحمته الأغنياء، وبنعمته استقلت الأعداء والأولياء.
وافتتحه بعد الخطبة بقوله:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة.
إلى آخره.
وقال فيه: أخبرني أبو الحسن الحسن بن علي بن محمد.
قلت: ابن جعفر بن الحسين الوبري؛ أفاد في الطبقات، وتبعه المولى فخر الإسلام في مختصرها الجداول، ما في السند لاغير؛ والذي ترجح عندي فيه من تصفح رواياته، واعتماد الإمام عليه، وتكرر روايته عنه ـ أنه من الموالين لآل محمد (ع)، ومن روايته في الكتاب عن شيخه الآتي بالسند إلى جعفر بن /413

(1/413)


محمد (ع) أنه قال: كل راية في غير الزيدية فهي راية الضلالة.
وعن شيخه أيضاً بسند له آخر إلى الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن(ع): لو نزلت راية من السماء، لم تُنْصب إلا في الزيدية.
وعن شيخه أيضاً بسند له آخر، عن جعفر بن محمد بن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للحسين: ((ياحسين يخرج من صلبك رجل، يقال: له زيد، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين، يدخلون الجنة)).
(رجع) أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي.
قلت: هو الحافظ، من ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، توفي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة؛ خرج له الإمام وولده المرشد بالله (ع)، وهو (بجيم، فعين مهملة، فألف، فباء موحدة، فياء النسبة).
(رجع) حدثني القاسم بن محمد عن أبيه.
قلت: هو السيد أبو أحمد القاسم بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (ع) الملقب الملك الجليل.
ويروى أنه دعا إلى نفسه بالطالقان، ولعله احتسب للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ خرج له الإمام وولده (ع)، ولم يذكروا له فيما وقفتُ عليه من كتب الرجال وفاة؛ والذي في أمالي المرشد بالله، والمشجر: القاسم بن جعفر بن محمد.
(رجع) عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن الحسين بن علي (ع) قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((وإذا صليت، فصل صلاة مودع؛ وإياك ياحسين، وما يعتذر منه)) الخبر بطوله.
وفي الخبر: ((إياك وما يسوء الأذن)) وفي الخبر: ((ما أحببت أن يأتي الناس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتي الناس إليك فلا تأته إليهم)) وقوله: ((اذكروا هادم اللذات)) وقوله: ((دعْ ما يريبك إلى ما لايريبك)).
وفيه بهذا السند عن أمير المؤمنين (ع): من نقله الله من ذل المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه الله بلا /414

(1/414)


مال، وأعزه بلا عشيرة، وأَنّسَه بلا أنيس؛ ومن خاف الله أخاف الله كل شيء منه، ومن رضي من الله باليسير من الرزق، رضي الله منه باليسير من العمل؛ ومن لم يستحْيِ من طلب المعيشة، خفت عليه مؤنته، ونعم عياله، ومن زهد في الدنيا أنبت الله ـ عز وجل ـ الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ويذكره داءها ودواءها وعيوبها، فأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار القرار.
[حديث من الاعتبار والسلوة في ثلاثين حقاً للمسلم على أخيه]
وفيه بهذا السند إلى القاسم بن محمد المتقدم، بسند آبائه، عن عمر بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً، لابراءة له منها إلا بالأداء، أو العفو له: يغفر زلته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافي صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويبرّ إنعامه، ويصدق إقسامه، يواليه ولايعاديه، وينصره ظالماً أو مظلوماً، أما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه؛ ولايسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير مايحب لنفسه، ويكره له من الشر مايكره لنفسه)).
ثم قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه، فيطالب به يوم القيامة، فيقضى له عليه)).
وفيه: (باب كلمات النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - لأمير المؤمنين علي(ع)).
قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي، لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولاعقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر)).
إلى قوله: ((ياعلي، سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله على كل حال؛ ياعلي، إن من أبواب البر سخاء النفس، /415

(1/415)


وطيب الكلام، والصبر على الأذى)).
إلى قوله: ((ياعلي، ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق في الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم)).
إلى قوله: ((أربعة لاترد لهم دعوة: الإمام العادل، والوالد لولده، والرجل لأخيه بظهر الغيب، يوكل الله به ملكاً يقول: ولك مثله، والمظلوم يقول الله ـ عز وجل ـ: لأنتصرنّ لك، ولو بعد حين)).
إلى آخر الكتاب؛ والحمد لله الكريم الوهاب.
[السند إلى أمالي الإمام المرشد بالله الخميسية]
أمالي الإمام المرشد بالله يحيى بن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل (ع) الخميسية؛ لأن له (ع) أماليين كما ذكر الإمام الحجة (ع) في الشافي: الخميسية هذه أملاها يوم الخميس، والأنوار أملاها يوم الاثنين، وسيأتي سندهما ـ إن شاء الله تعالى ـ.
هذا، فأروي كتاب الأمالي المذكور بالسند السابق في إسناد المجموع إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: ونحن نروي هذا الكتاب بطريقين:
أحدهما: من جهة الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق (ع).
والثاني: من جهة القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ.
فنقول: أخبرنا الشريف، الأمير الأجل، السيد الفاضل بدر الدين، فخر العترة تاج الشرف، الداعي إلى الله أبو عبدالله، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق (ع)، مناولة في شهر رمضان المعظم، من سنة سبع وتسعين وخمسمائة بمدينة صعدة؛ قال: وأنا /416

(1/416)


أرويه مناولة، وإجازة عن السيد الشريف الأجل عماد الدين الحسن بن عبدالله ـ رحمه الله ـ قال: أخبرنا القاضي الإمام العالم، الأوحد الزاهد، قطب الدين، شرف الإسلام، عماد الشريعة، أحمد بن أبي الحسن بن علي القاضي الكني، أدام الله تأييده، بقراءته علينا في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة؛ قال: أخبرنا القاضي الإمام المرشد بالله أبو منصور عبد الرحيم بن المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني ـ رحمه الله ـ في رمضان، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة قراءة عليه؛ قال: أخبرني والدي الشيخ أبو سعد المظفر بن عبدالرحيم بن علي الحمدوني.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمة عبدالرحيم: القاضي الشيخ أبو منصور الزيدي، سمع على أبيه.
وساق ما في السند.
وقال في ترجمة والده المظفر بعد ذكر روايته: قال القاضي: هو الإمام الأجل الأديب، ولعل وفاته في عشر الثمانين وأربعمائة.
قال: حدثنا السيد الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين.
فهذه الطريق الأولة.
وأما الطريق التي من جهة القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد، فأخبرنا الشيخ الأجل الفاضل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ، قال: أخبرنا القاضي الإمام، العدل الزاهد الأوحد، قطب الدين، شرف الإسلام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أدام الله مجد تأييده ـ؛ قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد، أبوالعباس أحمد بن الحسن بن أبي القاسم بابا الآذوني ـ رحمه الله ـ قراءة عليه، سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
قلت: قال السيد الإمام بعد سياق سنده: وكان أحمد شيخاً محققاً، مسنداً، ولعل وفاته في عشر الأربعين وخمسمائة تقريباً، وذكر في نسبه بابا (بموحدتين) الآذوني (بمعجمة) من تلامذة الإمام المرشد بالله./417

(1/417)


قال: حدثنا المرشد بالله.
واتفق الإسنادان، إلى السيد الإمام المرشد بالله، أبي الحسين.
ثم أتمّ النسب؛ وقد سبق أنا أحلنا ذلك على مؤلفنا التحف الفاطمية، فأنسابهم جميعاً فيه ـ بحمد الله تعالى ـ.
(رجع) إلى إتمام ما في الشافي.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الذكواني بقراءتي عليه في جامع أصفهان؛ قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسحاق بن زيد المعدل.
قلت: ترجم لعبد الرحمن، والحسن، السيدُ الإمام، وأفاد بما في السند وزيادة من رويا عنه، وروى عنهما، لاغير، وهما موصوفان في كتب أئمتنا (ع) بالمعدل.
قال: أخبرنا أبو بكر بن ماهان، قال: حدثنا عمران بن عبد الرحيم، قال: حدثنا عبدالله بن إبراهيم الغفاري.
قلت: هؤلاء الثلاثة الرواة: أبو بكر واسمه محمد بن ماهان، وعمران، وعبدالله، ترجم لهم السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأفاد ما تقدم، في الذين قبلهم، من ذكر الرواية لاغير؛ وبحثتُ في غير الطبقات فلم أقف على تصريح في شأنهم بشيء، وقد صدر خبرهم هذا، وكرره الإمام في الشافي، محتجاً به، وكذلك غيره من أئمتنا، وقد صرح في الشافي أنه لاينقل إلا ما صح له بالنقل الصحيح أو كان من رواية الضد، فيورده للاحتجاج، ومعه من البرهان ما يكفي، كما سيأتي، وهذا ليس من رواية الضد، بل هو من رواية العترة في كتبهم.
(رجع) قال: حدثنا الحسن بن زيد.
[ترجمة الحسن بن زيد بن الحسن السبط]
قلت: هو أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن السبط، ليس لزيد بن الحسن عقب إلا منه؛ ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وحكى ما ذكره الإمام أبو طالب (ع) وغيره من توليه للجبار المنصور العباسي، وهذه الواقعة زلّة قبيحة من الحسن، لم يتقدمه ولاتعقبه فيها أحد من آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في العصر الأقدم، بل خرج بها عن منهاج أهل بيته في ذلك/418

(1/418)


الصدر الأعظم، ولم يستقم التأويل لظهور المظاهرة منه، والمؤازرة، كما لايخفى على ذوي الاطلاع؛ والله سبحانه يقول: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } [فاطر:32].
وقد سلك به أبو الدوانيق بعد ذلك سبيل أهله وصادره، وحبسه، ولم يخرج من السجن إلا في زمن ولده المهدي بن المنصور؛ فعسى أن يكون ذلك مكفراً، داعياً للإنابة، وماحياً بالتوبة؛ ولعله رواه قبل توليته، أو بعد توبته، لِمَا ذكرته لك من الاحتجاج بروايته، والله أعلم.
(رجع) عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل العرش: يامعشر الخلائق، إن الله ـ عز وجل ـ يقول: أنصتوا فطالما أنصتُّ لكم)).
قلت: هو في المنقول منه (بضم التاء) وهو تشبيه لإملائه ـ جل وعلا ـ لخلقه ـ تبارك وتعالى ـ، بإنصات السامعين؛ ففيه استعارة مصرحة تبعية، أو يكون من المشاكلة؛ لتقدم قوله: ((أنصتوا)) والله أعلم.
(رجع) ((أما وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي)).
قلت: وهذا تمثيل لعظم شأنه، وارتفاع سلطانه، وهو مما يحقق أن المراد بالعرش الملك، كما هو معلوم في اللسان، الذي نزل به القرآن، كما قال ـ عز وعلا ـ: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [الزمر:28]،وإن كان لامانع من ثبوت الخلق العظيم مع ذلك، كما ورد في كثير من الأخبار، والله الموفق إلى واضح المنهج.
(رجع) إلى تمام الخبر.
قال: ((لايجاوز أحد منكم إلا بجواز مني، والجواز مني محبة أهل البيت، المستضعفين فيكم، المقهورين على حقهم المظلومين، والذين صبروا على الأذى، واستخفوا بحق رسولي فيهم، فمن /419

(1/419)


أتاني بحبهم، أسكنته جنتي، ومن أتاني ببغضهم أنزلته مع أهل النفاق)). انتهى.
هذا الخبر ساقه الإمام (ع) في الشافي، والأخبار المضمنة هذا الكتاب من الأمالي وغيرها، فيما سبق ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ كثيرة، ففيها كفاية وافية؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[الكلام على حكم محيي الدين محمد بن أحمد القرشي بصحة الأمالي الخميسية]
هذا، واعلم أنه قد حكم بصحة الأمالي الخميسية العلامة عمدة المتكلمين، محيي الدين محمد بن أحمد القرشي ـ رضي الله عنه ـ حيث قال ما لفظه: ولقد جمع الإمام في هذه الأمالي، محاسن أخبار رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وعيونها، ورواها بأسانيد صحيحة عند علماء هذا الشأن، وقال في صدرها: هي من محاسن الأخبار، وأجمعها للفوائد، وأصحها أسانيد عند علماء هذا الشأن؛ وزينها بالغرر والدرر، من الأحاديث المروية، عن أولاد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد استشهد بتصحيحه، الإمام المنصور بالله رب العالمين، أحمد بن هاشم ـ رضي الله عنه ـ.
وقال المولى فخر الإسلام عبدالله بن الإمام، في مختصره، بعد حكاية تصحيح الشيخ: ولعمري إن مثل هذا الإمام الرباني، يكفي تصحيحه لرواية تلك الأخبار، وليت كل سند يكون له مصحح مثل هذا الإمام.
قلت والله الموفق للصواب: وينبغي ألايحمل هذا على عمومه، وإنما المقصود الأعم الأغلب، ويخص من ذلك الحكم، ما عارض المعلوم ولم يمكن تأويله، أو علم الجرح بالطريق المعلومة أو الصحيحة الراجحة لناقله؛ فإن المعلوم أن ليس قصد الإمام المرشد بالله (ع) إلا الرواية لما بلغه، الصحيح وغيره، من دون التزام للتصحيح، بل العهدة على المطلع؛ كيف وقد صرح بجرح بعض الرواة ثم روى عنهم، وضعّف بعض الأخبار، وردّ بعضها، وروى الرد على بعض ما أخرج؟ وهذا الحمل هو الذي لاريب فيه، عند من له نظر يهديه، وعلم يقتفيه؛ فيكون هذا التصحيح من ذلك الشيخ العالم /420

(1/420)


كافياً فيما سوى ماذكرنا من الروايات والرواة، والله الموفق إلى سبيل النجاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[السند إلى كتاب الأنوار]
كتاب الأنوار وهو الأمالي الاثنينية، للإمام المرشد بالله (ع)، أرويها بالسند المذكور في أماليه الخميسية، إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: وأما إسناد أماليه التي أملاها (ع) يوم الاثنين، فنقول: أخبرنا الشيخ الأجل الفاضل الكامل، محيي الدين، عمدة الموحدين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي العبشمي ـ طول الله مدته ـ، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الفاضل شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ، مناولة، ثم بعضه قراءة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أسعده الله ـ قراءة عليه، وهو ينظر في نسخة الأصل؛ قال: أخبرنا السيد العالم، أبو طالب عبدالعظيم بن مهدي بن نصر بن مهدي الحسيني الوتكي ـ رحمه الله ـ، قراءة عليه.
قلت: تمام نسبه: بن محمد بن علي بن موسى بن أحمد بن الأمير عيسى بن علي بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ترجم له السيد الإمام (ع) وأفاد ما ذكره في السند، ولم يذكر وفاته.
قال: حدثنا الشيخ الإمام، إسماعيل بن علي بن إسماعيل الفرزاذي، بقراءته علينا.
قلت: أفاد السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ ما في السند، وقال: كان شيخاً إماماً جليلاً.
قال: حدثنا السيد الأجل، الإمام المرشد بالله، أبو الحسين، يحيى بن الموفق بالله /421

(1/421)


أبي عبدالله الحسني ـ رضي الله عنه ـ وهو المصنف؛ قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي، بقراءتي عليه.
قلت: هو من أعلام العصابة الزيدية، وحفاظ الطائفية الزكية، توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: أخبرنا أبو القاسم، عمر بن محمد بن سَبَنْك البجلي.
قلت: هو القاضي، ابن سبنك (بالسين المهملة، فموحدة، فنون، فكاف) المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد أنه وثقه الخطيب.
قال: أخبرنا أبو الحسن، عمر بن أحمد بن علي بن مالك الأشناني.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما في السند.
قال: حدثنا أبو بكر بن زكريا المْروَرُّوذِي.
قلت: هو محمد بن زكريا، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، كالذي قبله.
قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي الأعور.
قلت: هو أبو عمران، ترجم له السيد الإمام، كالذي قبله.
قال: حدثني موسى بن جعفر بن محمد؛ قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فويل لمن خذلهم، وعاندهم)).
هذا سياق ما في الشافي.
وهذا الخبر الشريف قد تقدم تخريجه، وغيره من الأخبار النبوية في الفصل الأول.
وهذا الإسناد من مسلسلات الكاظم، وقد سبق ذكره مع غيره من أئمة العترة (ع)، في التحف الفاطمية، وفي هذا الكتاب، ولا بأس بالإشارة إلى مالم يذكر هنالك من حاله، ليكون للأماليات كالختام. /422

(1/422)


[ترجمة موسى الكاظم (ع)]
فأقول، والله ولي التوفيق: موسى الكاظم، هو الإمام الحجة، علم أعلام المحجة، أبو الحسن المدني، المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة، وأَمْره في آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أوضح من أن يشرح، وله في أيام المهدي، والهادي، والرشيد، ظلمة بني العباس، لما اعتدوا عليه، كرامات تشبه ما وقع لوالده الإمام أبي عبدالله الصادق، في أيام الطاغية المنصور؛ وقد أخرج ذلك الإمامان أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وقد حكى ما وقع لموسى الكاظم (ع) صاحب جواهر العقدين وغيره.
من ذلك أن موسى الهادي رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ يقول له: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد]، فأمر بإطلاقه.
قال في الشافي: ولما زار ـ أي الرشيد ـ، النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قام عند رأسه وقال: يارسول الله، إني أعتذر إليك، أريد أخذ موسى بن جعفر..إلخ.
وروى الخطيب بإسناده، أن الرشيد حج، فأتى قبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومعه موسى بن جعفر (ع)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عم ـ افتخاراً على من حوله ـ فدنا موسى فقال: السلام عليك يا أبت.
فتغير وجه الرشيد، وقال: هذا هو الفخر يا أبا الحسن، انتهى.
روى ذلك في جواهر العقدين.
قلت: ولما مَنّ الله ـ وله المن والإنعام ـ علينا بزيارة أبينا سيد الأنام ـ عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ـ، عام ثمانية وستين وثلاثمائة وألف، وقع ما يشاكل هذه القضية، والمسؤول منه ـ عز وجل ـ، أن يتم علينا نعمته وفضله، ويكون ذلك القرب مزلفاً لديه في أكرم مقام، وأحسن مآب، إنه هو المنعم الوهاب./423

(1/423)


[الكلام على الجامع الكافي، ترجيح أحكام الهادي (ع)]
الجامع الكافي، في جامع آل محمد، للسيد الإمام أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني الكوفي، وقد ذكرت تمام نسبه، والذي أخرج نسخة الجامع إلى اليمن، الشريف العالم الإمام أحمد الحسني، كلّذلك في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع)، وحققت الصحيح في اسم والد الشريف أحمد، وإن كان الأكثر يقولون: أحمد بن الأمير.
هذا والجامع الكافي ستة مجلدات، اعتمد فيه صاحبه على ذكر مذهب الإمام نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، والإمام فقيه آل محمد، أحمد بن عيسى، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي، وعلامة العراق، محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: لأنه رأى زيدية العراق، يعولون على مذاهبهم، وذكر أنه جمعه من نيف على ثلاثين مصنفاً، من مصنفات محمد بن منصور، وأنه اختصر أسانيد الأحاديث، مع ذكر الحجج، فيما وافق وخالف.
قلت: واعلم ـ أيدنا الله تعالى وإياك بالتوفيق، وبصرنا لسلوك منهج التحقيق ـ أن الروايات فيما لم يكن معلوماً عن الرسول الأمين، وعن وصيه إمام المتقين، وعن عترته الأئمة الهادين، عليهم صلوات رب العالمين، كثيرة الاختلاف، متسعة الأطراف؛ وذلك من أعظم مهمات التكليف، وأجل واجبات الابتلاء في الدين الحنيف؛ لما اقتضته حكمة العليم اللطيف.
وقد خفف اللَّه ـ تعالى وله الحمد ـ فلم يكلفنا إلا دون الطاقة، ولم يوجب علينا غير ما يدخل تحت الاستطاعة، فما لم يثبت لنا فيه طرق الصحة، فلا كلام في تركه واطراحه؛ ولكن الكلام فيما له بحسب الظاهر حكم الصحيح، فإنه مع/424

(1/424)


التعارض من كل وجه، وعدم إمكان الجمع، يجب العدول إن أمكن إلى الترجيح، وقد قررت تلك الأوجه في مباحث الأصول، وفي بعضها مقال لا يخفى على ذي اللب الرجيح، الذي ليس من ديدنه التقليد، ومتابعة الأقوال، بغير حجة واضحة، ولا بينة لائحة، وذلك بلا شك من أعظم اِلإخلال، بفريضة ذي الجلال، وليس هذا مقام البسط في ذلك المجال، وإنما أشرت لواجب النصح، والحمد لله على كل حال.
[الكلام في الترجيح لمجموع الإمام زيد (ع)، والأحكام للإمام الهادي (ع)]
نعم، وسأتكلم ـ بإعانة الله تعالى وتسديده ـ في الترجيح لكتابين من معتمدات هداة الأمة، وسادة الأئمة، وهما: كتاب مجموع الإمام الأعظم، إمام الطائفة الناجية، والعصابة الهادية، أبي الحسين، زيد بن علي بن الحسين بن علي.
وكتاب الجامع، الأحكام، لإمام الأئمة، وهادي الأمة، أبي الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم.
فأقول ـ والله الموفق للسداد، وعليه تعالى التوكل وبه سبحانه الاستعانة في كل إصدار وإيراد ـ: الذي ترجح في مبلغ علمنا، ومنتهى وسعنا ـ واللَّه تعالى أعلم ـ أن الكتابين: المجموع، والأحكام، أرجح، وأصح من غيرهما؛ لأن نسخهما بين ظهراني أئمتنا وأشياعهم، يتلقاهما الخلف عن السلف، حتى لا يبعد تواترهما عند ذوي الاختبار، في جميع الأعصار.
وما رواه إمام اليمن، عن الإمام الأعظم، الولي بن الولي، زيد بن علي، أو عن جده نجم آل الرسول، فأحرى وأحق، وأولى وأوثق، وليس الواسطة بين الإمام الأعظم وجده الرسول الأمين، وأبيه أمير المؤمنين، إلا سيد العابدين، والحسين السبط ـ صلوات الله عليهم ـ، وليس يسوغ الإقدام على تقديم رواية إمام على إمام، من هؤلاء النجوم الأعلام، إلا باعتبار الوسائط.
فأما هم فليس الحال، إلا كما قال: /425

(1/425)


من تلْقَ منهم تقل لا قيتُ سيّدَهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
فأما مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، فالذي يظهر عند التحقيق، أنه لايبلغ رتبته كتاب؛ لأن روايته عن أبي خالد معلومة، متفق عليها بين الأمة، لا اختلاف عندهم في ذلك، ولم يتكلم فيه متكلم من المخالفين إلا من أجله.
وعدالة أبي خالد مجمع عليها، عند آل محمد (ع) قاطبة، أضف إلى ذلك أنه ملتقى بالقبول عندهم، كما أفاد ذلك الأئمة الأعلام، أضف إلى هذا أن أخباره مخرجة من كتب العترة وسائر الأمة؛ فأي كتاب له هذه الرتبة، وهذه الشهرة، وهذه الصحة، فهو الحقيق بأن يقال فيه: إنه أصح كتاب بعد كتاب الله ـ عز وجل ـ.
فعلى هذا النمط يكون النظر في سائر أسفار أئمتنا، وعلماء ملتنا، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد ضربت لك بهذا البحث مثلاً أيها الناظر النقاد، والأمر في هذا إلى أرباب البحث والاجتهاد، والتكليف على كل مطلع بما صحّ عنده، ورجح لديه.
ونعود بإعانة الله تعالى إلى المقصود.
فأقول وبالله التوفيق: إذا أحطت علماً بما بينت لك في الكتابين السابقين، فاعلم أن التفاوت فيما بينهما، وما يماثلهما، ويقاربهما، وبين كتاب الجامع الكافي، معلوم؛ فإن منزلته دون منزلة ما ذكرنا بدرجات، وبينه وبينها في الشهرة والتداول مسافات.
[ثبوت الدسِّ في زيادات الجامع الكافي]
وإنما خصصت بالبحث هذا الكتاب الجامع؛ لما في زياداته، فقد دسّ بعض المخالفين لآل محمد (ع) كثيراً فيها؛ فإن أثر الصنعة، والتكلف لذلك الكلام ـ لاسيما في المشيئة ونحوها ـ واضح، وما كأنها صدرت، إلا من حذاق الأشعرية، والمتسمين بالسنية.
وبرهان ذلك للناظر بنور البصيرة من نفثاتها بيّن لائح، وقد وقع فيها /426

(1/426)


سؤالات وجوابات، وتصدى بعض متأخري أئمتنا (ع) لتأويلها، وحل ما فيها من المشكلات، وتأول بقدر المستطاع لبعض، وأشار إشارات يفهمها ذووا الذوق، لتصريف العبارات؛ وأصاب (ع)، فليس عليه إلا مثل ذلك، وقد أحسن من قال:
عليّ نحْتُ القوافي من مقاطعها
وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ
هذا، وفي المعلوم أنه لايتعذر التأويل، لكثير من صرائح الأقاويل، ولكنه يتفاوت إلى قريب وبعيد، ومقبول ومردود، وذلك بحسب الدليل، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
هذا، ونسخة الجامع الكافي قد أرخّ سماعها على المؤلف سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
ومما يزيدك بياناً أن كثيراً من المنحرفين التفتوا إليها، وإلى مؤلفها خاصة، من بين آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ومؤلفاتهم، كالذهبي في النبلاء، وتاريخ الإسلام، وحاله معلوم في جانب آل محمد (ع)؛ فما قد رفع لأحد منهم ولا من شيعتهم، ولا لمؤلفاتهم، رأساً، ولارأى في إلغائهم وإلغاء مصنفاتهم من بين الأمة المحمدية بأساً، مع إشراق أرجاء الأرض بأنوارهم، وامتلاء جوانب البسيطة من أسفارهم، ويكفيك أنه قد رماه المقبلي بالنصب، وقد نقلنا كلامه فيه فيما سبق.
فقال الذهبي في النبلاء، مترجماً للسيد الإمام أبي عبدالله، صاحب الجامع (ع) ما لفظه: الإمام المحدث الثقة، العالم البقية، مُسْنِد الكوفة، أبو عبدالله، محمد بن علي.
إلى أن قال: العلوي، جمع كتاباً فيه علم الأئمة بالعراق، فاجتمع فيه مالم يجتمع في غيره.
ثم سرد الآخذين عنه، ومن أخذ عنهم.
وترجم له أيضاً في الطبقة الخامسة والأربعين، من كتابه تاريخ الإسلام، في أهل وفيات خمس وأربعين وأربعمائة، قال: ومولده /427

(1/427)


في رجب، سنة سبع وستين وثلاثمائة.
قال: وكان حافظاً، خرج عنه الحافظ الصوري..إلخ.
فهذه الترجمة وأمثالها تدلك ـ إن كنت ذا عرفان ـ على قصدهم ترويج مازادوه عليها، في باب القدر والمشيئة، والإرادة والاستطاعة، وخلق الأفعال، وتعذيب الأطفال، وقدم القرآن، وغير ذلك، مما هو بعينه نصوص مذاهب الأشعرية، وسائر الجبرية، التي لاريب فيها ولا إشكال، ولا تأويل ولااحتمال.
فحاشا نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ عن جهالات الجبرية القدرية، فهم سادات البرية، والعدل هاشمي، والجبر أموي، وغير بعيد من بعض الناظرين دعوى التمكن من التأويل، والإتيان بما قد كثرت فيه الأقاويل، من معنى الخلق والقدر ونحوها.
ونقول: قد أبرزنا ما يلزمنا، وعرضنا ما عندنا، على ألباب ذوي الألباب، العالمين بفصل الخطاب، ولعلنا ـ والحمد لله تعالى ـ أحرص على صيانة أمثال هذا الكتاب.
والحق أبلج ما تخيل سبيله
والحق يعرفه ذوو الألبابِ
والغرض ـ بحمد الله ـ قول الحق، ورد الباطل المختلق، والله ولي التوفيق.
مع أنه بعد هذا كله من المعلوم، كما نص عليه علماء الأصول، وأكثر الاحتجاج به الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، في الرد على الصوفية؛ أنه ليس لغير الحكيم، أن يطلق العبارات الموهمة، والشبهات الملبسة، وإن كان يمكن حملها على معنى صحيح؛ لأنه لايجب ردّ كلامه، إلى المعلوم من حكمته؛ لأنه لم يدل الدليل، لامن العقل ولامن النقل، على ذلك؛ بل هو المبين عن نفسه، والمترجم عن حاله، والحكيم لايطلقها إلا لحكمة ومصلحة، ولا اهتداء لغيره ـ سبحانه ـ إلى ذلك؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة، فهو في مقام البيان الذي لاينبغي أن يشيبه لبس، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا /428

(1/428)


يقفنّ مواقف التهم، ومن وقف مواقف التهم، فلا يلومنّ من أساء به الظن.
هذا، وأما الوضاع، فقد خاب ـ بفضل الله ـ عمله، وضلّ سعيه؛ لأن في ذلك الكتاب بعينه ما ينقض ما أبرم من هذه الدسايس كلها، ويهدم جميع أصوله فيها وفي غيرها؛ دعْ عنك مافي كتب سائر الأئمة الهداة، سفن النجاة، وليس له أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض؛ وإنما أراد أن يمزج الصحيح بالفاسد، والمستقيم بالمائد؛ ليشوش على نظر قاصري الأفهام، ويوسوس في قلوب ضعفاء الأنام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
[الحكم بتصحيح الجامع ما عدا ماخالف المعلوم]
فإن قلت: فهل يحكم على وضع ما في الجامع الكافي جميعه؟.
قلت: لا، ومن أين يسوغ ذلك؟ بل ما علم مخالفته للمعلوم، الذي عليه آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ كهذه المباحث، فلا ريب في كونه مردوداً على ناقله، مضروباً به وجه قائله، وقد كُذِب على جدهم الرسول الأمين، ووصيه أمير المؤمنين ـ عليهما وآلهما صلوات رب العالمين ـ؛ فلهم بهما أعظم أسوة، وأكرم قدوة.
هذا، وما سوى ذلك من الروايات، فبعد صحة طريقها، إن عارضت ماهو أقوى منها بإحدى طرق الترجيح الصحيحة، تُرِك العمل بها؛ وإن عارضت ماهو مثلها من غير ظهور رجحان طُرِح الجميع، وعُدِل إلى غيرها، وإن عارضها ماهي أرجح منه، قُدمت عليه؛ وإن لم تعارض شيئاً، قُبِلت.
هذا مع استكمال شروط القبول، ونقل الأثبات العدول، كما ذلك معلوم بحججه في الأصول.
وليس الحكم بوضع شيء فيها يوجب ردها، والحكم بوضع جميعها؛ هذا عدول عن السبيل، ومخالفة للدليل؛ إنما ذلك ـ لو كان ـ لعدم الثقة بمؤلفها، أو القدح في ناقلها، ونحن لم نقل بشيء من ذلك، وحاشا لله تعالى، أن نذهب إلى ماهنالك؛ إنما قلنا بأنه دسّ فيها أهل الوضع والافتراء، ما سادات العترة وشيعتهم عنه براء؛ فنرد ما أوجب الدليل رده، ونقبل ما أوجب الدليل قبوله، /429

(1/429)


ونتوقف عند مايلزم الوقوف عنده.
وليكن على ذُكر منك، وفقنا اللَّه تعالى وإياك للصواب، وجنبنا سلوك الغي والارتياب، أن المفسدين في الدين لم يسلكوا طريقة أقرب إلى التلبيس والإضلال، من التحريف وخلط الحق بالباطل من الأقوال، وقد أنبأك اللَّه تعالى في كتابه، عن المحرفين لآياته، والمبدلين لكلماته؛ فلولا أن في هذا الكتاب، وماشاكله من أقوال آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ومذاهبهم، الحقَّ، الذي لاريب فيه، لما تمكنوا من شيء من ذلك، ولا سلكوا في شأنه تلك المسالك.
هذا، وقد طال الكلام، في هذا المقام، ولعله لايخلو ـ إن شاء الله تعالى ـ من الإفادة، والغرض ـ بحمد الله ـ صالح بما تحصل من المقصود والزيادة، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[سند الجامع الكافي]
نعم، أروي كتاب الجامع الكافي، بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، وهو يرويه بطرق:
الأولى: عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي، محمد بن المطهر (ع).
(ح)، الثانية: عن أبيه السيد الإمام، محمد بن عبدالله الوزير، عن عمه السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، عن شيخه السيد الإمام الحافظ، عالم آل محمد الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، عن الشيخ العلامة، إمام المحققين، إسماعيل ـ المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين ـ ابن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الشيخ العلامة الأوحد، المطهر ـ المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ـ ابن محمد بن حسين، المعروف بابن تريك (بضم المثناة /430

(1/430)


الفوقانية، وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، وكاف) التميمي الصعدي ـ رضي الله عنه ـ، أحد أعلام الزيدية، ومن مشائخه الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
الثالثة: عن السيد الإمام أبي العطايا، عن أبيه، عن القاضي العلامة، عابد اليمن، ولي آل النبي المؤتمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي؛ عن القاضي العلامة، العابد الزاهد، حاتم بن منصور الحملاني، رفيق الإمام يحيى بن حمزة في القراءة، وشيخ عابد اليمن إبراهيم بن أحمد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد بسط السيد الإمام ترجمته، قُبض وهو يصلي صلاة التسبيح، سنة خمس وستين وسبعمائة، وقبره بصنعاء مزورـ رضوان الله عليه ـ.
عن القاضي العلامة الولي، محمد بن خليفة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي ابن علي بن عبدالله بن الحسن، أخي الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، من أعلام العترة الأطهار، وأعيان الأسرة الأبرار، لهمؤلفات كثيرة، منها: التيسير، والإكسير، والتحرير، والدراري المضيئة، في الآيات المنسوخة؛ وشفاء غلة الصادي، في فقه الهادي؛ والنور الممطور، في فقه المنصور؛ والذخيرة الفاخرة، في مناقب العترة الطاهرة؛ والنهج القويم، في تفسير القرآن العظيم؛ الثلاثة الأولوهذا الرابع في التفسير؛ وشرح على اللمع.
وقد استوفى ترجمته السيد الإمام (ع)، وأفاد أن وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة، فأروي بهذه الطريق إليه جميع مؤلفاته.
الرابعة: عن الفقيه العلامة أحد أعيان شيعة الإمام، علي بن محمد العفيف ابن حسن المدحجي الصراري، عن القاضي العلامة، ولي آل محمد (ع)، صاحب رباطالزيدية بمكة المشرفة،المعلن بذكر أهل البيت في الحرم الشريف، صاحب مؤازرة الإخوان، شرف الدين، أبي القاسم بن محمد بن حسين الشقيف (بشين معجمة، فقاف، ففاء بينهما مثناة تحتية)، هذا هو الصحيح؛ ومافي إجازة الشوكاني من كونه النصيف، فغلط محض، لايلتفت إليه من /431

(1/431)


له أدنى إلمام، وهو كما ذكرت في جميع المؤلفات الصحيحة، وماذلك إلا تصحيف قطعاً.
قال السيد الإمام: وكان إمام الزيدية بالحرم الشريف، وكان يدعو للإمام المهدي محمد بن المطهر، وكان فقيهاً عالماً مجتهداً، عمدة للمسترشدين. انتهى.
وكان سماعُ العفيف على أبي القاسم، بالحرم المكي، عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وأجازه له.
نعم، وأربعتهميروونه عن القاضي، العلامة الفاضل الزاهد، محمد بن عبدالله الغزال، المضري (بالضاد المعجمة)، عن الشيخ العلامة محيي الدين، صالح بن منصور الخطيب، الكوفي الزيدي، عن الشيخ العلامة، أحمد بن أبي الفضل، عن السيد العلامة، تقي الدين أبي الغنائم، أحمد بن أبي الفتوح الحسيني، عن الشيخ العلامة سديد الدين، علي بن بدر الهمداني، عن الشيخ العلامة الملقب نصر الله، منصور بن محمد المدلل، عن الشيخ العلامة، أحد مشائخ الزيدية الأخيار بالكوفة، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي، عن الشيخ العلامة العدل أبي منصور، يحيى بن محمد الثقفي ـ ترجم لهم السيد الإمام في رجال الزيدية، وأفاد مِن وصفهم ما في السند، ولم يذكر لصالح فمن بعده إلى المؤلف وفاة ـ عن المؤلف السيد الإمام، عالم العترة الأعلام، أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني (ع).
[شيء من الجامع الكافي]
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ـ إلخ سورة الفاتحة ـ وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.
أما بعد، فإنك ذكرتَ لي أنك رأيتَ الزيدية قِبَلنا بالكوفة، يعوّلون في مسائل الخلاف على مذهب أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي /432

(1/432)


بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)..إلخ.
وقال فيه: (القول في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) سُئل أحمد بن عيسى عن الولاية، أفرض هي كسائر الفرائض؟.
قال: نعم؛ لنداء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بها.
وسُئل عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي صلوات الله عليه يوم غدير خم: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: يقول: هو في كل حالاته لكم ولي.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وولاية علي بن أبي طالب، والبراءة من عدوّه، والإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
قال الحسن: كان علي فريضة من فرائض الله، وعلماً نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59]، وافترض الله في الكتاب طاعته وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90].
إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ: ثم دلّ على أن إمام المؤمنين، وسيدهم علي بن أبي طالب، فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
فلما نزل جبريل بهذه /433

(1/433)


الآية، وأمر أن يبلغ ماأنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم، فرفع يده حتى رؤي بياض إبطيهما، وذلك في آخر عمره، حين رجع من حجة الوداع متوجهاً إلى المدينة، ونادى الصلاة جامعة، ولم يقل ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً، يؤكد عليهم الطاعة، ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة، ماأوجب لنفسه، وجعل عدوّه عدوّه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعداء الله؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الولاية والنصر، فمن تولاه وأطاعه، فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله، ومن عصاه وخالفه ووضع من عظيم حقه مارفع الله، فقد عصى الله ورسوله.
ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فدل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على علي بصفته؛ فوجب على أهل الإسلام معرفة علي، وولايته وطاعته بإمامته، وأن يكون متبوعاً غير تابع، بالأخبار المشهورة عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من غير تواطؤ.
وقال الحسن في قول الله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، إلى ولاية علي، وأهل بيت النبي (ع).
وقال: /434

(1/434)


{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: عن ولاية علي صلى الله عليه.
وفيه، نقلاً عن الإمام أحمد بن عيسى (ع)، قال: أوصى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أولى الناس به، وأفضلهم عند الله وعنده، وأعلم الناس من بعده، علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
وقال الحسن بن يحيى: أوصى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى علي - صلى الله عليه ـ، أول ذلك الخبر المشهور، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الله سبحانه لما أمر نبيه أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، وإن منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق، فأمر علياً (ع)، فعمل لهم طعاماً من فخذ شاة، وصاعاً من طعام، ثم جمعهم، فمسح بيده على الثريد، وسمى الله، ثم قال لهم: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وما أثّروا في ذلك الطعام إلا يسيراً؛ ثم قال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يابني عبد المطلب، كونوا في الإسلام رؤوساً، ولاتكونوا أذناباً، أدعوكم إلى الإسلام؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، أيكم يجيبني إلى الإسلام، على أن يكون أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي في أهلي وقومي، يقضي ديني، وينجز موعدي؟))
فقام إليه علي، وهو يومئذ أصغرهم سناً، فأجابه إلى ما دعاه إليه؛ فتفل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في فيه، ومسح بيده على وجهه، ودعا له، وضمّه إليه، فقال أبو لهب: لبئس ماحبوت به ابن عمك، أن أجابك إلى ما دعوته إليه من بينهم، أن ملأت فمه بصاقاً؛ فقال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((بل ملأته فَهماً وحُكماً وعِلماً)).
فهذا أول ولاية علي ـ صلى الله عليه ـ.
إلى أن قال:
ولما حضر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الوفاة، دعا بسيفه ورمحه وسلاحه، وبغلته وناقته، وكلما كان له، حتى عصابة كان يعتصب بها في الحرب على الدرع، فدفع إليه جميع ماكان يملك، ثم دفع إليه خاتمه، وبنو /435

(1/435)


عبد المطلب، والمهاجرون، والأنصار، حضور.
ومن وصايا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخاصة لعلي، دون الناس، أنه علّمه ألف باب، كل باب منها يفتح ألف باب، ودعا الله له أن يجعل أذنه الواعية، ودعا له حيث وجهه إلى اليمن أن يهدي قلبه، ويثبت لسانه.
إلى أن قال: وأعلمه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
والدليل على ذلك قول علي ـ صلى الله عليه ـ: لاتسألوني عن فئة، تضل مائة، أو تهدي مائة، فيما بينكم وبين الساعة، إلا أخبرتكم بناعقها، وقائدها وسائقها،.. إلخ كلامه (ع).
[شيء من الجامع في علي وفي ولديه]
وفيه، قال أحمد بن عيسى: نتولى أمير المؤمنين في ظاهر الأمر وباطنه، ونوجب له العصمة.
إلى أن قال: أمر الله بولايته، وقد أخبرنا بعصمته، وتطهيره على لسان نبيه (ع).
قال محمد: وسمعتُ أحمد بن عيسى يقول ـ وذكر علياً، وحسناً، وحسيناً ـ فقال: لايجوز عليهم حكم.
قلت: مثل أي شيء؟.
قال: لاتقبل عليهم دعوى.
إلى أن قال: وإلا فَسِّرْ لي قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيهم ـ يعني قوله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) ـ.
وفيه: قال محمد: سمعت إسماعيل بن إسحاق، قال: سمعت ابن عيسى، وسُئل، هل يثبت لك عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن علياً معصوم لايضل أبداً؟)) قال: نعم، فقيل له: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك في غيره؟
قال: نعم في الحسن، والحسين.
إلى أن قال: قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربتما، وسلم لمن سالمتما)).
قيل له: أقال ذلك لأحد غيرهما؟.
قال: لا إلا المنتظر المهدي.
وفيه، بإسناده عن محمد قال: ذكرت لأبي عبدالله ـ
قلت: يعني الإمام أحمد بن عيسى.
أَمْرَ علي ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ تقدمه، فذكر منزلة علي (ع)، وما كان من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من القول فيه، وتقدمته إياه ((ومن كنت مولاه فعلي مولاه))، وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وغير ذلك.
إلى أن قال: وليس للأمة أن يؤثروا رجلاً /436

(1/436)


فيولوه ويجعلوه إماماً، قبل أن ينظروا في الكتاب، والسنة.
إلى أن قال: وكان خير هذه الأمة وأتقاها، وأخشاها، وأعلمها بالسنة، وأدّاها على العدل، وأهداها إلى الحق، وأقدمها هجرة، وأكثرها عملاً في الجهاد، وأحق الأمة بالإمامة، وأن يكون متبوعاً ولايكون تابعاً محكوماً عليه؛ بفضله في كتاب الله.
أجمع على ذلك علماء الأمة، إلا من دفع ذلك بعد بيان ومعرفة.
قال محمد: وسئل أحمد بن عيسى عن أمر عثمان، فقال: مافي أمره شبهة على ذي عقل، وعلم، والدليل أن أمير المؤمنين لم يَقُدْ مِنْهُ، ولم يَدِهِ من بيت المال، ولو لزمه ذلك ماتركه لشيء.
إلى أن قال: قال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ لم يعتقد بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامة علي صلى الله عليه، لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة، ولاحجاً ولا صوماً، ولاشيئاً من أعمال البر.
وبعده الحسن، والحسين.
وقال الحسن: إن الله سبحانه أكمل لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الدين الذي افترضه على عباده.
إلى قوله (ع): وليس في الفرائض فريضة أكبر قدراً، ولا أعظم خطراً، من الإمام الذي يقوم مقام نبيه، وقد بين ذلك في محكم كتابه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فجعل اللَّه تعالى الإمامة، في أهل بيت الصفوة والطهارة، والهدى والتقوى، من ذرية إبراهيم، وذرية محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولا تصلح في غيرهم.
ثم ساق الحجج من الكتاب والسنة، حتى قال: ورسول الله قد قدم من قدم الله، فمن قدم من أخر الله ورسوله، وأخر من قدم الله ورسوله، فقد خالف سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وقد روي عن علي ـ صلى الله عليه ـ أنه قال على المنبر: والله، لقد قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا أولى الناس بالناس، مِنّي بقميصي هذا.
وروي في الخبر المشهور أن بريدة وقع في علي عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فتغير لون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله /437

(1/437)


وسلم ـ، وأظهر الغضب، وقال: ((يابريدة، أكفرت بعدي؟))، فقال: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسول الله.
قال: ((فإن علياً مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي)).
وقال علي أيضاً وهو على المنبر: عهد إليَّ النبي الأمي أن الأمة ستغدر بي بعده.
وقد سمى الله علياً من نفس رسوله فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)} [آل عمران].
وذلك حين باهل النصارى، فأحضر علياً، وزوجته، وابنيه، فأخبر الله في كتابه أنه نفس رسول الله، وأن ابنيه أبناء رسول الله؛ وأن زوجته ابنة رسول الله نساؤه، فضلها على نساء العالمين.
إلى قوله: ثم استخلفه بمكة، حين عزمت قريش على أن يثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فخلفه واضطجع على فراشه، ووقاه بادرة الحتوف بنفسه، وكان يأتيه بالطعام ليلاً، وأمره أن يؤدي عنه الأمانات.
إلى قوله: ثم قدم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، فبنى المسجد وبنى فيه بيتاً لنفسه، وبنى لعلي بيتاً إلى جانب بيته، وأذن له في سكناه، وحرّم على جميع العمومة والأقربين، والمهاجرين، والأنصار، أن يبيتوا في مسجده، رفعة منه له، وإبانة لفضله، ورفعاً لقدره.
إلى قوله: أُتي النبي بطائر، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك، يأكل معي من هذا الطائر)) فخص الله علياً، وأكرمه بتلك الدعوة.
إلى قوله: ولما بعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً إلى اليمن، فقال: يارسول الله، إني حدث السن، ولا أعلم القضاء.
فقال: ((إن الله هاد قلبك، ومثبت لسانك)).
ثم مسح بيده على صدره، ثم قال: ((اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه)).
إلى قوله: وقال: ((يا علي إني قد دعوت الله أن يجعل أذنك الأذن الواعية)).
وقال الله ـ عز /438

(1/438)


وجل ـ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)} [الحاقة]، وعلّمه ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.
وقال لفاطمة حين قالت له: زوجتني علياً عديم قريش: ((ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)).
إلى قوله: وجعله أفقه أصحاب رسول الله في دين الله، وأقضاهم بمحكم كتاب الله، وسنة نبيه (ع).
ثم قال لأصحابه: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله)).
فقال أبو بكر: أنا هو يارسول الله؟.
فقال: ((لا)).
فقال عمر: أنا هو يارسول الله؟.
قال: ((لا، ولكنه خاصف النعل)).
إلى أن قال:كل ذلك يدل على أنه مستحق مقامه، وأنهما لايستحقان مقامه، وليس لهما أن يقاتلا على تأويل القرآن؛ ثم أمره بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
فقال علي: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروي عن ابن مسعود قال: أُمر علي بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي أيوب قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((تقاتلون الناكثين، والقاسطين، والمارقين)).
قلنا: مع من يارسول الله؟.
قال: ((مع علي)).
وروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخبر المشهور، أنه قال: ((يأتي قوم من بعدي، يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية))، فإنما مرقوا على علي ـ صلى الله عليه ـ فالإسلام علي، ومن كان مع علي.
إلى قوله: فخص الله علياً ـ صلى الله عليه ـ بفضل الجهاد، والاحتواء على درجته، التي هي أرفع الدرجات عند الله؛ فكان له يوم بدر، الذي خصه الله به، من قتل المشركين، والنكاية فيهم، مالم يكن لأحد مثله.
إلى قوله: فأيده الله بالنصر، ونزل القرآن بفضله، والشهادة له بالجنة، بما من الله عليه من حسن الفعال وطاعة ربه {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي /439

(1/439)


رَبِّهِمْ }[الحج:19].
إلى قوله: ثم خصه الله ـ عز وجل ـ يوم أحد فبذل نفسه، ووقى رسول الله ظبا السيوف وأطراف الرماح بنحره، وأمره رسول الله بالمبارزة لبني عبد الدار، وهم أصحاب الرايات، فتولى قتلهم، كلما قصد منهم قاصد لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رمى عليه بنفسه، فأيده الله بنصره، حتى قتل كل من أراد رسول الله بمكروه، حتى قال جبريل: إن هذه لهي المواساة؛ ثم نادى: لاسيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لجبريل: ((إنه مني، وأنا منه))، فقال جبريل: وأنا منكما.
ثم حشد الأحزاب لرسول الله، فخصه الله بالكرامة، والرفعة في الجهاد، فقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق، وهزم الله المشركين، وأعزّ بقتله الإسلام إلى أن تقوم الساعة، وأذلّ الله الشرك، وبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ برايته مع رجلين من المهاجرين، فرجعا منهزمين يجبنهما أصحابهما، ويجبنان أصحابهما، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار ليس بفرار))، فدعا علياً ـ وكان أرمد العين ـ فتفل في عينه ودعا الله أن يذهب عنه الحر والبرد، وأعطاه الراية؛ ففتح الله على يديه.
ثم ثبت معه يوم حنين في جماعة من أهل بيته، حين فرّ عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جماعة الناس، فقال الله ـ عز وجل ـ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة]، فخصه الله ومن كان معه بالسكينة.
ثم خرج رسول الله إلى تبوك، واستخلفه على المدينة، وقال: ((لا يصلح لخلافتي إلا أنت))، وفي حديث آخر: ((لايصلح المدينة إلا أنا أو أنت)) فتكلم أناس في ذلك. /440

(1/440)


إلى قوله: فلحقه بعد أن سار.
إلى قوله: فقال: ((يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؟)) فقال: بلى، رضيتُ يارسول الله.
وقد بين الله سبحانه منزلة هارون من موسى فقال: {هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه]، الآية؛ وقال موسى لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }[الأعراف:142]، فلعلي الأخوة، والوزارة، والشركة في الأمر، والخلافة في قومه، فلم يستثن ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، غير النبوة، ولو كان مع النبوة غيرها مما لايحل له لاستثناه، كما استثنى النبوة؛ فقد بين الله لنا في كتابه، وبين لنا رسول الله في سنته، أن علي بن أبي طالب خليفته من بعده.
ثم بعث رسول الله أبا بكر بعشر آيات من أول براءة إلى أهل مكة، فنزل عليه جبريل فقال: إنه لايصلح أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، فرد أبا بكر، ومضى علي ببراءة، عن أمر الله.
إلى قوله: كل ذلك يبين منزلته، واستحقاقه لمقامه.
إلى قوله: وعلمنا أنه ليس في صفة الحكيم، أن يخلق خلقاً ليس من طبعهم الاتفاق في الرأي والهوى؛ ثم يندبهم إلى خلاف صفتهم، بلا مقوم يقيمهم على ما أمر به من الاتفاق.
إلى قوله: فعلمنا أن الأمر ليس بمفوض إلى رأيهم.
إلى قوله: وقد أدى ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقام لهم من يقوم مقامه، ويحكم فيهم بأحكامه، ويمضي فيهم أمره، وينهاهم عن نهيه، أذناً واعية، وقلباً هادياً، ولساناً ناطقاً بالحق، يحفظ مانسوا، ويعلمهم ماجهلوا، وهو علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ؛ وقد ندبهم الله تعالى إلى ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59].
ثم ساق (ع) في الاحتجاج بكتاب اللَّه تعالى إلى قوله: وقال تعالى:/441

(1/441)


{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل].
إلى قوله (ع): فأخبر أن للمؤمنين ولياً، هو أولى من اتبعه به، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
إلى قوله (ع): وقد أجمع نقلة العلم بالخبر المشهور، عن غير تواطؤ، أن علي بن أبي طالب هو الذي آتى الزكاة وهو راكع.
إلى قوله: ثم قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله (ع): ثم شرح رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ هذه الفريضة التي افترضها الله لمن يستحق مقامه، بالسنة، في ولي الأمر، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيده، يوم غدير خم، فقال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يقول ذلك ثلاثاً؛ ليَفْهَمَه من عَمِيَ عن فَهْمِه، ويبلّغَه الشاهدُ الغائبَ.
قالوا: بلى.
قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
إلى أن قال: فما أسوأ حال من تقدم أمام مولاه في دينه.
ثم لم يزل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدل على علي، منذ بعثه الله تعالى، إلى أن قبضه الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويستخلفه ولا يستخلف عليه، ويوليه ولا يولي عليه..إلخ كلامه (ع).
وقال فيه: قال الحسن ـ أي ابن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ: أجمع علماء آل رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أن علي بن أبي طالب كان أفضل الناس بعد رسول الله، وأعلمهم، وأولاهم بمقامه؛ ثم من بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، أولى الناس بمقام أمير المؤمنين؛ ثم من بعد ذلك علماء آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، /442

(1/442)


وأتقياؤهم، وأبرارهم أئمة المسلمين.
إلى قوله (ع): وقد دلّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على إمامة علي والحسن والحسين بأعيانهم، وأسمائهم، فقال في علي ـ صلى الله عليه ـ، ماتقدم ذكره في باب إمامته، وقال في الحسن والحسين ـ صلى الله عليهما ـ: ((هما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، فجعلهما سيدين، وبيّن فضلهما، ودلّ على إمامتهما.
إلى قوله (ع): ودلّ على أنه لايحل لأحد أن يتقدم من جعله رسول الله سيداً، وشهد له بالجنة، فقال: ((اللهم أحب من أحبهما، وأبغض من أبغضهما))؛ وقال: ((تعلموا منهما، ولاتعلموهما، فهما أعلم منكم))، وقال لأبيهما ولهما: ((أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم))؛ وقال: ((إن استنصروكم فانصروهم، وإن لبدوا فألبدوا))؛ وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي))، وخصهما اللَّه تعالى بأبوة نبيه، وسماهما ابنيه في كتابه، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا }[آل عمران:61]..الآية.
إلى قوله (ع): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب]، فلما نزلت هذه الآية، جعل رسول الله الكساء عليه، وعلى علي وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم قال: ((هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وفرض مودتهما على كل مسلم، ومودة علي، وذريتهما، وجعل لهما الخمس، فريضة في كتاب الله، فلهما آية الصفوة.
إلى قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }[فاطر:32]، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الخمس، وآية الفيء، وآية المودة.
إلى قوله (ع): فدلّ عليهما بأعيانهما، وأسمائهما، وأنسابهما، وأفعالهما؛ فإمامتهما واحدة، وحقهما واحد، وهما إمامان.
إلى قوله: إن قاما، وإن قعدا.
[من الجامع في القائمين من أئمة العترة]
إلى قوله: ثم أخبرنا /443

(1/443)


النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف الإمامة بعد هؤلاء المسمين بأعيانهم ـ يعني بعد علي والحسن والحسين ـ فقال: ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله: ولن يخلو أهل بيت رسول الله في كل عصر وزمان، أن يكون فيهم مأمون على كتاب الله، وسنة نبيه، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه.
إلى قوله (ع): فهذا إجماع من مضى من آل رسول الله الأتقياء الأبرار، الذين بهم يُقتدى.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى (ع): سألت عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسائرها في النار))، وما مذهب هذه الفرقة الناجية؟.
فإن الفرقة الناجية هي الفرقة التي تبعت كتاب ربها، وتمسكت بعلي بن أبي طالب، وبأهل بيت نبيها.
إلى أن قال: قال محمد: بلغنا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)).
إلى قوله: وقد سُئل علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ عن الفرقة الناجية، فقال: أنا، ومن تبعني؛ وسائر الناس منها برءاء.
إلى قوله (ع): إن الله فرض على العباد طاعته، وطاعة رسوله، وأمر باتباع سنة رسوله.
إلى قوله: وعلّم رسوله الفرائض، وأكمل له الدين.
إلى قوله: ولم يطلق لأهل الإسلام أن يستخرجوا دين الله من تلقاء أنفسهم، فقال لنبيه (ع): {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36]، وقال:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68].
ثم ساق الحجج على هذا من كتاب الله، وسنة نبيه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم. /444

(1/444)


إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ في آخر الكتاب:
وأقام نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في دار المشركين، ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس إلى الإسلام، ثم صار إلى دارٍ تؤويه، وتمنعه، وقد أخذ عليهم البيعة؛ وفي المدينة يومئذ اثنا عشر ألف مقاتل، من الأوس والخزرج، ومن تبع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من المهاجرين، وقبائل العرب؛ فخرج إلى بدر وهو يريد عيراً لقريش، جاءت من الشام، ولم يكن معه جميع من تابعه بالمدينة؛ وإنما كان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من المهاجرين والأنصار، وغيرهم.
وجاءت قريش في ألف فارسٍ وراجل.
إلى قوله: فأيده الله بالملائكة المسومين، ونصره على عدوّه، ثم لم يزل يقاتل عدوّه في حروبه.
إلى قوله (ع): ثم كان من بعده علي بن أبي طالب، وهو أشجع الناس وأعلمهم، وأولاهم برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وبمقامه، وأولاهم بالناس؛ فلما اجتمع القوم على أن يولوا الأمر غيره لزم بيته، وأغضى، فمكث نحواً من أربع وعشرين سنة، حتى قُتل عثمان، فاجتمع جميع من بالمدينة أن يبايعوه، فأبى ذلك عليهم، غضباً منه عليهم؛ فلما أبوا عليه تقلّد أمرهم، ثم خالفه من خالفه بعد البيعة، ونكثوا عقده، ونبذوا عهده؛ فسار إليهم بالفئة التي أطاعته، حتى أظهره الله عليهم، ثم توجه إلى معاوية.
قال: فقاتله.
ثم خالفته الخوارج، فقاتلهم، فلم يزل على تلك الحال، يقاتل من عصاه بمن أطاعه، حتى مضى لسبيله (ع) شهيداً.
ثم قام الحسن (ع) بالأمر، ومعه الفئة التي كانت مع أبيه؛ فلما فسدت عليه طاعة الأكثر من جنده، وطعنوه، وانتهبوا ثقله.
إلى قوله (ع): عرض عليه معاوية المسالمة، والموادعة، فأجاب إلى ذلك، وكان ذلك الحق والصواب.
ثم خرج الحسين (ع) هارباً إلى مكة، كراهية أن يبايع ليزيد ـ لعنه الله ـ؛ فأتاه حمل كتب، من رؤساء أهل الكوفة، يعلمونه أنهم قد اجتمعوا على طاعته،/445

(1/445)


ويعلمونه أنه يقدم على بلد ليس فيها مخالف، فبعث مسلم بن عقيل، رائداً له، فبايعه أربعة آلاف؛ فلما بلغ ابن زياد عاجله، فخرج ومعه أربعة آلاف، فلم يُمْسِ ومعه منهم أحد؛ ثم قدم الحسين بن علي (ع) في نحو سبعين رجلاً، فحيل بينه وبين الكوفة، وأحاطوا به حتى قتلوه.
ثم قام زيد بن علي (ع)، فأحصى ديوانه خمسة عشر ألفاً ـ وقيل: ثلاثين ألفاً ـ فأعجله يوسف بن عمر، قبل أن يجتمع إليه أصحابه وعدته؛ فخرج، فوفى له ممن بايعه نحو أربعمائة رجل، فقاتل بالفئة التي أطاعته من عصاه، حتى قُتل شهيداً ـ صلى الله عليه ـ.
ثم مضى يحيى بن زيد، ومعه ثمانون رجلاً من أصحاب أبيه، فقاتل لله فيها نحو عشرة آلاف، وقُتل رئيس القوم.
إلى قوله: ثم احتالوا له بالماء، فمخروه عليه حتى قتلوه، وقتلوا أصحابه ـ رحمة الله عليهم ـ.
ثم خرج محمد بن عبدالله (ع)، وقد بايعه جميع من بالمدينة، من المتدينين من قريش، والعرب، وغيرهم، فقاتل بفئة، وتبعة، حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج إبراهيم بن عبدالله بالبصرة، في نحو من ثلاثين ألفاً، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج الحسين بن علي بفخ، ومعه (ع) فئة وجماعة، قد بايعته، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج محمد بن إبراهيم (ع) بالكوفة، في فئة وعدة.
ثم أُكْره محمد بن محمد بن زيد بن علي (ع)، على هذا الأمر، فأيده الله على حداثة سنه.
ثم خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، فقاتل هارون بن المسيب، حتى قتل عامة أصحابه، وأسر فاستأمن، ووسعه ذلك؛ إذْ لم يكن معه فئة ينتصر بها من عدوّه.
ثم خرج محمد بن القاسم (ع)، بالطالقان. /446

(1/446)


ثم قدم عبدالله بن موسى (ع) إلى الكوفة، ومعه فئة قليلة، لاينتصر بهم من عدوه؛ فقيل له: لو خرجت لم يتخلف عنك أحد، فظهر، ومعه ابناه قُدَّامَه، ومعه نفر من أوليائه، لو قاتل بهم، لرجوتُ أن يموتوا دونه؛ فلما لم تستجب له فئة ينتصر بها، رجع إلى المنزل الذي كان فيه، واختفى.
فهؤلاء أهل بيتي، ومخرج مَنْ خرج منهم، وقعود من قعد؛ فالخارج مصيب، والقاعد مصيب؛ إذْ لم تمكنه الفئة والعدة.
وسئل الحسن عن خروج زيد بن علي (ع)، وقعود جعفر (ع).
فقال: خروج زيد ـ صلى الله عليه ـ طاعة، وقعود جعفر ـ (ع) ـ طاعة، وليس للناس أن يحكموا عليهما.
وقد بلغنا عن عبدالله بن الحسن (ع)، أنه قال: لولا ألا يبقى للإسلام ثاغية، ولاراغية، لخرجنا جميع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأجمعنا، فأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ودعونا إلى كتاب الله ربنا، وسنة نبينا، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا؛ ولكن يخرج الخارج منا فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حجة على أهل زماننا، ويقعد القاعد، بقية لغد.
وقال علي (ع): عليكم بأهل بيت نبيكم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فإن لبدوا فألبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، لا تصرعكم البلية.
وبهذا تم الكتاب.
وقد وقع بما سقناه من هذه المباحث الإطناب، وإنما آثرت نقلها لبعد الكتاب، وعدم تداوله كغيره من كتب الأصحاب؛ ولما في هذا الكلام الشريف النبوي، والقول المتين العلوي، القريب العهد بالسوح المصطفوي، من أنوار النبوة، التي يطمئن لها قلوب أهل الإيمان، وتنشرح لها صدور أرباب العرفان؛ ولما فيها من الرد على مخالف قرناء القرآن، فلا تخلو ـ إن شاء الله ـ من الإفادة.
هذا، فأروي بما تقدم من الإسناد الجامع الكافي، جامع آل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم/447

(1/447)


.
[السند إلى كتاب التأذين بحي على خير العمل]
كتاب التأذين بحي على خير العمل لصاحب الجامع السيد الإمام، أبي عبدالله، محمد بن علي العلوي (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن أخيه الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة عمران بن الحسن الشتوي]
عن الشيخ العالم الحافظ، عمران بن الحسن الشتوي العذري، المتوفى في عشر ثلاثين وستمائة، وهو من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد وقع منه، ومن بعض أهل عصره، ما وقع في جناب الإمام الداعي، يحيى بن المحسن (ع)، والله أعلم بتفصيل الأمر، وهو محتمل؛ وقد وصل مع جماعة [من] العلماء في ذلك العصر، إلى الأمير الداعي إلى الله بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، إلى هجرة قطابر، فرجحوا قيام الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله، محتسباً، وكانوا في جماعته، فلم يتحقق منهم القصد لرد الحق، والخروج عن ولاية آل محمد (ع)، والله متولي السرائر، وإليه يرجع الأمر كله.
(رجع)، عن الشيخ العالم علي بن منصور الوادعي الكوفي، المعدود في علماء الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ.
قال عمران بن الحسن: أخبرنا علي بن منصور مكاتبة، وإجازة، لنا ولجميع المسلمين، في سنة سبع عشرة وستمائة. انتهى.
عن الشيخ بدر الدين نصرالله، محمد بن محمد بن المدلل، عن أبي الحسن محمد بن محمد بن علوي، بن غَبَرة الهاشمي الحارثي، الكوفي المعدل، عن السيد العالم أبي علي، عبد الجبار بن الحسن بن محمد /448

(1/448)


العلوي الحسني الكوفي، النسابة، عن المؤلف السيد الإمام، أبي عبدالله العلوي ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد حفل كتابه هذا بالروايات للأذان، وإثبات حي على خير العمل، عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وسادات آل محمد (ع)، وقد ساق غالب ما فيه الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، والله ولي التوفيق.
[الكلام على نهج البلاغة، ترجمة مؤلفه، صحة نسبته إلى علي (ع)]
كتاب نهج البلاغة وكان حقه السابق؛ إذْ هو كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ولكن لكون زمن جامعه في هذه الرتبة، وقد وقعت الترجمة لمؤلفه السيد الشريف الإمام أبي الحسن الرضي محمد بن الحسين الموسوي الكاظمي، وذكر نسبه، وتاريخه، في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام عيسى بن زيد (ع) حسبما اقتضاه المقام، وحاله في آل الحسنين أشهر من براح، وأنور من فلق الصباح، لذي عينين، وقد أثنى عليه السابق، من أئمة العترة واللاحق، منهم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وأفاد أنه من نجوم العترة المضيئة، وعيون العصابة المرضية، وكذا غيره من أئمة الأمة المحمدية، ومن شهد له خزيمة فهو حسبه، فلا يضره هرير الناصبية.
والحاسد القمر النوار في تعب.
وكل ذلك لما هم عليه من الشقاوة ببغض السلالة النبوية؛ ولكونهم شاهدوا في النهج ما يهدم بنيانهم، ويزلزل أركانهم، وقد فضحهم اللَّه تعالى بكلامهم في هذا الكتاب الشريف، كما فضحهم في غيره من التآليف، وتبين لأهل الاختبار أن ذهبيَّهم، وأضرابه من حفّاظهم، على زعمهم، يهذون بغير علم، بما يمقتهم اللَّه تعالى عليه، والصالحون من عباده، وإن موهوا على الأغمار؛ فإن خُطَب هذا الكتاب /449

(1/449)


الشريف، والمنهج المنيف، مخرجة في غيره من كتب الموالفين والمخالفين، على رغم أنوف المباهتين، فلا يستطيعون دفع ذلك برد ولا إنكار، مع أن برهان كلام سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، في ذاته، من أعظم الشواهد لذوي الأبصار، وقد استدل على ذلك شارحه العلامة فارس الميدان، وسابق الفرسان، وإمام المعاني والبيان ابنُ أبي الحديد، بدلائل واضحة الحجج، مسفرة المنهج، وأتى عند خطبه بروايات عديدة، وطرقات مفيدة، وخطبه الشريفة، وفصوله البالغة المنيفة، موجودة بأعيانها، وأسانيدها في كتب الأئمة الهادين، من أولاد أمير المؤمنين؛ وأكثر ذلك في بساط الإمام الناصر للحق، وأمالي الإمام الناطق بالحق، والإمام المرشد بالله، والاعتبار للإمام الموفق بالله (ع).
قال الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع) في جوابه على المقبلي مالفظه: ولم يفعل الذهبي وغيره ممن نقمتَ عليهم إلا دونك، فأنتَ أولى بجوابك منهم، وقد أقر الذهبي بأكثر النهج، وإنما نفّر مما فيه وصمة على الصحابة، ثم ألم تعلم أن أكثر الخطب مروية في أمالي أبي طالب (ع)، وكتاب المحيط، وجامع السيوطي، وغيرها من الكتب، وإنكار بلوغها إلى المصنف لنظره إلى علوم الآل بالعين الحمقاء، وإلا فلها طرق مذكورة في كتب الأسانيد. انتهى.
وقد جمع من ذلك بحثاً نافعاً المولى العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين الحوثي في تخريج الشافي.
قال ـ أيده الله ـ في سياق الرد على فقيه الخارقة بعد أن ذكر مامعناه أن طريق الرواية إليه، كطريق الرواية إلى غيره مالفظه:
وليس ثم فرق إلا أن مؤلفه من خلصان الزيدية المشار إليهم بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرساً في السماء وهم الملائكة، وفي الأرض حرساً وهم شيعتك ياعلي)) كما قال جعفر الصادق: لا أعلم إلا أنها في أصحاب عمي زيد بن علي.
إلى قوله: إلا أن مؤلف النهج من سلالة بضعة محمد ـ صلى الله عليه /450

(1/450)


وآله وسلم ـ، وهو من جملة سفن النجاة، ومن الثقل المقرون بكتاب الله، الآمن من تمسك به من الضلال.
فكيف ساغ القدح فيه، أو في كتابه، ولا يسوغ في مثل البخاري، ومسلم، وليسوا بمرتبته، ولا يدانونه؟‍‍!.
إن هذا لحيف شديد، وضلال بعيد، على أنه قد روى الإمام أبو طالب جملة مما في نهج البلاغة بأسانيد.
وذكر ابن الأثير أشياء من خطبه في مواد الكلم.
ثم ساق في التخريج، فأتى بالكثير الطيب من كتب الأئمة (ع)، وغيرهم، أجزل اللَّه تعالى له الثواب، وأكرم لنا وله المآب.
وقد بسط في سيرته، وفضائله، وخصائصه، شارح النهج.
وقال السيد الإمام، في ترجمته في طبقات الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ: وهو ذو الفضائل الشائعة، والمكارم الرائعة، له هيبة وجلالة، وفيه ورع وتقشف، ومراعاة للأهل والعشيرة، ولي نقابة الطالبيين مراراً، وكان إليه إمارة الحاج، والمظالم.
إلى قوله: وله من التصانيف كتاب المتشابه في القرآن، وكتاب مجازات الآثار النبوية، وكتاب نهج البلاغة، وكتاب تلخيص البيان، عن مجازات القرآن، وكتاب الخصائص، وكتاب سيرة والده الطاهر.
إلى قوله: وكتاب رسائله مجلدات، وكتاب ديوان شعره، وهو مشهور، وهو أشعر قريش، وجمع بين الإكثار والإجادة، وكان يُقَدَّم على أخيه المرتضى، والمرتضى أكبر منه؛ لمحله في نفوس الخاصة والعامة.
إلى قوله: وكان يترشح للخلافة.
قلت: قد صرح بذلك في أشعاره، على غير مبالاة بملوك بني العباس؛ من ذلك قوله، مخاطباً لنفسه:
هذا أمير المؤمنين محمد .... طابت أرومته وطاب المحتدُ
أو ماكفاكَ بأن أمّك فاطم .... وأبوك حيدرة وجدك أحمدُ
وهذا صريح في مخالفة مذهب الإمامية، معلوم لمن له أدنى مسكة واطلاع.
وقوله مما رواه شارح النهج: /451

(1/451)


ما مقامي على الهوان وعندي .... مقول صارم وأنف حميُّ
وإباء محلق بي عن الضيـ .... ـم كما زاغ طائر وحشيّ
أي عذر له عن المجد إنْ ذّ .... لّ غلام في غمده المشرفيّ
أحمل الضيم في بلاد الأعادي .... وبمصر الخليفة العلويّ؟
مَنْ أبوه أبي ومولاه مولا .... ي إذا ضامني البعيد القصيّ
لفّ عرقي بعرقه سيدا النا .... س جميعاً محمد وعليّ
وهذا إشارة إلى الخلفاء العبيديين بمصر، وهو مما يفيد تصحيح نسبهم، وإن كانت دياناتهم ـ على ما نقل ـ غير صحيحة؛ ولم يصرح ـ رضي الله عنه ـ بالمدح لشيء من أحوالهم، سوى الاتفاق في النسب.
وأما الخليفة فقد صار لقباً لهم من الألقاب، وهو يقال خليفة حق، وخليفة باطل، كما يقال إمام هدى، وإمام ضلال.
وبمثل ذلك ورد القرآن العظيم، وليس مراد الشريف إلا التكثر بهم، والإرهاب على أعدائه من بني العباس، فهو على طريقة قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم].
وقد شقّ على القادر العباسي هذا الشعر لما بلغه، وقال لوالد الرضي: قل لولدك محمد: أيُّ هوان قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضيم لقي من جهتنا؟ وأي ذلّ أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه؟ أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟
وكان الرضي ـ رضي الله عنه ـ شريف النفس، عالي الهمة، لم يكن يقبل من أحد من الخلق صلة، حتى من أبيه.
وأمه وأم أخيه أبي القاسم المرتضى علي بن الحسين، فاطمة بنت الحسين بن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع).
قال شارح النهج: وحدثني فخار بن معد العلوي الموسوي ـ رضي الله عنه ـ، قال: رأى المفيد محمد بن النعمان الفقيه في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، دخلت إليه، وهو في مسجد الكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين (ع)، صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه /452

(1/452)


.
فانتبه متعجباً من ذلك؛ فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة، التي رأى فيها الرؤيا، دَخَلَت إليه المسجد فاطمةُ بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها، محمد الرضي، وعلي المرتضى؛ وقالت: أيها الشيخ، هذان ولداي، قد أحضرتهما إليك؛ لتعلمهما الفقه.
فبكى أبو عبدالله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم اللَّه تعالى عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل، ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر. انتهى.
وأفادوا أن قبره بمشهد جده، الحسين بن علي ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ.
[سند نهج البلاغة]
هذا، فأقول والله ولي التوفيق: أروي كتاب نهج البلاغة، الجامع لجوامع خطب، وحكم ورسائل، لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بالطرق السابقة في المجموع، إلى الإمام الشهيد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، عن أحمد بن محمد شعلة الأكوع، عن السيد الإمام المرتضى بن سُراهِنك (بضم المهملة الأولى، وبالراء، وكسر الهاء، وسكون النون، ثم كاف؛ أفاده في الطبقات).
قال في ترجمته: ابن محمد بن يحيى بن علي بن سراهنك بن حمزة بن الحسن بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: الشريف الفاضل، شرف الدين، أبو طالب؛ سمع نهج البلاغة على الشيخ معين الدين، أحمد بن زيد الحاجي.
قال: وسمع (أعلام الرواية، على نهج البلاغة)، على ركن الدين، فيروز شاه الجيلي، وعن الحسن بن مهدي البيهقي، وعن أحمد بن زيد الحاجي؛ وهم سمعوها على مؤلفها علي بن ناصر
قلت: وهذه طريق لنا إلى أعلام الرواية، ونرويها أيضاً بالسند السابق في المجموع، إلى حميد الشهيد، عن الإمام الحجة /453

(1/453)


المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ـ عن الشيخ الحافظ البيهقي، القادم إلى اليمن في أيام الإمام المنصور بالله (ع)، وقد سبق في التحف الفاطمية، أنه زيد بن أحمد بن الحسن، ويقال له: أحمد بن أحمد؛ وفي الطبقات: ويقال: أحمد بن الحسن، عن مؤلفها الشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
ترجم له بهذا السيد الإمام ـ رضي الله عنهما ـ، وهذا عارض مفيد ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
(رجع) إلى تمام كلام السيد الإمام، في ترجمة السيد المرتضى راوي نهج البلاغة.
قال: وسمع عليه أعلام الرواية حميد بن أحمد المحلي، وكان السماع بكحلان تاج الدين، سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقرأ عليه أنساب الطالبية الشيخ أحمد بن محمد شعلة، وأجازه جميع مسموعاته، ومناولاته.
قلت: وهذه طريق لنا إلى جميع ذلك كما ثبت بالنقل الصحيح.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال مولانا الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، في ذكر نهج البلاغة: وأجلّ من أُخِذ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى ابن سراهنك، الواصل من بلاد العجم، مهاجراً إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، متجرداً للجهاد بين يديه، فوافى ديار اليمن، وقد كان الإمام قُبض؛ فأخذ عنه أولاد المنصور بالله وشيعته، هذا الكتاب، وتوفي هذا الشريف المذكور بظفار، دار هجرته، بعد أن خلطه أولاد المنصور بالله بأنفسهم، وزوجوه بنتاً للمنصور بالله، وقبره في جانب الجامع المقدس، بحصن ظفار.
[تراجم معين الدين والسيد يحيى بن إسماعيل والحاكم الجشمي]
(رجع)، عن الشيخ معين الدين أحمد بن زيد ـ ويقال: ابن أحمد الحاجي، أفاده السيد الإمام ـ.
وقد ترجم له وأفاد مافي الإسناد لاغير، وهو من علماء الزيدية؛ وقد وقع للسيد الإمام (ع) في الطبقات سبق ذهن في بعض المواضع، وانتقال من أحمد الحاجي هذا، إلى أحمد البيهقي؛ للاشتراك في التردد، بين أحمد وزيد؛ فصار يتكلم في ترجمة أحدهما بما للآخر، وقد نبهتُ على ذلك في ترجمة شعلة الأكوع، من الطبقات، فاحفظ ذلك، فقد سها فيه إمام الحفاظ، وجلّ من لايسهو /454

(1/454)


.
(رجع) عن السيد الإمام، علم أعلام العترة الكرام، يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن علي بن علي بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن الأفطس ابن علي الأصغر ابن علي بن الحسين بن علي (ع)، هكذا نسبه في مشجر أبي علامة، وبينه وبين مافي الطبقات اختلاف يسير، والصحيح مافي المشجر المذكور؛ بينه وبين أمير المؤمنين ستة عشر.
قال السيد الإمام في ترجمته: السيد الإمام العلامة، يروي عن عمه العلامة، الحسين بن علي بن أحمد الجويني، كتب الأئمة، وغيرهم.
فمما سمعه عليه: كتب الحاكم الجشمي، كتنبيه الغافلين، وجلاء الأبصار، والسفينة.
وسمع عليه من كتب الأئمة: أمالي أبي طالب، وصحيفة زين العابدين علي بن الحسين، وصحيفة علي بن موسى الرضا، ونهج البلاغة.
إلى قوله: وعمه أسند كل كتاب إلى مؤلفه، وأخذ عنه عمرو بن جميل النهدي، شيخ الإمام عبدالله بن حمزة؛ وأحمد بن زيد بن علي الحاجي؛ وكان سماعهما عليه ببلدة نيسابور، في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
قلت: وهنا فائدة، وهي أنا نروي بالأسانيد الصحيحة، منها ماتقدم في المجموع إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، عن شيخه عمرو بن جميل، عن السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، عن عمه الحسين بن علي، عن الشريف الرضي كتاب نهج البلاغة.
وعن إمام الشيعة الأعلام الحاكم، المعتزلي ثم الزيدي، الشهيد، أبي سعيد، المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي، المتوفى شهيداً في بلد الله الحرام، على يدي أعداء التوحيد والعدل وآل محمد الكرام ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ، عام أربعة وتسعين وأربعمائة، أجزل الله ثوابه، وأكرم لديه نزله ومآبه، جميع مؤلفاتهوهي: ما تقدم ذكره، والتهذيب في التفسير، /455

(1/455)


والعيون، وشرحه في الكلام، وغير ذلك.
وستأتي الطرق إلى مؤلفاته، عند ذكر أسانيد مؤلفات علماء الشيعة ـ إن شاء الله ـ بأبسط مما هنا.
فالحسين بن علي يروي عن الشريف الرضي، وعن الحاكم ـ رضي الله عنهم ـ، جميع ذلك.
(رجع إلى تمام ترجمة السيد الإمام يحيى بن إسماعيل (ع) في الطبقات).
قال تلميذه عمرو مالفظه: هو السيد الإمام، مفخر الأنام، الصدر الكبير، العالم العامل، مجد الملة والدين، وافتخار آل طه وياسين، ملك الطالبية، شمس آل الرسول، أستاذ الطوائف، الموافق منهم والمخالف، قبلة الفرق، تاج الشرف.. إلخ.
[ترجمة السيد الحافظ الحسين الجويني]
(رجع) إلى تمام سند النهج.
عن عمه الحسين بن علي الجويني.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في طبقات الزيدية فيمن اسمه الحسن ـ بالتكبير ـ وهو في سائر كتب الإسناد الحسين ـ بالتصغير ـ وقد جريت فيما سبق على كلامهم فقال بعد تمام نسبه المتقدم، في ترجمة ابن أخيه يحيى بن إسماعيل ما نصه: الحسيني الهاشمي العلوي المعروف بالجويني، السيد بدر الدين؛ يروي صحيفة علي بن موسى الرضا، عن الشيخ الإمام عمر بن إسماعيل، عن الشيخ الزاهد، علي بن الحسن الصيدلي، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وأمالي أبي طالب، وتنبيه الغافلين، وجلاء الأبصار، وغيرها من كتب الحاكم أبي سعيد ابن كرامة؛ كل ذلك عن المؤلف.
وروى صحيفة زين العابدين، ونهج البلاغة، وأمالي أحمد بن عيسى، كل ذلك عن مشائخ عدة متصلة طرقهم بالمؤلف.
وأخذ عنه جميع ذلك مابين سماع، وإجازة، ولدُ أخيه يحيى بن إسماعيل.
إلى قوله: كان السيد إماماً حافظاً من حفاظ العترة، وبدور الإسناد المشرقة؛ وقال المنصور بالله: كان إماماً زاهداً. انتهى.
(رجع) بسنده إلى مؤلفها.
قلت: هكذا في بلوغ الأماني، والظاهر فيه عدم الاتصال؛ ولكن في سند الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع) وفي سائر كتب الأسانيد، عن الحسين بن علي، عن المؤلف.
وقد قرر الإمام الشهير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، (ع) /456

(1/456)


في فرائد اللآليء الاتصال.
وحكى ماوقع بينه، وبين السيد العلامة عبد الكريم بن عبدالله أبي طالب، صاحب العقد النضيد ـ رضي الله عنه ـ، من المراجعة وردّ ماشكك به المقبلي في ذلك، وذكر السند الآتي المتصل بلا احتمال، وهو قاطع للإشكال؛ مع أنهم قد ذكروا أن الحسين بن علي قد أسند كل كتاب إلى مؤلفه.
هذا، ومافي إتحاف الأكابر للشوكاني من نسبة النهج إلى المرتضى غلط واضح.
نعم، وأما السند المتصل بالمؤلف الرضي، ـ رضي الله عنه ـ على التحقيق من الطريق الأخرى، فأرويه أيضاً بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن الواثق بالله، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله (ع)، عن الشيخ الفاضل المار ذكره في سند الجامع الكافي، محمد بن عبدالله الغزال المضري، وقد بسط ترجمته السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
وقال فيها: الفقيه العالم بدر الدين.
وذكر أسانيده إلى شرح التجريد، وإلى الكشاف، وغيرهما، وأنه أهدى للإمام محمد بن المطهر، نسخة الكشاف المشهورة.
قال: وله تلامذة أجلاء، منهم: الإمام محمد بن المطهر.
إلى قوله: قال السيد محمد بن إدريس: أجاز لي سيدنا الفقيه، الإمام العلامة، الأوحد الصدر، القدوة الحبر، شمس الدين، حافظ علوم العترة الأكرمين، حواري أمير المؤمنين، إلخ يعني بذلك الغزال.
وقد تقدم ذكر السيد محمد بن إدريس في سند الجامع الكافي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ولعل وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة.
(رجع) قال في سنده: بإجازتي عن الفاضل العامل، المحقق، محيي الدين ابن الشيخ العلامة، تقي الدين عبدالله بن جعفر الأسدي بإجازته، عن العالم الفاضل الصدر، مجد الدين عبدالله بن محمود بن مودود، من بلد حي، بروايته عن العالم الفاضل العابد، السيد ذي الحسبين، جمال الدين، أبي الفتوح، حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني قراءة عليه، بحق /457

(1/457)


روايته ذلك قراءة، عن الشيخ الإمام العالم رشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي، عن السيد المنتهى بن أبي زيد بن كياكي الحسيني الجرجاني، عن أبيه أبي زيد، عن السيد الرضي، مصنف الكتاب المذكور.
فاتصل السند، وبطل ماشكك به الشيخ صالح المقبلي ـ كافاه الله تعالى ـ ولله الحمد.
وبعد هذا، فكتاب نهج البلاغة متلقى بالقبول، عند آل الرسول، ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ.
وما أحسن قول حافظ اليمن، السيد صارم الدين الوزير (ع):
وإن التلقي بالقبول على الذي .... به يستدل المرء خير دليلِ
وما أمة المختار من آل هاشم .... تلقَّى حديثاً كاذباً بقبولِ
قال السيد الإمام في الطبقات، في ترجمة السيد الإمام الكبير، الفاضل الخطير، داود بن يحيى بن الحسين المتوفى سنة ست وتسعين وسبعمائة: سمع عليه الهادي بن إبراهيم الوزير الكبير نهج البلاغة؛ ثم قال بعد السماع: ماكان في نهج البلاغة فهو صحيح.
قال السيد داود بن يحيى: انعقد إجماع العترة على أن نهج البلاغة كلام علي (ع). ا هـ.
والسيد العلامة داود بن يحيى أخو الهادي بن يحيى المتقدم في سند المجموع، وهما ابنا السيد يحيى بن الحسين صاحب الياقوتة، وقبراهما بمشهد إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع).
وإن من الآيات العجيبة ما ذكره الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، أن بعض الصالحين كان له أخ يشكك عليه في نهج البلاغة، رأى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في النوم ينشده هذين البيتين:
قد صحّ عنّا فتمسك به .... ليس الذي يرويه بالكاذب
أخوك عبدالله احذره لا .... تماشه وإمش في جانب
/458

(1/458)


هكذا في المنقول عنه؛ ولايستقيم إلا بقطع همزة إمش، وهو يجوز للضرورة وإن كانت همزة وصل؛ ولو كان (إلى) مكان (في) لاستقام الوزن مع الوصل؛ ولكن الرواية كذا.
نعم، وهذا الكلام إنما هو لتصحيح جميع ماتضمنه نهج البلاغة؛ ولم يشكك الخصوم إلا في مواضع خالفت أهواءهم، وسفهت آراءهم، لا في جميع ذلك فليس بمستطاع؛ وأنى للأكف أن تغطي من القمرين ضوء الشعاع؛ لأن فصول كلامه، وعيون حكمه، في جميع أبواب العلوم منقولةٌ مأثورة، وفي مؤلفات الأمة المحمدية، وأسفار طوائف الملة الحنيفية، بل وعند غيرهم مرسومةٌ مزبورة؛ وعند الله تجتمع الخصوم.
[ديباجة النهج]
قال الشريف الإمام الرضي ـ رضي الله عنه ـ: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي.
أما بعد حمد الله، الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، ومعاذاً من بلائه، وسبيلاً إلى جنانه، وسبباً لزيادة إحسانه، والصلاة على رسوله نبي الرحمة، وإمام الأئمة، وسراج الأمة، المنتخب من طينة الكرم، وسلالة المجد الأقدم، ومغرس الفخار المُعْرِق، وفرع العلى المثمر المورق، وعلى أهل بيته، مصابيح الظلم، وعصم الأمم، ومنار الدين الواضحة، ومثاقيل الفضل الراجحة؛ صلى الله عليهم أجمعين، صلاة تكون إزاء لفضلهم، ومكافأة لعملهم، وكفاء لطيب فرعهم وأصلهم، ما أنار فجر ساطع، وخوى نجم طالع.
وساق إلى قول أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ في أول خطبة من الكتاب:
الحمد لله، الذي لايبلغ مدحته القائلون، ولايحصي نعماءه العادون، ولايؤدي حقه المجتهدون..إلخ.
[يواقيت من خطب النهج]
ونسوق قسطاً من خطبة له ـ صلوات الله عليه ـ، من نهج البلاغة؛ إلا أني متى وصلت إلى فصل منها، مذكور في مصابيح السيد/459

(1/459)


الإمام، وارث الحكمة، وشيخ الأئمة، أبي العباس الحسني (ع)، انتقلتُ إلى روايته لاستكمالها؛ لأن الشريف الرضي ـ رضي الله عنه ـ إنما يأخذ المختار؛ وفيها من ذكر الحجج الإلهية، والآيات الربانية، والمعجزات النبوية، والكرامات العلوية، مايبهر الأبصار؛ وربك يخلق ما يشاء ويختار،وعند الوصول إلى مافي المصابيح أذكر تحويل الرواية، وسند أبي العباس فيها، وقد وافق ذلك أيضاً؛ لأنه لم يذكر ـ فيما سبقـ نقل شيء من المصابيح على العادة، عند انتهاء السند في أمثاله.
قال إمام الأبرار، وقسيم الجنة والنار، أبو الأئمة الأطايب، علي بن أبي طالب، ـ صلوات الله عليه ـ: الحمد لله، الذي لبس العزّ والكبرياء، واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حماً وحرماً على غيره.
قلت: وفي (لبس) إلخ استعارة مصرحة تبعية، شبّه اتصاف ذي الجلال بالوصفين، بلبس الردائين، أو مكنية، ويكون التشبية في الوصفين بالردائين، واللبس تخييل.
قال: واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده؛ ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين؛ ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه، وهو العالم بمضمرات القلوب، ومحجوبات الغيوب: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73) إِلَّا إِبْلِيسَ }[ص]، اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله؛ فعدوّ الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادَّرَع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل.
ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره، ووضعه الله بترفعه، فجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً؟‍!.
ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور، يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه، وطِيْب يأخذ /460

(1/460)


الأنفاس عرفه، لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة.
إلى أن قال: فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس؛ إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وقد كان عبد الله ستة آلاف سنة، لايدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كِبْر ساعة واحدة.
إلى أن قال: إن حكمه في أهل السماء والأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة، في إباحة حما حرّمه على العالمين.
إلى أن قال: فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم، بأوليائه المستضعفين في أعينهم، ولقد دخل موسى بن عمران، ومعه أخوه هارون ـ صلى الله عليهما ـ على فرعون، وعليهما مدارع الصوف، وبأيديهما العصي، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه، ودوام عزه؛ فقال: ألا تعجبون من هذين؟‍‍‍‍‍‍‍‍! يشرطان لي دوام العزّ، وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب.
إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولبسه.
ولو أراد الله ـ سبحانه ـ لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرضين، لفعل؛ ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحلّت الأنباء، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها؛ ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى؛ ولو كانت الأنبياء أولي قوة لاترام، وعزة لاتضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وأبعد لهم من الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة، والحسنات مقتسمة؛ ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله، /461

(1/461)


والتصديق لكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أموراً له خاصة لا تشوبها شائبة؛ وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل.
ألا ترون أن الله ـ سبحانه ـ اختبر الأولين، من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام، الذي جعله الله للناس قياماً؛ ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لايزكو بها خفّ، ولا حافر ولاظلف؟!
ثم أمر آدم (ع) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لمُلْقَى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللاً، يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلْقهم، ابتلاء عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البناء، متصل القرى، بين برة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء، على حسب ضعف البلاء؛ ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولَوَضَع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس؛ ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحا إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه.
فالله الله في عاجل /462

(1/462)


البغي، وآجل وخامة الظلم، وسوء عاقبة الكبر؛ فإنها مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته الكبرى، التي تساور قلوب الرجال، مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أبداً، ولاتشوي أحداً.
قلت: معنى ما تكدي: ما ترد عن تأثيرها؛ ولاتشوي أحداً: لاتخطئ المقتل، وتصيب غيره، وهو الشوي، والشويُّ الأطراف، كاليد والرجل. أفاده الشارح.
قال (ع): لا عالماً لعلمه، ولامقلاً في طمره؛ وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللاً؛ مع مافي الزكاة من صرف ثمرات الأرض وغير ذلك، إلى أهل المسكنة والفقر؛ انظروا إلى مافي هذه الأفعال، من قمع نواجم الفخر، وقدع طوالع الكبر.
قلت: وفي كلامه ـ صلوات الله عليه ـ دلالة واضحة، على كون العبادات مشروعة؛ لمصالح وحكم للعباد، غير مجرّد الشكر، ولكن ليس على الكيفية التي تذهب إليها بعض المعتزلة في الألطاف؛ ولا تنافي بين ذلك، وبين وجوب تأديتها للشكر، كما نصّ عليه محققوا أئمتنا (ع).
إلى أن قال ـ صلوات الله عليه ـ: ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي، والنكث والفساد في الأرض؛ فأما الناكثون فقد قاتلتُ، وأما القاسطون فقد جاهدتُ، وأما المارقة فقد دوّخْتُ، وأما شيطان الردهةفقد كفيته بصعقة، /463

(1/463)


سمعت لها وجبة قلبه، ورجّة صدره؛ وبقيت بقية من أهل البغي؛ ولئن أذن الله في الكرة عليهم، لأديلنّ منهم، إلا من يتشذر في أطراف البلاد تشذراّ.
[من المصابيح لأبي العباس من أمير المؤمنين]
ومن هنا مذكور في المصابيح فنسوق الرواية منها لما سبق.
قال السيد الإمام، أبو العباس الحسني (ع): (ذِكْر بعض دلائل رسول الله -صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -).
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه الحسين (ع)، أن أمير المؤمنين (ع) خطب الناس، فقال:
أنا وضعتُ كَلْكَل العرب، وكسرتُ قرن ربيعة ومضر، ووطئت جبابرة قريش؛ لقد وضعني الله في حجر المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وأنا ابن أربع سنين، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده وعرقه، ويقبلني فأمص ريق حكمته، وآكل في قصعته، وألعق أصابعه؛ حتى كان يمضغ الشيء ويلقمني مِنْ فِيْهِ؛ وأنا أصف لكم من علاماته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
لقد قرن الله به أكرم ملائكته، وأقربها إليه، ومنه يكون الوحي؛ إسرافيل (ع)، كان معه ليله ونهاره؛ ولقد كان يرفع رأسه نحو السماء لما أتاه الوحي مِن أول الليل إلى آخره، كأنما ينتظر شيئاً؛ فأنا أول من رأى نور الوحي، وشمّ منه ريح النبوة.
قلت: وفي النهج: أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة؛ ولقد سمعت رنة الشيطان، حين نزل الوحي عليه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقلت: يارسول الله، ماهذه الرنة؟ فقال: ((هذا الشيطان قد أيس من عبادته؛ إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك الوزير، وإنك لعلى خير)) إلخ.
وقد ساق شارح النهج العلامة، الروايات على شواهد فصول هذه الخطبة الشريفة، بما فيه كفاية.
(رجع) ثم ذكر في رواية المصابيح تكليم الجمل، والبقرة، والذئب، لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: وكنت معه إذ قال: ((يأتيني تسعة نفر من حضرموت؛ يسلم ستة، ولايسلم ثلاثة)) فوقع /464

(1/464)


في قلوب كثير من الناس من كلامه ماوقع؛ فقلت أنا: صدق رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، هو كما قلت يارسول الله.
فقال: ((أنت الصديق، ويعسوب المؤمنين وإمامهم، وأول المؤمنين إيماناً؛ وأنت الهادي والوزير)).
فلما أصبح ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أقبل الرهط من حضرموت، حتى دنوا منه وسلموا عليه، وقالوا: يامحمد، اعرض علينا الإسلام.
فعرضه عليهم، فأسلم ستة، ولم يسلم ثلاثة، وانصرفوا.
فقال (ع) للثلاثة: ((أما أنت يافلان، فتموت بصاعقة من السماء؛ وأما أنت يافلان، فتخرج في طلب إبلك، فيلقاك ناس من كذا فيقتلونك)).
فوقع في قلوب ناس من ذلك ماوقع، فقلت أنا: صدقت يارسول الله.
فقال: ((صدّق الله قولك ياعلي)).
فما كان حتى أقبل الستة الذين أسلموا، فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مافعل أصحابكم الثلاثة؟)) قالوا: والذي بعثك بالحق نبياً، ما جاوزوا ما قُلْتُ.
وأتاه الملأ من قريش: أبو جهل بن هشام، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وشيبة، وعتبة، وصناديد قريش، فقالوا: يامحمد، قد ادعيت أمراً عظيماً، لم يدّعه آباؤك، ونحن نسألك أن تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها، وتقف قدّامك.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن ربي على كل شيء قدير؛ وإني أريكم ماتطلبون، وإني أعلم أنكم لاتجيبونني؛ وإن منكم من يذبح على القليب، ومن يحزّب الأحزاب؛ ولكن ربي رحيم)).
ثم قال للشجرة: ((انقلعي بعروقك، بإذن الله)).
فانقلعت وجاءت، ولها دوي شديد، حتى وقفت بين يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فقالوا استكباراً وعتواً: ساحر كذاب، هل صدقك إلا مثل هذا ـ يعنونني ـ.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((حسبي به ولياً وصاحباً ووزيراً، قد أنبأتكم أنكم لاتؤمنون؛ والذي نفس محمد بيده، لقد علمتم أني لست بساحر ولا كذاب)).
فكان أشدهم عليه أبو جهل بن هشام، وهشام بن المغيرة، وابن حرب؛ ولم يكن أشد عليه من هاتين القبيلتين: بني مخزوم، وبني أمية؛ فلعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله /465

(1/465)


وسلم فنزل بهم الذبح، فذُبح مَنْ ذُبح، وبقي من بقي ملعوناً، ونزل على رسول الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)}[الحجر]، ثم نزل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء].
فقال لي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، انطلق إلى بني عبد المطلب، وعبد شمس، ومخزوم، وتيم، وعدي، وكعب بن لؤي؛ فاجمعهم إلى نبي الرحمة، فإني أريد أن أكلّمهم، وأبلغهم رسالة ربي، وأقيم فيهم وزيري وناصري، لايتقدمه ولايتأخر عنه إلا ظالم)).
وأمر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بذبح شاة، فانطلقت وجمعتهم إليه، وهم ستون رجلاً لايزيدون ولاينقصون رجلاً، فطعموا، وشبعوا ـ بإذن الله ـ وفضل من الطعام أكثره.
ثم قال: ((ياأيها الملأ من قريش، أتيتكم بعزّ الأبد، وملك الدنيا والآخرة؛ فأيكم يؤازرني، ويبايعن على أمري؟)).
فلم يجيبوه.
فقلت ـ وأنا أحدث القوم سناً ـ: أنا يارسول الله.
قال: ((اللهم اشهد أني وازرته وخاللته، فهو وزيري وخليلي، وأميني ووصيي، والقائم بعدي)).
فقاموا يقولون لأبي طالب: قد ولّى عليك ابنك، واتخذه خليلاً دونك.
وأقبل أبو جهل، فقال: أتزعم أنك نبي، وأن ربك يخبرك بما نفعله؟ فهل تخبرني بشيء فعلته لم يطلع عليه بشر؟.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أخبرك بما فعلت، ولم يكن معك أحد؛ الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا، ونكاحك سودة)).
فقال: مادفنت ذهباً ولانكحت سودة.
فقال (ع): ((فأدعو الله أن يذهب بمالك الذي دفنت)).
فضاق بأبي جهل، وقال: قد علمنا أن معك من الجن من يخبرك؛ أما أنا فلا أقرّ أبداً أنك نبي.
فقال: ((والله لأقتلنك، ولأقتلن عتبة، والوليد، ولأقتلنّ أشرافكم، ولأوطئن بلادكم الخيل، ولآخذنّ مكة عنوة)).
قلت: قال الشارح العلامة، بعد أن ساق بحثاً بالغاً في الشواهد من /466

(1/466)


أعلام النبوة: وروي عن جعفر بن محمد الصادق (ع)، قال: كان علي (ع) يرى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت؛ وقال له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أني خاتم الأنبياء، لكنتَ شريكاً في النبوة، فإلا تكن نبياً فإنك وصي نبي ووارثه؛ بل أنت سيد الأوصياء، وإمام الأتقياء)).
وأما خبر الوزارة، فقد ذكره الطبري في تاريخه، عن عبدالله بن عباس، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: لما أنزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دعاني، فقال: ((ياعلي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين)).
ثم ساق رواية الإنذار.
ثم قال لهم: ((هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا)).
قال: ويدل على أنه وزير رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من نص الكتاب والسنة، قول اللَّه تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه].
وقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)) فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى؛ فإذن هو وزير رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشادّ أزره. انتهى.
[رجع] وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا عنده يوماً: ((يامعشر قريش، يأتيكم غداً تسعة رهط، من وراء هذا الجبل، ـ يعني حراء ـ فيسلم سبعة، ويرجع اثنان كافران، يأكل أحدَهما السبعُ، والآخر يعضّه بعيره، فيورثه حمرة، ثم آكِلَة، ثم موتاً)).
وأخذت قريش تهزأ؛ فلما أصبح، أتى النفر إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأسلم سبعة، ونزل بالكافرين ماقال، فَصَعِدتُ الجبل وناديتُ: أشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فأرادوا قتلي، فأيدني الله بملك كريم دفعهم عني.
ثم إن خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال /467

(1/467)


لي: ((ستقاتل قريشاً؛ إنها لا تحبك أبداً، وإن لك أنصاراً نجباء خيرة، ذُبْلَ الشفاه، صفر الوجوه، خمص البطون، لاتأخذهم في الله لومة لائم؛ رعاة الليل، متمسكون بحبل الله، لايستكبرون ولايضلون)).
ثم الذئب، الذي كلّم أبا الأشعث، طرده من غنمه مرة بعد مرة؛ فلما كانت الرابعة قال: مارأيتُ ذئباً أصفق منك.
قال الذئب: أنت أصفقمني؛ تتولى عن رسول رب العالمين.
قال الراعي: ويلك ماتقول؟.
قال الذئب: الويل لمن يصلى جهنم غداً، ولايدخل في دين محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال الراعي: حسبي من يحفظ غنمي لأنطلق، وأؤمن به.
فقال الذئب: أنا أحفظها عليك.
فجاء الراعي يعدو، قال: السلام عليك يارسول الله.
وأخبره بكلام الذئب، فأخذ أبو الأشعث سخلة وذبحها للذئب، وقال: أعتقني من النار.
وأتى رجل يستبحث رسول الله، وكان عاقلاً لبيباً، فقال: يامحمد إلى من تدعو؟
قال: ((إلى شهادة أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له)).
قال: وأين الله يامحمد؟.
قال: ((هو بكل مكان موجود، وليس في شيء منها بمحدود)).
قال: فكيف هو؟.
قال: ((هو خلق الكيف والأين، فلا يقال: كيف، ولا أين)).
فقال: كيف لي أن أعلم أنه أرسلك؟.
فلم يبقَ بحضرتنا يومئذ حجر ولامدر ولاشجر، إلا قال: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فأسلم الرجل، وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قد سميتك عبدالله)).
قال علي (ع): وخلفني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في تبوك، فتكلم أناس بما في صدورهم، وقالوا: خلّفه إذْ أبغضه.
فلحقتُ برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأخبرته، فقال لي في ملأ منهم: ((ياعلي، إن الله أمرني أن أواخيك، وأن أقربك، ولاأجفوك، وأدنيك، ولا أقصيك، أنت أخي في الدنيا والآخرة؛ وأمرني ربي أن أقيمك ولياً من بعدي، وسألته أن /468

(1/468)


يشركك معي في الشفاعة)).
ثم سار ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمن معه، فشكوا العطش، فقال: ((اطلبوا الماء)).
فلم يصيبوا شيئاً، حتى خافوا على أنفسهم، وقالوا: يارسول الله ادعُ لنا ربك.
فنزل جبريل (ع)، فقال: يامحمد، ابحث بيدك الصعيد، وضع قدميك وأصبعيك المسبحتين، وسمّ.
ففعل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فانبجستمن بين أصابعه الماء، فشربوا ورووا، وسقوا دوابهم وحملوا منه، فأعطي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فوق ما أعطي موسى بن عمران، فازداد المؤمنون إيماناً.
وموضع الماء اليوم معروف، وقد اغتسلت منه يومئذ.
انتهى الكلام الكريم العلوي.
[شروح النهج، ترجمة ابن أبي الحديد]
وقد شرح نهج البلاغة الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع)، وغيره.
وأشهر شروحه، وأبسطها وأجلّها، وأكملها وأبهجها، شرح البحر المتدفق، والحبر المحقق المدقق، العالم النحرير، والحافظ الكبير، عز الدين، أبي حامد، عبدالحميد بن هبة الله بن محمد المدائني، الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي، المتوفى سنة خمس وخمسين وستمائة، من علماء العدل والتوحيد، القائمين بحق الله ورسوله ووصيه وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ويلوح للمنتقد من لمحات كلامه لزوم ماعليه أئمة العترة المطهرة ـ (ع) ـ ويفوح للمختبر من نفحات مرامه الحوم حول طرائقهم النيّرة.
ولعله منعه عن المصارحة في الأغلب إظهار النصفة للخصوم، لعل لها عذراً وأنت تلوم، وقد كان تحت وطأة الدولة العباسية، فعذره في ذلك معلوم؛ إلا أنه يصمم في بعض المقامات، على بعض الأقوال، تصميماً لايتضح الحامل عليه، ولايظهر الملجئ إليه.
وعلى كل حال فشرحه ذلك بغية المرتاد، /469

(1/469)


لكل مراد.
قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الواحد العدل.
إلى قوله: وصلى الله على رسوله محمد، الذي المكْنيُّ عنه ـ أراد الوصي (ع) ـ شعاع من شمسه، وغصن من غرسه، وقوة من قوى نفسه، ومنسوب إليه نسبة الغد إلى يومه واليوم إلى أمسه؛ فما هما إلا سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجَلٍّ ومصَلٍّ، سبقا لمحة البارق، وأنارا سدفة الظلمة الغاسق، صلى الله عليهما، مااستخلَبَ خبير، وتناوح حراء وثبير.
ثم ساق إلى قوله: على أن كثيراً من فصوله ـ يعني النهج ـ داخل في باب المعجزات المحمدية؛ لاشتمالها على الأخبار الغيبية، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية.
[مِنْ شرح النهج في الذين قدَّموا علياً من المعتزلة]
ولما بلغ إلى القول في التفضيل، قال: وقال البغداديون قاطبة، قدماؤهم، ومتأخروهم، كأبي سهل بشر بن المعتمر، وأبي موسى عيسى بن صبيح، وأبي عبدالله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر الإسكافي.
قلت: هو محمد بن عبدالله، صاحب الكتاب العظيم في الرد على الجاحظ؛ لأن الجاحظ والنظام، وأمثالهما، من البصريين المائلين عن أمير المؤمنين (ع)، وغير مستنكر منهم، وكلام الوصي في البصرة، وأهلها معلوم.
قال: وأبي الحسين الخياط، وأبي القاسم عبدالله بن محمود البَلْخِي، وتلامذته [قالوا]: إن علياً (ع) أفضل من أبي بكر، وإلى هذا المذهب ذهب من البصريين أبوعلي محمد بن عبد الوهاب الجبائي.
إلى قوله: وقال ـ أي قاضي القضاة ـ: إن أبا علي ـ رضي الله عنه ـ يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه، وقد كان ضعف عن رفع الصوت، فألقى إليه أشياء، من جملتها القول بتفضيل علي (ع).
وممن ذهب من البصريين إلى تفضيله (ع)، الشيخ أبو عبدالله الحسين بن علي البصري ـ رضي الله عنه ـ، كان متحققاً بتفضيله، ومبالغاً في ذلك، وصنف فيه كتاباً مفرداً؛ وممن ذهب إلى تفضيله (ع) من البصريين قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبار بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ.
ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيله (ع)، أبو محمد الحسن بن مَتَّويه، صاحب التذكرة، نص في كتاب الكفاية على تفضيله (ع) على أبي بكر /470

(1/470)


واحتج لذلك، وأطال الاحتجاج.
إلى قوله: وأما نحن فنذهب إلى مايذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله(ع)، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية مامعنى الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثواباً أم الأجمع لمزايا الفضل، والخلال الحميدة؟ وبيّنا أنه (ع) أفضل على التفسيرين معاً.
ثم ساق في بيان أحوال الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وأبان في خلال ذلك استناد جميع العلوم من جميع الفرق إليه.
وقال في حكاية مذهب البغدادين في الإمامة مانصه: إنه الأفضل، والأحق بالإمامة.
إلى قوله: فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبره أن الإمامة حقه، وأنه أولى بها من الناس أجمعين.
إلى قوله: ولم يُخْرِجْه تقدّمُ مَنْ تقدّم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق؛ وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي ـ رحمه الله تعالى ـ بهذا، وصرّح به تلامذته، وقالوا: لو نازع عقيب وفاة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وسلّ سيفه، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدّم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه؛ ولكنه مالك الأمر، وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عنها؛ وحكمه في ذلك حكم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: ((علي مع الحق، والحق مع علي، يدور حيثما دار)).
وقال له غير مرة: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي، وبه أقول. انتهى.
وفي شرح قول أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ: هلك فيَّ اثنان: محب غال، ومبغض قالٍ.
ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص، والفوز في هذه المسألة؛ لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأكثرهم خصائص، ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه، فإنه عدوّ لله سبحانه، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين، إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته، ومات على توليه وحبه.
إلى قوله في /471

(1/471)


المشايخ: فلو أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم ـ فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلى نفسه ـ لقلنا إنهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قلت: فتأمل هذا، مع ماملأ به الشرح من تصحيح إنكار الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وشكايته منهم، يظهر لك مصداق ماأشرنا إليه سابقاً.
قال: لأنه قد ثبت أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال له: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)) وأنه قال: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وقال له: ((لايحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلا منافق)).
ثم ساق في تقرير كونه راضياً عنهم؛ فالله أعلم، أَغَفْلَةٌ منه أَمْ تغافل؟
قال: والحاصل أنا لم نجعل بينه وبين النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ماعدى ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه.
إلى قوله: والقول بالتفضيل قول قديم، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين.
وقال أيضاً في هذا الجزء وهو العشرون من الشرح: فأما علي (ع)، فإنه عندنا بمنزلة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الاحتجاج بفعله، ووجوب طاعته.
[شيء من شرح النهج في العترة]
وقال في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فأين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ ما نصه: وقد بين رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عترته، من هي لما قال: ((إني تارك فيكم الثقلين)) فقال: ((عترتي أهل بيتي)).
وبين في مقام آخر، مَنْ أهل بيته حيث طرح عليهم كساء، وقال حين نزلت: /472

(1/472)


{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ } [الأحزاب:33]: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب الرجس عنهم)).
فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (ع) بهذا الكلام؟.
قلت: نفسه، وولداه.
والأصل في الحقيقة نفسه؛ لأن ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة؛ وقد نبّه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على ذلك بقوله: ((وأبوكما خير منكما)).
إلى قوله: في أزمة الحق (جمع زمام) كأنه جعل الحق دائراً معهم حيثما داروا، وذاهباً معهم حيث ذهبوا، كما أن الناقة طوع زمامها.
وقد نبّه الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على صدق هذه القضية بقوله: ((وأدر الحق معه حيث دار)).
وقوله: ((وألسنة الصدق)) من الألفاظ الشريفة القرآنية؛ قال الله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)}[الشعراء]، لما كان لايصدر عنهم قول ولاحكم، إلا وهو موافق للحق والصواب.
..إلخ كلامه.
وقال في الجزء التاسع في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تُؤْتى البيوت إلا من أبوابها إلخ مانصه: واعلم أن أمير المؤمنين (ع) لو فخر بنفسه، وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله، بفصاحته، التي آتاه الله تعالى إياها، واختصه بها، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافة، لم يبلغوا إلى معشار مانطق به الرسول الصادق ـ صلوات الله عليه ـ في أمره، ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة.
إلى قوله: كخبر الغدير، والمنزلة، وقصة براءة، وخبر المناجاة، وقصة خيبر، وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة، ونحو ذلك؛ بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث، التي لم يحصل منها أقل القليل لغيره؛ وأنا أذكر من ذلك شيئاً يسيراً، مما رواه علماء الحديث، الذين لا يتهمون فيه.
ثم ساق أربعة وعشرين /473

(1/473)


خبراً.
[إشارة من شرح النهج إلى بعض المغيبات التي أخبر بها الوصي]
هذا؛ ونختم الكلام فيه ببحثٍ ساقه في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فاسألوني قبل أن تفقدوني؛ فوالذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولاعن فئة تهدي مائة وتضل مائة، إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها.
..إلخ كلامه ـ عليه أزكى صلوات الله وسلامه ـ.
لاشتماله على لمعة جامعة من إخباره بالغيوب، التي هي من دلائل النبوة، وأعلام الرسالة، صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله.
قال الشارح ـ أحسن الله مكافأته ـ: واعلم أنه (ع) قد أقسم بالله الذي نفسه بيده، أنهم لايسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة، إلا أخبرهم به.
وساق في ذلك، حتى قال في تعداد الأخبار، التي امتلأت بها عنه حافلات الأسفار، مانصه: كإخباره عن الضربة التي تضرب في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه (ع)، وما قاله في كربلاء حيث مَرّ بها، وإخباره عن ملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به عن الخوارج بالنهروان، وماقدمه إلى أصحابه بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب.
قلت: وإخباره بالإمام الأعظم زيد بن علي وما يلاقي، وتبشيره بإمام الأئمة يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق (ع) وغيرهما؛ إلا أن هذه من الأخبار العظام، التي لم يتعرض لها الشارح هنا؛ وقد فصل في الشرح ماأشار إليها من المخبرات فيما سبق، وفيما يأتي له.
قال: وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة، لما شخص (ع) إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبدالله بن الزبير، وقوله فيه: خبّ ضبّ يروم أمراً لايدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش.
وإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وهذا الذي صحفه قوم فقالوا /474

(1/474)


بالريح، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق، (بتقديم المهملة) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين، وولده، وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية.
وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان، كالناصر، والداعي وغيرهما، في قوله (ع): وإن لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء، دعاؤه حق يقوم ـ بإذن الله ـ فيدعو إلى دين الله.
وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله: إنه يقتل عند أحجار الزيت، وكقوله عن أخيه إبراهيم، المقتول بباب خمرة:
قلت: كذا في الشرح، والصواب باخمرى، قال:
وقتيل باخمرى الذي
نادى فأسمع كل شاهد
(رجع) يقتل بعد أن يظهر، ويُقهر بعد أن يَقهر.
وقوله فيه أيضاً: يأتيه سهم غَرْب، تكون فيه منيته؛ فيا بؤساً للرامي، شُلّت يده، ووهن عضده.
وكإخباره عن قتلى وج.
قلت: وهم الإمام الحسين بن علي الفخي (ع)، والشهداء معه ـ رضوان الله عليهم ـ، وهو الموضع الذي استشهدوا فيه؛ والمعروف في الأخبار والسير، وسائر كتب أهل البيت (ع)، أنه فخّ (بالفاء والخاء المعجمة) حتى أن الإمام الحسين صار يُنْسب إليه، كما هو معلوم؛ ويقال له: بلدح أيضاً، وهو الذي صلى فيه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأخبر بمقتلهم (ع) فيه، وكذا جعفر الصادق (ع)، وهو بقرب مكة المشرفة، على طريق المدينة المنورة؛ وقد ذكره في القاموس، وغيره من كتب اللغة.
وأما وج، المذكور هنا (بالواو والجيم) فهو في الطائف، وقد ذُكِر في الحديث، في غزوات الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وممن ذكر أن الإمام (ع) قتل فيه الحموي، حكاه عنه السيد العلامة أبو علامة ـ رضي الله عنه ـ في مشجره، والصحيح الأول، إلا أن يكون هذا الموضع يطلق عليه الاسمان، فيكون وج، /475

(1/475)


بالجيم مشتركاً بين المشهور وهذا المحل، والله أعلم.
قال: وقوله فيهم: هم خير أهل الأرض.
وكإخباره عن المملكة العلوية بالغرب.
قال: وكإخباره عن بني بويه، وقوله فيهم: يخرج من ديلمان بنو الصياد ـ إشارة إليهم ـ.
إلى قوله: فقال له قائل: فكم مدتهم ياأمير المؤمنين؟ فقال: مائة أو تزيد قليلاً.
إلى قوله: وكانت مدتهم كما أخبر به (ع).
وكإخباره (ع) لعبدالله بن العباس ـ رحمه الله تعالى ـ، عن انتقال الأمر إلى أولاده، فإن علي بن عبدالله لما ولد أخرجه أبوه عبدالله إلى علي (ع)، فأخذه وتفل في فيه، وحنكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك.
هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي ذكرها أبو العباس المبرد في الكتاب الكامل.
إلى قوله: وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى، مما لو أردنا استقصاءه لكرسنا له كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة.
انتهى المختار إيراده.
وقد طال الكلام، ولكنه استلزمه المقام؛ وقد اشتمل ـ بفضل الله ـ على مباحث عظام، يرتاح لها الأعلام، والله ولي التوفيق وحسن الختام.
---
[صحيفة الإمام الرضا، السند إليها]
الصحيفة، مسند الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي سيد العابدين ابن الحسين السبط ابن علي الوصي ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
أرويها سماعاً بقرائتي لها، على والدي العلامة الولي، محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي الله عنهما ـ، في شهر الله الكريم رمضان، عام خمسة وخمسين وثلاثمائة وألف، وهو يرويها بالأسانيد السابقة، إلى الإمام المجتبى المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى /476

(1/476)


(ع)، عن سليمان بن إبراهيم.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: سليمان بن إبراهيم بن عمر بن علي بن محمد بن أبي بكر العلوي، نسبة إلى جدٍّ له يسمى علي بن راشد الحنفي اليمني، نفيس الدين أبو الربيع، محدّث الديار اليمنية، وابن محدّثها.
إلى قوله في سياق الآخذين عنه: ومن أئمة الزيدية: الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وأجاز له جميع مروياته، والسيدان الحافظان: الهادي بن إبراهيم، ومحمد بن إبراهيم، وكذلك أجازهما إجازة عامة؛ حدّث أولاً بزبيد، وكان جيد الضبط، حسن القراءة، أعرف أهل عصره بالحديث وطرقه وفنونه؛ توفي في شهر جمادى الأولى، سنة خمس وعشرين وثمانمائة. انتهى باختصار.
عن أبيه إبراهيم، عن رضي الدين إبراهيم بن محمد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو إسحاق رضي الدين الطبري المكي الشافعي، إمام مقام إبراهيم الخليل، على نبينا وعليه أفضل السلام.
إلى قوله: وكان الشيخ رضي الدين كبير القدر؛ توفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
وقال: أجاز للإمام يحيى بن حمزة..إلخ.
بسنده المذكور في طبقات الزيدية.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ويروي صحيفة علي بن موسى، عن الإمام نجم الدين التبريزي.
قلت: اسمه بشير.
قال: عن الحافظ ابن عساكر، عن زاهر، عن طاهر السحامي، عن الحافظ البيهقي الشافعي، عن أبي القاسم المفسر، عن أبي بكر بن جعدة.
قلت: هو إبراهيم بن جعدة العباسي.
(رجع) قال: أنبأنا أبو القاسم، عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: أبو القاسم البصري، سمع عن أبيه الصحيفة لعلي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع)، وكان سماعه على أبيه في سنة ستين ومائتين، وذكر أنه يرويها عنه ابن جعدة المتقدم .
قال: ورواها عنه أيضاً أبو أحمد العسكري.
قال الذهبي: عبدالله بن أحمد بن عامر، عن أبيه، عن علي بن موسى /477

(1/477)


الرضا، عن آبائه، بتلك النسخة الموضوعة، ما تنفك عن وضعه، أو وضع أبيه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: انظر إلى هذا الكذب الصريح على الله، وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وإن هذه النسخة قد رواها الأئمة الثقات، وغيرهم من سائر العلماء، وممن رواها من أئمتنا: المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، وأخرج منها أحاديث في الشافي؛ والسيد المرشد بالله، والسيد أبو طالب، والسيد الجرجاني؛ ومن غيرهم كابن المغازلي، وغيرهم، إلخ كلامه.
وأفاد أن وفاته سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وأنه خرج له من أئمتنا الجرجاني(ع).
(رجع) قال: حدثني أبي، سنة ستين ومائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا، سنة أربع وتسعين ومائة، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه.
انتهى المراد.
واعلم أن هذا المسند الشريف قد صحّ بتصحيح من يعتمد على تصحيحه، وبالتخريج لغالبه ـ إن لم يكن لجميعه ـ كما أشار إليه السيد الإمام في كتب أئمتنا (ع)، بأسانيدهم المعتمدة.
وأما السند المذكور من طريق ابن عساكر، فإن في رجاله من بعد الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، من لم يصح عندي توثيقه، ولستُ أذكر من الأسانيد للمؤلفات في هذا الجامع، إلا ماصحت عدالة رجاله إلى المؤلفين، إلا أن أوضح ذلك كما هنا.
نعم، قد روى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة في الشافي، من مسند الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، خبر البنفسج؛ قال فيه: أخبرنا القاضي محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم، قراءة عليه بصعدة، قال: أخبرنا والدي أبو محمد عبدالله بن حمزة بن أبي النجم.
ثم ساق سنده بطريقة أخرى إلى ابن جعدة، عن أبي القاسم عبدالله بن أحمد المتقدم؛ وغالب الظن أن الإمام (ع) يرويها كلها بهذه الطريق.
وقد رواها جميعها من هذه /478

(1/478)


الطريق ولده القاضي تقي الدين عبدالله بن محمد بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ.
[تراجم آل أبي النجم]
فالراوي الأعلى هو القاضي الحافظ، عالم المسلمين، أبو محمد، عبدالله بن حمزة بن إبراهيم بن حمزة بن أبي النجم.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: قال القاضي ـ يعني صاحب مطلع البدور ـ: هو العلامة رئيس صعدة في وقته، عين علماء الزيدية، كان عالماً فاضلاً مرجوعاً إليه..إلخ.
وذكر السيد الإمام أن من مشائخه القاضي شيخ الإسلام، زيد بن الحسن البيهقي، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد، وأنه أخذ عنه الإمام المنصور بالله، وولده محمد، وولده الذي روى عنه الإمام هو القاضي ركن الدين، حاكم المسلمين، عين عيون العلماء العاملين، أبو عبدالله، محمد بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ.
قال السيد الإمام في ترجمته: سمع أمالي المرشد بالله على أبيه، عن السيد تاج الدين الحسن بن عبدالله المهول، عن القاضي الكني، قال ابن حميد: وسمع أمالي أحمد بن عيسى على خاله، في سنة ثلاث وستمائة، وروى صحيفة علي بن موسى، عن أبيه؛ ـ ثم ساق سنده ـ وروى عن الإمام أحمد بن سليمان كتابه أصول الأحكام إجازة، وروى عن أبيه عن القاضي جعفر بن أحمد، وأخذ عنه ولده عبدالله، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني.
إلى قوله: قال القاضي: هو القاضي ركن الدين، قاضي قضاة المسلمين، وواحد علمائهم، حجة الفضلاء، كان حاكم صعدة أيام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وله مذاكرات ومراجعات، وأثنى عليه الإمام المنصور بالله كثيراً، وفاته في زمن المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في عشر بعد الستمائة، والله أعلم. انتهى.
وولده الراوي عنه هو القاضي تقي الدين، أحد حكّام الإسلام، وأولياء سادات الأنام، وولاة الأئمة الكرام، عبدالله بن محمد بن عبدالله.
قال السيد الإمام في ترجمته: العلامة، يروي أحكام الإمام الهادي وغيره، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة؛ ويروي غيره من كتب الأئمة، وشيعتهم، عن أبيه.
إلى قوله: ويروي أيضاً عن القاضي عطية بن محمد بن حمزة بن أبي /479

(1/479)


النجم، وكان سماعه لأمالي أحمد بن عيسى سنة ثلاث وستمائة، وأجاز بعد السماع لصنوه حمزة بن محمد بن عبدالله بن حمزة، في شهر ربيع الأول، سنة ثمان وعشرين وستمائة؛ ورواه عنه سماعاً عبدالله بن عطية بن محمد بن حمزة، في ربيع الأول، سنة ثلاثين وستمائة.
[ذكر الأسانيد اليحيوية]
إلى قوله: وهو مؤلف كتاب درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية.
قلت: وهو لي سماع، بقرائتي لجميعه على والدي ـ رضوان الله عليه ـ، في تاريخ سماع الصحيفة المتقدم، وقد اتصل سنده إلى السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير (ع)، ووقع البحث عنه فلم يتصل إلى المؤلف في شيء من كتب الأسانيد، ولكن قد صحّ عن المؤلف بلا ريب، وقد تضمن أغلبمافيه من الأخبار اليحيوية، أحكام الإمام الهادي (ع).
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وله كتاب الحسبة والدور، وما يختص الإمام وغيره من الأمور، وله كتاب البيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، وغير ذلك.
قال القاضي: هو قاضي القضاة العلامة، خلاصة الأئمة، تقي الدين، كان عالماً فاضلاً، مرجوعاً إليه، مقدماً في كل شيء، له أخلاق العباد والعلماء، في مظهر الملوك وإفاداتهم؛ ولي القضاء بعد أبيه بجهة صعدة، وكتب له المنصور بالله عهداً، ثم استمر إلى زمن الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وكتب له عهداً، وكان موئلاً للبلاد والعباد ـ رضي الله عنه ـ، توفي في نصف ربيع، سنة سبع وأربعين وستمائة. انتهى
قلت: وأهل هذا البيت الكريم بدور أعلام الشيعة، وصدور حفاظ الشريعة، وقد أثنى عليهم أئمة الحق، وسادة الخلق.
قال الإمام الداعي (ع)، في ترثية العلامة حاكم المسلمين، إبراهيم بن عبدالله بن محمد ـ رضي الله عنه ـ، التي صدرها:
أرى الموتَ كلٌ به مرتهنْ
فصبراً على حادثات الزمنْ
إلى قوله:
وكنتم قضاة لآل الرسول
تقفون إِثْرَهُمُ في السننْ
/480

(1/480)


وقال الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين (ع):
لآل أبي النجم الكرام مكارم .... تحل محلّ النيرات الثواقب
لهم عادة بذل النوال إذا سطت .... يد الدهر وانسدت وجوه المطالب
ونشر فنون العلم في كل مشهد .... إليهم له تحدى قلاص الركائب
... إلخ.
وقد استشهد معه القاضي حاكم المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، إسماعيل بن عبدالله ـ رضوان الله عليهم ـ.
ونسبهم ينتهي على التحقيق إلى حمير.
قال في مطلع البدور: ولم يمر بي في بيوت الزيدية بعد آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أكثر مناقب من أهل هذا البيت، ولله القائل:
الأسعدون بنو أبي النجم الأولى .... ظعنوا وثوب الدهر منهم عاطر
المنعمون ولا جوادٌ منعمٌ .... والمطعمون ولا كريمٌ ناحر
والطيبون فلا فعالٌ آثمٌ .... والحاكمون فلا قضاءٌ جائر
الأبيات.
هذا، وقد سبق في سند النهج أن السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، يروي صحيفة الإمام علي بن موسى، عن عمه الحسين بن علي الجويني (ع)، وأنه أسند كل كتاب إلى مؤلفه، فهي رواية لها مع ماتقدم، ولا بأس بها مع طي الإسناد، على سبيل الاستشهاد، والمعتمد ماتقدم.
نعم، وقد سبقت في الفصل الأول، وغيره، أخبار عن الصحيفة فيها كفاية.
[السند إلى أمالي ظفر بن داعي]
أمالي السيد الإمام، العلامة الحافظ، ظِفْر بن داعي بن مهدي الاستراباذي، أرويها بالأسانيد السابقة، إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن، عن الفقيه يحيى، عن الأمير المؤيد، عن الأمير /481

(1/481)


علي بن الحسين، عن الشيخ عطية، عن الأميرين شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر، عن الكني، عن الشيخ أبي طاهر الحسن بن أبي سعد.
قلت: قال في الطبقات: الحسن بن ـ وبَيَّض قدر ربع سطر ـ، وتبعه المولى فخر الإسلام، ـ أيده الله ـ في المختصر.
ثم قال في الطبقات: أبو طاهر، يروي أمالي ظفر بن داعي، عن المظفر بن عبدالرحيم الحمدوني، قراءة سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ورواه عنه الكني، وكان شيخاً أديباً. انتهى.
(رجع) عن المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني، عن المؤلف.
قلت: ترجم له في الطبقات، فقال: السيد العلوي الاستراباذي، له أمالي، ذكره أئمتنا في مسنداتهم، ولم أقف عليها.
إلى قوله: قالوا: وكان سيداً عالماً. انتهى.
[كتاب أنساب الطالبية]
أرويها بالطريقين السابقين، في سند المجموع، إلى الإمام الحجة، المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، وبالطريق الثالث الآتي في سند الشافي إليه.
قال (ع) في الجزء الثاني من الشافي: أخبرنا الفقيه الموفق المكين، عبدالله بن عيسى الخزاعي، الثلاث المجلدات، في أنساب الطالبيين الغنائمية، زادهم الله شرفاً، قال: أخبرني شيخي، الإمام الشريف النقيب الفاضل السيد محمد بن علي المعروف بابن دحيا الحسني قراءة عليه المجلدة الأولى، المشتملة على أولاد الحسن بن علي(ع)، شرّف الله مقامهم إلا ثلاث قوائم منها، عينها لنا فيها، وباقي المجلدة من الثلاث القوائم والمجلدين الآخرين مناولة من يده.
قلت: بهذا الإعراب في الشافي في (المجلدين)، ووجهه أن ينتصب بعامل محذوف، معطوف على أخبرني، دلّ عليه مصدره ـ أعني مناولة ـ أي وناولني المجلدين..إلخ. /482

(1/482)


(رجع) وأجاز لي الرواية عنه على شرائط أهل العلم فيه، وهو يرويه عن الشريف السيد الأجل علي بن الحسين المعروف بالجوهري، عن الشريف النقيب بالري نقيب العلويين، أبي الحسن علي بن الحسين عز الدين المعروف بمُعْلَم الطرفين.
قلت: ترجم لمن تقدم في السند هذا في الجزء الثالث من الطبقات، ولم يفد زيادة على ماأفاده الإمام (ع) في الشافي من أحوالهم المذكورة في السند.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام العالم أبو الغنائم، عبدالله بن القاضي الحسين بن محمد الحسيني الزيدي نسباً ومذهباً، المعروف بالنسابة.
قلت: وساق في الشافي سنده إلى الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم، في خبر الأسباط من ولد الحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ، وقد سقته في كتاب التحف الفاطمية كاملاً.
نعم، ترجم لأبي الغنائم في الطبقات، فقال: عبدالله بن الحسن بن أبي عبدالله محمد بن الحسن بن الحسين الأحول ابن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قلت: هكذا نسبه بتمامه في مشجر السيد العلامة أبي علامة، وفي الطبقات، وأنه عبدالله بن الحسن، لاالحسين كما في نسخة الشافي المنقول عليها هذا.
قال: قرأ عليَّ الشريف الرضي بن الحسين بن المرتضى محمد بن الهادي للحق، كتاب الأحكام لجدّه الهادي.
قلت: وهي طريق للأحكام غير ما تقدم، وإليه طرق كثيرة، لكن الأسانيد الموجودة لم تتصل إلا بالثلاث الطرق السابقة.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال أبو الغنائم: أخبرني بالري سنة سبع عشرة وأربعمائة، وعرضتُ عليه نسبه فأقرّ به، ورأيتُ عليه آيات الخير، وهو سمع الأحكام عن أبيه عن جده، وسمع أبو الغنائم حديث ذكر الأسباط، وأنساب الطالبية الغنائمية، قال: حدثني أبو القاسم محمد بن/483

(1/483)


القاسم الحسني بآمل طبرستان، سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
وقال أبو الغنائم: أخبرني بكتاب الأحكام للهادي (ع) جماعة من ولده ـ يعني الهادي ـ منهم: أبو طالب الهاروني، قال: أخبرني به يحيى بن محمد المرتضى، قال: عن عمه الناصر، عن الهادي.
..إلى آخر الترجمة؛ وأفاد فيها أنه عالم فاضل، وأن مؤلفه هذا عشرة مجلدات، وأنه سماه نزهة عيون المشتاقين إلى وصف السادة الغر الميامين.
[السند إلى سلسلة الإبريز]
سلسلة الإبريز، بالسند العزيز، أرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن السيد أبي العطايا، عن أبيه، عن الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده، وهذا السند من أسانيدنا المتصلة بآل محمد، ليس بيني وبين الإمام المطهر بن يحيى أحد من غير العترة المطهرة (ع)، إلا على سبيل المتابعة.
(رجع) عن عمران بن الحسن قراءة، عن عبد الرحمن بن أبي حرمي.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الفصل الأول من الجزء الثالث، وأفاد أنه من العصابة الزيدية، قال فيها: العطار أبو القاسم المكي.
قال: حدثنا بسلسلة الإبريز، بالسند العزيز، الشريف بقية السادة بحلب، أحمد بن محمد بن جعفر.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو جعفر، وذكر روايته.
إلى قوله: وكان سيداً شريفاً ثقة، بقية السادة الحسينية بحلب؛ هكذا ذكره عمران بن الحسن، في ذكر السلسلة المذكورة. انتهى.
عن بقية المشائخ، محمد بن علي بن ناشر الأنصاري. /484

(1/484)


قلت: ذكره السيد الإمام بما في السند.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام الأطهر، شرف الدين، بقية السادة ببلخ، أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسيني قراءة علينا، من لفظه غير مرّة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة، قال: حدثني سيدي، ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب في سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي أبو طالب الحسن بن عبيد الله الحسيني، في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله، قال: حدثني والدي محمد، قال: حدثني والدي عبيدالله، قال: حدثني والدي علي، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسن الأمير، أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، قال: حدثني والدي الحسين، قال: حدثني سيدي ووالدي جعفر الملقب بالحجة.
قلت: ترجم لكل واحد من هذه العصابة العلوية المحمدية، في طبقات الزيدية، وجعفر عاشرهم، وأمير المؤمنين الخامس عشر منهم (ع)، ولا يلتفت إلى مافي بعض كتب الإجازات من النقص والزيادة، فهذا الصحيح.
قال في ترجمة جعفر: أبو الحسين، يروي عن آبائه، وعنه ولده الحسين.
إلى قوله: وكان القاسم بن إبراهيم الرسي يقول: جعفر بن عبيد الله، من أئمة آل محمد؛ وكان فصيحاً، وكان أبو البختري وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة ثمانية عشر شهراً، فما أفطر إلا العيدين. انتهى.
قلت: وهو أخو السيد الإمام عالم أهل بيت محمد، وعابدهم، علي بن عبيدالله، الذي أوصى إليه الإمام محمد بن إبراهيم، وهو جدّ يحيى بن الحسن بن جعفر العقيقي، صاحب نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ، مؤلف كتاب الأنساب.
والعقب لجعفر الحجة من ولديه، الحسن، والحسين، ومن ولده الأمراء بالمدينة، وملوك بلخ.
(رجع) قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله الزاهد، قال: حدثني /485

(1/485)


سيدي ووالدي الحسين الأصغر، قال: حدثني سيدي ووالدي علي بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسين المظلوم الشهيد، سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قال: حدثني سيدي ووالدي أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه وسلامه وعليهم أجمعين ـ، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((ليس الخبر كالمعاينة)).
[قلت]: وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والخطيب، عن أنس وعن أبي هريرة وابن عباس.
[وقال]: ((المجالس بالأمانة)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن علي، وأبو داود عن جابر.
[وقال]: ((الحرب خدعة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأحمد وأبو داود وابن ماجه والبزار والطبراني.
[وقال]: ((المسلم مرآة المسلم)).
[وقال]: ((الدال على الخير كفاعله)).
[قلت]: وأخرجه البزار والطبراني.
[وقال]: ((المستشار مؤتمن)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني في الكبير.
[وقال]: ((استعينوا على الحوائج بالكتمان)).
[قلت]: وأخرجه العقيلي، وابن عدي في الكامل، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، بلفظ: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)).
[وقال]: ((اتقوا النار ولو بشقّ تمرة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان، وأحمد في مسنده، عن عدي بن حاتم، بلفظ: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)).
[وقال]: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)).
[قلت]: وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والطبراني والحاكم والبزار.
[وقال]: ((الحياء خير كله)).
[قلت]: وأخرجه مسلم وأبو داود، عن عمران بن حصين.
[وقال]: ((عِدَةُ المؤمن كالأخذ بالكف)).
[قلت]: وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن علي، بلفظ: ((عدة المؤمن دين، وعدة المؤمن كالأخذ باليد)).
[وقال]: ((لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود، وأخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي وأحمد، عن أبي أيوب، بلفظ: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
[وقال]: ((من غشنا فليس منا)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في الشعب، عن أبي الحمراء؛ وأخرجه الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية؛ وأخرج الرافعي عن علي: ((ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره)).
[وقال]: ((ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى)).
[قلت]: وأخرجه أبو يعلى في مسنده.
[وقال]: ((الراجع في هبته كالراجع في قيئه)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه البخاري، قال: هو في الصحيحين، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث ابن عباس بلفظ: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
[وقال]: ((البلاء موكل بالمنطق)).
[قلت]: وأخرجه القضاعي عن حذيفة، وأخرجه ابن السمعاني في تاريخه عن علي.
[وقال]: ((الناس كأسنان المشط)).
قلت: هذا الخبر ونحوه محمول على ما يعمّهم من الأحكام، كالقصاص والديات والمجازاة لكل بما عمل، ونحوها من التكاليف العامة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج..إلخ.
فأما في غير ذلك، فالآيات القرآنية ـ كقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران]، والأحاديث النبوية كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) الحديث بألفاظه الشريفة، أخرجه أبو العباس، والمرشد بالله، ومسلم، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم ـ دالةٌ على تفضيل الله تعالى لبعض خلقه على بعض، وهي معلومة من ضرورة الدين.
فمعنى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى)) الباء في هذا ونحوه بمعنى (مع)، فلا يعتد بالفضل عند الله إلا مع التقوى؛ فإذا اتقوا كان لكل أحد فضله.
وقد فضل الله تعالى بعض الرسل على بعض، وهم أتقى الخلق؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [البقرة:253].
وقد بسطنا الكلام في غير هذا المحل.
[وقال]: ((الغنى غنى النفس)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((السعيد من وعظ بغيره)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي وابن عساكر.
[وقال]: ((إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر حكماً)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد في مسنده، وأبو داود عن ابن عباس، كما في الجامع الصغير، وأخرج أبو داود من حديث بريدة: ((إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عياً)).
[وقال]: ((عفو الملوك أبقى للملك)).
[قلت]: وأخرجه الرافعي عن علي.
[وقال]: ((المرء مع من أحب)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد والشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أنس؛ وأخرجه الشيخان عن ابن مسعود، وأخرج الترمذي عن أنس: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)).
[وقال]: ((ما هلك امرؤ عَرَفَ قَدْرَهُ)).
[وقال]: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة؛ وأخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة؛ وأبو داود عن عثمان، والنسائي عن ابن مسعود، وعن الزبير؛ وابن ماجه عن عمر، وعن أبي أمامة.
[قلت]: وهذا الخبر وما في معناه متواتر.
[وقال]: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، والشيخان.
[وقال]: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود وابن حبان في صحيحه.
[وقال]: ((حبك للشيء يعمي ويصم)).
[قلت]: وأخرجه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، عن أبي الدرداء؛ والخرائطي عن أبي برزة، وابن عساكر عن عبدالله بن أُنَيْسٍ، كما في الجامع الصغير.
[وقال]: ((جُبلت القلوب على حبّ مَنْ أحسن إليها، وبغض مَنْ أساء إليها)).
[قلت]: وأخرجه ابن عدي في الكامل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، عن ابن مسعود.
[وقال]: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود.
[وقال]: ((الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده عن علي، والقضاعي عن أنس.
[وقال]: ((إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب، وغيرهم، عن ابن عمر، وجرير، ومعاذ، بلفظ: ((إذا أتاكم كريم قوم))..إلخ.
[وقال]: ((اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في سننه، وأخرجه عبد الرزاق.
[وقال]: ((مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد)).
[قلت]: وأخرجه أحمد والشيخان، والترمذي، والنسائي، عن ابن عمر؛ وأخرجه الترمذي وابن حبان، عن سعيد بن زيد؛ والنسائي عن بريدة؛ وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن سعيد بن زيد أيضاً بلفظ: ((مَنْ قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد)).
[وقال]: ((الأعمال بالنية)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((سيد القوم خادمهم)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن ابن عباس.
[وقال]: ((خير الأمور أوسطها)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه البيهقي في الشعب، عن عمرو بن الحارث، بلاغاً. أ هـ.
[وقال]: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس)).
[وقال]: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان والنسائي، عن عدي بن حاتم.
[وقال]: ((السفر قطعة من العذاب)).
[وقال]: ((خير الزاد التقوى)).
[قلت]: وأخرجه أبو الشيخ وابن حبان في الثواب، عن ابن عباس، بلفظ: ((خير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين)).
انتهى بتصرف، من شرح الأحاديث المسلسلة.
وأرويها بالسند المزبور في طبقات الزيدية، في ترجمة السيد الإمام جعفر الحجة، والسند الآخر، الذي في بلوغ الأماني؛ ولكن هذا السند الذي ذكرته هو المختار.
[السند إلى الشافي وجميع مؤلفات الإمام المنصور بالله(ع)]
قد تقدم السند في طرق المجموع، إلى مؤلفات الإمام الأعظم الحجة، أمير المؤمنين، المنصور بالله، أبي محمد، عبدالله بن حمزة (ع)، وروايتنا لها عنه من طريقين.
ونورد هنا طريقاً ثالثة، زيادة في الفائدة، فأقول وبالله التوفيق:
يروي المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ جميع مؤلفات الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، التي هي: كتاب الشافي، وصفوة الاختيار، والمهذب، وحديقة الحكمة، والرسالة الناصحة، وشرحها، والفتاوى المرتبة وغير المرتبة، ورسائله، وأشعاره، وجميع مؤلفاته، وهي كثيرة غزيرة ـ وقد ذكرتُ مؤلفاته في التحف الفاطمية ـ كما سبق، سماعاً فيما سمعتُ منها كالشافي، والرسالة الناصحة، والحديقة، وما تضمنته المؤلفات من كتبه (ع)، وإجازة عامة لها، ولغيرها، عن والدي شيخ آل الرسول، العلامة الولي، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، عن والدنا /486

(1/486)


الإمام المهدي لدين الله، محمد بن القاسم؛ عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
(ح)، ويروي ذلك الإمام المهدي محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير عن السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب، عن عمه إسماعيل، عن أبيه محمد، عن أبيه زيد، عن أبيه المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
وأرويها بجميع الطرق السابقة إليه، وهو، عن مشائخه الأعلام أمير الدين بن عبدالله، وإبراهيم بن المهدي، وصلاح بن أحمد، عن والده السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين، عن الفقيه جمال الدين علي بن أحمد، عن الفقيه العلامة علي بن زيد، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن الفقيه نجم الدين يوسف بن أحمد، عن السيد الإمام جمال الدين الهادي بن يحيى، عن والده السيد الإمام صاحب الجوهرة، والياقوتة، يحيى بن الحسين اليحيوي؛ عن الفقيه العلامة إمام المذاكرين، محمد بن سليمان بن أبي الرجال ـ المتوفى عام ثلاثين وسبعمائة ـ بمناولة الفقيه العلامة عبدالله بن علي، بالمناولة والقراءة من والده الشيخ العلامة، بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين الأكوع جامع كتاب الإختيارات المنصورية، وصاحب المقامات المشكورة الإمامية؛ وقد روى عنه الإمام (ع) في الشافي، وهو من تلامذة الإمام، وأعيان الأعلام، في تلك الأعوام؛ عن الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ـ رضي الله عنهم ـ.
[ديباجة الشافي]
قال (ع) في الشافي: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي قصر عن تأدية مايجب له من الحق حمد الحامدين، ولاإله إلا الله إرغاماً لأنوف الجاحدين، الأول فلا نهاية لأوّليته، والآخر فلا غاية لآخريته.
إلى قوله: أوضح نهج السبيل، وكشف عن وجه الدليل.
إلى قوله: لم يأمر المكلفين بفعل مافعل، ولا نهاهم عن تركه، بل انتحل ذلك القدري بمينه وإفكه؛ كيف يُذَم على فعلٍ ربُّه /487

(1/487)


فاعله، أو يُمْدَح بعمل ذو الجلال عامله؟ انهزم من الكسب إلى غير فئة منيعة، ورام التحصن من البرهان بأخلاقه الرقيعة فكان كالباني على جرف هار، والهارب من الرمضاء إلى النار؛ وصلى الله على المبعوث من أطيب جرثومة وأشرف أرومة، وأكرم خؤولة وعمومة، نبي الرحمة، وسراج الظلمة، وأبي الطاهرين الأئمة؛ أيده الله بالأدلة الظاهرة، والمعجزات الباهرة، فبلغ الرسالة، وأوضح الدلالة، وطمس الجهالة، وأيقظ من الغفلة والسنة، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فكان أول من أجابه من الرجال ابن عمه، وكاشف كربه، وفارج همه، ليث دولته الواثب، ونجم دعوته الثاقب، وسيف صولته القاضب، وسهم نحلته الصائب، علي بن أبي طالب؛ فاستوزره وآخاه، وقرّبه واجتباه، فهو الوصي والوارث، والدافع للكارث.
شعراً:
كان إذا ارتج العدوّ على الإسـ .... ـلام باباً دعاه يفتح بهْ
خليفة الله في بريته .... وهو شريك النبي في نسبهْ
إلى قوله: نام على الفراش، فادياً له بمهجته ليلة الغار.
إلى قوله: وتعرّض للشهادة في موطن بعد موطن، البطين الأنزع، والليث الأروع، والشجاع الأقرع، والسم المنقع.
إلى قوله: والقمر الزاهر، والسيف الباتر، والنوّ الماطر، والبحر الزاخر، والقِدْح القامر، صاحب الأفاعيل ببدر وحنين، شريف المنصبين.
إلى قوله:
إن علي بن أبي طالب .... جدّا رسول الله جدّاهُ
أبو علي وأبو المصطفى .... من طينة طهّرها اللهُ
/488

(1/488)


وصلوات الله على أهل بيته، نجوم الملة، وأدلة الأدلة، مزيحي العلة، وشفاء الغلة، حتف المعاندين، وسمّ الجاحدين، الرادين كيد الكائدين؛ كما روينا عن أبينا خاتم المرسلين ـ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين ـ أنه قال: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله)).
على الله توكلنا، وبه اعتصمنا؛ ورضي الله عن الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الرسالة الخارقة، وصلتنا منقلبنا من المغرب، في شهر شوال، سنة ثمان وستمائة.
إلى قوله: وقد طابق اسمها معناها؛ لأنها خرقت عادة المسلمين.
إلى قوله: فقد أصاب صاحبها في اسمها، وإن أخطأ في معناها؛ ومن نظرها بعين النصفة عرف حقيقة ماقلناه، منها: المدح لأهل مقالته، وأنهم أهل السنة والجماعة، وجرّد ذلك عن الأدلة القاضية بصحة دعواه.
إلى قوله: ومنها: ذمه لما ورد من جهتنا، من الرسالة المتضمنة للآثار النبوية، المأثورة عن جميع علماء البرية، بعد تعييننا لها بكتبها ومواضعها، وشيوخها وطرقها.
إلى قوله: رام للصحابة النصرة، بسب جماعة العترة، واستثنى منهم من اعتقد إمامة المشائخ، وأحد منهم لايعتقد ذلك بشهادة المسلمين والمعاهدين، والاستثناء إخراج بعض من كل؛ فكان كالمستثني عشرة من عشرة.
إلى قوله: فرأينا التفرغ لجوابه في بعض الأحوال، أولى من كثير من الأشغال؛ فإن اهتدى لم نكره هدايته، وإن استحب العمى على الهدى كنا قد خرجنا عن عهدة مايلزم، من النصيحة للمكلفين؛ ولعل غيره يستبصر بمالم يبصر به، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون؛ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون.
فأما السب والأذية، فمما لاجواب فيه من قبلنا، /489

(1/489)


تشريفاً لنصابنا، وحراسة لأنسابنا.
ويشتموا فترى الألوان مسفرة .... لا عفو ذلّ ولكن عفو أحلام
إلى قوله: واعتذاره بأن سبه لنا نصرة للأصحاب، وتعرضاًللثواب، عذر غير مخلص عند ذوي الألباب، اليوم ولا غداً عند رب الأرباب؛ لأنهم ـ سلام الله عليهم ـ أولى الخلق بالهدى والصواب، وأعرف الخلائق بعلم الكتاب.
إلى قوله:
لا تسبنني فلست بسِبِّي .... إن سبي من الرجال الكريمُ
ماأبالي أنبّ بالحَزْنِ تيس .... أم لحاني بظهر غيب لئيمُ
إلى قوله (ع): علينا نزل العلم ومنا انتشر، أريه السها ويريني القمر.
إلى قوله (ع): ماظنك ببيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، هجرته الشياطين المردة، وعمرته الأولياء الحفده؟‍! فكم من قاطع ما أمر به الحكيم أن يوصل، ومن ناسٍ هول اليوم الأطول.
إلى قوله (ع): قال بزعمه: أَصِلُ الأول وأقطع الآخر؛ كأنه لم يعلم استحكام عقد الأواصر، كما روينا عن أبينا النبي، الصادق العربي: ((كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة، إلا نسبي وسببي)).
إلى قوله (ع): زعم أنه انتصر لأبي بكر وعمر وعثمان، وعدّ تقديمنا لعلي مجانباً للإيمان، وأكد ذلك بالسب والبهتان؛ فحفظ الصحابة، بتضييع القرابة، ولم يعلم أن حق الأمة على منازلها مرتب على حق أهل البيت المجللين بالكساء، المصطفين على الرجال والنساء؛ فإن تقطّع قلبه أسفاً وحسداً، فما ذنبنا في ذلك؟ أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم /490

(1/490)


الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيماً.
وكذلك ماقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الذم لذامهم، والخبر عن حال باغضهم، في ابتداء خلقه: ((إنه لغير رشدة، أو حملته أمه في غُبَّر حيضة، أو كان من لاخير فيه من الرجال)).
فذلك قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وهو عن الله.
إلى قوله (ع): جهلت السورة، فعكّسْتَ الصورة؛ كم بين من يشهد بما ورد فيه الموالف والمخالف، ويجمع على صحة النقل فيه جميع الطوائف، وبين من زحزحته العترة الطاهرة من الولاية قصياً، ولم تجعله للمؤمنين ولياً؟
[نبذة من الشافي في إجماع العترة على أنه لانجاة للخلفاء إلا بموالاة العترة]
اعلم، أن كافة أهل البيت الطاهرين، ذرية خاتم النبيين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدينون ويعتقدون أنه لانجاة لأبي بكر وعمر وعثمان، إلا بخلوص ولائهم فيهم؛ لأن الله أوجب محبتهم على جميع المكلفين، وهم منهم؛ لأنا روينا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).
وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وفي الحديث فيهم ـ سلام الله عليهم ـ: ((قدموهم ولاتقدموهم، وتعلموا منهم ولاتعلموهم، ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
إلى قوله (ع): فقد أخطر بنفسه، وصار كما قيل في المثل: قيل للشقي: هلم إلى السعادة؛ فقال: حسبي ماأنا فيه.
يظن أن سبه لذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ينقصهم، أو يضع منهم، ونقص ذلك عائد عليه، ووباله صائر إليه، فهو كمن طعن نفسه؛ ليقتل ردفه.
ماضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها .... أم بلت حيث تناطحَ البحرانِ
إلى قوله (ع): فأما جعله لصاحب بغداد، وليجة دون أهل بيت النبوة، /491

(1/491)


ومعدن الرسالة، ومحل الوراثة، فقد أبت ذلك عليه أخبار الصحاح، إن اعتقد أنها صحيحة، في خبر الكساء والبُرد والمباهلة، وغير ذلك من الآثار في تخصيصهم بأنهم عترته، أهل بيته.
إلى قوله (ع): فأما ذريته فلا ينازعنا أحد في ذلك من أهل الدين، وقد كان شغب الحجاج في ذلك ثم سلّم وانقطع، إلا أن تكون بلية صاحب الخارقة أعظم من بليته، وقضيته أقبح من قضيته، ففي قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ(16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)}[المرسلات]، مايذهب هَمّ كل مؤمن حزين.
إلى قوله (ع): فأما ائتمامك به، فينبغي لمن كان على مثل حالك، أن يكون إمامه كذلك، يوم ندعوا كل أناس بإمامهم، فأنت في الائتمام، وهو في الإمامة؛ كما قيل في المثل السائر: وافق شن طبقه، وكما قال الشاعر:
*هذا السوار لمثل هذا المعصم*
ولكن مايكون حال الأعمى إذا قاده الأعمى، والضال إذا كان دليله الضال.
إلى قوله (ع): كيف يصحب الخائفُ الخائفَ، ويؤم الضنينُ الضنينَ، ويقيم الحدودَ المحدودُ، وينفذ الأحكام المحكوم عليه؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون، من ضلال هذه الأمة، وجفوتها لأهل بيت نبيها؛ ولكن كيف يستعظم ذلك من أمة قتل ابنُ دعيها ابنَ نبيها، فما ذرفت عيونها، ولاوجفت قلوبها، ولا أوحشها حوبها؟!.
هذا وبرد الإسلام قشيب، وأصاغر الصحابة يستعظمون وخط المشيب؛ ولما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرضيّ الفعل، مشكور العمل، قد أنقذ الخلائق من شفا الحفرة، ونجاهم من بحار الهلكة، وأضفى عليهم ستر الإسلام، الحسن الجميل، لم يبق منهم عنق مكلف، إلا وفيه له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منَّة الهداية؛ والمنة لله تعالى. /492

(1/492)


[نبذة من الشافي في التظلُّم مما كان إلى فاطمة]
كان من أمر فاطمة ـ عليها السلام ـ السلالة المرضية، والنسمة الزكية، والجمانة البحرية، والياقوتة المضيئة، ماكان من النزاع في الإرث، وبعد ذلك في أمر النحلة لفدك وغيره، ماشاع في الناس ذكره، وعظم على بعضهم أمره، حتى قال قائلهم:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادعت؟ .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها؟
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها؟
فمُرّضَتْ سراً، ودُفنت ليلاً، وذلك بعد دفع الوصي عن مقامه، واتفاق أكثر الأمة على اهتضامه، فتجرع أهل البيت (ع) الرزية، وصبروا على البلية، علماً بأن لله داراً غير هذه الدار، يجبر فيها مصاب الأولياء، ويضاعف لهم فيها المسارّ؛ وهي دار الدوام ومحل القرار، ويضاعف على الأعداء الخزي والبوار، ويخلدون في أنواع العذاب التي أحدها النار؛ فلسنا ـ والحال هذه ـ نستعظم من صاحب الخارقة ماأظهر من الأذى، ونشر من البذى، وأظهر الجهل بأهل بيت النبوة، وذلك لاينقصهم.
ويُظْهِرُ الجهل بي وأعرفه .... والدرّ درٌّ برغم من جَهِلَه
إلى قوله [في الشافي]:
وهبني قلت هذا الليل صبح .... أيعمى العالمون عن الضياء ِ
إلى قوله (ع): وقد اعتذر الفقيه لما أظهر من الأذية، أنه يطلب بذلك التقرب إلى الله سبحانه، في نصرة أبي بكر وعمر؛ لما أنكرنا تقدمهما على خير البشر، فمن أبى فقد كفر؛ كما روينا ذلك في الأثر.
إلى قوله (ع): كيف يذم قوماً فرضت عليهم الصلاة في الصلاة، ومثلوا بباب حطة وسفينة النجاة.
إلى قوله (ع): في تفسير ابن عباس: ماأنزل اللَّه تعالى في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد/493

(1/493)


ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في غير آية، وما ذكر علياً إلا بخير، ولاتعرض شبهة عند أحد من أهل البصائر، أن كل آية في القرآن تتضمن مدحاً وتعظيماً وتشريفاً للمؤمنين أو للمسلمين جملة، أن أمير المؤمنين درّة تاجها، ونور سراجها، ولا وقع وعد للمسلمين في العقبى، ولانصرة في الدنيا، إلا وهو مقصود عند جميع الأمة، فإن شرَّك معه غيره مدع، فببرهان يتوجده؛ أيستقيم أم لا؟
إلى قوله (ع): وكذلك أمر الله سبحانه نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أن ينوه باسمه، ويدل على فضله، بقوله وفعله، ويبين لأمته أنه القائم بخلافته، والمنصوص على إمامته، وأن الإمامة بعده في ذريته؛ وأكد الأمر فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67].
ولما علم مافي قلوب أقوام من الضغائن، آمنه من شرهم، بما أوضح من عصمته، بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]
فامتثل أمر ربه، وبين بقوله وفعله، وميزه من أمته.
أما القول فلا ينحصر ـ لو أردنا حصره ـ في هذا الكتاب، فقد بينا ماروته العامة على انحرافها عنه (ع) خاصة، فَرَوينا مالا يمكنه إنكاره في باب الإمامة.
إلى قوله (ع): ولسنا نخاف في الله أحداً ولانخاف معه، وقد نشرنا الدعوة في الآفاق، وأبدينا صفحتنا لأهل الشقاق والنفاق، والمجاهرة بالعداوة في جميع الآفاق، كصاحب بغداد، ومن دونه ممن يعتزي إليه؛ فذلك أكبر دليل على رفع التقية، فكيف بنا في صاحب الخارقة وأجناسه من البرية؟
ولم نقدم علياً من تلقاء أنفسنا، وإنما قدمه الله ورسوله، فقدمناه، وألزمنا سبحانه ونبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ولاءه فالتزمناه.
هذا حديث الغدير ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار الصلوات الخمس، وخبر المنزلة، وحديث حذيفة: ((علي خير البشر))، وحديث عمار وأبي ذر /494

(1/494)


عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقوله لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني))، وكقوله: ((علي مني وأنا منه))، وكقوله: ((أوحي إلّي في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))، إلى غير ذلك مما رويناه مسنداً ومرسلاً، ومبيناً ومجملاً؛ فهذا تقديمه بالقول.
وأما بالفعل فإنه لم يولّ عليه أحداً قط، وقد ولى على أبي بكر وعمر وعثمان غير مرة، ولاينكر ذلك أحد من علماء الأمة؛ وما بعثه في جيش ولا سرية إلا وهو أميرها، يأمر بطاعته، ويحذر عن مخالفته، وهو صاحب رايته في كل زحف، حتى سأله جابر بن سمرة: يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟.
فقال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب)).
وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه، وقال: ((لايبلغها أحد عني، إلا أنا أو رجل مني)).
وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه، دون غيره، بنص ربه؛ لأنه لايفعل من تلقاء نفسه؛ إن هو إلا وحي يوحى.
وآخى بين أصحابه وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة)).
وزوجه ابنته فاطمة، ابنة الوحي، بأمر اللَّه تعالى، سيدة نساء العالمين، مع كثرة خطّابها.
إلى قوله: فانتظر أمر الله فيها، فأمرهيزوجها من علي (ع)، بعد أن عقد بها في السماء، بأمر الملك الأعلى؛ فلها عقدان: عقد سماوي، وعقد أرضي.
وقال لفاطمة في حديث طويل: ((زوجتك أعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً)).
ولم ينقم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله ولا فعله مدة حياته؛ بل أنكر على من شكاه في فعله، كخالد بن الوليد، ورسوله أبي بريدة، وقال له: ((مالكم ولعلي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة)).
ولما تمم ماأمره به ربه من /495

(1/495)


النص على إمامته، والإشارة بخلافته، نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3].
هذا غير ماكان في حال صغره، فإنه في حال ولادته، غسله وسماه، وفي حجره المبارك رباه.
إلى قوله: وهو كشّاف الكرب عن وجه رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
[نبذه من الشافي في فضائل العترة ووجوب التمسك بهم]
ثم خصه الله بالذرية الطيبة، المباركة الزكية، التي ملأت البلاد، مشاهد ومعاهد، وعلوماً وفوائد، فظهرت علومها، ورجحت حلومها، وصدقت كراتها، وظهرت آياتها، ومدحها ـ من الأكابر والأفاضل، دون الأسافل والأراذل ـ وليّها وعدوّها.
إلى أن ذكر (ع) ولاية الحرمين المطهرين ـ زادهما الله على مرور الأيام شرفاً ـ وأنهما تحت ولايتهم ذلك العصر.
قال (ع): فأحكامهم ماضية فيهما بما يسر صاحب بغداد تارة، ويسوؤه أخرى، وإظهارهم لأذان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الذي ورثوه عن سلفهم، وأجمع عليه آباؤهم، بحي على خير العمل، مع كراهة من تحنبل.
ثم ذكر ـ صلوات الله عليه ـ المباحث المهمة، والعلوم الجمة، في طرق كتب الإسلام، وروايات الأنام من جميع الأمة، والبيان لحجج اللَّه تعالى من الكتاب والسنة، وتعداد فرق الأمة من جميع الطوائف، وما عليه كل فريق من موالف ومخالف.
وقال (ع)، بعد أن ساق البراهين على وجوب اتباع أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ من الكتاب والسنة، حتى انتهى إلى طرق أخبار التمسك مانصه: فهذه كما ترى أخبار متظاهرة، مما روته العامة، ولم تتناكر فيه، ولااختلفت معانيه، وقد تكرر لفظ العترة، وأهل البيت، وبينا مَنْ هم بدلالة الكتاب في آية التطهير، وأحاديث الكساء والبرد المتكررة المتظاهرة؛ إذْ هم موضع الحجة على الأمة، لمكان العصمة، وإيجاب الرجوع إليهم في المهمة، كما يرجع إلى الكتاب في الدلالة.
وهذا نصّ صريح يأمر به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كل من شملته لفظة الإسلام؛ /496

(1/496)


فمن كان من المسلمين لزمه الاقتداء بالثقلين: الكتاب والعترة، ولايلزم أهل بيته الاقتداء بأحد؛ لأن الوصية بالتمسك بأهل بيته، والأمر بذلك لأمته؛ فهو أمر بالاقتداء بهما، إلى آخر أيام التكليف؛ لأنه قيّد التمسك بالأبد، وجعل مدة اجتماعهما إلى ورود الحوض عليه، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وهذا الأمر منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بأهل بيته (ع)، عام لكل أهل الإسلام.
وهو أيضاً واجب يدل على وجوبه قُبْح تركه؛ لأنه (ع) قال: ((ماإن تمسكتم به لن تضلوا))، فجعل ترك التمسك بهما هو الضلال.
قلت: لأن منطوقه صريح بنفي الضلال عن المتمسك؛ وترك الضلال واجب، فيجب التمسك الموصل إلى القطع بنفيه قطعاً؛ إذ لاطريق إلى ذلك سواه.
ومفهومه، أن ترك التمسك بهما ضلال، وهو قبيح بلا إشكال، وأيضاً، التمسك بالكتاب واجب قطعاً؛ وقد قُرِنُوا به، فيكون حكمهم كحكمه.
وأيضاً، قد جعلهما خليفتيه؛ وللخليفة ما للمستخلف بلا خلاف، وإلا فلا معنى للاستخلاف.
وأيضاً، المقام صريح ضروري في هذا المقصود، فالمناكرة فيه باب من التكذيب والرد والجحود.
قال (ع): فصار ترك هذا الأمر قبيحاً، فعلم وجوبه بقبح تركه، وهو شهادة الصادق بنفي الضلال مع الاتباع، والاحتراز من الضلال واجب؛ لأنه دفع ضرر عن النفس، فوجب لوجهي الوجوب من العقل والسمع؛ فما بقي لمعتلّ علّة.
إلى قوله (ع): فقد صار الخبرالوارد بإجماع كافّة أهل الإسلام، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((افترقت أمة أخي موسى إلى إحدى وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وافترقت أمة أخي عيسى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار)) بياناً عن الفرقة الناجية من أمته، وهي التي تمسكت بالثقلين: كتاب الله، وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - انتهى، /497

(1/497)


.
وقد رتب (ع) هذه المباحث على فصول:
فصل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
ثم فصل في معنى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
ثم فصل في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خلفت فيكم الثقلين)).
ثم فصل في أن علياً (ع) أول من أسلم، وأول من صلى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في أن علياً (ع) وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في الكناية عن أمير المؤمنين (ع)، بلفظ الخلافة، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولما ساق الأخبار الواردة في ذلك قال (ع): فهذه الأخبار الواردة.
إلى قوله: تصرّح بلفظ الخلافة له ـ (ع) ـ بلا ارتياب؛ فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الإنصاف؛ فما بعد لفظ الخلافة بيان يُلْتمس، ولا منار يُقْتَبس، ولا دليل يُسْتَفاد، ولا علم يُسْتَزَاد.
إلى قوله (ع): فإن في ذلك تنبيهاً للغافل، وعبرة للعاقل، ونفياً لكل شك مريب، عن كل كَيّس أريب، وتبصرة وذكرى لكل عبدٍ منيب..إلخ.
ثم فصل في ذكر يوم غدير خم.
ثم فصل في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
حتى قال (ع): وقد ذكرنا الأخبار الواردة في هذه الآية، وأن المراد بها علي بن أبي طالب (ع).
إلى قوله (ع): فقد اتفقت الخاصة والعامة، /498

(1/498)


على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته ـ (ع) ـ ووجوب خلافته، عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)؛ فهو الولي النافذ التصرف في الأمة.
إلى قوله (ع): وعيّنه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة إشارة متفقاً عليها، من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية ماثبت لله تعالى ولرسوله، على كافة خلق الله تعالى، كما ثبت لله تعالى ولرسوله.
ثم فصل في قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
ثم عقّب ذلك بحكاية المذاهب، وبيان كل فريق من موال ومناصب.
إلى قوله (ع)، بعد ذكر القائلين بدين آل محمد - صلوات الله عليه وآله - في التوحيد والعدل: من التابعين فمن بعدهم، من علماء الأمصار، في جميع الأقطار، من الحرمين الشريفين: مكة، والمدينة؛ والمصرين الكبيرين: الكوفة والبصرة؛ واليمن والشام.
واعلم أرشدك الله تعالى، أنا لم نذكر من ذكرنا وتعنينا بتعدادهم؛ لأنا ندعي أنهم أكثر ممن خالفنا، بل المخالفون لنا أكثر أضعافاً؛ وإنما جعلنا ذلك في مقابلة قول الخصم: إنه صاحب السنة والجماعة.
[نبذة من الشافي في معنى السنة والجماعة الصحيح]
فأما السنة، فهي لاتفارق الكتاب، والكتاب لايفارق العترة، بنصّ الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي لايحتمل التأويل.
وأما الجماعة، فأي جماعة مع من خالف ذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن علماء الأمة من ذكرنا؟
إلى قوله (ع): فكيف يصح للمخالف دعوى الجماعة فيما هذا حاله، أو السنة في خلاف العترة؟!.
وإنما هذا كما بينا، أن معاوية لما ظهر الأمر، واضطر الحسن بن علي ـ (ع) ـ إلى الموادعة سمى ذلك العام، عام الجماعة، وهذا معلوم للعلماء منا ومن خصومنا.
إلى قوله: فانظر إلى هذا الأصل، ما أضعفه، والأسّ ما أوهاه.
وأما إضافة مقالته إلى /499

(1/499)


سنة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجماعة المسلمين، فهيهات هيهات، لن يصل إلى ذلك.
وقد شاركته فرق الإسلام في الدعوى، فانتفى الاستحقاق إلا بالبينات، وهي البراهين؛ ولن يجد سبيلاً إلى ذلك، وأنى له بذلك، ومن دونه خرط القتاد، وسفّ الرماد، وحزّ الجلاد؟.
إلى قوله (ع): وإن أعجب العجائب ـ وما عِشْتَ رأيتَ العجب ـ أن ضُلاَّل الأمة وشُذَّاذها، صارت تنازع أهل البيت دين أبيهم وجدهم؛ وأهل البيت أعرف بما نزل فيه؛ والعوام تقول: ولد الصانع أعرف من المتعلم سنة؛ ومن أمثال العرب: (تعرفني بضبّ احترشته).
إلى قوله (ع)، في شأن القرآن: نزل على جدنا من فوق سبع سموات، وحكى الحكيم سبحانه أنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخبر بحفظه.
إلى قوله: وكيف يجهل الأمر أهله؟ ويحك، ففي بيت من نزل؟ ومن أين انتشر؟ وفي حجور من ربي؟ إلا في أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وعترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من أُلْهِمُوا غرائبه، وفهموا عجائبه، وعرفوا أوامره ونواهيه، ومجمله ومبينه، وخصوصه وعمومه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ووعده ووعيده، وترغيبه وتهديده، ورسومه وحدوده، وقصصه، وعزائمه ورخصه، ولفظه وإعرابه، وأمثاله وأبوابه، ومايجوز فيه ومالا يجوز، وماوجه الحكمة في إنزاله على ماأنزل، وما المراد به، وما الواجب فيه وبه.
فإن أحببت صحة دعوى هذه الجملة، وصَلْتَ وسألتَ؛ وإن كنت قد عرفت استحالة هذه الدعوى وبطلانها بما أُلْقي إليك، من بغضة الآل، وأُلْهمت من المحال؛ فما هي من أبي بكر ببكر، وإذا لم تستح فاصنع ماشئت.
ويحك، من لك بنقض بيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، حازوا شرف الأبوة، وفازوا بفضل البنوة، فخفض لهم محب جناح المودة ففاز وغنم، وشمخ بأنفه وثنى بعطفه باغض فخسر وندم.
وعلى هذا المعنى وقعت دعوة إبراهيم (ع)، في قوله تعالى حاكياً عنه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي /500

(1/500)


إِلَيْهِمْ } [إبراهيم:37].
إلى قوله (ع): وسنبين لك أهل البيت حقاً بالأدلة، التي يعقلها غيرك إن لم تعقلها، ويقبلها غيرك إن لم تقبلها.
إلى قوله (ع) [شعراً]:
أتهجوه ولستَ له بكفؤٍ .... فشرّكما لخيركما الفداءُ
ولكن، وما قولك بضائر لنا، ولا قادح فينا، وقد بقينا على شنأة من هو أطول منك باعاً، وأشدّ ذراعاً، وأحرّ مصاعاً، وأثقف قراعاً.
وكيف يطمع في إزالتنا طامع، ونحن الكلمة الباقية، في عقب إبراهيم الخليل، والثقل من تراث محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الثقيل؟ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقال (ع): وإنما دعونا المسلمين كافة.
إلى قوله: وقفونا في ذلك آباءنا، من لدن علي بن أبي طالب (ع)، إلى يومنا هذا.
إلى قوله: فذلك ديننا، ودين آبائنا (ع)، أدناهم إليّ أبي، وأعلاهم النبي العربي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والوصي ذو البيان المعرب ـ سلام الله عليهم ـ.
إلى قوله (ع): وكان زيد بن علي (ع) أول من سن الخروج على أئمة الجور، وجرّد السيف بعد الدعاء إلى الله؛ فمن حذا حذوه من أهل البيت (ع)، فهو زيدي، ومن تابعهم وصوبهم من الأمة فكذلك، ولم يتأخر عن زيد، إلا الروافض؛ فهم أهل هذا الاسم، والنواصب وهم سلف الفقيه، الذي يمشي في آثارهم، ويعشو إلى نارهم، فما ضروا غير أنفسهم /501

(1/501)


.
فأما سند مذهبنا، فقد ذكرناه عن أب فأب، فنعم الآباء.
إلى قوله (ع):
حتى تنحلته نصاً فأفضل ما .... أخذت دينك نصاً عن أب فأبِ
إذا رأيتَ نجيباً صحّ مذهبه .... فاقطع بخير على آبائه النجبِ
فهذا سند مذهبنا، قد أسندناه إلى المشاهير، أئمة هدى، اختصوا بولادة المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكل آبائنا (ع) زيد إمامه؛ لأنه عندنا ـ أهل البيت ـ إمام الأئمة؛ لفتحه باب الجهاد، على أئمة الجور، وقد مدحه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ومدح أشياعه، بما فيه كفاية.
وزيد بن علي، ومحمد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم.
فلما قام زيد بن علي (ع) دونهم على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت (ع) في القيام.
فقال محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، ولن نسلك إلا منهاجه، ولن نقفوا إلا أثره.
[إسناد جملي لمذهب العترة وبيان من هو الزيدي]
وقال [المنصور بالله] (ع): فأما إسناد مذهبنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقول: أخبرني أبي، تَلْقِيْناً وحكاية، على العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب (ع)، بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما، فيمن قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما، واحتذى حذوهما، كزيد بن علي، ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة ـ سلام الله عليهم ـ.
واختصت الفرقة هذه من العترة /502

(1/502)


وشيعتهم بالزيدية، وإلا فالأصل علي (ع)، والتشيع له؛ لخروج زيد بن علي (ع) على أئمة الظلم، وقتالهم في الدين؛ فمن صوّبهم من الشيعة وصوّبه، وحذا حذوه من العترة، فهو زيدي بغير خلاف من أهل الإسلام.
إلى قوله مخاطباً لصاحب الخارقة: فأين تغدو بفرقة قد استولت على كثير من أقطار الإسلام، وعمرته علماً ورجالاً، وجدالاً وقتالاً؟.
نعم، المفقود في أيام محمد بن إبراهيم (ع) من إخوانك الجنود العباسية مائتا ألف مقاتل، ماأفناهم إلا رجال الزيدية، وكم يعدّ لهم من الوقعات مع أئمة الهدى (ع).
إلى قوله (ع): ونحن ننص مذهبنا عن أب فأب، إلى أن يتصل برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وزيد بن علي (ع) أضاف أهل البيت مذهبهم إليه، قالوا: نحن زيدية.
وإنما مرادهم مذهب زيد بن علي (ع)، في الخروج على أئمة الظلم.
فأما الاعتقاد في أصول الدين، فرأي أهل البيت (ع) فيه واحد، لايختلفون في شيء من أصولهم.
ثم ساق (ع) إسناده في ذلك عن أب فأب، إلى أن اتصل بالنبي والوصي، عليهم صلوات الملك العلي.
قال في آخره:
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
إلى قوله:
والله ما بيني وبين محمد .... إلا امرؤ هاد نماه هادي
وأنا الذي عاينتمُ أفعاله .... وكفى عيانكمُ عن استشهادي
/503

(1/503)


وقال (ع): وأما قولك: لم يمنعك من محبة أولاده إلا أنهم لم يتبعوه، والمحبة لاتكون إلا بالاتباع، فإحدى المقدمتين مسلّمة أنه لايجب الحب إلا بالاتباع.
فأما أن أهل بيته لم يتبعوه، فغير مسلّم؛ لأنه قد أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنهم يتبعونه، ولا يفارقون كتاب الله إلى ورود الحوض، وأنهم سفينة نوح العاصمة؛ وهو عندنا أصدق من الفقيه، ومن غيره من الخلق، وإن كانت لفظة (أفعل) لا تستعمل بينهما.
قلت: أي على الحقيقة في التفضيل، كما لايخفى.
قال (ع): وقد صرتَ تزاوج بين الجهلين، فانظر نتيجة الجهل ماهيه؛ لأنك قلتَ: مامنعك من حب أهل البيت إلا أن المتأخرين منهم لم يتبعوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
واتباع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عندك الثبوت على مقالتك الفاسدة؛ فهذا بناء جهل على جهل.
المتأخر من صالح أهل البيت (ع) لم يخالف الأول، ولا يخالفة إلى انقطاع التكليف، بشهادة الصادق المصدوق، خلاف قولك قد بينا، وقد رأيت الإسناد الذي حققنا لك، عن الطاهرين الناشئين في حجور الطاهرات؛ لأنا نعرفهم جملة وتفصيلاً، وتفصيل أقوالهم، ومبلغ أعمارهم، وعلل موتاهم، وأسباب قتلاهم، ومواضع قبورهم، وأولياهم في كل وقت، وأعدادهم في كل وقت، إلى يومنا هذا.
[نبذة من الشافي في إحاطة المنصور بالله (ع) بالعترة، وانحصارهم إلى وقته]
قلت: وهذه فائدة كبرى، ومهمة عظمى، في انحصار العترة الطاهرة إلى زمن الإمام فضلاً عمن سبقه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فما نقل من إجماعهم تواتراً كما في مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون له حكمه، وهو دليل قاطع فيما يصح أن يستدل به فيه، وذلك فيما لم يكن حجية الإجماع مترتبة عليه.
وما نقل آحاداً ككثير من المسائل العملية، فله حكمه في الاستدلال به، على7 ماتقبل فيه الآحاد.
ومن خالف ما علم من إجماعهم فلا اعتبار به؛ لسبق الإجماع له، وذلك واضح ـ بحمد الله ـ.
وهذا ردّ على من زعم أنهم لاينحصرون، محاولة لإبطال حجة اللَّه تعالى على عباده، وإطفاء لنوره المبين في خلقه وبلاده؛ وحاشا الله أن ينصب لنا أدلته المعلومة، وحججه المرسومة،/504

(1/504)


ويؤكد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ التوصية بالثقلين، والاستمساك بالخليفتين، ويجعلهم كسفينة نوح المنجية من الغرق، ويخبر أنهم الأمان لأهل الأرض، وأنهم لايفارقون الكتاب إلى يوم العرض؛ ولا يكون لنا سبيل إلى ذلك، ولا اهتداء إلى سلوك تلك المسالك؛ فتبطل ثمرة هذه الحجج القويمة، وتضمحل فائدة تلك المناهج المستقيمة، وهل هذا إلا محض العبث أو الجهل؟!
تعالى وتقدس عن ذلك كله أحكم الحاكمين، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الصادق الأمين؛ بل هم حجج الله على خلقه إلى يوم الدين، وحملة دينه في كل وقت وحين.
نعم، قال الإمام (ع): فمن أولى بهم في دينهم؟ وما سبب الخلاف بين الفريقين؟ والمفرق بين الأئمة الهادين، كالمفرق بين النبيين، ومثل مقالة الفقيه - أبقاه الله -.......
قلت: وصدور مثل هذا الدعاء من الإمام (ع) لهذا الضال المعاند، من باب التهكّم، الذي لايراد حقيقة معناه، كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}[الدخان]، أو أنه أراد بقاءه إلى أن يبلغه مايدحض أقواله الباطلة، ويهدم أساسه وما بناه.
قال (ع): قالت اليهود والنصارى؛ لأنهم قالوا: نتبع من سبق من الأنبياء وتقدم، دون من تأخر، فلم يغن عنهم شيئاً من عذاب الله عز وجل؛ لأنها ذرية بعضها من بعض، ولم يخالفها أولادها، من علي (ع) إلينا، ولا اختلفت في ذات بينها؛ بل آخرها يشهد لأولها، بوجوب الاتباع والطهارة، وأولها يوصي بوجوب اتباع آخرها، وشيعتها ـ في جميع الأحوال ـ باذلة لأرواحها بين أيديها، ومنابذة بألسنتها عنها، ومشركة لأهل بيت نبيها في أموالها.
والفقيه وأهل مقالته في راحة عن هذا؛ فليت أنه جعل نصيبه من ولايتهم، ترك السب لهم، والرمي لهم بخلاف جدهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وأكبر دليل للفقيه ومن كان على رأيه من أهل سنته وجماعته، أنهم على بغضهم لهذه العترة الزكية، لايعلم في بلادهم ساكن من أفاضل ولد الحسن والحسين (ع). /505

(1/505)


[نبذة من الشافي في تعلُّق العلم بالمعلومات وردِّ شبهة الجبرية]
هذا، وقال الإمام (ع): وأما قوله ـ أي فقيه الخارقة ـ في جواب صاحب الرسالة ـ أي الشيخ محيي الدين ـ: إن الواحد منا لو كان قادراً على خلاف الواقع، أن عِلْمَ الله ينقلب جهلاً.
ثم قال بعده: وهذا باب الكفر يقرعه.
انتهى كلام الفقيه.
فالجواب: أن القول بأن العبد يقدر على خلاف ما علم وقوعه، لايقلب العلم جهلاً؛ لأن ما علم الله بأنه يقع، فإنه يقع لامحالة من حيث اختاره القادر عليه، لامن قبل أن اللَّه تعالى علمه، وما علم الله أنه لايقع، فإنه لايقع؛ لأن القادر لم يختر إيجاده، لا لأنه تعالى لم يعلم وقوعه.
قلت: وهذا معنى قول أهل العدل: إن العلم تابع للمعلوم، وسابق غير سائق ـ أي أن اللَّه تعالى علم أن الأمر سيقع لأنه سيقع؛ لا أنه سيقع لأن اللَّه تعالى علمه ـ فلا يخرج بذلك عن كونه مقدوراً.
والعلم إنما يقع على الشيء على ماهو به، ولا تأثير له في الوقوع ولا عدمه.
قال الإمام ـ صلوات الله عليه ـ: والعبد قادر في الحالين؛ فما في هذا مما يقلب العلم جهلاً؟
فإن أراد الفقيه أنا لو قدّرْنا وقوعه لانقلب العلم جهلاً، كان هذا سؤالاً غير ماسطره الفقيه، وكان الجواب عنه أن التقدير في هذا الباب لايكشف عما يكشف عنه التحقيق؛ لأن وقوع ما علم أنه لايقع، يقدح في العلم بأنه لايقع، والقدرة على ما علم أنه لايقع، لاتقدح في ذلك؛ وإنما يكشف عن حالة القادر، وهو أنه يقدر على ما وقع منه، وما يمكنه أن يوقعه.
على أن هذا لو لزم في القادر من العباد، للزم في الباري تعالى؛ لأنه يقال للسائل: ما تقول؟ هل الله قادر على ماعلم أنه لايكون أم لا؟
فإن قال: لا، قرع باب الكفر، الذي ذكره الفقيه حقاً.
وإن قال: بل هو سبحانه قادر على ماكان، وما سيكون، وما لايكون لو أراد أن يكون.
قيل له: فهل هو قادر على تجهيل نفسه، أو قادر على أن يقلب العلم جهلاً؟
فإن قال: لايجب ذلك؛ لأن التجهيل إنما يلزم بالوقوع، دون تقدير الوقوع.
قيل له: فارْضَ منا بمثله في فعل العبد.
ولأنه متى شرع في التقدير، أتبعنا التقدير تقديراً آخر؛ فمتى قال:/506

(1/506)


لو فعل؛ قلنا: كان في علمه أنه يفعل.
إلى قوله (ع): فكيف يقال: إن القدرة على خلاف ما علم وقوعه من التجهيل، لولا قلة التأمل والتحصيل؟
قلت: وهذه شبهة الجبرية، التي عميت فيها بصائرهم، وضلّت أفكارهم، وهي مستمدة من الملحدة الفلاسفة، أقماهم الله، كما أن كثيراً من أصول الجبرية، على قواعدهم المنهارة مبنية؛ يعلم ذلك المطلع على الآثار والرسوم.
وقد ألزمهم أهل العدل ألا يكون الله ـ جل وعز ـ قادراً على شيء؛ لسبق علمه بكل معلوم، فيكون على قَوَدِ قولهم: واجب الوقوع، مستحيل التخلف.
فخرج عن الاختيار، وصار القادر على كل شيء غير مختار؛ وهذا عين الكفر، وصريح الجبر.
وقد اعترف بعض المحققين، من هؤلاء المخالفين، كسعد الدين، وأقروا أنه يلزم منه الكفر؛ فنعوذ بالله من الخذلان وسلب البصائر.
وقد أقام الإمام ـ رضوان الله عليه ـ واضح البرهان، وأبان الحجة بما لامزيد عليه من البيان لكل ناظر؛ والحمد لله رب العالمين.
وقال (ع) عند ذكر الأسانيد إلى أئمة العترة (ع): وذكرنا أخذنا لمذهبنا بطرق تشفي المرضى؛ لشرف المذكورين فيها، منا إلى أبوينا: محمد وعلي ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ.
ثم ساق بسنده إلى أبي عبدالله جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (ع) أن رجلاً سأله عن الحوض، فقال: الحوض حق، ولا يشرب منه في الآخرة إلا من ائتم بعلي (ع) في الدنيا ووالاه، وعرف حقه وعادى عدوّه.
قال: وقال الحسين بن علي: والله ما أحد على ملة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إلا أنتم معشر الشيعة، والناس منها براء.
قال الإمام (ع): فما ترى فيما حكاه، ماترى؟ أتسمح وتقول إنك شيعي، كما قلت أولاً إنك زيدي، ودون ذلك خرط القتاد، فقد رضينا منك بقول أبي عبدالله؛ والصواب أنك تستقر على السنة والجماعة، كما بينا لك معناهما، فهو بك أليق.
وبسنده إلى الحسين السبط (ع)، أنه قال يوماً لشيعة أمير المؤمنين: أما والله، ما اكتسب مؤمن ذخيرة في دينه أفضل من ولاية علي بن أبي طالب، (ع) /507

(1/507)


.
قال: ففرح القوم؛ فقال: أبشروا؛ فوالله ما يتقبل إلا منكم، ولا يغفر إلا لكم.
وهذا يؤيد الأول في أمر الشيعة.
قال الإمام (ع): ومن مسند أبي القاسم محمد بن علي بن أبي طالب (ع)، المعروف بابن الحنفية، الذي بشر به الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأذن في تسميته باسمه وتكنيته.
وساق سنده في الشافي إلى قوله: قال أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب (ع): أيها الناس، إن محمداً ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) فوالله، ما على ظهرها مؤمن إلا ولنا في عنقه حق، إنْ أنكره فذهب إيمانه، أو عرفه فثبت إيمانه.
[نبذة من الشافي عن الصادق في تحديد وقت تسمية علي بأمير المؤمنين]
وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع)، قال: لو أن جهال هذه الأمة يعلمون متى سمي علي بن أبي طالب (ع) أمير المؤمنين، لم ينكروا ولايته ولا طاعته.
فسألته: ومتى سمي أمير المؤمنين؟.
قال: حيث أخذ الله ميثاق ذرية آدم (ع)، وكذا نزل به جبريل (ع) على محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى؛ قال: وأن محمداً رسولي إليكم، وأن علياً أمير المؤمنين؛ قالوا: بلى.
قال أبو جعفر: والله، لقد سماه الله باسم ما سمى به أحداً قبله.
قال الإمام (ع): فهذا قول محمد بن علي (ع)، ومثل هذا لايكون إلا توقيفاً؛ لأنه من خبر الله تعالى.
قلت: قد نصّ على ذلك أهل الأصول في حق الصحابي، أن مالم يكن للاجتهاد فيه مسرح، يحمل على التوقيف، وأشار المحققون إلى أن الصحابي وغيره في ذلك على السواء، وهو الحق؛ لأن الموجب لذلك عام في الجميع، كما هو مقرر في محله.
هذا، وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع) أيضاً قال: إنما كثر الاختلاف من أجل أنهم قدموا رجلاً ليس بأعلمهم بالله وبرسوله وبدينه، وأخّروا رجلاً كان /508

(1/508)


أعلمهم بالله وبرسوله وبدينه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
قال الإمام (ع): فمن تراه أيها الفقيه، وما يزاد في هذا أوينقص، ليوافق مذهبك الذي خرجته على السنة والجماعة بزعمك.
وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع) قال: الشاكّ في حرب علي كالشاكّ في حرب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبسنده (ع) إلى أبي جعفر الباقر (ع)، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي بن أبي طالب: ((لعنتك من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، وهي باقية في أعقابنا إلى يوم القيامة)).
قال الإمام (ع): وهي على الفقيه مصيبة عظيمة؛ لأنه قال: ((وهي في أعقابنا إلى يوم القيامة)) ونحن أعقابهم.
قلت: وهذا الحديث في مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي، متصلاً بسند آبائه إلى رسول الله ـ صلوات الله عليه وآله ـ بدون ((وهي في أعقابنا))..إلخ؛ وبزيادة ((ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً))، والإضافة في الحديثين من إضافة المصدر إلى فاعله، بدليل قوله: ((ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً))؛ وهو الذي يسبق إلى الأفهام هنا؛ وبنى عليه الإمام حيث قال: وقد علم الفقيه إلخ وذلك واضح.
قلت: وقد عين الإمام (ع) في مواضع من الشافي، الذين كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - يقنت بلعنهم.
وبسنده (ع) عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أنه قال: الأئمة المفترضة طاعتهم منا، علي بن أبي طالب، والحسن والحسين (ع)، والقائم بالسيف يدعو إلى كتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال الإمام (ع): فهذا أيها الفقيه هو الذي ذكرنا لك أنا سمينا زيدية؛ لاتباعنا زيد بن علي في القيام بالسيف على أئمة الضلال، وحزب الشيطان.
وقال الإمام (ع) جواباً على الفقيه لما ذكر متابعة المعتزلة: فالجواب، أنا ـ بحمد الله ـ أغنياء باتباعنا آباءنا (ع) مصابيح الظلام، وبدور التمام، وصفوة الله من جميع الأنام؛ فبهديهم اهتدينا، وعلى أنوارهم سرينا، وهم معروفون، عند وليهم محبة، وعند عدوهم جلالة ورهبة؛ ما يجهلهم إلا أنت وأمثالك، من /509

(1/509)


حثالة الحشو، وحزامة الإرجاء والجبر، ورديء القدر.
إلى قوله (ع): فلو قلّدنا الجاحظ والنظام، والعلاف والشحام، لكنا على مثل رأيك الفاسد، في التقديم للمشائخ على أمير المؤمنين، وهذا عندنا أكبر جرمهم؛ فنحن نرميهم في هذا ونرميك من قوس واحدة، وقد أخذنا الدين عن آبائنا تلقينا، كما يلقن الصفوة أولادهم في حال الصغر؛ فلما بلغنا حد النظر اعتمدنا الدليل، فوجدنا قولهم أقوى الأقوال؛ لأن التقليد ذمّه اللَّه تعالى، وحكاه عن الكافرين، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف]، ورد عليهم تعالى بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} [الزخرف]، وذمه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بقوله فيما رويناه بالإسناد الموثوق به: ((من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله، وعن التدبر لكتابه، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزل؛ ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلّدهم فيه، ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال)).
وقال (ع) في سياق ذكر العترة مانصه: وإن المخصوص بذلك الذرية الزكية؛ وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن وأتباعنا من الشيعة، ومن حذا حذوهم في العدل من العدلية.
قلت: وفي قول الإمام (ع): من الصحاح عند العامة، دليل واضح، على عدم الحكم بصحتها، وأن تسميتها بالصحاح إنما هو مجرد اصطلاح؛ فافهم. /510

(1/510)


[مسموعات الإمام المنصور بالله (ع)]
قال (ع): ومجموع مسموعاتنا من الخاصة والعامة، تجاوز مائة ألف حديث، ظننا ذلك ظناً، وحزرناه حزراً، ولم نرد بذلك التبجح؛ وإنما أردنا التعريف، وبينا أنا المخصوصون بوجوب الوداد، من ذوي القربى، وخرجناه من الصحاح.
إلى قوله (ع): وقدمنا اختصاص أولاد الحسن والحسين (ع) بالإمامة، دون سائر إخوتهم وبني عمهم، ودللنا على ذلك؛ وكذلك اختصاصهم من الحرمة والحق والتبجيل والتعظيم، بما لايستحقه سائر أهلهم؛ لما لهم من الاختصاص بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لكونهم نسل بضعته الشريفة؛ وقدمنا أن الذي يشرف به البطون الأربعة على سائر قريش ـ بل على سائر العرب والعجم ـ هو بعينه يدل على شرف أولاد فاطمة (ع) على سائرهم، وهو شدة اللحمة، والقرب منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: ولما حققه ـ وقوله الحق ـ أنهم أبناؤه وعصبته دون جميع الأقارب، وكان ذلك خاصة، كما ورد مثله في موارد الأحكام؛ فهم أولى به بالتعصيب، وذوو أرحامه، كما قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال:75].
ولأنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لو بُعِثَ لنكح من بني هاشم، لافينا؛ لأنهنّ بناته، ولما ضرب بينه وبينهن حجاب؛ فأي قرابة أقرب من هذا؟!.
قال (ع): ولقرابتهم هذه القريبة، ودعواهم هذه الظاهرة، لم يترك قائمهم القيام على قلّة الأعوان، وغدر الزمان.
إلى قوله (ع): فلقد لقي عدوّهم منهم أنواع العذاب.
هذا جدنا محمد بن إبراهيم (ع)، وهو القائم بالكوفة، عُدّ القتلى المفقودون من جند بني العباس في دعوته،/511

(1/511)


مائتي ألف قتيل.
وفي أيام علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الناجم بالبصرة مائتا ألف وخمسون ألفاً؛ وقيل: تناهت القتلى إلى ألف ألف.
وفي أيام الحسن بن زيد (ع)، مالم يتأت لنا حصره.
وقتل الناصر الحسن الأطروش يوم نورود خمسة وعشرين ألفاً في يوم واحد؛ ثم قال على منبر آمل: آهٍ آهٍ، في الصدر حرارات لم تشفها قتلى نورود؛ قالوا: يابن رسول الله، ما تبغي؟ وعلى من تبكي؟ قال: أبكي لقوم هلكوا في الحبوس، ولقوم فُرّق بين أجسادهم والرؤوس، ولقوم مُزّقوا تحت أديم السماء.
إلى قوله (ع): فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، بل خاضوا بحار السيوف قدماً، حتى ماتوا كرماء، فأي خِيْم أشرف من خِيمهم؟ وأي عزائم أمضى من عزائمهم؟.
إلى قوله (ع): وهذا دأبهم، حتى يرد الله إليهم أمرهم؛ وإن تكن الأخرى، فما عند الله خير وأبقى؛ وكيف يلذّ لهم النوم، وأبوهم الليث الأغرّ مات مظلوماً، وأمهم الزهراء ماتت غضبانة، أوصت أن تمرض سراً، وأن تدفن ليلاً؟.
أتموت البتول غضبى ونرضى .... ماكذا يفعل البنون الكرامُ
وقال (ع): وقد ثبت أن إجماعهم حجة بما قدمنا ذكره؛ وسيأتي إعادة مايحتاج إلى إعادته من آية التطهير، وآية الاجتباء، وحديثي السفينة، وسواه.
[نبذة من الشافي في المسائل التي أجمع عليها العترة أصولاً وفروعاً]
إلى قوله: ونذكر له طرفاً مما أجمعوا عليه ـ سلام الله عليهم ـ.
فمن ذلك مما يتعلق بالفروع: إجماعهم على نفي صلاة الجمعة خلف أئمة الجور، وعلى تحريم التلبس بهم، وعلى ترك المسح على الخفين، وعلى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وعلى القنوت في الصلاة بالقرآن، وعلى تكبير خمس على الجنائز، وعلى جهاد المحدثين، وعلى تحريم المسكر وأنواع الملاهي.
[قلت:] يحمل قوله: وعلى القنوت في الصلاة بالقرآن، على أن المراد غير ماصحت به الأخبار، نحو: اللهم اهدني فيمن هديت..إلخ.
وكذا قوله: وعلى تكبير خمس، أي: لاينقص منها، وأما الزيادة فلا؛ لما ورد من تكبيره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على الحمزة ـ رضوان الله عليه ـ مع جميع الشهداء، وغير ذلك.
قال عليه /512

(1/512)


السلام: وأما مسائل الأصول من نفي التشبيه على اللَّه تعالى، وأن علي بن أبي طالب الإمام بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنه أفضل الناس بعده وأعلمهم، وعلى أن من تقدم عليه فهو متعدّ عليه، ظالم له؛ إلى سائر الأصول في العدل والتوحيد، وتوابعهما؛ فلا يناكر في ذلك إلا المباهتون، ومن لا يستحي من الكذب.
ومن كان من ورثتهم غير مائل إلى ملوك الدنيا، فإنما يقتبس من نور آبائه (ع)، ويكرع في حياضهم، ويرتع في رياضهم، ولايروعه بهت الباهتين، عن غاية شأوه في إعزاز الدين.
وقال (ع)، في الجزء الرابع من الشافي في ذكر الكرامات: ونحن نعرفها في آبائنا (ع)، وأتباعهم من فضلاء المسلمين؛ ولولا خشية الإطالة لروينا من ذلك كثيراً.
هذا القاسم بن إبراهيم (ع) دعا إلى الله في مخمصة، فتهدل السرير عليه رطباً؛ ودعا إلى اللَّه تعالى في ليلة مظلمة فامتلأ البيت عليه نوراً.
وقد منّ اللَّه تعالى علينا بما هو أهله، ويجب شكره، مما قد ذكره الأولياء في كتبهم، وبعضهم شاهد ذلك، وبعضهم علمه من المُشَاهد؛ ولكن الكرامات لاتكون إلا للأولياء، ولا ولاية لمن يزعم أن اللَّه تعالى يخلق أنواع المعاصي ويريدها.
فعلى مذهب المجبرة القدرية لا معنى للتطهير؛ لأن اللَّه تعالى خالق لجميع الأفعال، الهدى منها والضلال؛ فإن فعل فيهم الطاعة والإيمان طهروا، وإن لم يفعل ذلك فيهم لم يطهروا؛ فلا معنى للمنة بشيء هو المتولي لأصله وفرعه، ولا حيلة للعبد في الخروج منه بوجه من الوجوه.
ولولا قلّة التحصيل لما أورد ماينقلب عنه أوضح الانقلاب.
قلت: وماذكره الإمام (ع) من الكرامات، فهي من أعلام النبوة، ودلائل الرسالة، ومن قبس ذلك النور، وضياء تلك المشكاة، وهي آيات بينات يزداد بها اليقين، وتطمئن إليها قلوب المتقين.
[نبذة من الشافي في وجه روايته عن المخالفين]
هذا، وقال الإمام (ع): ونحن لاننقل إلا ماصح لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا، فنورده للاحتجاج عليه، ولم نورد من ذلك /513

(1/513)


إلا ومعنا من البرهان عنه مايكفي، ويزيده تأكيداً.
قلت: انظر ـ أيها الناظر بصرنا اللَّه تعالى وإياك ـ وتدبر كلام الإمام الحجة؛ فقد صار مَنْ لا قدم له ولا اطلاع، وكذا أهل الزيغ والتدليس على الأتباع، يوهمون أن رواية الأئمة عن المخالفين تدل على القبول، من غير فرق بين مردود ومقبول، ولا اعتبار بما تقتضيه مسالك الأصول، وأدلة المعقول والمنقول.
ومتى قيل لهم: إن الأئمة (ع) لم يرووا من تلك الطرق للاعتماد عليها، وإنما هو للاحتجاج على ملتزميها، عدّوا ذلك من الكلام الساقط المرذول، وعمدوا إلى الروايات التي يحتج بها أئمتنا (ع) على الخصوم، واتخذوها وسيلة إلى المغالطة على من لاخبرة له ولابصيرة بمدارك العلوم؛ مع أن الأئمة (ع) مصرّحون بأن نقلهم لها للاحتجاج بها عليهم، والإلزام للخصم بما يلتزمه، كما ذكر ذلك إمام الأئمة، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع) في باب الأوقات من المنتخب؛ فنقله صاحب تنقيح الأنظار محمد بن إبراهيم الوزير مستدلاً بذلك، على أن إمام اليمن يروي عن أولئك؛ فيالله للعجب! كيف يتجاسر هذا الحافظ المحقق، المطلع النظار، على مثل هذا التمويه الذي لايصدر إلا عمن لامبالاة له، ولا تحرج عنده ولا اعتبار؟.
كيف والإمام الهادي إلى الحق مصرح في البحث ذلك بعينه، تصريحاً لااحتمال فيه ولا اشتباه على أولي الأبصار؟!.
هذا، والحديث ذو شجون؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونعود إلى تمام كلام الإمام.
قال (ع): ولما جرى الكلام في الجواب على الفقيه، عن إمامة العباسي ـ فذكر الإمام أحوال ذلك العباسي وتهتكه بمحارم الإسلام ـ.
ثم قال (ع): وإمام الشيخ الذي ردّ عليه الفقيه.
قلت: أراد بالإمام نفسه، وبالشيخ محيي الدين القرشي ـ رضي الله عنه ـ.
رجعنا إلى تمام كلامه في حال نفسه: قام ودعا على من يعاشره من حال /514

(1/514)


طفوليته إلى وقت دعوى الإمامة طهارة المنشأ، وأنه لم يرتكب قبيحاً ولا محظوراً، ولازايل شرعة الإيمان؛ ثم عرض نفسه على العلماء، فما بقي في العلم بحر حتى سبح في مائه، ولا جو إلا طار في أرجائه، عرف ماعرف أهل العلم وما جهلوا، وبين معاني الكتاب والسنة، ومن اللَّه تعالى في ذلك المنة.
إلى قوله: ولولا إلجاء الضرورة إلى ذكر ماذكرنا، لكرهنا ذلك؛ ولكن فقد قال عمنا يوسف (ع)، لما ألجيء إلى مثل ذلك: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.
فما ترد على من ادعى الإمامة وحاله ماذكرنا؟ أيستحق الإمامة أم لا؟
[نبذة من الشافي في سِعَة علمه وتحدِّيه للبشر جميعاً بالمجادلة]
ثم نقول للأمة جميعاً، ولسائر أهل الكتب، وملل الكفر: هلم إلى الجدال بالتي هي أحسن، فإن لم أُقِم لكم بالبرهان، وأكسر ماأنتم عليه، بما لا تنكرونه من كتبكم، ولا يمكنكم دفعه على مقتضى أصولكم، ولا أحتجب دونكم، ولا أناظر أهل العلم إلا بما يوجبه العلم، ولا أنتضي السيف على من تسلّح العلم.
إلى آخر كلامه.
وذلك من خصائص النبوة؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ولما تكلم في خبر صلاة أبي بكر، في مرض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد روى الإمام بأسانيده عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ماأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي.
وروى عن كامل أهل البيت عبدالله بن الحسن (ع) نحو ذلك، وأن عائشة أمرته، وأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خرج وتقدم.
ثم روى الفقيه روايات معارضة. /515

(1/515)


قال الإمام: والجواب: أن الفقيه لم يميز بين مااتصل سنده بعبدالله بن الحسن بن الحسن، المسمى في آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكامل، أول من جمع ولادة الحسن والحسين (ع).
إلى قوله: وكان إذا قيل: من أفصح الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أسخى الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعلم الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعبد الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
فلذلك سمي الكامل.
ثم إن الحديثَ المتصل بزيد بن علي (ع)، الذي تواترت فيه الآثار، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومن علي (ع)، وحديثه من حديث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن العلم بذلك لا يكون إلا من قبل الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ لأنه غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، أو من ارتضى من رسول صلى الله عليهم؛ علّمه مايتعلق به الصلاح ويودعه الرسول وصيه، فيبقى في أهل بيته المصطفين ـ سلام الله عليهم ـ.
وإنما نروي مايكون كالإشارة.
ثم روى بسنده إلى الإمام أبي طالب، بسنده إلى علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ، أنه قال: سيكون منا رجل اسمه زيد، يخرج فيقتل، فلا يبقى في السماء ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا تلقى روحه؛ يرفعه أهل كل سماء إلى سماء، فقد بلّغت؛ يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب الناس، يقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق.
فكيف تجعل سالم بن عبيد وابن شهاب، وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبد الملك، الجبار العنيد؛ وأبا بردة بن أبي موسى ـ أتعجب من الوالد أو من الولد ـ في مقابلة مايرويه عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع)؟
وقد سبق له (ع) مالفظه: نحن حكينا لك ماهو عندنا مضبوط بالأسانيد/516

(1/516)


الصحيحة، عن الرجال الذين لايعتقدون حسن الكذب، ولا جوازه، كما ذكرت في خارقتك أئمة العامة في الفقه، وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
إلى قوله: والكل من هؤلاء وإن خالفوا أهل البيت في قليل أو كثير من أقوالهم، لايَعْدِلون بهم من عاصرهم من أهل الدنيا، شرقهم ولاغربهم، ولإسناد أهل البيت (ع) عندهم مزية على إسناد غيرهم.
ثم روى الخبر الذي قال فيه أحمد بن حنبل: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه؛ وهو مارواه الإمام (ع) بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنه دخل نيسابور، وهو راكب بغلة شهباء، وغدا في طلبه علماء البلد.
إلى قوله: فقالوا: بحق آبائك الطاهرين، حدثنا حديثاً سمعته من أبيك.
فقال: حدثني أبي، العبد الصالح، موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، الصادق المصدوق، جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، باقر علم الأنبياء، محمد بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العابدين، علي بن الحسين، قال: حدثني أبي، سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العرب، علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان)).
وقال (ع)، في خاتمة الكتاب: وقد أوردنا من الاحتجاج على أنواعه، واختلاف أوضاعه، من دلالة العقول، وكلام الحكيم وسنة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ودلالة الإجماع، ما إذا نظر فيه الطالب لنجاته كان قائداً له إلى سبيل الرشاد، وحاملاً له على ترك العناد.
قال (ع): روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال في أهل بيته: ((قدّموهم ولا تقدموهم، وتعلّموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
فنسأل الله تعالى البصيرة المؤدية إلى سبيل السلامة، الذائدة عن مورد الحسرة والندامة؛ والصلاة على محمد وعلى آله.
انتهى المختار إيراده هنا من كلام الإمام؛ وهو كاف شاف للسقام، في كل /517

(1/517)


مقام، وكلام الإمام إمامُ الكلام، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام.
ولله قول القائل في جده أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ:
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استطال الشيء قام بنفسه .... وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى أرجوزة أنوار اليقين، وشرحها]
كتاب أنوار اليقين، للإمام الأوحد أمير المؤمنين، المنصور بالله الحسن ابن الداعي إلى الله شيبة الحمد بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، التي أعلاها السماع لي فيه، بقراءتي على والدي ـ رضوان الله عليه ـ بطرقه، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام الحافظ، صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، عن شيخه السيد الإمام، محيي علوم العترة الكرام، عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله محمد، عن السيد العلامة صلاح الدين، صلاح بن الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى عن المؤلف الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد، على جميعهم الصلاة والتسليم.
فقد انتهى الإسناد مسلسلاً بأعلام البيت النبوي، وهداة المنصب العلوي، ليس بيننا وبين الإمام إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ أنالنا الله من بركاتهم، وأفرغ علينا من أنوار هدايتهم، آمين آمين.
قال الإمام في فاتحة شرح الأنوار:
الحمد لله، الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة، /518

(1/518)


معرباً عن حالها، بعجز العباد كافة عن أمثالها.
قلت: وفي نطق لسان الفكرة الاستعارة المشهورة المكنية، حيث شبه الفكرة بمتكلم محذوف، أثبت له النطق تخييلاً، واللسان ترشيحاً.
أو يكون في نطق، استعارة مصرحة تبعية، حيث شبه الدلالة المحذوفة بالنطق، بجامع الإفادة والبيان فيهما، فاستعار لها الفعل وذكر اللسان ترشيحاً.
وإضافته إلى الفكرة إما من إضافة المشبه به إلى المشبه، أو يكون في الفكرة استعارة بالكناية، كما تقدم، واللسان تخييل؛ وهذا واضح كما ذكر نحوه أهل البيان، إلا أنهم مثلوا بنطقت الحال، والإمام (ع)، أتى باللسان؛ والكلام يحتمل زيادة تفصيل لايحتمله المقام.
[نبذة من شرح أنوار اليقين]
قال الإمام (ع): هذا، وقد حكمت عليهم عقولهم وإن لم يسمعوها، وشهدت أفئدتهم وإن لم يفهموها، بأن هذا العالم بأسره، وما فيه من نفعه وضرّه، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه، ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه؛ مع ما يشفع ذلك من اختلاف صوره وهيآته، ونموه ونباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمه وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، ووهائه وقوته؛ فإنّ ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر عليم؛ لأن هذا الاختلاف بعد الاشتراك إنْ حصل بذوات العالم وجب كون ذواته على صورة واحدة، أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة.
هذا، مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدث سواها.
وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة، أو مادة، أو عقل، أو طبيعة، أو غير ذلك من أنواع الترهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديماً أو معدوماً ـ أدى ذلك إلى قدم العالم وهو محال. /519

(1/519)


قلت: هذا في كونه قديماً، وأما كونه معدوماً فتأثيره محال ضرورة.
قال: وإن كان محدثاً، احتاج إلى محدث؛ ثم الكلام فيه كالكلام فيها؛ فيتسلسل ذلك إلى مالا يتناهى، أو ينتهي إلى فاعل لايحتاج إلى فاعل، وجب القول به أولاً؛ ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين، القائل وقوله الحق المبين: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون].
إلى قوله (ع): وقصدنا بجمع هذا الكتاب التعرض لما روينا عن أمير المؤمنين (ع)، أنه قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله جعل لأخي علي فضائل لاتحصى كثرة؛ فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها، غفر الله له ماتقدم من ذنبه؛ ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له مابقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر))، ثم قال: ((النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعدائه)).
فالثواب لنا على ذلك بمشيئة الله عظيم، وفيه للملتزم بحبل أهل البيت صراط مستقيم؛ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم.
فابتدأنا بعد الاستعانة بالله والتوكل عليه، وتفويض أمورنا كلها عليه، بإنشاء هذه الأرجوزة، المسماة بأنوار اليقين، في إمامة أمير المؤمنين، وما درج في خلال مناقبه من إمامة الحسن والحسين، وأبنائهما الطيبين، وبيان ما اشتملت عليه/520

(1/520)


أبياتها بما هو كالشرح لها، لتفصيل مجملها، ولفتح مقفلها.
وهذا أوان الابتداء سائلين التوفيق فيه، وفي الانتهاء بمنّه ولطفه:
الحمد للمهيمن الجبّارِ .... مكوّر الليل على النهارِ
ومنشيء الغمام والأمطار .... على جميع النعم الغزار
ثم صلاة الله خصّت أحمدا .... أبا البتول وأخاه السيدا
وفاطماً وابنيهما سمّ العدى .... وآلهم سفن النجاة والهدى
ياسائلي عمن له الإمامهْ .... بعد رسول الله والزعامهْ
ومن أقام بعده مقامه .... ومَنْ له الأمر إلى القيامهْ
خُذْ نفثات عن فؤاد منصدعْ .... يكاد من بث وحزن ينقطعْ
لحادث بعد النبي متسعْ .... شتت شمل المسلمين المجتمعْ
إلى آخر الكتاب، والحمد لله المنعم الوهاب.
[الكلام على الشفاء]
شفاء الأوام للسيد الإمام، الناصر للحق، حافظ العترة، أبي طالب، الأمير الحسين بن الأمير الداعي إلى الله شيبة الحمد بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
واعلم، أن الأمير الحسين بدأ بالجزء الثاني من أول كتاب البيع إلى آخر السير، ثم الجزء الأول إلى باب مايصح من النكاح وما يفسد؛ واختار الله له جواره، فتممه ابن ابن أخيه السيد الإمام العلامة صلاح الدين، صلاح بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع) إلى آخر أبواب النفقات.
قال في خطبة تتمته:
فاستخرتُ الله ذا العزّ والطول في تمامه، وتوخيت مشاكلة طريقه (ع) /521

(1/521)


في ترتيبه ونظامه، فلم أورد فيه من الأخبار، إلا مارويته بطريق القراءة على العلماء الأخيار.
إلى قوله: إلا حديثاً واحداً رويته بالإجازة، وأنا أذكره في موضعه.
إلى قوله: وتركتُ الإسناد جرياً على طريقه (ع). انتهى.
وفرغ من التتمة يوم الأحد، الثامن والعشرين من شهر رمضان المعظم، سنة إحدى وسبعمائة، وسمعها عليه في شوال منها، السيد الإمام أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين (ع).
ثم تممه بكتاب الرضاع السيد العلامة صلاح الدين، صلاح بن الجلال، أعاد الله من بركاتهم أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
[السند إلى الشفاء وإلى جميع مؤلفات الأمير الحسين مسلسلاً بالعترة]
هذا، وقد ذكر الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم (ع)، والقاضيان الحافظان شيخا الإسلام: أحمد بن سعد الدين، وعبدالله بن علي الغالبي؛ أنهم يروونه بطريق عالية من آل محمد (ع) ليس بين كل واحد منهم، وبين المصنف إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق، وحمدوا الله على ذلك، وعدّوه من أقرب المسالك.
وأقول ـ حمداً لله تعالى، وتحدثاً بنعمته جل وعلا ـ: قد اتصلت بفضل اللَّه تعالى ومنه، طرقي إلى مؤلفه الأمير الناصر للحق، وإلى كثير من أئمة الهدى، بآبائنا نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ، كما مرّ ويأتي في سياق الأسانيد إليه، وإلى غيره.
فالحمد لله على ماأولانا من جزيل نعمه، ووهب لنا من جليل قسمه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
وستتضح لك روايتنا للتتمتين، وسأقدم السند الذي في جميع مؤلفات الأمير الحسين (ع) على انفراده، والله ولي الإعانة والتوفيق.
فيقول عبدالله المفتقر إليه، مجد الدين بن محمد عفا الله عنهما، وغفر لهما وللمؤمنين: أروي كتاب شفاء الأوام وجميع مؤلفات الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع) كالتقرير شرح التحرير، وينابيع النصيحة، وثمرة الأفكار، والإرشاد إلى سوي الاعتقاد، وغير ذلك، سماعاً فيما سمعت منها فيه كالشفاء وينابيع النصيحة، وما تضمنته المؤلفات /522

(1/522)


المسموعة، من التقرير وغيره؛ وإجازة عامة في الجميع، عن والدي وشيخي، عالم آل محمد وزاهدهم الولي، محمد بن منصور ـ رضي الله عنهما ـ، عن شيخه والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير قراءة في الشفاء، وفي غيره، وإجازة عامة، وهو، عن مشائخه الأعلام أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير (ع)، ثلاثتهم عن السيد الإمام الحسين بن يوسف زبارة، عن أبيه السيد الإمام يوسف بن الحسين، عن أبيه السيد الإمام الحافظ الحسين بن أحمد، عن السيد الإمام عامر بن عبدالله بن عامر، عن الإمام المؤيد بالله محمد، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويرويها، وغيرها الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وهو والسيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي يرويانه، وغيره عن شيخهما السيد الإمام، نجم الأعلام، محمد بن عبدالرب، عن عمه السيد الإمام إسماعيل بن محمد، عن أبيه محمد بن زيد، عن أبيه زيد بن الإمام المتوكل على الله، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
نعم، وأروي جميع ماتقدم ذكره، بجميع الطرق السابقة في الإسناد الجملي، وإسناد المجموع، إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وهو يروي شفاء الأوام، وجميع مؤلفات الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين، عن السيد الإمام أمير الدين بن عبدالله الهدوي، قراءة في الشفاء، وإجازة في الجميع؛ وعن السيد الإمام إبراهيم بن المهدي القاسمي الجحافي، وعن السيد الإمام صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم يروون عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، عن الإمام الهادي لدين الله عزالدين بن الحسن، عن الإمام /523

(1/523)


المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، عن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى، عن السيد الإمام الحجة مفزع الأئمة، ومرجع علماء الأمة، المتوفى سنة أربع وثمانمائة محمد بن سليمان والد الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن والده الإمام المهدي لدين الله محمد، عن والده الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن المؤلف، الأمير الناصر للحق أبي طالب، الحسين بن بدر الدين الداعي إلى الله محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
(ح) وأرويه أيضاً بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، وهو يرويه قراءة عن السيد الإمام بدر آل محمد الهادي بن إبراهيم بن محمد الوزير، وهو والإمام أيضاً يرويانه عن والده السيد الإمام، حافظ الآل الكرام، صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير.
والسيد الإمام صارم الدين يرويه بطرق:
الأولى: بقراءته على والده شيخ العترة، محمد بن عبدالله الوزير، عن والده السيد الإمام عبدالله بن الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير، قراءة على السيد الإمام شيخ الآل صلاح بن الجلال اليحيوي صاحب التتمة الصغرى، وبعناية السيد فخر الإسلام عبدالله بن الهادي، ألّفها فقرأ عليه الأصل، والتتمة الكبرى، والصغرى، وهو يرويه قراءة على السيد الإمام شيخ آل محمد، الهادي بن يحيى ـ صاحب الياقوتة ـ بن الحسين، قراءة على الإمام الولي المهدي لدين الله علي بن محمد بن علي، قراءة على إمام الشيعة وشيخ أعلام الشريعة أحمد بن حميد الحارثي، قراءة على الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى، قراءة على السيد الإمام شيخ آل محمد، الأمير الخطير، المؤيد بن أحمد، قراءة على المؤلف، الأمير الخطير /524

(1/524)


الناصر للحق، الحسين بن محمد (ع).
(ح) ويرويه الإمام محمد بن المطهر أيضاً، عن السيد الإمام، عالم العترة الكرام، صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين، على المؤلف الأمير الناصر الحسين بن بدر الدين (ع).
وبهذا الإسناد اتضحت الطرق إلى جميع الكتاب الأصل، وتتمتيه.
(ح)، ويرويه الإمام محمد بن المطهر، مناولة، عن الأمير العالم الكبير، تاج الدين، جبريل بن الحسين، عن والده المؤلف (ع).
(ح)، ويرويه الإمام الولي، المهدي لدين الله علي بن محمد، عن عالم الشيعة المحدث، شمس الدين، أحمد بن علي بن مرغم الصنعاني، وهو يرويه، بطريقين:
الأولى: بقراءته على الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بسنده.
والثانية: عن القاضي العلامة جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، عن الإمام المتوكل على الله المظلل بالغمام المطهر بن يحيى، عن المؤلف (ع).
وأرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، وإلى والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وهما يرويانه عن السيد الإمام صلاح بن أحمد الوزير، عن والده شمس آل محمد أحمد بن عبدالله، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين (ع)، بطرقه كما سبق.
(ح)، ويرويه السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن والده عبدالله بن إبراهيم، عن والده السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير (ع)، بطرقه السابقة.
(ح)، ويرويه السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير أيضاً، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن أبيه السيد الإمام الولي يحيى بن المهدي، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن الإمام المهدي محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده، عن المؤلف الأمير /525

(1/525)


الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
قال (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلواته على محمد وآله.
الحمدلله الذي ألهمنا رشده بألطافه الخفية، وهدانا سبل النجاة بعوارفه السنية، إلخ.
[السند إلى اللمع للأمير علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى]
وقد تحصلّت فيما سبق الطريق إلى كتاب اللمع، للأمير الخطير، نجم العترة المطهرة، إمام آل محمد، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى.
فأرويها بالسند السابق إلى شيخ الآل، صلاح بن الجلال، عن السيد الإمام، الهادي بن يحيى بن الحسين، وهو يرويها قراءة على الفقيه العلامة يحيى بن الحسن البحيبح، قراءة على الأمير المؤيد بن أحمد، قراءة على الأمير الحسين، عن المؤلف(ع).
قال في طبقات الزيدية: وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية، وهي مأخوذة من التجريد والتحرير.
وقال في اللمع: عمدت إلى التحرير فجعلته لها كالأساس، وألحقت بذلك فوائد معينة، التي عني فيها القاضي زيد بن محمد مع أكثر فصوله، إلخ كلامه.
وأروي اللمع أيضاً بالسند السابق في الشفاء المتصل بآل محمد (ع)، من طريق الإمام شرف الدين، بسنده إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
[السند إلى كتابي: الدرر، والقمر المنير]
وأروي كتاب الدرر له في الفرائض بهذين السندين الشريفين، إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
وأروي كتاب القمر المنير له (ع)، بالأسانيد السابقة إلى الإمام شرف الدين، عن الفقيه علي بن أحمد، عن الفقيه علي بن زيد، عن السيد أبي /526

(1/526)


العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن، عن الفقيه يحيى، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
[من ينابيع النصيحة في معجزات الرسول]
قال الأمير الناصر للحق، حافظ آل محمد، الحسين بن محمد بن أحمد، في ينابيع النصيحة: الحمد لله القادر العليم، الفاطر الحي القديم.
ولما بلغ إلى الكلام في النبوة، أورد بحثاً كبيراً في معجزات سيد المرسلين، وفضائل خاتم النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
قال بعد أن ذكر استغناء الجمع الكبير، بالطعام اليسير، ببركته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كخبر شاة جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ، في سياق ذلك البحث: وأعطى موسى اليد البيضاء، في حال دون حال، وأعطى محمداً نوراً كان يضيء عن يمينه، وكلّم الله موسى بطور سيناء، وكلّم الله محمداً في السماء السابعة، وأعطى موسى الغمام ليظله، وأعطى الله محمداً ذلك، فإن السحاب كان يظله، وألقى موسى عَصَاْهُ فكانت حية، وأعطى محمداً ثعبانين يوم هم أبو جهل بقتله، وأحيا له الذراع المسمومة يوم خيبر وكلّمته، وكذلك كلّمه الجذع؛ كما رواه جماعة من الصحابة.
وساق خبره إلى قوله: وخسف الله بقارون بسبب دعاء موسى، وخسف الله بسراقة بن مالك بسبب دعاء محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ فإنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لما خرج مهاجراً إلى المدينة، جعلت قريش مائة ناقة لمن يردّه إليهم، فتبعه سراقة ليأخذ المائة، والحظ عند قريش؛ فلما دنا من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأمكنته الفرصة، وأيقن بالظفر، دعا عليه رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وهو في قاع صفصف، فساخت به قوائم فرسه، وخسف به الأرض، فنادى: يامحمد، ادع ربك ليطلق لي فرسي، وذمة الله علي ألا أدلّ عليك أحداً.
فدعا له فوثب جواده، وانتزع قوائمه من الأرض، وتبعها دخان كالإعصار.
وساق في فضائله على أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ: فإن عيسى (ع) تكلم في المهد، ومحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كلمه الذئب والضب، والحجر، والجذع، وسبّح الحصى في يده، وغير ذلك.
وروى ابن عباس أن الله /527

(1/527)


أوحى إلى عيسى: ياعيسى، آمن بمحمد، ومر من أدركه من قومك أن يؤمنوا به.
وأعطى عيسى المائدة، وأعطى الله محمداً ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذلك على ماهو مذكور، في أخبار أهل البيت (ع).
وقد تكلّم عيسى في المهد، وهكذا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جاءت امرأة بصبي ابن شهرين فقال الغلام وهو في حجر أمه وهي مكفهرة: السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يامحمد بن عبدالله.
فقال: ((وما يدريك أني محمد بن عبدالله، وأني رسول الله؟)).
قال: علمنيه رب العالمين، والروح الأمين جبريل؛ وهو قائم على رأسك ينظر إليك.
فقال: ((مااسمك ياغلام؟)).
فقال: سموني عبدالعزى، وأنا به كافر، فسمني.
فسماه عبدالله.
فقال له جبريل: هذا تصديق لك بالنبوة، ودلالة لكي يؤمن بقية قومك.
فقال الصبي: يارسول الله، ادع الله لي يجعلني من خدمك في الجنة.
فقال جبريل: ادع؛ فدعا.
فقال الغلام: السعيد من آمن بك، والشقي من كذب بك.
ثم شهق شهقة فمات.
فقالت المرأة: قد رأيت ما رأيت، فأنا أشهد أن لاإله إلا الله، وأنك رسول الله، ووا أسفى على مافاتني.
فقال لها: ((أبشري، فوالذي ألهمك الإيمان، إني لأنظر إلى حنوطك وكفنك مع الملائكة)).
فشهقت شهقة فماتت، فصلى عليها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودفنها.
وكلّم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الناقة، والحمار، والشجر، وغير ذلك.
وروي عن أم سلمة قالت: أقبل نفر على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكلّموه؛ فقال الأول: يامحمد، زعمتَ أنك خير من إبراهيم، وهو تعالى اتخذه خليلاً، فأي شيء اتخذك؟.
فقال: ((اتخذني صفياً، والصفي أقرب من الخليل)).
فقال الثاني: زعمتَ أنك خير من موسى، وقد كلّم الله موسى.
قال: ((ويلك، كلّم موسى في الأرض، وأنا كلّمني تحت سرادق عرشه)) /528

(1/528)


فقال الثالث: زعمتَ أنك خير من عيسى، وكان يحيي الموتى، فأنت متى أحييت؟
قالت: فغضب، وصفق بيديه، وصاح بأعلى صوته: ((ياعلي))، فإذا علي مشتمل بشملة، وهو يقول: لبيك لبيك يارسول الله.
فقال له: ((من أين؟))
قال: كنت في بستان إذْ سمعت صوتك، وتصفيقك.
فقال: ((ادن مني، فوالذي نفس محمد بيده ما ألقى الصوت في مسامعك إلا جبريل)).
فدنا علي من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم كلّمه بكلمات لم أسمعها.
ثم قال: ((ياحبيبي، فالبس قميصي هذا، وانطلق بهم إلى قبر يوسف بن كعب، فأحيه لهم بإذن الله محيي الموتى)).
قالت أم سلمة: فخرجوا أربعة معاً، وأقبلت أنا وهم، حتى انتهى بهم إلى بقيع الغرقد، إلى قبر دارس، ودنا منه، وتكلّم بكلمات، فتصدع القبر، ثم أمره ثانية، فتصدع، ثم أمره ثالثة، فتصدع، ثم قال: قمْ بإذن الله محيي الموتى.
فإذا شيخ ينفض التراب عن رأسه ولحيته ويقول: ياأرحم الراحمين.
ثم التفت إلى القوم كأنه عارف بهم، ثم قال: ويلكم أكفر بعد إيمان؟ أنا يوسف بن كعب صاحب الأخدود، أماتني الله منذ ثلاثمائة وستين عاماً حتى الساعة.
ثم هتف هاتف وقال: قمْ صدق سيد ولد آدم محمداً فقد كُذِّبَ.
قال: وهذه المعجزة قد وقع مثلها أيضاً، كما روي عن أبي عبدالله قال: حدثني أبي عن جدي ـ قلت: يعني بأبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (ع) ـ أن أصحاب الرسول كانوا مجتمعين، فتذاكروا الإدام، فاجتمعوا على أن لاإدام خير من اللحم، فرفع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رأسه، وقال: ((أما إنه لاعهد لي به من كذا وكذا))، فبقي والقوم، وقام رجل من الأنصار إلى امرأته، وقال: يافلانة هذه غنيمة باردة.
قالت: وما هي؟
فقص عليها القصة.
قالت: دونك شاتك فاذبحها.
وكان لهم عناق يربونها، فقام إليها فذبحها، وشواها، ووضعها في مكتل، وقنّعها بقناع وقال لابنه: انطلق بها إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقم عنده تنظر مايصنع.
قال الغلام: فأتيته بها، وهو في منزل أم سلمة، فدخلتُ وهو مستلق على نطع، /529

(1/529)


وإحدى رجليه على الأخرى، فوضعتها بين يديه، وأخبرته أن أبي بعث بها إليه، فَسُرَّ بها، وقال: ((ياغلام ادع لي علياً))، وقال: ((يابلال ائتني بسفرة))، فأتاه بها، فوضع العناق عليها.
ثم قال: ((انظر مَنْ في المسجد من المسلمين)).
فقال: ثمانية عشر نفراً.
قال: ((أدخلهم)).
فلما دخلوا، قال: ((كلوا ولا تنهشوا لها عظماً)).
فأكلوا حتى صدروا ثم نهضوا.
ثم قال: ((يابلال ائت فاطمة)).
ثم قسم في نسائه قُبضة قُبضة، فلما فرغ، ضرب وركها، وقال: ((قومي بإذن الله تعالى)).
فنهضت تبادر الباب، واتبعها الغلام، فسبقته إلى المنزل، فدخل الغلام، وأبوه يقول: كأنها عناقنا التي ذبحناها.
فقالت امرأته: لعلها لبعض الحي.
فقال الغلام: لاوالله، ماهي لأحد، وإنها لعناقكم، صنع بها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذا.
إلى غير ذلك.
[من الينابيع في إخباره بالمغيبات]
وقال (ع): وأما إخباره عن الغيوب الماضية، فنحو إخباره بقصة آدم وحواء وأولادهما، ونوح، وأخبار سائر الأنبياء المفصلة في القرآن، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ونحو أخبار أهل الكتابين، ونشر فضائحهم، وأفعالهم.
وأما إخباره عن الغيوب المستقبلة، فنحو إخباره بأسرار المنافقين، وما قد عزموا على فعله في المستقبل، وإخباره بأن اليهود لايتمنون الموت، في قوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } [البقرة:95]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بهزيمة بدر قبل وقتها، في قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بقصة مُلك الروم وفارس، في قوله: {الم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)} [الروم].
ونحو قوله، /530

(1/530)


للزبير بن العوام: ((إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم))؛ وقد ذكّره ذلك أمير المؤمنين علي (ع) يوم الجمل فعدل عن القتال.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ: ((تقتلك الفئة الباغية))، فقتله أصحاب معاوية.
قال: ونحو وَعْده لأصحابه بكنوز كسرى وقيصر، وقوله لسراقة بن جعشم وقد نظر إلى ذراعيه: ((كأني بك، وقد لبست سواري كسرى))، وكان سراقة أشعر الذراعين دقيقهما.
فلما افتتح المسلمون خزائن كسرى على عهد عمر، حُمِلَ المال فوضع في المسجد، فنظر عمر منظراً لم يَرَ مثله، والذهب والياقوت والزبرجد واللآلي تتلألأ.
فقال: أين سراقة بن جعشم؟
فأتي به، فقال له عمر: البس السوارين.
وهما سوارا كسرى.
ففعل سراقة، فكان ذلك آية ظاهرة.
ونحو قوله لسلمان الفارسي: ((سيوضع على رأسك تاج كسرى))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو قوله لعائشة: ((ستنبحكِ كلاب الحوأب))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو إخباره للصحابة أن أويس القرني ـ رحمه الله ــ قلت: كذا في المنقول عنها بغير ألف على لغة ربيعة، قال ـ: يَرِدُ عليهم بعد وفاته، وأن به برصاً، دعا اللَّه تعالى فبرئ كله إلا قدر الدرهم، وكان عمر يسأل عنه، ويطلبه حتى ظفر به.
قلت: وهو من الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ بصفين، بين يدي سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ.
قال (ع): ونحو نعيه لجعفر بن أبي طالب على بُعْد منه.
قلت: ورد في الأخبار أنه لما التقى الناس بمؤتة، وهي في تخوم الشام، وكان أهل الغزوة ثلاثة آلاف، والتقاهم ملك الروم في مائة ألف مقاتل، جلس رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على المنبر، وكُشِفَ له مابينه وبين الشام، ونظر إلى معركتهم، وأخبر أصحابه بما هم فيه، وقال: ((أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، ثم مضى قدماً حتى استشهد))، فصلى عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودعا له، ثم قال: ((استغفروا لأخيكم، فإنه شهيد قد دخل الجنة، فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت، حيث يشاء من الجنة)).
وقال: ((أخذ الراية زيد بن حارثة))، وحكى /531

(1/531)


عنه نحو ماتقدم عن جعفر بن أبي طالب، إلى قوله: ((ومضى قدماً حتى استشهد))، ثم صلى عليه؛ وقال: ((استغفروا له، فقد دخل الجنة وهو يسعى)).
وقال: ((أخذ الراية عبدالله بن رواحة، ثم دخل معترضاً))، فشق ذلك على الأنصار، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أصابته الجراح))، قيل: يارسول الله فما اعتراضه؟ قال: ((لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه، فَشَجُع، فاستشهد، فدخل الجنة)).
وفي أمالي الإمام الناطق بالحق أبي طالب، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كان جالساً في المسجد، وقد خفض له كل رفع، وهو ينظر إليهم يقتتلون، والناس عنده، وكأن على رؤوسهم الطير، وهو يقول: ((تهيأ القوم، وتعبأوا والتقوا))، ثم قال: ((قُتِل جعفر؛ إنا لله وإنا إليه راجعون))، وأخذ رسول الله التقطع في بطنه ـ قلت: أي المغص ـ.
وساق في خبر جعفر (ع)؛ إلى قوله: ثم أخذ السيف وتقدم وهو يقول:
ياحبذا الجنة واقترابها .... طيّبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها .... علي إنْ لاقيتها ضرابها
انتهى.
[منها في حديث غزوة مؤتة]
وكانت غزوة مؤتة في جمادى، عام ثمانية من الهجرة، وأمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيها الذين عينهم هؤلاء الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إنْ قتل فلان ففلان، وإنْ قتل فلان ففلان))، وفي الثالث قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وإنْ قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً)).
وسمع كلامه يهودي كان حاضراً، يقال له: النعمان، فقال: ياأبا القاسم، إن كنت نبياً فسيصاب من سميت قليلاً كانوا أوكثيراً، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل ثم قالوا: إن أصيب فلان، فلو سموا مائة أُصيبوا جميعاً.
ثم جعل يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبداً إنْ كان نبياً.
قال زيد: أشهد أنه نبي صادق.
ولما عقد رسول الله صلى الله /532

(1/532)


عليه وآله وسلم لهم اللواء، وهو لواء أبيض، مشى الناس إلى أمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يودعونهم ويدعون لهم، وناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردّكم صالحين سالمين غانمين.
فقال عبدالله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة .... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
الأبيات.
نعم، وعند أهل البيت أن ترتيبهم في الأمارة هكذا جعفر، ثم زيد، ثم عبدالله.
روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح، عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين، أنه كان على الناس يوم مؤتة جعفر بن أبي طالب.
وروى أيضاً من طريق أخرى، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أن جعفر بن أبي طالب (ع) لم يبعثه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في وجه قط إلا جعله على الناس، وهاجر الهجرتين جميعاً: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة، وأمّره - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على من كان من المؤمنين عند الحبشة.
إلى قوله: وأسلم النجاشي على يديه، ثم قدم على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد فتح خيبر؛ فقام إليه حين عاينه وتلقاه وعانقه، وقبّل بين عينيه، وقال: ((ماأدري بأيهما أنا أشد فرحاً وسروراً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟)).
ثم أمّره على زيد وعبدالله بن رواحة، وجماعة الناس، في غزوة مؤتة، فقُطِعَت يداه، وضُرِبَ على جسده نيفاً وسبعين ضربة. انتهى.
قال ابن أبي الحديد: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة هو كان الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول.
قال: وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي مايشهد لقولهم.
فمن ذلك مارواه عن حسان بن ثابت.
وساق قصيدته فيهم إلى قوله:
ولا يبعدنّ الله قتلى تتابعوا .... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
/533

(1/533)


إلى قوله:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم .... إلى الموت ميمون النقيبة أزهرُ
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم .... أبيّ إذا سيم الظلامة أصعرُ
إلى قوله:
وما زال في الإسلام من آل هاشم .... دعائم صدق لا ترام ومفخرُ
هم جبل الإسلام والناس حوله .... رضاب إلى طود يطول ويقهرُ
بهاليل منهم جعفر وابن أمه .... علي ومنهم أحمد المتخيرُ
إلى قوله:
هم أولياء الله أنزل حكمه .... عليهم وفيهم والكتاب المطهر
ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري.
وساق أبياته إلى قوله:
ساروا أمام المسلمين كأنهم .... طود يقودهم الهزبر المشبلُ
إذْ يهتدون بجعفر ولوائِهِ .... قدام أولهم ونعم الأولُ
إلى قوله:
فتغيّر القمر المنير لفقده .... والشمس قد كسفت وكادت تأفلُ
قوم علا بنيانُهم من هاشم .... فرع أشم وسؤدد متأثلُ
قوم بهم عَصَمَ الإلهُ عبادَه .... وعليهم نزل الكتاب المنزلُ
انتهى.
[منها في كرامات العترة]
هذا، وأورد الأمير الناصر (ع)، في الينابيع، بحثاً في كرامات أهل البيت (ع).
وقد ذكرت في التحف الفاطمية من كراماتهم (ع) مايشفي، وأذكر هنا مالم يكن هنالك، أو هو أبسط من ذلك.
قال (ع): فمن ذلك: أن الحسين السبط ابن علي الوصي أمير المؤمنين (ع)؛ لما قُتل بكربلاء، بكت عليه الأرض والسماء، وقطرت ـ كما رويناه بالنقل الصحيح ـ دماً.
ومن ذلك: كرامات زيد بن علي السجاد ابن الحسين الشهيد عليهم /534

(1/534)


السلام.
وساق من كراماته (ع) ما سبق هنالك، بزيادة في تفصيل الرواة.
قال: ونحو: كرامات الإمام العالم ترجمان الدين، أبي محمد، القاسم بن إبراهيم (ع)؛ فإنه دعا إلى اللَّه تعالى في مخمصة، فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به سليمان بن داوود، فجاءه العرش قبل ارتداد الطرف.
فتهدل البيت رطباً.
قال: ونحو: كرامات الهادي إلى الحق.
إلى قوله: ويكفي في ذلك طيب رائحته عند الموت، وكان يقول لولده الإمام المرتضى لدين الله، محمد بن الهادي (ع): يابني، هذا يوم ألقى الله فيه، ولقد رجوت أن يبلغني الله الأمل في جهاد الظالمين، ومنابذة الفاسقين؛ والله غالب على أمره.
قال المرتضى لدين الله: وهو مع ذلك جالس، لم تتغير جلسته، غير أن الصفرة تعتريه قليلاً قليلاً، وهو يذكر الله ويحمده، ثم أدنى برأسه، وخفي صوته.
قال المرتضى لدين الله: فأضجعته، فإذا هو قد فارق الدنيا.
ونحو: كرامات الإمام الناصر للحق (ع)؛ فإن رجلاً كان في بلاد الديلم، ومعه كلب قد ضراه، يأكل الناس، فكان يعمد من الرجل إلى مذاكيره فيقطعها، فمرّ به الناصر، فأغرى الرجل به الكلب.
إلى قوله: فلما قرب من الناصر، أغراه الناصر بمالكه، وقال له: ياكلب، كُلْه.
فافترس الكلب حينئذ مولاه، وقتله، وبقي بعد ذلك مع الناصر للحق (ع).
ثم ذكر النور الذي أضاء عند موته، وقد ذكرناه.
وذكر مااشتهر من دعوته للضفدع، لما استجارت بقربه، أن تسلّط على الحنش فأكلته.
وقد حكى العلماء أنه استمر بذلك المكان.
ثم ذكر السم الذي أُلْقي في الطعام للإمام فقدم الكلب السابق، وأكل منه قبله فمات.
قال: ونحو: كرامات الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان.
فذكر ما أشرت إليه في التحف الفاطمية، وزاد خبر المطرفي الذي سبه (ع) في مسجد حوث، فنزل ثعبان من السقف، فالتوى بحلقه حتى كاد يهلكه، ثم أفلته فتاب، وأناب.
قال: ومن كراماته: مارواه الإمام المنصور بالله (ع)، وهي أمور /535

(1/535)


منها: أنه أتاه شيخ كبير، وشكا عليه الصمم، فنفث في أذنيه، ودعا له، فبرئ من الصمم بلطف الله تعالى.
إلى قوله: ومنها أنه في بعض مخارجه لحق أصحابه وعسكره العطش الكبير، حتى أشفقوا على الهلاك، وهم في موضع لا ماء فيه؛ فقام ـ (ع) ـ فعلم لهم فيه ثلاثة أمكنة، وقال: احفروا.
فحفروا موضعين، فلحقوا الماء على قامة وبسطة، فشرب الناس كلهم، وسقوا دوابهم، وملأوا مزاودهم وطهروا، واستقوا؛ وأَمْسوا إلى الصبح، ثم طهروا وصلّوا صلاة الفجر، وارتحلوا؛ فلما فصلوا من الماء رجع منهم قوم لشيء نسوا من أدواتهم، فأتوا وليس للماء أثر، ولا بقي فيه شيء، فلحقوا بالناس وأعلموهم، وكانوا من أهل الصدق، والثقة والدين، فعجب الناس، وزادهم ذلك يقيناً.
وقال بعض شعرائهم، في المتوكل على الله (ع) من جملة أبيات.
قلت: صدرها في الشافي:
يابن بنت النبي كل لسان .... مادح مايكون مدح لساني
ومن هنا في الشافي والينابيع:
ظهرت فيك معجزات كبار .... لم نخلها تكون في إنسان
لم نخبر عنها سماعاً ولـ .... ـكنا رأينا يقينها بالعيان
تبرئ الأكمه العليل وتشفي .... بشفا الله أعين العميان
وتسوق الحيا إلى حيث ماكنـ .... ـت وتجري الأنهار في الغيضان
قلت: وفي الشافي:
هبك تشفي عمى القلوب بعلم .... فبماذا تشفي عمى العميان
غير أن الولي لله لا تنـ .... ـكر فيه خصائص الرحمن
وساق الأمير (ع) في كرامات الإمام، وفيها: أن صبيّة بنت ثلاث سنين رضخت؛ فبينما هي تجود بنفسها، إذْ قالت: لاتقبروني مع الكبار أهل النار، /536

(1/536)


واقبروني مع الصغار أهل الجنة، وإن دهمش اً من أهل الجنة، وعليه صيام شهر رمضان، وهي لاتعرف دهمشاً، ولا ماعليه، وهو من الشهداء مع الإمام المتوكل على الله ـ رضي الله عنهم ـ.
قال الإمام (ع): ونحو ذلك من كراماته: كقصة تراب التيمم، وقصة السيل يوم صعدة، وقصة ورقة الذرة، المكتوب فيها، خِلْقَةً من الله تعالى "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أحمد بن سليمان المتوكل على الله حجة الله".
فما تقدم رواه الإمام المنصور بالله (ع)، إلا قصة ورقة الذرة، فأنا أرويها عن بعض العلماء.
هذا كلام الأمير الناصر للحق (ع).
قلت: قال الإمام في الشافي، بعد أن حكى اجتماع العلماء إليه من العراق، واليمن، وسائر الأقطار، قال: فناظروه في دقائق العلم وغوامضه، فصادفوا منه بحراً لا ينزف، وزاخراً لا يغرف، فاعترفوا بحقه، وشهدوا بسبقه.
إلى قول الإمام (ع): وانتشروا في أقطار اليمن دعاة إليه.
إلى قوله: لابد لنا أن نذكر طرفاً من حاله، مما نقله الثقات، وتواترت به الروايات؛ لاتصال مدته بمدتنا.
وروى الإمام (ع)، عن الشيخ محيي الدين ـ رضي الله عنه ـ، أنه سمع الإمام المتوكل على الله ابتدأ حكاية ماأنعم الله عليه بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى:11].
إلى قوله: من نعم الله علينا كذا وكذا ـ وذكر حكاية السيل، وغيره ـ.
إلى قوله: فظهرت لنا دلائل إمامته، ونطقت شواهد فضله وبركته.
قال الإمام: ولو رُمْنا استقصاء ما ورد في هذا الباب، لأفضينا إلى الإطناب.
انتهى كلام الإمام في الشافي.
فانظر إلى كرامات هذا الإمام، الدالة على ماله عند الله تعالى من عظيم الشأن، وعلوّ المكان، المؤيدة لمعجزات جده سيد ولد عدنان، عليه وآله الصلاة والسلام.
وانظر إلى الرواة لها، فإنهم الإمام الأعظم حجة الرحمن، المنصور بالله عبدالله بن /537

(1/537)


حمزة بن سليمان، في شافيه، والإمام الأوحد، الحسن بن محمد، في أنواره، والأمير الناصر للحق، حافظ العترة (ع)، في ينابيعه؛ مع قرب عهدهم من عهده، واتصال عصرهم بعصره؛ فكل واحد منهم يروي عن الإمام المتوكل على الله بواسطة أشياخه الكرام الأعلام، المشافهين للإمام.
فالإمام الحجة عبدالله بن حمزة عن الشيخ الحسن، ومحيي الدين، وغيرهما، عن الإمام.
والإمام الحسن، وأخوه الأمير الناصر للحق، عن والدهما الداعي إلى الله، عن الإمام (ع)، أعاد الله من بركاتهم، وأفاض علينا من نفحات كراماتهم، بفضله وكرمه.
[كرامة للإمام أحمد بن سليمان في العصر الأخير]
وقد وقعت للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، في العصر الأخير كرامة من الكرامات البالغة.
فيقول المفتقر إلى اللَّه تعالى، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ: أخبرني المولى العلامة فخر الإسلام، وبدر الأعلام، عبدالله بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، قال: حدثني والدي أمير المؤمنين، عن القاضي العلامة الرحلة محمد بن عبدالله الغالبي، عن السيد صلاح الهاشمي، أنه لما حُفِر للإمام الحسين المؤيدي بجانب قبره، انثقب ثقب إلى قبر الإمام أحمد، فأدخل بعض الحاضرين يده فإذا هو لم يتغير منه شيء، وشاهده الحاضرون، ثم أنه لمس لحيته الشريفة فانخزل منها شعرات قد علاها نور الإسلام فيها بعض الطول.
وهذه كرامة له (ع) عظيمة، وآية لجده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ انتهى.
وقد اشتهرت هذه الكرامة، وسمعتها من غير هذا الطريق، ولكن هذا سند روايتها المتصل بالحاضرين.
[(رجع) إلى ما رواه في الينابيع من كرامات العترة]
قال (ع): ونحو: كرامات الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
فإنا روينا أنه كتب كتاباً، بركة لصبي، قد ابيضت عيناه؛ فما كان إلا أن تعلق الكتاب، وأبصر في الحال وعوفي.
وذكر النور، والراية الخضراء، وقد ذكرتهما في التحف.
قال: ومنها: فتحه باب غمدان بشصة من نشابة من غير تعب، وكان لاينفتح بمفتاحه إلا بعد علاج شديد /538

(1/538)


.
ومنها: الطيور البيض، التي رواها الشيخ أحمد بن الحسن الرصاص ـ رحمه الله ـ.
قلت: وهو العلامة الأصولي بهاء الدين، صاحب الخلاصة، (وهي الثلاثون المسألة) المتوفى سنة (621) إحدى وعشرين وستمائة، وهو ولد الشيخ الحسن - رضي الله عنهما -؛ وليس هو الباغي على الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، فهو الحفيد، أحمد بن محمد بن الحسن، كافاه الله تعالى بعمله؛ وقد رويت توبته والله أعلم.
نعم، قال: وهي قدر ثمانية، مظللة على رأس المنصور بالله، عند دخوله مدينة صنعاء.
إلى غير ذلك من كراماته (ع)، فإنها كثيرة.
قلت: والإمام الحسن، وأخوه الأمير الناصر الحسين، معاصران للإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وكذلك غيرهما من المعاصرين للإمام، كإمام الشيعة، حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، قد شاهدوا ونقلوا عنه من الأخبار والأنوار، مافيه بلاغ لأولي الأبصار.
وذكر (ع) بحثاً من كرامات آبائه الهداة، الدعاة إلى الله، نجوم آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
وسنورد عند ذكر كل واحد منهم يسيراً من فضائله المذكورة في ترجمته، حسبما يقتضيه المقام، وإن كنتُ قد ذكرتهم جميعاً في التحف الفاطمية، ورسمتُ بعض فضائلهم، ومقاماتهم، ولكن تبركاً بذكرهم (ع)، وتأكيداً لمن يعلم، وتأسيساً لمن لم يعلم، من الإخوان الكرام؛ وإنْ كان محلهم في الإسلام، وفضلهم في عترة سيد الأنام، عليهم أفضل الصلاة والسلام، أشهر من أن يذكر، وأنور من ضياء الشمس والقمر، أعاد الله من بركاتهم.
[ترجمة الأميرين: شمس الدين وبدره]
قال (ع) في الينابيع: ونحو: كرامات الأمير، شمس الدين يحيى بن أحمد.
قلت: وساق نسبه إلى الهادي إلى الحق (ع)، وقد ذكرته في التحف الفاطمية.
أخذ عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، وعن الشريف العالم تاج العترة، الحسن بن عبدالله بن محمد، وعن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليهم ـ.
ومن الكلام في طبقات الزيدية، ومطلع البدور في شأنه: هو الأمير الكبير، شمس الدين، الأمير الأعظم، والخطير الأعلم، الداعي إلى الله، شيبة /539

(1/539)


الحمد، شيخ آل الرسول، وإمام فروعهم والأصول، وشمس فضلهم التي ليس لها قفول ولا أفول، يحيى بن أحمد، علمه أشهر من الشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها؛ وما أحقه بقول القائل:
يحيى بن أحمد لولا أن والده
محمد ختم الأنباء كان نبي
وقال في البسامة فيه وفي أخيه:
وشيبتا الحمد شيخانا له نصرا .... وفرقا همماً للضم للبشرِ
وفي الرواية، أن الإمام أحمد بن سليمان، سُئل عمن يصلح للإمامة، فقال: إمامكم الحبر الأبر هذا؛ وأشار إلى شمس الدين.
وكان المنصور بالله قبل قيامه محباً لأن يلي الخلافة أحدهما، وكفى بقول الإمام المنصور بالله في شمس الدين (ع):
يابن علي بن أبي طالب .... قمْ فانصر الحق على الباطلِ
وقوله أيضاً:
يايحيى يابن إمام الناس كلهم .... أنت الذي نوره تجلى به الظلم
ومن شعره فيهما:
شيخان من آل الرسول تشافقا .... وبنوهما سلكوا على الآثار
ومن ترثية الإمام المنصور بالله، في الأمير شمس الدين (ع):
فلو كان يُفْدى بالنفوس فديته .... بنفسي وما أحوي من المال والوفر
وحسبك بهذا. وفي وفاته (ع)، يقول القائل:
ألا إن شمس الدين يحيى بن أحمد .... تقضّت لياليه بشهر المحرم
لست مئين حجة قد عددتها .... وست سنين بعد ذلك فاعلمِ
وعاش من الدنيا ثمانين حجة .... سوا حجة والمرء غير مسلمِ
/540

(1/540)


وأخذ عليه جماعة، منهم: عطية بن محمد النجراني، ووالده محمد بن أحمد، ومحمد بن أحمد بن الوليد، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
فهذه مجة من لجة، من أحواله (ع)، وقد استوفاها أرباب السير، وفي التحف الفاطمية زبدة شافية.
قال ابن أخيه الناصر للحق (ع) في الينابيع: فإنه (ع) مضى في طريق بلاد خولان، وفيها شجرة عظيمة، فأصابته فدعا عليها، فاقتلعها الله من أصلها في الحال.
ونحو: كرامات أخيه الأمير بدر الدين، شيخ العترة الطاهرين، والدي، محمد بن أحمد ـ قدس الله روحه ـ.
قلت: وهو كذلك، قد ذكرتُه في التحف الفاطمية مع أخيه في سيرة الإمام المنصور بالله (ع).
ومن كلام السيد الإمام في الطبقات، والقاضي أحمد في المطلع، في أوصافه: هو الأمير الخطير الحجة، شيخ العترة، شيبة الحمد، بقية علماء بني الزهراء، وسيدهم في عصره، الداعي إلى الله أبو عبدالله، محمد بن أحمد، خضعت له العلوم، ونشرت على رأسه ألوية المظنون منها والمعلوم، وعكفت العلماء على بابه، وتشرفت بلثم أعتابه، ومضت به كلمة الشريعة في البلاد، وانخرطت الأمة فيما يقود سلسلة العباد، ورجع إليه الناس مراراً، لأمر الإمامة العظمى، فامتنع؛ لوجود الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
أخذ على مشائخ أخيه شمس الدين السابقين، وتتلمذ له الفضلاء كالإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وابن عمه الأمير علي بن الحسين، وولده الأمير الحسين بن محمد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني، وولده الشيخ عطية، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
وكان سماع الإمام المنصور بالله، والشيخ محيي الدين بن الوليد، سنة/541

(1/541)


سبع وتسعين وخمسمائة، بصعدة.
قال الإمام (ع): أخبرنا الشريف الأمير الأجل، السيد الفاضل، بدر الدين، فخر العترة، تاج الشرف، الداعي إلى الله، أبو عبدالله..إلخ.
ومشهدهما بهجرة قطابر، بنيد الصباح، على باب المسجد، عن يمين الخارج منه، الشامي قبر الأمير شمس الدين، ويليه قبر أخيه بدر الدين، ويليه قبر الأمير علي بن الحسين (ع).
قال الإمام في الشافي، في ذكر ولاته (ع)، على مدينة صعدة: ثم الولاة اليوم، شيخ آل الرسول، الداعي إلى الله، بدر الدين وولده تاج الدين؛ فشرفهم وورعهم أشهر من أن تُنْصَبَ عليه البراهين.
وقال قبل ذلك: ولينا مجد الدين قدس الله روحه الطاهرة، من السلالة الطاهرة، من عُرف بالصلاح طفلاً وناشئاً، وكان في أمر الله ماضياً.
وهو في سياق ذكر ولاته في أواخر الجزء الرابع من الشافي.
قلت: وهو الأمير الخطير، بدر العترة المنير، الشهيد الحميد، مجد الدين ـ ويقال له: يحيى بن الأمير بدر الدين (ع) ـ وكان على صغر سنه في منزلة الإمامة، ويكفيك أن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة أشار ـ إنْ حدث به أمر ـ عليه، وأهَّله لمقامه؛ استشهد في سبيل رب العالمين، مع الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين (ع).

(1/542)


قال الإمام (ع) في ترثيته:
أمرّ الوجد ماأجرى الدموعا
مصاب الطالبي أبي حسين
فقدناه حساماً مشرفياً
إمام أئمة وشحاك ضدّ
نودّعه ونأمل أن يوافي
وفي المعلوم أن الحشر وعد
مضى قدماً كأن الموت غُنْم
يُهَوِّنُ ما ألاقيه بأن الـ
وأن أخي سخا بالنفس فيه
وأن بني أبي وسراة قومي
فردّوا السيف مثلوماً خضيباً
أيحيى ليت عينك أبصرتنا
فَقدْنَا مِنْكَ بحر جدى وعلماً
سررت بما غممنا منه جداً
تراجعك الملائك كل يوم
ليهنك عيشك الراضي إذا ما
وقد ثأرت بك الإخوان منهم
سلام الله زارك كل يوم
وأضلع من مضاضته الضليعا
حمى أجفان أعيننا الهجوعا
وبحراً زاخراً وحَياً مريعاً
وليثاً خادراً وحماً منيعاً
إلينا في عساكره سريعاً
متى شمنا لغرته طلوعاً
ولم يقصد إلى الدنيا رجوعاً
ـذين سطوا به قُتِلوا جميعاً
مواساة فصار له ضجيعاً
وغرّ صحابتي خاضوا النجيعا
وردّوا الرمح مقصوداً صديعا
لفقدك ليس عن ذلّ خضوعا
وليث شجاعة وندى ربيعا
وجاور شخصك الملأ الرفيعا
كلاماً يشبه الشهد النصيعا
عداتك كان عيشهم الضريعا
فكن لهم إلى الباري شفيعا
ورحمته التي حسنت وقوعا
وغيرها من فرائد قصائد الإمام فيهم جميعاً (ع).
قال في الينابيع، في سياق كرامات والده الداعي إلى الله، بدر الدين محمد بن أحمد (ع): فإنه عند ولادته ـ وكانت في الليل ـ ارتفعت سَبْلُ المصباح، وطالت حتى بلغت السقف.
ومنها: ما أخبرني به الأمير تاج الدين، أحمد بن بدر الدين ـ أدام الله تعالى سعادته ـ قال: حكى لي الثقة العدل المرضي، أنه كان مع الأمير بدر الدين شيخ آل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ، في مخرجه إلى نجران، فبيناه يطهر - وكان بطيء الطهور جداً - إذا بالمطر قد أقبل، فأصابنا، فغرقنا جميعاً، إلا الأمير بدر الدين، فإن الله سبحانه جعل على مكانه حيث تطهر هالة صَحْو كهالة القمر، فما أصابه شيء أصلاً مع بطائه في الطهور، والمطر مستمر، حواليه لاعليه، وهو في العراء والضحاء، إلى أن فرغ من طهوره سالماً.
قال الأمير الفاضل، تاج الدين ـ طوّل الله مدته ـ: فعجبتُ من هذه الحكاية عجباً عظيماً.
ثم وقعت مع الأمير بدر الدين رحمة الله عليه، في مثل هذه الكرامة، /543

(1/543)


وذلك أني سلكت معه في طريق الفد حتى انتهينا إلى جبل يسمى عُرَّبَوْصَان، وأصابتنا مطارة عظيمة غزيرة، فالتجأتُ ـ أنا ـ ورجل معي، إلى أصل شجرة بقرب الطريق، فلم تكننا من المطر، بل غرقنا غرقاً عظيماً، إلى أن وقف معنا بجنبها الأمير الكبير، بدر الدين ـ رضوان الله عليه ـ.
قال الأمير تاج الدين ـ خلّد الله عُلُوّه ـ: فأنا أشهد أن المطر حوالينا قاب الرمح أو أكثر، كأفواه القرب، وما أصابنا بعد وقوفه معنا، حتى القطرة الواحدة؛ ببركته ـ رضوان الله عليه ـ.
ومن كرامات الأميرين الكبيرين شيخي آل رسول الله: شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى، ومحمد ـ رضوان الله عليهما ـ: ماأخبرني به الشريف الطاهر، الفاضل العالم، جمال الدين، كعبة الشرعيين، علي بن الحسين ـ أدام الله أيامه ـ، قال: خرجتُ ذات ليلة إلى قبريهما لزيارتهما، وهي في ليلة من ليالي رمضان، فإذا رائحة العود القافلي.
إلى قوله: فإذا بها في قبريهما، دون سائر القبور.
إلى قول الناصر للحق الحسين: وغير ذلك من كرامات أهل البيت (ع). انتهى.
قلت: وقد ذكرت الأمير جمال الدين ومؤلفاته في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، عند تعداد آل يحيى بن يحيى (ع).
وفي طبقات الزيدية ومطلع البدور، في ترجمته: هو الأمير، السيد الفاضل، العالم، سيد المحققين، صاحب اللمع والدرر، إنسان العترة، وسيدهم وفاضلهم في وقته، حليف الآثار، وقرين العلوم؛ واتفق على فضله الزيدية، واعتمدت كتبه؛ وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية ـ قلت: وقد تقدم سندها ـ جمال الدين، كعبة الشرعيين، علمه وزهده لايحتاج إلى ذكر، فذلك أشهر من الشمس السائر، في الفلك الدائر، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)، وقبره يلي قبر الأميرين شمس الدين وبدره من اليمن بلا فصل.
وبيّض لوفاته في الطبقات.
قال السيد الإمام فيها: يروي كتب /544

(1/544)


الأئمة، وشيعتهم، بالسلسلة المعروفة عن الشيخ عطية بن محمد النجراني، عن الأميرين: شمس الدين وبدره، يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى.
إلى قوله: وقال القاضي عبدالله الدواري: إن الأمير علي بن الحسين يسنده إلى الأميرين بدر الدين، وشمسه، من غير واسطة.
وقال: وأخذ عنه ذلك، الأمير الحسين بن محمد.
وكذا قال في الترجمان، وتبعهما الإمام شرف الدين (ع).
انتهى المراد.
[الكلام على كتاب ينابيع النصيحة]
واعلم، أن كتاب ينابيع النصيحة من نفائس مؤلفات العترة الأطهار، وذخائر علومهم الساطعة الأنوار؛ ويحق لمثله، ومؤلفه نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعين أسباط الوصي والبتول ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لولا أنه يتساهل في نقل بعض الروايات كقصة البساط، والمنجنيق في غزوة ذات السلاسل، وأن أمير المؤمنين (ع) قتل يوم بدر سبعة وستين..
ومن مكنون ماتضمنه هذا الكتاب، ومخزون ما اشتمل عليه ذلك السفر الممتلئ الوطاب، مما السياق فيه، ما أورد في بحث منه، قال فيه:
واعلم أن أهل البيت على ضربين: منهم من ورد فيه النص معيناً باسمه أو لقبه، أو بهما جميعاً، أو وصف بصفة كالإشارة إليه، وكالتنبيه عليه؛ ومنهم من شمله ماورد من الفضائل فيهم عامة.
فلنذكر الضرب الأول، واحداً واحداً، ونذكر طرفاً مما ورد فيه على الخصوص؛ ثم نتبع ذلك بذكر نبذة مما ورد في جماعتهم على وجه العموم.
فنقول وبالله التوفيق: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
قلت: ثم ساق في فضائله، وفضائل الأئمة المبشر بهم من ولده، إلى إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم؛ ثم الإمام المهدي المنتظر ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
ومما روى فيه في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوله: وأما السنة /545

(1/545)


فكثير، نحو: ماأخبرني به والدي وسيدي، عماد الإسلام ـ رضي الله عنه ـ بالإسناد الموثوق به إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((لايحل لعين ترى الله يُعْصى فتطرف، حتى تغير أو تنتقل))، وفي السماع المتصل بالمنصور بالله (ع): ((حتى تغير أو تنصرف)) انتهى.
[ترجمة الأمير الحسين (ع)]
هذا، وقد اشتمل على ذكر الأمير الناصر للحق، ومؤلفاته ووفاته، ذلك البحث من التحف الفاطمية في سيرة أخيه الإمام الأوحد المنصور بالله الحسن بن محمد (ع).
قال في طبقات الزيدية: الإمام الناطق بالحق.
وساق إسناد مذهب أهل البيت (ع) إليه، عن مشائخه.
قلت: وقد صحّ أنه يروي عن جمال العترة علي بن الحسين، عن الشيخ محيي الدين عطية بن محمد، عن أبويه الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد.
ويروي عن والده الداعي إلى اللَّه تعالى بدر الدين محمد بن أحمد، بلا واسطة.
وروى عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة بواسطة الشيخ العلامة، عمران بن الحسن.
وأما أخوه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، فسمع كتاب الشافي على الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: هو الأمير الكبير، أبو طالب، حامل لواء العلوم، فارس مظنونها والمعلوم؛ من أعلام العترة الميامين، ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أشهر من أن يُوصف، ومعرفته أكثر من أن تعرف، فله من التصانيف مايدل على علمه الغزير.
إلى قوله: صنف في الفقه المدخل، والذريعة، وكتاب التقرير ستة أجزاء، وشفاء الأوام أربعة أجزاء، شرع فيه بالجزئين الأخيرين.
إلى قوله: وجرى بينه وبين أولاد المنصور بالله، بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين، وحشة.
إلى قوله: قال السيد صلاح: وقف هو والسيد الحسن بن شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى في الحبس سنة، فيما روي لي أنهم مكنوهما من خزانة المنصور بالله.
إلى قوله بعد الكلام في الشفاء: قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير: ولاشك في كفايته ـ أي الشفاء ـ للمجتهد، وهو في كتب الزيدية مثل كتاب البيهقي في كتب الشافعية، وله في /546

(1/546)


أصول الدين كتاب.
قلت: هو هذا ينابيع النصيحة، وله العقد الثمين، وكتاب إرشاد العباد إلى سوي الاعتقاد.
وقال: وأما الرسائل والأجوبة، فكثيرة محتوية على علم غزير؛ وله ثمرة الأفكار في حرب البغاة والكفار، وله كتاب يسمى النظام.
إلى قوله: وكان حجة في أهل وقته، يتعاورون كلماته.
إلى قوله: ثم رحل إلى رغافة، وبها توفي، سنة اثنتين أو ثلاث وستين وستمائة.
قلت: قد ذكرت تاريخه في التحف، وعمره اثنتان وستون سنة، وقبره يلي قبر أخيه الإمام الحسن بن محمد يمناً؛ ويليه قبر أخيهما المختار، في مسجد تاج الدين.
وكان وفاة الأمير بعد قيام أخيه الحسن بن محمد، وعاصره وقام بدعوته، وله كرامات معروفة.
قال: وأجلّ تلامذته الأمير المؤيد بن أحمد، والإمام المطهر بن يحيى، وولده جبريل بن الحسين، والأمير صلاح بن إبراهيم، مؤلف التتمة.
انتهى المراد.
انتهى الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار
يتلوه الجزء الثاني، وفاتحته الفصل السادس
وصلى الله على محمد وآله وسلم
---بسم الله بمن الله ـ وله الحمد ـ كان إتمام السماع، والتصحيح لهذا الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار، على المؤلف شيخنا، شيخ الإسلام الإمام الحافظ، الحجة الناقد، المسدد المجتهد المطلق، أبي الحسنين، مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي قدّس الله سرّه، ونفع بعلومه.
وأروي هذا الكتاب كلّه وغيره من مؤلفاته، وجميع مروياته، ومسموعاته، عنه، بالسماع الصحيح، والإجازة؛ كما قد أجازني فيما لم أسمع، والحمد لله.
كاتب هذا: حسن بن محمد الفيشي.

(1/547)


لوامع الأنوار الجزء الثاني

الفصل السادس في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق
[ذكر ما سبق إسناده من كتب الأئمة]
اعلم ـ أيدنا الله تعالى وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك، قد اشتمل فيما مضى، وفيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، من الأسانيد الصحيحة الجامعة، لمؤلفات أئمة العترة، ونجوم علمائهم، وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبَقْ إليه، ومنوال لم يُنْسَجْ عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك، من غرر الفوائد، ودرر الفرائد، التي يجلّ نفعها، ويعظم وقعها، عند ذوي الاطلاع، وأرباب الهمم من الأعلام، المقتفين لأنوار سادات الأنام، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وخلفاء الرسول ـ صلوات الله عليه وآله ـ على أولي الألباب؛ وكل هذا بفضل الله الملك الوهاب، وهو المرجو عز وجل لجزيل الثواب، وكريم المآب.
فأقول، معتصماً بمن ملكه لايزول: قد سَبَقَتِ الأسانيد، متصلة إلى جميع مؤلفات الإمام الأعظم، الولي ابن الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي، المجموعين، والتفسير، والرسالة، وغيرها.
وإلى أمالي حفيده الإمام، عالم آل محمد، أحمد بن عيسى.
وأما كتاب السير، للإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله بن الحسن /3

(2/3)


بن الحسن بن علي (ع)، فقد تقدم الكلام عليه، في كلام الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع)، في الفصل الرابع؛ وذكرها الإمام الناطق بالحق، أبو طالب، في الإفادة، وغيره.
وكذلك جميع مؤلفات نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، الإمام الكريم، القاسم بن إبراهيم (ع)؛ وقد بينها الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، في الشافي، ونقلتها منه في التحف الفاطمية، وتضمنتها مؤلفات الأئمة من أسباطه (ع) وغيرهم، وكفى بذلك في الصحة.
نعم، وسبقت إلى جميع مؤلفات إمام الأئمة، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم: الأحكام، والمنتخب، والفنون، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، الحسن بن علي (ع): البساط، والتفسير وغيرهما.
وأما مؤلفات الإمامين: المرتضى والناصر، ولدي الإمام الهادي إلى الحق، فهي مروية في الشافي، وقد ذكرتها في التحف الفاطمية، وصحت روايتها بذلك، وبما صححه الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، فيما كتبه إلى المدينة المنورة، كما سبق في الفصل الرابع.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات إمام العترة الهداة، المؤيد بالله: شرح التجريد، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الإمام الناطق بالحق، أبي طالب: شرح التحرير، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات الإمام الموفق بالله، أبي عبدالله، الحسين بن إسماعيل: الإحاطة، والسلوة، وغيرهما.
وإلى الأماليين: الخميسية والاثنينية، /4

(2/4)


للإمام المرشد بالله، أبي الحسين، يحيى بن الموفق بالله.
وأما البرهان في تفسير القرآن، للإمام الناصر، أبي الفتح الديلمي، فقد صحّ بتصحيح الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع).
وما ذكرت التصحيح له على هذا الوجه، فلعدم تسلسل السند إليه، في شيء من المسندات الموجودة.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى كتاب نهج البلاغة، من كلام أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ جمع الشريف الرضي.وإلى أعلام الرواية على نهج البلاغة، للشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
وإلى مسند الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم.
وإلى أصول الأحكام، للإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان.
وأما حقائق المعرفة، فقد صحت روايتها، بما تقدم من تصحيح الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع) وغيره.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة: الشافي، وصفوة الاختيار، والمجموع المنصوري، والتفسير، والمهذب، وحديقة الحكمة، والجوهرة الشفافة، والنافعة، والناصحة، والكافية، والهادية، والدرة اليتيمة، وعقد الفواطم، والعقد الثمين في الأئمة الهادين، والدعوة العامة، وديوانه، وغير ذلك.
وإلى كتاب اللمع، والدرر، والقمر المنير، للأمير الخطير، علي بن الحسين.
وإلى أنوار اليقين، للإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الأمير الناصر للحق، الحسين بن محمد بدر الدين (ع): الشفاء، والتقرير، والينابيع، وغيرها.
ولنذكر مؤلفات الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ إلى هذا العصر، ثم مؤلفات آل محمد (ع)، ثم نسوق على ذلك إلى النهاية ـ إن شاء الله ـ /5

(2/5)


بإعانة الله وتسديده.
فأقول: وسبقت الأسانيد، إلى جميع مؤلفات شيخ الإسلام، إمام الشيعة الأعلام، أبي جعفر، محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليه ـ الذي كان أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ينزلونه منزلة الأب الكريم، وهو يجلهم إجلال الشريف العظيم؛ وكفى في الدلالة على ذلك قضية اجتماع نجوم العترة، في عصره للبيعة العامة، وهو ما رواه في المصابيح، وتناقله الخلف عن السلف من أهل البيت (ع).
[الاجتماع التاريخي العظيم]
قال ـ أي محمد بن منصور المرادي ـ: كنتُ في منزلي بالكوفة، سنة عشرين ومائتين.
قلت: وأخبر محمد بن منصور، بهذا، سنة تسعين ومائتين؛ فيكون بين الاجتماع وإخباره سبعون سنة؛ وفي المحاورة حال الاجتماع، أنه كان شيخاً كبيراً؛ فقد بارك الله ـ تعالى ـ في عمره؛ ليبلّغ الخلف عن السلف، من آل محمد (ع).
(رجع) كئيباً حزيناً؛ لما فيه آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما فيه شيعتهم؛ حتى استأذن عليَّ أبو عبدالله، أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع) فاستقبلته، وأدخلته منزلي، ورحّبت به، وسرتني سلامته من البصرة.
ثم ما شعرت بشيء، وأنا في الحديث معه، والتوجع لما فيه أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى استأذن علي أبو محمد، القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي (ع)، فاستقبلته، وأدخلته، ورحبت به، وسررت بسلامته من الحجاز.
وجعلنا نتحدث، ونذكر ما فيه الناس من /6

(2/6)


الظلم والتعدي، وما تغلب عليه الجبارون؛ حتى استأذن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن (ع)، فغدوت فاستقبلته، وأدخلته الدار، وهنأت له بسلامته، وقدومه سالماً من الشام؛ لأنه كان بجبل لُكام؛ وأقبل عليه أحمد بن عيسى، والقاسم بن إبراهيم يسألانه عن حاله وأمره.
قال: ورآهم أبو محمد، الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد (ع)، فجاءنا ودقّ الباب، فقمتُ ففتحتُ له، فسلم على القوم ودعا لهم بالسلامة؛ وقال: الحمد لله، الذي جمعنا وإياكم، في دار ولي من أوليائنا.
قال محمد بن منصور: وهؤلاء الذين كانوا يشار إليهم، ويفزع السلطان منهم، وقد امتنعوا من الحضور عندهم، وفي مجالسهم، وأخذ عطاياهم.
قال محمد بن منصور: فورد علي من السرور، مالا أحسن أن أصفه، ودهشت، وأردت أن أخرج فآخذ ما يأكلون.
فقالوا: إلى أين تمضي؟ زرناك وتتركنا وتخرج؟
فقلت: ياسادتي آخذ لكم ما يصلح من المأكول.
فقالوا: وما عندك شيء؟
قلت: بلى، ولكن استزيد.
قالوا: وما عندك؟
قلت: عندي خبز، وملح، ولبن، وتمر سابري.
فقالوا: أقسمنا عليك، لاتزد على هذا شيئاً، وأَغْلِق الباب لنأمن.
فقمتُ وأغلقته، واستوثقت من الباب، وقدمت إليهم طبقاً عليه خبز وملح وخل ولبن وتمر، فاجتمعوا وسموا الله ـ عز وجل ـ وجعلوا يأكلون، من غير حشمة، حتى استوفوا، وشربوا من ماء الفرات الذي كان عندي، وقاموا فتوضؤوا للصلاة، وصلوا الصلاة الأولى، فرادى ووحدانا.
فلما انفتلوا، مدوا أرجلهم، كل واحد على سجادته، يتحدثون، ويغتمون لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما هم فيه من الجور والظلم؛ فقمتُ وقعدتُ على عتبة الصَّفَّة؛ ليراني جماعتهم وبكيتُ، وقلت: ياسادة، أنتم الأئمة، وأنتم أولاد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولاد علي وفاطمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ /7

(2/7)


وأنتم المشار إليكم؛ وأنتم أهل العقد والحل، وأنتم العلماء والأئمة، من ذرية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولد الوصي (ع)، قد اجتمعتم، وجمع الله بينكم، ونحن بلا إمام، ولا لنا جمعة، ولا جماعة، ولا عيد.
قلت: والأظهر أن نفي الجمعة؛ لأنهم لايجيزونها مع الظلمة؛ وأما الجماعة، فلعدم تعيين الأولى بها؛ وبعد البيعة تعين، فائتموا به، والله أعلم.
(رجع) فارحموا كبر سني، واعملوا فيما يقربكم إلى الله ـ عز وجل ـ وبايعوا واحداً منكم، أعلمكم وأقواكم، حتى يكون الرضاء منكم، ترضون به الإمام، لي ولأمثالي وللمسلمين؛ ولانموت ميتة جاهلية، بلا إمام، ويكون لنا إمام نطيعه ونعرفه، ونموت بإمام.
فقالوا: صدقتَ أيها الشيخ، ما أحسن ما قلتَ! وإن لك ملتنا ولحمنا ودمنا، وأنت منا أهل البيت، وما نطقت به فهو الصواب، ونحن نفعله بإذن الله، إن شاء الله.
قال: فقلت: فرِّحوني، ولا تبرحوا، حتى تبرموا، ولا تؤخروه إلى مجلس آخر؛ فإنا لا نأمن من الحوادث.
فبرز أبو محمد، القاسم بن إبراهيم، وأقبل إلى أبي عبدالله، أحمد بن عيسى، وقال: إن شيخنا وولينا قد قال قولاً صادقاً متفقاً؛ وقد اخترتك لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت العالم القوي، تقوى على هذا الأمر؛ فقد رضيتك، ورضي أصحابنا، فتولّ هذا الأمر، فمدّ يدك أبايعك، على كتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأنت الرضاء لنا؛ ما تقولون يا أصحابنا؟
قالوا جميعاً: رضى رضى.
فقال أحمد بن عيسى: لا والله، وأنت يا أبا محمد حاضر؛ إذا حضرت، فلا يجب لأحد أن يتقدمك ويختار عليك، وأنت أولى بالبيعة مني.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً، أرضاك وأسألك أن تقوم بأمر أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فتحيل علي؟
فقال: لايكون ذلك، وأنت حاضر /8

(2/8)


قال: ثم أقبل القاسم على عبدالله بن موسى، فقال: يا أبا محمد، قد سمعت ما جرى، وقد امتنع أبو عبدالله أن يقبل ما أشرتُ به، وأنت لنا رضى، وقد رضيتك لعلمك وزهدك.
فقال: يا أبا محمد، نحن لا نختار عليك أحداً، وقد أصاب أبو عبدالله فيما قال، فأنت الرضى لنا جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، أحلت علي أنت أيضاً؟ لم تزهدون في النظر لأمة أبيكم محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وللناس عامة؟
ثم أقبل على الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، فقال: فأنت يا أبا محمد، اقبل هذا الأمر، فإنك أهل له، وأنت قوي على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس ما لانعرف.
فقال: يا أبا محمد، والله، لا يتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطيء؛ أنت الإمام، وأنت الرضى، وقد رضيناك جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً اللهم غَفراً.
[بيعتهم للإمام نجم آل الرسول]
قال: ثم إن أحمد بن عيسى أقبل على القوم، فقال: إن أبا محمد لنا رضى، وقد رضيتُ به.
قال عبدالله بن موسى والحسن بن يحيى: صدقت أيها الشيخ.
قال محمد بن منصور: وخفت أن يفوتنا وقت صلاة العصر، ولم يبرموا، حتى انتبز أحمدُ بن عيسى القاسمَ بن إبراهيم، وأخذ يده، وقال: قد بايعتك على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت الرضى.
فجعل القاسم يقول: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً.
ثم بايعه عبدالله بن موسى، والحسن بن يحيى، ورضوا به، وقالوا لي: بايع.
فقمتُ وبايعتُ القاسم بن إبراهيم، على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -.
ثم قال لي القاسم: قم يا أبا عبدالله، وأذن، وقل فيه: حي على خير العمل؛ فإنه هكذا، نزل به جبريل (ع) على جدنا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقمتُ، وأذّنتُ، وركعتُ، وأقمتُ؛ فتقدم القاسم (ع) فصلى بنا جماعة، صلاة العصر، وباتوا عندي تلك الليلة، وصلى بنا المغرب والعشاء جماعة. /9

(2/9)


فلما أصبحوا، تفرّقوا، ومضى القاسم بن إبراهيم إلى الحجاز، وأحمد بن عيسى إلى البصرة، وعبدالله بن موسى إلى الشام، ورجع الحسن بن يحيى إلى منزله، وكانوا على بيعة القاسم (ع)، انتهى.
ولله دره من مقام! جمع حجج الله على الأنام، من آل النبوة الأعلام، عليهم الصلاة والسلام.
نعم، ومن مؤلفات إمام الشيعة، محمد بن منصور، أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع) فهو الذي جمعها، وأسانيد جميع ما فيها إليه؛ وكتاب الذكر، والمجموع، والمسائل، وكتاب النهي، وكتاب الحج، وكتاب الطهارة، والزكاة، والخمس، والصوم، والرضاع، والحدود، والفرائض، والقضاء، والسيرة، والقصر، والطلاق، وتحريم الأشربة والملاهي، وأقوال الحسن بن يحيى، وغيرها.
وقد ذكر أبو عبدالله العلوي (ع) أن له ثلاثين مؤلفاً؛ وقد تقدم في سند الأمالي ذكر أشياخه، والآخذين عنه، وهم أعيان آل محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وأشياعُهم ـ رضي الله عنهم ـ.
[ذكر شرح الأحكام وترجمة مؤلفه]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى شرح الأحكام، للشيخ العلامة، علي بن بلال ـ رضي الله عنه ـ.
ونروي بذلك السند عنه كتاب الوافي على مذهب الإمام الهادي.
والسند إليه مذكور، في السند الجامع لمؤلفات الأئمة (ع).
هذا، وأهمل في الطبقات، والمختصر منها، ترجمة الشيخ هذا بالاستقلال؛ ولكن قد ذكره السيد الإمام، في ترجمة أبي العباس الحسني (ع).
وقد امتلأت بذكره وذكر شرحه للأحكام، أسفار الأئمة الأعلام؛ وهو شرح عظيم حافل، مسند الأخبار؛ وقد نقل منه السيد الحافظ، أحمد بن يوسف، في تتمة الاعتصام الكثير الطيب.
وترجم للشيخ العلامة، في مطلع البدور، فقال: هو العلامة المحقق، صاحب التصنيف، فضله في المذهب يلحق بسادته الهارونيين؛ وله عدة كتب /10

(2/10)


في المذهب، منها: الوافر (بالراء المهملة) في مذهب الناصر (ع) كتاب جليل؛ والوافي على مذهب الهادي، وكتاب الموجز الصغير.
..إلى قوله: وهو ـ رحمه الله ـ الذي تمم المصابيح، كتاب أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)؛ لأنه انتقل إلى جوار الله، وهو في ترجمة يحيى بن زيد.
قال ابن بلال ما لفظه: كان الشريف، أبو العباس الحسني - رضي الله عنه - ابتدأ هذا الكتاب، فذكر جملة أسامي الأئمة، في أول ما يريد ذكر خروجهم.
إلى قوله: وأتيت بأسمائهم على حسب ما رتب...إلخ.
قلت: ورواياته في شرح الأحكام والمصابيح، من طريقة شيخه، السيد الإمام، أبي العباس (ع) إلا اليسير.
ولم يذكروا وفاته ـ رضوان الله عليه ـ.
قال القاضي العلامة الحواري، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ: وقد خرج الشيخ علي بن بلال ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه هذا، جميع ما رواه الهادي (ع) من الأخبار المتصلة المبسوطة، المستوفاة المتعددة، وأتى في ذلك بما يبهر الناظر، ويقطع المناظر، ويزيد في أنوار ذوي البصائر؛ فرحمه الله وجزاه خيراً آمين، والحمد لله رب العالمين. انتهى.
[مجموع علي خليل]
نعم، وسبقت الأسانيد، إلى مجموع الشيخ العلامة، علي خليل ـ رضي الله عنه ـ كذلك في السند الجامع؛ وسبقت ترجمته في السند الجملي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال في الكنز: والمجموع من محاسن فقه الزيدية، وفيه فقه حسن، وتعليل صحيح؛ وهو من الكتب التي قدم بها القاضي جعفر؛ وذهبت منه قطعة، فصنفها القاضي جعفر، وهي معروفة. انتهى.
[شرح القاضي زيد]
وإلى شرح القاضي العلامة الحافظ، زيد بن الحسن ـ رضي الله عنه ـ في ذلك السند الجامع، وسبقت ترجمته كذلك.
وإلى مؤلفات الحاكم الجشمي، بطريق في سند نهج البلاغة، ونتمم الكلام عليه هنا /11

(2/11)


[الحاكم الجشمي وكتبه وسندها]
قال في الطبقات: المحسن بن محمد بن كرامة البيهقي، الإمام الحاكم، أبو سعد، الجشمي، وجشم (بالجيم، وشين معجمة) قبيلة من خراسان، وبيهق: أكبر قرى خراسان، كان حنفياً ـ قلت: يعني في الفروع، وكان معتزلياً في الأصول، قال ـ: وانتقل إلى مذهب الزيدية.
ثم عدّ مشائخه؛..إلى قوله: وروى عن السيد أبي طالب، يحيى بن الحسين الحسني، بالإجازة من غير واسطة.
ثم عدّ تلامذته؛..إلى قوله: قال القاضي: هو الشيخ الإمام، أستاذ العلامة الزمخشري.
إلى قوله: كان إماماً عالماً مصنفاً، صادعاً بالحق؛ له جملة كتب، منها: كتاب الإمامة على مذهب الزيدية، وكتاب العيون، وشرحه.
قلت: ألّفه حال اعتزاله، وجعل فيه أئمة آل محمد (ع) أئمة للمعتزلة، أولهم الوصي، وآخرهم الإمامان: المؤيد بالله وأبو طالب؛ وهو كتاب عظيم النفع في بابه، أخذ منه الإمام الحجة، المنصور بالله، في الشافي، كثيراً، في ذكر الأئمة (ع) وتعداد الفرق.
قال: وتنزيه الأنبياء والأئمة، وتنبيه الغافلين في فضائل الطالبيين، والتأثير والمؤثر، والانتصار لسادات المهاجرين والأنصار، وتحكيم العقول في الأصول /12

(2/12)


؛ وله التفسير المبسوط بالفارسية، والتفسير الموجز بالفارسية، والرسالة الغراء، وترغيب المهتدي وتذكرة المنتهي، وكتاب العقل، والشروط، والمحاضرة، والأسماء والصفات، ونصيحة العامة، والحقائق والوثائق، والمنتخب في كتب الزيدية، والسفينة المشهورة، وتفسير القرآن، المسمى بالتهذيب، قدر تسعة أجزاء كبار.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: اعتمده أئمة الزيدية المتأخرون.
قلت: قيل: إن الكشاف مأخوذ منه بزيادة تعقيد.
قال: إلى غير ذلك، إلى نيف وأربعين مصنفاً؛ وله رسالة، تسمى رسالة الشيخ أبي مرة إلى إخوانه المجبرة؛ وكانت السبب في قتله؛ تاريخ وفاته قد سبق، وعمره إحدى وستون.
قلت: وله كتاب جلاء الأبصار، في تأويل الأخبار؛ وقد رسمتُ الطرق إلى مؤلفاته، في صدر النسخة المنسوخة، حال إملائه على جماعة من طلبة العلم الكرام ـ نفع الله بهم ـ في رجب، عام سبعين وثلاثمائة وألف.
نعم، يروي المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد المؤيدي ـ عفا الله عنهما ـ جميع مؤلفات الحاكم المحسن بن محمد، سماعاً فيما سمعت منها، وإجازة عامة في جميعها، عن والدي العلامة الولي، محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي الله عنهما ـ بالأسانيد السابقة، في سند المجموع، وسند الشافي - وهي ثلاث طرق - إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، عن العلامة عمر بن جميل النهدي، عن شيخه السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، عن عمه السيد الإمام الحسن بن علي الجويني، عن المؤلف الحاكم الشهيد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وأروي جميع مؤلفاته ـ أيضاً ـ بالأسانيد السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، /13

(2/13)


عن السيد الإمام عالم العترة أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي، عن الفقيه العلامة يوسف بن أحمد، عن الفقيه العلامة حسن بن محمد النحوي، عن الفقيه العلامة يحيى بن حسن البحيبح، عن الفقيه العلامة محمد بن سليمان بن أبي الرجال، عن القاضي العلامة عبدالله بن علي الأكوع، عن أبيه الشيخ العلامة بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع ـ رضي الله عنهم ـ، وهو يرويها من طرق:
الأولى: عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة بسنده السابق.
الثانية: عن القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام، عن السيد الإمام عُلَي بن عيسى بن حمزة الحسني، عن الشيخ جار الله محمود الزمخشري، عن أحمد بن محمد الخوارزمي.
قلت: في الطبقات في ترجمة الحاكم: وتلامذته كثير، منهم أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمي، ومن العجب اتفاق شيخ ابن كرامة، وتلميذه في اسمه، واسم أبيه، وجده، انتهى المراد.
(رجع) عن المؤلف الحاكم ـ رضي الله عنه ـ.
الثالثة: عن القاضي جعفر بن أحمد، عن أبي جعفر الديلمي.
قلت: قال السيد الإمام: أبو جعفر الديلمي، يروي كتاب التهذيب للحاكم، عن ولده مناولة للجزء الثاني، وإجازة لسائر الأجزاء، وهو يرويه عن والده المصنف المحسن بن كَرَامة الجشمي؛ ذكره المنصور بالله في مسنده. انتهى.
قلت: وهذه الترجمة من الفصل الأول، في الجزء الثالث من الطبقات، ولم يترجم فيها إلا لمن كان من علماء الزيدية، إلا في الفصل الثاني، لطائفة يسيرة، ممن روى عنهم أحد أئمتنا أو شيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ فمن ذكرت بعد هذا أنه /14

(2/14)


ترجم له فهو من العصابة الزيدية، إلا أن أبين ذلك، وكذا من ذكرنا أنه ترجم له صاحب مطلع البدور على الإطلاق، فهو منهم، وكتابه خاص في رجالهم؛ وهو المقصود بقوله: قال القاضي مطلقاً؛ يُعْلم ذلك.
[ترجمة ولد الحاكم معين الدين]
(رجع) عن ولد المؤلف معين الدين محمد بن الحاكم.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، فقال: العلامة، قرأ على أبيه تفسيره المعروف بتهذيب الحاكم جميعه، وكتاب جلاء الأبصار، وغير ذلك.
وأخذ عنه أبو جعفر الديلمي، مناولة وإجازة، وأحمد بن محمد الخوارزمي تلميذ والده.
وقال: أخبرنا الحاكم الإمام، شيخ القضاة الحرميين، محمد بن المحسّن، قال: أخبرني أبي. انتهى.
ولم يذكر وفاته ـ رضي الله عنه ـ.
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله.
المجلس الأول من إملاء الحاكم الإمام، أبي سعيد، المحسن بن محمد ـ نوّر الله ضريحه ورضي عنه ـ يوم الجمعة، الثالث عشر، من شهر رمضان، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
[ترجمة أبي حامد، أحمد بن محمد بن إسحاق، شيخ الحاكم]
وفيه: أخبرنا الحاكم الإمام، قال: أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن محمد.
قلت: قال في الطبقات: أحمد بن محمد بن إسحاق، الشيخ أبو حامد النجار، شيخ الحاكم أبي سعيد المحسن بن كرامة الجشمي، سمع عليه في شوال، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
ثم ذكر مشائخه، ومنهم قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد...إلخ.
وترجم له في رجال الزيدية صاحب مطلع البدور، فقال: /15

(2/15)


الشيخ المحدث المتكلم، أستاذ الحاكم، شهاب الملة، أحمد بن محمد بن إسحاق النجار، رحمه الله تعالى...إلخ.
[ترجمة الشريف أبي يعلى]
(رجع) قال: أخبرنا الشريف أبو يعلى الحسين بن محمد الزيدي.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما في السند.
[ترجمة أحمد القليسي]
(رجع) قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي القليسي.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: أحمد بن علي الأنصاري، عن عبدالسلام الهروي، عن مولاه علي بن موسى الرضا، عن آبائه.
.إلى قوله: توفى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ـ وحكى كلام الذهبي، عن أحمد بن حنبل، وتوهينه، وهو غير ضائر، لما عُلِمَ من اختلاف المذهب ـ.
أخرج له المرشد بالله (ع).
[ترجمة أبي الصلت الهروي]
(رجع) قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي.
قلت: أبو الصلت من ثقات الشيعة الأخيار، توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين؛ وقد طعن فيه بعض النواصب، منهم: يعقوب بن إبراهيم الجوزجاني، وقد أقرّ بغلوه في النصب أهل الحديث، وأنكروا عليه ذلك المذهب الخبيث.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح: الجوزجاني، كان ناصبياً منحرفاً عن علي...إلخ.
وقد وثق الهروي جماعة من القوم، ونقل الحاكم توثيقه عن يحيى بن معين.
[قدح القوم فيمن روى الأخبار المخالفة لمذهبهم]
قال في الروض: لعل ذنبه التشيع، وإلا فهو بمحل من الجلالة، كما ذكره المزي في التهذيب أنه سكن نيسابور، ورحل في الحديث إلى الكوفة، والبصرة، والحجاز، واليمن؛ وهو خادم علي بن موسى الرضا، أديب، فقيه، عالم.
ثم ذكر من روى عنهم، والآخذين عنه.
قلت: وروى عن عطاء، وابن /16

(2/16)


عيينة، وعبد الرزاق، وغيرهم، وأخذ عنه عباد بن العوام، وشريك، وهشام، وغيرهم.
قال: وكان ـ عبد السلام ـ يرد على أهل الأهواء من المرجئة، والجهمية، والزنادقة، والقدرية، وكلّم بِشْراً المريسي غير مرة، بين يدي المأمون، مع غيره من أهل الكلام، كل ذلك كان الظفر له، وكان يُعْرف بالتشيع.
إلى قوله: ناقلاً عن أحمد بن سيار، إلا أن أحاديث يرويها في المثالب، وسألت إسحاق بن إبراهيم عن تلك الأحاديث وهي أحاديث مروية، نحو ما جاء في أبي موسى، وما روي في معاوية، فقال: هذه أحاديث قد رويت.
قلت: أفتكره كتابتها، وروايتها، والرواية عمن يرويها؟
فقال: أما من يرويها على طريق المعرفة فلا أكره ذلك، وأما من يرويها ديانة ويريد عيب القوم، فلا أرى الرواية عنه.
ثم ساق المزي إسناده إلى أحمد بن سيار، فيما نقله عنه.
قال الشارح: وهذا الكلام من إسحاق بن إبراهيم مبني على ما أصلوه، من ثبوت عدالة الصحابي على الإطلاق، وأن من حام حولها برواية ما يدل على توهين أحد منهم كان أمراً شنيعاً؛ وبين الإنصاف وبين هذا مفاوز؛ وللكلام عليه موضع آخر، انتهى المراد.
(رجع) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح)).
قلت: في شرح المجموع، بعد رواية هذا الخبر الشريف، إلا أن مكان ((الجوارح)) ((الأركان))، مالفظه: قال المزي: وقد تابعه الحسن بن علي التميمي الطبرستاني، عن محمد بن صدقة العنبري، عن موسى بن جعفر، وتابعه أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن عباد بن صهيب /17

(2/17)


، عن جعفر بن محمد. انتهى.
[زمرُّدة من كتاب جلاء الأبصار للحاكم، ومتابعة علماء المعتزلة للأئمة]
وقال ـ رضي الله عنه ـ في المجلس السابع عشر: وإذْ قد بينا المذاهب المحدثة، والبدع المولدة، بقي ما كان عليه النبي وآله وأصحابه، وعلماء أهل البيت؛ وهو القول بتوحيد الله، ونفي التشبيه، والقول بعدله وبراءته من كل سوء، والقول بعصمة أنبيائه، وصدق ما جاؤوا به على ما نطق به الكتاب.
ومشائخ أهل العدل أخذوها عن علماء أهل البيت، أخذها واصل، عن محمد بن الحنفية، وابنه أبي هاشم، وكان مع ذلك من أصحاب النفس الزكية.
وكان عمرو بن عبيد تأهب للخروج إلى زيد بن علي، فورد الخبر بقتله.
وكان مطر الوراق، وبشير الرحّال، من أصحاب إبراهيم بن عبدالله.
وكان حكم المعتزلي، من أصحاب عيسى بن زيد.
والروايات بذلك عن علماء أهل البيت ظاهرة، وكتب القاسم، ويحيى، والناصر، والمهدي، وأحمد بن عيسى، وغيرهم من أئمتهم مشحونة بذكر العدل، والتوحيد.
إلى قوله: وكان إمامَ هذه الطائفة بعد أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، و محمد بن علي، وعلي بن الحسين، زيدُ بن علي (ع)، وجميعُ أولاد أمير المؤمنين، إلا أن زيداً تقدمهم بالفضل، والعلم، والجهاد في سبيل الله.
إلى قوله: وفي كتاب القاضي أبي بكر محمد بن عمر، الذي رواه أبو سعيد السمان، بإسناده عن زاذان، عن أمير المؤمنين، قال: الشهيد من ذريتي، والقائم بالحق من ولدي، المصلوب بكُناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين؛ يأتي هو وأصحابه يوم القيامة، تتلقاهم الملائكة المقربون، ينادونهم: ادخلوا الجنة، لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
قلت: وأخرج هذا الأثر الشريف الإمامُ أبو طالب، في الأمالي، بسنده إلى /18

(2/18)


أمير المؤمنين (ع).
(رجع) قال: وعن الباقر، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال للحسين: ((يخرج من صلبك رجل، يقال له: زيد، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين، إلى أن يدخلوا الجنة)).
قلت: وأخرجه الإمام الموفق بالله، بسنده إلى الباقر، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحسين: ((ياحسين يخرج... الخبر))، إلا أن بعد محجلين: ((يدخلون الجنة)).
قال الإمام الموفق بالله: وروى الناصر الحسن بن علي: ((بغير حساب)).
قلت: ورواه عن الباقر مرفوعاً، الإمامُ المهدي، في المنهاج الجلي؛ والديلمي، في المشكاة (ع).
(رجع) قال: وروى أنس، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يقتل من ولدي رجل، يدعى زيداً، بموضع يعرف بالكناسة؛ يدعو إلى الحق، يتبعه عليه كل مؤمن)).
وساق في فضائل الإمام الأعظم وأخباره، وذكر بعض أتباعه من علماء الأمة، كأبي حنيفة، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري ـ رضي الله عنهم ـ.
[من جلاء الأبصار في تفسير خبر الثقلين]
وقال في المجلس الأربعين: وهذا تأويل خبر: إن سأل سائل، فقال: ما معنى ما روى زيد بن ثابت، وجماعة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إني تركت فيكم الخليفتين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))؟
والجواب، قلنا: أما قوله: ((الخليفتين))، فالخليفة كل من يخلف غيره من بعده.
إلى قوله: والمراد تركتُ فيكم شيئين، يقومان مقامي، في حفظ دينكم، ورجوعكم إليهما في معضلاتكم.
إلى قوله: والصحيح أن المراد بالعترة: علي، والحسن، /19

(2/19)


والحسين، وأولادهم إلى يوم القيامة؛ لوجوه، منها: أن الخطاب عام لجميع المكلفين؛ فلا يجوز قصره.
قلت: أي على مَنْ في عصره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ منهم.
ومنها: أن العترة هو أصل الشيء، والأقرب إليه ولده وولد ولده.
ومنها: ما روي أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أشار إليهم، في مواضع، بأنهم أهل بيته، وأنهم منه وهو منهم، وقال في الخبر: ((عترتي أهل بيتي)).
ومنها: أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كرر هذا في مواضع، يحتج على الناس.
ومنها: أنه خاطب أصحابه، وأمته بذلك؛ فلا بد أن يكون عترته غيرهم.
وروى زيد بن أرقم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال يوم غدير خم: ((كأني قد دُعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي، أهل بيتي)) ثم أخذ بيد علي، وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه)) في حديث طويل.
وروى نحوه أبو سعيد الخدري.
وفي حديث بريدة: ((لاتقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي))...إلى غير ذلك من الأخبار.
فالخبر يدل على أن إجماع عترته حجة، وأنهم لايجمعون على ضلالة.
[من جلاء الأبصار في معجزات الرسول (ص)]
وقال في المجلس الثامن والخمسين، في ذكر أحوال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: وكان في نفسه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ معجزات جمة.
أولها: كان يرى من خلفه، كما يرى من أمامه.
وثانيها: كان بين كتفيه خاتم النبوة، مكتوب عليه: (لا إله إلا الله وحده لاشريك له، توجه حيث شئت فأنت منصور).
وثالثها: كانت تنام عينه، ولاينام قلبه. /20

(2/20)


ورابعها: أنه لم يُر له غائط ولابول، كانت تبتلعه الأرض.
وخامسها: ما وقف عنده أحد ـ وإنْ طال ـ إلا كان يقصر عنه، وكان لا يُرى طويلاً.
وسادسها: أنه ولد مختوناً.
وسابعها: كان لايقاومه أحد، وإن كان شديد القوة.
وثامنها: أنه كان يشم منه رائحة الطيب، من غير تطيب.
وتاسعها: كان بين عينيه نور ساطع.
وعاشرها: أنه كان يمج في الكوز والبئر، فيجدون له رائحة أطيب من المسك.
وحادي عشرها: أنه لم يكن له ظل.
وثاني عشرها: أنه فار الماء من بين أصابعه.
وثالث عشرها: أنه بصق في بئر فيه ماء أجاج فعذب.
ثم خص بالقرآن، وسائر معجزاته.
وقد عُدَّ له ألف معجزة.
وقال في المجلس الستين: وقال علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ يبكي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تسليماً كثيراً ـ:
أمن بعد تكفين النبي ودفنه .... بأثوابه آسى على ميت ثوى
رزينا رسول الله فينا فلن نرى .... لذلك عدلاً ما حيينا من الورى
قال رحمه الله: ولما دفن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أخذت فاطمة من تراب قبره، وشمته، وقالت:
ما ضرّ من قد شمّ تربة أحمد .... ألا يشم مدى الزمان غواليا
صُبّت عليّ مصائب لو بعضها .... صُبّت على الأيام صِرْنَ لياليا
/21

(2/21)


ووقف أعرابي على قبر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنشد:
ياخير من دُفنت في الترب أعظُمُه .... وطاب من طيبه القيعان والأَكَمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه .... فيه العفاف وفيه الخير والكرمُ
وزار أعرابي قبره، فقال:
مررت بقبر المصطفى فكأنه .... يكلّمني والقبر غير كليم
وفي القبر آثار النبوة والهدى .... تصدّع عنها قلب كل سليم
ووقف أمير المؤمنين علي (ع) على قبره، وقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله، والله، إن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن الصبر لجميل إلا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإنما بعدك وما قبلك لجلل؛ ثم أنشأ يقول:
ما غاض دمعي عند نازلة .... إلا جعلتك للبكا سبباً
فإذا ذكرتك سامحتك به .... مني الجفون وفاض وانسكبا
إني أجلّ ثرىً حَلَلْتَ به .... مِنْ أَنْ أُرَى بسواه مكتئبا
وزار بعضهم قبره، فقال:
أتيتك راجلاً وودت أني .... ملكت سواد عيني أمتطيه
ومالي لا أسير على المآقي .... إلى قبر رسول الله فيه
ولبعضهم يرثيه، وأتاه زائراً:
أيا خير مبعوث إلى خير أمة .... نَصَحْتَ وبلّغتَ الرسالة والوحيا
فلو كان في الإمكان سعيي بمقلتي .... إليك رسول الله أنضيتها سعيا
[من جلاء الأبصار في أمير المؤمنين (ع)]
إلى قوله: وأخوه، ووزيره، ووصيه، علي بن أبي طالب (ع)؛ وكان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ سماه علياً، ورباه، وكناه أبا تراب.
قال ـ رحمه الله ـ: وكان أول من آمن به، وصلى معه، ونام على فراشه /22

(2/22)


ليلة الهجرة، وولاه أمر الودائع ليردها، ثم لحق به راجلاً.
وولاه قراءة سورة براءة، وقال: ((لايؤديها إلا أنا أو رجل مني)) وقرأها عليهم، ونبذ العهد.
وولاه المدينة حين خرج إلى تبوك، وفيه قال لما اتبعه لقول المنافقين: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
وسدّ جميع الأبواب الشارعة إلى المسجد، دون باب علي (ع).
ولما آخا بين المهاجرين والأنصار، آخا بينه وبين نفسه.
وكانت له قصة الطير المشوي.
ولما دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الله تعالى أن يأتيه أحب خلق الله تعالى فجاءه علي (ع)، فرده أنس، وقال: إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نائم؛ حتى جاءه ثلاث مرات، فأذن له في الثالثة، فلما رآه رسول الله- صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - سُرّ بذلك وحمد الله تعالى.
وشهد معه جميع المشاهد.
وفي أحد قال جبريل (ع):
لاسيف إلا ذو الفقار .... ولا فتى إلا علي
وفي الخندق قتل عمراً.
ويوم خيبر أعطاه الراية، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار)).
وفي الأحزاب بقي محارباً، حين انهزم القوم.
ونوه به يوم الغدير، بعد انصرافه من حجة الوداع، وقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وكان معه راية رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في جميع المشاهد؛ وإليه أوصى، وهو الذي غسله، ودفنه.
[أسماء الرسول (ص) وكنيته]
فأما أسماؤه محمد، وأحمد، ورسول الله، ونبي الله، والماحي، والعاقب، والحاشر، والمزمل، والمدثر، والأمي، والشاهد، والبشير، والنذير، والداعي، والسراج، وخاتم النبيين، والمصطفى، والمنذر، /23

(2/23)


والهادي، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والمختار، والمقفي.
وكنيته أبو القاسم؛ وروي أن جبريل (ع) كناه بأبي إبراهيم ـ صلوات الله عليه وآله ـ.
قال: وأنشدت للصاحب:
لآل محمد أَصْبَحْتُ عبداً .... وآل محمد خير البريّهْ
أناس حَلّ فيهم كل خير .... مواريث النبوة والوصيّهْ
قال ـ رحمه الله ـ: ولمنصور الفقيه:
إذا فخرت بنو الإسلام يوماً .... على من ليس منها بالرسولِ
قضيتُ لها كما أقضي عليها .... بأن خيارها ولد البتولِ
وصلى الله على محمد خير الورى، وعلى آله مصابيح الدجا، وأصحابه نجوم الهدى، وسلم تسليماً.
[السند إلى أمالي السمان وترجمته هو والشيخ الحسن الفرزاذي]
وأروي أمالي السمان، بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن المشائخ الثلاثة: الحسن الرصاص، ومحيي الدين القرشي، وعفيف الدين حنظلة بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ؛ قالوا: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ قراءة.
(ح) وأرويها بالأسانيد السابقة في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، إلى الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنه ـ قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام، قطب الدين، أبو العباس، أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني ـ أسعده الله تعالى ـ قال: أخبرنا الشيخ الإمام، /24

(2/24)


الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزاذي، المعروف بجاموش ـ أطال الله بقاءه ـ في رمضان، سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
ـ قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الشيخ الإمام، أبو علي، ويعرف بجاموش (بجيم، وآخره شين معجمة)، وفي نسخة: ضبط بالخاء معجمة...إلخ، وقد تقدم ـ.
قال: أخبرنا طاهر بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن بن زنجويه السمان الرازي، في جمادى الأولى، سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ؛ قال المنصور بالله: وللشيخ طاهر مؤلف، يسمى كتاب المنتخب، انتخبه من كتاب الإرشاد...إلى قوله: وكان الشيخ طاهر إماماً زاهداً، انتهى.
(رجع) قال: حدثني عمي، أبو سعد، إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد السمان ـ رضي الله عنهم ـ إملاء من لفظه، وهو المصنف.
قلت: هذا السند هو الذي في الشافي، وطبقات الزيدية، وكتاب الحافظ أحمد بن سعد الدين، وبلوغ الأماني، وغيرها.
وما في بعض كتب الإجازات، وهَمٌ لا يُلْتَفَتُ إليه، وكذا غيره من الأسانيد؛ لم نرسم إلا ماصحح على هذه الأصول، الموثوق بها، المأمونة، وغيرها؛ يعلم ذلك، والله الموفق.
نعم، ترجم للسمان السيدُ الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية، فقال فيها: الحافظ الكبير المتقن..
.إلى قوله: وكان إماماً بلا مدافعة، في القرآن، والحديث، والرجال، والفرائض، والشروط، عالماً بفقه أبي حنيفة، وبالخلاف بينه وبين الشافعي، وعالماً بفقه الزيدية...
إلى قوله: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه؛ وكان تاريخ الزمان، وشيخ الإسلام.
قال الذهبي: بل /25

(2/25)


شيخ الاعتزال، ومثل هذا عبرة، فإنه مع براعته في علوم الدين ما تخلّص بذلك من البدعة، انتهى.
وعده السيد صارم الدين، وابن حميد في التوضيح، وابن حابس في المقصد، من كبار محدثي الشيعة.
انتهى المراد.
وأفاد أن له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ، وأن وفاته في شعبان، سنة خمس وأربعين وأربعمائة ـ رضي الله عنه ـ.
[السند إلى شرح أبي مضر، وترجمة اللاهجاني، وأبي منصور بن علي بن أصفهان، وأبيه]
وأروي شرح أبي مضر على الزيادات، بالثلاث الطرق السابقة إلى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في سند المجموع، وسند الشافي؛ وله فيه طريقان:
الأولى: عن الشيخ الحسن الرصاص، والشيخ محيي الدين القرشي، والشيخ أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع؛ ثلاثتهم يروون عن الشيخ شمس الدين جعفر بن أحمد، عن شيخه الكني، عن أبي الفوارس، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن المؤلف أبي مضر ـ رضي الله عنهم ـ.
والثانية: عن الشيخ محيي الدين، وعمران بن الحسن، عن يوسف اللاهجاني.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: قال في سيرة الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة: كان يوسف فاضلاً عالماً، له علم واسع، ومعرفة دين، ورغبة في الخير، وهو من السابقين إلى بيعة الإمام المنصور بالله، وصل إليهم رسل الإمام: محمد بن أسعد، ومحمد بن قاسم، ويحيى بن نصير؛ وذلك في سنة خمس وستمائة، انتهى.
عن أبي منصور بن علي بن أصفهان.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الناصري الديلمي، /26

(2/26)


كان تلميذاً لأبيه علي بن أصفهان، روى عن أبيه فقه المؤيد بالله، ويحيى، والقاسم..
إلى قوله: قال يوسف: وكان أبو منصور هذا في زمرة الناصرية، كالنبي في أمته، انتهى.
عن أبيه.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: علي بن أصفهان (بضم الهمزة، وسكون المهملة، وفتح الهاء، ثم ألف ونون).
قلت: وقوله: وفتح الهاء، مستدرك على السيد الإمام (ع)؛ لأن ما بعده ألف مفتوح ضرورة، وقد سبق مثل هذا، جرينا فيه على كلامه (ع).
قال ـ رضي الله عنه ـ: ويقال: الديلمي، ثم الجيلي، يروي فقه الهادي، والقاسم، والمؤيد بالله، عن أبي علي بن آموج.
ثم ساق السند إلى القاسم بن إبراهيم (ع).
قال: وروى عنه ولده أبو منصور.
قال القاضي: وهو شيخ اليمن والعراق، وإمام العلماء على الإطلاق، وهو واسطة عقد الزيدية النظيم، ومفخرهم العظيم؛ قال يوسف: الحافظ، حافظ النصوص من أهل البيت (ع)..إلى قوله: له الكفاية، انتهى.
قلت: قال في مطلع البدور: ترجم له غير واحد من علماء العراق؛ ممن ترجم له: يوسف حاجي الزيدي العراقي، ومنهم: يوسف اللاهجاني في كتابه إلى العلامة عمران؛ ذكره عند ذكر الناصر الرضي.
ورواية ولده العلامة أبي منصور بن علي بن أصفهان؛ لكون العلامة أبي حامد الغزالي مات زيدياً.
قلت: هذه فائدة، في رجوع الغزالي إلى أهل الحق، فاعرفها، والله الموفق.
(رجع) عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد الكلاَّري، عن /27

(2/27)


المؤلف أبي مضر ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة أبي مضر شريح بن المؤيد]
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: شريح بن المؤيد، القاضي أبو مضر..
.إلى قوله: وقال القاضي الحافظ: يروي أيضاً عن الحقيني الكبير، وهو يروي عن أبيه المؤيد، قاضي المؤيد بالله.
وأخذ عنه القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام؛ لكن ينظر هل بواسطة أم بغيرها ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قلت: قد نظر، فصح أنه يروي عنه بواسطة، كما سبق في طريق الإمام المنصور بالله (ع) أول السند.
قال القاضي: هو أبو مضر، مفخر الزيدية، وحافظ مذهبهم، ومقرر قواعدهم، العالم الذي لايبارى، ولايشك في بلوغه الذروة ولايمارى، عمدة المذهب في العراق واليمن. انتهى.
[ذكر الشروح لأصحابنا]
قلت: وفي مطلع البدور: ولما ورد شرح أبي مضر للزيادات إلى اليمن، اختصره شيخ الشيوخ محمد بن أحمد بن الوليد العبشمي رحمه الله في كتاب سماه الجواهر والدرر، المستخرجة من شرح أبي مضر..
إلى قوله: وقد تعقبه الكني ـ رحمه الله ـ بكتاب سماه كشف الغلطات؛ ذكر فيه أنه غلط في مواضع.
ثم تعقبهما الفقيه العلامة يحيى بن أحمد حنش الكندي بكتاب أسرار الفكر، في الرد على الكني وأبي مضر، وذكر أن الكني تحامل على أبي مضر، وغلّط الكني في مواضع.
قال سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ: وقد يتوهم بعض الناس، أن أبا مضر هذا شيخ الزمخشري، الذي رثاه بقوله:
وقائلة ماهذه الدرر التي
فقلت هي الدرّ التي قد حشا بها
تساقط من عينيك سمطين سمطين
أبو مضر أذني تساقط من عيني
وربما تأيد هذا الوهم بالزمان، فإن زمان الرجلين واحد، وهذا وَهَم، /28

(2/28)


فهو غيره.
قلت: وفيه: قال القاضي عبدالله الدواري: اعلم أن الشروح التي توجد لأصحابنا ثمانية: شرح التحرير لأبي طالب، وشرح التجريد للمؤيد بالله، والإفادة للأستاذ، وشرح النصوص لأبي العباس، وشرح الأحكام لأبي العباس أيضاً، وشرح أبي مضر، ومثله شرح الحقيني، وكلاهما على الزيادات.
قال سيدنا شمس الإسلام، أحمد بن يحيى حابس ـ رحمه الله ـ: أراد القاضي أن هذه هي المشهورة في زمانه، يعني: وأما اليوم فهي أكثر...إلخ.
[السند إلى الزيادات على مذهب الإمام المؤيد بالله، وترجمة ابن ثال]
وأما الكتاب المشروح، وهو الزيادات على مذهب الإمام المؤيد بالله، فأرويه بالأسانيد السابقة في السند الجامع إلى القاضي يوسف الخطيب، عن الشيخ أبي القاسم بن ثال.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو القاسم بن ثال (بمثلثة، ثم ألف، ثم لام) اسمه الحسن ـ وقيل: الحسين ـ بن أبي الحسن الهوسمي، المعروف بالأستاذ العلامة.
قال محمد بن سليمان: يروي مذهب المؤيد بالله، ويحيى، والقاسم، عن السيد المؤيد بالله.
وساق أسانيده...إلى قوله: وأخذ عنه القاضي يوسف بن الحسن.
قال القاضي: هو الشيخ، حافظ المذهب، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ جامع الزيادات، علامة تشد الرحال إليه، نسيج وحده، وفريد وقته؛ انتهى المراد.
ولم يذكر في الطبقات، ولافي المطلع وفاة لأبي القاسم، ولا للقاضي يوسف الخطيب، ولا لأبي مضر، ولا لابن أصفهان، ولا لولده، ولا ليوسف /29

(2/29)


اللاهجاني ـ رضي الله عنهم ـ وكذا كل من ذكرناه، ولم يكن قد سبق في التحف الفاطمية، أو في هذا الكتاب، ولم نذكر له وفاة فهو لعدم ذلك؛ ولكن معظم المقصود منها معرفة الاتصال، وقد عرف في هؤلاء الرجال اتصال أعصارهم، وسماع بعضهم من بعض.
(رجع) وأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد القرشي، قال: أرويه عن سيدنا القاضي شمس الدين، مناولة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، عماد الدين، أبو الحسن، أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني.
قال القاضي أحمد بن أبي الحسن هذا: سمع هذا الكتاب من أوله إلى آخره القاضي الإمامُ، شمسُ الدين، جمالُ الإسلام، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى اليماني ـ أدام الله علوه ـ بقراءته، قراءة مَنْ كان واقفاً على معانيه، دقيقهِ وجليلهِ، إلى كتاب السير بقراءته، والباقي بقراءتي له، وبقراءة غيرنا إلا الفرائض؛ فإنه ما سمع مني؛ لأني ما قرأتها أيضاً على شيخي، والباقي سمعه على الوجه الذي كتبت، وأنا سمعته، وقرأته على الإمام توران شاه بن خسرو شاه بن بابويه الجيلي، وقرأه على الشيخ الإمام أبي علي بن آموج الجيلي، وقرأه على القاضي زيد بن محمد، وقرأه القاضي زيد على القاضي يوسف الخطيب.
قلت: هكذا في كتاب القاضي شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري.
قال في الطبقات: قال الحافظ أحمد بن سعد الدين: وفي بعض المسندات للأئمة إسقاط علي خليل، بين القاضي زيد وبين القاضي يوسف، والقاضي زيد يروي عنه، وهو عن القاضي يوسف؛ فاعرف ذلك فإنه من المهمات، وهو هكذا في كثير من الطرق، غير ثابت؛ لكنه سهو ـ والله أعلم ـ انتهى.
(رجع) وقرأ القاضي يوسف على الشيخ أبي القاسم المصنف، بعد ما أخذ /30

(2/30)


مسائلها عن الإمام المؤيد بالله أيضاً، ثم قال: كتبه أحمد بن أبي الحسن الكني، في غرة جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بالري، حامداً لله تعالى، ومصلياً على رسوله محمد وآله، انتهى.
قلت: ولما ذكر أنه أخذ مسائلها عن الإمام المؤيد بالله (ع)، عددناها في مؤلفات الإمام، وأوصلنا سندها إليه فيما سبق؛ يعلم ذلك.
ومن مسائلها: مسألة؛ قال الناصر للحق (ع): لايعرف على وجه الأرض أحد من المسلمين والكافرين، دفن سراً، غير علي، وفاطمة (ع)، وكانا أحب الخلق إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وهذا من أعجب العجب، انتهى.
[السند إلى الإبانة وزوائدها]
وأروي الإبانة وزوائدها، على مذهب الإمام الناصر للحق، الحسن بن علي، بالسند السابق في شرح أبي مضر، إلى الإمام المنصور بالله (ع)، عن محيي الدين، وعمران بن الحسن، بسندهما السابق إلى أبي علي بن آموج، عن الأستاذ يعقوب.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: يعقوب بن الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الهوسمي، أبو القاسم الأستاذ؛ يروي عن أبيه؛ مما رواه عنه: الإبانة، وأخذ عنه أبو علي بن آموج..
.إلى قوله: قال السيد أحمد بن مير: كان الأستاذ جليلاً فاضلاً، له التعليق الكبير على الإبانة، والجوابات، انتهى.
(رجع) عن أبيه المؤلف.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: محمد بن يعقوب القرشي، الشيخ أبو جعفر الهوسمي، العلامة.
ثم ساق أسانيده عن آل محمد (ع) وشيعتهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)..
إلى قوله: قال الفقيه محمد بن سليمان: كان أبو جعفر محققاً مجتهداً، وكان من قضاة السيد أبي /31

(2/31)


طالب، وله شرح الإبانة..
إلى قوله: ومن مصنفات أبي جعفر: الإبانة، وشرحها الكبير، والصغير، والمتوسط، والكافي، وكتاب أصول الديانات في الكلام، وتعليق العمدة في أصول الفقه.
وقبره بهوسم.
قال: والكافي، والإبانة، وشرحها، صارت عمدة في كتب الزيدية، انتهى.
ولم يذكر وفاته ـ رضي الله عنه ـ.
[سند الأربعين للصفار، وترجمة رجاله ومؤلفه]
وأروي الأربعين في فضائل أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ أجمعين ـ لأبي علي، الحسن بن علي الصفار، بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله، عن أبيه يحيى بن المهدي، عن الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده (ع)، عن إبراهيم بن علي الأكوع.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: ويقال: إبراهيم بن أحمد بن علي، والأول أشهر، أخذ على عمه أحمد بن محمد شُعلة؛ مما سمع عليه: المجموع لزيد بن علي، وأمالي أحمد بن عيسى، وحديقة الحكمة، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب أنساب الطالبية؛ قراءة، وإجازة، ومناولة، وغير ذلك.
وأخذ عنه الإمام المطهر بن يحيى؛ والسيد محمد بن المرتضى الحسيني، أخذ عنه كتاب الأنساب؛ كان فقيهاً شيخاً معمراً عالي الإسناد..
إلى قوله: ووفاته بحوث، انتهى.
(رجع) قراءة عن الحافظ شعلة الأكوع، قراءة عن محيي الدين بن الوليد، عن القاضي جعفر، عن الكَني، عن محمد بن أحمد بن علي الفرزاذي.
قلت: أفاد السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته ما في الإسناد، وهو من /32

(2/32)


رجال الزيدية، كما سبق أن من ذكرنا في هذا الفصل، أنه ترجم له فهو منهم، إلا أن نبين خلافه.
(رجع) عن أبي طاهر، محمد بن عبد العزيز الفرزاذي.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: الشيخ الإمام، أبو طاهر؛ ثم ذكر ما في الإسناد.
(رجع) عن المؤلف، أبي علي، الحسن بن علي الصفار.
قلت: قال السيد الإمام: أبو علي القاضي، مؤلف الأربعين في فضائل أمير المؤمنين(ع)، روى عن قاضي القضاة وغيره، وروى عنه تأليفه المذكور أبو طاهر..
.إلى قوله: ذكره ابن حميد، والكني في مسنده، انتهى.
قلت: وقد سبق النقل عنها كثيراً في الفصل الأول.
[السند إلى كتاب المحيط بالإمامة، وترجمة مؤلفه]
وأروي كتاب المحيط بالإمامة، بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: ونحن نروي كتاب المحيط بالإمامة عن مشائخنا، عن القاضي جعفر بن أحمد، عن زيد بن الحسن البيهقي، عن المؤلف.
قلت: عموم عبارة الإمام (ع) تفيد أنه يرويه عن جميع مشائخه، فأما عن الشيخ محيي الدين القرشي ـ رضي الله عنه ـ فأنا مطلع على روايته له عنه.
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة صاحب المحيط: علي بن الحسين بن محمد..
.إلى قوله: الشيخ العالم، أبو الحسن الزيدي، صاحب المحيط بأصول الإمامة.
ثم ساق مشائخه الذين روى عنهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)، ووالده العلامة الحسين بن محمد، من أصحاب الإمام المؤيد بالله (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وقال في الأصل: قرأ على الفقيه الإمام /33

(2/33)


أبو الحسين، زيد بن علي ـ أعزّه الله تعالى ـ هذا الكتاب، من أوله إلى آخره.
قلت: وهو زيد بن الحسن البيهقي نسبة إلى جده، وهو الأكثر الأشهر؛ وقد نسبه صاحب المحيط إلى أبيه على الأصل.
(رجع) قراءة فهم وضبط، وكتبه له علي بن الحسين بخط يده، انتهى.
قال القاضي: هو العلامة الكبير رئيس العراق، حجة الزيدية، صاحب المحيط بالإمامة، وهو كتاب حافل في مجلدين ضخمين، أو أكثر، على مذهب الزيدية ـ كثرهم الله تعالى ـ..
.إلى قوله: وهو كالشرح لكتاب الدعامة، للإمام أبي طالب..
.إلى قوله: والعلامة صاحب المحيط، ممن قرأ على أبي الحسن علي بن أبي طالب، الملقب بالمستعين بالله، انتهى.
وقد اختصرت أخباره في مؤلف لطيف، سميته منهج السلامة إلى أخبار المحيط بالإمامة، وقد سبق الكثير من أخباره.
[السند إلى جميع كتب القاضي جعفر بن أحمد، وترجمته]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى مؤلفات القاضي، شمس الإسلام، جعفر بن أحمد بن عبد السلام؛ فأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، عن الشيخ الحسن الرصاص، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنهما ـ.
وأرويها أيضاً بالإسناد المتقدم في طريق المجموع، إلى حسام الدين حميد الشهيد، عن الفقيه العالم عمران بن الحسن، عن الشيخ الطاهر عفيف الدين حنظلة بن الحسن، عن القاضي شرف الزيدية شمس الدين أبي الفضل جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليهم ـ، وقد مضت ترجمة القاضي شمس الدين في سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع) من التحف الفاطمية ، ونشير هنا إلى طرف من حاله؛ لما يتضمن من زيادة الإفادة.
قال في طبقات الزيدية: جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى /34

(2/34)


النهمي البهلولي الأبناوي، القاضي العلامة، شمس الدين؛ كان قديماً يرى رأي التطريف، حتى وصل الفقيه زيد بن الحسن البيهقي، في سنة خمسمائة، فراجعه وقرأ عليه، فرجع إلى مذهب الزيدية المخترعة، وقرأ على الفقيه زيد، وله منه إجازة عامة.
[ذكر مسموعات القاضي جعفر والكتب التي سمعها في العراق على الكني، وغيرها من مسموعاته، وتلامذته]
ولما أراد زيد بن الحسن الرجوع إلى العراق، رحل معه القاضي جعفر، لتمام السماع، فمات زيد بن الحسن بتهامة، فرحل القاضي إلى العراق، إلى حضرة العلامة أحمد بن أبي الحسن الكني، فقرأ عليه كتب الأئمة ومنصوصاتهم.
ثم ساق ما تقدم في سند الزيادات من كلام الكني، وقال: ومما سمع على الكني: مجموع زيد بن علي، وذخيرة الإيمان مسند السمان، ونظام الفوائد لقاضي القضاة، وكتاب الرياض للحمدوني، وفوائد قاضي القضاة للكلابي، وأحاديث عبد الوهاب، وكتاب الأنوار للمرشد بالله، وأماليه الخميسية، وخطبة الوداع، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي السيد أبي طالب، والأحاديث الزمخشرية، والأحاديث المنتقاة، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار، وقطعة من تفسير أبي عبيد في الغريب، وناوله باقي الكتاب، وأجازه؛ وغير ذلك مما ذكرناه في ترجمة الكني كما تقدم.
ثم سَمِعَ على الشيخ العدل الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي أمالي أحمد بن عيسى، والأربعين للنرسي، والأربعين للسيلقي، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب الذكر لمحمد بن منصور، وكتاب المقنع المختصر من الجامع الكافي، والرسالة المشهورة لزيد بن علي.
وسمع جلاء الأبصار للحاكم بن كرامة وغيرها من كتبه على السيد عُلَي بن عيسى بن وهّاس الحسني، وأجازه إجازة عامة من جملة ذلك: الكشاف لجار /35

(2/35)


الله الزمخشري.
وسمع بعض كتاب التهذيب للحاكم ابن كرامة أيضاً على أبي جعفر الديلمي، عن ولد الحاكم المحسن، عن أبيه، وأجازه في بقية كتب الحاكم..
.إلى قوله: وسمع على الزاهد مسعود الغزنوي بالكوفة، أحاديثَ في فضل اليمن، وسمع بمكة كتاب المواقف الخمسين على أبي المظفر العلكي، وسمع خبر عابد بني إسرائيل على أبي الفضل عبدالله بن أبي الفتح.
قال: وسيأتي إسنادها إلى مؤلفها ـ إن شاء الله تعالى ـ في ترجمة كل واحد من مشائخه.
قال: وله تلامذة كثير، منهم: حمزة بن سليمان، والد المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والأميران الكبيران: بدر الدين وشمسه، محمد ويحيى، ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ محيي الدين حميد بن أحمد القرشي، وسليمان بن ناصر صاحب شمس الشريعة، وأحمد بن مسعود، وعبدالله ومحمد، ابنا حمزة بن أبي النجم، وحنظلة بن شبعان، وأحمد بن الحسين الأكوع، وغيره ممن ذكره القاضي ـ أي صاحب مطلع البدور ـ وغيره.
قال: وكان القاضي ثبتاً، ورعاً، متبحراً في الرواية.
[شدة تحرجه في الرواية]
قال المنصور بالله عبدالله بن حمزة: ولما وصل القاضي جعفر من العراق بالعلوم، التي لم يصل بها سواه، من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع، وعلوم القرآن العظيم، والأخبار الجمة عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعن فضلاء الأئمة من العترة، وسائر العلماء.
وكان من جملة هذه الأخبار، أخبار في صفة الجنة والنار، مروية عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فطلب جماعة من الإخوان قراءتها عليه، وروايتها، فامتنع من ذلك في مجالس الأخبار، فألحّ عليه منهم مَنْ ألحّ، فذكر أنه قرأها على شيخ له بمكة، وكان شيخه هذا له يد طائلة في علم العربية، وحكى عنه أنه يُصْلِحُ ما يجد في الأخبار من اللحن، ويعتلّ /36

(2/36)


أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كان لا يَلْحَن، فعاب ذلك عليه شيخنا القاضي، وامتنع من الرواية، وقال: إني لا آمن أن يكون في هذه الأخبار شيء أصلحه على خلاف ما رواه عن شيوخه، انتهى.
وقال القاضي أحمد في مطلع البدور: هو القاضي الحجة، شيخ الإسلام، ناصر الملة، وارث علوم الأئمة الأطهرين، شيخ الزيدية، ومتكلمهم، ومحدثهم، وعالم الزيدية، ومخترعها، وإمامها، انقطع إلى الزيدية، ورحل إلى العراق، وكان من أعضاد الإمام أحمد بن سليمان، وأنصاره؛ وطالما ذكرهما الإمام المنصور بالله، واحتج بكلامهما؛ فيقول: قال الإمام والعالم، ذكر الإمام والعالم، أفتى بذلك الإمام والعالم.
وقد قيل: على أهل اليمن نعمتان في الإسلام والإرشاد إلى مذهب الأئمة (ع): الأولى: للهادي (ع).
والثانية: للقاضي جعفر.
فإن الهادي (ع) استنقذهم من الباطنية، والجبر، والتشبيه؛ والقاضي له العناية العظمى في إبطال مذهب التطريف، ونصرة البيت النبوي الشريف.
قلت: لاريب أن للقاضي ـ رضوان الله عليه ـ نعمة عظمى، ومنّة كبرى؛ ولكن نعمته مترتبة على النعمة الأولى، فإن النعمة السابقة، التي لشيخه ومنقذه، زيد بن الحسن، فرع من فروع نعمة إمام الأئمة، وهادي الأمة.
وأيضاً، لم تستأصل فتنة هذه الفرقة الغوية، وبدعة هذه الطائفة الطبيعية المطرفية، إلا بسيفي الإمامين الأعظمين: الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، والإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، وعلمهما، وجهادهما، واجتهادهما، وعظم أثرهما في الإسلام.
ورسالة عالم المطرفية إلى بني العباس، في شأن الإمام المنصور بالله (ع) معلومة. /37

(2/37)


[اتفاقه بالإمام أحمد بن سليمان، وما دار بينهما في شأن المطرفية]
قال في مطلع البدور: وكان ابتداء وقفته ـ أي القاضي جعفر ـ للإمام ـ أي المتوكل على الله (ع) ـ بذمار، وقت مخرجه إلى زبيد، فاعتذر إليه في أمور كانت منه مع المطرفية، فيما سبق؛ ولما وصل إلى العراق تبين له أنه على غير شيء، فعذره الإمام (ع)، وجعله في حلّ، وقال له: هل علمت يا قاضي أحداً ممن لقيته بالعراق يقول شيئاً مما تقوله المطرفية، وتعتقده، أو يعمل به، أو وجدت ذلك في كتاب؟
قال: لا.
قال: فإنه يجب عليك أن تردهم عن جهلهم، وتنكر بدعهم؛ فإن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((إذا ظهرت البدع من بعدي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله)).
فقال القاضي: قد عرفت ما تقول، ولكن القوم كثير، وقد صاروا ملأ يمننا هذا؛ ولو أكثر عليهم لرموني عن قوس واحدة، وأنت يامولانا تقرب، وتبعد، وإني أخافهم، ولاطاقة لي بهم.
فوقع كلام الإمام في أذن القاضي وهو ممن علم وعمل.
ثم حكى ما جرى بينهم وبينه، وأنه قال لهم بعد أن تحزبوا عليه: هلموا إلى المناظرة فأُظهِرَ ما فيكم، وأَظهِروا مافيَّ بين يدي حاكم.
فقالوا: ومن الحاكم؟
فقال: إمام الزمان.
فأبوا ذلك..
.إلى قوله: قال مصنف سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع): فلم يسمعوا كلام القاضي جعفر، بل آذوه، وقام في وجهه رجلان باطنيان: أحدهما مسلم اللحجي، من أهل شظب، والآخر يقال له: يحيى بن حسين، يلقب الفقيه؛ فآذياه، وسباه، فعاد إلى سناع، ومعه جماعة من الأشراف، منهم: الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وغيره من أعيان السادة الهدويين، والحمزيين، والقاسميين، ومن أعيان الشيعة عدة.
وكان للقاضي في مسجد سناع مدرسة، فعارضه المطرفية بمدرسة أخرى في جانب المسجد، فقام بعض/38

(2/38)


الأشراف فأطفأ سراجهم، فقاموا فأطفأوا مصباح القاضي..
.إلى قوله: وكان القاضي ـ رحمه الله ـ ضرب لهم مثلاً، فقال: مَثَلهم، ومَثَلي كمثل قوم عراة في مسجد في ظلمة، وأصواتهم مرتفعة بالقرآن والصلاة، وهم يصلون عراة إلى غير قبلة، فدخل عليهم رجل بمصباح، فوجدهم على أقبح حال، عراة؛ فأجمعوا على الذي دخل بالمصباح يلعنونه، ويسبونه، فقال: ليس لي جرم غير أني دخلتُ بالمصباح، فقالوا: بلى إنك أظهرت شيئاً كنا نكتُمه.
وآل الكلام إلى أن الإمام (ع) بعد أن بلغه ما لقي القاضي من المطرفية، قال: قد وجب علينا نصرته، فلم يزل يطوف البلاد، وهو ينهى الناس عن مذهبهم، ويحذرهم منهم، حتى أثر ذلك مع أكثر الناس؛ انتهى المراد.
وعلى الجملة، فقد طهّر الله اليمن ـ بحمد الله تعالى ـ من هذه البدعة، وغيرها من مضلات الفتن، بحميد سعي الأئمة الهداة، من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وعلماء شيعتهم المهتدين بهديهم ـ رضي الله عنهم ـ ونشر الله الحق، وأظهر الحجج في كل زمان، وعد الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إني تارك فيكم))، ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض))، ((إن عند كل بدعة...)) الأخبار.
[الكتب التي وصلت إلى اليمن قبل مقدم القاضي جعفر إليه من العراق]
نعم، وقدم القاضي شمس الدين ـ رضوان الله عليه ـ بكتب الأئمة من العراق كما سبق، وقد كان وصل إلى اليمن قبله منها الكتب التي صحح روايتها للقاضي جعفر، ومن معه من العلماء ـ رضي الله عنهم ـ الإمامُ المتوكل على الله أحمد بن سليمان، منها: شرح التجريد للإمام المؤيد بالله، وشرح القاضي زيد ـ رضي الله عنه ـ عن شيخه السيد الفاضل الإمام الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع).
وقد أفاد العلماء أن الإمام المتوكل على الله أخذ كتب العراق، عن السيد الإمام /39

(2/39)


الحسن بن محمد، وعن شيخ الإسلام زيد بن الحسن، وعن العلامة العباس بن علي ـ رضي الله عنهم ـ وعبارة الإمام المتوكل على الله تفيد أن الشروح كانت قد وصلت إلى اليمن كلها.
وكذلك أوصل الشريف الإمام تاج العترة المطهرة، الحسن بن عبدالله بن المهول، شيخ الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وأمالي الإمام المرشد بالله.
وقد بلّغ كتب الأئمة من اليمن إلى العراق، ومن العراق إلى اليمن، كثيرٌ من علماء آل محمد (ع) وشيعتهم؛ فجزى الله الجميع عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ومصنفات القاضي معروفة، مشهورة، وقد ذكرها القاضي وغيره، منها: النكت وشرحها، والأربعون العلوية؛ ورتب أمالي أبي طالب، وسماه تيسير المطالب، وخلاصة الفوائد، وغير ذلك في الأصول والفروع.
ولم يزل مدرساً بسناع، حتى توفي، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
قلت: وقد مرّ في التحف الفاطمية ، ولكن انساق إليه الكلام.
قال: وحوله تلامذته، الحسن الرصاص وغيره، انتهى.
[ترجمة إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث]
هذا، ومن نجوم علماء ذلك العصر، إمام الشيعة، وعلم أعلام الشريعة، إسحاق بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباعث ـ رضوان الله عليه ـ أحد رواة كتب الأئمة، وهداة الأمة، وخطيب الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، على منبر المرتضى، والناصر (ع)، وصاحب المؤلفات النافعة؛ منها: التعليق على الإفادة، والرسائل المفيدة في الإمامة، وغيرها؛ أرويها عنه بالطريق السابقة في الأحكام المتصلة به، وقد مرّ ذكره في التحف /40

(2/40)


الفاطمية، وفي هذا الكتاب، وهو والقاضي شمس الدين ـ رضوان الله عليهما ـ أخوان مشتركان في العلم، والفضل، والقيام التام بمناصرة إمام عصرهما، وحجة دهرهما، حبيب الرحمن، أحمد بن سليمان (ع)، وإلى ذلك أشار صارم الدين (ع) في البسامة؛ حيث قال:
وجعفر ثم إسحاق له نصرا .... في عصبة وزر ناهيك من وزر
[السند إلى مؤلفات ومرويات الشيخ الحسن الرصاص، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، وترجمتان لهما]
وإلى جميع مؤلفات ومرويات الشيخين الفاضلين، عالمي اليمن، وحافظي الآثار والسنن، عمدة الموحدين: أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص، ومحيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضوان الله عليهما ـ وقد تقدمت الترجمة لهما في التحف الفاطمية ، وهما من أشياخ الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الرواية، وكانا يقرّان له بما اختصّه الله ـ تعالى ـ به من أنوار النبوة، وأفاض عليه من بركات العلوم والحكمة، المخصوصة بهداة هذه الأمة، ويعترفان بما أولاه الله تعالى من السبق، وجعله له عليهما وعلى المسلمين من الحق، ويصرحان بتفضيله عليهما وعلى أهل عصره، علماً، وحكماً، وفهماً، ودراية، ورواية، وما كانا يخاطبانه إلا بمولانا، ومالكنا، ونحو ذلك.
وكما قال بعض مشائخه (ع)، وقد راجع الإمام في قضية، فقال له الإمام: أنت رويت لي عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كذا، - وساق الحديث-.
فاعتذر الشيخ، وقال: ربّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه.
ولما وصلت الرسالة الطوافة، التي جابت الأندلس، وإفريقية، والشام، والعراقين، إلى الشيخ الحسن، فأجاب عنها الإمام (ع) بالجوهرة الشفافة، وقال في صدرها: /41

(2/41)


أما بعد:
فإن الرسالة الطوّافة انتهت إلينا إلى اليمن قاطعة خطامها، حاسرة لثامها...إلى آخرها.
فاطلع الشيخ الحسن على الجواب فاستحسنه، وقال: والله، لقد هُدي إلى أشياء ما كنّا لنهتدي إليها.
وقال مرة أخرى: علم الله، لو كنت أنا المجيب ما اهتديت إلى جميع ما أورده من العلوم.
وكان جواب الإمام (ع) حال القراءة والحداثة؛ وعادوا بعد ذلك يستمدون من معين علمه الفوار، ويهتدون بضياء فهمه النوار، سلام الله ورضوانه عليه وعلى العلماء العاملين في جميع الأعصار.
هذا، وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة الشيخ الحسن: هو الشيخ الكبير العالم، شحاك الملحدين، وشيخ الأئمة الهادين؛ كان آية من آيات الله، واسع الدراية، قليل النظير..
.إلى قوله: وللشيخ مؤلفات عدة، منها: كتاب مناقشات أهل المنطق، والفائق في الأصول، والبيان في علم الكلام، ومنها: الكاشف في إثبات الأعراض والجواهر، ومنها: العشر الفوائد، والممدود والمقصور، وجواب القاضي الرشيد؛ وكان عمره يوم أجاب بهذا تسع عشرة سنة.
وصنف في الأدب وهو ابن أربع عشرة سنة، وفي علم الكلام وهو ابن خمس عشرة سنة.
قال: وكان سماعه على القاضي وهو ابن عشر سنين.
قال حميد: كان عالم الزيدية في عصره، والمبرز في أبناء دهره، وإليه انتهت رئاسة أصحاب القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد؛ وكان في علم الكلام، شمساً مشرقة على الأنام، وحبراً من أحبار الإسلام...إلخ؛ وأفاد أن عمره ثمان وثلاثون سنة - رضي الله عنه -.
وقال في ترجمة الشيخ محيي الدين، بعد أن ساق نسبه إلى الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف./42

(2/42)


قلت: ولقد أحسن صاحب المطلع، حيث قال في ترجمة ولده علي بن محمد ما لفظه: والعجب من أهل هذا البيت المبارك! كيف صدَقوا في ولاية آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ وبلغوا في الشفقة عليهم، والرأفة بهم، مبلغاً ما بلغه غيرهم، مع كون سلفهم في الطرف الآخر؟ فلسان حالهم يقول، كما قال بعض الموالين للعترة من بني أمية:
يا بني هاشم بن عبد مناف .... إنني منكم بكل مكان
ولئن كُنْتُ مِنْ أميّة إني .... لبريء منها إلى الرحمن
[تلاميذ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، ومشائخه، ومؤلفاته]
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال السيد محمد بن الهادي: ومحمد بن أحمد بن الوليد؛ يروي شرح القاضي زيد وغيره، عن مشائخه، وهم كثير، منهم: الأميران الكبيران: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى.
قلت: ومنهم: الإمام المتوكل على الله، أحمد بن سليمان (ع).
قال: ومنهم: القاضي جعفر بن أحمد، ومنهم: الشيخ الحسن الرصاص، والفقيه تاج الدين البيهقي؛ وهم نيف وعشرون شيخاً، من أهل المذهب ومن سواهم.
وقال: أخبرنا بأمالي المرشد بالله، الأمير بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ وقال ـ في أمالي المرشد بالله ـ: إلا ما كان معلوماً عليه، منقولاً من فرع، فنحن نرويه بالمناولة، عن القاضي ركن الدين، محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم، عن أبيه، عن السيد الحسن بن عبدالله، عن الكني..
.إلى قوله: قال ـ أي محيي الدين ـ: أخبرنا القاضي جعفر بن أحمد بن أبي يحيى، عن /43

(2/43)


الكني بطرقه المعروفة. انتهى.
قال: وقال محمد بن أحمد بن الوليد: أخبرنا الإمام أحمد بن سليمان، بكتابه أصول الأحكام مناولة، ثم قراءة، إلى أول كتاب الوصايا..
.إلى قوله: قال القاضي: شيخ الشيعة، الحافظ لعلوم آل محمد، المحدث الكبير، الأصولي، شحاك الملحدين، أبو عبدالله، العلامة الرباني، المجمع على جلالته وفضله، ولم يختلف في ذلك اثنان؛ وكان يسكن في حوث ـ قال: وقال ولده: في صعدة أيضاً ـ ومصنفاته المشهورة سبعة وعشرون مصنفاً، وله تحرير زوائد الإبانة، كانت في الأصل حواشي.
وقال في ترجمته في اسمه الآخر حميد: قال في سيرة الإمام شرف الدين: حميد بن أحمد، تلميذ الإمام المتوكل على الله، وشيخ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وهو جامع زوائد الإبانة، وفتاوي الإمام المنصور بالله المسماة بهداية المسترشدين.
وذكر أنه سمع على القاضي جعفر مجموع الإمام زيد بن علي، وأمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أبي طالب، وسلوة العارفين، وأنوار المرشد بالله، وأمالي السيد ظفر بن داعي، والأحكام، والمنتخب، وغيرها من كتب الأئمة المتقدمين والمتأخرين (ع)، وشرح القاضي زيد، ومجموع علي خليل، وشرح أبي مضر، وغير ذلك من كتب الشيعة.
قال: ويذكره الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في ذكر مسنداته فيقول: أخبرنا الشيخ الأجل الفاضل، محيي الدين، عمدة المتكلمين.
انتهى المراد.
وللأمير الناصر لدين الله، محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشيخ محيي الدين ترثية غراء، صدرها:
إن الرزية لارزية مثلها .... نفس يموت بموتها الإسلام
/44

(2/44)


إلى قوله:
وعليك منّا كلّما جنح الدجى .... ودنا الأصيل تحية وسلام
نعم، فأروي كلما لهذين الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ من تأليف وإسناد، وعلم مستفاد، بالثلاث الطرق السابقة، المتصلة بالإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) عنهما ـ رضي الله عنهما ـ.
[السند إلى رسالة الإمام زيد بن علي، ومؤلفات الفقيه حميد الشهيد وترجمته]
وأروي بتلك الطرق إلى الشافي المذكورة في سند المجموع ـ كل تأليف ورواية لحسام الأعلام، وإمام الشيعة الكرام، الشهيد الحميد، حُميد بن أحم د بن محمد ـ رضي الله عنه ـ وقد سبق ذكره في التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: المُحلي (بضم الميم؛ كذا ذكره بعض أولاده، ووجد أيضاً بخط حميد، وقرره المفتي؛ والمحفوظ والمسموع على ألسن العلماء بفتحها) وهو المحلي، الوادعي، الصنعاني، الهمداني، الفقيه الشهيد، العلامة؛ أخذ عن أئمة كبار، ومشائخ بحار، أحدهم المنصور بالله عبدالله بن حمزة ـ وناهيك به ـ وشيخه محمد بن أحمد بن الوليد القرشي.
قلت: روى عنه جميع مسموعاته.
قال: والشيخ أحمد بن الحسن الرصاص.
قلت: كذلك روى عنه جميع مسموعاته.
قال: والفقيه علي بن أحمد الأكوع.
قلت: هو الشيخ بهاء الدين كذلك؛ روى عنه جميع طرقاته، من جميع شيوخه.
قال: والشيخ الحافظ عمران بن الحسن.
قلت: كذلك روى عنه جميع مروياته. /45

(2/45)


قال: والفقيه عمرو بن جميل النهدي.
قلت: كذلك روى عنه جميع ما أجاز روايته.
فيروي المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ بالطرق السابقة إلى الشهيد، عن المشائخ المذكورين، جميع ما ذكر ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: والشيخ تاج الدين زيد بن أحمد البيهقي، القادم إلى اليمن..
.إلى قوله: وأخذ أيضاً نهج البلاغة من المرتضى بن شراهنك الحسني المرعشي، وأخذ عنه أئمة كبار، كولده أحمد بن حميد، والسيد يحيى بن القاسم الحمزي، ويحيى بن عطية.
قلت: هو ابن أبي النجم، روى عنه رسالة الإمام الأعظم زيد بن علي في الإمامة؛ وأنا أرويها بالسند السابق في أنوار اليقين، إلى الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد بدر الدين (ع)، عن الشيخ العالم عماد الدين يحيى بن عطية بن أبي النجم، الشهيد مع الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، عن حميد الشهيد ـ رضي الله عنهم ـ بسنده المذكور في الأنوار، وطبقات الزيدية إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
هذا، قال: وعبدالله بن زيد العنسي.
قال الحافظ ـ قلت: أي أحمد بن سعد الدين المسوري ـ في ترجمة حميد الشهيد ـ رضي الله عنهم ـ: هو الفقيه العلامة، بحر العلوم الزاخر، وبدر الفضائل السافر؛ كان وحيداً في عصره، فريداً في دهره، شحاكاً للملحدين، وغيظاً للجاحدين، وسيفاً صارماً لاينبو عن الذب عن الدين، أنفق عمره في العلم والعمل، والرد على المخالفين لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والنشر لفضائلهم؛ وله/46

(2/46)


المصنفات الرائقة، والتعليقات الفائقة، والرسائل التي هي بالحق ناطقة؛ كان من أعيان شيعة المنصور بالله عبدالله بن حمزة ـ سلام الله عليه ـ على صغر سنّه؛ ثم جدّ في نصرة الإمام أحمد بن الحسين الشهيد، حتى أكرمه الله بالشهادة بين يديه.
قلت: قال في مطلع البدور: وله كرامات، منها: ما اشتهر من تأذين رأسه بألفاظ الأذان بعد قطعه.
قلت: وكفاه ما قاله إمامه الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع) مخاطباً لأحمد بن الإمام المنصور بالله (ع): رادفتَ المحنة، وراكبت سحائب الظُّلْمة، وقتلتَ رباني هذه الأمة، رجلاً أفنى عمره في الذب عن الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين؛ ولأبيك أمير المؤمنين من مقاماته غررها، ومن مقالاته شذورها ودررها.
رواه في المطلع؛ قال فيه: ومن أجلّ مؤلفاته الحدائق الوردية في ذكر أئمة الزيدية، في مجلدين، وكتاب العمدة في نحو أربعة مجلدات في أصول الدين، ومحاسن الأزهار في فضائل إمام الأبرار.
قلت: هو شرح لقصيدة الإمام المنصور بالله (ع) إلى صاحب بغداد، التي صدرها:
ناشدتك الله بآلائه .... وبالنبي المصطفى والوصي
ضمنها فضائل أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
[السند إلى كتاب شمس الشريعة للسحامي ـ وترجمته]
وأروي كتاب شمس الشريعة، لشيخ الشيعة، العلامة، سليمان بن ناصر الدين بن سعيد بن عبدالله السحامي (بمهملتين، أولاهما مضمومة) رضي الله عنه، بالأسانيد الثلاثة السابقة إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) وبالإسناد السابق في آخر سند في الشفاء، وفي سلسلة الإبريز، وفي /47

(2/47)


الأربعين للصفار، وفي غيرها ـ وهو أحد أسانيدنا المتصلة من لدي إلى نهايتها بآل محمد صلوات الله عليهم ـ وهو بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين؛ عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله محمد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، عن الأمير علي بن الحسين، عن الشيخ عطية بن محمد، عن الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى، ثلاثتهم ـ أعني: الإمام المنصور بالله، والأميرين الداعيين إلى الله ـ يروونه عن المؤلف، وقد سبق ذِكْره في التحف الفاطمية ، في الآخذين عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد، فهما شيخاه، وحسبه شرفاً في الدارين بهؤلاء الثلاثة الرواة.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: سليمان بن ناصر الدين..
.إلى قوله: قال في تعداد ما نقل في شمس الشريعة: ومنها: شرح أبي مضر، ومجموع علي خليل..
.إلى قوله: وهو أيضاً أحد تلامذة الإمام أحمد بن سليمان، سمع عليه شرح التحرير، وأجازه كتاب أحكام الهادي.
ومما روى عن القاضي شمس الدين: غريب الحديث، وهو صاحب شمس الشريعة، جمع فيه مسائل التحرير، وكثيراً من مسائل الزيادات والإفادة، وفيه فوائد من المهذب..
.إلى قوله: وممن روى عنه الفقيه جمال الدين علي بن أحمد الأكوع.
قلت: وهذه طريق لنا إليه رابعة. /48

(2/48)


قال: قال القاضي: شيخ العصابة، وإمام أهل الإصابة، مُطْلِعُ شمس الشريعة.
قلت: في هذا تورية بكتابه بديعة.
(رجع)، ومُظْهِرُ عجائب الإسلام البديعة، وأحد الفضلاء، أحد أساطين الفقه، حفظ القواعد، وقيّد الشوارد، وهيمن على كتب العراقين واليمن.
إلى قوله: وفيه يقول إمام زمانه، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع):
أهلاً بصدرِ شريعة الإسلام .... وبأوحد في ديننا علاّمِ
نجل ابن ناصرِ عِلْمِ آل محمد .... فأتى بياقوت ودرّ نظامِ
فجزاك ربك عن سلالة أحمد .... خير الجزا وحباكَ بالإنعامِ
وهو من بيت علم وفضل، يسكنون صُرْحَه (بضم الصاد مهملة، بعدها مهملتان) من جهة بني سليم، وقيل: إن مسكنه هجرة شوحط قرب قرن.
قال القاضي: ولا يمتنع اجتماع الأمرين، قال: وكان للقاضي ـ عادت بركاته ـ عناية كاملة في استصلاح العامة، والدعاء إلى الحق، وإشادة الآثار الصالحة؛ فصلح ـ بحميد سعايته ـ في ذلك الإقليم، خلائق دعاهم إلى مذهب العترة (ع)، فدانوا بذلك، واشتهروا بالعدل والتوحيد، وتنزيه الله، وكان يحمل إلى الإمام المنصور بالله (ع) الأموال الواسعة، وكان أحد المجاهدين المناصرين، ففاز بخلّتي الجهاد والاجتهاد.
وقال بعض شيوخنا: إن مؤلف البيان المعروف ببيان السحامي أخوه، وهو علي بن ناصر، ثم حكى عن بعضهم، أنه ابن أخيه، فهو علي بن الحسن بن ناصر الدين. /49

(2/49)


قال السيد العلامة أحمد بن عبدالله الوزير: إنه أخوه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وقال حميد المحلي: كان غزير العلم، بالغاً درجة الاجتهاد، ولاّه الإمام بلاد مذحج، وتوفي بعد الستمائة، ودفن بقرية جبن ـ رحمة الله عليه ـ انتهى.
[السند إلى شمس الأخبار، وترجمة مؤلفه]
وأروي بهذا السند النبوي إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع)، كتاب شمس الأخبار، عن مؤلفه العلامة جمال الدين علي بن حميد، وحميد هو الشيخ المتقدم محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنهما ـ.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: العلامة المحدث، أخذ عن أبيه كتب الأئمة، وشيعتهم، وعدّ من مسموعاته على أبيه، مجموعَ الإمام الأعظم، والأماليات للمؤيد بالله، والناطق بالحق، والمرشد بالله، والاعتبار للموفق بالله، وأصول الأحكام، وأمالي ظفر بن داعي، وأربعين أبي الغنائم، والرياض للحمدوني، ومجالس السمان، وأحاديث فضل اليمن، والسيلقية، وغيرها.
قال: وكتاب العمدة في صحاح الأخبار ليحيى بن الحسن الحلي، أخبرني بها بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع مناولة، بحوث، سنة تسع وتسعين وخمسمائة، أخبرني علي بن حامد الصنعاني، أخبرنا المؤلف.
وكتاب مناقب ابن المغازلي، أخبرني بها أيضاً، قراءة، علي بن أحمد، وذكر أن أجل من روى عنه الأمير الحسين بن محمد (ع).
قال: فإنه يروي كتب الأئمة وشيعتهم عنه بالمناولة.
قال القاضي: ومن مؤلفات علي بن حميد شمس الأخبار، وهو خميص، بطين، ينتفع به الفقيه والزاهد، وطبقات الراغبين في الخير، مع جودة/50

(2/50)


اختصار، ونجابة في الأمهات.
ولما فرغ من أربعة كراريس حملها إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، فسرّ بها سروراً عظيماً، وتهلّل وجهه فرحاً، ثم تبسم، ورفع رأسه إلى والده الشيخ محيي الدين، ثم قال: هذا مصنف متقن.
ثم التفت إلى علي، وقال له: اجعل نوبتك من معونتنا أن تطلب لنا من ينسخ لنا هذا الكتاب.
ثم أمر لي بالورق والأجرة، ثم قال لي (ع) بعد ذلك: قد صار معك من الأخبار ما يكفي، وفوق الكفاية، فازدد من علم أصول الدين، واقرأ في كتب أصول الفقه..
.إلى قوله: واتفق في أثناء هذا التأليف انكسار خاطر هذا الفاضل، واشتغال باله، بالحادث الذي عمّ غمه المسلمين، وهو قتل الغز ـ أخزاهم الله ـ للأمير مجد الدين.
قال الشيخ ما لفظه: هذا آخر شمس الأخبار.
إلى قوله: كان ذلك ليلة الجمعة، المسفر عنها اليوم الرابع عشر أو الثالث عشر، من شهر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ شعبان، من شهور سنة ثمان وستمائة، وفي هذا اليوم المذكور خرج مولانا أمير المؤمنين إلى شظب، وبلاد قحطان، وحجور، فما رجع حتى فتح الله على يديه، والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى مؤلفات القاضي عبدالله بن زيد العنسي وترجمته]
وأروي بهذا السند المتسلسل بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جميع مؤلفات القاضي العلامة، الحبر البحر، ولي آل محمد، عبدالله بن زيد بن أبي الخير العنسي ـ رضي الله عنه ـ المحجة البيضاء في علم الكلام أربعة مجلدة، وكتاب التحرير في أصول الفقه، والإرشاد في الطريقة، وغيرها.
فالأمير الناصر للحق (ع) يرويها عن المؤلف فخر الإسلام عبدالله بن زيد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: القاضي العلامة، من شيوخه: شيخ آل /51

(2/51)


الرسول بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وأخذ عنه الأمير الحسين بن محمد.
قال القاضي: هو العلامة إمام الزهاد، ورئيس العباد، ولسان المتكلمين، وشحاك الملحدين، مفخر الزيدية، بل مفخر الإسلام، جمع مالم يجمعه غيره من العلوم النافعة الواسعة، والأعمال الصالحة، وصنّف في الإسلام كتباً عظيمة النفع، ذكر بعضهم أن كتبه مائة كتاب وخمسة كتب، ما بين صغير وكبير، وكان جيد العبارة، حسن السبك.
وكان هو والعلامة حميد الشهيد كالنظيرين، إلا أن تصرفات ابن زيد في المعقولات أكثر من الشهيد، وتصرفات الشهيد في المنقولات أكثر.
وله في نصرة الإمام الأعظم المهدي لدين الله أحمد بن الحسين ـ سلام الله عليه ـ اليد الطولى، والسهم المعلى، وكان (ع) لايعدل به أحداً، ويسميه داعي أمير المؤمنين.
قلت: وفي مطلع البدور أيضاً: ولما قام الإمام الأعظم المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، نهض الفقيه بدعوته الشريفة، ونصرته، ونزل معه إلى ضمد.
وفيه: ولما كان ما كان من قتل الإمام المهدي ـ سلام الله عليه ـ لم يزل يراجع الحسن بن وهّاس، ويستظهر عليه بالحجج في حق الإمام ـ سلام الله عليه ـ حتى فلجه.
قيل: إنه أورد عليه خمس مائة إشكال، فأمر شمس الدين أحمد بن الإمام من يتهدده مراراً، ولم يجد سبيلاً إلى قتله.
إلى قوله: فأقام بفللة، ونشر العلم هنالك، وقبره بكحلان تاج الدين، قبلي البركة التي تسمى رحبة، مشهور مزور.
قال: وذكر السيد جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم في المسائل المذهبة وغيرها ما حاصله: أن الفقيه ـ رحمه الله ـ كان في مقام التدريس صحيحاً، /52

(2/52)


فاستدعى بداوة وقرطاس، وكتب وصيته لأولاده، حتى بلغ إلى حكم ما في المصحف من الحديث القدسي ((من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي، فليتخذ رباً سواي)) مات، وانحط القلم في الكاغد.
إلى قوله: فإنها من العجائب، انتهى.
[السند إلى بيان الشيخ عطية النجراني وترجمته]
وأروي بهذا السند الشريف، إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، عن الأمير الخطير علي بن الحسين (ع)، بيان الشيخ العلامة محيي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني الحارثي ـ رضي الله عنهم ـ في التفسير، عن مؤلفه المذكور، وقد سبق ذكره.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: هو الشيخ العلامة محيي الدين، ولد سنة ثلاث وستمائة، بعد وفاة والده بستة أشهر، يروي كتب الأئمة وشيعتهم بالسلسلة المعروفة عن الأميرين: بدر الدين وشمسه، محمد ويحيى، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى.
إلى قوله: وروى عنه الأمير علي بن الحسين صاحب اللمع، وولداه علي بن عطية، وإبراهيم بن عطية.
قال القاضي: الفقيه الإمام المفسر العارف، إمام المفرعين، ورئيس المذاكرين، وله كتاب في التفسير.
إلى قوله: وله المسائل المشهورة إلى الإمام.
قلت: أي الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، وقد تقدم ذكرها.
قال: وقبره غربي صعدة، تجاه المنصورة، مشهور مزور.
وأروي كتاب البيان أيضاً بالسند السابق في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وفي القمر المنير، وغيرها، إلى المؤلف الشيخ محيي الدين عطية بن محمد ـ رضي الله عنهما ـ.
[السند إلى بيان ابن معرف، وترجمته]
وأروي بذلك السند إلى الناصر للحق الحسين بن محمد (ع)، /53

(2/53)


عن الشيخ العلامة جلال الدين محمد بن عبدالله بن معرّف (بكسر الراء المشددة) رضي الله عنه، كتابه البيان، وهو المراد أينما أطلق في كتب الفقه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: القاضي العلامة.
قال محمد بن أحمد بن مظفر: إنه يروي عن الأمير علي بن الحسين صاحب اللمع، وتبعه في الطراز المذهب في سند المذهب، وذكره الفقيه يوسف في اللمع، بقراءته لها على الأمير علي بن الحسين المؤلف، وروى عنه الأمير الحسين.
قال: هو معدود من المذاكرين، وله كتاب المذاكرة، والمنهج المعروف بمنهج ابن معرف.
قلت: نرويه بهذه الطريق أيضاً عنه.
قال: وكان من العلماء الذين حضروا بيعة الإمام الحسن بن بدر الدين، في سنة ست وخمسين وستمائة.
[السند إلى الوافي في الفرائض لابن أبي البقاء ـ وترجمته]
وأروي كتاب الوافي في الفرائض، بالسند السابق في طرق الشفاء، إلى الإمام المجتبى، أحمد بن يحيى المرتضى، بسنده ذلك المتصل بآل محمد، إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، وبهذا السند المتصل بالإمام المطهر بن يحيى؛ عن الشيخ تقي الدين محمد بن أحمد بن أبي الرجال، عن الإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين، والإمام الشهيد، والأمير الحسين، يرويانه عن المؤلف الشيخ العلامة الحسن بن أبي البقاء بن صالح التهامي، ثم القيسي ـ رضي الله عنهم ـ.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الشيخ الإمام، له مشائخ أجلّة، منهم: بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وعمران بن الحسن.
وقال: وأخذ عنه الأمير الحسين، وحسين بن محمد بن يعيش، وعدّه السيد صارم الدين حجة ثقة ثبتاً، له تصانيف في التفسير، وله الكامل في الفقه، لم ينسج على منواله، يستدل بالأحاديث النبوية من العلوم والأمالي المؤيدية، والطالبية، والسمانية، والمجاميع المسندات لآل محمد (ع)، وله في /54

(2/54)


الفرائض كتاب الوافي، وهو كاسمه وافٍ، فيه نظم الفرائض والأدلة، وأقوال المخالفين، والحجة عليها.
ثم ذكر أنه قابل بينه وبين البحر والانتصار في علم الفرائض، ولم يظهر له تفاوت.
قال: وتولى القضاء للإمام أحمد بن الحسين الشهيد، وله أشعار كثيرة.
إلى قوله: توفي في عشر السبعين وستمائة، وأفاد أن قبره في ساحة قبة الإمام عبدالله بن حمزة (ع) بظفار رحمة الله عليه.
[عودة إلى إتمام مؤلفات العترة، وصحة رواية المقنع للإمام الداعي يحيى بن المحسن]
هذا، ونعود إلى إتمام مؤلفات العترة الكرام، من حيث وقف عليه الكلام، على مقتضى ذلك النظام، فأقول ـ والله تعالى ولي الإنعام ـ: وصحت لي رواية كتاب المقنع في أصول الفقه للإمام الداعي إلى الله تعالى يحيى بن المحسن بن محفوظ بن محمد بن يحيى بن يحيى (ع)، وقد مرّ ذكره مع الأئمة (ع) في التحف الفاطمية .
وهذا الكتاب مما أهمل أهل كتب الإجازات السند إليه، وقد سبقت الإشارة إلى بعض ما تركوه، وسيأتي ذكر البقية ـ إن شاء الله تعالى ـ ويكون التنبيه على ذلك، وقد وقعت العناية بتحصيل أسانيد وتصحيح مؤلفات كثيرة، لم تكن محررة في كتب البحث المذكورة، يقف على ذلك المطلع ـ إن شاء الله ـ.
[أرجوزة الإمام الداعي يحيى بن المحسن ـ وترجمته]
هذا، وكان الإمام الداعي من أعلام الأئمة، وأعيان هداة هذه الأمة، وحسبه شهادة الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) له بقوله تارة: لا نعلم في دار الإسلام أعلم من فلان ـ يعني الإمام يحيى ـ وأخرى: إن معه علم أربعة أئمة، ومرة: مع الداعي علوم لا يحتاج إليها الإمام.
ومن فرائد نظمه، الكلمة الفائقة، والأرجوزة الرائقة، التي صدرها:
الحمد لله المعيد المبدي .... أحمده فهو ولي الحمدِ
حمداً جزيلاً ماله من عدّ /55

(2/55)


ومنها:
يا سائلي عن اعتقادات الفرق .... وما الذي تنجو به من الغرقْ
وكيف ضلّ البعض منها ومرق .... الفضل في حلبتها لمن سبقْ
وفي الكتاب عبرة لمن نطقْ
أَصْلُ الخلاف كان في السقيفةْ .... إذْ قام مَنْ في قلبه حسيفةْ
للعترة الطاهرة الشريفةْ .... ليصرف الأمر عن الخليفةْ
بعد كلام أظهروا تحريفهْ
لم يسمعوا وما همُ بالصمّ .... ولاية من النبي الأمي
لصنوه يوم غدير خمّ .... أوجبها عليهم بالرغمِ
وكان صرف الأمر عين الظلم
وخاف لو نازعهم أبو الحسن .... أن يفسد الملة عبّادُ الوثن
ولم يكن في أمره بالممتهن .... فأغمض الجفن على غض الغبن
وهو الوصي دونهم والمؤتمنْ
ومنها:
وظُلِمَتْ ميراثها البتولُ .... وغضبت فغضب الجليلُ
وشاهد جاءت به مقبول .... والسنة البيضاء والتنزيلُ
إذْ أوجبت ميراثها الأصولْ
ومنها:
فذاك أصل لخلاف الأمهْ .... لكل حزب منهم أئمهْ
وقد وثقنا بإمام العصمهْ .... صنو الرسول وسراج الظلمهْ
وسيفه للنُّوَب الملمّهْ
فالفرقة الناجية الزيديهْ .... أَكْرم بها من فرقة مرضيّهْ
حذت بحذو العترة الزكيهْ .... سفينة الناجي من البريّهْ
كما أتى في السنن المرويّهْ
/56

(2/56)


تؤم زيداً وابنه في المذهب .... وكل ندب من سلالات النبي
عذب السجيات كريم المنصبِ .... يروي العلوم من أب إلى أبِ
إلى النبي الهاشمي المنجبِ
ومنها:
وأعلن القاسم بالبشارهْ .... بقائم فيه له أماره
من التقى والعلم والطهارهْ .... قد بثّ فيه المصطفى أخباره
بفضله وأوجب انتظاره
ذاك أمير المؤمنين الهادي .... يحيى الرضى منتخب الأجدادِ
هدى به الله إلى الرشاد .... وأظهر الحجة للعبادِ
فانتشر الحق إلى التنادي
وانتصر الحقُّ به في اليمنِ .... يسكن فيه عصبة من حسنِ
وأصبحوا بالسعد نصب الأعينِ .... فوق الحصون ومتون الحصنِ
وعنده سر كتاب الجفر .... وذو الفقار للحد يد يفري
فضيلة للفاطمي الطهرِ .... خُصّ بها من بين أهل العصرِ
صلى عليه الله ربّ الفجرِ
وساق في ذكر أئمة العترة، إلى قوله:
واجتمع السبق وفضل السؤدد .... لابن سليمان الإمام أحمدِ
رمى زبيداً باللهام الأسود .... وداس صنعا بخضم مزبدِ
حتى ارعوى كل لئيم ملحدِ /57

(2/57)


وثار بَعْدُ القائمُ المنصورُ .... فيه السخا والورع المشهورُ
والعلم فيه والوفا والخيرُ .... وصلُحَتْ بِسعده الأمورُ
وعرفت أهل الهدى الجمهور
وهي طويلة طائلة؛ وختمها بقوله:
ثم صلاة الله زارت أحمدا .... وآله أهل الصلاح والهدى
ما راح بالوبل السحاب وغدا .... وأرغم الله الطغام الحسدا
أسكنهم قعر الجحيم أبداً
وقال في كتابه المقنع:
هذا الكتاب كتاب المقنع الشافي .... أزرى على الكتب في مجموع أوصافِ
إلى قوله:
وما احتذيت مثالاً فيه عن أحد .... إلا طريقة آبائي وأسلافي
وقد وصفه الحسين بن الإمام (ع) في ديباجة شرح الغاية.
قال السيد الإمام في ترجمته (ع): الإمام المعتضد بالله أبو الحسن، يلقب بالداعي، دعا في السنة التي مات فيها المنصور بالله عبدالله بن حمزة، سنة أربع عشرة وستمائة؛ كان الداعي بطلاً شجاعاً، قال ما لفظه في جوابه على الشيعة:
وأنا قرأت في أصول الدين سبع سنين، ولي في أصول الفقه تصنيف لم أُسْبَقْ إلى مثله، وهو المقنع، وقرأت الأصولين.
إلى قوله: وتغيبت التحرير، وقرأته على شمس الدين محمد بن أحمد النجراني، وعلى الأمير علي بن الحسين، ومعلوم أن في التحرير بزوائده وأصوله ما يزيد على عشرين ألف مسألة، والفقه إنما يحصل برد الفروع إلى الأصول، مع طرف من الآثار، وزبد من الأخبار، ولي في العربية تصنيف كاف، وقد قيل إن الإمام إذا كان عربي اللسان، لم يحتج إلى علم النحو، وقرأت ضياء الحلوم، وأصول /58

(2/58)


الأحكام، وفيه ما يزيد على أربعة آلاف خبر.
قال الإمام الداعي (ع): والفروع أكثرها يستفاد بالقياس والاجتهاد، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((اختلاف أمتي رحمة))، و((كل مجتهد مصيب)).
وقال (ع): إن اجتهدتَ وأصبتَ فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك خمسة، وفي بعض الأخبار: أجران وأجر.
إلى قوله: وصنفت في الفرائض كتاباً، وأما التفسير فهو من هذه العلوم.
قال: وأما رجوعنا عن قول إلى خلافه فليس فيه نقص، والانتقال من الاجتهاد إلى اجتهاد آخر جائز، بل واجب عند وضوح الحجة...إلى آخرها.
[ترجمة الإمام المظلل بالغمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى ـ وإسناده]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى جميع مرويات الإمام الصوام القوّام، المظلل بالغمام، المتوكل على الله، المطهر بن يحيى، بالطرق المتصلة به في سند المجموع كما سبق.
ويسمى الإمام المظلل بالغمام للكرامة التي أكرمه الله تعالى بها.
قال حافظ اليمن إبراهيم بن محمد الوزير ـ رضي الله عنهما ـ في البسامة:
من ظللته الغمام الغرّ حائلة .... من دونه وغدت ستراً لمستترِ
بيوم تنعم والأبطال عابسة .... وقد تَقَدّم والضلال في الأثرِ
قال السيد الإمام في ترجمته: قال ولده الإمام محمد بن المطهر: إن والده المطهر يروي فقه الزيدية عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد صاحب الشفاء والتقرير.
وذكر في موضع أنه يروي عن الأمير الحسين تهذيب الحاكم في التفسير، وشمس الأخبار، والأربعين العلوية، وسلوة العارفين للجرجاني، انتهى. /59

(2/59)


قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قرأ على الفقيه محمد بن أحمد بن أبي الرجال في كتب الأئمة وشيعتهم بسنده إلى الإمام الشهيد أحمد بن الحسين، وكان محمد بن أحمد بن أبي الرجال يقول: أنا تلميذ إمام، وشيخ إمام، تحدثاً بنعمة الله عليه.
والإمام الشهيد يروي ذلك عن شيخه أحمد بن محمد شعلة، عن مشائخه: الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وشيخه محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد.
إلى قوله: قال السيد محمد بن الهادي: والإمام المطهر يروي علوم آل محمد، ومجموع الإمام زيد بن علي، عن الفقيه إبراهيم بن الأكوع، عن شعلة، عن محيي الدين، عن القاضي جعفر بن أحمد، بسنده؛ وهو أعلى سند للإمام (ع).
ويرويهما أيضاً، عن السيد علي بن أحمد طميس، عن حي العالم حسين بن محمد النحوي، عن أبيه، عن محيي الدين، عن القاضي شمس الدين، بسنده.
قال: وله (ع) رواية عن عمران بن الحسن، فمنها: سلسلة الإبريز بالسند العزيز، ومنها: كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله؛ وتقدمت طرقهما.
قال: وله تلامذة، أجلّهم ولده الإمام محمد بن المطهر، والسيد أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين، والسيد جمال الدين علي بن أحمد طميس؛ وهو شيخه أيضاً، ونسبه يتصل بالإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع).
قال: والسيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين، وحسن بن عبدالله العنسي.
إلى قوله: كان هذا الإمام معروفاً بالفضل، والعلم، والورع...إلخ.
[ترجمة الإمام المهدي محمد بن المطهر، ومؤلفاته، وإسناده]
وأروي بذلك السند إلى ولده الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع) جميع مروياته، ومؤلفاته، التي منها: المنهاج الجلي، شرح مجموع/60

(2/60)


الإمام الأعظم زيد بن علي (ع).
ـ حُكي أن الإمام يحيى بن حمزة (ع) لما وقف عليه، استجاد تفريعاته؛ ومن نظر فيه بعين الإنصاف، عَلِم غزارة عِلْم مُؤلِّفه ـ وعقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، والسراج الوهّاج في حصر مسائل المنهاج، والكواكب الدرية في العربية، والرسائل والجوابات التي اشتمل عليها المجموع المهدوي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وكانت قراءته في الفقه على والده، وسماع أكثر الحديث.
إلى قوله راوياً عن الإمام: أروي عنه (ع) ـ يعني والده ـ تفسير الثعلبي، يرفعه إلى الإمام المنصور بالله، وكذلك كتاب الشافي، وأمالي المرشد بالله، وكتاب ابن المغازلي، هذه عن والده، عن المنصور بالله، ونهج البلاغة، والأحكام للهادي بالقراءة والإجازة، والحدائق الوردية، وسفينة الحاكم، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار قراءة، وشمس الأخبار قراءة، يرفعه إلى مؤلفه علي بن حميد، وكتاب السلوة والاعتبار للجرجاني بطريق القراءة، ومجموع الإمام زيد بن علي قراءة، وأصول الأحكام قراءة.
وقال (ع) في بعض إجازاته: أروي فقه الزيدية أجمع، وكتب الحديث، عن سيدي ووالدي ـ رحمه الله ـ بعضه قراءة، وبعضه إجازة، وهو يرويه عن الإمام الناصر الحسين بن محمد ـ رحمه الله ـ.
قلت: يعني صاحب الشفاء (ع).
ثم قال في موضع: ويروي كتاب التفسير للحاكم من طرق:
الأولى: طريق سيدي ووالدي أمير المؤمنين إجازة، عن السيد الناصر للحق الحسين بن محمد، يرفعه إلى القاضي شمس الدين.
الثانية: عن القاضي أبي مطهر سليمان بن يحيى، صاحب شعلل، عن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، يرفعه. /61

(2/61)


قال: وسمع الشفاء، ومجموع الإمام زيد بن علي، على السيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين صاحب تتمة الشفاء، عن الأمير الحسين بن محمد، وهذه الطريق عزيزة الوجود؛ ثم حقق قراءته في الفقه على الأمير المؤيد بن أحمد.
قال: وذكر الوشلي أن الإمام يروي شرح الإبانة عن الفقيه محمد بن سليمان بن أبي الرجال، بعض قراءة، وبعض سماعاً.
قال: ويروي روضة الأخيار عن سليمان بن يحيى صاحب شعلل، إجازة عن أبيه، عن جده المؤلف يحيى بن يوسف.
قال: وروى الشفاء أيضاً عن السيد جبريل بن الحسين بن محمد، عن أبيه المصنف.
قال: تلامذة الإمام أجلاء، منهم: ولده الواثق بالله المطهر بن محمد، و أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، وجار الله بن أحمد الينبعي، والفقيه حسن بن علي الآنسي، وإبراهيم بن محمد بن نزار، والمطهر بن تريك، والمرتضى بن المفضل، وصنوه إبراهيم، وأحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين، سمع عليه الدراري المضية جواباً على الشيخ عطية، وكذلك محمد بن عبدالله الرقيمي، وغيرهم ممن ينتهي سنده إليه.
إلى قوله: كان من أئمة الهدى، ومصابيح الدجى.
إلى قوله: ولو لم يكن إلا ما أودع كتبه من الحواشي والتصحيحات، وطرق السماعات والإجازات، وإليه انتهى السماع المحقق في كتابين، أحدهما: الكشاف، وكل كتاب في هذه الجهة لم يصحح على كتاب الإمام فهو غير صحيح ـ عند أهل هذا الفن ـ الصحة المحققة، والثاني: شفاء الأوام، فإسناد الأكثر إلى سماع الإمام، وكذا في أصول الأحكام، وأمهات كتب العترة (ع)، وله كرامات مشهورة./62

(2/62)


[ترجمة الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر (ع)]
وأروي بذلك السند السابق في طرق المجموع إلى ولده الإمام الأبر، الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن المطهر، جميع مروياته، ومؤلفاته، منها: قصيدته المسماة الأبيات الفخرية، التي صدرها:
لايستزلّك أقوام بأقوال .... ملفّقات حريات بإبطالِ
لاترتضي غير آل المصطفى وزراً .... فالآل حق وغير الآل كالآلِ
فآية الود والتطهير أنزلتا .... فيهم كما قد رووا من غير إشكالِ
وهل أتى قد أتى فيهم فما لهم .... من الخلائق من ندّ وأشكالِ
وهم سفينة نوح كل من حملت .... أنجته من أزل أهواء وأهوال
والمصطفى قال إن العلم في عقبي .... فاطلبه ثَمَّ وخلّ الناصب القالي
...إلى آخرها.
وقد قدمت السند إليه؛ لاتصال سنده بأبيه وجده (ع)، وكذا في التحف الفاطمية ، وبنيت هنالك على ما في البسامة، للسيد صارم الدين (ع)، وشروحها، من أنه من المتعارضين هم، والإمام يحيى بن حمزة (ع)، كما قال فيها:
وفي علي ويحيى والمطهر والـ .... ـفتحي جاءت بمنشور من السيرِ
وكان يحيى هو الحبر الذي ظهرت .... علومه كظهور الوشي في الحبرِ
...إلخ.
قال في شرحها مآثر الأبرار: ذكر السيد صارم الدين هنا أربعة أئمة ممن دعا في وقت واحد، وقطر واحد، وعلى مذهب واحد...إلخ.
والذي في طبقات الزيدية أنه لم يقم إلا بعد وفاة الإمام يحيى (ع) كما تطلع عليه في سياق ترجمته، /63

(2/63)


قال فيها: المطهر بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المطهر بن يحيى المتوكل على الله (ع) العلوي الحسني الهدوي القاسمي اليمني، السيد الإمام، العالم بن العالم بن العالم، الإمام بن الإمام بن الإمام؛ مولده ليلة السادس والعشرين، من ذي القعدة، سنة اثنتين وسبعمائة، نشأ في حجر أبيه الإمام المهدي؛ وبأنواره يهتدي، وبأفعاله يقتدي، وقرأ عليه العلوم، مسموعها والمعلوم، فقال في موضع: سمعت على والدي مصنفاته: المنهاج الجلي في فقه زيد بن علي، والسراج في حصر مسائل المنهاج، والكواكب الدرية، والمجموعات المهدوية، والمجموع المهدوي، وعقود العقيان في الناسخ والمنسوخ في القرآن جملة تسعة مجلدة.
ومن كتب الأئمة: مجموع زيد بن علي، وأصول الأحكام، وشفاء الأوام، وأمالي أبي طالب، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أحمد بن عيسى، والحدائق الوردية، ومن كتب الفقه: شرح النكت، والجمل، واللمع، والتقرير، وشرح الإبانة، ومحاسن الأزهار لحميد المحلي.
هذه مسموعاتي على والدي، بعضها بلا واسطة، وبعضها بواسطة الفقيه أحمد بن حميد، والفقيه حسن بن علي الآنسي، انتهى.
ثم قال (ع) في موضع: وأجاز لي والدي فقه أهل البيت، وفقه الفريقين، وسائر الأخبار؛ فمعي منه إجازة على ما اشترطه المستمعون.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وله تلامذة أجلاء، وهم: الإمام صلاح الدين محمد بن علي، والسيد المتألِّه يحيى بن المهدي بن القاسم الحسيني، وولد أخيه الناصر بن أحمد، والسيد الهادي بن إبراهيم.
وقال السيد الهادي: وكان الواثق النهاية في أنساب أهل البيت في زمانه، كان لا يجارى فيه، ولا يلحق بشأوه، كان من أعيان العترة، ونحارير الأسرة، /64

(2/64)


وفصحاء الأمة، ونجباء أبناء الأئمة، ولما انتقل والده، في سنة تسع وعشرين وسبع مائة، دعا الإمام يحيى بن حمزة، ثم لما توفي سنة تسع وأربعين وسبع مائة ففي هذه السنة قام الواثق، ودعا إلى الله دعوة حسنة، في شهر القعدة، ثم استفتح صنعاء سابع صفر سنة خمسين وسبعمائة، ثم تنحى وبايع الإمام علي بن محمد.
إلى قوله: وكانت طرائق الواثق كطرائق والده في الخيرات؛ بلغ من العمر نيفاً على الثمانين، وله في العلوم اليد الطولى.
وأما الفصاحة فلا يبارى، وله رسائل بديعة، وكان مبرزاً على الأقران، وسباق غايات في ذلك الميدان، انتهى المراد.
هذا، وقد شرح قصيدته الأبيات الفخرية السيد الإمام محمد بن يحيى ـ رضي الله عنهما ـ باللآلي الدرية، كتاب حافل عظيم.
ونذكر هنا ما يتضمن صحة الطريق إليه، وإلى مجموعات السيد الإمام حميدان بن يحيى، وقد سبق ذكره في التحف الفاطمية ، وإلى مؤلف السيد الإمام يحيى بن منصور، وإلى مؤلف السيد الإمام المرتضى بن المفضل، وقد سبق نسبهما في التحف الفاطمية، والمرتضى بن المفضل، هو الثاني من أجداد السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى المذكور، وهو في ذكر الإمام علي بن المؤيد، والإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وهذه المؤلفات الشريفة مما أهمل السند إليها أهل كتب الإجازات، وهي من مؤلفات آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ الشهيرة المنيرة.
[ترجمة محمد بن يحيى القاسمي، شارح منظومة الواثق بالله المطهر]
فأقول ـ والله ولي التوفيق ـ: قال السيد الإمام في طبقات الزيدية، مترجماً للشارح ـ رضي الله عنهما ـ محمد بن يحيى القاسمي، العلامة.
إلى قوله: قال في كتابه شرح منظومة الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر بن يحيى، التي أولها: /65

(2/65)


لايستزلّك أقوام بأقوال .... ملفّقات حريات بإبطالِ
...إلى آخره.
ثم ساق طرقه في المؤلفات، اخترت نقل كلامه من مؤلفه؛ لكونه أوفى بالمراد مما في الطبقات، وهو ما نصه: والذي نقلت منه هذا المنقول هو من نهج البلاغة لأمير المؤمنين، ومن الحقائق للإمام أحمد بن سليمان، ومن التصنيف الظريف للسيد الإمام يحيى بن منصور العفيف، وهو لي سماع، ومن مجموع الهادي، والقاسم (ع)، وهما لي إجازة، عن السيد الشرفي شرف الدين الحسن بن المهدي الهادوي ـ طوّل الله مدته ـ وهما لي إجازة عن الفقيه العالم إسماعيل بن علي الأسلمي ـ رحمه الله ـ.
قلت: ذكرهما السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأفاد ما في الإسناد.
[ذكر مجموع السيد حميدان ـ وترجمته]
قال: ومن موضوعات السيد، الإمام المقتصد، العالم المجتهد، نور الدين، فرع الأئمة الهادين، محيي علوم آل طه وياسين، أبي عبدالله، حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي.
قلت: قد ذكرته في التحف الفاطمية ، في سيرة الإمام المهدي، أحمد بن الحسين(ع) وحاله معلوم.
قال: وهي لي إجازة، عن السيد العالم الأوحد، المطهر المقدس، عيسى بن محمد، ترجمان الدنيا والدين، فرع الأئمة الهادين.
قلت: أفاد السيد الإمام في ترجمته ما في الإسناد.
قال: يرفعه إلى المصنف من طريقين، أحدهما: الإمام المطهر بن يحيى بن الهادي ـ قدس الله روحه ـ الثاني: الفقيه العالم بدر الدين محمد بن جبير ـ رحمه الله ـ. /66

(2/66)


قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: عيسى بن محمد، سمع مجموعة السيد حميدان على العلامة محمد بن جبير...إلخ، ولم يترجم له ولا غيره بالاستقلال.
وفي موضع آخر من الطبقات ما لفظه: محمد بن جعفر بن الشبيل، الفقيه العالم؛ سمع على السيد حميدان القاسمي جميع مؤلفاته، المعروفة بمجموع السيد حميدان.
وأحسب أنه الراوي عنه الإمام المطهر بن يحيى، والسيد عيسى بن محمد الهادوي، انتهى.
فيحتمل كون جبير، وجعفر، اسمين لمسمى واحد، ويحتمل غير ذلك؛ وعلى كل حال فقد صحّ التوثيق، وبالله التوفيق.
وقال في المطلع في ترجمة محمد بن جعفر: هو العالم البليغ المتكلم؛ كان وجهاً في وجوه زمانه، وعيناً من أعيان أوانه، وله شعر حسن، وكان مثنياً على الإمام المهدي الحسين بن القاسم، ولم يبلغ فيه مبلغ الغلوّ.
ولما اطلع على مصنفات الإمام، وعلى ماقاله السيد حميدان فيه، قال:
هذا إمام عالم عامل .... أبرا إلى الرحمن من بغضهِ
قلت: وقد ذكرت الأبيات في التحف الفاطمية .
[ترجمة للسيد المرتضى بن المفضل]
(رجع) قال: قال ـ طول الله مدته ـ: وهو لي أيضاً إجازة عن السيد الإمام الأوحد، المطهر المقدس، مجد الدنيا والدين، المرتضى بن المفضل؛ وكذلك أيضاً أجزتُ له كتاب الأوامر المجملة، الكبير، تصنيف الإمام مجد الدنيا والدين، المرتضى بن مفضل (ع)، وهو لي قراءة عليه.
وساق في ذكر طرقه في مؤلفات قد سبقت، إلى قوله: وقد أذنت لمن اطلع عليها من أولاد البطنين، وأتباع الثقلين، وشيعة الأخوين، أن يصلحوا ما وجدوا فيها.
إلى قوله: فالمختص/67

(2/67)


بالسلامة القرآن المجيد؛ كما قال فيه سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41)لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)} [فصلت].
تاريخ فراغه منه سنة تسع وخمسين وسبعمائة، من الهجرة النبوية، على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتسليم، انتهى.
[ترجمة السيد يحيى بن منصور بن المفضل ـ ومؤلفاته]
هذا، وقد ترجم السيدُ الإمامُ، وغيرهُ من علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ للسيد الإمام، عماد الإسلام، يحيى بن منصور بن المفضل، فقال السيد العلامة عماد الدين: اشتهر بعلم الكلام، وقرأ على أخيه المفضل بن منصور، وقرأ أيضاً على عبدالله بن زيد العنسي، وتتلمذ له السيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين.
إلى قوله: كان سيداً عالماً محققاً في العلم والفنون، وبلغ في علم الكلام الغاية القصوى، حتى يروى أنه قرأ في أصول الدين نيفاً وأربعين كتاباً، اختار منها مذاكرته، وشرحها.
إلى قوله: برز فيه على سائر الأنام، له مصنفات عديدة، من أجودها جمل الإسلام، وشرحها شرحاً فائقاً، وله أشعار عجيبة غريبة فصيحة، وقد أخذ منها الديلمي في كتابه.
قلت: أراد قواعد عقائد آل محمد (ع).
قال: وذكره في الصراط المستقيم ـ قلت: أي الديلمي، قال:ـ وكان مجوداً في كل فن، إلا أنه اشتهر بعلم الكلام، وكان يرى رأي أهل البيت، ورأي أبي الحسين.
ثم بيّض لوفاته.
قلت: وقد ذكره الواثق بالله في الأبيات الفخرية بقوله:
وإن يحيى بن منصور جلا لهم
أقوالهم حبذا المجلوّ والجالي /68

(2/68)


ومن قصائده البليغة، القصيدة التي مطلعها:
لاتركنن إلى غضارة منظر .... فالحال أصدق شاهد ومعبّرِ
لا تنسَ ذِكْر الله جلّ جلاله .... من راحم متفضل متكبّرِ
ولزوم منهاج النبي وآله .... فهم الأمان من الضلال الأكبرِ
قوم قفوا في الدين منهج جدهم .... يا حبذا من منهج متخيرِ
سفن النجاة مؤيدين بعصمة .... وطهارة مخصوصة وتطهرِ
خُصّوا بمعرفة الكتاب وإرثه .... وبنشر علم للسلامة مثمر
وهم الشهود على البرية كلها .... وهم الوسيلة بعد ذا في المحشر
لم يَخْلُ عصر منهم من منذر .... هادٍ إلى سبل النجاة مبصر
الذكر شاهدهم وسنة جدّهم .... صلى الإله عليهم من معشر
وكذا الطوائف يشهدون بفضلهم .... وشهادة الإجماع غير مزور
فموافق من بعد ذا متبصر .... ومخالف من بعده لم يظفر
ضلّت به فرق لرفض هداتها .... أبناء أحمد حبذا من جوهر
ومجاوز حد الوفاق مخاطر .... قد صار بين مفسق ومكفر
من خارج أو مرجئٍ أو رافض .... أو ذي اعتزال مبدع أو مجبر
أو غير ذلك من مذاهب جمة .... حدثت ودين محمد منها بري
يكفيك من جهة العقيدة مسلم .... ومن الإضافة أحمدي حيدري
ثم الصلاة على النبي وآله .... في كل وقت حادث ومقدر
[ترجمة المرتضى بن المفضل بن منصور بن العفيف]
هذا، وترجموا للسيد الإمام، مجد الإسلام، المرتضى بن المفضل بن منصور بن العفيف، وهو محمد بن المفضل بن الحجاج. /69

(2/69)


نعم، قال السيد الإمام: كان مشغوفاً بالعلم منذ ترعرع، أدرك الإمام إبراهيم بن تاج الدين، قرأ على ولده، وقرأ هو والإمام محمد بن المطهر.
إلى قوله: ثم قرأ على الإمام محمد بن المطهر في شفاء الأمير الحسين، وأجازه فقه الزيدية.
إلى قوله: وأخذ عنه ولده محمد بن المرتضى، والسيد محمد بن يحيى القاسمي تحقيقاً، وغيرهما.
قال في التاريخ: كان عالماً مجتهداً اجتهاداً مطلقاً، في غاية الكمال، في العلم، والفضل، والورع، والزهد.
إلى قوله: ولم يزل على كل خصلة حميدة حتى توفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وذكر أن قبره بهجرة الظهراوين.
قلت: وذكره الواثق بالله في الأبيات بقوله:
والمرتضى قال والمهدي كقولهم .... صلى الإله عليهم كل آصالِ
قال في الشرح: يريد (ع) بأولهما السيد الإمام، طود العترة الكرام، صفوة المصطفى، وسبط الأئمة الخلفاء، علم الشرف الأطول، وطراز العترة الأول، مجد الدنيا والدين المرتضى بن مفضل.
[السند إلى جميع مؤلفات الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ـ وترجمة ولده عبدالله]
هذا، وأروي جميع مؤلفات الإمام، عماد الإسلام، المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، (ع) ـ وسيأتي ذكرها ـ بالأسانيد المتقدمة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الفقيه العلامة علي بن أحمد الشظبي، عن الفقيه العلامة علي بن زيد، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن السيد الإمام، فخر الإسلام، عبدالله بن الإمام يحيى بن حمزة (ع).
قال السيد الإمام في ترجمته: السيد العلامة.
إلى قوله: قال القاضي ـ قلت: أي أحمد بن صالح في مطلع البدور، وهو المراد بهذا في طبقات/70

(2/70)


الزيدية كما تقدم، والقاضي أحمد نقل هذا الكلام عن السيد العلامة الهادي بن يحيى صاحب الجوهر الشفاف، فقال:ـ كان رجلاً صالحاً، عالماً فاضلاً، مفتياً زكياً، ممن يشار إليه بالإمامة، واستكمال شرائط الزعامة، كثير الصلاة والدعوات، والبكاء في دياجي الظلمات، سكن حوث أكثر مدته، ثم انتقل إلى صنعاء، ولم يزل على هذه الصفات حتى توفي في جمادى الأولى، سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ودفن في المسجد المنسوب إلى الفليحي، وبنى عليه صاحب المسجد قبّة عظيمة، انتهى.
قلت: وقد زرتُه بها عند الوصول إلى صنعاء، سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف ـ رضي الله عنه ـ.
---
[ترجمة الأوزري]
(رجع) وعن مفتي الإسلام، حسن بن محمد النحوي، وعن شمس الدين أحمد بن سليمان الأوزري.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: الشيخ المحدث المعمر، أخذ عنه الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، والقاضي يوسف بن أحمد، والإمام صلاح الدين محمد بن علي وغيرهم.
كان الأوزري فاضلاً، ورعاً، كاملاً، محدثاً، محققاً، شيخاً، إماماً، زاهداً، براً، تقياً، معدوداً في علماء صعدة؛ رحل إليه العامة والخاصة، وحكى كلام الإمام المهدي(ع) في الغيث، أنه شاهده يتكلّف الاعتدال في الركوع، تكلّفاً عظيماً حتى يُظن أنه سوي.
قال: ولعله توفي في العشر بعد الثمانمائة، وقبره في القرضين من مقبرة صعدة؛ وقال بعضهم: إنه بحمراء عَلِب، من بلاد صنعاء، والأول أشهر، والله أعلم.
[ترجمة علي وإسماعيل ابني إبراهيم النجراني]
(رجع): وعن الشيخ جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية. /71

(2/71)


قلت: من آل النجراني.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: والإمام يحيى شيخه في كتب الأئمة، وشيعتهم.
إلى قوله: وأجل تلامذته أحمد بن علي مرغم، والفقيه يوسف بن أحمد.
قال القاضي: هو العلامة الفاضل، من أجلة العلماء، وكان من علماء صعدة.
قلت: وقد تقدم ذكره في سند أمالي الإمام أبي طالب، وكذا من لم نتكلم عليهم من رجال الإسناد، فقد تقدموا.
(رجع): وعن أخيه الشيخ العلامة إسماعيل بن إبراهيم ـ قلت: النجراني ـ.
قال السيد الإمام: قال السيد الهادي: ـ قلت: يعني بن إبراهيم الوزير (ع) وهو ممن أخذ عنه في صفته ـ هو الشيخ العلامة إمام المحققين.
إلى قوله: وله مصنفات، منها: الأسرار الشافية في كشف معاني الشافية، وله شرح عليها أخصر.
إلى قوله: وكان فاضلاً، شيخاً كاملاً، توفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين سنة، انتهى.
(رجع)، وخمستهم ـ أي: السيد الإمام، فخر الإسلام، عبدالله بن الإمام يحيى؛ والفقيه مفتي الإسلام حسن بن محمد النحوي، والفقيه شمس الدين أحمد بن سليمان الأوزري (بهمزة، فواو ساكنة، فزاي معجمة، فراء مهملة)، والشيخان العالمان: إسماعيل وعلي ابنا إبراهيم بن عطية النجراني رضي الله عنهم ـ يروون عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، جميع مؤلفاته (ع)، وقد سبق الكلام على مؤلفات الإمام، وأحواله في التحف الفاطمية مع غيره من أئمة العترة، وأشياعهم الكرام./72

(2/72)


[ترجمة الإمام يحيى بن حمزة، وذكر مؤلفاته]
وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في سياق ترجمته: قال في مآثر الأبرار: هو الإمام الصوام القوام، علم الأعلام، وقِمَطْر علوم العترة الكرام، حجة الله على الأنام؛ كان في غزارة علمه، وانتشار فضله وحلمه، بحيث لايفتقر إلى بيان؛ ولم يبلغ أحد من الأمة مبلغه في كثرة التصانيف، فهو من مفاخر أهل البيت، وعلومه الدرية، من مناقب الزيدية، وكان مع الإمام المطهر بن يحيى في أول شبابه، يوم قصة تنعم، فقال: في هذا الولد ثلاث آيات: علمه، وخطه، وخَلْقه.
إلى قوله: فصنف في أصول الدين: المعالم الدينية، والتمهيد، والنهاية، والشامل، ومشكاة الأنوار في الرد على الباطنية، والإفحام للباطنية الطغام، والتحقيق في التكفير والتفسيق، وصنف في أصول الفقه: المعيار، والقسطاس، والحاوي، وصنف في الفقه: العمدة، والانتصار ثمانية عشر جزءاً، وصنف في النحو: الاقتصاد، والمنهاج، والأزهار، والمحصل، وصنف في المعاني والبيان: الطراز، وله الأنوار المضيئة شرح السيلقية، والديباج الوضي شرح نهج البلاغة، والإيضاح في الفرائض، وصنف التصفية في الزهد، وله رسائل، ووصايا، وحكم، وآداب، وغير ذلك.
قال: وكان (ع) كثير التواضع، وعديم التبجح بمصنفاته، حتى كان لايسميها إلا الحواشي؛ وأفاد أنه قرأ على الإمام المطهر بن يحيى، وولده الإمام محمد بن المطهر (ع)، وعلى شيخيه العالمين: محمد بن خليفة، وعلي بن سليمان البصير، وعلى محمد الأصبهاني.
قال: وأخذ عنه علماء أعلام، منهم: الفقيه حسن بن محمد النحوي، سمع عليه مؤلفه الانتصار جميعه، ولم يسمعه عليه غيره، وأجازه في جميع مسموعاته، ومستجازاته، وأجازه لولده عبدالله/73

(2/73)


بن يحيى، وللفقيه أحمد بن سليمان الأوزري، وعلي، وإسماعيل، ابني عطية.
وممن أخذ عنه: محمد بن المرتضى بن المفضل، وأحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، وأحمد بن محمد الشغدري، وأجاز له ما ذكرناه عنه...إلخ.
هذا، وأروي جميع مؤلفات الإمام يحيى، ومروياته، بالأسانيد السابقة المذكورة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، بسنده المار آنفاً، إلى الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
وأروي بهذا السند إلى الإمام يحيى بن حمزة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي (ع) جميع مؤلفاته، التي منها: شفاء غلة الصادي، وشرح اللمع، وغيرهما، وقد تقدم السند إلى مؤلفاته، وتعدادها في طرق الجامع الكافي، وسيأتي أيضاً قريباً سند آخر إليه، وتمام الكلام عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[توجيه ما عسى أن يُوهم من أنظار الإمام يحيى بن حمزة خلاف أهله ـ أهل البيت (ع) ـ]
هذا، واعلم أنه كثر التمسك من المائلين بما يجدون في بعض كتب الإمام يحيى(ع)، من التليين لميل الإمام إلى المجاملة، ومحبته للملاءمة، وقد صرّح بخلاف ما روي عنه من المخالفة، كما يتضح لك، وهو على منهاج أهل بيته في الأصول المهمة من الدين، كمسائل التوحيد، والعدل، والنبوة، وإمامة الوصي بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وبعده الحسنين، وأهل البيت (ع) بعدهم، ولزوم ولايتهم، وحجية إجماعهم، وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وحاشاه عن خلافهم، كما هو معلوم.
وإنما وقعت فلتات، في أثناء بعض المؤلفات، من وراء تلك المهمات، والمعتمد الدليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
فرأيت أن أسوق هنا ما ذكره الإمام الشهير، محمد بن عبدالله /74

(2/74)


الوزير (ع) في فرائد اللآلي.
قال (ع): فاسمع إلى كلام الإمام يحيى بن حمزة في هذين المهمين، رجوعاً منه إلى مقالة أهله، مع شائبة مجاملة.
[كلام الإمام يحيى في عدم بيعة علي لأبي بكر، وعدم ثبوت دليل على إمامة الثلاثة]
قال في كتابه مشكاة الأنوار، في جوابه على الفقيه أحمد بن علي بن شائع التهامي ما نصه:
قلتَ: هل علمنا أن علياً (ع) بايع أبا بكر بعد وقوفه عن البيعة أم لا؟
اعلم أن أمير المؤمنين (ع) ما اعتراه الريب ولا خالطه الشك.
إلى قوله: فلما توفي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وبكر الناس إلى سقيفة بني ساعدة للاشتوار، فتحقق أن الناس ليسوا في شيء من ذلك، وأنهم عازمون على العدول عنه (ع).
إلى قوله: وصبر كما قال (ع): وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً.
فتأخر عن مخالطة القوم؛ وكان بينهم ما كان من غير مشورة منه ولا بيعة، ولم يبلغنا أنه (ع) بايع أبا بكر في الأولة، ولا في الثانية، ولو وقع لنقل، وقد نُقِل ما هو أسهل منه؛ فلما لم يُنْقَلْ، عُلِمَ أنه غير واقع، بل الظاهر من حاله التوجّع، وهو ظاهر في كلامه.
إلى قوله: ولو كان للهوى ـ أي دخوله فيها بعد انقراض الثلاثة ـ لَتَرَكَهَا كما قال: ولولا حضور الحاضر، ووجوب الحجة لوجود الناصر، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها.
والأمر ظاهر.
هذا العباس ـ رضي الله عنه ـ عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: /75

(2/75)


ما كنتُ أحسب أن الأمر منتقل .... عن هاشم ثم منها عن أبي حسنِ
أليس أول مَنْ صلى لقبلتكم .... وأعرف الناس بالمفروض والسننِ
فما الذي صدكم عنه لنعرفه .... ها إن بيعتكم من أول الفتنِ
وصدق ـ رضي الله عنه ـ فإنها الفتنة كل الفتنة، فاتحة الشرور إلى يوم القيامة.
[توجيه بعض أنظار الإمام يحيى بن حمزة(ع)]
[الفرق بين الخلافة والإمامة]
ثم قال الإمام يحيى (ع): وعلى الجملة، إن لنا به أسوة، ما نقول فيهم إلا كمقالته، لكنا نقول قولاً واضحاً: هم قد استبدوا بالخلافة، وقد قام البرهان على صحة إمامته (ع)، والخلافة عندنا غير الإمامة، ولم تقم دلالة على صحة إمامتهم، فهم خلفاء، وهو الإمام؛ وهذا قول بالغ يكفي في الإنصاف.
قال الإمام محمد بن عبدالله: ونعم ما قال الإمام من الفرق بين الإمامة والخلافة؛ لأن الإمامة مدارها على الدليل الشرعي ـ قلت: أي إمامة الحق، قال: ـ بخلاف الخلافة ـ قلت: أي التي لم تكن عن استخلاف صحيح، قال:ـ فإنها أعمّ، والأصل كل ما خلف الشيء سمي خليفة.
إلى قول الإمام محمد بن عبدالله (ع): فالمشائخ قد خلفوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متعاقبين في مقامه بهذا الاعتبار، لا أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ استخلفهم.
[أبو بكر الخالفة]
قال في النهاية، في مادة خلف: وفي حديث أبي بكر، أنه جاء أعرابي، فقال له: أنت خليفة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قال: لا.
قال: فما أنت؟
قال: الخالفة بعده.
فقد أعرب أبو بكر عن نفسه بأنه غير خليفة ـ يعني مُسْتَخْلَفاً ـ بل أنه خالفة، بمعنى خلفه؛ وحينئذ قد يكون ذلك بحق وغير حق، بمجرد تَسَمِّيهِ خليفة.
وفي النهاية أيضاً: الخليفة من يقوم مقام الذاهب، ويسد مسده؛ والخالفة الذي لا غنى عنده، ولا خير فيه. /76

(2/76)


قال: وإنما قال ذلك تواضعاً، وهضماً لنفسه، حين قال له: ياخليفة رسول الله، انتهى.
قال الإمام محمد: إن عنى ـ أي صاحب النهاية ـ أنه خلف رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فلا شك أنه تَسَنَّم ذلك المقام، على تلك الحوادث العظام، والداء العُقام.
وإن عنى أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ استخلفه، فالخصوم مقرّون بعدم الاستخلاف من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لأحد، ومن يدعي إيماءً أو أي دلالة على استخلافه لأبي بكر، فلم يمكن تصحيحه.
قلت: وشاهد حال أهل السقيفة، وصريح كلامهم المعلوم، في ذلك اليوم وغيره، يكذبه؛ فهي دعوى لغير مدع، بل لمنكر ما يدعيه؛ واحتجاج أبي بكر، ومن معه على الأنصار بالقرب من رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وأنهم شجرته، معلومٌ عند مَنْ له أدنى مُسكة في الأخبار؛ ولهذا قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: احتجوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة.
وقال مجيباً على أبي بكر:
فإن كنتَ بالقربى حججت خصيمَهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّبُ؟
ولهذا لم يذهب إلى هذه الدعوى أحد، من أهل النظر والتحصيل.
قال الإمام محمد (ع): فلم يبقَ إلا أن أبا بكر الخالفة، كما أعرب عن نفسه.
وقول ابن الأثير: إنه قال ذلك هضماً وتواضعاً لاوجه له، وإذا حققت النظر فهو خَالِفة.
قلت: ولأن مثل هذا المقام مقام بيان، ولايجوز الهضم بخلاف الحق، /77

(2/77)


وإنما يكون بالتعريض، وما لاصراحة فيه بغير الواقع؛ إذْ يكون من الكذب والكتمان.
قال الإمام: ثم قال الإمام يحيى: (دقيقة): اعلم أنا قد رمزنا قبل أن الخلافة غير الإمامة، وأن أمير المؤمنين (ع) إمام، وغيره خليفة، ووجه التفرقة بينهما: أن الإمامة شرعية قطعية، وهي إنما تثبت بملك شرعي، ووقوف على شرائط؛ فمتى ثبت ذلك صحت الإمامة قطعاً.
وأما الخلافة فثبوتها على جهة الاستيلاء والغلبة والقهر؛ ولهذا فإن معاوية ـ لعنه الله ـ صرّح باسم الخلافة، وليس بإمام، وهكذا خلفاء الدولتين، هم ملوك وخلفاء، وليسوا أئمة.
قلت: أي أئمة هدى.
قال الإمام يحيى: فلا جرم، صحّ منا إطلاق القول بأن أمير المؤمنين (ع) إمام وغيره خليفة، وصلى الله على محمد وآله، انتهى.
[كلام الإمام يحيى بن حمزة (ع) على عدم صحة حكم أبي بكر في فدك]
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وحكى الإمام عز الدين، عن الإمام يحيى (ع)، نقلاً من كتابه المسمى التحقيق في الإكفار والتفسيق، ما نصه: والمختار عندنا أمران:
الأول: أن الذي ادعت فاطمة ـ عليها السلام ـ كان حقاً.
ثم قال ما حاصله: إنه شَهد لها أمير المؤمنين (ع)، وأم أيمن، فقال أبو بكر: رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة.
ثم قال أبو بكر: إن الله إذا أطعم نبيه طعمة فهي للخليفة من بعده.
فلما أقر بالملك لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإقراره مقبول، قالت: ويحك يا ابن أبي قحافة! ترث أباك ولا أرث أبي.
فاحتجّ بالخبر.
ثم /78

(2/78)


ذكر إعراضها عنه، ورجوعها إلى قبر أبيها ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وتمثلها بالأبيات المشهورة:
قد كان بعدك أنباء وهينمة .... لو كنتَ حاضرها لم تَكْثُرِ الخُطَبُ
...إلخ.
وهذه المناظرة ظاهرة لايمكن إنكارها.
ثم قال: الأمر الثاني: أنها صادقة فيما ادعته؛ لأن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بشرها بالجنة، وأن منزلها ومنزل أمير المؤمنين حذاء منزله.
وساق أحاديث في شأنها وكمالها، وأحاديث ((فاطمة مني، يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما يؤذيها))، فكيف لاتكون صادقة في تلك الدعوى، وقد شهد بصدقها أمير المؤمنين، ولا يشهد إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق؟!
انتهى باختصار.
قلت: وهذا تصريح بعصمة الوصي، وحجية قوله ـ صلوات الله عليه ـ كما قضت به النصوص النبوية، والحمد لله.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وقد روي عن الإمام زيد بن علي، وقد سأله سائل عن فاطمة بعد أبيها ـ صلوات الله عليهم ـ وكيف كان حالها مع القوم؟
فأجاب (ع): أما سمعت قول الذي عبر عمّا في نفسها بقوله:
غداة تنادي يابتا ما تمزقت .... ثيابك حتى أزمع القوم بالغدرِ
وحتى ارتُكِبْنا بالمذلّة والأذى .... وليس لأحرار على الذلّ من صبرِ
ولقد أجاد الشاعر، وصدق.
فهو رجوع منه عما في الشامل.
قلت: يعني من تصويب الحكم.
قال: فهذا رجوع إلى قول أسلافه الطاهرين.
قلت: وهذا يدل على اطلاع الإمام على تأخر كلام الإمام يحيى (ع) هذا.
وقال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وذلك ـ أي تصحيح حكم /79

(2/79)


أبي بكر ـ مبني على صحة حكم أبي بكر، من حيث كمال نصاب الشهادة، وتناسيه هو، والإمام أحمد بن يحيى، أن ولاية أبي بكر باطلة لا أصل لها، وإنما هو مُتَغَلِّب.
قلت: وأن المعصومين، ومَنْ قولهم حجة ردّوا حكمه، ولم يصدقوا قوله؛ ولو لم يكن إلا غضب المطهرة، التي يغضب الله ـ تعالى ـ لغضبها، بإجماع جميع الأمة.
قال: والمسألة معقودة على أصول المعتزلة.
قلت: ولقد نقم عليهم معاملتهم لبضعة نبيهم بعض المعتزلة، وحكم بأن فعلهم معها ـ صلوات الله عليها ـ خلاف المروءة، كما صرح به ابن أبي الحديد، وصوّب الشاعر في قوله:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادّعت .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها
فيحق والله، أن يغضب لمن يَغْضَبُ الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لغضبها، كافةُ الأمة المحمدية، فضلاً عن بنيها من العترة النبوية، والسلالة العلوية؛ وغضبها معلوم حتى هجرت الشيخين، وأوصت أن تُدْفن ليلاً، ولا يشهدا جنازتها، ولا الصلاة عليها، وفعل ذلك الوصي - صلوات الله عليهما - وقد رواه البخاري ومسلم، ولاينكره الخصوم، فالحكم الله، والموعد القيامة، كما قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
قال الإمام: وقد عرفت كلام الإمام يحيى (ع) في هذين المهمين، ورجوعه إلى مقالة أسلافه، الذين لايقال لهم إلا ما قاله يوسف الصديق (ع): واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وما حكى الله في آية الاجتباء {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج:78]، انتهى المراد.
قلت: قال السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه: وقد /80

(2/80)


ذكر الإمام يحيى بن حمزة في كتاب الانتصار، ترجيح مذهب العترة النبوية، وبالغ في صدر هذا الكتاب في الترجيح، واستوفى أعاريض الكلام، ومدَّ رواق ترجيح الأئمة الكرام (ع).
[ترجيحه (ع) تقليد العترة على غيرهم]
وقال ـ أي الإمام يحيى ـ في كتاب مشكاة الأنوار: المعتمد في تقرير ما اخترنا من رجحان تقليد أهل البيت (ع) على غيرهم من سائر الفقهاء، مسالك نوضحها ـ بمشيئة الله تعالى ـ.
قلت: ومراده بهذا تقليد أفرادهم، وأما إجماعهم، فهو حجة قاطعة، فليس اتباعه بتقليد؛ إذْ هو اتباع للدليل، كما سيصرح به الإمام فيما سيأتي.
قال ـ أي الإمام يحيى ـ: المسلك الأول: ما ورد من جهة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من الثناء عليهم، كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الخبر المشهور: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به ـ وفي رواية: بهما، وفي رواية: بهم ـ لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، وهذا الخبر يدل أن التمسك بالعترة، كالتمسك بالكتاب العزيز.
الخبر الثاني: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى))، فهذا الخبر دال على أنهم كالسفينة، فكما أن السفينة منجاة للأبدان من الغرق، فهكذا أهل البيت منجاة للأبدان من الهلكة.
الخبر الثالث: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كالنجوم، كلما أفل نجم طلع نجم))، فكما أن النجوم يُقْتدى بها في ظلمات البر والبحر، فكذا حال العترة، /81

(2/81)


يُهْتدى بهم في ظلمات الشبهة والحيرة.
الخبر الرابع: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كنجوم السماء؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون)).
إلى قوله: المسلك الثاني: أنه قد قام البرهان الشرعي، على أن إجماعهم حجة قاطعة، وإذا كان الأمر كما قلنا، فلا يأمن من قلّد غيرهم أن يكون مخالفاً لهم في إجماعهم، ولايكون آمناً من الخطأ؛ بخلاف غيرهم من علماء الأمة، فهذا أمر غير حاصل في حقهم.
إلى قوله: المسلك الثالث: ما خصهم الله ـ سبحانه ـ من الخصائص الشريفة، في العلم، والورع، والتقوى.
فأما مذاهبهم في الإلاهيات، فمستقيمة، على قانون الحق، في وجود الله ـ تعالى ـ وصفاته الذاتية، ويستقيمون على الطريقة الصحيحة في حكم الله ـ تعالى ـ.
وهكذا القول في مضطرباتهم الفرعية الاجتهادية، وأنظارهم في المسائل الشرعية، لا تخالف أصولَهم فروعُهم، ويعدلون عن المذاهب الغريبة، ويستقيمون على مألوف الشرع، لم يسقط أحد منهم في نظره عن القضايا العقلية، ولا أَخَذَ منهم بنظر غريب في المسائل الخلافية، بل هداهم الله ـ تعالى ـ إلى أوضح الطريق، وأيمن الملل، وأعدلها، وأقومها على الحق، وأوضحها.
ثم ساق في البحث...إلى قوله: وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد التبصرة.
[السند إلى تتمة الشفاء الكبرى وترجمة مؤلفها]
وسبقت الأسانيد إلى تتمة شفاء الأوام الكبرى، للسيد الإمام صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع)، وسبق ذكره مع أبيه في التحف الفاطمية ـ نفع الله تعالى بهاـ. /82

(2/82)


قال السيد الإمام في ترجمته: صلاح بن الإمام.
إلى قوله: الأمير العلامة، أبو علي، صلاح الدين.
قال السيد محمد بن الهادي: والسيد صلاح الدين يروي علوم آل محمد، ومجموع الإمام زيد بن علي، عن المتوكل على الله المطهر بن يحيى.
إلى قوله: وذكر في تتمته أنه يروي عن الأمير الهادي بن تاج الدين، عن الأمير الحسين بن محمد.
قال فيه: والتقرير مسموع لي بالسند الصحيح إلى الأمير الحسين، ومن مشائخه: السيد جمال الدين علي بن المرتضى بن المفضل، والسيد يحيى بن منصور بن المفضل، أخذ عنه في علم الكلام.
قال ابن حميد: والسيد صلاح الدين، يروي شرح الإبانة، عن الإمام المطهر بن يحيى.
قال: والأمير صلاح أيضاً يروي سلوة العارفين للجرجاني، عن الإمام المطهر بن يحيى، وكذلك الأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار؛ ويروي كتاب أنوار اليقين عن مؤلفه الإمام الحسن بن بدر الدين، وكذلك يروي الشافي للمنصور بالله، عن الإمام الحسن، عن مؤلفه المنصور بالله.
وروى مجموع الإمام زيد بن علي (ع) عن الأمير الحسين، عن أبيه، عن القاضي جعفر.
قال: وأخذ عنه السيد أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين.
إلى قوله: والإمام محمد بن المطهر، والسيد محمد بن الهادي، وسالم القشيري، مؤلف كتاب الأزهار، وغيرهم، وهو متمم الشفاء.
إلى قوله : قال الإمام محمد بن المطهر: هو السيد الإمام، صلاح الدنيا والدين، طراز سلالة الحسنين، صلاح بن أمير المؤمنين؛ أحيا الله بعمره شرائع آبائه الأطهار، وجدّد به معالم الدين على مرور الأعصار، وجعل الإسلام بأيامه محروس الجوانب، والكفر ببقائه مقهور العواقب.
إلى قوله: وقبره بالبرار (بموحدة، ومهملتين بينهما ألف) /83

(2/83)


يماني هجرة الوعلية، لعل وفاته بعد السبع المائة تقريباً.
[سند كتاب الروضة والغدير]
وأروي كتاب الروضة والغدير في تفسير آيات الأحكام، بالسند السابق في آخر أسانيد الشفاء، وفي شمس الشريعة، المتصل بالعترة (ع)، إلى الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى، عن المؤلف الأمير الخطير، محمد بن الهادي بن تاج الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، وقد مرّ ذكره في التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام في ترجمته: الأمير، العالم الكبير، بدر الدين.
إلى قوله: لما طلب منه الإمام محمد بن المطهر أن يجيز له مؤلفه الروضة والغدير، قال ما لفظه:
طلب مني أن أذكر له ما أمكن من أصول سماعاتي، الراجعة إلى هذا الكتاب.
قلت: قال في إجازته هذه: وقد أجبته إلى ما طلب؛ لأنه من معدن الحكمة، وأهلها.
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لاتعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولاتمنعوها أهلها فتظلموهم))، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((العلم لايحل منعه)).
إلى قوله: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن من أفضل العبادة حديث حسن، يسمعه الرجل فيحدّث به أخاه)).
قلت: كذا بغير ألف في ((حديث حسن)) في كتاب القاضي أحمد بن سعد الدين ـ رضي الله عنه ـ ولعله على لغة ربيعة، في الوقف على المنصوب.
قال: كما قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لايشبع عالم من علم حتى يكون منتهاه الجنة)). /84

(2/84)


وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((كل صاحب علم غرثان إلى علم)).
إلى قوله: واعتماداً منه (ع) على قول جده رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اكتبوا هذا العلم عن كل كبير وصغير، وغني وفقير))...الخبر.
ثم فَصّل طرقه.
إلى قوله: ولي في شرح القاضي زيد ثلاث طرق: الأولى: إجازة من حي والدي الأمير الكبير، الصدر العلامة، الورع الزاهد، كساب الثناء والمحامد، عز الدين، شيخ العترة الهادين، الهادي بن المقتدر بالله تاج الدين (ع)، فإنه أجاز لي ما أجاز له شعلة ـ رحمة الله عليه ـ وشعلة يروي شرح القاضي زيد، وغيره، بطرق المناولة، من الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد، عن مشائخه، وهم كثير، منهم: الأميران الكبيران: شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي (ع)، ومنهم: القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رحمة الله عليه ـ.
إلى قوله: والطريق الثانية: من جهة الوالد الأمير الكبير، العالم العامل، الورع الكامل، جمال الدين، بقية الشرعيين، المؤيد بن أحمد ـ قدس الله روحه ـ.
إلى قوله: وهو يروي هذا الكتاب وغيره مما قد ناولنيه، وأجاز لي، عن الأمير الكبير، الناصر للحق، الحسين بن محمد، بطريق المناولة.
إلى قوله: ويرويه أيضاً الناصر للحق بطريق الإجازة، عن والده بدر الدين محمد بن أحمد (ع).
وساق أسانيده في المجموع للإمام الأعظم، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، والتحرير للإمام أبي طالب (ع)، وأصول الأحكام، والشفاء،/85

(2/85)


وتفسير الحاكم، والطوسي، وغيرها.
قال القاضي في المطلع: علامة خطير، وإمام شهير، صدر العلماء الأكابر، ونور أرباب المنابر والمحابر.
إلى قوله: وله في المؤلفات المشهورة، كتاب الروضة والغدير.
قال الفقيه العلامة يوسف بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ: وبعد، فإنه لما وقع في النفس جمع الأحكام، الواردة في أشرف كتاب.
إلى قوله: فوقفت على ما وضعه الأمير الخطير، وهو كما قال ـ رحمه الله ـ: تصنيف لم يسبق إليه، وتأليف لم يزاحم عليه.
وقال في الطبقات: قال السيد صلاح: كان من العلماء المجتهدين، وله من التصانيف الأنوار المضيئة في تفسير الآيات الشرعية، وله غيره من التصانيف، كاللؤلؤ المنظوم في معرفة الحي القيوم.
وتوفي عام عشرين وسبعمائة، بأفق، وهي مقبرة الرمان من بني جماعة، مشهورة، انتهى.
وقد ذكرت وفاته في التحف الفاطمية ، وكذا من لم أذكر وفاته ممن هو في كتب البحث، إنما أترك ذكر وفاته ونحوه لذلك، وهذا تأكيد لما سبق.
وفي المطلع ما لفظه: وهو الذي كمل المقنع في أصول الفقه، تأليف الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن؛ وكان الإمام يحيى الغاية في العلوم رواية، ودراية.
إلخ كلامه.
[السند إلى مؤلفات السيد: محمد بن إدريس ـ وترجمته]
وسبقت الأسانيد في أثناء طريق الجامع الكافي، وفي إسناد مؤلفات الإمام يحيى (ع)، إلى مؤلفات السيد الإمام محمد بن إدريس بن علي بن عبدالله بن الحسن بن حمزة ـ والحسن أخو الإمام المنصور بالله (ع) كما سبق ـ.
وأروي جميع مؤلفاته أيضاً بالسند المار، المتصل بآل محمد (ع)، /86

(2/86)


إلى الإمام المهدي لدين الله محمد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، عن الشيخ العلامة سليمان بن أحمد بن أبي الرجال.
ترجم له السيد الإمام، والقاضي ـ رضي الله عنهما ـ وأفادا أنه كان عالماً فاضلاً، من شيوخ العدل والتوحيد.
(رجع) عن المؤلف.
قال السيد الإمام في ترجمته: محمد بن المعتصم بالله إدريس ـ وتمم نسبه.
إلى قوله: قرأ على الإمام المهدي محمد بن المطهر بن يحيى؛ فمما سمع عليه: مؤلفه عقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، سمع عليه أكثره، وناوله بقية الكتاب؛ وناوله أيضاً كتاب الروضة والغدير للسيد محمد بن الهادي.
إلى قوله: وروى عنه أمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المرشد بالله، وأجازه.
قلت: وروايته عن الإمام محمد بن المطهر عجيبة، مع كون أبيه الإمام المتوكل على الله يروي عن المذكور بواسطة كما مرّ؛ وقد وقع البحث في الطبقات، ومطلع البدور، وكتاب القاضي أحمد بن سعد الدين، فلم يحصل غير ما حرر ـ أعني: روايته عن الإمام محمد بن المطهر ـ، وأما رواية الإمام المطهر عنه بواسطة سليمان بن أحمد، فهي في بلوغ الأماني، وأفاد ما يرجحها في الطبقات في ترجمة سليمان، وفي ترجمة الغزال كما يأتي.
وأما الطريق السابقة إليه فليس فيها كلام ـ والله أعلم ـ.
وقد تقدّم الكلام هنالك على مؤلفاته وتاريخ وفاته ـ رضي الله عنه ـ. /87

(2/87)


قال السيد الإمام: وله من محمد بن الغزال إجازة في الكشاف، والمصابيح في الحديث، وقسمي المعاني والبيان، وموطأ مالك، وصحيحي البخاري ومسلم، ومسند الشافعي، والمفصل للزمخشري في النحو، والكافية لابن الحاجب، والأربعين السيلقية، وكتاب الشهاب في الحديث للقضاعي، ومقصورة ابن دريد، والخلاصة، وكتاب الشافية وشرحها، ومقامات الحريري، والألفية، وكتاب التجريد للمؤيد بالله.
قال: وستأتي أسانيدها إلى مؤلفيها في ترجمة محمد بن عبدالله الغزال.
إلى قوله: ولفظ إجازة الغزال له: أجزتُ المولى، عز الدين، محمد بن إدريس، جميع ما تقدم ذكره من الكتب، بالأسانيد الصحيحة، إلى الأئمة المصنفين، على الشروط المعتبرة في الإجازة، كما أُجيز لي؛ وكتب ثالث عشر ربيع الأول، من شهور سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
إلى قوله: واستجاز عنه سليمان بن أحمد بن أبي الرجال، ومحمد بن خليفة؛ حقق ذلك بعض بني الرجال.
قال: وذكر ذلك في حواشي الفصول.
قال شيخه الغزال: أجزت للمولى الأعظم، العالم، الفاضل، الصدر، العلامة، سلالة الأئمة الأطهار.
إلى قوله: شرف العترة الطاهرة، وفخر الأسرة النبوية...إلخ.
وقال القاضي: هو السيد الأمير، المحقق، الفاضل، البحر؛ كان شمساً مضيئة الأنوار، وعلماً من أعلام العترة الأطهار؛ ترجم له السيد صارم الدين.
ثم ذكر مؤلفاته، وقد تقدمت.
وترجم السيد الإمام لوالده، وقال: كان أميراً خطيراً، وعلامة شهيراً، جليل المقدار، وحيد زمانه.
وترجم له الخزرجي.
إلى قوله: وكتابه الكنز من أجل التواريخ، قدر أربعة مجلدات، فرغ من تأليفه في رجب الأصب سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وله كتاب سماه السيول في فضائل البتول./88

(2/88)


انتهى المراد.
[السند إلى مؤلفات السيد يحيى صاحب الياقوتة]
وأروي مؤلفات السيد الإمام، عماد العترة الكرام، يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع): الجوهرة، والياقوتة في فقه آل محمد (ع).
وقد سبق ذكره مع جده الأمير الخطير، صاحب اللمع والقمر المنير، علي بن الحسين (ع) في التحف الفاطمية ، في ذكر الإمام الحسن بن بدر الدين (ع)، وفي هذا المؤلف أيضاً ـ بالسند السابق في طرق المجموع والشفاء، إلى ولده السيد الإمام الهادي بن يحيى، عن والده يحيى بن الحسين المؤلف (ع)، ولا بأس بإعادته للتأكيد.
وهو أني أرويها بالطريق المتقدمة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم، عن أبيه محمد، عن أبيه عبدالله الوزير، عن السيد متمم الشفاء صلاح بن الجلال، عن السيد الهادي بن يحيى، عن أبيه يحيى بن الحسين (ع).
وقد تقدم ذكرهم جميعاً، ولا بأس بزيادة إفادة، في أحوال الثلاثة السادة.
[ترجمة متمم الشفاء بالتتمة الصغرى صلاح بن الجلال]
أما الأول: فقال السيد الإمام في ترجمته: صلاح بن جلال الدين ـ وأنهى نسبه إلى يحيى بن يحيى، وقد تقدم في التحف الفاطمية ـ.
ثم قال: قرأ في شفاء الأمير الحسين وغيره من كتب أئمتنا، وشيعتهم، على السيد الهادي بن يحيى بن الحسين، وكان أجلّ تلامذته.
إلى قوله: وأجل تلامذته السيد عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير؛ والسيد المذكور هو الذي ألّف كتاب الرضاع من كتاب الشفاء.
قال القاضي: هو السيد الكبير الأمير، العظيم الشهير، النسابة، صاحب الشيوخ والإجازات، حافظ علوم آل محمد...إلخ.
وأفاد السيد الإمام ـ رضي الله/89

(2/89)


عنه ـ في سند أهل البيت، أن الإمام القاسم بن محمد يروي عن السيد صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، عن آبائه، إلى عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير ـ وقد تقدموا ـ عن السيد صلاح بن الجلال، عن الهادي بن يحيى، عن الإمام علي بن محمد.
إلى قوله: قال الحافظ ـ قلت: أي أحمد بن سعد الدين ـ: ولهذه الجملة تفاصيل عديدة، وفي ضمنها علوم لاتزال مطارفها منشورة ـ إن شاء الله تعالى ـ جديدة، يعرفها ذووا الإنصاف، وهي أجلى وأوضح من ضوء النهار، انتهى.
ويروي السيد صلاح الدين عن قاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن مشائخه.
قال: ويروي نهج البلاغة عن السيد الهادي، عن الإمام علي بن محمد، عن أحمد بن حميد، عن الإمام محمد بن المطهر، عن أبيه، عن ابن أبي الرجال، عن الشهيد، عن شعلة، عن المرتضى بن شراهنك، بطرقه إلى المؤلف.
هذا، وقد أفاد أنه بلغ في العلم الغاية، وأن له تعليقة على اللمع سمّاها اللمعة المضية، وهو الذي جمع المشجر؛ وأنه قال في تتمة الشفاء: وما وضعت فيه شيئاً من الأخبار، إلا ما صحّ لي سماعه عن العلماء الأخيار، من أهل البيت الأطهار، وشيعتهم الأبرار، وأوردت فيه من المسائل الفقهية، مالا غنية عنه من كتب أئمتنا، وهي أيضاً مسموعاتي؛ وأن عمره إحدى وستون، وقبره بمشهد الهادي (ع).
[ترجمة الهادي بن السيد يحيى صاحب الياقوتة، وترجمة والده]
وأما الثاني: فقال السيد الإمام في ترجمته: الهادي بن يحيى.
إلى قوله: السيد العلامة؛ سمع العلوم على أبيه، وقرأ على الإمام المهدي علي بن محمد كتاب الشفاء، وغيره من كتب الأئمة، وشيعتهم.
إلى قوله: كان السيد من أكابر العلماء، ومن أعلامهم، ومن لايجارى في الفضائل.
إلى قوله: قال /90

(2/90)


السيد صلاح: هو السيد المقام الأعظم، العلامة الصدر، علم العلماء، جمال الدين، كعبة الشرعيين، كان عين الزمان، وفريد المعاني والبيان.
انتهى المراد.
وقد تقدم في سند المجموع من حاله ما يغني.
وأما الثالث: فقال السيد الإمام في ترجمته: يحيى بن الحسين.
إلى قوله: السيد، عماد الدين، العلامة؛ أخذ العلم عن المؤيد بن أحمد، عن الأمير الحسين، عن الأمير علي بن الحسين بسنده؛ وأخذه عنه ولده الهادي بن يحيى، ومحمد بن عبدالله بن حمزة.
قلت: ابن أبي النجم.
قال: المؤلف كتاب الذريعة، وغيرها.
قال القاضي: هو السيد العماد، حافظ الشريعة، وسيد المذاكرين، وفقيه العلماء، صاحب الياقوتة والجوهرة، وله كتاب في الفقه يسمى اللباب.
إلى قوله: ورحل إلى ذمار لمراجعة الإمام يحيى بن حمزة.
إلى قوله: ورجع إلى صنعاء وبها توفي.
قال: وقبره في العوسجة، جنب الإمام محمد بن المطهر بلا فصل، انتهى.
نعم، وكلما لهؤلاء الثلاثة الأعلام من تأليف، أو رواية، فهذا السند إليه.
[السند إلى تفسير السيد علي بن محمد بن أبي القاسم ـ وترجمته]
وأروي تفسير السيد الإمام، شيخ العترة الكرام، حافظ علوم الإسلام، أبي الفضائل علي بن محمد بن أبي القاسم، بالأسانيد السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن المؤلف (ع).
وأروي ـ أيضاً ـ بالسند السابق في طريق المجموع إلى والدنا الإمام الهادي عزالدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد الحمزي، عن السيد الإمام علي بن محمد (ع) جميع تفاسيره.
فتسلسل السند بآل /91

(2/91)


محمد ـ صلوات الله عليهم ـ؛ وقد سبق ذكر المؤلف في التحف الفاطمية ، في ذكر ولده الإمام المهدي لدين الله صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم (ع).
قال السيد الإمام في ترجمته ما لفظه: السيد العلامة جمال الدين.
إلى قوله: وله تلامذة أجلاء، أجلهم السيد محمد بن إبراهيم الوزير، والسيد عبدالله بن يحيى بن المهدي.
قلت: من ذلك أنه قرأ عليه هذا التفسير التجريد.
قال: وإسماعيل بن أحمد النجراني، وعلي بن موسى الدواري، وأحمد بن محمد الرصاص، والإمام صلاح الدين محمد بن علي، وغيرهم.
قال القاضي: هو السيد العلامة المجتهد في العلوم، المجلي في حلبتها، المعروف بالفضائل؛ كان من المتكلمين بالعدل والتوحيد.
إلى قوله: وكان ملأ الصدور في زمنه، يفزع إليه الناس، ويعظمونه تعظيم الأئمة السابقين.
قال: وفتواه تدلّ على تبحر كثير، قال السيد الهادي بن إبراهيم: إنها مجلد كبير، وله التفسير المشهور بالتجريد؛ أثنى عليه الإمام عز الدين بن الحسن، وقال: إن أحسن التفاسير، وأصحها، تفسير السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم، المسمى بالتجريد.
وقال بعضهم: له تفسير آخر، أخصر من التجريد.
قال في كاشفة الغمة بعد أن ذكر أن له تفسيراً حافلاً في ثمانية مجلدات، قال: لم يؤلف مثله قبله ولا بعده، جمع كل غريبة ومشكلة.
وله في النحو شرح على كافية ابن الحاجب، موسوم بالبرود الصافية، اختصره ولده الإمام صلاح الدين في كتاب سماه النجم الثاقب، كلاهما بمحل عظيم من النفع، اعتمدهما أهل الإقليم اليماني مدة.
قال: ومن جملة تلامذته وجلتهم: السيد محمد بن إبراهيم، صاحب العواصم؛ ثم دار /92

(2/92)


بينهما كلام، وطال في هذا المجرى الخوض.
[السيد علي بن محمد بن أبي القاسم مع تلميذه محمد بن إبراهيم الوزير]
وكان السيد علي بن محمد بن أبي القاسم حريصاً على صيانة مذهب آل محمد، فمنع عن المخالطة لكتب غيرهم، وأمره بالكون في السفينة، فتلقى ذلك السيد محمد بن إبراهيم بالقبول، حتى بلغه أن السيد قد صرّح بأنه قد انحرف عن آل محمد، فأنف لهذه المقالة وتعب؛ ثم دار بينهما ما هو معروف في الروض والعواصم، وكتب المقاولة.
ومن جملة ما كان السيد علي بن محمد ـ رحمه الله تعالى ـ يحيله على السيد محمد بن إبراهيم الاجتهاد، وأنه بَعَّدَه غاية التبعيد؛ وكان الإمام المهدي يتكلم في هذه المادة بالخصوص، مع السيد محمد بن إبراهيم، ويقرب الاجتهاد.
قلت ـ والله يقول الحق ـ: أما في هذه المادة فالحق مع السيد محمد، كما هو مقتضى الدليل، ومن معاني أخبار الثقلين والنجوم، و((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام))، إذ مقارنة الكتاب، والتمسك، والهداية، وإعلان الحق، لا تكون بغير مجتهد، عالم بمعاني الكتاب والسنة؛ والمعلوم أن في كل عصر حوادث لم يسبق فيها كلام، لا يمكن معرفة أحكامها إلا للمجتهد، ولولا دليل الإجماع لكان الاجتهاد من فروض الأعيان؛ لتوجّه الخطاب بالأدلة على كل مكلّف مع الإمكان، فبقي كونه من فروض الكفاية في جميع الأزمان؛ وقد بسط الكلام على هذا في الأصول.
وأما في شأن المعارضة، والمخالفة لبعض مناهج العترة (ع)، المبرهن عليها بالأدلة المعلومة المقررة، فكتبه الموجودة بذلك شاهدة؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولاسيما في مواضع أثارتها حدة الجدال، ومحبة الانتصار للخصوم بالقيل والقال؛ ومن المعلوم أن التعسف فيها ومجانبة الإنصاف، لاتخفى على من له أدنى مسكة فكيف بفحول الرجال؟! /93

(2/93)


وقد أنكر على السيد الحافظ محمد بن إبراهيم مع شيخه علي بن محمد أقرب الأعلام إليه، وأخصهم به، وأعرفهم بمذهبه، وهو أخوه، وشيخه أيضاً، الذي كان ينزله بمنزلة ولده، كما قال في قصيدته إليه:
أبنيّ إن ناجيته لتلطف .... وأخيّ إن ناديته لتجلّدِ
جمال الدين، وبدر العترة الهادين، الهادي بن إبراهيم الوزير (ع)؛ ومما عاتبه به منكراً عليه مخالفة سبيلهم، مع إقراره بتفضيلهم، قوله:
مالي أراكَ تقول فيهم هكذا .... وبغير مذهبهم تدين وتقتدي
قال القاضي أحمد بن صالح في المطلع، في ترجمة الفقيه الفاضل أحمد الشامي ـ رحمه الله تعالى ـ: وقدحه في السيد ـ أي محمد بن إبراهيم ـ قد سبقه ولحقه الإمام المهدي، والإمام شرف الدين، والسيد الهادي، وغيرهم؛ ويجب علينا أن نعلم فضيلة السيد في العلم، وأنه سابق لايجارى، وأنه قد كان هجن على أهله، وأساء القول، ثم رجع؛ وله العبادة، والصيام، والقيام، والعلم الواسع؛ ولكنه غير معصوم.
وقال في ترجمته: قد ترجم له الطوائف، وأقر له المخالف والموالف، ترجم له العلامة الشهاب ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة.
إلى قوله: وترجم له علامة وقته بمكة، ونسب إليه مخالفة أهله، وله في ذلك شبهة وعذر.
أما الشبهة فمخالطة هذا السيد لكتبهم.
إلى قوله: حتى أناف على أهلها.
وأما العذر فهو إرادة القوم للتكثر بأمثاله؛ ولاجرم أن السيد خالط كتب القوم مخالطة أخذت من عزائمه، ووهنت قواه في الانتصار لمذهبه؛ ولاسيما وقد وقع من أهل عصره النكير عليه بالمخالفة، وذكروا لأهل الحديث /94

(2/94)


مثالب، وللأشعرية، فانتصب السيد هذا للذب، وتغلغل في النقل، وجعل الكلمة الواحدة في الرجل الواحد، مما يذب به عن الجميع.
إلى قوله: فكيف يسوغ للسيد ـ على جلالته ـ تكذيب من نقل عنهم مذهبهم المدروس، بمطلق أنه قد يوفق الله للحق بعضهم؟!
إلى قوله: مع أنه قد تجرم السيد في العواصم من هؤلاء؛ وقال في ذكر الرازي: إنه إذا تكلّم في مسألة لم يفارق أصحابه، وإذا سنحت المسألة في غير بابها تكلم بما يوافق الأدلة.
ثم قال: ثم رجع ـ أي السيد محمد ـ رجوعاً كلياً.
قال: وكان السيد يتعب من نسبة الخلاف إليه لأسلافه، ويذب عن نفسه؛ وما أحسن قوله في هذا:
أولئك آبائي على رغم منكر .... لكوني على منهاجهم في مذاهبي
وحسبي بهم إنْ رام نقصاً معاند .... شجى في حلوق الحاسدين النواصبِ
[السند إلى مؤلفات السيد محمد بن إبراهيم الوزير وترجمته ومؤلفاته]
ولما انجرّ الكلام إلى ذكره وافق إيراد السند هنا إلى مؤلفاته، وإتمام ما لاغنى عنه من أحواله؛ فأقول والله الموفق:
وأروي جميع مؤلفات ومرويات السيد الإمام، الحافظ الكبير، محمد بن إبراهيم الوزير، بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام حافظ اليمن، وسيد بني الحسن، صاحب الهداية والفصول، صارم الدين إبراهيم بن محمد، عن أبيه السيد الإمام حافظ الإسناد، وخلف السادة الأمجاد، محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير، عن عمّ أبيه السيد الإمام، الحافظ المؤلف، محمد بن إبراهيم الوزير.
وبالأسانيد السابقة في طرق المجموع وغيره، إلى الإمام القاسم بن محمد، عن السيد الإمام صلاح، عن أبيه السيد الإمام أحمد، عن أبيه السيد الإمام عبدالله، عن أبيه السيد الإمام أحمد، عن أبيه السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد، عن /95

(2/95)


أبيه السيد الإمام محمد بن عبدالله، عن المؤلف الحافظ محمد بن إبراهيم جميع مؤلفاته، التي منها: إيثار الحق على الخلق، والبرهان القاطع في معرفة الصانع، والتأديب الملكوتي، ولم يوجد منه إلا يسير، والتفسير من الكلام النبوي، وهو كذلك لم يوجد، أفاده في مطلع البدور، عن صلاح بن أحمد الوزير (ع)، والتحفة الصفية شرح قصيدة أخيه الهادي بن إبراهيم (ع)، التي مطلعها:
تقدّم وعدكم فمتى الوفاء .... وطال بعادكم فمتى اللقاءُ
وسمّاه ـ أيضاً ـ النسمات النجدية في النغمات الوجدية؛ وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان، وتنقيح الأنظار في علوم الآثار، وحصر آيات الأحكام، وكتاب العزلة، وكتاب العواصم والقواصم أربعة مجلدات، وختمه بأبيات، منها:
ولكن عذري واضح وهو أنني .... من الخلق أخطي تارة وأصيبُ
ـ ولقد صدق ولله دره، وما أوفقها لذلك المقام ـ.
والروض الباسم مختصر من العواصم، وغير ذلك من الرسائل والمسائل.
فالسند هذا، في جميع ما صحّ له من تأليف ورواية، وهو من أسانيدنا المسلسلة بنجوم الهداية، والحمد لله في البداية والنهاية.
وقد سبق ذكر جميع مَنْ فيه، ونسبهم، وتواريخهم، بعضهم في التحف الفاطمية، كالمؤلف في ذكر الإمام علي بن المؤيد ؛ والسيد صارم الدين، وأبي العطايا، في ذكر الإمام محمد بن القاسم الزيدي، مع غيرهم من الأئمة (ع)؛ وبعضهم في هذا الكتاب، وإلى الله تعالى المرجع والمآب.
قال السيد الإمام في الطبقات في ترجمة المؤلف ما لفظه: العلوي، الحسني، الهدوي، اليمني، الصنعاني، الإمام، العالم، أبو عبدالله، عز الدين؛ وكان أصغر أولاد /96

(2/96)


أبيه سناً، نشأ في طلب العلم.
إلى قوله، في تعداد شيوخه: أما علم الأدب فصنوه جمال الدين الهادي بن إبراهيم.
قلت: وأفاد السيد الإمام الهادي الصغير بن حافظ اليمن صارم الدين، أن السيد الإمام الهادي الكبير بن إبراهيم شيخ صنوه محمد في علم الأصولين، والتفسير، وجميع العلوم، وأنه لازمه، وانتفع به، وهو الأوجه، انتهى.
[ترجمة ابن مظفر]
قال: والقاضي محمد بن حمزة بن مظفر.
قلت: هو أحد أعلام الشيعة، صاحب كتاب البرهان، المشتمل على عشرين فناً من العلوم، وهو من خواص الإمام الهادي علي بن المؤيد، وأشياخه المتابعين له ـ رضي الله عنهم ـ وسيأتي ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال: وقرأ مختصر المنتهى على السيد علي بن محمد بن أبي القاسم.
قلت: وأفاد السيد الإمام الهادي الصغير، أن السيد الإمام علي بن محمد شيخ محمد بن إبراهيم، في علم الأصولين، والتفسير.
قال: وأما علم الأصول، فالقاضي العلامة عبدالله بن حسن الدواري، والفقيه جمال الدين علي بن عبدالله بن أبي الخير، قرأ عليه شرح الأصول، والغياصة، وتذكرة ابن متويه، وغيرها في علم اللطيف.
[ترجمة شيخ الكينعي علي بن عبدالله بن أبي الخير]
قلت: ابن أبي الخير، هو شيخ عابد اليمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رضي الله عنهم، وأعاد من بركاتهم ـ.
قال السيد الإمام في ترجمته، بعد أن ذكر أنه أخذ عليه الإمام المهدي أحمد بن يحيى، والهادي بن إبراهيم، وصنوه محمد بن إبراهيم:
قال: القاضي علاّمة الأصول والفروع، وحجة المنقول والمسموع، /97

(2/97)


سيد أرباب الشريعة، وإمام أهل الحقيقة على الحقيقة.
قال في الصلة: هو سلطان العلماء الأبرار.
إلى قوله: جمع الفضائل عن يد، وحاز الكمال وانفرد، لم يبلغ عشرين سنة، إلا وقد صار مجتهداً بالعلوم، أصولها وفروعها، وله في كل فن تصنيف.
إلى قوله: ومصنفاته زهاء خمسة وأربعين موضوعاً؛ ولما بلغ المنتهى جاءه مخاطب التوفيق، والارتقاء إلى سنام التحقيق، فعكف على كتب التقوى واليقين.
إلى قوله: وراض نفسه رياضة يعجز عنها مَنْ عرفها؛ فهو إمام أهل الشريعة، وشيخ أهل الطريقة.
قال تلميذه إبراهيم بن أحمد: عندي أن علي بن عبدالله أبلغ من عبد الجبار، وأغزر علماً، وأعظم فهماً؛ وكان شيخ إبراهيم في زهده وورعه، وقدوته في أفعاله وأقواله.
ثم ذكر سنده في كيفية الطريق إلى الله ـ تعالى ـ وإخلاص الذكر، المتصل بمعروف الكرخي، العابد الزاهد، عن الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم، عن آبائه، عن الوصي علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ أنه جاء إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقال: دلني على أقرب الطرق إلى الله، وأسهلها على عباده، وأوصلها عند الله.
فقال: ((ياعلي، عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات)).
فقال علي: كيف أذكر يارسول الله؟
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((غمض عينيك، واسمع مني ثلاث مرات، لا إله إلا الله)).
فقالها، وعلي يسمع.
ثم قال علي: لا إله إلا الله ـ ثلاث مرات ـ والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يسمع.
ثم تلقن الحسن البصري هذا الذكر من علي (ع)، واتصل بمعروف الكرخي أيضاً من طريقه.
إلى قوله: ثم إن علي بن عبدالله لقن سيدي صارم الدين إبراهيم الكينعي الذكر العظيم، والحزب /98

(2/98)


المبين، وألبسه الخرقة.
قال السيد عماد الدين يحيى بن المهدي بن القاسم الحسيني: ثم إن سيدي إبراهيم لقنني الذكر العظيم، والحزب المبين، وألبسني الخرقة المباركة، انتهى.
وبيض السيد الإمام، والقاضي أحمد، لتاريخ وفاته ـ رضي الله عنهم ـ.
(رجع إلى تمام كلام السيد الإمام في السيد الحافظ محمد بن إبراهيم).
قال: وطالع كتب آبائه الكرام في هذا الفن، كالمجزي للسيد الإمام أبي طالب، وصفوة الاختيار للإمام المنصور بالله، وغيرها؛ وكذلك مؤلفات جده يحيى بن منصور بن العفيف، ومصنفات السيد حميدان بن القاسم، ومثل كتاب الجامع الكافي، وكتاب الجملة والألفة لمحمد بن منصور المرادي؛ وعرف ما وقع فيه الخلاف بينهم وبين المعتزلة، وجمع في ذلك مختصرات مفيدة، ومقالات فريدة.
ثم ذكر أنه أجازه السيد الإمام الناصر بن أحمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، المتوفى عام اثنين وثمانمائة، وناوله كتب الأئمة كالمجموع، وأصول الأحكام، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وشرح النكت، والجمل للقاضي جعفر، والمنهاج الجلي لعمه.
إلى قوله: فأجزتُ له سائر كتب الخزانة المهدية، خزانة الإمام محمد بن المطهر، وهي كلها لي إجازة من حي الإمام الواثق بالله المطهر بن أمير المؤمنين، عن والده المهدي لدين الله؛ وهي له إجازة عن والده المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع).
وقد أجزتُ جميع ذلك للولد عز الدين، محمد بن إبراهيم نفعه الله بذلك، وأعانه على العمل به؛ فليروه عني كيف شاء، لمن شاء، على الوجه المشترط في ذلك، عند أهل الحديث، والحمد لله، والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
ثم ذكر إجازاته من بقية شيوخ عصره من أهل الحديث.
إلى قوله: وأجلّ /99

(2/99)


تلامذته ولد أخيه محمد بن عبدالله بن الهادي؛ وقرأ عليه الإمام صلاح بن علي.
قلت: ابن محمد بن أبي القاسم، ولد شيخه.
قال: بأمر أبيه، في المعاني والبيان.
قلت: بعد وقوع المعافاة بينهما كما يأتي، وعبدالله بن محمد بن سليمان الحمزي، وولده عبدالله بن محمد بن إبراهيم، والفقيه حسن بن محمد الشظبي.
قال: وترجم له الطوائف من الزيدية، وغيرهم من علماء الفقهاء الأربعة.
ثم قال: هو السيد الحافظ، خاتمة المحققين، المحيط بالعلوم من خلفها وأمامها، الحري بأن يدعى بإمامها وابن إمامها.
إلى قوله: بلغ في العلوم الأقاصي، واقتادها بالنواصي، له في علوم الاجتهاد المحل الأعلى، والقدح المعلا.
قال: وكان عالم اليمن، والشام أيضاً.
[الحوار بين السيد محمد بن إبراهيم وابن ظهيرة]
وقال له ابن ظهيرة: لو قلدت الإمام الشافعي، فقال: ياسبحان الله! لو كان يجوز لي التقليد لم أعدل عن تقليد جدي الإمام القاسم، والهادي، فهما بالتقليد أولى.
قلت: في مطلع البدور، نقلاً عن شمس الإسلام، أحمد بن عبدالله الوزير، عن الهادي الصغير بن إبراهيم بن محمد ـ رضي الله عنهم ـ:
فلما رأى ـ أي الشيخ محمد بن عبدالله بن ظهيرة ـ منه مالم تره عينه، ولاسمعته أذنه، عن أحد من أهل الزمان، مع أنه كان في مكان يجتمع فيه الناس، من طوائف المسلمين، وأهل المذاهب أجمعين، قال له: أيها السيد الشريف، لو أنك أتممت كمالك بتقليد الإمام محمد بن إدريس.
فقال: سبحان الله.
إلى قوله: أولى من غيرهما؛ لمكان العناية في أهل البيت الإلهية، والمادة المعصومة السماوية.
وقبل هذا: وقال له العلامة ابن /100

(2/100)


ظهيرة في مكة: ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى الإمام الشافعي، وأبي حنيفة.
فغضب وقال: لو احتجت إلى هذه النسب والتقليدات، ما اخترت غير مذهب نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، أو مذهب حفيده الهادي إلى الحق.
هكذا، أو كما قال...إلخ.
قال السيد الإمام: ثم وقف عند الإمام علي بن المؤيد في فللة أياماً.
قلت: وفي المطلع: ورافقه إلى بلاد الأهنوم.
إلى قوله: وكتب فيه حي سيدي عز الدين أبياتاً حسنة رقيقة من محاسن شعره، قافية منصوبة الروي، أولها:
ولو شئت أبكيت العيون معانيا .... وألهبت نيران القلوب رقائقا
قال: ثم رحل إلى ثلا، إلى حي الإمام أحمد بن يحيى، ووقف عنده مدة، يسائله، ويراجعه، ويباحثه، ومن جملة ذلك أنه سأله عن خمسة وعشرين سؤالاً، في مسألة الإمامة.
إلى قوله: فكتب إليه أبياتاً أولها:
أعالمنا هل للسؤال جواب؟ .... وهل يروي الضمآن منك عباب؟
وكان بينهما مودة أكيدة.
قلت: هي ثلاثة عشر بيتاً، آخرها:
وهل لسلامي منك ردّ فإنه .... يخصك مني ما استهل سحاب؟
قال السيد الإمام: ووقع بين السيد محمد، وشيخه علي بن محمد بن أبي القاسم منازعة في مسائل؛ وكذلك وقع بينه، وبين الإمام المهدي؛ فلما دنا الانتقال، وتحول الحال، اعتذر كل من صاحبه، وقَبِلَ اعتذاره.
إلى قوله: وزالت الوحشة، والحمد لله على كل حال.
قلت: ولم تكن المنازعة في المسائل بينه وبين من ذكر فحسب؛ ولكن لما كان شيخه العمدة في عصره، وتصدر للرد عليه، نسب النزاع إليه.
[كلام الإمام محمد بن عبدالله الوزير في شأن محمد بن إبراهيم الوزير]
ولنورد /101

(2/101)


في هذا المقام، كلام الإمام الكبير، الصادع بالحق المنير، المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، فشهادته أعدل الشهادات، قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } [يوسف:26]، ويتضمن ذلك رجوعه إلى منهج سلفه آل محمد(ع) الذي هو منهج الحق والتحقيق، وهو من لطف الله تعالى بالتدارك والتوفيق، وقد تقدم ما يفيد، وهذا مزيد تأكيد.
قال الإمام (ع) في فرائد اللآلي: واعلم أنه قد سبق المقبلي مَنْ هو أجل منه قدراً، وأعلم علماً، الوالد الإمام، محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ فلا يزال يكرر في كتبه أنه على معتقد أهله، ولا يخالفهم في مهمات الدين، بخلاف مسائل الفروع، فهي وإن وقع مخالفة في شيء فقد خالف أهل البيت (ع) بعضهم بعضاً؛ بل خالف الهادي ابناه، هكذا اتخذه في كتبه، مصرحاً به نظماً ونثراً، وذكر في العواصم، أنه إنما ناضل، وذب عن المحدثين، وليس ذلك بعقيدته، وأنه لايخالف آباءه.
وأما الإيثار، فالظاهر أنه حقق معتقده، ويحيل على عواصمه؛ ولقد قال في قصيدته الدالية: ـ قلت: وهي قصيدته إلى أخيه الهادي التي يقول فيها:ـ
ديني كأهل البيت ديناً قيماً .... متنزهاً عن كل معتقد ردي
إني أحب محمداً فوق الورى .... وبه كما فعل الأوائل أقتدي
وأحبّ آل محمد نفسي الفدا .... لهم فما أحد كآل محمد
هم باب حطة والسفينة والهدى .... فيهم وهم للظالمين بمرصد
وهم النجوم لخيِّر متعبد .... وهم الرجوم لكل من لم يعبد
وهم الأمان لكل من تحت السما .... وجزاء أحمد ودّهم فتودد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نصّ محمد
وكفى لهم شرفاً ومجداً باذخاً .... شرع الصلاة لهم بكل تشهد
/103

(2/102)


...الأبيات.
قال الإمام (ع): وقال في أبيات أخر:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتَيْ .... ساداتنا: يحيى وقاسمْ
لكن الواقع في الخارج خلافه، سيما في تعصبه، وشدة شكيمته، في النصرة لمخالفي أهله وآبائه المطهرين ـ سلام الله عليهم ـ من أعدائهم الحشوية والمرجئة الذين يسميهم بأهل السنة، وتقوية عقائدهم، وسرد الأدلة في نصرة مذاهبهم، وتضعيف كل ما يخالفهم، وتهوين مخالفهم.
إلى قوله: وقد علم أن ساداته ـ لاسيما علامتي ساداتنا: يحيى وقاسم ـ هم رؤوس الوعيدية، وأطواد العدلية؛ فما عدا مما بدا؟‍!.
إلى قوله: فصدق عليه قول أخيه الوالد الإمام الهادي بن إبراهيم ـ رحمه الله آمين ـ في قصيدته الدالية، جواباً عليه:
أأحبهم وأحبّ غير طريقهم .... هذا المقال من المحال الأبعدِ
...إلخ.
ثم مَنْ ذا يصحّ إسلامه، يقرر حكماً من أعظم الأحكام، لأجل الغضب من دون دليل قاطع.
الله المستعان.
إلى قوله: ولما كانت يده قوية، ولامنازع له في الأعلمية، ولم يستقم له الجري على منهاج أهله، ولا أمكنه التصريح بمخالفتهم، جاء بالتخاليط والترميم، والتلفيق في المسائل، والترقب لأي لفظة، أو شبهة أو دلالة، من علوم أهله، أو من قول أعدائهم.
إلى قوله: فيجعله حجته لما يرويه، ويسلك ـ بزعمه ـ تلك الطريقة، وأنها أوضح محجة.
إلى قوله: ومدار احتجاجه بأحاديث الخصوم لأهله، إما حقاً، أو لزوماً، وتناسى ما روى عن الخصوم.
إلى قوله: فيما اتفق عليه الفريقان، وتناسى تأصيلهم، وتقريرهم، أن الداعية إلى المذهب، وبدعته لايقبل، ولادليل له على ذلك إلا مجرد أنهم /103

(2/103)


أهل السنة، وأهل الصحاح، حتى أضاف تلك البدع إلى الصدر الأول، بدليل اتصال السند، وتناسى أن من طهرهم الله تطهيراً، وقرنهم بالكتاب العزيز، وأمر بالتمسك بهم، وأمن الأمة من الضلال، وشبههم بسفينة نوح، وباب حطة، وجعلهم الشهداء، وأهل الاجتباء والاصطفاء، وشرع لهم الصلاة مع أبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بكل تشهد، لم يقبلوا أولئك الخصوم، ولا رفعوا لرواياتهم رأساً؛ فكيف يحتج عليهم بروايات خصومهم؟!
إلى قوله: وإذا كان هذا، فلم يبقَ إلا جواب الحسن البصري، وقد سُئل عن طلاق رجل لامرأته، إن الحجاج في النار، فقال: اثبت على نكاحك، فإن يكن الحجاج في النار، فقد برّ قسمك، وإلا، فلا يضركما الحرام، فيصير المعنى: أن معاوية وعتاة أصحابه المقتولين، إن كانوا في الجنة، مع أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمر بقتلهم وقتالهم، وسماهم الفئة الباغية، وأنهم يدعون إلى النار، فلا يضر أحداً شيء من المعاصي والآثام.
[الأدلة على بطلان الإرجاء]
إلى قوله، حاكياً عن محمد بن إبراهيم، بعد كلامه في شبه أهل الإرجاء: ثم قال:
وأما الشيعة والمعتزلة، فاحتجوا على قولهم بأنواع من السمع، منها قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي }[الحجرات:9]، والبغاة داخلون في الآية.
إلى قوله: وذكر أحاديث في الفتن والتوعد لأهلها بالنار، ومن أصرحها: حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ وهو متواتر ((ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) ثم ذكر من قرر تواتره، وقرر الذهبي أيضاً.
قال: وحديث عمار هذا من أعلام النبوة، ولذلك ذكره جمهور من صنف في المعجزات، واحتجوا بأنه معلوم بالضرورة.
إلى قوله: ومنها: ما ورد في تخصيص قتل المسلم وقتاله، من الوعيد الشديد، ومنها وهو أقوى من هذه الأشياء: أنه تواتر عن الصحابة، أنهم كانوا يعتقدون في الباغي على أخيه المسلم، وعلى إمامه العادل، أنه عاص آثم، وأن التأويل في ذلك مفارق الاجتهاد في الفروع؛ فإنهم لم يتعادوا على شيء من مسائل الفروع، وتعادوا /104

(2/104)


على البغي.
كذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة علي (ع) في قتالهم، وليس المجتهد المعفو عنه يُقَاتَلُ على اجتهاده، فيُقتلَ، ويُهدَر دمه.
وأما الأحاديث التي تقدمت هذا، فلا تبلغ مرتبتها في الصحة، والشهرة، ولو بلغت لم تعارضها، فإنها دالة على إثم أهل الفتن.
إلى قول الإمام (ع): ثم ذكر ـ أي محمد بن إبراهيم ـ إجماع أهل السنة، أن من حارب علياً فهو باغ عليه، وأنه (ع) صاحب الحق في جميع تلك الحروب؛ وقد ذكر في العواصم كلاماً أصرح من هذا، لفظه:
وأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك.
وقال في موضع آخر ما نصه: بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة ـ وقد تقدم ـ.
وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أهل السنة، دع عنك الشيعة، انتهى.
قال الإمام (ع): والعجب كل العجب من أعلام ممن يرون الحشوية وأمثالهم بعين الرضى، ويتعصب لهم، ويلفق شبهاً يعتذر بها لهم، كما ترى صنيع الوالد محمد بن إبراهيم؛ فإنه بالغ في مدحهم، والثناء عليهم، وتجميلهم، والاعتماد على رواياتهم، والاحتجاج بها على أهله وآبائه، في جميع كتبه.
إلى قوله: وخصيمهم يوم القيامة، رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - الذي وصى بأهله ثلاثاً وقال: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم))، فخلفوه بهذه الخلافة فيهم.
إلى قوله: ولقد تجارى ابن تيمية في كتاب منهاج السنة على أمير المؤمنين بكل قبيح، وعلى أهل البيت وشيعتهم.
إلى قوله: وترى مثل صاحب العواصم يعتمد على قوله من دراية ورواية، ويثني عليه ويمدحه.
إلى قوله: مع أنه يقول: إنه /105

(2/105)


على دين أهله، نظماً ونثراً ـ ولاسيما علامتي ساداتنا يحيى، وقاسم ـ فما أحسن قول الشاعر:
إذا صافى صديقك مَنْ تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ!
قلت: وقد نصّ محمد بن إبراهيم الوزير، في كتابه إيثار الحق، أنه لم يطلع على منهاج ابن تيمية؛ وهذه فائدة مهمة، وقد كنتُ أعجب من ثنائه عليه، حتى وقفتُ على هذا، فحمدتُ الله على ذلك.
قال الإمام: ومراده يلفق بين أهله وأعدائهم؛ ومحال جمع الماء والنار، وجمع الموالاة والمعاداة، وجمع الجنة وجهنم؛ فتذبذب، فلاذا تأتى ولا ذا حصل، وقد روي عنه ـ رحمه الله ـ الرجوع عن تلك العجائب.
إلى قوله: فهو الظن فيه، والرجوى.
انتهى المراد.
[كلام عظيم للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير]
قلت: ومن الكلام العظيم، للحافظ محمد بن إبراهيم، قوله: فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب، ولم يشب تصانيفهم شيء من غلو المتكلمين، ولا حط من قدر شيعتهم المتعبدين شيء من بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيء من تكلف المتعصبين، ولا استمالتهم عن المنهاج السوي شبه المشبهين؛ تنزهوا عن غلو الإمامية الجهال، وعماية النواصب الضلال، وهفوات أهل الحديث والاعتزال؛ فهم النمرقة الوسطى، وسفينة النجا، والعصمة من الأهواء، بعد أبيهم المصطفى ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين ـ. انتهى.
قال في تنقيح الأنظار: الحمد لله الذي رفع أعلام علوم الحديث، وفضل العلم النبوي بالإجماع على شرفه في قديم الزمان والحديث.
قلت: وفي الحديثين من البديع الجناس التام.
قال: اشترك في الحاجة /106

(2/106)


إليه، والحث عليه، القرابة والصحابة، والسلف والخلف، فهو علم قديم الفضل، شريف الأصل، دلّ على شرفه العقل والنقل، واعتضد الإجماعان عليه من بعد ومن قبل.
قلت: أي إجماع العترة (ع)، وإجماع سائر الأمة.
قال: والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وعلى أهله خير أهل.
قال: وبعد، فهذا مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث واصطلاحات أهله.
قلت: أغلب تلك المصطلحات لابرهان عليه من عقل ولا نقل؛ وما كان معتمداً فقد بين بدليله في علم الأصول؛ ولكن معرفة الشيء خير من جهله، لمن رسخ قدمه، وثبت فهمه، لالمن يقلد أقوال الرجال، فتميل به من يمين إلى شمال، ويكون من دين الله على أعظم زوال.
[من تنقيح الأنظار في أقسام الحديث]
قال: (مسألة في أقسام الحديث)، قَسَّمه الخطابي في المعالم إلى: صحيح، وحسن، وسقيم.
قلت: وقسمه أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى صحيح وهو المقبول، وهو إما معلوم الصدق أو لا.
الأول: صحيح قطعاً.
والثاني: الصحيح منه ما تكاملت فيه شروط القبول، فمنها: ما يكون باعتبار الراوي، وهي التكليف وقت الأداء، والعدالة، والضبط، على اختلاف في العدالة، وهي في اللغة: التوسط في الأمر، وفي الاصطلاح: إتيان المكلف بكل واجب عليه يستحق بتركه العذاب، واجتناب كل كبيرة مصرحة، أو متأولة، وكل /107

(2/107)


رذيلة، وهذا على ماهو الحق عند قدماء أئمتنا (ع) وتابعيهم، من رد كافر التأويل وفاسقه، والقول بسلب الأهلية؛ لعموم الدليل، الدال على ردّ المصرح بهما قطعاً، وإجماعاً، نحو قوله ـ عز وعلا ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود:113]، و{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، والمتأوِّل ظالم، وفاسق؛ ولم تصح دعوى الإجماع على القبول، فلا تخصيص كما حقق في الأصول؛ ولأن دليل العمل بالآحاد من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم بالتبليغ، والإجماع على قبول أخبارهم في العمليات، لم يقم إلا على من ذكرنا، وغيرهم مختلف فيه، ولادليل عليه؛ وقد حققت المختار بدليله في الرسالة، الموسومة بـ(إيضاح الدلالة).
ومنها: باعتبار المروي، وهي نقل لفظه أو معناه بإحدى طرق الرواية، المعتبرة في الصحابة ومن بعدهم، متصل السند بالعدل الضابط، أو مرسلة مع معرفة أنه لايرسل إلا عن الموثوق به.
ومنها: باعتبار معناه، وهو ألا يصادم قاطعاً، بحيث لايمكن الجمع بالتأويل، ولا يقبل فيما طريقه العلم إلا مؤيداً لغيره؛ فهذا هو الصحيح المقبول.
وإلى غير صحيح وهو المردود، وهو إما معلوم الكذب ـ ولاشك في ردّه ـ أو غير معلومه، واختل فيه أحد شروط الصحيح؛ إلا أنه إن شهد لمعناه دليل، عمل به لموافقته، وقد أحاط هذا لمن تدبر بما اشترطه أئمة العترة (ع) من العرض على كتاب الله ـ تعالى ـ على ماهو الصحيح من معناه؛ كما قررتُه في فصل الخطاب، وتفاصيل البحث، ودلائله، مقررة في محله من الأصول.
نعم، وتتفاوت درجات الصحيح، حتى يصل إلى المعلوم صدقه، وكذا المردود، حتى ينتهي إلى المعلوم كذبه، كما سبق؛ والمرجحات الصحيحة تفيد الصحيح قوة، فيقدم عند التعارض الراجح منه على ما دونه. /108

(2/108)


هذا، ولا مشاحّة في الاصطلاح، ولاحجر فيه، مالم يوجب حكماً يخالف الدليل، أو لايقتضيه.
وما ذكروه من اشتراط السلامة من الشذوذ، والعلة، فنقول: ما كان قادحاً في الصحة، فقد احترز عنه، وما لا، فلا دليل على ذلك.
وقد قال هو في التنقيح: وأما السلامة من الشذوذ والعلة، فقال الشيخ تقي الدين في الاقتراح: في هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لاتجري على أصول الفقهاء، انتهى.
[الكلام على قبول المراسيل]
وما ذكرته في الإرسال فهو الذي عليه أئمة الآل (ع) وأتباعهم، واختاره الكثير من غيرهم، على ما حققه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد ذكرته في ص 215 في التحف الفاطمية ، وقد اختاره صاحب التنقيح.
قال في مسألة الجمعة: صحة الحديث لا تكون إلا بأحد أمرين: إما بالإسناد المتصل بنقل الثقات عن مثلهم من غير علة ـ وهذه أرفع المراتب ـ أو بإرسال مَنْ لا يقبل المجاهيل، ونحوهم ممن هو سيئ الحفظ، المختلف فيهم، بشرط أن يأتي بصيغة الجزم؛ وهذا على الصحيح عندي في قبول المراسيل...إلخ.
وقال في التنقيح: وذهب الزيدية، والمالكية، والحنفية إلى قبول المرسل، انتهى.
وأما قول السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرحه معقباً عليه: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، فإنه صرح بأنه لايقبل المراسيل، ولفظه في خطبة كتاب شرح التجريد ـ ثم أورد بعض كلام الإمام (ع) غير مستوفى ـ./109

(2/109)


فنقول: إنما نشأ له ولغيره نسبة ذلك إلى الإمام لعدم تدبر كلامه في الخطبة، وعدم التحقيق في أصل كتابه، وإلا فهو مفيد للقبول على شرطه، وقد صرّح بقبوله لمرسل الثقات تصريحاً لا يقبل التأويل؛ ولكن السيد وأمثاله ـ وإن كانوا حفاظاً في علوم المخالفين ـ لايمعنون النظر في مؤلفات سلفهم الهادين، يعلم ذلك من اطلع على حقائق أحوالهم من المنصفين، والله المستعان؛ وقد سبق كلام الإمام المؤيد بالله (ع)، وبيان مراده، في سند شرح التجريد، والله ولي التسديد.
[بيان المرسل والمعضل والمعلق]
هذا، والمرسل عند العترة: ما سقط منه راو فصاعداً؛ فدخل فيه على اصطلاح بعض العامة المرسل، وهو: ما كان الساقط منه صحابياً.
والمنقطع وهو: ما كان واحداً غيره.
والمعضل (بفتح الضاد المعجمة) وهو: ما سقط منه أكثر من واحد من أول السند، أو أوسطه، أو آخره.
والمعلق وهو: ما سقط منه واحد فأكثر من أول السند.
نعم، ثم ساق الكلام في التنقيح...إلى قوله، في بحث أصح الأسانيد، حكاية لكلام الحاكم: إن أصح أسانيد أهل البيت (ع) جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
قال المؤلف: قال أحمد بن حنبل: هذا إسناد لو مُسِحَ به على مريض لشفي؛ رواه المنصور بالله في المجموع المنصوري.
إلى قوله: عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث./110

(2/110)


[عدد أحاديث الصحيحين]
قال زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي: لم يستوعب البخاري، ومسلم، كل الصحيح في كتابيهما.
إلى قوله: قال الشيخ زين الدين بن العراقي: عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث ـ على ماقيل ـ وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً؛ كذا جزم به ابن الصلاح، وهو مسلم في رواية الفربري.
وأما رواية حماد بن شاكر، فهي دونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة حديث رواية إبراهيم بن معقل.
إلى قوله: ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم.
وقال النووي: إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر.
إلى قوله: وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك التقليد في عدة أحاديث البخاري، وحرر ذلك لنفسه، فزاد على ما ذكروه مائة حديث، واثنان وعشرون حديثاً، والجملة عنده بالمكرر سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً.
[مراتب الصحيح ومناقشتها]
إلى قوله: اعلم أن مراتب الصحيح متفاوتة بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه، وقد ذكر أهل علوم الحديث أن الصحيح ينقسم سبعة أقسام:
الأول: أعلاها، وهو ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم؛ وهو الذي يعبر عنه أهل الحديث بقولهم: متفق عليه.
قلت: وقد اعترض على هذا بأن الأولى بالتقديم المتواتر، ودعوى إحاطتهما بالمتواترات من المتهافتات.
قال: والثاني: ما أخرجه البخاري.
والثالث: ما أخرجه مسلم./111

(2/111)


والرابع: ما هو على شرطهما.
قلت: وقد اعترض على هذا أيضاً؛ إذْ ليس لهما شرط معروف، كما هو معلوم، وقد حقق ذلك الشارح وغيره.
قال: والخامس: ما هو على شرط البخاري.
والسادس: ما هو على شرط مسلم.
قلت: وقد اعترض على هذا كله باعتراضات لا حاجة إلى إيرادها؛ والنزاع بين العترة وبينهم في أكثر من ذلك.
قال: والسابع: ما هو صحيح عند غيرهما من الأئمة المعتمدين، وليس على شرط واحد منهما.
قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث هو تلقي الأمة للصحيحين بالقبول؛ ولا شك أنه وجه ترجيح.
[بطلان القول أن الصحيحين ـ إلا اليسير ـ متلقاة بالقبول، والانتقاد عليهما]
قلت: الله أكبر! هذه دعوى مجردة عن البيان.
والدعاوي إن لم تقيموا عليها .... بيّنات أبناؤها أدعياءُ
كيف وقد قام على خلافها البرهان؟ فهي معلومة البطلان؛ كيف والمنازعة على صحتهما واقعة بين أصحابهم؛ فكيف بقرناء القرآن، وأمناء الرحمن؟! وقد سلف في صدر الكتاب، ما فيه ذكرى لأولي الألباب.
وقد انتقد البخاري على رجال لمسلم، ومسلم على رجال للبخاري؛ فهو أقرب نقض لدعوى الإجماع، فكلامهما أول قدح ونزاع.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في التوضيح، بعد كلام المؤلف، ما لفظه: وهذا التلقي لأحاديث الصحيحين يحتاج مدّعيه في إثبات دعواه إلى دليل.
ثم قال: لايخفى أن إقامته عليها من المتعذرات.
إلى قوله: مع أن هذا الإجماع بتلقي الأمة لهما لايتم إلا بعد عصر تأليفهما، حتى ينتشرا ويبلغا مشارق /112

(2/112)


الأرض ومغاربها، وينزلا حيث منزل كل مجتهد؛ مع أنه يغلب في الظن أن في العلماء المجتهدين مَنْ لا يعرف الصحيحين؛ فإن معرفتهما بخصوصهما ليست شرطاً في الاجتهاد قطعاً.
ثم قال: إذا عرفت ما في هذا الاستدلال من الاختلال، فالأولى عندي في الاستدلال على تقدم الصحيحين هو إخبار مؤلفيهما بأن أحاديثهما صحيحة؛ وقد قال المؤلف نفسه في التنقيح رداً على من ادعى مثل هذه الدعوى، ناقلاً عن زين الدين، ما نصه: لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لها الشيخان أو أحدهما.
قال ـ أي السيد محمد بن إبراهيم ـ: ما هذا مما اختص به النسائي؛ بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، كما هو معروف في كتب هذا الشأن، ولكنه تضعيف مطلق، غير مبين السبب، وهو غير مقبول.
قلت: أما التلقي، فهو يقدح فيه كيف ما كان؛ لتعميمه الدعوى على الأمة.
وأما أنه مطلق، فغير محقق؛ وقد قال الأمير في شرحه: بل فيهم جماعة جرحوا جرحاً مبيّن السبب، منهم من جرح بالإرجاء، كأيوب بن عائذ بن مفلح، أخرج له الشيخان؛ قال النسائي، وأبو داود: كان مرجئاً.
وبالنصب،..إلى قوله: وأخرج البخاري لحريز بن عثمان الحمصي؛ قال الفلاَّس: كان يبغض علياً.
إلى قوله: قال محمد بن سعيد: فيهم عوالم ممن رمي ببدعة؛ وقد سقنا في ثمرات النظر جماعة من ذلك، وقد أخذوا السلامة من البدعة، فالبدعة قادحة عندهم؛ وفيهم مَنْ هو داعية إلى بدعته، حتى بالغ ابن القطان، وقال: في رجالهما مَنْ لم يعرف إسلامه؛ نقله عنه العلامة المقبلي.
قلت: وقد سبق قبل هذا للأمير في شرحه التوضيح، ما لفظه: /113

(2/113)


وأما رجحانه ـ يعني البخاري ـ على مسلم، قال: من حيث العدالة والضبط؛ فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عدداً من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري.
ثم ساق ما ذكرته في الفصل الثاني من عددهم...إلى قوله:
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال؛ فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقلّ عدداً مما انتقد على مسلم؛ فإن جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما مائتا ـ بألف التثنية ـ حديث وعشرة، اختص البخاري منها بأقل من ثمانين.
قال: وهذا كلام الحافظ هنا، وسيأتي بنقل المصنف عنه، أنه ذكر في مقدمة فتح الباري، مما اعترضه الحفاظ على البخاري، مائة حديث وعشرة أحاديث...إلخ.
وقد نقل مؤلف التنقيح عن ابن حزم ما لفظه: ما وجدنا للبخاري، ومسلم، شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، تمّ عليه في تخريجه الوَهَم.
إلى قوله: فذكر من البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء، وأنه قبل أن يوحى إليه، وقد شقّ صدره.
قال: والحديث الثاني حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زُميْل ـ قلت: ضبطوه بالتصغير ـ عن ابن عباس، كان الناس لاينظرون إلى أبي سفيان، ولايقاعدونه، فقال للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ثلاث أعطيكهن.
قال: نعم.
قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها.
قال: نعم.
قال ابن حزم: هذا موضوع لاشك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار.
إلى قوله: قال زين الدين: وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير/114

(2/114)


هذين، وقد أفردت كتاباً لما ضعف من أحاديث الصحيحين.
قال الأمير: واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح، أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول.
قال: سوى أحرف يسيرة، قد تكلّم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ.
إلى قوله: قال الحافظ ابن حجر، تعقباً له: اعترض الشيخ أولاً على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة.
إلى قوله: وأما كونه يمكن الجواب عنها، فلا يمنع ذلك استثناءها؛ لأن من تعقبهما من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي، فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي...إلخ.
قال صاحب التنقيح: وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك، وذكر مَنْ صنف في ذلك.
قلت: أي في الانتقاد عليهما.
قال: كأبي السعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، والدارقطني.
وقال: قال النووي في شرح مسلم: إنه وقع اختلاف بين الحفاظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم، فهي مستثناة...إلخ.
ونقلوا عن ابن الصلاح أنه قال: ما أخذ على البخاري ومسلم، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه.
قلت: فهذه نبذة كافية من كلامهم؛ فبحمد الله تعالى قد كفونا بالرد على أنفسهم وبتناقض أقوالهم عن النقض؛ وإنه تالله، ليقضى بالعجب، من أن يدعي مثل هذه الدعاوي الباطلة من له من العلم والدين أدنى مسكة، وماهي إلا من الهذيان والمجازفة، التي لاتقدير لها بمكيال ولا ميزان، والعمدة في هذا مراقبة الملك الديان؛ ولقد تهافت في تقليد هذه الدعوى الفارغة، الرعاعُ، وتهالك في أثرها الأتباعُ، فعميت عن إبصار الحق، وصمّت عن سماع التحقيق منهم، /115

(2/115)


الأبصارُ والأسماع.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
نسأل الله ـ تعالى ـ العصمة والسلامة.
هذا، ولعلم صاحب التنقيح بما في هذه الدعوى من الاختلال، وأنها ليست إلا من باب الإرهاب وقعقعة الجدال، الذي لايتم على أولي الألباب، من فحول الرجال، أوردها كالمتبري عنها، حيث قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث.
ولو تم على هذا لكان قد أجمل؛ ولكنه عدل إلى التغرير بإظهار صورة التقرير، فقال: ولاشك أنه وجه ترجيح...إلخ.
ثم ساق في تقويم ذلك التصحيح، بما يعرف ما فيه من عوج كل ذي لبّ رجيح.
وقال: وإن لم يسلم لهم إجماع الأمة، فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر، وأئمة الحديث، على ذلك.
قلت: قد سبق أيضاً ما يرد هذه الدعوى الأخرى المعلومة الفساد، من كلام المؤلف، وكلام حفاظهم النقاد، وما أورد عليهما من الانتقاد؛ دع عنك الأئمة الأعلام، عترة سيد الأنام، وسادات أهل الإسلام؛ فيا سبحان الله! أين مصداق قوله:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتي .... ساداتنا يحيى وقاسمْ
ثم قال: فقد ذكر صحتهما المنصور بالله في كتابه العقد الثمي ن، وذكر الأمير الحسين صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح.
قلت: قد تقدم كلام الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الموجب للرواية عن المخالفين، وأنه قال (ع) في الشافي: وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن واتباعنا من الشيعة. /116

(2/116)


وقال (ع) فيه: ونحن لاننقل إلا ما صحّ لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا؛ للاحتجاج عليه، ولم نورد ذلك إلا ومعنا من البرهان عنه ما يكفي ويزيد، تأكيداً.
وتقدم كلامه (ع) في الحشوية والسنية، وأصل تسميتهم بالسنة والجماعة، وتقدم أن الإمام والأمير الحسين (ع) وغيرهما من أئمة آل محمد (ع)، جرحوا رجالاً عليهم مدار إسنادهم في صحاحهم، كالزهري؛ دعْ عنك معاوية وعمراً ومروان والأشعري.
ويالله العجب، من استدلاله على التصحيح باسمهما العَلَم المميز لهما، وهو لفظ الصحيح! وهذا من البطلان بمكان، لايحتاج إلى برهان؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد اعترضه الشارح في التوضيح، فقال: إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا؛ وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقباً لهما في العُرْفِ؛ فإنه لا اسم لهما إلا صحيح البخاري، وصحيح مسلم...إلخ.
وقد قدمت كلام نجوم العترة، وهداة الأمة، وسبق أيضاً التصريح بالقدح في كتابي البخاري ومسلم، المسميين بالصحيح، من إمام الأئمة الهادي إلى الحق، والإمام أبي طالب الناطق بالحق، وغيرهم من سادات الخلق؛ وردّ جميع قرناء الكتاب لكثير من رواياتهما، وروايات المسميين بأهل السنة، بما لاينكره أولوا الألباب؛ وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ لهذا البحث مزيد، وفيما سبق كفاية وافية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وليس يصحّ في الأذهان شيء .... إذا احتاج النهار إلى دليلِ
قال: ونقل عنهما وعن غيرهما المصنفون، كالمتوكل على الله في أصول الأحكام، والأمير الحسين في شفاء الأوام، ولم يزل العلماء يحتجون بما فيهما؛ قال المنصور بالله في المهذب: ولم يزل أهل التحصيل يحتجون بأحاديث المخالفين بغير مناكرة، وهذه أصحّ أحاديث المخالفين بغير مناكرة./117

(2/117)


قال في التوضيح: يعني أحاديث الصحيحين.
قلت: بل العمدة على ما وقعت الإشارة إليه في كلام الإمام، ويحتمل أنها أحاديث احتج بها الإمام (ع).
نعم، والحمد لله؛ هذا الكلام الذي ساقه عن الإمام (ع) للاحتجاج، من أعظم الحجج عليه، وقد سماهم الإمام (ع) المخالفين؛ وقد تقدم آنفاً التصريح من الإمام (ع)، أن نقله عن الضد للاحتجاج عليه، وجعله مقابلاً للصحيح، وقد بينا فيما سبق كلامه وكلام أئمة الهدى (ع) في معنى رواياتهم عن الخصوم، كما ذلك معلوم؛ ولعمري إن مثل هذا ليس مما شأنه أن يخفى على مثل هذا العالم.
ولكن..
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
و:
حبّك للشيء يعمي ويصم
[كلام الوزير والأمير في أن سند العترة المحض أصح الأسانيد، ورميهما له بأنه يقلُّ وجوده]
قال: والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا إذا تسلسل إسنادها بهم، ولم يكن بينهم من هو دونهم، أنها أصح الأسانيد مطلقاً.
قلت: وهذا التفات منه إلى مذهب أهل بيته الأطهار، بعد شدة جموح، وكثرة طموح، ولم يحقق النظر، حتى كرّ بالاستدراك ناقضاً لما قدم، وناكثاً لما أبرم، فقال: ولكنه يقلّ وجودها على هذه الصفة.
قال شارحه الأمير: حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي، إمام مذهب الزيدية، حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، وهو: حدثني أبي وعماي ـ ثم ساق حديث الرافضة الذي في الأحكام ـ.
قلت: الله المستعان! أما كان لهذين العالمين مندوحة عن الإظهار لعدم مشارفتهما ـ فضلاً عن إتقانهما ـ لأشهر مؤلفات إمام أئمتهما الهادي إلى الحق، فكيف بمؤلفات غيره من آبائهما وأهل بيتهما سادة الخلق ـ صلوات الله عليهم ـ؟! /118

(2/118)


ولقد كان لهما غنية لما هما فيه من الخدمة والعناية، والتصحيح، والتنقيح، والتوضيح، والتعديد، لكل حديث، والتفتيش عن كل مسند، ومرسل، ومعلق، ومعضل...إلى آخر المصطلح الأطول، والبحث على كل مشكل؛ كل ذلك في كتب العامة.
وأما مؤلفات أهل بيتهما، عترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وورثته، وقرناء كتاب ربه وسنته، فهما عنها بمعزل؛ إن في هذا لعبرة لأولي الأبصار.
على أنهما مع هذا الكد والكدح، لم يخرجا عند المحدثين عن دائرة الجرح والقدح؛ لنصهما على تقديم أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وقولهما بفسق من حاربه، وتدينهما بالعدل والتوحيد؛ فهما عندهم من القدرية الرافضة، بل من الغالين في الرفض، كما سبق في التحديد، وهو من الضلال البعيد، والخذلان الشديد، وكل ذلك معلوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
فأقول ـ معتصماً بمن لايزول ـ: مؤلفاتهم ممتلئة ـ والحمد لله ـ بالكثير الطيب، والغزير الصيب، من المسلسلات بالعترة النبوية، والذرية العلوية ـ على أبيهم وعليهم الصلوات والتسليم من رب البرية، من ابتداء الدين الحنيف، إلى هذه الغاية، وإلى انقطاع التكليف؛ فهم قرناء الكتاب الشريف، كما أنبأ جدهم عن الخبير اللطيف ـ.
فمن المعلوم لأرباب العلوم، مسلسلات سيد العابدين، وأسباطه الآل النجوم، منهم: الإمام الأعظم، الذي المجموعان الشريفان قطرة من ذاك البحر، ولمحة من ذلك الفجر، ولايقال: إنها لم تتسلسل الرواية إليه؛ لأنا نقول: ذلك غير معتبر، لاعنده ولاعند غيره؛ إذ المقصود ثبوت المسلسل بالطريق الصحيحة في أي عصر، ولاسيما إن ثبت ذلك في المؤلف الصحيح المشهور، المتداول بين الأعلام على ممر الدهور، ولو اعتبر ذلك لما أثبت المسلسل الذي زعم أنه ليس في الأحكام سواه؛ لأنه إذا أنكر هذه المعلومة، فهو أبعد من أن يقول: إن رواية الأحكام /119

(2/119)


مسلسلة بالعترة إلى إمام الأئمة.
وعلى الجملة، هذا هو المراد له ولعلماء الإسلام، يعلم ذلك كل من له بمقاصدهم أي إلمام، ولو كان الشرط أن يتسلسل في كل عصر، للزم ألا يحكم به ولايظهر إلى آخر الدهر، بل المعتبر صحة التسلسل في أي عصر، وقد صرح أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، على تسلسل مجموع الإمام الأعظم (ع) وغيره.
[كلام ابن الوزير في إسناد أهل البيت (ع)]
قال السيد الإمام حافظ اليمن إبراهيم بن محمد الوزير: وهو مسلسل الأحاديث النبوية بسند السلسلة الذهبية، وقد ذكره الحاكم في علوم الحديث في نوع المسلسل...إلخ كلامه.
[إشارة إلى مسلسلات الأئمة]
هذا، ومسلسلات أخيه باقر علم الأنبياء وأولاده، منهم: الصادق، وأولاده، منهم: الكاظم، وأولاده، منهم: الرضا، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ وهي مشحونة بها أسفار الأئمة الأطهار، كعلوم آل محمد أمالي الإمام أحمد بن عيسى ابن الإمام الأعظم، والأحكام، والبساط، وشرح التجريد، وشرح التحرير، وأماليات الأئمة، وسائر مؤلفات العترة الكرام (ع)، ومؤلفات غيرهم من علماء الإسلام؛ ومما أفرد بالتأليف العزيز: الصحيفة الرضوية، وسلسلة الإبريز.
ومسلسلات كامل أهل البيت (ع) عبدالله بن الحسن، وإخوته أعلام الكتاب والسنن، وأولاده الأئمة، هداة الأمة، منهم: النفس الزكية محمد بن عبدالله، والنفس الرضية إبراهيم بن عبدالله، وأولادهما، منهم: الحسن بن إبراهيم، وولده عبدالله بن الحسن، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومسلسلات نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وأولاده، منهم: محمد، والحسن، والحسين، وأولادهم، منهم: إمام الأئمة، وهادي هذه الأمة، إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، يحيى بن الحسين، وأولاده المرتضى، والناصر، وأولادهما؛ عن آبائهما كريمي /120

(2/120)