الكتاب : لوامع الأنوار المؤلف : السيد العلامة المجتهد مجدالدين المؤيدي |
كتاب لوامع الأنوار
في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار
لمؤلِّفه مولانا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى
لوامع الأنوار الجزء الأول
كلمة المركز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وبعد:
يسرّ مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة أن يقدّم للأمة الإسلامية كتاب لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار، لمؤلِّفه مولانا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، ويكفي في علوّ منزلة هذا الكتاب ومكانته، أنه هو - أيده الله تعالى - مؤلّفُه، فهو لسان أهل البيت(ع)، وقرين الكتاب والسنة في الأنام، وإليه انتهت رئاسة أهل البيت(ع)، وفي شخصه تجلّت عظمتهم في هذا الزمان.
وهذا الكتاب خلاصة فكره، وعصارة جهده، ورسالته لأمة جده، صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم.
ولا داعي للإسهاب في توضيح مقام المؤلف أيده الله تعالى، ومكانة هذا الكتاب، فهو يعبّر عن نفسه، من خلال ما صَدَع به.
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
فعليك أخي المؤمن بالنفائس والدرر، وكنْ عاملاً بما جمع مؤلّفه فيه ونثر، واطّرح الهوى والتعصّب تُدْرك حلاوة الإيمان.
وإنما نقدّم لك أخي المؤمن هذا الكتاب وفاءً منّا بالعهد الذي قطعناه على أنفسنا بالمشاركة في إخراج كنوز أهل البيت(ع) من مخابئها، عرفاناً منّا بتضحياتهم وجهادهم، وتمسكاً بوصية جدّهم، صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، والتزاماً بفكرهم ونهجهم، الذي هو منهج السنّة والقرآن، وما أراد من عباده الرحمانُ، فهم ورثة الأنبياء، وحجج الله الأمناء.
ـــــــــــــــ
وقد صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة حتى الآن:
م · الكتاب · المؤلف · المحقق
1 · المنير · أحمد بن موسى الطبري · علي سراج الدين عدلان
2 · نهاية التنويه في إزهاق التمويه · السيد الإمام/ الهادي بن إبراهيم الوزير · أحمد درهم حورية -إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
3 · تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين · الحاكم الجشمي/ المحسن بن محمد بن كرامة · ابراهيم يحيى الدرسي الحمزي
4 · عيون المختار من فنون الأشعار والآثار · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
5 · أخبار فخ وخبر يحيى بن عبدالله(ع) وأخيه إدريس بن عبدالله(ع) · أحمد بن سهل الرازي · عبدالرقيب مطهر حجر
6 · الوافد على العالم · الإمام/ القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) · حمود بن عبدالله الأهنومي
7 · الهجرة والوصية · الإمام/ محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) · عبدالله ناصر أحمد عامر
8 · المختصر المفيد فيما لا يجوز الإخلال به لكلّ مكلّف من العبيد · القاضي العلامة/ أحمد بن إسماعيل العلفي · -
9 · خمسون خطبة للجمع والأعياد · - · عبدالله حسن الغالبي - علي محمد فارع الحمزي
10 · رسالة الثبات فيما على البنين والبنات · الإمام الحجة/ عبدالله بن حمزة (ع) · -
11 · الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على صاحب التبديع والتضليل · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
12 · إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
13 · الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
14 · النور الساطع - أدعية مأثورة لأيام الأسبوع · الإمام الهادي/ الحسن بن يحيى القاسمي · -
كما شارك مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة مشاركةً فعليةً في إخراج:
1- مجموع رسائل الإمام الهادي (ع)، تأليف الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين(ع)، تحقيق عبدالله بن محمد الشاذلي، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
2- العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين، تحقيق عبدالسلام عباس الوجيه، تأليف الإمام الحجة عبدالله بن حمزة(ع)، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
3- الموعظة الحسنة، تأليف الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع)، صدر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
4-المصابيح وتتمته، تأليف السيد الإمام أبو العباس الحسني(ع)، والتتمة لعلي بن بلال رضي الله عنه، يصدر قريباً جداً إن شاء الله تعالى عن مؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية.
5- البدور المضيئة جوابات الأسئلة الضحيانية، تأليف الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي(ع)، صدر عن مكتبة التراث الإسلامي.
ـــــــــــــــ
وفي هذه الأيام صدر عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة:
م · الكتاب · المؤلف · المحقق
1 · لوامع الأنوار · (ثلاثة مجلّدات) · الإمام/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي · محمد علي عيسى
2 · مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم زيد بن علي(ع) · الإمام الأعظم/زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) · إبراهيم يحيى الدرسي الحمزي
3 · الإفادة في تاريخ الأئمة السادة · الإمام أبوطالب يحي بن الحسين الهاروني(ع) · إبراهيم بن مجدالدين المؤيدي - هادي بن حسن بن هادي الحمزي
4 · الجامعة المهمة لأسانيد كتب الأئمة · الإمام/ مجدالدين بن محمد المؤيدي · -
5 · سبيل الرشاد إلى معرفة رب العباد · السيد العلامة/ محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد(ع) · إسماعيل بن مجدالدين المؤيدي
6 · الجواب الكاشف للإلتباس عن مسائل الإفريقي إلياس ويليه/الجواب الراقي على مسائل العراقي · السيد العلامة/ الحسين ين يحيى الحوثي، حفظه الله تعالى · -
7 · كتاب أصول الدين · الإمام الهادي إلى الحق/ يحيى بن الحسين(ع) · -
وهناك الكثير الطيّب في طريقه للخروج إلى النور إن شاء الله تعالى.
وأغتنم الفرصة لأتوجّه بالشكر الجزيل لمؤسسة الإمام زيد بن علي(ع) الثقافية لدورها البارز في تأسيس مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة، ونحمد الله تعالى أن كنّا جميعاً ثمره من ثمار إمام أهل البيت الكرام(ع) في هذا العصر، مولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، متشرّفين بالعمل تحت رايته، وما نحن إلا حسنة من حسناته، والتفاته من جنابه، بارك الله في أيامه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
كما أتوجّه بالشكر الجزيل لكلّ من شارك في إخراج هذه الكنوز إلى النور، وأخصّ بالذكر الإخوان الكرام الذين كان لهم الدور البارز في جميع إصدارات مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية بصعدة، وهم/
علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي.
هادي بن حسن بن هادي الحمزي.
إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي.
صالح علي علي أبو زيد.
ــــــــــــــ
وأخيراً أتوجه إلى الله العلي القدير، بالدعاء الخالص لمولانا شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام، مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، على رعايته الكريمة للمركز، فمن حرصه الشديد على بعث كنوز أهل البيت(ع) ومفاخرهم؛ كان هذا المركز، نسأل سبحانه وتعالى بحقّ محمد وآله، أن يكتب له ذلك في ميزان حسناته، وأن يجزيه عن أمّة جده خير الجزاء، وأن يمدّ في عمره المبارك.
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
مدير المركز/
ابراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي
اليمن - صعدة، ت(511816)، ص ب (91064)
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين، الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الواحد القهار، وصلى الله وسلم على نبيه المختار، وعلى آله الأطهار، ما اختلف الليل والنهار.
أما بعد:
فهذا كتاب لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار وتراجم أولي العلم والأنظار،أحد الكتب التي قرأتها على مؤلِّفه، حجة العصر، ودرّة الدهر، ومنبع الفخر، ربّ الفواضل والفضائل، وزينة هذا الدهر العاطل، البدر الزاهر، والبحر الخضمّ الزاخر، أمين الله في بلاده، وحجته على عباده، أمير المؤمنين، ومولى المسلمين، عماد الدين المحمدي/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي، أيده الله تعالى، وقد أجازني فيه وفي غيره من مؤلفاته، ومسموعاته ومجازاته، إجازة عامة بقوله وخطّه - صلوات الله عليه-.
ولقد وجدتُ رغبة عارمة في تحقيق هذا الكتاب، وتقديمه للطبعة الثانية، وإخراجه بصورة جديدة وكاملة، وتصحيحه من الأخطاء المطبعية، وتنسيقه بعلامات الضبط والترقيم، وقد بذلتُ ما بوسعي في ذلك، مع كثرة الشواغل والأشغال، وتراكم الموانع والأعمال، وبحمد الله تعالى وإعانته تمّ لي ذلك، على وجهٍ أرجوا أن يكون مرضياً.
هذا وقد جرت العادة في التحقيق، على أن يضع المحقق مقدمة للكتاب تكون بمثابة نافذة على الكتاب، تعطي القارئ نظرةً شاملة، وإلمامةً عاجلة، بمحتوى الكتاب، فيترجم لمؤلفه، ويبين منهجه في التأليف، وخطته في إبراز الكتاب وتحقيقه.
ونظراً إلى أن كتاب لوامع الأنوار قد قدم له السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، والسيد العلامة/ محمد رضا الحسيني الجلالي، وقد استوفيا في مقدمتيهما الكلام في هذا الشأن، ولم يتركا مجالاً فيه لمن بعدهما، فقد وضعتُ هذه المقدمة القصيرة، جرياً على العادة، وبياناً لما يلزم بيانه.
فأقول وبالله التوفيق:
أما المؤلف(ع) فهو أعرف من المعرفة، وأشهر من نار على علم، لدى الخاص والعام، فمن المستدرك عليّ وعلى غيري أن أتصدى للتعريف به.
وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
مع أن وجود هذا الكتاب بين يدي القارئ، يوقفه على علم من أعلام الدين الرباني، وإمام في التحقيق، وفريد في التدقيق، ذي باع طويل في شتى علوم الدين والمعرفة، ودراية ومهارة في تنسيق المعاني، وصياغة بديع الكلام.
هو البحر من أي الجهات أتيته
ومن أراد التوسّع في معرفته، فعليه بترجمته، التي كتبها تلميذه الوفي، السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، المطبوعة في نهاية كتاب المؤلِّف - أيده الله تعالى - التحف الفاطمية شرح الزلف الإمامية، وليطّع على ما قاله العلماء في مرجعهم وحجة عصرهم.
منهج المؤلف في الكتاب
ذكر المؤلّف أيده الله تعالى أنه سيسلك النمط الوسيط، المجانب لجانبي الإفراط والتفريط، فقد سلك - أيده الله تعالى - طريقة آبائه الكرام - عليهم السلام - في تأليفه، حيث أتى به في سهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، ونراه يوجز تارة، ويطنب أخرى، حسب ما يقتضيه المقام، إضافة إلى استخدامه لأنواع البديع والبيان، بكثرة وإتقان، مع توشيحه للنص بالاقتباس من آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صَلّى الله عَليه وآله وسَلّم، وضرب الأمثال نثراً وشعراً.
وقد استخدم بعض الرموز للاختصار، مثل:
(ح)، تحويل، ومعناه الرجوع إلأى طريق أخرى في السند.
(رجع)، ومعناه العودة إلى كلام كان قد شرع فيه، واعترضه بكلام.
عملي في تحقيق الكتاب
أولاً: قابلتُ نصّ الكتاب على مخطوطة السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي، ثم أكملتُ تصحيح نسختي على نسخة المؤلف المطبوعة المصححة، وأشرت إلى مواضع الإشكال، وسألتُ عنها المؤلف أيده الله تعالى، فإذا أكثرها نتيجة أخطاء مطبعية، فكتبتُ ما قد فسّره المؤلف في هوامش نسخته وبيّن أصلها، وتمّ الصف للطبعة الثانية على نسختي المصححة.
ثانياً: قابلتُ المصفوفة بنسختين وأصلحتُ ما فيها من الأخطاء.
ثالثاً: قطّعت النص إلى فقرات، والفقرات إلى جمل، حسب قواعد التحقيق.
رابعاً: وضعتُ عناوين للمباحث، واعتمدتُ على ما وضعه السيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي من الفهارس، مع تغيير فيها بزيادة كلمة أو نقص أخرى، أوتقديم أو تأخير، أو زيادة عنوان أو حذفه.
خامساً: وضعت أرقام صفحات الطبعة الأولى بين خطين مائلين، هكذا / /، مثلاً: /234
: نهاية الصفحة 234، ليسهل الرجوع إليها.
سادساً: وضعتُ التفسيرات والتنبيهات في الهامش أسفل الصفحة، وعزيتُ ما هو من المؤلِّف إليه.
سابعاً: وضعتُ فهرساً للأحاديث، والأشعار، والأعلام، والكتب، ومباحث الكتاب.
ثامناً: اتبعتُ قواعد التحقيق المتعارف عليها، كالنقطة والفاصلتين الصغرى والمتوسطة، وغير ذلك.
وفي الختام، أسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه لكريم، وأن يرزقنا حراسة الأعمال من المحبطات، وأن يتقّبل منّا، وأن يطيل في عمر مولانا مؤلّف الكتاب - أيده الله تعالى - وأن يثبّتنا على نهجه، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وصلِّ وسلم على محمد وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
محمد بن علي عيسى الحذيفي
ليلة الجمعة، 5 رمضان 1421هـ
تقديم للسيد العلامة/ الحسن بن محمد الفيشي حفظه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد: فبين يَدَيْ هذا لوامع الأنوار، في جوامع العلوم والآثار، وتراجم أولي العلم والأنظار، الموسوعةُ الفريدة، والمجموعةُ الوحيدة، بأساسها المكين، وعمادها المتين، وحصنها الحصين، بفنِّها الجديد، ومغزاها الرشيد، ومَغْنمها الحميد.
بمستواها الفائق، ومحتواها الخارق، لأبكار الرقائق والدقائق، بوقفتها مع الدليل، وسلوكها مسلك التنزيل، وهداها لسواء السبيل، ببراعتها في التنقيب، ولباقتها في التهذيب، برقَّتها في الأسلوب، وسهولتها في الإيصال إلى المطلوب، فهي وجامعها كما قيل:
حِكَمٌ سحابتُها خلالَ بنانه .... هطّالةٌ وقَلِيْبُها من قَلْبهِ
كالروضِ مُؤتلقاً بحُمْرةِ نَورِهِ .... وبياضِ زَهْرَتِه وخُضْرة عُشْبِهِ
حَلَّلَتْ وأَبرمتْ، وأوجبتْ وسلبتْ، مع قوّة في الحبك، ومَهَارة في السبك، عقود منضودة، ودروع مسرودة، موادّها كتاب الله وسنة رسوله، وموضوعاتها تبيان الحق وجيله، حدودها تكشف عن تلك المعالم، ورسومها تزيل التشكيك فيها والمزاعم، رفعت المرتفع، ووضعت المتّضِع، ما بين تقريب وتبعيد، وتصويب وتصعيد، بمنطقها الجزْل، وحكمها العدْل.
لم تدع لذي الداء الدويّ نقاهةً ولا إبلالاً، ولا لألد الخصوم مُنْطَلَقاً ولا مجالاً، وقفتْ لهم بالمرصاد، ولذَعَتْهم بألسنةٍ حداد، رَمَتْهم بثالثة الأثافي، ونسفتْ آثارهم في الفيافي، صبّتْ عليهم حميم الانتقاد، وألزمتهم الاستسلام والإنقياد، رغم التمرّد والعناد، شعر:
إذا غَضِبَ الفحْلُ يوم الهياج .... فلا تعذلوه إذا ما هَدَرْ
غيره:
وما السمر عندي غير خطيّة القنا .... وماالبيض عندي غير بيض الّلهاذمِ
غيره:
في كلّ مَنْبَت شَعْرة مِنْ جِسْمه .... أسدٌ يمدّ إلى الفريسة مخلبا
قام خطيبُ أطيارها، على منابر أشجارها، فصدح بفصيح أنغامه، ونثر - على رؤوس أوليائه؛ وفِطَر أعدائه - بليغ سجعه، وبديع نظامه، شعر:
فَأَسْمعهم قَولاً ألذّ من المنا .... وأحلى من المَنّ المنَزّل والسلوى
مرامي أطرافها مروجٌ مُمْتِعات، ومسارح سرحها هضاب مُخْصِبات، وشوادي بلابلها هواتف جاذبات، شعر:
هذي الحمائمُ في منابر أَيْكها .... تُمْلي الهوى والطلّ يكتبُ في الورقْ
والقُضْبُ تخفضُ للسلام رؤُوسَها .... والزّهرُ يرفعُ زائريه على الحدَقْ
بنفسجها يريح الأرواح، وشقائقها مراهم تُدْملُ الجراح، يا لها من رياض أَريضة، وجنان عريضة، شعر:
أيا حسنها روضةً قد غدا .... جنوني فنوناً بأفنانها
أتى الماءُ فيها على رَأْسِه .... لتقبيل أقدام أغصانها
تُنهِل وتُعِلّ، وتُسنِد وتُرسل، تُورِدُ وتُصْدِر، وتُحلي وتمِرّ، ناهيك منها بمثيرٍ للخبايا، كاشفٍ لما في الحنايا والزوايا، فاتحٍ للبراعم، كاشفٍ لوجوه التمائم، جالٍ لصداها عن الصادح والباغم.
وكيف لا تكون كذلك ومُبْدعها مَنْ لا يُشقّ له غبار، ولا يُوقف له على عثار، ولا تُطْمس منه آثار، ولا تُعكس مقدّماتُه وأخبارُه، ولا يَجْزُرُ تيّارُه وإنْ تظاهر مَعَ عدوّه أنصارُه.
مولانا وشيخنا، الإمام الحافظ الحجة الحلاحل، والسابق المجلي على السُّبَّاق الأماثل، أبوالحسنين الأمجد، مجد الدين بن محمد، بيّضَ الله غرّته، وأجزلَ في الدارين كرامته وتحفته.
فحي هلا أخي إلى مائدة الحكمة المتنوّعة، وملاك الذخائر النفيسات الرائعة، فقد صارت نصب عينيك، وفي متناول يديك، بعد أن كانت هنا وهناك، لا تخضع لطابع هذا الأسلوب، وبعضها في سِرّ أسرار الغيوب، والعَدَمِ المحجوب.
فتصدّى لها بجهود جهيدة، في مدّة مديدة، واستخرجها من أمّهاتها، وأصلحَ منها ما كان قد أخذ منه الزمن، وجلا الصدى عن وجهها المُسْتَحْسن الحسن، مع ما ضمّ إليها من روافدها، شعر:
ذُكِرَتْ فصغّرها العذولُ جَهَالَةً .... حتى بَدَتْ للناظرين فكبَّرا
ومصداق هذا ما قاله المؤلف حين قال: (فهذا المجموع المبارك - إن شاء الله تعالى - خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً في هذا الباب وغيره، سوى ما منّ الله تعالى بجمعه وتحصيل نفعه، مما لم يكن مزبوراً في كتاب، وليس مختصاً بجمع الأسانيد؛ بل يتضمن إن شاء الله فوائد وفرائد من أنواع من الفنون، تقرّ بها العيون، ويرتاح لها الراغبون).
وقد رَكّزَها المؤلف على أحد عشر فصلاً: قال:
الفصل الأول: اعلم ـ أيدنا الله وإياك بتأييده، وأمدنا بمواد لطفه وتسديده ـ أن من أقدم ما يتحتَّم، وأهم ما يتعين، على الناظر في كتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ذوي الألباب عرفانُ الحقّ والمحقّين، المشار إليهم بقوله عزّ وجل: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [التوبة]، لما يتوقف عليه من رواية السنة الشريفة، وتفسير الكتاب، ولتولّيهم واتباع سبيلهم، المأخوذَيْن على كافّة المكلّفين بقواطع الأدلة، وإجماع جميع المختلفين.
ثم ساق حتى قال: وقد أقام الله جلّ جلاله حجَجَة على هذه الأمة كما أقامها على الأمم؛ فكان مما أوجب عليهم وحتم، وأمرهم به وألزم، وافترضه عليهم وحكم، في محكم كتابه الأكبر، وعلى لسان رسوله سيد البشر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المأخوذ ميثاقه في منزلات السور: الاعتصام بحبله، والاستمساك بعترة نبيه وآل رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الهادين إلى سبيله، الحاملين لتنزيله، الحافظين لقيله، العاملين بمحكمه وتأويله، ومجمله وتفصيله.
الذين سيّدهم ومقدّمهم وإمامهم، ولي المؤمنين، ومولى المسلمين، سيد الأوصياء، وإمام الأولياء، وأخو خاتم الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقد أعلى الله شأنهم، وأعلن برهانهم، بما شهد به كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما أجمعت عليه الأمة على اختلاف أهوائها، وافتراق آرائها، فخُرِّج في دواوين الإسلام، وعلم به الخاص والعام، ولزمت به الحجة جميعَ الأنام.
ثم ساق في موضوع أدلة وجوب الاستمساك بالعترة المتواتر من الأحاديث والمشهور ونحوهما، كحديث الغدير والثقلين، وأخبار المهدي المنتظر، وأخبار النجوم، وبيّن الآل، وخبر: لا يؤمن عبد، وخبر براءة، وآية المباهلة، وتفسير: أولي القربى، وأحاديث حبّ علي، وأخبار السفينة، وأخبار الولاية، وأخبار المنزلة، وفتح خيبر، وأخبار الراية، وأخبار الإنذار، وأخبار المؤاخاة، وسدّ الأبواب؛ وغيرهنّ مما ورد في العترة عموماً أو خصوصاً.
ليبين بذلك أن العترة هم المحقون؛ لأنهم الثقل الأصغر، وأحد الخليفتين لرسول الله في أمته، وأما الحق فهو الثقل الأكبر: كتاب الله، وما إليه من السنة والإجماع، وما سيذكره في الفصل الرابع في إسناده لمذاهب العترة.
ولقد وُفِّقَ فيما قال، وأجاد في الاستدلال، ثم ألقى عصى الترحال، وانتقل إلى الفصل الثاني حيث قال:
الفصل الثاني: في بيان ما عليه المفارقون لأهل بيت النبوة من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة واطراح عظيم الحرمة، لما ألزم الله عز وجل من البيان في محكم القرآن بأمثال قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].
حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقّين والمشاقّين، وأعمال الموافقين والمفارقين.
ثم ساق في بيان أحوال وأعمال المشاقّين والمفارقين من تعديل مَنْ عدَّلوا من الناكثين والقاسطين والمارقين، وموالاتهم لهم، وإساءة الذهبي وشيخه ابن تيمية، وأفضى إلى الكلام على البخاري ومسلم وكتابيهما، ومن تُكلِّم فيه من رجال البخاري، وإلى الكلام على الشيعة والنسائي، وإقرار الحفاظ أنه لم يصح لمعاوية فضيلة.
والكلام على النصب والرفض، وذكر بعض أعلام الصحابة المفضِّلِين لعلي أمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ.
ثم إلى الكلام على القدرية، والأخبار في ذمهم هم والمرجئة، ثم تعقّب ذلك الخوض في القضاء والقدر، وفي مسائل أخرى من أصول الدين، ثم خرج إلى الفصل الثالث الذي قال فيه:
الفصل الثالث: في إيراد لُمَع من نصوص كلمات من اتصل بهم سندنا من الأئمة السابقين، ثم من بعدهم من العلماء العاملين، ورَسْم أسمائهم الشريفة حسب تحريرهم للتبرك بذكرهم، والاقتداء بآثارهم، وكون من سبقهم قد جُمِعت محرراتُهم، وهؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الكرام لا جامع لما حرروه، ولا مقيّد لما زبروه، وإنما هي مفرّقة قد كادت تذهب بها أيدي الضياع، وقد نشير في هذا الفصل إلى تعيين بعض ما أخذه العالم عمّن قبله إلى آخر ذلك، انتهى.
ثم استرسل في نشر وتحرير إجازات لجده الإمام الأعظم المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي من الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم، ومن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، ومن إمام العلوم الحافظ محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي.
ثم أتبع ذلك بتحرير وزبر الإجازة من الإمام المهدي محمد بن القاسم المذكور أولاً للسادة العلماء: حسين بن محمد الحوثي، ولأولاده الأربعة وهم: يوسف بن الإمام، ومحمد بن الإمام، والقاسم بن الإمام، وإبراهيم بن الإمام، ولسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع ما ذكر بتحرير وزبر إجازة من الإمام المهدي المذكور للسادة العلماء: عبدالله بن يحيى العجري، وعبدالله بن عبدالله العنثري، وعبد الكريم بن عبدالله العنثري، ومحمد بن إبراهيم بن حورية.
ثم أتبع كلما ذكر بزبر الإجازة من إمام العلوم الحافظ أحمد بن محمد الكبسي لسيدي العلامة محمد بن منصور ـ والد المؤلف ـ.
ثم أتبع بتحرير موضوع من كتاب الإحازة للعلامة عبدالله بن علي الغالبي، ثم عقّب بتحرير إجازة من السيد العلامة علي بن يحيى العجري للسيد العلامة عبدالله بن يحيى العجري، ثم حرر بعد ذلك إجازة من العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي لسيدي العلامة محمد بن منصور المؤيدي والد المؤلف، ثم ختم ما ذُكر بتحرير إجازة له ولأعيان علماء عصره من والده.
ثم ذكر المؤلف شيئاً من مسموعاته، وسنداً من عنده، وهذه الطبقة المذكورة من العلماء تأخر بهم الزمان عن زمان محرري الإجازات والتراجم، فرأى المؤلف فَرْضيَّة التسجيل لإجازاتهم إلحاقاً لهم بسلفهم في هذا الموضوع ـ جزاه الله خيراً ورضي عنه وعنهم، وألحقنا بهم صالحين ـ.
ثم قال: الفصل الرابع: في الإسناد إلى مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جملة، وفي ذكره هنا على هذا الوجه الإجمالي فوائد جمّة، منها: تقديم الإفادة بتسلسل الرواية عن قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، وأشياعهم الذين هم أكرم قبيل.
ومنها: الابتداء بتعريف طبقاتهم، وتوضيح مراتبهم ودرجاتهم، ومنها: إمكان الإحالة على هذه الأسانيد المباركة فيما يأتي من التفصيل.
ثم ساق إلى أن قال: أروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأصول عقائدهم ودياناتهم في العدل والتوحيد والوعد والوعيد، والنبوات والإمامات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقههم، وأحاديث الأحكام من سنة جدهم سيد الأنام؛ عن والدي وشيخي، ورفع السند إلى أن ختمه بقوله: عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ عن الرسول الأمين، صفوة الله رب العالمين، خاتم النبيين، محمد بن عبدالله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين؛ فهذه السلسلة النبوية، الهادية المهدية، من العترة الطاهرة، نجوم الدنيا وشموس الآخرة.
سلسلةٌ من ذهبٍ .... منوطةٌ بالشهبِ
ونسبةٌ ترددتْ .... بين وصيّ ونبي
سبحان من طهَّرها .... عن سائبات النسبِ
من استمسك بهم فقد استمسك بقوي الأسباب، وهُدي إلى منهج السنة والكتاب، هم العروة الوثقى، وهم معدن التقى،
وخير جبال العالمين وثيقها
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21)} [الحديد].
نعم، وهذا السند الشريف من بعد الإمام القاسم بن محمد، منه ما هو متصل ومنه ما هو بواسطة، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله: بطرقه، انتهى.
وقد أتبع بمكتوب من جده الإمام المهدي إلى المدينة المنورة في سنة 1034هـ.
ثم قال: الفصل الخامس: في تفصيل المختار من رواة العلوم والآثار، ولنقدّم الطرقات إلى مؤلفات آل الرسول، قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، على جدهم وعليهم أفضل الصلوات والتسليم، والتكريم والتبجيل، وأولاها تقديماً وتشريفاً، وأولها تقدماً وتأليفاً، مؤلفات إمام آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، فاتح باب الجهاد والاجتهاد، ومقيم حجة الله في الأرض على العباد، الولي بن الولي، الطاهر الزكي، الهادي المهدي، أمير المؤمنين، المبشِّر به جدّهُ الرسول الأمين، أبي الحسين الإمام الأعظم زيد بن علي..إلى آخر ذلك.
ثم أتى بسنده إلى مؤلَّفي الإمام زيد، مجموعَيْه: الحديثي، والفقهي؛ ثم عقبه بتراجم، ثم احتجاج أعلام الأئمة برواية أبي خالد، وبتلقي المجموع بالقبول.
ثم بصفة الرسول الأعظم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم بسنده لأمالي أحمد بن عيسى، ثم بذكر وتراجم لبعض الأعلام.
ثم بسند جامع لمؤلفات إمام اليمن الهادي إلى الحق، ومؤلفات إمام الجيل والديلم الناصر للحق، ومؤلفات أئمة العراق: المؤيد بالله، والناطق بالحق، وغيرهما.
ثم بالكلام والإسناد لكتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وكتاب الإحاطة للموفق بالله؛ ثم بالسند لأمالي المرشد بالله، وكتاب الأنوار.
ثم أتبعه بالكلام حول الجامع الكافي وحول الزيادات فيه، ثم السند لكتاب التأذين بحي على خير العمل، ثم بالكلام حول نهج البلاغة مع سنده، والكلام حول شروحه، ثم السند لصحيفة علي بن موسى، وكتاب أنساب الطالبية، وسلسلة الإبريز، ثم الكلام حول الشافي وسنده، ثم حول أنوار اليقين وسندها، وشفاء الأوام وسنده.
ثم انتقل إلى الفصل السادس، في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق، قال: اعلم ـ أيدنا الله وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك قد اشتمل فيما مضى وفيما يأتي إن شاء الله على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهمّ، من الأسانيد الصحيحة، الجامعة لمؤلّفات أئمة العترة ونجوم علمائهم وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبق إليه، ومنوال لم يُنْسَج عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك من غرر الفوائد، ودرر الفرائد...إلى آخره.
ثم ذكر فيه الاجتماع التاريخي العظيم، وترجمة الحاكم الجشمي، والسند إلى مؤلفاته، وترجمة للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام، وإشارة إلى السند إلى مؤلفاته، وإسحاق بن أحمد بن عبدالباعث، والحسن الرصاص، وعبدالله بن زيد العنسي، وعلي بن حميد، وذِكْر مؤلفاتهم والسند إليها.
وذكر الإمام المعتضد وقصيدة له، والسيد حميدان، والإمام يحيى بن حمزة، وحول الزهراء ـ عليها السلام ـ والإسناد إلى كتاب الروضة والغدير، وطرق إسناد شرح القاضي زيد، وترجمة السيد يحيى بن الحسين صاحب الياقوتة وما إليها، والإسناد إلى مؤلفاته...إلى غير هؤلاء من الأعلام.
ثم معنى الصحيح عند أهل البيت، وعَدَد أحاديث بخاري ومسلم، وأسباب الاختلاف بين العترة، وتقديم رواية أهل البيت، وقصائد للهادي بن إبراهيم الوزير، وبحث عظيم في صفات رب العالمين، وقصيدة الواثق.
والكلام حول عابد اليمن القاضي إبراهيم الكينعي، وحول فضائل للأئمة ـ عليهم السلام، ثم حول تراجم لبعض الأئمة، والأسانيد إلى الإمام عز الدين، ونفي الذوات في العدم، وحجيّة قول أمير المؤمنين ـ كرم الله وجه ـ ومعاوية بين الصحبة والاجتهاد، وترجمة لصارم الدين، والأدلة على أن السبطين وأبناءهما أبناء رسول الله.
ثم نبذة يسيرة عن كتاب الفلك الدوار، وتفسير القرآن عن الزيدية، والحديث في ميزان الزيدية وأهل البيت، والدولتان الأموية والعباسية، والشيعة، وكتب الحديث.
كما قال في الفصل السابع، في الكلام على أطراف من علوم الحديث: ولنتكلم قبل الشروع في المقصود على مقدمتين وخاتمة؛ المقدمة الأولى: في تعيين الأمهات الموعود بالجمع بينها من كتب العترة والمحدثين، والطريق إليها.
ثم قال: المقدمة الثانية: فيما لا يسع طالب الحديث جهله من علومه، واصطلاحات أهله، وبيان مذهبنا فيه، مع زيادات فوائد وقواعد يحتاج إليها الشيعي العدلي، ويناضل بها الخصوم في المقام الجَدَلي.
ثم الطريق إلى الكتب الستة وتعدادها، وحول مؤلف جامع الأصول، ومدخل إلى علوم الحديث، وتعريف الصحيح، وانتقاد على المحدّثين، وبحث في صحة كتابي بخاري ومسلم، والكلام حول ذلك، ونبذة من علوم الحديث، ومجهول العدالة والضبط.
واعتراف محمد بن إبراهيم الوزير بتضعف أصول أهل الحديث، والكلام على أبي موسى الأشعري، وإشارة إلى أدلة على وجوب الموالاة والمعاداة..إلى غير ما ذكر.
ثم ارتحل فقال: الفصل الثامن، في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة، ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة، وهي تقابل السنة، التي هي: الطريقة المحمدية ـ على صاحبها صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول..إلى آخر ما قال.
ثم أعقب بذكر جماعة من النواصب، وعدد من تُكلِّم فيهم، والمجاهيل في البخاري، ومن أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم، والعكس.
ثم طُرُق خبر الطير، وذكر خبر العشر الفضائل في أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ وخبر عن أبي بكر في تفضيل أمير المؤمنين علي، وخبر الجواز، وقصة الحسين مع الشيخين، وتهنئة أبي بكر وعمل لعلي (ع) بالولاية، وخبر: ((لأبعثن عليكم رجلاً مني))..إلى غير ذلك.
ثم قال: الفصل التاسع: في جوامع من معاني هذه الأخبار الشريفة، التي هي من أعلام النبوة، وهي معلومة قد روتها طوائف الأمة، بألفاظ وروايات مترادفة ومختلفة، مطوّلة ومقصّرة، كأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة..إلى آخر ما قاله.
في مضمون هذا الفصل أخبارُ من تولاّه فقد تولاّني، وخبر المحاربة واختلاف أحكام أهل الكفر، وبحث أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين، وأخبار قاضية لأمير المؤمنين بالسيادة والخيرية.
وبحث في الأدلة على إمامة الحسنين، وعلى أن أولادهما أحق بالإمامة، والتخيير لعلي ـ عليه السلام ـ بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتّم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين.
وكلام المحدّثين وأهل السير في امتناع علي ـ عليه السلام ـ عن البيعة، والمتخلّفون عن بيعة أبي بكر، وتواصي الخصوم على ترك البحث عن معنى النصوص، ورميهم لمن يبحث عنها بالرفض، والإقرار بتواتر أخبار الحوض، وانقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام، وانقسام المخالفين من العرب أيام الردة، وبحث في الإمامة..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل العاشر: في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة..إلى آخر ما قال.
ثم كلام أمير المؤمنين في بيان أهل السنة والبدعة، وأهل الجماعة والفرقة، والكلام على جعلهم السنة مكان العترة، وأخبار في العترة، وأخبار في الشفاعة، وفريقا الرفض والنصب، وتشبيه علي بجماعة من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ، واختلاف معاملة الكفار، وطريق جامعة لطبقات الزيدية، وغيرها من الأسانيد..إلى غير ما ذُكر.
ثم قال: الفصل الحادي عشر: اللاحق بلوامع الأنوار، والمقصد منه الأهم ذكر أعلام العترة الأطهار، وكرام العصابة الأبرار، الذي عليهم في باب الرواية معظم المدار، والمبحوث عنه أولاً وبالذات الرواة الثقات في أصل أسانيد أئمتنا السابقين، ومَنْ بيننا وبين المؤلفين؛ فإنْ ذُكِر غيرهم لغرض فبالعَرَض.
ثم عقّب هذا بتراجم لمن ذكره، في المبتدأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ـ وآخرهم أبان بن تغلب.
أخي المطَّلع، قد كشفتُ لكَ أكثر الموضوعات، وأشرتُ إلى بعض جواهر اللوامع النفيسات، ولمثلها فليتنافس المتنافسون، ويتسابق المتسابقون.
ولو تدري ما قد لقي المؤلِّفُ في سبيل جمعها وتصحيحها، وما أنفق من عمره النفيس في لمِّ نَشْرِها وتَصْفيتها؛ لخصَّصتَ له جزءاً من راتب الابتهال، إلى ذي الكمال والجلال، أنْ يختم له بالسعادة، ويجزيه بالحسنى وزيادة، خلَّد الله ذكره، وأعظمَ أجره، وألحقه بسلفه المطهرين، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)} [القصص]، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله المعظَّمين.
حسن بن محمد الفيشي
وحرر: 17/ صفر / من سنة 1422هـ
تقديم للسيد العلامة/ محمد رضا الحسيني الجلالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، وعلى شيعتهم الأبرار الصالحين، ما بقي الليل والنهار من الآن إلى يوم الدين.
وبعد:
فإني أرى التقديم لهذا الكتاب الكبير، يقتضي من الجهد والوقت الشيء الكثير، كي يكون وافياً، ومؤدياً للحق الذي يجب، ولا أملك ـ في ظروفي الخاصة ـ مثل ذلك، إلا أن النزول عند رغبة الإخوان أوجب الاقتصار على هذه العجالة، حتى لا أكون مخلاً بهذا الحق، وإن لم أدرك أداء الأول بالشكل التام.
فأقول ـ مستعيناً بالله ذي الجلال والإكرام ـ:
هذا الكتاب:
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا (لوامع الأنوار) هو واحد من تلك الكتب التوثيقية المؤدية لهذا الدور العظيم.
وقد جاء طبع هذا (الكتاب) في هذه الفترة بالذات (أجلاً) محتوماً لتلك الدعوات الباطلة ضد التراث الإسلامي. /3
فهذا الكتاب: يمثل واحداً من جهود العلماء في سبيل تحصيل العلم والمعرفة، وتوصيل حلقاتها بأوثق العرى، مدى القرون.
ويمثل الحرص والولع الدؤوب والمواظبة التي يبذلها العلماء في سبيل العلم، ونقله وضبطه، والتأكد من سلامته.
ويمثل مدى حرية الفكر في المجال العلمي عند العلماء، واعتمادهم الدليل والبرهان والمنطق، واتباعهم الحجة في الرأي.
ويمثل ضخامة التراث الاسلامي، وسعة أطرافه واتساع المجال الذي يبحث عنه، ويحقق فيه من موضوعات المعرفة البشرية.
وبه وبأمثاله، يمكن أن تتم الحجة على الجهلة بهذا التراث، وتلقم تلك الأفواه التي تنعق بالشبه والتشكيكات المثارة من قبل أعداء الدين، والعلم، والمعرفة الإسلامية ومصادرها.
ثم إن أفضل دور يقوم به هذا الكتاب هو الدفاع عن (الحق) الذي تغافل عن إعلانه ـ بل ذكره ـ كثير من أصحاب العلم والقلم والرأي في التاريخ!
بل سعى بعضهم في هجره وإخماد نوره وإطفائه، وهو: (تراث أهل البيت النبوي الطاهر) الذين كانوا منذ صدر الإسلام ـ وعلى طول خط تاريخه، ومدى القرون الخمسة عشر، وحتى اليوم ـ في طليعة المدافعين عن الإسلام في عقيدته، وفقهه، وكل معارفه.
وهم حاملوا رايته، والمناضلون الشجعان عن قدسيته، مع أن النبي الأكرم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والقرآن العظيم أكدا في كثير من نصوصهما، وبمختلف البيانات الصريحة، والإشارات البليغة، على تقديس أهل البيت وأولي القربى، وطهارتهم.
وجعلهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ (الخلفاء) له مع القرآن، وأنهما المصدران /4
الأساسيان للمعرفة عند المسلمين ـ بعد الرسول ـ يجب الأخذ منهما واتباعهما، وعدم التفرق عنهما، وذلك في حديث (الثقلين) كتاب الله وعترة الرسول.
رغم ذلك، فإن التغافل عن حق أهل البيت، ودورهم، ودور تراثهم، ليس كاشفاً إلا عن انحراف قديم، وتقصير متعمد تجاه مصادر المعرفة الإسلامية.
فهذا الكتاب (لوامع الأنوار) قد تحدث في مقاطع عديدة منه عن هذا الحق المهدور، المتغافل عنه، وقام بالاستدلال المحكم لإثباته، ولزوم الرجوع إليه واعتماده أصلاً من أقوى أصول المعارف الإسلامية الحقة، ومن أقوى روافدها الثروة الغنية، عملاً بوصية الرسول الأكرم، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
ويكفي هذا الكتاب، وما احتوى عليه من التراث الضخم، دليلاً على ما مني به المبتدعون عن أهل البيت من الحرمان، ومدى ما اجترمه المهملون لهذا التراث!
هذا، والسيد المؤلف إنما يتحدث عن تراث أهل البيت في الأوساط الزيدية، فإذا أضيف إليه تراثهم الزاخر في المذهب الإمامي الإثنى عشري، وهو يربو على عشرات الآلاف فإن ذلك الحرمان والجريمة يكونان أعمق وأكبر.
تحديد أغراض الكتاب:
ذكر السيد المؤلف ـ دام مجده ـ أنه ألف هذا الكتاب على أساس التماس جمع ـ من طلاب العلم ـ (أن يوصل سندهم بسنده، ويصحح لهم في طرق الرواية معتمدة، ويوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها /5
كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإحرام).
ويتواضع في حديثه ـ على عادة العلماء الكرام ـ فيقول: (فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع، لما ورد في السنة والقرآن من تحتم التبليغ والبيان، والوعيد الشديد على الكتمان).
ويؤكد أسباب تأليفه، فيقول: (ولما شاهدت تقاعد الهمم، وانحلال العزائم، وانهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخبر والخبر... وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، من الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لا سيما في هذه الأعصار: حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة).
وهذا تصوير حي لما توصلت إليه الأمة من حالات التردي في الجهل بتراثها، والبعد عن معارفها، ومصادر الثروة الغنية الموثوقة، بحيث تجرأ أدعياء الفكر الجديد، والعقل الجديد، والوعي العربي الحديث على التهجم على الإسلام وأدواته المعرفية!
فهذا الكتاب هو رد علمي على هذه الشرذمة المستأجرة للغرب، ونزعاتهم.
بينما هو أداة لتوعية الأمة، وإرشادها إلى ما في حوزتهم ومتناول أيديهم من ذخائر الفكر والتراث العظيمة، التي تمكن الآباء بها من العيش في الحياة بسلام في عالم الأمس، ومن أجل ذلك استهدفه الغربيون وعملاؤهم في عالم اليوم.
ثم إن وصية السيد المؤلف بضبط الكتاب والتأكد من صحته، مما يؤكد ما ذكرناه من الوثوق بمصادر المعرفة الإسلامية، ويركز هذا /6
الغرض، حيث يقول:
(وإني أوصي، وآخذ على كل من نقل كتاب التحف، وهذا المؤلَّف ـ إن شاء الله ـ أن يتحرى في التصحيح والمقابلة، فقد أبلغت الوسع في طلب الصحة، ولم أرسم شيئاً ـ بحمد الله ـ إلا على دقة وتحقيق ووقوف على الأصول المأمونة المصونة....).
إن هذه الوصية ـ بحد ذاتها ـ تفند مزاعم أولئك الأقزام المشككين في التراث الإسلامي، ومصادر المعرفة على أساس من الإشكالات المزعومة في العربية من حيث اللغة، أو الخط، أو الضبط، التي قد تمنى بها هذه اللغة.
فإنما ينفذ مثل ذلك في سوق الجهلة البعداء عن هذه اللغة، وعن دينها، وعن تراثها، وعن مجالس العلم، ومصاحبة العلماء المحققين، أما العاملون بمثل هذه الوصية فهم في مأمن من كل ذلك.
محتوى الكتاب:
إن السيد المؤلف ـ دام مجده ـ لكونه من كبار العلماء وأعيانهم، وممن تربى في حجور العلم، وأحضان المعرفة، ولأنه من السادة الأشراف من العترة النبوية الطاهرة، قد يسر الله له الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية، بطريق أعلام الفكر من آبائه الكرام، وغيرهم من العلماء العظام، وبما مد الله له من العمر الطاهر في العقود التسعة الماضية، فهو أوثق عروة تربط عصرنا بأوائل القرن السابق، وإلى أعلى قمم المراتب الشامخة التي تصبو إليها نفوس /7
الطلاب للعلم.
هذا، مع ما يملكه من ملكات قدسية، في الإيمان والعمل، وفي مختلف أفنان العلم، وفي مكارم الخلق العظيم من الهمة والمجد والإخلاص والدقة.
فقد تميز بما لم يجتمع إلا للأفذاذ من الرجال، فتمكن لذلك من الإحاطة بأكثر المصادر الأساسية المتداولة في المجتمع العلمي الزيدي، والمعتمدة في تلك الحواضر المجيدة والبلاد السعيدة، وقد عكس صورة من ذلك في هذا الكتاب العظيم، فحق له أن يقول في مقدمته:
(فهذا المجموع المبارك خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً في هذا الباب وغيره، سوى ما من الله تعالى بجمعه وتحصيل نفعه مما لم يكن مزبوراً في كتاب، وليس مختصاً بجمع الأسانيد، وإنما هو مقصد من المقاصد، وفائدة من الفوائد...).
وقد احتوى الكتاب على كل ذلك ضمن فصول عشرة بالترتيب التالي:
الفصل الأول:
في المطلب الأهم، وهو إثبات حق أهل البيت عليهم السلام في الخلافة عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والمرجعية الدينية بعده؛ لأنهم قرناء القرآن في المصدرية للمعرفة الإسلامية حسب النصوص الكثيرة، فشرح السيد في هذا الفصل أبعاد ذلك الحق، وفصل الاستدلال عليه بإيراد النصوص وتأكيدها سنداً، وبيانها دلالة. /8
الفصل الثاني:
في مواقف المعارضين لهذا الحق، وتفنيد مزاعمهم، وذكر ما جنوه على الإسلام والمسلمين جراء ذلك، وهذا التجاسر على مصادر المعرفة واحد من ذلك.
الفصل الثالث:
في بيان أساليب العلماء وجهودهم في توصيل حلقات التحصيل، وذكر آرائهم في هذا المجال.
الفصل الرابع:
في مجمل طرق المؤلف إلى مذاهب أهل البيت عليهم السلام.
الفصل الخامس:
في تفصيل تلك الطرق، وذكر مؤلفي الكتب والمصادر، وخاصة الأئمة من العترة.
الفصل السادس:
في أسانيد بقية الكتب، وذكر مؤلفيها.
الفصل السابع:
في طرق السيد صارم الدين من أوسع المؤلفين عن أصحاب التراجم، وفي هذا الفصل بحث واسع عن أقسام الحديث الشريف وأنواعه، وهو بحث توثيقي قيم.
الفصل الثامن:
في تحقيق معنى السنة والبدعة.
الفصل التاسع:
في جوامع مما ورد في علي وذريته أصحاب الحق المهدور. /9
الفصل العاشر:
مميزات الكتاب:
ويمتاز هذا الكتاب بأمور:
1ـ اشتماله على فوائد مهمة، ومطالب نافعة، حول مختلف المواضيع التي تذكر في الأثناء.
2ـ اشتماله على تراجم كثير من الأعلام وذكر مواقفهم المجيدة للدفاع عن الحق.
3ـ تميزه باللغة الواضحة، والفصاحة والبلاغة، والبيان والبديع، مما يشد القارئ، ويجعله أكثر تفاعلاً واندفاعاً إلى متابعته، والاستفادة منه.
4ـ اعتماده على الإنصاف، والجدال بالحسنى، واعتماد البرهان والمنطق في استدلالاته.
هذا مضافاً إلى كونه من أجمع الكتب في مجال توثيق المصادر، وأوسعها في تعداد المؤلفات التراثية كما أشرنا إليه من قبل، وكل ذلك يدل وبوضوح على قدرة المؤلف الكبيرة على ما تصدى لتأليفه وتصنيفه، وتمكنه من علمه، ووثوقه بعمله، مما يرفع من قيمة الكتاب.
أما المؤلف:
فأظن أن من المستدرك التصدي للتعريف به، بعد ما ذكرناه، وبعد وجود هذا الكتاب أمام القارئ، وهو سيقف من خلاله على عملاق من عمالقة الفكر الإنساني، وبطل من أبطال المعرفة الإسلامية، وإمام في التحقيق، وجامع للمنقول، ومتضلع في المعقول، وحافظ لآيات القرآن وتفسيره، وحاكم في السنة الشريفة سنداً ومتناً، ومتبلغ واسع /10
الأطراف، ذو باع طويل في الفقه، ومجتهد ضليع في الأحكام، ومالك لأزمة اللغة وتصريف الكلام، وأديب ماهر في البلاغة والفصاحة، تنساق المعاني طوعاً لبيانه، فيصوغها في بديع ألفاظه وكلماته.
إلى جانب تواضع فذ، ووعظ نافذ، وتحرق على الحق وأهله، ومما يجد من التحريف عند المعاندين، والانحراف عن سنن الدين وإلى هدف الإصلاح الذي يتابع به خطواته وحركاته عندما يحاور المخالفين، ويحاول إرشاد قارئيه.
فهو بكل ذلك يمثل بحق (الأئمة الهداة من أهل البيت) الذين أمر الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بهم، وجعل الهداية عندهم، والضلالة في مخالفتهم ومفارقتهم، والتخلف عنهم، ومن أراد التوسع في معرفة ترجمته، فعليه بما كتبه تلميذه الوفي الأديب العلامة حسن بن محمد الفيشي حفظه الله، فإنه استوفى ذلك بشكل كامل، وهي مطبوعة في نهاية (التحف شرح الزلف).
صلتي بالمؤلف والكتاب:
لقد تعرفت على شخصية السيد المؤلف ـ دام مجده ـ سنة (1394هـ) من خلال معرفتي بأحد تلامذته الكرام ممن زار النجف الأشرف، حيث كنت ساكناً للتحصيل العلمي، فطلبت منه أن يوصل رسالة مني إلى سماحة السيد، وقد استجزته فيها، فأجازني بالجامعة المهمة لأسانيد الأئمة، التي هي مختصر من الفصل الخامس من هذا الكتاب (لوامع الأنوار).
وبعد سفري إلى قم واتخاذها دار هجرة لي انقطعت صلاتنا إلى أن اتصل بي أحد الطلبة اليمانيين المهاجرين إلى قم للدراسة، فوقفت /11
على أحوال السيد ومؤلّفاته، وفي هذه الأيام زارني بعض السادة من أحبة السيد، فأطلعني على هذا الكتاب القيّم، وطلب مني أن أقدم له، وأعرّف بموضوعه، وبمكانته التراثية والعلمية، وبموقعه في المكتبة الإسلامية.
فوفقني الله لمطالعة الكتاب، والاستزاده من علمه الزاخر، وقد استندتُ إلى مخطوطته في تأليفي كتاب (جهاد الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام).
ولا بد لي أن أقدّم جزيل الشكر إلى فضيلة العلامة السيد محمد قاسم الهاشمي الذي هيأ لي هذه الفرصة.
والحمد لله كثيراً على توفيقه لي لهذا العمل، وأسأله المزيد من فضله إنه ذو الجلال والإكرام، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، والشيعة الأبرار، وسلم تسليماً.
حرر في الثامن والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ألف وأربعمائة وأربع عشر للهجرة.
وكتب السيد: محمد رضا الحسيني الجلالي. /12
التقريض
[من تقريض كتاب لوامع الأنوار للسيد العلامة/ أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي]
بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وصلى اللَّه وسلم على سيدنا محمد وآله.
مما قاله المولى العلامة الفهامة، نبراس المحققين، ورأس أهل التقوى واليقين، البقيّة من الآل، والعمدة من أهل الفضل والكمال، خيرة الخيرة، والطاهر السريرة، من نجوم العترة المنيرة: أمير الدين بن الحسين بن محمد الحوثي الحسني، حفظه اللَّه ورضي اللَّه تعالى عنهم، من التقريض للوامع الأنوار[مالفظه]:
الحمد لله المفيض نعمه، العدل في قسمه، المعزّ من يشاء، المختص برحمته من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
سيدي العلامة، بقيّة أهل الاستقامة، نقطة بيكار بني الحسن، وترجمان علوم الآل في الزمن، ذي المجد الأثيل، والشرف الأصيل، ذي الأنظار الثاقبة، والمعارف الصائبة، مطهّر علوم الآل، عن دنس أولي الغيّ والضلال.
الفاطمي العلوي الأحمدي .... مجد الهدى والدين نجل محمدِ
نهدي إليك تحيةً محفوفةً .... بالخير والبركات أزكى ما بُدِي
سلام اللَّه يغشاكم ورحمة اللَّه وبركاته.
صدورها عن أحوال ـ بحمد اللَّه ـ صالحة، ومنن جسيمة، ونعمة مستديمة، نرجوا اللَّه لكم ذلك، وفوق ما هنالك.
...إلى أن قال: وقد فعلتُ تقريظاً ـ بحسب ضعف القريحة ـ للّوامع، صدر أسفل هذا، أحبّ وضعه على نسختكم، وكان المقام خليقاً بالبسط والإعظام، ولكن برد الشتاء يطفيء نار الفطنة، والكِبَر أقحل ناعم القريحة، فاعذروا؛ ولا زلتم في حماية اللَّه ورعايته، وحفظه وكلايته، مؤيدين مخلدين.. إلخ /9
هذا الكتاب مسوَّد لمسوَّدِ .... ومُجددٌ في فنه لمجدِّدِ
هذا الكتاب لوامعٌ أنواره .... وضياؤه كالشمس للمسترشدِ
فيه أسانيد العلوم تصحّحت .... وفوائد غرّاءُ قصد المهتدي
كم حاز من نكتٍ جليل قدرها .... لمؤلّف شهمٍ كريم المحتدِ
في همة قعساء تعلو المنتهى .... شادَ العلوم علوم آل محمّدِ
ببلاغةٍ وبراعةٍ وفطانةٍ .... لم لا وذاك سراج عترة أحمدِ
حامي علوم الآل قامَ بنصرها .... فأماطَ عنها دسَّ غاوٍ معتدِ
وكذاك لاينفك نجم طالع .... منهم لدين اللَّه أي مشيّدِ
فحباك مجدَالدين ربُّك فضله .... فز بالسلامة والكرامة في غد
فلقد أفدت وقد أجدت بما حوى .... هذا من الدر النفيس وعسجدِ
قُوْلا لمن يبغي الهدى وسبيله .... فعليك بالأنوار فابحث ترشدِ
تجد السبيل موضحاً وملخصاً .... عن كل شائبة ورأي مفندِ
محض الطريق طريق آل محمد .... هذا المرام وبغية المسترشدِ
ما الحق إلا نهجهم وسبيلهم .... ومخالفوهم في الضلال الأبعدِ
هم باب حطّة والسبيل إلى النجا .... وهم الصراط المستقيم له اقصدِ
مَنْ مال عن منهاجهم فلقد هوى .... من رام غير هداهمُ لم يهتدِ
قد جاءَ في الأخبار قولٌ صادق .... عن جدهم فيهم بما يشفي الصدي
إن كنتَ لم تعلم بصحة قولنا .... فلتبحث الأنوار بحثَ المجتدي
ثمّ الصلاة على النبي وآله .... القائمين بنصر دين محمدِ
نصحوا لدين اللَّه أي نصيحةٍ .... بتصلبٍ وتصبرٍ وتجلّدِ
أقلامهم وسيوفهم ورماحهم .... منصوبة للكائدين بمرصدِ
يتهالكون لنصر دين أبيهمُ .... لا ينثنون عن الجهام الأسودِ
ما زال أوّلهم إماماً هادياً .... ما انفك آخرهم بذاكم يقتدي /10
[مقدمة المؤلف]
[الديباجة]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
الحمد لله، الذي رفع درجات العلماء العاملين، وحفظ بهم نيرات حججه على العالمين، ووصلهم بمتواتر إفضاله، وغامر نواله، وأبلغهم من كرامته أعلا علّيين، وجعلهم لدينه أعلام الاقتداء، وأنوار الاهتداء، إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على نبيه الأكبر، ورسوله الأطهر، سيد البشر، الخاتم لما سبق من أنباء النبوة، والفاتح لما انغلق من أخبار الرسالة، المأخوذ ميثاقه على جميع الأمم؛ رحمته للعالمين، وحجته البالغة على الأولين والآخرين، ختام النبيين، وإمام المرسلين، أبي القاسم، محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم، وعلى أخيه ووصيه، وابن عمه ووليه ونجيه، وباب مدينة علمه، من يدور معه الحق والقرآن، المنزل منه تارة منزلة هارون من موسى (ع) وأخرى بمنزلة نفسه كما نطق به الفرقان، في آل عمران، ولي المؤمنين، بنص الكتاب المبين، ومولى المسلمين، بتبليغ خاتم المرسلين، من مهّد اللَّه بسيفه وعلمه قواعد الإسلام، وأورثه علم أنبيائه ورسله الكرام، أبي الأئمة الأطايب، والنجوم الثواقب، علي بن أبي طالب؛ وعلى آله عترته وورثته، خيرة اللَّه من ذؤابة إسماعيل، وحملة حجته من سلالة إبراهيم الخليل، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وأمان أهل الأرض من /11
العذاب، مصابيح الظُّلم، ومفاتيح البهم، وينابيع الحكم، المشهود بعصمة جماعتهم، وحجية إجماعهم، بآي التطهير والمودة، والأمر بالطاعة والشهادة، والاصطفاء والاعتصام، وأحاديث التمسك والسفينة والأمان، وأخبار الكساء، ومالا يحاط به كثرة، كتاباً وسنة، وما أصدق قول قائلهم:
ولهم فضائل لست أحصي عدها .... من رام عدّ الشهب لم تتعدد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثَقَلان للثَّقَلَين نص محمد
اصطفاهم اللَّه للقيام بالسنة والفرض، وإن رغمت أنوف أولي النصب والرفض، وارتضاهم لخلافة جدّهم في الأرض، إلى يوم العرض، ولله قائلهم:
وما إن زال أولنا نبيا .... ولا ينفك آخرنا إماما
يصلي كلُّ محتلم علينا .... إذا صلى ويتبعها السلاما
جعلنا اللَّه ممن استمسك بالعروة الوثقى، واعتصم بالحبل المتين الأقوى، واقتفى سوِيَّ مناهجهم، ومشى على سنن أدراجهم، وهو دينه القويم، وصراطه المستقيم، إنه هو السميع العليم؛ ورضوان اللَّه على الصحابة الأبرار، من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، على مرّ الأزمان.
[تخريج أحاديث كون العترة حماة للدين وأحاديث الحث على الولاية]
هذا، وإن اللَّه وله الحمد حرس معالم دينه بصفوة اختارهم، من حملة العلم، وخزنة الحكم، كما قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: فيما رواه الإمام الأعظم الزكي، أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين))، وهو مروي عند /12
المحدثين، وصححه أحمد بن حنبل.
ورواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) في الشافي، بلفظ: ((إن كل خلف من أهل بيتي عدول موكلون، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
قال في جواهر العقدين: وأخرج الملا ـ فذكر معناه بزيادة ـ ((ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللَّه عز وجل فانظروا بمن تفدون)).
وأخرج أحمد في المناقب، من حديث حميد بن عبد اللَّه بن يزيد، مرفوعاً: ((الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت)) انتهى.
واختص أهل بيت النبوة بالحظ الأوفر، والنصيب الأجزل الأكبر، لما أهلهم له من حماية سوح الدين، ورعاية سرح اليقين، فحباهم من أنوار الهداية بأوضحها وأبهجها، واجتباهم لدلالة العباد إلى سوِيِّ منهجها، فلا طريق إلى الدين الصحيح تخالف عن طريقهم، ولا سبيل إلى النجاة إلا ركوب سفينتهم والتمسك بفريقهم، وكفاهم شرفاً، ما نالهم من دعوات جدهم المصطفى، نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيما رواه الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى ابن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل (ع): ((اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي، وعقب عقبي، وزرعي وزرع زرعي)).
وروى الإمام المنصور بالله في الشافي، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (ع) قال: سمعتُ جدي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((من أحبّ أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتولّ علي بن أبي طالب، وذريته الطاهرين، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، من بعدي؛ فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة)) وأخرجه الباوردي وابن شاهين وابن مطين عن زياد بن مطرف؛ قال برهان الدين في أسنى المطالب: /13
وأبو بكر بن مردويه .
وروى الإمام المرشد بالله (ع) أيضاً بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياءه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم اللَّه علمي وفهمي، وهم عترتي، خُلقوا من لحمي ودمي؛ إلى اللَّه أشكو من ظالمهم، والله لتقتلنهم أمتي، لاأنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي))، ورواه عنه أيضاً الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي.
ولفظ الخبر من رواية العامة ـ ما أخرجه الأسيوطي في الجامع الكبير: روى أبو نعيم في الحلية، والرافعي، عن ابن عباس: ((من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي وعدني ربي، فليتول علياً وليتول وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي؛ فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم اللَّه عز وجل شفاعتي)).
ورواه الكنجي والطبراني، عن ابن عباس، بلفظ: ((وليقتدِ بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، صاحب إمام الأئمة الهادي إلى الحق، عن محمد بن علي (ع) بلفظ: ((والأخيار من ذريتي)).
ورواه أيضاً، عن عمران بن الحصين، بلفظ: ((فليحب علياً وذريته فإنهم لن يخرجوكم...)) إلخ.
[تخريج أحاديث في الاقتداء بالوصي وولده]
وفي معناه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحبّ أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده))، رواه الحاكم الحُسكان ي، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقوله: ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإسلام، ولياً من أهل بيتي موكلاً، يذب عنه، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على اللَّه))؛ رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في أماليه، بسنده إلى جعفر الصادق بن محمد الباقر، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) /14
قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: الخبر.
ورواه السيوطي، عن أبي نعيم في الحلية، وأبي نصر السجزي في الآباء، بلفظ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام وأهله ولياً صالحاً، يذب عنه ويتكلم بعلاماته)).
وغير ذلك في هذا المعنى وغيره جم غفير، وجمع كثير، والوامض اليسير، يدل على النوِّ المطير؛ ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، ذلك هو الفضل الكبير، فلم يزالوا يتلقونه خلفاً عن سلف، متصلاً ذلك المدد، إلى آخر الأمد، كما في أخبار الثقلين، وإن عند كل بدعة، والنجوم، وسواها مما هو معلوم.
قال الوصي في وصفهم: (بهم يدفع اللَّه عن حججه، حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم)، إلى آخر كلامه، عليه أزكى صلوات اللَّه وسلامه.
[كلام المؤلف في بيان الحامل له على التأليف]
وبعد، فيقول عبد اللَّه وابن عبديه، المفتقر إليه، المتكل في كل حال عليه، مجدالدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد اللَّه بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبداللَّه بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، رضي الله عنهم وشملهم بسابغ لطفه، وبالغ عطفه، وغفر لهم وللمؤمنين آمين: إنه الْتَمَسَ مني جماعة من بدور الدراية، ونجوم الهداية، الراغبين في أفضل الرغائب، والمقبلين على أجلّ المطالب، وأشرف المكاسب، الذي هو على الحقيقة حياة الدارين، وحيازة شرف الحظين.
وكل فضيلة ولها سناء .... وجدت العلم من هاتيك أسنا
فلا تعتد غير العلم كنزاً .... فإن العلم كنز ليس يفنى
وكفى بما أثنى العلي الأعلى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28]، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران] /15
وقد سبق لكثير ممن يسر اللَّه تعالى لي ولهم الاجتماع، والأخذ على الحقير والسماع، مختصر مفرد فيه تعيين مسموعاته، وإيصال الطرق إلى كتب الإجازات، وذكر السند مفصلاً إلى مؤلفات الإمام المنصور بالله عبد اللَّه بن حمزة (ع) وغيره من أئمتنا (ع) وعلمائنا ـ رضي الله عنهم ـ مع اشتمال الشافي على سند المجموع والأماليات الأربع؛ وغير ذلك من مؤلفات علماء أهل البيت (ع) وأتباعهم والعامة.
نعم، وعوّلوا علي أن أوصل سندهم بسندي، وأصحح لهم في طرق الرواية معتمدي، وأوضح لهم الأسانيد النافعة الجامعة إلى أربابها، الموصلة ـ بفضل اللَّه تعالى ومنّه ـ كما أمر ـ جل وعلا ـ بإتيان البيوت من أبوابها، وأجيز لهم الرواية عني في جميع ما صحّت لي روايته بالطرق المعتبرة، التي هي عند ذوي العلم مُصَدَّرة، كما هي السنة الماضية عند علماء الإسلام، والطريقة المرضية بين ذوي الحل والإبرام، استسمانا منهم ـ أيدهم اللَّه ـ للورَم، وتوسماً لرسوخ القدم، وأين نور السها، من إضاءة مصابيح السماء؛ إلا أن اللَّه ـ تعالى وله المن ـ مَنّ علينا بالاتصال بأعلام كرام، هم نجوم سماء الإسلام، وحرسة الكتاب وسنة سيد الأنام، اقتبستُ لمحة من ضياء أنوارهم، واغترفت غرفة من معين أنهارهم، مع ما وهب اللَّه ـ وله الحمد ـ تحدثاً بنعمته الربانية التي لاتجحد، وشكراً لمنته الإلهية التي لاتنفد، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه؛ ووقع لي السماع ـ بحمد اللَّه تعالى ـ في فنون العلوم من معقول ومسموع، وأصول وفروع، من الأصولين والحديث والتفسير، والآلة من نحو، وتصريف، ومعان، وبيان، وبديع، ومتون اللغة، ومنطق؛ وفي علم المعاملة، وفروع الفقه، والفرائض، والسير، وغير ذلك؛ وأجازوا لي في جميع طرقهم إجازات تامة الإفادة، أجازنا اللَّه تعالى وإياهم بالحسنى وزيادة، وضاعف لهم الأجور وجزاهم عن الإسلام والمسلمين الجزاء الموفور.
هذا، فرجحت الإجابة على الامتناع، على قصر الباع، وقلة المتاع؛ لما ورد في السنة والقرآن، من تحتم التبليغ والبيان، /16
والوعيد الشديد على الكتمان، وامتثالاً لأمثال قوله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة:2]، ولما شاهدت من تقاعد الهمم، وانحلال العزايم، وإنهدام المعالم، حتى كاد يندرس الأثر، وينطمس الخُبْر والخَبَر.
وما سببه إلا تثاقل الأتباع، وتكاسل الأشياع، عن الحفظ لآثار أئمتهم، وأعلام ملتهم، لاسيما في هذه الأعصار، حثالة الحثالة، التي استحكمت فيها أدواء الجهالة؛ فإنك قد ترى العالم المتصدر لايعرف كثيراً من أسماء أئمته، فضلاً عن تحقيق أحوالهم ومؤلفاتهم، فضلاً عن حفظ أسانيدهم ومروياتهم.
ولقد تصدى بعض من لاتحقيق لهم لرسم شيء من ذلك، فركبوا متن عمياء، وخبطوا خبط عشواء، وأتوا بما ينقضي عنده العجب، من التخاليط الواضحة، والأغاليط الفاضحة، في أقوال الأئمة والعلماء، وفي أسمائهم وأنسابهم، مع الإهمال للكثير الطيب، لاسيما من كان من أهل هذا القطر بشمال اليمن؛ فإنهم يعرضون عن أعلامهم، ويتركونهم كأنهم في منقطع الأرض، أو من خلف السد، مع أن عمدتهم النقل عن كتب المنحرفين عن العترة الزكية، المعرضين عن علومهم، المقبلين على طرائق خصومهم، ميلاً إلى الهوى وعدولاً عن السواء؛ ولكنه ينفق في سوق الرعاع، ولا يدرون أصابوا أم أخطأوا لعدم الاطلاع.
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا .... ببيت قديم شاع في كل مجلسِ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها .... كلاها وحتى سامها كل مفلسِ
والله المطلع أنا لانحب الكلام في مثل هذا، بل يسوءنا، ويثقل كل الثقل علينا، لولا وجوب النصح والبيان، والله المستعان، وعليه التكلان، وإليه ترجع الأمور.
نعم، فلعمر الله تعالى إن الإهتمام بهذا الشأن من الواجب الأهم، /17
واللازب الأعظم، كيف لا والدين بسوحهم متصل، والعلم إلى صرحهم متسلسل، ومودتهم واتِّباعهم مطوّقة بهما الرقاب، كما صرّحت به السنة الشريفة ونطق به الكتاب، والمودة واِلاتباع ممن لا يعرفهم تحيلهما الألباب.
وتحتم حينئذ صرف العناية، مع تبلبل البال، وتوفر الأشغال، بعد استخارة الله تعالى، واستمداد الإعانة منه جل وعلا، والتسديد والتوفيق، إلى أقوم طريق.
وترجح تقديم فصل مشتمل على المقصد الأعلى، والمطلب الأسنى، مما يلزم الطالب للحق عرفانه، ويتوجه على مبتغي النجاة تحقيقه وإتقانه؛ حتى يكون على بصيرة من ذلك في الدين، غير مرتبك في حبائل المقلدين، ولا مرتطم في ضلال المضلين، من الجاهلين والمعاندين؛ وستطلع ـ إن شاء الله ـ على بيانه، وتكرع ـ بفضل الله تعالى ـ من معين برهانه، وتعرف الحق بالدليل، وتقتفي ـ بتوفيق الله تعالى ـ أوضح سبيل، إن لم تكن ـ والعياذ بالله ـ ممن غطّى الرين على قلبه، وغشي الزيغ أنوار بصره ولبّه، وأخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلدهم فمالوا به من يمين إلى شمال، فكان من دين الله على أعظم زوال، كما ورد به الخبر، عن سيد البشر، صلى الله عليه وعلى آله خير آل؛ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون؛ ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
وما أوجب التقديم لذلك، والاهتمام بما هنالك، إلا أنها كثرت في هذه الأعصار الضلالات، وانتشرت كل الانتشار الجهالات، وصار يدعي اتِّباع الحق والدليل، ويموه على الرعاع من الأتباع بالوقوف على منهاج السنة ورفض التقليد ليصدهم عن السبيل ـ من ليس من ذلك القبيل؛ بل هو رافض للحجج المنيرة، مفرق لعمى بصره بين ما جمع الله تعالى على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، من الكتاب والسنة والعترة المطهرة، واقف في حومة الدعوى، داع إلى تقليد أرباب الزيغ بمجرد الأهواء؛ ومن الناس من يجادل في الله بغير علمٍ ولاهدى ولاكتاب منير، ثاني /18
عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق.
ووقعت شبههم هذه الباطلة، وتأثرت محالاتهم المضمحلة الماحلة، في قلوب كثير ممن لاثبوت لأفهامهم في مجال العلوم، ولارسوخ لأقدامهم في مقام المنطوق والمفهوم، ولا اطلاع لهم على الحقائق، ولاتمييز بالنظر الصحيح بين مخالف وموافق.
ومَنْ لا يتق الضحضاح زلّت .... به قدماه في البحر العميقِ
وصار الحال كما قال:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى .... فصادف قلباًفارغاً فتمكنا
وأكد هذا أن مؤلفات المخالفين منشورة، قد امتلأت بها جوانب المعمورة، وأسفار الهداة، من سفن النجاة، عن الانتشار محصورة ومهجورة؛ حتى صار الذين لا هوى لهم في مجانبة الحق، يطلعون على نقولات الباطل المختلق، ولايهتدون إلى أقوال أئمتهم، وردود أعلام ملّتهم، ويرون الروايات عن الرواة، فلا يفرقون بين معدّل ومجروح، ومقبول ومطروح، ولا يعرفون من هو في حزب المضلين الغواة، ومن هو في حزب المهتدين الهداة، مع سفن النجاة.
[تشنيع المؤلف على من شنَّع على العترة ونسب إليهم ترك الإسناد]
وإن من العجائب ـ وما عشتَ أراك الدهر عجباً ـ أن أناساً من رؤساء هؤلاء الفريق، صاروا يموهون على الأغمار، بأن العترة الأطهار (ع)، وأتباعهم الأبرار ـ رضي الله عنهم ـ، ينهون عن اتباع الدليل، ويأمرون بالتقليد، ويَسِمون من خالف آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ورفض الأدلة المعلومة من الكتاب والسنة، بالاجتهاد المطلق، والاتباع للحق.
ويا سبحان الله! ومن الذي دعا الخلق إلى الحق، واتباع الكتاب والسنة، وهدى العباد، وسن لهم الجهاد والاجتهاد، والأخذ ببرهان الأدلة، غير أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، قرناء التنزيل، وأمناء التأويل، ـ صلوات الله وسلامه عليهم؟! /19
[سبب تقليد غير العترة وتنزيه الأئمة الأربعة عن مخالفتهم]
وقد علم كل ذي علم أنها ما تأسست التقليدات، التي لأجلها نُصبت المقامات، في الحرم الشريف للمذاهب الأربعة، إلا بعناية الدول المضلة؛ لصد الناس، عن العترة المطهرة عن الأرجاس، المنزهة عن الأدناس؛ وهي من البدع المحدثة في الأديان، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد علم أولوا العلم أن هؤلاء الأئمة، الذين أضافوا إليهم المقامات، وأمروا الناس بتقليدهم، كانوا من أنصار أئمة العترة، القائمين بما أمرهم الله تعالى لهم من المودة والنصرة، وأقوالهم وأفعالهم معلومة؛ وحاشاهم عن رفض التمسك بالثقلين، وتنكّب سفينة النجاة، وترك المودة لمن أمرهم الله تعالى بمودته، وألزمهم بموالاته وطاعته، من أعلام أهل بيت نبيهم الهداة.
قال المحدث الكبير، يحيى بن أبي بكر العامري، في الرياض المستطابة: وقد ذكر ابن الجوزي وغيره أن الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع كل واحد منهم لإمام من أئمة أهل البيت؛ بايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبدالله بن الحسن، وبايع مالك لأخيه محمد، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى. انتهى المراد.
ومتابعة أبي حنيفة للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) مشهورة.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء صفحة (242): وفي سنة (45) كان خروج محمد وإبراهيم ابني عبدالله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: وآذى المنصورُ خلقاً من العلماء ممن خرج معهما، أو أمر بالخروج، قتلاً وضرباً وغير ذلك؛ منهم: أبو حنيفة، وعبد الحميد بن جعفر، وابن عجلان.
وممن أفتى بجواز الخروج مع محمد، على المنصور، مالكُ بن أنس ـ رحمه الله ـ وقيل له: إن في أعناقنا بيعة للمنصور، فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين.
وسيمر بك ـ إن شاء الله تعالى ـ في كتابنا هذا عند عروضه في محله ما تطلع عليه /20
[قصيدة ابن الوزير في المقامات]
ولله السيد الإمام، جمال الدين، الهادي بن إبراهيم الوزير ـ رضي الله عنهم ـ حيث يقول لما عاين المقامات:
خبرونا ما شأن هذي المقاما .... ت؟ وما جاءكم بها من شريعهْ؟
ما دليل الكتاب فيها؟ وما جا .... ءَت به سنة النبي الرفيعهْ؟
أم أقام الاجماع فيها دليلاً؟ .... فأرونا هذا وهذا جميعَهْ
قد صبرنا لكم على الجبر والأقـ .... ـوال تلك الملفقات الشنيعهْ
وعلمنا أن الدلائل منكم .... في أصول الهدى سراب بقيعهْ
غير أن الذي عجبنا له منـ .... ـكم وخالفتموا علوم الشريعهْ
هذه البدعة التي في المقاما .... ت وتضييقها الطريق الوسيعه
قلتمُ: لامقام فيها لزيد .... ولأتباعه هداة وشيعه
ما دليل اختصاصكم بالمقاما .... ت وإيذائكم لنا بالوقيعه؟
خبّرونا دليلكم أيها القو .... م فأذن الإنصات منا سميعهْ
كيف كانت صلاة أصحاب بدر .... قبل ما تعمرون للزيغ ريعهْ
وما أرادوا إلا سلب الأمر عن أولي الأمر، وطمس الذكر لأولي الذكر، فخاب ما راموا وظهر أمر الله وهم كارهون؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
هذا، فكيف ينسب المبتدعون ذلك إلى ورثة الكتاب والسنة، وكلُّ إمام منهم(ع)، يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كلَّ من بلغته الدعوة، ومؤلفاتهم مشحونة بالأدلة، على وجوب اتباع الأدلة؟! ولكن لابد لكل مبتدع من دعوى (كلمة حق يراد بها باطل) أو تلفيق شبهة زيغ يُستَهوى بها الجاهل الغافل، وهذا هو لبس الحق بالباطل، الذي /21
ينهى عنه الملك العادل، بأمثال قوله عز وجل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)} [البقرة].
ولهذا تعين البيان، بحسب الإمكان؛ لما أخذ الله تعالى من الميثاق في منزل الفرقان، وسنة سيد ولد عدنان؛ ولسنا ـ والحمد لله ـ نستنكر من غلبة الباطل وكثرة أهله، ولانستوحش لانقباض الحق وقلة حزبه، فإن سنة الله ـ عز وجل ـ في عباده، وعادته المستمرة في بلاده، التخليةُ بين خلقه في هذه الدار؛ ليتمكن الجميع من الاختيار، وقد أخّر الجزاء لدر القرار.
[إشارة إلى انزواء الدنيا عن الخلاصة المصطفاة]
واقتضت حكمته الربانية قبض الدنيا عن خاصة أوليائه، وانزواءها عن خلاصة أصفيائه؛ ليكون الاتباع لخالص الدين، والطاعة لمحض اليقين.
وعلى كل حال فحزبه المنصورون وإن قُهروا، وجنده الغالبون وإن غلبوا، كما قصه ـ عز وجل ـ في الكتاب المبين: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)} [الأعراف].
وقد قال عمار، الذي يدور مع الحق حيثما دار ـ رضوان الله عليه ـ لما أُخّر عن المقام الذي اختاره الله تعالى له ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامُه وإمام الأبرار:
يا ناعي الإسلام قُمْ فانعه .... قد مات عرفٌ وبدا منكر
ما لقريش لا علا كعبها .... من قدّموا اليوم ومن أخروا
وذلك في صدر الإسلام، فكيف بمثل هذه الأيام، التي هي من أعلام النبوة، بتصديق مواعيد الله على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، من اغتراب الإسلام، وتغيير الأعلام، واقتراب ظهور دينه الحنيف، وتجديد شرعه الشريف، بقيام خاتم الأئمة، ومقيم الحجة من أهل بيت نبيه، مهدي هذه الأمة، كاشف الظلمة، ومفرج الغمة؛ فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر /22
من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا، واعلم أني قد استغنيت عن الإشارة إلى أحوال من تتصل بهم هذه الأسانيد المباركة، ممن قد تيسر ـ بمن الله تعالى ـ لنا في التحف الفاطمية، شرح الزلف الإمامية ـ نفع الله تعالى بها ـ ذكرُهم.
أما الأئمة الكرام (ع)، فقد جَمَعتْهم بفضل الله تعالى على التمام، واشتملت على أنسابهم على التحقيق، وجوامع مؤلفاتهم وكراماتهم، ولمع من أخبارهم، وأول درجة من أولادهم، وتعيين المجددين، والإشارة إلى ما ورد فيهم عن جدهم سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وعلى الأعيان من علماء أهل البيت وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ إلى العصر، وسوى ذلك مما فتح الله تعالى به، على اختصارها، وقرب انتوالها؛ فيرجع إليها ـ إن شاء الله ـ ففيها كفاية وافية.
وما أشرتُ إليه من أحوال الرجال فهو علامة أنه لم يكن هنالك، أو على وجه يكون أكمل من ذلك.
[حث النساخ على التصحيح]
وإني أوصي وآخذ على كل من نقل كتاب التحف وهذ المؤلف ـ إن شاء الله تعالى ـ وغيرهما أن يتحرى في التصحيح والمقابلة؛ فقد أبلغت الوسع في طلب الصحة، ولم أرسم شيئاً ـ بحمد الله تعالى ـ إلا على ثقة وتحقيق، ووقوف على الأصول المأمونة المصونة.
ولقد عاب كثيراً من كتب الأصحاب ما اعتراها من الغلط وتغيير أهل النسخ، حتى كثر التحريف في الإعراب، والتصحيف للكلمات؛ والألفاظ قوالب المعاني.
وتقاعد المتأخرون عن البحث والتصحيح، حتى صار بعضها لايُنتفع به ولا يمكن الوقوف فيه على أصل صحيح؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقد أكدت التوصية بهذا؛ لتتم الإفادة المقصودة إن شاء الله تعالى.
[إشارة إلى أمهات هذا الكتاب]
نعم، وقد تيسرت لنا ـ بحمد الله تعالى ـ أرفع الطرقات العالية، وأعمها /23
نفعاً، وأعظمها جمعاً.
وتحصلت لدينا ـ بفضل الله تعالى ـ جوامع الكتب المرجوع إليها في هذا الشأن، كأماليات أئمتنا والشافي للإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والفلك الدوار المسمى علوم الحديث، للسيد الإمام حافظ اليمن، وعالم بني الحسن، إبراهيم بن محمد الوزير، وطبقات الزيدية للسيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن القاسم بن الإمام المؤيد بالله (ع)، وغيرها من مؤلفات أئمتنا وأشياعهم، ومؤلفات العامة؛ وما آخذ من مؤلف فسيضاف إليه، كما هي الطريق المرضيّة والمنهج القويم.
[التقريع على منتحل ثمرة جهود غيره من أرباب العلم]
لاكما يصنع كثير من الماسخين المنتهبين؛ فلعمري، إنه عمل غير محمود، ومذهب ذميم، وما يُؤْمِنُ صاحبَه من الولوج في زمرة الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا؛ والمتشبع بما ليس فيه؟!.
وما عليه من نسبة الكلام إلى من هو له، وإضافة القول لمن حصّله؟
وأي نقص في ذلك عليه، وأي لوم يتوجه إليه؟
ولو لم يكن في الإضافة إلى صاحب الكلام، إلا أنه الحق الصريح، وأن فيه تيسير البحث للباحث وتمكين المطلع من التصحيح، وغير ذلك مما لا يعزب على ذوي النظر الصحيح؛ ولا يغتر ناظر بما قيل: إنه أمر يرتاح له اللبيب، وللأرض من كأس الكرام نصيب؛ فإنما هو تسلية للمأخوذ منه لا الآخذ فهو غير مصيب.
ولا شك أن ذلك الصنيع بعيد عن المقصد الصالح، والمنهج الراجح؛ عصمنا الله تعالى عن الزلل، ووفقنا لرضاه وتقواه في كل قول وعمل.
نعم، وكذلك تحصّلت كتب الأسانيد، كإجازات القاضي العلامة، حواري آل محمد (ع) أحمد بن سعد الدين المسوري - رضي الله عنهما - المشتملة على طرقات أئمتنا (ع) وإجازاتهم، وعلماء شيعتهم وغيرهم، خلفاً عن سلف؛ وهي حافلة، بغالب مؤلفات من سبقه كافلة؛ إلا أنه ـ رضي الله عنه ـ كانت همته الجمع لما وقف عليه من الإجازات والتقييد، فجاءت غير مرتبة ولامهذبة ولا خالية عن التكرير والترديد؛ بل الإجازات فيها موضوعة بألفاظ المؤلفين من غير بيان في الأغلب لاتصال الأسانيد؛ حتى أن كثيراً فيها ليس إليه طريق للمستفيد /24
وكبلوغ الأماني، للقاضي العلامة الولي، محمد بن أحمد بن يحيى بن جار الله مشحم ـ رضي الله عنهم ـ، وهي نعم المجموع في مؤلفات علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ خاصة، من طريق شيخه صاحب الطبقات خاصة، وطريقه أيضاً التحصيل لطرقه إلى الكتاب على أي صفة.
وثمة طرق إلى من تتصل بهم الأسانيد، كالإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والإمام يحيى شرف الدين (ع) هي أجمع وأرفع مما ذكره، كما يطلع على ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد أفاد القاضيان وأجادا، وخدما علوم آل محمد (ع)، ـ رضي الله عنهما ـ وجزاهما عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
وتيسرت ـ بحمد الله ـ كثير من أصول هذين المجموعين، ومما اختصر منهما، كالذي جمعه القاضي العلامة النحرير، حافظ العصر الأخير، شيخ الإسلام، محب آل النبي، عبدالله بن علي بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ ولم يكمل شيء من مجموعاته، بل يشرع فيه وينقطع في أثنائه، إلا الإحازة في طرق الإجازة فإنه أتمها، ولكنها مختصرة جداً؛ وقد جَمَعتْ الكثير الطيب من طرقاتهم الجامعة النافعة وكأنها على عجالة؛ ومسوداته التي بخط يده حاصلة لديّ.
وغير ذلك من محررات أئمتنا وأعلام ملتنا، أغلبها بأقلامهم الشريفة.
[إشارة إلى ما تضمنه هذا المؤلف]
فهذا المجموع المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ خلاصة ما ينيف على عشرين مجلداً، في هذا الباب وغيره، سوى ما من الله تعالى بجمعه، وتحصيل نفعه، مما لم يكن مزبوراً في كتاب؛ وليس مختصاً بجمع الأسانيد، فإنما هي مقصد من المقاصد، وفائدة من الفوائد، بل يتضمن ـ إن شاء الله تعالى ـ فوائد وفرائد، من أنواع الفنون، تقرّ بها العيون، ويرتاح لها الراغبون، وتحقق لهم ـ إن شاء الله تعالى ـ ما يرجون؛ ولكنه لايجل نفعها، ويعظم وقعها، إلا عند ذوي الاختبار، المليين بالإيراد والإصدار، والقصد ـ بفضل الله تعالى ـ التقرب إليه ـ عز وجل ـ بتقريب الفائدة للطالبين، وتحصيل الثمرة العائدة على الراغبين؛ سائلاً لمن وقف عليه /25
من إخواني المؤمنين، والعلماء العاملين، صالح الدعوات المباركات، في المحيا والممات؛ لاسيما بالسداد والثبات، والعفو والمغفرة من رب البريات.
وأنا أسأل الله تعالى بحق جلاله أن يصلي ويسلم على ملائكته المقربين، وأنبيائه الأكرمين، الذين صفوتهم سيد المرسلين وآل محمد الطاهرين، وأن يكافئ عني من أنالني بأفضل المكافاة، ويحسن من فضله وكرمه له في الدارين المجازاة، ويرزقنا جميعاً المرافقة لأوليائه في المقام الأمين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، آمين؛ وأن ينفع به، ويجعله من الأعمال المقبولة، والآثار المكتوبة، إنه قريب مجيب.
وقد وسمته بلوامع الأنوار؛ في جوامع العلوم والآثار، المتضمن للبلاغ المبين، ببراهين اليقين.
وسيكون ـ إن شاء الله تعالى ـ جامعاً نافعاً، شاملاً لِلُباب ما حفلت به الأبواب، مع المبالغة عند الانتهاء إلى الطرقات، في انتقاء أصحّها وأرجحها، وأجمعها وأنفعها، والاقتصار على مالا غنى عنه من المختار، والإيراد لبحث نافع، مما يوفق الله تعالى له من المؤلفات بعد تمام الإسناد، كما هي طريقة الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، عند ذكره لطرق كتب العترة (ع)؛ إلا أني آتي بأبسط مما صنعه الإمام؛ لكونه لم يذكر ذلك إلا عارضاً على سبيل الإلمام، وقد أفعم كتابه بما عمّ نفعه جميع الأنام، وأشاد قواعد الإسلام، فعلى روحه الزكية أزكى السلام؛ سالكاً في جميع ذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ للنمط الوسيط، المجانب لجانبي الإفراط والتفريط، وهو المسلك القويم، كما قال:
عليك بأوساط الأمور فإنها .... سبيل إلى نيل المراد قويم
ولا تك إما مفرطاً أو مفرّطاً .... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
ويتحصل المقصود ـ إن شاء الله تعالى ـ في فصول عشرة، والحادي عشر في الرجال ـ وهو مستقل ـ، تتمايز بها مباحث المقاصد، ويكون التحويل عليها في /26
المصادر والموارد، وبالله عز وجل الاستعانة، ومنه استمداد العصمة، والتوفيق والهداية، في البداية والنهاية، والحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه.
اللهم صل على محمد وآله، وأتمم علينا نعمتك في الدارين، واكتب لنا رحمتك التي تكتبها لعبادك المتقين؛ اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، واجعلنا هداة مهتدين؛ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولاتجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم؛ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين /27
الفصل الأول [الاستدلال على تحريم الافتراق في الدين]
اعلم ـ أيدنا الله وإياك بتأييده، وأمدنا بمواد لطفه وتسديده ـ أن من أقدم ما يتحتم، وأهم ما يتعين، على الناظر في كتاب ربه وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ذوي الألباب، عرفانُ الحق والمحقين، المشار إليهما بقوله عز وجل: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} [التوبة]، لما يتوقف عليه من رواية السنة الشريفة وتفسير الكتاب؛ ولتوليهم واتباع سبيلهم، المأخوذين على كافة المكلفين، بقواطع الأدلة وإجماع جميع المختلفين.
ومن المعلوم: أن الله تعالى أمر عباده بسلوك دين قويم، وصراط مستقيم، ونهاهم عن اِلافتراق في الدين، واتباع أهواء المضلين؛ قال جل جلاله: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى:13]، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]، في آيات بينات، وأخبار نيرات.
وما كان العليم الحكيم سبحانه، /31
ليأمرهم وينهاهم إلا بما يستطيعون، وله يطيقون، بعد إبانة الدليل، وإيضاح السبيل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة:286]، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا } [الطلاق:7]، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)} [طه]، {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة]، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال].
وقد قص الله على هذه الأمة أنباء الأمم السابقة، والقرون السالفة، وما كان سبب هلاكهم، من الإختلاف في الدين، وعدم الائتلاف على ما جاءتهم به أنبياؤهم من الحق المبين؛ قال عز وجل: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران]، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } [الأنعام:159]، في آي منيرة، ودلائل كثيرة.
ورَفْعُ الجناح للمتأول بالخطأ، مَحَلُّه فيما شأنه أن يخفى، مما لم يقم عليه بيان قاطع، ولابرهان ساطع، وإلا امتنع الحكم بالضلال؛ للاحتمال لكل مدع لشبهة، من أهل الكتابين وسائر الملل الكفرية، وارتفع القطع بالهلاك لأي مخالف يجوَّز ذلك في حقه من البرية، مالم يقروا بالعناد، وذلك أقل قليل من العباد؛ وهذا عدوّ الله إبليس تشبث بالشبهة وهو رأس الإلحاد، ولم يعذر الله تعالى من /32
حكى عنهم ظن الإصابة واِلاعتقاد، نحو قوله عز وجل: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)} [المجادلة]، {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف]، وما ورد من أوصاف المارقين من الدين.
ولانسدت الطريق، إلى معاملة كل فريق، ولبطلت الأحكام، من الجهاد والمعاداة وغيرها؛ وهذا خلاف المعلوم الضروري من دين الإسلام، وقد أمر الله بالمقاتلة والمباينة لغير المعاهدين، من الكافرين والباغين، ولم يستثن ذا شبهة وتأويل، بل جعل المناط مخالفة الدليل؛ ولايمكن الفرق قطعاً بين من عذره الله تعالى ورفع عنه الجناح، ومن لم يعذره وأوقع عليه اسم الكفر أو البغي ونحو ذلك، مما يفيد المؤاخذة باتضاح، إلا بأحد أربعة أمور:
1. إما أن يكون الخلاف في ضروري.
2. وإما أن يصرح كما قدّمنا بالعناد، وعدم النظر.
3. أو يرد فيه نص بخصوصه.
4. أو يكون المناط المخالفة للمعلوم المكلف به ضرورياً كان أو استدلالياً جلياً.
والأول والثاني غير موجودين قطعاً في كثير من أهل الكتابين، وأهل الملل وغيرهم، وقد علم قطعاً جري الأحكام عليهم جميعاً، من كان منهم في عصر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وبعده.
والثالث ممتنع بعد ارتفاع الوحي؛ وأيضاً على هذا أنه لايحكم إلا على من ورد فيهم النص بأعيانهم، أو قاتلهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذلك؛ وأما غيرهم ـ وإن كانوا على /33
ما هم عليه من الملة ـ فلا؛ لاحتمال أن يكونوا مخطئين متأولين قد بذلوا الجهد، فليسوا بمؤاخذين؛ وهو خلاف ما قضت به الآيات القرآنية، ونطقت به السنة النبوية، وأجمعت عليه الأمة المحمدية، من معاملة كل فرد من كل طائفة من أهل الكتابين، وسائر الملل الكفرية بمعاملتهم، من غير فرق بين ناظر ومعاند، ومقرّ وجاحد.
ولم يبق إلا الرابع؛ واشترك فيه كل مخالف؛ وسواء قُدّر أنه عاند أو قصر؛ لمخالفة المعلوم، الذي كلف العلم به، ضرورياً كان أو استدلالياً جلياً، مع التمكن من النظر، وإن اختلف حكم المخالفة، وتفاوتت الدرج، إلى مُخْرج عن الملة وغير مُخْرج، حسبما يقتضيه الدليل.
وبهذا وغيره من الأدلة القاطعة مما لايسعه المقام يتبين أنه غير معذور، وأن المطابقة للحق ممكنة؛ إذْ لايكلف الحكيم ماليس بمقدور؛ والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
هذا، وقد علم ماعمت به البلوى من الافتراق، وقامت به سوق الفتنة في هذه الأمة على ساق، وصار كل فريق يدعي النجاة لفريقه، والهلكة على من عدل عن منهاجه وطريقه، وأن حزبه أولوا الطاعة، وأولى الناس بالسنة والجماعة؛ كما قال ذو الجلال: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} [المؤمنون] /34
والدعاوي إن لم تقيموا عليها .... بيّناتٍ أبناؤها أدعياءُ
[السبيل الوحيد لطالب النجاة]
وسبيل طالب النجاة، المتحري لتقديم مراد الله، وإيثار رضاه، الاعتماد على حجج الله، وتحكيم كتاب ربه تعالى، وسنة نبيه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، واطراح الهوى والتقليد، اللذين ذمهما الله في الكتاب المجيد، وتوخي محجة الإنصاف، وتجنب سبل الغي والإعتساف، غير مكترث في جانب الباطل لكثرة، ولا مستوحش عن طريق الحق لقلة؛ وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله؛ إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلايخرصون.
وقد قرع سمعك ـ أيها الناظر، وفقنا الله وإياك ـ مانعى الله تعالى على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وماذاك إلا اتباعهم لهم، وطاعتهم إياهم، كما فسر ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعدي بن حاتم - رضي الله عنه -: ((فتلك عبادتهم)).
وسمعت ما حكى من تبري بعضهم عن بعض، ولعن بعضهم لبعض، وتقطع الأسباب، عند رؤية العذاب ـ أعاذنا الله تعالى منه، وأنالنا بفضله وكرمه الزلفى وحسن المآب ـ والله جل جلاله يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135].
ومن المعلوم أنه متى كان النظر من أهله، فيما يحتاج الناظر فيه إلى النظر على هذه الطريقة، معتصماً في كل مقام بهذه الوثيقة، تتنوّر بصائر صاحبه ببراهين اليقين، وتنكشف عنه رِيَبُ المرتابين. /35
والذين اهتدوا زادهم هدى؛ إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً؛ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا؛ وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حَيي عن بينة وإن الله لسميع عليم.
[وجوب التمسك بالثقلين]
وقد أقام الله ـ جل جلاله ـ حججه على هذه الأمة، كما أقامها على الأمم؛ فكان مما أوجب عليهم وحتم، وأمرهم به وألزم، وافترضه عليهم وحكم، في محكم كتابه الأكبر، وعلى لسان رسوله سيّد البشر - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ المأخوذ ميثاقه في منزلات السور، الاعتصام ُ بحبله، والاستمساك بعترة نبيه وآل رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الهادين إلى سبيله، الحاملين لتنزيله، الحافظين لقيله، العاملين بمحكمه وتأويله، ومجمله وتفصيله، الذين سيدهم، ومقدمهم وإمامهم، ولي المؤمنين، ومولى المسلمين، سيد الأوصياء، وإمام الأولياء، وأخو خاتم الأنبياء، - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.
وقد أعلا الله شأنهم، وأعلن برهانهم، بما شهد به كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما أجمعت عليه الأمة على اختلاف أهوائها، وافتراق آرائها، فخُرِّجَ في جميع دواوين الإسلام، وعلم به الخاص والعام، ولزمت به الحجة جميع الأنام؛ امتلأت به الأسفار، واشتهر اشتهار الشمس رابعة النهار، فلا يستطاع دفعه برد ولاإنكار؛ وسيمر بك في كتابنا هذا ـ إن شاء الله تعالى ـ على سبيل الاختصار، ما فيه تذكرة لأولي الأبصار، وبلاغ لذوي الاعتبار، والوارد فيهم عن الله ـ سبحانه ـ وعلى لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على أعظم البيان، وأبلغ البرهان. /36
وأعظمه وأبلغه مالإمام المتقين، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ وهو مالا يُستطاع حصره، ولايُطاق إحصاؤه وذكره، فما زال إمام المرسلين، وخاتم النبيين - صلوات الله عليهم وسلامه - يبين للأمة مقامه في كل مقام، ويقرر لهم حجته عند الله وعند رسوله من ابتداء الدعوة النبوية إلى آخر الأيام؛ فأما المقامات العظام، التي خطب بها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لإبلاغ الحجة أهل الإسلام، فإن أكثرها من أعلام نبوة سيد الأنام، ومعجزاته المخبرة بالغيوب على مرور الأعوام.
[تواتر خبر الموالاة وهو خبر الغدير ومخرجوه]
كالمقام الشهير، الذي قام به الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم الغدير، في ذلك الجم الغفير، والجمع الكثير؛ لتأكيد حُجته، عام حَجته، ووداعه لأمته، موصياً لهم بالثقلين، مستخلفاً عليهم الخليفتين، مبيناً لهم اقتراب إجابته لداعي الله، وتلبيته لوعد الله، مقرراً لهم بحجة الله، قائلاً لهم: ((أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: بلى يارسول الله.
فقال: ((اللهم اشهد)) ثم قال: ((اللهم اشهد)).
ثم قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)).
وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3]، وستأتي الطرق في ذلك.
ولا ينافي هذا مارواه بعضهم ـ أي العامة ـ من نزول الآية في يوم عرفة، فالجمع ممكن مع الصحة، بتكرر النزول كما نصوا على ذلك في غيرها من الآي، كآية التطهير؛ ذكره الطبري وغيره.
قال إمام اليمن، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم أزكى التحيات والتسليم ـ في الأحكام: وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خمّ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]؛ وساق الخبر بتمامه /37
وخبر الموالاة معلوم من ضرورة الدين، متواتر عند علماء المسلمين، فمنكره من الجاحدين.
أما آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فلا كلام في إجماعهم عليه.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ع)، في الشافي: هذا حديث الغدير ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار الصلوات الخمس.
ومن كلامه (ع): ورفع الحديث مفرعاً إلى مائة من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منهم العشرة، ومتن الحديث فيها واحد، ومعناه واحد، وفيه زيادات نافعة، في أول الحديث وآخره، وسلك فيه اثنتي عشرة طريقاً ـ يعني بهذا صاحب المناقب ـ.
قال الإمام (ع): بعضها يؤدي إلى غير ما أدى إليه صاحبه من أسماء الرجال، المتصلين بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد ذكر محمد بن جرير صاحب التاريخ خبر يوم الغدير وطرقه من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية.
وذكر أبو العباس، أحمد بن محمد بن عقدة، خبر يوم الغدير، وأفرد له كتاباً، وطرقه من مائة وخمس طرق؛ ولاشك في بلوغه حد التواتر، ولم نعلم خلافاً ممن يُعتد به من الأمة،.....إلى آخر كلامه (ع).
وكلام أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ في هذا المقام الشريف وغيره معلوم، في جميع مؤلفاتهم في هذا الشأن.
وقد رواه السيد الإمام، الحسين بن الإمام (ع) في الهداية، عن ثمانية وثلاثين صحابياً بأسمائهم، غير الجملة؛ كلها من غير طرق أهل البيت (ع).
وقال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: إن خبر الغدير يروى بمائة وثلاث وخمسين طريقاً. انتهى.
وأما غيرهم، فقد أجمع على تواتره حفاظ جميع الطوائف، وقامت به وبأمثاله حجة الله على كل موالف ومخالف؛ وقد قال الذهبي: بهرتني طرقه، فقطعت بوقوعه. انتهى.
وعده السيوطي في الأحاديث المتواترة.
وقال الغزالي في كتابه سر العالمين: لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير، على خطبة يوم الغدير؛ وذكر الحديث.
واعترف ابن حجر في صواعقه، أنه رواه ثلاثون صحابياً.
وذكره ابن/38
حجر العسقلاني في تخريجه أحاديث الكشاف، عن سبعة وعشرين صحابياً.
ثم قال: وآخرون؛ كل منهم يذكر أسماء أفرادهم، غير الجملة مثل: اثني عشر، ثلاثة عشر، جمع من الصحابة، ثلاثين رجلاً.
وقال المقبلي فيه في أبحاثه: فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم. انتهى.
ولو استوفيت من صرح من العلماء بتواتره، لطال المقام.
وعلى الجملة إن خبر الغدير ومقدماته وما ورد على نهجه مما يفيد الولاية في ذلك المقام وغيره، لاتحيط به الأسفار، ولا تستوعبه المؤلفات الكبار؛ وقد ألفت علماء الإسلام في ذلك الباب مؤلفات جامعة؛ ومن أعمها جمعاً، وأعظمها نفعاً، من المؤلفات الحافلة بروايات آل محمد (ع) وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ ومخالفيهم ـ تولى الله مكافأتهم ـ: كتبُ الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، كالشافي، والرسالة النافعة، والناصحة؛ والأنوار للإمام الأوحد الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد، وينابيع النصيحة لأخيه الحافظ الأمير الناطق بالحق الحسين بن محمد، واعتصام الإمام الأجل، المنصور بالله عز وجل، القاسم بن محمد؛ وشرح الغاية، لولده إمام التحقيق، ونبراس التدقيق، الحسين بن الإمام؛ ودلائل السبل الأربعة، لحفيده جمال آل محمد، علي بن عبدالله بن القاسم؛ وتفريج الكروب، لإسحاق بن يوسف بن المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم؛ وتخريج الشافي، لعلامة العصر الأوحد، نجم آل محمد، الحسن بن الحسين الحوثي ـ نفع الله تعالى بعلومه ورضي عنه ـ وغيرها من مؤلفات السابقين واللاحقين، من الآل (ع) وغيرهم؛ فهي واسعة العدد، طافحة المدد؛ وقد جمعت هذه المؤلفات ـ بحمد الله ـ فأوعت، وعمّت فأغنت؛ ونتبرك بذكر شيء من الكلمات النبوية، صلوات الله وسلامه على صاحبها وعلى آله.
فأقول ـ وبالله التوفيق ـ: قد تقدمت رواية إمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، في /39
الأحكام (ع).
وفي تفسير آل محمد من جوابات نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم ـ صلوات الله عليهم ـ: وسألت عن قول النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، ((ومن كنتُ وليّه فعلي وليّه))...إلخ كلامه؛ وذكر الرواية في أن قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3]،...الآية، نزلت في حجة الوداع؛ قال ـ أي نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليهم الصلاة والتسليم ـ: والحج آخر مانزلت فريضته.انتهى.
وأخرج الإمام المؤيد بالله (ع) في أماليه، بسنده إلى كامل أهل البيت، عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم غدير خم: ((أليس الله عز وجل يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ }؟[الأحزاب:6])).
قالوا: بلى، يارسول الله.
فأخذ بيد علي (ع) فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره)).
فأتاه الناس يهنئونه، فقالوا: هنيئاً لك ياابن أبي طالب؛ أمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأخرج فيها ـ أيضاً ـ من طريق الإمام الناصر للحق، الحسن بن علي ووالده علي بن الحسن، مسنداً إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: قيل لجعفر بن محمد: ما أراد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقوله يوم غدير خم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))؟
فاستوى جعفر بن محمد قاعداً، ثم قال: سئل عنها - والله - رسول الله - صلى /40
الله عليه وآله وسلم - فقال: ((الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لاأمر لهم معي؛ ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه)).
وأخرج فيها ـ أيضاً ـ حديث المناشدة، بسنده إلى عامر بن واثلة، وفيه: هل فيكم من أحد نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للناس ولكم يوم غدير خم فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) غيري؟
قالوا: اللهم لا..إلخ.
[الرواة لنزول: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }...الآية]
وأخرج صاحب جامع آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ فيه، عن الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) مالفظه: ثم دلّ على أن الإمام أمير المؤمنين وسيدهم، علي بن أبي طالب؛ فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]، فلما نزل جبريل بهذه الآية، وأمر أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم.
[خطبة الغدير]
إلى قوله: وذلك في آخر عمره حين رجع من حجة الوداع، متوجهاً إلى المدينة، ونادى ((الصلاة جامعة)) ولم يقل: ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً يؤكد عليهم الطاعة ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة ما أوجب لنفسه، وجعل عدوه عدوه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعدائه؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الولاية والنصرة؛ فمن تولاه /41
وأطاعه فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله.
إلى قوله: ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
وذكر فيه رواية خبر الغدير والمنزلة وغيرهما، عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ النقل عن الجامع في محله بما هو أبسط من هذا.
وروى الإمام الحسن بن محمد (ع) في الأنوار، عن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق (ع) مالفظه: وأنزل الله ـ عز وجل ـ على هدايته وصحة ولاية أخيه من السماء، وأمره أن يبلغ ذلك، فقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } أي بلغ الولاية بعد الرسالة، {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
إلى قوله: فقام ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بغدير خم، ونصبه مكان نفسه.
إلى قوله: وقال لأصحابه: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قالوا: اللهم نعم .
ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، ومن كنت نبيه فعلي أميره، ومن كنت أولى بنفسه من نفسه فهذا أولى بنفسه من نفسه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
وأمر أصحابه أن يبلغ الشاهد الغائب؛ فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة:3].
إلى قوله: فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة والولاية لعلي بن أبي طالب)).
ولم يؤكد موسى (ع) على قومه أكثر من هذا في خلافة هارون (ع) إنما كانت خلافته كلمة (اخلفني في قومي).
إلى قوله: ورسول /42
الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وكّد على قومه في خلافة علي (ع) ماوكّد بغدير خم.
إلخ كلامه (ع).
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67]..إلخ: أنزلت في علي؛ أمر رسول الله أن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيد علي فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وروى عن جعفر (ع) قال: لما نزل جبريل بالولاية على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ضاق بذلك ذرعاً؛ فنزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ }...إلخ.
وروى بإسناده عن الإمام زيد بن علي (ع) نحوه.
وروى بإسناده عن أبي جعفر (ع): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]، قال: نزلت حين أقام النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً يوم غدير خم، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وروى بسنده إلى أبي سعيد، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لما دعا الناس بغدير خم...إلى قوله: فلم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]،...إلخ؛ فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي)).
وروى مثل ذلك إمامُ الشيعة، محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ عن أبي سعيد الخدري، بلفظ: ((ورضى الرب بولايتي وبالولاية لعلي من بعدي))، ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)) رواه عنه في المناقب من طريقين.
ورواه الحاكم الحسكاني، عن أبي سعيد الخدري من طريقين.
وروى الحاكم بإسناده عن /43
ابن عباس عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال لعلي: ((نزلت الآية في ذكري وذكرك)) من طريقين.
وروى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي هريرة - وساق الخبر - قال: فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [المائدة:3]، الآية ـ وزاد ذكر فضيلة اليوم ـ.
وروى فرات بن إبراهيم بن محمد الكوفي، بإسناده إلى حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت والله جالساً بين يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد نزل بغدير خم، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقال: ((أيها الناس؛ إن الله أمرني بأمر، فقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67])).
ثم نادى علياً فأقامه عن يمينه، ثم قال: ((ياأيها الناس، ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))؛ رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل.
وروى نزول قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67] في ذلك، في الشواهد، عن أبي جعفر الباقر (ع) وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - من ثلاث طرق، وعن جابر بن عبدالله، وعن عبدالله بن أبي أوفى، وعن أبي سعيد، وعن أبي هريرة.
وروى ذلك الحلي في كتاب العمدة، عن ابن عباس، وعن أبي جعفر الباقر (ع).
ورواه الثعلبي في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ } الآية قال: قال أبو جعفر محمد بن علي (ع): معناه بلغ ماأنزل إليك من ربك في فضل علي /44
بن أبي طالب (ع).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى أبي جعفر (ع).
قلت: والموقوف في مثل هذا له حكم المرفوع، كما لايخفى.
وقد روى نزول قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ } [المائدة:67] الآية، في الأمر لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بتبليغ ولاية أمير المؤمنينَ الجمُّ الغفير من آل محمد (ع) وشيعتهم والعامة؛ منهم: الإمام الأعظم أبو الحسين زيد بن علي، وأخوه أبو جعفر الباقر محمد بن علي، وولده أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق، وحفيده الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا، والإمام نجم آل الرسول أبو محمد القاسم بن إبراهيم، وحفيده الإمام الهادي إلى الحق أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين، والإمام أبو الفتح الديلمي، والإمام المتوكل على الرحمن أبو الحسن أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله أبو محمد عبدالله بن حمزة، والإمام الأوحد المنصور بالله أبو علي الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وأبو الحسين أحمد بن موسى الطبري في كتاب المنير ، ومحمد بن سليمان الكوفي ـ صاحبا إمام اليمن (ع) ـ والحاكم الجشمي في التنبيه؛ قال: والمروي عن جماعة أنها نزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [المائدة:67]، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خطيباً بغدير خم.
إلى قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم نعم.
فقال: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
ثم ساق تهنئة عمر وأبيات حسان /45
والحاكم الحسكاني في الشواهد، والواحدي في أسباب النزول، وأبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، والبطريق الحلي في عمدته، والطوسي في تفسيره، والرازي في مفاتيح الغيب، وغيرهم؛ ورفعت إلى من سبق ذكرهم من الصحابة وغيرهم.
وقد روى خبر الموالاة بلفظ: ((من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) من العامة خصوصاً ـ أحمدُ بن محم د بن حنبل، والطبراني، وسعيد بن منصور عن علي (ع) وزيد بن أرقم وثلاثين رجلاً من الصحابة وعن أبي أيوب وجمع من الصحابة، والحاكمُ في المستدرك عن علي (ع) وطلحة؛ وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن سعد بن أبي وقاص، والخطيب عن أنس بن مالك، والطبراني عن ابن عمر، وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب، وعن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة، والطبراني عن عمرو بن مرة وزيد بن أرقم بزيادة ((وانصر من نصره وأعن من أعانه)) تطابق على هذا اللفظ هؤلاء الرواة؛ دع عنك من سواهم وماسواه.
واعلم أن هذا الخبر الشريف صدر في مقامات عديدة، وأوقات كثيرة، وأعظمها يوم الغدير؛ فإنه حضره ألوف، كما رواه الحاكم الجشمي عن جابر بن عبدالله بلفظ: قال جابر: وكنا اثني عشر ألف رجل. انتهى.
[الكلام الأكمل في خطبة الغدير]
ومن أكمل الروايات للخطبة النبوية: مارواه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، ورواه غيره من علماء العترة والأمة بأسانيدهم، ولفظه: أقبل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من مكة في حجة الوداع، حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدوحات، فقم ماتحتهن من شوك؛ ثم نادى ((الصلاة جامعة)) فخرجنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في يوم شديد الحر؛ إن مِنَّا من يضع رداءه على رأسه وبعضه تحت قدمه من شدة الحر، حتى انتهينا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فصلى بنا الظهر؛ ثم انصرف /46
إلينا فقال: ((الحمد لله، نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، الذي لاهادي لمن أضل ولامضل لمن هدى؛ وأشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد،
أيها الناس، فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف ماعُمِّر مَنْ قبله، وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أشرعت في العشرين؛ ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون؛ فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟
فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبدالله ورسوله، قد بلغت رسالاته وجاهدت في سبيله، وصدعت بأمره، وعبدته حتى أتاك اليقين؛ جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
فقال: ((ألستم تشهدون أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وتؤمنون بالكتاب كله؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((أشهد أن قد صدقتم وصدقتموني؛ ألا وإني فرطكم وأنتم تبعي، توشكون أن تردوا عليّ الحوض، فأسألكم حين تلقوني عن ثَقَليَّ، كيف خلفتموني فيهما؟)).
قال: فأُعيل علينا ماندري ماالثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين، فقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله، ما الثقلان؟
قال: ((الأكبر منهما كتاب الله، سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم)).
قلت: وتوجيه مافي هذا الكلام الشريف من المجاز واضح؛ والأحسن حمله على المجاز المركب من باب التمثيل على سبيل الاستعارة، كما لايخفى على ذوي العرفان، بأساليب المعاني والبيان، من غير اعتبار للتجوز في شيء من المفردات، التي هي الطرفان والأيدي، بل في جملة الكلام، شبه هيئة إنزال الله تعالى الكتاب المبين، وإبلاغه إلى الخلق أجمعين، وإحكامه لمعانيه، وإلزامه لهم بأوامره ونواهيه، وقصصه لما فيه، واطلاعهم عليه، وإرجاعهم إليه، ودوامه بين ظهرانيهم على مرور الأيام، وتعاقب الأعوام، بهيئة اتصال الحبل الوثيق، الممتد من جهة إلى جهة، الممسك بقوة طرفاه، المتناول باجتماع الأيدي جانباه.
وأما قوله /47
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كتاب الله سبب)) فهو من صريح التشبيه لذكر طرفيه، فلا مجاز فيه.
نعم، وفي جميع ذلك من الفصاحة الرائعة، والبلاغة البارعة، والبعث للعباد على التزامه، والوقوف عند حله وإبرامه، مايبهر الألباب، وتخر خاضعة لجلالة موقعه الرقاب، كيف لا وهو كلام من لاينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى؟
ونعود إلى تمام الخطبة النبوية ـ صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله ـ.
((فتمسكوا به ولاتولوا ولاتضلوا؛ والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي، وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولاتقهروهم ولاتَقْصُرُوا عنهم؛ فإني قد سألت لهما اللطيف الخبير؛ فأعطاني، ناصرهما لي ناصر، وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي ولي، وعدوّهما لي عدوّ؛ ألا فإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها، وتظاهر على أهل نبوتها، وتقتل من قام بالقسط منها)).
ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها؛ وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ـ قالها ثلاثاً ـ)) انتهى.
[مخرجوا خطبة الغدير]
وقد روى هذه الخطبة النبوية صاحب المناقب أبو الحسن علي بن محمد المغازلي الشافعي، بسنده.
ورواها صاحب جواهر العقدين عن حذيفة بن أسيد أو زيد بن أرقم ـ كذا في كتابه الموجود؛ وفي الهداية شرح الغاية، لابن الإمام (ع)، نقلاً عن الجواهر: عنهما، بالجزم ولفظ: قالا، وساق الخبر ـ نحو ماسبق باختلاف يسير وفيه: ((لن يعمر نبي إلا نصف عمر الذي قبله)) وفيه: ثم قال: ((ياأيها الناس، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؛ فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً ـ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وفيه: ((وإني سائلكم حين تردون علي عن ثقليّ فانظروا كيف تَخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به، لاتضلوا ولاتبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا /48
علي الحوض)).
أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل وهما من رجال الصحيح؛ قال: وأخرجه أبو نعيم في الحلية وغيره من حديث زيد بن الحسن الأنماطي، وقد حسنه الترمذي.
إلى قوله: عن حذيفة وحده من غير شك به. انتهى من الجواهر.
وأخرج هذه الخطبة الشريفة إمام الحفاظ، وعالم الشيعة، أبو العباس، أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي، المعروف بابن عقدة - رضي الله عنه - مع اختلاف يسير في اللفظ، عن عامر بن ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد؛ وفيها: ثم قال: ((أيها الناس، ألا تسمعون؟ ألا فإن الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه))، وأخذ بيد علي ورفعها حتى عرفه القوم أجمعون ثم قال: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))، ثم قال: ((ألا أيها الناس، أنا فرطكم، وإنكم واردون عليّ الحوض أعرض ممابين بصرى وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة؛ ألا وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني)).
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا وعترتي؛ فإني قد نبأني اللطيف الخبير أن لايفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي لهم ذلك، فأعطاني، فلا تسبّوهم فتهلكوا ولاتعلموهم فهم أعلم منكم)).
قال في الجواهر: أخرجه ابن عقدة في الموالاة من طريق عبدالله بن سنان، عن أبي الطفيل، عنهما، به، انتهى.
ومن أتم الروايات فيها رواية الكامل المنير.
ولهذه الخطبة العظمى، والحجة الكبرى، طرق جمة، قد جمعها حفاظ الأمة، وأعلام الأئمة، مابين مطوّلة ومختصرة.
نعم، وما روي في بعض طرقها من قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((فإنه لم يكن لنبي من العمر)) إلخ ـ يمكن حمله على أوجه كثيرة لاإشكال معها؛ منها: أن يكون المقصود الأنبياء المرسلين بالكتب الجامعة.
أو أولي الدعوات العامة.
أو من بعث على فترة.
أو من في رؤس القرون.
أو نحو ذلك من /49
التأويل، أو يكون المقصود بنبي الرسول نفسه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والتنكير فيه للتعظيم؛ هذا على فرض حصول معارضة بينه وبين شيء من ذلك القبيل، والواجب اتباع الدليل، وتقديم ماوردت به الأخبار الصحيحة على ماسواها من الحكايات والأقاويل، والله أعلم.
هذا، وقد تضمنت خطبة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوم الغدير خبر الثقلين، وتوصية الأمة بالخليفتين، وهو من أخبار السنة المتواترة، والحجج المنيرة القاهرة، القاضية بوجوب اتباع العترة الطاهرة، ولزوم الائتمام بهم، والاعتصام بحبلهم وتقديمهم، والاهتداء بهديهم، والتمسك بدينهم، على جميع المسلمين، في جميع معالم الدين.
[تعدد مقامات خبر الموالاة]
وقد صدر في مقامات عديدة، ومواقف كثيرة؛ منها: في هذا المقام بغدير خم، ومنها: بعرفة، ومنها: بعد انصرافه من الطائف، ومنها: بالمدينة في مرضه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد امتلأت الحجرة بأصحابه.
وفي رواية عند الطبراني، عن ابن عمر: آخر ماتكلم به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اخلفوني في أهل بيتي)) وفي ألفاظها: ((إني تارك فيكم))، و((مخلّف فيكم))، و((قد تركت فيكم)) وبلفظ: ((ثقلين))، و((خليفتين))، و((أمرين))، و((ما إن تمسكتم به))، و((إن اعتصمتم به))، و((ما إن أخذتم به لن تضلوا))؛ وفيه: ((لاتقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)).
فائدة، لم ترد الفاء الرابطة في شيء من روايات ((ما إن تمسكتم لن تضلوا)) ونحوها؛ مع أنه من مواضع لزومها في الجزاء؛ والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن الجواب لقسم مقدر، أي والله ماإن تمسكتم به لن تضلوا؛ وهذا أولى من الحمل على الشذوذ فيه، والمقام يرجحه ويقتضيه، والله الموفق.
نعم، بعد تحرير هذا وجدت الشريف الرضي قد سبق إليه؛ والحمد لله /50
[المخرجون لأخبار الثقلين والتمسك]
وقد أخرج أخبار الثقلين والتمسك أعلامُ الأئمة، وحفاظ الأمة؛ فمن أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وحفيده إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، والإمام الرضا علي بن موسى الكاظم، والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله، والإمام أبو طالب، والسيد الإمام أبو العباس، والإمام الموفق بالله، وولده الإمام المرشد بالله، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والسيد الإمام أبو عبدالله العلوي صاحب الجامع الكافي، والإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، وأخوه الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن محمد، والإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، والإمام الهادي لدين الله عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وولده إمام التحقيق الحسين بن القاسم، وغيرهم من سلفهم وخلفهم.
ومن أوليائهم: إمام الشيعة الأعلام، قاضي إمام اليمن الهادي إلى الحق، محمد بن سليمان ـ رضي الله عنه ـ رواه بإسناده عن أبي سعيد من ست طرق، وعن زيد بن أرقم من ثلاث، وعن حذيفة؛ وصاحب المحيط بالإمامة الشيخ العالم الحافظ أبو الحسن علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، والحافظ أبو العباس ابن عقدة، وأبو علي الصفار، وصاحب شمس الأخبار - رضي الله عنهم -.
وعلى الجملة؛ كل من ألَّف من آل محمد (ع) وأتباعهم - رضي الله عنهم - في هذا الشأن، يرويه ويحتج به على مرور الأزمان /51
ومن العامة: أحمد بن حنبل في مسنده، وولده عبدالله، وابن أبي شيبة، والخطيب ابن المغازلي والكنجي الشافعيان، والسمهودي الشافعي، والمفسر الثعلبي، ومسلم بن الحجاج القشيري، في صحيحه، رواه في خطبة الغدير من طرق ولم يستكملها، بل ذكر خبر الثقلين وطوى البقية؛ والنسائي، وأبو داوود، والترمذي، وأبو يعلى، والطبراني في الثلاثة، والضياء في المختارة، وأبو نعيم في الحلية، وعبد بن حميد، وأبو موسى المدني في الصحابة، وأبو الفتوح العجلي في الموجز، وإسحاق بن راهويه، والدولابي في الذرية الطاهرة، والبزار، والزرندي الشافعي، وابن البطريق في العمدة، والجعابي في الطالبيين، من حديث عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي عن آبائه عن علي (ع)، وغيرهم.
[الرواة لخبر الثقلين والتمسك من الصحابة]
ورفعت رواياته إلى الجم الغفير، والعدد الكثير، من أصحاب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأبي ذر، وأبي سعيد الخدري، وأبي رافع مولى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأم هانئ، وأم سلمة، وجابر، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وزيد بن أرقم، وزيد بن ثابت، وضمرة الأسلمي، وخزيمة بن ثابت، وسهل بن سعد الساعدي، وعدي بن حاتم، وعقبة بن عامر، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي شريح الخزاعي، وأبي قدامة الأنصاري، وأبي ليلى، وأبي الهيثم بن التيهان، وغيرهم؛ هكذا سرد أسماءهم الحسين بن القاسم (ع) ومن تبعه.
وزاد في نثر الدر المكنون جماعة نذكرهم؛ وإن تكرر ذكر بعض المخرجين، لأجل من لم يسبق من الراوين وهم أحمد بن حنبل وابن ماجه عن البراء، /52
والطبراني في الكبير عن جرير، وأبو نعيم عن جندع، والبخاري في التاريخ، والطبراني وابن قانع عن حبشي بن جنادة، وابن أبي شيبة، وابن عاصم، والضياء عن سعد بن أبي وقاص، والشيرازي في الألقاب عن عمر، والطبراني في الكبير عن مالك بن الحويرث، وابن عقدة في الموالاة عن حبيب بن بدر بن ورقا وقيس بن ثابت وزيد بن شراحيل الأنصاري، والخطيب عن أنس بن مالك، والحاكم وابن عساكر عن طلحة، والطبراني في الكبير عن عمرو بن مرة، وأحمد والنسائي وابن حبان والحاكم والضياء عن بريدة، والنسائي عن عمر بن ذر، وعبدالله بن أحمد عن جماعة منهم ابن عباس، وابن أبي شيبة عن أبي هريرة واثني عشر رجلاً من الصحابة.
[فائدة في معنى الثقلين]
قال الشريف الرضي في المجازات النبوية: وفي هذا الخبر محاسن؛ وذلك تسميته ـ عليه الصلاة والسلام وآله ـ الكتاب والعترة بالثقلين، وواحدهما ثقل، وهو متاع المسافر الذي يصحبه إذا رحل، ويسترفق به إذا نزل، فأقام ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكتاب والعترة مقام رفيقه في السفر، ورفاقه في الحضر، وجعلهم بمنزلة المتاع الذي يخلِّفه بعد وفاته؛ فلذلك احتاج إلى أن يوصي بحفظه ومراعاته.
إلى قوله: وقال بعضهم: إنما سُميا بذلك لأنهما العدتان اللتان يعوّل في الدين عليهما، ويقوم أمر العالم بهما؛ ومنه قيل: الإنس والجن ثقلان؛ لأنهما يعمران الأرض ويثقلانها، ومن ذلك قول الشاعر:
تقومُ الأرضُ ما عُمِّرت فيها .... وتبقى مابقيتَ بها ثقيلا
لأنك موضع القسطاس منها .... فتمنع جانبيها أن تزولا
/53
قال في جواهر العقدين: سمّاهما ثقلين، لعظمهما وكبر شأنهما.
إلى قوله: إذ الثقل (محركاً) يطلق لغة كما في القاموس على متاع المسافر وكل نفيس مصون؛ قال ـ أي صاحب القاموس ـ: ومنه الحديث: ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي)) والثقلان: الإنس والجن، والأثقال: كنوز الأرض وموتاها، انتهى.
وقال غيره: كل خطير نفيس ثَقَل. انتهى المراد.
[الدليل على أن الأربعة وذريتهم أهل البيت(ع)]
هذا، واعلم أن الأربعة: علياً، وفاطمة، والحسنين، وذريتهم ـ صلوات الله عليهم ـ مرادون بجميع ماورد في آل محمد وأهل البيت والعترة قطعاً، لغة وعرفاً وشرعاً، وأخبار الكساء المتواترة، المعلومة المتكررة، مصرحة بالحصر والقصر عليهم، وإخراج من عداهم، ممن يتوهم دخوله معهم، قولاً وفعلاً؛ وقد أتينا بأطراف فيها وفي غيرها نافعة ـ إن شاء الله تعالى ـ في التحف الفاطمية، وذكرنا وجه دلالتها على الحصر فيهم.
[الكلام على آية التطهير]
وقد اعترف بالحق في هذا أهل الإنصاف، كالحافظ ابن حجر، حيث قال، في الجزء السابع صفحة (138) من فتح الباري في فضائل خديجة ـ رضوان الله عليها ـ في ذكر البشارة لها ببيت في الجنة؛ مالفظه: وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأن مرجع أهل بيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33]، قالت أم سلمة: لما نزلت دعا النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - فاطمة وعلياً والحسن والحسين، فجللهم بكساء، وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) الحديث، أخرجه الترمذي وغيره /54
قلت: أخرجه مالك، وأحمد بن حنبل، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدار قطني، والحاكم، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وعامة المحدثين، وأهل البيت بأسانيدهم إلى أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء، وابن عباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم.
وقد أوضحت ذلك في صفحة 234 من شرح الزلف [الطبعة الأولى].
قال ابن حجر: لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتها، وعلي نشأ في بيت خديجة، وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها؛ فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها. انتهى المراد.
وقد تكلم أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، ـ رضوان الله عليهم ـ على وجه الدلالات في أخبار الغدير وأخبار الثقلين وغيرها، في مؤلفاتهم بما لامزيد عليه.
[تلخيص البحث على حديث الكساء]
وقد لخص البحث في أخبار الكساء من هذا الوجه الإمام الناصر الأخير، عبدالله بن الحسن (ع) في الأنموذج الخطير ، ولفظه: وقد دل الحديث على تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، وإخراج غيرهم من الموجودين في ذلك الوقت من وجوه:
الأول: أنه دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم في كونه من أهل البيت(ع) لدعاه.
الثاني: اشتماله عليهم بالكساء دون غيرهم؛ ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه قال: ((اللهم إن هؤلاء أهل بيتي)) مؤكداً للحكم بإنّ.
الرابع: تعريف المسند إليه بالإشارة، الذي يفيد تمييزه أكمل تمييز، كما يعرفه علماء المعاني.
قلت: وهذه الصيغة من طرق الحصر، كما صرح به أهل المعاني والبيان وأصول الفقه؛ وقد وردت هذه الصيغة في غير هذا المقام، لما نزل قوله تعالى /55
: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..الآية دعا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)) أخرجه الحاكم عن عامر بن سعد، عن أبيه؛ وقال: حديث صحيح.
ورواه عن سعد قال: لما نزلت هذه الآية (ندع) دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) [أخرجه] مسلم والترمذي، كلاهما في الفضائل؛ أفاده في الإقبال عن كتاب كشف المناهج؛ قال: للعلامة صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي الشافعي. انتهى.
قال: الخامس: أنه أتى بالجملة مكررة للتأكيد؛ ليرفع توهم دخول الغير، كما هو شأن التأكيد اللفظي عند أهل اللغة.
السادس: دفعه لأم سلمة ـ رضي الله عنها ـ بأن قال لها: ((مكانك أنت إلى خير)).
وفي بعض الأخبار: ((لست من أهل البيت أنت من أزواج النبي)) ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي بعضها: ((أنت ممن أنت منه)) دلّ بإخراجها على خروج جميع الزوجات؛ وأيضاً علل إخراجها بأنها من الزوجات.
فإن قلت: إن في بعض الأخبار عن أم سلمة قالت: يارسول الله، ألست من أهل البيت؟
قال: ((بلى فادخلي في الكساء)) فدخلت.
قلت: الجواب عنه من وجوه ثلاثة:
الأول: أن رواية دفعها أكثر وأصرح، فكانت أولى وأرجح.
الثاني: أنه لم يشر إليها معهم بقوله: ((هؤلاء أهل بيتي)) ولم يدعُها؛ وأيضاً قالت: فدخلتُ بعدما قضى دعاءه لابن عمه، وابنيه وفاطمة؛ فعرفت أن دخولها كان على جهة التبرك فقط.
الثالث: أنه ماأدخلها إلا على وجه الإيناس، وتجنباً للإيحاش؛ بدليل أنه /56
ما أدخلها إلا بعد أن سألته؛ ثم إن في الروايات الأخر، مثل: رواية أبي الحمراء وغيره، أنه كان يأتي إلى باب علي وفاطمة ثمانية عشر شهراً أو تسعة أشهر ويتلو الآية؛ ولم يكن في البيت أم سلمة ولاغيرها؛ وهكذا ماقاله في حق واثلة بن الأسقع؛ فظهر أنه لم يرد إلا الإيناس.
قلت: كما ورد من نحو: ((سلمان منا أهل البيت))، ((وشيعتنا منا)) مما يعلم قطعاً أن ليس المراد في الأحكام الخاصة على الحقيقة، وإنما هو في الاتصال والانضمام.
قال الإمام ـ رضي الله عنه ـ: السابع: أنه لو أريد غيرهم في الآية، لما دعاهم وحدهم ولما أشار إليهم وحدهم؛ بل يكون ذلك الفعل والحكم بأنهم أهل البيت وحدهم، تلبيساً وخيانة في التبليغ؛ وحاشا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عن ذلك؛ فيقطع حينئذ مع هذه الوجوه بخروج غيرهم عن أن يكون من أهل البيت، سواء كنّ الزوجات أو الأقارب، كبني العم أو نحوهم، كما يقتضيه بيانه وإيضاحه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للمقصود من الآية.
[دخول الذرية في مسمى أهل البيت(ع)]
فإن قلت: يعلم مما ذكرت أن أهل البيت هم الأربعة فقط، فلا يكون ذريتهم من أهل البيت كما ذكرت أنه يقتضيه البيان.
قلت ـ وبالله التوفيق ـ: إنما أراد بقصر الحكم على الأربعة، إخراج من عداهم من الموجودين في زمنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - من الزوجات والأقارب، ولو وجد في ذلك الوقت أحد من ذريتهم لأدخله، ولكن لم يوجد إلا الأربعة؛ وأيضاً أهل البيت يتناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مثل ما أن لفظ الأمة تناول الآتين بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما يتناول الموجودين في زمنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم ـ أدلة /57
[الكلام على المهدي المنتظر]
الدليل الأول قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، عن علي.
وأخرج أبو داود ـ أيضاً ـ عن علي وقد نظر إلى الحسن ابنه وقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلق ولايشبهه في الخلق، يملأ الأرض عدلاً).
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطيء اسمه اسمي)).
وأخرج أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، والطبراني، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) فدلّت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين.
والأحاديث في المهدي وكونه من أهل البيت متواترة.
قلت: الأخبار النبوية، والبشائر العلوية، بإمام الأمة، وختام الأئمة، المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أكثر من أن تحصر؛ والأمر فيه كما قال شارح نهج البلاغة، عند قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ قد لَبِس للحكمة جنتها؛ مانصه: وقد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا والتكليف لاينقضي إلا عليه. انتهى.
وما زال أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ يبشرون به وينتظرون الفرج من الله تعالى بأيامه، يوصي بذلك أولُهم آخرَهم، ويبلغ سابقُهم لاحقَهم.
[أحاديث في المهدي (ع)]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: (أولنا محمد بن عبدالله، وأوسطنا محمد بن عبدالله، وآخرنا محمد بن عبدالله).
فالأول محمد بن عبدالله النبي صلى /58
الله عليه وآله وسلم والأوسط محمد بن عبدالله النفس الزكية، والآخر محمد بن عبدالله المهدي؛ رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
وبهذا وأمثاله من أوصافه المعلومة يتبين أنه ليس الإمام المهدي النفس الزكية (ع) وإن كانت البشارات وردت به؛ فإنما هي كالبشارات الواردة في غيره؛ كالإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام نجم آل الرسول، وحفيده الهادي إلى الحق وغيرهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وليس بالمهدي الذي وعد الله به الأمة، وختم به الأئمة.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: وإلينا مصير الأمر وبمهدينا تنقطع الحجج؛ خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة؛ رواه المسعودي في مروج الذهب، عن الصادق، عن آبائه، عن علي (ع).
وروى الحافظ أبو علي الهمداني، من حديث علي بن علي الهلالي، عن أبيه قال: دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الحالة التي قُبض عليها؛ فإذا فاطمة عند رأسه، فبكت عند رأسه حتى ارتفع صوتها، فرفع ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طرفه إليها، فقال: ((حبيبتي فاطمة ماالذي يبكيك؟)).
فقالت: أخشى الضيعة من بعدك.
فقال: ((ياحبيبتي، أما علمت أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً برسالته؛ ثم اطلع عليها اطلاعة فاختار منها بعلك، وأوحى إلي ان أنكحك إياه؛ يافاطمة، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله خمس خصال لم يعطها أحداً قبلنا ولايعطيها أحداً بعدنا: أنا خاتم النبيين وأكرمهم على الله عز وجل، وأحب المخلوقين إليه، وأنا أبوك؛ ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو بعلك؛ وشهيدنا خير الشهداء وأحبهم إلى الله تعالى، وهو حمزة بن عبدالمطلب، عم أبيك وعم بعلك؛ ومنا من له جناحان أخضران يطير في الجنة حيث يشاء مع الملائكة، وهو ابن عم أبيك وأخو بعلك؛ ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما؛ والذي بعثني بالحق، إنّ منا /59
مهدي هذه الأمة؛ إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبيرهم يرحم صغيرهم، ولاصغيرهم يوقّر كبيرهم، فيبعث الله ـ عز وجل ـ عند ذلك من يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غلفاً؛ يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمتُ به في أول الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)).
انتهى من شرح التحفة، للسيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، وهو في ذخائر العقبى للمحب الطبري الشافعي، والأمير ناقل منها.
وروى نحوه ابن المغازلي، عن أبي أيوب ـ رضي الله عنه ـ وفيه: ((إن الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبياً؛ ثم اطلع إليها ثانية فاختار منها بعلك، فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصياً؛ أما علمت ـ يافاطمة ـ أن لكرامة الله إياك زوجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً)).
إلى قوله: ((يافاطمة، له ثمانية أضراس ثواقب: إيمان بالله، ورسوله، وحكمة، وتزويجه فاطمة، وسبطاه الحسن والحسين، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وقضاؤه بكتاب الله ـ عز وجل ـ)) إلى قوله - صلوات الله عليه وآله -: ((نبينا أفضل الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عمك، ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء، وهو جعفر ابن عمك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنّا ـ والذي نفسي بيده ـ مهدي هذه الأمة))؛ رواه في تفريج الكروب.
قلت: والاطلاع من الله تعالى مستعار؛ لتوجه الحكم بالاختيار في تلك الحالة، أو نحو ذلك من وجوه التأويل؛ إذ لايمكن حمله على الظاهر بمقتضى الدليل.
وفي تخريج الشافي، بعد أن ساق الرواية للخبر الأول من تحفة الأمير مالفظه: وروى مايقاربه ابن المغازلي عن أبي أيوب الأنصاري، ورواه عيسى بن حفص بطريقه إلى أبي أيوب إلى قوله: ((ومنا مهدي هذه الأمة)) ذكره في الكامل المنير؛ ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده /60
إلى أبي أيوب؛ والاختلاف في الروايات يسير؛ ورواه أبو القاسم محمد بن جعفر، في كتابه إقرار الصحابة، بسنده إلى عثمان، انتهى.
[صفات المهدي ومدته (ع)]
هذا، وروى في تفريج الكروب ((أبشروا أبشروا؛ إنما أمتي كالغيث، لايدرى آخره خير أم أوله؛ أو كحديقة أطعم منها فوج عاماً؛ لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها عرضاً، وأعمقها عمقاً، وأحسنها حسناً؛ كيف تهلك أمة أنا أولها والمهدي أوسطها والمسيح آخرها؟ ولكن بين ذلك ثبج أعوج، ليسوا مني ولا أنا منهم)) أخرجه النسائي عن جعفر بن محمد عن آبائه مرفوعاً.
((أبشروا بالمهدي رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزلة؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسم المال صحاحاً ـ قال: بالسوية ـ، ويملأ قلوب أمة محمد غنى؛ ويسعهم عدله)) إلى قوله: ((فيلبث في ذلك ستاً أو سبعاً أو ثمانياً أو تسع سنين، ولاخير في الحياة بعده)) أخرجه أحمد والباوردي عن أبي سعيد.
قلت: وما ورد من تقدير مدته بالست إلخ المراد فيه على حالة مخصوصة، أشار إليها في الخبر؛ لاجميع أيامه؛ وقد ورد مايدل على ذلك كما في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((المهدي من ولدي، وجهه كالقمر الدري؛ اللون لون عربي)) إلى قوله: ((يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً؛ يرضى بخلافته أهل السماوات والأرض والطير في الجو؛ يملك عشرين سنة)) أخرجه الديلمي في الفردوس، عن حذيفة، مرفوعاً.
قلت: وفي الجواهر: أخرجه الروياني وكذا الطبراني؛ وعند أبي نعيم والديلمي في مسنده: وعن حذيفة رفعه ((يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (ع) كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم فصل بالناس، فيقول عيسى (ع): إنما أقيمت الصلاة لك؛ فيصلي خلف رجل من ولدي)) وذكر باقي الحديث؛ أخرجه الطبراني. انتهى /61
فهذا منطوق صريح بالزيادة، وليس في الأول ونحوه، إلا مفهوم عدد، مع إمكان تأويله كما سبق؛ وهذا الحديث أيضاً محتمل للزيادة والأمر واضح.
وروي: ((المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف؛ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)) أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد، انتهى.
وعن علي (ع) ((المهدي منا، يُخْتَمُ الدين بنا كما فُتِحَ بنا)) أخرجه الطبراني ورفعه؛ رواه في السبل الأربعة عن السمهودي؛ وفيه: قال: وعن نعيم بن حماد، عن علي ـ كرّم الله وجهه ـ قال: المهدي بالمدينة من أهل بيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ اسمه اسم نبي، ومهاجره بيت المقدس؛ أكحل العينين، بَرّاق الثنايا، في وجهه خال، في كتفه علامة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يخرج براية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من مرط حلة سوداء مرقعة، فيها حجر، لم تنشر منذ توفي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولاتنشر حتى يخرج المهدي؛ ويمده الله ثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفه وأدبارهم؛ يبعث وهو مابين الثلاثين إلى الأربعين)).
إلى قوله: قال: وفي حديث آخر عند الحاكم في صحيحه: ((يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم)) إلى قوله: ((فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يحبه ساكن السماء وساكن الأرض)) إلى آخره. انتهى.
قال الأمير الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن بدر الدين (ع) في ينابيع النصيحة: وعن أنس، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((نحن سادات أهل الجنة، أنا، وعلي، وجعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، والحسن، والحسين، والمهدي)).
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وجعفر، وعلي، والحسن، والحسين، والمهدي محمد بن عبدالله)) انتهى.
قلت: وروى خبر سادات أهل الجنة الأول الطبري، وقال: أخرجه ابن السري عن أنس؛ ورواه ابن المغازلي أيضاً عن أنس بلفظ: ((نحن بنو عبد المطلب)) إلى ((الحسن والحسين)) أفاده في /62
تفريج الكروب؛ وروى الخبر الأول إلى قوله: ((والمهدي)) في الجواهر، وقال: أخرجه السدي، والديلمي في مسنده. انتهى.
قال في السبل الأربعة: وحديث خروج المهدي وظهوره ـ في كتب المحدثين من أهل الصحاح وغيرهم؛ وذكروا أنه يحثو المال حثواً، ولا يعدّه عداً.
قال: ووجدت في بعض الكتب ـ ورواه عن الإمام الناصر الأطروش (ع) أن المهدي (ع) في بعض شعاب اليمن، أو كما قال؛ ولا بُعْدَ ولا مناقضة بين الأحاديث؛ لأنه يمكن أنه قبل ظهوره يكون سائحاً متنقلاً، من المدينة، إلى بيت المقدس، إلى مكة، إلى اليمن، والله أعلم.
قال: فإذا عرفت هذا، عرفت أن أهل البيت النبوي سلسلة منوط بعضها ببعض، لاتنفك حلقة عن حلقة منها، من زمن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى قيام المهدي، إلى ورود الحوض على النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - كما أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عن الله تعالى، أن كتاب الله وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - لايفترقان حتى يردا عليه الحوض.
قال: وهذا الحديث من المعجزات الغيبية، التي مخبرها كما أخبر به الصادق الأمين؛ فإنهم كما سمعنا في الأخبار والسير، وشاهدنا؛ وهم الحجج في كل زمان وحين.
قال: حتى لقد انقرض سلطان قريش بأجمعها، إلا سلطان العترة النبوية، فإنه ظاهر في كل زمان إلى يوم الدين.
...إلى آخره.
قلت: ونختم الكلام في خاتم الأئمة بما قاله إمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، يحيى بن الحسين بن القاسم ـ صلوات الله عليهم ـ في الأحكام، وهو مانصه: وبلى وعسى؛ فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً؛ عسى الله أن يرتاح لدينه، ويعز أولياءه ويذل أعداءه؛ فإنه يقول عز وجل: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} [المائدة]، وفي ذلك ما يقول رسول رب /63
العالمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اشتدي أزمة تنفرجي)).
[نجم آل الرسول (ع) يمدح المهدي (ع)]
وفي ذلك مايقول جدي القاسم بن إبراهيم (ع):
عسى بالجنوب العاريات ستكتسي .... وبالمستذل المستضام سينصرُ
عسى مشرب يصفو فتروى ظمية .... أطال صداها المنهل المتكدرُ
إلى قوله:
عسى الله لاتيأس من الله إنه .... يسير عليه مايعز ويكبرُ
إلى قوله:
عسى فرج يأتي به الله عاجلاً .... بدولة مهدي يقوم فيظهرُ
وقال (ع): المنتظر للحق والمحقين، كالمجاهد في سبيل رب العالمين؛ وفي ذلك ما بلغنا: عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((من حبس نفسه لداعينا أهل البيت أو كان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله بدمه)).
وقال بعد أن أطنب في صفات الإمام المهدي ـ صلوات الله عليهما ـ:
كريم هاشمي فا .... طمي جامع القلبِ
رؤوف أحمدي لا .... يهاب الموت في الحربِ
يرى أعداؤه منه .... حذار الموت في الكربِ
شجاع يُتْلِفُ الأروا .... ح في الهيجاء بالضربِ
رحيم بأخي التقوى .... شديد بأخي الذنبِ
حكيم أُوتي التقوى .... وفصل الحكم في الخطبِ
بعدل القائم المهدي .... غوث الشرق والغربِ
[مخرجوا أخبار النجوم والأمان]
عدنا إلى تمام الكلام.
قال الإمام الناصر عبد الله بن الحسن (ع): الدليل الثاني /64
قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض ذهب أهل الأرض)) أخرجه أحمد بن حنبل عن علي (ع) وعمار ـ رضي الله عنه ـ وأخرج معناه الطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه.
فلو كان أهل البيت الأربعة فقط، لكان قد ذهب أهل الأرض.
قلت: أخبار النجوم والأمان شهيرة رواها الإمام الهادي إلى الحق في الأحكام وكتاب معرفة الله، والإمام الرضا علي بن موسى الكاظم بسنده المتصل عن آبائه(ع)، والإمام أبو طالب، والإمام الموفق بالله، والإمام المرشد بالله، والإمام المنصور بالله (ع) بأسانيدهم، وصاحب جواهر العقدين عن سلمة بن الأكوع وقال: أخرجه مسدد وابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبري في ذخائر العقبى عن سلمة أيضاً؛ وصاحب الجواهر أيضاً عن أنس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض؛ فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات مايوعدون)).
قال: أخرجه ابن المظفر من حديث عبدالله بن إبراهيم الغفاري.
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((النجوم أمان لأهل السماء)) الخبر بلفظ ماتقدم أخرجه أحمد في المناقب؛ وهو في ذخائر العقبى بلفظ: قال: وعن قتادة، عن عطاء، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف؛ فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان)) قال: أخرجه الحاكم؛ وقال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الإسناد.
قلت: وهذا الخبر يفيد أن متابعتهم أمان من الاختلاف، كما أن وجودهم /65
أمان من الذهاب والهلاك؛ ورواه الحاكم الجشمي عن سلمة، ومحمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنهم ـ من ثلاث طرق عن سلمة بن الأكوع.
وروى في الشافي عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: ((مثل أهل بيتي مثل النجوم، كلما مرّ نجم طلع نجم)).
وفي نهج البلاغة: مثل آل محمد كمثل النجوم إذا خوى نجم طلع نجم.
وفي الأمالي: عن نصر بن مزاحم قال: سمعت شعبة يقول: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((مثل أهل بيتي في أمتي مثل النجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) قاله لما ظهر الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع).
ورواه الإمام المنصور بالله (ع) عن علي بن بلال، عن شعبة؛ ورواه الإمام المرشد بالله(ع) بسنده إلى موسى الكاظم، بسند آبائه، عن علي (ع)، عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فويل لمن خذلهم وعاندهم)).
قال الإمام الناصر (ع): الدليل الثالث، قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم)) الحديث إلى قوله: ((لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) وهذا الحديث متواتر.
انتهى المراد من كلام الإمام عبدالله بن الحسن الناصر الأخير، في الأنموذج الخطير.
وقد وشّحنا فصوله بما وفق الله تعالى إليه؛ ولولا العناد، لم يحتج في كثير من هذه الأبواب وأمثالها إلى الاستشهاد؛ فهي أنور من فلق الصباح، وأبين من براح.....
وفي تعب من يحسد الشمس نورها
ويجهد أن يأتي لها بضريبِ /66
[الرد على أهل الزيغ وبيان من هم الآل]
ولقد حاول أهل الزيغ بكل ممكن في أهل بيت نبيهم إبطال الحجة، كما عارض أهل الكفر جدهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وحاولوا رد النبوة، والله متم نوره ولو كره الكافرون؛ والعاقبة للمتقين.
[إزراء على قول نشوان: إن أهل البيت جميع الأمة]
وإن شئت أن تنظر غاية الخذلان، ونهاية التهافت في هذا الشأن، الدال على سلب التوفيق وعمى البصيرة، الموقع لصاحبه في المباهته ومكابرة الضرورة، فانظر إلى أمثال هذيان نشوان في قوله:
آل النبي هم أتباع ملّته .... من الأعاجم والسودان والعربِ
لو لم يكن آله إلا أقاربه .... صلى المصلي على الغاوي أبي لهبِ
ولعمر الله، إن مثل هذا الاستدلال لايستحق الجواب؛ لكونه مكابرة في مقابلة الضرورة، مع خلله وفساده، ووضوح عناده لأولي الألباب؛ وإنما يجاب بمثل قول بعض قرناء الكتاب،:
أشعّة الفضل أعمَتْ ناظريكَ فما .... فرّقتَ بين حصاء الأرض والشهبِ
وإنه ماكان ينبغي أن يصدر، ممن له مسكة بصر، أو رائحة نظر، فضلاً عن مثل نشوان، لولا الخذلان الشديد، والضلال البعيد؛ وإنه لايدرى أي وجهيه أعجب؟ أمخالفة القواطع المعلومة، من آية المودة ونحوها من الآيات، وأخبار الكساء الدالة على الحصر والتعيين، وأخبار الثقلين المتواترة، /67
فمن المتروك؟ ومن المتروك فيهم؟ ومن المتمسك؟ ومن المتمسَّك بهم؟ وأخبار السفينة؛ فمن المشبه بها؟ ومن المشبه براكبها؟ وغير ذلك مما لايحصى كثرة، مما سبق وما يأتي ومالم نذكره.
ولو لم يكن إلا ماورد في المعنى العام باللفظ الصريح، من تحريم الزكاة على آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في النصوص المعلومة، لجميع الأمة؛ وهذا ونحوه هو العمدة في الاستدلال؛ وإنما ذكرتُ ماسبق ـ وإن لم يكن فيه نزاع ـ لأن أصل آل أهل، كما ذكروه، فالمعنى واحد؛ أم اعوجاج الاحتجاج، الدال على وضوح اللجاج، وتنكب المنهاج.
[جواب المقري وصلاح الدين على نشوان]
قال السيد الإمام السباق، المجتهد على الإطلاق، صلاح بن أحمد المؤيدي في شرحه لهداية ابن الوزير المسمى لطف الغفار، الموصل إلى هداية الأفكار، بعد ذكر البيتين:
ورد عليه إسماعيل المقري الشافعي؛ منتصراً لمذهبه:
لم قدَموا العُجْم إن كان الحديث كذا .... على الصحابة أهل الفضل والحسبِ؟
إذْ قدموا الآل من بعد النبي إذا .... صلّوا عليه على أصحابه النجب
آل النبي همو أبنا أبيه كما .... هذا هو المذهب المعروف في العربِ
وألحقوا بهمو في حفظ عهدهم .... أبناء مطلب في حرمة النسبِ
قربى الكفور مع الإسلام قد نُفيت .... ما ابن على الكفر باقٍ وارثٌ لأب
فارجع وراءك مغلوباً فليس لكم .... عذر من الله في ذكرى أبي لهبِ
قال: ولقد أجاد في الرد على نشوان، وإن أخطأ في تعميم الدعوى لبني هاشم وبني المطلب بغير برهان.
قال (ع): وقلت أيضاً مستعيناً بالله سبحانه: /68
آل النبي هموا أهل الكساء كما .... جاءت به واضحات النقل عن كثبِ
قد قال أهلي بتقديم الإشارة في .... بعض الأحاديث قولًا غير ذي كذبِ
وذاك حصر لهم فافطن لما زبرت .... أهل المعاني أولوا التحقيق في الكتبِ
وألحقوا بهمو أبناء إبنته .... إذْ يلحقون به بالنص في النسبِ
واسْتَقْرِ ماضمت الأسفار من شرف .... سام لآل النبي السادة النجبِ
و {قل تعالوا } يفيد القطع أنهمو .... أبناء أحمد فادعوهم لخير أبِ
ذرية شرفت من نسبة عظمت .... ترددت في وصي طاهر ونبي
والله ميّز آل الأنبياء بها .... في آل عمران لابالعجم والعرب
ذرية بعضها من بعضها فلذا .... قلنا هم الآل لا أبناء مطّلبِ
إلى قوله:
قال الإله لنوح ليس ابنك من .... أهليك دع عنك عماً غير مقتربِ
كيف التعامي عن الإنصاف ويحك يا .... نشوان لم تصح لامن خمرة العنبِ
انتهى.
هذا وقد رُويت توبته، والله أعلم بصحتها؛ والله سبحانه يقول: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا } [البقرة:160]، فلا بد من الإصلاح والبيان، كما شرطه الله تعالى مع الإمكان؛ والذي يقضي به هذا وكلام الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع) حيث قال لما وقف على قبره ـ ولله دره ـ:
ياقبر نشوان ماضمّنت من حكمٍ .... ومن علوم له تُربي على الديمِ
ياقبر نشوان لولا النصب فُقْتَ على .... من كان من علماء العُرب والعجمِ
وهكذا كلام الإمام يحيى شرف الدين، والسيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) بقاؤه على ماكان، وكم لنشوان من إخوان وأخدان، في جميع الأزمان.
ومع هذا فقد كان نشوان يعترف بالحق لآل محمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من ذلك قوله: /69
وذكرت آل محمد وودادهم .... فرض علينا في الكتاب مؤكّدُ
وهذا نقض صريح لقوله السابق: آل النبي.. إلخ.
قال:
وذكرت زيداً والحسين ومولداً .... لهم زكي الأصل نعم المولدُ
بأبي وأمي من ذكرت ومن بهم .... يهدى الجهول ويرشد المسترشدُ
وأنا المناضل ضدكم عن دينكم .... والله يشهد والبرية تشهدُ
لاأستعيض بدين زيد غيره .... ليس النحاس به يقاس العسجدُ
إني على العهد القديم بحبّكم .... كلف الفؤاد بكم وجسمي مبعدُ
وقوله:
سلام الله كل صباح يوم .... على خير البرية أجمعينا
على الغرّ الجحاجح من قريشٍ .... أئمتنا الذين بهم هدينا
بني بنت الرسول إلامَ كل .... يظن بكم من الناس الظنونا؟
فأبلغ ساكني الأمصار أنّا .... بأحمد ذي المكارم قد رضينا
يعني الإمام أحمد بن سليمان (ع)، قال:
بأكرم ناشيء أصلاً وفرعاً .... وأعلا قايم حسباً وديناً
رضينا بالإمام وذاك فرض .... نقول به ونعلن مابقينا
وقال مخاطباً للإمام (ع):
يابن الأئمة من بني الزهراء .... وابن الهداة الصفوة النجباءِ
وإمام أهل العصر والنور الذي .... هُدي الولي به من الظلماءِ
كم رامت الكفار إطفاءً له .... عمداً فما قدروا على إطفاءِ
شمس يراها الجاحدون فلم يطق .... منهم له أحد على إخفاء
/70
..الأبيات، وقد ذكرتها في شرح الزلف.
وقد ذكر في اللآلي المضيئة ومآثر الأبرار ـ شرحي البسامة وغيرهما ـ من أحوال القاضي نشوان بن سعيد الحميري مافيه الكفاية.
[إشارة إلى الابتلاء بالتفضيل وعظم حوب من استكبر عنه]
وهذا باب امتحن الله به عباده كبير، قد زلّت فيه أقدام خلق كثير؛ بل هو أعظم التكاليف على المكلفين، وأصل الفتنة في الأولين والآخرين، وعادة الله تعالى الجارية في خلقه، أن يلبس من تكبر عن أمره فيه، وغمط نعمته عليه، أثواب الصغار، وأنواع الخزي والشنار؛ وإن في إبليس ـ لعنه الله تعالى ـ لعبرة لأولي الأبصار، فعدو الله أول من سخط أمر الله، ورد قضاءه؛ ثم تبعه كل من نفخ في أنفه، فشمخ بنفسه، فأنزل الله تعالى به سوء النقمة، وسلبه مالديه من النعمة، وأحل عليه اللعنة، ولم يغنِ عنه ماتعلل به من الأعذار، ولم ينفعه ماسلف له من السوابق الكبار، وقد عبد الله ستة الآف سنة، لايُدرى من سني الدنيا أم من سني الآخرة؟ كما قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ فبطل ذلك كله باستكباره عن أمر واحد؛ سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله تعالى بمثل معصيته؛ كلا، ماكان الله تعالى ليدخل الجنة بشراً بأمر ـ أي مع أمر ـ أخرج به منها ملكاً، وإن حكم الله في أهل السماء والأرض لواحد، ومابين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمىً حرَّمه على العالمين..إلى آخر كلامه؛ صلوات الله عليه وسلامه.
فلا ينزل عند حكم الله تعالى في هذا الشأن، ويمتثل أمر الله تعالى فيه بالجنان والأركان، إلا من امتحن الله قلوبهم للتقوى، وثبت أقدامهم على العمل بمحكم السنة والقرآن، أولئك أولياء الله، وأولياء رسوله، الذين خلقوا من شجرتهم، ونزلوا في منزلتهم، ووردت البشارات لهم، على لسان سيد المرسلين، وأخيه سيد الوصيين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
وقد تطاول البحث في هذا وماكان مقصوداً، لولا ماعلم الله من قصد /71
النصح لإخواننا المؤمنين، والإشفاق عليهم من الوقوع في هذه المزلة التي هلك فيها كثير من المفتونين؛ فأما أهل بيت النبوة فقد أغناهم الله تعالى عن ذلك، وقد صبروا على جفوة الأمة، وميل الخلق عنهم إلا من تداركته العصمة، وهم أهل الصفح والكرم، كما قال قائلهم:
وإن جفونا وحالوا عن مودتنا .... ولم يراعوا وصاة الله في العترِ
فالصبر شيمة أهل البيت إن ظلموا .... وهل يكون كريم غير مصطبرِ؟
[الاستدلال بشيء ما على تفضيل العترة(ع)]
ولقد كان الإضراب أوفق، والإمساك أليق، لولا أن الله تعالى أمر بقول الحق وإن شقّ، فإن المقام خطر، يترتب عليه أي أثر؛ وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته)) رواه الإمام الناصر للحق(ع) في البساط، بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ورواه المرشد بالله (ع) عن أبي ليلى، وأخرجه البيهقي، وأبو الشيخ، والديلمي، والطبراني، وابن حبان، عن أبي ليلى.
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ بلفظ: ((لايؤمن أحدكم)) الخبر، بدون ((وذاتي..إل خ)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله فيم أنفقه، ومن أين اكتسبه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع)، عن علي ـ صلوات الله عليه ـ، وابن /72
المغازلي، والطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، والكنجي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، والخوارزمي عن بريدة.
وفي أخبار الثقلين: ((فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به؛ وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) أخرجه أحمد، ومسلم، وعبد بن حميد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، عن زيد بن أرقم.
وروى الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الإمام المرشد بالله (ع)، يرفعه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)) وبمعناه: ((نحن أهل بيت لايقاس بنا أحد)) أخرجه الملا، والطبري عن أنس؛ وأخرجه الديلمي.
وقال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لايعادل بآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من هذه الأمة أحد ولايساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً.
وروى الحاكم في شواهد التنزيل، بإسناده عن ابن عمر قال: إذا عددنا قلنا: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.
فقال رجل: فعلي.
قال: ويحك، علي من أهل البيت لايقاس بهم؛ علي مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في درجته.
فهذا ابن عمر صرح بالحق فيما هو معلوم للأمة، من أنه لايقاس بأهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قدّموهم ولاتقدموهم، وتعلّموا منهم ولاتعلموهم؛ ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
قال الإمام الحجة المنصور بالله (ع) في الشافي: روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في أهل بيته: ((قدموهم....الخبر)).
قلت: وهو في أخبار الثقلين، بلفظ النهي عن التقدم، ومافي معناه كلا تَقْصُروا ولا تسبقوا، والأمر بالتعلم منهم فإنهم أعلم، وقد سبق.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرمات، من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومن ضيعهن لم يحفظ الله له شيئاً)).
قيل: وما /73
هنّ يارسول الله؟
قال: ((حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي)) رواه الإمام المنصور بالله بسنده، إلى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((إن لله...الخبر)).
وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الشيخ في الثواب، وأبو نعيم عن أبي سعيد؛ أفاده في تفريج الكروب.
قلت: وروايتهم بلفظ: ((إن لله حرمات ثلاثاً))، وبدون ((دنياه)) ولا: قيل: يارسول الله.
قال فيه: وفي رواية: ((لم يحفظ الله له أمر دنياه ولا آخرته)) قال: وأخرجه الحاكم عن أبي سعيد، بلفظ ((ثلاث من حفظهن)) الخبر، وحذف لفظ أمر، انتهى.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أيها الناس، أوصيكم بعترتي أهل بيتي خيراً؛ فإنهم لحمي وفصيلتي، فاحفظوا منهم ماتحفظون مني)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وهذا قليل من كثير، والمقام أوضح من أن يحوج إلى تطويل وتكثير، وقد صادف مناسبة للمقصود، وارتباطاً بالمطلوب، وما حمل عليه إلا واجب النصح والتذكير؛ إن أريد إلا الإصلاح مااستطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ونعود إلى المقصود، بعون الملك المعبود.
والله ـ عز وجل ـ يقول: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الطور:21].
وإجماع الأمة على كونهم ـ أعني ذرية الخمسة ـ آل الرسول وأهل البيت والعترة لا اختلاف في ذلك؛ وإنما الخلاف في إدخال غيرهم معهم؛ والأدلة القاطعة /74
تقضي بعدم المشاركة لهم كما سبق.
[الرد على تفسير زيد بن أرقم للآل بالمعنى الأعم]
وأما تفسير زيد بن أرقم لأهل البيت بآل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل، فإنما حمله على الذين حرمت عليهم الصدقة، وهو معنى عام للآل، مخصوص الاستعمال في حديث الصدقة لاغير، وهو مجاز من باب التغليب للمعنى الحقيقي الذي هو آل علي (ع) على غيره، وقد صرح زيد نفسه بحمله على الذين حرموا الصدقة؛ هكذا في الخبر.
قال في تخريج الشافي: مع أن زيداً قد أخرج الزوجات ـ أي فيكون حجة على المخالف.
قلت: وكذا أخرج بقية بني هاشم وبالأولى بني المطلب، وسائر قريش، فليس لأهل هذه الأقوال فيه متمسك، وهو رد عليهم جميعا،ً قال: ولعله من جملة ماكتمه كما كتم حديث: ((من كنت مولاه)) فذهب بصره؛ فتأمل.
قلت: وقد ظهر من حاله أنه تاب عن ذلك بعد أن وقعت له الآية، وقد ذكر في الطبقات أنه كان من خواص علي (ع) وشهد معه صفين.
هذا وكذلك روايته المرفوعة؛ قال الإمام الناصر عبدالله بن الحسن (ع): لنا في الجواب عن هذا الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن حديث الكساء وحديث الثقلين جاءا متواترين، ولم تثبت هذه الزيادة إلا بهذه الطريق؛ فهي شاذة منكرة.
الوجه الثاني: أن في رجال إسناده من لايرتضى، فمنهم: أحمد بن بشار مجهول، ومنهم: أبو عوانة وضاح بن عبدالله الواسطي البزار؛ قال أحمد وأبو حاتم: إذا حدث من حفظه وَهِمَ ويغلط كثيراً، وضعفه ابن المديني عن قتادة.
قال: ثم لو سلمنا صحته وسلامته عن كل قادح، فهو آحادي ظني، إلى آخر كلامه (ع).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج في سياق الجواب عن هذا: وإن رواية الرفع مقدوح في رجالها، وإنها آحادية لاتصلح أن تعارض المعلوم من أخبار الكساء، القاضية بأن أهل البيت المطهرين علي، وفاطمة، وأولادهما.
إلى قوله: وقد تقدم من حديث سعد بن مالك قوله: فنودي فينا (ليخرج من كان في المسجد إلا آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ) فجاء /75
العباس فقال: يارسول الله، أخرجت أعمامك إلخ؛ فإنه يفيد أن الآل يختص بمن بقي في المسجد وليس إلا الأربعة، كما هو في خبر سد الأبواب.
قلت: وهو صريح في عدم إطلاق الآل على العباس ـ رضي الله عنه ـ وغيره من القرابة؛ إذ هو أقربهم، ماعدا أهل الكساء، ويعارض حديث ابن أرقم أيضاً.
قال: والحديث أخرجه الكنجي، والنسائي.
قلت: وفي أخبار الكساء عن عبدالله بن جعفر الطيّار - رضي الله عنهما - قال: لما نظر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى الرحمة هابطة قال: ((ادعوا لي آلي، ادعوا لي آلي)) قالت صفية: من يارسول الله؟ قال: ((أهل بيتي: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين)) فلما جاءوا إليه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ألقى عليهم كساءه؛ ثم رفع يديه وقال: ((اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد)) وأنزل الله سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
قال ـ أيده الله ـ: وكذا قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن مسجدي حرام)) إلى قوله: ((إلا على محمد وأهل بيته: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين)). من حديث أخرجه البيهقي، عن أم سلمة؛ والصفار، عن أسماء بنت عميس.
وقد قالت عائشة: إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دعا لأخيها محمد بن أبي بكر بأن قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وارزقه محبة أهل بيت نبيك)) قالت: فقاتلني بالبصرة؛ فذكرت الدعوة؛ روى معناه الهادي بن إبراهيم.
قلت: ورواه صاحب قواعد عقائد آل محمد (ع).
ومما ورد في هذا المعنى عن علي ـ صلوات الله عليه ـ قال: قلت: يارسول الله مم خلقت؟
وساق حديثاً طويلاً.
...إلى قوله: فقال: ((فَخُلِقْتَ وأهل بيتك في القسم الأول، وخَلَقْتُ أزواجك /76
وأصحابك من القسم الثاني، وخَلَقْتُ من أحبكم من القسم الثالث)) إلخ.
انتهى من شرح هداية ابن الوزير، للسيد الإمام صلاح بن أحمد المؤيدي (ع).
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول من يلحقني من أهلي أنتِ يافاطمة؛ وأول من يلحقني من أزواجي زينب)) أخرجه ابن عساكر عن واثلة.
[تواتر خبر تبليغ علي لسورة براءة]
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وبعث النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر ببراءة، فدعاه وقال: ((لايبلغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي)) فبعث بها مع علي؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى سماك عن أنس؛ وبلفظ ((من أهلي)) من طريق أخرى عنه عن أنس أيضاً؛ إلى أن قال: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي وإن علياً من أهل بيتي)) وذلك عند أخذ براءة من أبي بكر؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن جميع بن عمير عن ابن عمر.
إلى قوله: وأخرج ـ أي النسائي في الخصائص ـ حديث بعث أبي بكر ببراءة ثم أخذها منه إلى علي؛ ثم قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهلي)) أو ((من أهل بيتي)) أو ((مني)) عن علي، وعن أنس، وعن سعد، وعن جابر، على اختلاف الروايات.
قال ـ أيده الله ـ: وقد أخرج الكنجي حديث براءة عن سعد بن أبي وقاص بلفظ: ((إنه ليس يبلغ عني إلا رجل مني من أهل بيتي)).
قال: وقد روى أبو الحسين عبد الوهاب الكلابي، عن أنس بن مالك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعث أبا بكر ببراءة؛ فلما قفَّى دعاه ودفعها إلى علي وقال: ((لايبلغها إلا رجل من أهلي)).
وأخرجه أحمد بن /77
حنبل عن أنس وعن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود، والترمذي عن أنس؛ من تفريج الكروب.
قلت: ورواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، من ثمان طرق بلفظ: ((أو رجل من أهل بيتي)) أو ((رجل من أهلي)).
وخبر تبليغ علي (ع) لبراءة وأخذها من أبي بكر متواتر، قد روته طوائف الأمة، من المحدثين والمفسرين، وجميع النقلة، وليس فيه متمسك لجواز النسخ قبل إمكان العمل؛ فيرد على أهل العدل؛ لعدم التصريح في الروايات المتواترة بالأمر لأبي بكر بقراءتها؛ وإنما المعلوم بعثه بها وأخذها منه، فليس المأمور به والمقصود منه إلا أخذها، والسير بعض المسافة، على اختلاف الروايات؛ لما فيه من الحكمة ببيان عدم صلاحية أبي بكر لذلك؛ وأنه لا يقوم مقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في أمثال هذا المقام إلا وصيه وأمينه، وسيد أهل بيته، وخليفته على أمته.
[تعللاتهم في صرف الخلافة]
ولأمر ما، احتج بذلك ترجمان القرآن، وبحر العلم، وحبر الأمة، عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ على عمر بن الخطاب، لما تحاورا في أمر الخلافة، فقال عمر: ما أرى صاحبك إلا مظلوماً.
فقال ابن عباس: فاردد إليه ظلامته.
فمضى يهمهم ثم قال: ياابن عباس، ماأظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه.
فقال ابن عباس: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.
...إلى آخر المحاورة.
رواه أبو بكر الجوهري بإسناده إلى ابن عباس، ورواه الزبير بن بكار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وروى طرفاً منها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة /78
(ع) في الشافي، وفيه: قال عمر: هو والله لها أهل، ولكن الناس يستصغرونه.
قال ـ أي ابن عباس ـ: قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، يستصغرونه على الخلافة ولا يستصغرونه يوم أقحم على الناس عمرو بن عبد ود العامري فكاعت عنه الفرسان، وأحجمت الشجعان، فبرز إليه فقتله؛ ولا استصغروه يوم خيبر، يوم رجعت راية رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرة بعد أخرى، حتى أخذها فكان الفتح على يديه ـ وعدّ أشياء.
قال عمر: هو ماتسمع ياابن عباس...إلى آخر الكلام المروي في الجزء الرابع من الشافي، وهو من جملة تعللات عمر ومن تبعه في صرف الأمر عن وليه، فتارة يقول: استصغره الناس.
وأخرى: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة.
ومرة: خفناه على اثنتين: صغر سنه، وحبه بني عبد المطلب.
وأخرى: لاتجتمع عليه قريش؛ ونحوها من الأعذار الباردة، التي لا تقوم بها حجة، ولا تكون فيها معذرة للمدافعة، في وجوه النصوص المعلومة، من الله تعالى ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، التي بلّغهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إياها على مرور الأعوام، وسمعوها ووعوها وأقروا بها في مقام بعد مقام، وهي مستوفاة في الشافي، وشرح النهج، وغيرهما من البسائط؛ وذلك باب متسع الأطراف، يطول فيه الكلام، فالحكم لله والموعد يوم القيام.
هذا، وقد بيّن ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ العترة بأهل البيت وأهل البيت بالعترة، في أخبار الثقلين، والكساء، وغيرها.
[معنى العترة لغةً وشرعاً]
والعترة نسل الرجل لغةً وعرفاً وشرعاً؛ إلا ان الشرع حكم بدخول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في معنى عترة الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - /79
قطعاً، كما في أخبار الكساء من الإشارة إليهم بهؤلاء أهل بيتي، وعترتي، وغيرها مما لايحصى؛ بل هو إمامهم وسيدهم المقدم، والمقصود الأعظم، بما ورد فيهم ـ صلوات الله عليهم ـ على العموم، وقد قال أبو بكر: علي بن أبي طالب عترة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لما علم أنه أعظم مقصود، وأجل معهود.
قال في جواهر العقدين: أخرجه الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار قال: سمعت أبا بكر يقول: علي بن أبي طالب.. إلخ.
قال الشريف في الجواهر: أي الذين حث على التمسك بهم.
إلى قوله: ولهذا خصه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من بينهم يوم غدير خم، بما سبق من قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) قال: وفي رواية عقيب قوله: ((وعاد من عاداه وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، أخرج هذه الرواية البزار برجال الصحيح، إلا فطر بن خليفة، وهو ثقة.
وفي رواية: أخرجه الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص فقال أبو بكر وعمر: أمسيت ياابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ثم ساق مالا يسعه المقام.
نعم،قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي: ولهذا أكد حديث الثقلين بذكر العترة، وهم الذرية لغةً وعرفاً.
أما اللغة؛ فإنه أخذ من العتيرة وهو نبت في البادية، سمي به أولاد الرجل وأولاد أولاده؛ ذكره ابن فارس في المجمل وغيره.
وأما العرف؛ فمتى أطلق لفظ العترة لم يسبق إلى الفهم إلا الأولاد، دون الأقارب.
على أن العترة لو كانت في الأصل هم القرابة لكان الحكم للعرف، كما يعرفه أهل المعرفة، انتهى.
وممن نص على ذلك من أئمة اللغة: صاحب كتاب العَيْن فقال حاكياً عن /80
العرب: عترة الرجل هم ولده، وولد ولده.
وقال ابن الأعرابي: عترة الرجل ولده وذريته وعقبُه من صلبه.
قال: فعترة الرسول، ولد فاطمة البتول، انتهى، وهذا المروي عن ابن سيده.
وقال إمام أئمة اللغة والشرع، الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع): إنما سمّاهم عترة؛ لأن الولد عند والده أطيب ريحانة من عترة المسك؛ ولهذا تقول العرب للولد: ريحانة أبيه، ولاشك أن عترة المسك أطيب من الريحانة؛ فسمَّاهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأطيب الطيب، وجعل ذلك صفة لهم غير مشتركة، انتهى.
قلت: وفي القاموس: والعترة قلادة تعجن بالمسك، ونسل الرجل ورهطه وعشيرته الأدنون، انتهى.
وفي صحاح الجوهري: وعترة الرجل نسله ورهطه الأدنون، انتهى.
قلت: وما ذكراه من الرهط والعشيرة الأدنين على فرض تسليمه في غير النسل، يجاب عنه بما تقدم من قصر الشرع لذلك على من ذكر.
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: إلا أن ذلك ـ أي ما ذكره الجوهري ـ لايمنع من غلبة استعماله هنا في نسله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وجريان العرف بذلك، ومصير استعماله في غيره على جهة المجاز العرفي.
قال (ع): وأجاب في العمدة: بأن العترة هم أولاد الرجل وأولاد أولاده دون غيرهم؛ لأن هذه اللفظة متى أُطلقت سبق ذلك إلى الأفهام؛ ولاخلاف في تناولها لمن ذكره حقيقة، وإنما الخلاف في تناولها لغيرهم؛ فإذا لم يكن عليه دليل وجب قصرها عليهم، انتهى.
قلت: وأيضاً قد أفادت الأدلة أن إجماع المتصفين بأهل البيت والآل والعترة حجة قطعاً، والإجماع واقع من الأمة أن غير الأربعة وذريتهم غير /81
معتبر في إجماعهم قطعاً؛ لأن الأمة بين قائلين: قائل بحجية إجماعهم وهم هؤلاء لاغير، وقائل بعدمه وقد بطل قوله قطعاً؛ فتحصل أنهم هؤلاء وإلا بطلت الأدلة، وخرج الحق عن أيدي الأمة وهو باطل، وهذا واضح جلي عقلاً وشرعاً.
وهذا كله على فرض عدم البيان من الشارع؛ فأما مع ورود البيان القاطع، على قصر ذلك على الأربعة وذريتهم ـ صلوات الله على أبيهم وعليهم أجمعين ـ فلا اعتبار بغيره ولا اعتداد بسواه؛ إن فرض ثبوته، كما علم ذلك في سائر الاستعمالات الشرعية، المنقولة من المعاني اللغوية، كالصوم والصلاة، والحج والزكاة.
والحقائق الشرعية مقدمة في خطابات الشرع قطعاً، فكيف إذا تطابقت البراهين على ذلك لغة وشرعاً؟
ودلائل اختصاصهم بذلك قد عُلِمت بالطرق المعلومة الموصلة إلى القطع، كأخبار الكساء المفيدة للحصر والقصر عليهم بطرق عديدة، وما لايحصى كثرة، كتاباً وسنة؛ وليس بعد بيان الله تعالى ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيان، ولا أقوى ولا أقوم من برهانه برهان؛ وكم ورد في السنة الشريفة مما تواتر، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سره أن يحيا حياتي)).. إلى قوله: ((فليتول علي بن أبي طالب)) إلى قوله فيه وفي ذريته: ((وهم عترتي خلقوا من لحمي ودمي)) الخبر، وقد تقدم بطرقه.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي)) أخرجه ابن عساكر عن جابر ـ رضي الله عنه ـ.
وقول وصيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وقد سُئل عن العترة في خبر ((كتاب الله وعترتي)): أنا، والحسن، والحسين، والأئمة إلى المهدي، لا يفارقون كتاب الله، ولايفارقهم، حتى يردوا على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ حوضه /82
أخرجه أبو جعفر القمي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه.
وقوله ـ صلوات الله عليه ـ لما قُبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: قلنا: نحن أهله، وورثته، وعترته، وأولياؤه، دون الناس؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ماكنا لهم عليه.
وغير ذلك من المأثور، لايحيط به المسطور، مما علم لهم في كتاب الله، وتواتر من سنة رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ معنى، أو لفظاً ومعنى، مما يفيد اصطفاء الله تعالى لهذه الصفوة واختياره لتلك الخيرة، واختصاصه تعالى لهم بأجل الفضائل، وإنزاله إياهم أفضل المنازل.
[بحث حول: آية المباهلة]
نحو قوله عز وجل:
{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران].
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، (ع) في سياق خبر المباهلة: وهذا الخبر مفيد جداً؛ لأنه أثبت أن ولدي علي ولدان لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: وأثبت أن المراد بقوله في الآية: {نساءنا } فاطمة، فخرجت زوجاته عن مقتضى الآية والخبر.
ولاخلاف بين الأمة أنه لم يدع أحداً من زوجاته.
...إلى قوله: وأن المراد بقوله {أنفسنا }: محمد، وعلي ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ؛ فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؟!
وكيف يعتري الشك في كونه أفضل /83
الصحابة رضي الله عنهم؟
وكم من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون، ويتلونها وهم عنها عمون. انتهى.
[الإجماع على صحة خبر المباهلة]
وقال الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد بدر الدين (ع) في الينابيع: أطبق أهل النقل كافة، مع اختلاف أغراضهم واعتقاداتهم ـ يعني على خبر المباهلة ـ.
وقال أخوه الإمام الأوحد، الحسن بن محمد (ع): متواتراً.
وقال والدنا الإمام عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: أطبق أئمة النقل وجمهور العلماء على ذلك...إلخ.
ولا نزاع في هذا بين العترة والأمة، وممن روى ذلك: الحسن، والشعبي، والسدي، والحاكمان: الجشمي والحسكاني، وأبو نعيم، والثعلبي، والخوارزمي، والزمخشري، والبيضاوي، والرازي، وأبو السعود.
ومن ألفاظ الرواية، من طرق العامة: مارواه الحاكم، صاحب المستدرك، عن عامر بن سعد؛ وقال: حديث صحيح، لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا } إلخ [آل عمران:61]، دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلي)).
[مخرجوا خبر المباهلة]
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وأخرجه ـ أي هذا الخبر الذي رواه الحاكم ـ محمد بن يوسف الكنجي وقال: أخرجه مسلم في صحيحه.
وقال في موضع آخر من مناقبه: وأخرجه أحمد بن حنبل عن غير واحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والتابعين.
...إلى قوله: وقال الحاكم أبو القاسم في حديثه عن عامر: لما نزل قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا } [آل عمران:61]..إلخ. /84
رواه مسلم، والترمذي.
وقال في الإقبال : ولمسلم، والترمذي عن سعد ـ وذكر الحديث.
قلت: وقد تقدم مافي الإقبال بلفظه في الاستدلال بما فيه من صيغة الحصر وهي: ((اللهم هؤلاء)) كما في خبر الكساء.
وقال يحيى بن الحسن القرشي في منهاجه: أجمع الناس على أنها ـ أي {فَقُلْ تَعَالَوْا } الآية ـ، نزلت في الخمسة الأشباح. انتهى.
[كلام نفيس للزمخشري حول آية المباهلة]
قال في الكشاف: فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به، وبمن يكاذبه؛ فما معنى ضم الأبناء والنساء؟
قلت: ذلك آكد في الدلالة، على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته، وأفلاذ كبده، وأحب الناس إليه، لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له؛ وعلى ثقته بكذب خصمه، حتى يهلك خصمه، مع أحبته وأعزته، هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة.
إلى قوله: وقدمهم في الذكر على الأنفس؛ لينبه على لطف مكانهم، وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس، مفدّون بها؛ وفيه دليل لاشيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع)، وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
وقال في سياق القصة: فأتوا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: ((إذا أنا دعوت فأمِّنوا))، فقال أسقف نجران: يامعشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولايبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: ياأبا القاسم، رأينا ألا نباهلك.
...إلى قوله: وقال: ((والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران /85
وأهله، حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا)).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود؛ فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال: (({إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33])) انتهى كلامه.
فانظرإلى كلامه هنا في أهل الكساء وروايته لما في آية التطهير؛ ولمَّا وصل إلى موضع أخبار الكساء في تفسير آية التطهير: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } [الأحزاب:33]..الآية نسي أو تناسى مانقله، ونقلته جميع الطوائف، وعلمه الموافق والمخالف، فأتى بعبارة تفيد خلاف ذلك، فقال: وفي هذا دليل بين على أن نساء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من أهل بيته.
وكلامه هذا يحتمل معنيين:
أحدهما: أن الآية نازلة في النساء على الخصوص، وقد حمل كلامه عليه بعضهم؛ وذلك مخالف لصريح المعلوم، من أخبار الكساء، ورد لما علم بإقراره وإجماع الخصوم.
والثاني: أنها نازلة في أهل البيت، وأنه يتناولهن على سبيل العموم، وذلك باطل؛ لمخالفة المعلوم أيضاً، من الأدلة الناطقة بالحصر والقصر على العترة المطهرة، كما سبق؛ ولو لم يكن من ذلك إلا رد أم سلمة - رضي الله عنها -؛ فيالله العجب! كيف يصنع الهوى بأهله؟! فهذه مهواة زلّت فيها قدمه، ولم ينفعه علمه وفهمه؛ وأجمل مايحمل عليه الرجوع عن التفسير هذا بما صرح في آل عمران؛ لأن مافي /86
الأحزاب سابق في الوضع؛ لكونه ابتدأ بالجزء الآخر، وإلا فقد تناقض القولان، مع مافي مخالف المعلوم منهما من البطلان، والله المستعان، والمستعاذ به من الخذلان.
[الكلام على آية المودة ـ رواة تفسيرها]
هذا، ومما خصهم الله ـ جل جلاله ـ به من الفضل المبين، جعلهم أولي قربى سيد المرسلين، المرادين بإيجاب مودتهم على التعيين، المستلزمة لعصمتهم ولزوم متابعتهم على الخلق أجمعين، والمبالغة في ذلك الإكرام والإعظام، بكونه أجراً لسيد الأنام، على تبليغ الرسالة، وإنقاذ الأمة من الضلالة، ودعائه العباد إلى الهداية التي هي أعظم الإنعام، وأبلغ المنن الجسام؛ فقال ـ جل وعلا ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23].
قال الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم (ع): لما نزلت آية المودة قيل للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هم علي، وفاطمة، وأبناؤهما)).
وفي أمالي الإمام المؤيد بالله (ع) بإسناده عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خبر المناشدة: هل فيكم من أحد أمر الله بمودته من السماء حيث يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] /87
غيري؟ قالوا: اللهم لا نعلمه...إلخ.
وقال الحسن السبط ـ صلوات الله عليه ـ في خطبته: ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في أماليه.
وقال أيضاً: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم، فقال فيما أنزل على رسوله: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } [الشورى:23]، رواه أبو علي الصفار، والكنجي عن أبي الطفيل، ورواه الدولابي عن زيد بن الحسن، ورواه عنه البزار، والطبراني.
وفي شواهد التنزيل: بإسناده عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قال: فينا آل محمد آية؛ لايحفظ مودتنا إلا كل مؤمن؛ ثم تلا: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، انتهى.
ورواه أبو الشيخ، إلا أن مكان آل محمد، آل حم.
وأخرج الطبراني عن زين العابدين (ع) مامعناه أنه قال للشامي: أما قرأتَ {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]؟.
قال: وأنتم هم؟.
قال: نعم.
وروى الإمام المرشد بالله (ع) بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما نزلت {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، قالوا: يارسول الله، ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: ((علي، /88
وفاطمة، وابناهما)).
ورواه في الكشاف، ورواه الحاكم الحسكاني في الشواهد، مسنداً إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من نحو ثمان طرق.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وأخرجه الكنجي، عن ابن عباس، وقال: هكذا أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، وكذا رواه الحاكم في مناقب الشافعي، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن عباس، أفاده ابن حجر العسقلاني في التخريج. انتهى.
وفي شرح الهداية للسيد الإمام الأوحد، صلاح بن أحمد بن المهدي المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ: وأخرجه أحمد، والطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم، عن ابن عباس انتهى ـ يعني بلفظ: ((علي، وفاطمة، وأبناؤهما)) ـ.
ورواه إمام الشيعة، أبو جعفر محمد بن سليمان الكوفي، قاضي الإمام الهادي إلى الحق (ع) وتلميذ محمد بن منصور المرادي - رضي الله عنهم - في مناقبه، بإسناده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ورواه الثعلبي في تفسيره، وابن المغازلي الشافعي في مناقبه، وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وهو في رواية الحاكم من ثلاث طرق؛ وروى البخاري، ومسلم عن سعيد بن جبير تفسير القربى في الآية بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: وروى الكنجي بإسناده قال: جاء أعرابي إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وساق إلى أن قال بعد عرض الشهادة عليه: تسألني عليه أجراً؟
قال: ((لا إلا المودة في القربى)).
فقال: قرابتي أو قرابتك.
قال: ((قرابتي)).
قال: هات أبايعك؛ فعلى من لايحب قرابتك لعنة الله.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((آمين)).
وروى الحاكم ـ قلت: أي الحسكاني كما في الإعتصام ـ بإسناده عن أبي أمامة الباهلي؛ وروى ابن المغازلي نحوه عن جابر قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله خلق الدنيا من أشجار شتى، وخُلِقْتُ أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، /89
وأشياعنا أوراقها؛ فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى؛ ولو أن عبداً عبدالله بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام؛ حتى يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا، لكبّه الله على منخريه في النار))، ثم تلا: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
[تفسير: ومن يقترف حسنة ـ تفسير خير البرية]
إلى قوله: وروى عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } إلخ قال: هي المودة لآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ رواه عنه من خمس طرق، ورواه عن السدي.
وروى عن علي (ع) أنه قال لأبي عبدالله الجدلي: الحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة حبنا، والسيئة التي من جاء بها أدخله الله النار بغضنا؛ رواه عنه من طريقين؛ ورواه الثعلبي عن أبي عبدالله الجدلي، ورواه الحاكم بإسناده عن علي.
وعن أبي برزة الأسلمي في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، قال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((هم أنت ياعلي وشيعتك))، ورواه فرات الكوفي عن الباقر من ثلاث طرق، وفي واحدة بزيادة: ((راضين مرضيين))، ورواه عن ابن عباس بزيادة: ((وتأتي أنت وشيعتك راضين مرضيين ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين)).
قال: ورواه الفضل بن شاذان المقري ـ أي بسند متصل برجال سند الحاكم ـ، ورواه عن أبي بريدة.
إلى قوله: وروي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم-: ((خير البرية علي)) ورواه فرات عن معاذ وعن ابن عباس.
قلت: وفي الاعتصام: قالا: علي بن أبي طالب (ع) مايختلف فيه أحد. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ: وروى الحسن بن علي الصفار، بإسناده إلى جابر بن /90
عبدالله قال:كنا عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فأقبل علي فقال: ((قد أتاكم أخي))، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده وقال: ((والذي نفسي بيده، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة))، ثم قال: ((إنه أولكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية)) قال: ونزلت{إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، من الأربعين له ـ رحمه الله ـ.
إلى قوله: رواية الفقيه حميد الشهيد لهذا الحديث، عن جابر.
وأخرجه الحافظ ابن عقدة، والخوارزمي، عن جابر، وأخرجه محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي عن جابر وفيه زيادة: وكان أصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية.
وقال: رواه ابن عساكر بطرق؛ ورواه الحاكم الحسكاني، وأخرج الكنجي حديث أبي أمامة الباهلي الذي رواه الحاكم عنه كما رواه الحاكم وقال: رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه ورواه محدث الشام ـ قلت: يعني ابن عساكر ـ بطرق شتى. انتهى بتصرف.
قال ابن الإمام (ع) في شرح الغاية: وخرج ذلك ـ يعني نزول {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، ـ في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وأتباعه ـ رضي الله عنهم ـ، عن علي وابن عباس وأبي بردة وبريدة الأسلمي ومحمد بن علي الباقر عن آبائه، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، ومعاذ وغيرهم. ولن يكون خير البرية إلا والحق معه /91
[تواتر أحاديث حب علي (ع)]
وأما أحاديث حب علي فقد بلغت حد التواتر، وخُرّجت عن علي، وابن عباس، وعمر، وابن عمر، وأبي ذر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وأبي بردة، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وزيد بن أرقم، وسلمان الفارسي، وأبي رافع، وأم سلمة، وعائشة، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وعمران بن حصين، وأبي ليلى الأنصاري، وجرير البجلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وسلمة بن الأكوع، وسهل بن سعد الساعدي، وعبدالله بن أحجم الخزاعي، وعامر بن سعد، وغيرهم.
ولن يكون حبه علامة الإيمان، وبغضه علامة النفاق إلا والحق معه. انتهى.
هذا، وقد علم مافي أخبار الثقلين، والمباهلة، ونحوها، من أعلام النبوة، ودلائل الرسالة، أما المباهلة فواضح، وأما أخبار التمسك، والثقلين، والنجوم؛ فلما فيها من الإعلام ببقاء أهل هذا البيت النبوي الشريف، وعدم انقطاعهم إلى انقطاع التكليف، وأنهم حملة حجته، وأمان أمته، وهداة أهل ملته، إلى الدين الحنيف، فالكتاب والعترة متلازمان، لن يفترقا إلى آخر الأزمان.
وقد علمت الأمم حق مخبراتها، وصدق مدلولاتها، ومافي أخبار الثقلين من الإعلام لأمته، باقتراب نقلته، وإجابته لداعي ربه، والإشارة إلى مايكون من كثير من صحابته وغيرهم، من التغيير والتبديل، كما في أخبار ورود الحوض، وهي على انفرادها متواترة معلومة، عند جميع فرق الأمة، تركناها خشية الإطالة.
وفيها، وفي أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين، أقوى دلالة على /92
وقوع التبديل، وبطلان مايدعونه لكافة الصحابة من التعديل، وأن ماورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية من الثناء عليهم والتعظيم لهم والتبجيل، ليس على العموم، كما هو معلوم، بل هو خاص بآل محمد - صلوات الله عليهم - وبمن قام بفرائض الله تعالى، وارتدع عن محارم الله، واستقام على ماأمر الله تعالى به من موجبات الصحابة، وأدى ماألزمه الله تعالى لرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من حقوق القرابة، واستمسك بالكتاب المبين، وعترة الرسول الأمين، الذين هما خليفتاه في الأرض، إلى يوم العرض؛ وإلى هذا أشار الإمام يحيى شرف الدين (ع)، بقوله في القصص الحق:
وكلّهم عندنا عدل رضىً ثقة .... حتم محبته حتم تولّيهِ
إلا أناساً جرى من بعده لهمو .... أحداث سوء وماتوا في أثانيهِ
من ردّة ومروق والخروج عن الـ .... أمر الإلهي والقسط المنافيهِ
ماقلتُ إلا الذي قد قال خالقُنا .... في ذكره أو رسولُ الله حاكيهِ
فكلّ حادثة في الدين قد وردت .... وفتنة وامتحان من أعاديهِ
الأبيات.
[خبري السفينة]
هذا، وفي معنى ما تقدم إخباره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن أهل بيته في أمته كسفينة نوح، وباب حطة، وباب السلم.
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى)) رواه إمام اليمن الهادي إلى الحق (ع) في الأحكام؛ وهو خبر معلوم بالتواتر، لااختلاف فيه بين الأمة.
ورواه من أئمة العترة (ع) الإمام علي بن موسى الكاظم في الصحيفة، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله في أماليهما، والإمام أبو عبدالله الموفق بالله /93
الجرجاني، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وغيرهم (ع) كثير.
قال الإمام يحيى شرف الدين (ع): حديث: ((أهل بيتي كسفينة نوح)) أخرجه الحاكم من وجهين عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، ولفظه: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - يقول: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، ومثل باب حطّة في بني إسرائيل)) وفي الوجه الآخر بدون ((ومثل باب حطة...إلخ)).
قلت: وأخرجه عنه الإمام المرشد بالله (ع) بلفظ: ((ومن تخلف عنها هلك))، والإمام أبو طالب (ع) كذلك بدون ((ومثل باب حطة)) إلخ.
قال الإمام شرف الدين: وأخرجه أبو يعلى في مسنده، والطبراني في الصغير والأوسط من غير طريق، والفقيمي وأبو نعيم كذلك، وأبو يعلى عن أبي ذر - رضي الله عنه - أيضاً، والبزار، وابن المغازلي أبو الحسن، وزاد: ((من قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)) وأخرجه الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبزار، وغيرهم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وغيره.
وأخرجه ابن المغازلي عن سلمة بن الأكوع، وأخرجه البزار عنه، ورواه الطبراني في الصغير والأوسط أيضاً عن أبي سعيد الخدري. انتهى.
من الاعتصام: قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وفي ذخائر العقبى عن علي(ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زخ في النار)).
قال: أخرجه ابن السري.
وفيها أيضاً عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)).
قال ـ أي صاحب الذخائر ـ: أخرجه الملا في سيرته.
قلت: وأخرج الروايتين بلفظهما عن أمير المؤمنين (ع) وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في كتاب الجواهر للقاسم بن محمد اليمني الشقيفي.
قال الحسين /94
بن القاسم (ع): وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((فأين يتاه بكم عن علم تنوسخ من أصلاب أصحاب السفينة حتى صار في عترة نبيكم)) رواه الإمام المهدي (ع) في الغيث مرفوعاً؛ ووَقْفُهُ على علي (ع) أشهر. انتهى.
[الكلام على حديث السفينة ـ مخرجوه]
وقال في دلائل السبل: وقد أخرجه ـ أي خبر السفينة ـ من المحدثين الحاكم في مستدركه، وابن الأثير في نهايته، والخطيب ابن المغازلي في مناقبه، والكنجي في مناقبه، وأبو يعلى المحدث في مسنده، والطبراني في الثلاثة، والسمهودي في جواهر العقدين، وأخرجه الأسيوطي في جامعيه، وأخرجه الملا، وأخرجه ابن أبي شيبة، ومسدد، وهو في كتاب الجواهر للقاسم بن محمد اليمني المعروف بالشقيفي، وهو في ذخائر المحب الطبري الشافعي.
وأخرجه غيرهم ممن يكثر تعدادهم؛ وأكثرهم أخرجه بطرق كثيرة عن عدة من الصحابة منهم: علي ـ كرم الله وجهه ـ وابن عباس، وأبو ذر الغفاري، وسلمة بن الأكوع.
قلت: وأبو سعيد الخدري، وابن الزبير.
وأخرجه عن عمار أحمد بن حنبل، وعن أنس أحمد والترمذي، وعن ابن عمر الطبراني؛ أفاده السيوطي.
هذا، وقد تحصل هنا ـ بحمدالله ـ من الطرق مافيه الكفاية، وإن وقع التكرير في بعض فلا يخلو عن الفائدة.
قال في الدلائل: ولم يكن قاله النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرة؛ بل مرات، فلهذا في لفظ بعضه: ((ومن تأخر عنها هلك)) وفي بعضها: ((ومن تركها غرق)) وفي بعضها: ((ومن ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها زخ في النار)) وفي بعضها زيادة: ((ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال)) يعني: من قاتلنا في كل زمان. /95
قال في صحاح الجوهري: وقولهم: لاأفعله آخر الليالي أي: أبداً، انتهى باختصار.
وقد وضح البرهان، بما ورد في أهل بيت النبوة على أبلغ البيان، من وجوب التمسك بهم، وقصر النجاة على ركوب سفينتهم، وأنهم قرناء القرآن، وحجة الله في كل زمان.
[الكلام على خبر المنزلة ـ مخرجوه ـ تواتره]
هذا، وقد نزل الله سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين، من ابن عمه سيد المرسلين، ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بمنزلة نفسه كما نطق به الذكر المبين، وبمنزلة هارون من موسى، على لسان المصطفى، - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، كما تواترت به الأخبار عند جميع المسلمين، وهو قوله ـ صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)) هكذا رواه الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال الإمام الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم - عليهم الصلاة والتسليم -: وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ماكان يجب لهارون مع موسى، ماخلا النبوة؛ وهارون - صلوات الله عليه - فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، إلى آخر كلامه.
وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من قَبْل الإمامين الأعظمين ومن بعدهما وما بينهما، مجمعون على ذلك، محتجون بما هنالك.
وأما سائر فرق الأمة، فقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): فيه من الكتب /96
المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً، من غير رواية الشيعة، وأهل البيت. انتهى.
وقال الحاكم: هذا حديث المنزلة، الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. انتهى.
ورواه ابن أبي شيبة، ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، في صحيحيهما، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم صاحب المستدرك، والطبراني، والخطيب، والعقيلي، والشيرازي، وابن النجار.
وعلى الجملة، الأمر كما قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع): والخبر مما علم ضرورة، انتهى.
قال السيد الإمام الحسين ابن الإمام (ع) في شرح الغاية بعد سياق رواياته من كتب المحدثين: واتفق الجميع على صحته، حتى صار ذلك إجماعاً منهم.
قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حد التواتر.
[الرواة من الصحابة لحديث المنزلة]
قال ابن الإمام: وقد رواه عدد كثير من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، منهم: علي، وعمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وابن عباس، وابن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبدالله، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، ومالك بن الحويرث، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس؛ وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه عن سعد بن أبي وقاص من اثني عشر طريقاً، وعن أنس وابن عباس وابن مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. انتهى.
قلت: وقد ساق الإمام /97
المنصور بالله (ع)، في الشافي طرقه من كتب العامة، بما فيه كفاية؛ وفي إحدى الطرق المسندة مانصه: سأل رجل معاوية عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنه أعلم.
إلى قوله: قولك فيها أحب إلي من قول علي.
فقال: بئس ماقلت ولؤم ماجئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يُغِرُّ العلم غراً، ولقد قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي))؛ ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيأخذ عنه؛ ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا علي.
قم لاأقام الله رجليك.
ومحى اسمه من الديوان.
ومناقبٌ شهدَ العدوُّ بفضلها .... والحق ماشهدت به الأعداءُ
إلى قول الإمام (ع): وما ظهر منه من تعظيم علي (ع)، فبلطف من الله؛ لتكون الحجة عليه وعلى أتباعه؛ فما عذره عند الله في سب رجل هذه حاله. انتهى.
هذا، وقد تكرر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ البيان، بكون أمير المؤمنين (ع) منه بمنزلة هارون من موسى بن عمران (ع)، بالأفعال والأقوال، في مقامات جامعة كثيرة، ومقالات واسعة غزيرة.
[فائدة في دلالة الاستثناء على العموم]
وهذا الكلام الشريف النبوي، قد أوجب لسيد الوصيين، من سيد النبيين، كل منزلة كانت لهارون من موسى ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ إلا مااستثناه وهو النبوة؛ والاستثناء دليل العموم؛ إذ هو الإخراج من الحكم، والإرادة لما هو داخل بمقتضى الدلالة، فهو قرينة عدم الإرادة، ولايرد عليه الاستثناء المنقطع؛ إذ هو خلاف الأصل بالاتفاق، ولا الاستثناء من المحصور بالعدد، ولام العهد؛ إذ موجب الدخول قد حصل في المحصور بالحصر فلا عموم.
وأما مالا /98
حصر فيه فلا يدخل حتى يصح إخراجه إلا بالشمول، فثبت العموم كما قرر ذلك أرباب التحقيق في محله من الأصول، والله ولي التوفيق.
وأيضاً هذه الصيغة مفيدة للعموم وضعاً؛ إذ هي جنس مضاف إلى معرّف، وقد فَهِمَ عموم المنازل، واستحقاق أعلا المناقب وأعظم الفضائل، أعلامُ الأئمة وعلماء الأمة في الأواخر والأوائل.
ومنها: الشركة في الأمر، كما هو نص الكتاب، وورد في السنة الشريفة في أشرف خطاب.
ومن الأدلة التي يعلم بها قصد العموم: ماذكرناه سابقاً من تكرر وروده، في مقامات صدوره ووروده.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة، لما قال: إنه (ع) استخلف علياً على المدينة، كما استخلف موسى هارون على قومه عند خروجه إلى الطور: والجواب: أنا لم نستدل بسبب استخلافه على المدينة.
إلى قوله: والعمومات لايجوز قصرها على الأسباب، فإذا كان هكذا فالسبب الذي أورده لا يؤثر في الدليل على وجه من الوجوه، وعلى أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يقل هذا القول لأمير المؤمنين (ع) في ذلك الوقت فقط؛ بل أتت الروايات أنه قاله في مواطن كثيرة، وأحوال مختلفة، حتى روى بالإسناد يبلغ به ابن عباس، قال: بينما النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قاعداً، إذ أقبلت فاطمة تبكي؛ ونسق الحديث بطوله إلى أن قال لها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضين أن علياً مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
ومنها في رواية أخرى عن ابن عباس: أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال لأم سلمة: ((ياأم سلمة، هذا لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى؛ ياأم سلمة، هذا أخي في الدنيا وقريني في الجنة، تزول الجبال الراسيات ولايزول عن دينه)).
ومنها: أنه قال ذلك يوم خيبر.
وذكر الصاحب الجليل كافي الكفاة أن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ذكر ذلك في تسعة مواضع؛ فعلمنا أن الاعتبار بعموم اللفظ؛ لأن روايته غير مقصورة على سبب واحد.
إلى قوله: هي /99
مطلقة من غير مراعاة سبب، وعلى أن علياً (ع) ذكر ذلك يوم الشورى من غير سبب، وفي رواية الفقيه: رواه بعد قتل عثمان، فوجب أن يكون الاعتبار بعموم اللفظ. انتهى.
[مقامات خبر المنزلة]
ونشير ـ بإعانة الله تعالى ـ إلى تعيين ماتيسر من مقامات الخبر؛ لبيان ذلك، ولما يتضمن كل مقام من الحجج والدلائل؛ وإن كانت فضائله - صلوات الله عليه - بحراً ليس له ساحل؛ ولقد أحسن صاحب الهمزية حيث يقول:
كل لفظ له ابتدأت به استو .... عب أخبار الفضل منه ابتداء
والترتيب هذا في الذكر لا في الوقوع.
فالأول: ماتقدم في تبوك.
الثاني والثالث: ماأشار إليهما الإمام (ع)، في خبري فاطمة وأم سلمة ـ رضوان الله عليهما ـ؛ وقد رُويا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بطرق كثيرة.
الرابع: مارواه ابن عباس ـ أيضاً رضي الله عنهما ـ، أنه قال: قال عمر بن الخطاب: كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي ثلاث خصال، لأن يكون لي واحدة منهن، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس:
كنت أنا، وأبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، ونفر من أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ متكئ على علي بن أبي طالب، حتى ضرب بيده على منكبيه، ثم قال: ((ياعلي أنت أول المؤمنين إيماناً، وأولهم إسلاماً))، ثم قال: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وكذب عليَّ من زعم أنه يحبني ويبغضك))، أخرجه الحسن بن بدر في ما رواه الخلفاء، والحاكم في الكنى، والشيرازي في /100
الألقاب، وابن النجار؛ أفاده ابن الإمام (ع) في شرح الغاية.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: فكيف يقول عمر: أحب إلي مما طلعت...إلخ؟ وقد شارك علياً من هو دون عمر عند الناس.
وقال في موضع آخر: وقد استخلف النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كثيراً من الصحابة عند مغيبه على المدينة.
إلى قوله: ولم يرو في أحد منهم عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ماروي في علي من المنزلة؛ فلو لم يكن المراد إلا الاستخلاف على المدينة حال غيبته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يكن لتخصيص علي وجه؛ إذ قد شاركه البقية من الصحابة، ولم يكن لقول عمر....إلخ، وكذا قول سعد: لن أسب علياً مهما ذكرت خصالاً؛ وعدّ منها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون، إلخ)).
قلت: وكذا إيراد أمير المؤمنين (ع) له في مقامات الاحتجاج، كما في خبر المناشدة.
وقول علي بن الحسين (ع): ما خالف علياً أحد فسعد ولا رشد؛ وكيف لا يكون كذلك وهو من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى (ع)؟! رواه الإمام المنصور بالله (ع) بسنده إلى الباقر عن أبيه (ع).
وقول علي بن الحسين أيضاً: فمن هذا الذي هو من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى؟!! وهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون؟...إلخ، رواه عنه محمد بن سليمان من ثلاث طرق.
وقول شعبة بن الحجاج: فهارون أفضل أمة موسى، فيكون علي (ع) أفضل من كل أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، صيانة لهذا النص الصريح الصحيح ـ يعني خبر المنزلة ـ، رواه الكنجي، واستدل به جميع العترة المطهرة، الإمام الأعظم زيد بن علي فمن بعده ـ صلوات الله عليهم ـ على الإمامة كما ذلك معلوم.
هذا، وكذا قول الحسن البصري فيه ـ صلوات الله عليه ـ: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ايتمانه على براءة، وما قال له في غزاة تبوك؛ فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه، وقول النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((الثقلان كتاب الله وعترتي))، وأنه لم يُؤمّر عليه أمير قط، وقد أُمّرت الأمراء على غيره؛ رواه في شرح /101
النهج مع رواية أخرى عن الحسن ذكر منها براءته عن الانحراف، وفيها: ما أقول فيه؟ كانت له السابقة، والفضل، والعلم، والحكمة، والفقه، والرأي، والصحبة، والنجدة، والبلاء، والزهد، والقضاء، والقرابة؛ إن علياً كان في أمره علياً، رحم الله علياً، وصلى عليه.
قال الراوي: فقلت: يا أبا سعيد، تقول: صلى عليه لغير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؟.
فقال: رحِّم على المؤمنين إذا ذكروا، وصل على النبي وآله؛ وعلي خير آله.
قلت: هو خير من حمزة وجعفر؟.
قال: نعم.
قلت: وخير من فاطمة وابنيها؟.
قال: نعم، والله إنه خير آل محمد كلهم، ومن يشك أنه خير منهم، وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وأبوهما خير منهما)).
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لفاطمة: ((زوجتك خير أمتي)) فلو كان في أمته خير منه لاستثناه؛ ولقد آخى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بين أصحابه، فآخا بين علي ونفسه، فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خير الناس نفساً، وخيرهم أخاً.
إلى قوله: يا ابن أخي، احقن دمي من هؤلاء الجبابرة.
رواه ابن أبي الحديد عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي قال: ووجدته في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي. انتهى.
وهذا شيء عرض، ولنا فيه غرض.
قال ـ أيده الله ـ: كرر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذكر ذلك، في مواطن ويقول لعلي: ((أما ترضى)) وكيف يرضيه بأمر قد شاركه فيه من هو دونه؟ إن هذا لبين، وإنما العناد لاحيلة له.
وعلى أصل الفقيه، يكون قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أما ترضى))..إلخ أي: أما ترضى أن تكون بمنزلة ابن أم مكتوم وسائر الصحابة؟!!
وكيف يرجع علي راضياً مستبشراً حتى أنه رجع ساعياً، ورؤي غبار قدميه ساطعاً، من شدة عدوه، كما في حديث أخرجه أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك؛ ومحمد بن سليمان الكوفي كذلك؛ لأنه قد حصل له منزلة ابن أم مكتوم ونحوه؟!!
إن هذا من تحريف من قلبه مختوم، وعند الله تجتمع الخصوم. انتهى. /102
الخامس: في المقام الأعظم، والأمر المقدم، وذلك سبب نزول آية الولاية، ومن ألفاظ الرواية، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي مسنداً، قال: بينما عبدالله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذ أقبل رجل معتم بعمامة، فجعل ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لايقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إلا وقال الرجل: قال رسول الله، فقال له ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟
قال: فكشفَ العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري؛ سمعتُ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بهاتين وإلا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، يقول: ((علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أما إني صليت مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء؛ وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، فلم يعطني أحد شيئاً؛ وكان علي راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: ((اللهم إن موسى سألك فقال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري؛ فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } [القصص:35]، اللهم، وأنا محمد نبيك /103
وصفيك، اللهم، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري)).
قال أبو ذر: فما استتم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكلمة، حتى نزل عليه جبريل (ع)، من عند الله، فقال: يا محمد، اقرأ.
قال: وماأقرأ؟
قال: اقرأ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]. انتهى.
رواه (ع) من تفسير الثعلبي، ورواه الحاكم الحسكاني عن أبي ذر.
وروى مافي هذا الحديث من الدعاء بزيادة ((وأشركه في أمري)) محمد بن سليمان بسنده إلى أسماء بنت عميس، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وأخرجه عنها أحمد بن حنبل؛ ذكره الأمير في شرح التحفة؛ أفاده في التخريج.
قلت: وروى الإمام (ع) نحو حديث أبي ذر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: ((واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً اشدد به أزري، وأشركه في أمري)) ولم يذكر آية الولاية، وقال عقيب الدعاء: فأنزل الله تعالى على نبيه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)} [مريم]، إلى قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام)).
والله أنزل في علي كرائم القرآن. انتهى.
رواه في الشافي مسنداً.
ورواه ابن المغازلي، والفقيه حميد الشهيد، والحاكم الحسكاني، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقد ذكرت الكلام على هذه الآية الشريفة، وغيرها من الآيات والأخبار والآثار، في التحف الفاطمية ، شرح الزلف الإمامية، نفع الله تعالى بها بما فيه بلاغ لأولي الأبصار، فما أعدت الكلام هنا فيه على ماذكر هنالك؛ فلأجل إفادة لم تسبق، أو لانسياق البحث إلى ذلك، والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بعد ذكر الأسانيد: فقد اتفق الخاصة /104
والعامة، على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب (ع)؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته (ع)، ووجوب خلافته عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)، فهو الولي النافذ التصرف في الأمة؛ كما يقال: هذا ولي المرأة وولي اليتيم.
إلى قوله: وقد شرك سبحانه مع ولايته وولاية رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ثالثاً، وعينه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة، إشارة متفقاً عليها من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية، ماثبت لله تعالى ولرسوله على كافة خلق الله تعالى. انتهى.
[خبر الراية وقصة فتح خيبر]
السادس: في فتح خيبر، ومن ألفاظه الشريفة ما رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم (ع)، بإسناده عن جابر: أن علياً(ع)، لما قدم من خيبر بعد ما افتتحها، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي، ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً، لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب نعليك، وفضل طهورك، يستشفون به؛ ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيء بعدي، وأنك تبري ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنك غداً في الآخرة أقرب الناس مني، وأنك على الحوض خليفتي، وأنك أول من يكسى معي، وأنك أول داخل معي من أمتي الجنة، وأن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم، أشفع لهم غداً، ويكونون غداً جيراني، وأن حربك حربي، وسلمك سلمي، وأن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وأنك امرؤ /105
سريرة صدره كسريرة صدري؛ وأن ولدك ولدي، تنجز عداتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأمة يعدلك، وأن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك، حتى ترد الحوض معي)).
وأخرجه الخطيب ابن المغازلي بسنده عن جابر، وفيه بعد قوله: ((ولا يغيب عنه محب لك)) فخر علي ساجداً، وقال: الحمد لله الذي منَّ علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية، وأكرم أهل السماوات وأهل الأرض على ربه، خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وصفوة الله في جميع العالمين، إحساناً منه تعالى إليّ، وتفضلاً منه عليّ.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أنت ياعلي، ماعُرف المؤمنون بعدي؛ لقد جعل الله ـ عز وجل ـ نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك، يا علي، فأنت أعز الخلق وأكرمهم علي، وأعزهم عندي، ومحبك أكرم من يرد عليّ من أمتي)).
أفاده حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ في محاسن الأزهار.
ورواه الخوارزمي في الفصول، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)؛ كما ساقه هنا من دون اختلاف يخل بشيء من المعنى، إلا أن فيه زيادات نحو: ((وأنت باب علمي، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشرك أنك وعترتك في الجنة، وأن عدوك في النار)) قال: فخررت لله ساجداً، وحمدته على ماأنعم به من الإسلام والقرآن، وحببني إلى خاتم النبيين، وسيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[مخرجوا خبر فتح خيبر]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي بعد روايته لما تقدم: ورواه الإمام القاسم بن إبراهيم، من طريقة عبد الرزاق بن همام، بسنده إلى جابر، قال: لما قدم علي على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بفتح خيبر، قال له: ((لولا أن تقول فيك طوائف إلخ)).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى جابر بن عبدالله من طريقين.
ورواه ابن المغازلي بإسناده عن جابر في مناقبه.
ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر.
ورواه محمد بن منصور المرادي، بسنده إلى جابر؛ ذكره الإمام أحمد بن سليمان.
وقد روى هذا /106
السيوطي في الجامع الكبير، وساق سنده من طريق ابن المغازلي، عن جابر؛ ذكره محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة العلوية، وقال: وعلى فصوله شواهد.
وأخرجه الخوارزمي عن علي، والكنجي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف)) إلى آخر ماهنا بيسير اختلاف. انتهى.
[تواتر خبر فتح خيبر ـ دلالته على عصمة أمير المؤمنين (ع)]
نعم، وفي هذا الخبر إشارة إلى فتح خيبر، الذي وعد الله تعالى به رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشيد ذكره في الآيات؛ وقد أظهر الله تعالى فيه لسيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المعجزات النيرات، وأكرم به سيد الوصيين (ع) بغاية الكرامات البينات، وهو من المتواترات التي أطبق على نقلها أرباب الروايات؛ وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لما نزل بعسكر الإسلام، لمحاصرة خيبر، وقف المسلمون عدة أيام ينازلونهم فلا يفتح عليهم، وكان الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في تلك المدة قد أصابه الرمد، فأخذ أبو بكر اللواء، فرجع منهزماً يجبن أصحابه ويجبنونه؛ ثم أخذها عمر كذلك؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد أصابه ألم الشقيقة، فاشتد الخطب، وعظم الأمر، فخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على المسلمين، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)) فتطاول لها الناس؛ لما يعلمون من تأثر أمير المؤمنين (ع) وكان فيمن تطاول لها أبو بكر، وعمر.
قال الإمام في الشافي: وفي كثير من الروايات: فاستشرف لها كبار الصحابة كل يريدها لنفسه.
وفي بعضها: فأمسى المسلمون يدوكون ليلتهم. /107
انتهى.
فأرسل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمير المؤمنين (ع)؛ فقالوا: يا رسول الله، مايبصر.
قال: ((ائتوني به)).
فتفل في عينيه وقال: ((اللهم اكفه الحر، والبرد))، فما ضره بعد ذلك حر ولا برد، ولا ألم العيون؛ وأعطاه الراية، فنهض معه المسلمون، ولقي أهل خيبر، وخرج مرحب يرتجز بين أيديهم ويقول:
قد علمَتْ خيبرُ أني مرحب .... شاكي السلاح بطل مجرَّبُ
الأبيات.
فأجابه الوصي (ع):
أنا الذي سمتني أمي حيدرة .... كليث غابات شديد قسورة
الأبيات.
وضربه ضربة سمع أهل العسكر صوت ضربته، وما تتام الناس حتى فتح لأولهم واقتلع الباب وحمله، حتى صعد المسلمون عليه، وما حمله بعد ذلك دون أربعين؛ قال ابن أبي الحديد:
ياحامل الباب الذي عن رده .... عجزت أكف أربعون وأربعُ
وقال في أخرى:
وما أنس لا أنس الَّذَين تقدما .... وفَرَّهما والفرُّ - قد علما - حوبُ
عذرتكما إن الحِمَام لمبْغَضٌ .... وإن بقاءَ النفس للنفس محبوبُ
ويكره طعم الموت والموت طالب .... فكيف يلذّ الموت والموت مطلوبُ
قلت: وقد وردت الرواية بأخذ عمر للراية أولاً، وأبي بكر ثانياً، ثم عمر ثالثاً.
قال الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، جواباً على صاحب الخارقة مالفظه: لأن قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية غداً)) تعريف بأنه أحق وأولى، ولو كان أولاً وفتح الله على يديه لظن الناس أن غيره لو كان أعطيها لفتح الله عليه؛ فقدمهما ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ ليعرف تباين الأحوال؛ وتمييز موارد الرجال.
*وبضدها تتبين الأشياء *
ثم وصف ذلك /108
الرجل بأنه: ((يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)).
إلى قوله: وقوله (ع): ((كراراً غير فرار)) منه بيان تباين الحالين، حال مَنْ فَرّ في ذلك اليوم، وحال من يكر ولايفر؛ واقتضى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كراراً غير فرار)) أنهما سجيته (ع).
إلخ كلامه (ع).
[رواة خبر فتح خيبر]
وقد روى خبر فتح خيبر كما سبق حفاظ الأنام، وأئمة الإسلام، فمن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: الإمام الأعظم زيد بن علي، والإمام الناصر للحق، والإمام أبو طالب عن جابر من طريقين، والإمام المنصور بالله، والإمام الحسن، وأخوه الأمير الحسين، وغيرهم من أعلام أهل البيت، وشيعتهم، والعامة.
وقد جمع المولى العلامة الحسن في تخريج الشافي مافيه الكفاية، فقال أيده الله: وحديث الراية وقول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) فأعطى علياً وفتح خيبر على يديه.
رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة: عن أبي سعيد، وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه، وتجبينهم إياه؛ وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن عمران بن الحصين، وعن سهل، وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمر، وعن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر، من مناقبه.
وروى ابن المغازلي قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) إلخ بأسانيده، عن إياس بن سلمة عن أبيه من طريقين، وعن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن أبي سعيد الخدري من طريق، وعن بريدة من /109
طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص بطريق، وفي بعضها زيادة، وبعض نقص. من المناقب .
وكذا رواه في خصائص النسائي، عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد.
فأما عن سعد بن أبي وقاص فبثلاث طرق، وكلها متفقة على مايفيد عصمة علي(ع).
قلت: لإخبار الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقطع على محبة الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ له، والقطع على مغيب الوصي (ع)، بمحبته لله ولرسوله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقال ـ أيده الله ـ: وكذا رواه في الخصائص عن الحسن بن علي (ع)، وعن عمران بن حصين، وعن أبي هريرة من أربع طرق، وكذا عن ابن عباس من حديث التسعة الرهط الذين قال فيهم: أُفّ وقعوا في رجل له عشر خصال، ومنها قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يجب الله)) إلخ.
وذكر حديثاً فيه، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه))، فتطاولوا لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((أين علي؟)).
فقالوا: هو أرمد.
قال: ((فادعوه)).
فدعوه، فبصق في عينيه؛ ثم أعطاه الراية إلخ.
أخرجه ابن أبي شيبة والنسائي عن سعد بن أبي وقاص. من التفريج.
ومثل: حديث سعد، أخرجه أحمد، عن سعيد بن المسيب.
قال في التفريج: وحديث الراية أخرجه البخاري، ومسلم، وسائر المحدثين بألفاظ متقاربة.
وأخرجه مالك والدار قطني، والبخاري، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، من التفريج بالمعنى.
وأخرجه أبو طالب عن جابر من طريقين، وأصل الحديث: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)) فأعطى علياً.
رواه البخاري في آخر الجزء الثالث، رفعه إلى سلمة بن الأكوع، وإلى سهل بزيادة: فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أين /110
علي؟)).
فقالوا: يشتكي عينيه.
فدعا له فبريء.
ورواه في الجزء الرابع، رفعه إلى سهل أيضاً، وفي آخره قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك)) إلخ.
وفي الجزء الخامس، رفعه إلى سلمة، وإلى سهل.
ورواه مسلم في الجزء الرابع، بإسناده إلى عمر بن الخطاب، وإلى ابن عباس، وإلى أبي هريرة، ورواه عن سلمة بن الأكوع.
ورواه الترمذي بإسناده إلى سلمة؛ ذكره رزين في الجزء الثالث في الجمع بين الصحاح.
أفاد هذا، الإمام الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين.
وقد روى نحو حديث الثعلبي في الأصل ـ قلت: يعني الشاف،ي وهو خبر الراية ـ ابن المغازلي، والكنجي، والنسائي عن بريدة وفيه: أخذ أبو بكر أول يوم الراية، وفي اليوم الثاني عمر.
وأخرج نحوه بطوله محمد بن يوسف الكنجي عن بريدة، إلا أنه لم يذكر فيه التجبين، وقال: أخرجه ابن السمان.
وعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبيه قال: كان علي يخرج في الشتاء في إزار، ورداء، ثوبين خفيفين، وفي الصيف في القبا المحشو والثوب الثقيل، لا يبالي بذلك.
فقيل لأبي ليلى: لو سألته عن هذا.
فسأله فقال: وما كنتَ معنا يا أبا ليلى بخيبر؟
قال: بلى والله لقد كنت معكم.
وساق الخبر حتى قال: فقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار)) فأرسل إليّ فأتيته، وأنا أرمد لاأبصر شيئاً، فتفل في عينيّ وقال: ((اللهم اكفه الحر والبرد)) فما آذاني بعده حر ولابرد.
أخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، والبزار، وابن جرير وصححه، والنسائي في خصائصه، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور.
وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره)) قال: ((أين علي بن أبي طالب؟)).
قالوا: يارسول الله، مايبصر.
قال: ((آتوني به)) فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله /111
وسلم ـ: ((أُدْنُ مني))؛ فدنا منه فتفل في عينيه ومسحهما بيده، فقام علي من بين يديه كأن لم يرمد.
أخرجه مالك بن أنس، والبخاري، والدارقطني في سننه، وابن عساكر. انتهى شرح غاية.
ثم ساق الروايات إلى قوله: قال الحاكم: هذا حديث دخل في حد التواتر.
وقال أبو نعيم الأصبهاني: قال أبو القاسم الطبري: فتح علي خيبر ثبت بالتواتر.
إلى قوله: انتهى ماأردت نقله على جهة الاختصار، والأمر فيه أجلى من النهار، والحديث دليل على فضل علي وعصمته، والقطع على مغيبه، وأنه أحق الأمة بمقام أخيه محمد، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، في شرح التحفة: وهذه القضية من أشهر القضايا، رواها عدة من الصحابة.
وسرد جماعة من الرواة قد تقدموا.
إلى قوله: وهي من أشهر القضايا عند جميع الطوائف.
انتهى المراد من التخريج بتصرف يسير.
قال الأمير: قد اشتملت هذه القصة على معجزات للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعلى فضائل لوصيه (ع).
إلى قوله: فمن معجزاته الإخبار بالغيب من فتح خيبر، واستجابة دعوته، وشفاء الرمد بريقه في ساعته، وفي أنه (ع) يُكفى الحر والبرد.
إلى قوله: ومن الفضائل إخبار من لاينطق عن الهوى، أن وصيه (ع) يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهذه فضيلة تتضاءل عنها الفضائل؛ فإنها جملة تحتها جمل يعجز عن تفصيلها لسان كل قائل.
إلى قوله: كما أن الإخبار بأنه (ع) يحبه الله ورسوله، جملة تحتها أسفار من التفصيل.
إلى قوله: وكل فضيلة أخبر الرب ـ جل جلاله ـ أنه يحب المتصف بها، فقد دخل تحت الاتصاف بها، دخولاً أولياً.
قلت: يعني كالمحسنين والمتقين، والصابرين والمتطهرين.
قال: لأن الصادق المصدوق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قد أخبر أن الله يحب وصيه، وأطلق الفعل عن التقييد، بسبب المحبة؛ فهو صادق على متعلقاته كلها. /112
كما أفادت أيضاً نفي كل رذيلة لايحب الله المتصف بها، كالظلم، لا يحب الله الظالمين؛ وكالاختيال والفخر: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)} [لقمان]، وغير ذلك مما لايأتي عليه العد، ولو أفردت هاتان الكلمتان بتأليف، لجاء بسيطاً.
إلى قوله: ومن هنا يظهر سر الإخبار من الصادق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق؛ لأن المؤمنين هم الذين يحبون ماأحب الله ورسوله وملائكته، فيالله، هاتان الجملتان ما اشتملتا عليه من الاتصاف بالفضائل، وما أفادتاه من طهارته (ع) من الرذائل!، ولا غرو، فهي من تحت شفاة من لا ينطق عن الهوى، ومن لسان من أوتي جوامع الكلم؛ فلأمرٍ ما اختار هذه الصفات في ذلك المقام، تنويهاً بالثناء، وإعلاماً بما منحه الله من الحسنى.
ومن فضائله (ع) وصفه بأنه كرار غير فرار؛ فإنها نهاية في وصفه بالشجاعة المحبوبة لله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللعقلاء من كل ملة ونحلة.
إلى قوله: ولايحسن الإطناب في كون الشجاعة صفة مدح، ولا في كونه كان أكمل الناس اتصافاً بها؛ لأن الإطناب في ذلك كالإطناب في وصف الشمس بالإضاءة والإشراق، ووصف الليل والنهار بالتعاقب والافتراق. انتهى.
قلت: ودلالة خبر الغدير وخبر المنزلة، وغيرهما من الآيات والأخبار، التي هي أجلى من شمس النهار، قولاً وفعلاً وحالاً على إمامته ـ صلوات الله عليه ـ وعصمته، وقيام حجته متجلية المنار، واضحة الشموس والأقمار، لأولي الأبصار.
والشمس إن خفيت على ذي مقلة
وَسط النهارِ فذاكَ محصولُ العمى /113
وقد قرر الدلالات أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، في مباحث الأصول، بما فيه كفاية لأرباب المعقول والمنقول.
ونرجع بإعانة الله إلى السياق في بيان مقامات خبر المنزلة.
[حديث الإنذار واللواء ـ مخرجوهما]
السابع:
حال الإنذار، وممن رواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، بسنده إلى عبدالله بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ عن علي (ع) قال: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، دعاني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وساق الرواية إلى قوله: ثم دعاهم فقال: ((إن الله ـ عز وجل ـ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، ورهطي المخلصين؛ فأنتم عشيرتي الأقربون، ورهطي المخلصون؛ وإن الله ـ عز وجل ـ لم يبعث نبياً، إلا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووارثاً؛ فأيكم يقوم فيها يعينني، على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي، ووصيي وخليفتي في أهلي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).
إلى قوله: فقام علي (ع)، وهم ينظرون كلهم؛ فبايعه وأجابه إلى مادعاه إليه؛ فقال: ادن مني، فدنا منه؛ فقال: افتح فاك؛ فمجّ فيه من ريقه، وتفل بين كتفيه وبين يديه.
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ملأته عِلْمَاً، وحُكْمَاً وفَهْمَاً)).
قال الإمام (ع): وهذا قليل من كثير، مما نرويه في هذا الباب.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: روى هذا الخبر محمد بن سليمان الكوفي، عن علي (ع) بسنده إليه.
إلى قوله: وروى هذا الخبر بسنده إلى ابن عباس وفيه: ((أيكم يوازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري)).
ورواه الحاكم في السفينة، عن مسعدة العبدي أنه سئل علي ـ عليه /114
السلام ـ: بم ورثت ابن عمك دون عمك؟
فقال: جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ...وسرد حديث الإنذار، وفيه: ((ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
وفيه: ((فأيكم يبايعني على أن يكون أخي، ووصيي ووارثي؟)) إلخ.
إلى قوله: قال: وعن جابر من حديث طويل: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
ذكره السيد الشرفي، في الآلي المضيئة، انتهى.
[أخبار المؤاخاة]
الثامن:
في خبر المؤاخاة.
ومن رواياته الشريفة، مارواه الإمام الحجة، المنصور بالله (ع)، في الشافي، عن مجدوح بن زيد الهذلي، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ آخا بين المسلمين، ثم قال: ((يا علي أنت أخي مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؛ أما علمت يا علي، أنه أول من يدعا به يوم القيامة يدعا بي؛ فأقوم عن يمين العرش، فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعا بالنبيين بعضهم على إثر بعض، فيقومون سماطين عن يمين العرش، ويكسون حللاً خضراً من حلل الجنة؛ ألا وإني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة؛ ثم أنت أول من يدعا؛ لقرابتك ومنزلتك عندي، ويدفع إليك لوائي، وهو لواء الحمد، فتسير به بين السماطين، آدم (ع) وجميع خلق الله يستظلون بظل لوائي؛ وطوله مسيرة ألف سنة)) الخبر.
قال في تفريج الكروب: رواه أحمد بن حنبل عن مجدوح بن زيد الهذلي، ورواه الخوارزمي في فصوله. انتهى.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ورواه الخوارزمي، وابن المغازلي عن /115
عطية بن زيد الباهلي، ورواه الأكوع بسنده إلى عطية في الأربعين، ورواه الفقيه حميد الشهيد بطريقه إلى ابن المغازلي بسنده إلى زيد الباهلي، ورواه أحمد في مسنده، وفي كتاب فضائل علي، انتهى بتصرف.
قلت: وقد تقدم له ـ رضي الله تعالى عنه ـ ما لفظه: وروى ـ أي محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ بإسناده إلى عبدالله بن أبي أوفى، قال: دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أصحابه.
إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((إنما ادخرتك لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت أخي ووصيي، ووارثي)) إلخ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت أخي ووارثي)).
أخرجه أحمد بن حنبل، عن زيد بن أبي أوفى. من التفريج، انتهى.
وأخرج الإمام في الشافي، بسنده إلى أنس، من خبر طويل في المؤاخاة، قال فيه: فأخذ بيده فأرقاه المنبر وقال: ((اللهم إن هذا مني وأنا منه؛ ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى؛ ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
قال: فانصرف علي (ع)، قرير العين، فاتبعه عمر بن الخطاب فقال: بخ بخ ياأبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن.
وقال حذيفة في حديثه: فرسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له شيبه ولا نظير، وعلي أخوه. انتهى.
وقد جمع هذا الخبرُ الشريف خبرَ الموالاة والمنزلة والمؤاخاة، والحمد لله.
[حديث: سد الأبواب إلا باب علي ـ مخرجوه]
التاسع:
في خبر الأبواب.
ومن ألفاظه النبوية، مارواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع)، عن جندب بن عبدالله الأزدي قال: شهدت أبا ذر، وهو /116
آخذ بحلقة باب الكعبة يقول: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لسلمان حين سأله: من وصيّك؟
فقال: ((وصيي، وأعلم من أخلف بعدي: علي بن أبي طالب)).
وسمعته يقول، حين أخرج الناس من المسجد وأسكن علياً: ((إن عليا مني بمنزلة هارون من موسى))، ثم قال: ((ألا إن رجالاً وجدوا من إسكاني علياً وإخراجهم؛ بل الله أسكنه وأخرجهم)) انتهى.
وروى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي (ع): ((أنت وارثي)).
وقال: ((إن موسى سأل الله أن يطهر مسجده لهارون وذريته، وسألت الله أن يطهر مسجدي لك ولذريتك)).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه ابن ميمون، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي، قال: أخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيدي، وقال: ((إن موسى سأل ربه أن يطهر مسجده لهارون وذريته))، وكذا في رواية أبي نعيم له.
وروى في المحيط علي بن الحسين، قال: حدثني أبي قال: حدثني قاضي القضاة؛ وساق سنده إلى شعبة قال: سمعت سيد الهاشميين زيد بن علي بن الحسين بن علي بالمدينة، في الروضة، يقول: حدثني أخي محمد بن علي أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سدوا الأبواب كلها إلا باب علي)).
وأومأ زيد إلى بابه. انتهى.
وأخرجه بسنده إلى سعيد، إلى آخر مافي المحيط.
قال: وروى في المحيط بسنده إلى جابر بن عبدالله، قال: كنا نصلي في المسجد، ومعنا علي بن أبي طالب؛ قال: فخرج علينا رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، ومعه عسيب من رطب، فضربنا به فانجفلنا، وانجفل علي بن أبي طالب معنا، وأدركه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ((إنك لست كهيئتهم؛ إنه يحل لك في المسجد مايحل لي؛ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي؛ كأني بك على حوضي)).
إلى قوله: ((تذود عنه رجالاً؛ كما يذاد البعير الصادي عن الماء؛ يقتلك أشقى /117
هذه الأمة، كما قتل ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود)). انتهى.
ورواه محمد بن سليمان، عن جابر بلفظ: ((كأني بك عن حوضي تذودهم))؛ ولم يذكر فيه: ((أما ترضى)) إلخ.
والحديث المروي في المحيط، عن زيد بن علي، رواه أبو علي الصفار، بإسناده إلى زيد بن علي قال: حدثني أخي محمد..إلخ.
قال في الإقبال، في ترجمة حرام بن عثمان الأنصاري: وهو الراوي بسنده عن جابر: جاء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ونحن مضطجعون.
وساق الحديث وفيه: ((تعال يا علي، فإنه يحل لك من المسجد مايحل لي، والذي نفسي بيده، إنك لذوَّاد عن حوضي يوم القيامة)). انتهى.
وقال الكنجي، بعد أن أخرج حديث جابر: وهكذا رواه ابن عساكر في تاريخه.
ورواه محمد بن سليمان، عن جابر من طريقة حرام بن عثمان.
وعن أبي جابر من طريقته أيضاً.
قال: وأخرج الكنجي عن أبي رافع، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خطب الناس، فقال: ((ياأيها الناس، إن الله أمر موسى وهارون أن يتبوءا لقومهما بيوتاً، وأمرهما أن لايبيت في مسجدهما جنب، ولايقرب فيه النساء، إلا هارون وذريته، ولايحل لأحد أن يُعَرِّس النساء في مسجدي هذا، ولا يبيت فيه جنب، إلا علي وذريته)).
وقال: ذكره الحافظ الدمشقي، في مناقب علي (ع).
انتهى المراد من التخريج.
قال الإمام (ع) في الشافي: وروينا عن الفقيه بهاء الدين هذا، يبلغ به الحسن بن علي الشافعي، بسنده إلى عدي بن ثابت، قال: خرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المسجد، فقال: ((إن الله أوحى إلى نبيه موسى: أن ابن لي مسجداً طاهراً، لايسكنه إلا موسى وهارون، وأبناء هارون؛ وإن الله أوحى إليّ: أن أبنيَ مسجداً طاهراً، لايسكنه إلا أنا وعلي، وأبناء علي)).
وبهذا الإسناد يبلغ به حذيفة، قال: لما قدم أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، لم يكن لهم بيوت يبيتون فيها، فكانوا يبيتون في المسجد، فقال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتبيتوا في المسجد فتحتلموا))، ثم إن القوم بنوا بيوتاً حول /118
المسجد، وجعلوا أبوابها إلى المسجد؛ وإن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادى أبا بكر، فقال: إن الله يأمرك أن تخرج من المسجد، وتسد بابك الذي فيه.
وساق الخبر في سد أبواب الصحابة.
إلى قوله بعد ذكر علي (ع): وكان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد بنى له بيتاً في المسجد، بين أبياته؛ فقال له النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: ((أسكن طاهراً مطهراً)).
إلى قوله في مخاطبة الرسول لحمزة، وبيان تخصيص علي (ع): ((والله ماأعطاه إياه إلا الله، وإنك لعلى خير من الله ورسوله؛ أبشر)) وبشره النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقتل يوم أحد شهيداً.
ونَفِسَ ذلك رجال على علي (ع)، فوجدوا في أنفسهم، فبيّن فضله عليهم، وعلى غيرهم من أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فبلغ ذلك النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقام خطيباً فقال: ((إن رجالاً يجدون في أنفسهم في أن أُسكن علياً في المسجد؛ والله، ما أخرجتهم ولاأسكنته؛ إن الله عز وجل أوحى إلى موسى وأخيه: {أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } [يونس:87]، وأمر موسى (ع)، أن لايسكن مسجده، ولاينكح فيه ولايدخله إلا هارون وذريته؛ وإن علياً بمنزلة هارون من موسى، وهو أخي، فمن ساءه فهاهنا))، وأومأ بيده نحو الشام.
وساق الإمام (ع) الروايات في سد الأبواب إلا باب علي (ع)، عن سعد بن أبي وقاص، والبراء بن عازب.
إلى قوله: وبه عن نافع، مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؟
قال: ما أنت وذاك، لا أم لك.
ثم قال بعد ذلك: أستغفر الله؛ خيرهم بعده من كان يحل له مايحل له، ويحرم عليه مايحرم عليه.
قلت: من هو؟
قال: علي، سد أبواب المسجد وترك باب علي وقال له: ((لك في هذا المسجد مالي، وعليك ماعلي؛ أنت وارثي ووصيي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتُقتل /119
على سنتي، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني)).
قال (ع): فهذه الأخبار، مما صحت لنا روايته في سد الأبواب، جمعناها ليقف عليها الفقيه، وليميز بينها وبين مايرويه، من هذا الجنس وغيره.
إلى قوله: فإن كان من أهله علمه، وإلا فسواه يعلمه، ولايضر العناد إلا المعاند.
انتهى المراد، وساق في التخريج ـ أيده الله ـ طرق أخبار سد الأبواب، وهي متواترة معلومة لأولي الألباب.
[رد لما أورده البخاري في شأن خوخة أبي بكر]
وأما مارواه البخاري في أبي بكر فقد كفى المؤونة في الرد على البخاري وغيره، حفاظُ القوم من المحدثين، فكيف بالعترة الطاهرين؟
قال ابن حجر في فتح الباري، شرح البخاري: جاء في سد الأبواب أحاديث، منها حديث سعد بن أبي وقاص: أمر رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد، وترك باب علي.
أخرجه أحمد والنسائي وإسناده قوي، وفي رواية الطبراني: ورجاله ثقات.
إلى قوله: وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من الصحابة أبواب شارعة إلى المسجد؛ فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سدوا هذه الأبواب إلا باب علي)) فتكلم ناس، فقال: ((إني والله ماسددت شيئاً ولا فتحته، ولكني أُمرت بشيء فاتبعته)).
أخرجه أحمد، والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات.
وعن ابن عباس: أمر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأبواب المسجد، فسدت إلا باب علي.
وفي رواية: فكان علي يدخل المسجد وهو جنب، ليس له طريق غيره.
أخرجهما أحمد، والنسائي، ورجالهما ثقات.
وعن جابر مثل هذه أخرجه الطبراني.
وعن ابن عمر.
إلى قوله: سد الأبواب إلا بابه.
أخرجه أحمد وإسناده حسن.
وأخرج النسائي من طريق العلا بن عرار، قال: قلت لابن عمر: أخبرني عن علي.
إلى قوله: انظر إلى منزلته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قد سدّ أبوابنا في المسجد، وأقرّ بابه.
ورجاله رجال الصحيح إلا العلا، وقد وثقه يحيى بن معين.
أفاد هذا في التخريج.
قال ـ أيده الله ـ: تمت من كتاب /120
الإمام محمد بن عبدالله الوزير، والحمد لله تعالى.
قلت: وكلام ابن حجر قد وقفت عليه في فتحه، والله الموفق.
قال في تفريج الكروب: وقال الحافظ ابن حجر: قصة علي في سد الأبواب: وأما سد الخُوَخ فالمراد به طاقات كانت في المسجد، يستقربون منها؛ فأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في مرض موته بسدها، إلا خوخة أبي بكر.
وقال فيما تقدم: قد ألّف الأسيوطي كتاباً فيما ورد من سد الأبواب إلا باب علي، وما ورد في الخوخة لأبي بكر، وسماه (سدُّ الأبواب في سدِّ الأبواب).
إلى قول الأسيوطي: كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله.
وعبارة الكلاباذي: لاتَعارُضَ بين قصة علي، وقصة أبي بكر.
إلى قوله: وأبقيت خوخة أبي بكر فقط.
وأما باب علي، فكان داخل المسجد، يخرج منه ويدخل منه.
إلى قول صاحب التفريج: ثم قال ـ أي السيوطي ـ: قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة؛ بل المتواترة، أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منع من فتح باب شارع إلى المسجد، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمه العباس، ولا لأبي بكر، إلا لعلي (ع)؛ لمكان ابنته، ومن فتح خوخة صغيرة، أوطاقة أو كوة، ولم يأذن في ذلك لأحد ولا لعمر، إلا لأبي بكر.
قال في تفريج الكروب: هذا تعليل السيوطي، في أمر لا علة له، إلا أمر الله بنص الحديث، وفي ذلك الحديث المصدَّر من قول الراوي في عثمان وعنده رقية ما يفيد أنه لم يعتبر ذلك. انتهى.
قلت: وقد صرح الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن ذلك لكونه منه بمنزلة هارون من موسى (ع)، ولكنهم يأبون إلا مدافعة البراهين بكل وسيلة.
وقد أيد الله الحق، وأخرج الصدق، على ألسنتهم، والحمد لله رب العالمين.
وقال في تفريج الكروب: قال السيوطي: فأقول: قد ثبت في الأحاديث السابقة، وقرر العلماء، أن أبا بكر لم يؤذن له في فتح الباب؛ بل أمر بسد بابه؛ /121
وإنما أذن له في خوخة صغيرة وهي المراد في حديث البخاري.
انتهى المراد.
قال المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في التخريج: وروى حديث سد الأبواب إلا باب علي، ابن المغازلي عن حذيفة بن أسيد، وعن سعد من طريقين، وعن البراء بن عازب، وعن ابن عباس من طريقين، وعن ابن عمر.
وقد مرّ إخراج أبي طالب له عن أبي ذر، وكذا رواية الصفار، عن جابر وعن ابن عمر، وكذا عن أسماء بنت أبي عميس: ((إن مسجدي حرام)) إلخ.
وأخرجه البيهقي عنها، وأخرج عنها، وابن عساكر: ((لايحل مسجدي)) إلخ.
وأخرج ابن المغازلي خبر سد الأبواب إلا باب علي، عن جعفر بن محمد؛ مع أن الإمام قد ذكر هنا في الكتاب ((لكن)) تأكيداً، كذا رواه ابن المغازلي والخوارزمي من حديث المناشدة، بإسنادهما إلى أبي الطفيل عامر بن واثلة عن علي.
وكذا رواه المؤيد بالله (ع) من حديث المناشدة.
إلى قوله: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس عن علي، في مجادلته للصحابة.
قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف: حديث أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يأذن لأحد أن يلمس في المسجد أو يمر فيه جنباً إلا لعلي؛ لأن بيته كان في المسجد.
ثم ساق الروايات.
إلى قوله: انتهى كلام ابن حجر.
قال ـ أيده الله ـ: نعم، وقوله: لأن بيت علي كان في المسجد، تعليل من ابن حجر.
إلى قوله: فإنه قد صحّ أن العباس والحمزة وغيرهما تكلموا في إسكان علي وإخراجهم؛ فأجاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأن الله هو الذي أسكنه وأخرجهم.
وكذا علل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك بأن موسى أمر ببناء مسجد لايسكنه إلا هارون وذريته، وأمر ببناء مسجد لايسكنه إلا علي وذريته؛ وأن علياً مني بمنزلة هارون من موسى.
ولم يقل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: إنما أسكنت علياً؛ لأن بيته كان في المسجد.
وقد مرّ من الأحاديث، ما يضطر كل منصف إلى أن تعليل ابن حجر وغيره من المائلين، لا أصل له، وأنها خصيصة ومزية من الله لعلي (ع)، على كل الصحابة؛ لكن العداوة لآل محمد، /122
ألجأت بعض الخصوم إلى القدح في المعلوم من هذه المزية، مثل: ابن الجوزي، والجوزجاني؛ وبعضهم إلى وضع الحديث في أبي بكر.
إلى قوله: كما قال ابن أبي الحديد، من وضع البكرية، وبعضهم وضع له حديثاً يثبت له خوخة، كل هذا كأنه امتثال لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }، ولقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23]، وحَذَرٌ من قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في عترته: ((ولاتخالفوهم فتضلوا)) وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((لا نالت شفاعتي من لم يخلفني في عترتي)).
ثم ساق الأخبار والآثار.
إلى قوله: والعجب أن البخاري مرة بوّب للخوخة، ومرة بوّب للباب ثم قال في ترجمة الباب: قاله ابن عباس.
وليس عن ابن عباس إلا الخوخة، وهذا منه تدليس أو غفلة.
[الطعن في رجال ما أورده الخصم: في فليح المدني]
ثم تكلم على رواية البخاري، ناقلاً لذلك عن مناقب خير الأوصياء، للمولى العلامة، فخر العترة، عبدالله بن الإمام الهادي ـ رحمه الله تعالى ـ فقال ـ أيده الله تعالى ـ: ثم إن في سند حديث أبي سعيد الأول، فُلَيح بن سليمان المدني، ضعفه النسائي وأبو حاتم، وروي عن يحيى بن معين أنه ضعيف، وروي: ليس بثقة، وروي عنه: لايحتج به.
وروي عن مظفر بن مدرك أنه كان يحذر منه، ويأمر باتقائه.
وقال أبو داود: لا يحتج به.
ووهمه الساجي، وذكر الدارقطني الاختلاف عليه.
إلى قوله: ثم قد روي عن الإمام القاسم بن محمد (ع)، أن فليحاً أحد من اعتمد عليه البخاري، ممن يتجارى على الله بالكذب وعلى رسوله، ويعلن ببغاضة أمير المؤمنين.
[الطعن في وهب بن جرير]
وأما حديث ابن عباس، ففيه وهب بن جرير، حدث عن شعبة.
قال أحمد وابن مهدي: ماكنا نراه عند شعبة.
وهما إمامان عظيم شأنهما عند أهل الحديث فلا يقول مثلهما ذلك، إلا لعلمهما بعدم لقائه له.
إلى قوله: وقال يحيى: هو ضعيف /123
في قتادة؛ وكذا قال غيره.
وقال البخاري: ربما يهم وهب بن جرير في الشيء، ثم اختلط في آخر عمره.
قال: وحديث وهب هذا عن أبيه، فيكون قدحاً فيه.
قلت: وقد ذكره ابن حجر في مقدمة الفتح، في سياق من طعن فيه من رجال البخاري.
[الطعن في عكرمة، وإسماعيل بن عبدالله]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وفيه عكرمة، مولى ابن عباس، كذبه يحيى بن سعيد الأنصاري، وروى عبدالله بن الحارث، عن علي بن عبدالله، أنه قال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
ويروى عن ابن المسيب أنه كذبه؛ وابن سيرين.
وعن أبي ذيب: ليس بثقة.
وقال محمد بن سعد: ليس يحتج بحديثه.
ثم إنهم رووا عنه أنه كان يرى رأي الخوارج.
وبسط الإمام القاسم بن محمد القول في تضعيفه.
إلى قوله: وأما الحديث الآخر عن أبي سعيد، ففيه إسماعيل بن عبدالله.
قال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
وقال أحمد بن يحيى: سمعت ابن معين يقول: هو وأبوه يسرقان الحديث.
وقال الدولابي في الضعفاء: سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب إلخ.
وعن ابن معين: أنه لا يساوي فلسين.
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ: إسماعيل ممن يقبله أصحابنا، ويعدونه في الشيعة.
وقد روى عنه الإمام القاسم بن إبراهيم (ع)، واحتج به الهادي (ع) في الأحكام، مع تحرّيه.
قلت: ويكفينا في القدح، مخالفة خبرهم هذا للمعلوم، وما علم من حال رواته؛ إلا أن هذا مجاراة للخصوم.
وقد أفاد ـ أيده الله تعالى ـ حيث قال: إلا أنه لما تواترت الأخبار، بالأمر بسد الأبواب إلا باب علي، ولم يذكر فيها وإلا باب أبي بكر، حتى أنه قال رجل: دع لي كُوَّة فأبى، في خبر أنس، عند العقيلي.
وكذا قول ابن عمر للعلا وقد سأله عن علي (ع): انظر إلى منزلته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، سد أبوابنا وترك بابه، من رواية النسائي، وأخرجه الكلاباذي بمعناه.
وقال (ع): إنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخرج الناس من المسجد وتركني.
أخرجه ابن المغازلي عن ابن عباس.
إلى /124
قوله: وغير ذلك عن ابن عباس، وزيد بن أرقم، وجابر، وسعد، والبراء بن عازب، وأبي رافع، وعلي، وجابر بن سمرة، وأنس، وبريدة، وابن مسعود، وحذيفة بن أسيد، وعمر، وأبي ذر، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، على كثرة المخرجين وكثرة طرقهم لو لم يكن إلا قول ابن عمر.
إلى قوله: ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال.
إلى قوله: زوجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ابنته، فولدت له؛ وسد الأبواب إلا بابه في المسجد؛ من رواية أحمد بن حنبل وأبي علي الصفار، مما يعلم به وضع الأخبار في هذا لأبي بكر، فساغ أن يقدح في طرقهم بما يلتزمونه من هذا الوجه، لا من حيث قدحهم في إسماعيل. انتهى ماأردت نقله على نوع من تصرف واختصار.
أي نقله من مناقب خير الأوصياء.
[الرد على من أثبت المنة لأبي بكر على الرسول(ص)]
وقال المولى الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ: ولايخفى مافي أخبار البخاري ونحوه، كالطبري في تاريخه، من الركاكة في ألفاظها، وما فيها من المخالفة للمعلوم، من إثبات المنة لأبي بكر على الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ والثابت من ضروريات دينه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن المنة لله ثم له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا } [الحجرات:17]..إلخ.
إلى قوله: مع أن المعلوم أن أبا بكر وغيره لايبلغ ولايقارب علياً، فيما عدّ منه من المواساة، والنصرة، وتفريج كل شدة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ قضت بذلك الآثار.
ثم قد مرّت الأحاديث المستفيضة من كون علي (ع) خليل رسول الله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وأنه وزيره.
قال علي (ع): إن خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: إلخ.
رواه الملا في الصواعق، وقد مرّ.
وقال عمار بن ياسر: صدق خليلي، إلخ.
رواه أبو القاسم الطبراني. انتهى من الكنجي.
ورواه نصر بن مزاحم. انتهى شرح نهج. /125
وكذا قال ابن مسعود لما أُخْرِجَ من المسجد: أنشدكم الله، أن تخرجوني من مسجد خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
روى ذلك الواقدي. انتهى شرح نهج.
وقال أبو ذر: قال خليلي رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((إذا غضبتَ فاقعد)).
أخرجه أبو طالب.
فكيف يقول: لو كنت متخذاً خليلاً...إلخ؟!.
قلت: والأخبار في هذا كثيرة واسعة.
ولا يقال: إن هذه الأخبار تفيد أنهم اتخذوه، وخبره يفيد أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذهم؛ لأنا نقول: لو كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لايتخذ خليلاً منهم، ماجاز أن يتخذوه؛ لأنه لايكون خليلاً إلا من الطرفين، كالصاحب ونحوه، كما هو معلوم.
وأيضاً فقد ورد بلفظ الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كما في خبر: ((إن خليلي ووزيري وخليفتي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب)).
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بطريقه عن سلمان، وأخرجه الحاكم أبو القاسم بطريقه عن أنس.
[الكلام في الصحاح وفي الزهري]
قال ـ أيده الله ـ: وبهذا يتبين لك أن تسميتهم لكتبهم بالصحاح، إنما هو اصطلاح؛ ولقد أحسن أبو زرعة حيث قال لمسلم: تُسميه صحيحاً، وتجعله سلماً لأهل البدع.
وكذا ترى القوم لايلتفتون إلى ماخالف الصحاح ولم يكن فيها وإن تواتر؛ بل لو خالف مافيها القرآن وقضية العقل، خذلاناً صُبّ عليهم؛ لما مالوا عن الثقل الأصغر، دعوةٌ قد أُجيبت ((واخذل من خذله)).
ولاشك أن من عمد إلى الغض من علي، وإبطال مناقبه، تارة بنسبة رواتها إلى الوضع والقدح فيهم، وتارة بمعارضتها بروايات أعدائه المنافقين، بالنص المعلوم، فقد خذله، ونرجوا الله أنا ممن شملته دعوة محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((وانصر من نصره)).
وأما رواية الطبري في التاريخ أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((انظروا هذه الأبواب الشارعة اللافظة إلى المسجد فسدوها إلا ماكان من بيت أبي بكر)) /126
إلخ، فهي من طريقة الزهري، ويأتي بعض مافيه من المطاعن.
قلت: أما كونه من أعوان الظلمة فمما لاخلاف فيه، وكتاب أبي حازم الأعرج إليه، الذي ذكره في الكشاف مشهور، وقد قدح فيه نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ القاسم بن إبراهيم.
قال (ع) في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المائدة:33]..الآية مانصه: وليس ما في أيدي هذه العامة، في تفسير هذه الآية المحكمة عن ابن شهاب الزهري وأضرابه، ولا من كان من لفيفه وأصحابه، الذين كانوا لايعدلون بطاعة بني أمية، وما أشركوهم فيه من دنياهم الدنية، فلم ينالوا مع ماسلم لهم منها، ما حاطوا به ودفعوا به عنها، من تلبيس لتنزيل، أو تحريف لتأويل؛ وابن شهاب لمكان كثرة وفادته إليهم معروف..إلى آخر كلامه.
انتهى من تفسير آل محمد (ع).
[الكلام في رواة صلاة أبي بكر بالناس]
[الكلام على: الزهري ـ أبي موسى ـ سالم ـ ابن زمعة]
وقال الإمام (ع) في الشافي، رداً على فقيه الخارقة: فكيف تجعل سالم بن عبيد، وابن شهاب وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبدالملك، الجبار العنيد، وأبا بردة بن أبي موسى، أتعجب من الولد أو الوالد؟!.
إلى قوله (ع): وكذلك سائر من أضاف إليه أخبار صلاة أبي بكر، من الزهري، وأبي موسى، وسالم، وعبدالله بن زمعة بن الأسود.
أما أبو موسى فكان علي (ع) يقنت بلعنه فيمن يلعن؛ ولعنته من لعنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وابن شهاب مائل إلى الدنيا، أعان الظلمة من بني أمية على ملكهم بعلمه، وأصاب من دنياهم نصيباً وافراً.
وأما ابن زمعة وابن عبيد، فلا يساويان عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع).
وكلامه (ع) في شأن الأمر لأبي بكر بالصلاة؛ فإنه روى الإمام عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ما أمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي بالناس.
وروى /127
عن الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، أن الآمر لأبي بكر عائشة، وأن جبريل (ع) أمره بالخروج ليصلي بهم، ونبه على مايقع من الفتنة إن صلى أبو بكر؛ وخرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يمشي بين علي والفضل...إلخ كلامه (ع).
فانظر إلى جرح الأئمة الهداة، سفن النجاة، للزهري، وعليه المدار الأكبر، في روايات صحاح القوم.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: وقد عدّ الزهري، وعروة، ابنُ أبي الحديد في رواية أبي جعفر الإسكافي من المنحرفين.
وروي أن علي بن الحسين (ع) دخل عليهما، وقد نالا من علي فجبههما وأغلظ لهما؛ فراجعه في شرح النهج.
قال في الإقبال: روي عن أبي جعفر أن الزهري قال لعلي بن الحسين (ع): كان معاوية يسكته الحلم، وينطقه العلم.
فقال: كذبت يازهري، بل كان يسكته الحصر، وينطقه البطر، وأي حلم مع من سفه الحق، ورد الشرع، وحمل الأدعياء على بناته، وأظهرهم على أخواته.
وكذلك صرح القاسم بن إبراهيم (ع)، بجرحه.
وحكى الذهبي أنه قال: نشأت وأنا غلام، فاتصلت بعبد الملك بن مروان، ثم توفي عبد الملك، فلزمت ولده الوليد، ثم سليمان، ثم عبدالعزيز، ثم لزمت هشام بن عبدالملك.
إلى قوله: وحكى الذهبي في ترجمة خارجة قال: قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني أمية؛ وذكر أن بين يديه آلات اللهو.
إلى قوله: فقلت: قبح الله ذا من عالم؛ فلم أسمع منه.
وفي علوم الحديث للحاكم، أنه قيل ليحيى بن معين: الأعمش خير أم الزهري؟
فقال: برئت منه إن كان مثل الزهري؛ إنه كان يعمل لبني أمية. انتهى.
قال: ومثل مافي الإقبال في المقصد الحسن لابن حابس ـ رحمه الله تعالى ـ.
انتهى المراد.
وهذا جرح حفاظ أهل الخلاف، فأي شبهة تبقى لذي لب وإنصاف، /128
وبمثل هذا تعلم صحة أن بين صحاحهم والصحة مراحل، إن لم تكن من ذوي الزيغ والانحراف.
ونعود إلى تمام الكلام في سد الأبواب، وإلى الله تعالى المرجع والمآب.
قال أيده الله : وأما روايته -أي الطبري- بسنده إلى بعض آل أبي سعيد بن المعلا أن رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم قال يومئذ في كلامه هذا: ((فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً؛ ولكن صحبة وإخاء إيمان إلخ)) فالبعض مجهول والظاهر إرساله.
ومع أنه يعارض حديث البخاري عن ابن عباس من قوله: ((ولكن خلة الإسلام أفضل))، ولعل الراوي لما لاح له أنه لامعنى لتفضيل خلة الإسلام، على خلة الله سبحانه، في حديث البخاري، ولا وجه يصحح ذلك، عدل عنها إلى أنه قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ولكن صحبة وإخاء إيمان))، مع أن هذه الصفة قد شارك أبا بكر فيها بقية الصحابة؛ وأين يقع ممن هو أخوه في الدنيا والآخرة، ومنه، وعديل نفسه، بل نظيره؟
ومن رواية أبي بكر: منزلة علي منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كمنزلته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من ربه.
أخرجه ابن السمان عن أبي بكر، وابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
إلى قوله: نعم، في رجال سند الطبري أحمد بن عبد الرحمن؛ قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه.
إلى قوله: وقال ابن يونس لا تقوم به حجة.
انتهى المراد من التخريج.
[تمام مقامات حديث المنزلة]
العاشر:
حال ولادة الحسنين (ع).
قال جبريل (ع)، للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامحمد، العلي الأعلى يُقرئك السلام، ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى، ولانبي بعدك، فسم ابنك هذا ـ يعني الحسن السبط ـ باسم ابن هارون)) الخبر.
ومثله في الحسين (ع)، إلا أنه لما وضعه في حجره بكى وقال: ((تقتله الفئة الباغية من بعدي، لاأنالهم الله شفاعتي)).
أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه، عن علي بن الحسين سيد العابدين (ع)، عن أسماء بنت عميس ـ رضي الله عنها ـ.
وقال صلى الله عليه /129
وآله وسلم: ((إني سميتهما ـ يعني الحسن، والحسين ـ باسم ولدي هارون))، أخرجه الإمام أبو طالب عن علي (ع).
وأخرج ابن المغازلي نحوه عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه شَبِير وشُبَّر ومشَبِّر)).
أخرجه أحمد بن حنبل والدارقطني في الأفراد، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي، وابن عساكر عن علي (ع)، والبغوي، والطبراني أيضاً في الكبير عن سلمان. انتهى من تفريج الكروب.
وزاد في التخريج، الطيالسي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن حبان، والدولابي عن علي (ع).
قال ـ أيده الله ـ: وهذا فرع كون علي بمنزلة هارون من موسى في جميع منازله، إلا النبوة؛ فتأمل. انتهى.
الحادي عشر:
لما تحوّل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى بيت أم سلمة عقيب تزوجه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بزينب ـ رضي الله عنهما ـ.
روى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة، يبلغ به ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ تزوج زينب بنت جحش؛ ثم تحوّل إلى بيت أم سلمة، فلما تعالى النهار انتهى علي إلى الباب، فدقه دقاً خفيفاً، عرف رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - دقه؛ فقال: ((يا أم سلمة، قومي فافتحي له الباب؛ فإن بالباب رجلاً ليس بالخرق ولا بالنزق، ولا بالعجل في أمره، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله)).
فقامت ففتحت؛ فدخل علي (ع)؛ فقال: ((يا أم سلمة، هو علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي؛ يا أم سلمة، اسمعي واشهدي؛ علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيبة علمي، وباب الدين، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة في الأحياء من أمتي، أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى؛ اشهدي يا أم سلمة، أنه قاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين)) انتهى. /130
ورواه الإمام أبو طالب، وأبو العباس الحسني، عن ابن عباس رضي الله عنهم، وحميد الشهيد عنه بلفظ: ((وبابي الذي أوتى منه)).
وكذا أخرجه الكنجي عن سعيد بن زيد بزيادة ونقص، ونحوه عن ابن عباس، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم: ((يا أم سلمة هذا لحمه من لحمي)).
وأخرجه العقيلي عن ابن عباس بلفظ: ((يا أم سلمة؛ إن علياً لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى)).
ورواه عبد الرزاق بن همام، عن ابن عباس؛ ورواه صاحب المشكاة عن القرشي، بإسناده إلى ابن عباس.
قال صاحب تفريج الكروب: وعلى فصوله شواهد.
وقد روى نحوه محمد بن سليمان الكوفي، عن ابن عباس، عن أم سلمة؛ قالت: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول في علي، قبل أن يموت بجمعة، وإن زاد فلا يزيد على عشرة أيام: ((يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة)) ومنه: ((وهو مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
أفاده في التخريج.
وهذا موطن قبل وفاة رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، يصلح أن يكون ثاني عشر.
فهذا ماحضر، ولو حصلت المبالغة والتتبع، لوقف على ماهو أكثر؛ فإن في الذهن غير ذلك؛ وقد حكى الإمام (ع) عن الصاحب أنه ذكر في تسعة ولم يعينها؛ ولما وقع البحث زادت كما ترى.
قال المولى الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ويؤيد ما قال الإمام، من أنه قاله في مواطن كثيرة، سؤال سعيد بن المسيب، لسعد بن مالك؛ لما روى له قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في علي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ.
إلى قوله: فقال: نعم لامرة ولا مرتين.
من رواية ابن المغازلي؛ وقد مرّ ذكر الإمام له وسنده في الجزء الأول انتهى.
وفي هذا الخبر التصريح بأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، على لسان سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وسنورد في هذا البحث ـ بإعانة اللَّه وتسديده ـ ماتيسر من النصوص النبوية، المصرحة بإمرة المؤمنين، وبالإمامة والخلافة، /131
وولاية الأمة، ونحوها؛ مع ماسبق من الحجج القاطعة، المعلومة على الإمامة، والعصمة، والحجية؛ كل ذلك نسوقه على طريقة الجمع مع الاختصار، فإن هذا خوض للجج البحار، وتعرض لما تنقطع عن الحوم حول مداه أفكار أولي الأفكار، وترتدع عن إدراك أدناه أبصار ذوي الأبصار.
[حديث لا يتقدمك بعدي]
فأقول، مستعيناً بمن ملكه لايزول: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((لايتقدمك بعدي إلا كافر، ولايتخلفك بعدي إلا كافر؛ وإن أهل السماوات يسمونك أمير المؤمنين)).
رواه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، بسنده إلى الشيخ الإمام صاحب كتاب المحيط بالإمامة أبي الحسن علي بن الحسين الزيدي ـ رضي الله عنه ـ يبلغ به الحارث بن الخزرج الأنصاري، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لعلي (ع): الخبر.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: ورواه أبو العباس الحسني (ع)، يبلغ به الحارث بن الخزرج؛ وقد مرّ ماشهد له من حديث أبي ذر: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر)).
قلت: وتمامه: ((وقد حارب اللَّه ورسوله؛ ومن شكّ في علي فهو كافر)).
أخرجه الإمام في الشافي من طريق الخطيب ابن المغازلي، بسنده إلى أبي ذر - رضي الله عنه - وأخرجه الكنجي.
قال ـ أيده الله ـ: وكذا الحديث الذي رواه الحاكم وفيه: ((كمن جحد نبوتي)). انتهى.
قلت: ويشهد له قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).
قال الإمام (ع) في الشافي: والأخبار المتواترة المروية عن جابر أنه قال: ((علي خير البشر لايشك فيه إلا كافر)).
قال ـ أيده الله ـ: أخرجه أبو يعلى، وابن عساكر، وقال: روي عن عائشة.
وأبو القاسم الجابري عن عائشة مرفوعاً. انتهى.
وسيأتي الكلام عليه ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
ويشهد له أيضاً قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً)).
أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أول من /132
يدخل علينا أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين)).
إلى قوله: وإذا علي بن أبي طالب (ع)، فدخل يتمشى؛ فرأيت رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - وثب على قدميه مستبشراً، فلم يزل قائماً وعلي يتمشى حتى دخل عليه البيت، فرأيت رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - يمسح عرق وجهه بكفه، ويمسح به علياً؛ ويمسح وجه علي (ع) بكفه فيمسح به وجه نفسه.
إلى قوله: فقال له رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ما يمنعني وأنت وصيي وخليفتي، والذي يبين لهم الذي يختلفون فيه من بعدي، ويسمعهم صوتي)).
أخرجه الإمام (ع) في الشافي بسنده إلى صاحب المحيط، يبلغ به أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((يا أنس اسكب لي وضوءاً))، فسكبتُ للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم عدتُ إلى البيت فأعلمتُه، فخرج وتوضأ ثم عاد إلى البيت إلى مجلسه، ثم رفع رأسه إليّ فقال: ((يا أنس أول من يدخل))... الخبر.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي من أربع طرق عن أنس، وذكره في الكامل المنير، والخوارزمي.
وأخرجه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء بلفظ: ((أول من يدخل عليك من هذا الباب، إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين)).
إلى قوله: فجاء علي (ع) فقام إليه مستبشراً، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه، فقال علي: يارسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليك وآلك ـ لقد رأيتك اليوم تصنع بي شيئاً ماصنعته بي قبل.
قال: ((وما يمنعني وأنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي)) بهذا اللفظ رواه عن أبي نعيم في شرح النهج.
ورواه عنه بلفظ: ((إمام المتقين)) بنقص يسير في دلائل السبل.
ورواه ابن الإمام (ع) بلفظ: ((أول من يدخل عليك من هذا الباب، أمير المؤمنين)) إلى تمام رواية شرح النهج؛ إلا أنه لم يذكر ((يعسوب الدين)) عن الكنجي الشافعي، وقال ـ أي الكنجي ـ: أخرجه أبو نعيم في الحلية. انتهى.
[أحاديث: تسمية علي أمير المؤمنين ـ إمام المتقين ـ مخرجوها]
وروى الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه، بسنده إلى بريدة قال: /133
أمرنا رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أن نسلم على علي بن أبي طالب، بياأمير المؤمنين.
ورواه عنه الإمام (ع) مسنداً في الشافي.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ينادي مناد ـ يعني يوم القيامة ـ هذا علي بن أبي طالب، وصي رسول رب العالمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم)) من حديث أخرجه الكنجي عن ابن عباس، وأخرجه الخوارزمي؛ ذكره ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: هو من حديث طويل، أوله: ((يأتي على الناس يوم القيامة)) إلخ.
رواه الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس؛ ذكره في تفريج الكروب.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تَرِدُ عليّ الحوض راية علي، أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين؛ فأقوم فآخذ بيده، فيبيض وجهه ووجوه أصحابه؛ فأقول: ما خلفتموني في الثقلين؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدقناه، ووازرنا الأصغر وتبعناه، وقاتلنا معه؛ فأقول: رِدُوا رِدوا مرتين؛ فيشربون شربة لايظمأون بعدها؛ وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر، وكأضوأ نجم في السماء)).
أخرجه الحافظ محدث الشام الكنجي في كفايته، بسنده إلى أبي ذر الغفاري؛ ويشهد له خبر الرايات الثلاث، الذي رواه الحاكم الجشمي في السفينة؛ وقد أوردناه في التحف الفاطمية .
[حديث علي: كان لي عشر من رسول الله (ص) ومخرجوه]
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فيما أخرجه الإمام أبو طالب، عن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي، بسند آبائه، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ قال: كان لي عشر من رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ماأحب أن لي بإحداهن ماطلعت عليه الشمس؛ قال لي: ((يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، وأقرب الخلق مني في الموقف يوم القيامة، منزلي يواجه منزلك في الجنة كما يتواجه منزل الأخوين في اللَّه، وأنت الولي، والوزير، والوصي، والخليفة في الأهل والمال وفي المسلمين في كل غيبة، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة؛ وليك وليي ووليي ولي اللَّه، وعدوّك عدوي وعدوي عدو اللَّه)).
وأخرجه الإمام المؤيد بالله (ع)، في أماليه، /134
بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، بلفظ: كان لي عشر من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يُعْطَهن أحد قبلي ولايعطاهن أحد بعدي، قال لي: ((ياعلي))...إلخ، باختلاف يسير.
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، قال: أخبرنا الشريف أبو طالب، يحيى بن الحسين بن هارون الحسني البطحاني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ رحمه الله ـ قال: حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور المرادي، قال: حدثنا الحكم بن سليمان، عن نصر بن مزاحم، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، وساقه كما في أمالي الإمام أبي طالب (ع)، إلا أن فيه: ((وأنت الوارث)) مكان: ((الولي))، وليس فيه: ((الوزير)) وطريقة الإمام أبي طالب (ع) في أماليه، غير طريقته التي رواها عنه الإمام المرشد بالله (ع)؛ يعلم ذلك.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، أنا سيد المرسلين، وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))؛ أخرجه الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم في الصحيفة، بسند آبائه، إلى أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لما كانت ليلة أُسْري بي، أوحى اللَّه ـ عز وجل ـ إليّ في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)) أخرجه الإمام (ع) في الشافي، بطريقه إلى الإمام الناصر الحسن بن علي الأطروش (ع)، بسنده إلى عبدالله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: مع تصرف، رواه الناصر للحق، وعلي بن بلال، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن أسعد بن زرارة.
ورواه في المحيط، بسنده إلى الناصر (ع)، عن أسعد بن زرارة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكذا أخرجه ابن المغازلي، والكنجي، عن عبدالله بن أسعد، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ورواه محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى عبدالله بن أسعد، عن جابر، وأخرجه في المستدرك الحاكم، عن أسعد بن زرارة، /135
وصححه مرفوعاً.
وأخرج نحوه المحاملي عن عبدالله بن أسعد.
وأخرج نحوه الكنجي عن أبي ذر، وعن ابن عباس.
ومحمد بن منصور عن ابن عباس.
وأخرجه الخوارزمي، وأبو نعيم في الحلية بلفظ: ((مرحباً بسيد المسلمين وإمام المتقين)). انتهى.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ماإن تساءلتم عليه، لم تهلكوا؛ إن وليكم اللَّه، وإن إمامكم علي بن أبي طالب؛ فناصحوه وصدقوه، فإن جبريل أخبرني بذلك)).
أخرجه الإمام الأعظم، صاحب الجيل والديلم، الناصر للحق (ع)، وابن المغازلي.
ورواه ابن دَيْزِيل، بسنده إلى زيد بن أرقم، قاله صاحب شرح النهج.
أفاده في التخريج.
[تسمية الرسول (ص) علياً بسيد العرب]
وأخرج نحوه أبو نعيم بلفظ: ((ادعوا لي سيد العرب علياً)) فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟
قال: ((أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب)).
فلما جاء، أرسل إلى الأنصار فأتوه، فقال لهم: ((يا معشر الأنصار، ألا أدلكم على ماإن تمسكتم به لن تضلوا أبدا؟)).
قالوا: بلى، يا رسول اللَّه.
قال: ((هذا علي، فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي؛ فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن اللَّه عز وجل)).
وأخرجه الطبراني، عن الحسن السبط (ع) بلفظ: ((يا أنس، انطلق فادع لي سيد العرب)) الخبر بلفظه إلا أنه قال: فلما جاء قال: ((يامعشر الأنصار)) وليس فيه ذكر الإرسال.
أخرجه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى زيد بن أرقم، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((ألا أخبركم بما إذا تبعتموه لم تهلكوا، ولم تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((علي بن أبي طالب))، وعلي إلى جانبه؛ فقال: ((وازروه وناصحوه وصدقوه)).
ثم قال: ((جبريل أمرني بالذي قلتُ لكم)).
ورواه عنه الإمام (ع) في الشافي.
وأخرج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ماإن تمسكتم به لن تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((هذا علي))..إلخ محمدُ بن سليما ن الكوف ي، عن الحسن السبط (ع)، من ثلاث طرق؛ والكنجي عنه أيضاً.
وأخرج محمد بن منصور المرادي ـ رضي الله عنه ـ، بسنده إلى الإمام الأعظم، زيد بن /136
علي، عن آبائه، عن علي (ع)، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامعشر المسلمين، لاتخالفوا علياً فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وروى أيضاً بسنده إلى الإمام الأعظم، زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع) قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، إنك الهادي لمن تبعك؛ ومن خالف طريقك ضلّ إلى يوم القيامة)).
وفي معناه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع، فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل اللَّه، ومن تركه مرق من دين اللَّه، ومن تخلف عنه محقه اللَّه، ومن ترك ولايته أضله اللَّه، ومن أخذ بولايته هداه اللَّه)).
رواه العلامة إبراهيم بن محمد الصنعاني، في كتاب إشراق الإصباح، عن محمد الباقر، عن آبائه (ع)، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
والأخبار في هذا الباب كثيرة، ستأتي إن شاء الله تعالى منها غُرر منيرة.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن اللَّه عهد إلي في علي عهداً، فقلت: يا رب، بيّنه لي؛ قال: اسمع، إن علياً راية الهدى، وإمام أوليائي، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين؛ من أحبه فقد أحبني، ومن أطاعه فقد أطاعني؛ فَبَشِّرْهُ بذلك؛ فقلتُ: قد بشرته يارب؛ فقال: أنا عبدالله، وفي قبضته، فإنْ يعذبني فبذنوبي، لم يظلم شيئاً، وإن يتم لي ماوعدني فهو أولى؛ وقد دعوت له، فقلت: اللهم اجْلِ قلبه، واجعل ربيعه الإيمان بك؛ قال: قد فعلت، غير أني مختصه بشيء من البلاء، لم أختص به أحداً من أوليائي؛ فقلت: يا رب أخي وصاحبي؛ قال: إنه سبق في علمي أنه مبتلى ومبتلى به)) أخرجه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء، عن أبي برزة الأسلمي.
ذكره ابن الإمام (ع) في شرح الغاية مختصراً، وابن أبي الحديد في شرح النهج، تاماً؛ وغيرهما.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وأخرجه ابن المغازلي عن أبي برزة؛ وأخرجه بهاء الدين الأكوع، بالسند إلى أبي جعفر، عن أبي برزة. انتهى.
قال شارح النهج: ثم رواه ـ أي أبو نعيم ـ بإسناد آخر، بلفظ آخر، عن أنس بن /137
مالك: ((إن رب العالمين عهد إليّ في علي عهداً، أنه راية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام أوليائي، ونور جميع من أطاعني؛ إن علياً أميني غداً في القيامة، وصاحب رايتي؛ بيد علي مفاتيح خزائن رحمة ربي)) انتهى.
ورواه ابن الإمام (ع) مختصراً عن محدث الشام الكنجي الشافعي، عن أبي نعيم.
وروى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي، أن عماراً ـ رضي الله عنه ـ، خرج في بعض أيام صفين، والقراء محدقون به، حتى دنا من مقام علي في الصف، فقال: ألا أحدثكم بحديث، سمعتُه من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الواقف ـ يعني علياً (ع) ـ؟.
قلنا: هات يا أبا اليقظان.
قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لهذا: ((ياعلي، إن اللَّه زينك بزينة، لم يزين أهل الدنيا بزينة هي أحب إلى اللَّه منها، وهي زينة الأبرار عند اللَّه: الزهد في الدنيا؛ فجعلك لا تميل إليها ولا تميل إليك، ووهب لك مع ذلك حب المساكين، فجعلهم يرضون بك إماماً، وترضى بهم أتباعاً؛ فطوبى لمن صدق عليك، وويل لمن كذب عليك؛ فإني أقسم بالله، ليوقفنهم اللَّه موقف الكذابين)).
ثم قال: قاتلوا هذه الراية ـ يعني راية معاوية ـ فوالله، لقد قاتلتها مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثلاث عشرة مرة بهذه المرة؛ والله، ما هي في هذه المرة بأبرئها من الشرك.
ثم نظر إلى راية علي (ع)، ثم قال: قاتلوا مع هذه الراية؛ فوالله، لقد قاتلت معها اثنتي عشرة مرة، والله، ماهي في هذه المرة بأقلهن براً.
ثم قال الإمام (ع): فهذا كلام عمار، الذي يدور مع الحق أينما دار، بشهادة الرواة للأخبار، عن النبي المختار ـ صلى الله عليه وآله الأخيار ـ. انتهى.
[أحاديث متنوعة في فضائل علي ـ ومخرجوها]
قال شارح النهج، في سياق أخبار في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: الخبر الأول ((ياعلي، إن اللَّه قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه منها، هي زينة الأبرار، الزهد في الدنيا، جعلك لاترزأ من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً)).
رواه أبو نعيم الحافظ في كتابه المعروف بحلية الأولياء، وزاد فيه أبو /138
عبدالله أحمد بن حنبل في المسند : ((فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك)) انتهى.
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع)، بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((إن اللَّه تعالى جعلك تحب المساكين، وترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماما؛ فطوبى لمن اتبعك وصدق فيك، وويل لمن ابغضك وكذب فيك)).
وأخرج خبر الشافي، صاحب درر السمطين، محمد بن يوسف المحدث الشافعي، عن عمار بن ياسر ـ رضوان الله عليه ـ باختلاف يسير، وفيه: ((ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً)) أفاده الإمام القاسم بن محمد (ع).
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج، بعد ذكر خبر الشافي: وروى هذا الخبر ابن المغازلي عن أبي أيوب؛ اسم أبي أيوب خالد بن زيد.
وأخرجه أحمد، وأخرجه أبو نعيم، إلى: ((فطوبى له)) قاله ابن أبي الحديد.
وأخرجه الكنجي، عن أبي مريم السلولي، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ. انتهى.
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لأبي بن كعب: ((عليك بعلي فإنه الهادي المهتدي، الناصح لأمتي، المخبر بسنتي؛ وهو إمامكم بعدي؛ فمن رضي بذلك، لقيني على مافارقته عليه، ومن غير وبدل، لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوتي، لاأشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي)).
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ بسنده إلى الإمام النفس الزكية، أوسط المهديين في الأمة، المبشر به جده رسول الرحمة، محمد بن عبدالله، وأخيه الإمام البايع نفسه من اللَّه، المستشهد في سبيل اللَّه، يحيى بن عبدالله، عن أبيهما كامل أهل البيت، عن أبيه الإمام الحسن الرضى بن الحسن السبط، عن جده سيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
وقال جبريل - صلوات الله عليه - للنبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((قرت عيني بما أكرم اللَّه به أخاك، ووصيك وإمام أمتك، علي بن أبي طالب.
قلت: /139
وبما أكرم اللَّه به أخي وإمام أمتي؟.
قال: باهى بعبادته البارحة ملائكتة وحملة عرشه؛ وقال: ملائكتي انظروا إلى حجتي في أرضي، بعد نبيي، فقد عفر خده في التراب، تواضعاً لعظمتي؛ أشهدكم أنه إمام خلقي، وإمام بريتي)).
رواه الخوارزمي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع). انتهى من التفريج.
وفي معناه روى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ، بسنده إلى ثوبان قال: شهدت علي بن أبي طالب وقد أقبل إلى النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجبريل عن يمينه، فقال جبريل (ع): ((يا محمد هذا قد جاء يمشي الهوينا، هو إمام الهدى، وقائد البررة، وقاتل الفجرة، والمتكلم بالعدل والتوحيد، والنافي عن اللَّه الجور؛ يا محمد، إن ملائكة علي ليفتخرون على سائر الملائكة، أنهم ماكتبوا على علي كذباً)).
إلى قوله: ((قال جبريل: قد آلى ربنا ألا يعذب علياً بالنار، ولا شيعته ولا أحباءه))، انتهى من المحيط، ذكره ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب)).
قال علي (ع): من هم يارسول اللَّه؟.
قال: ((هم شيعتك، وأنت إمامهم)).
رواه الإمام الناصر الأطروش (ع)، بإسناده عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم-.
رواه حسام الدين الشهيد في الحدائق.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: رواه الناصر للحق، بإسناده عن داود بن شريك السلمي، من محيط علي بن الحسين ـ رحمه اللَّه ـ.
ورواه ابن المغازلي، بإسناده إلى أنس بن مالك، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، انتهى.
قلت: وأخرجه الحافظ الكنجي، عن أنس بلفظ: ثم التفت إلى علي، وقال: ((إنهم من شيعتك، وأنت إمامهم))؛ أفاده في الدلائل.
وروى الباقر (ع): أن نبي اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((إن عن يمين العرش رجالاً، وجوههم من نور، عليهم ثياب من نور، ما هم بنبيين ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء)).
قيل: من هم؟.
قال: ((أولئك أشياعنا، وأنت إمامهم ياعلي)) أخرجه حسام الدين في الحدائق، ورواه غيره /140
وقال جابر بن عبدالله: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول يوم الحديبية، وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب: ((هذا إمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)) أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: هذا صحيح الإسناد؛ ولم يخرجاه؛ أفاده في دلائل السبل، وتفريج الكروب.
[قصة مبارزة علي لفاتك العرب يوم الصوح وما تضمنت]
ولما أقبل فاتك العرب، أسد بن غويلم، يوم الصوح، يرتجز؛ ثم سأل البراز فأحجم الناس؛ قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من خرج إلى هذا المشرك فقتله، فله على اللَّه ـ عز وجل ـ الجنة، وله الإمامة بعدي)).
فلم يبرز له أحد، فقام علي بن أبي طالب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((نحن بنو هاشم، جود مجد، لا نجبن ولا نغدر، وأنا وعلي من شجرة، لاتختلف ورقها؛ أخرج إليه ولك الإمامة بعدي)).
فخرج علي بن أبي طالب نحوه، وأتبعه الناس أبصارهم، فضربه ضربة قسمته نصفين بالسوية، ووصل السيف إلى السرج، وهز علي سيفه، وحمل على المشركين، فانهزموا، وآب راجعاً وهو يقول:
ضربته بالسيف وسط الهامه
إلى قوله:
أنا عليّ صاحب الصمصامهْ .... وصاحب الحوض لدى القيامهْ
أخو نبي اللَّه ذي العلامهْ .... قد قال إذ عممني العمامهْ
أنتَ أخي ومعدن الكرامهْ .... ومن له من بعدي الإمامهْ
روى هذا الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي، قال: مشهور عند أصحاب الحديث.
ورواه الناصر للحق (ع) وساقه بسند اختصرت منه المذكور.
ورواه حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم من كتاب الناصر للحق (ع)، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس.
ورواه الحاكم أيضاً، عن أبي رافع.
أفاده السيد الإمام، أحمد بن محمد الشرفي (ع)، في شرح الأساس؛ وهو مروي في كثير من مؤلفات علمائنا /141
ـ رضي الله عنهم ـ.
نعم، في نسخة الشافي، الحاضرة حال التحرير: ((نحن بنو هاشم جود)) إلخ برفع بنو؛ والوارد في مثل هذا النصب، على الاختصاص، كما لايخفى؛ والخبر مابعده، ولكن مع ثبوت الرواية، يكون خبراً على جهة التوطئة لما بعده، الذي هو محط الفائدة.
وكذا في المنقول عنه، ثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة، في قوله: ((وبما أكرم اللَّه به أخي، وإمام أمتي)) وهو وارد، وإن كان الأكثر حذفها.
وكذا في الذي قبله: ((لقد سماه اللَّه باسمٍ ما سمى به أحد قبله)) بحذف الألف من أحد المنصوب؛ وهو لغة ربيعة، ويحتمل أن يكون الفعل مغير الصيغة، فيرتفع أحد بالنيابة، والأمر في مثل هذا واضح.
وإنما نبهت؛ لئلا يسارع المطلع بالتصحيح، على غير بصيرة.
هذا، وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل اللَّه المتين، فليأتم علياً وليأتم الهداة من ولده)) أخرجه الحاكم الحسكاني، بإسناده عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وقال سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ: أشهد أني سمعت رسول اللَّه، وهو يقول: ((علي إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، والأمير من بعدي)) رواه الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع).
[حديث: تسمية الله لعلي بالصديق ـ وفضل الشيعة]
وقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قال لي ربي ليلة أُسري بي: من خلّفت على أمتك يامحمد؟
قال: قلت: أنت أعلم يارب.
قال: يامحمد إني انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، فأنت نبيي، وخيرتي من خلقي؛ ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، الطاهرين المطهرين، سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين؛ أنت شجرة وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها؛ خلقتكم من طينة عليين)) بضمير الجمع في المجموع.
وفي الشافي، والمنهاج للإمام محمد بن المطهر (ع): ((خلقتهما)) فالضمير للحسن والحسين.
وفي بعضها: ((خلقتها)) فهو لفاطمة أو للشجرة.
تمام الخبر: ((وخلقت شيعتكم منكم؛ إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف، لم يزدادوا لكم إلا حباً.
فقلت: يارب، ومن الصديق الأكبر؟. /142
قال: أخوك علي بن أبي طالب)).
قال: بشرني بها رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابناي الحسن والحسين منها؛ وذلك قبل الهجرة بثلاثة أحوال.
قلت: والرواية وابناي بالألف فيكون مبتدأ، والحسن والحسين، عطف بيان، ومنها، الخبر، والجملة حالية، أو الخبر محذوف، أي: بشرني بهما، أو نحو ذلك؛ ويحتمل غير هذا، إلا أنه أقرب.
نعم؛ روى هذا الخبرَ الشريفَ الإمامُ الأعظم، زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ في مجموعه.
ورواه من طريقه أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، منهم: الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في شافيه.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، بسنده إلى الحارث؛ وعلى فصوله شواهد لاتحصى، ونظائر لاتستقصى.
نعم؛ واعلم أن النص بلفظ ((الخليفة)) و((الوصي)) و((الوزير)) و((الحق معه)) ونحوها لا يسعها المقام، وقد بسط فيها الإمام الحجة المنصور بالله في الشافي؛ والإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد؛ والإمام الشهير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير؛ والسيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع) في شرح الغاية؛ والمولى العلامة الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ في التخريج، وصاحب التفريج، وصاحب دلائل السبل المتقدم ذكرهما؛ وغيرهم، مافيه بغية الرائد، وضالة الناشد.
وقد اجتمع هنا ـ بحمد اللَّه ومنّه ـ في المقامات الجامعة المهمة، على وجه الاستكمال والاختصار، ماتفرق في الأسفار، ولا يوقف عليه مجموعاً في شيء من المؤلفات الكبار؛ فأما الانتهاء إلى غاية في هذا الباب، أو الوقوف على نهاية من ذلك الخطاب، فمما لا يدخل في حساب، ودونه نزح العباب.
يفنى الكلام ولايحيط بوصفه .... أيحيط مايفنى بما لاينفد؟!
واعلم أنا ندين اللَّه تعالى بما دانت به جماعة العترة الأحمدية، والصفوة /143
العلوية، ومن اهتدى بهداهم من علماء الأمة المحمدية، أن إمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخا سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ الإمام، وخليفة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على الخاص والعام، وحجة اللَّه بعد نبيه على جميع الأنام، وأنه منزل منزلته إلا النبوة، كما نطق به ـ صلوات الله عليه وآله ـ عن اللَّه تعالى في جميع الأحكام؛ فقوله ـ صلوات الله عليه ـ حجة، ومنهجه في كل شيء أعظم محجة.
[الكلام في: حجية قول أمير المؤمنين (ع) في الأصول، والفروع]
أما في الأصول، فلا خلاف بين آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وأتباعهم في ذلك؛ لمكان ماجعل اللَّه تعالى له من العصمة، وكون الحق فيها واحداً، كما قضت به الأدلة السابقة المعلومة.
وأما في فروع الأحكام، فكذلك عند جمهور أهل البيت وأتباعهم؛ لما سبق من الحجج المنيرة، المتواترة الشهيرة، وغيرها من الكتاب والسنة.
وقد جمع في ذلك المقام، السيد الإمام، الحسين بن القاسم (ع)، ماكثر وطاب، وأفعم الوطاب، وفيه كفاية لأولي الألباب؛ ولم تفصل البراهين القاضية بكون الحق معه وكونه على الحق، وما شاكلها، بين أصول وفروع، ولا بين معقول ومسموع.
فإن قيل: إن الحق في الاجتهادات متعدد، كما قد احتج بذلك بعضهم.
قيل: هذا على فرض صحته؛ إنما هو فيما لم تبلغ المجتهد فيه الحجة؛ ومع قيام الأدلة على حجية قوله، تجب متابعته، ولاتسوغ مخالفته، كقول أخيه الرسول الأمين، وقول جماعة العترة الهادين، ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ.
فإن قيل: فيلزم أن يكون أعظم حالاً من الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم؛ لتجويز الخطأ عليه دونه.
قيل: عن هذا جوابان، إلزامي وتحقيقي:
أما الأول: فهو لازم لكم في قول جماعة العترة والأمة، فإن الجميع لايجيزون عليهم الخطأ، فما أجبتم به فهو الجواب.
وأما الثاني: وهو الحل، فهو أن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وإن جاز عليه ذلك فلا يُقَرّ عليه، فهو مُؤَيّد بالوحي، مُسَدّد بالعصمة، /144
لايمضمي على شيء من الخطأ، إن وقع، فعند التحقيق لايجوز عليه الخطأ على الإطلاق؛ لأن مالا يستقر ـ وإنما يصدر لحكمة البيان ولايثبت ـ لا اعتبار به.
وأما غيره ممن قامت الحجة على أنه حجة، فلو فرض الخطأ، لدام، ولا يجوز على الحكيم أن يأمر باتباع الخطأ من الأحكام، وفي هذا أوضح بيان لذوي الأفهام.
فإن قيل: إنها تروى عنه ـ صلوات الله عليه ـ الروايات المتعارضة، وفي بعضها التصريح برجوعه عن القول الأول.
قيل: على فرض صحة ذلك، نقول: كان الحكم مؤقتاً لديه، بإعلام من الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أمد معلوم، وليس هذا من النسخ؛ وأيضاً لامانع منه، بل يكون هذا مع صحته دليلاً عليه، وهو أقوى برهان.
فإن قيل: لو كان كذلك، لما خالفه الصحابة، ولأنكر عليهم المخالفة.
قيل له: أما المخالفة فلا تنكر، وليست بدليل، مالم يكن إجماعاً.
[مخالفة بعض الصحابة للرسول (ص) حينما أراد أن يكتب لهم العهد الأخير]
كيف وقد خولف الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مراراً؟ أشهرها ماجرى من خلاف يوم الخميس، الذي أشار إليه الإمام يحيى شرف الدين (ع)، في قوله:
وفي الخميس وما يوم الخميس به .... كل الرزية قال البحر هي هي هي
عنى بالبحر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
قال الشارح: هذا إشارة إلى الحديث، الذي أخرجه البخاري، ومسلم، عن ابن عباس قال: لما حُضِرَ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وفي البيت رجال، فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هلموا أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده)).
قال عمر ـ وفي رواية: قال بعضهم ـ: رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبكم كتاب الله.
قلت: سبحان اللَّه، ومن جآءهم بكتاب اللَّه؟! وأي وثوق به، إن لم يكن معصوماً فيما طريقه التبليغ على كل حال؟!.
كلا، ولكن فَهِمَ عمرُ مراد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من التأكيد في خلافة أخيه؛ كما صرح به عمر في رواية ذكرها في /145
شرح النهج وغيره.
رجعنا إلى تمام الخبر.
قال: واختلف أهل البيت، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ ومنهم من يقول ماقال عمر.
انظر كيف رجعت مسألة خلاف، بين رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعمر بن الخطاب؛ إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: وفي رواية: ومنهم من يقول غير ذلك؛ فلما أكثروا اللغط والاختلاف، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قوموا عني)).
قال: وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية، ماحال بين رسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.
وساق رواية أخرى قال فيها: ثم بكى ـ أي ابن عباس ـ حتى بل دمعه الحصى.
وأَمْرُ هذه الواقعة معلوم، وإنما آثرت رواية الصحاح لتسليم الخصوم.
فبالله عليك، أترى هذا خلافاً لرسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أم لا؟ وهل هذا يبطل حجية قوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ؟.
بل نقول: لااعتبار بمن خالف الحجة، وإن خالف من خالف، وإن اختلفت أحكام المخالفة، وعند الله تجتمع الخصوم؛ وأما عدم إنكار الوصي صلوات الله عليه المخالفة فخلاف المعلوم، من أقواله وأفعاله، وخطبه منادية بالإنكار على الاستمرار، منها قوله: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم؟.
وقوله: أين يتاه بكم عن علم تنوسخ عن أصلاب أصحاب السفينة؟.
وقوله: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب؛ ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمي سارقاً.
وقال في ذم المخالفين له: لايقتصون أثر نبي، ولايقتدون بعمل وصي.
إلى غير ذلك مما يفوت الحصر.
وأورد ابن تيمية في فتاواه ص24 في الجزء (20) ـ الطبعة الأولى ـ: وقال عليٌ في قصة التي أرسل إليها عمر فأسقطت لما قال له عثمان وعبد الرحمن بن عوف: أنت مؤدب ولا شيء عليك: إن اجتهدا فقد أخطآ، وإن لم يكونا اجتهدا فقد غشّاك.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنّها الأهواءُ عمّت فأَعْمتِ
وهذا هو القول المعمول به، عند قدماء العترة ـ صلوات الله عليهم ـ؛ كما قرره إمام /146
الأئمة الهادي إلى الحق في الأحكام، وغيره من مذهبه ومذهب آبائه (ع).
وكرره الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد.
وقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، في الشافي: وكلام علي(ع) حجة..إلخ.
[أدلة لزوم علي للحق ـ مخرجوها]
قال المولى الحسن ـ أيده الله ـ في التخريج: قال علي بن الحسين في المحيط: ومن خصائص علي (ع) أن قوله حجة يجب المصير إليه؛ وذلك إجماع أهل البيت، لايختلفون فيه.
ثم استدل بأخبار فقال:
روى الناصر للحق.
إلى قوله: بسنده إلى أم سلمة قالت: سمعتُ النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((علي مع القرآن، والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ثم قال: وحدثني السيد يحيى بن الحسين الحسني؛ وساق سنده إلى زيد بن علي قال: كان علي بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علماً في الحق والباطل؛ لو أخذ الناس جانباً، أخذنا مع علي.
وروى بإسناده إلى زيد بن علي قال: نحن أهل البيت، لم نستوحش إلى أحد من هذه الأمة، إذا ثبت لنا الأمر عن أمير المؤمنين، لم نَعْدُهُ إلى غيره.
وقال: حدثني القاضي أبو علي الحسن بن علي الصفار؛ وساق إلى ابن عباس قال: إذا بلغنا شيء عن علي (ع)، من قضاء، أو فتيا؛ وثبت، لم نجاوزه إلى غيره.
قلت: وفي الجزء السابع من فتح الباري شرح البخاري ص 73: فقد روى ابن سعد بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: إذا حدثنا ثقة عن علي بفتيا، لم نتجاوزها.،انتهى.
وفي الاستيعاب، بالسند إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي، لم نعدل به. انتهى.
قال: وحدثني والدي؛ وساق إلى عبدالله بن الحسن قال: كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يذكر الفتن، وما يكون في أمته؛ فمرّ علي بن أبي طالب فقال: ((ياحذيفة، هذا وحزبه الهداة إلى يوم القيامة، لو أخذت الأمة جانباً، وأخذ علي جانباً كان الحق مع علي، وعلي مع الحق)). من المحيط /147
قلت: وقد سبق للإمام رواية خبر عمار، بسنده إلى علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري، فقلنا له: إن اللَّه تعالى أكرمك بمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك.
إلى قول أبي أيوب: إني أقسم لكما بالله، لقد كان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا البيت الذي أنتما فيه، ومافي البيت غير رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وعلي جالس عن يمينه، وأنا قائم بين يديه، إذ حرّك الباب، فقال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا أنس انظر من بالباب)).
فنظر فرجع، فقال: هذا عمار بن ياسر.
قال أبو أيوب: فسمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول: ((يا أنس افتح لعمار، الطيِّب المُطيَّب)).
ففتح أنس الباب.
إلى قول رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعمار: ((فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني علياً (ع) ـ وإن سلك الناس كلهم وادياً، وسلك علي وادياً، فاسلك وادي علي، وخل الناس طراً؛ يا عمار، إن علياً لايضل عن هدى؛ ياعمار، إن طاعة علي من طاعتي، وطاعتي من طاعة اللَّه عز وجل)).
قال ـ أيده الله ـ: ورواه الإمام أبو طالب (ع)، بإسناده إلى أبي أيوب الأنصاري.
وأخرجه ابن البطريق في العمدة؛ ذكره علي بن عبدالله بن القاسم بن محمد (ع) في الدلائل.
وأخرجه الديلمي وهو معنى ماذكر.
قال: وقال أبو جعفر الهوسمي: إن خبر ((علي مع الحق)) صحيح بالإجماع.
قال في المحيط: حديث ((علي مع الحق، والحق مع علي))؛ روي ذلك رواية عامة، لم يدفعه أحد.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال لعلي: ((أنت باب علمي، والحق معك، وعلى لسانك)) أخرجه الكنجي، عن علي (ع).
وروى محمد بن سليمان الكوفي، بإسناده إلى سعد، وأم سلمة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((علي مع الحق، والحق معه)).
إلى قوله: وروى بإسناده، عن سهل بن سعد الساعدي، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((من أحبني فليحب علياً؛ ألا إنه مني، وأنا منه)) /148
وساق إلى قوله: ((فالحق معه وهو حيث الحق))؛ ثم التفت إلى علي، وقال: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؛ إلا أنه لانبي بعدي)).
وروى ـ أي محمد بن سليمان ـ بإسناده إلى أم سلمة قالت: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يقول لعلي: ((أنت مع الحق، والحق معك)).
وروى بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي، إنك الهادي لمن اتبعك؛ ومن خالفك ضلّ إلى يوم القيامة)).
وروى بسنده إلى محمد بن ثابت الأنصاري، عن أم سلمة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((لايزال الدين مع علي، وعلي معه، حتى يردا عليّ الحوض)).
وروى بسنده إلى ابن عباس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((يامعشر المسلمين، لاتخالفوا علياً فتضلوا، ولاتحسدوه فتكفروا)).
قلت: ورواه محمد بن منصور، بسنده إلى زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع).
قال: وقد مرّ حديث بريدة، الذي أخرجه الكنجي، عن عمران بن الحصين، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في علي (ع)؛ وفيه: ((فلا تخالفوه في حكمه)).
قال: ورواه أبو عيسى الحافظ ـ يعني الترمذي ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مخاطباً لعائشة.
إلى قوله: ((وأنه مع الحق، والحق معه)) من حديث طويل، أورده أبو جعفر الإسكافي، عن أم سلمة.
ومن حديث أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أطيعوا علياً، فمن أطاعه فقد أطاعني، ومن خالفه فقد خالفني؛ ألا لعن اللَّه من خالف علياً)) رواه في الكامل المنير.
وقال: ((ألا إن التاركين ولاية علي، هم الخارجون من ديني، فلا أعرفنّ خلافكم على الأخيار من بعدي)) رواه أبو العباس الحسني، عن حذيفة.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به، لن تضلوا؟)).
قالوا: بلى.
قال: ((هذا علي))..الخ من حديث رواه أبو نعيم، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن الحسن بن علي من ثلاث طرق، والطبراني والكنجي، عن الحسن السبط أيضاً؛ وأخرجه ابن المغازلي، عن زيد بن أرقم.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((وإن /149
الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك)) من حديث جابر؛ رواه القاسم بن إبراهيم (ع)، وابن المغازلي؛ ورواه عنه محمد بن سليمان الكوفي، من طريقين؛ ورواه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع، بسنده عن جابر؛ ورواه الإمام المنصور بالله، بطريقه إلى الناصر للحق (ع)، يبلغ به جابراً؛ وقد مرّت روايته (ع)؛ ورواه الكنجي، بسنده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((فإنه ـ يعني علياً ـ لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة)) من حديث زيد بن أرقم؛ أخرجه الحاكم في المستدرك، والطبراني، والكنجي، ومحمد بن سليمان، وأبو نعيم؛ ورواه فقيه الخارقة، بسنده إلى أبي إسحاق، عن زياد بن مطرف، عن زيد بن أرقم.
قلت: وإنما رواه لقصد التصويب على رواية الشيخ محيي الدين للخبر؛ وهو من إخراج الإقرار بالحق على ألسنة المبطلين.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا المنذر وأنت الهادي؛ بك ياعلي، يهتدي المهتدون))؛ أخرجه في المحيط، عن ابن عباس؛ وأخرجه ابن عساكر، عن علي(ع)؛ والديلمي، والكنجي؛ وأخرج في المحيط أيضاً نحوه، عن زين العابدين (ع)؛ وأخرج نحوه الناصر للحق، عن أبي برزة الأسلمي، من دون زيادة ((بك يهتدي)) إلخ؛ أخرجه ابن مردويه؛ والضياء في المختارة، عن ابن عباس، وابن مردويه أخرجه أيضاً عن أبي برزة؛ وأخرجه في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وابن عساكر، عن علي (ع)؛ وأخرجه ابن جرير، وأبو نعيم، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار، والثعلبي، والنقاش؛ وأخرجه الحاكم الحسكاني، عن علي (ع)، وعن ابن عباس من ست طرق، وعن أبي برزة من ثلاث، وعن أبي هريرة، وعن يعلى بن مرة، وعن مجاهد، وعن زرقاء الكوفية.
وخبر: ((علي مع الحق، والحق مع علي))، رواه في المحيط، بإسناده إلى أبي اليسر، عن عائشة.
ورواه ابن المغازلي، بسنده إلى أبي سعيد؛ ورواه أيضاً عن علي من حديث المناشدة؛ ورواه الإمام أبو طالب ـ عليه /150
السلام ـ بلفظ: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علي)).
عن أم سلمة: ((وعلي مع القرآن، والقرآن مع علي))؛ أخرجه الحاكم، والطبراني، والكنجي، ومالك؛ عن أم سلمة أخرجه في الموطأ.
وأخرج البخاري في صحيحه، عن علي (ع)، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((رحم اللَّه علياً، اللهم أدر الحق معه حيثما دار)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من فارق علياً، فقد فارقني))؛ أخرجه الحاكم، عن أبي ذر؛ وابن المغازلي، عن ابن عمر وأبي ذر.
قلت: وفي شرح الغاية: وأخرج أحمد في المناقب، والحاكم عن أبي ذر، قال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((ياعلي من فارقني فارق اللَّه، ومن فارقك فقد فارقني)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ستقاتلك الفئة الباغية، وأنت على الحق))؛ أخرجه ابن عساكر، عن عمار.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحقُّ مع ذا، الحقُّ مع ذا)) ـ يعني علياً ـ؛ أخرجه أبو يعلى، وسعيد بن منصور، عن أبي سعيد الخدري؛ وابن المغازلي، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي على الحق، ومن تبعه فهو على الحق، ومن تركه ترك الحق))؛ رواه موسى بن قيس، الملقب عصفور الجنة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الحق معك، وعلى لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك)) من حديث الناصر للحق، بسنده إلى جابر عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وقد مرّ مثله؛ وهو طويل جامع لفضائل عظيمة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة)) ـ يعني علياً (ع) ـ؛ أخرجه الخطيب، عن أنس؛ وأخرجه ابن المغازلي عنه بدون ((يوم القيامة)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((وأنت الفاروق، الذي يفرق بين الحق والباطل))؛ أخرجه المرشد بالله (ع)، وأبو علي الصفار، والطبراني عن أبي ذر، ومحمد بن سليمان عن أبي ذر من طريقين، وعن سلمان وأبي ذر معاً من طريق؛ وأخرجه ابن عدي، والعقيلي، والبيهقي، والكنجي عن ابن عباس؛ والبيهقي وابن عدي، عن حذيفة، عنه صلى /151
الله عليه وآله وسلم؛ وأخرجه ابن عساكر عن ابن عباس، ورواه عن أبي ليلى في ظاهر قول الكنجي؛ وأخرجه أبو عمر بن عبد البر، عن أبي ليلى الغفاري؛ والكنجي، عن أبي ليلى أيضاً؛ ورواه أبو جعفر الإسكافي، عن أبي رافع؛ ورواه في المحيط علي بن الحسين.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه))؛ أخرجه الحاكم وصححه؛ والديلمي، عن ابن عباس؛ ومحمد بن سليمان، عن أنس من أربع طرق؛ وابن مردويه، عن أنس، والحارث بن محمد الأسدي؛ وأخرجه أبو نعيم، والكنجي، وصاحب المحيط؛ ورواه أبو القاسم الجابري، بسنده إلى ابن عباس وابن مسعود وجابر؛ وصدره: ((ليهنك ياأبا الحسن العلم والحكمة؛ أنت وارث علمي؛ من أحبك لدينك وأخذ بسنتك، فقد هُدي إلى صراط مستقيم؛ ومن رغب عن هداك وأبغضك، لقي اللَّه ولا خلاق له)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي؛ حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة))؛ أخرجه الديلمي عن أبي ذر.
وروى محدث الشام، محمد بن يوسف الكنجي الشافعي، بالإسناد إلى ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ، يقول: ((هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي بعدي)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((أنت تؤدي دِيني، وتقاتل على سنتي، وأنت باب علمي، وإن الحق معك، والحق على لسانك))؛ رواه الإمام الأعظم زيد بن علي (ع). أفاده في شرح الغاية.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع؛ فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل اللَّه، ومن تركه مرق من /152
دين اللَّه، ومن تخلف عنه محقه اللَّه، ومن ترك ولايته أضله اللَّه، ومن أخذ بولايته هداه الله))؛ رواه العلامة إبراهيم بن محمد الصنعاني، في كتاب إشراق الإصباح، عن محمد بن علي الباقر، عن آبائه، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
انتهى المأخوذ من الشافي وشرح الغاية ودلائل السبل، والتفريج، والتخريج، بتصرف.
ولقد اعترف بالحق علماء المخالفين؛ لما بهرتهم البراهين.
قال البيهقي: ومن اقتدى في دينه بمتابعة علي بن أبي طالب، كان على الحق؛ والدليل عليه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم أدر الحق مع علي أينما دار)).
وقال أيضاً هو والرازي: ومن اتخذ علياً إماماً لدينه، فقد تمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
والحق أبلج ماتخيل سبيله .... والحق يعرفه أولوا الألبابِ
[جمع نفيس لنصوص نبوية، في أخي الرسول ووصيه]
هذا، واعلم أنه قد وقع الجمع لزبدة شافية، من نصوص سيد المرسلين، في أخيه سيد الوصيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ في خاتمة بحث من التحف الفاطمية ، نفع اللَّه بها؛ ووقفت على مثله في التخريج العظيم، الذي وَشّح به الشافي، المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ؛ ولم يكن قد وقع اطلاع على هذا البحث، ولا على سائره على سبيل التفصيل؛ وإنما كان قد ناولني الكتاب، وأمليت عليه بعض مباحثه، وهو باق ـ حال تأليف التحف ـ لديه، ولو كان قد وقع الاطلاع عليه، لجمعت البحثين هناك.
وكذا وقع التوافق، على رسم مخرجي أخبار الكساء، وأسماء الرواة، على تلك الصفة، وحصل ـ بحمد اللَّه ـ في كل واحد من الأبحاث، مالم يكن في الآخر؛ وقد ترجح إيراد ماحرره هنا، وجَعْلُه خاتمة لهذا المقام؛ ليكون من وقف على الجميع وقف على منتهى المرام على التمام، والله تعالى ولي التوفيق إلى أحسن ختام. /153
قال ـ أيده الله ـ: ويعلم اللَّه، أن من تأمل ما اشتمل عليه هذا الكتاب أصلاً وتعليقاً.
قلت: يعني الشافي وما علق عليه، أي: وحدهما، دع ما سواهما، فكيف بمن تأملهما، وتأمل غيرهما؟.
قال: لا يبقى معه شك في إمامة علي (ع)، وكونه حجة يجب اتباعه، ويحرم خلافه؛ فإنه باب العلم، وباب الحكمة، وباب حطة، والمبين للأمة، والهادي، وعيبة علم محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأعلم الأمة، وأفقهها، وإمام أولياء اللَّه، ونور من أطاعه، وخير الأمة، والصديق الأكبر، والفاروق، عديل نفس رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولي كل مؤمن، ومولى كل مؤمن، سيد العرب، وسيد المسلمين، وإمام المتقين، والكلمة التي ألزمها اللَّه المتقين، الطاهر المطهر، أحب الخلق إلى اللَّه، وإلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يحبه اللَّه ورسوله؛ مِن محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة رأسه من بدنه، من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومحمد منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وجبريل منهما؛ أفضل السابقين والصديقين، وارث أخيه محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وخليفته من بعده، ووصيه، ووزيره، وخليله، والأحق به، المنتجى لله، والمختار بعد أخيه، سيد في الدنيا والآخرة، سيد ولد آدم ماخلا الأنبياء، ذو اللواء في الدنيا والآخرة، أول الناس وروداً على الحوض، والساقي من أحبه، قسيم النار والجنة، المتولي لمفاتيح خزائن رحمة اللَّه؛ الأبصر بالقضية، والأعدل في الرعية، والأقسم بالسوية، والأعظم في المزية؛ خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلى اللَّه وسيلة؛ منصور من نصره، مخذول من خذله؛ هو مع الحق والقرآن، وهما معه؛ من فارقه فارق اللَّه، ومن لم ينصره فليس من محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ عَلَم الهدى، وحتف الأعداء، سيف اللَّه الذي لاينبو؛ حبه إيمان، وبغضه نفاق؛ من تمسك به لن يضل، ذو الجواز، خير البرية؛ وهو الطريق الواضح، والصراط المستقيم؛ وهو باب اللَّه الذي لايؤتى إلا منه، باب الجنة، والمقتول على السنة؛ أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، /154
وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم، وصالح المؤمنين؛ حجة اللَّه على الأمة، خاتم الأوصياء؛ لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون؛ قرين محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في درجته، في السنام الأعلى، أبو ولده، واسطة بينه وبين خليل الرحمن.
فمن ذا يشك في أمره إلا مصاب بدعوة أخيه؟! وحقه على كل مسلم كحق الوالد على بنيه، المردود عليه الغزالة صلى اللَّه على محمد وآله وسلم.
انتهى المراد.
فإذا أحطتَ علماً بما قضت به هذه البراهين الناطقة، وفهمتَ ما صرحت به تلك الحجج من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم المتطابقة، لاالدواعي الماحلة، والأماني الماحقة؛ علمتَ علماً لاريب فيه، أن جماعة إمام الأبرار، وقسيم الجنة والنار، وأتباع سائر العترة الأطهار، الذين تركهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خلفاء مقامه، وقرناء كتاب ربه، وأمر أمته بالتمسك بهم في جميع الأعصار ـ هي الجماعة الصادقة؛ وأن سنتهم هي السنة الجامعة لا المفارقة، وأن فرقتهم هي الفرقة الناجية، والعصابة الهادية، وكلمتهم هي الكلمة الباقية ـ؛ ومن يتول اللَّه ورسوله والذين آمنوا فإن حزب اللَّه هم الغالبون؛ وأن من اتبع غير سبيلهم، أو لم يتمسك بحبلهم، وزاغ عن سفينتهم، ولم يدخل في قبيلهم، أو ركن إلى أعدائهم، ولم يعتصم بهداهم؛ فهو النابذ للكتاب ظهرياً، والمرتكب من الضلال والمحال شيئاً فرياً، وهو الخارج عن الطاعة، والمفارق للجماعة، والرافض للكتاب وللسنة والعترة، والمتبع للضلالة والفرقة والبدعة، فسوف يلقون غياً؛ وهو السالك سبيل المخافة، والخالف لنبيه في أهل بيته شر الخلافة /155
وخير أمور الناس ماكان سنّة .... وشرّ الأمور المحدثات البدائعُ
فسبحان اللَّه! كيف يرضى لنفسه بذلك ذو عقل سليم، ونظر قويم؟! أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم؛ ذلك مبلغهم من العلم؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل؛ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
ولقد أذْكَرَ المقام، بما قاله الإمام، يحيى شرف الدين (ع)، في خاتمة قصص الحق؛ للتوسل بمن توسل، والسؤال لما سأل، والله ولي العصمة والتسديد، في كل مبدء وختام.
قال (ع):
يا سيد الرسل إنا معشر خُشُن .... في دينك الصدق نحييه ونحميهِ
من آل سبطك لاتنفك طائفة .... منا على الحق تخزي من يناويهِ
ولا تزال على أكتافنا خُذُمٌ .... تبيد خضراء قوم لا تراعيهِ
منا خليفة حق من تكون له .... شروط شرع بالاستخلاف تمليهِ
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
تركتنا مع كتاب اللَّه جل إلى الـ .... ـحوض الذي لموالينا نُرَوِّيه
سفينة اللَّه تُنْجي مَنْ يلوذ بها .... ومن تخلّف في النيران تهويه
ونوركم أيها الأشباح صاربنا .... وهو الذي آية التطهير تعنيهِ
إجماعُنا حجة الإجماع وهو له .... أقوى دليل على ماالعلم ينبيهِ
/156
إلى قوله:
وإنّ عبدك يارحمن يسألك الـ .... ـقبول والعفو والتوفيق توليهِ
إلى قوله:
وهب لنا رحمة يارب شاملة .... لنا جميعاً وعنا الشر تنفيهِ
وفي دعائي أولادي كذا سلفي .... وإخوتي وكذا أشياعنا فيهِ
والحمد لله في صدر المقال وفي الـ .... ـختام منه وفي الأثناء ننشيه
حمداً جميلاً جزيلاً لاكفاء له .... إلا جلال إله العرش معطيه
كذا الصلاة على المختار دائمة .... وآله ماشدا في الأيك شاديهِ
/157
الفصل الثاني [في بيان ما عليه مفارقوا العترة(ع)]
في بيان ماعليه المفارقون لأهل بيت النبوة، من هذه الأمة، وما عاملوا به هذه الصفوة من الجفوة، واطراح عظيم الحرمة؛ لما ألزم اللَّه ـ عز وجل ـ من البيان، في محكم القرآن، بأمثال قوله ـ جل جلاله ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء: 135] حتى يكون الناظر على يقين وعرفان، وتحقيق وبرهان، في أحوال المحقين والمشاقين؛ وأعمال الموافقين والمفارقين.
فأقول والله المستعان، وبه الثقة وعليه التكلان: تالله، إن كل من له أدنى مسكة من الاطلاع، ورائحة من الإنصاف، ومادة من التوفيق، ليعلم تحريفهم، وانحرافهم، وتحاملهم على العترة الطاهرة، الذين طهرهم اللَّه عن الرجس، وأمرهم بمودتهم في الكتاب، وخلّفهم فيهم الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، وجعل نجاة الدنيا والآخرة في التمسك بهم، والاعتصام بحبلهم، في الأخبار المتواترة؛ ويعلم ميلهم إلى أعدائهم، المحاربين لهم، السافكين لدمائهم، من الفرق التي تواترت النصوص النبوية، عند كافة الأمة المحمدية، بضلالهم ونكثهم، وبغيهم ودعائهم إلى النار، ومروقهم عن /161
الدين، من الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن تلاهم من الجبارين.
[تعديل الخصوم لرؤساء النفاق، والأخذ عنهم ـ وشيء مما جاء فيهم]
وأي بيان في هذا الباب، أبلغ من توليهم وتعديلهم لرأس أحزاب البغي، وزعيم أرباب القسط، المحارب لسيد الوصيين (ع)، والقاتل للألوف المؤلفة من طائفة الحق والمحقين، معاوية بن أبي سفيان، وأبيه، اللذين لم يزالا يبغيان لدين اللَّه الغوائل، ويسعيان في إطفاء نور اللَّه ويجمعان القبائل، حتى ظهر أمر اللَّه وهم كارهون؛ وتوليهم وتعديلهم لشركائه في أمره، ووزرائه وأنصاره، كعمرو بن العاص، وأبي موسى الأشعري، وطريد رسول اللَّه وابن طريده مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة؛ فهؤلاء عندهم من المركون عليهم في الدين، الموثوقين على تبليغ شريعة سيد المرسلين، المعتمد على رواياتهم في أصح صحاحهم، كالبخاري ومسلم.
ولا كلام فيهم؛ لشمول اسم الصحبة لهم عندهم؛ وقد عمّموا بذلك المدح والثناء مطيعَهم وعاصيَهم، ومحقَّهم وباغيهم، ومخلصهم ومنافقهم، ومؤمنهم وفاسقهم؛ وقد علموا ماورد عن اللَّه وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من النصوص المعلومة القاطعة؛ منها ماهو خاص لمسمى الصحابة أولاً وبالذات، ومتناول لمن شاركهم من غيرهم، كما ورد في الفرق الثلاث: الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وغير ذلك مما هو معلوم في شأن أمير المؤمنين، وأخي سيد النبيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ من أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، المروي عند جميع المسلمين.
[حديث: المحلؤون يوم القيامة عن الحوض من الصحابة]
ومنها: ماهو وارد في الصحابة خاصة، كأحاديث الحوض، المتضمنة لطردهم وإبعادهم، وأنه لايخلص منهم إلا كهمل النعم، وأنهم غيروا وبدلوا، وأنه ـ عليه وآله الصلاة والسلام ـ يقول: ((أصحابي أصحابي)) فيقال: إنك لاتدري ماأحدثوا بعدك، فيقول: ((سحقاً سحقاً)).
ولم يقل: لا كلام فيهم؛ لأنهم صحابة، ولا لأنهم خير القرون، ولا إنهم كالنجوم، ولا إن فيهم من أهل بدر فيعملون ماشاؤا.
وأخبار الحوض، متواترة مروية عند آل محمد (ع)، وعند هؤلاء القوم في /162
صحاحهم كالبخاري ومسلم.
وفي لفظ رواية لمسلم والبخاري، عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا فرطكم على الحوض، فليرفعن إلي رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني؛ فأقول: أي رب، أصحابي؛ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
وفي أخرى لهما عن أنس، أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((ليَرِدنّ عليَّ الحوض رجال، ممن صاحبني، حتى إذا رفعوا اختلجوا؛ فلأقولن: أي رب، أصحابي أصحابي؛ فيقال لي: إنك ماتدري ماأحدثوا بعدك)).
زاد في رواية أخرى: ((سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي)).
وغير ذلك كثير، فلا نطول بالبحث.
وما ورد في الكتاب العزيز في شأنهم خاصة، كقوله تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ } [الفتح: 10].
فيا عجباه، ممن يستدل ببيعة الرضوان، على استمرار طاعتهم، والقطع بنجاتهم، كابن تيمية، ومن مشى على منهاجه.
وقوله تعالى في أهل بدر: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } [آل عمران: 152].
وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا } [آل عمران: 144].
وقوله ـ جل وعلا ـ مخاطباً لسيد رسله ومن معه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)} [هود].
وفي الرواية /163
أنها شَيَّبَتْ به ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وهو في مقام النبوة، ومحل العصمة ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ؛ وماعند اللَّه هوادة لأحد من خلقه، وما حكمه إلا واحد في جميع عباده.
ومنها ماهو عام لهم ولغيرهم، كوعيد اللَّه في كتابه، وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على جميع حدوده، وإيجاب البراءة من جميع أعدائه، نحو: قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [المجادلة: 22] الآيات.
فأعرضوا عن هذه الآيات والأخبار، واتخذوها ظهرياً، وأغلقوا الباب، وقطعوا الخطاب، وصيروها نسياً منسياً؛ ومن أظلم ممن ذكّر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون؛ سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون.
كل ذلك ميلاً إلى الهوى، وحباً للرئاسة، وإخلاداً إلى الدنيا؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم؛ والمرء مع من أحب؛ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فإن قيل: إنهم إنما قبلوا حديثهم؛ لظنهم صدقهم، ولم يتولوهم ولا أحبوهم.
قيل: إن كنتَ لاتعلم؛ فاعلم أنهم تولوهم، وترضوا عنهم وعدلوهم، وعدلوا كل من شمله اسم الصحبة، ومنعوا الكلام فيهم بالكلية؛ بل عدوا ذلك جرحاً، ووضعوه قدحاً، كما صرحت به دفاترهم، وجرى عليه أولهم وآخرهم؛ وكان الأولى بمن بلغ به الجهل بحالهم إلى هذا، أن يسكت؛ فإن سكوته أسلم.
[كلام على معاوية وبقية بني أمية]
هذا، ومنها ماهو خاص لأناس منهم، بأسمائهم وأعيانهم، كرأس الباغين، معاوية بن أبي سفيان.
أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر؛ عن سعيد بن المسيب، قال: رأى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بني أمية على منابرهم؛ فساءه ذلك، فأوحى اللَّه إليه (إنما هي دنيا أعطوها)؛ فقرّت عينه، وهو قوله تعالى: {وَمَا /164
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء: 60].
قال فخر الدين الرازي في تفسيره: وهذا هو قول ابن عباس، عن عطاء.
ثم قال أيضاً: قال ابن عباس: الشجرة الملعونة في القرآن: بنو أمية.
قال: ورأى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في المنام بني مروان يتداولون.
وقال النيسابوري في تفسير سورة القدر: ذكر القاسم بن المفضل، عن عيسى بن مازن، عن الحسن بن علي (ع)، أن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رأى في منامه بني أمية، يطئون منبره واحداً بعد واحد ـ وفي رواية: ينزون على منبره نزو القردة ـ فشق ذلك عليه، فأنزل اللَّه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر] إلى قوله: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} يعني: ملك بني أمية.
وروى السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص 13) عن الترمذي، بسنده إلى الحسن بن علي (ع)، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رأى بني أمية على منبره، فساءه ذلك، فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر] ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} [القدر].
إلى قوله: قال: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} [القدر] يملكها بنو أمية، يامحمد.
قال: وأخرج هذا الحديث الحاكم في مستدركه، وابن جرير في تفسيره؛ وساق سنده إلى عبد المهيمن بن عباس بن سهل؛ حدثني أبي عن جدي، قال: رأى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات؛ وأنزل اللَّه في ذلك: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء: 60].
قال: إسناده ضعيف، لكن له شواهد من حديث عبدالله بن عمر، ويعلى بن مرة، والحسن بن علي، /165
وغيرهم؛ وقد أوردتها في كتاب التفسير، والمسند، وأشرت إليها في كتاب أسباب النزول. انتهى.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن أهل بيتي يلقون من أمتي قتلاً وتشريداً، وإن أشد قومنا لنا بغضاً بنوا أمية وبنوا المغيرة وبنوا مخزوم)) أخرجه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
وقد ساق الشوكاني في فتح القدير الأخبار في هذا المعنى، وزاد: وأخرج ابن مردويه، عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول لأبيك وجدك: ((إنكم الشجرة الملعونة في القرآن)).
قال الشوكاني: في هذا نكاره؛ وعلل ذلك بأن جد مروان، لم يدرك زمن النبوة.
قلت: وذلك ساقط؛ لأن اللام ليست للتبليغ هنا؛ بل بمعنى عن، كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [الأحقاف: 11] وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } الآية [آل عمران:168] أي: عنهم وفي شأنهم.
وهنا كذلك أي: يقول عن أبيك وجدك.
فهذا هو الذي يجب المصير إليه، ولامعنى للتشكيك في الرواية الصحيحة، التي لها شواهد متضافرة؛ بل متواترة، بمثل هذا التعليل العليل.
وأيضاً، فلو كانت للتبليغ، لأمكن ذلك باعتبار الحَكَم، وعطف والده عليه تغليباً؛ وهذا واضح للمنصفين.
وفي البخاري بسنده إلى أبي هريرة، أنه قال: سمعت الصادق المصدوق يقول: ((هلكة أمتي على يد غلمة من قريش)).
قال مروان: لعنة اللَّه عليهم غلمة.
قال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان بني فلان، لقلت.
قال في فتح الباري في الجزء (13) ص (9): تنبيه، يُتعجب من لعن مروان الغلمة، مع أن الظاهر أنهم من ولده، كأن اللَّه أجرى ذلك على لسانه؛ ليكون أشد عليهم في الحجة، لعلهم يتعظون.
وقد وردت أحاديث في لعن الحكم، والد مروان، وما ولد، أخرجها الطبراني؛ وبعضها فيه مقال وبعضها جيد. انتهى المراد. /166
[نقاش في معنى الصحبة]
ونقول لهم فيما يقعقعون به، ويموهون على من لانظر له، ولا رؤية عنده، في شأن الصحابة، التي أضاعوا بسببها حقوق اللَّه، وحقوق رسوله، وحقوق الجامعين للصحابة والقرابة: إن أردتم الصحبة اللغوية على الإطلاق، التي هي الملازمة للغير، فليست من أسماء المدح والتعظيم في شيء؛ وقد سمى اللَّه تعالى بها الخارج عن دينه، الكافر بربه.
قال ـ عز وجل ـ: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } [الكهف: 37].
وإن أردتم الصحبة الشرعية، التي تقتضي التجليل والتعظيم، والتبجيل والتكريم، المحمود أهلها في الكتاب الكريم، وسنة الرسول العظيم؛ فلا ولا كرامة؛ لاتطلق إلا لمستحقيها، الثابتين على الدين القويم، اللازمين لهدي الرسول الأمين، وصراطه المستقيم، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، ولم يبدلوا ولم يغيروا، حتى أتى اللَّه كل منهم بقلب سليم.
ولا ريب أن لصحابة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم، وعلى الطاهرين من آلهم ـ منزلة عظمى، ومرتبة كبرى؛ ولكن ذلك لمن خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، ولم يستبدل الآخرة بالأولى؛ فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى؛ بل ذنبه أعظم، وجرمه أطم؛ لمشاهدته لأنوار النبوة، وكفرانه لعظيم ماأنعم اللَّه به عليه، كما أخبر اللَّه تعالى في نساء نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وعلى كل حال، فكل فضيلة لاتتم إلا بالسلامة من موجبات سخط ذي الجلال، ومحبطات صالح الأعمال؛ وقد قرعت سمعك النصوص المعلومة على العموم والخصوص؛ ومابعد كلام اللَّه أحكم الحاكمين، وكلام رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أصدق القائلين مقال /167
[كون إجرام الصحابي أقبح من غيره]
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق المبين، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين(ع) في المعراج؛ في سياق كلام، أجاب به على صاحب البهجة العامري: وأن صحبة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شرف ورفعة؛ ولكن لم يثبت أنها تبيح المحرمات، ولا تكفر الذنوب الموبقات؛ بل العقل والنقل يقضيان بعكس ذلك.
أما العقل: فلا شك أن المناسب عنده وفي حكمه، أن جراءة الصحابي، الذي صحب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دهراً طويلاً، وشاهد أنوار النبوة، وانفجار أنهار الحكمة، فأخذ دينه من غير واسطة أعظم موقعاً من جراءة غيره، وأدل على الشقاوة، وشدة التمرد، وعظيم العتوِّ؛ إن لم يشهد ذلك بالنفاق، وجميع مساويء الأخلاق.
وأما النقل: فقوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30].
فأكد ماذكرناه، ودل على أن صحبتهن لرسول اللَّه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم، وهي أبلغ صحبة، وأخصها وأعظمها، لم تكن سبباً في التجاوز عنهن؛ بل في التغليظ عليهن؛ فكيف تكون صحبة معاوية مع نوع من النفاق والتمرد العظيم، وأبلغ الشقاق، سبباً في تجاوز ماكاد به الإسلام، وأحدثه من المصائب العظام، والحوادث الطوام؟!
ثم ساق (ع) أخبار الحوض وغيرها.
وكلام أئمة الهدى على هذا المنهج.
وقد أورد في الجزء الرابع من شرح النهج، بحثاً نفيساً، جواباً على ماتُوَعْوَع به الحشوية في هذا المقام.
ولقد قارب حد الإنصاف، والخروج عن التورط في دائرة الانحراف والاعتساف، العلامة المحقق، سعد الدين التفتازاني، حيث قال في شرح المقاصد مانصه: إن ماوقع من الصحابة من المشاجرات، على وجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد، والفساد /168
والحسد واللدد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ وليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالخير موسوماً.
إلى قوله: وأما ماجرى بعدهم من الظلم على أهل البيت (ع)، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، تكاد تشهد به الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهد منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور، ومرّ الدهور؛ فلعنة اللَّه على من باشر أو رضي أو سعى؛ ولعذاب الآخرة أشد وأبقى..إلى آخر كلامه.
نعم، وهكذا يُعْلَمُ تعصبهم في أكثر طرائقهم، ومصطلحاتهم، التي شرعوا لهم بها من الدين مالم يأذن به اللَّه، وأنها دعاوي مجردة عن البرهان، مجانبة لمحكم القرآن، وسنة سيد ولد عدنان؛ وإنما تنفق على غلف القلوب، صم الأسماع، عمي الأبصار، الذين يقلدون في دين اللَّه الرجال، فيميلون بهم من يمين إلى شمال؛ فقد صاروا لعمى البصيرة، مقتادين لترهاتهم وإن خالفت أحكام الضرورة.
[جواب مايقال: إن العترة رووا عن المنحرفين مصرحين ومتأولين]
هذا، فإن قلت: إن آل محمد (ع)، وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ، قد رووا في مؤلفاتهم عن هؤلاء الفريق، وسلكوا مع السالكين لتلك الطريق.
قلت: لايخلو هذا القائل من أن يكون من أهل النظر والاطلاع، أو من الهمج الرَّعاع، الواقفين على الجمود والاتباع.
إن كان الأول، فهو من الملبسين للحق بالباطل، وحسابه في ذلك على الملك العادل.
وإن كان الثاني، فيقال: إنه لملبوس عليك، وما كان لك أن تغمض عينيك، وتلقي بيديك، ولقد سمعتَ ومانظرتَ، وتوهّمْتَ وما فَكّرْتَ؛ وماحالك إلا كما قيل:
فقلْ لمن يدعي في العلم معرفةً .... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ
/169
والجواب: أما التولي لهؤلاء الظالمين، والترضي عن القوم الفاسقين، والمجادلة عن أولئك المختانين، فحاشا اللَّه، ومعاذ اللَّه؛ كيف؟! وأولهم وآخرهم، ومقتصدهم وسابقهم، وجميع أهل التوحيد والعدل، يحكمون على جميع هؤلاء بما حكم اللَّه تعالى به ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عليهم من البغي والنفاق، والنكث والشقاق، والمروق عن دين الملك الخلاق؛ وتبرؤهم عنهم، وإنكارهم لزيغهم معلوم، يصرحون به في جميع الدفاتر، ويبلغونه على فروع المنابر.
كيف؟! وإمامهم الأعظم، وسيدهم المقدم، أمير المؤمنين، وإمام المتقين ـ صلوات الله عليهم ـ مصرح بالبراءة منهم، واللعن لهم في الصلوات، التي هي أقرب القربات، وفي غيرها من المقامات؛ وهو أول من أجرى عليهم حكم اللَّه ورسوله في جهادهم وقتالهم، وسفك دمائهم؛ وهو في ذلك وغيره إمام الأئمة، وهادي هداة الأمة، والمبين لهم ما اختلفوا فيه، من بعد أخيه ـ صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله ـ.
وأما الرواية عنهم، فإن كانت لتأكيد الحجة على المخالفين، وإقامة البرهان على المنازعين، بما يقرون بصحته، ولا يستطيعون دفع حجته، فلا ضير في ذلك، ولا اعتراض عند أولي العلم على من سلك تلك المسالك؛ وهذا شأن علماء الأمة من موالف ومخالف.
وقد صرح بذلك أئمة آل محمد ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ، عند روايتهم عن المخالفين؛ كما أبانه الإمام الهادي إلى الحق في باب الأوقات من المنتخب؛ والإمام الناصر للحق في كتابه البساط؛ والإمام المؤيد بالله في خطبة التجريد؛ والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك؛ والإمام المنصور بالله في الشافي؛ والإمام شرف الدين، والسيد صارم الدين؛ وغيرهم من آل الرسول ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ.
وذلك معلوم لاريب فيه، مكشوف لناظريه، وإن كان قد اتخذه وسيلة إلى التغرير والتلبيس، على من لااطلاع له، بعضُ أولي التمويه؛ مع أنه في رواية قدماء أئمتنا(ع)، أقل قليل، كما يعلم ذلك أولوا التحصيل.
وإن كانت الرواية للاعتماد عليها، والاستناد إليها؛ فأما عن هؤلاء الفاسقين المجاهرين وأمثالهم فحاشا وكلا، وكلماتهم في ذلك ناطقة،/170
ومؤلفاتهم على ذلك شاهدة متطابقة.
[القدح في الزهري، ووائل بن حجر]
هذا الإمام المؤيد بالله (ع) يقول، في شرح التجريد، في الزهري، ما لفظه: والزهري عندنا في غاية السقوط.
وفي وائل بن حِجْر مالفظه: وائل عندنا غير مقبول؛ لأنه فيما روي كان يكتب بأسرار علي (ع) إلى معاوية؛ وفي دون ذلك تسقط العدالة..إلخ.
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عند الكلام على بعض الرواة مالفظه: ومن دخل بغض علي قلبه، فأقل أحواله ألا تقبل روايته.
وسيأتي الكلام في جرحه وغيره من أئمة الهدى، لأئمة الضلال وأتباعهم، وكلام أئمة الآل، على هذا المنوال؛ فهذا جرحهم لمن كتب الأسرار، فكيف بالمكتوب إليه والمباشر للقتل والقتال ومن في حزب الأشرار، من الدعاة إلى النار؟!.
وأما عن أهل التأويل، الذين لم يقدموا إلا عن شبهة، فقد اختلفت الأقاويل، وكثر في ذلك القال والقيل، والمعتمد الدليل؛ وقد مال كثير من المتأخرين إلى القبول، ومحل البحث في ذلك علم الأصول؛ ولكنهم لم يقصدوا بذلك هؤلاء المتَجَرِّين المتهتكين، الذين قامت النصوص القاطعة على كونهم من الباغين، المنافقين المارقين، الداعين إلى النار، وبئس القرار.
وهذا الإمام المؤيد بالله والأمير الحسين (ع)، وغيرهما، جرحوا الزهري بمخالطة الجبابرة، ووائلاً بكتابة الأسرار، وجريراً باللحوق بالأشرار، وقيساً ببغض إمام الأبرار؛ وهما ممن يصرّح بقبول المتأولين؛ ولكنهما لم يريدا من لاشبهة له كهؤلاء المضلين.
وإنما بسطت الكلام؛ لأنه قد كثر الخبط والتخليط في هذا المقام، وصار من لا تحقيق له بمقاصد الأعلام، أو الأمر عنده واضح ولكنه يريد التلبيس على قاصري الأفهام؛ كما قال بعض أئمتنا (ع): يُدْمِج الإشكال عموماً، ويصير المعلوم موهوماً، فيتم ذلك على من لارسوخ لقدمه في مجال الأنظار، ولاثبوت لفهمه في مزالق الأخطار.
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره .... إذا استوت عنده الأنوار والظلم
/171
والقصد الخروج من العهدة، فيما أمر اللَّه تعالى به من بيان الحجة، وإيضاح المحجة، والقيام بواجب النصح، لمن ألقى السمع وهو شهيد، والله ولي التوفيق والتسديد.
[الكلام على المتسمين بأهل السنة]
نعم، ويعلم زيغهم وخذلانهم، في زعمهم لهؤلاء المعاندين للدين، أنهم من المجتهدين.
فسبحان اللَّه!.
ما أعظم الاجتراء على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه حكم بكونهم ناكثين وباغين وقاسطين، وداعين إلى النار، ومارقين عن الدين، ومنافقين؛ لبغضهم لأمير المؤمنين (ع)، الذي عُلم بالنصوص المتواترة أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، عند جميع المسلمين!.
ومعلوم ضرورة أنه لادليل على البغض في شيء من الأفعال أدلّ من القتل والقتال؛ مع أنها قد تطابقت على بغضه وسبه منهم الأفعال والأقوال، كما وقع من معاوية وأتباعه ـ كافاهم اللَّه تعالى ـ سبّه ـ صلوات الله عليه ـ على منابر الإسلام، وقتله هو وعماله من لم يعلن البراءة منه بعلم الخاص والعام، كما قال قائلهم:
يا أمة ضلّت وغابَ رشادها .... إذْ أصبحت بيد الضلال مقادُها
أَعَلَى المنابر تعلنون بسبّه .... وبسيفه قامت لكم أعمادُها؟
قال في الكشاف، في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ }..الآية [النحل: 90]، مالفظه: وحين أُسقطت من الخطب لعنة الملاعين، على أمير المؤمنين، علي ـ رضي الله عنه ـ أُقيمت هذه الآية مقامها؛ ولعمري، إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً؛ ضاعف اللَّه لمن سنها غضباً ونكالاً وخزياً، إجابة لدعوة نبيه، ((وعاد من عاداه)). انتهى.
ودعاء معاوية لسعد بن أبي وقاص، أن يسب أمير المؤمنين (ع)، /172
وامتناعه عليه، ونشره عند ذلك لفضائله مروي في الصحاح وغيرها.
وما أرادوا بذلك إلا سبّ اللَّه تعالى ورسوله، والرد عليه في قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وهم في ذلك من المجتهدين المأجورين، فحكم بذلك بزعمهم على المجتهدين المخطئين، والله ـ جل جلاله ـ يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب: 5] فرفع الجناح على المخطئين، ولم يكلف فوق الطاقة أحداً من العالمين؛ ولله القائل مع تغيير، لائق في التعبير!:
قال المخالف: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: محال فلم قال النبي لنا: .... في النار قاتل عمار وسالبهُ
[تعديل أهل السنة لقاتل سبط رسول الله (ص)، وابن حطان، ونقمهم على الإمام الصادق، والجواب عليهم]
وحسبك أن من رجالهم المعدلين المؤتمنين ـ بزعمهم ـ على حمل السنة عمر بن سعد بن أبي وقاص، قائد الجيش القاتل لسيد شباب أهل الجنة، سبط رسول اللَّه وريحانته ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث: إن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت (ع).
إلى قوله: وعظموهم، ورضوا عنهم، وعدلوهم؛ حتى تجاسر بعضهم على تعديل عمر بن سعد، قاتل الحسين (ع).
قال العجلي فيه: تابعي ثقة، روى عنه الناس. انتهى.
وقال في تهذيب التهذيب: روى عنه الناس، وهو تابعي ثقة، وهو الذي قتل الحسين، انتهى بحروفه؛ ذكره العلامة ابن عقيل.
ومنهم: عمران بن حطان الخارجي، من رؤوس المارقين عن الدين، وشر الخلق والخليقة، وكلاب النار، المثني على أشقى الآخرين ابن ملجم قاتل سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وهذا الطاغية المارد المارق المنافق، من /173
رجال البخاري، الذين هم على شرطه، وخرج لهم في صحيحه؛ وفي ذكر هذين الماردَين غنية عن غيرهما، فاعتبروا واستعبروا.
وقد شهد عليهم حافظهم ابن حجر في مقدمته بتوثيقهم الناصبي غالباً، وتوهينهم الشيعي مطلقاً؛ قال: ولاسيما إن علياً ورد في حقه ((لايحبه إلا مؤمن، ولايبغضه إلا منافق)) إلخ كلامه.
مع أن البخاري تجنب الرواية عن سادات آل محمد (ع)، كالإمام زيد بن علي، وجعفر بن محمد الصادق، وعبدالله بن الحسن الكامل، وأمثالهم (ع).
وقال في إسناد أُويس القَرَني سيد التابعين المستشهد مع سيد الوصيين بصفين: نظر.
ولقد أحسن من قال:
قضيّة أَشْبه بالمرزءة .... هذا البخاري إمام الفئهْ
بالصادق المصدوق مااحتج في .... صحيحه واحتج بالمرجئهْ
ومثل عمران بن حطّا ن أو .... مروان وابن المرأة المخطئهْ
مشكلة ذات عوار إلى .... حيرة أرباب النهى ملجئهْ!
وحق بيت يممته الورى .... مغذة في السير أو مبطئهْ
إن الإمام الصادق المجتبى .... بفضله الآي أتت منبئهْ
قلامة من ظفر إبهامه .... تعدل من مثل البخاري مائهْ
وهكذا يعلم المنصف أنهم حاولوا سد الأبواب، على حمل السنة عن قرناء الكتاب؛ فمن أمكنهم الكلام فيه تناولوه، وغضوا منه، ولم يستحيوا من اللَّه تعالى، ولامن جده رسول اللَّه؛ ولم يراقبوا اللَّه في أفاضل قرابته؛ كما أنهم راعوه ـ على زعمهم ـ في أراذل صحابته.
ستعلم أروى أي دين تداينت؟ .... وأي غريم في التقاضي غريمها؟
قال السيد صارم الدين (ع) في علوم الحديث المسمى بالفلك /174
الدوار عند قول يحيى بن سعيد القطان شيخ مشائخ البخاري ومسلم في إمام آل محمد جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع): مجالد أحب إلي منه ـ مالفظه: وهذا القول مشعر بأن القطان كان من نواصب البصرة العثمانية؛ ولو وُفِّقَ مولى تميم، لم يَغُض من هذا الإمام العظيم؛ فإذا كان هذا كلام حافظ القوم في الصادق، فما ظنك بغيره؟ وقد كنت قلت:
رام يحيى بن سعيد .... لك ياجعفر هضماً
وأتى فيك بقول .... ترك الآذان صماً
وأرى عبد تميم .... عن طريق الحق أعمى
غلب النصب عليه .... فاغتدى يخبط وهماً
عكّس الترجيح لمّا .... عدم المخذول فهماً
يابني المختار لاقدِّس من .... رام لكم نقصاً وذماً
إنما الفائز من تا .... بعكم حرباً وسلماً
ومعاديكم شقي .... لم يصب علماً وحلماً
وغداً يحشر فيمن .... منع المستشهد الماً
غضب اللَّه عليهم .... فاصطلوا ناراً وإثماً
انتهى.
ومجالد هذا من أشياع آل محمد (ع)؛ ولكنهم نالوا منه لذلك؛ فترجيحه عليه من الهضم العظيم، وهو المجالد بن سعيد بن المجالد الهمداني؛ فالمجالد الأخير قال فيه صاحب الإكليل الحسن بن أحمد الهمداني في الجزء العاشر مالفظه: والمجالد بن ذي مرَّان، وهو القائل لمعاوية لما فطن تمويهه، وتمويه عمرو بن العاص على الناس في دم عثمان: /175
يابن هند جَشَّمْتَ نفسك أمراً .... جُرْتَ فيه وقال صحبك هُجْراً
إن عمراً وعتبة حين مالا .... ك ومروان والوليد وبسراً
إلى قوله:
لو يذوقون طعم مااجترموه .... وجدوا طعم ذلك القول مُراً
ولعمري لئن همُ شتموه .... إنه أنضر الكواكب طهراً
وله طارت القلوب إذا السمـ .... ـر خلال العجاج تُحْسَبن جمراً
حتى قال:
فارس يضرب الكتيبة بالسيـ .... ـف دراكاً ويطعن القوم شزراً
شهد الفتح والنضير وأحداً .... وحنيناً وخيبراً ثم بدرا
وله في قريظة الخبر الأعـ .... ـظم إذْ رُدت الفوارس كسراً
وله ضربة الولاء على النا .... س بخم وكان ذا القول جهراً
ثم يوم البراء أُرْسل بالوحـ .... ـي فهذا من أعظم الناس قدراً
وله كل موطن يوجب الجنـ .... ـة جدعاً لشانئيه وعَقراً
لاكمن باع دينه أخسر البيـ .... ـع بمصر ومن تجرع جمراً
وأبي الأعور الشقي ومروا .... ن وبسرٍ قد شاركوا الأمر عمْراً
قال: وكان المجالد فقيهاً عالماً؛ ولد المجالد سعيداً، وكان فقيهاً فارساً بطلاً، قتله شبيب الحروري في أيام الحجاج، فأولد سعيد المجالد، وهو فقيه أيضاً..إلخ.
قلت: وهذا يدلك أن الهمداني صاحب الإكليل، لم يكن منحرفاً عن أهل البيت كل الانحراف؛ وإلا لما نقل هذا وغيره من سيرة الهادي (ع)، وأولاده الذي كان في عصرهم، ويدل على أن الهمدانية تأبى الميل عن آل محمد /176
(ع) كيف ماكان صاحبها؛ فالمجالد بن سعيد عالم فاضل من ثقات محدثي الشيعة.
وقد أنكر على القطان الذهبي؛ فكيف بغيره؟!.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الذهبي: هذه من زلقات القطان؛ بل أجمع علماء هذا الشأن، على أن جعفراً أوثق من مجالد، ولم يلتفتوا إلى قول يحيى. انتهى.
وفي كلام حافظهم هذا، في صادق العترة، وعالمهم، وإمامهم وابن إمامهم، دلالة تغني عن الإطالة.
[الطعن على الذهبي وابن تيمية]
وحسبك ماقاله المقبلي في العلم الشامخ في قصيدته التي منها:
والناصبيين أهل الشام كالذهبي
قال في الأرواح النوافح: المراد به صاحب التآريخ الجمة؛ ومصداق مارميناه به كتبه، سيما تاريخ الإسلام؛ فطالعه تجده لايعامل أهل البيت (ع) وشيعتهم عامة، إلا بما ذكرناه خاصة من تكلف الغمز، وتعمية المناقب، وعكس ذلك من أعدائهم، سيما بني أمية، سيما المروانية؛ وكفى بما أطبق عليه هو وغيره، من تسميتهم خلفاء؛ ثم يقولون: خرج عليهم زيد بن علي، وإبراهيم بن عبدالله، ومحمد بن عبدالله، ونحو ذلك؛ بل قال الذهبي في ريحانة رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسين بن علي ـ رضي الله عنهما ـ: أَنِفَ البيعة ليزيد، وكاتبه أهل الكوفة فاغترّ، وفي قصته طول. هذه جملة ترجمته. انتهى.
قلت: ولا عجب أن يذهب الذهبي أسوأ المذاهب، وشيخه أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية عامله اللَّه بعمله، وأنصف منه العترة النبوية؛ وكفى بما في منهاجه من تحامله على أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين؛ تارة بالتكذيب للنصوص المعلومة، وأخرى بالتمحل والتأويل، والتحريف والتبديل؛ /177
ومرة بالتنقيص في عظيم جانبه، والحط من رفيع مناقبه؛ ولم يتجاسر أحد من المضلين، أن يقدم على ما أقدم عليه هذا الشيخ في شأن سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ فإن أكبر أعدائه معاوية، كان يقر بفضله، ولم يعتل إلا بقتل عثمان؛وكذلك المارقة لم تعتل إلا بالتحكيم، ولم يستطع أحد منهم أن ينكر ما اختصه اللَّه به من الفضائل، ولا يجحد ماجعله اللَّه له من المنازل، ولو لم يتأخر به الزمان، لكان بلا شك في صف معاوية بن أبي سفيان، أو حزب ذي الثدية قتيل النهروان، إن لم يقعد به الجبن والهوان؛ ولئن لم ينصرهم بيده، فقد نصرهم بقلبه وقلمه؛ وكفى بتخطئته لأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، في قتاله للناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ فإنه حكم بذلك مراراً في منهاجه.
ويأبى اللَّه تعالى أن يحبه إلا مؤمن، وأن يبغضه إلا منافق.
وقد أنصف اللَّه تعالى من هذا الشيخ؛ فقيّض له من علماء عصره من انتصف منه، فمات في السجن عام ثمان وثلاثين وسبع مائة.
ومن فلتات لسانه ما يُحكى عنه من قوله: لولا تدارك الحسين نفسه بطلب الوصول إلى يزيد، لكان هالكاً.
فبالله عليك أيها المطلع، أيتكلم بهذا مؤمن يحفظ محمداً في عترته؟!.
واعلم أن ماننقله عن ابن تيمية مما يدل على موافقته، إنما هو من إخراج الحق على ألسنة الخصوم؛ وإلا فهو من أشدهم عناداً، وأبينهم فساداً؛ وسأنقل هنا ما فيه أكبر برهان على ذلك، مع بيان الرد عليه وعلى أمثاله بالأدلة الساطعة.
فأقول وبالله التوفيق: قال ابن تيمية في المنهاج، الجزء الأول ص (269) مالفظه: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
إلى قوله: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا الأمر من أبي بكر؛ ولا قاله أحد في أحد بعينه: إن فلاناً أحق بهذا الأمر من أبي بكر، وإنما قاله من فيه أثر جاهلية، عربية أو فارسية: إن بيت الرسول أحق بالولاية؛ لأن العرب في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء؛ وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي؛ وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام، فأما /178
الذين كانوا يحكمون بحكم الإسلام المحض، وهو الإيمان والتقوى، فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر..إلخ.
أقول وبالله التوفيق: إعلم ـ وفقنا اللَّه وإياك ـ أن هذا الكتاب قد امتلأ بالافتراءات، وإنكار المعلومات، ورد الضروريات؛ ولا بأس بلفت نظر الناظر إلى بعض من ذلك؛ ليعرف ذوو الألباب إلى أي مبلغ بلغ في هذا الباب.
فأولاً، قوله: فلما تبين لهم أن هذا الأمر في قريش قطعوا المنازعة.
يقال: وهل كان الأمر في قريش، الذين هم قرابة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أثر جاهلية عربية أو فارسية؟؛ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في أهل بيت الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خاصة؟!.
فعلى هذا، يجب العمل بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الأئمة من قريش)) بشرط أن لايكون في علي أو في بني هاشم.
ثم يقال له: ماذا تصنع بقوله تعالى حاكياً عن إبراهيم الخليل ـ صلوات الله عليه ـ وآله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي } [البقرة:124]، ـ أي واجعل من ذريتي أئمة ـ. أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ وكذا قول اللَّه سبحانه: {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء]، أيكون ذلك أثر جاهلية أو فارسية؟ أم لايكون أثر جاهلية أو فارسية إلا إذا كان في آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ!؟
ثم انظر إلى ماكرره في هذا البحث، من الإنكار والجحد للمعلوم ضرورة وبإجماع المسلمين، وبرواية الصحاح وغيرها، أن علياً، والعباس، وجميع بني هاشم، والزبير بن العوام، وغيرهم من سادات المهاجرين والأنصار، قالوا: إن علياً (ع) أحق بهذا الأمر.
وقد روى البخاري ومسلم أن علياً لم يبايع أبا بكر ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وهل يكون في هؤلاء أثر جاهلية أو فارسية؟!.
وانظر إلى قوله: وإن قدر أنه رجح علياً بأن يقول: الإسلام يُقدِّم الإيمان والتقوى على النسب؛ فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية والإسلام..إلخ.
ففيه التصريح بأن تقديم علي (ع) لأجل الإيمان والتقوى جمع بين حكم الجاهلية والإسلام لأجل نَسَبِه.
فعلى هذا، لايصح أن يكون الخليفة /179
أقرب إلى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وإن بلغ في الاستحقاق من الإيمان والتقوى والعلم والفضل أي مبلغ؛ لأجل قرابته من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فقد صارت القرابة من رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مانعة من الإمامة.
ولو نص عليها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لكان ذلك أثر جاهلية أو فارسية في حكم ابن تيمية، وأضرابه؛ سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
وانظر إلى مباهتته وإنكاره للضرورة في قوله: وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي؛ بل كان العباس بحكم رأيه أولى من علي.
فهذا كذب وافتراء محض، ليس له أي شبهة أو مبرر؛ فالمعلوم من جميع الأمة أن العباس ـ رضي الله عنه ـ لم يقل ولا غيره: إنه أولى بالأمر من علي (ع)؛ والمعلوم كذلك أن سعد بن عبادة ادعى أنه أولى بالأمر من أبي بكر، وأنه لم يبايع حتى توفي؛ فكيف يقول: ولم يقل أحد قط: إني أحق بهذا من أبي بكر.
وعلى الجملة، فهذا الكلام غني عن التصدي لرده وإبطاله؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن تيمية ـ كافاه اللَّه ـ في الجزء الثاني من منهاجه ص 230 مالفظه: وعلي يقاتل ليطاع، ويتصرف في النفوس والأموال؛ فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؛ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك مافرض اللَّه؛ ليطيع اللَّه ورسوله فقط..إلخ.
أقول: بالله عليك ـ أيها المطلع ـ انظر كيف جعل جهاد علي (ع) للكفار والمشركين، وهو وعمه أسد اللَّه حمزة بن عبد المطلب، وابن عمهما عبيدة بن الحارث (ع) أول من بارز للجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ وجهاده في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين؛ وقتاله للناكثين والقاسطين، الذين هم الفئة الباغية الداعية إلى النار، القاتلة لعمار ـ رضوان الله عليه ـ؛ وللمارقين الذين هم الخوارج المارقون عن الدين؛ وهو الجهاد والقتال الذي ثبت اللَّه به قواعد الإسلام؛ جعل ذلك كله ليطاع ويتصرف في النفوس والأموال.
تأمل بالله عليك، هل /180
يقول هذا من يؤمن بالله تعالى، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ واليوم الآخر؟
وصدق الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لايحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق)).
وما هذا من غيره؟ فقد صار الكذب الصريح، والتكذيب للصحيح، لهجة له يجازف بها، بلا عدد ولا حساب، ولا مكيال ولا ميزان؛ وإذا لم تستح فاصنع ماشئت، وما حكم علماء عصره بتكفيره وزندقته، وسُجن حتى مات إلا لشأن.
ولقد كنتُ أعجب غاية العجب من الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، حيث أثنى عليه في الإيثار، حتى وقفتُ على كلامه فيه، أنه لم يطلع على منهاجه، فهوَّن ذلك علي.
وكذا العلامة محمد بن عقيل في النصائح؛ ثم ذكر في كتابه تقوية الإيمان أنه لم يكن اطلع على منهاجه هذا، ورد عليه أبلغ الرد؛ وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل.
قال ابن حجر الهيثمي في فتاواه مالفظه: ابن تيمية عبد خذله اللَّه وأضله، وأعماه وأصمه وأذله؛ بذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله؛ ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السُّبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العِزّ بن جماعة، وأهل عصره من الشافعية والمالكية والحنفية.
إلى قوله: والحاصل أنه لايقام لكلامه وزن، بل يرمى به في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال، جاهل غال، عامله اللَّه تعالى بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وفعله، آمين.
انتهى من كتاب جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ـ يعني ابن حجر الهيثمي وأحمد بن عبد الحليم بن تيمية ـ، للألوسي من الصفحة الرابعة.
ولقد عَلِمَ علام السرائر، المطلع على خفيات الضمائر، أنا نحب أن ننزه كلامنا، ونطهر أقلامنا، عن التعرض لهؤلاء؛ ولكن كيف السبيل، والله ـ عز وجل ـ /181
يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135]، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }؟ [آل عمران: 187] فقمنا بما أمرنا اللَّه تعالى من الحق، وسطعنا بما ألزمنا ـ جل جلاله ـ من الشهادة على الخلق، على غير مبالاة بقول قائل، ولا احتفال بعذل عاذل؛ ونقول لكل جاهل: سلام، ومرجع الأمر إلى الملك العلام، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ونعود إلى مانحن فيه؛ فهذا عارض انجر، والشيء بالشيء يذكر.
نعم، ويكفي شاهداً على الذهبي تلميذه السُّبكي، فقد وصفه في الطبقات بالنصب، وقال فيه: وهو شيخنا ومعلمنا، غير أن الحق أحق أن يتبع؛ وقد وصل من التعصب المفرط إلى حدٍ يسخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم، الذين حملوا لنا الشريعة النبوية.
قال: والذي أدركنا عليه المشائخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرئ أن يظهر كتبه التاريخية، إلا لمن يغلب على ظنه أنه لاينقل عنه مايعاب عليه.
إلى قوله: ومنها أمور أقطع بأنه يعرف بأنها كذب، وأقطع بأنه يحب وضعها في كتابه لتنتشر، وأقطع بأنه يحب أن يعتقد سامعها صحتها، بغضاً للمحدَّث فيه، وتنفيراً للناس؛ مع قلة معرفته بمدلولات الألفاظ، ومع اعتقاد أن هذا مما يوجب نصر العقيدة التي يعتقدها هو حقاً، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة..إلخ كلامه.
ولله در الإنصاف ما أعذب مشرعه، وأطيب مرتعه! وما أحقه بقول المتنبي في غيره:
سُمّيتَ بالذهبي اليوم تسمية .... مشتقة من ذهاب العقل لا الذهب
/182
هذا، ومن لم يمكنهم الكلام فيه، تناولوا بالجرح والقدح خُلَّص أصحابه ومتابعيه، وتجنبوا الرواية عنهم، والأخذ منهم، إلا من ألجأتهم إليه الضرورة، ولم يجدوا عن الأخذ عنه معذرة، فإنهم يسترقون عنه السمع، مع رميهم له بالطعن والوضع.
[كون آل محمد وأتباعهم حملة الكتاب والسنة وأن أهل الحديث عالة عليهم]
وإنما اضطروا إلى النقل عنهم لأن آل محمد (ع) وأتباعهم هم حملة الكتاب، وأعلام السنن، وحماة الدين، وحفظة شريعة سيد المرسلين، ورواة الأخبار، ونقلة الآثار، وأرباب الحديث، في القديم والحديث؛ ومن له عناية واطلاع، علم أنهم هم الناس، وأن غيرهم عالة عليهم؛ وإنما أضاع متأخريهم، عدم عنايتهم بآثار سلفهم وسابقيهم.
[قدح الذهبي في ابن المديني وقدح ابن معين في عبد الرزاق، والرد عليهما من مضمون السياق]
وقد قال الذهبي، في حق الحافظ المتقن، علي بن عبدالله بن جعفر المعروف بابن المديني، المتوفى سنة (234) أربع وثلاثين ومائتين، الخارج للجهاد مع الإمام المهدي لدين اللَّه النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) المتواري أيام أبي جعفر؛ وهو شيخ أحمد، والبخاري، وأبي داود، وغيرهم؛ خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)؛ وقد ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء.
قال الذهبي مالفظه: بئس ماصنع قد شحن البخاري صحيحه بحديثه؛ وقال البخاري: ما استصغرتُ نفسي بين يدي أحد، إلا بين يدي علي بن المديني؛ قال: ولو ترك حديث علي وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبد الحميد لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، ولخرج الدجال؛ أفمالك عقل ياعقيلي؟ انتهى.
وقال أيضاً في الميزان: لو تركت رواة ثقات الشيعة لذهب جملة من الآثار النبوية.
وقد قال قبله ابن معين، في حق الحافظ الكبير، عبد الرزاق بن همام اليماني، الصنعاني، الحميري، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائتين؛ خرج له إمام الأئمة الهادي إلى الحق في المنتخب، والإمام المؤيد بالله (ع)، وجماعة العامة؛ وهو من المعدودين في ثقات محدثي الشيعة، /183
وهو الذي قيل فيه: إنه لم يرحل إلى أحد في طلب الحديث بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كما رحل إليه، وهو شيخ الشافعي، وأخذ عنه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن معين؛ وحكى الذهبي عنه كلاماً في أمر فدك، فيه غاية الصلابة؛ وذكر عنده رجل معاوية فقال: لاتقذر مجلسنا بذكر ابن أبي سفيان؛ وكان لايزال يروي حديث الغدير والاستخلاف وغيرهما، حتى نهاه بنو العباس، وقد أنكروا عليه، ونالوا منه، بسبب أحاديث يرويها في فضائل علي (ع) ومثالب أعدائه مثل: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، فقال ابن معين لمن قدح فيه بالتشيع: لو ارتد عبدالرزاق عن الإسلام ماتركنا حديثه.
وقال البخاري، لمن سأله عن الحافظ أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، المتوفى سنة (219) تسع عشرة ومائتين المعدود في ثقات الشيعة؛ خرج له الإمام أبو طالب (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ والجماعة: مامذهبه في التشيع؟: هو على مذهب أهل بلده؛ ولو رأيتم عبدالله، وأبا نعيم، وجميع مشائخنا الكوفيين، لما سألتمونا عنه. انتهى.
فانظر كلامهم، لما علموا أن بطرح الشيعة، تنسد عليهم أبواب الشريعة.
وتناقض أقوالهم، واضطراب أحوالهم، واعتمادهم على الأهواء، لايخفى على أولي الألباب.
[قدح القوم في أبي الطفيل وهند بن أبي هالة والجواب عليهم]
نعم، فممن نالوا منه، من أفاضل أصحاب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته ـ صلوات الله عليهم ـ، أبو الطفيل، عامر بن واثله الكناني الليثي، المولود عام أحد، المتوفى سنة عشر ومائة، على الصحيح، آخر الصحابة موتاً ـ رضي الله عنه ـ.
قال في ترجمته في تهذيب التهذيب: كان أبو الطفيل ثقة في الحديث، /184
وكان متشيعاً.
إلى قوله: وكانت الخوارج يرمونه باتصاله بعلي، وقوله بفضله وفضل أهل بيته؛ وليس في روايته بأس. انتهى.
وإن كنت ممن يعرف مصطلح القوم، علمت مافي هذه الكلمات من التوهين عندهم.
وحَكَى عن المغيرة، أنه كان يكره حديثه.
وأبو الطفيل ـ رضي الله عنه ـ ممن شهد مشاهد سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، كلها؛ وهو راوي حديث الشورى بطوله.
وروى عنه الإمام الأعظم، زيد بن علي (ع)، قال: كان أبي يحج بنا ونحن صغار، فرأيت أبا الطفيل الكناني شيخاً همّا، عليه مقطعات.
قال الإمام: سمعته يقول لأبي: سألني معاوية، كيف حبك علي بن أبي طالب؟
قال: فقلت: حب أم موسى لموسى. الخبر.
وقام مع من قام للطلب بدم الحسين، سبط سيد المرسلين، صلوات الله عليهم؛ ووصل مكة مع من وصل؛ لإنقاذ محمد بن علي أمير المؤمنين، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ، ومن معهم من قرابة الرسول الأمين، لما أراد عبدالله بن الزبير بن العوام إحراقهم بسجن عارم.
أفاد معنى هذا في طبقات الزيدية وغيرها.
وهند بن أبي هالة، الصحابي الأفضل، ربيب رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وابن خديجة سيدة أمهات المؤمنين، أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بكلماته، المبلَّغة للتسليم، عن الملك العظيم، المبشرة ببيت في الجنة، بلسان جبريل الأمين، سيد الملائكة المقربين؛ وأخو فاطمة سيدة نساء العالمين، وخال الحسنين، سيدي شباب أهل الجنة ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ، والمستشهد بصفين، مجاهد الباغين، بين يدي أمير المؤمنين، ـ صلوات الله عليه ـ.
أدخله البخاري في الضعفاء.
وقد نقضوا كلامهم في شأن الصحابة، بكلامهم /185
في هذين الصحابيين الفاضلين ـ رضوان الله عليهما ـ، لما كانا في جانب الحق، ومن طائفة أفضل الخلق، لم يبالوا بصحبتهما، ولم يراعوا جليل منزلتهما.
وأما طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الوزغ ابن الوزغ، مروان بن الحكم، وأضرابه، فالكلام فيهم غير مقبول، والمتكلم فيهم زائغ عن القصد مرذول.
قال ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، في سياق من انتقد على البخاري في الرواية عنهم، في ذكر مروان مالفظه: يقال: له رؤية؛ فإن ثبت، فلا يعرّج على من تكلم فيه. انتهى.
فيا سبحان اللَّه! صارت الرؤية عاصمة لأعداء اللَّه، وأعداء رسوله، ولم تكن الصحبة مانعة عن الوقوع في أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ركوباً للهوى، وعدولاً عن السواء، وكم لهم من مناقضة واضحة، ومخالفة لسنن الحق فاضحه، يطلع عليها العالمون، ويقرّ بها المنصفون؛ مالكم كيف تحكمون؟!.
قال بعض سادات العترة (ع): وأقول: البخاري ككثير غيره، يزعمون عدالة كل من سموه صحابياً، بحسب اصطلاحهم الذي أحدثوه، حتى الذي سماه اللَّه فاسقاً، يقولون: إنه عدل.
قلت: كالوليد بن عقبة.
قال: وكذا من اشتهر بالزنا وشرب الخمر، ومن قتل المسلمين عمداً ظلماً، أطفالاً ورجالاً.
قلت: كبسر بن أرطأة.
قال: ومن أخبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بأنه يموت على غير الإسلام، ومن ذكر أنه من أهل النار.
قلت: كسمرة بن جندب.
قال: ولم أرهم جرحوا ممن يسمونه صحابة، إلا هنداً ربيب النبي، وأبا الطفيل.
إلى قوله: لجِدِّهما في قتال الطاغية، واختصاصهما بعلي؛ وعند اللَّه تجتمع الخصوم. انتهى.
[قدحهم في أصبغ، والحارث، والجواب عليهم]
وأصبغ بن نباتة، الحنظلي المجاشعي الكوفي.
قال في طبقات الزيدية: ذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في ثقات محدثي الشيعة /186
قالوا: قال الخصوم: كان يأتي بطامات ـ يريدون الأحاديث المخالفة لمذهبهم ومعتقدهم ـ. انتهى.
قال السيد صارم الدين: روى الأصبغ عن علي (ع): إن خليلي حدثني، أني أضرب لسبع عشرة من رمضان، وهي الليلة التي مات فيها موسى (ع)؛ وأموت لاثنتين وعشرين من رمضان، وهي الليلة التي رفع فيها عيسى (ع).
وعن الأصبغ عن علي (ع)، قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من آذاني في أهل بيتي، فقد آذى اللَّه؛ ومن أعان على أذاهم، وركن إلى أعدائهم، فقد آذن بحرب من اللَّه، ولا نصيب لهم في شفاعتي)).
قال الإمام المنصور بالله: وهذا يعمّ جميع أعداء العترة.
روى له في الأمالي، وابن ماجه. انتهى.
قال في الطبقات: خرج له ابن ماجه، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني. انتهى.
والحارث بن عبدالله الهمداني، أبو زهير الكوفي، الأعور، المتوفى سنة خمس وستين.
قال السيد صارم الدين: كان أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس.
وقد نال منه طائفة، وقد بسط في الطبقات وعلوم الحديث مانالوه به.
قال في الطبقات: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد في التوضيح، في ثقات محدثي الشيعة.
إلى قوله: وقال السيد أحمد بن عبدالله الوزير: لايمتري أهل البيت (ع) في عدالة الحارث، /187
وجلالته وفضله.
وقال غيره: هو صاحب علي (ع)، وأحد شيعته.
وفيها: قال القاضي عياض: أُسيء الظن بالحارث، لما عرف من حاله التشيع. إلخ كلامه.
[قدحهم في كل من له أدنى إلمام بالحق، وأهله]
وقد جرحوا جماً غفيراً، وعدداً كثيراً، من التابعين، وتابعي التابعين، من عهد أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، فمن بعده من الأئمة السابقين - صلوات الله عليهم -؛ ولا ذنب لهم، إلا متابعة أئمة الحق، وموالاة من افترض اللَّه ولايتهم على الخلق؛ وفي تعدادهم مايخرجنا إلى الإكثار، ويجانب ماقصدنا من الاختصار، وقد اشتملت على ذلك كتب أئمتنا (ع)، وشيعتهم - رضي الله عنهم -، وغيرهم من القوم ـ تولى اللَّه مكافأتهم ـ.
[تعديل جماعة من الثقات]
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): ومنها أنهم قالوا: إنه ـ يعني أبا خالد ـ وضّاع؛ يريدون لما خالف مذهبهم.
إلى قوله: وقدحوا بذلك على جماعة من أهل الصدق، منهم: إسماعيل بن أبان، وجرير بن عبد الحميد، وخالد بن مخلد القطواني، وسعيد بن عمرو بن أَشُوْع، وسعيد بن فيروز البختري، وسعيد بن كثير بن عفير، وعباد بن العوام، وعباد بن يعقوب، وعبدالله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وعبدالملك بن أعين، وعبدالله بن عيسى العنسي، وعدي بن ثابت الأنصاري، وعلي بن الجعد، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وفطر بن خليفة الكوفي، ومحمد بن جحادة الكوفي، ومحمد بن فضيل بن غزوان، ومالك بن إسماعيل أبو غسان.
كل هؤلاء جُرحوا بالتشيع، وروايتهم لفضائل آل محمد.
وكذلك جرحوا عدة من أهل هذا الشأن، مما لاأحصي ولا يسعه /188
المسطور. إلخ كلامه (ع).
وهذا توثيق لهذه الجماعة؛ فإن عرض ذكرهم بعد، فسيكون فيه بسط إن شاء اللَّه تعالى.
وعلى الجملة؛ فقد رشقت سهام جرحهم، وطرقت أقلام قدحهم، علماء الأمة، وفضلاء الملة، حتى من يدعي أكثر المنتحلين للسنة الاقتداء بهم، والانتماء إليهم.
قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع): فائدة يعرف بها أهل الأهواء من المحدثين؛ إن من خالف مايهوونه، ويذهبون إليه من الأباطيل يجرحونه؛ فإن أجملوا تركوه.
فمن ذلك ماروى السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين، أنه قال: الشافعي ليس بثقة؛ لمّا كان يتشيع.
[جرحهم للفقهاء الأربعة]
قال (ع): وطعن المحدثون على الفقهاء الأربعة، فقالوا: إن أبا حنيفة، فقيه العراق، يروي عن الضعفاء والمجاهيل؛ وضعفه في نفسه النسائي، وابن عدي، وجماعة.
إلى قوله: وحكوا عنه أنه كان يعتمد القياس، وإن خالف النص.
قال بعضهم: ردّ بقياسه أربع مائة وثلاثين حديثاً.
إلى أن قال: وإن مالكاً، فقيه دار الهجرة يروي عن جماعة متكلم فيهم.
إلى قوله: قالوا: وإن إمام المحدثين، أحمد بن حنبل يروي عن جماعة كذلك.
إلى قوله: وقال ابن معين: جُنَّ أحمد، يروي عن عامر.
وكذلك طعنوا على أبي خالد، وقد عدله أئمة الهدى (ع).
قال (ع): قال الفقيه يحيى بن حميد المقري في كتاب توضيح المسالك: روى الحموي الشافعي في تاريخه، أن الشافعي أسرَّ إلى الربيع، أنه لايقبل شهادة أربعة /189
من الصحابة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد.
فلم يكن ذلك بقليل عند النواصب.
ثم ذكر ماقاله السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين: إن الشافعي ليس بثقة. انتهى.
[كل واحد من صاحبي الصحيحين يستضعف كثيراً من رجال الآخر]
وبحمد اللَّه تعالى، قد جرح بعضهم بعضاً، فيكفينا في الرد عليهم، وهو لازم لهم؛ وإن كنا لانعرج على كلامهم، ولسنا به نرضى.
فهذا محدثهم الأكبر، محمد بن إسماعيل البخاري، تكلم فيه شيخه، وشيخ مشائخهم، الذي هو مقبول عندهم لاينكر، محمد بن يحيى الذهلي.
فمن كلامه فيه: من ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري، فاتهموه؛ فإنه لايحضر مجلسه إلا من كان على مثل مذهبه.
وقوله: من يقربه فلا يقربنا.
وترك محمد بن إدريس الرازي، وأبو زرعة، حَدِيْثَه، لما كتب إليهما محمد بن يحيى بذلك.
والبخاري رمى محمد بن يحيى الذهلي بالكذب، ثم اعتمده في صحيحه ودلسه، فكان يقول: محمد بن عبدالله، نِسْبَةً إلى جده.
وهذا عندهم مشهور، واضح غير منكور؛ ذكره الذهبي وغيره.
وقد ذكر تدليسه في نسبته إلى جده كثير من الحفاظ، كابن حجر في مقدمة الفتح، وذكر أن الحاكم وغيره جزموا بذلك في مواضع عدة؛ وهذا تدليس عجيب.
وقال السيد العلامة، يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد (ع)، في سياق كلام:بل في البخاري، تكلم فيه أبو زرعة، ومسلم تكلم في البخاري أيضاً، كما أشار إليه أول خطبته ـ أعني مقدمة كتاب مسلم ـ. انتهى.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح، بعد أن حكى ماجرى بين الذهلي والبخاري: قلت: وقد أنصف مسلم فلم يحدث في كتابه لاعن هذا ولا عن هذا. انتهى /190
[عدد المتكلم فيهم من رجال البخاري]
قالوا: وإن البخاري نظر في كتاب مسلم بمحضر منه، فعلّم على جماعة عدهم مسلم في الصحابة، وهم من التابعين، وجماعة عدهم من التابعين، وهم من الصحابة، ورغب مسلم عن جماعة، لم يرغب عنهم البخاري، كما قالوا في عكرمة وعاصم بن علي وغيرهما.
وحكوا أن مسلماً لما وضع كتابه الصحيح، عرضه على أبي زرعة الرازي، فأنكر عليه وتغيّض، وقال: سميته الصحيح، فجعلته سلماً لأهل البدع وغيرهم.
وقالوا: اعتمد البخاري على كثير من أهل الإرجاء، وغيرهم من أهل التدليس، ومجاهيل، ومتكلم فيهم.
فالذين تكلم فيهم بالجرح بحق وباطل، ممن اعتمدهم، ثلاثمائة وخمسة وخمسون رجلاً؛ والذين علق لهم من المتكلم فيهم خمسة وسبعون رجلاً؛ والمجاهيل المختلف فيهم وفي تعيينهم مائة وثمانية وأربعون رجلاً.
ذكر هذا حواري الآل، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ.
قال السيد العلامة، جمال آل محمد، علي بن عبدالله بن القاسم بن محمد (ع)، في دلائل السبل في سياق كلام: ومع هذا، فإن ابن حجر ذكر ـ ومثل حكايته حكى ابن البيع، وكذا حكى النووي في شرح مسلم، والحاكم في كتاب المدخل إلى معرفة المستدرك ـ أن عدد من أخرج له البخاري في صحيحه، ولم يخرج له مسلم، إلى أربعمائة شيخ وأربعة وثلاثين شيخاً، استضعفهم مسلم، والاستضعاف بمعنى الجرح.
قالوا: وعدد من أخرج له مسلم، ولم يخرج له البخاري: ستمائة وخمسة وثلاثون شيخاً استضعفهم البخاري.
وقالوا أيضاً: وصحيح أن البخاري رمى الذهلي بالكذب واعتمده. انتهى /191
قلت: ومن العجب تعصب من يتعصب، ممن يتسنن وينتمي في الصورة إلى أهل هذا المذهب، كيف يدعي على صحة الصحيحين بزعمهم الإجماع، ولايبالي بما يفضحه عند أرباب الاطلاع؟!.
مع أن من أعظم من ارتكب الغلوّ والمجازفة، والإغراق والمخالفة، أبا عمر، عثمان بن الصلاح، لما ادعى الإجماع على تلقي البخاري بالقبول، استثنى من ذلك ما انتقده عليه الدار قطني وغيره؛ كما ذكر ذلك في مقدمة الفتح.
قال ابن حجر فيها، وقال في مقدمة شرح مسلم له: ما أخذ عليهما ـ يعني على البخاري ومسلم ـ، وقدحه فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه؛ لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول. انتهى.
ومع هذا فقد ردّ عليه قوله، ولم يسلم له منقوله، وقد حرر الرد على دعوى التلقي، صاحب توضيح الأفكار، وهو في البطلان، أوضح من أن يحتاج إلى بيان؛ فإن النزاع في التصحيح فيهما، فضلاً عن الإجماع عليهما من عصرهما إلى الآن.
قال في الميزان: وفي رواة الصحيحين عدد كثير ماعلمنا أن أحداً نص على توثيقهم.
وقال أيضاً: وفي رجال الصحيحين خلق كثير، مستورون، ما ضعفهم أحد، ولاهم مجاهيل.
قال صاحب الأرواح: والعجب من مجاملة الذهبي بقوله: ولاهم مجاهيل.
ثم قال بعد كلام طويل: فعلمت أن مداهنة الذهبي هيبة؛ لخرق عادة الأصحاب في احترام الصحيحين.
إلى قوله: فما بقي إلا أن يجعل سيئاتهما حسنات. انتهى.
وقد قال ابن الصلاح: إن في كتاب البخاري ماليس بصحيح. انتهى.
[قول الذهبي: في رجال البخاري من لايعرف إسلامه]
وقال الذهبي: إن في رجال البخاري من لم يعرف إسلامه فضلاً عن عدالته.
وقال المقبلي: إن أحاديث رواها البخاري لاتمسها الصحة /192
فهذا كلام حفاظهم المحققين، الذين هم أطول باعاً، وأوسع اطلاعاً، وأشد من هؤلاء المقلدين عنهم دفاعاً، فقد صاروا كما قيل في المثل العامي (زاد على معلمه).
ومن البلية عذل من لايرعوي
عن غيه وخطاب من لايفهم
[حقيقة التشيع المقدوح به عند أهل السنة]
هذا، ومن أعظم البراهين على ميلهم وانحرافهم عن قرناء القرآن، جعلهم الشيعة على الإطلاق من المجروحين، ولم يقصدوا الغالين؛ بل المتولين لعترة خاتم النبيين؛ يعلم ذلك المطلع على مصطلحاتهم، المتصفح لصرائح منصوصاتهم.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح: والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة؛ فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي.
وقد صرح قبله الذهبي، وشيخه ابن تيمية، أن من يتولى علياً (ع) ويحبه وأهل بيته فهو شيعي.
قال في طبقات الزيدية: وحقيقة الشيعي من قال بتقديم أمير المؤمنين علي (ع) على الشيخين؛ ومن المهم معرفة هذا الشأن، ويسمون عند العامة بالرافضة.
قال السيد صارم الدين: وقالوا: تفضيل علي على عثمان أول عقدة من الرفض؛ وأما تفضيله على الشيخين فرفض كامل.
وأعانهم على ذلك خلفاء الدولتين؛ ومن طالع الأخبار، وعرف علوم الرجال، عرف ذلك ضرورة. انتهى.
وجعلوا مجرد توليهم ومحبتهم بدعة، مع اتفاق الأمة على وجوب موالاة كل مؤمن /193
قال السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير ـ ومقامه شهير ـ معترضاً على تحديد ابن حجر للشيعي مالفظه: فعلى هذا كل زيدي رافضي، وكل مؤمن شيعي؛ فإنه يحبه ـ يعني علياً ـ كل مؤمن.
إلى قوله: وصح أنه لايخرج عن اسم الشيعي، إلا من تجرد عن محبته، فحينئذ يخرج عندهم عن هذه الوصمة؛ وهذا عجيب. انتهى.
قال بعض أئمة العترة (ع) مالفظه: فهؤلاء القوم قد جعلوا مجرد التشيع وصمة في اصطلاحهم، ينزهون كبارهم عنه؛ لكن يرد عليهم سؤال: مايقول أهل السنة؛ هل كان النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يحب علياً وأهل بيته أولا؟.
إن قلتم بالثاني، خالفتم ماورد في كتبكم، وكتب أهل الإسلام، الناصة على أنه كان يحبهم؛ بل خالفتم الضرورة.
وإن قلتم بالأول، فلا يخلو إما أن يحبهم، ولايقدم علياً على المشائخ، أو يقدمه عليهم.
إن كان الأول، لزمكم على اصطلاحكم أنه شيعي، والشيعي عندكم فيه وصمة.
وإن كان الثاني، لزمكم على اصطلاحكم أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شيعي، غال رافضي، إلخ، لاتقبل روايته في أهل البيت؛ مع أنه قد روي بالتواتر أنه قدمه؛ لأنه في آية المباهلة جعله نفسه، ونفس النبي أقدم.
قلت: وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه كفاية.
قال: وكذا في خبر المنزلة؛ لأن هارون أقدم من سائر بني إسرائيل.
وفي خبر الغدير؛ لأنه قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
والمعلوم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مولى الصحابة.
وخبر براءة فإنه قدمه على أبي بكر.
قلت: وكلها من الأخبار المتواترة، وقد سبق البحث فيها، وفي غيرها.
قال: وخبر جمع بني هاشم بعد نزول آية إنذار الأقربين، فإنه قدمه على الكل.
هذا لايمكنهم /194
دفعه إلا بالبهت.
وكذا خبر الثقلين، فإنه مقدم لأهل البيت على كافة الأمة، وخبري السفينة فإنه حكم فيهما بوجوب اتباعهم، والمتبوع أقدم وأفضل من التابع.
والخبران هذان لايمكن دفعهما إلا بالمكابرة.
هذا من غير مارووه من الأخبار القاضية بتقديمه؛ فعلى هذا إن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته على مصطلح أهل السنة روافض غلاة مبتدعون؛ صانهم اللَّه عن ذلك، وأعلا درجتهم في الدارين.
ثم إنهم رووا مع الشيعة أن اسم الرفض لمن سماهم به الإمام زيد بن علي.
قلت: وممن رواه منهم النووي في شرح مسلم، وكذا غيره، وهو إجماع الأمة؛ وسيأتي لهذا مزيد بحث إن شاء اللَّه.
قال: فنقلوا هذا الاسم فجعلوه فيمن فضل علياً، أو قدح فيمن حاربه من أعدائه، فإنه ضال مضل؛ مع أنهم قد رووا قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - في أهل بيته: ((أنا حرب لمن حاربتم))، ونحوه مما يؤدي معناه.
فقد قدح النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيمن عادى أهل البيت، أو حاربهم؛ فلزمهم أنه رافضي، وهذا بيّن.
إلى قوله: فلا يخلو أهل السنة من أحد أمرين:
إما أن يقتدوا بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)، ولزمهم التشيع، ولزمهم من الوصمة مالزم الشيعة.
أو لايقولوا بالمحبة لهم، لزمهم العداوة للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأهل بيته (ع)؛ لأن القرآن قابل التشيع بالعداوة في قصة موسى {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } [القصص: 15] فليتبوؤا أي الأمرين.
ولله من قال:
وأُقْسِمُ ماجَاْزَوْهُ في أهل بيته .... وفي نفسه إلا جزا أمّ عامر
/195
ثم إنه قد اشتهر عن أمير المؤمنين أنه نال من معاوية وأضرابه، وتجرم من أهل السقيفة؛ ومن فعل هذا فهو عندهم ضال مضل، رافضي غال؛ إلى آخر عباراتهم الشنيعة.
فيلزمهم أن علياً ـ كرم اللَّه وجهه ـ كذلك.
وكذلك النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قد سمى أعداء أمير المؤمنين بالناكثين، والقاسطين، والمارقين الباغين.
فيلزمهم في النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن هذه السمات من أبلغ السب.
[قدحهم في الحاكم والكلام على النسائي]
ولذا قال بعضهم: لايُقبل من الحاكم؛ لأنه كان ينال من معاوية.
حتى قال السبكي: لايليق بالحاكم ذلك.
ورموا النسائي بالتشيع؛ لإمتناعه من التأليف في فضل معاوية.
قلت: النسائي هو أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب الخراساني، صنف كتاب الخصائص في فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ.
قال السيد صارم الدين (ع): خرج من مصر إلى دمشق، فسئل بها عن فضائل معاوية، فقال: لايرضى رأساً برأس حتى يتفضل؟!؛ لا أعرف إلا حديث: ((لاأشبع اللَّه بطنه)).
فداسوه بأرجلهم، فتوفي بعد ذلك شهيداً.
وذكر مثل هذا في طبقات الزيدية، قال فيها: قال الإمام أبو علي النيسابوري: حدثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة، أبو عبد الرحمن النسائي، وكان له في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم.
وذكر فيها أنه لما سُئل عن معاوية أي شيء؟ أخرج حديث: ((اللهم لاتشبع بطنه)) /196
فسكت السائل.
وفيها: وحُمل إلى مكة وتوفي بها، كذا قيل، والصواب إلى الرملة.
وقال الدارقطني: خرج حاجاً فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال: احملوني إلى مكة.
فحُمل فتوفي بها.
وهو مدفون بين الصفا والمروة.
وكان وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاثمائة. انتهى.
وفي الخلاصة: سنة أربع وثلاثمائة شهيداً..إلخ.
خرج له الإمام المرشد بالله (ع)، وعده السيد صارم الدين، وابن حميد، وابن حابس: في ثقات محدثي الشيعة.
[إقرار حفاظهم أنها لم تصح لمعاوية فضيلة]
قلت: وقد أقرّ حفاظهم أنه لم يصح لمعاوية بن أبي سفيان فضيلة.
وكيف يصح لرأس الدعاة إلى النار، ومحارب إمام الأبرار، وقاتل عمار، والألوف من المسلمين، والراد لقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الولد للفراش، وللعاهر الحجر)) فضيلةٌ؟!.
قال ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري: وقع الإجماع على أن معاوية لم تصح له فضيلة، وتواتر عن إسحاق بن راهويه، أن كل فضيلة تروى لمعاوية فإنها كذب على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وإنما ذكر البخاري معاوية ـ وإن لم يكن له فضيلة ـ دمغاً لرؤوس الروافض. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: فسبحان اللَّه! كيف يدمغ رؤوس الروافض بذكر فرعون هذه الأمة؟!.
إلى قوله: وقد صحّ وقطع بأنه منافق؛ لبغضه علياً، وقد تواتر أن بغضه نفاق، وثبت أنه حرب لرسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ وقد صح أنه قال في علي: ((حربك حربي)).
فمن أحق بالدمغ، الروافض، أم النواصب؟.
هذا إن أريد بالروافض من رفض الجهاد مع الأئمة من آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، /197
كزيد بن علي (ع)، فأما إن أريد من قدم وفضل علياً، فأطمّ وأطمّ أن يدمغ رؤوس العترة وأنصارهم، بذكر عدوّهم وعدوّ محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إن هذا ليوجب كفر الدامغ، فكيف بتصحيح سنده؟
إلى قوله: والحديث الذي فيه: ((لاأشبع اللَّه بطنه)) أخرجه مسلم عن ابن عباس؛ وهو الذي أشار إليه النسائي.
وروى في الإقبال للسيد الإمام المهدي بن الهادي النوعة ـ رضي الله عنه ـ، عن أبي برزة قال: تغنّى معاوية، وعمرو بن العاص؛ فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم اركسهما في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعّاً)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: أخرجه أحمد في المسند، وأخرجه أحمد، وأبو يعلى عن أبي برزة، وقَبِلَه الطبراني.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي برزة الأسلمي.
وذكره ابن الأثير في النهاية. انتهى.
قلت: وأخرجه الطبراني في الكبير، عن ابن عباس؛ أفاده في النصائح لابن عقيل.
وروى الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الحاكم، رافعاً له إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاضربوا عنقه)).
وقال (ع): رواه جماعة، منهم أبو سعيد الخدري، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن مسعود.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه نصر بن مزاحم، بسنده إلى ابن مسعود؛ قاله ابن أبي الحديد.
وروى الذهبي في الميزان: ((إذا ارتقى معاوية على منبري فاقتلوه)).
وفي رواية: ((فابقروا بطنه)).
وأورد أيضاً: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) بثلاثة أسانيد، عن أبي سعيد. انتهى من التفريج.
قال ابن بهران: وقواه الذهبي، وأخرجه ابن عدي، عن أبي سعيد مرفوعاً.
وأخرجه العقيلي عن الحسن بلفظ: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)).
ورواه سفيان بن محمد بسنده إلى الباقر، عن جابر مرفوعاً. انتهى من النصائح لابن عقيل.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أبي سعيد في مناقبه.
ورواه عن الحسن البصري، من طريقين. انتهى. /198
وحديث: ((يلي الأمة ـ أو أمتي ـ واسع البلعوم)) الخبر، رواه الإمام الحجة المنصور بالله (ع) في الشافي، عن سفيان بن الليل، عن الحسن السبط (ع)، قال: إني سمعت أبي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: الخبر.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: رواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى الشعبي، عن سفيان بن الليل، عن الحسن بن علي، عن علي، موقوفاً.
ورواه المدايني عن سفيان بن الليل النهدي، عن الحسن بن علي، عن علي، موقوفاً.
ورواه أبو الفرج الأصفهاني، عن سفيان بن الليل، من طريقين كما في الأصل، وفيه زيادة من شرح النهج لابن أبي الحديد.
وروى الحافظ نحوه عن أبي ذر، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[ترجمة ابن ديزيل، والثمالي]
قال ـ أيده الله ـ في بحث قبل هذا: وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقات، وأفاد أنه إبراهيم بن الحسين، أبو إسحاق الكسائي الهمداني ابن ديزيل (بفتح الدال مهملة، وسكون التحتية، وكسر الزاي، وسكون تحتية أخرى، ولام).
قال الحاكم: ثقة مأمون، يضرب بضبط كتابه المثل، وحكى ثناء غيره عليه بصحة إسناده؛ وفاته بشعبان سنة إحدى وثمانين ومائتين؛ لم يخرج له في الستة.
وخرج له السيدان المؤيد بالله، والمرشد بالله. انتهى بتصرف.
قلت: وخرج له العلامة، شارح نهج البلاغة.
(رجع) بإسناده إلى الحكم بن عمير الثمالي، وكانت أمه أخت معاوية.
قلت: ترجم للحكم السيد الإمام في الطبقات في الصحابة، ولم يذكر وفاته، وحكى قول محمد بن منصور فيه: وكان بدرياً. إلخ.
وسيأتي ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، في خبر البسملة.
خرج له الإمام المؤيد بالله، ومحمد بن منصور، وغيرهما.
قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يامعاوية، كيف بك إذا وليت؟)).
قال: اللَّه ورسوله أعلم.
فقال: ((أنت رأس الحطم، ومفتاح الظلم، حصباً وحقباً، تتخذ الحسن قبيحاً، والسيئة حسنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، أجلك يسير، وظلمك /199
عظيم)).
على أن الأدلة المفيدة للعلم بنفاق من أبغض علياً، تقضي بنفاق معاوية وحزبه؛ لأن بغضه لعلي معلوم ضرورة، لأهل البحث عن الأخبار، ولا يشك فيه إلا من خذل.
قال نصر بن مزاحم: وحدثنا يحيى بن يعلى، عن الأصبغ بن نباتة، قال: جاء رجل إلى علي (ع)، فقال: ياأمير المؤمنين، هؤلاء القوم الذين نقاتلهم.
إلى قوله: فماذا نسميهم؟
قال: سمهم بما سماهم اللَّه في كتابه.
قال: مافي الكتاب أعلمه.
قال: ماسمعت اللَّه يقول: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } إلى قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ ءَامَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ }؟ [البقرة: 253]؛ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله، وبالكتاب وبالنبي وبالحق؛ فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا. انتهى.
قلت: ولايشكل على ذلك اختلاف الأحكام؛ فإن معاملة الكفار تختلف، فلأهل الذمة معاملة، ولأهل الحرب معاملة، وللمنافقين معاملة، مع أن اسم الكفر يشملهم؛ فمعاملة الوصي ـ صلوات الله عليه ـ للمحاربين له، تقتضي أن تلك معاملة من يقاتله، ممن يظهر الشهادة والصلاة إلى القبلة، وإن كان منافقاً كافراً، وذلك معلوم.
فهذا الباغي، هو الذي يتولاه ويحامي عنه أهل السنة بزعمهم، وهو الذي بَوّب لذكره البخاري في صحيحه؛ وقد اغترّ بتسمية كتبهم صحاحاً كثير من المقلدين لهم، حتى جعلوا ذلك دليلاً على صحتها، لما سمعوا تداول هذه الأسماء لها؛ ولم يدروا أن ذلك مجرد تسمية، كسائر الأسماء العَلَمِية، وقد أريناك سابقاً جرح حفاظهم لكبار معتمديهم.
فأما أئمتنا (ع) وشيعتهم، فكلامهم فيهم أظهر، وطرحهم لكثير من رجالهم؛ وردهم لأكثر مروياتهم أكثر وأشهر، /200
وإجماع آل محمد (ع)، ومن معهم من أهل التوحيد والعدل، على بطلان مايروونه ويدينون بصحته، مما يقتضي بصريحه الذي لايحتمل التأويل من التشبيه والجبر، الذي صنفوا فيه كتاب خلق الأفعال، ويسمون من دان بخلافه ـ الذي هو العدل من العدلية ـ قدريةً، والإرجاء والإمامة لغير من حكم اللَّه بها له ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ معلوم، وعند أرباب البحث والاطلاع مرسوم؛ وكفى بإجماع آل محمد، الذين سادتهم الأربعة علي، وفاطمة، والحسنان، ثم من بعدهم إلى هذه الغاية على عدم اعتماد الرواية الثابتة عندهم: ((إنا معاشر الأنبياء لانُورَث)) الحديث.
[اتفاق الأمة على أن فاطمة ماتت غضبانة]
وقد اتفقت الأمة أن فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ ماتت غاضبة على أبي بكر، هاجرة له، ودفنها سيد الوصيين، وعمه العباس عمّ سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ ومن معهما من أهل بيتهم وشيعتهم، ليلاً، بوصية منها، مع روايتهم: ((إن اللَّه يغضب لغضبها)) وروايتهم أن علياً ـ صلوات الله عليه ـ لم يصالح القوم، إلا بعد وفاتها، وأنه كان معتزلاً عنهم، غير داخل فيما عقدوه من بيعتهم، في سقيفتهم، ستة أشهر؛ وكل ذلك ثابت في صحاحهم من رواية البخاري، ومسلم، وغيرهما.
ومن لفظهما: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه، حتى توفيت؛ وعاشت بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي ـ رضي الله عنه ـ.
أخرجه الشيخان.
قال إمام الأئمة، وهادي الأمة، أمير المؤمنين، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) في حديث: ((إنا لانورث ماتركناه صدقه)) في سياق كلام: ثم جاءت أسانيد قد جمعها الجهال؛ لحب التكثير بما لاينفع، عن عائشة، وعن عمر، فنظرنا عند ذلك إلى أصل هذه الأحاديث، فإذا عائشة تقول: سمعت أبا بكر، وإذا عمر يقول: سمعت أبا بكر، وإذا هذه الأسانيد المختلفة، ترجع إلى أصل واحد /201
وقال (ع): في كلام فاطمة (ع) لأبي بكر بيان لمن خاف اللَّه سبحانه: (أنتَ ترث أباك، ولا أرث أبي).
[إجماع العترة على أن الأنبياء يورثون]
قال الإمام الأجل، المنصور بالله ـ عز وجل ـ، القاسم بن محمد (ع): وأجمع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الأنبياء يُورَثُون. انتهى.
فمن ترى إمام اليمن (ع) عنى بالجهال، الذين جمعوا الأسانيد، وقد كرر وحذر ـ صلوات الله عليه ـ في الأحكام عن الأخذ عنهم، والاعتماد عليهم، والركون إليهم؛ وذلك واضح.
قال في طبقات الزيدية، نقلاً عن الإمام الأواه، المنصور بالله، القاسم بن علي العياني (ع): وهذا الهادي (ع) يبطل كثيراً من الأخبار، التي رويت عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعن أمير المؤمنين (ع)، حيث لم يقم بتلك الأخبار براهين يُعْمل بها.
ويقول في مواضع: يتقى بعض أخبار العامة.
إلى قوله: فالهادي (ع) يعلّ الأخبار المضعفة.
إلى قول صاحب الطبقات: قلت: وكما يقول في الأحكام في بعض المواضع: هذا لا يصح عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، هذا لا يصح عن أمير المؤمنين؛ لا تقبل رواية الجهال أهل الضلال؛ ونحو ذلك.
وقال الإمام المهدي لدين اللَّه أحمد بن يحيى المرتضى (ع) في المنهاج في سياق كلام: لأن لعلمائهم (ع) كالقاسم، والهادي، وغيرهما، من الورع الشحيح، والتحرز عن المآثم، مكاناً لايجهله إلا متجاهل.
وكذلك لهم من الاطلاع على أحوال الرواة، ماليس لغيرهم، ولقد وقفت على كتاب القياس للهادي (ع) فذكر فيه من تقبل روايته، ومن لاتقبل، في كلام طويل، من جملته أنه ذكر أهل الحديث، فضعف رواياتهم، حتى قال: فلهم كتابان يعبرون عنهما بالصحيحين ـ يعني: صحيحي البخاري ومسلم ـ.
ثم قال: وإن بينهما وبين الصحة لمسافات ومراحل؛ هذا معنى كلامه.
ولعمري، إنه على ورعه، لايقول ذلك عن وهم وتخمين، بل عن علم يقين..إلى آخر كلامه.
وهذا قدح من الإمامين الهادي، والمهدي (ع) في الكتابين.
ونقل ذلك عن الهادي إلى الحق الشيخ العالم الشهيد، محمد بن صالح بن حريوه.
وتكلم في كتابي البخاري ومسلم، الإمام الناطق بالحق أبو طالب، في /202
شرح البالغ المُدْرِك.
وقد نقلت لفظه في التحف الفاطمية والله ولي التوفيق.
وقال الإمام المرتضى لدين اللَّه، محمد بن يحيى بن الحسين (ع): وقلتَ: لأي معنى لم نُدْخل الأحاديث في أقوالنا؟ ولسنا ندخل من الحديث ماكان باطلاً عندنا؛ وإنما كثير من الحديث مخالف لكتاب اللَّه سبحانه، ومضاد له، فلم نلتفت إليها، ولم نحتج بما كان كذلك منها.
إلى قوله: وفي الحديث الذي ترويه العامة مالاتقوم به حجة، ولاتصح به بينة، ولا يشهد له كتاب ولاسنة.
انتهى المراد منه.
وقال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع): وأما الحشوية النابتة، هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بأنهم أصحاب الحديث، وأنهم أهل السنة والجماعة، فهم بمعزل عن ذلك.
إلى قوله: إلا أنهم مجمعون على الجبر والتشبيه، ويدعون أن أكثر السلف منهم، وهم بَراء من ذلك، وينكرون الخوض في الكلام والجدل، ويعوّلون على التقليد، وظواهر الروايات.
وقال (ع): إن الحشوية يروون في كتبهم الحديث وضده؛ كما قال بشر بن المعتمر:
يروي أحاديث ويروي نقضَها .... مخالفاً بعضُ الحديث بعضَها
وأقوالهم المنهارة: إن سنّتهم هي السنة، لقول إمامهم معاوية: حتى إذا قُطع قيل: قُطِعَت السنة، قال (ع): وأكبر دليل على ماقلناه، لذوي العقول السليمة، تشدد المتسمين بالسنة والجماعة، على محبة معاوية وولده، وتحاملهم على علي بتقديم غيره عليه.
قال (ع): وإن الإمامة تنعقد عندهم بالقهر والغلبة، وإنه تجوز إمامة الفاسق والجاهل، إذا كان من قريش، وقهر وغلب، وإن معاوية كان مجتهداً، وإنه لايجوز سبه؛ وعندهم أن الحق ماوافق مذاهبهم، وأصول شيوخهم، والباطلَ عندهم ماخالف مذاهبهم.
وأهل الحق عندهم من كان ماشياً في سبيل باطلهم، وأهل الباطل عندهم من مشى في /203
سبيل التوحيد لله، والتعديل له، والتبري من أعداء اللَّه.
قال: وأما تسميتهم بالجماعة فإنه لما اضطر الحسن بن علي (ع) إلى صلح معاوية، وسلم وتمّ الأمر له، سموا العام عام الجماعة.
إلى قوله (ع): فقالوا: إنهم أهل السنة والجماعة.
وقال (ع): وذلك قاعدة دينهم، وعنوان يقينهم، لايكون السني سنياً على الحقيقة، مالم يكن منقطع القرين في حب معاوية، وآل معاوية، سمج الحال في علي وآل علي.
انتهى المراد.
وكلام نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وعيون أشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ، على هذا المنهج، على غير مخالفة لما سبق عن أعلامهم ولاعوج.
هذا، وقد روى إجماع آل محمد على أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - يتوارثون، صاحب كتاب المحيط، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وهو الثابت بلا ارتياب، نطقت به السنة ومحكم الكتاب.
هذا، وقال نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي بعد كلام على حديث من صحاحهم: وكيف يسوغ لمسلم له مسكة من دين أن يقبل مثله؟! ولذا صار دعوى الصحة لكتب القوم من الدعاوي الساذجة، وتسميتها بذلك من الأسماء التي ماأنزل اللَّه بها من سلطان؛ فتأمل، وعليك بالنصفة، وباب حطة.
[الحديث الذي وضعه عمرو في آل أبي طالب، والرد عليه]
وكذا روى البخاري، ومسلم، بسند متصل بعمرو بن العاص، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء؛ إنما وليي اللَّه وصالح المؤمنين))؛ فرواية مثل هذا الحديث المعلوم بطلانه في صحيحيهما، مما يفيد أنهما عن الصحة بمراحل، وأنه لامعنى لقول من حكم بصحتهما من متعصبي العامة.
واستناده إلى أن البخاري مثلاً قد صحح كتابه، فالعهدة عليه.
أيكون البخاري قد صحح هذا الحديث، وكذا مسلم، فيكون قدحاً فيهما؟ /204
أم لاعهدة عليهما في تصحيح ولاغيره، بل الواجب على الناظر التثبت؟!.
ثم حكى ماقدمنا سابقاً من قول المقبلي إن أحاديث رواها البخاري لاتمسها الصحة.
قلت: الحديث الذي رواه عمرو في النسخ الموجودة الآن بلفظ ((آل أبي فلان)).
قال في تفريج الكروب، للسيد العلامة الحافظ إسحاق بن يوسف بن الإمام المتوكل على اللَّه إسماعيل بن القاسم (ع) بعد روايته قوله: ((آل أبي فلان)): قد فسره الشراح بآل أبي العاص، منهم الحَكم طريد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ممن فسره بذلك القاضي عياض في شرح مسلم، وكذلك النووي في شرح مسلم أيضاً، وكذلك ابن حجر في مقدمة شرح البخاري. انتهى.
قال مؤلف التخريج ـ أيده الله تعالى ـ، في حاشيته على ذلك الكتاب: المروي عند ابن أبي الحديد ((إن آل أبي طالب)) ولعل الشراح كنوا ثم فسروه بما فسروه، محاذرة من افتضاح عمرو. انتهى.
قلت: فإن هذا من المصارحة بالرد لكتاب اللَّه، وسنة رسوله، ودين نبيه.
[تفسير: صالح المؤمنين]
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وقد قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله /205
تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم:4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) رواه الحاكم بأسانيده؛ فعن علي من أربع طرق، وعن أسماء بنت عميس من أربع طرق، وعن حذيفة، وعن أبي جعفر، وعن ابن عباس، وفي واحدة عن علي: ((والمؤمنون من بني أبيك الصالحون)).
وروى عن ابن عباس مسنداً قال: نزل {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ } [التحريم: 3] في عائشة وحفصة {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] علي.
وروى عنه أيضاً من طريقين، ورواه عن أبي جعفر أنه قال: صالح المؤمنين علي.
وكذا رواه عن زين العابدين مرفوعاً مرسلاً؛ من الشواهد.
وأخرجه الثعلبي عن ابن عباس، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن علي.
وروى ابن المغازلي في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] عن مجاهد قال: ((هو علي بن أبي طالب)).
وروى الكنجي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4] قال: ((هو علي بن أبي طالب)) أخرجه عن علي (ع)، وعن أسماء بنت عميس، وقال: هكذا رواه أئمة التفسير عن آخرهم. انتهى.
فإذا حديث عمرو ينقض آخره أولَه، ولذا قال الهادي إلى الحق في صحيحي البخاري، ومسلم: بينهما وبين الصحة مراحل، من رواية الإمام المهدي، ومحمد بن صالح.
[القدح في حريز بن عثمان]
وقال ابن الصلاح: إن في كتاب البخاري ماليس بصحيح.
إلى قوله: ومما يدلك إن كنت غير مخذول، أن حريز بن عثمان المشهور ببغض من بُغضه نفاق، قال إسماعيل بن عياش: سمعته يقول في حديث: ((إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) إلخ: إنما قال رسول اللَّه ـ صلى /206
الله عليه وآله وسلم ـ: ((إنما أنت مني بمنزلة قارون من موسى)) فأخطأ السامع؛ ثم نقل المروي عن هذا المارق المنافق، الدال على عداوته لسيد الخلائق.
إلى قوله: ومع هذا أخرج له البخاري.
قلت: قال ابن حجر في ترجمة هذا الخبيث، في تعداد من انتقدوا عليهم من رجال البخاري: قال الفَلاَّس وغيره: إنه كان ينتقص علياً.
إلى قوله: وقال ابن عدي: كان من ثقات الشاميين، وإنما وَضَع منه بغضه لعلي، وقال ابن حبان: كان داعية إلى مذهبه، يُجتنب حديثه.
إلى قوله: وروى له أهل السنن.
قال ـ أيده الله ـ: فأين يتاه بأصحابنا ممن مال إلى العامة، ويعوّل على زخارفها، ثم يزعم أنه على دين آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف ومن سود فقد شرك؟! الخ كلامه ـ رضي الله عنه وبارك في أيامه ـ.
[الكلام على النصب والرفض]
هذا، ومن مباينتهم لآل رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومجانبتهم لأوليائهم، ماعُلِمَ منهم من التبديع لهم والتضليل، وعدم التأول لهم بأي تأويل، ورميهم لأوليائهم ـ من العصابة الناجية، والطائفة الهادية ـ بدائهم، من الرفض والغلو؛ وقد علموا أن النصب والرفض مع ماتقدم من أسماء الذم، واردة في أعدائهم.
أما النصب فواضح، وليس بين الأمة اختلاف، في أنه لأعداء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال ابن حجر في تحديده: والنصب بغض علي، وتقديم غيره عليه. انتهى.
قلت: وظاهر هذا العموم في تقديم غيره عليه.
وقد قدمه اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بعد أخيه وابن عمه سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ على الخلق، فهو الحق الذي نطقت به السنة والقرآن، ودلّت عليه صرائح /207
حجج اللَّه القاطعة البرهان، لابالدعاوي المختَلقة التي لم ينزل اللَّه بها من سلطان؛ فقد أخرج اللَّه تعالى الحق على لسانه، ولم يزل يخرج اللَّه الحق على ألسنتهم، وإن حاولوا كتمه وخالف مافي أجنتهم.
فانظر إلى هذا وإلى ماتقدم له في تحديد التشيع المذموم عندهم، الذي هو من أعظم الجرح، ففيه التصريح بأن تقديمه على الشيخين غلوّ ورفض، وأن مجرد محبته تشيع وهو عندهم ذم وغض؛ لتعلم إن كنت من ذوي العلم، وتنظر إن كنت من أولي النظر، وتعتبر إن كنت من أهل الفِكَر؛ فقد صارت محبة أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ عندهم تشيعاً، وبغضه نصباً، وتقديمه على غيره رفضاً، وتقديم غيره عليه نصباً، وكل اسم من هذه الأسماء ذماً وجرحاً، وهضماً وقدحاً، فهل بقي على هذا للسالك من سبيل؟ وإلى أي جيل ينحاز طالب النجاة والحق عندهم، في شأن سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم؟ وفي أي قبيل؟ وليس هذا ببدع من تناقض أقوالهم، وتهافت أحوالهم.
ولئن رمتَ التأويل لهم في شأن التقديم، بأن المراد ـ بتقديم غيره ـ غيرُ المشائخ على بُعده وتعسفه؛ إذ ليس بين الأمة خلاف إلا في تقديمه عليهم، أو تقديمهم عليه، فلا يستقيم لك بوجه التأويل، في شأن المحبة والبغض؛ فليس بينهما واسطة في حقه عقلاً وشرعاً، إلا التوقف، وهو غير مراد إجماعاً وقطعاً.
وليس مرادهم بالمحبة إلا المحبة المطلقة؛ لأنهم جعلوا أول درجات الغلو فيها التقديم، كما صرح به الشيخ هذا وغيره، واعترضه كما تقدم السيد محمد بن إسماعيل الأمير.
وذلك واضح لمن لم يعم التعصب بصيرته، ولم يسلب الهوى فكرته، وما ذلك وغيره مما هو أعظم وأطم من مناقضتهم وتهافتهم، إلا مصداق الإصابة بالدعوة النبوية: ((واخذل من خذله)) وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى /208
نعم، وأما الرفض فقد أجمع الجميع على أنه اسم للفئة الرافضة للإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين ـ صلوات الله عليهم ـ كما صرح به النووي في شرح مسلم، وصاحب القاموس، وغيرهما من علمائهم.
قال ابن تيمية في الجزء الأول من المنهاج (ص 21): لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين.
إلى قوله: فقال: (رفضتموني) فسموا رافضة لرفضهم إياه، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدياً؛ لانتسابهم إليه.
وقال في (ص 67): ومن حينئذ انقسمت الشيعة.
ثم قال: فالزيدية خير من الرافضة، أعلم، وأصدق، وأشجع. انتهى.
وهو معلوم لانزاع فيه بين الأمة، وإنما النزاع في السبب، وآل محمد (ع) أعلم بذلك، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ مع أنه لو فرض صحة ماروته العامة أنهم رفضوه لعدم تصريحه بالبراءة من الشيخين، فلا مستروح لهم في ذلك.
أما أولاً، فلا يلزم إظهار البراءة ولو كانت عنده جائزة، لخشية افتراق الجمع، وانشقاق العصا، وإثارة الفتنة، ولو لم يدل على ذلك إلا قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 108]؛ وله بأبيه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ أعظم أسوة، فقد كان يسكت على أشياء كثيرة هي عنده منكرة، كما عُلم ذلك من صرائح كلماته المنقولة بالتواتر، لمن اطلع على سيرته ـ صلوات الله عليه ـ.
وأما ثانياً، فليس ذلك إلا سبب الرفض للإمام ولآل محمد (ع) بالاتفاق، والذم والوعيد واردان على الرفض، لاعلى الباعث عليه ولا على علامته.
ألا ترى أن من ترك الصلاة مثلاً لأجل محبة الراحة، أو نحو ذلك من الدواعي المباحة، وعلامته أنه مثلاً يلبس الثياب السود، يكون مذموماً ومعاقباً /209
على ترك الصلاة قطعاً لاعلى السبب والعلامة؟.
وأما السبب ونحوه، فأمر آخر موقوف على الدليل.
وقد روى إمام الأئمة الهادي إلى الحق عن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ بعد أن حكى سبب رفضهم، وأنهم تعللوا عليه بما يدعون من الوصية والنص على جعفر بن محمد (ع) مانصه: فلما كان فعلهم على ماذكرنا، سماهم - أي الإمام زيد بن علي (ع) - روافض، ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك، ولعنة آبائي وأجدادي، ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حرورا علي بن أبي طالب حتى حاربوه. انتهى.
فانظر على أي شيء وجَّه اللعن، وعلل الرفض؟ أعلى البراءة؟ أم على رفضه، والخروج من بيعته، كما رفض أهل حرورا جده ـ صلوات الله عليهم ـ؟
ولم يذكر البراءة ولا ذكر كونه جعلها الموجب، ولا أنه علّق عليها الذم أحد من الرواة، لامن آل محمد (ع) ولا من غيرهم، وإن كانوا قد رووا أنها السبب في رفضهم له.
[قول صاحب التهذيب في كلام الإمام زيد (ع) في الرافضة]
وهذا الحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال، وهو الذي عليه المدار عندهم في علم الرجال، روى عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) في ترجمته، مالفظه: الرافضة حربي وحرب أبي في الدنيا والآخرة؛ مرقت الرافضة علينا، كما مرقت الخوارج على علي (ع).
ونقله صاحب الخلاصة بلفظه.
وقال في التهذيب: قالوا: إذاً نرفضك؛ فسميت الرافضة.
وقال في شأن الزيدية: فخرجوا مع زيد بن علي فسُميت الزيدية. انتهى المراد.
فهذا نقل أئمة آل محمد (ع)، ونقل ثقات غيرهم، وإقرارهم أنها مرقت عليه، كما مرقت الخوارج على جده، وأنها سميت الرافضة لرفضها له (ع)، وهو المعلوم. والأخبار والآثار دالة على ذلك.
وروى صاحب المحيط ـ رضي الله عنه ـ: بسنده إلى أبي الطيب محمد بن /210
محمد بن فيروز الكوفي، قال: حدثنا يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم(ع).
قلت: يعني إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع).
قال: حدثني أبي عن أبيه، قال: لما ظهر زيد بن علي، ودعا الناس إلى نصرة الحق فأجابته الشيعة، وكثير من غيرهم وقعدوا عنه، وقالوا: لستَ الإمام.
قال: فمن هو؟
قالوا: ابن أخيك جعفر.
فقال لهم: إنْ قال جعفر هو الإمام فقد صدق، فاكتبوا إليه واسألوه.
فقالوا: الطريق مقطوعة، ولانجد رسولاً إلا بأربعين ديناراً.
قال: هذه أربعون ديناراً، فاكتبوا وأرسلوا إليه.
فلما كان من الغد أتوه، فقالوا: إنه يداريك.
فقال لهم: ويلكم إمام يداري من غير بأس؟ أو يكتم حقاً؟ أويخشى في اللَّه أحداً؟
اختاروا: إما أن تقاتلوا معي، وتبايعوني على مابويع عليه علي، والحسن، والحسين(ع)، أو تعينوني بسلاحكم، وتكفوا عني ألسنتكم.
فقالوا: لانفعل.
فقال: اللَّه أكبر، أنتم والله الروافض الذين ذكر جدي رسول اللَّه: ((سيكون من بعدي قوم يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل بيتي، ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف، ولانهي عن منكر، يقلدون دينهم، ويتبعون أهواءهم)) انتهى.
وقد روى هذا السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع).
فمن الذين يرفضون الجهاد مع الأخيار من أهل البيت ويقولون: ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر، ويرون تحريم الخروج على الظلمة، ويوجبون الطاعة للجبابرة المتغلبين على الأمة، فيعينونهم بذلك على تعدي حدود اللَّه، وانتهاك كل حرمة، وينصرونهم على قتل الآمرين بالقسط، الحافظين لحدود /211
اللَّه من الأئمة، وقد علموا أن الله تعالى لم يجعل بنص كتابه للظالمين عهداً، وأنه لايتخذ المضلين عضداً؟!.
وعلى الجملة، قد قضت المعلومة من الأدلة، وإجماع جميع أهل الملة، أن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وطائفته هم المحقون، وأن هذه الفرقة الرافضة له مبطلون؛ وليس النزاع إلا فيما كان عليه من البراءة عن الشيخين، أم الولاية لهما، أم التوقف فيهما؛ وهو أمر آخر يجب على المتدين الاعتماد فيه على الدليل، من غير تقليد ولاتعويل، على متابعة الأقاويل.
والمعلوم من حال الإمام الأعظم ـ صلوات الله عليه ـ بالإجماع من الجميع أنه لم يبحث عن معتقدهم في ذلك، ولم يسألهم عن البراء، ولا التولي، وأنه لم يسمهم الرافضة، ولم يلعنهم، ولم يتبرأ منهم؛ إلا حين خذلوه، ورفضوه، ولم ينصروه؛ وبذلك يعلم أنهم لم يستحقوا ذلك، إلا لرفض إمام الحق، والخروج عن طاعة سادة الخلق، كائناً في ذلك السبب ماكان؛ هذا معلوم بأبين بيان، وأوضح برهان، والله المستعان.
فكيف يكون رافضياً من تولاه، ونصره وقاتل بين يديه، ومن أتى من بعده متبعاً لأثره، مقتدياً بهديه، مهتدياً بنوره؟! فقد صارت هذه الطائفة المتسمية بالسنية ترمي به قطعاً أولياء اللَّه، وأولياء رسوله، وأهل بيت نبيه، القانتين من هذه العصابة، تجارياً على اللَّه، واطراحاً للمفروض عليهم من حقوق القرابة، ومعاندةً للحق، ومضادة لبراهينه، وقواطعه، فإن كنت أيها الطالب للنجاة، المراقب لله، ممن اطلع على الأحوال، ومارس علم الرجال، لم تحتج إلى تجشم بيان، ولاتكلف برهان.
[ذكر بعض من رماه القوم بالرفض]
فممن رموه بدائهم من الرفض، من خلّص أتباع الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الآخذين عنه، القائمين بنصرته، المجيبين لدعوته، أبو الجارود زياد بن المنذر الكوفي، الذي تُنْسب إليه الجارودية.
قال السيد صارم الدين (ع): قال الناصبة: رافضي متهم، له أتباع؛ يروي في الفضائل والمثالب، إلى قوله: روى له الترمذي، انتهى /212
ومنهم هارون بن سعد العِجْلي، قال في التقريب: صدوق، رُمي بالرفض، ويقال: رجع عنه إلخ.
قال السيد صارم الدين (ع): قالوا فيه: صدوق، من المعلنة بالتشيع، رافضي بغيض، وهذا منهم تحامل ونصب. انتهى.
وهو ممن حملتهم الضرورة إلى الأخذ عنه. روى عنه مسلم، فلذا قالوا: صدوق.
وكلامهم في جماعة الآل، على هذا المنوال، فقد نالوا بذلك علماء الأمة، وأعيان الملة، كما ذلك مأثور، وعلى صفحات الصحائف مسطور.
قال محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الموالي لأبناء الوصي، والقائم بدعوة الأئمة من أسباط النبي: فيما رواه في جواهر العقدين للسمهودي الشافعي، عن البيهقي، عن المزني: قال: سمعت الشافعي ينشد:
إذا نحن فضلنا علياً فإننا .... روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل
وروي أيضاً عن الجمال الزرندي، عن الشافعي أنه قال:
قالوا ترفضت قُلْتُ كلا .... ماالرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غير شك .... خير إمام وخير هادي
إن كان حب الوصي رفضاً .... فإنني أرفض العباد
قال: وروي أيضاً عن الربيع قال: أنشدنا الشافعي:
ياراكباً قِفْ بالمحصب من منى .... واهتف بقاعد خيفها والناهضِ
سَحَراً إذا فاض الحجيج إلى منى .... فيضاً كملتطم الفرات الفائضِ
قِفْ ثم نادِ بأنني لمحمد .... ووصيه وابنيه لست بباغضِ
إنْ كان رفضاً حبُّ آل محمد .... فليشهد الثقلان أني رافضي
هكذا في الجواهر؛ إلا البيت الثالث، فليس في النسخة المنقول منها، ولعله سقط، فهو ثابت في كتب أهل البيت (ع) وغيرهم عنه.
قال: وقد نقل /213
البيهقي عن الربيع بن سليمان أحد أصحاب الشافعي: أن ناساً لايصبرون على سماع منقبة، أو فضيلة لأهل البيت، فإذا رأوا أحداً منا يذكرها يقولون: هذا رافضي، ويأخذون في كلام آخر، فأنشأ الشافعي:
إذا في مجلس ذكروا علياً .... وسبطيه وفاطمة الزكيهْ
فأجرى بعضهم ذكرى سواهم .... فأَيْقِنْ أنه لِسَلقلقيهْ
إذا ذكروا علياً أو بنيه .... تشاغل بالروايات العليهْ
وقال تجاوزوا ياقوم هذا .... فهذا من حديث الرافضيهْ
برئت إلى المهيمن من أناس .... يرون الرفض حبّ الفاطميهْ
على آل الرسول صلاةُ ربي .... ولعنتُه لتلك الجاهليهْ
نقل هذا في جواهر العقدين بعد أن قال: ولم تزل جماعة من الأشقياء ينتقصون علياً ـ رضي الله عنه ـ، وأهل بيته، ويكرهون من يذكر فضائلهم، وينسبونه بمجرد ذلك إلى الرفض.
إلى قوله: وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقيب حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)): قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مسؤولون عنها يوم القيامة، وروي في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات] أي: عن ولاية أهل البيت؛ لأن اللَّه أمر نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ألا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلا المودة في القربى.
إلى قوله: يشير إلى ماأخرجه الديلمي عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً ((وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ)) /214
ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: ((والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي؟)) وأخرج أبو الحسن المغازلي من طريق عبدالله بن المثنى، عن عمه ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ))، وسيأتي في الذكر العاشر حديث: ((والذي نفسي بيده لاتزول قدم عن قدم يوم القيامة حتى يسأل اللَّه الرجل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله مم اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)).
فقال له عمر: يانبي اللَّه، وماآية حبكم؟
فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جنبه، فقال: ((آية حبي، حب هذا من بعدي)).
فكيف يبغض مع هذا من يذكر فضل أهل البيت، وينسب بمجرد ذلك إلى الرفض؟ انتهى المراد من كلامه.
قلت: بل مع مالا يحصى، ولايستقصى، من كتاب اللَّه، وسنة رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - مما علم، ووضحت حجته على الخلق أجمعين.
وقد سبق مصطلحهم في الرفض، الذي رتبوا عليه معظم الجرح والغض، وأنهم حرّفوه عن موضوعه، ونقلوه عن معناه، ورموا به نجوم أهل الأرض، الحافظين للسنة والفرض، الحامين لدين اللَّه في ذات الطول والعرض، إلى يوم العرض، والحق أنه مع النصب داؤهم كما قيل في المثل: (رمتني بدائها وانسلت) فكيف يرجى علاجهم، ودواؤهم؟ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً؛ وكيف نقلوه إلى من يقول /215
بتقديم أخي سيد المرسلين، وإمام المتقين؟ مع أن روايتهم التي رووها من وقوع سبب الرفض إنما هي: الاختلاف بينهم وبين الإمام الأعظم، لما طالبوه في البراءة لاالتقديم.
ولم يجر بينهم، وبين الإمام (ع) كلام في التفضيل، ولا حرف واحد من ذلك القبيل.
وبهذا تعلم أن ليس لهم في ذلك مستند، ولاشبهة دليل لابالتحقيق، ولا بالادعاء، وإنما هي مجرد افتراء؛ فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم.
قال ابن حجر كما سبق في مقدمة الفتح: والتشيع محبة علي، وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي. انتهى المراد.
[تراجم بعض عظماء الصحابة الذين لم يزالوا مع أمير المؤمنين]
فعلى مقتضى كلامهم أن جماعة آل محمد - صلوات الله عليهم - أولهم وآخرهم، وجميع بني هاشم روافض.
منهم: أبو الفضل العباس بن عبد المطلب، عمّ رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ساقي الحجيج، المستنزل به الغيث، المستجاب الدعوة، المتوفى بالمدينة عام [34هـ] أربعة وثلاثين من الهجرة سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وولده: أبو العباس عبدالله بن العباس، بحر العلم، وحَبْر الأمة، وترجمان القرآن، المناصر لابن عمه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ المهتدي بهديه، المستمد من علمه، والمجاهد معه في جميع مشاهده، والمتولي /216
لأعماله، والمبلغ لفضائله، الذي ذهب بصره لبكائه عليه بعد فراقه، المتوفى بالطائف عام [68هـ] ثمانية وستين، سلام اللَّه عليه ورضوانه.
وسائر بني هاشم وبني المطلب، وأعيان صحابة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من المهاجرين، والأنصار.
منهم: أبو اليقظان عمار بن ياسر، الطيب المطيب، الموعود هو وأهل بيته بالجنة، المملوء إيماناً، الدائر مع الحق أينما دار، علم سادات السابقين، المعذبين في اللَّه، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي صار استشهاده مع سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ، من أعلام نبوة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ وإخباره عن الغيب بوحي رب العالمين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو ذر: جندب بن جنادة الغفاري، السابق الصادق، بشهادة سيد الخلائق، الصادع بالحق، الذي لاتأخذه في اللَّه لومة لائم، المتوفى بالربذة عام [32] اثنين وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله سلمان أهل البيت (ع) سلمان الخير، مولى رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أحد المخصوصين بالبِشارات من اللَّه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المدرك للعلم الأول والآخر، البحر الذي لا يُنزح بشهادة سيد الوصيين، المترقب لبعثة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ المستدل عليه بالعلامات الموصوفة، في الكتب المنزلة، كخاتم النبوة، المتوفى بالمدائن عام [35] خمسة وثلاثين، بعد أن عُمّرَ على ماقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة رضوان الله عليه.
وأبو الأسود المقداد بن عمرو الكندي، أحد الرفقاء والنجباء، والسابقين الأولين المبشرين، المهاجرين الهجرتين، الشاهد بدراً وما بعدها، وهو فارس رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، المتوفى بالمدينة عام [33] ثلاثة وثلاثين - رضوان الله عليه - /217
وأبو عبد الرحمن عبدالله بن مسعود الهذلي، أحد العلماء السابقين، الشاهد جميع مشاهد رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المتوفى سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ وثلاثين، كان من الجبال في العلم، وعلى قامة القاعد في الجسم، وهو القائل: كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب؛ قال في فتح الباري شرح البخاري: رواه البزار، رجاله موثوقون، انتهى من الجزء السابع صفحة 58 - وهو القائل: قرأت القرآن على رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب ـ رواه الإمام الحجة (ع) في الشافي.
قال الإمام أبو طالب (ع) بعد أن روى عنه أنه قال: أُمِرَ علي بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين: هذا حديث مستحسن؛ لأن عبدالله بن مسعود توفي وقد حدث بأمر هؤلاء القوم قبل وقوعه بمدة إلخ ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عمارة خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي، الذي أقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ شهادته مقام شاهدين، الشاهد بدراً وما بعدها، ومع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال الناكثين يوم الجمل، واستشهد بين يديه بصفين، بعد أن وقف لينظر معجزة الرسول الأمين - صلوات الله عليه وآله - في الإخبار بقتل عمار، وقال: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((تقتل عماراً الفئة الباغية))؛ ثم سلّ سيفه فقاتل حتى قُتل.
ومثل هذه الآية العظمى التي يزداد المؤمنون بها إيماناً، والموقنون إيقاناً، وتطمئن إليها القلوب عرفاناً، قد تَطَلّبَها إبراهيم الخليل (ص) ولم يُعِب عليه في ذلك الملك الجليل ـ سبحانه وتعالى ـ مع أنه لم يتضيق عليه الإقدام، وهو قائم في صف الإمام؛ فأي حرج في الانتظار، بين يدي إمام الأبرار ـ صلوات الله عليه؟ وقد جاهد الناكثين معه يوم الجمل، وهو القائل عند المنبر، لما بويع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ:
/218
إذا نحن بايعنا علياً فحسبنا .... أبو حسن مما نخاف من الفتنْ
وجدناه أولى الناس بالناس إنه .... أطبّ قريش بالكتاب وبالسننْ
وإن قريشاً ماتشق غباره .... إذا ماجرى يوماً على الضُّمَّر البُدُنْ
وفيه الذي فيهم من الخير كله .... وما فيهمُ كل الذي فيه من حسنْ
والقائل أيضاً:
ويلكم إنه الدليل على اللَّـ .... ـه وداعيه للهدى وأمينهْ
وابن عم النبي قد عَلِم النا .... س جميعاً وصنوه وخدينهْ
كلّ خير يزينهم هو فيه .... وله دونهم خصال تزينهْ
الأبيات ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو عبدالله حذيفة بن اليمان، أحد السابقين، الذي أَسَرّ إليه الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علم المنافقين، المتوفى سنة [36] ست وثلاثين - رضوان الله عليه - بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، وهو يحث أصحابه على اللحاق بأمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ لحرب الناكثين، وأمر ولديه: صفوان، وسعيداً، باللحاق بأمير المؤمنين، فقُتلا معه بصفين؛ أفاده ابن عبدالبر في الاستيعاب، والمسعودي في مروج الذهب.
وأبو الهيثم بن التيهان أحد المبايعين لرسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - والنقباء ليلة العقبة، الشاهد بدراً وما بعدها، والمستشهد على قول الأكثر بصفين مع أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ واسمه مالك ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي، المخصوص بنزول رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ضيفاً له لما قدم المدينة المنورة، وأوحى الله تعالى إلى راحلته فبركت ببابه، الشاهد مع رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - /219
العقبة وبدراً وما بعدها، ومع أخيه الوصي - صلوات الله عليه - جميع مشاهده، المتوفى عام [52] اثنين وخمسين، مجاهداً للروم بقرب القسطنطينية - رضوان الله عليه -.
[زيارة جابر بن عبدالله لقبر الحسين السبط]
وأبو عبدالله جابر بن عبدالله بن حرام (بمهملتين، فألف، فميم) الأنصاري الخزرجي، الغازي مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بضع عشرة غزوة غير بدر، وأَحَدُ سادات الصحابة، المخلصين في ولاية الوصي والقرابة ـ صلوات الله عليهم ـ المتوفى بالمدينة المشرفة، في عشر الثمانين، عن أربع وتسعين سنة، وهو آخر الصحابة موتاً بالمدينة المشرفة ـ رضوان الله عليه ـ.
وله كلام عظيم عند زيارة الحسين السبط ـ صلوات الله عليه ـ بعد أن مَسّ قبره، وقد كف بصره فخر مغشياً عليه، ورُشّ عليه بالماء؛ فلما أفاق قال: ياحسين، ياحسين، ياحسين ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: حبيب لايجيب حبيبه.
إلى قوله: فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيد النقباء، وابن فاطمة سيدة النساء؛ وما بالك ألاّ تكون هكذا وقد غذتك كفّ محمد سيد المرسلين، ورُبيت في حجور المتقين، وأُرضعت من ثدي الإيمان.
إلى قوله: فعليك سلام اللَّه ورضوانه؛ وأشهد أنك مضيت على مامضى عليه يحيى بن زكريا.
ثم جال ببصره حول القبر فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي بِفِناء الحسين ـ صلوات الله عليه ـ.
إلى آخر كلامه؛ رواه الإمام أبو طالب بسنده في الأمالي.
وأخذ عنه الإمام الأعظم زيد بن علي، وأخوه الباقر محمد بن علي (ع)، وأبلغه عن جده رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ السلام، وشهد صفين مع الوصي (ع)، كما في الاستيعاب؛ وأبوه: أحد الشهداء بأحد - رضوان الله عليهم- /220
وأبو ثابت سهل بن حُنَيف (بالتصغير) الأنصاري الأوسي، أحد السابقين الشاهدين جميع مشاهد الرسول الأمين ـ صلوات الله عليه وآله ـ ومع أخيه سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ قتال القاسطين، واستخلفه على المدينة حال قتال الناكثين؛ توفي بالكوفة عام [38] ثمان وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
وأخوه، أبو عمرو عثمان بن حنيف، أحد عمال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ، وناله مانال من الناكثين بالبصرة؛ لم تذكر وفاته على التعيين رضوان الله عليه.
وأبو المنذر أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، سيد القراء، شهد العقبة الأخرى وبدراً وغيرها من المشاهد، اختلف في وفاته؛ قال السيد الإمام رضي الله عنه في الطبقات: والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودفن بها ـ رضي الله عنه ـ.
وأبو عبدالله قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي، صاحب المقامات المشهورة مع رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومع وصيه أمير المؤمنين في جميع مشاهده، ومع ابن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسن بن علي.
وقد روى عن أبيه سعد بن عبادة مامعناه أنه لم ينازع القوم إلا لكونهم عدلوا بالأمر عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ؛ وما أقرب ذلك إلى الصحة فإنهم أنصار رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنصار وصيه في جميع المواطن؛ وقد قال أبو الهيثم بن التيهان ـ رضي الله عنه ـ:
كنّا شعار نبينا ودثاره .... يفديه منا الروح والأبصار
إن الوصي إمامنا وولينا .... بَرَح الخفاء وباحت الأسرار
في أبيات له، والمعتبر جمهورهم الأعمّ، وسوادهم الأعظم؛ فجزاهم اللَّه عن الإسلام، والمسلمين أفضل الجزاء /221
وأبو عبدالله خباب (بفتح الخاء المعجمة، وتشديد الموحدة، فألف، فموحدة) بن الأرت (براء، فمثناة من فوق) أحد المعذبين في اللَّه، شهد بدراً مع الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وصفين مع أخيه سيد الوصيين صلوات الله عليهم؛ وتوفي منصرفاً من قتال القاسطين عام [37] سبعة وثلاثين، وصلى عليه أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقال: رحم اللَّه خباب بن الأرت فلقد أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وقنع بالكفاف، ورضي عن اللَّه، وعاش مجاهداً.
وولده عبدالله، المستشهد بعدوان أهل النهروان المارقين؛ وقتلوا معه أم ولده، وولداً له صغيراً؛ وقد جعل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ إقرارهم بقتله أحد الحجج في حلّ دمائهم، وقال: اللَّه أكبر، لو أقرّ بقتلهم أهل الدنيا، وأقدر على قتلهم لقتلتهم.
وكان الخوارج سألوه فأثنى على أمير المؤمنين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بما هو أهله، فقتلوه ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالمدينة عام [74] أربعة وسبعين، من علماء الصحابة المكثرين للرواية، رُدّ يوم أحد لصغره، وشهد مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - اثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، ومع أخيه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قتال المارقين، وروى ماسمع فيهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وزيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي، المتوفى بالكوفة عام [68] ثمانية وستين الشاهد مع الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مشاهده غير أحد فإنه استصغر فيها، ومع الوصي ـ صلوات الله عليه ـ صفين، وكان من خواصه، ووقعت له آية أخبر بها وهي: أن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ استنشد بعض الصحابة عما سمعوا، فكتم أناس منهم فما خرجوا من الدنيا حتى عموا وبرصوا؛ قال: وكنت فيمن كتم فعميت، هذا معنى ماروى، ورب ضارة /222
نافعة، ولايخبر بهذا إلا وقد صحت التوبة، وخلصت الإنابة ـ رضي الله عنه ـ.
وبُريدة (بضم الموحدة) بن الحُصيب (بضم المهملة مصغرين) ابن الحارث الأسلمي؛ المتوفى عام [62] اثنين وستين، آخر الصحابة موتاً بخراسان، أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وشهد خيبر ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم كثير؛ لكن هؤلاء طائفة ممن نقل علماء الأمة من الموافقين والمخالفين قولهم بتقديم سيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر مالفظه: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، أن علي بن أبي طالب، أول من أسلم؛ وفضله هؤلاء على غيره.
ومن المتفق على كونهم من خلّص شيعة أمير المؤمنين من الصحابة الراشدين - رضي الله عنهم - أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الأوسي، الشاهد أحداً ومابعدها، وبيعة الرضوان مع الرسول الأمين - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجميع مشاهد أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، المتوفى بالكوفة في نيف وسبعين؛ وهو ممن استصغر يوم بدر ـ رضي الله عنه ـ.
وحجر بن عدي الكندي، العابد الزاهد، الصادع بالحق، المصارح بالصدق، الراد على أمراء البغي على رؤوس الخلق، الباذل مهجته في سبيل اللَّه، وولاية أمير المؤمنين أخي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ طَلَبَ منه، ومن أصحابه الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ أَمِيْرُ القاسطين معاوية بن أبي سفيان، أن يتبروا من أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ أو تُضْرب أعناقهم؛ فأبوا وصبروا، فضربت أعناقهم صبراً عام [51] أحد وخمسين، وقد أنكر قتلهم علماء الأمة.
وكان حجر ـ رضوان الله عليه ـ مستجاب الدعوة؛ وفيه وفي أصحابه قالت عائشة: سمعت رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((يقتل بعذراء ناس يغضب اللَّه لهم، وأهل السماء)) /223
قال السيوطي: أخرجه يعقوب بن سفيان، وابن عساكر؛ وأفاد المولى فخر الإسلام عبدالله بن الإمام الهادي القاسمي - حماه الله تعالى، ورضي الله عنه -، في الجداول أنه أخرجه معهما البيهقي.
قال: وعن علي (ع) أنه قال: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مَثَلُهم كمثل أصحاب الأخدود؛ أخرجه البيهقي، وابن عساكر. انتهى.
واحتاج الماء في السجن، فلم يعطوه، فدعا اللَّه تعالى فأرسل له سحابة بالماء فاغتسل، وطلب أن يصلي قبل قتله ركعتين، وقال: لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما؛ وأخباره كثيرة، وهي مبسوطة في الشافي وغيره من كتب أئمتنا (ع) وغيرهم ـ رضوان الله عليه ـ.
وأبو طَرِيف عدي بن حاتم، الجواد ابن الجواد، الذي أكرمه رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أحد خاصة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ شهد جميع مشاهده، وفُقئت عينه يوم الجمل، توفي بالكوفة عام [68] ثمانية وستين، عن مائة وعشرين ـ رضي الله عنه ـ.
وعمرو بن الحمق الخزاعي ـ رضي الله عنه ـ أحد خواص الوصي ـ صلوات الله عليه ـ الشاهد جميع مشاهده، وكان رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال له: ((ياعمرو، أتحب أن أريك آية الجنة)).
قال: نعم يارسول اللَّه.
فمر علي بن أبي طالب، فقال: ((هذا وقومه آية الجنة)) رواه السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقات.
قال في سياق خبره: ثم كتب معاوية في طلبه.
إلى قوله: عن رفاعة بن شداد البجلي، وكان مؤاخياً لعمرو بن الحمق، أنه خرج معه حين طُلِبَ فقال: يارفاعة، إن القوم قاتلي؛ إن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبرني أن الجن والإنس تشترك في دمي.
إلى قوله: فما أتم حديثه حتى رأيت أعنة الخيل، فودعته، وواثبته حية فلسعته، فأدركوه فاحتزوا رأسه؛ فكان أول رأس أهدي في الإسلام.
استشهد بالموصل عام [51] أحد وخمسين ـ رضي الله عنه ـ.
وغيرهم ممن يطول ذكرهم، ويشق حصرهم؛ وإنما هذه العصابة المرضية، وجوههم، من صحابة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم /224
أجمعين ـ وكذا أعيان التابعين لهم بإحسان، وتابعي التابعين إلى يوم الدين؛ فكل هؤلاء روافض لتقديمهم إمام المتقين.
وكذا جميع المؤمنين شيعة؛ لمحبتهم سيد الوصيين، وأخا سيد النبيين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ الذي حبه إيمان، وبغضه نفاق، على لسان سيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكلا الطائفتين مجروح في عدالته، مقدوح في روايته، على قول هؤلاء؛ فقد عاكسوا ماقضى الله تعالى به، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وضادوا حكمه ـ عز وجل ـ حيث حكم بأن حبه إيمان، وبغضه نفاق، فلم يبق على قَود مصطلحهم مرضي العدالة، مقبول الرواية، إلا طوائف الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ومن تبعهم من المضلين.
أفيدين بهذا من يؤمن بالله، ورسوله، وكتابه، واليوم الآخر، من المسلمين؟!.
كلا والله؛ إن ذلك هو الضلال المبين، والخذلان اليقين، والانسلاخ عن الدين؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
هذا، وقد قدمنا ماأشار إليه بعض أئمة العترة (ع)، من اللوازم التي تلزمهم، مما لا محيص لهم عنها، ولامخلص لهم منها، ونعود إلى تمامه.
قال (ع) في سياق ذلك البحث: ثم إن حديث ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، أورده الذهبي في الميزان، عن شريك قال: بإسناد كالشمس.
وروى معناه السيوطي في الدر المنثور قال مالفظه: وأخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبدالله، كنا عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقبل علي (ع) فقال: ((والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)) ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة].
فكان أصحاب النبي /225
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إذا أقبل علي، قالوا: جاء خير البرية.
وأخرج ابن عدي، وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً: ((علي خير البرية)).
وأخرج ابن عدي، عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي: ((هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين)).
وأخرج ابن مردويه، عن علي (ع) قال: قال لي رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ألم تسمع قول اللَّه: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)} [البينة]، أنت وشيعتك؛ وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جثت الأمم للحساب، تُدْعون غراً محجلين)). انتهى.
وأخرج ((علي خير البشر، من شك فيه كفر)) في كنوز الحقائق، عن أبي يعلى.
وأخرج أيضاً: ((علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة)) عن الديلمي.
وأخرج أيضاً ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، عن الخطيب البغدادي.
وهذا الخبر ـ أعني علياً خير البشر إلخ ـ قال شارح كتاب الدعامة: إن شيخه يرويه بإحدى وسبعين طريقاً.
وأورده محمد بن سليمان الكوفي مسنداً في مناقبه بطرق ذكرها. ورواه الكنجي.
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني أحاديث كثيرة في حديث ((علي خير البرية)) مرفوعة وموقوفة.
نعم، قال: فإذا صحّ أن علياً خير البشر، والبرية.
إلى قوله: فما بقي إلا أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فَضّل علياً، وأثنى عليه، وعلى شيعته، وأتى بما يخالف اصطلاح أهل السنة، ولزمهم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رافضي غال، إلى آخر كلامهم الفضيع. انتهى.
قلت: وكتاب اللَّه، وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مصرحان ناطقان، وشاهدان صادقان، بأفضلية إمام المتقين، وتقديم سيد الوصيين، /226
وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ مما أجمع عليه جميع الخلائق، واتفقت الأمة على نقله من جميع الطرائق، ولزمت حجة الله تعالى به كل موافق ومشاقق.
[إقرار حفاظ السنية بأنه لم يرد في غير علي مثلما ورد فيه]
وقد أقرّ حفاظهم لما بهرهم مارووه في إمام الأبرار، وسيد الأخيار، وقسيم الجنة والنار، غير ماورد مما يعمّ جميع العترة الأطهار، عترة الرسول المختار، وصفوة الملك الجبار ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ؛ فقالوا: ماجاء لأحد ماجاء لعلي من الفضائل، ولم يرد في حق أحد من الصحابة ماورد فيه.
ولكن هؤلاء المخذولين لايعتمدون على بيان، ولايعولون على برهان؛ ومن لم يجعل اللَّه له نوراً فماله من نور، إنها لاتعمى الأبصار؛ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
[الإقرار بحق أهل البيت (ع) باللسان والمخالفة في العمل]
قال بعض علماء العترة (ع): إني لأكثر التعجب ـ وماعشت أراك الدهر عجباً ـ من رجل عالم بمصادر الأمور ومواردها، وكيفية الاستدلال ومقاصدها، ودلالات الألفاظ على معانيها، وتراهم وهم كثير، يوردون ويروون عن اللَّه ـ عز وجل ـ، وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، تلك الأدلة والنصوص، والقواطع في حق أهل البيت ـ عليهم الصلاة والسلام ـ على الخصوص، بما لايمكن دفعه لفظاً ولامعنى، ولا سنداً ولامتناً؛ حتى إذا استنتجت منهم فائدتها، وطلبت منهم عائدتها، بوجوب اتباعهم ـ الذي هو مقتضاه ـ في علم أو عمل، أنكر وبرطم، ولوى عنقه وتجهّم، وإن ذكرت عنده خلافتهم رآها نكراً، أو رأى من يتابعهم في مقالة أو مذهب عدّه مبتدعاً، أو سمع بقراءةفي كتبهم ومؤلفاتهم اتخذها هزؤاً ولعباً.
فما أدري مابقي لهم من معاني تلك الأدلة والنصوص؟ وأي فضل ترك لهم على الناس؟ إذ أوجب عليهم أن يكونوا تبعاً، والله قد جعلهم متبوعين، ومؤخرين والله قد جعلهم مقدمين.
وأجِلِ النظرَ فيما تجده في كتب كثير من محدثي العامة، وفقهائها، فلا تلقاها إلا على هذا النهج، ماذاك إلا لإرادة اللَّه ـ عز وجل ـ إظهار الحق، على ألسنتهم وأيديهم، حجة عليهم، وإن راموا إنكارها /227
قلت: فقد صار الأمر في حالهم ماقصه الله تعالى من أمثال قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل:14].
[السبب الرئيسي للميل عن العترة]
وأصل كل ضلالة وفتنة، ومنبع كل فُرقة ومحنة، في هذه الأمة والأمم السابقة، اتباع الأهواء، والإخلاد إلى الدنيا، ومحبة الترأس على الأحياء، فإنه لم يستقم الملك للملوك العاتية، والجبابرة الطاغية، إلا بمخالفة أنبياء الله وكتبه، ومباينة أوليائه وأهل دينه، كما قصه الله في كتابه، وعلى ألسنة رسله.
ولم تتم لعلماء السوء الرئاسة منهم، والتقرب لديهم، ونيل حطام دنياهم، إلا بتقرير ماهم عليه، وتأييد مامالوا إليه.
وقد عَلِمَ كل ذي عِلْم، وفَهِمَ كل ذي فَهْم، ماجرى لأهل بيت النبوة في هذه الأمة، ومافعله ملوك الدولتين الطاغيتين مع العترة المطهرة، وما ساعدهم به علماء السوء، وفقهاء الضلال، من اتباع أهوائهم على كل حال، ورفض أهل بيت نبيهم، وطرح مايدينون به من دين ربهم؛ حتى غيروا معالم دين اللَّه، وافتروا على اللَّه، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لترويج مايَهْوَوْنه من الصد عن سبيل اللَّه في الأفعال والأقوال؛ كل ذلك معارضة للآل، ومخالفة لما أمرهم به في شأنهم ذو الجلال.
وقد قصد ملوك السفيانية، والمروانية، والعباسية، استئصال السلالة النبوية، وإبادة الذرية العلوية، وإزالتهم عن وجه البسيطة بالكلية، وأبلغوا مجهودهم في طمّ منارهم، وطمس أنوارهم، فأبى اللَّه تعالى لهم ذلك، وغلبهم على ماهنالك؛ كيف وهم قرناء الكتاب، والحجة على ذوي الألباب، والسفينة المنجية من العذاب، والثقل الأصغر، الذين خلفهم الرسول مع الثقل الأكبر في الأرض، ولن يفترقا إلى يوم العرض؟!؛ يريدون أن يطفئوا نور اللَّه /228
بأفواههم، ويأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وتهافت في أثر الملوك الجبارين، والعلماء المضلين، الذين حذر عنهم سيد المرسلين، الأتباعُ من العوام، والهمج الرعاع من الطغام، أتباع كل ناعق، وسيقة كل سائق، وركضوا في ميادين الدول، كما وصفهم اللَّه عز وجل: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الفرقان:44]، وهم الجم الغفير، والجمع الكثير، وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل اللَّه، وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين؛ فعظمت الفتنة، واشتدت المحنة، وتمت الفرقة المنهي عنها في الكتاب المبين، وعلى لسان الرسول الأمين.
وحجج الله تعالى واضحة المنهاج، بينة الفجاج، ودينه قويم، وصراطه مستقيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة وإن اللَّه لسميع عليم.
وهذا مع ماتقدم معظم ماخالفوا فيه أهل بيت نبيهم من العقائد، وإليك النظر أيها المطلع المتبع لكتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إن كنت عن طريق الحق غير حائد، ولا لضروري المعقول والمنقول بجاحد، لتنظر أي الفريقين أهدى سبيلاً، وأي الطائفتين أقوم قيلاً، وأبين دليلاً.
والمقصود بالخطاب أرباب النظر والاعتبار، من ذوي الأبصار؛ إنما يتذكر أولو الألباب.
فأما من أعمى بصائرهم الهوى، وأعشى أبصارهم الردى، من طائفتي المتمردين والمقلدين، الذين أَلْفَوا آبائهم ضالين؛ فليسوا بمقصودين؛ إنك لاتسمع الموتى ولاتسمع الصم الدعاء إذا ولّوا مدبرين،/229
وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون.
ومالم نورده من الدلائل، فللإحالة على ماقرره علماء الأمة، وحرره في علم الأصول أعلام الأئمة، في جميع المسائل.
[الأمور التي نقم بها أهل الحق على أعدائه:(1)ـ التشبيه (2)ـ قدم القرآن (3)ـ نفي الحكمة (4)ـ الجبر]
فأقول، وبتسديد الله وبتوفيقه أصول: إن مما نقمه طائفة التوحيد والعدل، من آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن دان بدينهم من علماء المعقول والمنقول، على سائر فرق الأمة من العامة مجموعَ أمور من الأصول:
الأول: التشبيه للطيف الخبير، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
فمنهم من تكلم به صراحة، من الحشوية، والمجبرة، والروافض، وصنّفوا فيه، وحققوه؛ ومنهم من أُلزم بذلك إلزاماً، كالمثبتين للرؤية.
ولقد أحسن الزمخشري حيث يقول:
وجماعة سمّوا هواهم سنّة .... وجماعة حمر لعمري موكفهْ
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا .... شنع الورى فتستروا بالبلكفهْ
الثاني: اعتقادهم أن كلام الله تعالى، قديم مع الله تعالى؛ بل قالوا بإثبات سبع صفات قديمات، وهي المعاني على زعمهم: القدرة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة.
والقائلون بهذا الأشعرية، ومن وافقهم.
قال بعض علماء آل محمد (ع): فأما مقالة الأشعرية في إثبات هذه المعاني السبعة وأنها قديمة، وأن الذات هي الثامنة؛ فإنها زائدة على مقالة /230
النصارى، الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، بزيادة بينة؛ لأن الثمانية أكثر من الثلاثة إلخ.
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ ولقد تهالكوا أشد التهالك في القول بقدم القرآن، وتكفير من يقول بأنه مخلوق لله تعالى بلا حجة ولا بيان.
أما طغام الحشوية، فلم يبالوا بالافتضاح بين البرية، وقالوا بقدم المتلوّ في المحاريب المكتوب في المصاحف علانية.
وأما الأشعرية، فعدلوا كما هي عادتهم في التمويه واللبس، إلى إثبات الكلام النفسي، وأنه لله تعالى صفة قديمة أزلية، فخرجوا عن المعقول وموضوعات اللغة العربية؛ وقد أقيم عليهم البرهان، وأن كلامهم في غاية البطلان، في الكتب الأصولية.
الثالث: إطباقهم على نفي الحكمة عن جميع أفعال الحكيم العليم، واعتقادهم أنه يفعل الأشياء لالحكمة وصواب، فخالفوا بذلك أحكام العقول ومحكم الكتاب، والمعلوم أن كل فعل لا لحكمة فهو عبث؛ وأفعاله ـ جل وعز ـ عندهم كلها من هذا الباب، وحرف ذووا الزيغ والتحريف من متكلميهم ـ لتلفيق ذلك المعتقد السخيف ـ كلامَ الحكيم اللطيف.
قال الرازي: إنهم يتأولون كل لام في القرآن ظاهرها الغرض؛ لأنه تعالى لا يفعل كذا لكذا. انتهى.
فكم من آية في الكتاب المبين حرّفوها، ودلالة في الذكر الحكيم صرفوها؛ فهذا صريح الرد لكلام أحكم الحاكمين.
قال ـ سبحانه وتعالى، وهو /231
أصدق القائلين ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء] {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون] {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)} [الدخان].
وكم كرر العزيز الحكيم العليم؛ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟!.
[شيء من عقائد الأشعرية الباطلة]
ولقد كثرت المغالطة من أشعرية المجبرة، في أكثر مسائل الأصول، لما لم تستقم لهم على قود مذاهبهم الردية مسالك المعقول، فأوقعهم ذلك في الاضطراب والمناقضة، ولم يزالوا في ملاوذة ومعارضة، حتى مال من لا عرفان له بمراوغتهم، إلى الحكم بموافقتهم، وليس كذلك، وأنّى له بذلك.
فمما ناقضوا فيه: تعريفُهم للمعجز بأن الله تعالى أنزله لتصديق الرسل.
قال بعض العدلية: ودعوى العضد، أنهم يقولون بالمصالح تفضلاً يرده تصريحهم في الأصول، بأن تعليل أفعاله تعالى بالحكم محال؛ لأنه يكون مستكملاً بالغير وهو محال؛ ومناقضة بعضهم في كلامه في الكلام والأصول ـ عجيبة. انتهى. /232
وقال السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير: إذا تكلموا بالفطرة، أقروا بالحكمة، وإذا ذكروا المذهب جحدوا. انتهى.
وقد قال الرازي: لايمكن الحكم بصحة ماجاءت به الأنبياء، إلا على أصول المعتزلة. انتهى.
فهذا كلام محققهم؛ فهل يرتضي عاقل لنفسه أن يذهب إلى مذهب لايمكنه معه تصحيح دينه؟!.
إن ذلك لغاية العجب؛ وقد شهد الرازي على إمامهم الأشعري، بتناقض قواعده.
وقالوا: إنه جل وعلا لايقبح منه قبيح، فجوزوا أن يقع من الغني العليم الحكيم ـ سبحانه وتعالى ـ فعل جميع القبائح، ولم ينزهوه ـ عز وجل ـ عن ارتكاب شيء من الفضائح، وسدوا على أنفسهم تصديق الشارع، ولم يبق لديهم طريق إلى إثبات شيء من الشرائع؛ إذ لامانع من أن يكون كلامه ـ سبحانه ـ عندهم كذباً، وأن يظهر المعجز على يد الكاذب، ومغالطة بعضهم بأن ذلك صفة نقص لاتنفعهم؛ وقد تحيّر محققوهم في هذا المقام، وأقروا بتهافت الأقدام.
قال العضد في المواقف، والشريف في الشرح: واعلم أنه لم يظهر لي فرق بين النقص في الفعل، وبين القبح العقلي فيه؛ فإن النقص في الأفعال هو القبح العقلي بعينه فيها؛ وإنما تختلف العبارة دون المعنى، فأصحابنا المنكرون للقبح العقلي، كيف يتمسكون في دفع الكذب عن الكلام اللفظي، بلزوم النقص في أفعاله تعالى؟ إلخ ماذكره ابن الإمام (ع) في الهداية.
وقال الجويني: لايمكن التمسك في تنزيه الرب ـ جل جلاله ـ عن الكذب لكونه نقصاً؛ لأن الكذب عندنا لايقبح لعينه. انتهى.
أي: إنما يقبح لنهي الشارع عنه عندهم؛ لنفيهم الحسن والقبح عقلاً.
وقال صاحب التلخيص: الحكم بأن الكذب نقص؛ إن كان عقلياً، كان قولاً بحسن الأشياء وقبحها عقلاً، وإن كان سمعياً لزم الدور. انتهى.
وقال بعضهم: لايتم استحالة النقص على الله تعالى، إلا على رأي /233
المعتزلة، القائلين بالقبح العقلي.
حكاه ابن الهمام في المسايرة، وشارحه المقدسي في المسامرة، وقد تقدم كلام الرازي.
وقالوا: لاحكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، فلا حسن ولا قبح للأفعال قبل ورود الشرع؛ ولو عكس الشارع فحسن ماقبح، وقبح ماحسن، لم يكن ممتنعاً.
[رجوع الشريف، والغزالي إلى التوحيد والعدل]
وقال الغزالي ـ وقد كان من رؤوسهم إلا أنه قد صحّ رجوعه، ورجوع المحقق الشريف إلى القول بالتوحيد، والعدل، والدخول في زمرة الزيدية الهادية المهدية، أشياع العترة الزكية؛ أما الشريف، فهو الذي يحق لمنصبه المنيف؛ وأما الغزالي، فمثله في علمه من يتنزه عن ذلك المذهب السخيف، والله ولي التوفيق ـ مالفظه: إن الأشعرية قدحوا في الحكمة بأسرها، فكان ماذهب إليه المعتزلة أهون. انتهى من النبراس.
وقال فيه ناقلاً عن بعضهم: وحسبك بمذهب فساداً، استلزامه جواز ظهور المعجزات على يد كاذب، واستلزامه جواز نسبة الكذب إلى أصدق الصادقين، وأنه لا يقبح منه تعالى، واستلزامه جواز التسوية بين التثليث والتوحيد في العقل؛ وأنه قبل ورود النبوة لا يقبح التثليث، ولا عبادة الأصنام، ولا تشبيه المعبود، ولايقبح شيء من أنواع القبائح أصلاً؛ وقد التزم النفاة ذلك.
إلى قوله: وأنه لافرق قبل السمع بين ذكر الله، والثناء عليه، وحمده، وبين ضد ذلك، وبين شكره بما يقدر عليه العبد، وبين ضده، ولابين الصدق والكذب، والعفة والفجور، والإحسان إلى العالم والإساءة إليه بوجه ما، وأن التفريق بالشرع بين المتماثلين من كل وجه؛ وقد كان تصور هذا المذهب كافياً في العلم ببطلانه، وأنه لايتكلف رده، ولهذا رغب عنه فحول النظار من الطوائف كلهم.
إلى قوله: وكذا الإمام أسعد بن علي الزنجاني، بالغ في إنكاره على أبي الحسن الأشعري، القول بنفي التحسين والتقبيح، وأنه لم يسبقه إليه أحد، وكذا أبو القاسم الراغب، وأبو عبدالله الحليمي، وخلائق /234
لا يُحصون؛ وكل من تكلم في علل الشرع، ومحاسنه، وماتضمنه من المصالح، ودرء المفاسد، لايمكنه إلا بتقرير الحُسْن والقبح العقليين.
إلى قوله: ومنه يعلم مجازفة ابن حجر المكي، في فتاويه الصغرى.
إلى قوله: وإنها ـ أي قاعدة الحُسْن والقُبْح ـ لو بطلت لبطل القياس، وانهار الأساس.
حتى قال: فإن العضد ـ وناهيك به ـ لما بلغ إلى القياس في شرح أصول ابن الحاجب اضطرب، وبعد وقرب، حتى وقع في مناقضة المذهب.
وكذا من هو أكبر منه في فن الكلام، كالبيضاوي في المنهاج، وكفى به، وكذا من دونهما، كالسبكي في جمع الجوامع، والمحلي في شرحه، والقاضي زكريا في لبه وشرحه، فمن شاء أن يراجعها فليراجع.
وإنما يقولون بأفواههم ماليس في قلوبهم.
إلى قوله: وكم وكم لهم من جنس هذا الصنيع؛ وليست هذه المناقضة بأغرب من التصميم على مناقضة القرآن العظيم، فإن قولهم: لو عكس الشارع القضية ـ كما قال المعترض ـ فقَبّح ماحسنه، وحَسّن ماقبحه، لانقلب الأمر ـ مناد بخلاف قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم] وكأنهم في هذا الخطاب وأمثاله هم المعنيون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفي لفظ {تَحْكُمُونَ } من هذه الآية الكريمة، إشارة جلية، إلى أن الأحكام العقلية، يفهمها كل من سلمت فطرته عن تغيير الجبرية.
انتهى المراد.
[الرابع من تلك الأمور، الجبر]
الرابع: اعتقادهم الجبر؛ فذو الجلال، هو ـ جل وعلا ـ عندهم الفاعل لكل ضلال، والخالق لكل عصيان وفسق وكفر، والقاضي بكل فساد، والمريد لكل غيّ وعناد، وأنه ـ جل وعز ـ خلق في عبده المعصية، وأرادها منه ونهاه عنها، ويعذبه عليها، وأنه تعالى ماخلق الكافرين إلا للكفر والعصيان، وأنه تعالى كره منهم البر والإيمان، وأنه تعالى كلّف العاصين /235
الطاعة، ومنعهم عليها الاستطاعة؛ تعالى الله الملك القائم بالقسط، العزيز الحكيم، الذي لايريد ظلماً للعالمين، ولايرضى لعباده الكفر، ولايحب الفساد.
وفي هذا القول إبطال جميع ماأنزل الله من الأمر والنهي، والوعد والوعيد؛ ولم يبقَ معنى لإرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وقد دان بذلك جميع الجبرية، من جهمية، وأشعرية، وسائر القدرية.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، في الشافي، في تعداد الفرق، وقد ذكر الجبرية، ومنهم الأشعرية.
إلى قوله: والأشعري بصري، وليس له سلف يرجع إليه.
إلى قوله: لأنه درس على أبي علي الجبائي، شيخ المعتزلة، وخالفه إلى مقالة المجبرة.
إلى قوله: بل أحيا مذاهب لجهم بن صفوان كانت داثرة، فحرّفها وصحّفها؛ ليبقى له أدنى مسكة من الإسلام؛ وقد حيل بينه وبين ذلك بالدليل.
ومما أحدثه: أنه تعالى مسموع، وأنه أسمع نفسه موسى.
وروي عنه: أنه يُدْرك بجميع الحواس؛ وأصحابه يطلقون أنه مسموع.
وكان يقول: إن علم الله، وقدرة الله، وحياته، وسمعه، وبصره، معان قديمة.
وما أطلق قبله أحد القول بأنها قديمة.
وزعم أن الكلام صفة الله تعالى شيء واحد، ليس بذي حروف ولا سور، وأنه التوراة والإنجيل والقرآن، وأن هذه الكتب المنزلة ليست بكلامه، ومايتلى ويكتب ويحفظ مخلوق، وليس بكلامه تعالى.
وزعم أن أمره ونهيه شيء واحد، والأمر بالصلاة هو الأمر بالزكاة، ولا يقدر على أنه يأمر وينهى ويخبر بشيء، ولا يصح أن يأمر بأكثر مما أمر.
وزعموا أن كلامه لم يسمع قط، وأنه لم يزل يخاطب موسى: ياموسى؛ ويخاطب آدم: اسكن أنت وزوجك الجنة.
وزعم أن أهل الجنة يرون الله لافي جهة، غير منفرد منهم، ولاخارج من أجسامهم؛ وذلك يوجب أنهم يرونه في أنفسهم.
وزعم أنه تعالى يرضى الكفر ويحبه؛ ولم يوافقه أحد على ذلك.
وزعم أنه لو كَلّفَ /236
العاجز لَحَسُنَ، ولو كَلَّفَ جمع الضدين لَحَسُنَ، ويحسِّن تكليف مالايطاق، وأن الاستطاعة مع الفعل، وأن جميع الأوامر تكليف مالايطاق.
وزعم أنه لو عاقب الأنبياء على ذنوب الفراعنة، وأثاب الفراعنة على طاعات الأنبياء، لَحَسُنَ منه.
وزعم أن الثواب والعقاب ليسا بجزاء على الأعمال.
وزعم أن الفعل خلق لله كسب للعبد؛ وجوّز على الله الإلغاز والتعمية.
وزعم أنه لاصيغة للعموم؛ وأبطل أدلة الشرع.
وزعم أنه لانعمة لله على الكافر.
وزعم أنه لايقبح شيء عقلاً، ولايحسن عقلاً، ولو حسَّن الكذب وكل القبائح جاز، ولو أظهر المعجز على كذاب جاز.
وزعم أنه يفعل لالغرض.
وزعم أنه يضل عن الدين، وأنه يخلق الكفر في الكافر، ويمنعه الإيمان وقدرة الإيمان، ثم يعاقبه عليه.
وزعم أن اليد، والجنب، والوجه صفات، وأن الاستواء على العرش صفة، وأنه يجوز له أن يُؤْلم أنبياءه وأصفياءه، والأطفال والمجانين، من غير عوض.
إلى قوله: وغير ذلك من المذاهب، التي يطول تفصيلها؛ ولم يكن له في زمانه سوق، وفشا مذهبه بعده.
ولا شك أنه قفا قريبه أبا موسى، في كيد الإسلام وإذهابه؛ وأكثر أقواله هذه غير معقولة، لاتقبلها العقول السليمة.
إلى آخر كلامه (ع).
[تمويه الأشعرية بالكسب]
هذا، وأما تمويه الأشعرية بالكسب، فراراً على زعمهم من لوازم الجبر، فلا معنى له؛ بل مذهبهم عين مذهب الجبر، فالكسب كما قالت العدلية: أمر لاتحقق له.
وعباراتهم تفيد محض كلام الجبرية؛ فقد فسروا الكسب بما يرجع إلى المحلية، وجعلوا العبد محلاً لما يخلقه الله ويوجده ـ على زعمهم ـ فيه من الأفعال؛ وليس العبد عندهم بموجد لطاعته، ولا معصيته، ولا قدرة له مؤثرة في شيء من الأعمال.
وقد اعترف محققوهم بفساد ماتستروا به من الكسب؛ وإليك نصوصهم في ذلك المقال.
صرح الجويني في مقدمات البرهان، بأن الكسب تمويه؛ بل لو سئلوا عن كل جزء من أجزاء الفعل، فإن كان من الله فهو الجبر، وتعطل معنى الكسب، /237
والجزء الاختياري، وإن كان من العبد فهو مذهب أهل العدل؛ فليس لهم جواب عن هذا السؤال، إلا بالجبر أو العدل، وما زادوا على تفسيره بالمحلية، وماخرجوا عن زمرة الجبرية.
قال بعض العدلية: الأشاعرة تحيروا، وحيروا أتباعهم، وصاروا يوهمون أنهم على شيء، وأنهم متمسكون بذَنَب الحق؛ وهم في طرق الضلال، وعجزوا عن التعبير عن هذا الخيال، وهم في الباطن معترفون بأنهم في حومة الإشكال.
قلت: ومعترفون أيضاً في الظاهر، كما تعرفه من الأقوال.
قال: ألا ترى أن التفتازاني، وهو من أشدهم في نصرة الأشعري، ولو بمجرد الجدال، قد اعترف بصعوبة إيضاح معنى الكسب.
وقال الغزالي: لا تُعْرف مسألة الكسب، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال ابن عربي: مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها ولم أعرفها.
ثم اعترف بالجبر.
حتى قال: والذي أظنه أن الأشعري، إنما قال بالكسب، مع معرفته أنه ليس تحته مسمى، تستراً عما يلزم الجبر من اللوازم..إلخ.
أفاده في الاحتراس.
قال بعضهم: ومن العجائب: إصرارهم على دعوى الكسب، مع عدم عثورهم على ماهيته، قرناً بعد قرن، منذ عصر الشيخ أبي الحسن ـ أي: الأشعري ـ إلى تاريخنا، وقد تعب من تعب منهم، في البحث عن حقيقته، وأفنى عمره في طلب معرفته، فلم يجد مايشفي، وكأنهم يلتمسون محله، الذي واراه فيه الشيخ الكبير، ويظنون بأنفسهم القصور أو التقصير، وهم في هذا التعب والشقاء، ولم يعلموا أن الشيخ إنما دفنه تحت بيضة العنقاء. انتهى.
قال ـ أيده الله ـ تعالى في تخريج الشافي: ومع هذا فهم يقولون: يُمْدَحُ الفاعل ويُذَم، كما يُمْدح صاحب الجمال، ويُذَمّ المبروص.
قاله الكِرماني في /238
شرح البخاري.
ونسوا أن الحمد لا يكون إلا على الجميل الاختياري، وكذا اللوم.
وقال الكرماني: فإن قلت: فلمَ يحكم بأنه يثاب ويعاقب؟.
قلت: لأنه علامة لهما.
فانظر إلى جعلهم الوعد والوعيد، إنما هما علامة الثواب والعقاب، كالرعد والبرق علامة للمطر؛ وهذا محض الجبر؛ ولم يلتفتوا إلى الاعتذار بالكسب، وإن عدلوا إليه عندما يلزم من القول الشنيع، إنما هو تستر وتمعذر، بما لاحقيقة له.
وقال الرازي في مفاتيح الغيب، بعد ذكر إشكالات واردة على المجبرة: فإن قال قائل: هذه الإشكالات إنما تلزم على من يقول بالجبر، وأنا لاأقول بالجبر، ولابالقدر؛ بل أقول: الحقُّ، حالة متوسطة بين الجبر والقدر، وهو الكسب.
فنقول: هذا ضعيف؛ لأنه إما أن يكون لقدرة العبد أثر في الفعل، على سبيل الاستقلال، أو لايكون، فإن كان الأول فهو كمال القول بالاعتزال، وإن كان الثاني فهو الجبر المحض؛ والسؤالات المذكورة واردة على هذا القول، فكيف يعقل حصول الواسطة؟ انتهى.
ومما يدل على فساد مذهب الجبرية، أن النقاد منهم رجعوا عنه في آخر أيامهم، كالغزالي ـ روى ذلك في مطلع البدور ـ والفخر الرازي ـ روى ذلك الإمام عز الدين بن الحسن ـ والسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني.
قال بعض العدلية: بلغنا ذلك بالسند الصحيح، وهو اللائق بفطنته وهمته العلية. انتهى.
قلت: ماذكره ـ أيده الله ـ تعالى من رجوع مَنْ ذكر؛ فأما الشريف، والغزالي ـ رحمهما الله تعالى ـ، فقد سبقت الإشارة إلى رجوعهما؛ والعدلي الذي روى رجوعه إلى مذهب أهله من آل محمد (ع) هو العلامة المحقق، إسحاق العبدي ـ رحمه الله ـ في إبطال العناد؛ وأما الرازي، فقد ذكر غيره ـ حماه الله تعالى ـ رجوعه.
وما أرى إلا أنهم قصدوا بذلك ماحكاه الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج، وهو /239
مالفظه: قوله: وقال المدعون للتحقيق منهم ـ أشار به إلى الجويني، وتلميذه الغزالي، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وابن الخطيب الرازي، وهؤلاء من متأخريهم؛ وهم المشاهير من علماء المذهب واتفقوا على إنكار الكسب، وتجهيل القائلين به، وأن حدوث أفعال العباد من جهتهم؛ لكنهم ذهبوا إلى أن القدرة موجبة لمقدورها، عند الدواعي، وقالوا بأنها صالحة للضدين، لكن يجب أحدهما عند حصول الداعي؛ هكذا حكاه بعضهم..إلى آخر كلامه.
وهذا كما ترى إنما يفيد عدم قولهم بالكسب.
وأما الجبر فلم يخرجوا عنه بهذا؛ لتصريحهم بإيجاب القدرة، ووجوب الفعل، وهو عين مذهب الجبر، وقد تكرر نقل الإمام عز الدين بن الحسن (ع) عن الرازي، مايفيد استمراره على مذهب الجبرية، وإصراره على تلك المقالات الفرية؛ بل حكى تكفيره عمن لايكفر سائر القدرية.
[تكفير الإمام يحيى بن حمزة للأشعري والرازي والمجسمة]
قال (ع) في المعراج في سياق الكلام في إنكارهم النعمة على الكافر، مانصه: ممن صرح بذلك الرازي.
إلى قوله: قال بعض أصحابنا: ولقد ارتكب عظيماً من الضلال؛ فإن المعلوم بضرورة الدين أن إنزال الكتب، وإرسال الرسل، نعمة على المؤمن والكافر، وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء].
فإنكار النعمة الدينية على الكافر، إنكارٌ لما عُلِمَ ضرورة من الدين، وَرَدّ للقرآن، وهذا كفر شنيع، من أوضح الكفر.
ولهذا فإن الإمام يحيى بن حمزة (ع) مع بُعْده عن التكفير، كَفَّرَ القائل به أبا الحسن الأشعري، والرازي ابن الخطيب، ولم يكفر من أهل القبلة إلا هؤلاء، والمجسمة المصرحين بالأعظاء لفظاً ومعنى. انتهى.
وقال (ع) في المعراج بعد أن حكى مقالة الأشعري (إنه لانعمة لله على الكافر لا في الدين، ولا في الدنيا) ما لفظه: قال الإمام يحيى: وهذه مقالة /240
شنيعة، ومذهب منكر، لا يقول به من وقر الإسلام في صدره، وهو كفر صريح، فنعوذ بالله من الجهل، المؤدي إلى الخذلان؛ وكيف يمكن إنكار نعمة اللَّه على الخلق؟! ولا يمكن حصرها وعدها؛ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } [إبراهيم:34]، فإذاً لاعذر له في هذه المقالة إلا الرد والتكذيب، لما هو معلوم بالضرورة من الدين؛ ولاتعريج على التأويلات الباردة، التي لابرهان ينطق بها، ولايدل عليها؛ ولو ساغ في هذا تأويل، لساغ للباطنية وغيرهم من الفرق الخارجة عن الإسلام تأويلاتهم.
إلى قوله، حاكياً عن الإمام يحيى (ع): وإنما العجب من ابن الخطيب الرازي، حيث صوبه على هذه المقالة، وتابعه على ركوب غارب هذه الجهالة، من غير مخافة لله تعالى، ولا مراقبة للدين، ولا محاشاة لأهل الإسلام؛ ويدعي مع ذلك حذقاً وفطانة، وتبحراً في العلوم وكياسة، وقد ذكر هذه المقالة في تفسيره، ونزل كلام اللَّه الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، على منهاج الجبر، وقرره على قواعده، وحاشا لله وكلاّ، أن يشير كلام اللَّه إليه، أو يدل بظاهره ومفهومه عليه، ولو بعث نبي مرسل على تصديق الجبر، لكان ذلك عندي قدحاً في معجزته.
قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): ولله در الإمام يحيى! لقد سَلّ سيف الانتصار للعدل وأهله، وأتى في ذلك بما يشهد بغزارة علمه ووفور فضله. انتهى.
فهذا وغيره يدلك أنه عند الإمام عز الدين (ع) الذي حكوا عنه رجوعه عن ذلك المذهب، وإنما التبس عليهم الكلام؛ نسأل الله تعالى حسن الختام، ونعوذ به من سوء المنقلب /241
[القدر، والأحاديث الواردة في القدرية، أدلة أنهم المجبرة، مخرجوا ذلك]
هذا، ومن تحريفهم وزيغهم، ورميهم بدائهم لأعدائهم، تسميتهم لأهل التوحيد من العدلية بالقدرية، كما أشار إليه الرازي في قوله: وأنا لاأقول بالجبر، ولابالقدر.....إلخ.
وقد اتفقت طوائف الأمة على ذمّ القدرية؛ لما ورد فيهم من كونهم مجوس هذه الأمة، على لسان خير البرية، وهم فريق الجبرية؛ لأنهم الذين يقولون: أفعال العباد بقدر اللَّه وخلقه، وهو الفاعل لها، ولا اختيار لهم فيها؛ ومنها معاصيه جل وعلا.
والعدلية تنفي ذلك عن اللَّه تعالى، وتنزهه ـ سبحانه ـ.
والنسبة في لسان العرب من الإثبات لامن النفي، كهاشمي لمن انتسب إلى هاشم، وثنوي لمن قال بالاثنين، وجبري لمن دان بالجبر، وغير ذلك كما هو معلوم.
وللمجبرة بهذا اللفظ لَهَجٌ كبير، كما قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): بحيث أنه مِن أحب الأشياء في ألسنتهم، فلا يأتي أحد بطاعة، أو معصية، إلا قالوا: هي بقضاء من اللَّه وقدر. انتهى.
ومن أكثر من ذكر شيء نُسِبَ إليه.
قال بعض أئمتنا (ع): قالت المجبرة: بل العدلية هم القدرية؛ لأنهم أثبتوا للعبد قدرة.
قالت العدلية: فالنسبة إليه قُدْرِيٌ (بضم القاف).
قالوا: هو من تغييرات النسب.
قالت العدلية: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) جاء في مقام التحذير منهم، والقول بمقالتهم، فلا ينبغي أن يكون كلامه مغيراً في هذا المقام، الذي هو من أخطر مقامات الضلال؛ لأنه يكون نوعاً من التلبيس.
إلى قوله: ثم إن المجبرة يلهجون بذكر القدر، فصحت النسبة إليهم، ولم يلهج العدلية بل يقولون: الطاعة والمعصية فعل العبد.
ألا تراهم يفزعون عند معاصيهم إليه، ويضيفون ذلك إلى اللَّه، فيقولون: قضاء /242
اللَّه، وقدره.
إلى قوله: ثم إنه قد صح عن المجوس، أنهم يقولون: إن اللَّه تعالى أراد منهم وطء الأمهات وشرب الخمور؛ وهذا عين مذهب المجبرة؛ وقد سبق لابن القيم أن المجبرة قدرية، ومذهبهم واحد.
ولانسلم مانسبه إلى العدلية، فقد شهدوا بذلك على أنفسهم؛ ثم إنهم لم ينظروا أنه لو صح مازعموا، أن النسبة لأجل إثبات قدرة للعبد، لَشَمِلَهم ذلك لقولهم للعبد قدرة غير مؤثرة. إلخ كلامه.
قلت: وما ورد من الذم للمكذب بقدر الله تعالى، فالمراد به كما قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: من نفى أفعال اللَّه عنه، وأن تكون بقضاء منه، وقدر.
قال المولى العلامة، الحسن بن الحسين ـ أيده الله ـ تعالى، في التخريج: أو على نفي القضاء والقدر، بمعنى العلم، والقول بأن الأمر أنف، أي: ليس ثمة كتابة ولا علم، ويكون إشارة إلى من يُجَهِّل الله تعالى، ويقول: لاعلم له بالحوادث، إلا بعد وجودها، وأنه تعالى يعلم الأشياء بعلم محدث.
قال النجري في شرح القلايد: إنه مذهب هشام بن الحكم من الروافض، وجهم بن صفوان من المجبرة.
ومثل ماذكره النجري، ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج. انتهى.
وهذه الفرقة الضالة المبتدعة، قد استوفى الكلام على بطلان قولها، وبيان أهلها ـ علماءُ الإسلام؛ وقد ذكروا انقطاع أربابها، والحمد لله رب العالمين.
نعم، وقد شبههم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالمجوس، وبينهم وبين المجبرة كمال المشابهة.
قال الحاكم ـ رضي الله عنه ـ في الرسالة: القدرية هم المجبرة لوجوه أربعة:
أحدها، أن هذا الاسم أخذ من القدر، وإنما يؤخذ من الإثبات، لا من العدم، كالموحد، والمشبهة، والمجسمة؛ وقد اختلفنا أن المعاصي بقدر الله أم لا، /243
فقلتم: بلى وقلنا: لا، فأنتم بالاسم أولى.
ثانيها، أنكم لهجتم بذكر القدر، في إضافة القبيح إليه؛ فنسبتم إليه كما يقال: تمري.
ثالثها، ماروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه سئل مَن القدرية؟؛ قال: ((قوم يعملون بالمعاصي، ثم يقولون قدرها اللَّه عليهم)).
ورابعها، أنه شبههم بالمجوس، ومذهب المجبرة عين مذهب المجوس؛ لأن المجوس يقولون: من يَقدِر على الخير، لا يَقدِر على الشر ـ قلت: وهو النور عندهم ـ ومن يقدر على الشر لايقدر على الخير ـ قلت: وهو الظلمة ـ.
قال: والمجبرة يقولون: من يقدر على الإيمان لايقدر على الكفر، ومن يقدر على الكفر لايقدر على الإيمان.انتهى المراد.
قلت: وهذا على قول بعضهم، بأن للعبد قدرة موجبة للفعل، ليس لصاحبها اختيار؛ والشبه الجامع لمذهب الجبرية، أن من يأتي من قبله الخير، يستحيل أن يأتي منه الشر، كالمؤمن، فإنه عندهم جميعاً غير متمكن من الكفر، والكافر على العكس.
وقال الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع): قد صحّ عند الجميع ماروي عن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((القدرية مجوس هذه الأمة)).
إلى أن قال: وقد صحّ أن المجوس يقولون في نكاح البنات، والأمهات: إنه بقضاء اللَّه وقدره..إلخ كلامه.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: الحديث أخرجه أبو داود، والحاكم عن ابن عمر.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة: المرجئة، والقدرية))، أخرجه الطبراني عن واثلة وجابر، وأبو نعيم عن أنس. /244
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي لايردان علي الحوض، ولايدخلان الجنة: القدرية، والمرجئة))، أخرجه الطبراني عن أنس.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية))، أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس، وابن ماجه عن جابر، والخطيب عن ابن عمر، والطبراني عن أبي سعيد.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتجالسوا أهل القدر، ولا تفاتحوهم))، أخرجه أحمد، وأبو داود، والحاكم عن عمر.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لُعنت القدرية على لسان سبعين نبياً)) أخرجه الدار قطني عن علي. انتهى.
أورد سعد الدين في شرح المقاصد، ماروي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في حديث القادم عليه من فارس فسأله: من أعجب مارأى؟
قال: رأيت أقواماً ينكحون أمهاتهم، وأخواتهم، فإن قيل لهم لم تفعلون ذلك؟ قالوا: قضى اللَّه علينا وقدر؛ فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((سيكون في آخر أمتي أقوام يقولون مثل مقالتهم أولئك مجوس)).
انتهى من إيقاظ الفكرة لابن الأمير. انتهى.
[إقرار ابن تيمية وابن القيم بأن المجبرة قدرية]
قلت: وقد أقر الشيخ ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، بأن المجبرة قدرية؛ مع محاولتهما لإخراج أنفسهما بما سبق من تمويههم بالكسب، على رأي الأشعرية.
قال بعض أئمتنا ـ رضي الله عنهم ـ: ومنها ماذكره هذا ابن القيم في ذمِّه من استدل بالقدر على الجبر، وهو أيضاً حجة عليهم، وحجة للعدلية؛ وقد رأينا نقله ليعرف أن بديهة عقولهم، تنكر مايؤول إليه مذهبهم.
قال مالفظه: وأما المقام الثاني، وهو مقام الضلال، والردى والهلاك، فهو الاحتجاج به ـ يعني بالقدر ـ على اللَّه، وحمل العبد ذنبه على ربه، وتنزيه نفسه الجاهلة الظالمة، والأمارة بالسوء، وجعل أرحم الراحمين، وأعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وأغنى الأغنياء، أضر على العباد من إبليس كما صرح به بعضهم، واحتج عليه بما خصمه فيه من تدحض حجته، ولاتطاق مغالبته، /245
حتى يقول قائل هؤلاء:
ألقاه في اليمّ مكتوفاً وقال له .... إياك إياك أن تبتلَّ بالماءِ
ويقول قائلهم:
دعاني وسد الباب دوني فهل إلى .... دخولي سبيل بينوا لي قضيتي
ثم ساق احتجاجات العدلية، وحكايات فضائح الجبرية.
ومنها قوله: وبلغ بعض هؤلاء أن علياً (ع) مر بقتلى النهروان فقال: بؤساً لكم، فقد ضركم من غركم.
فقيل: من غرهم؟.
فقال: الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، والأماني.
فقال هذا القائل: كان علي قدرياً، وإلا فالله غرهم وفعل بهم مافعل، وأوردهم تلك الموارد.
إلى قوله: وسمعته يقول ـ يعني ابن تيمية ـ: القدرية المذمومون في السنة، وعلى لسان السلف، هم هؤلاء الفرق الثلاث: نفاته، وهم القدرية المجوسية؛ والمعارضون به للشريعة، الذين قالوا: لو شاء اللَّه ماأشركنا، وهم القدرية المشركية؛ والمخاصمون به للرب سبحانه، وهم أعداء الله وخصومه وهم القدرية الإبليسية، وشيخهم إبليس، وهو أول من احتج على اللَّه بالقدر فقال: بما أغويتني.
قلت: وقد عنى بالأولى العدلية، وبالأخريين إخوانه الجبرية؛ وانظر إلى قوله هذا كيف أداه إلى المناقضة، والتوسط على زعمه بين الأقوال المتعارضة؟! والقصد بيان إقراره على نفسه؛ فقد أخرج الله تعالى الحق على لسانه؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
إلى أن قال: ولا ريب أن هؤلاء القدرية الإبليسية والمشركية، شر من القدرية النفاة؛ لأن النفاة إنما نفوه تنزيهاً للرب، وتعظيماً له أن يقدر الذنب، ثم يُلزم عليه ويعاقب العبد، على مالا صنع للعبد فيه البتة..إلخ.
فيقال: فما بال ذمهم أيها الشيخ على قول الحق؟ وإلى أي ملاذ لذت عن /246
الولوج في زمرة الثلاث الفرق؟ نعوذ بالله من الخذلان!.
قال الناقل لكلامه من أئمتنا (ع): قال بعض العدلية: وغير خاف عليك ماذهبت إليه الجبرية، وقد سبق، فلا حاجة إلى تكريره، فقد وقعوا فيما شنعوا، وذموا، وكفوك المؤونة في فساد قولهم وبطلانه، وصحة مذهب العدل ورجحانه.
وأما تسترهم بالكسب، فهو شيء لامعنى له؛ وقد سبق كلام الرازي، وهو فحلهم، وقد صرحوا بأن للعبد قدرة لاتأثير لها.
قالت العدلية: فلا فائدة فيها إذاً؛ بل لاتسمى قدرة رأساً. انتهى.
واعلم أن الجميع مجمعون على نفي القضاء والقدر، على معنى الأمر بالمعاصي، وعلى إثباته بمعنى العلم، والكتابة، والأمر بالطاعة.
قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): اتفق أهل القبلة على إثبات القضاء والقدر، في جميع أفعال العباد بمعنى العلم، والكتابة، واتفقوا على نفيه بمعنى الأمر بكل أفعال العباد.
إلى قوله: ولقولهم ـ أي العدلية ـ بثبوته بمعنى العلم والكتابة، منعوا أيضاً من إطلاق نفي كونها بقضاء اللَّه وقدره.
وأما المجبرة فلإثباتهم بمعنى الخلق، أجازوا إطلاق القول بأنها بقضائه تعالى وقدره..إلخ كلامه.
[قصة الشامي في القدر مع أمير المؤمنين (ع)]
قلت: وقد أبانه، وصرح به على مقتضى مادانت به العدلية في الوجهين، وأوضح من الفرقة الموسومة بالقدرية المجوسية من الفريقين، مع ماتقدم من الدلالات القاطعة، والبراهين الساطعة، إمامُ الموحدين، باب مدينة علم سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، المبين للأمة ما /247
اختلفوا فيه من بعد أخيه، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، في جوابه للشامي الذي سأله.
رواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي بإسناده إلى أمير المؤمنين علي ـ كرم اللَّه وجهه ـ وقد سأله الشيخ الشامي عن مسيره إلى الشام: أكان بقضاء وقدر؟.
فقال علي (ع): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ماقطعنا وادياً، ولاعلونا تَلْعَةً، إلا بقضاء وقدر.
فقال الشيخ: عند اللَّه أحتسب عنائي؛ ماأرى لي من الأجر شيئاً.
فقال علي (ع): بلى أيها الشيخ، قد عظم اللَّه لكم الأجر على مسيركم، وأنتم سائرون، وعلى منصرفكم، وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين.
فقال الشيخ: فكيف والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا؟.
فقال علي (ع) للشيخ: لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حتماً؛ لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد، والأمر من اللَّه والنهي، ولما كانت تأتي من اللَّه محمدة لمحسن، ولا مذمة لمسيء، ولما كان المحسن بثواب الإحسان أولى من المسيء، ولا المسيء بعقوبة الإساءة أولى من المحسن؛ تلك مقالة عبدة الأوثان، وجنود الشيطان، وخصماء الرحمن، وشهود الزور، وأهل العمى عن الصواب في الأمور، قدرية هذه الأمة ومجوسها؛ إن اللَّه أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرِهاً، ولم يرسل الرسل هزؤاً، ولم ينزل القرآن عبثاً، ولم يخلق السماوات والأرض، وعجائب الآيات باطلاً؛ ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.
فقال الشيخ: ماالقضاء والقدر، اللذان ماوطئنا موطئاً إلا بهما؟.
فقال (ع): الأمر من اللَّه والحكم.
ثم تلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } [الإسراء:23].
فنهض الشيخ مسروراً بما سمع، وهو يقول شعراً:/248
أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته .... يوم النشور من الرحمن رضوانا
أوضحت من ديننا ماكان ملتبساً .... جزاك ربك عنا فيه إحساناً
نفسي الفداء لخير الناس كلهم .... بعد النبي علي الْحَبر مولانا
نفى الشكوك مقالٌ منك متضح .... وزاد ذا العلم والإيمان إيماناً
فليس معذرة في فعل فاحشة .... يوماً لراكبها ظلماً وعدوانا
لا لا ولا قائل ناهيه أوقعه .... فيها عبدت إذاً ياقوم شيطاناً
انتهى.
قلت: وساق الرواية الأمير الناصر للحق، الحسين بن بدر الدين (ع)، في الينابيع بمخالفة يسيرة في بعض اللفظ، لاتخل بالمعنى.
ورواها القرشي في المنهاج كذلك، ولم يذكر إلا البيتين الأولين، وفيه مكان يوم النشور إلخ يوم الحساب من الرحمن غفراناً.
قال الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع) في المعراج: قد روي يوم النشور من الرحمن رضواناً، ويروى بعد البيتين اللذين ذكرهما المصنف نفسي.
ثم ساق الإمام (ع) الأبيات المتقدمة.
قال الإمام في المعراج بعد ذكر الرواية: وإن اسم الشيخ أزور بن ضرار؛ ففيها نص صريح على بطلان ماذهب إليه المجبرة، وبيان أنهم القدرية، وكلامه (ع) حجة. انتهى.
قال المولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي: وروى هذا الخبر الشيخ أبو الحسين البصري، في كتاب الغرر، عن الأصبغ بن نباتة، وفيه ذكر البيتين الأولين؛ ذكره شارح نهج البلاغة.
وأخرجه ابن عساكر، عن محمد بن زكريا العلابي ، عن عكرمة /249
قال: لما قدم علي من صفين قام إليه شيخ، فقال: أخبرنا عن مسيرنا أكان بقضاء وقدر؟..إلخ.
من شرح التحفة، وليس فيه ذكر الأبيات لكن النثر نحو ماهنا.
ورواه في نهج البلاغة بلفظ: ويحك، لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حاتماً، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد؛ إن اللَّه سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعص مغلوباً، ولم يطع مكرهاً، ولم يرسل الأنبياء لعباً، ولم ينزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً؛ ذلك ظن الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار. انتهى.
قال الرضي، من كلام طويل هذا مختاره: وقد ذكره المرتضى ـ أخو الرضي ـ في أماليه بطوله نحو مافي الأصل، وفيه ذكر البيتين الأولين.
ورواه الحاكم أبو سعيد، في جلاء الأبصار، بإسناده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، ورواه في كنز العمال. انتهى.
وروى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي بطرقه، عن أنس بن مالك، وحذيفة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((صنفان من أمتي لاتنالهما شفاعتي، لعنهما اللَّه على لسان سبعين نبياً: القدرية، والمرجئة)).
قيل: يارسول اللَّه، من القدرية؟.
قال: ((الذين يعملون بالمعاصي، ويقولون هي من قبل اللَّه)).
قيل: فمن المرجئة؟.
قال: ((الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل)).
وكذلك عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يكون في آخر هذه الأمة قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون: هي من اللَّه؛ الراد عليهم كالشاهر سيفه في سبيل اللَّه)).
وفي روايته الأخرى عن جابر قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي، ويقولون: هذا بقضاء اللَّه /250
وقدره؛ الراد عليهم كالمشرع سيفه في سبيل اللَّه)).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((سيكون في هذه الأمة قوم يعملون بالمعاصي، ثم يزعمون أنها من اللَّه، فإذا رأيتموهم فكذبوهم كذبوهم ثلاث مرات)).
قال (ع): ومن ذلك بهذا الطريق عن الحسن قال: قال رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لن يلقى العبد ربه بذنب أعظم من الإشراك بالله، وأن يعمل بمعصية، ثم يزعم أنها من الله تعالى)).
وروى (ع) عن أبي أمامة في خبر، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قال في آخره: ((ولاتحملوا على اللَّه ذنوبكم)).
وساق (ع) في ذلك أخباراً، وآثاراً كثيرة؛ وقد روى جملة مما رواه الإمام أئمتنا (ع)، وسائر علماء التوحيد والعدل ـ رضي الله عنهم ـ.
وممن بسط في ذلك الأمير الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن محمد (ع) في ينابيع النصيحة؛ قال فيها: وروينا عن السيد الإمام أبي طالب أنه روى بإسناده عن الحسن ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: إذا كان يوم القيامة، دعي إبليس وقيل له: ماحملك على ألا تسجد لآدم؟ فيقول: يارب، أنت حلت بيني وبين ذلك؛ فيقال له: كذبت؛ فيقول: إن لي شهوداً، فينادى أين القدرية، شهود إبليس وخصماء الرحمن؟ فيقوم طوائف من هذه الأمة، فيخرج من أفواههم دخان أسود، فيطبق وجوههم، فتسودّ؛ وذلك قول اللَّه تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ } [الزمر:60].
إلى آخر كلامه (ع).
ومما يدل دلالة قاطعة، لاسبيل إلى التردد فيها والمنازعة، على أن طائفة الجبرية، من الجهمية والأشعرية، هم المرادون بالمجوس القدرية أن أهل بيت محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جميعهم عدلية، يتوارثون العدل أباً عن أب، إلى أبيهم سيد الأوصياء، وابن عم سيد الأنبياء؛ معلوم ذلك من دينهم لجميع /251
الأمة المحمدية، وفي المثل السائر: العدل هاشمي، والجبر أموي.
ومعلوم أنهم المطهرون عن الرجس، والمفروضة مودتهم بنص الكتاب، والأمان من الضلال، والسفينة المنجية من العذاب، والمأمور بالتمسك بهم والتعلم منهم جميع أولي الألباب، ولم يزالوا يناظرون فرق الجبرية، ويقيمون الأدلة العقلية والنقلية؛ وتواتر هذا المعنى عنهم لايرتاب فيه عند طوائف البرية، ولم يشذ عن ذلك إلا من لايؤبه له، ممن تأخر زمانه، وغلب عليه مذهب أهل بلده، وضعفت همته عن النظر في طلب الحق، فدخل تحت أسر التقليد للمنحرفين عن العترة الزكية، وهو مسبوق بإجماع السابقين المعلوم، وليس بمتبوع ولامشهور؛ بل هو تابع لأهل الزيغ على غير بصيرة وفيهم مغمور؛ ولم يُعلَمْ معهم من المحققين، إلا الشريف الجرجاني، وقد ـ رجع بحمد الله تعالى ـ وأدركه اللطف الرباني، واتبع دين آبائه الذين لايقال في شأنهم إلا ماقاله ـ سبحانه ـ في المنزل القرآني: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [يوسف:38] الآية.
فكيف يكونون القدريةَ ومجوسَ هذه الأمة، المحذَّر عن مفاتحتهم، مع ماعلم عن اللَّه وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من وجوب مودتهم، والتمسك بهم، والتعلم منهم، ومتابعتهم؟ هل هذا إلا محض التناقض وعين التعارض؟.
فصح ضرورة أن العدلية ليسوا مرادين بحديث القدرية، وأن ذلك الذم لمن خالفهم من البرية؛ والحمد لله رب العالمين./252
الفصل الثالث [في لمع من نصوص رجال إسناد المؤلف في إجازاتهم]
في إيراد لمع من نصوص كلمات من اتصل بهم سندنا من الأئمة السابقين، ثم من بعدهم من العلماء العاملين، ورسم أسمائهم الشريفة حسب تحريرهم؛ للتبرك بذكرهم، والاقتداء بآثارهم، وكون من سبقهم قد جُمعت محرراتهم، وهؤلاء الأئمة الأعلام، والعلماء الكرام، لاجامع لما حرروه، ولامقيد لما زبروه؛ وإنما هي مفرقة، قد كادت تذهب بها أيدي الضياع، وهي حقيقة بأن تُؤثَر على الأبصار والأسماع، فإنها من أقرب الوسائل إلى الله تعالى، وإلى رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ وما رَسَمْتُه هو مما وقفت عليه بمنّ الله تعالى، برسم أقلامهم الشريفة؛ وقد نشير في هذا الفصل، إلى تعيين بعض ماأخذه العالم عمن قبله، على طريقة الاختصار، والقصد بيان اتصال السماع؛ ولايخفى ماتتضمنه هذه الموسومات الكريمة من الأخبار النبوية، والآثار العلمية، جزى اللَّه قائليها أئمة الإسلام، وهداة الأنام، أفضل الجزاء والإكرام، وأنالنا من بركاتهم وألحقنا بهم في دار السلام.
[إجازة من الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم(ع)]
فأقول وبالله التوفيق: قال الإمام الأجل، المنصور بالله ـ عز وجل ـ أمير المؤمنين، أبو محمد أحمد بن هاشم، في إجازته للإمام الأعظم، المجدد للدين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، أمير المؤمنين، أبي القاسم محمد بن القاسم الحسيني ـ رضي الله عنهم ـ /255
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله، الواصل من انقطع إليه بمتواتر الإحسان، وأوفر الأسباب، المجيز بموصلات نعمائه عباده، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم اللَّه وأولئك هم أولوا الألباب، وصلواته وسلامه على حبيبه الحسن الأخلاق، وعلى آله الثابتين الأصول والأعراق.
إلى أن قال في ذكر الإمام (ع):، المفضال التقي طيب الشمائل والخلال، محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل الحوثي ـ وفقه اللَّه ـ، بأن أجيزه فيما أَسْمَعَ عليَّ.
إلى أن قال: استسماناً للورم، وظناً لرسوخ القدم، فلما كان العلم أمانة يبلغه السلف إلى الخلف، ويتلقاه الخلف عن السلف، كما في أحاديث السماع: ((ليبلغ الشاهد الغائب))، ((ورحم اللَّه من سمع مقالتي))، ((وبلغوا عني)) وأمثالها، أجبته.
إلى آخر كلامه، عليه رضوان اللَّه وسلامه.
قال فيها: حرر يوم السبت، خامس وعشرين، شهر ربيع الآخر، أحد شهور ثمان وستين ومائتين وألف، بهجرة دار أعلى، أعلا اللَّه مقامنا لديه آمين.
ومما أسمع عليه الإمام (ع)، فيه، جامعا آل محمد: أصول الأحكام، وشفاء الأوام، وذكرهما الإمام في هذه الإجازة، بسنده إلى الإمام المتوكل على اللَّه، والأمير الحسين(ع)، ومن الآلة: الخبيصي، والمناهل، وشرح التلخيص.
[إجازة الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير للمهدي]
وقال الإمام الشهير، البحر الغزير، المنصور بالله، أمير المؤمنين، أبو عبدالله، محمد بن عبدالله الوزير، في إجازته للإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل العلم وسيلة إلى نيل أرفع الدرجات، وسهّل لنا السبيل إلى حفظه بما ركّب فينا من الآلات، وحفظ دين الإسلام، بحفظ كتابه الكريم، /256
وحرس سنة نبيه بنجوم العلماء من كل شيطان رجيم؛ نحمده على مواهبه التي لا تحصى، وألطافه الشاملة للأدنى والأقصى، وأشهد أن لاإله إلا اللَّه، شهادة نستدر بها شآبيب التوفيق واللطف والهداية، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي شرع منه وإليه قواعد الرواية، صلى الله عليه وآله مارُويت سنة وتُليت آية.
وبعد:
فيقول أفقر العباد إلى رحمة ربه، الراجي من اللَّه الكريم غفران ذنبه، قصير الباع، حقير الاطلاع، محمد بن عبدالله بن محمد الوزير، سامحه اللَّه إنه هو السميع البصير: إنه ورد إلي كتاب كريم، وخطاب وسيم، من الولد البر الرحيم، التقي العظيم، غرّة سادات العصر، وسيد أبناء الدهر، درة التقصار، ونقطة البيكار، رضيع أخلاف العلم، المخصوص من اللَّه بثاقب النظر والفهم، عز الإسلام، وشمس الأعلام، محمد بن القاسم بن محمد الحوثي، فتح اللَّه عليه أبواب العلم والسعادة، ومنحه أسباب الحسنى وزيادة؛ أدهشني قدومه، وحقَّرني عند نفسي تعظيمه، يلتمس مني ما يلتمسه الأمثال، وتتوق إليه نفوس ذوي الكمال.
إلى أن قال: فقلت: أهلاً وسهلاً، بمطالبي مالست له أهلاً، ولم أكن هناك خمراً ولاخلاً، غير أني نظرت أن الإسعاف لمثل هذا الولد، الذي هو عندي أعز من الطارف والتلد، هو الأقرب إلى التقوى، وإعطاؤه مطلوبه هو المناط الأقوى.
وقال (ع) في إجازة أخرى: ولي مشائخ كثيرون ـ رحمهم الله تعالى ـ غير أن الإجازة العامة، من الوالد العلامة، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير.
إلى أن قال: ومن الأخ العلامة، سيد بني الحسن، مدرس علوم النبي المؤتمن، أحمد بن زيد الكبسي رحمه الله؛ فقد أجازني إجازة عامة عن مشائخه.
وقال (ع): وبحفظ السند إلى من جاء بالشريعة، والتمسك بمن أمر اللَّه بالتمسك بهم، سفينة النجا، والعصمة من الردى، من تمسك بهم اهتدى، /257
ومن خالفهم ضلّ واعتدى، ولن يفلح أبداً، ونحن نبرأ إلى اللَّه من كل ماينقض قواعد الإسلام المقررة، وما يخالف إجماع الأمة أو العترة، مما تقتضيه ظواهر أحاديث التشبيه والجبر والرؤية، ونقض الوعد والوعيد.
ومما ذكر (ع) في الإجازة الأولى: شفاء الأُوا م.
قال (ع): وأنا أرويه سماعاً للكثير منه عن شيخي ووالدي، علامة الزمن، مدرس كل علوم النبي المؤتمن، أحمد بن يوسف زبارة ـ بل اللَّه ثراه بوابل الرحمة ـ إلى آخرها.
وفيها: حرر يوم الاثنين عشرين جمادى الأولى سنة تسع وستين ومائتين وألف، كتبه الفقير إلى اللَّه محمد بن عبدالله ـ وأتم النسب إلى السيد صارم الدين (ع) تركته لما تقدم ـ.
ومما ثبت السماع فيه للإمام على الإمام (ع): تجريد الإمام المؤيد بالله، وأصول الأحكام للإمام المتوكل على اللَّه، وشفاء الأمير الحسين، وشرح غاية الحسين بن القاسم، وغير ذلك ـ على جميعهم الصلاة والسلام ـ.
[إجازة من السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي للمهدي]
وقال السيد الإمام، حافظ اليمن، وسيد سادات بني الحسن، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ في إجازته للإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم، ـ وهذا السيد الإمام الحافظ عالي الإسناد؛ فإسناده أرفع أسانيد أهل عصره، فإنه يروي عن شيخيه السيدين العالمين: محمد بن عبد الرب، والحسن بن يحيى الكبسي، ومن في درجتهما، وهما شيخا مشائخ الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، والقاضي العلامة عبدالله بن علي الغالبي، فهو في درجة السيدين العالمين أحمد بن يوسف زبارة، وأحمد بن زيد الكبسي؛ ومن الآخذين عنه ولده عالم اليمن، وحافظ الآثار والسنن، أحمد بن محمد بن محمد، والقاضي العلامة فخر الإسلام عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ مالفظه:
بسم الله الرحمن الرحيم، حمداً لمن جعل العلم الشريف وسيلة إلى بلوغ أقصى الغايات، وحفظه علينا بحفظ إسناده، فتلقيناه من حملته العدول /258
الثقات، وأصلي وأسلم على رسوله المبلغ عنه، وعلى آله حملة علمه الأئمة الأثبات.
إلى أن قال: فبلّغ عن ربه كما أمر، حتى قبضه اللَّه، وترك فيهم ثقلين من تمسك بهما لن يضل: كتاب اللَّه، وقرناءه.
إلى قوله: وإنه سألني حسنَ ظنٍ ولدي وفخري وذخري، قرة العين، وخيرة الخيرة من أبناء الحسين ـ صلوات الله عليه ـ العالم النحرير، البدر المنير، فرع الشجرة الهاشمية، وسليل العصابة العلوية الفاطمية، ذو الفهم الصادق الثاقب، والهمة العالية المتقاضية لأشرف المناقب، محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل الحسيني، فهو أوحد عصره، وفريد دهره، علماً وورعاً وزهداً، زاده اللَّه مما أولاه.
إلى قوله: فلقد جمع كمال الخصال، وخصال الكمال، وتنافست في بلوغ مرتبته وتطاولت أعناق الرجال.
هيهات أن يأتي الزمانُ بمثله .... إن الزمان بمثله لبخيلُ
و:
ليس على اللَّه بمستنكرٍ .... أن يجمعَ العالم في واحدِ
إلى قوله: وإن كنت جديراً بأن أستمد منه؛ لما هو عليه من الخصال الموجبة للاستمداد، إلا أنه سلك مسلك أهل هذا الشأن، في استمداد الإجازة من الشيوخ، تبركاً وحفظاً للأسانيد، فأجبته إلى ذلك الطلب، وتكفلت له بنجاح الأرب، وأجزته يروي عني جميع مسموعاتي.
إلى قوله: وأنا أروي ذلك عن مشائخي المجتهدين المحققين، العظماء المصطَفَين ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ أولهم والدي العلامة الزاهد، إسماعيل بن أحمد بن محمد الكبسي ـ رحمة اللَّه وسلامه عليه ـ في كتب الآباء ـ سلام اللَّه عليهم ـ؛ ثم شيخي ووالدي، العلامة الحسن بن يحيى الكبسي ـ بل اللَّه ثراه بوابل الرحمة ـ أخذت عنه علم المعاني، والبيان، وعلم الحديث، وشروحه؛ ثم شيخي الوالد العلامة، محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن الإمام المتوكل على اللَّه إسماعيل، أخذت عنه البحر الزخار، وحواشيه، وتخاريجه.
ثم عدد بقية /259
مشائخه، إلى أن قال: يروون عن مشائخهم كما فُصِّل ذلك في إجازاتهم.
وقد أجزته يروي عني؛ لعلمي أنه أهل لذلك، وقد خَبَرتُه عند قراءته عليّ، واستفدتُ منه، أكثر مما استفاده مني؛ نوّر اللَّه بصيرته، وزاده مما أولاه، ورزقني وإياه العمل بالعلم، وأعاننا على حراسته.
حرره رهين كسبه، أسير ذنبه، من لم يزل بأثواب ستره يكتسي، محمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن الكبسي، تجاوز اللَّه عنه، حرر جمادى الآخرة سنة تسع وستين ومائتين وألف.
انتهى كلامه، ـ رضوان الله عليه وسلامه ـ.
ومما ثبت للإمام السماع عليه فيه: تجريد الإمام المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وشفاء الأمير الحسين، وشرح غاية الحسين بن القاسم (ع)، وشرح التلخيص في المعاني والبيان.
وتشارك في الأخذ عنه الإمام، وولده السيد العلامة، الجهبذ المنتقد، والحافظ المجتهد، صفي الآل، أحمد بن محمد بن محمد ـ رضي الله عنهم ـ.
وللإمام عليه أيضاً سماعات، منها: في كتب العامة في البخاري، وشرحه، ومسلم، والنسائي، والجلالين، وفي ثمرات الفقيه يوسف، وفي الآلة كالخبيصي، وشرح التهذيب في المنطق.
[إجازة من مشائخ الإمام المهدي، مَنْ حُبس معه، مَنْ بايعه من الأعلام]
وممن أخذ عنه الإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم الحسيني: السيد الإمام الولي المحقق، محمد بن إسماعيل الحسيني الحوثي الملقب عشيشاً ـ رضي الله عنهم ـ، المتوفى بحبس الأتراك سنة ست وتسعين ومائتين وألف (1296) عقيب وفاة الإمام المتوكل على اللَّه المحسن بن أحمد الشهاري (ع)، وجمع ذلك الحبس الأعلام باليمن، في ذلك الزمن، منهم الإمام المهدي لدين اللَّه، محمد بن القاسم؛ والإمام المنصور بالله، محمد بن يحيى حميد الدين؛ والسيد الإمام الحافظ، أحمد بن محمد الكبسي؛ والسيد الإمام المذكور، وغيرهم؛ أخذوهم غدراً ولم يتركوا مشاراً إليه بعدهم؛ وفي حال حبسهم نصب بعض العلماء الهادي شرف الدين بن محمد الحوثي الحسيني؛ للقيام، على أن يكون النظر لأولي الحل والإبرام، من هؤلاء الأعلام، متى فرّج الله تعالى عنهم؛ لأنه أظلم /260
اليمن بأسرهم، فلبثوا في السجن سنتين، ثم يسر الله تعالى إخراجهم، وأجمع أولوا الحل والعقد، على قيام الإمام الأعظم المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم.
ومن أعيان المبايعين له السيد الإمام، نجم آل الرسول، وحافظ المعقول والمنقول، شيخ آل محمد، عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري البصير؛ والقاضي العلامة شيخ الإسلام، محمد بن عبدالله الغالبي؛ وأخوه صارم الإسلام، إبراهيم بن عبدالله؛ والإمام الهادي لدين اللَّه، الحسن بن يحيى القاسمي؛ والسيد الإمام، نجم الأعلام، في عترة سيد الأنام، العالم الرباني، الحسين بن محمد الحوثي؛ والسيد الإمام، عالم الآل الكرام، العابد الزاهد، الولي، الحسين بن عبدالله الشهاري؛ والسيد الإمام، شمس الدين، وشيخ العترة الأكرمين، أحمد بن إبراهيم الهاشمي؛ وأخوه العلامة بدر الدين، محمد بن إبراهيم؛ وجميع علماء الزيدية، والعصابة المحمدية، من صنعاء وصعدة، وحوث وضحيان، وغيرها؛ بل ومن سائر الديار النائية، لايعتريه شك ولا لبس، حتى أن من مال عنه من أرباب الدنيا، وأتباع الهوى، كانوا يقرون بحقه، ويصرّحون بسبقه، ولا يمكنهم رد ولا إنكار، إذْ كان كالشمس رابعة النهار؛ ولم يزل على القيام بمناصرته، وإجابة حجته، وتأييد إمامته، والاعتصام بطاعته، والانتظام في زمرة جمعته وجماعته، هؤلاء الأعلام، حماة الإسلام؛ ولهم في المصابرة في الدعاء إلى اللَّه، والذب عن دين اللَّه، والبذل لأنفسهم ونفيسهم في طاعة اللَّه، وطاعة الإمام، أعلى مقام.
وقد ألّفوا في بيان إمامة إمامهم، والرد على الخارجين عن الطاعة، والمفارقين للجماعة، المؤلفات البالغة، كالرسالة الشافية والهادية إلى سواء السبيل، والرسالة الرافعة للخلاف، وغير ذلك كثير؛ قدس اللَّه أرواحهم في عليين، وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين؛ وهذا عارض جرّ إليه الكلام.
نعم، ومما أسمع الإمام فيه على السيد الإمام محمد بن إسماعيل ـ عليه /261
السلام ـ المتقدم: شرح ابن جحاف، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وطريقة ابن جحاف في الحساب.
وسيأتي ـ إن شاء اللَّه ـ ذكر بقية أشياخ الإمام (ع) في إجازته، والقصد هنا الإشارة، والله ولي الإعانة والتوفيق.
[إجازات من الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي لعدة من الأعلام]
وقال الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، في إجازاته للنجوم الأعلام، أقمار الهداية، وبحور الدراية، من سادات الأنام، الآتي ذكرهم (ع):
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله المجيز لمن أطاعه بمتواتر الإحسان، وموصول الأسباب، والمجير لمن انقطع إليه واستمسك بقويِّ الأسباب، من السنة والكتاب؛ والصلاة والسلام على جامع كل حسن من خصال الكمال والمناقب، القائل: ((ليبلغ عني الشاهد الغائب))، وعلى آله الثقات، المعدلين بنصوص الآيات.
وبعد: فإنه سألني الولد العلامة، النحرير الفذ الفهامة، الضارب بالقِدْح المعلى في فنون العلم وسهامه، التقي الولي، الذي هو بالمكرمات حري، شرف الأيام والليالي، وبدر سمائنا المضيء المتلالي، حسين بن محمد.
ثم رفع نسبه إلى أمير الدين بن عبدالله الحوثي، وقد اكتفيت بما ذكرته سابقاً من الاستغناء بما في التحف الفاطمية.
إلى أن قال: حرسه اللَّه وأسعده في الدارين، وفتح له من المعارف ماتقرّ به العين، أن أجيزه فيما أسمعه علي من علوم الإسلام، وأوصل سنده بسندي إلى مشائخنا العلماء الأعلام، الذين هم في جبين الدهر غرة، ولعيون أهل ذلك العصر قرة.
إلى أن قال: وأجزت له ولمن حضر القراءة إجازة عامة، وأوصلت طرقهم بطرقاتي، وأمرتهم أن يرووا عني.
وقال (ع) في أخرى: أجزت الولد العلامة الضيا، يوسف بن المهدي، ولإخوته البدور، الولد العلامة، الورع الزكي الذكي الفهامة، سيف الإسلام، محمد بن المهدي؛ والولد العلامة المفضال، شريف الخصال، علم الآل، القاسم بن المهدي؛ والولد العلامة، البدر التقي، صارم الدين، إبراهيم بن المهدي؛ وكذلك /262
أجزت للولد العلامة، ذي الخلق المرضي، والعمل الزكي، عز الإسلام والدين، سليل الآل المطهرين، محمد بن منصور الضحياني، فتح اللَّه عليهم بالعلم النافع والعمل به، ورفع لهم الدرجات، وأنالهم في رضاه أقصى الغايات.
وقال (ع) في إجازته للقاضي العلامة محب آل النبي، محمد بن عبدالله الغالبي، وأخيه ـ رضي الله عنهم ـ في سياق ذكرهما: القاضي العلامة، الورع الفهامة، ذو العلم الغزير، والفضل الشهير، والمناقب التي تنيف على رضوى وثبير، عز الإسلام الولي، محمد بن عبدالله بن علي الغالبي، وصنوه القاضي العلامة، المفضال الصمصامة، العالم بن العالم، الذي هو بوظائف الصالحات عامل وقائم، صارم الدين إبراهيم بن عبدالله الغالبي.
فرعان من أصل المكارم أورقا .... بدران بل شمسان للمسترشدِ
عوّلا عليّ أن أجيزهما في جميع مسموعاتي ومُجازاتي، وما أرويه من علوم الدين.
إلى قوله (ع): ولي ـ بحمد اللَّه ـ مشائخ عدة جهابذة، هم نجوم الاهتداء، ورجوم الاعتداء، جزاهم اللَّه عنا أفضل الجزاء، أخذتُ عنهم في جميع الفنون في اللغة، من نحو وتصريف، ومعان وبيان، ومتن اللغة، وفي علم الحديث، والتفسير رواية ودراية، والأصولين والفروع، والفرائض والتاريخ، وغيرها كعلم المنطق، والحساب، ومادة من علم النجوم، ونحو ذلك.
وقال (ع): في بعض إجازاته لهؤلاء الأعلام: فمن مشائخنا ـ رضي الله عنهم ـ الإمام السباق، وكبير المتأخرين على الإطلاق، الإمام المنصور بالله، أحمد بن هاشم بن رسول اللَّه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والإمام الفاضل العلامة الخطير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير.
وذكر شيخه الثالث فقال (ع): شيخي، وبركتي، العالم المجتهد، بدر العترة ومحققها، عز الإسلام، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ بل اللَّه ثراه، وجعل الجنة مثواه ـ.
قال (ع): وولده الأخ العلامة الجهبذ أحمد بن محمد الكبسي، ومنهم الوالد العلامة محمد بن يحيى الأخفش، ومنهم والدنا العلامة الولي محمد بن إسماعيل /263
عشيش، ومنهم القاضي العلامة المحقق أحمد بن عبد الرحمن المجاهد.
قلت: مما أسمع عليه الإمام شفاء الأمير الحسين، وغاية ابن الإمام، وفي شرح الأزهار.
قال: ومنهم سيدنا العلامة المفضال حسين بن عبد الرحمن الأكوع.
قلت: مما أسمع عليه الإمام تجريد المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وشفاء الأمير الحسين، وشرح البحر الزخار، والثمرات، وشرح الخمس المائة، والمناهل.
قال (ع): ومنهم القاضي العلامة شيخ الإسلام، أحمد بن إسماعيل القرشي رحمه الله.
قلت: مما أسمع عليه الإمام فيه ـ مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، والكشاف بحاشية العلوي، وعدة الأكياس شرح الأساس، وحقائق المعرفة، وشرح الأزهار غيباً إلى النكاح، وبيان ابن مظفر، والناظري، وشرح التهذيب.
قال (ع): ومنهم سيدنا العلامة الورع، إسماعيل بن محمد الخالدي.
قلت: مما أسمع عليه الإمام شرح الأساس.
قال (ع): وغير هؤلاء؛ فقد ـ بحمد اللَّه ـ أسمعنا عليهم.
إلى أن قال: في كتب الآل، وعلماء شيعتهم، وشطراً صالحاً في كتب السنة، ومؤلفات غيرهم، وأجازوا لي ـ رضي الله عنهم ـ إجازات خاصة وعامة، بطرقهم العديدة الجمة؛ فمنها بإسنادها المتصل، ومنها بأسانيدها إلى كتب الإجازات المشهورة، ثم بطرقها المذكورة.
ثم ذكر (ع) طرقه إلى كتب الإجازات، وعدّ بقية أشياخه، وبعض مسموعاته عليهم؛ وقد أشرتُ إلى طرف من ذلك لبيان الاتصال، وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في الأسانيد مايغني.
[الآخذون عن الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي]
وقد استوعب ـ رضوان الله عليه ـ في إجازاته، فهي أبسط الطرقات، وأعمها جمعاً، وأعظمها نفعاً.
وهي كثيرة؛ فإنه أخذ عنه، واستجاز منه /264
أغلب علماء عصره الأعلام، وقد أشرت إلى الآخذين عن الإمام (ع) في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المتوكل على اللَّه، المحسن بن أحمد الشهاري (ع).
هذا، ورسم الإمام (ع) في الإجازة الأولى مالفظه: وحرر بمحروس مدينة حوث، في شهر جمادى الأخرى، سنة تسع وتسعين ومائتين وألف [1299]، حرره بقلمه الحقير، المفتقر إلى الملك الكبير، عبدالله أمير المؤمنين، المهدي لدين اللَّه رب العالمين، كان اللَّه له خير ناصر ومعين، على أمور الدنيا والدين.
ورسم في إجازة القاضي العلامة، شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي ـ رضي الله عنه ـ، مالفظه: سنة ثمان وثلاث عشرة مائة.
نعم، واستجاز من الإمام (ع) جماعة من المتأخرين، فحوّل على إجازة الأولين فقال (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي وصل حبل العلماء الأعلام بحبله المتين، وأرسل خاتم النبيين، وسيد المرسلين، لتعليم معالم الدين، فلا يخافون الانقطاع، لما كانوا من بحره مغترفين، ولا يخشون الإعضال، إذ صاروا إلى كنفه مسندين ومستندين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
إلى قوله: في ذكر المجاز له: الولد العلامة الأحب، ومن له علي وعندي الحق الأوجب، العالم العامل الزكي الأورع، خيرة الخيرة من أولاد البطين الأنزع، عماد الإسلام يحيى بن حسن طيب..إلخ.
وقال (ع): وبعد فقد سأَلَنا الأولاد الأمجاد، الذين هم الولد العلامة فخر الإسلام عبدالله بن يحيى العجري، والولد العلامة الهمام عبدالله بن عبدالله العنثري، وصنوه الولد العلامة الماجد عبد الكريم بن عبدالله، والولد العلامة عز الإسلام، محمد بن إبراهيم حورية، أن أجيزهم.
إلى قوله: حسن ظن، واقتفاء لطريق آبائهم الأكرمين، من عترة النبي عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
إلى أن قال: أجزتهم، واشترط عليهم ما اشترطه العلماء /265
الأعلام، وجعلت إجازتهم كإجازة الولد العلامة النحرير، الفذ الخطير، شرف الإسلام الحسين بن محمد بن أمير الدين ـ حرسه الله ـ والولد العلامة الجهبذ، علي بن يحيى العجري المؤيدي أبقاه الله، فليستنقلوها من ثمة، ففيها مايغني عن الإعادة، رزقهم الله وإيانا الحسنى وزيادة، وفتح عليهم بما فتح على العلماء العاملين، وأمدهم بالتوفيق والتحقيق، وهدانا وإياهم إلى أيمن طريق، آمين اللهم آمين؛ حرر شهر ربيع، سنة ثمان عشرة وثلاث مائة وألف [1318هـ] انتهى.
[إجازة من السيد الإمام أحمد بن محمد الكبسي لوالد المؤلف]
وقال السيد الإمام حافظ اليمن، ومجدد الآثار والسنن، علامة بني الحسين والحسن، أحمد بن محمد بن محمد الكبسي، في إجازته لوالدنا ـ رضي الله عنهم ـ:
الحمد لله، الذي لانحمد إلا إياه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، وآله سفن النجاة.
إلى قوله: وبعد، فإن الولد عز الإسلام العلامة، محمد بن منصور الضحياني، طلب مني الإجازة، كما ذلك مأخوذ على الأصاغر، أن تتصل أسانيدهم بالأكابر، فأقول: قد أجزته مشترطاً عليه، مايشترط على مثله من مثلي، صلاح النية والعمل لدار الآخرة، وأن يجعل الله نَصْب عينيه، في جميع الحركات والسكنات، وأن يحقق ويكرر النظر فيما نظر فيه، حتى يحصل له العلم فيما فيه العلم، والظن فيما يكفي فيه الظن.
فأقول: قد أجزته في جميع مسموعاتي، ومقروءاتي، ومجازاتي، ومناولاتي، في علوم الآلة وفروع الأحكام، والتفسير وسنة سيد الأنام، عما أرويه عن الآل الكرام، أو القوم أولي الأحلام، متصلاً سندي بوالدي العلامة عز الإسلام محمد بن محمد الكبسي، وهو يروي عن جدي أبى الأم العلامة إسماعيل بن أحمد الكبسي، عما يرويه عن جامع الأسانيد للقاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم.
إلى قوله: متصلاً سندي بوالدي المذكور، وبالوالد العلامة أحمد بن زيد الكبسي، وبالوالد العلامة علي بن أحمد الظفري، /266
وبالوالد العلامة يحيى بن مطهر بن الإمام، وغيره في الأسانيد؛ ماصحّ له روايتي له، عن سائر المشائخ الكرام.
إلى قوله: رزقه الله تعالى التقوى، ووفقه لما يحب ويرضى، وجعل فيه البركة كما بارك في الأنواء، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، والسلام.
أحمد بن محمد الكبسي.
[إجازة من السيد الإمام عبدالله العنثري والقاضي الحافظ عبدالله الغالبي لوالد المؤلف]
وقال السيد الإمام، علم الأعلام، شيخ آل الرسول، وحافظ المعقول والمنقول، زين العابدين، كعبة المسترشدين، فخر آل محمد، عبدالله بن أحمد المؤيدي العنثري الضحياني البصير ـ رضوان الله عليه ـ في إجازته لوالدنا ـ رضي الله عنه ـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله، وبعد، فيقول الفقير إلى الله، الغني عمن سواه، عبدالله بن أحمد العنثري الضحياني المؤيدي: قد أجزتُ سيدي الولد العلامة عز الإسلام، محمد بن منصور الضحياني، أن يروي عني جميع مسموعاتي ومجازاتي، بألفاظ الرواية كلها، من حدث وأخْبَر، وغيرهما على حسب مامعي في الإجازة لي ولغيري، من حي سيدنا العلامة عبدالله بن علي الغالبي، رحمه الله.
إلى قوله: وحسبما معي من الإجازة، من حي سيدنا العلامة أحمد بن عبدالرحمن المجاهد، وسيدنا العلامة الصفي، أحمد بن إسماعيل العلفي، رحمهم الله جميعاً.
إلى قوله: بعد القراءة، والسماع منه ومن جملة من الطلبة، لجملة من الكتب النافعة المشهورة نفع الله بها. إلى آخره.
ومما ثبت لوالدنا السماع عليه فيه أمالي الإمام المرشد بالله، وأنوار الإمام الحسن، والاعتصام للإمام القاسم، وغاية ولده الحسين (ع)، وثمرات الفقيه يوسف، والجزرية بشرحها، وإعمال مولانا المذكور ـ رضي الله عنه ـ.
وقال القاضي العلامة، شيخ الإسلام، وحافظ علوم العترة الكرام، فخر الدين الولي، عبدالله بن علي بن علي الغالبي، في الإحازة (بالحاء المهملة) /267
في طرق الإجازة (بالجيم) ـ وهذه النسخة التي وقفنا عليها منسوخة على نسخة الإمام الأعظم، المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي (ع) وهو الذي سماها بهذا الاسم؛ وقد أفادني بصحتها وأفاد جماعة من علماء العصر بذلك، والدُنا العلامة شيخ آل محمدٍ، محمدُ بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ بعد أن أجاز روايتها ورواية غيرها إجازة عامة لي ولهم. وقد رسم ذلك في النسخة المذكورة والله ولي التوفيق.
هذا فقال شيخ الإسلام فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي وصل من انقطع إليه، وفاز بمتواتر إفضاله وقرب من أوقف مطي آماله عليه، وأجاز على القول الصحيح، والعمل الحسن أحسن إجازة، والصلاة والسلام على أشرف مرسل، أوضح معالم الدين، وكشف كل معضل، حتى ظهر اليقين، فتنوّر برهانه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ماكان كل منكر متروكاً موضوعاً، وعلى آله قرناء القرآن، وحجج الله في كل أوان..إلخ.
وقال في القسم الثاني منها: وبعد فإن مولانا الإمام ذا الفضائل، والمكارم التي لاتأتي بمثلها المناقب والمساجل، التي لايستطيع وصف كنهها لسان قائل، الحائز قصبات السبق في مضمار المفاخر، الفائز من أوصاف الكمال بما شرف به على الأوائل والأواخر، الذي طبق بذكره الآفاق، ففضله أشهر من المثل السائر.
إلى قوله: الذي نشر على الأقطار جلابيب أنوار عدله، وأمطر البادين والحضَّار بشآبيب مدرار جوده وفضله.
إلى قوله:
لن يدرك الواصف المُطْرِيْ خصائصَه .... ولو يكن سابقاً في كلّ ما وصفا
أمير المؤمنين، الداعي إلى الله المنصور بالله، أحمد بن هاشم ابن رسول الله، حفظه الله بما حفظ به كتابه، وأهل ولايته، وجعله في كنفه، وحماه بحمايته، وأصلح به الأمور، وفتح له الثغور، وجمع به شمل الجمهور، وأعز بقيامه الدين، وأحيا به شريعة سيد المرسلين إلخ /268
قال فيها: حرر في هجرة ضحيان، صبح السبت، ثالث شهر ربيع الآخر، سنة ست وستين ومائتين وألف [1266هـ].
وقال في إجازة له أخرى بسط فيها الكلام، في شأن العترة الكرام، واستوعب نقل ماأورده العلامة أحمد بن عثمان، صاحب المسوح، في آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من الأخبار والآثار، في إجازته للإمام الأعظم القاسم بن محمد (ع)، مالفظه:
ولله الحمد على منته علي بتشرفي بأخذ العلوم، عن مشائخ آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولم أزل أتشرف بأخذ العلم عنهم.
إلى قوله: وأرتع في رياض إفادتهم، وأكرع من حياض علومهم، وأمتع بمشاهدة أنوارهم، وأقتبس من ذكي أنظارهم؛ فهم خزنة السنة والكتاب، وتراجمتهما بلا ارتياب، أخذوا علومهم عن آبائهم أباً فأباً إلى أبيهم الوصي وجدّهم رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
ولله در الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة:
ما بين قولي عن أبي عن جدّه .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخُنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
ثم تشرّفت ثانياً بقراءة جماعة من أهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: منهم: الإمام المنصور بالله أحمد بن هاشم ـ رضوان الله عليه ـ، ومنهم: الإمام أمير المؤمنين، سمي حبيب الله، محمد بن عبدالله ابن رسول الله، كشف الله بقيامه الغمة، وأظهر به شريعة محمد بن عبدالله، وفتح له الثغور، وأصلح به أمر الجمهور؛ فإنه أطال الله بقاءه، شاركني في القراءة، على سيدي العلامة، صفي الإسلام، الهادي إلى الحق، الشهيد السعيد، أحمد بن علي السراجي ـ بل الله ثراه بوابل الرحمة ـ وذلك في الفقه، والفرائض حتى فاق عليّ وعلى أقرانه، وكذلك شاركني في القراءة على سيدي العلامة صفي الإسلام، أحمد بن يوسف زبارة ـ رحمه الله ـ في علوم آل محمد، والأصول على سيدي العلامة، عماد الإسلام يحيى بن عبدالله بن عثمان /269
ـ رحمه الله ـ؛ فقرأ عليه الكثير، وحضرتُ في بعض قرائتهم.
إلى قوله: مع مامنحه الله من الحفظ، والفهم والدراية وسعة الاطلاع، ومن جهل ذلك نظر في أحكامه، عند فصل الخصومات، وَجَواباته، ومكتوباته؛ فكنت إذا أبهم عليّ الأمر، رجعتُ إليه، فيكشف بنظره الثاقب، واستنباطه الصائب.
إلى قوله: حتى أقرّ له بالفضل عداه، وقصر فضلاء العصر عن بلوغ مداه، فطبق ذكره الآفاق، ففضله أشهر من المثل السائر في الأطباق، فكان هو الرضى من آل محمد على الإطلاق.
وممن قرأ على الحقير: سيدي فخر الإسلام، جوهرة بني المؤيد، العلامة عبدالله بن أحمد البصير الضحياني، فقرأ على الحقير في سائر العلوم في الأصولين، والعلوم الآلية، وأسمع عليّ في مسندات أهل البيت المطهرين، أمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وأمالي المرشد بالله، وفي جامع الأحكام، وشمس الأخبار، وفي الشفاء، وأصول الأحكام، وشرح التجريد للمؤيد بالله، والبحر وتخاريجه، وفي التفسير، والاعتصام للإمام القاسم، وأنوار التمام، لسيدي صفي الإسلام، أحمد بن يوسف زبارة، وكملت القراءة والسماع بحمدالله.
قلت: وقد عدّ في غير هذه الإجازة مما أسمعه عليه فيه، مجموع الإمام زيد بن علي الحديثي، وشرح غاية ابن الإمام، والشرح الصغير، والمناهل وغيرها.
نعم، ثم قال: ملتمسين من الحقير، ألبسهم الله تاج الإكرام، وبلغهم في رضاه كل مرام، أن أكتب لهم فيما أرويه إجازة، سيما مولانا الإمام سمي حبيب الله، محمد بن عبدالله.
إلى قوله: فاحتقرتُ نفسي عند ذاته الشريفة، وتصاغرتُ قدري عند رتبته العالية المنيفة، وعلمتُ بقصور بضاعتي، وأيقنت بضعف استطاعتي، فأنشدتُ بيتي ابن الوردي: /270
يا أهل بيت النبي من بذلت .... في حبكم نفسه فما غُبنا
من جاء في بيتكم يحدثكم .... قولوا له البيت والحديث لنا
إلى قوله: علماً مني أن من أهل بيت النبوة الالتماس، ومن أنوار علومهم الاقتباس، وكيف لي أن أنظم في سلكهم الثمين، ويتصل سببي بسبب الآل الأكرمين، وقد قال نبي الله الصادق الأمين ـ صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين ـ: مما أخرجه ابن سعد أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة، وأغصانها في الدنيا؛ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً)).
فصار الاتصال إلى ذلك الجناب، آكد الوصول إلى الله تعالى وأوثق الأسباب، وأمناً من الحادثات السالبة للألباب، وحرزاً من طوارق الحتوف، ونجاة في الدارين من كل مخوف؛بلغنا الله بهم المرام، وأدام لنا بحبلهم الاعتصام، ومتعنا بالمعية معهم في دار السلام، إنه هو أهل التفضل والإنعام.
وقال ـ رضي الله عنه ـ: مع ماجاء عن سيد المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((اللهم اجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي)) وحديث: ((تعلموا منهم، ولا تعلموهم)).
وإذا نظر المنصف بعين الإنصاف، وجد ذلك واقعاً حقاً؛ فمن بحار القدماء، من أئمة أهل البيت، اغترف أئمة المذاهب الأربعة ـ رضي الله عنهم ـ.
وساق فيها، كما تقدم ماحرره صاحب المسوح في إجازة الإمام القاسم بن محمد، ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.
[إجازة من السيد الإمام الحسين بن محمد الحوثي للسيد عبدالله بن يحيى العجري]
وقال السيد الإمام الرباني، عالم آل محمد وعابدهم وزاهدهم، عمدة الموحدين الولي، الحسين بن محمد الحوثي ـ رضي الله عنه ـ: الحمد لله، الماحي للسيئات بالحسنات، القائل في كتابه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] المجيز لمن أطاعه بجزيل الهبات؛ والصلاة /271
والسلام على محمد، المنزل عليه كرائم الآيات، وعلى آله الهداة المقتفين أثره المعدلين بواضح البينات.
إلى أن قال: فقد أجاز الحقير الفقير إلى الله تعالى، حسين بن محمد بن حسين بن أحمد ـ وأتم النسب وقد تركته اكتفاء بما أشرت إليه سابقاً ـ، الأخ العلاَّمة، والشامة في الآل والعلاَمة، إنسان عين الآل، وهالة بدر فخرهم والكمال، عبدالله بن يحيى العجري المؤيدي، أن يروي عني جميع مسموعاتي ومجازاتي، وما يصح نقله بجميع الطرق الأربع بعد أن قال: وإن كان ظلي لايطاول حصاة، وموضع قدمي أضعف من مفحص قطاة، خلا إن الامتثال خير من الأدب، ومن قدر عليه رزقة فلينفق مما أتاه الله.
ثم قال: حسبما معي من الإجازات من مشائخي البدور الغرر، من أعلام الآل، الأئمة أهل الكمال، وأشياعهم كريمي العناصر والخلال.
وقال في موضع آخر: حسبما أجاز لي مشائخي شكر الله سعيهم؛ منهم: إمام الزمان، وترجمان البيان، ومعدن التبيان، الحجة مولانا محمد بن القاسم الحوثي مدّ الله مدته، وحرس مهجته..إلى آخرها.
وقال ـ رضي الله عنه ـ: فممن أجازني: شيخنا إمام المعقول والمنقول، فخر الآل، وبدر الكمال، عبدالله بن أحمد العنثري المؤيدي ـ رحمه الله ـ والإمام سيد بني الحسين والحسن، إمام العلوم، معقولها ومنقولها ومنطوقها والمفهوم، ذو الأقوال الواضحة، والأنظار الراجحة، محمد بن القاسم الحوثي ـ رضي الله عنه ـ.
إلى أن قال في آخرها: تاريخ شهر محرم، سنة عشرين وثلاثمائة وألف [1320هـ].
ومما أسمع فيه على الإمام: شرح الأزهار، وشرح أساس الإمام القاسم، وحقائق المعرفة للإمام أحمد بن سليمان (ع)، وفي العربية: الشرح الصغير /272
، والمناهل الصافية وغيرها؛ والقصد الإشارة كما سبق.
[إجازة من السيد الإمام علي بن يحى العجري لصنوه عبدالله]
وقال السيد العلامة، المجتهد المطلق، نجم العترة، جمال الدين، المرتقي درجات الاجتهاد، قبل تمام العشرين، الولي بن الولي، علي بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا، وارض عنا، وتقبل منا، إنك أنت السميع العليم.
ولما كانت طرق الرواية موضوعَهَا لحفظ العلوم الدينية، وسمطاً للثقة بما صدر عن رسول رب البرية، ووصيه المبين عن النبي صحيح السنة النبوية.
إلى أن قال: وكان الصنو العلامة الفهامة، فخر الإسلام، وقرين الإستخراج في مدارك الأحكام، عبدالله بن يحيى بن أحمد بن الحسين العجري المؤيدي ـ أيده الله وثبته ـ.
إلى أن قال: قد سألني أن أجيزه، فيما ثبت له عندي طريق من طرق الرواية.
إلى أن قال: ووصلت طرقه بجميع طرقي، عن جميع مشائخي ـ رضي الله عنهم ـ وهم مولانا أمير المؤمنين، ومجدد ماأشكل من مسائل الدين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم ابن رسول الله الحسيني الحوثي.
ثم ذكر مسموعاته على الإمام وعدّ منها شفاء الأمير الحسين (ع)، والبحر الزخار ومايتعلق به من تخريج ابن بهران، وأساس الإمام القاسم، وكشّاف الزمخشري.
ثم قال: وأجازني إجازة عامة في جميع العلوم؛ وهو ـ صلوات الله عليه ـ يروي عن الإمام المنصور بالله، أحمد بن هاشم، والإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير؛ ومن مشائخ مولانا: السيد العلامة النحرير، محمد بن محمد الكبسي.
إلى أن قال: وقد انتظم لمولانا (ع) منظوم الأسانيد عن مشائخه، متصلة بكتب الأسانيد.
قال: ومن مشائخي الكرام: والدي العلامة البر المنور، عماد الدين، يحيى بن أحمد.
ثم أدرج نسبه وعدّ من مسموعاته عليه، أحكام الإمام الهادي (ع) من فاتحته إلى خاتمته.
قال: وأجازني إجازة عامة؛ وهو يروي بالسماع والإجازة، عن شيخه القاضي العلامة /273
عبدالله بن علي الغالبي.
قال: ومن مشائخي: شيخ العترة، السيد الإمام، العلامة فخر الإسلام، عبدالله بن أحمد العنثري ثم المؤيدي؛ قرأتُ عليه في فنون كثيرة من العلوم، في أمالي أحمد بن عيسى، وأكثر الاعتصام للإمام المنصور بالله، وتتمته.
إلى أن قال: وأجازني إجازة خاصة في كتب مخصوصة، ثم إجازة عامة في جميع العلوم.
إلى أن قال في آخرها: وصلى الله على محمد وآله؛ حرر يوم الجمعة، شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف [1316هـ].
كتبه الفقير إلى الله تعالى علي بن يحيى العجري.
ثم تمم نسبه، وقد سبق ماقلت في الاكتفاء.
[إجازة من السيد العالم يحيى بن حسن طيب للسيد عبدالله بن يحيى العجري]
وقال السيد العالم، العابد الزاهد، الولي، عماد الدين، يحيى بن حسن طيب الحسني، من ذرية الكامل عبدالله بن الحسن (ع)، المهاجر هو وأهل بيته من تهامة إلى ضحيان، كما حققنا ذلك في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفقير إلى الله تعالى، يحيى بن حسن طيب بن محمد بن علي بن الطاهر ـ لطف الله به ـ: قد قرأ علي سيدي العلامة فخر الآل، ومعدن الكمال، رضيع علوم آبائه الأمجاد، أهل الورع والتحري والانتقاد، عبدالله بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري، شطراً صالحاً من العلوم.
إلى أن قال: فقد أجزتُ سيدي المذكور ـ عافاه الله ونور قلبه ـ أن يروي عني جميع مسموعاتي، ومجازاتي، على حسبما معي من الإجازات المسطرة، من سيدي المولى إمامنا، ومجدد ديننا، المهدي محمد بن القاسم، ومن سيدي شيخ الشيوخ، ومرجع أهل الرسوخ، فخر بني الزهراء، عبدالله بن أحمد المؤيدي، وسيدنا العلامة النحرير، شيعي الآل الكرام، محمد بن عبدالله الغالبي.
إلى أن قال: وفوضت سيدي المذكور في الرواية عني، بحدّث وأخبر وأنبأ ونبّأ عموماً وخصوصاً، ولا أشترط عليه شرطاً؛ لعلمي بدينه، وورعه وتثبته؛ وصلى الله على محمد وآله؛ حرر سلخ شهر ربيع الآخر، سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف /274
[1316هـ]. انتهى كلامه، رضوان الله عليه وسلامه.
[إجازة من القاضي الحافظ محمد الغالبي لوالد المؤلف]
وقال القاضي العلامة، شيخ الشيعة، وعلم حفاظ الشريعة، محب آل النبي، محمد بن عبدالله بن علي بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم ـ في إجازته لوالدنا ـ قدس الله روحه ـ؛ بعد حمد الله، والصلاة والسلام على النبي وآله: وبعد فيقول الفقير إلى مولاه الغني، محمد بن عبدالله بن علي بن علي الغالبي، وفقه الله سواء الطريق، وأذاقه حلاوة التحقيق، ورزقه الكون في زمرة آل محمد الذين هم أهدى فريق: قد سألني سيدي، السيد الأجل، العلامة المبجل، الفهامة الأمثل، نجم الآل، وبهجة الكمال، عز الإسلام محمد بن منصور الضحياني المؤيدي ـ وفقه الله إلى الخيرات، وسلك بنا وبه سبيل أهل الثبات ـ أن أجيز له إجازة عامة، فيما صحّ لي قراءته وسماعه، أو صحت إجازته، وقد كان قرأ على الحقير في علوم الآلة، وأصول الفقه، وغيرهما.
إلى قوله: فأقول وبالله التوفيق: قد أجزتُه أن يروي عني كلما ثبت لي سماعه وإجازته، من معقول ومنقول؛ أجزت له إجازة عامة، يروي عني بحدثنا، وغيرها من ألفاظ الرواية.
إلى أن قال: وممن ثبت لي عنه الإجازة العامة: مولانا مجدد ما اندرس من العلوم، ومحقق منطوقها والمفهوم، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ فقد أجاز لي إجازة عامة؛ في جميع ماصح له.
ثم أشار إلى طرق الإمام (ع)، وذكر من مشائخه المجيزين له، الذين ثبت له عليهم السماع، والإجازة العامة: السيد الإمام، العلامة فخر الإسلام، عبدالله بن أحمد العنثري.
قال: وأما سيدي شيخ الإسلام وفخره، عبدالله بن أحمد المؤيدي، فقرأتُ عليه الاعتصام وتتمته جميعه، وأمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام المرشد بالله، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وشفاء الأوام، وأصول الأحكام، وشمس الأخبار، والجامع الكافي جميعه.
إلى أن قال: والشافي للمنصور بالله، إلا الجزء الآخر من أربعة أجزاء.
قال: والمصابيح لأبي العباس، والإفادة للمؤيد بالله، وتكملتها، وشرح الأساس، /275
وغاية ابن الإمام.
وسرد بعد ذلك مسموعات له عليه كثيرة، في علوم العربية، والأصول، والفروع، وكذا والده شيخ الإسلام عبدالله بن علي ـ رضي الله عنهم ـ أجازه إجازة عامة، ومن مسموعاته عليه: المجموعان للإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الحديثي، والفقهي، وشفاء الأوام جميعه، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، وغير ذلك كثير؛ وكذا سيد بني الحسن، علامة اليمن، أحمد بن محمد بن محمد الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ أجازه إجازة عامة، وأسمع عليه في الشفاء، والغاية، وغيرهما؛ وأجازه إجازة عامة الإمام الكبير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وكان تحريره لإجازة والدنا هذه ـ رضي الله عنهما ـ بشهر القعدة الحرام، سنة ثمان وثلاثمائة وألف [1308هـ] قال فيها: حرره الحقير الفقير إلى كرم الله، محمد بن عبدالله الغالبي، وفقه الله آمين.
[إجازة من والد المؤلف العالم الحجة لولده المؤلف ولأعيان العلماء]
وقال والدنا ـ رضي الله عنه وأرضاه، وأكرم لديه نزله ومثواه ـ في إجازته لي، ولأعيان علماء العصر ـ حماهم الله تعالى ـ بعد حمد الله والصلاة على النبي وآله: وبعد؛ فإنه طلبني المذكورون هاهنا.
إلى أن قال: وإن كان مثلي لا يعوّل عليه، في ذلك الميدان؛ ولم تسعني مخالفتهم على قصور الباع، وقلّة الاطلاع؛ نظراً إلى قول جامع كل حسن من خصال الكمال والمناقب: ((ليبلغ عني الشاهد الغائب))، وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً.. إلخ))، وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [المائدة: 2].
ثم ساق طرقه، وطرق مشائخه ـ رضي الله عنهم ـ.
إلى أن قال: قد أجزتهم في جميع مسموعاتي، ومجازاتي هذه المسطورة، إجازة عامة تامة، بجميع طرق هؤلاء، في جميع العلوم، معقول ومنقول، في جميع علوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم، وسائر علوم الإسلام، /276
على اختلاف فنونها، مشترطاً عليهم مااشترطه عليَّ مشائخي هؤلاء المذكورون، رؤساء الملة، وعلماء الأمة، مرجع علماء اليمن والشام، الإمام الأواه، أبو القاسم، إمام المتقين، وزينة الموحدين، المهدي لدين الله، محمد بن القاسم ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويعسوب الآل، وحيد عصره، فخر الملة، عبدالله بن أحمد اليحيوي ـ قلت: أي العنثري البصير ـ، وعلامة اليمن صفي الإسلام، أحمد بن محمد الكبسي، وفخر الشيعة الكرام، وعالمها، محمد بن عبدالله الغالبي ـ رضي الله عنهم، وسكنهم بحبوح جنته، وجزاهم عنا، وعن الإسلام أفضل الجزاء ـ أولاً تقوى الله في السر والعلن، والعمل بالعلم، وبذله لأهله، وتحري النسخ الصحيحة، المأمونة من التحريف، والغلط والتصحيف، والضبط لما يروونه؛ ولا ينسوني من صالح دعائهم، وما أمكن من وجوه البر.
إلى قوله: حرره بقلمه الحقير، المفتقر إلى الملك الكبير، عبده وابن عبديه، محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله اليحيوي المؤيدي ـ عفا الله عنه ـ جمادى الأولى [1354هـ] سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف.
وذكر والدنا ـ رضي الله عنه ـ مما ثبت له السماع فيه، على والدنا الإمام الأعظم، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين: كتاب البحر الزخار، للإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (ع) وتخريجه لابن بهران، وشرح غاية ابن الإمام (ع)، وكشاف الزمخشري، وغير ذلك كثير؛ فقد لازم والدي ـ رضي الله عنه ـ مقام الإمام (ع) قدر عشرين عاماً، وانتقل من وطنه هجرة ضحيان، للهجرة مع من هاجر من الأعلام، إلى الإمام (ع)، بعد خروجه من اليمن إلى هجرته المباركة بجبل برط، وسبب ذلك التحصن في الجبل، حال جهاد الأتراك؛ وارتحل إليه (ع) الأعلام من كل قطر، وكان من المهاجرين لديه: حي السيد العلامة نجم آل محمد الولي، الحسين بن محمد الحوثي، وقد كان ملازماً له في مقام الإمام السابق الأمجد، /277
المتوكل على الله المحسن بن أحمد (ع)، وفي هجرة حوث؛ ومنهم: حي السيد العلامة، شيخ آل محمد، الحسين بن عبدالله الشهاري، وحي السيد العلامة المجتهد، الفهامة المنتقد؛ جمال آل محمد، علي بن يحيى المؤيدي العجري، وحي والدنا ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم كثير؛ وقد أشرنا إليهم في التحف الفاطمية .
هذا، ولم ينفكوا يقتبسون من فيض أنواره، ويلتمسون من هديه وآثاره، حتى قبضه الله تعالى إليه.
[كلام المؤلف في سيرة والده]
وأقول: وأنا بحمد الله تعالى وفضله، وتحدثاً بنعمته، وشكراً لمنته، منَّ الله علي بملازمة والدي ـ رضوان الله عليه ـ، من ابتداء قراءة القرآن الكريم، قرأته عليه، وأسمعتُ عليه في المتون، ثم في علوم الآلة، والأصولين، والتفسير، والحديث؛ ولم أزل أستضيء بمصباحه، وأهتدي بضوء صباحه، وذلك نحو خمس وعشرين سنة، حتى اختار الله له ماعنده ـ رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عنا وعن المسلمين أفضل جزاه، وجمع بيننا في مستقر رحمته، ودار كرامته ـ.
وإسناده ـ رضي الله عنه ـ أرفع أسانيد من أدركنا من أعلام عصره، ونجوم أهل دهره، فلم يبق أحد ممن أسمع على الإمام، ومن في سمته من العلماء الكرام غيره.
وكان ـ رضوان الله عليه ـ على ذلك المنهج من العلم، والعمل، والزهد، والورع، وبلوغ الغاية في الاجتهاد، والتحري والانتقاد، وشدة المراقبة لله سبحانه، والغضب له، وتقديم معاملته في كل إصدار وإيراد؛ وآثر في آخر أيامه ـ رضي الله عنه ـ العزلة والبعد عن الناس، لما شاهد من فساد أهل الزمن، وتغير الأعلام والسنن، حتى صار كثير من الناس ـ لعدم الخلطة ـ لايتحقق معرفته؛ وتفرد للخلوة بنفسه، والعبادة لربه، وإحياء الليل والنهار، بالتلاوة والأوراد والأذكار، إلا ما توجهنا إليه في تفريغه من الأوقات للقراءة؛ وأكرمه الله تعالى بكرامات نيرات، وبشارات بينات، شاهدناها معاينة، ورأيناها مكاشفة، مما يفيضه الله تعالى لأوليائه، وخاصة أصفيائه، من قرابة خاتم أنبيائه، وأوليائهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
فلله /278
الحمد على ماوهب، ونسأله تعالى الإعانة على القيام بما وجب، إنه قريب مجيب.
[تعداد مسموعات المؤلف على والده]
نعم، فقد ثبت لي السماع عنه ـ بمنِّ الله تعالى ـ في فنون العلوم؛ منها: في هذه الكتب التي ذكرت سماعه لها على الإمام (ع)، وفي مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ بقراءته علينا، وفي أمالي حفيده الإمام أحمد بن عيسى (ع) كذلك، وصحيفة الإمام علي بن موسى الرضا، بقراءتي لها عليه - رضي الله عنه - بتمامها، وأحكام الإمام الهادي إلى الحق (ع) كذلك إلى كتاب الحدود ـ وصحّ لي سماع بقيته بحمد الله تعالى ـ وفي البساط للإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع)، وفي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله (ع)، وفي تحرير الإمام أبي طالب (ع) بقراءته ـ رضي الله عنه ـ، وفي أماليهما (ع)، وفي أمالي الإمام المرشد بالله (ع) الخميسية، وفي تفاسير آل محمد (ع)، ومجموعاتهم، وأصول الأحكام للإمام أحمد بن سليمان (ع) بقراءتي لها عليه ـ رضي الله عنه ـ من فاتحتها إلى خاتمتها، وفي شافي الإمام الحجة المنصور بالله (ع)، وحديقة الحكمة، شرح الأربعين له (ع)، وفي مجموع السيد الإمام، حميدان بن يحيى القاسمي(ع)، وشفاء الأوام، للأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين (ع) في السّنّة، وينابيع النصيحة له (ع)، وأنوار اليقين لأخيه الإمام الحسن بن بدر الدين (ع) بقراءتي لها عليه ـ رضي الله عنه ـ، وفي البحر الزخار، للإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى (ع) في النسخة التي لدي الآن، بخط والدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع)، وإنما ذكرتها لتعيين هذه النسخة، وإلا فقد تقدمت في مسموعاته؛ وفي شرح أزهاره (ع)، وفي فصول السيد الإمام صارم الدين (ع) في أصول الفقه، وفي الفلك الدوار له، وفي شرح أساس الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع) في أصول الدين، وفي مرقاته في أصول الفقه، واعتصامه في السنة، والبدور المضيئة، /279
جواب الأسئلة الضحيانية، لوالدنا الإمام، المهدي لدين الله محمد بن القاسم (ع)، وفرائد اللآلي، في الرد على المقبلي، للإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وفي العيون للحاكم المُحَسّن بن كرامة - رضي الله عنه -، وفي نكت العبادات، للقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ، والأسانيد اليحيوية ، التي جمعها القاضي العلامة تقي الدين، عبدالله بن محمد بن أبي النجم، وفي شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة، من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وفي مقاتل الطالبيين للأصفهاني، وفي الحدائق الوردية، للفقيه الشهيد حميد بن أحمد المحلي ـ رضي الله عنه ـ في سير الأئمة، وفي قواعد عقائد آل محمد، لمحمد بن الحسن الديلمي ـ رضي الله عنه ـ، وفي شرح الثلاثين المسألة، للقاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس ـ رضي الله عنه ـ في أصول الدين، وفي المقصد الحسن له؛ وغير ذلك من كتب الأصول، والفروع.
وقد صحّ لي ـ والحمد لله تعالى ـ السماع عليه ـ رضي الله عنه ـ، وعلى غيره في مؤلفات واسعة، منها: المعراج شرح منهاج القرشي، لوالدنا إمام المحققين، الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين (ع) في أصول الدين، وفي قسطاس ولده الإمام الحسن (ع)، وشرح الغاية كما سبق، وفي الكوافل في أصول الفقه، وفي الجامع الكافي، والمنهاج الجلي شرح مجموع الإمام زيد بن علي، للإمام محمد بن المطهر (ع)، والروض النضير شرح المجموع أيضاً، لحافظ العصر الأخير، الحسين بن أحمد السياغي في الحديث، وبيان ابن مظفر في الفقه والفرائض، وفي مباحث وأوائل كتب كثيرة من كتب أئمتنا، وأتباعهم، وكتب المحدثين، كالأمهات الست، وفي النحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، في الكتب المعهود درسها.
هذا، وأجازنا والدنا ـ رضي الله عنه ـ كما سبق في جميع طرقه، وما صحّ له ـ رضي الله عنه وأرضاه، وبل بوابل الرحمة ثراه ـ.
ونقتصر في هذا المحل، على هذا القدر؛ فقد جمعت هذه الطرق ـ بحمد الله ـ /280
كثيراً طيباً، ووابلاً صيباً، كيف لا؟! وأربابها أعلام الأئمة، وهداة هذه الأمة، حجج الله تعالى في عصرهم، وأمناؤه على أهل دهرهم ـ أعاد الله علينا من بركاتهم، وأنالنا من نفحات كراماتهم، بفضله وكرمه آمين ـ.
وتحصيل اتصال السند إلى هؤلاء الأئمة السابقين، الذين إليهم انتهى استناد أعلام هذه الأعصار، وعليهم وقف اعتماد علماء العصابة الأبرار ـ سلام الله ورضوانه عليهم أجمعين ـ أنها قد صحّت لنا ـ بحمد الله ـ جميع مروياتهم وطرقاتهم، بطرق واسعة العدد، كثيرة المدد، نورد هنا أرفعها، وأجمعها، بعون الملك العلام، ونحيل ماسواها على غير هذا المقام.
[أرفع طرق المؤلف]
فيقول المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد المؤيدي ـ عفا الله عنهما ـ بعد حمد الله تعالى على جزيل نواله، وصلواته وسلامه على رسوله محمد وآله: أروي عن والدي، عالم آل محمد وزاهدهم، محمد بن منصور المؤيدي ـ رفع الله تعالى درجته، وأكرم منزلته ـ بالسماع والإجازة العامة، جميع مروياته وطرقاته، وكلما تصح روايته عنه؛ ويروي والدي ـ قدس الله روحه ـ عن والدنا الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، أبي القاسم، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي ـ سلام الله عليه وعلى آبائه ـ بالسماع والإجازة العامة جميع مروياته وطرقاته ومؤلفاته، وكلما تصح روايته عنه؛ ويروي والدي ـ رضي الله عنه ـ جميع مرويات مشائخه السابقين، الذين تقدم ذكرهم، وكلما تصح روايته عنهم ـ رضي الله عنهم ـ كما سبق.
ويروي المفتقر إلى الله تعالى مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ بما صح لي من الطرق الصحيحة، عن سيدي، الوالد العلامة الولي، فخر العترة المطهرة، عبدالله بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري ـ رضي الله عنه ـ جميع مروياته وطرقاته، وكلما تصح روايته عنه؛ وهو يروي عن مشائخه السبعة، النجوم الأعلام، جميع طرقاتهم ومروياتهم، وكلما تصح روايته عنهم، بالسماع منه عليهم، والإجازات منهم له، وهم السيد الإمام العالم الرباني الحسين بن محمد الحوثي، والإمام الهادي لدين الله الحسن بن /281
يحيى بن علي المؤيدي القاسمي، والعلامة شيخ العترة الولي، أحمد بن يحيى بن أحمد المؤيدي العجري، وأخوه العلامة المجتهد، الفهامة المنتقد، جمال آل محمد، علي بن يحيى بن أحمد العجري، والسيد العلامة الجهبذ الولي، عماد آل محمد، يحيى بن حسن طيب الحسني، والقاضي العلامة، عالم الشيعة، وحافظ الشريعة، محب آل النبي، محمد بن عبدالله بن علي الغالبي، وأخوه العلامة المحقق، البحر المتدفق، صارم الدين، إبراهيم بن عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنهم، وأكرم لديه نزلهم ـ.
وهؤلاء النجوم الأعلام ـ وهو أيضاً معهم ـ يروون عن والدنا الإمام، المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني (ع) جميع مروياته وطرقاته ومؤلفاته، وكلما تصح روايته عنه، كما سبق ذكره، في مسموعاتهم عليه، ومجازاتهم منه؛ ويروون أيضاً عن جميع أشياخهم، كما تقدم؛ والإمام (ع) يروي عن الأئمة المتقدم ذكرهم (ع) كما سبق تفصيله.
وستأتي طرقهم مستوفاة في الفصول الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ، والله تعالى ولي التوفيق.
ولنا طرق إلى الإمام (ع)، وإلى هؤلاء الأعلام، غير ماذكر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك؛ ترجح الاكتفاء هنا بما سقناه؛ ففيه ـ بحمد الله ـ كفاية وافية، وإفادة شافية، والبقية راجعة إليه، ومعتمدة عليه؛ وستأتي تلك في محل آخر ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد طال البحث بما سبق، ولكنه لايخفى على اللبيب رجحان الثمرة في سوقه وتقديمه؛ لإفادته في المطلوب كلية الإفادة، وإغنائه بالتحويل عليه في جميع المقاصد الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ عن التكرار والإعادة، والله تعالى ولي التوفيق. /282
الفصل الرابع
[الفصل الرابع في الطرق إلى مذاهب آل محمد في الأصول والفروع]
الفصل الرابع في الإسناد إلى مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جملة.
وفي ذكره هنا على هذا الوجه الإجمالي فوائد جمة.
منها: تقديم الإفادة، بتسلسل الرواية، عن قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، وأشياعهم الذين هم أكرم قبيل.
ومنها: الابتداء بتعريف طبقاتهم، وتوضيح مراتبهم، ودرجاتهم.
ومنها: إمكان الإحالة على هذه الأسانيد المباركة، فيما يأتي من التفصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ولنا ـ بمن الله تعالى ـ في ذلك طرائق واسعة، وأسانيد جامعة.
فأروي جميع ذلك بالطرق السابقة والآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ إلى من يتصل بهم هذا السند، الذي أذكره الآن ـ بمشيئة الله تعالى ـ وأقدم طريقة متصلة بالسماع، والإجازة العامة.
فيقول عبدالله، المفتقر إلى الله تعالى المعيد المبديء، مجد الدين بن محمد المؤيدي، أفرغ الله تعالى عليهما فيض فضله الوفي، ولطفه الخفي، بعد الحمد لولي الحمد ومستحقه، وصلواته وسلامه على خيرته من خلقه:
أروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وأصول عقائدهم ودياناتهم في العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، والنبوءات والإمامات، /285
والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفقههم، وأحاديث الأحكام، من سنة جدهم سيد الأنام، عن والدي وشيخي العلامة الولي، عابد آل محمد وزاهدهم، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ قراءة وإجازة لجميع طرقه؛ وهو يروي ذلك عن شيخه أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحوثي الحسيني ـ صلوات الله عليه ـ قراءة، وإجازة عامة.
وأروي أيضاً عن الإمام (ع)، ذلك وغيره بجميع طرقنا؛ وهو يروي ذلك وغيره، عن شيخه أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، محمد بن عبدالله الوزير، قراءة وإجازة عامة، وعن شيخه السيد الإمام، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي (ع)، قراءة وإجازة عامة، وعن شيخه القاضي العلامة، شيخ الإسلام، أحمد بن إسماعيل القرشي العلفي ـ رضي الله عنه ـ، قراءة وإجازة عامة.
فأما الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله (ع)، فيروي ذلك قراءة وإجازة، عن السيد الإمام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، وعن السيد الإمام، مؤلف أنوار التمام، أحمد بن يوسف زبارة الحسني، وعن السيد الإمام، أحمد بن زيد بن عبدالله الكبسي (ع).
وأما السيد الإمام الحافظ، محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وكذا السيد الإمام، أحمد بن زيد الكبسي، والقاضي العلامة أحمد بن إسماعيل القرشي، فيروون جميعاً ذلك وغيره، عن شيخهم السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبد الرب بن محمد بن زيد بن الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (ع) قراءة وإجازة؛ وهو يروي ذلك وغيره عن عمه السيد العلامة، إسماعيل بن محمد، عن والده العلامة محمد بن زيد، عن والده العلامة زيد بن الإمام، عن والده الإمام الأواه، أمير المؤمنين المتوكل على الله، إسماعيل، عن والده الإمام الأعظم المجدد للدين أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، أبي محمد، القاسم بن محمد ابن رسول الله صلوات الله /286
عليه، وعلى آله وسلامه.
(ح)، ويروي السيد الإمام محمد بن عبد الرب أيضاً، ذلك وغيره، عن شيخه السيد العلامة إسماعيل بن إسماعيل بن ناصر الدين، عن السيد العلامة محمد بن زيد بن محمد بن الحسن بن القاسم (ع)، عن والده زيد المتوفى سنة ثلاث ومائتين وألف، مؤلف الإيجاز في المعاني والبيان، والقسطاس في الرد على صاحب النبراس، عن والده محمد بن الحسن بالإجازة العامة، من الإمام القاسم لولده سلطان الإسلام، الحسن بن الإمام القاسم وإخوته (ع).
وأما السيد الإمام، بدر الآل الكرام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير، وكذا السيدان الإمامان: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة (ع)، فيروون ذلك وغيره، عن شيخهم السيد الإمام، حافظ علوم آل محمد (ع)، الحسين، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف بن يوسف المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة وألف بن الحسين المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة وألف، بن أحمد بن صلاح زبارة الحسني (ع)؛ وهو يروي ذلك وغيره، عن أبيه العلامة يوسف عن أبيه السيد الإمام، شيخ آل محمد، حافظ العلوم والأسانيد، الحسين بن أحمد، عن الإمام الزاهد العابد، أمير المؤمنين، المؤيد بالله، محمد بن إسماعيل، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام الحافظ السابق، الحسين بن أحمد بن صلاح زبارة ذلك وغيره، عن شيخه السيد العلامة عامر، المتوفى سنة مائة وألف بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام الأعظم، والبحر الخضم، أمير المؤمنين، المؤيد بالله رب العالمين، أبي علي، محمد بن الإمام القاسم عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي السيد الإمام الحسين بن أحمد أيضاً ذلك وغيره عن القاضي العلامة المفضال، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، عن شيخه /287
القاضي العلامة، حواري الآل، شيخ الإسلام، وإمام الشيعة الأعلام، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنهم ـ، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبد الرب ابن الإمام، ذلك وغيره عن شيخه السيد الإمام علي بن عبدالله الجلال، من السادة اليحيويين، وقد سبق نسبهم في التحف الفاطمية؛ توفي سنة خمس وعشرين ومائتين وألف، عن شيخه السيد العلامة الحافظ، عبد القادر بن أحمد بن الناصر الكوكباني، المتوفى سنة سبع ومائتين وألف، من ذرية الإمام يحيى شرف الدين (ع).
(ح)، ويروي أيضاً السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن القاضي العلامة الحسين بن محمد العنسي، عن السيد العلامة إبراهيم، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف، بن عبد القادر عن أبيه الحافظ عبد القادر بن أحمد بن الناصر؛ وهو يروي بطريقين:
إحداهما عن شيخه السيد العلامة يوسف بن الحسين زبارة بسنده السابق، والأخرى عن القاضي العلامة أحمد بن محمد قاطن، المتوفى سنة تسع وتسعين ومائة وألف، عن السيد العلامة أحمد بن عبد الرحمن الشامي، المتوفى سنة اثنتين وسبعين ومائة وألف، عن السيد الإمام الحافظ الحسين بن أحمد زبارة، بسنده المتقدم.
وأروي أيضاً ذلك وغيره عن والدي قدس الله روحه، عن شيخه السيد الإمام، عالم آل الرسول الكرام، عبدالله بن أحمد البصير المؤيدي العنثري، قراءة وإجازة، وبجميع الطرق السابقة إليه، عن شيخيه شيخي الإسلام عبدالله بن علي بن علي الغالبي، /288
وأحمد بن إسماعيل القرشي العلفي.
فأما القاضي الحافظ شيخ الإسلام عبدالله بن علي الغالبي، فعن شيخيه السيدين الإمامين: أحمد بن يوسف زبارة، وأحمد بن زيد الكبسي قراءة، وإجازة، بطرقهما السابقة آنفاً، والآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وأما القاضي العلامة أحمد بن إسماعيل القرشي، فعن شيخه السيد الإمام، محمد بن عبد الرب بن الإمام ثم بطرقه المارة، والآتية إن شاء الله تعالى.
ويروي أيضاً ذلك وغيره الإمام الأعظم، المجدد للدين، المهدي لدين الله، محمد بن القاسم بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، وهو يروي هو والسيد الإمام، شيخ بني الحسن أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخهما السيد العلامة الحسن المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف، بن يحيى الكبسي، عن أخيه محمد المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين وألف؛ بن يحيى الكبسي قراءة، وعن السيد العلامة قاسم المتوفى سنة إحدى ومائتين وألف بن محمد الكبسي، إجازة عن السيد العلامة الكبير هاشم المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائة وألف، بن يحيى الشامي اليحيوي، مؤلف نجوم الأنظار، حاشية على البحر الزخار، عن السيد العلامة زيد بن محمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد (ع)، عن القاضي العلامة علي المتوفى سنة تسع عشرة ومائة وألف، بن يحيى بن أحمد بن مضمون البرطي، عن إمام العلوم، وطود الحلوم، سيد أعلام التحقيق، الحسين، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
نعم فهذا مختار الطرق إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، ومعتمدها.
وثمة طرق إلى الإمام، وإلى من بعصره من الأعلام، سيكون التعرض لها إن وقع احتياج إليها في التفصيل ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وفيما ذكرنا كفاية وافية، وعليها المدار في الإيراد والإصدار، وسواها متفرعة منها، ومستندة إليها، كما يعلمه ذووا الاطلاع والاختبار.
هذا، وفيما قد حصّلناه هنا فائدة عظمى، ومهمة كبرى، وهي أن كل من /289
اتصل به السند هذا المبارك، فهو طريقنا إليه، في كل ماله من رواية ودراية وتأليف، من لدينا إلى الإمام القاسم بن محمد (ع) يعلم ذلك.
وإنما تيسر لنا هذا المطلب الأعظم بمن الله تعالى وفضله، لمزيد العناية، وكلية البحث في اختيار الرواة، الناقلين عمن اتصلوا به لجميع ما له، حتى اتصل السند ـ والحمد لله تعالى ـ؛ وسنبلغ الجهد في إتمام ذلك بإعانة الله تعالى وتسديده، ونوضح ماتحصل من ذلك.
وماكان في رواية مُعَيَّنَةٍ أو كتاب خاص، فسيتبين من السياق، والله تعالى ولي التوفيق.
ولنعد إلى المقصود، بعون الملك المعبود، فنقول: والإمام الأعظم، المجدد للدين، أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، القاسم بن محمد، يروي ذلك وغيره، بطرقه إلى الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن الإمام الهادي لدين الله، علي بن المؤيد (ع). بطرقه إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين بن شمس الدين، بطرقه إلى الإمام المنصور بالله، محمد بن علي السراجي الوشلي (ع).
بطرقه إلى الإمامين الأعظمين، المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، والهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن المؤيدي (ع) بطرقهما إلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (ع)، بطرقه إلى الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين محمد بن علي، ووالده الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد (ع)، بطرقهما إلى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع)، بطرقه إلى الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى وولده الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع)، بطرقهما إلى الإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، بطرقه إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان، وشيخي آل رسول الله شمس الدين يحيى، وبدر الدين محمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع) بطرقهم إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) /290
بطرقه إلى الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، وأخيه الإمام الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)، بطرقهم إلى الإمام عماد الدين يحيى بن المرتضى محمد بن الإمام الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع)، بطرقه إلى عمه الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى (ع)، بطرقه إلى إمام الأئمة وهادي الأمة، أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع)، عن أبيه الحافظ الحسين، عن أبيه ترجمان الدين، نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم الغمر، عن أبيه إسماعيل الديباج، عن أبيه إبراهيم الشِبْه (ع)، عن أبيه الحسن الرضى، عن أبيه الحسن السبط، عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، علي بن أبي طالب (ع)، عن الرسول الأمين، صفوة رب العالمين، خاتم النبيين، محمد بن عبدالله ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين ـ.
فهذه السلسلة النبوية، الهادية المهدية، من العترة الطاهرة، نجوم الدنيا وشموس الآخرة.
سلسلة من ذهبِ .... منوطة بالشُّهبِ
ونسبة ترددت .... بين وصي ونبي
سبحانَ مَنْ طهّرها .... عن شائبات النّسبِ
من استمسك بهم فقد استمسك بقوي الأسباب، وهُدي إلى منهج السنة والكتاب.
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى .... وخير حبال العالمين وثيقها
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
نعم، وهذا السند الشريف من بعد الإمام القاسم بن محمد، منه ماهو متصل، ومنه ما هو بواسطة؛ وقد وقعت الإشارة إلى ذلك بقوله: بطرقه؛ إلا أنه لم يفصل فيه، بين المتصل وغيره؛ وسيتضح جميع ذلك في التفصيل الآتي ـ إن شاء الله تعالى ـ؛ مع أن /291
ذلك معلوم لمن له اطلاع على أحوالهم.
ومن نظر في التحف الفاطمية ـ نفع الله تعالى بها ـ تبين له أحوال كل إمام منهم (ع).
وأما من قبل الإمام القاسم بن محمد (ع) فهو متصل؛ وكذا الأسانيد التي نوردها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ، والله الهادي.
هذا، قال الإمامان الأعظمان: المتوكل على الله، يحيى شرف الدين؛ والمؤيد بالله، محمد بن القاسم بن محمد (ع)، واللفظ للإمام المؤيد بالله (ع) بتصرف يسير، لايخل بالمقصود: وقد اشتملت هذه الطرق على الطرق الموصلة لنا إلى رواية الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي (ع)، رواها المؤيد بالله عن الفقيه العالم المجتهد، أبي الحسين، علي بن إسماعيل بن إدريس الفقيه، عن الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، الحسن بن علي الأطروش، عن شيخ الإسلام، محمد بن منصور المرادي ـ رضي الله عنه ـ.
ومحمد بن منصور يروي عن الإمام القاسم بن إبراهيم، بسند آبائه المتقدم.
ويروي محمد بن منصور أيضاً، عن الإمام عالم آل محمد، أحمد بن عيسى، عن أبيه عيسى الحافظ، عن أمير المؤمنين، إمام أهل البيت المطهرين، زيد بن علي، عن أبيه زين العابدين، علي بن الحسين، عن أبيه سيد شباب أهل الجنة، سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب، عن سيد العالمين، رسول الله الأمين، محمد بن عبدالله، صلوات الله عليه وآله وسلامه.
ويروي الإمام أحمد بن عيسى (ع) أيضاً، عن حسين بن علوان، عن أبي خالد الواسطي، عن الإمام زيد بن علي (ع)، بسنده السابق.
ويروي الإمام المؤيد بالله، أحمد بن الحسين، عن أبي العباس الحسني، وهو يروي عن السيد الإمام القدوة، أبي زيد، عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، عن آبائه /292
وللسيد الإمام أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني، طريق أخرى رواها عن السيد الإمام علي بن العباس، عن الإمام الهادي إلى الحق، عن آبائه (ع)، كما تقدم.
وللإمام المؤيد بالله طريق أخرى، رواها عن الحافظ أبي الحسين، علي بن إسماعيل الفقيه قال: حدثنا أمير المؤمنين، الناصر لدين الله، الحسن بن علي الأطروش، قال: حدثنا الحافظ المشهور، بشر بن هارون، قال: حدثنا محدث بغداد، الحجة الفقيه، يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا الحافظ المشهور، جرير بن عبد الحميد، قال: حدثنا الحافظ الثقة، مغيرة بن مقسم الضبي، قال: حدثنا زيد بن علي؛ وذكر السند المتقدم.
وللمؤيد بالله طريق أخرى، رواها عن أبي العباس، أحمد بن إبراهيم (ع) قال: حدثني أبي قال: حدثني حمزة بن القاسم العلوي العباسي، قال: حدثني جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن منصور المرادي، عن محمد بن عمر المازني، عن يحيى بن راشد، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد تضمنت هذه الطرقُ الطرقَ الموصلة إلى قدماء الأئمة من ولد الحسن والحسين، الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه؛ وباقر العلم، محمد بن علي، وولده الصادق جعفر بن محمد، عن آبائهما؛ والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأخيه الإمام إبراهيم، عن آبائهما؛ وغيرهم من الأئمة، والسادة، ومشائخهم من المتقدمين والمتأخرين، من وقتنا إلى زمن سيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أجمعين. انتهى.
قلت: ولله الإمام الناصر الكبير، الحسن بن علي (ع)، حيث يقول:
وعلمهم مسند عن قول جدهمُ .... عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا
قال الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد (ع): قال القاضي /293
جعفر: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي الحسن الكني، عن الإمام العالم، توران شاه بن خسرو شاه بن بابويه الجيلي، عن الفقيه أبي علي بن آموج الجيلي، عن القاضي الأجل العالم زيد بن محمد الكلاري الزيدي، عن الشيخ علي خليل، عن القاضي الأجل يوسف الخطيب للمؤيد بالله (ع)، عن السادة الفضلاء أبي العباس، أحمد بن إبراهيم، وأبي الحسين المؤيد بالله، أحمد بن الحسين بن هارون، وأخيه الإمام الناطق بالحق الظافر بتأييد الله، يحيى بن الحسين (ع)، بجميع مافي المنتخب والأحكام، وأمالي أحمد بن عيسى (ع).
فهذا إسناد الأئمة السادة، والأخوين والرسي (ع)، المذكور أولاً.
وروى عن عمه الناصر أحمد بن يحيى قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، قال: حدثني أبي، عن أبيه القاسم بن إبراهيم، قال القاسم: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ..إلخ كلامه.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وهذا إسناد ثابت عندنا، غير أن في هذا فائدة أخرى، وهو اتصال السند بالسادة الهارونيين جميعاً، وبإسناد المنتخب مع الأحكام، يعلم ذلك الواقف عليه. انتهى.
نقلت هذا ـ أعني من قوله: قال القاضي جعفر: أخبرني.. إلخ ـ من كتاب القاضي العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ، قال فيه: انتهى بحروفه من خطه (ع).
قلت: وهذا السند أحد الطرق إلى مؤلفات الأئمة الثلاثة: الأخوين، وأبي العباس(ع)، ومروياتهم.
ولنُشِرْ على سبيل الاختصار، إلى يسير من أحوال الرواة هؤلاء، في سند كتب العراق؛ وقد جرى ذكرهم جميعاً في التحف الفاطمية، وفي هذا مزيد تحقيق.
[من ترجمة الكني، توران شاه، علي بن آموج، القاضي زيد بن محمد الكلاري]
فأقول وبالله التوفيق: أما شيخ القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد /294
ـ رضي الله عنه ـ فهو الشيخ الإمام الحافظ، قطب الدين، أبو العباس ـ ويقال: أبو الحسن ـ، أحمد بن أبي الحسن الكني؛ هكذا صححه الإمام القاسم بن محمد (ع).
قال السيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن القاسم في طبقات الزيدية: كان من أساطين الملة، وسلاطين الأدلة، وهو الغاية في حفظ المذهب؛ لقيه بعض شيوخ اليمن بمكة، وأجاز لجميع من في اليمن..إلخ.
وشيخه أبو الفوارس، توران شاه (بضم المثناة من فوق، وسكون الواو، فراء، فألف، فنون، فشين معجمة، فألف، فهاء) بن خسرو شاه (بخاء معجمة، فسين، فراء مهملتين، فواو، فشين معجمة) ابن بابويه (بموحدتين من تحت، بينهما ألف، فواو، فمثناة من تحت، فهاء).
قال في الطبقات: الإمام أبو الفوارس، شيخ الزيدية، وحافظ علوم الأئمة، ومرجع الإسناد؛ بل قطبه للمذهب الشريف؛ وإليه يرجع أهل المذهب، كان إماماً عالماً. وهو شيخ الكني.. إلخ.
وشيخه أبو علي ـ ويقال: علي بن آموج ـ كطالوت ـ.
قال في الطبقات: قال السيد أحمد بن الأمير: هو الفقيه العلامة الأفضل، صاحب تعليق الإبانة.
وقال القاضي: هو واسطة عقد الإسناد للمذهب، مفخر العراقين، ملحق الأصاغر بالأكابر.
إلى أن قال: وكان يكنى بعدل أهل الأرض. انتهى.
قلت: يعني بالقاضي: العلامة، أحمد بن صالح بن أبي الرجال، صاحب مطلع البدور.
وقال الملا يوسف: كان معاصراً للإمام أبي طالب الأخير، وله حاشية على الإبانة، وتعليق الفقه. انتهى.
وشيخه القاضي زيد بن محمد الكلاري (بفتح الكاف).
قال في طبقات الزيدية: قال القاضي: هو القاضي الإمام، حجة المذهب، شيخ الشيوخ، وحيد أهل الرسوخ، حافظ المذهب وعالمه الذي لايبارى، ولا يمارى ولايجارى.
إلى قوله: وليس لشرحه بعد ذهاب الشرحين: شرحي /295
التحرير، والتجريد للأخوين، نظيرٌ أقرّ له الموالف والمخالف؛ وجميع مشائخ الزيدية يغترفون من رحيقه، ويعترفون بتحقيقه.
ذكره الملا يوسف الجيلاني، في جماعة المؤيد بالله. انتهى.
[ترجمة علي خليل، والقاضي يوسف، وابن ثال]
وشيخه العلامة الجليل، علي بن محمد خليل.
قال في الطبقات: الشيخ الجليل الجيلي، صاحب المجموع، الذي يقال له: مجموع علي خليل، يروي كتب الزيدية، وأئمتهم، وشيعتهم، بالسند المعروف، عن القاضي يوسف الجيلي بسنده.
وأخذ عنه القاضي زيد بن محمد الكلاري. انتهى.
وشيخه، القاضي، العلامة يوسف بن الحسن الجيلي الكلاري، خطيب المؤيد بالله.
وقال السيد الإمام في الطبقات: ونقلت من خط الإمام القاسم بن محمد (ع)، وصح لي عنه سماعاً بواسطة مشائخي إليه، وإجازة أيضاً، من غير واحد؛ في ذكر سند القاضي جعفر مالفظه: حدثنا الكني، عن الإمام توران شاه الجيلي، عن الفقيه علي بن آموج، عن القاضي زيد، عن القاضي يوسف الخطيب للمؤيد بالله، عن السادة الفضلاء: أبي العباس أحمد بن إبراهيم، وأبي الحسين المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وأخيه الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين (ع)؛ بجميع مافي المنتخب والأحكام، وأمالي أحمد بن عيسى، وغير ما في هذه الكتب؛ عن الناصر وغيره.. إلخ الكلام الذي مرّ قريباً.
وهذا بعد أن قال: يروي سند الفقه، عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، عن السيد أبي العباس الحسني.
وله طريق أخرى، عن الأستاذ أبي القاسم ابن ثال الهوسمي، عن المؤيد بالله، عن السيد أبي العباس.
ويروي أيضاً، عن السيد أبي طالب يحيى بن الحسين.
قال: وكان القاضي يوسف فاضلاً، ممن عاصر المؤيد بالله، وله شرح على الزيادات، وحكى شيئاً من سيرة المؤيد بالله، ومعدود من أصحابه، وتلامذته. انتهى.
وأروي مذاهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، بالطرق السابقة، إلى الإمام الأعظم، المنصور بالله القاسم بن محمد (ع)، /296
وهذه الطريق تتضمن سند الأحكام، والمنتخب، والمجموع للإمام الهادي إلى الحق، وأصول الأحكام للإمام المتوكل على الله (ع)، تفصيلاً.
ولا بأس بإيراد طريقةٍ من مختار طرقنا، إلى الإمام القاسم بن محمد؛ وإن كانت قد سبقت الطرق مستوفاة إليه (ع).
وهي أني أروي جميع ماتقدم، عن والدي ـ رضوان الله عليه ـ قراءة وإجازة، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي ـ قدس الله روحه ـ قراءة وإجازة؛ عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، - رضي الله عنهما - قراءة وإجازة؛ عن السيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام، قراءة وإجازة؛ وهو يروي ذلك، عن عمّه السيد العلامة إسماعيل بن محمد، عن والده العلامة محمد بن زيد، عن والده العلامة زيد بن الإمام، عن والده الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
قال (ع): أروي مذهبي، عن السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن المهدي الجحافي القاسمي.
قلت: هو من ذرية الإمام القاسم بن علي العياني (ع)، وفاته عام أحد عشر وألف.
قراءة؛ وعن السيد العلامة، أمير الدين بن عبدالله، من آل الإمام المطهر بن يحيى، إجازة؛ وعن غيرهما، إجازة وقراءة، عن السيد العلامة، أحمد بن عبدالله، المعروف بابن الوزير؛.
قلت: توفي عام خمسة وثمانين وتسعمائة وهو السيد الإمام، شمس الدين، أحمد بن عبدالله بن أحمد بن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير (ع).
عن الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين؛ عن السيد إبراهيم بن محمد الوزير؛.
قلت: يعني صارم الدين صاحب الهداية، والفصول، والبسامة.
عن السيد صلاح الدين، عبدالله بن يحيى الزيدي نسباً ومذهباً؛ عن والده يحيى بن المهدي، عن الإمام المهدي لدين الله، محمد بن المطهر.
قلت: قال في الهامش: في هذا فائدة، أن السيد يحيى بن المهدي يروي /297
عن الإمام محمد من غير واسطة؛ لأن المعروف أنه يروي عنه بواسطة ولده الواثق. انتهى.
عن والده الإمام المطهر بن يحيى، عن شيخ الشيعة العلامة، محمد بن أبي الرجال.
قلت: هو محمد بن أحمد بن أبي الرجال، وفاته عام ثلاثين وسبع مائة، وكان يقول: أنا تلميذ إمام، وشيخ إمام.
عن الإمام الشهيد، أحمد بن الحسين؛ عن الشيخ أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، المعروف بشعلة.
قلت: وهذا من مشائخ الشيعة الأعلام، وهو تلميذ الإمام الأعظم المنصور بالله عبدالله بن حمزة، كما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، وفاته في عشر الأربعين وستمائة تقريباً، كذا في الطبقات.
[ترجمة الشيخ محيي الدين القرشي]
عن الشيخ محمد بن أحمد بن الوليد القرشي.
قلت: هو إمام الشيعة، وحافظ الشريعة، محيي الدين، الذي يروي عنه الإمام الأعظم المنصور بالله (ع)، وعلماء عصره، ويقال له أيضاً: حميد؛ فله اسمان لمسمى؛ وقد أشرتُ إلى ذلك عند ذكره في التحف الفاطمية ، وينبغي التنبه لذلك؛ فقد وقع في الغلط بسببه بعض العلماء الأثبات، وتوهموا أنهما أخوان، وما الاسمان إلاّ له، كما حقق ذلك الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في ترثيته، وأفاده علماء عصره؛ وأشار إليه في مطلع البدور وغيره، وهو معلوم لاريب فيه.
عن الإمام المتوكل على الله، أحمد بن سليمان، عن الشيخ الأجل إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث، عن عبد الرزاق بن أحمد.
قلت: أما القاضي إسحاق فهو من أعلام العصابة، وشهرته تكفي عن شرح حاله، وقد ترجمنا له ولأمثاله في التحف الفاطمية ، كما سبق ذكره.
وأما الشيخ عبد الرزاق بن أحمد، فقال بعض علمائنا الكرام في ترجمته: كان من فضلاء أشياع العترة وكبراء علمائهم، وعظماء أتباعهم. انتهى /298
عن الشريف علي بن الحارث، وأبي الهيثم يوسف بن أبي العشيرة.
قلت: وابن أبي العشيرة من أعلام الشيعة الكرام، وكان إذا حج تلقاه أمير مكة، تعظيماً للزيدية؛ قيل في حقه: كان يرد على اثنتين وسبعين فرقة.
عن الحسن بن أحمد بن محمد الضهري، إمام مسجد الهادي (ع)، عن محمد بن أبي الفتح، عن الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى، عن أبيه الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، عن أبيه الحسين الحافظ، وعميه: محمد، والحسن؛ عن أبيهم ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم الغمر، عن أبيه إسماعيل الديباج، عن أبيه إبراهيم الشبه، عن أبيه الحسن المثنى، عن أبيه الحسن السبط، وعمه الحسين السبط؛ عن أبيهما علي بن أبي طالب، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فهذا مذهبنا.
انتهى كلام الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
قلت: وما أحق المقام، بقول السيد الإمام، جمال الإسلام، الهادي بن إبراهيم الوزير (ع):
سندٌ عن الهادي وعن آبائه .... لا عن حديث مسدد بن مسرهدِ
القصيدة.
قلت: مسدد عدّه في الشافي من العدلية، وإنما أراد التمثيل، وللقافية.
قال في كتاب شيخ الإسلام، حواري آل محمد الكرام (ع)، أحمد بن سعد الدين ـ رضوان الله عليه ـ، عند ذكره لطريق الأحكام وأصول الأحكام المذكورة؛ وقد نقل كلامه هذا شيخ الإسلام الأخير، حافظ عصره الكبير، فخر أشياع العترة، عبدالله بن علي الغالبي ـ رضي الله عنه ـ، مالفظه: وهذه الطريق، من نظر إليها بعين الإنصاف، وسَلِمَ عن داء الميل عن أهل البيت النبوي والانحراف، علم قطعاً ويقيناً، أن إجراء من ذكر فيها على لسانه، يستدفع به البلاء، ويكون سبباً لصلاح حاله وشأنه.
انظر إلى طريق أصول الأحكام، فإن ابتداءها من الإمام المتوكل على الله /299
شرف الدين، وتنتهي إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان؛ وبين الإمامين عشرة: سبعة من نجوم العترة النبوية، وثلاثة من أعيان شيعتهم، المهتدين بهديهم، والمستمسكين بعروتهم، المتينة القوية؛ كل واحد من الثلاثة شيخ إمام، تلميذ إمام، أو تلميذ تلميذ إمام.
قلت: يعني بتلميذ التلميذ، العلامة الأكوع المعروف بشعلة، ولكنه تلميذ الإمام الأعظم الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وإن كان لم يذكر في هذا السند إلا الشيخ محمد بن أحمد، كما يأتي في الأسانيد.
رجع إلى تمام مافي الكتاب المذكور.
قال: هذا فيما بين الإمامين: المتوكل على الله شرف الدين، والمتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع).
ثم إن بين الإمام أحمد بن سليمان، والإمام الهادي إلى الحق ستة، آخرهم الإمام المرتضى لدين الله محمد بن يحيى الهادي (ع)، وأولهم الشيخ العلامة، المشهور بالعلم والفضل، إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث ـ رحمه الله ـ وهو من أكابر علماء الزيدية، وعظماء أنصار العترة الطاهرة النبوية، وهو أخو القاضي جعفر في العلم والبراعة، وله مصنفات ورسائل، أكثرها في الإمامات؛ ولقي الحاكم أبا سعيد ـ رحمه الله ـ في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
وفي البين الشريف: علي بن الحارث.
فإذا نظرت إلى ذلك، وجدت هذه السلسلة المباركة، من الإمام المتوكل على الله شرف الدين، إلى سيد المرسلين، وخاتم النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ـ؛ كلها نبوية ليس فيها إلا سبعة من فضلاء أشياع العترة، وكبراء علمائهم، وعظماء أتباعهم، أعاد الله من بركاتهم، وأماتنا على مودتهم، وحشرنا في زمرتهم، وعافانا من داء مبغضيهم، ومحبي أعدائهم، ومبغضي محبيهم، ومن تأول لمحاربيهم؛ فو الله، لا يدخل الإيمان قلب رجل هذه صفته.
انتهى كلامه، رضوان الله عليه وسلامه.
قلت: وقد اتصل سندنا ـ بفضل الله تعالى ـ كما ترى، ليس بيني وبين الإمام المتوكل على الله شرف الدين (ع) في هذه الطريق إلا أحد عشر من كرام /300
أئمة آل محمد، وأعلام مقتصديهم ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ أولهم والدي، وآخرهم السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير ـ رضوان الله عليهم ـ.
نعم، وهذه إحدى الطرق إلى إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم أفضل الصلاة والتسليم ـ وقد تقدمت طريقان:
إحداهما: عن السيد الإمام، عماد الإسلام، يحيى بن المرتضى، عن عمه الناصر للحق، عن أبيه الهادي إلى الحق؛ يرويها الإمامان الأخوان: المؤيد بالله وأبو طالب؛ والسيد الإمام أبو العباس (ع).
والثانية: يرويها أبو العباس الحسني، عن السيد الإمام علي بن العباس الحسني، عن إمام الأئمة، وهادي الأمة، يحيى بن الحسين (ع).
فهذه هي الطرق المتصلة به ـ صلوات الله عليه ـ، فيما وقفنا عليه عند علماء اليمن، وعليها المدار، في الإيراد والإصدار؛ وستتكرر هذه الأسانيد المباركة، ويكون التحويل عليها ـ إن شاء الله تعالى ـ؛ فلتكن على ذكر منك، والله ولي التوفيق.
ونتمم الإفادة في هذا البحث، بإيراد المقصود، مما رسمه المؤيد بالله، محمد بن القاسم بن محمد (ع)، وصحح السند إليه، من كتب أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، وغيرهم.
فما نوصل السند إليه منها فيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، فهذا مقدمة له.
ومالم نوصل إليه السند من كتب أئمتنا (ع)، ولا نترك ـ إن شاء الله تعالى ـ، إلا مالا يوقف عليه في شيء من كتب الأسانيد الموجودة المعتمدة؛ ففي تصحيح الإمام (ع) له كفاية، فهو (ع) أمين الرواية، متين الدراية، من أعلام أئمة الهداية (ع)؛ وقد صحت ـ بحمد الله ـ لنا رواية ماحرره (ع)، بالأسانيد الصحيحة، المتصلة به، فيما سبق وما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[إجازة الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم للسيد العلامة علي بن الحسن الحسيني المدني]
قال الإمام الأواه، المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع)، فيما كتبه (ع) إلى المدينة النبوية ـ على مشرفها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ في عام /301
أربع وثلاثين وألف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل العلم وسيلة إلى نيل أرفع الدرجات، وسهل لنا السبيل إلى حفظه بما ركب فينا من الأسماع والأبصار والآلات.
ثم ساق إلى ذكر المُجَاز له، وهو السيد العلامة الأجل، علي بن الحسن الحسيني المدني ـ رضي الله عنه ـ.
إلى قول الإمام (ع): فنقول وبالله التوفيق:
اعلم ـ رفع الله قدرك، وأعلا في منازل العلماء ذكرك ـ أن الإجازة نوع من الوكالة؛ إذْ هي خبر جملي، تتضمن الأذن بالإخبار عن الشيء؛ ولهذا أشترط على المجاز له شروطها المعروفة، التي منها: جودة الفهم، وإمعان النظر، والبحث عن النسخ الصحيحة، والتثبت؛ ليأمن التحريف والوهم، والقول على الله وعلى رسوله مالا يعلم.
إلى قوله (ع): وقد استخرتُ الله وأجزتُ لكم، أن ترووا عني بذلك الشرط جميع مسموعاتي، وجميع ماصحت لي روايته في الأصولين، والفروع، وأدلتها، من آيات الأحكام، وآحاديث الرسول (ع)؛ وآلتها من العربية، وتوابعها.
قلت: ومن هنا منقول عن الإمام في طبقات الزيدية، وقال مؤلفها (ع): إن الإمام (ع) ذكر فيها علماً جماً، وذكر كتب المذهب، مذهب الأئمة (ع).
وساقها إلى آخرها في موضعين من الجزء الثالث، وهي بتمامها في كتاب القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ.
قال الإمام (ع): فمن كتب المذهب: مجموعا الإمام زيد بن علي (ع)، وأمالي حفيده أحمد بن عيسى (ع)، المسماة ببدائع الأنوار.
ومنها: السير، للإمام المهدي لدين الله، النفس الزكية، محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومنها: الجامع الكافي، المعروف بجامع آل محمد، تأليف الإمام أبي عبدالله محمد بن علي.
قلت: رفع نسبه إلى جده عبد الرحمن، وقال بعده: ابن الحسين؛ وهو سبق قلم فليس ذلك في نسبه وقد نقلته /302
على الصحة من المشجرات المعتمدة وغيرها في التحف الفاطمية .
ولهذا السهو، لم نذكر عن الطبقات في الموضعين، إلا محمد بن علي، كما هنا، فاعلم ذلك.
وساق في وصف الجامع؛ والمقصود بذلك ماصحّ منه.
ولاشك أن أصل الكتاب قد روي بالطريق إلى المؤلف؛ فأما الزيادات، فلا، ودون تصحيحها، لمن رام ذلك خرط القتاد؛ فأما الخبط والمجازفة والعناد، فما دونها حاجز إلا تقوى الله تعالى رب العباد.
وقد تبرأ الإمام (ع) في آخر البحث ـ كما تقف عليه ـ مما خالف عقائد أهل البيت (ع).
وسيأتي الكلام على الجامع، في ذكر سنده في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ بما يعرفه أرباب الاطلاع والانتقاد، والله تعالى الموفق للسداد.
[أمهات كتب الزيدية التي تضمنتها الإجازة المذكورة]
عدنا إلى كلام الإمام.
قال (ع): ومنها: الجامعان: المنتخب والأحكام، للهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع)، وما اشتملت عليه فتاواه، وفتاوى أولاده، وكتبهم، وكتب جدهم القاسم بن إبراهيم (ع)، وروايتهم، ورواية سائر أولاد القاسم، عدا من روى عنه منهم في كتب أئمة كوفان، وهو داود بن القاسم (ع)؛ فمن طريق الجامع الكافي.
ومنها: كتب الناصر الأطروش الحسن بن علي، وقد اشتمل على معظمها كتاب الإبانة، والمغني، وزوائدهما.
ومنها: المصابيح، لأبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، في السير والآثار، وتتمتها لعلي بن بلال.
ومنها: شرح التجريد، للإمام المؤيد بالله، أحمد بن الحسين الهاروني (ع).
ومنها: أمالي الإمام المرشد بالله، يحيى بن الموفق بالله الجرجاني.
ومنها: أمالي الإمام أبي طالب يحيى بن الحسين الهاروني، وشرح التحرير له، والمجزي في أصول الفقه، وجوامع الأدلة فيهما؛ والإفادة في تاريخ الأئمة السادة، وكتاب الدعامة في الإمامة له؛ وكتاب نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ جمع الشريف أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي.
ومن /303
أجلّ من أُخِذَ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى بن سراهنك، الواصل من بلاد العجم.
وساق في أحواله ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ، في سند النهج.
قال (ع):
ومنها: كتاب البرهان، في تفسير القرآن، للإمام الناصر لدين الله أبي الفتح الديلمي (ع).
ومنها: كتاب أصول الأحكام، في الحديث، للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، وكتاب حقائق المعرفة له.
ومنها: مصنفات الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع)، ككتاب الشافي، والمجموع المنصوري، وصفوة الاختيار في أصول الفقه؛ وغيرها.
ومنها: فتاوى الإمام المهدي لدين الله، أحمد بن الحسين القاسمي (ع).
ومنها: شفاء الأوام، في أحاديث الأحكام، للأمير الكبير، الحسين بن محمد اليحيوي، والتقرير، له.
ومنها: كتاب أنوار اليقين، ومااشتمل عليه شرحه من الأدلة والأحاديث، الشاهدة على إمامة أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، وأهل بيته، وفضائلهم، لصنو الأمير الحسين، وهو الإمام المنصور بالله، الحسن بن محمد، المكنى بدر الدين.
ومنها: شرح النكت، للقاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام.
ومنها: مجموعات السيد الإمام، حميدان بن يحيى القاسمي، في الأصول.
ومنها: كتاب عقود العقيان، في الناسخ والمنسوخ من القرآن، للإمام المهدي لدين الله، محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع).
ومنها: مصنفات الإمام المؤيد بالله، يحيى بن حمزة الحسيني، مُصَنِّفُ الانتصار؛ وهي كثيرة في كل فن.
ومنها: الأزهار، في الفقه، للإمام المهدي، أحمد بن يحيى (ع)؛ وأمهاته من التذكرة، للفقيه حسن بن محمد النحوي؛ وشروحها لجماعة؛ واللمع، للأمير علي /304
بن الحسين اليحيوي الهادوي، وشروحها لجماعة، وغيرها من الأمهات.
ومنها: البحر الزخار، للإمام المهدي، أحمد بن يحيى، أيضاً، بجميع ما اشتمل عليه من الفنون، وجميع مصنفاته (ع) في كل فن.
ومنها: الروضة والغدير، في آيات الأحكام، للسيد محمد بن الهادي بن تاج الدين، وفروعها الثمرات، للفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان، وشرح الفقيه عبدالله النجري.
ومنها: المعراج شرح المنهاج، في علم الكلام، للإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع).
ومنها: كتاب الأثمار، للإمام المتوكل على الله شرف الدين، يحيى بن شمس الدين، وشروحه مثل: شرح القاضي العلامة، محمد بن يحيى بن بهران الصعدي البصري التميمي؛ وشرح القاضي عماد الدين، يحيى بن محمد بن حسن المقرائي؛ وشرح الفقيه، صالح بن صديق النمازي الشافعي.
ومنها: فتاوي الإمام الناصر لدين الله، الحسن بن علي بن داود المؤيدي (ع).
ومنها: مصنفات حي والدنا، الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد ـ قدس الله روحه ـ في الحديث والأصول، والفروع، وغيرها.
إلى غير ذلك مما اشتملت عليه كتب الأئمة وفتاواهم.
ومن كتب فقهاء العامة: في التفسير كتاب الكشاف، لجار الله العلامة، وغيره.
ومنها: أمهات الحديث، وهي الصحاح الستة، وجامع الأصول لابن الأثير، وتجريد جامع الأصول لهبة الله البارزي، والتيسير للديبع، والمعتمد للقاضي محمد بن يحيى بن بهران الصعدي، والمستدرك للحاكم.
وغيرها من الكتب المتداولة بين أهل هذا الشأن، في الحديث وغيره في كل فن، مما يطول تعداده.
وأنا أبرأ إلى الله من اعتقاد مايوهمه بعضها من الجبر، والتجسيم، والتشبيه، ومايخالف المنقول، الصحيح والمعقول، ويخالف عقائد أهل البيت (ع).
فهذه الكتب المذكورة، وغيرها مما لم يذكر، قد صحت لنا بطرق الرواية المعتبرة عند أهل العلم؛ المتصلة بالإسناد إلى مصنفيها؛ وتفصيل طرقها يستوعب مجلداً. /305
ثم ساق (ع) الإسناد الجملي، المتصل بالأئمة السابق ذكره عنه؛ وعن الإمام يحيى شرف الدين.
إلى قوله: وبطريقنا عن والدنا المنصور بالله ـ قدس الله روحه ـ، وغيره من مشائخه الذين أخذنا عنهم، وعن غيرهم من أهل البيت، وغيرهم.
إلى قوله: وقد اشتمل على تفصيل هذا الإجمال كتاب، جمع فيه الوالد ـ قدس الله روحه ـ جميع طرق علوم الإسلام.
[فقهاء المذاهب الأربعة اغترفوا من خضم العترة الزاخر]
إلى أن قال (ع):
ومن بحار القدماء من أهل البيت اغترف أئمة المذاهب الأربعة؛ فإن أكثر الفقهاء في الصدر الأول، الذي كان فيه زيد بن علي، كانوا على رأيه، ثم بعده كذلك.
فأبو حنيفة من رجاله وأتباعه، في كل كتاب من كتب أهل المقالات، وكذا صاحباه: أبو يوسف، ومحمد.
والشافعي تلميذ لمحمد بن الحسن، وكان داعياً ليحيى بن عبدالله بن الحسن، الإمام في زمن هارون الرشيد، وشرس عليه بنو العباس لأجل ذلك.
وكذا كانت قراءته في غير الفقه، على رجلين، من أتباع زيد بن علي، وهما رجلا أهل الحق، أحدهما: يحيى بن خالد الزنجي؛ والآخر: إبراهيم بن أبي يحيى المدني.
وكذا مالك، كان يفتي من سأله بالقيام مع محمد بن عبدالله النفس الزكية، على المنصور أبي الدوانيق، وشيخه جعفر الصادق في الحديث.
فلا مذهب أقدم من مذهب زيد بن علي (ع)، وكيف لايكون كذلك، وهو يرويه عن أبيه عن جده، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ليس بينه وبينه إلا رجلان، ثالثهما الوصي ـ عليه السلام، ورحمة الله وبركاته.
انتهى كلامه رضوان الله عليه وسلامه /306
الفصل الخامس [في تفصيل أسانيد كتب الأئمة]
الفصل الخامس، في تفصيل المختار، من رواة العلوم والآثار.
ولنقدم الطرقات إلى مؤلفات آل الرسول قرناء التنزيل، وأمناء الملك الجليل، على جدهم وعليهم أفضل الصلوات والتسليم والتكريم والتبجيل.
وأولاها تقديماً وتشريفاً، وأولها تقدماً وتأليفاً، مؤلفات إمام آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، فاتح باب الجهاد والاجتهاد، ومقيم حجة الله في الأرض على العباد، الولي بن الولي، الطاهر الزكي، الهادي المهدي، أمير المؤمنين، المبشر به جده الرسول الأمين، أبي الحسين، الإمام الأعظم، زيد بن علي سيد العابدين، بن الحسين سبط سيد المرسلين، بن علي أمير المؤمنين، وأخي سيد النبيين، وابن فاطمة الزهراء، سيدة نساء الأولى والأخرى، بنت خاتم النبيين، وإمام المرسلين، صلوات الله وسلامه، وإكرامه وإعظامه، عليهم أجمعين، وعلى سلفهم وخلفهم الطيبين الطاهرين.
وقد سبق المختار من الطرق، إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع) في الإسناد الجملي، وإلى من بيننا وبينه في الفصول السابقة، فأروي بها جميعها عنه(ع)، وأُوْرِدُ هنا منها سنداً عالياً، ليس بيني وبين الإمام فيه، وفي كثير من الطرق إليه، وإلى أئمة الهدى ـ بفضل اللَّه تعالى ـ إلا أعلام النبوة، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، من بين إمام سابق، ومقتصد لاحق؛ ولأعلام الأئمة، /309
وعلماء الأمة، معظم الرغبة في مثل هذا المسلسل النبوي، حرصاً على اقتباس أنوارهم، والتماس آثارهم، والمرء مع من أحب.
قال الإمام عبدالله بن حمزة (ع):
والله ما بيني وبين محمد .... إلا أمرؤ هاد نماه هادي
إلى قوله (ع):
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتىً يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
ماأحسن النظر الصحيح لمنصف .... في مقتضى الإصدار، والإيراد
الأبيات.
ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لايشكرون.
[إسناد كتب الإمام زيد (ع)]
فأقول حامداً لله كما يجب لجلاله، ومصلياً ومسلماً على رسوله محمد وآله:
يروي المفتقر إلى الله تعالى، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما وغفر لهما وللمؤمنين ـ مجموعي الإمام الأعظم الولي بن الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ عليهم صلوات الملك العلي ـ: الحديثي، والفقهي، وسائر مؤلفاته ورسائله، بجميع الطرق السابقة إلى الإمام المنصور بالله، القاسم بن محمد، التي أرفعها عن شيخي، ووالدي العلامة الولي، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، سماعاً في المجموع الفقهي وغيره، وإجازة عامة في الجميع، عن شيخه أمير المؤمنين، المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن /310
القاسم الحوثي، عن شيخه أمير المؤمنين المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير، وشيخه السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي ـ رضي الله عنهم ـ.
فأما الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله، فيروي ذلك وغيره عن مشائخه الثلاثة:
السيد الإمام، بدر الآل الكرام، يحيى بن عبدالله بن عثمان الوزير.
والسيد الإمام، حافظ اليمن، سيد بني الحسن، أحمد بن زيد الكبسي.
والسيد الإمام، حافظ علوم العترة الكرام، مؤلف أنوار التمام، أحمد بن يوسف زبارة الحسني ـ رضي الله عنه ـ.
وثلاثتهم يروون ذلك، وغيره، عن السيد الإمام الحسين بن يوسف زبارة الحسني، عن أبيه السيد الإمام يوسف بن الحسين، عن أبيه السيد الإمام، حافظ علوم الإسلام، الحسين بن أحمد، عن السيد الإمام عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المجدد للدين المنصور بالله القاسم بن محمد.
(ح)، وأما السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، وكذا السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي أيضاً فيرويان ذلك، وغيره، عن السيد الإمام، نجم العترة الأعلام، محمد بن عبدالرب بن الإمام ـ رضي الله عنهم ـ، عن عمه السيد العلامة إسماعيل بن محمد، عن أبيه العلامة محمد بن زيد، عن أبيه العلامة زيد بن الإمام، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
وهو يروي ذلك، وغيره، عن مشائخه السادة الأئمة، أمير الدين بن عبدالله الهدوي الحوثي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي الجحافي، والسيد الإمام صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، المتوفى عام أربعة وعشرين وألف.
قال العلماء في شأنه إنه كان أفضل أهل زمانه، وأورعهم، وأفصحهم، صادعاً بالحق، لاتأخذه في الله لومة لائم /311
ثلاثتهم عن شيخهم السيد الإمام، شمس الإسلام، أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام أمير المؤمنين المتوكل على الله يحيى شرف الدين.
وهو يروي ذلك وغيره، عن الإمام الأكرم المجاهد في سبيل الله، المنصور بالله، محمد بن علي السراجي، عن شيخه الإمام المؤتمن، أمير المؤمنين الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، بن الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، عن شيخه الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن شيخه الإمام أمير المؤمنين، المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى (ع)، عن أخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى، المتوفى عام خمسة وثمانين وسبعمائة، والفقيه العلامة محمد بن يحيى المذحجي؛ عن الفقيه العلامة، علم الدين، علامة المعقول والمنقول القاسم، عن أبيه العلامة، عين أعيان علماء الزمان أحمد، المتوفى عام أحد وسبع مائة، عن أبيه إمام الأعلام الشهيد السعيد، حميد بن أحمد المحلي الهمداني الوادعي ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام الحجة أمير المؤمنين، المجدد للدين، المنصور بالله رب العالمين، عبدالله بن حمزة.
(ح)، وأروي ماتقدم من المجموع، وغيره بالسند السابق، المتصل بالإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع).
وهو يروي ذلك، وغيره، بقراءته للمجموع الشريف، على شيخه السيد الإمام، محدّث اليمن، مؤلف الهداية والفصول، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله الوزير، بقراءته على السيد الإمام، شيخ العترة ومحدثها ومفسرها، وحافظ علومها، صلاح الدين أبي العطايا، عبدالله بن يحيى، بقراءته على أبيه السيد الإمام العابد الزاهد، مؤلف صلة الإخوان، يحيى بن السيد الإمام، علم الأعلام، المهدي بن القاسم الحسيني، الزيدي نسباً ومذهباً، بقراءته على السيد الإمام الواثق برب الأنام، المطهر، بقراءته على أبيه الإمام المهدي لدين الله، أمير المؤمنين محمد، بقراءته على أبيه الإمام المظلل بالغمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، المطهر بن يحيى (ع)، بقراءته على الشيخ العلامة، المذاكر تقي الدين /312
محمد بن أحمد بن أبي الرجال ـ رضي الله عنه ـ بقراءته على الإمام الشهيد، المهدي لدين الله، أمير المؤمنين أحمد بن الحسين (ع)، بقراءته على شيخ الشيعة، وحافظ الشريعة، العلامة أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، المعروف بشعلة - رضي الله عنهم -، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
[السند إلى كتب الإمام عبدالله بن حمزة، وبعض كتب الأئمة، ومروياتهم]
نعم، ونروي بهاتين الطريقين إلى الإمام المنصور بالله (ع) جميع مروياته، ورسائله وأشعاره، ومؤلفاته الجامعة النافعة، التي منها كتاب الشافي، المتضمن لسند المجموع، وأمالي الإمام المؤيد بالله، وأمالي الإمام أبي طالب، وأمالي الإمام المرشد بالله الخميسية، والاثنينية، والمحيط بالإمامة، لعالم الشيعة، أبي الحسن علي بن الحسين الزيدي ـ رضي الله عنه ـ، ومناقب ابن المغازلي، وتهذيب الحاكم، وأمالي السمان، ومسند أحمد بن حنبل، والأمهات الست من كتب القوم، وغير ذلك، من العلوم الجمة، والأبحاث المهمة.
ولنا إلى الإمام في جميع ذلك طريق ثالثة، ستأتي إن شاء اللَّه تعالى، عند ذكر السند إلى مؤلفاته خاصة (ع).
وكذا نروي بهذا السند المبارك جميع مرويات الإمام الشهيد، المهدي لدين الله، أحمد بن الحسين، والإمام المتوكل على الله، المطهر بن يحيى، ومؤلفاتهما.
وجميع مرويات الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، ومؤلفاته؛ منها: المنهاج الجلي، شرح مجموع الإمام زيد بن علي، ومجموعه.
وجميع مرويات الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى، ومؤلفاته التي منها البحر الزخار والأزهار، وشرحه الغيث المدرار.
وجميع مرويات الإمام المتوكل على الله، المطهر بن محمد الحمزي، وما يروى عنه.
وجميع مرويات إمام التحقيق، الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، ومؤلفاته؛ منها: المعراج شرح /313
المنهاج، وشرح البحر إلى الحج.
وجميع مرويات الإمام المنصور بالله، محمد بن علي السراجي، ومايروى عنه، وجميع مرويات الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، ومؤلفاته؛ منها: الاعتصام، والأساس.
أروي مالكل إمام منهم (ع)، بالطريق المتصلة به، وكل من اتصل به الإسناد هذا ممن بيننا، وبين الإمام المنصور بالله (ع) من نجوم العترة، وعلماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، فهو طريق إليه في جميع ما له من تأليف، ورواية ـ بحمد اللَّه تعالى ـ فليحفظ هذا؛ ففيه فوائد عظام، ومقاصد جسام.
ونعود إلى التمام، بإعانة الملك العلام، فنقول:
قال الإمام الحجة المجدد للدين، عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي: إسناد مجموع الفقه لزيد بن علي.
أخبرنا الشيخ الأجل الأوحد، حسام الدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه اللَّه تعالى ـ قراءة عليه، وأخبرنا الشيخ الأجل العالم الفاضل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد العبشمي القرشي قالا: أخبرنا القاضي الأجل الإمام، شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ.
إلى آخر السند الآتي ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ، ونستكمل الأسانيد المختارة إلى القاضي جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ؛ ثم نرجع إلى كلام الإمام (ع) في الشافي، وهكذا نصنع عند كل من تتصل به الرواية من طرق متعددة كما سبق ويأتي.
وهذه علامة تحويل الإسناد (ح) كما لايخفى.
وكل من أعدنا ذكره بلفظ ويروي فلان أو نحوه فطريقنا إليه السند المتقدم إليه قبل ذلك، وهذا واضح، وإنما أكدته لزيادة البيان، وعلى الله التُّكْلان.
هذا، ويروي الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد؛ عن أبيه السيد الإمام، حافظ علوم الأئمة الكرام، محمد المتوفى، عام سبعة وتسعين وثمانمائة؛ عن أبيه السيد الإمام، فخر العترة الكرام، عبدالله، المتوفى عام أربعين وثمانمائة، ابن السيد الإمام، علم الأعلام، بحر العترة الزاخر، ونجم الأسرة الزاهر، جمال آل /314
محمد، الهادي بن إبراهيم الوزير، وتمام نسبهم الشريف مذكور في التحف الفاطمية ، عند ذكره في سيرة الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، كما سبق من التحويل، فيمن لم نذكره هنا على ذلك؛ عن السيد الإمام، متمم شفاء الأوام، صلاح بن الجلال اليحيوي؛ عن السيد الإمام، صاحب الكرامات العظام، الهادي بن السيد الإمام يحيى ـ مؤلف الياقوتة ـ بن الحسين بن يحيى بن الأمير الخطير ـ مؤلف اللمع والقمر المنير ـ علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)، والسيد الهادي بن يحيى مؤلف تعليقة اللمع، المعروفة بالشرفية، توفي عام أربعة وثمانين وسبعمائة، وهو في مشهد جده إمام اليمن يحيى بن الحسين (ع)؛ عن الإمام الولي أمير المؤمنين المهدي لدين الله، علي بن محمد بن علي (ع).
[ترجمة أحمد بن حميد الحارثي، وأحمد بن علي مرغم]
عن القاضيين العالمين، أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي.
قال فيه الإمام الواثق بالله (ع): ينبوع العلم الفوار، وزبرقان الفلك الدوار، فاتح الأرتاج، ودرة التاج.
إلى قوله:
وإن صخراً لتأتمّ الهداةُ به .... كأنه عَلَم في رأسه نارُ
إلى آخر كلامه.
وقال فيه السيد عماد الإسلام، يحيى بن المهدي في الصلة: كان أحمد بن حميد ـ أعاد الله من بركاته ـ عالماً فاضلاً ورعاً، يرى لأهل بيت محمد أبلغ مما يرى لنفسه.
إلى قوله: كافاه الله عنّا بالحسنى، وكان نفع الله به في علم الكلام، كعبد الجبار قاضي القضاة، وفي الورع كعمرو بن عبيد، وفي ولاء أهل البيت كالصاحب الكافي. انتهى.
توفي في عشر الخمسين والسبعمائة.
والقاضي العلامة، أحمد بن علي مرغم الصنعاني، المتوفى في عشر التسعين وسبعمائة، وكان كثير العلم شهير الفضل ـ رضوان الله عليهما ـ.
وهما يرويانه عن الإمام الأواه، أمير المؤمنين المهدي لدين الله، محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، عن الأمير المؤيد، عالم آل محمد، المتوفى بصارة بلاد جماعة، عام ثلاثة وسبعمائة، ابن ترجمان الدين أحمد، الملقب المهدي بن الأمير /315
الداعي إلى الله تعالى شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الأمير الكبير، حافظ العترة، الناصر للحق، مؤلف الشفاء، والتقرير أبي طالب، الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الأمير الخطير، مؤلف القمر المنير، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن الشيخ الحافظ المفسر، محيي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني الحارثي، صاحب البيان في التفسير، وكان من أعلام عصابة الإمام الشهيد الحميد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، وله إليه كتاب السؤالات، اشتمل على مايقرب من ألف سؤال، وأجاب عليه الإمام (ع) بكتابه المسمى نهاية الإرشاد وبغية المراد ـ رضي الله عنه ـ؛ عن شيخى آل الرسول الداعيين إلى الله شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ.
[ترجمة الصريمي صاحب التذكرة، والسيد عبدالله بن يحيى بن المهدي]
(ح)، ويروي ذلك الإمام يحيى شرف الدين (ع) أيضاً، عن الفقيه العلامة الفاضل المفتي، جمال الدين علي بن أحمد الشظبي، المتوفى عام سبعة وتسعمائة؛ عن الفقيه العلامة المذاكر المجتهد، جمال الدين علي بن زيد بن حسن الشظبي الصريمي صاحب التذكرة، المتوفى عام اثنين وثمانمائة، وهو من أعيان جماعة الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن (ع)، ولما رحل إلى مكة المشرفة؛ لطلب الحديث، رأى وهو في المسجد الحرام قائلاً يقول:
إن السيد عبدالله بن يحيى هو الذي تنبغي الرحلة إليه.
وقيل: إن ذلك في خروجه إلى مصر ـ والسيد عبدالله بن يحيى، المشار إليه، هو السيد الإمام، حافظ علوم الإسلام، شيخ العترة الكرام، المتكرر ذكره، أبو العطايا، عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي نسباً ومذهباً (ع) ـ فرجع الفقيه جمال الدين من فوره، وقرأ عليه، وقال في ذلك أبياتاً منها:
بشرايَ هذا أوان الفوز بالظفر .... ماكنتُ أبغي كموسى فاز بالخَضِرِ
/316
... إلخ.
عن السيد الإمام المتقدم أبي العطايا، فخر آل محمد، عبدالله بن يحيى بن المهدي (ع).
[ترجمة الفقيه يوسف]
عن الفقيه العلامة المذاكر، نجم الدين يوسف بن أحمد بن عثمان، صاحب المؤلفات الفائقة، كالثمرات اليانعة، والزهور على اللمع، والرياض على التذكرة، وله تعليق على الزيادات، والجواهر والغرر في كشف أسرار الدرر ـ يعني درر الأمير علي بن الحسين (ع) ـ.
وكان الفقيه يوسف من المبايعين للإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد، ولما جاءه البشير بخروج الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى (ع)، وهو بثلا، سجد سجدة أدمى فيها وجهه، وكان كثير التأسف على الإمام الناصر لدين الله صلاح الدين، محمد بن الإمام علي بن محمد (ع)، وكان يقول لطلبته: قوموا لنبكي على الإمام.
[مُؤَلَّفه: الثمرات]
وما يقع في الثمرات، في أسباب نزول الآيات، من المخالفة للحق، الذي عليه العترة المطهرة (ع)، والروايات المعلومة المتواترة، فمنشؤه الاعتماد على كتب المخالفين في النقولات، مع عدم الالتفات إلى تصحيح الروايات، على غير قصد لما تتضمنه من الدلالات، ولا تعمد لمخالفة المعلومات، وموجب التأويل لمثل هذا العالم، ماعلم من الحال من الطريقة الصالحة، والسيرة المرضية، مع عدم التصريح بما يوجب التأثيم، ورد الحق الصحيح الصريح؛ فيترجح حينئذ جانب الحمل على السلامة، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب:5]، وهو المطلع على السرائر، وإليه يرجع الأمر كله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
توفي عام اثنين وثلاثين وثمانمائة.
[ترجمة الفقيه حسن النحْوِي]
عن إمام الشيعة الأعلام، وحافظ علوم العترة الكرام، شيخ الإسلام، الحسن بن محمد النحوي، الصنعاني المدحجي، المتوفى عام أحد وتسعين وسبعمائة.
قال في مطلع البدور: هو شيخ الزيدية وعالمهم، ومفتي الطوائف /317
وحاكمهم.
إلى قوله: علامة تعطو إليه أعناق التحقيق، عبّادة تلحظ إليه أحداق التوفيق.
قال في حقه صاحب الصلة: فأما الفقيه حسن بن محمد النحوي، فهو شيخ شيوخ الإسلام، مفتي فرق الأنام، مؤسس المدارس في اليمن، محيي الشرائع والسنن، طبق فضله الآفاق، فانتشر علمه وفاق، ومضت أقضيته وأحكامه في مكة ومصر والعراق وبلاد الشافعية لاتعاب ولا تعاق، وكانت حلقته في فقه آل محمد تبلغ زهاء ثلاثين عالماً ومتعلماً، في حلقة واحدة. انتهى.
وكان أشد الناس مودة لآل محمد، وأكثرهم تعظيماً لهم وتوقيراً. انتهى.
ونقل عنه أنه كان يقول: إذا لم يكن في حلقة قراءتنا من أهل البيت أحد، اعتقدته خداجاً، ونقصاً.
ومن مؤلفاته التيسير في التفسير، والتذكرة الفاخرة.
وكان ـ رضي الله عنه ـ يقول: ذكر الصالحين وكراماتهم جلاء القلوب، وقد ورد أن عند ذكر الصالحين تنزل البركات.
ومما كتبه المفتقر إلى الله تعالى ـ عفا الله عنه ـ في مبحث ساق إليه الكلام:
وكم أتى من قصص .... في نصّ منزل السور
فبهداهم اقتده .... قيل لسيد البشر
كفى به كفى به .... إن كنت من أهل النظر
عن الفقيه العلامة المذاكر عماد الإسلام يحيى بن حسن البحيبح، عن السيد الإمام نجم آل محمد المؤيد بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ، بسنده السابق.
(ح). ويروي ذلك الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر، عن السيد الإمام الأمير متمم الشفاء صلاح بن الإمام المهدي لدين الله، إبراهيم بن تاج الدين؛ عن الأمير الحسين بن بدر الدين، عن أبيه الداعي إلى الله، بدر /318
الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليه ـ.
(رجع) قال: أخبرنا الشيخ الإمام، شرف الفقهاء، قطب الدين، أبو الحسن أحمد بن أبي الحسن الكني ـ طول الله عمره ـ قال: أخبرنا الشيخ الإمام فخر الدين أبو الحسين زيد بن الحسن البيهقي البروقني ـ ببلد الري، قدمها حاجاً في شعبان سنة أربعين وخمسمائة ـ.
قلت: بَرُوقن (بفتح الموحدة التحتية فراء مضمومة، فواو ساكنة، فقاف مفتوحة، فنون)؛ وهو من أعلام مشائخ الإسلام، وقد ذُكر مع غيره من الأعيان في التحف الفاطمية، كما سبق.
(ح)، ويروي أيضاً ذلك الأميران شيخا آل الرسول شمس الدين، وبدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى، عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع)؛ عن شيخ الإسلام زيد بن الحسن البيهقي ـ رضي الله عنه ـ.
[ترجمة الحاكم الحسكاني، وولده]
(رجع) قال: أخبرنا الحاكم أبو الفضل وهب الله بن الحاكم أبي القاسم عبيدالله بن عبدالله بن أحمد الحسكاني.
قلت: بضم الحاء المهملة، وسكون السين المهملة.
قال في الطبقات: هو الحاكم ابن الحاكم، أبو الفضل، يروي المجموع عن أبيه، وعنه زيد بن الحسن البيهقي. انتهى.
[تفسير الحاكم والحجة والحافظ والأستاذ والمبتدي]
قلت: وذكروا أن الحاكم ـ على مصطلح أهل الأثر ـ هو المحيط بالسنة، متناً، وسنداً، وجرحاً، وتعديلاً؛ ودونه الحجة، وهو المحيط بثلاثمائة ألف حديث؛ ودونه الحافظ، وهو المحيط بمائة ألف حديث؛ ودونه الأستاذ الكامل وهو المحدث؛ ودونه المبتديء الراغب، وهو الطالب. /319
(رجع) قال: أخبرنا أبي وهو الشيخ الإمام الحافظ صاحب شواهد التنزيل.
قلت: وهو أعظم دليل على جلالة محله، وتمكنه في ولاء آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ترجم له الذهبي في تذكرة الحفاظ فقال: الحسكاني القاضي المحدث، الحافظ الحاكم أبو القاسم؛ إلى أن قال: وقد توفي من بعد السبعين وأربعمائة، ووجدت له مجلساً يدل على تشيعه، وخِبرته بالحديث، وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي (ع) انتهى.
وذكره في طبقات الحنفية فقال: الحافظ المتقن، سمع وجمع وانتخب إلخ.
[ترجمة محمد بن سليمان الكوفي ومحمد بن عبدالله الشيباني]
(رجع) قال: أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن علي النيسابوري بقراءتي عليه من أصله وهو يسمع.
قلت: وثقه الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ أن أبا الفضل محمد بن عبدالله بن محمد بن المطلب الشيباني أخبرهم بالكوفة.
قلت: وهو من مشائخ السيد الإمام أبي عبدالله، محمد بن علي (ع) صاحب الجامع الكافي، أخرج له الإمامان أبو طالب، والمرشد بالله (ع)؛ وأخرج له شيخ الإسلام محمد بن سليمان الكوفي، صاحب الإمام الهادي إلى الحق (ع)، والمسائل له بما في المنتخب، ومؤلف كتاب القبول والبراهين في معجزات النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكتاب المناقب، في فضائل أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وشواهد إمامته بالأسانيد الخمسة المعروفة، المشهور بفضل رواته في علماء الحديث، وفقهاء العراقين، والحجاز، ومصر، /320
والشام، واليمن، وغيرها من البلدان، وفيها الشهادة بفضله، وعلمه في الفقه، وأصول الملة، ونقلة أخبارها، وبعلمه بطرق الاستدلال على الحق، وذلك مع اختياره الهجرة من العراق إلى إمام الأئمة الهادي إلى الحق، واختياره له لولاية قضاء المسلمين في بلدته، وحضرته؛ وقد جاهد قبل ذلك مع الإمام علي بن زيد الزيدي (ع) بالكوفة، وسمع عن علامة العراق محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليهما ـ.
توفي أبو الفضل سنة سبع وثمانين وثلاثمائة، وله تسعون سنة.
وقد غض منه الذهبي، وجَرْحهم غير مقبول لما علم من اختلاف المذهب، بل هو تعديل؛ إذ ليس ذنبهم إلا العمل بموجب مادلت عليه الآيات القرآنية، والأخبار النبوية، مما أجمع عليه جميع الفرق الإسلامية، من تمسكهم بالعترة المحمدية، ولزومهم لذوي القربى من السلالة المطهرة العلوية.
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
[تعديل علي بن كاس، وترجمة عبد العزيز بن إسحاق، وولده القاسم، والآبنوسي]
قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن كاس النخعي، القاضي بالرملة، قراءة عليه، من كتابه، سنة ثمان عشرة وثلاثمائة.
قال في الطبقات: وثقه الإمام المؤيد بالله، وخرج له هو والإمام أبو طالب، والمرشد بالله، وصاحب المحيط. انتهى.
توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
(ح) ويروي ذلك أيضاً الشيخ قطب الدين، أحمد بن أبي الحسن الكني، عن الشيخ أبي الفوارس توران شاه، عن الشيخ أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد بن الحسن، عن الشيخ علي بن محمد الخليل، عن القاضي الأجل يوسف بن الحسن الخطيب ـ رضي الله عنهم ـ؛ عن الإمام المؤيد بالله أبي الحسين، أحمد بن الحسين؛ عن السيد الإمام أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)؛ عن أبي القاسم، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي.
قال في مطلع البدور: العلامة الحافظ المحدث ـ رحمه الله ـ والد الشيخ القاسم الآتي ذِكره ـ إن شاء الله ـ.
قلت: وما حكاه العلامة الشارح، في أول الروض هنا ولفظه: وله كتاب /321
في إسناد مذهب الزيدية، وتعدادهم..إلخ وَهَم.
وإنما ذلك ولده القاسم، وهو انتقال ذهن من ولده إليه، والذي في مطلع البدور في ترجمته ما ذكرته.
وقال في ترجمة ولده القاسم: العلامة الكبير، الفاضل الشهير، الشيخ العالم الزاهد السعيد، ولي آل محمد، القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي ـ قدّس الله روحه ـ كان رأساً في العلوم، مهيمناً على المظنون منها والمعلوم، له كتاب في إسناد مذهب الزيدية، وتعدادهم، وذكر تلامذة زيد بن علي (ع) وأصحابه الذين أخذوا عنه العلم إلخ.
هذا، وروى عن شيخ الزيدية عبد العزيز بن إسحاق البغدادي البقال، الإمامُ أبو طالب (ع) بواسطة أحمد بن محمد البغدادي، والسيد الإمام علي بن العباس العلوي، وكان سماعه عليه سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.
وروى عنه صاحب المحيط فأكثر، من طريق أبي العباس الحسني، وأبي عبدالله محمد بن علي صاحب الجامع.
وسلك الذهبي في ترجمته مسلكه في أمثاله فقال: كان في حدود الستين وثلاثمائة.
إلى أن قال: له تصانيف على رأي الزيدية، عاش تسعين عاماً.
وأورد حديثاً من طريقه.
وقال: إسناده مظلم، ومتنه مختلق.
وقد ردّ عليه السيد الإمام إبراهيم بن القاسم صاحب الطبقات، وأخرج الحديث من طرق أخر، وأبان بطلان كلامه.
(ح)، ويروي ذلك أيضاً القاضي يوسف الخطيب، عن الإمام الناطق بالحق أبي طالب (ع)، عن أبي عبدالله أحمد بن محمد البغدادي الآبنوسي (بفتح الهمزة ممدودة، وفتح الموحدة، وضم النون، وسكون الواو، وكسر السين المهملة).
قال في مطلع البدور: الشيخ المحدث، الرُّحلة، شمس الدين.
إلى قوله: شيخ الإمام أبي طالب، ومن تلامذة شيخ الزيدية، عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر البغدادي ـ رحمهم الله جميعاً ـ. انتهى /322
قال الذهبي في ترجمته: أبو عبدالله الآبنوسي.
قال البُرْقَانِي: سمع لنفسه جامع أبي عيسى من غير أن يسمعه.
إلى قوله: ومات قبل الأربعمائة.
قال في الطبقات: يشير إلى تليينه لمَّا كان من محدثي الشيعة. انتهى.
قلت: قال الشارح المحقق في الروض، وفي نسخ المجموع: رواية علي بن العباس، عن عبد العزيز.
إلى قوله: ولم أقف في الأسانيد على من رواه عنه، ويغلب في ظني ـ والله أعلم ـ أن الراوي عنه السيد أبو العباس الحسني..إلخ.
ثم حكى ترجمة علي بن العباس العلوي، وماذكر من الخبط في نسبه، وقد ذكرت الصحيح في ذلك في التحف الفاطمية في ترجمة أبي العباس الحسني عند شرح:
كَذَا الحسنُ بنُ القاسِم الفرد بعده .... البيت، وأنه أدرك الإمام الهادي إلى الحق، والإمام الناصر للحق، وروى عنهما.
وروى عنه السيد الإمام أبو العباس (ع).
وذكر في حواشي الإبانة أنه سُئل عن الإمامين، فقال: كان الهادي فقيه آل محمد، وكان الناصر عالم آل محمد.
وله مؤلفات، منها: كتاب يذكر فيه أقوال أهل البيت.
هذا، قال في الطبقات: روى أي الآبنوسي، عن شيخ الزيدية عبد العزيز بن إسحاق، وأبي الفرج الأصفهاني. انتهى.
عن علي بن محمد بن كاس ـ وعنده اتفق الشيباني، وعبد العزيز بن إسحاق، كما ترى.
[ترجمة سليمان بن إبراهيم المحاربي، ونصر بن مزاحم، وإبراهيم بن الزبرقان]
قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي جدي أبو أمي سنة [265] خمس وستين ومائتين.
قلت: قال في الطبقات: وثّقه المؤيد بالله، والقاضي جعفر، خرج له محمد بن منصور، والسيدان الأخوان: المؤيد بالله، وأبو طالب. انتهى.
قال: حدثني نصر بن مزاحم المنقري العطار.
قلت: هو أبو الحسين منسوب إلى جدّ له.
(مِنْقَر: كدِرْهَم).
وهو ـ أي نصر ـ صاحب الإمامين محمد بن إبراهيم، أخي القاسم، ومحمد بن محمد بن زيد (ع)؛ له كتاب أخبار صفين، أكثر ابن أبي الحديد النقل عنه، وقال: هو من رجال الحديث. انتهى.
وأخرج له الإمام الهادي إلى الحق، والإمامان المؤيد بالله، وأبو /323
طالب (ع)، وغيرهم.
قال في المطلع: أحد أعلام الزيدية، كثر الله عددهم..إلخ.
وفي شأنه قال السيد العلامة عبدالله بن علي الوزير ـ رضي الله عنهما ـ، لما رأى تحامل الذهبي عليه، في ميزانه:
في كِفَّة الميزان مَيْلٌ واضح .... عن مثل مافي سورة الرحمنِ
فاجزمْ بخفض النصب وارفعْ رتبةً .... للدين واكسرْ شوكةَ الميزانِ
قال: حدثني إبراهيم بن الزبرقان التيمي.
قلت: قال في الطبقات: (بكسر المعجمة الأولى، والمهملة الثانية، بينهما موحدة ساكنة، ثم قاف، ثم ألف ونون) التيمي الكوفي.
وذكر أنه روى عن أبي خالد المجموعين، وعن مجاهد، وعنه أبو نعيم الحافظ، وأنه قال نصر بن مزاحم: كان من خيار المسلمين.
إلى أن قال: احتج بروايته أئمتنا؛ وثقه المؤيد بالله، وابن معين، وذكره السيد صارم الدين، في حاشية المجموع.
قال في تاريخ الإسلام: توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة. انتهى.
[قدح الخصوم في رواية أبي خالد بالتفرد]
قال الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع)، في المنهاج الجلي: قال إبراهيم بن الزبرقان: سألت أبا خالد، كيف سمعت هذا الكتاب من زيد (ع)؟.
قال: سمعته منه في كتاب قد وطأه وجمعه، فما بقي من أصحاب زيد (ع) ممن سمعه معي إلا قُتِل غيري.
رضي الله عنهم. انتهى.
وقد علم أنه لم ينقل كتاب البخاري، المسمى بالصحيح عن مؤلفه، إلا الفَِربري ، ونقلوا عنه أنه سمعه معه تسعون ألفاً اعتذر بأنهم ماتوا، كما ذكر ابن حجر وغيره.
قال في مقدمة الفتح: وذكر الفربري أنه سمعه معه تسعون ألفاً، ولم يبق من يرويه غيره.
إلى قوله: والرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار، وما قبلها، عن رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري.
انتهى كلامه.
فقبل الخصوم عذره، ولم يقدحوا بتفرده، بل جعلوا /324
روايته أصح الروايات، وقدحو في رواية أبي خالد بالتفرد، ولم يقبلوا عذره، مع أنه أوضح من براح، فإن الإمام الأعظم، وأصحابه ـ قدس الله أرواحهم ـ استشهدوا في سبيل الله في معركة معلومة لجميع الأمة، والبخاري وأصحابه لم يكونوا من أهل هذا الشأن، ولا من فرسان ذلك الميدان، ولم ينزل بهم شيء من الطوام، حتى ينقطع العدد الذي لم تجر العادة بانقطاع ماهو دونه في أقرب الأعوام.
قاتل الله الهوى كيف يصنع بأهله! هذا مع أن كتبهم مشحونة بالرواية عن المتفردين.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): والذي قدح عليه النواصب بأمور، منها: تفرده بالرواية.
إلى قوله: ولم يروا ذلك قادحاً؛ هذا البخاري قد أخذ عمن تفرد بالرواية.
ثم سرد أسماءهم وذلك واضح.
[ترجمة أبي خالد الواسطي]
قال: حدثني عمرو بن خالد الواسطي.
قلت: هو أبو خالد، من أعلام أشياع عترة سيد الأنام، احتج بروايته سادات الأئمة، وهداة الأمة، كالإمام أحمد بن عيسى بن الإمام الأعظم (ع)، من طريق حسين بن علوان، والإمام الهادي إلى الحق في الأحكام، والإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وأخيه الناطق بالحق يحيى بن الحسين (ع).
قال والدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن: والمجموع ملتقى بالقبول عند أهل البيت (ع)، وهو أول كتاب جُمع في الفقه /325
قال السيد الحافظ أحمد بن يوسف، أحد شراح المجموع، المخرجين له، الذي أكثر صاحب الروض من تخريجه واعتمده: هذا مستلزم، ومتضمن لتعديل أبي خالد ـ رحمه الله ـ؛ ولاريب أنه إذا ثبت إجماع أهل البيت على عدالته، لم يؤثر فيه قدح من سواهم، كائناً من كان. انتهى.
[الكلام على تعديل أبي خالد، وصحة مارواه]
وقال السيد صارم الدين في علوم الحديث: ولا يمتري أئمتنا في عدالة أبي خالد، وصدقه وثقته، وأحاديثه في جميع كتبهم؛ وقد روى عنه الهادي (ع) بضعاً وعشرين حديثاً.
إلى أن قال: وهو مسلسل الأحاديث النبوية، بسند السلسلة الذهبية. انتهى.
هذا، ووفاة أبي خالد ـ رضي الله عنه ـ في عشر الخمسين والمائة؛ وقد نال منه بعض أهل الجرح كما نالوا من أمثاله؛ وليس لهم ذنب، إلا التمسك بمن أمر الله تعالى بالتمسك بهم، والكون معهم، وقد أوضح علماء الآل (ع)، وأشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ بطلان هذيانهم بما لايسعه المقام؛ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد.
[شيء من أحاديث مجموع الإمام زيد بن علي(ع)]
قال: حدثني زيد بن علي، وهو المصنف، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (ع) قال: لما ثقل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في مرضه، والبيت غاص بمن فيه، قال: ((ادعوا لي الحسن والحسين)) فدعوتهما؛ فجعل يَلْثَمُهُما حتى أغمي عليه.
قال: وجعل علي (ع) يرفعهما عن /326
وجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ففتح عينيه، وقال: ((دعهما يتمتعان مني، وأتمتع منهما؛ فإنه سيصيبهما بعدي أثرة)) ثم قال: ((أيها الناس، إني خلّفت فيكم كتاب الله وسنتي، وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي؛ أما إن ذلك لن يفترق حتى ألقاه على الحوض)).
قلت: هكذا ساق هذا الحديث في الشافي، عند تمام السند.
وبالسند المتقدم، حدثني زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) قال: عالم أفضل من ألف عابد؛ العالم يستنقذ عباد الله من الضلال إلى الهدى، والعابد يوشك أن يقدح الشك في قلبه فإذا هو في وادي الهلكات.
وبإسناده عن علي (ع) قال: العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يخلّفوا ديناراً، ولادرهماً، إنما تركوا العلم ميراثاً بين العلماء.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإنه يستغفر لطالب العلم مَنْ في السماوات ومن في الأرض، حتى حيتان البحر، وهوام البر؛ وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)).
وبه عن علي (ع) قال: من أخلص لله أربعين صباحاً، يأكل الحلال، صائماً نهاره، قائماً ليله، أجرى الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وبه عن علي (ع): تعلموا العلم قبل أن يُرفع؛ أما إني لاأقول لكم هكذا ـ وأرانا بيده ـ ولكن يكون العالم في القبيلة فيموت فيذهب بعلمه، فيتخذ الناس رؤساء جهالاً، فيسألون فيقولون بالرأي، ويتركون الآثار والسنن، فيضلون ويُضلون.
قلت: الأول مفتوحُ الأول لازم، والثاني مضموم متعدّ، أي: /327
يضلون في أنفسهم، ويُضلون غيرهم.
(رجع).
فعند ذلك هلكت هذه الأمة.
قلت: وقد تكلم علماء الأصول على عدم جواز خلوّ الزمان عن مجتهد، وتأولوا نحو هذا بأن المراد برفعه وقبضه قِلّة حملته، وعدم تمكنهم، وظهور الجهلة، وغلبة سلطانهم، مع بقاء الطائفة المتمسك بها، التي لاتفارق الكتاب، وهي ظاهرة بالحجة والبيان، وذلك لما وعد الله تعالى ببقائها على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبه عن علي (ع) قال: من قرأ فاتحة الكتاب فقال: الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه؛ صرف الله عنه سبعين نوعاً من البلاء، أهونها الهم.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لاتدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟)).
قالوا: بلى يارسول الله.
قال: ((أفشوا السلام بينكم، وتواصلوا، وتباذلوا)).
قلت: والرواية بحذف النون مِنْ: لاتدخلوا، ولاتؤمنوا، ولا النافية لاتعمل، وقد ذكر أهل العربية أنه قد ورد حذفها لغير ناصب، ولا جازم، وله شواهد ليس هذا محلها.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن أقربكم مني غداً، وأوجبكم علي شفاعة، أصدقكم لساناً، وأداكم لأمانته، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس)).
وبه عن علي (ع) قال: يكاد الناس أن ينقصوا، حتى لايكون شيء أحب إلى امرئ مسلم من أخ مؤمن، أو درهم من حلال؛ وأنى له به؟!.
وبه عن علي (ع): من تَكْرِمة الرجل لأخيه أن يقبل بِرّه، وتحفته، وأن يتحفه بما عنده، ولا يتكلف له.
قال: وقال علي (ع): سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ /328
يقول: ((لاأحب المتكلفين)).
وبه عن علي (ع) قال: للمسلم على أخيه ست خصال: يعرف اسمه واسم أبيه، ومنزله، ويسأل عنه إذا غاب، ويعوده إذا مرض، ويجيبه إذا دعاه، ويشمته إذا عطس.
وبه عن علي (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن المتحابين في الله تعالى لعلى عمود من ياقوتة حمراء، على رأس العمود سبعون غرفة، يضيء حسنهن لأهل الجنة، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا؛ فيقول أهل الجنة: انطلقوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله؛ فإذا أشرفوا عليهم أضاء حسنهم لأهل الجنة، كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، عليهم ثياب خضر من سندس، بين أعينهم مكتوب على جباههم (هؤلاء المتحابون في الله عز وجل))).
وبه عن علي (ع) قال: أول ما تُغْلَبون عليه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم؛ فإذا لم ينكر القلب المنكر، ويعرف المعروف، نكس فجعل أعلاه أسفله.
وبه عن علي (ع) قال: لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم.
وبه عن علي (ع) قال: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، فما كنتُ لأترك شيئاً مما أمرني به حبيبي، رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبه عن علي (ع) قال: بايعنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكنا نبايعه على السمع والطاعة في المكره والمنشط، في اليسر والعسر، وفي الأثرة علينا، وأن نقيم ألسنتنا بالعدل، ولا تأخذنا في الله لومة لائم؛ فلما كثر الإسلام قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((ألحق فيها: وأن تمنعوا رسول الله، وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم، وذراريكم)).
قال: فوضعتها والله على رقاب القوم، فوفى بها من وفى، وهلك بها من هلك. /329
وبه عن علي (ع) قال: من قال في موطن قبل وفاته: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ نبياً، وبعلي وأهل بيته أولياء، كان له ستراً من النار، وكان معنا غداً هكذا ـ وجمع بين إصبعيه ـ.
وبه عن علي (ع) قال: قال لي رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((أنت أخي، ووزيري، وخير من أخلفه بعدي، بحبك يعرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون، من أحبك من أمتي فقد برئ من النفاق، ومن أبغضك لقي الله - عز وجلّ - منافقاً)).
[صفة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ]
وبه قال: بينا علي (ع) بين أظهركم بالكوفة، وهو يحارب معاوية بن أبي سفيان، في صحن مسجدكم هذا، محتبياً بحمائل سيفه، وحوله الناس محدقون به، أقرب الناس منه أصحاب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، والتابعون يلونهم؛ إذْ قال رجل من أصحابه: ياأمير المؤمنين صف لنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كأنا ننظر إليه، فإنك أحفظ لذلك منا.
فصوَّب رأسه ورقّ لذكر رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، واغرورقت عيناه.
قال: ثم رفع رأسه ثم قال: نعم، كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبيض اللون، مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، دقيق العرنين، سهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية؛ كان شعره مع شحمة أذنيه إذا طال، كأنما عنقه إبريق فضة، له شعر من لبته إلى سرته، يجري كالقضيب؛ لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره، إلا نبذات في صدره، شثن الكف والقدم؛ إذا مشى كأنما يتقلع من صخر أوينحدر من صبب، إذا التفت التفت جميعاً؛ لم يكن بالطويل ولا بالقصير، ولا العاجز اللئيم؛ كأنما عرقه اللؤلؤ، ريح /330
عرقه أطيب من المسك؛ لم أرَ قبله ولا بعده مثله، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
[الحديث المسلسل بـ(عدَّهُنَّ في يدي) من المجموع]
وبالإسناد المتقدم إلى أبي القاسم علي بن محمد النخعي، قال: حدثني سليمان بن إبراهيم المحاربي، جدي أبو أمي، قال: عدهن في يدي نصر بن مزاحم، قال نصر بن مزاحم: عدّهن في يدي أبو خالد، قال أبو خالد: عدّهن في يدي زيد بن علي (ع)، قال زيد بن علي: عدّهن في يدي علي بن الحسين (ع)، قال علي بن الحسين: عدّهن في يدي الحسين بن علي (ع)، قال الحسين بن علي: عدّهن في يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وقال علي بن أبي طالب: عدّهن في يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((عدّهن في يدي جبريل (ع)، وقال جبريل: هكذا نزلتُ بهنّ من عند رب العزة:
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وترحّم على محمد وعلى آل محمد، كما ترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وتحنن على محمد وعلى آل محمد، كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.
وسلّم على محمد وعلى آل محمد، كما سلّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد)).
قال أبو خالد رحمه الله: عدّهن في يدي بأصابع الكف، مضمومة، واحدة واحدة، مع الإبهام.
وهذا ختم المجموع الشريف المرتب، والحمد لله كثيراً.
نعم، وإمام الجهاد والاجتهاد، الإمام الأعظم الزكي، الهادي المهدي، زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ، لا يحتمل المقام اليسير من فضائله، ولا يتسع البحث عشر العشير من مكارمه وشمائله؛ وكفى بما ورد فيه عن جده الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الأخبار النبوية، وعن أبيه سيد الوصيين ـ سلام الله عليهم ـ من البشائر العلوية؛ وجميعها من الأعلام /331
النبوية؛ وكذا عن أبويه ريحانة الرسول الحسين السبط، وسيد العابدين، وأخيه باقر علم الأنبياء، وابنه جعفر الصادق؛ وعن سادات آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم وسلامه ـ، خلفاً عن سلف؛ وقد علم إطباق علماء الأمة المحمدية، وإجماع فضلاء الملة الحنفية، من جميع الفرق، على إجلاله وتعظيم شأنه، واحترام مكانه، والقيام بحقه، والإقرار بسبقه، وتضمين مؤلفات الموالفين والمخالفين، لما أولاه الله تعالى من الفضل، وأكرمه به من الكرامات، الدالة على علوّ محله عند الله، وبلوغه غاية النبل.
وقد تضمنت شيئاً مما ورد فيه، وفي الأئمة السابقين، عن جدهم سيد المرسلين، وأبيهم سيد الوصيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ، التحفُ الفاطمية شرح الزلف الإمامية؛ وكل ذلك قد شحنت به الأسفار، ونقله الأئمة الكبار.
وسار مسير الشمس في كل بلدة .... وهبّ هبوب الريح في البر والبحرِ
وعند عروض مايقتضي ذلك، نتبرك بذكره في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ، على أن الأمر في ذلك كما قال أبو الطيب المتنبي، في والدهم الوصي (ع):
وتركتُ مدحي للوصي تعمداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استقامَ الشيءُ قامَ بنفسه .... وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلاً
وحين نذكر شيئاً من ذلك، فإنما هو من باب قوله:
أسامي لم يزدن معرفةً .... وإنما لذةً ذكرناها
والمرء مع من أحب.
هذا، وقد تضمن كثيراً من أصحاب الإمام الأعظم (ع)، تأليفُ الشيخ العالم الزاهد، ولي آل محمد (ع)، القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق البغدادي، المتقدم - رضي الله عنهم -.
وسنفرد ـ إن شاء الله تعالى ـ فصلاً جامعاً يشتمل على ثقات الرواة، في كتب الأئمة الهداة (ع)، ومن عرض ذكره قبل /332
ذلك وقع الكلام عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ كما قد سبق، ويأتي في غضون الأبحاث في كل محل بما يقتضيه السياق، مع كثرة المقاصد واتساع النطاق؛ وسيكون العمل إن شاء الله على هذا المنوال، بعون الملك المتعال، والحمد لله على كل حال.
[أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع) والرد على من زعم أن محمد بن منصور يقبل رواية المجهول]
(أمالي حفيد الإمام الأعظم، عالم آل محمد أبي عبدالله، أحمد بن عيسى بن الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ) وهي المسماة علوم آل محمد، وجامع محمد بن منصور.
وسماها الإمام المنصور بالله (ع) بدائع الأنوار في محاسن الآثار.
ومؤلفها عالم العراق، وإمام الشيعة بالاتفاق، أبو جعفر، محمد بن منصور المقري المرادي ـ رضوان الله عليه ـ؛ وهو يروي عن أعلام آل محمد (ع).
وهذا الكتاب من أقدم كتب الإسلام؛ فإنه سُمع على مؤلفه عام ستةٍ وخمسين ومائتين، وهو العام الذي مات فيه البخاري، محمد بن إسماعيل الجُعْفي، وتوفي مسلم بعده بست سنين، وبقي شيخ الإسلام محمد بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ، إلى نيف وتسعين؛ فقد بارك الله في عمره، وانتفع به المسلمون ببركة ملازمته لآل محمد(ع).
وما يحكى عنه من قبول المجهول، لم يثبت؛ هكذا قرر بعض علمائنا.
قلت: والذي يظهر لي أن مستند الرواية عنه في قبول المجهول، ما في بعض أسانيده عن رجل أو نحوه؛ وهو مأخذ غير صحيح؛ فإن ذلك لايستلزم أن يكون مجهولاً لديه، ولعله لم يسمِّه لمقصد صالح.
ثم لو فرض أنه مجهول له فلم يُصَرح بقبوله، ولم يلتزم التصحيح في جميع مارواه في الكتاب، وإنما قصده الجمع؛ وإن كان المقصود والأغلب روايات آل محمد (ع)، وأتباعهم ـ رضي الله عنهم ـ.
وما كان عن غيرهم فعلى سبيل المتابعة /333
والاستشهاد؛ فالعهدة على الناظر في أخذ ماصحّ، وطرح مالم يترجح.
هذا وقد صرح السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، في تنقيح الأنظار، أن محمد بن منصور نصّ على قبول المجهول في كتابه، بهذا أو معناه، ولم نجد ذلك في كتابه أصلاً؛ والله ولي التوفيق.
[الطريق إلى أمالي أحمد بن عيسى]
نعم، أروي أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع)، بالأسانيد السابقة في المجموع، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)؛ عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى (ع)، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن إمام الشيعة الحسن بن محمد النحوي، عن العلامة عماد الدين يحيى بن حسن البحيبح - رضي الله عنهم -، عن الأمير المؤيد بن أحمد، عن الأمير الحسين بن محمد، عن الأمير علي بن الحسين، عن الشيخ عطية بن محمد النجراني، عن الأميرين الداعيين إلى الله شمس الدين، وبدره، يحيى ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)؛ عن القاضي جعفر بن أحمد، عن الكني، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن علي خليل، عن القاضي يوسف الخطيب ـ رضي الله عنهم ـ، عن الثلاثة الأئمة: المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس؛ عن السيد الإمام، القدوة، عالم آل محمد(ع)، بالري، أبي زيد، عيسى بن محمد بن أحمد بن عيسى بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع)، المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة بالري؛ عن شيخ الإسلام محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليه ـ.
(ح)، وأرويها أيضاً بالسند المتقدم في المجموع، إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنهما ـ، عن الأمير الداعي إلى الله، شيبة الحمد، بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ عن الشريف العالم، تاج العترة المطهرة، عماد الدين، الحسن بن عبدالله بن محمد بن يحيى، من ولد /334
المرتضى بن الإمام الهادي إلى الحق (ع)، المعروف بالمُهوِّل.
[ترجمة السيد المهول، وابن غبرة الهاشمي، وأبي الفرج المعدل، وابن الصباغ، وابن ملاعب الأسدي، والشريف أبي البركات العلوي]
قلت: قال في الطبقات: كان سيداً عالماً إماماً، عماداً في الدين، سمع عليه الأمير بدر الدين وقال: سمع أمالي أحمد بن عيسى، المعروف بالعلوم، عن الشيخ محمد بن محمد بن غبرة الحارثي.
إلى قوله: وروى أمالي المرشد بالله الخميسية، عن أحمد بن أبي الحسن الكني، بقراءته عليه، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.
ورواهما عنه الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ ذكره المنصور بالله في مشيخته.
إلى قوله: لعل وفاته في عشر السبعين وخمسمائة. انتهى.
قال: أخبرنا الشيخ الأجل محمد بن علوي بن غَبَرة الحارثي، قراءة عليه بدار الكوفة، في شهر ربيع الآخر، سنة خمس وخمسين وخمسمائة.
قلت: قال في الطبقات: محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علوي.
إلى قوله: الهاشمي الكوفي الحارثي المعدل، أبو الحسن..إلخ.
وهو مثلث.
قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان المعدل.
قلت: ترجم له في الطبقات، ومطلع البدور، وهو من أعلام الزيدية الأبرار، كان في أفراد ستمائة ـ رضي الله عنه ـ.
عن أبي طالب محمد بن الصباغ.
قلت: قال في الطبقات: محمد بن الحسين البزار، أبو طالب، المعروف بابن الصباغ، يروي أمالي أحمد بن عيسى..إلخ.
قال: أخبرنا علي بن عبد الرحمن بن ماتي.
قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد.
وأرويها أيضاً بالأسانيد السابقة في المجموع، إلى القاضي جعفر بن أحمد، عن الشيخ الفاضل العدل، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي.
قلت: أثنى عليه في الطبقات، وهو من رجال الزيدية الأخيار بالكوفة.
قال: ولعل موته في الخمسين بعد الخمس المائة /335
قال: أخبرنا الشريف السيد عمر بن إبراهيم العلوي.
قلت: هو السيد الإمام، عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، المتوفى عام تسعة وثلاثين وخمسمائة، عن سبع وتسعين، وهو من أعلام آل محمد (ع)؛ ترجم له في الطبقات، ومطلع البدور.
قال فيها: هو أبو البركات، العالم النبراس، محط رحال العلماء، ومفتخر الإسلام.
ترجم له الذهبي، وترجم له ابن الأثير في كتاب اللباب، وترجم له الجلال السيوطي في البغية، وفي الطبقات.
قال السيوطي: هو أحد أئمة النحو، واللغة، والفقه، والحديث.
قال ابن الأثير: الزيدي نسباً، ومذهباً.
وذكر ترجمة الذهبي له؛ وقد نال منه كما هي سجيته، إلا أنه أقرّ بعلمه، وفضله.
وفي الطبقات: وروى عنه ابن السمعان، وابن عساكر، وأبو موسى المدني، والحسن بن علي بن ملاعب الأسدي.
قال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: وهؤلاء الذين رووا عنه حفاظ الإسلام في عصرهم..إلخ.
قال: وصلى عليه ثلاثون ألفاً. انتهى.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن بحسل العطار.
قال في الطبقات: ضبط بمهملتين، وذكر روايته.
قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن الحارث.
قلت: كذا في الإسناد، وفي الطبقات في ترجمة الشريف السابق: ولم يترجم لمحمد بن الحارث هذا والمشهور أبو الفرج محمد بن أحمد بن علان السابق.
ولكن الرواية /336
كذا.
وفي ترجمة ابن بحسل المتقدم: أنه يروي الأمالي عن محمد بن محمد بن الحارث عن ابن الصباغ عن ابن ماتي ـ والله أعلم ـ.
عن محمد بن الحسين البزار المعروف بابن الصباغ، عن علي بن ماتى.
[ترجمة ابن ماتي، وحسين بن علوان]
قلت: هو المتقدم العلامة أبو الحسين علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن زيد بن ماتى (بفتح المثناة الفوقية، وكسرها) مولى آل زيد بن علي (ع)، الكاتب البغدادي، المتوفى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، من ثقات الشيعة، ترجم له في الطبقات، وغيرها، وأفاد ماذكرنا.
قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد، قال: حدثنا أحمد بن عيسى.
ثم ساق الأخبار والآثار إلى آخر الكتاب.
وفيه: قال ـ أي محمد بن منصور ـ: حدثني أحمد بن عيسى، عن حسين، عن أبي خالد، عن زيد، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: كان إذا استفتح الصلاة قال: الله أكبر؛ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، حنيفاً مسلماً، وما أنا من المشركين؛ إن صلاتي، ونسكي، ومحياي ومماتي، لله رب العالمين، لاشريك له؛ وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
قلت: حسين هو ابن علوان (بضم المهملة ـ رواية الشريف ـ وفتحها ـ رواية القاضي جعفر بن قدامة الكلبي ـ) أبو علي الكوفي، روى عن الصادق، وعبدالله بن الحسن، وغيرهم، وهو الواسطة بين عالم آل محمد (ع)، وأبي خالد.
وعلى مثل هذا السند عند العترة مدار كبير، احتج به نجوم آل الرسول (ع)، أحمد بن عيسى، والناصر للحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب، وغيرهم.
وقد نال منه الخصوم، كما نالوا من أمثاله لاختصاصهم ومودتهم؛ توفي في بضع عشرة ومائتين، وترجم له في الطبقات، بخلاصة ماذكر؛ وكذا الحلبي. /337
[ترجمة أبي الطاهر العلوي]
وفيه: حدثنا أبو الطاهر.
قلت: يعني أحمد بن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (ع)، من أعلام العصابة المهدية، يروي بهذه السلسلة العلوية؛ وقد ترجم له في الطبقات، وغيرها.
[ثلاثة كل واحد منهم يُسمى أحمد بن عيسى]
وينبغي أن يعلم أنه قد تقدم ثلاثة، كل واحد منهم يسمى أحمد بن عيسى:
الأول، جد الراوي عن محمد بن منصور، كما سبق في سند أئمة العراق.
والثاني: الإمام صاحب الأمالي.
والثالث: أبو الطاهر هذا.
ونعود إلى تمام الخبر.
قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وعلى أهل بيته ـ فأتى بني مجمم، فقال: ((من يؤمكم؟)).
قالوا: فلان.
قال: ((لايؤمنكم ذو خربة في دينه)).
قال أبو جعفر: الخربة: الذي يكون شبه الخدش.
وفيه: قال محمد: سمعت أبا الطاهر العلوي يذكر، قال: إذا سمعت حديثين وثبتا عندي، حديث عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وحديث عن علي (ع) أخذتُ بالحديث الذي عن علي؛ لأنه كان أعلم الناس بما كان عليه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ. /338
[ترجمة موسى بن أبي حبيب، والكلام على الجهر بالبسملة في الصلاة]
وروى الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، عن الأمالي مالفظه: قال محمد: حدثنا إبراهيم بن حبيب.
قلت: ترجم له السيد الإمام في الطبقات بكونه الرواجني الكوفي، وذكر من يروي عنهم ومن يروون عنه لاغير.
عن موسى بن أبي حبيب.
قلت: هو الطائفي، يروي عن زين العابدين (ع)؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وقال: مقبول، ولم يذكروا له، ولا لإبراهيم، ولا للحكم ـ فيما اطلعت عليه من الطبقات وغيرها ـ وفاةً، ولازيادةً على ماحرر في معرفة حالهم.
قال: حدثني عمي الحكم بن عمير، وكان بدرياً، قال: صليت مع النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة المغرب، وفي العشاء الآخرة، وفي الفجر، وفي الجمعة.
قلت: وهذا الخبر يرجح؛ بل يكاد يصرح، بما اختاره الإمام الهادي إلى الحق (ع)، ذكره في المنتخب، ودلّ عليه في الأحكام دلالة واضحة بنصه، على أن حكمها حكم الفاتحة؛ واختاره جمهور الأئمة (ع) من أن البسملة حكمها حكم سائر القراءة في الجهر والإسرار، وأن العمومات الواردة فيها مخصصة بعمومات الإسرار في النهارية؛ وإنما خصّها لوقوع الالتباس على /339
السامعين؛ لمكان قراءتها حال التكبير أيام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وحصول النزاع فيها أيام الوصي - صلوات الله عليه -.
وهذا أرجح من العكس، وهوتخصيص أدلة الإسرار بها؛ لهذا الخبر، ونحوه، ولما ذكر، ولإطباق قدماء الأئمة (ع) عليه في مؤلفاتهم، كالجامعين للهادي إلى الحق، والتجريد للمؤيد بالله، والتحرير لأبي طالب، والشفاء للأمير الحسين (ع)، وغيرهم؛ وهم أعرف بمقاصد أبويهم النبي، والوصي ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
ويزيد ذلك وضوحاً أن كل من حكى سماع الجهر بها حكاه في إحدى الجهريات، ومثل هذا خبر ابن عمر في الأمالي، وغيره؛ وليس الواجب إلا طلب أدنى مرجّح، للخروج عن عهدة التعارض، وكل واحد من هذه وجه ترجيح صحيح، ولا حاجة لذكر أدلة الجهر والإسرار، نحو إجماع الأمة على إسراره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالقراءة في العصرين، كما نقله الثقات الأثبات.
وأدلة التأسي، و((صلوا كما رأيتموني أصلي)) توجب المتابعة، وخبر مجموع الإمام الأعظم بسند آبائه، عن الوصي ـ صلوات الله عليهم ـ، أنه كان يسرّ القراءة في الأوليين من الظهر والعصر إلخ، وغيرها، وهي مفيدة للعموم.
وقد فسر بذلك الإمام الهادي إلى الحق (ع)، قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)} [الإسراء]، فقال (ع): يقول: لاتجهر بالقراءة في صلاة الظهر، والعصر ولا تخافت بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء والفجر..إلخ.
وقال (ع): وأمره أن يخافت فيما قرأ فيه من جميع صلاة النهار..إلخ.
وغيرها فهي معلومة مرسومة؛ هذا الذي ظهر، وللناظر نظره؛ إذْ هذه /340
من مسارح الأنظار، ومطارح الأفكار، التي لامجال فيها للإنكار، والله الموفق.
نعم، قال في الطبقات، عقيب ذكر هذا الخبر: وهو ثلاثي لمحمد بن منصور لا ثلاثي له غيره.
هذا، ومن أعلام آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ من ذكرهم محمد بن منصور ـ رضوان الله عليه ـ في قوله فيها: رأيت في وجه أحمد بن عيسى ـ رحمه الله ـ أثراً خفياً من السجود، وكذلك رأيت في وجه عبدالله بن موسى ـ يعني: ابن عبدالله بن الحسن ـ وقاسم بن إبراهيم، وعبدالله بن موسى بن جعفر ـ يعني: الصادق ـ، وإدريس بن محمد بن يحيى بن عبدالله بن الحسن، وعبيدالله بن علي بن عبيدالله، وعبدالله بن محمد بن يحيى بن عبدالله بن حسن، بعضهم أكثر من بعض.
[نبذة ممن يروي عنهم الإمامان القاسم بن إبراهيم، وأحمد بن عيسى، وممن يروي عنهما]
قلت: وهم، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي، نجوم العترة (ع) في عصرهم.
ويروي الإمام أحمد بن عيسى عن الصادق، وعن حسين بن علوان كما سبق، وعن محمد بن بكر، عن أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني، عن الباقر (ع)، وهذا السند أيضاً من معتمدات آل محمد (ع).
وروى عن أحمد بن صبيح اليشكري الأسدي، وعن محمد بن زكريا العلابي - رضي الله عنهم -.
واختلف في سماع الإمام أحمد عن أبيه عيسى بن زيد (ع).
وعنه، ابناه: محمد، وعلي.
ومن شيعته: مخول بن إبراهيم النهدي الكوفي، صاحب الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن.
ويروي الإمام نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، عن آبائه (ع)، وعن السيد الإمام عبدالله بن الحسن بن الإمام إبراهيم بن عبدالله، عن آبائه (ع) كما في البساط، وأمالي الإمام أبي طالب، والشافي؛ وعن موسى بن جعفر، وعن أبي بكر بن أبي أويس، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي أمير /341
المؤمنين (ع).
واسم أبي بكر، عبد الحميد بن عبدالله بن عبدالله مثنى ـ وقيل: الثاني مصغر ـ الأصبحي المدني، المتوفى عام نيف ومائتين، روى عنه نجم آل الرسول كما سبق، وأبو الطاهر العلوي (ع)، واحتج به الستة إلا ابن ماجه، وكذلك أخوه إسماعيل بن أبي أويس، المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين، روى عنه القاسم بن إبراهيم، وأبو الطاهر (ع) والبخاري ومسلم.
نعم، والحسين بن عبدالله الذي روى عنه القاسم بن إبراهيم وفاتُه بعد الستين والمائة تقريباً.
وقد ذكرنا الرواة عن نجم آل الرسول (ع) في التحف الفاطمية .
ومنهم: عالم الشيعة جعفر بن محمد النيروسي (بفتح النون، وسكون المثناة التحتية، وضم الراء المهملة، وكسر السين المهملة، بينهما واو) الراوي عن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن آبائه (ع) خبر وفاة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بطوله.
ورواه عنه عبدالله بن الحسن الإيوازي (بالمعجمة) المتوفى بعد عشر وثلاثمائة، صاحب الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع)، الراوي عنه.
وأخذ عنه أبو العباس الحسني (ع)، ومما رواه عنه: خبر الوفاة هذا بطوله في المصابيح بهذا السند.
وروى النيروسي أيضاً عن شيخ الشيعة عباد بن يعقوب الرواجني (بفتح المهملة، وكسر الجيم) الأسدي، المتوفى عام خمسين ومائتين، الراوي عن النفس الزكية، والحسين بن زيد بن علي (ع)، وأكثر الرواية عنه محمد بن منصور.
وروى محمد بن منصور أيضاً عن عبدالله بن داهر، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده (ع).
وروى محمد بن منصور أيضاً عن محمد بن راشد، المتوفى عام ستة وستين ومائة، عن عيسى بن عبدالله، عن آبائه عن علي (ع).
وجميع من تقدم، وهؤلاء الذين في سند الإمامين: نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وعالمهم /342
أحمد بن عيسى، ومن اتصل بهم ـ من أعيان العصابة الأبرار، وأولياء القرابة الأخيار، وعلى هذه الأسانيد الصحيحة أي مدار.
وقد نال منهم القوم، لمودتهم واختصاصهم بآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، مع عدم غنيتهم عنهم، كما أشرنا إلى روايتهم عنهم.
[نبذة ممن تكلم فيهم القوم وترجمتهم]
[أبان بن تغلب]
فممن تكلموا فيه من هذه العصابة المرضية: أبان بن تغلب (بمثناة فوقية، فمعجمة، فلام مكسورة، فموحدة) أبو سعيد الكوفي القاري، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة؛ روى عن الإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وولده الصادق، وعنه الإمام يحيى بن عبدالله (ع)، وعباد بن العوام الواسطي، المتوفى عام خمسة وثمانين ومائة، صاحب الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ع).
خرج له الإمامان: المؤيد، والمرشد، ومحمد.
هذا، وأخرج لأبان أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور.
وأخرج له مسلم، والأربعة.
قال الزايغ الناصبي الجوزجاني: زايغ مجاهر.
وقد أعيت المذاهب على الذهبي، في مثل هذا الولي. إنْ ردّ أخبارهم جميعاً، انسدت عليهم الطريق؛ لاعتماد أهل صحاحهم، على هؤلاء الفريق بإقرارهم، كما أسلفنا لك، أنهم الأصل في السنن؛ وإنما استرقوا منهم السمع، وغيّروا وبدلوا.
وإنْ قبلهم على الإطلاق خرج من مركزه، فعدل إلى ردّ البعض، وقبول البعض، بلا دلالة، إلا اتباع الهوى، فحسبه ماتولّى.
قال في الطبقات: قال الذهبي: ولقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحدّ الثقة العدالة، والإتقان؟ فكيف يكون عدلاً صاحب بدعة؟
وجوابه: أن البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلو في التشيع، أو /343
التشيع بلا غلو ولا انحراف، وهذا كثير في التابعين، وتابعيهم.
إلى قوله: فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
إلى قوله: أما غلاة الشيعة في عرف السلف فهم من تكلم في عثمان، والزبير وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب علياً، أو تعرض لسبهم.
إلى قوله: ولم يكن أبان بن تغلب يتعرض للشيخين أصلاً؛ بل يعتقد أن علياً أفضل منهما. انتهى.
[إبراهيم بن محمد بن ميمون]
ومنهم: إبراهيم بن محمد بن ميمون، أبو إسحاق الفزاري، المتوفى عام اثنين وستين ومائة، روى عن محمد بن الحسين بن علي ابن أخي الباقر، وعن عيسى بن عبدالله، والد أبي الطاهر (ع)، وعن زيد بن الحسن الأنماطي ـ وفي رواية الأنطاكي ـ الراوي عن أئمة آل محمد (ع): الإمام الأعظم، ومن روايته عنه مناظرة هشام؛ والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، والصادق (ع)، وعن سعيد، أخي معمر بن خثيم الهلالي، صاحبي الإمام الأعظم (ع)، والراويين عنه، وأخوهما جابر بن خثيم، الرواي عن عبدالله بن الحسن (ع)؛ وعن أبي عبدالله شريك بن عبدالله النخعي، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة.
أخرج له أئمتنا الأربعة: المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور(ع)، وجماعة العامة.
وممن أخذ عنه: يحيى بن عبد الحميد الحماني، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائتين.
أخرج له الإمام المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله (ع) وجماعة العامة.
وعنه محمد بن فضيل بن غزوان الضبي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة.
أخرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الخمسة (ع).
وممن أخذ عنه: علي بن المنذر الطريقي (بفتح الطاء، وكسر القاف) المتوفى عام ستة وخمسين ومائتين الأزدي شيخ محمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ.
وإبراهيم بن محمد، من أقدم أشياخ محمد بن منصور، روى عنه /344
بلا واسطة، وبواسطة محمد بن جَمِيل.
وروى إبراهيم عن علي بن عابس الكوفي، وعن علي بن غراب الفزاري، المتوفى سنة أربع وثمانين ومائة.
وروى إبراهيم عن علي بن هاشم بن البريد، المتوفى سنة ثمانين ومائة، المجاهد مع الإمام الحسين الفخي، وأبوه مع الإمام الأعظم (ع).
وأخرج لإبراهيم، الإمام الناصر للحق (ع) في البساط، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني (ع).
[ترجمة إبراهيم بن أبي يحيى]
ومنهم إبراهيم بن أبي يحيى المدني، المتوفى سنة أربع وثمانين ومائة، شيخ ولي آل محمد، محمد بن إدريس الشافعي ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى ابن أبي يحيى، عن الإمام الأعظم، وعن جعفر بن محمد (ع)، وعن أبان بن أبي عياش (بمثناة تحتية) المتوفى في الأربعين والمائة تقريباً، الزاهد، العابد ـ رضي الله عنه ـ.
[ترجمة: أبي إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، وأبي عبدالله الجدلي، وأبي جحيفة، وسعيد بن جبير]
وروى أيضاً عن أبي إسحاق السبيعي، عمرو بن عبدالله الهمداني، المتوفى عام سبعة وعشرين ومائة، الراوي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بواسطة الحارث بن عبدالله الهمداني الأعور، المتوفى عام خمسة وستين، وواسطة عاصم بن ضمرة (بفتح المعجمة، وسكون الميم) المتوفى عام أربعة وسبعين.
وروى السبيعي، عن الحكم بن عتيبة (بمهملة، فمثناة فوقية، فأخرى تحتية، فموحدة)، المتوفى سنة خمس عشرة ومائة، الراوي عن أمير المؤمنين (ع)، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي، الشاهد مشاهد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المتوفى بالأردن عام ثمانية عشر، وأبي عبدالله الجدلي، إبراهيم بن عبدالله؛ أحد خواص أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وحبة بن جوين، (بضم الجيم، وفتح الواو، وسكون التحتية، وبالنون) العرني، وأبي جحيفة عبدالله بن وهب الصحابي، المتوفى سنة أربع وسبعين، الشاهد مشاهد الوصي (ع) الذي كان (ع) يكرمه، ويسميه /345
وهب الخير.
وجميع هؤلاء من أعيان أصحاب الوصي (ع).
وروى السبيعي أيضاً عن عبد خير الهمداني، الكوفي، أبي عمارة، وعن علي بن ربيعة الوالبي الأسدي، أبي المغيرة.
وهو وعبد خير من خلّص أصحاب الوصي (ع)، كالذَّين قبلهما.
وروى ابراهيم بن أبي يحيى أيضاً عن العالم الشهيد، سعيد بن جبير، المبايع للإمام الحسن الرضى (ع)، قتله الجبار العنيد الحجاج بن يوسف، سنة خمس وتسعين، ودعا عليه ألا يُسَلَّط على أحد بعده، فاستجاب الله دعوته.
وروى الإمام المرشد بالله بسنده إلى سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ((إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً، وسبعين ألفاً)) ورواه في المستدرك، وغيره.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة.
وله رواية عن أمير المؤمنين (ع)، عند المؤيد بالله، والطبراني، وروى عن عدي بن حاتم الطائي، وغيره من الصحابة، والتابعين.
وعنه المنهال بن عمرو الأسدي، وأبو هاشم الرماني صاحب الإمام الأعظم (ع) الراوي عنه، والراوي عن زاذان أبي عمرو المتوفى سنة اثنتين وثمانين، خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة إلا البخاري، وروى زاذان عن أمير المؤمنين (ع)، والبراء بن عازب، وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنهم ـ، وغيرهم.
نعم، قال الإمام يحيى شرف الدين (ع) في شرح مقدمة الأثمار، بعد حكايته لما قالوا في إبراهيم: انظر إلى تكلّفهم لجرح ابن أبي يحيى هذا، إنما كان لكونه من الشيعة، وأهل العدل، الذي هو كل آفة عند هؤلاء، وكان من أجِلّة مشائخ الشافعي.
حكى الذهبي عن الشافعي مامعناه أنه سئل عن جعفر بن محمد الصادق؟ فقال: هو الثقة، كيف وقد أخذنا عن إبراهيم ابن أبي يحيى أربعمائة حديث، عن جعفر الصادق؟
فأشكل عليهم الأمر في إبراهيم بن أبي يحيى، لظهور ماكان عليه من التشيع والعدل، واعتماد إمامهم /346
الشافعي عليه؛ مع ما يدعون عليه، وينسبون إليه من موافقته لهم، على ضلالهم عن طريق الحق في ذلك، وهو بريء منزه، انتهى.
وغيرهم كثير.
وإنما هذه لمحة من بارق، ناسب إيرادها هنا، لذكر من يتعلق بهم الإسناد.
فجميع من سبق من نجوم آل محمد (ع)، وعيون شيعتهم، الرواة والمروي عنهم ـ رضي الله عنهم ـ. وآثرت ذكرهم، ليعلم المطلع محلهم، وجرحهم لهم بالتشيع، مع كونهم عالة عليهم، ولأنه قد صار الخصوم، يدعون أن القوم الأصل في رواية الأخبار، ويموّهون بذلك على كثير من الأغمار، جهلاً من بعض وتجاهلاً من آخرين، والمعلوم أن الأمر بالعكس كما يعلم أولوا الاختبار.
هذا، ولما انساق البحث في هذا، رأيت أن نتمم الفائدة، بذكر طائفة من العصابة الأبرار، الرواة عن الأئمة الأطهار (ع) الذين اعتمد على روايتهم الأمة؛ من مخالف، وموالف، في جميع الأعصار؛ وأَخُصّ ذلك بمن روى عن الإمام أبي عبدالله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ الذي تجنب الرواية عنه صاحب صحيحهم البخاري، كما سبق، وتجنب الرواية أيضاً عن غيره من أعلام بيت النبوة (ع) كما هو معلوم.
قال بعض علماء العترة (ع) في ترجمة الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): قال البخاري: لايتابع على حديثه.
قال: فهذا كلامه في هذا الإمام الذي قال عيسى بن زيد فيه: لو أخبرنا الله في كتابه أنه يكون بعد محمد نبي لقلنا: ذلك محمد بن عبدالله.
هذا، وإنما خصصتهم بالبحث لئلا يتسع الكلام، ولاشتمال ذلك على طائفة وافرة من الأعلام، الذين ينتهي إليهم إسناد صاحب الأمالي، وغيره من أئمتنا الكرام، وليزداد الناظر بصيرة في صنيع صاحب صحيحهم. /347
وكيف تجنب الإمام الصادق، ابن الإمام الباقر، ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مع أن أعلام الإسلام، وجميع أهل بيت النبوة الكرام، من عصره إلى آخر الأيام، مقتدون بذلك الإمام، مهتدون بهديه؟!.
فابن رسول الله هو العالم بكتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه، وصاحب بخارى مع ذلك يتطفل على أتباعه، ويتسرق من أصحابه وأشياعه؛ ولكنه لايروج الباطل الصريح، إلا بما يمازجه من الحق الصريح.
[من أخذ عنهم الصادق أو أخذوا عنه]
فنقول: روى أبو عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه باقر علم الأنبياء (ع)، الذي أبلغه جابر بن عبدالله السلام، عن جده رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وقال: إنه قال له: ((إنك ستعيش حتى تدرك رجلاً من أولادي اسمه اسمي، يبقر العلم بقراً، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام))، فلما دخل محمد بن علي على جابر قام إليه فاعتنقه وقال له: جدك يقرأ عليك السلام.
وعن عبيدالله بن أبي رافع، كاتب أمير المؤمنين وولده الحسن السبط ـ صلوات الله عليهما ـ، المتوفى قبل المائتين؛ خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وهو وأبوه أبو رافع الأنصاري من موالي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وخواص آل محمد(ع).
وروى عن عبيدالله الأئمة الهداة، وولده محمد بن عبيدالله، الذي احتج به إمام الأئمة الهادي إلى الحق، وسائر أئمتنا (ع).
وممن أخذ عنه علي بن القاسم الكندي الكوفي، وهو كذلك روى له إمام الأئمة في المنتخب، والمؤيد بالله، ومحمد (ع).
وروى عن علي بن القاسم، الحسنُ بن الحسين العُرَني (بضم المهملة الأولى، وفتح الثانية ثم نون).
وأما الرواة عن الصادق (ع) فمنهم: أولاده إسحاق، وعلي، والإمام محمد، وموسى الكاظم، وحفيده الإمام علي بن موسى، والإمام يحيى بن عبدالله، والإمام عيسى بن الإمام الأعظم زيد بن علي، وأخوه الإمام /348
الحسين، وعبيدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب.
وهو وأخوه عبدالله بن محمد، يرويان عن خالَيهما: الإمام الأعظم، وأخيه الباقر(ع).
ومنهم: محمد بن عبدالله العلوي المتقدم، ومنهم: الحسن بن صالح بن حي الهمداني، المتوفى سنة تسع وستين ومائة، العالم، العابد، شِحَاك أعداء الله، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
روى الحسن أيضاً عن جابر بن يزيد الجعفي الراوي عن الباقر محمد بن علي (ع).
وروى الحسن، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الراوي عن الإمام الأعظم، والقائم هو وأبوه وجده مع آل محمد (ع)، وغيرهم.
وروى أيضاً عن هارون بن سعد العِجلي صاحب الإمام الأعظم (ع) والراوي عنه.
أخرج للحسن أئمتنا الأربعة (ع)، ومسلم، وأربعة العامة.
وأخذ عن الحسن بن صالح، الإمام الحسين بن الإمام زيد بن علي (ع)، وأخوه علي بن صالح، ويحيى بن آدم، المتوفى سنة ثلاث ومائتين، أحد ثقات الزيدية.
أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة.
ومنهم الولي السابق، الحصين بن المُخَارِق، (بضم الميم، وبالخاء المعجمة، فألف، وكسر الراء المهملة، والقاف) أبو جنادة السلولي، الكوفي، المتوفى رأس المائتين تقريباً، الراوي عن أعلام العترة: الإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وولده، والإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، والإمام يحيى بن عبدالله، وعبدالله بن الحسين عن آبائهم(ع).
احتج به الإمام المؤيد بالله ووثقه، ومحمد بن منصور.
فمن أسانيده المعتمدة عن الإمام أحمد بن عيسى، عن حسين بن نصر بن مزاحم، عن خالد بن عيسى العُكْلي، عن الحصين بن المخارق، عن جعفر بن محمد (ع).
وروى عن الحسين بن /349
نصر بلا واسطة، وبواسطة الإمام أحمد بن عيسى (ع) العالمُ الموالي أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الأموي المرواني، صاحب كتاب مقاتل الطالبيين الكبير والصغير، والأغاني، المتوفى عام ستة وخمسين وثلاثمائة، وهو ممن هداه الله تعالى من الشجرة، لولاية العترة المطهرة، روى عنه السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع) وغيره، خرج له الإمامان المؤيد بالله، وأبو طالب، والإمام المنصور بالله (ع).
ووثقه وأثنى عليه في الشافي.
وخالف الذهبي فيه مذهبه فأثنى عليه في النبلاء. وقال: لابأس به.
قلت: ولعله شفع فيه نسبه.
[سفيان الثوري والآخذون عنه]
هذا، ومنهم: عالم الشيعة الزيدية، ورباني الأمة المحمدية، سفيان بن سعيد الثوري أبو عبدالله، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة.
لما قُتِل الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) قال: ما أظن الصلاة تُقْبل؛ إلا أن فعلها خير من تركها.
وكان يقول: حب بني فاطمة والجزع لهم مما هم عليه من الخوف والقتل؛ يُبكي مَنْ في قلبه شيء من الإيمان.
وكونه من خلصان الزيدية، معلوم بين علماء البرية؛ وكان من خواص الإمام عيسى بن زيد بن علي (ع).
قال السيد صارم الدين (ع): وتشدد سفيان على أئمة الجور، وكلامه في حقهم معروف، لاتستطيع الناصبية إنكاره، ولاتحتاج الشيعة دليلاً على إظهاره.
روى له الجماعة. انتهى.
وقال في مطلع البدور: وانتسابه على جلالته إلى الزيدية غير هيّن على من يكاثر بالرجال، ولم نقتنع بهذه النسبة، إلا بعد رواية الإمام الناطق بالحق مع شهرته بهذه الطريقة التي هي طريقة الزيدية.
وقد أجمع الناس على تشيعه وحبه لإمام الزيدية علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ. انتهى.
قلت: وأهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ، في غُنْيَةٍ بما جعله الله /350
لهم عن جميع الأمة، ولهم إلى العصر مايزيد على مائة إمام سابق، مفترض الطاعة على جميع الخلائق، دع من سواهم من المقتصدين، لولا وجوب بيان الحق، وتمييز المشاقق من الموافق.
هذا، ولهذا العالم العامل كرامة عظمى، وهي أن المنصور الدوانيقي لما حج أراد قتله، فلما وصل بئر ميمون أرسل أعوانه فجاءوا ونصبوا الخُشُب، وكان سفيان جالساً بفناء الكعبة ورأسه في حجر فضيل بن عياض ورجلاه في حجر سفيان بن عيينة فقالا له: يا أبا عبدالله قم واختف، ولاتشمت بنا الأعداء.
فتقدم إلى أستار الكعبة ثم قال كلمة معناها القسم أنه لايدخلها أبو جعفر.
فركب المنصور من بئر ميمون فسقط عن فرسه فاندقت عنقه فمات لوقته، وبَرّ الله قسم عبده سفيان، وأذن بانتهاء عدوّه ذي الطغيان.
[عدد من الموالين للعترة]
وروى سفيان عن الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع).
وعن أيوب السختياني (بفتح المهملة وكسرها)، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة.
خرج له: أئمتنا (ع) والجماعة.
وعن حجاج بن أرطأة، المتوفى سنة سبع وأربعين ومائة، أخرج له أئمتنا الثلاثة: الأخوان، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ.
وعن زُبَيْد (بالتصغير) بن الحارث اليامي أبو عبد الرحمن، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة.
خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور.
وعن سلمة بن كهيل، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائة، وهما من أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) الرواة عنه ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى أيضاً عن محب آل محمد (ع)، سليمان بن مهران الأعمش، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والستة /351
وعن عطاء بن السائب المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، خرج له أئمتنا الخمسة(ع) والبخاري والأربعة.
وعن عطية بن سعيد العوفي، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائة، الراوي عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ، خرج له الإمام أبو طالب، والموفق بالله، والمرشد بالله، ومحمد (ع) وغيرهم.
وعن مغيرة بن مِقْسم الض بي مولاهم أبي هشام، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
وفي سلسلة سند التجريد الآتي إلى جرير بن عبد الحميد عن المغيرة الضبي عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (ع).
وقد غلط الجنداري حيث قال: كذبه الباقر، وإنما هو ابن سعد.
أخرج له أئمتنا، وجماعة القوم.
وعن ولي آل محمد، العالم الرباني، منصور بن المعتمر السلمي أبي عتاب، المتوفى عام اثنين وثلاثين ومائة، أحد دعاة الإمام الأعظم (ع) الرواة عنه ـ رضي الله عنهم ـ، أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والستة.
وعن هُشَيِّم (بالتصغير) بن بَشِير (بالتكبير) السلمي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة، المجاهد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ع).
وأينما ورد مطلقاً فهو المراد.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
وممن روى عن هشيم من ثقات محدثي الشيعة: زكريا بن يحيى بن صبيح بن راشد الواسطي الكوفي الكسائي الملقب زحمويه (بالزاي، فمهملة، فميم مضمومة، فواو، فمثناة، فهاء).
وروى الثوري عن نصير آل الرسول، يزيد بن أبي زياد الكوفي، المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائة، المبايع للإمام الأعظم؛ أخرج له أئمتنا الخمسة، ومسلم والأربعة.
وأخرج للثوري ـ رضي الله عنه ـ أئمتنا الخمسة (ع)، وأبو /352
الغنائم، والجماعة، وأينما ورد سفيان مطلقاً في كتب أئمتنا (ع) فهو المراد؛ أفاده في الطبقات.
[سفيان بن عيينة، ومن أخذ عنهم وأخذوا عنه]
ومنهم: العالم الحافظ، محدث الحرم، سفيان بن عُيَي ْنَة أبو محمد، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي، (بفتح الهمزة والميم، وسكون المهملة)، المتوفى سنة ست وأربعين ومائة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة القوم.
وعن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، الإمام المفسر الشيعي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة، المبايع للإمام الأعظم (ع).
روى الحكم بن ظهير ـ بالتصغير ـ عن السدي، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) كتاب الصفوة والرسالة.
وروى ابن عيينة عن عبدالله بن أبي نجيح، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، الذي عدّه في رجال العدل والتوحيد الإمام الحجة (ع) في الشافي.
وروى ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، ومسلم، والأربعة، الراوي عن عدي بن ثابت الأنصاري، المتوفى سنة ست عشرة ومائة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة القوم.
وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، أبي محمد المكي، المتوفى عام ستة وعشرين ومائة، أحد أولياء آل محمد (ع) الأثبات، الراوي عن ابن عباس، وابن مسعود، وطاووس ـ رضي الله عنهم ـ، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، والقوم.
وعن كثير بن إسماعيل النوا، الراوي عن الإمام الأعظم، وأخيه الباقر (ع)، أحد عيون الزيدية المجاهدين لأبي الدوانيق، مع العصابة المهدية - رضي الله عنهم - أخرج له الإمام أبو طالب (ع).
وعن مسعر بن كدام الهلالي، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائة، المبايع /353
للإمام الأعظم (ع)، أخرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، وجماعة القوم، وأينما أطلق في كتب أئمتنا فهو المراد.
وروى مسعر عن حبيب بن أبي ثابت المتوفى سنة سبع عشرة ومائة ـ رضي الله عنهما ـ، الراوي عن ابن عباس، وعلي بن الحسين (ع)، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وأربعة القوم.
وروى حبيب أيضاً عن أبي الشعثاء سليم بن أسود المحاربي، الشاهد مشاهد أمير المؤمنين (ع) كلها، الراوي عنه، وعن حذيفة، وأبي ذر ـ رضي الله عنهم ـ.
وممن أخذ عن حبيب: قيس بن الربيع الأسدي، المتوفى سنة بضع وستين ومائة، أحد المبايعين للإمام الأعظم، الراوين عنه ـ رضي الله عنهم ـ.
أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والأربعة إلا النسائي.
وأخذ عن حبيب أيضاً، كامل بن العلا ـ رضي الله عنه ـ الذي أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وأربعة العامة.
وأخذ عن ابن عيينة، العالم المؤلف عبدالله بن محمد بن إبراهيم أبو بكر بن أبي شيبة، المعدود هو وأخواه: عثمان، والقاسم ـ رضي الله عنهم ـ، من ثقات محدثي الشيعة، أخرج لهم أكثر أئمتنا (ع)، والعامة.
توفي أبو بكر سنة خمس وثلاثين ومائتين.
واسمه عبدالله، خلاف مافي علوم الحديث من كونه محمداً، ولعله سبق قلم، وتوفي عثمان سنة تسع وثلاثين ومائتين، وتوفي القاسم عام وفاة أخيه عبدالله.
هذا، وأخرج لابن عيينة الشريف السيلقي، وأبو الغنائم، وأئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة.
ومنهم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة، أبو محمد، العالم الولي، الذي أخذ عنه ابن المديني.
أخرج للدراوردي أئمتنا الأربعة /354
(ع) وجماعة القوم.
ومنهم: العالم الزكي عمرو بن جميع الكوفي، أبو المنذر العبدي، الراوي عن الإمام الكامل عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع).
وروى عنه عبدالله بن داهر الرازي، أخرج له الإمام الناصر للحق في البساط، وأبو طالب، والمرشد بالله، ومحمد (ع)، وروى عبدالله أيضاً عن أبيه داهر بن يحيى، أحد الأفاضل الرواة عن الصادق (ع).
أخرج لعمرو بن جميع أئمتنا (ع).
ومنهم: الشيعي الولي، عمرو بن شِمْر الجعفي، أخرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، والموفق بالله، ومحمد بن منصور، ـ رضي الله عنهم ـ، وأخذ عنه كادح بن جعفر، العابد الزاهد، الذي أخرج له الهادي إلى الحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب والجرجاني(ع).
ومنهم: الفاضل الشيعي، غياث بن إبراهيم النخعي، المتوفى في عشر التسعين والمائة؛ أخرج له الإمام أبو طالب، ومحمد بن منصور ـ رضوان الله عليهم ـ.
ومنهم: عالم مصر، الحافظ الأوحد، الليث بن سعد الأصبهاني، أبو الحارث، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة (ع)، وجماعة العامة؛ وروى الليث أيضاً عن الباقر (ع)، وعن قاضي مصر عبدالله بن لهيعة (بفتح اللام، وكسر الهاء، وسكون التحتية)، المتوفى سنة أربع وستين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، وأخرج له جماعة العامة، إلا أن البخاري، والنسائي لم يصرحا باسمه، ومافي التجريد والشفاء من ظاهر تضعيف حديثه، فقد أجاب عنه في الطبقات، بأن ذلك إلزام للخصم على سبيل المعارضة، بعد ترجيح خلاف مارواه بوجه صحيح؛ هذا معنى ماذكر، وهو كلام قويم.
[مالك بن أنس، وأبو حنيفة ومن أخذ عنه]
ومنهم: مالك بن أنس الأصبحي، أبو عبدالله، فقيه دار الهجرة، ولي آل /355
محمد (ع)، المبايع للإمام المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع)، والمفتي بالخروج معه؛ أخرج له أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة.
وروى عن عطاء بن أبي رباح، المتوفى سنة خمس عشرة ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة.
وممن أخذ عن مالك: العالم المجاهد في سبيل الله، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، محمد بن عَجلان القرشي أبو عبدالله المدني ـ رضي الله عنه ـ القائم مع الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع).
ومنهم: شيخ الحرم، مسلم بن خالد المخزومي الزنجي، المتوفى سنة ثمانين ومائة، شيخ الشافعي الآخر ـ رضي الله عنهم ـ.
ومنهم: النعمان بن ثابت الفارسي أبو حنيفة، فقيه العراق، أحد أنصار الإمام الأعظم (ع) الراوين عنه ـ رضي الله عنهم ـ والمبايع للإمامين: محمد، وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن (ع).
عدّه من العصابة الزيدية، الإمامُ الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وغيره، وهو من الشهداء في حبّ أهل البيت (ع)، سقاه أبو الدوانيق السمّ لذلك.
وحالُ هؤلاء الثلاثة الأعلام: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، في قيامهم مع العترة، والتزامهم لما أمر الله به لهم من المودة والنصرة، معلومة، لعلماء الأمة، كحال غيرهم من علماء الإسلام، المحرزين للنجاة، بالدخول في سفينة الآل الهداة، ـ رضي الله عنهم ـ وجزاهم عن الدين أفضل الجزاء.
نعم: وممن أخذ عن أبي حنيفة الحافظ المحدث، الفضل بن دكين أبو نعيم، واسمه: عمرو بن حماد، المتوفى سنة سبع عشرة ومائة، المعدود في رجال العدلية الزيدية - رضي الله عنهم - كما أفاده الحاكم؛ وروى أبو نعيم عن عمر بن موسى بن وجيه، الراوي عن الإمام الأعظم (ع)، وغيره.
وأخذ عن أبي حنيفة أيضاً العالمُ الرباني، محمدُ بن الحسن الشيباني، المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة، الراوي عن الإمام محمد بن عبدالله النفس /356
الزكية (ع)، وغيره، الصادع بكلمة الحق عند السلطان الجائر هارون الغوي، لما أراد نقض أمان الإمام يحيى بن عبدالله (ع)، فناله ماناله؛ والقصة مشهورة.
أخذ عنه محمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، وأخرج له هو والإمام المؤيد بالله (ع).
وغير من ذكرنا جمّ غفير، وعدد كثير.
وقد اشتمل هذا البحث ـ بحمد الله ـ على جماعة نافعة من العصابة المرضية، المعتمد عليهم عند العترة الزكية (ع)، فجميع من سبق ذكره، أصالة، وتبعاً، من المروي عنهم، والرواة، ممن ثبت ـ بحمد الله تعالى ـ عدالتهم، وتحقق ـ بفضل الله ـ إتقانهم وولايتهم.
وقد تقدّمت الإشارة، وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في كثير من المباحث، إلى توثيق كثير من الرواة بنحو صفة محمودة، أو تصريح بترضية، أو تصحيح سند؛ يعلم هذا والله ولي التوفيق، وكل ذلك ـ بمنّ الله ـ عن بحث وتحقيق.
[سند جامع لمؤلفات الهادي إلى الحق والناصر للحق والمؤيد بالله وأبي طالب وغيرهم (ع)]
وهذا سند جامع لمؤلفات إمام اليمن، الهادي إلى الحق المبين، أمير المؤمنين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (ع)، الأحكام، والمنتخب والمجموع، وغيرها.
وجميع مؤلفات إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، أمير المؤمنين، أبي محمد، الحسن بن علي بن الحسن: البساط، والتفسير، وغيرهما.
ومؤلفات أئمة العراق: الإمام المؤيد بالله، أمير المؤمنين، أبي الحسين، أحمد /357
بن الحسين: التجريد وشرحه، والإفادة، والأمالي، وجميع مؤلفاته.
وأخيه الإمام الناطق بالحق، أمير المؤمنين أبي طالب، يحيى بن الحسين: التحرير وشرحه، والإفادة، والأمالي، وجميع مؤلفاته.
وشيخ الأئمة، ووارث الحكمة، أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني: شرح الأحكام، وشرح المنتخب، والنصوص، والمصابيح، وجميع مؤلفاته.
وأصول الأحكام للإمام المتوكل على الله أبي الحسن، أمير المؤمنين، أحمد بن سليمان؛ عليهم، وعلى سلفهم، وخلفهم، من العترة الكرام، أفضل الصلاة والسلام.
وشرح الأحكام لعلي بن بلال.
وشرح القاضي زيد ـ رضي الله عنهما ـ المنتزع من شرح التحرير.
وقد سبق إسناد الأحكام، والمنتخب، وأصول الأحكام؛ وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ أسانيد خاصة لأفراد هذه المؤلفات الشريفة، وإنما قدمت هذا السند لجمعه.
فأقول، مستعيناً بمن ملكه لايزول:
يروي المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ جميع ما تقدم بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، التي منها: عن والدي العلامة محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي اللَّه تعالى عنهما ـ سماعاً فيما سمعت فيه منها، كالأحكام إلى كتاب الحدود، بقرائتي عليه، وفي شرح التجريد، والأماليات، والتحرير، وغيرها، وأصول الأحكام من فاتحته إلى خاتمته، بقرائتي عليه ـ رضي الله عنه ـ والإجازة العامة، وهو عن والدنا الإمام المهدي لدين الله، محمد بن القاسم، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
ويروي الإمام المهدي محمد بن القاسم ذلك، وغيره، عن شيخه الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن شيخه السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
والسيد الإمام محمد بن عبد الرب يروي ذلك، وغيره عن عمه /358
العلامة إسماعيل، عن أبيه العلامة محمد، عن أبيه العلامة زيد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام: إبراهيم بن المهدي القاسمي، وأمير الدين بن عبدالله المطهري، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، عن القاضي العلامة علي بن أحمد، عن القاضي العلامة علي بن زيد ـ رضي الله عنهم ـ عن الإمام المتوكل على الله، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الفقيه نجم الدين يوسف بن أحمد، عن الفقيه شرف الدين الحسن بن محمد النحوي، عن الفقيه عماد الدين يحيى بن حسن البحيبح ـ رضي اللَّه تعالى عنهم ـ عن الأمير الخطير، المؤيد بن أحمد، عن الأمير الكبير، الناصر للحق الحسين بن بدر الدين محمد (ع)، عن الشيخ محيي الدين، عطية بن محمد، عن الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى شيبتي الحمد، شمس الدين، وبدره، يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، عن القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله تعالى عنه ـ، عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في أصول الأحكام.
ويروي القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد، عن القاضي أحمد بن أبي الحسن الكني، عن أبي الفوارس توران شاه، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن علي خليل، عن القاضي يوسف الخطيب ـ رضي الله تعالى عنهم ـ عن الإمام المؤيد بالله، والإمام أبي طالب، عن السيد أبي العباس، عن السيد الإمام علي بن العباس الحسني، عن الإمام الهادي إلى الحق، جميع مؤلفاته.
ويروي الإمامان: المؤيد بالله، وأبوطالب، عن الشيخ العالم أبي الحسين علي بن إسماعيل الفقيه، عن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش، جميع مؤلفاته. /359
وبهذه الطريق إلى الإمام الناصر (ع) عن محمد بن منصور، جميع مؤلفاته.
ويروي الإمامان المؤيد بالله، وأبوطالب، وأبو العباس الحسني عن السيد الإمام يحيى الهادي، بن الإمام المرتضى محمد بن يحيى، عن عمه الإمام الناصر للدين أحمد بن يحيى، عن والده إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم (ع).
فنروي مؤلفات كل إمام منهم، بالسند المتصل به، وكذا شرح القاضي زيد بن محمد، بالسند المتصل به، وشرح علي بن بلال بالسند المتصل بالإمامين، المؤيد بالله، وأبي طالب عنه ـ رضي الله عنه ـ.
وأروي أيضاً كتاب الأحكام، والمنتخب، والفنون، وأصول الأحكام بالطرق السابقة، في المجموع، والسند الجملي، جميعها إلى الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع)، التي منها: عن والدي ـ رضي الله عنه ـ، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، عن مشائخه السادة الأعلام: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام الحسين، عن أبيه يوسف، عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة الحسني، عن السيد العلامة عامر بن عبدالله بن عامر، عن الإمام المؤيد بالله محمد، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام: أمير الدين بن عبدالله، وإبراهيم بن المهدي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام شرف الدين، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى (ع)، عن أخيه الهادي بن يحيى، وشيخه محمد بن يحيى، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام المنصور بالله عز وجل، عبدالله بن حمزة (ع)، عن محيي الدين محمد بن أحمد /360
القرشي ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان (ع) في أصول الأحكام، قراءة عليه إلى كتاب الوصايا، ومناولة لبقيته.
وبهذا السند إلى الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، عن الشيخ الأجل إسحاق بن أحمد، عن عبد الرزاق بن أحمد، عن الشريف علي بن الحارث، وأبي الهيثم يوسف بن أبي العشيرة، عن الحسن بن أحمد الضهري، إمام مسجد الهادي، عن محمد بن أبي الفتح ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام المرتضى لدين الله محمد، عن أبيه إمام الأئمة، وهادي الأمة، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ:
فسائل الشهب عنه في مطالعها .... والصبح حين بدا والبدر حين أضا
سلْ سنّة المصطفى عن نجلِ صاحبها .... من علّم الناس مسنوناً ومفترضا
فالله تعالى نسأل، أن يمن لنا وللمؤمنين بمرافقتهم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
نعم، وكل من تقدم في هذه الأسانيد المباركة من مشاهير علماء الزيدية، وأعلام الثقات الأثبات من العصابة المرضية، ولو نقلتُ فضائلهم وأحوالهم لضاق المقام.
هذا فنروي بجميع الطرق السابقة إلى الإمام الهادي إلى الحق، مؤلفاته التي أشهرها كتاب الجامع الأحكام.
[جواهر من أحكام الإمام الهادي]
قال فيه ـ صلوات الله عليه ـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي لاتراه العيون، ولا تحيط به الظنون..إلى آخره.
وقال فيه بعد ذكر التوحيد، والعدل، والنبوة:
فإذا فهم ذلك، وكان في ضمير قلبه كذلك، وجب عليه أن يعرف ويفهم، /361
ويعتقد ويعلم، أن ولاية أمير المؤمنين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب (ع) واجبة على جميع المسلمين، فَرْضٌ من الله رب العالمين، لاينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان، حتى يعتقد ذلك بأيقن الإيقان؛ لأن الله سبحانه يقول: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فكان ذلك أمير المؤمنين (ع) دون جميع المؤمنين.
إلى قوله: وما جاء له من الذكر الجميل، في واضح التنزيل، فكثير غير قليل؛ وفيه أنزل الله على رسوله بغدير خم {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]، فوقف ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولم يستجز أن يتقدم خطوة واحدة، حتى ينفذ ما عزم به عليه، في علي (ع)، فنزل تحت الدوحة مكانه، وجمع الناس، ثم قال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ((اللهم اشهد)) ثم قال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)) وفيه يقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي)).
حدثني أبي عن أبيه أنه سُئل عن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، أفرض هي من الله؟ قال: كذلك نقول، وكذلك يقول العلماء من آل الرسول ـ عليه وعليهم السلام ـ قولاً واحداً، لايختلفون فيه.
وحدثني أبي عن أبيه عمن حارب أمير المؤمنين، وعمن تخلف عنه في حربه، ولم يكن معه ولاعليه، فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، /362
ومن قعد عنه بغير إذنه فضال هالك في دينه.
..إلى قوله: فإذا فهم ولاية أمير المؤمنين (ع).
إلى قوله:
وجب عليه التفضيل، والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين، الإمامين الطاهرين، سبطي رسول الله المفضلين، الذين أشار إليهما الرسول، ودلّ عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما، من ذريتهما، حين يقول لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
إلى قوله: وفيهما يقول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما، وعصبتهما)).
إلى قوله: ويقول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحسن، والحسين سيدا شباب أهل الجنة)). ويقول: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
ويقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى)).
ويقول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ما أحبنا أهل البيت أحد، فزلت به قدم إلا ثبتته قدم، حتى ينجيه الله يوم القيامة)).
وفيهم يقول: ((النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء، أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض، أتى أهل الأرض ما يوعدون)).
إلى قوله: مثل من قام من ذريتهما من الأئمة الطاهرين، الصابرين لله المحتسبين، مثل: زيد بن علي إمام المتقين، القائم بحجة رب العالمين، ومثل: يحيى ابنه، المحتذي بفعله.
.. إلخ كلامه، عليه وعلى سلفه وخلفه أزكى صلوات الله /363
وسلامه.
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: حدثني أبي عن أبيه أنه قال: حدثني رجل من بني هاشم، وكان صواماً قواماً، عن أبيه يسنده إلى النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من زارني في حياتي، أو زار قبري بعد وفاتي، صلّت عليه ملائكة الله اثنتي عشرة ألف سنة)).
قال: وبلغنا عن الحسين (ع) أنه قال: للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يا رسول الله ما لمن زارنا؟ فقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((من زارني حياً أو ميتاً، أو زار أباك حياً أو ميتاً، أو زار أخاك حياً أو ميتاً، أو زارك حياً أو ميتاً، كان حقيقاً على الله أن يستنقذه يوم القيامة)).
وفيه قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: بلغنا عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((إن من أوجب المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم)).
وبلغنا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (ع) قال: ((من قضى لمؤمن حاجة، قضى الله له حوائج كثيرة، إحداهن الجنة، ومن نفَّس عن مؤمن كربة، نفس الله عنه كرباً يوم القيامة، ومن أطعمه من جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه من عطش، سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوباً كان في ضمان الله ما بقي عليه من ذلك الثوب سلك؛ والله، لقضاء حاجة المؤمن أفضل من صوم شهر، واعتكافه)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن آبائه (ع) عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه
/364
قال: ((الرفق يُمْنٌ، والخرق شؤم)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: وبلغنا عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - أنه قال: ((تكردس الفتن في جراثيم العرب حتى لايقال: الله؛ ثم يبعث الله قوماً يجتمعون، كما يجتمع قزع الخريف، فهنالك يحيي الله الحق، ويميت الباطل)).
وفيه: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي من أحب ولدك فقد أحبك، ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة؛ ومن أبغضهم فقد أبغضك، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أبغض الله كان حقيقاً على الله أن يدخله النار)).
وساق في ذكر آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ، حتى قال في آخره: قال يحيى بن الحسين ـ صلوات الله عليه ـ:
وإنما أخرنا ذكر ما ذكرنا من بعض فضل آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ لنختم بذكرهم كما بدأنا بهم؛ لأن الله سبحانه بهم ابتدأ إظهار الحق والهدى، وبهم يختم سبحانه الدنيا. انتهى.
والحمد لله رب العالمين.
[شذور من البساط للإمام الناصر (ع)]
[طائفة ممن احتج بهم الإمام الناصر للحق (ع)]
وفي البساط للإمام الأعظم، الناصر للحق الأقوم (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
هذا كتاب عمله الداعي إلى الله، الناصر للحق، الحسن بن علي ـ وأتم النسب، وقد تقدم ـ وجعله بساطاً، ودليلاً للمتعلمين في القول بالتوحيد لله، والعدل منه على عباده فيما أحكمه وفرضه من الدين، ودلّ به على نفسه في الكتاب المبين.
أول العبادة المعرفة.. إلخ.
وفيه: قال: ـ أي محمد بن منصور، لأنه في سياق أخبار رواها الإمام الناصر (ع) عنه ـ حدثني أحمد بن محمد.
قلت: هو ابن سلام من أعيان جماعة الإمام /365
نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (ع)، مما سمع عليه كتاب سياسة النفس؛ وسيأتي تمام الكلام فيه في أمالي الإمام أبي طالب (ع).
قال: حدثنا الحسن بن عبد الواحد.
قلت: وثقة الإمام المؤيد بالله (ع)، أفاده في الطبقات، والإمام الناصر للحق كما يأتي.
قال: حدثني عباد بن يعقوب.
قلت: هو من أعلام الشيعة كما تقدم.
قال: حدثني سعيد.
يعني ابن عمر العنبري ـ، كذا في النسخة التي لدي، وليس في الطبقات إلا سعيد بن عَمرو (بفتح المهملة)، وليس فيها من يصلح أن يكون هذا الراوي، إلا سعيد بن عمرو المقبري، عن مسعدة العبدي، وعنه عباد.
لم يزد على هذا، ولكنه قد صرّح الإمام الناصر للحق (ع) في أول البحث بتصحيح ما رواه فيه، مع أن طريقة قدماء الأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ في العدالة المحققة معروفةٌ، وقد قال الإمام الناصر للحق في البساط لما روى من طريقة أخرى ما نصه:
ولم أرد بذكري هذا الحديث عن عامر إلا لأن من يخالف الله ويخالفنا، عن عامر وأضرابه أحسن قبولاً انتهى.
(رجع) عن مسعدة، يعني ابن صدقة.
قلت: هو من الرواة عن الصادق، والنفس الزكية (ع)، وقد صحح حديثه الناصر للحق (ع) وكفى به.
(رجع) عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، أن علياً (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لو أن عبداً قام ليله، وصام نهاره، وأنفق ماله في سبيل الله، عَلْقا عَلْقا، وعبد الله بين الركن والمقام، حتى يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوماً، لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة، حتى يظهر المحبة لأولياء الله، والعداوة لأعدائه)).
وفيه: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا حرب بن الحسن.
قلت: هو /366
الطحَّان.
قال في الطبقات: هو راوي الصلوات الخمس، ومسلسلهن بعدَّهن في يدي إلى آخره.
خرج له الحاكم في العلوم، وخرج له القاضي عياض في الشفاء، ومحمد بن منصور، والمرشد بالله. انتهى.
قلت: والإمام الناصر للحق كما ترى.
قال: حدثنا حبان بن سُدير.
قلت: بفتح المهملة فتشديد الموحدة رواية الشريف، وبنونين بينهما ألف رواية القاضي جعفر؛ وسدير بمهملات، وتحتية، مصغر.
قال: حدثني سُدَيف.
قلت: قال في الطبقات: كالأول أي سُدَير إلا أن (آخره فاء)، ابن ميمون المكي، عن محمد بن علي الباقر؛ إلى قوله: قال الذهبي: رافضي؛ خرج مع ابن حسن ـ يعني عبدالله ـ فظفر به المنصور فقتله؛ إلى قوله: وذكره السيد صارم الدين، وابن حابس، وابن حميد، في ثقات محدثي الشيعة. انتهى.
قلت: وكفى بتصحيح ناصر الحق (ع).
قال: حدثني محمد بن علي، وما رأيت محمدياً يعدله.
قلت: أراد الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
قال: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خطبنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فقال: ((أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهودياً))؛ قال: قلت: يا رسول الله، وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم؟! قال: ((وإن صام، وصلى، وزعم أنه مسلم)).
ومما أخرج فيه (ع) بالسند الصحيح، عن محمد بن منصور، عن عبدالله بن داهر، عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وساق حديثاً إلى قوله: ثم قال: ((لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولانية إلا بإصابة السنة)).
وفيه: قال الناصر (ع): حدثني محمد بن منصور، قال: حدثني القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل، قال: حدثنا عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبد /367
الله بن الحسن، عن الحسن بن إبراهيم، عن بعض آبائه، قال: قلَّ ما كان يعتدل بأمير المؤمنين (ع) مكان مختطبه إلا قال: أيُّها الناس اتقوا الله، فما خلق امرؤ عبثاً فيلهو، ولا أهمل سدى فيلغو، وما دنياه التي تحببت إليه بعوض من الآخرة التي قبحها سوء الظن بربه، وما الخسيس الذي ظفر به من الدنيا بأعلى منيته، كالنفيس الذي ضيعه من الآخرة بأدنى سهمته.
وهذا آخر لفظ في البساط.
ولا بأس بإيراد طائفة من الذين احتج بهم الإمام الناصر للحق ـ رضوان الله عليه ـ في باب الإيمان، وصحح حديثهم، مع بيان أحوالهم حسبما يقتضيه المقام، تتميماً للفائدة المقصودة، إن شاء الله تعالى.
فمنهم: السيد الإمام أبو عبدالله الحسين بن علي الملقب المصري، صنو الإمام الناصر للحق (ع)، توفي عام عشرين وثلاث مائة تقريباً.
خرج له أخوه الناصر للحق، والمؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، وصاحب المحيط ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى عنه أخوه الإمام، والسيد الإمام أبو زيد عيسى بن محمد المتقدم في سند الأمالي، وولي آل محمد أحمد بن سهل الرازي، مؤلف أخبار فخ وأخبار الإمام يحيى بن عبدالله، الراوي عن الحسين الحافظ، والد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم، عن أبيه عن جده، عن الإمام الحسين بن علي الفخي؛ خرج له الإمام الناصر للحق، والناطق بالحق، وأبو العباس الحسني (ع).
ومنهم: أحمد بن محمد بن عيسى القمي، أبو جعفر.
قال الذهبي ـ كافاه الله ـ: العلامة أبو جعفر.
إلى قوله: شيخ الرافضة بقم؛ له تصانيف، وشهرة، وكان في حدود الثلاث مائة؛ أفاد هذا في الطبقات، قال: أخرج له أبو طالب (ع).
قلت: والناصر للحق بلا واسطة. /368
ومنهم: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (بفتح المهملة الأولى، وكسر الموحدة، وسكون التحتية المثناة، وكسر المهملة الأخرى)، أبو يوسف، المتوفى سنة اثنتين وستين ومائة، أخرج له أئمتنا الأربعة، وجماعة العامة، وهو من الرواة عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وهو المراد أينما أطلق تحقيقاً؛ أفاد جميع ذلك المولى في الطبقات.
وممن أخذ عن إسرائيل: مخول بن إبراهيم النهدي، المبايع للإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن (ع)، المحبوس لذلك بضع عشرة سنة، المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة.
خرّج له الناصر للحق، وأبو طالب، ومحمد بن منصور (ع).
ومنهم: بشر بن عبد الوهاب، روى عنه الإمام (ع) في البساط واحداً وثلاثين حديثاً بلا واسطة، وأخرج له الإمام أبو طالب (ع)، ولم يفد المولى (ع) في الطبقات من المقصود من أحواله أكثر من هذا.
ومنهم: جندب بن عبدالله البجلي.
قال في الطبقات: ويقال: جندب الخير، له صحبة، ورؤية.
قلت: ورواية كما في البساط عنه كنا مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ونحن فتيان حزاورة نتعلم الإيمان ـ الخبر ـ.
توفي في عشر الستين، وذكر أنه أخرج له من أئمتنا (ع) الإمامان: المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، والسمان ـ رضي الله عنهم ـ؛ قلت: والناصر للحق (ع).
ومنهم: الحسن بن عبد الرحمن، ترجم المولى (ع) في الطبقات لثلاثة من هذا الاسم، ولم يفصل عن أحوالهم كل التفصيل، ولا ذكر أن أحداً منهم يروي عنه الناصر للحق (ع)، والذي يظهر أنه الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رحمهم الله تعالى ـ.
ومنهم: الحكم بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
ومنهم: حماد بن زيد بن درهم، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، خرج /369
له: أئمتنا الخمسة (ع)، وجماعة العامة؛ أفاده في الطبقات، قال فيه: الإمام الحافظ المحمود، شيخ العراق، أبو إسماعيل..إلخ؛ وهو في البساط مطلق، لكن تعين بالذين روى عنهم، ورووا عنه، فإن يكن كذلك فقد وثقه الإمام (ع)، وإلا فقد ظهر توثيقه؛ وقد روي عنه أنه لما قتل أهل فخ (ع) لبث نحو شهر لايجلس، وكان يُرى محزوناً، وكان يقول: بحب ولد علي حب الإسلام.
وروى حماد، عن ثابت بن أسلم البُناني (بضم الموحدة، وتخفيف النون الأولى) أبي محمد البصري، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة، الحافظ العابد.
خرج له أئمتنا الخمسة، والجماعة؛ وأينما أُطلق في كتب أئمتنا فهو المراد.
وروى عن ثابت أيضاً، حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة، المتوفى سنة سبع وستين ومائة؛ خرج له أئمتنا الخمسة، ومسلم، والأربعة، وهو من الحفاظ الأعلام ـ رضي الله عنهم ـ.
وروى الحمادان، والسفيانان، عن أبي هارون عمارة بن جوين العبدي، المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائة، وهو ممن وثقه الأئمة الهداة، سفن النجاة ـ صلوات الله عليهم ـ، وروى عنه إمام الأئمة في الأحكام، والإمام الناصر للحق، والمرشد بالله، وغيرهم.
وكلام محمد بن إبراهيم الوزير في التنقيح فيه وفي أمثاله من الشيعة الأبرار غير صحيح، على أنه إنما ساقه لقصد المعارضة وروم الاستشهاد، لما ادعاه من المجازفة؛ ولم يوضح في شأنهم وجهاً للتجريح.
وقد استوفيت الكلام فيهم جميعاً، في هذه الأبحاث ـ نفع اللَّه تعالى بها ـ.
[الإشارة إلى رجوع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير عما خالف فيه منهج سلفه]
وقد صح رجوعه عما خالف فيه منهج سلفه (ع) كما رواه الإمام المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وغيره؛ وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.
فالمقلّدون لما في كتبه من المعارضات للآل، التي أثارها غضب الجدال، لاأصل لهم، وسيأتي إن شاء الله لهذا مزيد إيضاح في الكلام على مؤلفاته؛ والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق، والحمد لله. /370
هذا، وفيه سالم ـ هكذا مطلقاً ـ سمع جعفراً ـ أي الصادق (ع) ـ، والراوي عنه عبدالله بن داهر ولم يحققه في الطبقات، فيحتمل أنه سالم مولى الإمام الأعظم، روى عنه، وعنه ولده الحسين بن الإمام زيد بن علي (ع)، أخرج له في المحيط؛ أو سالم بن أبي حفصة العجلي أبو يونس المتوفى سنة أربعين ومائة تقريباً، أخرج له محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ، والبخاري في الأدب، والترمذي، وهو كذلك من الرواة عن الإمام الأعظم (ع) المبايعين له ـ رضي الله عنهم ـ والله أعلم.
ومنهم: سعد بن طَرِيف (بفتح الطاء، وكسر الراء المهملتين) الحنظلي الكوفي الراوي عن الحسن السبط، والإمام الأعظم، وأخيه الباقر، وابن عباس (ع)، وعن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ بواسطة ولي آل محمد (ع) الأصبغ بن نباته - رضي الله عنه - المتقدم، وغيرهم؛ أخرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ.
ومنهم: أبو خالد الأحمر، سليمان بن حيان (بمثناة تحتية) الجعفري، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة، من مشاهير الشيعة الأعلام؛ أخرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد بن منصور، وجماعة العامة.
ومنهم: شقيق بن سلمة أبو وائل الأسدي الكوفي، المتوفى سنة تسع وتسعين عن خمسين ومائة عام، أدرك زمن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعاش إلى أيام عمر بن عبد العزيز، وهو من المبايعين للإمام الحسن بن الحسن (ع).
روى عن الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وابن عباس، وعمار، وحذيفة، وابن مسعود، وأم سلمة ـ رضي الله عنهم ـ أخرج له أئمتنا الأربعة (ع) وجماعة العامة.
ومنهم: صالح بن موسى بن إسحاق الطلحي، روى عن عبدالله بن الحسن بن الحسن الكامل، وجعفر بن محمد الصادق (ع)؛ أخرج له محمد بن منصور، والترمذي، وابن ماجه؛ أفاده في الطبقات /371
ومنهم: عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، الراوي عن الإمام الولي، الحسين بن علي الفخي، وعن الإمام الحسين بن الإمام الأعظم (ع)، وغيرهم؛ خرج له الإمام، وأئمتنا الأربعة (ع) قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: وثقه المؤيد بالله.
قلت: والإمام الناصر للحق (ع) روى عنه بواسطة الحافظ الولي، محمد بن علي بن خلف العطار أبي عبدالله، المتوفى لثلاث مائة تقريباً، الراوي عن الإمام عيسى بن الإمام الأعظم (ع)، وعن العالم الأبر، الحسين بن الحسن الأشقر، المتوفى عام ثمان ومائتين.
قال السيد الإمام في الطبقات في ترجمته وقد تكلّم على خبرٍ رواه مالفظه:
قال بعض ساداتنا: قد روي من طريق أخرى، رواه ثقات أصحابنا، والحسين الأشقر عدل ثقة.
ثم قال: هو من رجال الشيعة. انتهى.
أخرج له الإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور.
والخبر المذكور: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج كان كافراً)).
أخرج لمحمد بن علي الإمام، وأئمتنا الخمسة (ع)، وصاحب المحيط، وصاحب المناقب.
قال الإمام الناصر (ع): حدثني محمد بن علي بن خلف العطار ببغداد المعدل الثقة.
قلت: وناهيك بهذا.
ومنهم: عبدالله بن خِراش، (بكسر المعجمة) ابن حوشب، خرج له الإمام، والمؤيد بالله، والمرشد بالله (ع).
ومنهم: عمه العوام بن حوشب الشيباني، المجاهد مع الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) أخرج له الإمام، والمؤيد بالله، والمرشد بالله (ع)، وجماعة العامة /372
ومنهم: ميمون بن أبي شبيب، الراوي عن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ خرج له الإمام، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور (ع).
توفي العوام سنة ثمان وأربعين ومائة، وتوفي ميمون سنة ثلاث وثمانين ـ رضي الله عنهم ـ.
فهؤلاء بعض من روى عنهم الإمام (ع) في باب الإيمان خاصة، ممن لم يسبق ذكرهم.
[الكلام على وكيع]
وقد أكثر الإمام (ع) الرواية في هذا الباب، وغيره عن بشر بن عبد الوهاب، عن وكيع، ولا بأس ببيان ما لاغنى عنه من حاله كما أعدنا ذكر بعض من سبق في الفصل الثاني لذلك، والله الموفق.
فأقول: هو وكيع بن الجراح الرواسي الكوفي أبو سفيان، المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة، أحد أعلام الزيدية، وأتباع العترة النبوية ـ رضي الله عنهم ـ، وما نقل عنه من الكلام في أبي خالد، غير مقبول، لعدم الصحة له؛ إذْ لم يرو ذلك إلا الخصوم.
عدّه من العصابة الزيدية الإمامُ المنصور بالله في الشافي، والحاكم في العيون، وغيره.
خرج له الإمام، وأئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
روى وكيع ـ رضي الله عنه ـ، عن أبي جعفر، باقر علم الأنبياء (ع) وعن الثقات الأثبات، كإبراهيم بن طهمان (بفتح الطاء المهملة وضمها، وسكون الهاء، وبميم، فألف، فنون) الهروي النيسابوري، المتوفى سنة ثلاث وستين ومائة، خرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
وإسماعيل بن أبي خالد الأحمسي المتقدم.
وثابت بن أبي صفية الثمالي (بضم المثلثة) أبي حمزة، المتوفى بعد عشرين ومائة ـ رضي الله عنهم ـ أحد الأعلام أصحاب الإمام الأعظم الرواة عنه /373
وعن أخيه الباقر (ع)؛ خرج له: الإمام المؤيد بالله، والمرشد بالله (ع).
وجعفر بن برقان (بضم الموحدة، وسكون المهملة، وبقاف، فألف، فنون) الرقي، المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة، قال في الطبقات: ذكره الحاكم في ثقات الجزيرة.
خرج له: الإمام أبو طالب، والإمام الجرجاني، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، ومسلم، والأربعة.
وشعبة بن الحجاج بن الورد العتكي أبي بسطام، المتوفى سنة ستين ومائة، أخذ عن الإمام الأعظم، وخرج مع الإمام النفس الرضية إبراهيم بن عبدالله (ع)، الحافظ النقاد، سُئل عن الخروج معه فقال للسائل: أتسألني عن الخروج مع ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والله لهو عندي بدر الصغرى؟!
خرج له أئمتنا الخمسة، والجماعة.
وعمار بن زريق أبي الأحوص الضب ي، المتوفى سنة تسع وخمسين ومائة، خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله، ومسلم، والأربعة.
وفضيل بن غزوان الضبي بالولاء، المتوفى في عشر الخمسين ومائة، خرج له الإمام، ومحمد، والجماعة؛ وهو أبو محمد بن فضيل المتقدم، شيخ محمد بن منصور.
وفضيل بن مرزوق الكوفي، الراوي عن الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع)، خرج له الإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور ـ رضي الله عنهم ـ، ومسلم، والأربعة.
ومبارك بن فضالة بن أبي أمية، المتوفى سنة أربع وستين ومائة، خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وغيرهما.
ومحمد بن عبدالرحمن بن الحارث بن أبي ذيب، المتوفى سنة تسع وخمسين ومائة، العابد، المجاهد، المبايع للإمام المهدي لدين الله، محمد بن عبدالله بن الحسن؛ احتج به أئمتنا (ع)، والجماعة /374
وهشام بن عبد الله الدستوائي، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومائة؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع)، والجماعة.
عدّ هشاماً، ومباركاً، من رجال العدلية الإمامُ الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة(ع).
وروى عن وكيع: محمدُ بن إسماعي ل بن سمرة الأحمسي: أبو جعفر، المتوفى عام ستين ومائتين، الذي أكثر الرواية عنه شيخ الشيعة محمد بن منصور -رضي الله عنه- وبعض العامة.
وفي هذا كفاية بما يليق بالمقام، والله المسؤول لحسن الختام.
[السند الخاص بشرح التجريد]
وهذا سند خاص لشرح التجريد، قد كنتُ رسمته في ديباجة النسخة التي يسر اللَّه تعالى نسخها على يدي، وقد سألني ذلك بعض طلبة العلم الكرام ـ كثر اللَّه تعالى فوائدهم، ويسر صلاتهم وعوائدهم ـ حال حضورهم لسماعه؛ فترجح تحرير ذلك مع زيادة ما يختار.
فأقول والله ولي التسديد:
أروي شرح التجريد للإمام المؤيد بالله (ع) بالسند الجامع المتقدم آنفاً في مؤلفاتهم، وبالطرق المذكورة في الإسناد الجملي، وفي إسناد مجموع الإمام الأعظم، الولي زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع)، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، ثم بالسند الآتي إلى المؤلف.
والموعود به، هو ما نصه:
الحمد لله حق حمده، وصلواته وسلامه على سيد رسله وعبده، وعلى آله الهداة، سفن النجاة، من بعده؛ وبعد:
فيقول المفتقر إلى اللَّه تعالى مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ ولطف بهما، وبالمؤمنين في الدارين: أروي كتاب شرح التجريد للإمام الأعظم، والبحر الخضم، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، المؤيد بالله أبي الحسين، أحمد بن الحسين (ع) بطرق ـ بحمد الله ـ كثيرة، وأسانيد متسعة غزيرة، أرفعها، وأجمعها، عن والدي العلامة الولي، عالم آل محمد، وعابدهم، محمد /375
بن منصور المؤيدي ـ قدس الله روحهما في عليين ـ سماعاً فيما أسمعت عليه في هذا الكتاب، وغيره، وإجازة عامة في جميع ما صح له من العلوم.
وهو يرويه، وغيره بطرق، أرفعها عن شيخه أمير المؤمنين المهدي لدين الله رب العالمين، محمد بن القاسم الحسيني الحوثي، سماعاً فيما أسمع، وإجازة عامة.
وهو يرويه سماعاً فيما أسمع فيه، وفي غيره، وإجازة عامة عن شيخه العلامة سيد بني الحسن محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وهو يرويه وغيره، عن شيخه السيد الإمام محمد بن عبد الرب بن الإمام (ع).
(ح)، ويرويه الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم أيضاً، عن شيخه الإمام الشهير، محمد بن عبد الله الوزير، سماعاً، في هذا الكتاب بخصوصه، وغيره، وإجازة عامة، وهو يرويه، وغيره عن شيخه، حافظ اليمن أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب بن الإمام.
وهو يرويه وغيره، عن عمه العلامة إسماعيل بن محمد، عن أبيه العلامة محمد بن زيد، عن أبيه العلامة زيد بن الإمام، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن أبيه الإمام المجدد للدين أمير المؤمنين القاسم بن محمد (ع).
(ح)، وأرويه أيضاً بجميع طرقي المحررة في الأسانيد، إلى والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله، عن السادة الأعلام، حفاظ شريعة جدهم سيد الأنام: أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم، عن السيد الإمام الحافظ الحسين بن يوسف، عن أبيه العلامة يوسف بن الحسين، عن أبيه حافظ العلوم الحسين بن أحمد زبارة، عن السيد العلامة عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن السادة الأعلام أمير الدين بن عبدالله الحوثي، وإبراهيم بن المهدي القاسمي، وصلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير /376
، عن السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، عن الإمام المؤتمن الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل على الرحمن، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام المجتبى، المهدي لدين الله، أحمد بن يحيى بن المرتضى، عن أخيه السيد الإمام الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده العالم الشهيد، حميد بن أحمد المحلي ـ رضوان الله عليهم ـ، عن الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المنصور بالله رب العالمين، أبي محمد عبدالله بن حمزة، عن الشيخ العالم الفاضل، محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنه ـ، عن شيخي آل رسول الله يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى، وعن القاضي شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ ثلاثتهم يروون عن الإمام المتوكل على الرحمن، أمير المؤمنين أحمد بن سليمان (ع)، عن القاضي العباس بن علي.
قلت: قال الإمام المتوكل على الله (ع): سألني القاضي الأجل شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى أدام الله عزه.
إلى قوله (ع): أن أصحح لهم نقل الأخبار، التي جمعتها في كتاب أصول الأحكام.
ثم ساق طرقه إلى الأحكام، والمنتخب.
إلى قوله: وأخذتُ الشرحين، شرح التجريد، وشرح القاضي زيد، من طريق الشريف الفاضل الإمام أبي محمد الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع)، وكتبه، وخطه بيده، ومن طريق القاضي العباس بن علي بن محمد بن العباس، قال: حدثه والده علي بن محمد، قال: حدثه به عبدالله بن علي العنسي؛ ولقيت عبدالله بن علي فسألته عن ذلك فقال: سمعه علي بن محمد، وأجاز لي أيضاً إجازة من غير سماع ولا مناولة، لكن إجازة، وكان أوصل كتب الشروح من الديلم، وذكر أنها له سماع ممن يثق به. انتهى.
ولم يترجم في الطبقات للعباس، ولا /377
في مطلع البدور، لكن قد ذكره، وصحح الرواية عنه خليفة الرحمن، المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) في النقل الصحيح، كما سبق.
وترجم في الطبقات لوالده فقال: علي بن محمد بن العباس يروي الشرحين شرح التعليق، وتعليق القاضي زيد، عن عبدالله بن علي العنسي؛ قال: حدثه به، قال الإمام أحمد بن سليمان: فسألت عبدالله بن علي عن ذلك فقال: نعم سمعه علي بن محمد.
وفي مسند الغزال: علي بن محمد الأحلف يروي شرح التجريد، عن الاستاذ علي بن العباس الهوسمي، عن القاضي زيد بن محمد، عن القاضي يوسف، عن المؤيد بالله، وروى عنه ولده العباس بن علي، ومحمد بن أسعد بن علي. انتهى؛ هذا كلامه كله في ترجمته.
(رجع) عن أبيه علي بن محمد عن القاضي عبدالله بن علي العنسي.
قال السيد الإمام في الطبقات: عبدالله بن علي المسلم القحطاني أبو الغمر اليماني العنسي، قال ما لفظه: قرأت كتاب شرح التجريد على الفقيه العلامة أبي الحسين زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، في داره المعروفة في مدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، في شهر ربيع الأول، سنة خمسمائة من الهجرة؛ ثم قال زيد بن علي: أجزتُ للشيخ الفاضل الصابر أبي الغمر عبدالله بن علي أن يروي عني هذا الكتاب، روايتي عن القاضي أبي يوسف القزويني ـ أعني شرح التجريد ـ، عن المؤيد بالله ـ قدس الله روحه ـ، وأن يروي عني شرح التحرير؛ وكان القاضي أبو جعفر محمد بن علي الجيلي روى لنا شرح التجريد، عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وشرح التحرير عن أخيه الإمام أبي طالب.
ثم ساق طرقه، إلى قول السيد الإمام (ع): هذا نقل صحيح نقلناه من مواضع الصحة.
ثم قال: توفي ـ أي القاضي عبدالله ـ لستين وخمسمائة.
(رجع) إلى سياق الإسناد السابق قال ـ أي القاضي عبدالله بن علي ـ: قرأت شرح التجريد على شيخ الشيعة، حسام الشريعة، زيد بن علي بن أبي /378
القاسم الهوسمي بداره المعروفة بمدينة اللاهجان، في ناحية جيلان، سنة خمسمائة.
قال في الطبقات: زيد بن علي بن أبي القاسم الهوسمي الزيدي، أبو الحسين، العالم، قال ما لفظه: قرأت شرح التجريد على القاضي أبي يوسف القزويني ورويته عنه رواية له عن المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، وقرأت كتاب الأحكام وسمعته من القاضي جعفر بن محمد الجيلاني ـ رضي الله عنه ـ بقراءة الفقيه العالم سليمان بن عيسى، بهوسم، في شهر صفر، سنة خمس وخمسين وأربعمائة؛ وكان القاضي ـ رحمه الله ـ رواه لنا عن الإمام أبي طالب، يحيى بن الحسين بن هارون، وعن السيد أبي الحسين علي بن محمد بن سليمان بن القاسم بن إبراهيم الرسي، بقراءته عليهما قال: أخبرنا أبو الحسين يحيى بن المرتضى محمد بن الهادي، عن عمه الناصر أحمد بن الهادي، عن أبيه الهادي للحق يحيى بن الحسين؛ وكان أيضاً يرويه عن الشريف أبي الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، بقراءته عليه الكتاب كله، عن أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، عن يحيى بن المرتضى، عن عمه، عن أبيه الهادي للحق.
ثم قال زيد بن علي: وكان سماعنا هذا الكتاب على القاضي رحمه الله، بقراءته على الفقيه الأجل سليمان، من الأصل الصحيح، وكان عليه سماع السادة كلهم، وهم المؤيد بالله، وأخوه أبو طالب، والسيد أبو الحسين علي بن محمد الرسي، وأبوعبدالله بن عبدالله بن سلام، وأبو الحسن علي بن بلال، وأبو علي البصري، وأبو جعفر السالسوسي، عن السيد الهادي يحيى بن المرتضى، عن عمه أحمد، عن أبيه الهادي.
وكان ذلك لعله في شهر شعبان سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان ذلك الأصل قد كُتِبَ في أيام الهادي في سنة ثلاث وتسعين ومائتين. انتهى المراد.
وإنما استوفيت الكلام لما تضمن من غرر الفوائد النفائس العظام، ولتعلق المقام، بكتاب الجامع الأحكام، إذْ هو شرح له.
(رجع) قال: قرأت هذا الكتاب، ورويته، كما قرأته على القاضي أبي /379
يوسف القزويني، عن المؤيد بالله (ع).
قلت: ووقع البحث البليغ عن اسم القزويني هذا، وأحواله، فلم يتضح إلا ما قال السيد الإمام (ع) في الطبقات: حيث قال: والأظهر أنه القاضي يوسف بن الحسن.انتهى.
وهو الخطيب المتقدم في السند الجامع، فتكون هذه طريقاً أخرى إليه.
فأروي بهذا السند الصحيح، وبالأسانيد الصحيحة السابقة، جميع كتاب التجريد؛ والله ولي التوفيق والتسديد.
[جمل من خطبة شرح التجريد، وسبب نقل الإمام المؤيد بالله عن المخالفين]
قال الإمام الأواه، نجم الأئمة الهداة، أمير المؤمنين، أبو الحسين، المؤيد بالله (ع) في خطبة شرح التجريد: سألني بعض من وجب علي حقه، عند فراغي من كتابي المسمى بالتجريد، أن أورد فيه من الأخبار الصحيح عندي سندها، بأسماء الرواة المجمع على عدالتهم، عند الفريقين، من أصحاب الحديث، وغيرهم.
قلت: المراد أن من يسند عنه من آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وأوليائهم فهو عدلٌ عندهم، ومن يسند عنه من غيرهم فهو عدل عند فريقه؛ ليستقيم الاحتجاج على المخالفين بما يلتزمونه؛ وليس مراده أن كل من روى عنه فيه، فهو عدل عند الجميع، فذلك خلاف المعلوم، فلا يحمل عليه مع إمكان سواه؛ ومثل هذه العبارة من إرادة التفصيل قوله ـ عز وجل ـ: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } [البقرة:135]، أي قالت اليهود: كونوا هوداً، وقالت النصارى: كونوا نصارى؛ والمعنى واضح لمن تدبر.
قال (ع): وأسماء الرواة الذين يروون عن أمير المؤمنين (ع)، وعن الأئمة من ولده، بما لاينكره الجميع، ملخصاً.
قلت: وهذا يدلك على المقصود بالأسانيد، التي أنهاها إلى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - فيما يأتي.
قال (ع): فأجبته إلى ذلك، مستعيناً بالله سبحانه، معتمداً عليه، لكيلا يقول من نظر في كتابنا هذا من مخالفينا: إن الخبر المروي عن رسول الله /380
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لم يصل إلينا إلا من جهة سلفنا (ع) من طريق واحدة.
قلت: وهذا تصريح بالعذر الموجب للرواية عن المخالفين، وقد صرح بالاعتذار بذلك، وأنه للاحتجاج على المخالفين، إمامُ الأئمة الهادي إلى الحق في الأوقات من المنتخب، والإمام الناصر للحق في البساط، والإمام أبو طالب في شرح البالغ المدرك، وقد نقلتُ كلامه بلفظه، في التحف الفاطمية ؛ وهذا كلام المؤيد بالله (ع)؛ مع أن مذهبه في العدالة ألين من مذهب الأئمة المتقدمين (ع) فلا معنى لكلام بعض من لم يمارس علومهم، إلا مشارفةً: أن روايتهم عنهم لأجل القبول.
وقد غرّ بعضهم صنيع المتأخرين؛ فإنهم توسعوا في ذلك جداً، والمعتمد الدليل؛ والله الهادي إلى خير سبيل.
قال (ع): ولعل قائلاً من أصحابنا يقول: وما الغرض في نقل الأخبار عن المخالفين؟ ولو علم في ذلك ما علمناه، لسرّ في مجالس النظر بما حصلناه ونقلناه.
قلت: والذي يشير إليه (ع) هو ما سبق من قطع العذر على المخالف، حتى لا يبقى له مجال، إلى الجدال والإنكار؛ ولقد جهل كثير من الأتباع الفائدة في ذلك، فاستنكر الرواية عن المخالفين غاية الاستنكار.
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: المرء عدوّ ما جهله.
وما أحسن قوله:
أتاني أن سهلاً ذمّ جهلاً .... علوماً ليس يدريهنّ سهلُ
علوماً لو دراها ماقلاها .... ولكن الرضى بالجهل سهلُ
/381
قال (ع): ولكنه رضي لنفسه بالجهل، فعدل عن سبيل أهل الفضل؛ فاقتصر على طرف من الفقه، أخذه عن مثله، وظن أنه على شيء من جهله، يخطّئ مخالفيه، ويصوّب موالفيه، ولايدري أخطاؤهم في أصل أو فرع؟ أو فيما يوجب التكفير، والقدح، والخروج عن الملة، والشذوذ عن الجملة؟.
قلت: وموضع التقريع منه (ع) لمن هو كذلك لخوضه فيما لايعلم، لا لأصل التخطئة والتصويب؛ ألا ترى كيف وصفه بكونه لا يعلم ما خطؤهم فيه، وما يوجب ذلك الخطأ؟ فهو محطّ التوبيخ؛ وهذا واضح لمن أبصر.
قال (ع): وسنفرد لها ـ يعني الأخبار التي من طرق آل محمد صلوات الله عليه وآله، دلّ عليه كلامه السابق ـ، كتاباً يرجع في معرفتها إليه، ويعتمد في صحتها عليه، ينتفع به الناظر، ويرتفع به بين الملأ المناظر.
قلت: وهذا مما يبين أنه قصد بما أورده من طرق المخالفين تأكيد الحجة عليهم لا التصحيح لها، والاعتماد عليها، وأن المراد بالإجماع على عدالة الرواة عند الفريقين على سبيل التوزيع، كل فريق عند فريقه، كما تقدم.
[شرط المؤيد بالله في الرواية]
قال (ع): وشرطنا فيه السماع، والعدالة.
قلت: وإلى هذا أشار الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع) بقوله: ولنا من طرق أهل الحديث، الأحاديث الصحاح في شرح التجريد للمؤيد بالله (ع) بالسند المتقدم إليه، شرط فيه (ع) أشد مما شرط البخاري، ومسلم، في ديباجة شرح التجريد المذكورة.. إلخ.
قلت: وكلامه (ع) مجاراة للخصوم بإظهار النصفة، وإرخاء العنان، وإلا فلم يوقف على شرط للبخاري ومسلم على التحقيق، وقد صرّح بعض حفاظهم أن ليس لهما شرط إلا كونه في كتابيهما كما لايخفى على ذوي الانتقاد، /382
فأما أولوا التقليد والعناد، فهم متهالكون لايرعوون لحجة، ولايهتدون إلى محجّة.
ومن البلية عذل من لايرعوي .... عن غيّه وخطاب مَنْ لايفهم
نعم، وفي كلام الإمام المتوكل على الله هذا وكلام غيره من الأعلام ما يدفع التشكيك في صحة الخطبة الواقع من بعض المعرضين عن علوم آل محمد ـ صلوات الله عليه وآله ـ لما لم يتدبروا معنى بعض كلام الإمام (ع) فيها.
وكم من عائب قولاً صحيحاً .... وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
وقد أشرت إلى بعض ذلك، ونتم الكلام بإعانة اللَّه تعالى.
قال (ع): وعندنا لايحل لأحد، أن يروي الحديث عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلا إذا سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه؛ ثم يحدث به كما سمعه.
قلت: وليس معنى كلامه (ع) إلا ثبوته عن العدل بطريق الصحة، لاقصر الرواية على السماع، ولكن المراد طريق الصحة من السماع، أو ما شاركها في ذلك، لكنه اقتصر على ذكر أعلاها.
ألا ترى أنها تحل الرواية عند الإمام، وغيره قطعاً، للمتواتر، وإن لم يتحقق سماعه، من شخص معين، وهو يجب العدول عن الظاهر، إذا قام على خلافه الدليل المعلوم، ثم ليس فيه ما يوجب بطلان الخطبة الثابتة بطرق الصحة؛ غايته أن هذا مذهب الإمام(ع)، لكنه ليس بمراد، وإنما هو مبالغة في الاحتياط في الرواية عند ذوي العرفان بمخارج الكلام.
قال (ع): فإن كان إماماً تلقاه بالقبول،.
قلت: يعني (ع) أنه إن كان المسموع عنه إماماً تلقاه السامع بالقبول، من دون بحث، ولا مطالبة له بالسند؛ إذ العهدة عليه مع إرساله، وهو بالمحل الرفيع لإمامته من الانتقاد، والتحري.
وهذا يفيد أن الإمام (ع) يجيز قبول /383
المراسيل، لكن من الأئمة الموثوق عليهم في التصحيح.
قال (ع): وإن كان غير إمام فكذلك.
قلت: (أي) سمعه من فم المحدث العدل، فحفظه.
قال (ع): ثم رواه غير مرسل، فإن المراسيل عندنا، وعند عامة الفقهاء، لا تُقْبل.
قلت: أراد (ع) مراسيل غير الأئمة، بدليل ما تقدم له من التصريح، بقوله: تلقاه بالقبول، وبدليل أنه (ع) كثيراً ما يرسل في شرحه هذا، وأيضاً سيأتي التصريح له (ع) قريباً بقبول المراسيل، فوجه الجمع ماذكرناه، وهو واضح لا غبار عليه، لمن لم يعم التعصب قلبه.
قال (ع): والحجة على السماع قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } [التوبة:122].
[تراجم لأبي الحسين الأدَمِي، والعباس الدوري، وأبي ليلى، وولده، وحفيده، وثابت بن قيس بن شماس]
إلى قوله (ع): حدثنا أبو الحسين، أحمد بن عثمان الأَدَمِي ببغداد.
قلت: ترجم له في الطبقات، وساق خبر السماع هذا، وقال: أخرجه المؤيد بالله، وأخرجه الحاكم في أنواع العلوم، في النوع التاسع عشر في معرفة الصحيح والسقيم، واتفق عليه هو، والمؤيد بالله سنداً، ومتناً، وشيخاً، وهو أحمد بن عثمان الأدمي، ثم قال: قد وصف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في هذا الحديث أربع طبقات؛ إلى قوله: ولاشيء للأدمي في الستة، وذكره الحاكم أبو عبدالله، توفي سنة [349هـ] تسع وأربعين وثلاثمائة، وكذا في التذكرة، قال: عن أربع وتسعين سنة. انتهى.
قال الإمام (ع): قال: حدثنا العباس بن محمد الدوري.
قلت: قال السيد الإمام: العباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الدوري، البغدادي الهاشمي، مولاهم، وعدد مشايخه، فذكر منهم /384
أبا نعيم الفضل بن دكين، وقد تقدم، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي الحِماني، (بكسر المهملة) المتوفى سنة اثنتين ومائتين، المعدود من ثقات الشيعة.
خرج له محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ، والبخاري، وغيرهما.
وساق إلى قوله: قال في الكاشف: ثقة حافظ، توفي سنة إحدى وستين ومائتين.
خرج له الأربعة، وأئمتنا الخمسة، إلا محمداً، والجرجاني، انتهى.
(رجع) قال: حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى. قال: حدثنا أبي عن أبي ليلى، وأخيه عبدالرحمن.
قلت: لم أقف لمحمد، ولا لأبيه عمران، لا في الطبقات، ولا في غيرها، على تاريخ وفاة، وقد احتج بهما الإمام (ع) مصدّراً لخبرهما، ولم يخرج لهما من القوم إلا الترمذي، وابن ماجه لعمران، ووثقهما ابن حبان، ولم يظهر أنهما من رجال العامة، فيترجح والله الموفق أنهما ممن وثقه الإمام (ع)، مع أن أبا ليلى، وولده وولد ولده من الخواص، أولياء آل محمد (ع)، وقد سبق ذكرهم، في الآخذين عن جعفر بن محمد الصادق (ع)، وأخرت تفصيل بعض أحوالهما إلى هذا المحل؛ فأبو ليلى من الصحابة السابقين، وأولياء الوصي ـ صلوات الله عليه ـ الصادقين، والشهداء بين يديه المرزوقين، ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال السيد الإمام: أبو ليلى الأنصاري بلال أو داود بن بلال بن أحيحة بن الجلاح، أبو عبد الرحمن، صحابي، شهد أحداً وما بعدها، ونزل الكوفة وحضر مع علي (ع) مشاهده جميعها، وقتل بصفين سنة سبع وثلاثين.
روى عنه ابنه عبد الرحمن، خرج له الأربعة إلا النسائي، وخرج له المرشد بالله، انتهى.
وولده عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عيسى، المتوفى سنة ثلاث وثمانين، معدود في ثقات الشيعة الأكرمين، روى عن الوصي ـ رضوان الله عليه ـ وأم هاني ـ رضي الله عنها ـ، ونَاْصَرَ الإمام الرضى الحسن بن الحسن السبط (ع)، وضربه الحجاج ليسب سيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ فلم يفعل، وخرج عليه مع الإمام الحسن بن الحسن بن علي (ع).
خرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الأربعة /385
(ع) والجماعة.
وولده محمد بن عبد الرحمن المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة، أحد الأعلام المبايعين للإمام الأعظم (ع)، وصاحب رسالته، معدود في ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ قالوا: إذا قال المحدثون: ابن أبي ليلى فمرادهم عبد الرحمن، وإذا قال الفقهاء: ابن أبي ليلى فمرادهم ولده محمد، خرج له من خرج لأبيه، وأربعة العامة.
(رجع) عن ثابت بن قيس.
قلت: قال السيد الإمام (ع): ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، الخزرجي، خطيب الأنصار، شهد أحْداً، وما بعدها؛ استشهد باليمامة في قتال أهل الردة، سنة إحدى عشرة، روى عنه ابنه عدي، وغيره. انتهى.
قلت: وقد تقدم ولده، وأنه من ثقات الشيعة.
أخرج لثابت الإمام أبو طالب، ومحمد؛ أفاده في الطبقات.
قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تسمعون، ويسمع منكم، ويسمع من الذين يسمعون منكم، ويسمع من الذين يسمعون من الذين يسمعون منكم، ثم يأتي من بعد ذلك قوم سمان يحبون السمن، ويشهدون قبل أن يستشهدوا)).
[تراجم حمزة بن القاسم العلوي وشيخه جعفر ومحمد المازني]
وقال (ع): حدثني أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله، قال حدثني أبي رحمه الله، قال: أخبرني حمزة بن القاسم العلوي العباسي.
قلت: من أولاد الشهيد، العباس بن علي بن أبي طالب، وهو من السلالة العلوية، مسلسلي سند العترة الزكية (ع)، توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وروى عنه الحسين بن هارون، والد الإمامين؛ خرج له الإمامان.
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك.
قلت:لم يذكر السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وفاته، ولم يزد على ذكر سنده، وهو من أعيان الزيدية، أتباع العترة النبوية (ع).
(رجع) عن محمد بن منصور المرادي، عن محمد بن عمر المازني.
قلت: لم يترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وترجم له غيره، ولم يذكر وفاته، /386
وهو كالأول من عيون العصابة المرضية، ومسلسلي مذهب السلالة المحمدية العلوية (ع).
[تراجم يحيى بن راشد، ونوح بن قيس، وسلامة الكندي، وعلي بن إسماعيل الفقيه، وبشر بن هارون، ويوسف القطان، وجرير بن عبد الحميد]
(رجع) عن يحيى بن راشد.
قلت: هو كالسابقين من الأخيار الصادقين، وذكروا أنه روى عن حميد الطويل المتوفى سنة (142) اثنتين وأربعين ومائة، خرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة، ووصفه في الطبقات بالحفظ، والثقة، روى يحيى، عن خالد الحذاء.
والمترجم له عند السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في بابه خالد بن مهران الحذاء، (بتشديد الذال المعجمة، وبالمد) أبو المنازل، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائة، خرج له جميع أئمتنا (ع)، والجماعة، ووصفه في الطبقات بالحفظ، والإمامة، وخالد الحذاء آخر مطلقاً، أخذ عن خالد بن مهران هذا.
(رجع) عن نوح بن قيس.
قلت: هو أبو روح الجذامي المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة، خرج له الإمامان المؤيد بالله، وأبو طالب (ع). أفاده السيد الإمام.
وهو على منهج السابقين ـ رضي الله عنهم ـ.
(رجع) عن سلامة الكندي.
قلت: قال السيد الإمام: عدّه المؤيد بالله من مسلسلي رواية أهل البيت (ع)؛ ذكره في ديباجة شرح التجريد، ثم ساق السند.
(رجع) عن أمير المؤمنين علي (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ جميع هذه الأخبار في كتابنا هذا.
حدثني شيخنا علي بن إسماعيل الفقيه ـ رحمه الله ـ.
قلت: هو أحد أعلام الزيدية، وأعيان العصابة المرضية، الحافظ المجتهد، أبو الحسين، المتوفى سنة خمسين وثلاثمائة تقريباً، أخرج له الإمامان /387
عن الناصر للحق الحسن بن علي، عن بشر بن هارون.
قلت: قال السيد الإمام فيه: الحافظ المشهور.
قال السيد المؤيد بالله ما لفظه: ثم ساق السند هذا.
إلى قوله: هكذا في ديباجة شرح التجريد، وحمل على أنه كان من هذه الطريق ـ أعني: عن زيد بن علي عن آبائه ـ كما حققه غير واحد؛ وذكره السيد أبو طالب في الأمالي، في ذكر زيد بن علي (ع). انتهى.
وهذا الحافظ من عيون الشيعة، ووجوه حملة الشريعة.
عن يوسف بن موسى القطان.
قلت: توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين، والكلام عليه كالكلام على السابِقين، خرج له الإمام الناصر للحق، وأئمتنا الأربعة، والبخاري، وغيرهم.
قال:سمعت جرير بن عبد الحميد.
قلت: قد سبق ذكره عارضاً، وهو من علماء الزيدية الأبرار، وفضلاء الشيعة الأخيار، توفي سنة ثمان وثمانين ومائة، خرج له أئمتنا (ع) والجماعة؛ أفاده في الطبقات.
قال المولى العلامة فخر الإسلام عبدالله بن الإمام الهادي ـ أيده الله ـ، في الجداول المختصرة منها: وكلما ورد جرير مطلقاً، غالباً فهو ابن عبد الحميد. انتهى.
يقول: عن مغيرة الضبي.
قلت: هو المغيرة بن مقسم تقدم في الأمالي.
(رجع) عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، جميع هذه الأخبار.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني، قال: حدثنا أبو زيد عيسى بن محمد العلوي، قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن عيسى، عن الحسين بن علوان، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي؛ جميع هذه الأخبار.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله، قال: حدثنا أبو الحسين الهادي، يحيى بن محمد المرتضى، قال حدثني الناصر أحمد بن /388
يحيى، قال: حدثني أبي الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع)، قال: حدثني أبي عن أبيه القاسم بن إبراهيم (ع)، قال القاسم بن إبراهيم (ع): حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: حدثني أبي، الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ جميع هذه الأخبار، المحتج بها في كتابنا، هذا سماعاً وقراءة.
[الرد على من شكك في خطبة شرح التجريد]
قلت: وقع التشكيك من بعض الناظرين في الخطبة بما معناه أنه (ع) روى في شرحه هذا، عن غير هذه الطرق.
والجواب، والله الموفق للصواب من أوجه:
منها: أنه أراد (ع) أن ما أورده للاحتجاج من هذه الطرق، فهذا سنده.
ومنها: أن الذي يرويه عن أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ، قد ثبت له من هذه الطرق.
ومنها:أنه لعله (ع) أراد أن يسوق الأخبار المحتج بها، من هذه الطرق، ثم منع من ذلك مانع؛ كما أنه قد ذكر فيما سبق أنه سيفرد لها ـ إن يسر الله ـ كتاباً، والمقصود التي احتج بها (ع) كما أشار إليه بقوله: المحتج بها في كتابنا هذا؛ ليخرج ماضعفه أو رواه غير معتمد عليه، وإنما هو شاهد، أو إلزام للمنازع؛ وإن استبعد هذا فلا قطع بعدمه، فهو ممكن الوقوع قطعاً، لامانع منه، ولااستحالة فيه لالذاته ولالغيره، لاعقلاً ولاشرعاً.
وأيضاً فقد دلّ عليه كلام الإمام (ع) حيث قال: فلو روينا الخبر المتصل عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من جميع الجهات، على ألسن الرواة، الذين اتسق سندهم إلينا، ولم يضطرب عندنا، ولدينا.
إلى قوله (ع): لخرجنا عن طريقة ما أوردناه.
ثم أفاد أنه لايروي الخبر حتى يعلمه صحيحاً، عن جماعة من الرواة، ويتحققه مسنداً عن الثقات؛ فهذا تصريحه في الخطبة نفسها، كما ترى.
وعلى الجملة فهذه الخطبة الكريمة، قد ثبتت برواية الثقات، من أعلام آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعلماء شيعتهم - رضي /389
الله عنهم -، كالإمام المتوكل على الله ـ وقد سبق كلامه ـ والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، والسيد الإمام إبراهيم بن القاسم، صاحب طبقات الزيدية؛ والقاضي العلامة الحواري، أحمد بن سعد الدين المسوري.
ولم يزل أئمتنا وأشياعهم ـ رضي الله عنهم ـ يتلقونها، خلفاً عن سلف، ويتداولون أسانيدها العلية، ويسمونها بمسلسل مذهب العترة النبوية، وهذا واضح البيان لناظريه، لائح البرهان لمقتفيه، فأما العناد فلا حيلة فيه؛ والله الموفق للسداد، والهادي إلى سبيل الرشاد، وبه الاستعانة في كل إصدار وإيراد.
قال (ع): قال أبو العباس ـ رحمه اللَّه تعالى ـ: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد.
وقال الناصر الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ: الأسانيد سلاح المؤمن، وكل حديث لاسند فيه فهو خلّ وبَقْل.
قال ـ قدس الله روحه ـ: من فقه الرجل، بصره بالأسانيد.
قال: قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن سوادة بن أبي الجعد، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) أنه قال: من طلب العلم بلا إسناد، فهو كحاطب ليل.
وقال في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف:44]، هو: حدثني أبي عن أبيه عن جده.
قلت:عثمان تقدم هو وأخواه ابنا أبي شيبة، وعدادهم في ثقات الشيعة، وعثمان ممن أخذ عنهم السيد الإمام أبو العباس، ومحمد بن منصور، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه؛ خرج له أئمتنا الخمسة (ع).
وسوادة أهمله السيد الإمام، وصاحب الجداول، ولم أقف على ترجمة له /390
في شيء من كتب علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ، وترجم له بعض العامة فقالوا: سوادة بن أبي الجعد الجعفي، عن أبي جعفر.
إلى قوله: وثقه ابن حبان. انتهى.
فاختصاصه بالرواية عن الباقر (ع)، ورواية الإمام المؤيد بالله (ع) عنه، وليس من رجال المخالفين، يرجح كونه موثوقاً به، والله ولي التوفيق.
[افتتاح شرح التجريد بعد تمام الخطبة]
قال (ع) بعد تمام المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، أولى من حُمد، وأحق من عُبد، الذي شرع لنا الإسلام، وبيّن الحلال والحرام، فأقام عليهما الأدلة والأعلام؛ حمداً يفضي بنا إلى رضاه، ويوفقنا لسبيل هداه؛ وصلى الله على نبيه، وأمينه على وحيه، محمد وآله أجمعين.
كنتُ وعدتك ـ حين سهّل الله الفراغ من كتابي، الموسوم بالتجريد، لفتاوي القاسم، ويحيى بن الحسين (ع) ـ أن أفرغ لشرح ما أودعته من المسائل، بما يحضر من الحجاج والدلائل، وهذا أوان الشروع فيه، والله الموفق لما أضمره وأنويه، وإياه ـ عز اسمه ـ أسأل، أن يعيننا على ما يقربنا منه ويزلفنا لديه، ويعصمنا فيما نكدح له، ونسعى فيه، من أن نقصد غير وجهه، إنه سميع مجيب.
«كتاب الطهارة»
باب القول في المياه.
ثم ساق الكتاب متناً وشرحاً، يأتي بالتجريد مصدراً بـ(قال)، وهو نوع من التجريد البديعي المعروف، ثم يبسط الشرح عليه من الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، بعد تقرير قول الإمامين القاسم والهادي إلى الحق (ع) /391
، موضحاً للنصوص، مميزاً لها عن التخاريج، مبيناً للمآخذ كلها على الخصوص؛ وهكذا طريقة أخيه الإمام الناطق بالحق، والسيد الإمام أبي العباس (ع) ومن حذا حذوهم؛ لا كما فعله بعض المتأخرين، من خلط النصوص المعلومة، بالتخاريج المفهومة، وفيه من الخبط ما لايخفى على ذي بصيرة.
[ما قد يحصل من الاستبعاد في توجيه الرد والاستدلال في شرح التجريد]
هذا، وقد يحصل في بعض المقامات نوع استبعاد، في توجيه الرد والاستدلال، فيشكل ذلك على من لاتحقيق عنده للمقاصد، ولا نظر سديد في المصادر والموارد.
أوْرَدها سَعْد وسعد مشتمل .... ما هكذا تُورد يا سعد الإبل
ولو تدبر لعلم أولاً أن القول المستدل عليه قد قرره وفرغ من الاجتهاد فيه مثلاً، إمامُ الأئمة، وهادي هداة الأمة ـ رضوان الله عليهم ـ، الذي بشّر به جده سيد الأنام، ووقفت ركائب الأعلام، بباب الخدمة لما أوضحه من الأحكام، وهدى به الأنام، إلى سبل السلام؛ وليس مقصد الإمام المؤيد بالله ومن سلك مسلكه من الأئمة الكرام (ع)، إلا الاستدلال لذلك المقرر المفروغ منه، بما أمكن من الدلائل؛ لمعرفة الوجه للناظر في المسائل، وقد صحّت بأدلتها لإمام اليمن، الهادي إلى أقوم سنن، العالم بمكنون الكتاب والسنن، المحيي لرسوم العلوم، المفجر لينبوع المنطوق والمفهوم، ـ رضوان الله عليه ـ؛ وما أحسن قول بعض العترة الكرام:
إذا كان فضل المرء للناس ظاهراً .... فليس بمحتاج إلى كثرة الوصفِ
ألم ترَ نور الشمس في الأفق بادياً .... غنياً عن الوصف المرصّع بالرصفِ
نعم، فتلك طريقة غير طريقة المستدل لقوله، والمقرر لاختيار نفسه؛ ولهم في الاجتهاد لأنفسهم مجال، غير ذلك المجال، ومقال سوى ذلك المقال /392
؛ وكل مجتهد مكلف بما صح له، وقد يورد ذلك بعض المعاندين، ويقصد التشكيك على من يستهويه من المقلدين، فيبرز مثلاً في مقابلة قول إمام اليمن ـ رضوان الله عليه ـ خبراً، أو يروي أثراً، يروم بذلك تضعيف أقوال الهداة، من سفن النجاة؛ ولو وفق للحق لعلم أن ذلك لا يلزم، ولا يرد على من لم يصح عنده، فأما الاعتراض بهذا على أعلام الإسلام، ونجوم الأنام، فلا سبيل إليه عند كل ذي علم وإنصاف؛ وما أحق المقام بقوله:
أقول لمحرز لما التقينا .... تنكّب لا يقطرك الزحام
والله ولي التوفيق، إلى أقوم طريق.
وهذا إنما هو للرد على من يروم التضعيف والتزييف، وإلا فلا حرج على من صح له خلاف ما اختاره الإمام الهادي؛ فإن الواجب على كل ناظر العمل بما صح عنده؛ وليس مقصد الهادي إلى الحق ولاغيره من أئمة الهدى (ع)، أن يتابعهم أحد، ويترك ما ثبت له، وحاشاهم، فهم الدعاة إلى اتباع الكتاب والسنة، والجهاد والاجتهاد؛ وإنما يحدث التعصب والتحجر ممن لا بصيرة لهم، وضررهم أكثر من نفعهم، والحق لله تعالى، أن في بعض التأويلات والاستدلالات في شرح التجريد وغيره بعداً لايحتمل؛ ولكن العذر ما سبق أنه يريد الاستدلال لما اختاره الإمام كيف ما أمكن، وإن كان خلاف ما يقرره وما يختاره لنفسه في أكثر المسائل، فتدبر.
هذا، وحال شرح التجريد، وعظم محله، وجلالة موقعه، من بين معتمدات العترة، وذخائر الآل، يغني عن الكلام في وصفه، والتعرض لشرحه، وما هو عند ذوي الحل والعقد من أرباب الاجتهاد، وأصحاب الإصدار والإيراد، إلا بمنزلة الدراري والأقمار، والشموس المسفرة، من سائر الكواكب والأنوار؛ وإنها لتقصر كثير من الأفهام، عن إدراك ما فيه، فضلاً عن استخراج ما يداني معانيه، أو استنباط ما يقارب مبانيه، ولا غرو، فهي /393
نتائج أفكار إمام النظار، من العترة الأطهار، وربك يخلق ما يشاء ويختار.
[السند إلى شرح التحرير للإمام أبي طالب]
شرح التحرير للإمام الأعظم، الناطق بالحق الأقوم، أبي طالب (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام (ع)، وأذكر هنا سنداً، فيه فوائد غير ما تقدم، وهو له ولشرح التجريد.
فأروي شرحي التجريد، والتحرير، بالطرق السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، وهو يروي ذلك، وغيره، عن الإمام محمد بن علي السراجي، والسيد الإمام إبراهيم بن محمد، صارم الدين الوزير، والفقيه العلامة علي بن أحمد الشظبي -رضي الله عنهم -.
فأما الإمام محمد بن علي، فعن الإمام عزالدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي أحمد بن يحيى، عن أخيه الهادي بن يحيى، عن القاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
وأما السيد صارم الدين، فله طريقان:
الأولى، عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام محمد بن المطهر، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن أبي الرجال، عن الإمام الشهيد أحمد بن الحسين، عن الحافظ أحمد بن محمد شعلة، عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
والأخرى، للسيد صارم الدين، إبراهيم بن محمد بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن السيد صلاح بن الجلال، عن السيد الهادي بن يحيى، صاحب الياقوتة، عن الإمام علي بن محمد، عن الفقيه العلامة /394
يحيى حنش ـ بيض لوفاته السيد الإمام ـ وله طريقان:
الأولى، عن أبيه العلامة محمد، المتوفى سنة سبع عشرة وسبعمائة، عن أبيه العلامة يحيى ـ المتوفى سنة سبع وتسعين وستمائة ـ بن أحمد حنش.
والأخرى، عن العلامة عبدالله بن علي الأكوع.
فأما يحيى بن أحمد حنش، فيروي ذلك عن السيد الإمام الرباني، محمد بن وهاس الحمزي.
قال في الطبقات: كان سيداً جليلاً، وأميراً كبيراً، صنو الحسن بن وهاس، وكان صواماً قواماً متنزهاً عن قبض الحلال والحرام.
إلى قوله: ولاقبض درهماً، حتى لقي الله تعالى، توفي في عشر الثمانين وستمائة، تقريباً. انتهى.
عن الحافظ شعلة، عن الشيخ محيي الدين، محمد بن أحمد القرشي.
وأما عبدالله الأكوع.
قلت: ترجم له السيد الإمام ولم يذكر وفاته، ولم يترجم له في مطلع البدور، وهو من علماء الشيعة الكرام.
نعم: فيروي عن أبيه العلامة، صاحب الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، وجامع اختياراته، بهاء الدين علي الأكوع، وقد ترجم له السيد الإمام، وصاحب المطلع ولم يذكرا وفاته؛ بل أفاد في الطبقات بقاءه إلى سنة سبع وعشرين وستمائة؛ وسيأتي مزيد كلام فيه، في سند الشافي الآتي؛ وله طريقان:
الأولى، عن أبيه العلامة، أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع.
قال السيد الإمام في ترجمته: أحد تلامذة القاضي جعفر بن أحمد.
إلى قوله: وأخذ عنه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وولده علي بن أحمد.
إلى قوله: قال الإمام المنصور بالله: أخبرنا الشيخ، الزاهد العابد، قراءة عليه، وهو ينظر في كتابه، وكان أستاذاً من أئمة الأثر الحفاظ، وشيوخ الأئمة (ع). انتهى.
والأخرى، عن الشيخ محيي الدين القرشي /395
[رجع]، وأما الفقيه علي بن أحمد الراوي عنه الإمام شرف الدين (ع)، فيروي عن الفقيه علي بن زيد الشظبي، عن السيد الإمام أبي العطايا (ع)، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن الفقيه حسن بن محمد النحوي؛ وله طريقان:
الأولى، عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، عن الفقيه العلامة محمد بن خليفة الهمداني.
ترجم له السيد الإمام، وصاحب مطلع البدور، العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال، ووصفه بالاجتهاد، ولم يذكرا وفاته.
عن السيد الإمام محمد بن وهاس، عن الشيخ محيي الدين القرشي.
والأخرى، عن الفقيه يحيى البحيبح، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن الشيخ العلامة محمد بن أحمد النجراني، المتوفى سنة ثلاث وستمائة، والد الشيخ عطية بن محمد.
ترجم له السيد الإمام، وفي المطلع، وهو من أعلام الشيعة الكرام.
عن الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى: شمس الدين، وبدره.
فالإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، يروي عن الشيخ محيي الدين، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ أحمد بن الحسين الأكوع، والشيخ حنظلة بن الحسن بن شبعان، (بمعجمة فموحدة).
أثنى عليه الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، وترجم له السيد الإمام، وكذا القاضي في المطلع، ولم يذكرا وفاته، وهو من أعيان علماء الشيعة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ.
نعم، فالأميران شيخا آل الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وهؤلاء الأربعة المشايخ محيي الدين، والحسن، وأحمد، وحنظلة، يروون ذلك عن القاضي، شمس الدين جعفر بن أحمد. ويروي ذلك محيي الدين القرشي، أيضاً عن الأميرين شمس الدين وبدره.
هذا، والأميران، والقاضي جعفر، يروون ذلك عن الإمام، المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، بسنده المتقدم، في سند شرح التجريد، إلى أبي /396
يوسف القزويني، عن الإمامين المؤيد بالله، والناطق بالحق أبي طالب (ع).
(ح)، ويروي ذلك القاضي جعفر أيضاً بطرقه المارة إلى القاضي يوسف الخطيب، عن الإمامين ـ رضوان الله عليهم ـ.
[شذرات من كتاب التحرير، وكلام عن شرحه]
قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في التحرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
على الله أتوكل، وبه أستعين.
الحمد لله على جزيل نعمته، وسني موهبته؛ وصلى الله على خير مبعوث من البشر إلى خليقته، محمد وآله الطاهرين من عترته.
سألتَ ـ وفقك الله وإيانا لطاعته ـ تلخيص مذهب القاسم بن إبراهيم، ويحيى بن الحسين، وأولادهما (ع) في أبواب الفقه، ومسائل الشرع، مضافة إلى الفروع، التي تقتضيها نصوصهما، ويجليها تعليلهما.
فأجبتك إلى ذلك، رجاءً لما يحصل من النفع به، ويقسم لنا من الثواب عليه، معولاً على توفيق الله، وتسديده.
إلى آخر كلامه (ع).
ومتن التحرير لي فيه سماع على والدي ـ رضي الله عنه ـ.
وأما شرحه وهو اثنا عشر ـ وقيل: ستة عشر مجلداً ـ فقد سمعتُ فيه ما تضمنته غضون كتب علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ؛ كالشفاء للأمير الحسين (ع)، وغيره؛ وشرح التحرير هذا من أجلّ ذخائر أئمتنا (ع).
وعليه، وعلى شرح التجريد، معظم مدار العصابة الزيدية، والفرقة المهدية، استدلالاً وتعليلاً، وتهذيباً وترتيباً، وتصحيحاً وتنقيحاً؛ والكل بعدهما على أثرهما يقتفون، ومن معينهما يغترفون.
وقد انتزع منه القاضي زيد بن محمد الكلاري - رضي الله عنه - الشرح المشهور وهو المسمى بسوق الزيدية؛ وقد تقدمت الطريق إليه في السند الجامع.
وشرحه الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين /397
(ع) بالتقرير، وهو شرح بسيط سيأتي السند إليه ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ مع جميع مؤلفاته.
قال بعض العلماء في وصف شرح التحرير ما لفظه: فإنك ترى فيها ـ يعني أجزاء التحرير ـ من العجائب، ويواقيت العلم الثمينة، وجواهره المكنونة النفيسة، التي لاترى في كتاب قط، وأودع فيها مذاهب الفقهاء، ورجّح مذهب الهادي حتى ظهر ترجيحه، وتوهجت مصابيحه، وذكى ريحه.
وقال الحاكم الجشمي - رضي الله عنه - في وصف كلام الإمام أبي طالب(ع): وعليه مَسْحة من الكلام الإلهي، وجذوة من النور النبوي، انتهى.
[السند إلى أمالي المؤيد بالله]
أمالي المؤيد بالله (ع) أرويها بالطرق السابقة في السند الجامع لمؤلفات الأئمة، إلى الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين، وبدره، عن القاضي، شمس الدين، جعفر بن أحمد ـ رضي الله عنهم ـ.
(ح)، وبالأسانيد المتقدمة في سند المجموع إلى الإمام عبد الله بن حمزة.
قال في الشافي: أخبرني الشيخ الأجل الأوحد، حسام الدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه اللَّه تعالى ـ، والشيخ الأجل الفاضل، محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد القرشي، قالا: أخبرنا القاضي الأجل الإمام شمس الدين جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ قراءة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، قطب الدين، أبو العباس أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني ـ أسعده الله ـ قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام أبو علي الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزاذي ـ رحمه الله ـ إجازة.
قلت: ترجم له السيد الإمام فقال: الشيخ الإمام أبو علي ثم ساق أسانيده.
إلى قوله: قال القاضي: كان عالماً كبيراً، وإماماً خطيراً.
إلى قوله (ع): وهو الذي صلى على الإمام المرشد بالله. انتهى.
والشيخ أبو رشيد بن عبدالحميد ابن قاسورا الرازي قراءة عليه.
قلت: عده السيد الإمام (ع) في سياق الأمالي، ولم يترجم له هو /398
ولا غيره من أصحابنا بالاستقلال، ولم يذكروا له اسماً غير الكنية؛ والذي يظهر أنه من علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ.
والشيخ عبدالوهاب بن أبي العلاء بن بُعْدوَيه السمان، قراءة عليه أيضاً في مدرسة شجاع الدين، في شهر ربيع، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: عبدالوهاب بن أبي العلاء بن بعدويه (بضم الموحدة، وسكون المهملة، وضم المهملة الثانية، وسكون الواو، وفتح التحتية مثناة، ثم هاء) السمان، ثم ساق إسناده، ولم يذكر وفاته، وهو كالأول.
قالوا: أخبرنا الأستاذ الرئيس علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن مزدك، في الجامع العتيق بالري في ذي القعدة سنة [496] ست وتسعين وأربعمائة، بقراءته علينا.
قلت: ساق السيد الإمام في ترجمته ما في السند ولم يزد عليه، والكلام عندي فيه كالكلام على الأولَيْن.
قال: أخبرنا والدي الحسين بن محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن مزدك، في شوال سنة [445] خمس وأربعين وأربعمائة.
قلت: الكلام عليه كالكلام على أبيه، إلا أنه زاد السيد الإمام أنه قال في طبقات الحنفية: هو الأستاذ أبو علي، له تاريخ. انتهى.
قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن جاوك.
قلت: قال السيد الإمام: بفتح الجيم وضم الواو ثم كاف.
إلى قوله: وذكره القاضي بالهمز، وقال: علامة كبير حافظ، قرأ على المؤيد بالله، وسمع منه. انتهى.
[ترجمة لبعض رجال الأمالي، منهم: النقاش]
قال: أخبرنا السيد الإمام أبو الحسين أحمد بن الحسين، وأتمّ نسبه، وقد تقدم الكلام. قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن عثمان النقاش.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وغيره، بذكر روايته عن الإمام الناصر للحق، ورواية الأخوين عنه، ولم يذكروا وفاته، وهو من المشايخ الحفاظ، أكثر /399
الرواية عنه الإمامان عن الإمام الناصر للحق (ع)، وكثر الاعتماد منهما عليه، وتحقق اختصاصه بأئمة آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، قال: أخبرنا محمد بن منصور، عن علي بن الحسن بن علي الحسيني، والد الناصر، عن إبراهيم بن رجاء الشيباني.
قلت: ترجم له السيد الإمام في الطبقات، وساق روايته، إلى قوله: خراساني مروزي جليل، انتهى.
خرج له الإمام المؤيد بالله، والمرشد بالله.
(رجع) قال: قيل لجعفر بن محمد: ما أراد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بقوله لعلي يوم الغدير: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))؟
فاستوى جعفر بن محمد قاعداً، فقال: (الخبر المتقدم في الفصل الأول)، وساق هذا في الشافي.
قلت: فأروي بالأسانيد السابقة إلى الإمام المؤيد بالله جميع كتاب الأمالي.
قال الإمام (ع) فيها: وبهذا الإسناد عن محمد بن منصور عن علي بن الحسن الحسيني والد الناصر (ع)، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وخزن لسانه، وكف غضبه، وأدى النصيحة لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقد استكمل حقائق الإيمان، وأبواب الجنة مفتحة له)).
أخبرنا أبو نصر.
قلت: هو منصور بن محمد الروياني، توفي بعد الخمس والثلاثمائة.
أخبرنا علي.
قلت: هو ابن عبدالله الخرزي أبو الحسن.
أخبرنا عبد الغني.
قلت: هو ابن رفاعة اللخمي، أبو جعفر، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين، ترجم له وللذين قبله السيد الإمام، وأفاد ما ذكرنا؛ وقد اعتمدهم الإمام المؤيد بالله (ع) وكرر الرواية عنهم.
قال: أخبرنا يغنم.
قلت: هو ابن سالم بن قنبر مولى علي (ع).
قال السيد الإمام: وثقة المؤيد بالله، /400
والذي يظهر لي أنه من رجال الشيعة، انتهى.
عن أنس بن مالك.
قلت: خادم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المتوفى سنة [93] ثلاث وتسعين.
قال السيد الإمام: على الأصحّ، وقد جاوز المائة، انتهى.
سأله الوصي ـ صلوات الله عليه ـ عن أمر فكتم، فدعا عليه بقوله: إن كنتَ كاذباً فضربك الله بها بيضاء لامعة لاتواريها العمامة ـ يعني البرص ـ؛ فأصابه البرص في وجهه، وقد رُويت توبته والله الموفق.
(رجع) عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((طوبى ثم طوبى لإخواني)).
قالوا: أولسنا إخوانك؟
قال: ((أنتم أصحابي، رأيتموني فآمنتم بي، وإخواني آمنوا بي ولم يروني)).
أخبرنا محمد بن عثمان النقاش.
قال: أخبرنا الناصر للحق الحسن بن علي، عن محمد بن منصور، عن عباد بن يعقوب، عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم.
قلت: بضم المهملة، هو أبو عبدالله المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة.
قال الإمام المنصور بالله: هو ممن اشتهر بالقول بالعدل، والتوحيد، وذكره الحاكم في ثقات أهل المدينة.
خرج له أئمتنا الأربعة (ع)، والجماعة.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما ذكرنا، وبقية رجال السند تقدم ذكرهم في ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: كان الحسن، والحسين (ع) عند النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - ليلة مظلمة، فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذهبا إلى أمكما)).
قال: فبعث الله لهما برقة مشيا في ضوءها حتى أتيا أمهما.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((الحمد لله الذي أنعم على محمد وآله، إن الله إنما بعث هذه البرقة لهما)).
قلت: وقد روى معنى هذا في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضا، بسند آبائه إلى الحسين بن علي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال الإمام المؤيد بالله (ع): أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الحسيني.
قلت: توفي السيد الإمام الحسن سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، عن ثمان وتسعين، وجده يحيى /401
هو العقيقي، صاحب الإمام القاسم بن إبراهيم، مذكور بتمام نسبه في التحف الفاطمية في سيرة نجم آل الرسول صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
قال: حدثنا جدي يحيى بن الحسن، قال: أخبرنا إبراهيم بن علي، والحسن بن يحيى.
قلت: أي ابن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وهو أحد الأربعة الأعيان نجوم آل محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، في عصرهم، المتكرر ذكرهم، الذين اجتمعوا في دار محمد بن منصور من الأقطار المتفرقة، وبايعوا نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال في الطبقات: وروي عن القاسم أنه قال: لما اجتمعوا في بيت محمد بن منصور سنة [220] عشرين ومائتين: أنت يا أبا محمد ـ أي الإمام الحسن بن يحيى ـ اقبل هذا الأمر ـ يعني: الإمامة ـ فإنك أهل له، وأنت أقوى على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس مالا نعرف.
فقال الحسن: يا أبا محمد، والله لايتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطئ.
ثم بايع القاسم (ع).
قال المنصور بالله: وكانت فضيلة السبق إلى منابذة الظالمين انتهت إلى هؤلاء، انتهى.
وقد ساق صفة اجتماعهم ومحاورتهم بتمامها، في المصابيح، وقد أشرنا إليها في التحف الفاطمية، وسنوردها ـ إن شاء الله تعالى ـ في مقام آخر، أفاد السيد الإمام أنه لم يؤرخ أحد وفاته، قال: فالظاهر أنه بعد الستين والمائتين، لأن الناصر أدرك زمانه، والله أعلم.
خرج له المؤيد بالله، وأبو طالب، ومحمد (ع).
هذا؛ وإبراهيم بن علي، قال السيد الإمام في ترجمته: إبراهيم بن علي بن حسن بن رافع الرافعي المدني، وساق الذين روى عنهم، والذين رووا عنه، /402
وأفاد أن وفاته بعد المائتين، وأنه خرّج له الإمام أبو طالب، ومحمد، وابن ماجه.
قلت: والإمام المؤيد بالله (ع).
(رجع) قال: حدثنا نصر بن مزاحم، عن أبي خالد، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: كان لي عشر من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لم يعطهن أحد قبلي، ولايعطاهن أحد بعدي: قال لي: ((يا علي أنت أخي في الدنيا، وأخي في الآخرة، وأنت أقرب الناس مني موقفاً يوم القيامة، ومنزلي ومنزلك في الجنة متواجهان كمنزلي الأخوين، وأنت الوصي، وأنت الولي، وأنت الوزير، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله، ووليك وليي، ووليي ولي الله)).
قلت: سقطت في الرواية: العاشرة، وهي تامة في أمالي الإمام أبي طالب (ع) وهي: ((وأنت الخليفة في الأهل، والمال، والمسلمين في كل غيبة)) وقد تقدمت الرواية بتمامها في الفصل الأول.
هذا، وأروي أمالي الإمام المؤيد بالله (ع) أيضاً بقراءتي لها من فاتحتها إلى خاتمتها، على سيدي المولى العلامة الولي بن الولي، الحسن بن الحسين الحوثي - رضي الله عنهما -، وهو يرويها عن حي السيد العلامة محمد بن يحيى الصعدي المؤيدي، عن والده العلامة نجم آل محمد الحسين بن محمد الحوثي ـ رضي الله عنهم ـ عن والدنا الإمام المجدد للدين، أمير المؤمنين، المهدي محمد بن القاسم الحوثي (ع)، بطرقه السابقة، والله ولي التوفيق.
[السند إلى أمالي الإمام أبي طالب (ع)]
أمالي الإمام الناطق بالحق (ع)، أرويها بالطرق السابقة في السند الجامع لمؤلفاتهم، وبالأسانيد المتقدمة في طرق المجموع، إلى الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع).
قال: أخبرنا الشيخ الإمام حسام الدين، عمدة الموحدين، الحسن بن محمد الرصاص ـ رحمه الله ـ والشيخ الأجل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي العبشمي ـ طول الله مدته ـ، والشيخ الأجل عفيف الدين حنظلة بن الحسن ـ رحمه الله ـ، والفقيه /403
الأجل العابد الزاهد أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع رحمه الله قراءة عليه وهو ينظر في كتابه، كلهم؛ قالوا: أخبرنا القاضي الأجل شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ، قال: أخبرنا القاضي الإمام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أسعده الله ـ، قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد فخر الدين أبو الحسين زيد بن الحسن بن علي البيهقي بقرائتي عليه، قدم علينا الري، والشيخ الإمام الأفضل، مجد الدين عبد المجيد بن عبد الغفار بن أبي سعد الإستراباذي الزيدي رحمه الله، قالا: أخبرنا السيد الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر الحسني النقيب بإستراباذ، في شهر الله الأصم رجب، سنة ثمان عشرة وخمسمائة، قال: أخبرنا والدي السيد أبو جعفر، محمد بن جعفر بن علي خليفة الحسني، والسيد أبو الحسن علي بن أبي طالب أحمد بن القاسم الحسني الآملي، الملقب بالمستعين بالله.
قلت: رجال هذا السند؛ أما من قبل مجد الدين عبد المجيد فقد سبقت تراجمهم في التحف الفاطمية، وفي هذا المجموع.
وأما من بعده فقد ترجم لهم في الطبقات، وليس فيما ذكره زيادة إفادة في أحوالهم على مافي السند، وفيه الكفاية من الأوصاف الدالة على محلّهم في الفضل، والعلم، وذكر السيد الإمام في ترجمة محمد بن جعفر أن السماع بفتح تاء خليفة فقيل: على البدل، وقيل: غير ذلك.
قال: وكان محمد بن جعفر سيداً إماماً.
هذا؛ فكل من لم نذكره منهم، وممن سبق وممن يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ فهو إما لتقدمه في التحف الفاطمية أو في هذه الأسانيد المباركة، أو لتأخيره إلى مقام أليق به، أو لعدم الوقوف على شيء من تفصيل أحواله، بعد البحث في محله، من طبقات الزيدية، وغيرها؛ يعلم ذلك والله ولي الإعانة.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين.
قلت: وأكمل نسبه وقد تقدم.
قال ـ أي الإمام أبو طالب (ع) ـ: أخبرنا أبو /404
محمد الحسن بن حمزة الحسيني رحمه الله.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأتم نسبه إلى علي الأصغر بن علي سيد العابدين (ع). وقال: خرج له السيد أبو طالب.
(رجع) قال: حدثنا أحمد بن عبدالله البرقي.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وأفاد بذكر من أخذ عنهم، ومن أخذوا عنه، وأن وفاته سنة سبع وسبعين، وأنه خرج له الإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وأن نسبته إلى بُرقة (بضم الموحدة) ـ وقيل: بفتحها، وسكون المهملة، ثم قاف ـ من بلاد المغرب، بينها وبين مصر مسافة شهر، على سمت القيروان، نسب إليها جماعة من العلماء.
قال: حدثني جدي أحمد بن محمد.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ كترجمة حفيده، وذكر كلام الذهبي فيه، وأن ابن حجر قال فيه: أبو جعفر، عالم الشيعة، له تصانيف في الرفض، وأنه كان في زمن المعتصم، ولم يذكروا وفاته.
(رجع) عن أبيه.
قلت: هو محمد بن خالد البرقي، ترجم له كذلك، ولم يذكر وفاته.
وهذا الذي ذكره السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ من أحوال هؤلاء، فالعمدة على نظر الناظر، والذي يظهر لي أنهم من رجال الشيعة والله الموفق.
قال: حدثني الحسين بن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، قال:
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((من زار قبراً من قبورنا أهل البيت، ثم مات من عامه الذي زار فيه، وكّل الله بقبره سبعين ملكاً، يسبحون له إلى يوم القيامة)).
وهذا الخبر أورده الإمام (ع) في الشافي عند تمام السند./405
نعم، وثمة سند فيه زيادة فائدة من السيد صارم الدين إلى الشيخ محيي الدين - رضي الله عنهما - لم يتقدم، وهو أني أرويها عن والدي ـ رضي الله عنه ـ عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم، عن شيخه محمد بن محمد الكبسي، عن شيخه محمد بن عبد الرب، عن شيخه علي بن عبدالله الجلال، عن شيخه عبدالقادر بن أحمد الكوكباني، عن شيخه يوسف بن الحسين، عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة، عن شيخه عامر بن عبدالله، عن الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد، عن صلاح بن أحمد بن عبدالله المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ابن أحمد المتوفى عام ستة عشر وتسعمائة، ابن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم الوزير، عن أبيه أحمد، عن أبيه عبدالله، عن أبيه أحمد، عن أبيه حافظ اليمن، سيد بني الحسن، صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير.
(ح) ويرويها السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير أيضاً، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن شيخه صارم الدين إبراهيم بن محمد، وهو يرويها عن أبيه محمد، المتوفى سنة سبع وتسعين وثمانمائة، عن أبيه عبدالله المتوفى سنة أربعين وثمانمائة، ابن الهادي بن إبراهيم، عن شيخه صلاح بن الجلال.
فهؤلاء العصابة من نجوم الآل، ترجم لهم علماؤنا بما لايسعه الحال، وقد أتيت في التحف الفاطمية، وفي هذا المجموع، من أحوالهم بما فيه الكفاية.
قال سمعت على الشيخ العالم جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية نفع الله به.
قلت: أي النجراني؛ توفي جمال الدين سنة إحدى وثمانمائة.
كتاب تيسير المطالب الذي عني في تأليفه ـ أي ترتيبه ـ القاضي جعفر، من أمالي السيد أبي طالب، يرويه عن الإمام؛ عماد الإسلام، يحيى بن حمزة، يرويه عن شيخه العلامة بدر الدين محمد بن حسين الأصبهاني.
قلت: ترجم له السيد الإمام، والقاضي أحمد - رضي الله عنهما - وذكرا/406
في وصفه أنه العلامة المحقق، الراسخ الحجة، كان من عيون العلماء، محدثاً، ولم يذكرا وفاته.
(رجع) كما هو يرويه عن السيد الفاضل، عامر بن زيد بن الشماخ العباسي.
قلت: هو من ذرية العباس بن علي بن أبي طالب (ع)، ترجم له السيد الإمام بما أفاده في السند.
(رجع) كما هو يرويه عن الشيخ الأجل أحمد الأكوع شعلة.
قلت: وما في بعض الروايات أن الأصبهاني رواه عن شعلة بغير واسطة سهو؛ أفاده في الطبقات.
(رجع) كما هو يرويه، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد قراءة عليه قال: أخبرنا القاضي الأجل الإمام، شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى ـ رضي الله عنه ـ قراءة عليه.
قال: أما بعد إلخ الكتاب.
فأروي بجميع ما سبق من الأسانيد جميع أمالي الإمام.
قال الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع): أخبرنا أبو الحسين، يحيى بن الحسين بن محمد بن عبيدالله الحسني ـ رحمه الله ـ، قال: حدثنا علي بن محمد بن مهرويه القزويني، قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ؛ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً، فرفع رأسه إلى السماء فقال: يارب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك)).
قلت: وهذا من المسلسلات النبوية، وقد توسط بين أبي الحسين، والإمام الرضا (ع) ابنُ مهرويه (بفتح الميم)، وداودُ بن سليمان.
قال السيد /407
الإمام: داود بن سليمان بن يوسف الغازي، أبو أحمد، القزويني الجرجاني، عن علي بن موسى، عن أبيه، عن جده.
وعنه، علي بن محمد بن مهرويه القزويني.
وحكى كلام الذهبي فيه، وساق أخباراً أوردها الذهبي، وحكم عليها بالوضع على طريقته المعهودة، فخرجها السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ من طرق، ورد عليه، وأوضح بطلان كلامه.
إلى قوله: وذكره في تاريخ قزوين.
وساق ما فيه إلى قوله: شيخ اشتهر بالرواية عن علي بن موسى الرضا، ويقال: إن علياً كان مستخفياً في داره مدة لبثه بقزوين، وله نسخة عنه؛ يرويها أهل قزوين عن داود، كإسحاق بن محمد، وعلي بن محمد بن مهرويه.
وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: فعرفت أن وجه الرد لأخباره؛ كونه روى أحاديث الشيعة، وغيرها، انتهى.
وأفاد في مختصر الطبقات أنه تكلم فيه يحيى بن معين، والذهبي، جرياً على سجيتهم المعروفة، فيمن يخالف المذهب، ويختص بأهل البيت الطاهرين.
وقال في ترجمة ابن مهرويه: توفي سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وقد نيف على المائة، انتهى.
قلت: وقد تكررت رواية الإمام أبي طالب (ع) عنهما، على سبيل الاعتماد ـ لا المتابعة ـ والاستشهاد، وقد عرف من كلام الإمام في شرح البالغ المدرك الذي نقلته في التحف الفاطمية ، حيث اعتذر عن الرواية من طرق العامة، بأن الداعي لذلك إنكارهم أنه لايروي على هذا الوجه إلا عن موثوق به، وهذا بخلاف من اشتهرت أحواله بين الأمة، لتمكن الباحث من الوقوف على الحقيقة، ومذهب الإمام (ع) اشتراط العدالة المحققة، مع ما ظهر من اختصاص الرجلين، وأمثالهما، بآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ حتى تناولهم لذلك أولئك الفريق، فيترجح جانب التوثيق؛ والله ولي التوفيق.
[حديث مطوَّل من الأمالي في فضل العلم]
وبه قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي العبدكي، قال: حدثنا إسحاق بن العباس بن إسحاق بن موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، عن /408
أبيه إسحاق بن موسى، قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن الحسين بن علي ـ رضوان الله عليهم ـ، قال: قال أمير المؤمنين علي ـ صلوات الله عليه ـ لأصحابه وهم بحضرته: تعلموا العلم؛ فإن تعلمه حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وإفادته صدقه، وبذله لأهله قربة، وهو معالم الحلال والحرام، ومسالكه سبل الجنة؛ مؤنس في الوحدة، وصاحب في الغربة، وعون في السراء والضراء، ويدٌ على الأعداء، وزين عند الأخلاء؛ يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير أئمة يُقْتدى بهم، تُرمَق أعمالهم، وتقتص آثارهم، يرغب الملوك في خلتهم، والسادة في عشرتهم، والملائكة في صفوتهم؛ لأن العلم حياة القلوب من الخطايا، ونور الأبصار من العمى، وقوة الأبدان على الشنآن؛ ينزل الله حامله الجنان، ويحله محل الأبرار؛ بالعلم يُطَاع الله ويُعْبَد، وبالعلم يُعْرف الله ويوحد، وبالعلم تفهم الأحكام، ويفصل بين الحلال والحرام؛ يمنحه الله السعداء، ويحرمه الأشقياء.
وهذا كالخبر الأول، ليس بين هذه السلسلة العلوية المحمدية ـ رضوان الله عليهم ـ إلا محمد بن علي العبدكي، والكلام عليه كالكلام على السند السابق.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة إسحاق بن العباس: يروي عن أبيه عن جده، وعنه محمد بن علي العبدكي.
إلى قوله: خرج له أبو طالب، وقال في ترجمة العباس: يروي عن أبيه عن جده عن آبائه (ع)، وعنه ولده إسحاق.
قال في المقاتل: وفي أيام المقتدر فيمن قتل منهم، العباس بن إسحاق.
إلى قوله: ونحوه.
ذكره المنصور بالله في الشافي، وقال: وألزمنا نفوسنا ألا نذكر منهم إلا من لا ينازع المنصفون في فضله وكماله.
إلى قوله: خرّج للعباس السيد أبو طالب.
وقال في ترجمة إسحاق بن موسى: روى عن أبيه عن جده، وعنه ولده العباس.
إلى قوله: ويلقب الأمين.
وقال ـ أيده الله ـ في المختصر في ترجمة العبدكي: وهو رأس في علم الكلام؛ حتى قال أبو القاسم: /409
ما رأيتُ رجلاً أعرف بدقيق الكلام وجليله منه. انتهى.
وبه قال: أخبرنا أبو أحمد عبدالله بن عدي الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن الأشعث الكوفي بمصر، قال: حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال: ((لما نزلت هذه الآية {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد]: ((ذلك مَنْ أحبّ الله، ورسوله، وأحبّ أهل بيتي، صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله فتحابوا)).
[تراجم لأبي أحمد بن عدي، وأبي الحسن بن الأشعث، وأحمد بن سلام]
وهذا كالأولَينِ ليس بين هذه السلسلة النبوية إلا رجلان: الأول الحافظ أبو أحمد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد بن مبارك الجرجاني، أبو أحمد بن عدي الإمام، الحافظ الكبير، ويُعْرف أيضاً بابن القطان، صاحب الكامل، والجرح والتعديل، كان أحد الأعلام.
إلى قوله: قال الخليل: كان عديم النظير حفظاً، وعدالةً، زاد معجمه على ألف شيخ.
إلى قوله: توفي في جمادى الآخرة، سنة خمس وستين وثلاثمائة.
قال: ولا شيء له في الست؛ لأن زمنه متأخر عن أهلها، وخرج له السيد أبو طالب (ع) فأكثر، انتهى.
والثاني: شيعي الآل محمد بن محمد بن الأشعث، أبو الحسن، نزيل مصر؛ حكى الذهبي عن ابن عدي أن ابن الأشعث حمل إليهم نسخة قريباً من ألف حديث، عن موسى بن إسماعيل.
في مختصر الطبقات: واحتج به البيهقي في السنن الكبرى؛ قال السيوطي: إيراد البيهقي له فائدة جليلة؛ فإنه التزم ألا يخرج في تصانيفه عن وضّاع، سيما في الكبرى التي هي من أجلّ كتبه؛ ذكر معنى ذلك في جمع الجوامع، وكان سماع بن عدي عليه سنة [305] خمس وثلاثمائة، وتوفي سنة [314] أربع عشرة وثلاثمائة، /410
انتهى.
قلت: ولا التفات إلى ما في تنقيح الأنظار من حكايته لتضعيف جماعة من عيون الشيعة الكرام، المعتمد على رواياتهم عند أئمة العترة الأعلام (ع)، محمد بن محمد منهم، فتلك مجازفة واضحة من الحافظ، حمله عليها المِراء كما حمله على غيرها، كما لايخفى على ذي بصيرة، والله ولي التوفيق.
وبه قال: أخبرنا أبي.
قلت: هو السيد الإمام الحسين بن هارون، كان من أعيان أصحاب الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع) ونقلة أخباره، وقد أجاب السيد الإمام في الطبقات على ما قيل من أنه إمامي المذهب، بأن ولده الإمام المؤيد بالله (ع) ذكر: أنه لايقبل أخبار الإمامية، وقد قَبِلَ أخباره.
قلت: وكذا ولده الناطق بالحق (ع) أكثر عنه أيضاً، ومذهبه العدالة المحققة كما سبق، وكونه من خواص الإمام الناصر للحق (ع)، يردّ ذلك.
(رجع) قال: أخبرنا عبدالله بن أحمد بن سلام.
قلت: كان من أعيان أصحاب الإمام الناصر للحق ـ رضي الله عنهم ـ، وبعده الإمام الحسن بن القاسم (ع)، وكان عالماً ديناً ورعاً، توفي بعد العشرين والثلاثمائة؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: أخبرنا أبي.
قلت: هو أحمد بن سلاّ م ـ بتثقيل اللام ـ كان من أعيان أصحاب نجم آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، المكثرين عنه، وروى عن مشايخ الزيدية.
قال في الإفادة: كان ابن سلام شيخاً عارفاً فاضلاً، صاحب فقه كثير، ورواية غزيرة، وهو من رجال الشيعة، وخالصتهم؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: حدثنا محمد بن منصور، قال: حدثنا عبدالله بن داهر، عن عمرو بن جميع. /411
قلت: هم من أعلام الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، وقد تقدم الكلام عليهم.
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي ـ رضوان الله عليه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((هل منكم من يريد أن يعطيه الله علماً بغير تعلّم؟ هل منكم من يريد أن يعطيه الله هدى بغير هداية؟ هل منكم من يريد أن يُذْهب الله عنه العمى ويجعله بصيراً؟
ألا إنه من زهد في الدنيا وقصر فيها أمله، أعطاه الله علماً بغير تعلم، وهدى بغير هداية؛ ألا وإنه من رغب في الدنيا، وأطال فيها أمله، أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها؛ ألا وإنه سيكون أقوام لايستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولايستقيم لهم الغنى إلا بالبخل والفخر، ولا يستقيم لهم المحبة في الناس إلا باتباع الهوى؛ ألا فمن أدرك منكم ذلك فصبر على الذل وهو يقدر على العزّ، وصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة في الناس، وهو يقدر على المحبة، لايريد بذلك إلا وجه الله، والدار الآخرة، أثابه الله ثواب خمسين صديقاً))، انتهى.
هذا، ومالم نخصه بسند من كتب الإمامين: المؤيد بالله، والناطق بالحق، كالإفادتين لهما، والزيادات للمؤيد بالله، والمجزي، للناطق بالحق، وغيرها من مؤلفاتهما، ومؤلفات الأئمة السابقين، فللاعتماد على ما سبق من الإسناد الجامع لمؤلفاتهم (ع)، وقد ذكرتُ مؤلفات الأئمة (ع)، في التحف الفاطمية نفع الله بها؛ والله ولي التوفيق.
[السند إلى كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وجميع مؤلفات الإمام الموفق بالله الجرجاني]
وكتاب الإحاطة في علم الكلام للإمام الموفق بالله أبي عبدالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني، الشجري (بالشين المعجمة، والجيم، والراء)، نسبة إلى قرية قرب المدينة، وهو والد المرشد بالله، /412
وعين أعيان جماعة المؤيد بالله (ع).
أروي جميع مؤلفات الإمام الموفق بالله (ع) بالأسانيد السابقة، إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن الفقيه علي بن أحمد، عن الفقيه علي بن زيد، عن أبي العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن النحوي، عن الفقيه يحيى البحيبح، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن الأمير علي، عن الشيخ عطية، عن الأميرين شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: أخبرنا الشيخ الأديب محمد بن الحسين الآذوني قراءة عليه.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: الآذوني (بالمد، فضم الذال المعجمة، ثم واو، ثم نون، ثم ياء النسب)، ثم ساق ما في السند.
قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الحسن بن علي بن إسحاق الفرزاذي.
قلت: هو الشيخ الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب إسحاق الفرزاذي، المتقدم في سند أمالي الإمام المؤيد بالله (ع).
قال: حدثنا السيد الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل الحسني الشجري، قال الإمام أبو عبدالله الموفق بالله في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين:
الحمد لله، الذي له العزة، وذلّت دونه الأعزة، والغني الذي افتقر إلى رحمته الأغنياء، وبنعمته استقلت الأعداء والأولياء.
وافتتحه بعد الخطبة بقوله:
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): المدة وإن طالت قصيرة، والماضي للمقيم عبرة.
إلى آخره.
وقال فيه: أخبرني أبو الحسن الحسن بن علي بن محمد.
قلت: ابن جعفر بن الحسين الوبري؛ أفاد في الطبقات، وتبعه المولى فخر الإسلام في مختصرها الجداول، ما في السند لاغير؛ والذي ترجح عندي فيه من تصفح رواياته، واعتماد الإمام عليه، وتكرر روايته عنه ـ أنه من الموالين لآل محمد (ع)، ومن روايته في الكتاب عن شيخه الآتي بالسند إلى جعفر بن /413
محمد (ع) أنه قال: كل راية في غير الزيدية فهي راية الضلالة.
وعن شيخه أيضاً بسند له آخر إلى الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن(ع): لو نزلت راية من السماء، لم تُنْصب إلا في الزيدية.
وعن شيخه أيضاً بسند له آخر، عن جعفر بن محمد بن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ للحسين: ((ياحسين يخرج من صلبك رجل، يقال: له زيد، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين، يدخلون الجنة)).
(رجع) أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي.
قلت: هو الحافظ، من ثقات محدثي الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ، توفي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة؛ خرج له الإمام وولده المرشد بالله (ع)، وهو (بجيم، فعين مهملة، فألف، فباء موحدة، فياء النسبة).
(رجع) حدثني القاسم بن محمد عن أبيه.
قلت: هو السيد أبو أحمد القاسم بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (ع) الملقب الملك الجليل.
ويروى أنه دعا إلى نفسه بالطالقان، ولعله احتسب للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ خرج له الإمام وولده (ع)، ولم يذكروا له فيما وقفتُ عليه من كتب الرجال وفاة؛ والذي في أمالي المرشد بالله، والمشجر: القاسم بن جعفر بن محمد.
(رجع) عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن الحسين بن علي (ع) قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((وإذا صليت، فصل صلاة مودع؛ وإياك ياحسين، وما يعتذر منه)) الخبر بطوله.
وفي الخبر: ((إياك وما يسوء الأذن)) وفي الخبر: ((ما أحببت أن يأتي الناس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتي الناس إليك فلا تأته إليهم)) وقوله: ((اذكروا هادم اللذات)) وقوله: ((دعْ ما يريبك إلى ما لايريبك)).
وفيه بهذا السند عن أمير المؤمنين (ع): من نقله الله من ذل المعاصي إلى عزّ التقوى أغناه الله بلا /414
مال، وأعزه بلا عشيرة، وأَنّسَه بلا أنيس؛ ومن خاف الله أخاف الله كل شيء منه، ومن رضي من الله باليسير من الرزق، رضي الله منه باليسير من العمل؛ ومن لم يستحْيِ من طلب المعيشة، خفت عليه مؤنته، ونعم عياله، ومن زهد في الدنيا أنبت الله ـ عز وجل ـ الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، ويذكره داءها ودواءها وعيوبها، فأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار القرار.
[حديث من الاعتبار والسلوة في ثلاثين حقاً للمسلم على أخيه]
وفيه بهذا السند إلى القاسم بن محمد المتقدم، بسند آبائه، عن عمر بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً، لابراءة له منها إلا بالأداء، أو العفو له: يغفر زلته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافي صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ حليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويشمت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويبرّ إنعامه، ويصدق إقسامه، يواليه ولايعاديه، وينصره ظالماً أو مظلوماً، أما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه؛ ولايسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير مايحب لنفسه، ويكره له من الشر مايكره لنفسه)).
ثم قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه، فيطالب به يوم القيامة، فيقضى له عليه)).
وفيه: (باب كلمات النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - لأمير المؤمنين علي(ع)).
قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يا علي، لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولاعقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكر)).
إلى قوله: ((ياعلي، سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك، ومواساة الأخ في الله، وذكر الله على كل حال؛ ياعلي، إن من أبواب البر سخاء النفس، /415
وطيب الكلام، والصبر على الأذى)).
إلى قوله: ((ياعلي، ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق في الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم)).
إلى قوله: ((أربعة لاترد لهم دعوة: الإمام العادل، والوالد لولده، والرجل لأخيه بظهر الغيب، يوكل الله به ملكاً يقول: ولك مثله، والمظلوم يقول الله ـ عز وجل ـ: لأنتصرنّ لك، ولو بعد حين)).
إلى آخر الكتاب؛ والحمد لله الكريم الوهاب.
[السند إلى أمالي الإمام المرشد بالله الخميسية]
أمالي الإمام المرشد بالله يحيى بن الإمام الموفق بالله الحسين بن إسماعيل (ع) الخميسية؛ لأن له (ع) أماليين كما ذكر الإمام الحجة (ع) في الشافي: الخميسية هذه أملاها يوم الخميس، والأنوار أملاها يوم الاثنين، وسيأتي سندهما ـ إن شاء الله تعالى ـ.
هذا، فأروي كتاب الأمالي المذكور بالسند السابق في إسناد المجموع إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: ونحن نروي هذا الكتاب بطريقين:
أحدهما: من جهة الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق (ع).
والثاني: من جهة القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ.
فنقول: أخبرنا الشريف، الأمير الأجل، السيد الفاضل بدر الدين، فخر العترة تاج الشرف، الداعي إلى الله أبو عبدالله، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الهادي إلى الحق (ع)، مناولة في شهر رمضان المعظم، من سنة سبع وتسعين وخمسمائة بمدينة صعدة؛ قال: وأنا /416
أرويه مناولة، وإجازة عن السيد الشريف الأجل عماد الدين الحسن بن عبدالله ـ رحمه الله ـ قال: أخبرنا القاضي الإمام العالم، الأوحد الزاهد، قطب الدين، شرف الإسلام، عماد الشريعة، أحمد بن أبي الحسن بن علي القاضي الكني، أدام الله تأييده، بقراءته علينا في ذي القعدة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة؛ قال: أخبرنا القاضي الإمام المرشد بالله أبو منصور عبد الرحيم بن المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني ـ رحمه الله ـ في رمضان، سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة قراءة عليه؛ قال: أخبرني والدي الشيخ أبو سعد المظفر بن عبدالرحيم بن علي الحمدوني.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمة عبدالرحيم: القاضي الشيخ أبو منصور الزيدي، سمع على أبيه.
وساق ما في السند.
وقال في ترجمة والده المظفر بعد ذكر روايته: قال القاضي: هو الإمام الأجل الأديب، ولعل وفاته في عشر الثمانين وأربعمائة.
قال: حدثنا السيد الإمام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين.
فهذه الطريق الأولة.
وأما الطريق التي من جهة القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد، فأخبرنا الشيخ الأجل الفاضل محيي الدين، عمدة المتكلمين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ، قال: أخبرنا القاضي الإمام، العدل الزاهد الأوحد، قطب الدين، شرف الإسلام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أدام الله مجد تأييده ـ؛ قال: أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد، أبوالعباس أحمد بن الحسن بن أبي القاسم بابا الآذوني ـ رحمه الله ـ قراءة عليه، سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
قلت: قال السيد الإمام بعد سياق سنده: وكان أحمد شيخاً محققاً، مسنداً، ولعل وفاته في عشر الأربعين وخمسمائة تقريباً، وذكر في نسبه بابا (بموحدتين) الآذوني (بمعجمة) من تلامذة الإمام المرشد بالله./417
قال: حدثنا المرشد بالله.
واتفق الإسنادان، إلى السيد الإمام المرشد بالله، أبي الحسين.
ثم أتمّ النسب؛ وقد سبق أنا أحلنا ذلك على مؤلفنا التحف الفاطمية، فأنسابهم جميعاً فيه ـ بحمد الله تعالى ـ.
(رجع) إلى إتمام ما في الشافي.
قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الذكواني بقراءتي عليه في جامع أصفهان؛ قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن إسحاق بن زيد المعدل.
قلت: ترجم لعبد الرحمن، والحسن، السيدُ الإمام، وأفاد بما في السند وزيادة من رويا عنه، وروى عنهما، لاغير، وهما موصوفان في كتب أئمتنا (ع) بالمعدل.
قال: أخبرنا أبو بكر بن ماهان، قال: حدثنا عمران بن عبد الرحيم، قال: حدثنا عبدالله بن إبراهيم الغفاري.
قلت: هؤلاء الثلاثة الرواة: أبو بكر واسمه محمد بن ماهان، وعمران، وعبدالله، ترجم لهم السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأفاد ما تقدم، في الذين قبلهم، من ذكر الرواية لاغير؛ وبحثتُ في غير الطبقات فلم أقف على تصريح في شأنهم بشيء، وقد صدر خبرهم هذا، وكرره الإمام في الشافي، محتجاً به، وكذلك غيره من أئمتنا، وقد صرح في الشافي أنه لاينقل إلا ما صح له بالنقل الصحيح أو كان من رواية الضد، فيورده للاحتجاج، ومعه من البرهان ما يكفي، كما سيأتي، وهذا ليس من رواية الضد، بل هو من رواية العترة في كتبهم.
(رجع) قال: حدثنا الحسن بن زيد.
[ترجمة الحسن بن زيد بن الحسن السبط]
قلت: هو أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن السبط، ليس لزيد بن الحسن عقب إلا منه؛ ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وحكى ما ذكره الإمام أبو طالب (ع) وغيره من توليه للجبار المنصور العباسي، وهذه الواقعة زلّة قبيحة من الحسن، لم يتقدمه ولاتعقبه فيها أحد من آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في العصر الأقدم، بل خرج بها عن منهاج أهل بيته في ذلك/418
الصدر الأعظم، ولم يستقم التأويل لظهور المظاهرة منه، والمؤازرة، كما لايخفى على ذوي الاطلاع؛ والله سبحانه يقول: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } [فاطر:32].
وقد سلك به أبو الدوانيق بعد ذلك سبيل أهله وصادره، وحبسه، ولم يخرج من السجن إلا في زمن ولده المهدي بن المنصور؛ فعسى أن يكون ذلك مكفراً، داعياً للإنابة، وماحياً بالتوبة؛ ولعله رواه قبل توليته، أو بعد توبته، لِمَا ذكرته لك من الاحتجاج بروايته، والله أعلم.
(رجع) عن جعفر بن محمد عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل العرش: يامعشر الخلائق، إن الله ـ عز وجل ـ يقول: أنصتوا فطالما أنصتُّ لكم)).
قلت: هو في المنقول منه (بضم التاء) وهو تشبيه لإملائه ـ جل وعلا ـ لخلقه ـ تبارك وتعالى ـ، بإنصات السامعين؛ ففيه استعارة مصرحة تبعية، أو يكون من المشاكلة؛ لتقدم قوله: ((أنصتوا)) والله أعلم.
(رجع) ((أما وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي)).
قلت: وهذا تمثيل لعظم شأنه، وارتفاع سلطانه، وهو مما يحقق أن المراد بالعرش الملك، كما هو معلوم في اللسان، الذي نزل به القرآن، كما قال ـ عز وعلا ـ: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [الزمر:28]،وإن كان لامانع من ثبوت الخلق العظيم مع ذلك، كما ورد في كثير من الأخبار، والله الموفق إلى واضح المنهج.
(رجع) إلى تمام الخبر.
قال: ((لايجاوز أحد منكم إلا بجواز مني، والجواز مني محبة أهل البيت، المستضعفين فيكم، المقهورين على حقهم المظلومين، والذين صبروا على الأذى، واستخفوا بحق رسولي فيهم، فمن /419
أتاني بحبهم، أسكنته جنتي، ومن أتاني ببغضهم أنزلته مع أهل النفاق)). انتهى.
هذا الخبر ساقه الإمام (ع) في الشافي، والأخبار المضمنة هذا الكتاب من الأمالي وغيرها، فيما سبق ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ كثيرة، ففيها كفاية وافية؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[الكلام على حكم محيي الدين محمد بن أحمد القرشي بصحة الأمالي الخميسية]
هذا، واعلم أنه قد حكم بصحة الأمالي الخميسية العلامة عمدة المتكلمين، محيي الدين محمد بن أحمد القرشي ـ رضي الله عنه ـ حيث قال ما لفظه: ولقد جمع الإمام في هذه الأمالي، محاسن أخبار رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وعيونها، ورواها بأسانيد صحيحة عند علماء هذا الشأن، وقال في صدرها: هي من محاسن الأخبار، وأجمعها للفوائد، وأصحها أسانيد عند علماء هذا الشأن؛ وزينها بالغرر والدرر، من الأحاديث المروية، عن أولاد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وقد استشهد بتصحيحه، الإمام المنصور بالله رب العالمين، أحمد بن هاشم ـ رضي الله عنه ـ.
وقال المولى فخر الإسلام عبدالله بن الإمام، في مختصره، بعد حكاية تصحيح الشيخ: ولعمري إن مثل هذا الإمام الرباني، يكفي تصحيحه لرواية تلك الأخبار، وليت كل سند يكون له مصحح مثل هذا الإمام.
قلت والله الموفق للصواب: وينبغي ألايحمل هذا على عمومه، وإنما المقصود الأعم الأغلب، ويخص من ذلك الحكم، ما عارض المعلوم ولم يمكن تأويله، أو علم الجرح بالطريق المعلومة أو الصحيحة الراجحة لناقله؛ فإن المعلوم أن ليس قصد الإمام المرشد بالله (ع) إلا الرواية لما بلغه، الصحيح وغيره، من دون التزام للتصحيح، بل العهدة على المطلع؛ كيف وقد صرح بجرح بعض الرواة ثم روى عنهم، وضعّف بعض الأخبار، وردّ بعضها، وروى الرد على بعض ما أخرج؟ وهذا الحمل هو الذي لاريب فيه، عند من له نظر يهديه، وعلم يقتفيه؛ فيكون هذا التصحيح من ذلك الشيخ العالم /420
كافياً فيما سوى ماذكرنا من الروايات والرواة، والله الموفق إلى سبيل النجاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
[السند إلى كتاب الأنوار]
كتاب الأنوار وهو الأمالي الاثنينية، للإمام المرشد بالله (ع)، أرويها بالسند المذكور في أماليه الخميسية، إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: وأما إسناد أماليه التي أملاها (ع) يوم الاثنين، فنقول: أخبرنا الشيخ الأجل الفاضل الكامل، محيي الدين، عمدة الموحدين، محمد بن أحمد بن الوليد القرشي العبشمي ـ طول الله مدته ـ، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الفاضل شمس الدين، جمال المسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ، مناولة، ثم بعضه قراءة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام أحمد بن أبي الحسن الكني ـ أسعده الله ـ قراءة عليه، وهو ينظر في نسخة الأصل؛ قال: أخبرنا السيد العالم، أبو طالب عبدالعظيم بن مهدي بن نصر بن مهدي الحسيني الوتكي ـ رحمه الله ـ، قراءة عليه.
قلت: تمام نسبه: بن محمد بن علي بن موسى بن أحمد بن الأمير عيسى بن علي بن الحسين الأصغر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ترجم له السيد الإمام (ع) وأفاد ما ذكره في السند، ولم يذكر وفاته.
قال: حدثنا الشيخ الإمام، إسماعيل بن علي بن إسماعيل الفرزاذي، بقراءته علينا.
قلت: أفاد السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ ما في السند، وقال: كان شيخاً إماماً جليلاً.
قال: حدثنا السيد الأجل، الإمام المرشد بالله، أبو الحسين، يحيى بن الموفق بالله /421
أبي عبدالله الحسني ـ رضي الله عنه ـ وهو المصنف؛ قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي، بقراءتي عليه.
قلت: هو من أعلام العصابة الزيدية، وحفاظ الطائفية الزكية، توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
قال: أخبرنا أبو القاسم، عمر بن محمد بن سَبَنْك البجلي.
قلت: هو القاضي، ابن سبنك (بالسين المهملة، فموحدة، فنون، فكاف) المتوفى سنة ست وسبعين ومائتين، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد أنه وثقه الخطيب.
قال: أخبرنا أبو الحسن، عمر بن أحمد بن علي بن مالك الأشناني.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما في السند.
قال: حدثنا أبو بكر بن زكريا المْروَرُّوذِي.
قلت: هو محمد بن زكريا، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، كالذي قبله.
قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي الأعور.
قلت: هو أبو عمران، ترجم له السيد الإمام، كالذي قبله.
قال: حدثني موسى بن جعفر بن محمد؛ قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فويل لمن خذلهم، وعاندهم)).
هذا سياق ما في الشافي.
وهذا الخبر الشريف قد تقدم تخريجه، وغيره من الأخبار النبوية في الفصل الأول.
وهذا الإسناد من مسلسلات الكاظم، وقد سبق ذكره مع غيره من أئمة العترة (ع)، في التحف الفاطمية، وفي هذا الكتاب، ولا بأس بالإشارة إلى مالم يذكر هنالك من حاله، ليكون للأماليات كالختام. /422
[ترجمة موسى الكاظم (ع)]
فأقول، والله ولي التوفيق: موسى الكاظم، هو الإمام الحجة، علم أعلام المحجة، أبو الحسن المدني، المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة، وأَمْره في آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أوضح من أن يشرح، وله في أيام المهدي، والهادي، والرشيد، ظلمة بني العباس، لما اعتدوا عليه، كرامات تشبه ما وقع لوالده الإمام أبي عبدالله الصادق، في أيام الطاغية المنصور؛ وقد أخرج ذلك الإمامان أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وقد حكى ما وقع لموسى الكاظم (ع) صاحب جواهر العقدين وغيره.
من ذلك أن موسى الهادي رأى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ يقول له: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} [محمد]، فأمر بإطلاقه.
قال في الشافي: ولما زار ـ أي الرشيد ـ، النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قام عند رأسه وقال: يارسول الله، إني أعتذر إليك، أريد أخذ موسى بن جعفر..إلخ.
وروى الخطيب بإسناده، أن الرشيد حج، فأتى قبر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومعه موسى بن جعفر (ع)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عم ـ افتخاراً على من حوله ـ فدنا موسى فقال: السلام عليك يا أبت.
فتغير وجه الرشيد، وقال: هذا هو الفخر يا أبا الحسن، انتهى.
روى ذلك في جواهر العقدين.
قلت: ولما مَنّ الله ـ وله المن والإنعام ـ علينا بزيارة أبينا سيد الأنام ـ عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ـ، عام ثمانية وستين وثلاثمائة وألف، وقع ما يشاكل هذه القضية، والمسؤول منه ـ عز وجل ـ، أن يتم علينا نعمته وفضله، ويكون ذلك القرب مزلفاً لديه في أكرم مقام، وأحسن مآب، إنه هو المنعم الوهاب./423
[الكلام على الجامع الكافي، ترجيح أحكام الهادي (ع)]
الجامع الكافي، في جامع آل محمد، للسيد الإمام أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني الكوفي، وقد ذكرت تمام نسبه، والذي أخرج نسخة الجامع إلى اليمن، الشريف العالم الإمام أحمد الحسني، كلّذلك في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع)، وحققت الصحيح في اسم والد الشريف أحمد، وإن كان الأكثر يقولون: أحمد بن الأمير.
هذا والجامع الكافي ستة مجلدات، اعتمد فيه صاحبه على ذكر مذهب الإمام نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، والإمام فقيه آل محمد، أحمد بن عيسى، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي، وعلامة العراق، محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: لأنه رأى زيدية العراق، يعولون على مذاهبهم، وذكر أنه جمعه من نيف على ثلاثين مصنفاً، من مصنفات محمد بن منصور، وأنه اختصر أسانيد الأحاديث، مع ذكر الحجج، فيما وافق وخالف.
قلت: واعلم ـ أيدنا الله تعالى وإياك بالتوفيق، وبصرنا لسلوك منهج التحقيق ـ أن الروايات فيما لم يكن معلوماً عن الرسول الأمين، وعن وصيه إمام المتقين، وعن عترته الأئمة الهادين، عليهم صلوات رب العالمين، كثيرة الاختلاف، متسعة الأطراف؛ وذلك من أعظم مهمات التكليف، وأجل واجبات الابتلاء في الدين الحنيف؛ لما اقتضته حكمة العليم اللطيف.
وقد خفف اللَّه ـ تعالى وله الحمد ـ فلم يكلفنا إلا دون الطاقة، ولم يوجب علينا غير ما يدخل تحت الاستطاعة، فما لم يثبت لنا فيه طرق الصحة، فلا كلام في تركه واطراحه؛ ولكن الكلام فيما له بحسب الظاهر حكم الصحيح، فإنه مع/424
التعارض من كل وجه، وعدم إمكان الجمع، يجب العدول إن أمكن إلى الترجيح، وقد قررت تلك الأوجه في مباحث الأصول، وفي بعضها مقال لا يخفى على ذي اللب الرجيح، الذي ليس من ديدنه التقليد، ومتابعة الأقوال، بغير حجة واضحة، ولا بينة لائحة، وذلك بلا شك من أعظم اِلإخلال، بفريضة ذي الجلال، وليس هذا مقام البسط في ذلك المجال، وإنما أشرت لواجب النصح، والحمد لله على كل حال.
[الكلام في الترجيح لمجموع الإمام زيد (ع)، والأحكام للإمام الهادي (ع)]
نعم، وسأتكلم ـ بإعانة الله تعالى وتسديده ـ في الترجيح لكتابين من معتمدات هداة الأمة، وسادة الأئمة، وهما: كتاب مجموع الإمام الأعظم، إمام الطائفة الناجية، والعصابة الهادية، أبي الحسين، زيد بن علي بن الحسين بن علي.
وكتاب الجامع، الأحكام، لإمام الأئمة، وهادي الأمة، أبي الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم.
فأقول ـ والله الموفق للسداد، وعليه تعالى التوكل وبه سبحانه الاستعانة في كل إصدار وإيراد ـ: الذي ترجح في مبلغ علمنا، ومنتهى وسعنا ـ واللَّه تعالى أعلم ـ أن الكتابين: المجموع، والأحكام، أرجح، وأصح من غيرهما؛ لأن نسخهما بين ظهراني أئمتنا وأشياعهم، يتلقاهما الخلف عن السلف، حتى لا يبعد تواترهما عند ذوي الاختبار، في جميع الأعصار.
وما رواه إمام اليمن، عن الإمام الأعظم، الولي بن الولي، زيد بن علي، أو عن جده نجم آل الرسول، فأحرى وأحق، وأولى وأوثق، وليس الواسطة بين الإمام الأعظم وجده الرسول الأمين، وأبيه أمير المؤمنين، إلا سيد العابدين، والحسين السبط ـ صلوات الله عليهم ـ، وليس يسوغ الإقدام على تقديم رواية إمام على إمام، من هؤلاء النجوم الأعلام، إلا باعتبار الوسائط.
فأما هم فليس الحال، إلا كما قال: /425
من تلْقَ منهم تقل لا قيتُ سيّدَهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
فأما مجموع الإمام زيد بن علي (ع)، فالذي يظهر عند التحقيق، أنه لايبلغ رتبته كتاب؛ لأن روايته عن أبي خالد معلومة، متفق عليها بين الأمة، لا اختلاف عندهم في ذلك، ولم يتكلم فيه متكلم من المخالفين إلا من أجله.
وعدالة أبي خالد مجمع عليها، عند آل محمد (ع) قاطبة، أضف إلى ذلك أنه ملتقى بالقبول عندهم، كما أفاد ذلك الأئمة الأعلام، أضف إلى هذا أن أخباره مخرجة من كتب العترة وسائر الأمة؛ فأي كتاب له هذه الرتبة، وهذه الشهرة، وهذه الصحة، فهو الحقيق بأن يقال فيه: إنه أصح كتاب بعد كتاب الله ـ عز وجل ـ.
فعلى هذا النمط يكون النظر في سائر أسفار أئمتنا، وعلماء ملتنا، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد ضربت لك بهذا البحث مثلاً أيها الناظر النقاد، والأمر في هذا إلى أرباب البحث والاجتهاد، والتكليف على كل مطلع بما صحّ عنده، ورجح لديه.
ونعود بإعانة الله تعالى إلى المقصود.
فأقول وبالله التوفيق: إذا أحطت علماً بما بينت لك في الكتابين السابقين، فاعلم أن التفاوت فيما بينهما، وما يماثلهما، ويقاربهما، وبين كتاب الجامع الكافي، معلوم؛ فإن منزلته دون منزلة ما ذكرنا بدرجات، وبينه وبينها في الشهرة والتداول مسافات.
[ثبوت الدسِّ في زيادات الجامع الكافي]
وإنما خصصت بالبحث هذا الكتاب الجامع؛ لما في زياداته، فقد دسّ بعض المخالفين لآل محمد (ع) كثيراً فيها؛ فإن أثر الصنعة، والتكلف لذلك الكلام ـ لاسيما في المشيئة ونحوها ـ واضح، وما كأنها صدرت، إلا من حذاق الأشعرية، والمتسمين بالسنية.
وبرهان ذلك للناظر بنور البصيرة من نفثاتها بيّن لائح، وقد وقع فيها /426
سؤالات وجوابات، وتصدى بعض متأخري أئمتنا (ع) لتأويلها، وحل ما فيها من المشكلات، وتأول بقدر المستطاع لبعض، وأشار إشارات يفهمها ذووا الذوق، لتصريف العبارات؛ وأصاب (ع)، فليس عليه إلا مثل ذلك، وقد أحسن من قال:
عليّ نحْتُ القوافي من مقاطعها
وما عليّ إذا لم تفهم البقرُ
هذا، وفي المعلوم أنه لايتعذر التأويل، لكثير من صرائح الأقاويل، ولكنه يتفاوت إلى قريب وبعيد، ومقبول ومردود، وذلك بحسب الدليل، والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.
هذا، ونسخة الجامع الكافي قد أرخّ سماعها على المؤلف سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
ومما يزيدك بياناً أن كثيراً من المنحرفين التفتوا إليها، وإلى مؤلفها خاصة، من بين آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ ومؤلفاتهم، كالذهبي في النبلاء، وتاريخ الإسلام، وحاله معلوم في جانب آل محمد (ع)؛ فما قد رفع لأحد منهم ولا من شيعتهم، ولا لمؤلفاتهم، رأساً، ولارأى في إلغائهم وإلغاء مصنفاتهم من بين الأمة المحمدية بأساً، مع إشراق أرجاء الأرض بأنوارهم، وامتلاء جوانب البسيطة من أسفارهم، ويكفيك أنه قد رماه المقبلي بالنصب، وقد نقلنا كلامه فيه فيما سبق.
فقال الذهبي في النبلاء، مترجماً للسيد الإمام أبي عبدالله، صاحب الجامع (ع) ما لفظه: الإمام المحدث الثقة، العالم البقية، مُسْنِد الكوفة، أبو عبدالله، محمد بن علي.
إلى أن قال: العلوي، جمع كتاباً فيه علم الأئمة بالعراق، فاجتمع فيه مالم يجتمع في غيره.
ثم سرد الآخذين عنه، ومن أخذ عنهم.
وترجم له أيضاً في الطبقة الخامسة والأربعين، من كتابه تاريخ الإسلام، في أهل وفيات خمس وأربعين وأربعمائة، قال: ومولده /427
في رجب، سنة سبع وستين وثلاثمائة.
قال: وكان حافظاً، خرج عنه الحافظ الصوري..إلخ.
فهذه الترجمة وأمثالها تدلك ـ إن كنت ذا عرفان ـ على قصدهم ترويج مازادوه عليها، في باب القدر والمشيئة، والإرادة والاستطاعة، وخلق الأفعال، وتعذيب الأطفال، وقدم القرآن، وغير ذلك، مما هو بعينه نصوص مذاهب الأشعرية، وسائر الجبرية، التي لاريب فيها ولا إشكال، ولا تأويل ولااحتمال.
فحاشا نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ عن جهالات الجبرية القدرية، فهم سادات البرية، والعدل هاشمي، والجبر أموي، وغير بعيد من بعض الناظرين دعوى التمكن من التأويل، والإتيان بما قد كثرت فيه الأقاويل، من معنى الخلق والقدر ونحوها.
ونقول: قد أبرزنا ما يلزمنا، وعرضنا ما عندنا، على ألباب ذوي الألباب، العالمين بفصل الخطاب، ولعلنا ـ والحمد لله تعالى ـ أحرص على صيانة أمثال هذا الكتاب.
والحق أبلج ما تخيل سبيله
والحق يعرفه ذوو الألبابِ
والغرض ـ بحمد الله ـ قول الحق، ورد الباطل المختلق، والله ولي التوفيق.
مع أنه بعد هذا كله من المعلوم، كما نص عليه علماء الأصول، وأكثر الاحتجاج به الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين (ع)، في الرد على الصوفية؛ أنه ليس لغير الحكيم، أن يطلق العبارات الموهمة، والشبهات الملبسة، وإن كان يمكن حملها على معنى صحيح؛ لأنه لايجب ردّ كلامه، إلى المعلوم من حكمته؛ لأنه لم يدل الدليل، لامن العقل ولامن النقل، على ذلك؛ بل هو المبين عن نفسه، والمترجم عن حاله، والحكيم لايطلقها إلا لحكمة ومصلحة، ولا اهتداء لغيره ـ سبحانه ـ إلى ذلك؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة، فهو في مقام البيان الذي لاينبغي أن يشيبه لبس، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا /428
يقفنّ مواقف التهم، ومن وقف مواقف التهم، فلا يلومنّ من أساء به الظن.
هذا، وأما الوضاع، فقد خاب ـ بفضل الله ـ عمله، وضلّ سعيه؛ لأن في ذلك الكتاب بعينه ما ينقض ما أبرم من هذه الدسايس كلها، ويهدم جميع أصوله فيها وفي غيرها؛ دعْ عنك مافي كتب سائر الأئمة الهداة، سفن النجاة، وليس له أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض؛ وإنما أراد أن يمزج الصحيح بالفاسد، والمستقيم بالمائد؛ ليشوش على نظر قاصري الأفهام، ويوسوس في قلوب ضعفاء الأنام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
[الحكم بتصحيح الجامع ما عدا ماخالف المعلوم]
فإن قلت: فهل يحكم على وضع ما في الجامع الكافي جميعه؟.
قلت: لا، ومن أين يسوغ ذلك؟ بل ما علم مخالفته للمعلوم، الذي عليه آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ كهذه المباحث، فلا ريب في كونه مردوداً على ناقله، مضروباً به وجه قائله، وقد كُذِب على جدهم الرسول الأمين، ووصيه أمير المؤمنين ـ عليهما وآلهما صلوات رب العالمين ـ؛ فلهم بهما أعظم أسوة، وأكرم قدوة.
هذا، وما سوى ذلك من الروايات، فبعد صحة طريقها، إن عارضت ماهو أقوى منها بإحدى طرق الترجيح الصحيحة، تُرِك العمل بها؛ وإن عارضت ماهو مثلها من غير ظهور رجحان طُرِح الجميع، وعُدِل إلى غيرها، وإن عارضها ماهي أرجح منه، قُدمت عليه؛ وإن لم تعارض شيئاً، قُبِلت.
هذا مع استكمال شروط القبول، ونقل الأثبات العدول، كما ذلك معلوم بحججه في الأصول.
وليس الحكم بوضع شيء فيها يوجب ردها، والحكم بوضع جميعها؛ هذا عدول عن السبيل، ومخالفة للدليل؛ إنما ذلك ـ لو كان ـ لعدم الثقة بمؤلفها، أو القدح في ناقلها، ونحن لم نقل بشيء من ذلك، وحاشا لله تعالى، أن نذهب إلى ماهنالك؛ إنما قلنا بأنه دسّ فيها أهل الوضع والافتراء، ما سادات العترة وشيعتهم عنه براء؛ فنرد ما أوجب الدليل رده، ونقبل ما أوجب الدليل قبوله، /429
ونتوقف عند مايلزم الوقوف عنده.
وليكن على ذُكر منك، وفقنا اللَّه تعالى وإياك للصواب، وجنبنا سلوك الغي والارتياب، أن المفسدين في الدين لم يسلكوا طريقة أقرب إلى التلبيس والإضلال، من التحريف وخلط الحق بالباطل من الأقوال، وقد أنبأك اللَّه تعالى في كتابه، عن المحرفين لآياته، والمبدلين لكلماته؛ فلولا أن في هذا الكتاب، وماشاكله من أقوال آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ومذاهبهم، الحقَّ، الذي لاريب فيه، لما تمكنوا من شيء من ذلك، ولا سلكوا في شأنه تلك المسالك.
هذا، وقد طال الكلام، في هذا المقام، ولعله لايخلو ـ إن شاء الله تعالى ـ من الإفادة، والغرض ـ بحمد الله ـ صالح بما تحصل من المقصود والزيادة، والله ولي التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.
[سند الجامع الكافي]
نعم، أروي كتاب الجامع الكافي، بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، وهو يرويه بطرق:
الأولى: عن السيد الإمام أبي العطايا، عبدالله بن يحيى الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي، محمد بن المطهر (ع).
(ح)، الثانية: عن أبيه السيد الإمام، محمد بن عبدالله الوزير، عن عمه السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، عن شيخه السيد الإمام الحافظ، عالم آل محمد الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، عن الشيخ العلامة، إمام المحققين، إسماعيل ـ المتوفى سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين ـ ابن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الشيخ العلامة الأوحد، المطهر ـ المتوفى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ـ ابن محمد بن حسين، المعروف بابن تريك (بضم المثناة /430
الفوقانية، وفتح الراء، وسكون المثناة التحتية، وكاف) التميمي الصعدي ـ رضي الله عنه ـ، أحد أعلام الزيدية، ومن مشائخه الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
الثالثة: عن السيد الإمام أبي العطايا، عن أبيه، عن القاضي العلامة، عابد اليمن، ولي آل النبي المؤتمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي؛ عن القاضي العلامة، العابد الزاهد، حاتم بن منصور الحملاني، رفيق الإمام يحيى بن حمزة في القراءة، وشيخ عابد اليمن إبراهيم بن أحمد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد بسط السيد الإمام ترجمته، قُبض وهو يصلي صلاة التسبيح، سنة خمس وستين وسبعمائة، وقبره بصنعاء مزورـ رضوان الله عليه ـ.
عن القاضي العلامة الولي، محمد بن خليفة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي ابن علي بن عبدالله بن الحسن، أخي الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، من أعلام العترة الأطهار، وأعيان الأسرة الأبرار، لهمؤلفات كثيرة، منها: التيسير، والإكسير، والتحرير، والدراري المضيئة، في الآيات المنسوخة؛ وشفاء غلة الصادي، في فقه الهادي؛ والنور الممطور، في فقه المنصور؛ والذخيرة الفاخرة، في مناقب العترة الطاهرة؛ والنهج القويم، في تفسير القرآن العظيم؛ الثلاثة الأولوهذا الرابع في التفسير؛ وشرح على اللمع.
وقد استوفى ترجمته السيد الإمام (ع)، وأفاد أن وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة، فأروي بهذه الطريق إليه جميع مؤلفاته.
الرابعة: عن الفقيه العلامة أحد أعيان شيعة الإمام، علي بن محمد العفيف ابن حسن المدحجي الصراري، عن القاضي العلامة، ولي آل محمد (ع)، صاحب رباطالزيدية بمكة المشرفة،المعلن بذكر أهل البيت في الحرم الشريف، صاحب مؤازرة الإخوان، شرف الدين، أبي القاسم بن محمد بن حسين الشقيف (بشين معجمة، فقاف، ففاء بينهما مثناة تحتية)، هذا هو الصحيح؛ ومافي إجازة الشوكاني من كونه النصيف، فغلط محض، لايلتفت إليه من /431
له أدنى إلمام، وهو كما ذكرت في جميع المؤلفات الصحيحة، وماذلك إلا تصحيف قطعاً.
قال السيد الإمام: وكان إمام الزيدية بالحرم الشريف، وكان يدعو للإمام المهدي محمد بن المطهر، وكان فقيهاً عالماً مجتهداً، عمدة للمسترشدين. انتهى.
وكان سماعُ العفيف على أبي القاسم، بالحرم المكي، عام أربعة وخمسين وسبعمائة، وأجازه له.
نعم، وأربعتهميروونه عن القاضي، العلامة الفاضل الزاهد، محمد بن عبدالله الغزال، المضري (بالضاد المعجمة)، عن الشيخ العلامة محيي الدين، صالح بن منصور الخطيب، الكوفي الزيدي، عن الشيخ العلامة، أحمد بن أبي الفضل، عن السيد العلامة، تقي الدين أبي الغنائم، أحمد بن أبي الفتوح الحسيني، عن الشيخ العلامة سديد الدين، علي بن بدر الهمداني، عن الشيخ العلامة الملقب نصر الله، منصور بن محمد المدلل، عن الشيخ العلامة، أحد مشائخ الزيدية الأخيار بالكوفة، أبي علي، الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي، عن الشيخ العلامة العدل أبي منصور، يحيى بن محمد الثقفي ـ ترجم لهم السيد الإمام في رجال الزيدية، وأفاد مِن وصفهم ما في السند، ولم يذكر لصالح فمن بعده إلى المؤلف وفاة ـ عن المؤلف السيد الإمام، عالم العترة الأعلام، أبي عبدالله، محمد بن علي الحسني (ع).
[شيء من الجامع الكافي]
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ـ إلخ سورة الفاتحة ـ وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.
أما بعد، فإنك ذكرتَ لي أنك رأيتَ الزيدية قِبَلنا بالكوفة، يعوّلون في مسائل الخلاف على مذهب أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي /432
بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)..إلخ.
وقال فيه: (القول في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه) سُئل أحمد بن عيسى عن الولاية، أفرض هي كسائر الفرائض؟.
قال: نعم؛ لنداء النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بها.
وسُئل عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعلي صلوات الله عليه يوم غدير خم: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) قال: يقول: هو في كل حالاته لكم ولي.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى: الإسلام شهادة أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وولاية علي بن أبي طالب، والبراءة من عدوّه، والإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
قال الحسن: كان علي فريضة من فرائض الله، وعلماً نصبه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59]، وافترض الله في الكتاب طاعته وطاعة رسوله، وطاعة أولي الأمر، وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء:83]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90].
إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ: ثم دلّ على أن إمام المؤمنين، وسيدهم علي بن أبي طالب، فقال لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67].
فلما نزل جبريل بهذه /433
الآية، وأمر أن يبلغ ماأنزل إليه من ربه، أخذ بيد علي ـ صلى الله عليه ـ فأقامه، وأبان ولايته على كل مسلم، فرفع يده حتى رؤي بياض إبطيهما، وذلك في آخر عمره، حين رجع من حجة الوداع متوجهاً إلى المدينة، ونادى الصلاة جامعة، ولم يقل ((الصلاة جامعة)) في شيء من الفرائض، إلا يوم غدير خم؛ ثم قال: ((أيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يعيد ذلك ثلاثاً، يؤكد عليهم الطاعة، ويزيدهم في شرح البيان.
قالوا: بلى.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فأوجب له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من الطاعة، ماأوجب لنفسه، وجعل عدوّه عدوّه، ووليه وليه، وجعله علماً لولاية الله، يعرف به أولياء الله من أعداء الله؛ فوجب لعلي على الناس ماوجب لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الولاية والنصر، فمن تولاه وأطاعه، فهو ولي الله، ومن عاداه فهو عدوّ الله، ومن عصاه وخالفه ووضع من عظيم حقه مارفع الله، فقد عصى الله ورسوله.
ثم أنزل الله في علي (ع): {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة]، فدل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على علي بصفته؛ فوجب على أهل الإسلام معرفة علي، وولايته وطاعته بإمامته، وأن يكون متبوعاً غير تابع، بالأخبار المشهورة عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من غير تواطؤ.
وقال الحسن في قول الله سبحانه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، إلى ولاية علي، وأهل بيت النبي (ع).
وقال: /434
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: عن ولاية علي صلى الله عليه.
وفيه، نقلاً عن الإمام أحمد بن عيسى (ع)، قال: أوصى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إلى أولى الناس به، وأفضلهم عند الله وعنده، وأعلم الناس من بعده، علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ.
وقال الحسن بن يحيى: أوصى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - إلى علي - صلى الله عليه ـ، أول ذلك الخبر المشهور، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أن الله سبحانه لما أمر نبيه أن ينذر عشيرته الأقربين، جمع بني عبد المطلب، وهم يومئذ أربعون رجلاً، وإن منهم من يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق، فأمر علياً (ع)، فعمل لهم طعاماً من فخذ شاة، وصاعاً من طعام، ثم جمعهم، فمسح بيده على الثريد، وسمى الله، ثم قال لهم: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا، وما أثّروا في ذلك الطعام إلا يسيراً؛ ثم قال لهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((يابني عبد المطلب، كونوا في الإسلام رؤوساً، ولاتكونوا أذناباً، أدعوكم إلى الإسلام؛ إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، أيكم يجيبني إلى الإسلام، على أن يكون أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي في أهلي وقومي، يقضي ديني، وينجز موعدي؟))
فقام إليه علي، وهو يومئذ أصغرهم سناً، فأجابه إلى ما دعاه إليه؛ فتفل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في فيه، ومسح بيده على وجهه، ودعا له، وضمّه إليه، فقال أبو لهب: لبئس ماحبوت به ابن عمك، أن أجابك إلى ما دعوته إليه من بينهم، أن ملأت فمه بصاقاً؛ فقال النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((بل ملأته فَهماً وحُكماً وعِلماً)).
فهذا أول ولاية علي ـ صلى الله عليه ـ.
إلى أن قال:
ولما حضر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الوفاة، دعا بسيفه ورمحه وسلاحه، وبغلته وناقته، وكلما كان له، حتى عصابة كان يعتصب بها في الحرب على الدرع، فدفع إليه جميع ماكان يملك، ثم دفع إليه خاتمه، وبنو /435
عبد المطلب، والمهاجرون، والأنصار، حضور.
ومن وصايا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخاصة لعلي، دون الناس، أنه علّمه ألف باب، كل باب منها يفتح ألف باب، ودعا الله له أن يجعل أذنه الواعية، ودعا له حيث وجهه إلى اليمن أن يهدي قلبه، ويثبت لسانه.
إلى أن قال: وأعلمه بما هو كائن إلى يوم القيامة.
والدليل على ذلك قول علي ـ صلى الله عليه ـ: لاتسألوني عن فئة، تضل مائة، أو تهدي مائة، فيما بينكم وبين الساعة، إلا أخبرتكم بناعقها، وقائدها وسائقها،.. إلخ كلامه (ع).
[شيء من الجامع في علي وفي ولديه]
وفيه، قال أحمد بن عيسى: نتولى أمير المؤمنين في ظاهر الأمر وباطنه، ونوجب له العصمة.
إلى أن قال: أمر الله بولايته، وقد أخبرنا بعصمته، وتطهيره على لسان نبيه (ع).
قال محمد: وسمعتُ أحمد بن عيسى يقول ـ وذكر علياً، وحسناً، وحسيناً ـ فقال: لايجوز عليهم حكم.
قلت: مثل أي شيء؟.
قال: لاتقبل عليهم دعوى.
إلى أن قال: وإلا فَسِّرْ لي قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيهم ـ يعني قوله: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا)) ـ.
وفيه: قال محمد: سمعت إسماعيل بن إسحاق، قال: سمعت ابن عيسى، وسُئل، هل يثبت لك عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنه قال: ((إن علياً معصوم لايضل أبداً؟)) قال: نعم، فقيل له: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ذلك في غيره؟
قال: نعم في الحسن، والحسين.
إلى أن قال: قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربتما، وسلم لمن سالمتما)).
قيل له: أقال ذلك لأحد غيرهما؟.
قال: لا إلا المنتظر المهدي.
وفيه، بإسناده عن محمد قال: ذكرت لأبي عبدالله ـ
قلت: يعني الإمام أحمد بن عيسى.
أَمْرَ علي ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ تقدمه، فذكر منزلة علي (ع)، وما كان من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من القول فيه، وتقدمته إياه ((ومن كنت مولاه فعلي مولاه))، وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وغير ذلك.
إلى أن قال: وليس للأمة أن يؤثروا رجلاً /436
فيولوه ويجعلوه إماماً، قبل أن ينظروا في الكتاب، والسنة.
إلى أن قال: وكان خير هذه الأمة وأتقاها، وأخشاها، وأعلمها بالسنة، وأدّاها على العدل، وأهداها إلى الحق، وأقدمها هجرة، وأكثرها عملاً في الجهاد، وأحق الأمة بالإمامة، وأن يكون متبوعاً ولايكون تابعاً محكوماً عليه؛ بفضله في كتاب الله.
أجمع على ذلك علماء الأمة، إلا من دفع ذلك بعد بيان ومعرفة.
قال محمد: وسئل أحمد بن عيسى عن أمر عثمان، فقال: مافي أمره شبهة على ذي عقل، وعلم، والدليل أن أمير المؤمنين لم يَقُدْ مِنْهُ، ولم يَدِهِ من بيت المال، ولو لزمه ذلك ماتركه لشيء.
إلى أن قال: قال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ، ومَنْ لم يعتقد بعد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ إمامة علي صلى الله عليه، لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة، ولاحجاً ولا صوماً، ولاشيئاً من أعمال البر.
وبعده الحسن، والحسين.
وقال الحسن: إن الله سبحانه أكمل لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الدين الذي افترضه على عباده.
إلى قوله (ع): وليس في الفرائض فريضة أكبر قدراً، ولا أعظم خطراً، من الإمام الذي يقوم مقام نبيه، وقد بين ذلك في محكم كتابه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فجعل اللَّه تعالى الإمامة، في أهل بيت الصفوة والطهارة، والهدى والتقوى، من ذرية إبراهيم، وذرية محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ولا تصلح في غيرهم.
ثم ساق الحجج من الكتاب والسنة، حتى قال: ورسول الله قد قدم من قدم الله، فمن قدم من أخر الله ورسوله، وأخر من قدم الله ورسوله، فقد خالف سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وقد روي عن علي ـ صلى الله عليه ـ أنه قال على المنبر: والله، لقد قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا أولى الناس بالناس، مِنّي بقميصي هذا.
وروي في الخبر المشهور أن بريدة وقع في علي عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فتغير لون رسول الله ـ صلى الله عليه وآله /437
وسلم ـ، وأظهر الغضب، وقال: ((يابريدة، أكفرت بعدي؟))، فقال: أعوذ بالله من غضب الله، وغضب رسول الله.
قال: ((فإن علياً مني، وأنا منه، وهو وليكم بعدي)).
وقال علي أيضاً وهو على المنبر: عهد إليَّ النبي الأمي أن الأمة ستغدر بي بعده.
وقد سمى الله علياً من نفس رسوله فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(61)} [آل عمران].
وذلك حين باهل النصارى، فأحضر علياً، وزوجته، وابنيه، فأخبر الله في كتابه أنه نفس رسول الله، وأن ابنيه أبناء رسول الله؛ وأن زوجته ابنة رسول الله نساؤه، فضلها على نساء العالمين.
إلى قوله: ثم استخلفه بمكة، حين عزمت قريش على أن يثبتوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فخلفه واضطجع على فراشه، ووقاه بادرة الحتوف بنفسه، وكان يأتيه بالطعام ليلاً، وأمره أن يؤدي عنه الأمانات.
إلى قوله: ثم قدم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ المدينة، فبنى المسجد وبنى فيه بيتاً لنفسه، وبنى لعلي بيتاً إلى جانب بيته، وأذن له في سكناه، وحرّم على جميع العمومة والأقربين، والمهاجرين، والأنصار، أن يبيتوا في مسجده، رفعة منه له، وإبانة لفضله، ورفعاً لقدره.
إلى قوله: أُتي النبي بطائر، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك، يأكل معي من هذا الطائر)) فخص الله علياً، وأكرمه بتلك الدعوة.
إلى قوله: ولما بعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً إلى اليمن، فقال: يارسول الله، إني حدث السن، ولا أعلم القضاء.
فقال: ((إن الله هاد قلبك، ومثبت لسانك)).
ثم مسح بيده على صدره، ثم قال: ((اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه)).
إلى قوله: وقال: ((يا علي إني قد دعوت الله أن يجعل أذنك الأذن الواعية)).
وقال الله ـ عز /438
وجل ـ: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)} [الحاقة]، وعلّمه ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.
وقال لفاطمة حين قالت له: زوجتني علياً عديم قريش: ((ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)).
إلى قوله: وجعله أفقه أصحاب رسول الله في دين الله، وأقضاهم بمحكم كتاب الله، وسنة نبيه (ع).
ثم قال لأصحابه: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله)).
فقال أبو بكر: أنا هو يارسول الله؟.
فقال: ((لا)).
فقال عمر: أنا هو يارسول الله؟.
قال: ((لا، ولكنه خاصف النعل)).
إلى أن قال:كل ذلك يدل على أنه مستحق مقامه، وأنهما لايستحقان مقامه، وليس لهما أن يقاتلا على تأويل القرآن؛ ثم أمره بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
فقال علي: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وروي عن ابن مسعود قال: أُمر علي بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.
وعن أبي أيوب قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((تقاتلون الناكثين، والقاسطين، والمارقين)).
قلنا: مع من يارسول الله؟.
قال: ((مع علي)).
وروي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الخبر المشهور، أنه قال: ((يأتي قوم من بعدي، يقرؤون القرآن لايجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية))، فإنما مرقوا على علي ـ صلى الله عليه ـ فالإسلام علي، ومن كان مع علي.
إلى قوله: فخص الله علياً ـ صلى الله عليه ـ بفضل الجهاد، والاحتواء على درجته، التي هي أرفع الدرجات عند الله؛ فكان له يوم بدر، الذي خصه الله به، من قتل المشركين، والنكاية فيهم، مالم يكن لأحد مثله.
إلى قوله: فأيده الله بالنصر، ونزل القرآن بفضله، والشهادة له بالجنة، بما من الله عليه من حسن الفعال وطاعة ربه {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي /439
رَبِّهِمْ }[الحج:19].
إلى قوله: ثم خصه الله ـ عز وجل ـ يوم أحد فبذل نفسه، ووقى رسول الله ظبا السيوف وأطراف الرماح بنحره، وأمره رسول الله بالمبارزة لبني عبد الدار، وهم أصحاب الرايات، فتولى قتلهم، كلما قصد منهم قاصد لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، رمى عليه بنفسه، فأيده الله بنصره، حتى قتل كل من أراد رسول الله بمكروه، حتى قال جبريل: إن هذه لهي المواساة؛ ثم نادى: لاسيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لجبريل: ((إنه مني، وأنا منه))، فقال جبريل: وأنا منكما.
ثم حشد الأحزاب لرسول الله، فخصه الله بالكرامة، والرفعة في الجهاد، فقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق، وهزم الله المشركين، وأعزّ بقتله الإسلام إلى أن تقوم الساعة، وأذلّ الله الشرك، وبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ برايته مع رجلين من المهاجرين، فرجعا منهزمين يجبنهما أصحابهما، ويجبنان أصحابهما، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار ليس بفرار))، فدعا علياً ـ وكان أرمد العين ـ فتفل في عينه ودعا الله أن يذهب عنه الحر والبرد، وأعطاه الراية؛ ففتح الله على يديه.
ثم ثبت معه يوم حنين في جماعة من أهل بيته، حين فرّ عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جماعة الناس، فقال الله ـ عز وجل ـ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [التوبة]، فخصه الله ومن كان معه بالسكينة.
ثم خرج رسول الله إلى تبوك، واستخلفه على المدينة، وقال: ((لا يصلح لخلافتي إلا أنت))، وفي حديث آخر: ((لايصلح المدينة إلا أنا أو أنت)) فتكلم أناس في ذلك. /440
إلى قوله: فلحقه بعد أن سار.
إلى قوله: فقال: ((يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لانبي بعدي؟)) فقال: بلى، رضيتُ يارسول الله.
وقد بين الله سبحانه منزلة هارون من موسى فقال: {هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه]، الآية؛ وقال موسى لهارون: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي }[الأعراف:142]، فلعلي الأخوة، والوزارة، والشركة في الأمر، والخلافة في قومه، فلم يستثن ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، غير النبوة، ولو كان مع النبوة غيرها مما لايحل له لاستثناه، كما استثنى النبوة؛ فقد بين الله لنا في كتابه، وبين لنا رسول الله في سنته، أن علي بن أبي طالب خليفته من بعده.
ثم بعث رسول الله أبا بكر بعشر آيات من أول براءة إلى أهل مكة، فنزل عليه جبريل فقال: إنه لايصلح أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فبعث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ علياً، فرد أبا بكر، ومضى علي ببراءة، عن أمر الله.
إلى قوله: كل ذلك يبين منزلته، واستحقاقه لمقامه.
إلى قوله: وعلمنا أنه ليس في صفة الحكيم، أن يخلق خلقاً ليس من طبعهم الاتفاق في الرأي والهوى؛ ثم يندبهم إلى خلاف صفتهم، بلا مقوم يقيمهم على ما أمر به من الاتفاق.
إلى قوله: فعلمنا أن الأمر ليس بمفوض إلى رأيهم.
إلى قوله: وقد أدى ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقام لهم من يقوم مقامه، ويحكم فيهم بأحكامه، ويمضي فيهم أمره، وينهاهم عن نهيه، أذناً واعية، وقلباً هادياً، ولساناً ناطقاً بالحق، يحفظ مانسوا، ويعلمهم ماجهلوا، وهو علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ؛ وقد ندبهم الله تعالى إلى ذلك، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59].
ثم ساق (ع) في الاحتجاج بكتاب اللَّه تعالى إلى قوله: وقال تعالى:/441
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} [النحل].
إلى قوله (ع): فأخبر أن للمؤمنين ولياً، هو أولى من اتبعه به، فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
إلى قوله (ع): وقد أجمع نقلة العلم بالخبر المشهور، عن غير تواطؤ، أن علي بن أبي طالب هو الذي آتى الزكاة وهو راكع.
إلى قوله: ثم قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله (ع): ثم شرح رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ هذه الفريضة التي افترضها الله لمن يستحق مقامه، بالسنة، في ولي الأمر، فأخذ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بيده، يوم غدير خم، فقال: ((ياأيها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) يقول ذلك ثلاثاً؛ ليَفْهَمَه من عَمِيَ عن فَهْمِه، ويبلّغَه الشاهدُ الغائبَ.
قالوا: بلى.
قال: ((فمن كنت مولاه، فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
إلى أن قال: فما أسوأ حال من تقدم أمام مولاه في دينه.
ثم لم يزل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدل على علي، منذ بعثه الله تعالى، إلى أن قبضه الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ويستخلفه ولا يستخلف عليه، ويوليه ولا يولي عليه..إلخ كلامه (ع).
وقال فيه: قال الحسن ـ أي ابن يحيى بن الحسين بن الإمام الأعظم زيد بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ: أجمع علماء آل رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم أن علي بن أبي طالب كان أفضل الناس بعد رسول الله، وأعلمهم، وأولاهم بمقامه؛ ثم من بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، أولى الناس بمقام أمير المؤمنين؛ ثم من بعد ذلك علماء آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، /442
وأتقياؤهم، وأبرارهم أئمة المسلمين.
إلى قوله (ع): وقد دلّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، على إمامة علي والحسن والحسين بأعيانهم، وأسمائهم، فقال في علي ـ صلى الله عليه ـ، ماتقدم ذكره في باب إمامته، وقال في الحسن والحسين ـ صلى الله عليهما ـ: ((هما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، فجعلهما سيدين، وبيّن فضلهما، ودلّ على إمامتهما.
إلى قوله (ع): ودلّ على أنه لايحل لأحد أن يتقدم من جعله رسول الله سيداً، وشهد له بالجنة، فقال: ((اللهم أحب من أحبهما، وأبغض من أبغضهما))؛ وقال: ((تعلموا منهما، ولاتعلموهما، فهما أعلم منكم))، وقال لأبيهما ولهما: ((أنا سلم لمن سالمتم، وحرب لمن حاربتم))؛ وقال: ((إن استنصروكم فانصروهم، وإن لبدوا فألبدوا))؛ وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي))، وخصهما اللَّه تعالى بأبوة نبيه، وسماهما ابنيه في كتابه، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا }[آل عمران:61]..الآية.
إلى قوله (ع): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب]، فلما نزلت هذه الآية، جعل رسول الله الكساء عليه، وعلى علي وفاطمة، والحسن، والحسين، ثم قال: ((هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وفرض مودتهما على كل مسلم، ومودة علي، وذريتهما، وجعل لهما الخمس، فريضة في كتاب الله، فلهما آية الصفوة.
إلى قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }[فاطر:32]، وآية التطهير، وآية المباهلة، وآية الخمس، وآية الفيء، وآية المودة.
إلى قوله (ع): فدلّ عليهما بأعيانهما، وأسمائهما، وأنسابهما، وأفعالهما؛ فإمامتهما واحدة، وحقهما واحد، وهما إمامان.
إلى قوله: إن قاما، وإن قعدا.
[من الجامع في القائمين من أئمة العترة]
إلى قوله: ثم أخبرنا /443
النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، كيف الإمامة بعد هؤلاء المسمين بأعيانهم ـ يعني بعد علي والحسن والحسين ـ فقال: ((إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وهما الخليفتان من بعدي)).
إلى قوله: ولن يخلو أهل بيت رسول الله في كل عصر وزمان، أن يكون فيهم مأمون على كتاب الله، وسنة نبيه، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه من جَهِلَه.
إلى قوله (ع): فهذا إجماع من مضى من آل رسول الله الأتقياء الأبرار، الذين بهم يُقتدى.
وقال فيه: قال الحسن بن يحيى (ع): سألت عن قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وسائرها في النار))، وما مذهب هذه الفرقة الناجية؟.
فإن الفرقة الناجية هي الفرقة التي تبعت كتاب ربها، وتمسكت بعلي بن أبي طالب، وبأهل بيت نبيها.
إلى أن قال: قال محمد: بلغنا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة)).
إلى قوله: وقد سُئل علي بن أبي طالب ـ صلى الله عليه ـ عن الفرقة الناجية، فقال: أنا، ومن تبعني؛ وسائر الناس منها برءاء.
إلى قوله (ع): إن الله فرض على العباد طاعته، وطاعة رسوله، وأمر باتباع سنة رسوله.
إلى قوله: وعلّم رسوله الفرائض، وأكمل له الدين.
إلى قوله: ولم يطلق لأهل الإسلام أن يستخرجوا دين الله من تلقاء أنفسهم، فقال لنبيه (ع): {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب:36]، وقال:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68].
ثم ساق الحجج على هذا من كتاب الله، وسنة نبيه صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم. /444
إلى أن قال ـ أي الإمام الحسن بن يحيى (ع) ـ في آخر الكتاب:
وأقام نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في دار المشركين، ثلاث عشرة سنة، يدعو الناس إلى الإسلام، ثم صار إلى دارٍ تؤويه، وتمنعه، وقد أخذ عليهم البيعة؛ وفي المدينة يومئذ اثنا عشر ألف مقاتل، من الأوس والخزرج، ومن تبع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من المهاجرين، وقبائل العرب؛ فخرج إلى بدر وهو يريد عيراً لقريش، جاءت من الشام، ولم يكن معه جميع من تابعه بالمدينة؛ وإنما كان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من المهاجرين والأنصار، وغيرهم.
وجاءت قريش في ألف فارسٍ وراجل.
إلى قوله: فأيده الله بالملائكة المسومين، ونصره على عدوّه، ثم لم يزل يقاتل عدوّه في حروبه.
إلى قوله (ع): ثم كان من بعده علي بن أبي طالب، وهو أشجع الناس وأعلمهم، وأولاهم برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وبمقامه، وأولاهم بالناس؛ فلما اجتمع القوم على أن يولوا الأمر غيره لزم بيته، وأغضى، فمكث نحواً من أربع وعشرين سنة، حتى قُتل عثمان، فاجتمع جميع من بالمدينة أن يبايعوه، فأبى ذلك عليهم، غضباً منه عليهم؛ فلما أبوا عليه تقلّد أمرهم، ثم خالفه من خالفه بعد البيعة، ونكثوا عقده، ونبذوا عهده؛ فسار إليهم بالفئة التي أطاعته، حتى أظهره الله عليهم، ثم توجه إلى معاوية.
قال: فقاتله.
ثم خالفته الخوارج، فقاتلهم، فلم يزل على تلك الحال، يقاتل من عصاه بمن أطاعه، حتى مضى لسبيله (ع) شهيداً.
ثم قام الحسن (ع) بالأمر، ومعه الفئة التي كانت مع أبيه؛ فلما فسدت عليه طاعة الأكثر من جنده، وطعنوه، وانتهبوا ثقله.
إلى قوله (ع): عرض عليه معاوية المسالمة، والموادعة، فأجاب إلى ذلك، وكان ذلك الحق والصواب.
ثم خرج الحسين (ع) هارباً إلى مكة، كراهية أن يبايع ليزيد ـ لعنه الله ـ؛ فأتاه حمل كتب، من رؤساء أهل الكوفة، يعلمونه أنهم قد اجتمعوا على طاعته،/445
ويعلمونه أنه يقدم على بلد ليس فيها مخالف، فبعث مسلم بن عقيل، رائداً له، فبايعه أربعة آلاف؛ فلما بلغ ابن زياد عاجله، فخرج ومعه أربعة آلاف، فلم يُمْسِ ومعه منهم أحد؛ ثم قدم الحسين بن علي (ع) في نحو سبعين رجلاً، فحيل بينه وبين الكوفة، وأحاطوا به حتى قتلوه.
ثم قام زيد بن علي (ع)، فأحصى ديوانه خمسة عشر ألفاً ـ وقيل: ثلاثين ألفاً ـ فأعجله يوسف بن عمر، قبل أن يجتمع إليه أصحابه وعدته؛ فخرج، فوفى له ممن بايعه نحو أربعمائة رجل، فقاتل بالفئة التي أطاعته من عصاه، حتى قُتل شهيداً ـ صلى الله عليه ـ.
ثم مضى يحيى بن زيد، ومعه ثمانون رجلاً من أصحاب أبيه، فقاتل لله فيها نحو عشرة آلاف، وقُتل رئيس القوم.
إلى قوله: ثم احتالوا له بالماء، فمخروه عليه حتى قتلوه، وقتلوا أصحابه ـ رحمة الله عليهم ـ.
ثم خرج محمد بن عبدالله (ع)، وقد بايعه جميع من بالمدينة، من المتدينين من قريش، والعرب، وغيرهم، فقاتل بفئة، وتبعة، حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج إبراهيم بن عبدالله بالبصرة، في نحو من ثلاثين ألفاً، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج الحسين بن علي بفخ، ومعه (ع) فئة وجماعة، قد بايعته، فقاتل حتى استشهد ـ رحمة الله عليه ـ.
ثم خرج محمد بن إبراهيم (ع) بالكوفة، في فئة وعدة.
ثم أُكْره محمد بن محمد بن زيد بن علي (ع)، على هذا الأمر، فأيده الله على حداثة سنه.
ثم خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، فقاتل هارون بن المسيب، حتى قتل عامة أصحابه، وأسر فاستأمن، ووسعه ذلك؛ إذْ لم يكن معه فئة ينتصر بها من عدوّه.
ثم خرج محمد بن القاسم (ع)، بالطالقان. /446
ثم قدم عبدالله بن موسى (ع) إلى الكوفة، ومعه فئة قليلة، لاينتصر بهم من عدوه؛ فقيل له: لو خرجت لم يتخلف عنك أحد، فظهر، ومعه ابناه قُدَّامَه، ومعه نفر من أوليائه، لو قاتل بهم، لرجوتُ أن يموتوا دونه؛ فلما لم تستجب له فئة ينتصر بها، رجع إلى المنزل الذي كان فيه، واختفى.
فهؤلاء أهل بيتي، ومخرج مَنْ خرج منهم، وقعود من قعد؛ فالخارج مصيب، والقاعد مصيب؛ إذْ لم تمكنه الفئة والعدة.
وسئل الحسن عن خروج زيد بن علي (ع)، وقعود جعفر (ع).
فقال: خروج زيد ـ صلى الله عليه ـ طاعة، وقعود جعفر ـ (ع) ـ طاعة، وليس للناس أن يحكموا عليهما.
وقد بلغنا عن عبدالله بن الحسن (ع)، أنه قال: لولا ألا يبقى للإسلام ثاغية، ولاراغية، لخرجنا جميع آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بأجمعنا، فأمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ودعونا إلى كتاب الله ربنا، وسنة نبينا، حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا؛ ولكن يخرج الخارج منا فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حجة على أهل زماننا، ويقعد القاعد، بقية لغد.
وقال علي (ع): عليكم بأهل بيت نبيكم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فإن لبدوا فألبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم، لا تصرعكم البلية.
وبهذا تم الكتاب.
وقد وقع بما سقناه من هذه المباحث الإطناب، وإنما آثرت نقلها لبعد الكتاب، وعدم تداوله كغيره من كتب الأصحاب؛ ولما في هذا الكلام الشريف النبوي، والقول المتين العلوي، القريب العهد بالسوح المصطفوي، من أنوار النبوة، التي يطمئن لها قلوب أهل الإيمان، وتنشرح لها صدور أرباب العرفان؛ ولما فيها من الرد على مخالف قرناء القرآن، فلا تخلو ـ إن شاء الله ـ من الإفادة.
هذا، فأروي بما تقدم من الإسناد الجامع الكافي، جامع آل محمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم/447
.
[السند إلى كتاب التأذين بحي على خير العمل]
كتاب التأذين بحي على خير العمل لصاحب الجامع السيد الإمام، أبي عبدالله، محمد بن علي العلوي (ع)، أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عز الدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد، عن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن أخيه الهادي بن يحيى (ع)، عن القاسم بن أحمد بن حميد الشهيد، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة عمران بن الحسن الشتوي]
عن الشيخ العالم الحافظ، عمران بن الحسن الشتوي العذري، المتوفى في عشر ثلاثين وستمائة، وهو من أعيان أصحاب الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد وقع منه، ومن بعض أهل عصره، ما وقع في جناب الإمام الداعي، يحيى بن المحسن (ع)، والله أعلم بتفصيل الأمر، وهو محتمل؛ وقد وصل مع جماعة [من] العلماء في ذلك العصر، إلى الأمير الداعي إلى الله بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، إلى هجرة قطابر، فرجحوا قيام الأمير الناصر، محمد بن الإمام المنصور بالله، محتسباً، وكانوا في جماعته، فلم يتحقق منهم القصد لرد الحق، والخروج عن ولاية آل محمد (ع)، والله متولي السرائر، وإليه يرجع الأمر كله.
(رجع)، عن الشيخ العالم علي بن منصور الوادعي الكوفي، المعدود في علماء الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ.
قال عمران بن الحسن: أخبرنا علي بن منصور مكاتبة، وإجازة، لنا ولجميع المسلمين، في سنة سبع عشرة وستمائة. انتهى.
عن الشيخ بدر الدين نصرالله، محمد بن محمد بن المدلل، عن أبي الحسن محمد بن محمد بن علوي، بن غَبَرة الهاشمي الحارثي، الكوفي المعدل، عن السيد العالم أبي علي، عبد الجبار بن الحسن بن محمد /448
العلوي الحسني الكوفي، النسابة، عن المؤلف السيد الإمام، أبي عبدالله العلوي ـ رضي الله عنهم ـ.
وقد حفل كتابه هذا بالروايات للأذان، وإثبات حي على خير العمل، عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وسادات آل محمد (ع)، وقد ساق غالب ما فيه الإمام القاسم بن محمد (ع) في الاعتصام، والله ولي التوفيق.
[الكلام على نهج البلاغة، ترجمة مؤلفه، صحة نسبته إلى علي (ع)]
كتاب نهج البلاغة وكان حقه السابق؛ إذْ هو كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ولكن لكون زمن جامعه في هذه الرتبة، وقد وقعت الترجمة لمؤلفه السيد الشريف الإمام أبي الحسن الرضي محمد بن الحسين الموسوي الكاظمي، وذكر نسبه، وتاريخه، في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام عيسى بن زيد (ع) حسبما اقتضاه المقام، وحاله في آل الحسنين أشهر من براح، وأنور من فلق الصباح، لذي عينين، وقد أثنى عليه السابق، من أئمة العترة واللاحق، منهم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة في الشافي، وأفاد أنه من نجوم العترة المضيئة، وعيون العصابة المرضية، وكذا غيره من أئمة الأمة المحمدية، ومن شهد له خزيمة فهو حسبه، فلا يضره هرير الناصبية.
والحاسد القمر النوار في تعب.
وكل ذلك لما هم عليه من الشقاوة ببغض السلالة النبوية؛ ولكونهم شاهدوا في النهج ما يهدم بنيانهم، ويزلزل أركانهم، وقد فضحهم اللَّه تعالى بكلامهم في هذا الكتاب الشريف، كما فضحهم في غيره من التآليف، وتبين لأهل الاختبار أن ذهبيَّهم، وأضرابه من حفّاظهم، على زعمهم، يهذون بغير علم، بما يمقتهم اللَّه تعالى عليه، والصالحون من عباده، وإن موهوا على الأغمار؛ فإن خُطَب هذا الكتاب /449
الشريف، والمنهج المنيف، مخرجة في غيره من كتب الموالفين والمخالفين، على رغم أنوف المباهتين، فلا يستطيعون دفع ذلك برد ولا إنكار، مع أن برهان كلام سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، في ذاته، من أعظم الشواهد لذوي الأبصار، وقد استدل على ذلك شارحه العلامة فارس الميدان، وسابق الفرسان، وإمام المعاني والبيان ابنُ أبي الحديد، بدلائل واضحة الحجج، مسفرة المنهج، وأتى عند خطبه بروايات عديدة، وطرقات مفيدة، وخطبه الشريفة، وفصوله البالغة المنيفة، موجودة بأعيانها، وأسانيدها في كتب الأئمة الهادين، من أولاد أمير المؤمنين؛ وأكثر ذلك في بساط الإمام الناصر للحق، وأمالي الإمام الناطق بالحق، والإمام المرشد بالله، والاعتبار للإمام الموفق بالله (ع).
قال الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع) في جوابه على المقبلي مالفظه: ولم يفعل الذهبي وغيره ممن نقمتَ عليهم إلا دونك، فأنتَ أولى بجوابك منهم، وقد أقر الذهبي بأكثر النهج، وإنما نفّر مما فيه وصمة على الصحابة، ثم ألم تعلم أن أكثر الخطب مروية في أمالي أبي طالب (ع)، وكتاب المحيط، وجامع السيوطي، وغيرها من الكتب، وإنكار بلوغها إلى المصنف لنظره إلى علوم الآل بالعين الحمقاء، وإلا فلها طرق مذكورة في كتب الأسانيد. انتهى.
وقد جمع من ذلك بحثاً نافعاً المولى العلامة شرف الدين الحسن بن الحسين الحوثي في تخريج الشافي.
قال ـ أيده الله ـ في سياق الرد على فقيه الخارقة بعد أن ذكر مامعناه أن طريق الرواية إليه، كطريق الرواية إلى غيره مالفظه:
وليس ثم فرق إلا أن مؤلفه من خلصان الزيدية المشار إليهم بقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن لله حرساً في السماء وهم الملائكة، وفي الأرض حرساً وهم شيعتك ياعلي)) كما قال جعفر الصادق: لا أعلم إلا أنها في أصحاب عمي زيد بن علي.
إلى قوله: إلا أن مؤلف النهج من سلالة بضعة محمد ـ صلى الله عليه /450
وآله وسلم ـ، وهو من جملة سفن النجاة، ومن الثقل المقرون بكتاب الله، الآمن من تمسك به من الضلال.
فكيف ساغ القدح فيه، أو في كتابه، ولا يسوغ في مثل البخاري، ومسلم، وليسوا بمرتبته، ولا يدانونه؟!.
إن هذا لحيف شديد، وضلال بعيد، على أنه قد روى الإمام أبو طالب جملة مما في نهج البلاغة بأسانيد.
وذكر ابن الأثير أشياء من خطبه في مواد الكلم.
ثم ساق في التخريج، فأتى بالكثير الطيب من كتب الأئمة (ع)، وغيرهم، أجزل اللَّه تعالى له الثواب، وأكرم لنا وله المآب.
وقد بسط في سيرته، وفضائله، وخصائصه، شارح النهج.
وقال السيد الإمام، في ترجمته في طبقات الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ: وهو ذو الفضائل الشائعة، والمكارم الرائعة، له هيبة وجلالة، وفيه ورع وتقشف، ومراعاة للأهل والعشيرة، ولي نقابة الطالبيين مراراً، وكان إليه إمارة الحاج، والمظالم.
إلى قوله: وله من التصانيف كتاب المتشابه في القرآن، وكتاب مجازات الآثار النبوية، وكتاب نهج البلاغة، وكتاب تلخيص البيان، عن مجازات القرآن، وكتاب الخصائص، وكتاب سيرة والده الطاهر.
إلى قوله: وكتاب رسائله مجلدات، وكتاب ديوان شعره، وهو مشهور، وهو أشعر قريش، وجمع بين الإكثار والإجادة، وكان يُقَدَّم على أخيه المرتضى، والمرتضى أكبر منه؛ لمحله في نفوس الخاصة والعامة.
إلى قوله: وكان يترشح للخلافة.
قلت: قد صرح بذلك في أشعاره، على غير مبالاة بملوك بني العباس؛ من ذلك قوله، مخاطباً لنفسه:
هذا أمير المؤمنين محمد .... طابت أرومته وطاب المحتدُ
أو ماكفاكَ بأن أمّك فاطم .... وأبوك حيدرة وجدك أحمدُ
وهذا صريح في مخالفة مذهب الإمامية، معلوم لمن له أدنى مسكة واطلاع.
وقوله مما رواه شارح النهج: /451
ما مقامي على الهوان وعندي .... مقول صارم وأنف حميُّ
وإباء محلق بي عن الضيـ .... ـم كما زاغ طائر وحشيّ
أي عذر له عن المجد إنْ ذّ .... لّ غلام في غمده المشرفيّ
أحمل الضيم في بلاد الأعادي .... وبمصر الخليفة العلويّ؟
مَنْ أبوه أبي ومولاه مولا .... ي إذا ضامني البعيد القصيّ
لفّ عرقي بعرقه سيدا النا .... س جميعاً محمد وعليّ
وهذا إشارة إلى الخلفاء العبيديين بمصر، وهو مما يفيد تصحيح نسبهم، وإن كانت دياناتهم ـ على ما نقل ـ غير صحيحة؛ ولم يصرح ـ رضي الله عنه ـ بالمدح لشيء من أحوالهم، سوى الاتفاق في النسب.
وأما الخليفة فقد صار لقباً لهم من الألقاب، وهو يقال خليفة حق، وخليفة باطل، كما يقال إمام هدى، وإمام ضلال.
وبمثل ذلك ورد القرآن العظيم، وليس مراد الشريف إلا التكثر بهم، والإرهاب على أعدائه من بني العباس، فهو على طريقة قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4) بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم].
وقد شقّ على القادر العباسي هذا الشعر لما بلغه، وقال لوالد الرضي: قل لولدك محمد: أيُّ هوان قد أقام عليه عندنا؟ وأي ضيم لقي من جهتنا؟ وأي ذلّ أصابه في ملكنا؟ وما الذي يعمل معه صاحب مصر لو مضى إليه؟ أكان يصنع إليه أكثر من صنيعنا؟
وكان الرضي ـ رضي الله عنه ـ شريف النفس، عالي الهمة، لم يكن يقبل من أحد من الخلق صلة، حتى من أبيه.
وأمه وأم أخيه أبي القاسم المرتضى علي بن الحسين، فاطمة بنت الحسين بن الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع).
قال شارح النهج: وحدثني فخار بن معد العلوي الموسوي ـ رضي الله عنه ـ، قال: رأى المفيد محمد بن النعمان الفقيه في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، دخلت إليه، وهو في مسجد الكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين (ع)، صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه /452
.
فانتبه متعجباً من ذلك؛ فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة، التي رأى فيها الرؤيا، دَخَلَت إليه المسجد فاطمةُ بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها، محمد الرضي، وعلي المرتضى؛ وقالت: أيها الشيخ، هذان ولداي، قد أحضرتهما إليك؛ لتعلمهما الفقه.
فبكى أبو عبدالله، وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم اللَّه تعالى عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل، ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر. انتهى.
وأفادوا أن قبره بمشهد جده، الحسين بن علي ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ.
[سند نهج البلاغة]
هذا، فأقول والله ولي التوفيق: أروي كتاب نهج البلاغة، الجامع لجوامع خطب، وحكم ورسائل، لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بالطرق السابقة في المجموع، إلى الإمام الشهيد، المهدي لدين الله أحمد بن الحسين (ع)، عن أحمد بن محمد شعلة الأكوع، عن السيد الإمام المرتضى بن سُراهِنك (بضم المهملة الأولى، وبالراء، وكسر الهاء، وسكون النون، ثم كاف؛ أفاده في الطبقات).
قال في ترجمته: ابن محمد بن يحيى بن علي بن سراهنك بن حمزة بن الحسن بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب.
إلى قوله: الشريف الفاضل، شرف الدين، أبو طالب؛ سمع نهج البلاغة على الشيخ معين الدين، أحمد بن زيد الحاجي.
قال: وسمع (أعلام الرواية، على نهج البلاغة)، على ركن الدين، فيروز شاه الجيلي، وعن الحسن بن مهدي البيهقي، وعن أحمد بن زيد الحاجي؛ وهم سمعوها على مؤلفها علي بن ناصر
قلت: وهذه طريق لنا إلى أعلام الرواية، ونرويها أيضاً بالسند السابق في المجموع، إلى حميد الشهيد، عن الإمام الحجة /453
المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ـ عن الشيخ الحافظ البيهقي، القادم إلى اليمن في أيام الإمام المنصور بالله (ع)، وقد سبق في التحف الفاطمية، أنه زيد بن أحمد بن الحسن، ويقال له: أحمد بن أحمد؛ وفي الطبقات: ويقال: أحمد بن الحسن، عن مؤلفها الشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
ترجم له بهذا السيد الإمام ـ رضي الله عنهما ـ، وهذا عارض مفيد ـ إن شاء اللَّه تعالى ـ.
(رجع) إلى تمام كلام السيد الإمام، في ترجمة السيد المرتضى راوي نهج البلاغة.
قال: وسمع عليه أعلام الرواية حميد بن أحمد المحلي، وكان السماع بكحلان تاج الدين، سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقرأ عليه أنساب الطالبية الشيخ أحمد بن محمد شعلة، وأجازه جميع مسموعاته، ومناولاته.
قلت: وهذه طريق لنا إلى جميع ذلك كما ثبت بالنقل الصحيح.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال مولانا الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، في ذكر نهج البلاغة: وأجلّ من أُخِذ عنه هذا الكتاب باليمن، السيد المرتضى ابن سراهنك، الواصل من بلاد العجم، مهاجراً إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، متجرداً للجهاد بين يديه، فوافى ديار اليمن، وقد كان الإمام قُبض؛ فأخذ عنه أولاد المنصور بالله وشيعته، هذا الكتاب، وتوفي هذا الشريف المذكور بظفار، دار هجرته، بعد أن خلطه أولاد المنصور بالله بأنفسهم، وزوجوه بنتاً للمنصور بالله، وقبره في جانب الجامع المقدس، بحصن ظفار.
[تراجم معين الدين والسيد يحيى بن إسماعيل والحاكم الجشمي]
(رجع)، عن الشيخ معين الدين أحمد بن زيد ـ ويقال: ابن أحمد الحاجي، أفاده السيد الإمام ـ.
وقد ترجم له وأفاد مافي الإسناد لاغير، وهو من علماء الزيدية؛ وقد وقع للسيد الإمام (ع) في الطبقات سبق ذهن في بعض المواضع، وانتقال من أحمد الحاجي هذا، إلى أحمد البيهقي؛ للاشتراك في التردد، بين أحمد وزيد؛ فصار يتكلم في ترجمة أحدهما بما للآخر، وقد نبهتُ على ذلك في ترجمة شعلة الأكوع، من الطبقات، فاحفظ ذلك، فقد سها فيه إمام الحفاظ، وجلّ من لايسهو /454
.
(رجع) عن السيد الإمام، علم أعلام العترة الكرام، يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن علي بن علي بن محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن الأفطس ابن علي الأصغر ابن علي بن الحسين بن علي (ع)، هكذا نسبه في مشجر أبي علامة، وبينه وبين مافي الطبقات اختلاف يسير، والصحيح مافي المشجر المذكور؛ بينه وبين أمير المؤمنين ستة عشر.
قال السيد الإمام في ترجمته: السيد الإمام العلامة، يروي عن عمه العلامة، الحسين بن علي بن أحمد الجويني، كتب الأئمة، وغيرهم.
فمما سمعه عليه: كتب الحاكم الجشمي، كتنبيه الغافلين، وجلاء الأبصار، والسفينة.
وسمع عليه من كتب الأئمة: أمالي أبي طالب، وصحيفة زين العابدين علي بن الحسين، وصحيفة علي بن موسى الرضا، ونهج البلاغة.
إلى قوله: وعمه أسند كل كتاب إلى مؤلفه، وأخذ عنه عمرو بن جميل النهدي، شيخ الإمام عبدالله بن حمزة؛ وأحمد بن زيد بن علي الحاجي؛ وكان سماعهما عليه ببلدة نيسابور، في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
قلت: وهنا فائدة، وهي أنا نروي بالأسانيد الصحيحة، منها ماتقدم في المجموع إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، عن شيخه عمرو بن جميل، عن السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، عن عمه الحسين بن علي، عن الشريف الرضي كتاب نهج البلاغة.
وعن إمام الشيعة الأعلام الحاكم، المعتزلي ثم الزيدي، الشهيد، أبي سعيد، المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي، المتوفى شهيداً في بلد الله الحرام، على يدي أعداء التوحيد والعدل وآل محمد الكرام ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ، عام أربعة وتسعين وأربعمائة، أجزل الله ثوابه، وأكرم لديه نزله ومآبه، جميع مؤلفاتهوهي: ما تقدم ذكره، والتهذيب في التفسير، /455
والعيون، وشرحه في الكلام، وغير ذلك.
وستأتي الطرق إلى مؤلفاته، عند ذكر أسانيد مؤلفات علماء الشيعة ـ إن شاء الله ـ بأبسط مما هنا.
فالحسين بن علي يروي عن الشريف الرضي، وعن الحاكم ـ رضي الله عنهم ـ، جميع ذلك.
(رجع إلى تمام ترجمة السيد الإمام يحيى بن إسماعيل (ع) في الطبقات).
قال تلميذه عمرو مالفظه: هو السيد الإمام، مفخر الأنام، الصدر الكبير، العالم العامل، مجد الملة والدين، وافتخار آل طه وياسين، ملك الطالبية، شمس آل الرسول، أستاذ الطوائف، الموافق منهم والمخالف، قبلة الفرق، تاج الشرف.. إلخ.
[ترجمة السيد الحافظ الحسين الجويني]
(رجع) إلى تمام سند النهج.
عن عمه الحسين بن علي الجويني.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في طبقات الزيدية فيمن اسمه الحسن ـ بالتكبير ـ وهو في سائر كتب الإسناد الحسين ـ بالتصغير ـ وقد جريت فيما سبق على كلامهم فقال بعد تمام نسبه المتقدم، في ترجمة ابن أخيه يحيى بن إسماعيل ما نصه: الحسيني الهاشمي العلوي المعروف بالجويني، السيد بدر الدين؛ يروي صحيفة علي بن موسى الرضا، عن الشيخ الإمام عمر بن إسماعيل، عن الشيخ الزاهد، علي بن الحسن الصيدلي، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وأمالي أبي طالب، وتنبيه الغافلين، وجلاء الأبصار، وغيرها من كتب الحاكم أبي سعيد ابن كرامة؛ كل ذلك عن المؤلف.
وروى صحيفة زين العابدين، ونهج البلاغة، وأمالي أحمد بن عيسى، كل ذلك عن مشائخ عدة متصلة طرقهم بالمؤلف.
وأخذ عنه جميع ذلك مابين سماع، وإجازة، ولدُ أخيه يحيى بن إسماعيل.
إلى قوله: كان السيد إماماً حافظاً من حفاظ العترة، وبدور الإسناد المشرقة؛ وقال المنصور بالله: كان إماماً زاهداً. انتهى.
(رجع) بسنده إلى مؤلفها.
قلت: هكذا في بلوغ الأماني، والظاهر فيه عدم الاتصال؛ ولكن في سند الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع) وفي سائر كتب الأسانيد، عن الحسين بن علي، عن المؤلف.
وقد قرر الإمام الشهير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، (ع) /456
في فرائد اللآليء الاتصال.
وحكى ماوقع بينه، وبين السيد العلامة عبد الكريم بن عبدالله أبي طالب، صاحب العقد النضيد ـ رضي الله عنه ـ، من المراجعة وردّ ماشكك به المقبلي في ذلك، وذكر السند الآتي المتصل بلا احتمال، وهو قاطع للإشكال؛ مع أنهم قد ذكروا أن الحسين بن علي قد أسند كل كتاب إلى مؤلفه.
هذا، ومافي إتحاف الأكابر للشوكاني من نسبة النهج إلى المرتضى غلط واضح.
نعم، وأما السند المتصل بالمؤلف الرضي، ـ رضي الله عنه ـ على التحقيق من الطريق الأخرى، فأرويه أيضاً بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن الواثق بالله، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله (ع)، عن الشيخ الفاضل المار ذكره في سند الجامع الكافي، محمد بن عبدالله الغزال المضري، وقد بسط ترجمته السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ.
وقال فيها: الفقيه العالم بدر الدين.
وذكر أسانيده إلى شرح التجريد، وإلى الكشاف، وغيرهما، وأنه أهدى للإمام محمد بن المطهر، نسخة الكشاف المشهورة.
قال: وله تلامذة أجلاء، منهم: الإمام محمد بن المطهر.
إلى قوله: قال السيد محمد بن إدريس: أجاز لي سيدنا الفقيه، الإمام العلامة، الأوحد الصدر، القدوة الحبر، شمس الدين، حافظ علوم العترة الأكرمين، حواري أمير المؤمنين، إلخ يعني بذلك الغزال.
وقد تقدم ذكر السيد محمد بن إدريس في سند الجامع الكافي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ولعل وفاته في عشر الأربعين وسبعمائة.
(رجع) قال في سنده: بإجازتي عن الفاضل العامل، المحقق، محيي الدين ابن الشيخ العلامة، تقي الدين عبدالله بن جعفر الأسدي بإجازته، عن العالم الفاضل الصدر، مجد الدين عبدالله بن محمود بن مودود، من بلد حي، بروايته عن العالم الفاضل العابد، السيد ذي الحسبين، جمال الدين، أبي الفتوح، حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبيد الله الحسيني قراءة عليه، بحق /457
روايته ذلك قراءة، عن الشيخ الإمام العالم رشيد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن شهر آشوب السروي، عن السيد المنتهى بن أبي زيد بن كياكي الحسيني الجرجاني، عن أبيه أبي زيد، عن السيد الرضي، مصنف الكتاب المذكور.
فاتصل السند، وبطل ماشكك به الشيخ صالح المقبلي ـ كافاه الله تعالى ـ ولله الحمد.
وبعد هذا، فكتاب نهج البلاغة متلقى بالقبول، عند آل الرسول، ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ.
وما أحسن قول حافظ اليمن، السيد صارم الدين الوزير (ع):
وإن التلقي بالقبول على الذي .... به يستدل المرء خير دليلِ
وما أمة المختار من آل هاشم .... تلقَّى حديثاً كاذباً بقبولِ
قال السيد الإمام في الطبقات، في ترجمة السيد الإمام الكبير، الفاضل الخطير، داود بن يحيى بن الحسين المتوفى سنة ست وتسعين وسبعمائة: سمع عليه الهادي بن إبراهيم الوزير الكبير نهج البلاغة؛ ثم قال بعد السماع: ماكان في نهج البلاغة فهو صحيح.
قال السيد داود بن يحيى: انعقد إجماع العترة على أن نهج البلاغة كلام علي (ع). ا هـ.
والسيد العلامة داود بن يحيى أخو الهادي بن يحيى المتقدم في سند المجموع، وهما ابنا السيد يحيى بن الحسين صاحب الياقوتة، وقبراهما بمشهد إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع).
وإن من الآيات العجيبة ما ذكره الإمام الشهير، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، أن بعض الصالحين كان له أخ يشكك عليه في نهج البلاغة، رأى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - في النوم ينشده هذين البيتين:
قد صحّ عنّا فتمسك به .... ليس الذي يرويه بالكاذب
أخوك عبدالله احذره لا .... تماشه وإمش في جانب
/458
هكذا في المنقول عنه؛ ولايستقيم إلا بقطع همزة إمش، وهو يجوز للضرورة وإن كانت همزة وصل؛ ولو كان (إلى) مكان (في) لاستقام الوزن مع الوصل؛ ولكن الرواية كذا.
نعم، وهذا الكلام إنما هو لتصحيح جميع ماتضمنه نهج البلاغة؛ ولم يشكك الخصوم إلا في مواضع خالفت أهواءهم، وسفهت آراءهم، لا في جميع ذلك فليس بمستطاع؛ وأنى للأكف أن تغطي من القمرين ضوء الشعاع؛ لأن فصول كلامه، وعيون حكمه، في جميع أبواب العلوم منقولةٌ مأثورة، وفي مؤلفات الأمة المحمدية، وأسفار طوائف الملة الحنيفية، بل وعند غيرهم مرسومةٌ مزبورة؛ وعند الله تجتمع الخصوم.
[ديباجة النهج]
قال الشريف الإمام الرضي ـ رضي الله عنه ـ: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي.
أما بعد حمد الله، الذي جعل الحمد ثمناً لنعمائه، ومعاذاً من بلائه، وسبيلاً إلى جنانه، وسبباً لزيادة إحسانه، والصلاة على رسوله نبي الرحمة، وإمام الأئمة، وسراج الأمة، المنتخب من طينة الكرم، وسلالة المجد الأقدم، ومغرس الفخار المُعْرِق، وفرع العلى المثمر المورق، وعلى أهل بيته، مصابيح الظلم، وعصم الأمم، ومنار الدين الواضحة، ومثاقيل الفضل الراجحة؛ صلى الله عليهم أجمعين، صلاة تكون إزاء لفضلهم، ومكافأة لعملهم، وكفاء لطيب فرعهم وأصلهم، ما أنار فجر ساطع، وخوى نجم طالع.
وساق إلى قول أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ في أول خطبة من الكتاب:
الحمد لله، الذي لايبلغ مدحته القائلون، ولايحصي نعماءه العادون، ولايؤدي حقه المجتهدون..إلخ.
[يواقيت من خطب النهج]
ونسوق قسطاً من خطبة له ـ صلوات الله عليه ـ، من نهج البلاغة؛ إلا أني متى وصلت إلى فصل منها، مذكور في مصابيح السيد/459
الإمام، وارث الحكمة، وشيخ الأئمة، أبي العباس الحسني (ع)، انتقلتُ إلى روايته لاستكمالها؛ لأن الشريف الرضي ـ رضي الله عنه ـ إنما يأخذ المختار؛ وفيها من ذكر الحجج الإلهية، والآيات الربانية، والمعجزات النبوية، والكرامات العلوية، مايبهر الأبصار؛ وربك يخلق ما يشاء ويختار،وعند الوصول إلى مافي المصابيح أذكر تحويل الرواية، وسند أبي العباس فيها، وقد وافق ذلك أيضاً؛ لأنه لم يذكر ـ فيما سبقـ نقل شيء من المصابيح على العادة، عند انتهاء السند في أمثاله.
قال إمام الأبرار، وقسيم الجنة والنار، أبو الأئمة الأطايب، علي بن أبي طالب، ـ صلوات الله عليه ـ: الحمد لله، الذي لبس العزّ والكبرياء، واختارهما لنفسه دون خلقه، وجعلهما حماً وحرماً على غيره.
قلت: وفي (لبس) إلخ استعارة مصرحة تبعية، شبّه اتصاف ذي الجلال بالوصفين، بلبس الردائين، أو مكنية، ويكون التشبية في الوصفين بالردائين، واللبس تخييل.
قال: واصطفاهما لجلاله، وجعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده؛ ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين؛ ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه، وهو العالم بمضمرات القلوب، ومحجوبات الغيوب: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ(71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ(73) إِلَّا إِبْلِيسَ }[ص]، اعترضته الحمية، فافتخر على آدم بخلقه، وتعصب عليه لأصله؛ فعدوّ الله إمام المتعصبين، وسلف المستكبرين، الذي وضع أساس العصبية، ونازع الله رداء الجبرية، وادَّرَع لباس التعزز، وخلع قناع التذلل.
ألا ترون كيف صغّره الله بتكبره، ووضعه الله بترفعه، فجعله في الدنيا مدحوراً، وأعد له في الآخرة سعيراً؟!.
ولو أراد الله أن يخلق آدم من نور، يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رواؤه، وطِيْب يأخذ /460
الأنفاس عرفه، لفعل، ولو فعل لظلت له الأعناق خاضعة، ولخفت البلوى فيه على الملائكة.
إلى أن قال: فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس؛ إذ أحبط عمله الطويل، وجهده الجهيد، وقد كان عبد الله ستة آلاف سنة، لايدرى أمن سني الدنيا أم من سني الآخرة، عن كِبْر ساعة واحدة.
إلى أن قال: إن حكمه في أهل السماء والأرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة، في إباحة حما حرّمه على العالمين.
إلى أن قال: فإن الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم، بأوليائه المستضعفين في أعينهم، ولقد دخل موسى بن عمران، ومعه أخوه هارون ـ صلى الله عليهما ـ على فرعون، وعليهما مدارع الصوف، وبأيديهما العصي، فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه، ودوام عزه؛ فقال: ألا تعجبون من هذين؟! يشرطان لي دوام العزّ، وبقاء الملك، وهما بما ترون من حال الفقر والذل، فهلا ألقي عليهما أساورة من ذهب.
إعظاماً للذهب وجمعه، واحتقاراً للصوف ولبسه.
ولو أراد الله ـ سبحانه ـ لأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان، ومعادن العقيان ومغارس الجنان، وأن يحشر معهم طيور السماء، ووحوش الأرضين، لفعل؛ ولو فعل لسقط البلاء، وبطل الجزاء، واضمحلّت الأنباء، ولما وجب للقابلين أجور المبتلين، ولا استحق المؤمنون ثواب المحسنين، ولا لزمت الأسماء معانيها؛ ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى؛ ولو كانت الأنبياء أولي قوة لاترام، وعزة لاتضام، وملك تمتد نحوه أعناق الرجال، وتشد إليه عقد الرحال، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، وأبعد لهم من الاستكبار، ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة، والحسنات مقتسمة؛ ولكن الله سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله، /461
والتصديق لكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أموراً له خاصة لا تشوبها شائبة؛ وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل.
ألا ترون أن الله ـ سبحانه ـ اختبر الأولين، من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام، الذي جعله الله للناس قياماً؛ ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لايزكو بها خفّ، ولا حافر ولاظلف؟!
ثم أمر آدم (ع) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لمُلْقَى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتى يهزوا مناكبهم ذللاً، يهللون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شعثاً غبراً له، قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خَلْقهم، ابتلاء عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة إلى جنته.
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار، جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البناء، متصل القرى، بين برة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء، على حسب ضعف البلاء؛ ولو كان الأساس المحمول عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زمردة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولَوَضَع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من الناس؛ ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحا إلى فضله، وأسباباً ذللاً لعفوه.
فالله الله في عاجل /462
البغي، وآجل وخامة الظلم، وسوء عاقبة الكبر؛ فإنها مصيدة إبليس العظمى، ومكيدته الكبرى، التي تساور قلوب الرجال، مساورة السموم القاتلة، فما تكدي أبداً، ولاتشوي أحداً.
قلت: معنى ما تكدي: ما ترد عن تأثيرها؛ ولاتشوي أحداً: لاتخطئ المقتل، وتصيب غيره، وهو الشوي، والشويُّ الأطراف، كاليد والرجل. أفاده الشارح.
قال (ع): لا عالماً لعلمه، ولامقلاً في طمره؛ وعن ذلك ما حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات والزكوات، ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخيلاء عنهم، ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللاً؛ مع مافي الزكاة من صرف ثمرات الأرض وغير ذلك، إلى أهل المسكنة والفقر؛ انظروا إلى مافي هذه الأفعال، من قمع نواجم الفخر، وقدع طوالع الكبر.
قلت: وفي كلامه ـ صلوات الله عليه ـ دلالة واضحة، على كون العبادات مشروعة؛ لمصالح وحكم للعباد، غير مجرّد الشكر، ولكن ليس على الكيفية التي تذهب إليها بعض المعتزلة في الألطاف؛ ولا تنافي بين ذلك، وبين وجوب تأديتها للشكر، كما نصّ عليه محققوا أئمتنا (ع).
إلى أن قال ـ صلوات الله عليه ـ: ألا وقد أمرني الله بقتال أهل البغي، والنكث والفساد في الأرض؛ فأما الناكثون فقد قاتلتُ، وأما القاسطون فقد جاهدتُ، وأما المارقة فقد دوّخْتُ، وأما شيطان الردهةفقد كفيته بصعقة، /463
سمعت لها وجبة قلبه، ورجّة صدره؛ وبقيت بقية من أهل البغي؛ ولئن أذن الله في الكرة عليهم، لأديلنّ منهم، إلا من يتشذر في أطراف البلاد تشذراّ.
[من المصابيح لأبي العباس من أمير المؤمنين]
ومن هنا مذكور في المصابيح فنسوق الرواية منها لما سبق.
قال السيد الإمام، أبو العباس الحسني (ع): (ذِكْر بعض دلائل رسول الله -صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -).
عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن أبيه الحسين (ع)، أن أمير المؤمنين (ع) خطب الناس، فقال:
أنا وضعتُ كَلْكَل العرب، وكسرتُ قرن ربيعة ومضر، ووطئت جبابرة قريش؛ لقد وضعني الله في حجر المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وأنا ابن أربع سنين، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده وعرقه، ويقبلني فأمص ريق حكمته، وآكل في قصعته، وألعق أصابعه؛ حتى كان يمضغ الشيء ويلقمني مِنْ فِيْهِ؛ وأنا أصف لكم من علاماته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
لقد قرن الله به أكرم ملائكته، وأقربها إليه، ومنه يكون الوحي؛ إسرافيل (ع)، كان معه ليله ونهاره؛ ولقد كان يرفع رأسه نحو السماء لما أتاه الوحي مِن أول الليل إلى آخره، كأنما ينتظر شيئاً؛ فأنا أول من رأى نور الوحي، وشمّ منه ريح النبوة.
قلت: وفي النهج: أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة؛ ولقد سمعت رنة الشيطان، حين نزل الوحي عليه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقلت: يارسول الله، ماهذه الرنة؟ فقال: ((هذا الشيطان قد أيس من عبادته؛ إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي، ولكنك الوزير، وإنك لعلى خير)) إلخ.
وقد ساق شارح النهج العلامة، الروايات على شواهد فصول هذه الخطبة الشريفة، بما فيه كفاية.
(رجع) ثم ذكر في رواية المصابيح تكليم الجمل، والبقرة، والذئب، لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: وكنت معه إذ قال: ((يأتيني تسعة نفر من حضرموت؛ يسلم ستة، ولايسلم ثلاثة)) فوقع /464
في قلوب كثير من الناس من كلامه ماوقع؛ فقلت أنا: صدق رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، هو كما قلت يارسول الله.
فقال: ((أنت الصديق، ويعسوب المؤمنين وإمامهم، وأول المؤمنين إيماناً؛ وأنت الهادي والوزير)).
فلما أصبح ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أقبل الرهط من حضرموت، حتى دنوا منه وسلموا عليه، وقالوا: يامحمد، اعرض علينا الإسلام.
فعرضه عليهم، فأسلم ستة، ولم يسلم ثلاثة، وانصرفوا.
فقال (ع) للثلاثة: ((أما أنت يافلان، فتموت بصاعقة من السماء؛ وأما أنت يافلان، فتخرج في طلب إبلك، فيلقاك ناس من كذا فيقتلونك)).
فوقع في قلوب ناس من ذلك ماوقع، فقلت أنا: صدقت يارسول الله.
فقال: ((صدّق الله قولك ياعلي)).
فما كان حتى أقبل الستة الذين أسلموا، فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((مافعل أصحابكم الثلاثة؟)) قالوا: والذي بعثك بالحق نبياً، ما جاوزوا ما قُلْتُ.
وأتاه الملأ من قريش: أبو جهل بن هشام، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وشيبة، وعتبة، وصناديد قريش، فقالوا: يامحمد، قد ادعيت أمراً عظيماً، لم يدّعه آباؤك، ونحن نسألك أن تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها، وتقف قدّامك.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن ربي على كل شيء قدير؛ وإني أريكم ماتطلبون، وإني أعلم أنكم لاتجيبونني؛ وإن منكم من يذبح على القليب، ومن يحزّب الأحزاب؛ ولكن ربي رحيم)).
ثم قال للشجرة: ((انقلعي بعروقك، بإذن الله)).
فانقلعت وجاءت، ولها دوي شديد، حتى وقفت بين يدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فقالوا استكباراً وعتواً: ساحر كذاب، هل صدقك إلا مثل هذا ـ يعنونني ـ.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((حسبي به ولياً وصاحباً ووزيراً، قد أنبأتكم أنكم لاتؤمنون؛ والذي نفس محمد بيده، لقد علمتم أني لست بساحر ولا كذاب)).
فكان أشدهم عليه أبو جهل بن هشام، وهشام بن المغيرة، وابن حرب؛ ولم يكن أشد عليه من هاتين القبيلتين: بني مخزوم، وبني أمية؛ فلعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله /465
وسلم فنزل بهم الذبح، فذُبح مَنْ ذُبح، وبقي من بقي ملعوناً، ونزل على رسول الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94)}[الحجر]، ثم نزل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء].
فقال لي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ياعلي، انطلق إلى بني عبد المطلب، وعبد شمس، ومخزوم، وتيم، وعدي، وكعب بن لؤي؛ فاجمعهم إلى نبي الرحمة، فإني أريد أن أكلّمهم، وأبلغهم رسالة ربي، وأقيم فيهم وزيري وناصري، لايتقدمه ولايتأخر عنه إلا ظالم)).
وأمر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بذبح شاة، فانطلقت وجمعتهم إليه، وهم ستون رجلاً لايزيدون ولاينقصون رجلاً، فطعموا، وشبعوا ـ بإذن الله ـ وفضل من الطعام أكثره.
ثم قال: ((ياأيها الملأ من قريش، أتيتكم بعزّ الأبد، وملك الدنيا والآخرة؛ فأيكم يؤازرني، ويبايعن على أمري؟)).
فلم يجيبوه.
فقلت ـ وأنا أحدث القوم سناً ـ: أنا يارسول الله.
قال: ((اللهم اشهد أني وازرته وخاللته، فهو وزيري وخليلي، وأميني ووصيي، والقائم بعدي)).
فقاموا يقولون لأبي طالب: قد ولّى عليك ابنك، واتخذه خليلاً دونك.
وأقبل أبو جهل، فقال: أتزعم أنك نبي، وأن ربك يخبرك بما نفعله؟ فهل تخبرني بشيء فعلته لم يطلع عليه بشر؟.
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أخبرك بما فعلت، ولم يكن معك أحد؛ الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا، ونكاحك سودة)).
فقال: مادفنت ذهباً ولانكحت سودة.
فقال (ع): ((فأدعو الله أن يذهب بمالك الذي دفنت)).
فضاق بأبي جهل، وقال: قد علمنا أن معك من الجن من يخبرك؛ أما أنا فلا أقرّ أبداً أنك نبي.
فقال: ((والله لأقتلنك، ولأقتلن عتبة، والوليد، ولأقتلنّ أشرافكم، ولأوطئن بلادكم الخيل، ولآخذنّ مكة عنوة)).
قلت: قال الشارح العلامة، بعد أن ساق بحثاً بالغاً في الشواهد من /466
أعلام النبوة: وروي عن جعفر بن محمد الصادق (ع)، قال: كان علي (ع) يرى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت؛ وقال له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((لولا أني خاتم الأنبياء، لكنتَ شريكاً في النبوة، فإلا تكن نبياً فإنك وصي نبي ووارثه؛ بل أنت سيد الأوصياء، وإمام الأتقياء)).
وأما خبر الوزارة، فقد ذكره الطبري في تاريخه، عن عبدالله بن عباس، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: لما أنزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ دعاني، فقال: ((ياعلي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين)).
ثم ساق رواية الإنذار.
ثم قال لهم: ((هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا)).
قال: ويدل على أنه وزير رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ من نص الكتاب والسنة، قول اللَّه تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي(29)هَارُونَ أَخِي(30)اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي(31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)}[طه].
وقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، في الخبر المجمع على روايته بين سائر فرق الإسلام: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)) فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى؛ فإذن هو وزير رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وشادّ أزره. انتهى.
[رجع] وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنا عنده يوماً: ((يامعشر قريش، يأتيكم غداً تسعة رهط، من وراء هذا الجبل، ـ يعني حراء ـ فيسلم سبعة، ويرجع اثنان كافران، يأكل أحدَهما السبعُ، والآخر يعضّه بعيره، فيورثه حمرة، ثم آكِلَة، ثم موتاً)).
وأخذت قريش تهزأ؛ فلما أصبح، أتى النفر إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأسلم سبعة، ونزل بالكافرين ماقال، فَصَعِدتُ الجبل وناديتُ: أشهد أن لاإله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فأرادوا قتلي، فأيدني الله بملك كريم دفعهم عني.
ثم إن خليلي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال /467
لي: ((ستقاتل قريشاً؛ إنها لا تحبك أبداً، وإن لك أنصاراً نجباء خيرة، ذُبْلَ الشفاه، صفر الوجوه، خمص البطون، لاتأخذهم في الله لومة لائم؛ رعاة الليل، متمسكون بحبل الله، لايستكبرون ولايضلون)).
ثم الذئب، الذي كلّم أبا الأشعث، طرده من غنمه مرة بعد مرة؛ فلما كانت الرابعة قال: مارأيتُ ذئباً أصفق منك.
قال الذئب: أنت أصفقمني؛ تتولى عن رسول رب العالمين.
قال الراعي: ويلك ماتقول؟.
قال الذئب: الويل لمن يصلى جهنم غداً، ولايدخل في دين محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال الراعي: حسبي من يحفظ غنمي لأنطلق، وأؤمن به.
فقال الذئب: أنا أحفظها عليك.
فجاء الراعي يعدو، قال: السلام عليك يارسول الله.
وأخبره بكلام الذئب، فأخذ أبو الأشعث سخلة وذبحها للذئب، وقال: أعتقني من النار.
وأتى رجل يستبحث رسول الله، وكان عاقلاً لبيباً، فقال: يامحمد إلى من تدعو؟
قال: ((إلى شهادة أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له)).
قال: وأين الله يامحمد؟.
قال: ((هو بكل مكان موجود، وليس في شيء منها بمحدود)).
قال: فكيف هو؟.
قال: ((هو خلق الكيف والأين، فلا يقال: كيف، ولا أين)).
فقال: كيف لي أن أعلم أنه أرسلك؟.
فلم يبقَ بحضرتنا يومئذ حجر ولامدر ولاشجر، إلا قال: أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمداً رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
فأسلم الرجل، وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((قد سميتك عبدالله)).
قال علي (ع): وخلفني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في تبوك، فتكلم أناس بما في صدورهم، وقالوا: خلّفه إذْ أبغضه.
فلحقتُ برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأخبرته، فقال لي في ملأ منهم: ((ياعلي، إن الله أمرني أن أواخيك، وأن أقربك، ولاأجفوك، وأدنيك، ولا أقصيك، أنت أخي في الدنيا والآخرة؛ وأمرني ربي أن أقيمك ولياً من بعدي، وسألته أن /468
يشركك معي في الشفاعة)).
ثم سار ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بمن معه، فشكوا العطش، فقال: ((اطلبوا الماء)).
فلم يصيبوا شيئاً، حتى خافوا على أنفسهم، وقالوا: يارسول الله ادعُ لنا ربك.
فنزل جبريل (ع)، فقال: يامحمد، ابحث بيدك الصعيد، وضع قدميك وأصبعيك المسبحتين، وسمّ.
ففعل ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فانبجستمن بين أصابعه الماء، فشربوا ورووا، وسقوا دوابهم وحملوا منه، فأعطي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فوق ما أعطي موسى بن عمران، فازداد المؤمنون إيماناً.
وموضع الماء اليوم معروف، وقد اغتسلت منه يومئذ.
انتهى الكلام الكريم العلوي.
[شروح النهج، ترجمة ابن أبي الحديد]
وقد شرح نهج البلاغة الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع)، وغيره.
وأشهر شروحه، وأبسطها وأجلّها، وأكملها وأبهجها، شرح البحر المتدفق، والحبر المحقق المدقق، العالم النحرير، والحافظ الكبير، عز الدين، أبي حامد، عبدالحميد بن هبة الله بن محمد المدائني، الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي، المتوفى سنة خمس وخمسين وستمائة، من علماء العدل والتوحيد، القائمين بحق الله ورسوله ووصيه وأهل بيت نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ويلوح للمنتقد من لمحات كلامه لزوم ماعليه أئمة العترة المطهرة ـ (ع) ـ ويفوح للمختبر من نفحات مرامه الحوم حول طرائقهم النيّرة.
ولعله منعه عن المصارحة في الأغلب إظهار النصفة للخصوم، لعل لها عذراً وأنت تلوم، وقد كان تحت وطأة الدولة العباسية، فعذره في ذلك معلوم؛ إلا أنه يصمم في بعض المقامات، على بعض الأقوال، تصميماً لايتضح الحامل عليه، ولايظهر الملجئ إليه.
وعلى كل حال فشرحه ذلك بغية المرتاد، /469
لكل مراد.
قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الواحد العدل.
إلى قوله: وصلى الله على رسوله محمد، الذي المكْنيُّ عنه ـ أراد الوصي (ع) ـ شعاع من شمسه، وغصن من غرسه، وقوة من قوى نفسه، ومنسوب إليه نسبة الغد إلى يومه واليوم إلى أمسه؛ فما هما إلا سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجَلٍّ ومصَلٍّ، سبقا لمحة البارق، وأنارا سدفة الظلمة الغاسق، صلى الله عليهما، مااستخلَبَ خبير، وتناوح حراء وثبير.
ثم ساق إلى قوله: على أن كثيراً من فصوله ـ يعني النهج ـ داخل في باب المعجزات المحمدية؛ لاشتمالها على الأخبار الغيبية، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية.
[مِنْ شرح النهج في الذين قدَّموا علياً من المعتزلة]
ولما بلغ إلى القول في التفضيل، قال: وقال البغداديون قاطبة، قدماؤهم، ومتأخروهم، كأبي سهل بشر بن المعتمر، وأبي موسى عيسى بن صبيح، وأبي عبدالله جعفر بن مبشر، وأبي جعفر الإسكافي.
قلت: هو محمد بن عبدالله، صاحب الكتاب العظيم في الرد على الجاحظ؛ لأن الجاحظ والنظام، وأمثالهما، من البصريين المائلين عن أمير المؤمنين (ع)، وغير مستنكر منهم، وكلام الوصي في البصرة، وأهلها معلوم.
قال: وأبي الحسين الخياط، وأبي القاسم عبدالله بن محمود البَلْخِي، وتلامذته [قالوا]: إن علياً (ع) أفضل من أبي بكر، وإلى هذا المذهب ذهب من البصريين أبوعلي محمد بن عبد الوهاب الجبائي.
إلى قوله: وقال ـ أي قاضي القضاة ـ: إن أبا علي ـ رضي الله عنه ـ يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه، وقد كان ضعف عن رفع الصوت، فألقى إليه أشياء، من جملتها القول بتفضيل علي (ع).
وممن ذهب من البصريين إلى تفضيله (ع)، الشيخ أبو عبدالله الحسين بن علي البصري ـ رضي الله عنه ـ، كان متحققاً بتفضيله، ومبالغاً في ذلك، وصنف فيه كتاباً مفرداً؛ وممن ذهب إلى تفضيله (ع) من البصريين قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبار بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ.
ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيله (ع)، أبو محمد الحسن بن مَتَّويه، صاحب التذكرة، نص في كتاب الكفاية على تفضيله (ع) على أبي بكر /470
واحتج لذلك، وأطال الاحتجاج.
إلى قوله: وأما نحن فنذهب إلى مايذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله(ع)، وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية مامعنى الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثواباً أم الأجمع لمزايا الفضل، والخلال الحميدة؟ وبيّنا أنه (ع) أفضل على التفسيرين معاً.
ثم ساق في بيان أحوال الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وأبان في خلال ذلك استناد جميع العلوم من جميع الفرق إليه.
وقال في حكاية مذهب البغدادين في الإمامة مانصه: إنه الأفضل، والأحق بالإمامة.
إلى قوله: فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أخبره أن الإمامة حقه، وأنه أولى بها من الناس أجمعين.
إلى قوله: ولم يُخْرِجْه تقدّمُ مَنْ تقدّم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق؛ وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي ـ رحمه الله تعالى ـ بهذا، وصرّح به تلامذته، وقالوا: لو نازع عقيب وفاة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وسلّ سيفه، لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدّم عليه، كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه؛ ولكنه مالك الأمر، وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عنها؛ وحكمه في ذلك حكم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: ((علي مع الحق، والحق مع علي، يدور حيثما دار)).
وقال له غير مرة: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي، وبه أقول. انتهى.
وفي شرح قول أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ: هلك فيَّ اثنان: محب غال، ومبغض قالٍ.
ولهذا كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص، والفوز في هذه المسألة؛ لأنهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأكثرهم خصائص، ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو حاربه أو أبغضه، فإنه عدوّ لله سبحانه، وخالد في النار مع الكفار والمنافقين، إلا أن يكون ممن قد ثبتت توبته، ومات على توليه وحبه.
إلى قوله في /471
المشايخ: فلو أنكر إمامتهم، وغضب عليهم، وسخط فعلهم ـ فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلى نفسه ـ لقلنا إنهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قلت: فتأمل هذا، مع ماملأ به الشرح من تصحيح إنكار الوصي ـ رضوان الله عليه ـ، وشكايته منهم، يظهر لك مصداق ماأشرنا إليه سابقاً.
قال: لأنه قد ثبت أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - قال له: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)) وأنه قال: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وقال له: ((لايحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلا منافق)).
ثم ساق في تقرير كونه راضياً عنهم؛ فالله أعلم، أَغَفْلَةٌ منه أَمْ تغافل؟
قال: والحاصل أنا لم نجعل بينه وبين النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ماعدى ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه.
إلى قوله: والقول بالتفضيل قول قديم، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين.
وقال أيضاً في هذا الجزء وهو العشرون من الشرح: فأما علي (ع)، فإنه عندنا بمنزلة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في الاحتجاج بفعله، ووجوب طاعته.
[شيء من شرح النهج في العترة]
وقال في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فأين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق؟ فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ ما نصه: وقد بين رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عترته، من هي لما قال: ((إني تارك فيكم الثقلين)) فقال: ((عترتي أهل بيتي)).
وبين في مقام آخر، مَنْ أهل بيته حيث طرح عليهم كساء، وقال حين نزلت: /472
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ } [الأحزاب:33]: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب الرجس عنهم)).
فإن قلت: فمن هي العترة التي عناها أمير المؤمنين (ع) بهذا الكلام؟.
قلت: نفسه، وولداه.
والأصل في الحقيقة نفسه؛ لأن ولديه تابعان له، ونسبتهما إليه مع وجوده كنسبة الكواكب المضيئة مع طلوع الشمس المشرقة؛ وقد نبّه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على ذلك بقوله: ((وأبوكما خير منكما)).
إلى قوله: في أزمة الحق (جمع زمام) كأنه جعل الحق دائراً معهم حيثما داروا، وذاهباً معهم حيث ذهبوا، كما أن الناقة طوع زمامها.
وقد نبّه الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على صدق هذه القضية بقوله: ((وأدر الحق معه حيث دار)).
وقوله: ((وألسنة الصدق)) من الألفاظ الشريفة القرآنية؛ قال الله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)}[الشعراء]، لما كان لايصدر عنهم قول ولاحكم، إلا وهو موافق للحق والصواب.
..إلخ كلامه.
وقال في الجزء التاسع في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تُؤْتى البيوت إلا من أبوابها إلخ مانصه: واعلم أن أمير المؤمنين (ع) لو فخر بنفسه، وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله، بفصاحته، التي آتاه الله تعالى إياها، واختصه بها، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافة، لم يبلغوا إلى معشار مانطق به الرسول الصادق ـ صلوات الله عليه ـ في أمره، ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة.
إلى قوله: كخبر الغدير، والمنزلة، وقصة براءة، وخبر المناجاة، وقصة خيبر، وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة، ونحو ذلك؛ بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث، التي لم يحصل منها أقل القليل لغيره؛ وأنا أذكر من ذلك شيئاً يسيراً، مما رواه علماء الحديث، الذين لا يتهمون فيه.
ثم ساق أربعة وعشرين /473
خبراً.
[إشارة من شرح النهج إلى بعض المغيبات التي أخبر بها الوصي]
هذا؛ ونختم الكلام فيه ببحثٍ ساقه في شرح قول الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: فاسألوني قبل أن تفقدوني؛ فوالذي نفسي بيده، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولاعن فئة تهدي مائة وتضل مائة، إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها.
..إلخ كلامه ـ عليه أزكى صلوات الله وسلامه ـ.
لاشتماله على لمعة جامعة من إخباره بالغيوب، التي هي من دلائل النبوة، وأعلام الرسالة، صلوات الله وسلامه على صاحبها وآله.
قال الشارح ـ أحسن الله مكافأته ـ: واعلم أنه (ع) قد أقسم بالله الذي نفسه بيده، أنهم لايسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة، إلا أخبرهم به.
وساق في ذلك، حتى قال في تعداد الأخبار، التي امتلأت بها عنه حافلات الأسفار، مانصه: كإخباره عن الضربة التي تضرب في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه (ع)، وما قاله في كربلاء حيث مَرّ بها، وإخباره عن ملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به عن الخوارج بالنهروان، وماقدمه إلى أصحابه بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب.
قلت: وإخباره بالإمام الأعظم زيد بن علي وما يلاقي، وتبشيره بإمام الأئمة يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق (ع) وغيرهما؛ إلا أن هذه من الأخبار العظام، التي لم يتعرض لها الشارح هنا؛ وقد فصل في الشرح ماأشار إليها من المخبرات فيما سبق، وفيما يأتي له.
قال: وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة، لما شخص (ع) إلى البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبدالله بن الزبير، وقوله فيه: خبّ ضبّ يروم أمراً لايدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش.
وإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة أخرى بالزنج، وهذا الذي صحفه قوم فقالوا /474
بالريح، وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق، (بتقديم المهملة) وهم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين، وولده، وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العباسية.
وكإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان، كالناصر، والداعي وغيرهما، في قوله (ع): وإن لآل محمد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء، دعاؤه حق يقوم ـ بإذن الله ـ فيدعو إلى دين الله.
وكإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة، وقوله: إنه يقتل عند أحجار الزيت، وكقوله عن أخيه إبراهيم، المقتول بباب خمرة:
قلت: كذا في الشرح، والصواب باخمرى، قال:
وقتيل باخمرى الذي
نادى فأسمع كل شاهد
(رجع) يقتل بعد أن يظهر، ويُقهر بعد أن يَقهر.
وقوله فيه أيضاً: يأتيه سهم غَرْب، تكون فيه منيته؛ فيا بؤساً للرامي، شُلّت يده، ووهن عضده.
وكإخباره عن قتلى وج.
قلت: وهم الإمام الحسين بن علي الفخي (ع)، والشهداء معه ـ رضوان الله عليهم ـ، وهو الموضع الذي استشهدوا فيه؛ والمعروف في الأخبار والسير، وسائر كتب أهل البيت (ع)، أنه فخّ (بالفاء والخاء المعجمة) حتى أن الإمام الحسين صار يُنْسب إليه، كما هو معلوم؛ ويقال له: بلدح أيضاً، وهو الذي صلى فيه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأخبر بمقتلهم (ع) فيه، وكذا جعفر الصادق (ع)، وهو بقرب مكة المشرفة، على طريق المدينة المنورة؛ وقد ذكره في القاموس، وغيره من كتب اللغة.
وأما وج، المذكور هنا (بالواو والجيم) فهو في الطائف، وقد ذُكِر في الحديث، في غزوات الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وممن ذكر أن الإمام (ع) قتل فيه الحموي، حكاه عنه السيد العلامة أبو علامة ـ رضي الله عنه ـ في مشجره، والصحيح الأول، إلا أن يكون هذا الموضع يطلق عليه الاسمان، فيكون وج، /475
بالجيم مشتركاً بين المشهور وهذا المحل، والله أعلم.
قال: وقوله فيهم: هم خير أهل الأرض.
وكإخباره عن المملكة العلوية بالغرب.
قال: وكإخباره عن بني بويه، وقوله فيهم: يخرج من ديلمان بنو الصياد ـ إشارة إليهم ـ.
إلى قوله: فقال له قائل: فكم مدتهم ياأمير المؤمنين؟ فقال: مائة أو تزيد قليلاً.
إلى قوله: وكانت مدتهم كما أخبر به (ع).
وكإخباره (ع) لعبدالله بن العباس ـ رحمه الله تعالى ـ، عن انتقال الأمر إلى أولاده، فإن علي بن عبدالله لما ولد أخرجه أبوه عبدالله إلى علي (ع)، فأخذه وتفل في فيه، وحنكه بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك.
هكذا الرواية الصحيحة، وهي التي ذكرها أبو العباس المبرد في الكتاب الكامل.
إلى قوله: وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى، مما لو أردنا استقصاءه لكرسنا له كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة.
انتهى المختار إيراده.
وقد طال الكلام، ولكنه استلزمه المقام؛ وقد اشتمل ـ بفضل الله ـ على مباحث عظام، يرتاح لها الأعلام، والله ولي التوفيق وحسن الختام.
---
[صحيفة الإمام الرضا، السند إليها]
الصحيفة، مسند الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي سيد العابدين ابن الحسين السبط ابن علي الوصي ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
أرويها سماعاً بقرائتي لها، على والدي العلامة الولي، محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي الله عنهما ـ، في شهر الله الكريم رمضان، عام خمسة وخمسين وثلاثمائة وألف، وهو يرويها بالأسانيد السابقة، إلى الإمام المجتبى المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى /476
(ع)، عن سليمان بن إبراهيم.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: سليمان بن إبراهيم بن عمر بن علي بن محمد بن أبي بكر العلوي، نسبة إلى جدٍّ له يسمى علي بن راشد الحنفي اليمني، نفيس الدين أبو الربيع، محدّث الديار اليمنية، وابن محدّثها.
إلى قوله في سياق الآخذين عنه: ومن أئمة الزيدية: الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وأجاز له جميع مروياته، والسيدان الحافظان: الهادي بن إبراهيم، ومحمد بن إبراهيم، وكذلك أجازهما إجازة عامة؛ حدّث أولاً بزبيد، وكان جيد الضبط، حسن القراءة، أعرف أهل عصره بالحديث وطرقه وفنونه؛ توفي في شهر جمادى الأولى، سنة خمس وعشرين وثمانمائة. انتهى باختصار.
عن أبيه إبراهيم، عن رضي الدين إبراهيم بن محمد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو إسحاق رضي الدين الطبري المكي الشافعي، إمام مقام إبراهيم الخليل، على نبينا وعليه أفضل السلام.
إلى قوله: وكان الشيخ رضي الدين كبير القدر؛ توفي في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
وقال: أجاز للإمام يحيى بن حمزة..إلخ.
بسنده المذكور في طبقات الزيدية.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ويروي صحيفة علي بن موسى، عن الإمام نجم الدين التبريزي.
قلت: اسمه بشير.
قال: عن الحافظ ابن عساكر، عن زاهر، عن طاهر السحامي، عن الحافظ البيهقي الشافعي، عن أبي القاسم المفسر، عن أبي بكر بن جعدة.
قلت: هو إبراهيم بن جعدة العباسي.
(رجع) قال: أنبأنا أبو القاسم، عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: أبو القاسم البصري، سمع عن أبيه الصحيفة لعلي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع)، وكان سماعه على أبيه في سنة ستين ومائتين، وذكر أنه يرويها عنه ابن جعدة المتقدم .
قال: ورواها عنه أيضاً أبو أحمد العسكري.
قال الذهبي: عبدالله بن أحمد بن عامر، عن أبيه، عن علي بن موسى /477
الرضا، عن آبائه، بتلك النسخة الموضوعة، ما تنفك عن وضعه، أو وضع أبيه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: انظر إلى هذا الكذب الصريح على الله، وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وإن هذه النسخة قد رواها الأئمة الثقات، وغيرهم من سائر العلماء، وممن رواها من أئمتنا: المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، وأخرج منها أحاديث في الشافي؛ والسيد المرشد بالله، والسيد أبو طالب، والسيد الجرجاني؛ ومن غيرهم كابن المغازلي، وغيرهم، إلخ كلامه.
وأفاد أن وفاته سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وأنه خرج له من أئمتنا الجرجاني(ع).
(رجع) قال: حدثني أبي، سنة ستين ومائتين، قال: حدثني علي بن موسى الرضا، سنة أربع وتسعين ومائة، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه.
انتهى المراد.
واعلم أن هذا المسند الشريف قد صحّ بتصحيح من يعتمد على تصحيحه، وبالتخريج لغالبه ـ إن لم يكن لجميعه ـ كما أشار إليه السيد الإمام في كتب أئمتنا (ع)، بأسانيدهم المعتمدة.
وأما السند المذكور من طريق ابن عساكر، فإن في رجاله من بعد الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، من لم يصح عندي توثيقه، ولستُ أذكر من الأسانيد للمؤلفات في هذا الجامع، إلا ماصحت عدالة رجاله إلى المؤلفين، إلا أن أوضح ذلك كما هنا.
نعم، قد روى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة في الشافي، من مسند الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، خبر البنفسج؛ قال فيه: أخبرنا القاضي محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم، قراءة عليه بصعدة، قال: أخبرنا والدي أبو محمد عبدالله بن حمزة بن أبي النجم.
ثم ساق سنده بطريقة أخرى إلى ابن جعدة، عن أبي القاسم عبدالله بن أحمد المتقدم؛ وغالب الظن أن الإمام (ع) يرويها كلها بهذه الطريق.
وقد رواها جميعها من هذه /478
الطريق ولده القاضي تقي الدين عبدالله بن محمد بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ.
[تراجم آل أبي النجم]
فالراوي الأعلى هو القاضي الحافظ، عالم المسلمين، أبو محمد، عبدالله بن حمزة بن إبراهيم بن حمزة بن أبي النجم.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: قال القاضي ـ يعني صاحب مطلع البدور ـ: هو العلامة رئيس صعدة في وقته، عين علماء الزيدية، كان عالماً فاضلاً مرجوعاً إليه..إلخ.
وذكر السيد الإمام أن من مشائخه القاضي شيخ الإسلام، زيد بن الحسن البيهقي، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد، وأنه أخذ عنه الإمام المنصور بالله، وولده محمد، وولده الذي روى عنه الإمام هو القاضي ركن الدين، حاكم المسلمين، عين عيون العلماء العاملين، أبو عبدالله، محمد بن عبدالله ـ رضي الله عنهم ـ.
قال السيد الإمام في ترجمته: سمع أمالي المرشد بالله على أبيه، عن السيد تاج الدين الحسن بن عبدالله المهول، عن القاضي الكني، قال ابن حميد: وسمع أمالي أحمد بن عيسى على خاله، في سنة ثلاث وستمائة، وروى صحيفة علي بن موسى، عن أبيه؛ ـ ثم ساق سنده ـ وروى عن الإمام أحمد بن سليمان كتابه أصول الأحكام إجازة، وروى عن أبيه عن القاضي جعفر بن أحمد، وأخذ عنه ولده عبدالله، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني.
إلى قوله: قال القاضي: هو القاضي ركن الدين، قاضي قضاة المسلمين، وواحد علمائهم، حجة الفضلاء، كان حاكم صعدة أيام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وله مذاكرات ومراجعات، وأثنى عليه الإمام المنصور بالله كثيراً، وفاته في زمن المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في عشر بعد الستمائة، والله أعلم. انتهى.
وولده الراوي عنه هو القاضي تقي الدين، أحد حكّام الإسلام، وأولياء سادات الأنام، وولاة الأئمة الكرام، عبدالله بن محمد بن عبدالله.
قال السيد الإمام في ترجمته: العلامة، يروي أحكام الإمام الهادي وغيره، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة؛ ويروي غيره من كتب الأئمة، وشيعتهم، عن أبيه.
إلى قوله: ويروي أيضاً عن القاضي عطية بن محمد بن حمزة بن أبي /479
النجم، وكان سماعه لأمالي أحمد بن عيسى سنة ثلاث وستمائة، وأجاز بعد السماع لصنوه حمزة بن محمد بن عبدالله بن حمزة، في شهر ربيع الأول، سنة ثمان وعشرين وستمائة؛ ورواه عنه سماعاً عبدالله بن عطية بن محمد بن حمزة، في ربيع الأول، سنة ثلاثين وستمائة.
[ذكر الأسانيد اليحيوية]
إلى قوله: وهو مؤلف كتاب درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية.
قلت: وهو لي سماع، بقرائتي لجميعه على والدي ـ رضوان الله عليه ـ، في تاريخ سماع الصحيفة المتقدم، وقد اتصل سنده إلى السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير (ع)، ووقع البحث عنه فلم يتصل إلى المؤلف في شيء من كتب الأسانيد، ولكن قد صحّ عن المؤلف بلا ريب، وقد تضمن أغلبمافيه من الأخبار اليحيوية، أحكام الإمام الهادي (ع).
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وله كتاب الحسبة والدور، وما يختص الإمام وغيره من الأمور، وله كتاب البيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، وغير ذلك.
قال القاضي: هو قاضي القضاة العلامة، خلاصة الأئمة، تقي الدين، كان عالماً فاضلاً، مرجوعاً إليه، مقدماً في كل شيء، له أخلاق العباد والعلماء، في مظهر الملوك وإفاداتهم؛ ولي القضاء بعد أبيه بجهة صعدة، وكتب له المنصور بالله عهداً، ثم استمر إلى زمن الإمام المهدي أحمد بن الحسين، وكتب له عهداً، وكان موئلاً للبلاد والعباد ـ رضي الله عنه ـ، توفي في نصف ربيع، سنة سبع وأربعين وستمائة. انتهى
قلت: وأهل هذا البيت الكريم بدور أعلام الشيعة، وصدور حفاظ الشريعة، وقد أثنى عليهم أئمة الحق، وسادة الخلق.
قال الإمام الداعي (ع)، في ترثية العلامة حاكم المسلمين، إبراهيم بن عبدالله بن محمد ـ رضي الله عنه ـ، التي صدرها:
أرى الموتَ كلٌ به مرتهنْ
فصبراً على حادثات الزمنْ
إلى قوله:
وكنتم قضاة لآل الرسول
تقفون إِثْرَهُمُ في السننْ
/480
وقال الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين (ع):
لآل أبي النجم الكرام مكارم .... تحل محلّ النيرات الثواقب
لهم عادة بذل النوال إذا سطت .... يد الدهر وانسدت وجوه المطالب
ونشر فنون العلم في كل مشهد .... إليهم له تحدى قلاص الركائب
... إلخ.
وقد استشهد معه القاضي حاكم المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، إسماعيل بن عبدالله ـ رضوان الله عليهم ـ.
ونسبهم ينتهي على التحقيق إلى حمير.
قال في مطلع البدور: ولم يمر بي في بيوت الزيدية بعد آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أكثر مناقب من أهل هذا البيت، ولله القائل:
الأسعدون بنو أبي النجم الأولى .... ظعنوا وثوب الدهر منهم عاطر
المنعمون ولا جوادٌ منعمٌ .... والمطعمون ولا كريمٌ ناحر
والطيبون فلا فعالٌ آثمٌ .... والحاكمون فلا قضاءٌ جائر
الأبيات.
هذا، وقد سبق في سند النهج أن السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، يروي صحيفة الإمام علي بن موسى، عن عمه الحسين بن علي الجويني (ع)، وأنه أسند كل كتاب إلى مؤلفه، فهي رواية لها مع ماتقدم، ولا بأس بها مع طي الإسناد، على سبيل الاستشهاد، والمعتمد ماتقدم.
نعم، وقد سبقت في الفصل الأول، وغيره، أخبار عن الصحيفة فيها كفاية.
[السند إلى أمالي ظفر بن داعي]
أمالي السيد الإمام، العلامة الحافظ، ظِفْر بن داعي بن مهدي الاستراباذي، أرويها بالأسانيد السابقة، إلى الإمام شرف الدين (ع)، عن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن، عن الفقيه يحيى، عن الأمير المؤيد، عن الأمير /481
علي بن الحسين، عن الشيخ عطية، عن الأميرين شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر، عن الكني، عن الشيخ أبي طاهر الحسن بن أبي سعد.
قلت: قال في الطبقات: الحسن بن ـ وبَيَّض قدر ربع سطر ـ، وتبعه المولى فخر الإسلام، ـ أيده الله ـ في المختصر.
ثم قال في الطبقات: أبو طاهر، يروي أمالي ظفر بن داعي، عن المظفر بن عبدالرحيم الحمدوني، قراءة سنة ست وثلاثين وخمسمائة، ورواه عنه الكني، وكان شيخاً أديباً. انتهى.
(رجع) عن المظفر بن عبد الرحيم الحمدوني، عن المؤلف.
قلت: ترجم له في الطبقات، فقال: السيد العلوي الاستراباذي، له أمالي، ذكره أئمتنا في مسنداتهم، ولم أقف عليها.
إلى قوله: قالوا: وكان سيداً عالماً. انتهى.
[كتاب أنساب الطالبية]
أرويها بالطريقين السابقين، في سند المجموع، إلى الإمام الحجة، المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، وبالطريق الثالث الآتي في سند الشافي إليه.
قال (ع) في الجزء الثاني من الشافي: أخبرنا الفقيه الموفق المكين، عبدالله بن عيسى الخزاعي، الثلاث المجلدات، في أنساب الطالبيين الغنائمية، زادهم الله شرفاً، قال: أخبرني شيخي، الإمام الشريف النقيب الفاضل السيد محمد بن علي المعروف بابن دحيا الحسني قراءة عليه المجلدة الأولى، المشتملة على أولاد الحسن بن علي(ع)، شرّف الله مقامهم إلا ثلاث قوائم منها، عينها لنا فيها، وباقي المجلدة من الثلاث القوائم والمجلدين الآخرين مناولة من يده.
قلت: بهذا الإعراب في الشافي في (المجلدين)، ووجهه أن ينتصب بعامل محذوف، معطوف على أخبرني، دلّ عليه مصدره ـ أعني مناولة ـ أي وناولني المجلدين..إلخ. /482
(رجع) وأجاز لي الرواية عنه على شرائط أهل العلم فيه، وهو يرويه عن الشريف السيد الأجل علي بن الحسين المعروف بالجوهري، عن الشريف النقيب بالري نقيب العلويين، أبي الحسن علي بن الحسين عز الدين المعروف بمُعْلَم الطرفين.
قلت: ترجم لمن تقدم في السند هذا في الجزء الثالث من الطبقات، ولم يفد زيادة على ماأفاده الإمام (ع) في الشافي من أحوالهم المذكورة في السند.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام العالم أبو الغنائم، عبدالله بن القاضي الحسين بن محمد الحسيني الزيدي نسباً ومذهباً، المعروف بالنسابة.
قلت: وساق في الشافي سنده إلى الإمام الرضا، علي بن موسى الكاظم، في خبر الأسباط من ولد الحسن والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ، وقد سقته في كتاب التحف الفاطمية كاملاً.
نعم، ترجم لأبي الغنائم في الطبقات، فقال: عبدالله بن الحسن بن أبي عبدالله محمد بن الحسن بن الحسين الأحول ابن عيسى بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
قلت: هكذا نسبه بتمامه في مشجر السيد العلامة أبي علامة، وفي الطبقات، وأنه عبدالله بن الحسن، لاالحسين كما في نسخة الشافي المنقول عليها هذا.
قال: قرأ عليَّ الشريف الرضي بن الحسين بن المرتضى محمد بن الهادي للحق، كتاب الأحكام لجدّه الهادي.
قلت: وهي طريق للأحكام غير ما تقدم، وإليه طرق كثيرة، لكن الأسانيد الموجودة لم تتصل إلا بالثلاث الطرق السابقة.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال أبو الغنائم: أخبرني بالري سنة سبع عشرة وأربعمائة، وعرضتُ عليه نسبه فأقرّ به، ورأيتُ عليه آيات الخير، وهو سمع الأحكام عن أبيه عن جده، وسمع أبو الغنائم حديث ذكر الأسباط، وأنساب الطالبية الغنائمية، قال: حدثني أبو القاسم محمد بن/483
القاسم الحسني بآمل طبرستان، سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
وقال أبو الغنائم: أخبرني بكتاب الأحكام للهادي (ع) جماعة من ولده ـ يعني الهادي ـ منهم: أبو طالب الهاروني، قال: أخبرني به يحيى بن محمد المرتضى، قال: عن عمه الناصر، عن الهادي.
..إلى آخر الترجمة؛ وأفاد فيها أنه عالم فاضل، وأن مؤلفه هذا عشرة مجلدات، وأنه سماه نزهة عيون المشتاقين إلى وصف السادة الغر الميامين.
[السند إلى سلسلة الإبريز]
سلسلة الإبريز، بالسند العزيز، أرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن السيد أبي العطايا، عن أبيه، عن الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده، وهذا السند من أسانيدنا المتصلة بآل محمد، ليس بيني وبين الإمام المطهر بن يحيى أحد من غير العترة المطهرة (ع)، إلا على سبيل المتابعة.
(رجع) عن عمران بن الحسن قراءة، عن عبد الرحمن بن أبي حرمي.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الفصل الأول من الجزء الثالث، وأفاد أنه من العصابة الزيدية، قال فيها: العطار أبو القاسم المكي.
قال: حدثنا بسلسلة الإبريز، بالسند العزيز، الشريف بقية السادة بحلب، أحمد بن محمد بن جعفر.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو جعفر، وذكر روايته.
إلى قوله: وكان سيداً شريفاً ثقة، بقية السادة الحسينية بحلب؛ هكذا ذكره عمران بن الحسن، في ذكر السلسلة المذكورة. انتهى.
عن بقية المشائخ، محمد بن علي بن ناشر الأنصاري. /484
قلت: ذكره السيد الإمام بما في السند.
(رجع) قال: أخبرنا السيد الإمام الأطهر، شرف الدين، بقية السادة ببلخ، أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسيني قراءة علينا، من لفظه غير مرّة، سنة سبع وعشرين وخمسمائة، قال: حدثني سيدي، ووالدي أبو الحسن علي بن أبي طالب في سنة ست وستين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي أبو طالب الحسن بن عبيد الله الحسيني، في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله، قال: حدثني والدي محمد، قال: حدثني والدي عبيدالله، قال: حدثني والدي علي، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسن الأمير، أول من دخل بلخ من هذه الطائفة، قال: حدثني والدي الحسين، قال: حدثني سيدي ووالدي جعفر الملقب بالحجة.
قلت: ترجم لكل واحد من هذه العصابة العلوية المحمدية، في طبقات الزيدية، وجعفر عاشرهم، وأمير المؤمنين الخامس عشر منهم (ع)، ولا يلتفت إلى مافي بعض كتب الإجازات من النقص والزيادة، فهذا الصحيح.
قال في ترجمة جعفر: أبو الحسين، يروي عن آبائه، وعنه ولده الحسين.
إلى قوله: وكان القاسم بن إبراهيم الرسي يقول: جعفر بن عبيد الله، من أئمة آل محمد؛ وكان فصيحاً، وكان أبو البختري وهب بن وهب قد حبسه بالمدينة ثمانية عشر شهراً، فما أفطر إلا العيدين. انتهى.
قلت: وهو أخو السيد الإمام عالم أهل بيت محمد، وعابدهم، علي بن عبيدالله، الذي أوصى إليه الإمام محمد بن إبراهيم، وهو جدّ يحيى بن الحسن بن جعفر العقيقي، صاحب نجم آل الرسول ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ، مؤلف كتاب الأنساب.
والعقب لجعفر الحجة من ولديه، الحسن، والحسين، ومن ولده الأمراء بالمدينة، وملوك بلخ.
(رجع) قال: حدثني سيدي ووالدي عبيدالله الزاهد، قال: حدثني /485
سيدي ووالدي الحسين الأصغر، قال: حدثني سيدي ووالدي علي بن الحسين زين العابدين، قال: حدثني سيدي ووالدي الحسين المظلوم الشهيد، سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، قال: حدثني سيدي ووالدي أمير المؤمنين، ويعسوب الدين، علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه وسلامه وعليهم أجمعين ـ، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -: ((ليس الخبر كالمعاينة)).
[قلت]: وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والخطيب، عن أنس وعن أبي هريرة وابن عباس.
[وقال]: ((المجالس بالأمانة)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن علي، وأبو داود عن جابر.
[وقال]: ((الحرب خدعة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأحمد وأبو داود وابن ماجه والبزار والطبراني.
[وقال]: ((المسلم مرآة المسلم)).
[وقال]: ((الدال على الخير كفاعله)).
[قلت]: وأخرجه البزار والطبراني.
[وقال]: ((المستشار مؤتمن)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والطبراني في الكبير.
[وقال]: ((استعينوا على الحوائج بالكتمان)).
[قلت]: وأخرجه العقيلي، وابن عدي في الكامل، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، بلفظ: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود)).
[وقال]: ((اتقوا النار ولو بشقّ تمرة)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان، وأحمد في مسنده، عن عدي بن حاتم، بلفظ: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)).
[وقال]: ((الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)).
[قلت]: وأخرجه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والطبراني والحاكم والبزار.
[وقال]: ((الحياء خير كله)).
[قلت]: وأخرجه مسلم وأبو داود، عن عمران بن حصين.
[وقال]: ((عِدَةُ المؤمن كالأخذ بالكف)).
[قلت]: وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن علي، بلفظ: ((عدة المؤمن دين، وعدة المؤمن كالأخذ باليد)).
[وقال]: ((لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث)).
[قلت]: وأخرجه أبو داود، وأخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي وأحمد، عن أبي أيوب، بلفظ: ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)).
[وقال]: ((من غشنا فليس منا)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في الشعب، عن أبي الحمراء؛ وأخرجه الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية؛ وأخرج الرافعي عن علي: ((ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أو ماكره)).
[وقال]: ((ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى)).
[قلت]: وأخرجه أبو يعلى في مسنده.
[وقال]: ((الراجع في هبته كالراجع في قيئه)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه البخاري، قال: هو في الصحيحين، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث ابن عباس بلفظ: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
[وقال]: ((البلاء موكل بالمنطق)).
[قلت]: وأخرجه القضاعي عن حذيفة، وأخرجه ابن السمعاني في تاريخه عن علي.
[وقال]: ((الناس كأسنان المشط)).
قلت: هذا الخبر ونحوه محمول على ما يعمّهم من الأحكام، كالقصاص والديات والمجازاة لكل بما عمل، ونحوها من التكاليف العامة، كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج..إلخ.
فأما في غير ذلك، فالآيات القرآنية ـ كقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران]، والأحاديث النبوية كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)) الحديث بألفاظه الشريفة، أخرجه أبو العباس، والمرشد بالله، ومسلم، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم ـ دالةٌ على تفضيل الله تعالى لبعض خلقه على بعض، وهي معلومة من ضرورة الدين.
فمعنى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى)) الباء في هذا ونحوه بمعنى (مع)، فلا يعتد بالفضل عند الله إلا مع التقوى؛ فإذا اتقوا كان لكل أحد فضله.
وقد فضل الله تعالى بعض الرسل على بعض، وهم أتقى الخلق؛ قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [البقرة:253].
وقد بسطنا الكلام في غير هذا المحل.
[وقال]: ((الغنى غنى النفس)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((السعيد من وعظ بغيره)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي وابن عساكر.
[وقال]: ((إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر حكماً)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد في مسنده، وأبو داود عن ابن عباس، كما في الجامع الصغير، وأخرج أبو داود من حديث بريدة: ((إن من البيان سحراً، وإن من العلم جهلاً، وإن من الشعر حكماً، وإن من القول عياً)).
[وقال]: ((عفو الملوك أبقى للملك)).
[قلت]: وأخرجه الرافعي عن علي.
[وقال]: ((المرء مع من أحب)).
[قلت]: وأخرجه بهذا اللفظ أحمد والشيخان، وأبو داود والترمذي والنسائي، عن أنس؛ وأخرجه الشيخان عن ابن مسعود، وأخرج الترمذي عن أنس: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)).
[وقال]: ((ما هلك امرؤ عَرَفَ قَدْرَهُ)).
[وقال]: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة؛ وأخرجه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة؛ وأبو داود عن عثمان، والنسائي عن ابن مسعود، وعن الزبير؛ وابن ماجه عن عمر، وعن أبي أمامة.
[قلت]: وهذا الخبر وما في معناه متواتر.
[وقال]: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، والشيخان.
[وقال]: ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود وابن حبان في صحيحه.
[وقال]: ((حبك للشيء يعمي ويصم)).
[قلت]: وأخرجه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، عن أبي الدرداء؛ والخرائطي عن أبي برزة، وابن عساكر عن عبدالله بن أُنَيْسٍ، كما في الجامع الصغير.
[وقال]: ((جُبلت القلوب على حبّ مَنْ أحسن إليها، وبغض مَنْ أساء إليها)).
[قلت]: وأخرجه ابن عدي في الكامل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الشعب، عن ابن مسعود.
[وقال]: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه عن ابن مسعود.
[وقال]: ((الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)).
[قلت]: وأخرجه أحمد في مسنده عن علي، والقضاعي عن أنس.
[وقال]: ((إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه)).
[قلت]: وأخرجه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، وابن عدي في الكامل، والبيهقي في الشعب، وغيرهم، عن ابن عمر، وجرير، ومعاذ، بلفظ: ((إذا أتاكم كريم قوم))..إلخ.
[وقال]: ((اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع)).
[قلت]: وأخرجه البيهقي في سننه، وأخرجه عبد الرزاق.
[وقال]: ((مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد)).
[قلت]: وأخرجه أحمد والشيخان، والترمذي، والنسائي، عن ابن عمر؛ وأخرجه الترمذي وابن حبان، عن سعيد بن زيد؛ والنسائي عن بريدة؛ وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن سعيد بن زيد أيضاً بلفظ: ((مَنْ قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد)).
[وقال]: ((الأعمال بالنية)).
[قلت]: قال النمازي: أخرجه الشيخان.
[وقال]: ((سيد القوم خادمهم)).
[قلت]: وأخرجه الخطيب عن ابن عباس.
[وقال]: ((خير الأمور أوسطها)).
[قلت]: قال النمازي في تخريجه: أخرجه البيهقي في الشعب، عن عمرو بن الحارث، بلاغاً. أ هـ.
[وقال]: ((اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس)).
[وقال]: ((كاد الفقر أن يكون كفراً)).
[قلت]: وأخرجه الشيخان والنسائي، عن عدي بن حاتم.
[وقال]: ((السفر قطعة من العذاب)).
[وقال]: ((خير الزاد التقوى)).
[قلت]: وأخرجه أبو الشيخ وابن حبان في الثواب، عن ابن عباس، بلفظ: ((خير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين)).
انتهى بتصرف، من شرح الأحاديث المسلسلة.
وأرويها بالسند المزبور في طبقات الزيدية، في ترجمة السيد الإمام جعفر الحجة، والسند الآخر، الذي في بلوغ الأماني؛ ولكن هذا السند الذي ذكرته هو المختار.
[السند إلى الشافي وجميع مؤلفات الإمام المنصور بالله(ع)]
قد تقدم السند في طرق المجموع، إلى مؤلفات الإمام الأعظم الحجة، أمير المؤمنين، المنصور بالله، أبي محمد، عبدالله بن حمزة (ع)، وروايتنا لها عنه من طريقين.
ونورد هنا طريقاً ثالثة، زيادة في الفائدة، فأقول وبالله التوفيق:
يروي المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ جميع مؤلفات الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة، التي هي: كتاب الشافي، وصفوة الاختيار، والمهذب، وحديقة الحكمة، والرسالة الناصحة، وشرحها، والفتاوى المرتبة وغير المرتبة، ورسائله، وأشعاره، وجميع مؤلفاته، وهي كثيرة غزيرة ـ وقد ذكرتُ مؤلفاته في التحف الفاطمية ـ كما سبق، سماعاً فيما سمعتُ منها كالشافي، والرسالة الناصحة، والحديقة، وما تضمنته المؤلفات من كتبه (ع)، وإجازة عامة لها، ولغيرها، عن والدي شيخ آل الرسول، العلامة الولي، محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، عن والدنا /486
الإمام المهدي لدين الله، محمد بن القاسم؛ عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبد الرب.
(ح)، ويروي ذلك الإمام المهدي محمد بن القاسم، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير عن السيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي، عن السيد الإمام محمد بن عبدالرب، عن عمه إسماعيل، عن أبيه محمد، عن أبيه زيد، عن أبيه المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
وأرويها بجميع الطرق السابقة إليه، وهو، عن مشائخه الأعلام أمير الدين بن عبدالله، وإبراهيم بن المهدي، وصلاح بن أحمد، عن والده السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين، عن الفقيه جمال الدين علي بن أحمد، عن الفقيه العلامة علي بن زيد، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن الفقيه نجم الدين يوسف بن أحمد، عن السيد الإمام جمال الدين الهادي بن يحيى، عن والده السيد الإمام صاحب الجوهرة، والياقوتة، يحيى بن الحسين اليحيوي؛ عن الفقيه العلامة إمام المذاكرين، محمد بن سليمان بن أبي الرجال ـ المتوفى عام ثلاثين وسبعمائة ـ بمناولة الفقيه العلامة عبدالله بن علي، بالمناولة والقراءة من والده الشيخ العلامة، بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين الأكوع جامع كتاب الإختيارات المنصورية، وصاحب المقامات المشكورة الإمامية؛ وقد روى عنه الإمام (ع) في الشافي، وهو من تلامذة الإمام، وأعيان الأعلام، في تلك الأعوام؛ عن الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، ـ رضي الله عنهم ـ.
[ديباجة الشافي]
قال (ع) في الشافي: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي قصر عن تأدية مايجب له من الحق حمد الحامدين، ولاإله إلا الله إرغاماً لأنوف الجاحدين، الأول فلا نهاية لأوّليته، والآخر فلا غاية لآخريته.
إلى قوله: أوضح نهج السبيل، وكشف عن وجه الدليل.
إلى قوله: لم يأمر المكلفين بفعل مافعل، ولا نهاهم عن تركه، بل انتحل ذلك القدري بمينه وإفكه؛ كيف يُذَم على فعلٍ ربُّه /487
فاعله، أو يُمْدَح بعمل ذو الجلال عامله؟ انهزم من الكسب إلى غير فئة منيعة، ورام التحصن من البرهان بأخلاقه الرقيعة فكان كالباني على جرف هار، والهارب من الرمضاء إلى النار؛ وصلى الله على المبعوث من أطيب جرثومة وأشرف أرومة، وأكرم خؤولة وعمومة، نبي الرحمة، وسراج الظلمة، وأبي الطاهرين الأئمة؛ أيده الله بالأدلة الظاهرة، والمعجزات الباهرة، فبلغ الرسالة، وأوضح الدلالة، وطمس الجهالة، وأيقظ من الغفلة والسنة، ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فكان أول من أجابه من الرجال ابن عمه، وكاشف كربه، وفارج همه، ليث دولته الواثب، ونجم دعوته الثاقب، وسيف صولته القاضب، وسهم نحلته الصائب، علي بن أبي طالب؛ فاستوزره وآخاه، وقرّبه واجتباه، فهو الوصي والوارث، والدافع للكارث.
شعراً:
كان إذا ارتج العدوّ على الإسـ .... ـلام باباً دعاه يفتح بهْ
خليفة الله في بريته .... وهو شريك النبي في نسبهْ
إلى قوله: نام على الفراش، فادياً له بمهجته ليلة الغار.
إلى قوله: وتعرّض للشهادة في موطن بعد موطن، البطين الأنزع، والليث الأروع، والشجاع الأقرع، والسم المنقع.
إلى قوله: والقمر الزاهر، والسيف الباتر، والنوّ الماطر، والبحر الزاخر، والقِدْح القامر، صاحب الأفاعيل ببدر وحنين، شريف المنصبين.
إلى قوله:
إن علي بن أبي طالب .... جدّا رسول الله جدّاهُ
أبو علي وأبو المصطفى .... من طينة طهّرها اللهُ
/488
وصلوات الله على أهل بيته، نجوم الملة، وأدلة الأدلة، مزيحي العلة، وشفاء الغلة، حتف المعاندين، وسمّ الجاحدين، الرادين كيد الكائدين؛ كما روينا عن أبينا خاتم المرسلين ـ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين ـ أنه قال: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله)).
على الله توكلنا، وبه اعتصمنا؛ ورضي الله عن الصحابة والتابعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن الرسالة الخارقة، وصلتنا منقلبنا من المغرب، في شهر شوال، سنة ثمان وستمائة.
إلى قوله: وقد طابق اسمها معناها؛ لأنها خرقت عادة المسلمين.
إلى قوله: فقد أصاب صاحبها في اسمها، وإن أخطأ في معناها؛ ومن نظرها بعين النصفة عرف حقيقة ماقلناه، منها: المدح لأهل مقالته، وأنهم أهل السنة والجماعة، وجرّد ذلك عن الأدلة القاضية بصحة دعواه.
إلى قوله: ومنها: ذمه لما ورد من جهتنا، من الرسالة المتضمنة للآثار النبوية، المأثورة عن جميع علماء البرية، بعد تعييننا لها بكتبها ومواضعها، وشيوخها وطرقها.
إلى قوله: رام للصحابة النصرة، بسب جماعة العترة، واستثنى منهم من اعتقد إمامة المشائخ، وأحد منهم لايعتقد ذلك بشهادة المسلمين والمعاهدين، والاستثناء إخراج بعض من كل؛ فكان كالمستثني عشرة من عشرة.
إلى قوله: فرأينا التفرغ لجوابه في بعض الأحوال، أولى من كثير من الأشغال؛ فإن اهتدى لم نكره هدايته، وإن استحب العمى على الهدى كنا قد خرجنا عن عهدة مايلزم، من النصيحة للمكلفين؛ ولعل غيره يستبصر بمالم يبصر به، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون؛ وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون.
فأما السب والأذية، فمما لاجواب فيه من قبلنا، /489
تشريفاً لنصابنا، وحراسة لأنسابنا.
ويشتموا فترى الألوان مسفرة .... لا عفو ذلّ ولكن عفو أحلام
إلى قوله: واعتذاره بأن سبه لنا نصرة للأصحاب، وتعرضاًللثواب، عذر غير مخلص عند ذوي الألباب، اليوم ولا غداً عند رب الأرباب؛ لأنهم ـ سلام الله عليهم ـ أولى الخلق بالهدى والصواب، وأعرف الخلائق بعلم الكتاب.
إلى قوله:
لا تسبنني فلست بسِبِّي .... إن سبي من الرجال الكريمُ
ماأبالي أنبّ بالحَزْنِ تيس .... أم لحاني بظهر غيب لئيمُ
إلى قوله (ع): علينا نزل العلم ومنا انتشر، أريه السها ويريني القمر.
إلى قوله (ع): ماظنك ببيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، هجرته الشياطين المردة، وعمرته الأولياء الحفده؟! فكم من قاطع ما أمر به الحكيم أن يوصل، ومن ناسٍ هول اليوم الأطول.
إلى قوله (ع): قال بزعمه: أَصِلُ الأول وأقطع الآخر؛ كأنه لم يعلم استحكام عقد الأواصر، كما روينا عن أبينا النبي، الصادق العربي: ((كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة، إلا نسبي وسببي)).
إلى قوله (ع): زعم أنه انتصر لأبي بكر وعمر وعثمان، وعدّ تقديمنا لعلي مجانباً للإيمان، وأكد ذلك بالسب والبهتان؛ فحفظ الصحابة، بتضييع القرابة، ولم يعلم أن حق الأمة على منازلها مرتب على حق أهل البيت المجللين بالكساء، المصطفين على الرجال والنساء؛ فإن تقطّع قلبه أسفاً وحسداً، فما ذنبنا في ذلك؟ أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم /490
الكتاب والحكمة، وآتيناهم ملكاً عظيماً.
وكذلك ماقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من الذم لذامهم، والخبر عن حال باغضهم، في ابتداء خلقه: ((إنه لغير رشدة، أو حملته أمه في غُبَّر حيضة، أو كان من لاخير فيه من الرجال)).
فذلك قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وهو عن الله.
إلى قوله (ع): جهلت السورة، فعكّسْتَ الصورة؛ كم بين من يشهد بما ورد فيه الموالف والمخالف، ويجمع على صحة النقل فيه جميع الطوائف، وبين من زحزحته العترة الطاهرة من الولاية قصياً، ولم تجعله للمؤمنين ولياً؟
[نبذة من الشافي في إجماع العترة على أنه لانجاة للخلفاء إلا بموالاة العترة]
اعلم، أن كافة أهل البيت الطاهرين، ذرية خاتم النبيين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يدينون ويعتقدون أنه لانجاة لأبي بكر وعمر وعثمان، إلا بخلوص ولائهم فيهم؛ لأن الله أوجب محبتهم على جميع المكلفين، وهم منهم؛ لأنا روينا عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).
وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب.
وفي الحديث فيهم ـ سلام الله عليهم ـ: ((قدموهم ولاتقدموهم، وتعلموا منهم ولاتعلموهم، ولاتخالفوهم فتضلوا، ولاتشتموهم فتكفروا)).
إلى قوله (ع): فقد أخطر بنفسه، وصار كما قيل في المثل: قيل للشقي: هلم إلى السعادة؛ فقال: حسبي ماأنا فيه.
يظن أن سبه لذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ينقصهم، أو يضع منهم، ونقص ذلك عائد عليه، ووباله صائر إليه، فهو كمن طعن نفسه؛ ليقتل ردفه.
ماضرّ تغلب وائلٍ أهجوتها .... أم بلت حيث تناطحَ البحرانِ
إلى قوله (ع): فأما جعله لصاحب بغداد، وليجة دون أهل بيت النبوة، /491
ومعدن الرسالة، ومحل الوراثة، فقد أبت ذلك عليه أخبار الصحاح، إن اعتقد أنها صحيحة، في خبر الكساء والبُرد والمباهلة، وغير ذلك من الآثار في تخصيصهم بأنهم عترته، أهل بيته.
إلى قوله (ع): فأما ذريته فلا ينازعنا أحد في ذلك من أهل الدين، وقد كان شغب الحجاج في ذلك ثم سلّم وانقطع، إلا أن تكون بلية صاحب الخارقة أعظم من بليته، وقضيته أقبح من قضيته، ففي قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ(16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)}[المرسلات]، مايذهب هَمّ كل مؤمن حزين.
إلى قوله (ع): فأما ائتمامك به، فينبغي لمن كان على مثل حالك، أن يكون إمامه كذلك، يوم ندعوا كل أناس بإمامهم، فأنت في الائتمام، وهو في الإمامة؛ كما قيل في المثل السائر: وافق شن طبقه، وكما قال الشاعر:
*هذا السوار لمثل هذا المعصم*
ولكن مايكون حال الأعمى إذا قاده الأعمى، والضال إذا كان دليله الضال.
إلى قوله (ع): كيف يصحب الخائفُ الخائفَ، ويؤم الضنينُ الضنينَ، ويقيم الحدودَ المحدودُ، وينفذ الأحكام المحكوم عليه؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون، من ضلال هذه الأمة، وجفوتها لأهل بيت نبيها؛ ولكن كيف يستعظم ذلك من أمة قتل ابنُ دعيها ابنَ نبيها، فما ذرفت عيونها، ولاوجفت قلوبها، ولا أوحشها حوبها؟!.
هذا وبرد الإسلام قشيب، وأصاغر الصحابة يستعظمون وخط المشيب؛ ولما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ مرضيّ الفعل، مشكور العمل، قد أنقذ الخلائق من شفا الحفرة، ونجاهم من بحار الهلكة، وأضفى عليهم ستر الإسلام، الحسن الجميل، لم يبق منهم عنق مكلف، إلا وفيه له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ منَّة الهداية؛ والمنة لله تعالى. /492
[نبذة من الشافي في التظلُّم مما كان إلى فاطمة]
كان من أمر فاطمة ـ عليها السلام ـ السلالة المرضية، والنسمة الزكية، والجمانة البحرية، والياقوتة المضيئة، ماكان من النزاع في الإرث، وبعد ذلك في أمر النحلة لفدك وغيره، ماشاع في الناس ذكره، وعظم على بعضهم أمره، حتى قال قائلهم:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادعت؟ .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها؟
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها؟
فمُرّضَتْ سراً، ودُفنت ليلاً، وذلك بعد دفع الوصي عن مقامه، واتفاق أكثر الأمة على اهتضامه، فتجرع أهل البيت (ع) الرزية، وصبروا على البلية، علماً بأن لله داراً غير هذه الدار، يجبر فيها مصاب الأولياء، ويضاعف لهم فيها المسارّ؛ وهي دار الدوام ومحل القرار، ويضاعف على الأعداء الخزي والبوار، ويخلدون في أنواع العذاب التي أحدها النار؛ فلسنا ـ والحال هذه ـ نستعظم من صاحب الخارقة ماأظهر من الأذى، ونشر من البذى، وأظهر الجهل بأهل بيت النبوة، وذلك لاينقصهم.
ويُظْهِرُ الجهل بي وأعرفه .... والدرّ درٌّ برغم من جَهِلَه
إلى قوله [في الشافي]:
وهبني قلت هذا الليل صبح .... أيعمى العالمون عن الضياء ِ
إلى قوله (ع): وقد اعتذر الفقيه لما أظهر من الأذية، أنه يطلب بذلك التقرب إلى الله سبحانه، في نصرة أبي بكر وعمر؛ لما أنكرنا تقدمهما على خير البشر، فمن أبى فقد كفر؛ كما روينا ذلك في الأثر.
إلى قوله (ع): كيف يذم قوماً فرضت عليهم الصلاة في الصلاة، ومثلوا بباب حطة وسفينة النجاة.
إلى قوله (ع): في تفسير ابن عباس: ماأنزل اللَّه تعالى في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي أميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد/493
ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في غير آية، وما ذكر علياً إلا بخير، ولاتعرض شبهة عند أحد من أهل البصائر، أن كل آية في القرآن تتضمن مدحاً وتعظيماً وتشريفاً للمؤمنين أو للمسلمين جملة، أن أمير المؤمنين درّة تاجها، ونور سراجها، ولا وقع وعد للمسلمين في العقبى، ولانصرة في الدنيا، إلا وهو مقصود عند جميع الأمة، فإن شرَّك معه غيره مدع، فببرهان يتوجده؛ أيستقيم أم لا؟
إلى قوله (ع): وكذلك أمر الله سبحانه نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أن ينوه باسمه، ويدل على فضله، بقوله وفعله، ويبين لأمته أنه القائم بخلافته، والمنصوص على إمامته، وأن الإمامة بعده في ذريته؛ وأكد الأمر فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة:67].
ولما علم مافي قلوب أقوام من الضغائن، آمنه من شرهم، بما أوضح من عصمته، بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة:67]
فامتثل أمر ربه، وبين بقوله وفعله، وميزه من أمته.
أما القول فلا ينحصر ـ لو أردنا حصره ـ في هذا الكتاب، فقد بينا ماروته العامة على انحرافها عنه (ع) خاصة، فَرَوينا مالا يمكنه إنكاره في باب الإمامة.
إلى قوله (ع): ولسنا نخاف في الله أحداً ولانخاف معه، وقد نشرنا الدعوة في الآفاق، وأبدينا صفحتنا لأهل الشقاق والنفاق، والمجاهرة بالعداوة في جميع الآفاق، كصاحب بغداد، ومن دونه ممن يعتزي إليه؛ فذلك أكبر دليل على رفع التقية، فكيف بنا في صاحب الخارقة وأجناسه من البرية؟
ولم نقدم علياً من تلقاء أنفسنا، وإنما قدمه الله ورسوله، فقدمناه، وألزمنا سبحانه ونبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ولاءه فالتزمناه.
هذا حديث الغدير ظهر ظهور الشمس، واشتهر اشتهار الصلوات الخمس، وخبر المنزلة، وحديث حذيفة: ((علي خير البشر))، وحديث عمار وأبي ذر /494
عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقوله لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني))، وكقوله: ((علي مني وأنا منه))، وكقوله: ((أوحي إلّي في علي، أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))، إلى غير ذلك مما رويناه مسنداً ومرسلاً، ومبيناً ومجملاً؛ فهذا تقديمه بالقول.
وأما بالفعل فإنه لم يولّ عليه أحداً قط، وقد ولى على أبي بكر وعمر وعثمان غير مرة، ولاينكر ذلك أحد من علماء الأمة؛ وما بعثه في جيش ولا سرية إلا وهو أميرها، يأمر بطاعته، ويحذر عن مخالفته، وهو صاحب رايته في كل زحف، حتى سأله جابر بن سمرة: يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟.
فقال: ((ومن عسى أن يحملها إلا من يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب)).
وأخذ براءة من أبي بكر ودفعها إليه، وقال: ((لايبلغها أحد عني، إلا أنا أو رجل مني)).
وأخرجه عند المباهلة، وأجراه مجرى نفسه، دون غيره، بنص ربه؛ لأنه لايفعل من تلقاء نفسه؛ إن هو إلا وحي يوحى.
وآخى بين أصحابه وقال: ((هو أخي في الدنيا والآخرة)).
وزوجه ابنته فاطمة، ابنة الوحي، بأمر اللَّه تعالى، سيدة نساء العالمين، مع كثرة خطّابها.
إلى قوله: فانتظر أمر الله فيها، فأمرهيزوجها من علي (ع)، بعد أن عقد بها في السماء، بأمر الملك الأعلى؛ فلها عقدان: عقد سماوي، وعقد أرضي.
وقال لفاطمة في حديث طويل: ((زوجتك أعلمهم علماً، وأقدمهم سلماً)).
ولم ينقم منه طول صحبته، ولا أنكر عليه شيئاً من قوله ولا فعله مدة حياته؛ بل أنكر على من شكاه في فعله، كخالد بن الوليد، ورسوله أبي بريدة، وقال له: ((مالكم ولعلي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة)).
ولما تمم ماأمره به ربه من /495
النص على إمامته، والإشارة بخلافته، نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة:3].
هذا غير ماكان في حال صغره، فإنه في حال ولادته، غسله وسماه، وفي حجره المبارك رباه.
إلى قوله: وهو كشّاف الكرب عن وجه رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
[نبذه من الشافي في فضائل العترة ووجوب التمسك بهم]
ثم خصه الله بالذرية الطيبة، المباركة الزكية، التي ملأت البلاد، مشاهد ومعاهد، وعلوماً وفوائد، فظهرت علومها، ورجحت حلومها، وصدقت كراتها، وظهرت آياتها، ومدحها ـ من الأكابر والأفاضل، دون الأسافل والأراذل ـ وليّها وعدوّها.
إلى أن ذكر (ع) ولاية الحرمين المطهرين ـ زادهما الله على مرور الأيام شرفاً ـ وأنهما تحت ولايتهم ذلك العصر.
قال (ع): فأحكامهم ماضية فيهما بما يسر صاحب بغداد تارة، ويسوؤه أخرى، وإظهارهم لأذان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، الذي ورثوه عن سلفهم، وأجمع عليه آباؤهم، بحي على خير العمل، مع كراهة من تحنبل.
ثم ذكر ـ صلوات الله عليه ـ المباحث المهمة، والعلوم الجمة، في طرق كتب الإسلام، وروايات الأنام من جميع الأمة، والبيان لحجج اللَّه تعالى من الكتاب والسنة، وتعداد فرق الأمة من جميع الطوائف، وما عليه كل فريق من موالف ومخالف.
وقال (ع)، بعد أن ساق البراهين على وجوب اتباع أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ من الكتاب والسنة، حتى انتهى إلى طرق أخبار التمسك مانصه: فهذه كما ترى أخبار متظاهرة، مما روته العامة، ولم تتناكر فيه، ولااختلفت معانيه، وقد تكرر لفظ العترة، وأهل البيت، وبينا مَنْ هم بدلالة الكتاب في آية التطهير، وأحاديث الكساء والبرد المتكررة المتظاهرة؛ إذْ هم موضع الحجة على الأمة، لمكان العصمة، وإيجاب الرجوع إليهم في المهمة، كما يرجع إلى الكتاب في الدلالة.
وهذا نصّ صريح يأمر به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كل من شملته لفظة الإسلام؛ /496
فمن كان من المسلمين لزمه الاقتداء بالثقلين: الكتاب والعترة، ولايلزم أهل بيته الاقتداء بأحد؛ لأن الوصية بالتمسك بأهل بيته، والأمر بذلك لأمته؛ فهو أمر بالاقتداء بهما، إلى آخر أيام التكليف؛ لأنه قيّد التمسك بالأبد، وجعل مدة اجتماعهما إلى ورود الحوض عليه، صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم.
وهذا الأمر منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بالتمسك بأهل بيته (ع)، عام لكل أهل الإسلام.
وهو أيضاً واجب يدل على وجوبه قُبْح تركه؛ لأنه (ع) قال: ((ماإن تمسكتم به لن تضلوا))، فجعل ترك التمسك بهما هو الضلال.
قلت: لأن منطوقه صريح بنفي الضلال عن المتمسك؛ وترك الضلال واجب، فيجب التمسك الموصل إلى القطع بنفيه قطعاً؛ إذ لاطريق إلى ذلك سواه.
ومفهومه، أن ترك التمسك بهما ضلال، وهو قبيح بلا إشكال، وأيضاً، التمسك بالكتاب واجب قطعاً؛ وقد قُرِنُوا به، فيكون حكمهم كحكمه.
وأيضاً، قد جعلهما خليفتيه؛ وللخليفة ما للمستخلف بلا خلاف، وإلا فلا معنى للاستخلاف.
وأيضاً، المقام صريح ضروري في هذا المقصود، فالمناكرة فيه باب من التكذيب والرد والجحود.
قال (ع): فصار ترك هذا الأمر قبيحاً، فعلم وجوبه بقبح تركه، وهو شهادة الصادق بنفي الضلال مع الاتباع، والاحتراز من الضلال واجب؛ لأنه دفع ضرر عن النفس، فوجب لوجهي الوجوب من العقل والسمع؛ فما بقي لمعتلّ علّة.
إلى قوله (ع): فقد صار الخبرالوارد بإجماع كافّة أهل الإسلام، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((افترقت أمة أخي موسى إلى إحدى وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وافترقت أمة أخي عيسى اثنتين وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار؛ وستفترق أمتي ثلاثاً وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والباقون في النار)) بياناً عن الفرقة الناجية من أمته، وهي التي تمسكت بالثقلين: كتاب الله، وعترة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - انتهى، /497
.
وقد رتب (ع) هذه المباحث على فصول:
فصل في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب].
ثم فصل في معنى قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
ثم فصل في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((خلفت فيكم الثقلين)).
ثم فصل في أن علياً (ع) أول من أسلم، وأول من صلى مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في أن علياً (ع) وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ثم فصل في الكناية عن أمير المؤمنين (ع)، بلفظ الخلافة، من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
ولما ساق الأخبار الواردة في ذلك قال (ع): فهذه الأخبار الواردة.
إلى قوله: تصرّح بلفظ الخلافة له ـ (ع) ـ بلا ارتياب؛ فلينظر في ذلك ففيه كفاية ومقنع لمن تأمله بعين الإنصاف؛ فما بعد لفظ الخلافة بيان يُلْتمس، ولا منار يُقْتَبس، ولا دليل يُسْتَفاد، ولا علم يُسْتَزَاد.
إلى قوله (ع): فإن في ذلك تنبيهاً للغافل، وعبرة للعاقل، ونفياً لكل شك مريب، عن كل كَيّس أريب، وتبصرة وذكرى لكل عبدٍ منيب..إلخ.
ثم فصل في ذكر يوم غدير خم.
ثم فصل في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} [المائدة].
حتى قال (ع): وقد ذكرنا الأخبار الواردة في هذه الآية، وأن المراد بها علي بن أبي طالب (ع).
إلى قوله (ع): فقد اتفقت الخاصة والعامة، /498
على أن المراد بالآية علي بن أبي طالب؛ وهذا نص صريح في صحة إمامته ـ (ع) ـ ووجوب خلافته، عقيب الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل؛ لأنه رتب الولاية ثلاث مراتب: لله سبحانه، وللرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وللمتصدق بخاتمه وهو راكع، وذلك علي بن أبي طالب (ع)؛ فهو الولي النافذ التصرف في الأمة.
إلى قوله (ع): وعيّنه تعييناً جلياً، وأشار إليه بإيتاء الزكاة في الركعة إشارة متفقاً عليها، من الخاص والعام، فثبت له من فرض الولاية ماثبت لله تعالى ولرسوله، على كافة خلق الله تعالى، كما ثبت لله تعالى ولرسوله.
ثم فصل في قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
ثم عقّب ذلك بحكاية المذاهب، وبيان كل فريق من موال ومناصب.
إلى قوله (ع)، بعد ذكر القائلين بدين آل محمد - صلوات الله عليه وآله - في التوحيد والعدل: من التابعين فمن بعدهم، من علماء الأمصار، في جميع الأقطار، من الحرمين الشريفين: مكة، والمدينة؛ والمصرين الكبيرين: الكوفة والبصرة؛ واليمن والشام.
واعلم أرشدك الله تعالى، أنا لم نذكر من ذكرنا وتعنينا بتعدادهم؛ لأنا ندعي أنهم أكثر ممن خالفنا، بل المخالفون لنا أكثر أضعافاً؛ وإنما جعلنا ذلك في مقابلة قول الخصم: إنه صاحب السنة والجماعة.
[نبذة من الشافي في معنى السنة والجماعة الصحيح]
فأما السنة، فهي لاتفارق الكتاب، والكتاب لايفارق العترة، بنصّ الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - الذي لايحتمل التأويل.
وأما الجماعة، فأي جماعة مع من خالف ذرية الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ومن علماء الأمة من ذكرنا؟
إلى قوله (ع): فكيف يصح للمخالف دعوى الجماعة فيما هذا حاله، أو السنة في خلاف العترة؟!.
وإنما هذا كما بينا، أن معاوية لما ظهر الأمر، واضطر الحسن بن علي ـ (ع) ـ إلى الموادعة سمى ذلك العام، عام الجماعة، وهذا معلوم للعلماء منا ومن خصومنا.
إلى قوله: فانظر إلى هذا الأصل، ما أضعفه، والأسّ ما أوهاه.
وأما إضافة مقالته إلى /499
سنة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وجماعة المسلمين، فهيهات هيهات، لن يصل إلى ذلك.
وقد شاركته فرق الإسلام في الدعوى، فانتفى الاستحقاق إلا بالبينات، وهي البراهين؛ ولن يجد سبيلاً إلى ذلك، وأنى له بذلك، ومن دونه خرط القتاد، وسفّ الرماد، وحزّ الجلاد؟.
إلى قوله (ع): وإن أعجب العجائب ـ وما عِشْتَ رأيتَ العجب ـ أن ضُلاَّل الأمة وشُذَّاذها، صارت تنازع أهل البيت دين أبيهم وجدهم؛ وأهل البيت أعرف بما نزل فيه؛ والعوام تقول: ولد الصانع أعرف من المتعلم سنة؛ ومن أمثال العرب: (تعرفني بضبّ احترشته).
إلى قوله (ع)، في شأن القرآن: نزل على جدنا من فوق سبع سموات، وحكى الحكيم سبحانه أنه لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأخبر بحفظه.
إلى قوله: وكيف يجهل الأمر أهله؟ ويحك، ففي بيت من نزل؟ ومن أين انتشر؟ وفي حجور من ربي؟ إلا في أهل التنزيل والتأويل، والتحريم والتحليل، ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وعترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، من أُلْهِمُوا غرائبه، وفهموا عجائبه، وعرفوا أوامره ونواهيه، ومجمله ومبينه، وخصوصه وعمومه، وناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ووعده ووعيده، وترغيبه وتهديده، ورسومه وحدوده، وقصصه، وعزائمه ورخصه، ولفظه وإعرابه، وأمثاله وأبوابه، ومايجوز فيه ومالا يجوز، وماوجه الحكمة في إنزاله على ماأنزل، وما المراد به، وما الواجب فيه وبه.
فإن أحببت صحة دعوى هذه الجملة، وصَلْتَ وسألتَ؛ وإن كنت قد عرفت استحالة هذه الدعوى وبطلانها بما أُلْقي إليك، من بغضة الآل، وأُلْهمت من المحال؛ فما هي من أبي بكر ببكر، وإذا لم تستح فاصنع ماشئت.
ويحك، من لك بنقض بيت عمره التنزيل، وخدمه جبريل، حازوا شرف الأبوة، وفازوا بفضل البنوة، فخفض لهم محب جناح المودة ففاز وغنم، وشمخ بأنفه وثنى بعطفه باغض فخسر وندم.
وعلى هذا المعنى وقعت دعوة إبراهيم (ع)، في قوله تعالى حاكياً عنه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي /500
إِلَيْهِمْ } [إبراهيم:37].
إلى قوله (ع): وسنبين لك أهل البيت حقاً بالأدلة، التي يعقلها غيرك إن لم تعقلها، ويقبلها غيرك إن لم تقبلها.
إلى قوله (ع) [شعراً]:
أتهجوه ولستَ له بكفؤٍ .... فشرّكما لخيركما الفداءُ
ولكن، وما قولك بضائر لنا، ولا قادح فينا، وقد بقينا على شنأة من هو أطول منك باعاً، وأشدّ ذراعاً، وأحرّ مصاعاً، وأثقف قراعاً.
وكيف يطمع في إزالتنا طامع، ونحن الكلمة الباقية، في عقب إبراهيم الخليل، والثقل من تراث محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الثقيل؟ فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؛ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
وقال (ع): وإنما دعونا المسلمين كافة.
إلى قوله: وقفونا في ذلك آباءنا، من لدن علي بن أبي طالب (ع)، إلى يومنا هذا.
إلى قوله: فذلك ديننا، ودين آبائنا (ع)، أدناهم إليّ أبي، وأعلاهم النبي العربي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، والوصي ذو البيان المعرب ـ سلام الله عليهم ـ.
إلى قوله (ع): وكان زيد بن علي (ع) أول من سن الخروج على أئمة الجور، وجرّد السيف بعد الدعاء إلى الله؛ فمن حذا حذوه من أهل البيت (ع)، فهو زيدي، ومن تابعهم وصوبهم من الأمة فكذلك، ولم يتأخر عن زيد، إلا الروافض؛ فهم أهل هذا الاسم، والنواصب وهم سلف الفقيه، الذي يمشي في آثارهم، ويعشو إلى نارهم، فما ضروا غير أنفسهم /501
.
فأما سند مذهبنا، فقد ذكرناه عن أب فأب، فنعم الآباء.
إلى قوله (ع):
حتى تنحلته نصاً فأفضل ما .... أخذت دينك نصاً عن أب فأبِ
إذا رأيتَ نجيباً صحّ مذهبه .... فاقطع بخير على آبائه النجبِ
فهذا سند مذهبنا، قد أسندناه إلى المشاهير، أئمة هدى، اختصوا بولادة المصطفى ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وكل آبائنا (ع) زيد إمامه؛ لأنه عندنا ـ أهل البيت ـ إمام الأئمة؛ لفتحه باب الجهاد، على أئمة الجور، وقد مدحه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، ومدح أشياعه، بما فيه كفاية.
وزيد بن علي، ومحمد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، لم يختلفوا في حرف واحد من أصول دينهم.
فلما قام زيد بن علي (ع) دونهم على أئمة الجور تبعه فضلاء أهل البيت (ع) في القيام.
فقال محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع): ألا إن زيد بن علي فتح باب الجهاد، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، ولن نسلك إلا منهاجه، ولن نقفوا إلا أثره.
[إسناد جملي لمذهب العترة وبيان من هو الزيدي]
وقال [المنصور بالله] (ع): فأما إسناد مذهبنا إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فأقول: أخبرني أبي، تَلْقِيْناً وحكاية، على العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة والإمامة لعلي بن أبي طالب (ع)، بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ بلا فصل، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما، فيمن قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما، واحتذى حذوهما، كزيد بن علي، ومن حذا حذوه من العترة الطاهرة ـ سلام الله عليهم ـ.
واختصت الفرقة هذه من العترة /502
وشيعتهم بالزيدية، وإلا فالأصل علي (ع)، والتشيع له؛ لخروج زيد بن علي (ع) على أئمة الظلم، وقتالهم في الدين؛ فمن صوّبهم من الشيعة وصوّبه، وحذا حذوه من العترة، فهو زيدي بغير خلاف من أهل الإسلام.
إلى قوله مخاطباً لصاحب الخارقة: فأين تغدو بفرقة قد استولت على كثير من أقطار الإسلام، وعمرته علماً ورجالاً، وجدالاً وقتالاً؟.
نعم، المفقود في أيام محمد بن إبراهيم (ع) من إخوانك الجنود العباسية مائتا ألف مقاتل، ماأفناهم إلا رجال الزيدية، وكم يعدّ لهم من الوقعات مع أئمة الهدى (ع).
إلى قوله (ع): ونحن ننص مذهبنا عن أب فأب، إلى أن يتصل برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وزيد بن علي (ع) أضاف أهل البيت مذهبهم إليه، قالوا: نحن زيدية.
وإنما مرادهم مذهب زيد بن علي (ع)، في الخروج على أئمة الظلم.
فأما الاعتقاد في أصول الدين، فرأي أهل البيت (ع) فيه واحد، لايختلفون في شيء من أصولهم.
ثم ساق (ع) إسناده في ذلك عن أب فأب، إلى أن اتصل بالنبي والوصي، عليهم صلوات الملك العلي.
قال في آخره:
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخنا .... ماذلك الإسناد من إسنادي
إلى قوله:
والله ما بيني وبين محمد .... إلا امرؤ هاد نماه هادي
وأنا الذي عاينتمُ أفعاله .... وكفى عيانكمُ عن استشهادي
/503
وقال (ع): وأما قولك: لم يمنعك من محبة أولاده إلا أنهم لم يتبعوه، والمحبة لاتكون إلا بالاتباع، فإحدى المقدمتين مسلّمة أنه لايجب الحب إلا بالاتباع.
فأما أن أهل بيته لم يتبعوه، فغير مسلّم؛ لأنه قد أخبر ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أنهم يتبعونه، ولا يفارقون كتاب الله إلى ورود الحوض، وأنهم سفينة نوح العاصمة؛ وهو عندنا أصدق من الفقيه، ومن غيره من الخلق، وإن كانت لفظة (أفعل) لا تستعمل بينهما.
قلت: أي على الحقيقة في التفضيل، كما لايخفى.
قال (ع): وقد صرتَ تزاوج بين الجهلين، فانظر نتيجة الجهل ماهيه؛ لأنك قلتَ: مامنعك من حب أهل البيت إلا أن المتأخرين منهم لم يتبعوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
واتباع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ عندك الثبوت على مقالتك الفاسدة؛ فهذا بناء جهل على جهل.
المتأخر من صالح أهل البيت (ع) لم يخالف الأول، ولا يخالفة إلى انقطاع التكليف، بشهادة الصادق المصدوق، خلاف قولك قد بينا، وقد رأيت الإسناد الذي حققنا لك، عن الطاهرين الناشئين في حجور الطاهرات؛ لأنا نعرفهم جملة وتفصيلاً، وتفصيل أقوالهم، ومبلغ أعمارهم، وعلل موتاهم، وأسباب قتلاهم، ومواضع قبورهم، وأولياهم في كل وقت، وأعدادهم في كل وقت، إلى يومنا هذا.
[نبذة من الشافي في إحاطة المنصور بالله (ع) بالعترة، وانحصارهم إلى وقته]
قلت: وهذه فائدة كبرى، ومهمة عظمى، في انحصار العترة الطاهرة إلى زمن الإمام فضلاً عمن سبقه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فما نقل من إجماعهم تواتراً كما في مسائل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيكون له حكمه، وهو دليل قاطع فيما يصح أن يستدل به فيه، وذلك فيما لم يكن حجية الإجماع مترتبة عليه.
وما نقل آحاداً ككثير من المسائل العملية، فله حكمه في الاستدلال به، على7 ماتقبل فيه الآحاد.
ومن خالف ما علم من إجماعهم فلا اعتبار به؛ لسبق الإجماع له، وذلك واضح ـ بحمد الله ـ.
وهذا ردّ على من زعم أنهم لاينحصرون، محاولة لإبطال حجة اللَّه تعالى على عباده، وإطفاء لنوره المبين في خلقه وبلاده؛ وحاشا الله أن ينصب لنا أدلته المعلومة، وحججه المرسومة،/504
ويؤكد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ التوصية بالثقلين، والاستمساك بالخليفتين، ويجعلهم كسفينة نوح المنجية من الغرق، ويخبر أنهم الأمان لأهل الأرض، وأنهم لايفارقون الكتاب إلى يوم العرض؛ ولا يكون لنا سبيل إلى ذلك، ولا اهتداء إلى سلوك تلك المسالك؛ فتبطل ثمرة هذه الحجج القويمة، وتضمحل فائدة تلك المناهج المستقيمة، وهل هذا إلا محض العبث أو الجهل؟!
تعالى وتقدس عن ذلك كله أحكم الحاكمين، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الصادق الأمين؛ بل هم حجج الله على خلقه إلى يوم الدين، وحملة دينه في كل وقت وحين.
نعم، قال الإمام (ع): فمن أولى بهم في دينهم؟ وما سبب الخلاف بين الفريقين؟ والمفرق بين الأئمة الهادين، كالمفرق بين النبيين، ومثل مقالة الفقيه - أبقاه الله -.......
قلت: وصدور مثل هذا الدعاء من الإمام (ع) لهذا الضال المعاند، من باب التهكّم، الذي لايراد حقيقة معناه، كقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)}[الدخان]، أو أنه أراد بقاءه إلى أن يبلغه مايدحض أقواله الباطلة، ويهدم أساسه وما بناه.
قال (ع): قالت اليهود والنصارى؛ لأنهم قالوا: نتبع من سبق من الأنبياء وتقدم، دون من تأخر، فلم يغن عنهم شيئاً من عذاب الله عز وجل؛ لأنها ذرية بعضها من بعض، ولم يخالفها أولادها، من علي (ع) إلينا، ولا اختلفت في ذات بينها؛ بل آخرها يشهد لأولها، بوجوب الاتباع والطهارة، وأولها يوصي بوجوب اتباع آخرها، وشيعتها ـ في جميع الأحوال ـ باذلة لأرواحها بين أيديها، ومنابذة بألسنتها عنها، ومشركة لأهل بيت نبيها في أموالها.
والفقيه وأهل مقالته في راحة عن هذا؛ فليت أنه جعل نصيبه من ولايتهم، ترك السب لهم، والرمي لهم بخلاف جدهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وأكبر دليل للفقيه ومن كان على رأيه من أهل سنته وجماعته، أنهم على بغضهم لهذه العترة الزكية، لايعلم في بلادهم ساكن من أفاضل ولد الحسن والحسين (ع). /505
[نبذة من الشافي في تعلُّق العلم بالمعلومات وردِّ شبهة الجبرية]
هذا، وقال الإمام (ع): وأما قوله ـ أي فقيه الخارقة ـ في جواب صاحب الرسالة ـ أي الشيخ محيي الدين ـ: إن الواحد منا لو كان قادراً على خلاف الواقع، أن عِلْمَ الله ينقلب جهلاً.
ثم قال بعده: وهذا باب الكفر يقرعه.
انتهى كلام الفقيه.
فالجواب: أن القول بأن العبد يقدر على خلاف ما علم وقوعه، لايقلب العلم جهلاً؛ لأن ما علم الله بأنه يقع، فإنه يقع لامحالة من حيث اختاره القادر عليه، لامن قبل أن اللَّه تعالى علمه، وما علم الله أنه لايقع، فإنه لايقع؛ لأن القادر لم يختر إيجاده، لا لأنه تعالى لم يعلم وقوعه.
قلت: وهذا معنى قول أهل العدل: إن العلم تابع للمعلوم، وسابق غير سائق ـ أي أن اللَّه تعالى علم أن الأمر سيقع لأنه سيقع؛ لا أنه سيقع لأن اللَّه تعالى علمه ـ فلا يخرج بذلك عن كونه مقدوراً.
والعلم إنما يقع على الشيء على ماهو به، ولا تأثير له في الوقوع ولا عدمه.
قال الإمام ـ صلوات الله عليه ـ: والعبد قادر في الحالين؛ فما في هذا مما يقلب العلم جهلاً؟
فإن أراد الفقيه أنا لو قدّرْنا وقوعه لانقلب العلم جهلاً، كان هذا سؤالاً غير ماسطره الفقيه، وكان الجواب عنه أن التقدير في هذا الباب لايكشف عما يكشف عنه التحقيق؛ لأن وقوع ما علم أنه لايقع، يقدح في العلم بأنه لايقع، والقدرة على ما علم أنه لايقع، لاتقدح في ذلك؛ وإنما يكشف عن حالة القادر، وهو أنه يقدر على ما وقع منه، وما يمكنه أن يوقعه.
على أن هذا لو لزم في القادر من العباد، للزم في الباري تعالى؛ لأنه يقال للسائل: ما تقول؟ هل الله قادر على ماعلم أنه لايكون أم لا؟
فإن قال: لا، قرع باب الكفر، الذي ذكره الفقيه حقاً.
وإن قال: بل هو سبحانه قادر على ماكان، وما سيكون، وما لايكون لو أراد أن يكون.
قيل له: فهل هو قادر على تجهيل نفسه، أو قادر على أن يقلب العلم جهلاً؟
فإن قال: لايجب ذلك؛ لأن التجهيل إنما يلزم بالوقوع، دون تقدير الوقوع.
قيل له: فارْضَ منا بمثله في فعل العبد.
ولأنه متى شرع في التقدير، أتبعنا التقدير تقديراً آخر؛ فمتى قال:/506
لو فعل؛ قلنا: كان في علمه أنه يفعل.
إلى قوله (ع): فكيف يقال: إن القدرة على خلاف ما علم وقوعه من التجهيل، لولا قلة التأمل والتحصيل؟
قلت: وهذه شبهة الجبرية، التي عميت فيها بصائرهم، وضلّت أفكارهم، وهي مستمدة من الملحدة الفلاسفة، أقماهم الله، كما أن كثيراً من أصول الجبرية، على قواعدهم المنهارة مبنية؛ يعلم ذلك المطلع على الآثار والرسوم.
وقد ألزمهم أهل العدل ألا يكون الله ـ جل وعز ـ قادراً على شيء؛ لسبق علمه بكل معلوم، فيكون على قَوَدِ قولهم: واجب الوقوع، مستحيل التخلف.
فخرج عن الاختيار، وصار القادر على كل شيء غير مختار؛ وهذا عين الكفر، وصريح الجبر.
وقد اعترف بعض المحققين، من هؤلاء المخالفين، كسعد الدين، وأقروا أنه يلزم منه الكفر؛ فنعوذ بالله من الخذلان وسلب البصائر.
وقد أقام الإمام ـ رضوان الله عليه ـ واضح البرهان، وأبان الحجة بما لامزيد عليه من البيان لكل ناظر؛ والحمد لله رب العالمين.
وقال (ع) عند ذكر الأسانيد إلى أئمة العترة (ع): وذكرنا أخذنا لمذهبنا بطرق تشفي المرضى؛ لشرف المذكورين فيها، منا إلى أبوينا: محمد وعلي ـ عليهم أفضل الصلاة والسلام ـ.
ثم ساق بسنده إلى أبي عبدالله جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن علي (ع) أن رجلاً سأله عن الحوض، فقال: الحوض حق، ولا يشرب منه في الآخرة إلا من ائتم بعلي (ع) في الدنيا ووالاه، وعرف حقه وعادى عدوّه.
قال: وقال الحسين بن علي: والله ما أحد على ملة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، إلا أنتم معشر الشيعة، والناس منها براء.
قال الإمام (ع): فما ترى فيما حكاه، ماترى؟ أتسمح وتقول إنك شيعي، كما قلت أولاً إنك زيدي، ودون ذلك خرط القتاد، فقد رضينا منك بقول أبي عبدالله؛ والصواب أنك تستقر على السنة والجماعة، كما بينا لك معناهما، فهو بك أليق.
وبسنده إلى الحسين السبط (ع)، أنه قال يوماً لشيعة أمير المؤمنين: أما والله، ما اكتسب مؤمن ذخيرة في دينه أفضل من ولاية علي بن أبي طالب، (ع) /507
.
قال: ففرح القوم؛ فقال: أبشروا؛ فوالله ما يتقبل إلا منكم، ولا يغفر إلا لكم.
وهذا يؤيد الأول في أمر الشيعة.
قال الإمام (ع): ومن مسند أبي القاسم محمد بن علي بن أبي طالب (ع)، المعروف بابن الحنفية، الذي بشر به الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأذن في تسميته باسمه وتكنيته.
وساق سنده في الشافي إلى قوله: قال أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب (ع): أيها الناس، إن محمداً ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) فوالله، ما على ظهرها مؤمن إلا ولنا في عنقه حق، إنْ أنكره فذهب إيمانه، أو عرفه فثبت إيمانه.
[نبذة من الشافي عن الصادق في تحديد وقت تسمية علي بأمير المؤمنين]
وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع)، قال: لو أن جهال هذه الأمة يعلمون متى سمي علي بن أبي طالب (ع) أمير المؤمنين، لم ينكروا ولايته ولا طاعته.
فسألته: ومتى سمي أمير المؤمنين؟.
قال: حيث أخذ الله ميثاق ذرية آدم (ع)، وكذا نزل به جبريل (ع) على محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى؛ قال: وأن محمداً رسولي إليكم، وأن علياً أمير المؤمنين؛ قالوا: بلى.
قال أبو جعفر: والله، لقد سماه الله باسم ما سمى به أحداً قبله.
قال الإمام (ع): فهذا قول محمد بن علي (ع)، ومثل هذا لايكون إلا توقيفاً؛ لأنه من خبر الله تعالى.
قلت: قد نصّ على ذلك أهل الأصول في حق الصحابي، أن مالم يكن للاجتهاد فيه مسرح، يحمل على التوقيف، وأشار المحققون إلى أن الصحابي وغيره في ذلك على السواء، وهو الحق؛ لأن الموجب لذلك عام في الجميع، كما هو مقرر في محله.
هذا، وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع) أيضاً قال: إنما كثر الاختلاف من أجل أنهم قدموا رجلاً ليس بأعلمهم بالله وبرسوله وبدينه، وأخّروا رجلاً كان /508
أعلمهم بالله وبرسوله وبدينه، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
قال الإمام (ع): فمن تراه أيها الفقيه، وما يزاد في هذا أوينقص، ليوافق مذهبك الذي خرجته على السنة والجماعة بزعمك.
وبسنده إلى أبي جعفر الباقر (ع) قال: الشاكّ في حرب علي كالشاكّ في حرب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
وبسنده (ع) إلى أبي جعفر الباقر (ع)، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لعلي بن أبي طالب: ((لعنتك من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، وهي باقية في أعقابنا إلى يوم القيامة)).
قال الإمام (ع): وهي على الفقيه مصيبة عظيمة؛ لأنه قال: ((وهي في أعقابنا إلى يوم القيامة)) ونحن أعقابهم.
قلت: وهذا الحديث في مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي، متصلاً بسند آبائه إلى رسول الله ـ صلوات الله عليه وآله ـ بدون ((وهي في أعقابنا))..إلخ؛ وبزيادة ((ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً))، والإضافة في الحديثين من إضافة المصدر إلى فاعله، بدليل قوله: ((ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً))؛ وهو الذي يسبق إلى الأفهام هنا؛ وبنى عليه الإمام حيث قال: وقد علم الفقيه إلخ وذلك واضح.
قلت: وقد عين الإمام (ع) في مواضع من الشافي، الذين كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - يقنت بلعنهم.
وبسنده (ع) عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أنه قال: الأئمة المفترضة طاعتهم منا، علي بن أبي طالب، والحسن والحسين (ع)، والقائم بالسيف يدعو إلى كتاب ربه، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
قال الإمام (ع): فهذا أيها الفقيه هو الذي ذكرنا لك أنا سمينا زيدية؛ لاتباعنا زيد بن علي في القيام بالسيف على أئمة الضلال، وحزب الشيطان.
وقال الإمام (ع) جواباً على الفقيه لما ذكر متابعة المعتزلة: فالجواب، أنا ـ بحمد الله ـ أغنياء باتباعنا آباءنا (ع) مصابيح الظلام، وبدور التمام، وصفوة الله من جميع الأنام؛ فبهديهم اهتدينا، وعلى أنوارهم سرينا، وهم معروفون، عند وليهم محبة، وعند عدوهم جلالة ورهبة؛ ما يجهلهم إلا أنت وأمثالك، من /509
حثالة الحشو، وحزامة الإرجاء والجبر، ورديء القدر.
إلى قوله (ع): فلو قلّدنا الجاحظ والنظام، والعلاف والشحام، لكنا على مثل رأيك الفاسد، في التقديم للمشائخ على أمير المؤمنين، وهذا عندنا أكبر جرمهم؛ فنحن نرميهم في هذا ونرميك من قوس واحدة، وقد أخذنا الدين عن آبائنا تلقينا، كما يلقن الصفوة أولادهم في حال الصغر؛ فلما بلغنا حد النظر اعتمدنا الدليل، فوجدنا قولهم أقوى الأقوال؛ لأن التقليد ذمّه اللَّه تعالى، وحكاه عن الكافرين، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} [الزخرف]، ورد عليهم تعالى بقوله: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ ءَابَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)} [الزخرف]، وذمه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، بقوله فيما رويناه بالإسناد الموثوق به: ((من أخذ دينه عن التفكر في آلاء الله، وعن التدبر لكتابه، والتفهم لسنتي، زالت الرواسي ولم يزل؛ ومن أخذ دينه عن أفواه الرجال، وقلّدهم فيه، ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين الله على أعظم زوال)).
وقال (ع) في سياق ذكر العترة مانصه: وإن المخصوص بذلك الذرية الزكية؛ وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن وأتباعنا من الشيعة، ومن حذا حذوهم في العدل من العدلية.
قلت: وفي قول الإمام (ع): من الصحاح عند العامة، دليل واضح، على عدم الحكم بصحتها، وأن تسميتها بالصحاح إنما هو مجرد اصطلاح؛ فافهم. /510
[مسموعات الإمام المنصور بالله (ع)]
قال (ع): ومجموع مسموعاتنا من الخاصة والعامة، تجاوز مائة ألف حديث، ظننا ذلك ظناً، وحزرناه حزراً، ولم نرد بذلك التبجح؛ وإنما أردنا التعريف، وبينا أنا المخصوصون بوجوب الوداد، من ذوي القربى، وخرجناه من الصحاح.
إلى قوله (ع): وقدمنا اختصاص أولاد الحسن والحسين (ع) بالإمامة، دون سائر إخوتهم وبني عمهم، ودللنا على ذلك؛ وكذلك اختصاصهم من الحرمة والحق والتبجيل والتعظيم، بما لايستحقه سائر أهلهم؛ لما لهم من الاختصاص بالنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لكونهم نسل بضعته الشريفة؛ وقدمنا أن الذي يشرف به البطون الأربعة على سائر قريش ـ بل على سائر العرب والعجم ـ هو بعينه يدل على شرف أولاد فاطمة (ع) على سائرهم، وهو شدة اللحمة، والقرب منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ.
إلى قوله: ولما حققه ـ وقوله الحق ـ أنهم أبناؤه وعصبته دون جميع الأقارب، وكان ذلك خاصة، كما ورد مثله في موارد الأحكام؛ فهم أولى به بالتعصيب، وذوو أرحامه، كما قال تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال:75].
ولأنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لو بُعِثَ لنكح من بني هاشم، لافينا؛ لأنهنّ بناته، ولما ضرب بينه وبينهن حجاب؛ فأي قرابة أقرب من هذا؟!.
قال (ع): ولقرابتهم هذه القريبة، ودعواهم هذه الظاهرة، لم يترك قائمهم القيام على قلّة الأعوان، وغدر الزمان.
إلى قوله (ع): فلقد لقي عدوّهم منهم أنواع العذاب.
هذا جدنا محمد بن إبراهيم (ع)، وهو القائم بالكوفة، عُدّ القتلى المفقودون من جند بني العباس في دعوته،/511
مائتي ألف قتيل.
وفي أيام علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد الناجم بالبصرة مائتا ألف وخمسون ألفاً؛ وقيل: تناهت القتلى إلى ألف ألف.
وفي أيام الحسن بن زيد (ع)، مالم يتأت لنا حصره.
وقتل الناصر الحسن الأطروش يوم نورود خمسة وعشرين ألفاً في يوم واحد؛ ثم قال على منبر آمل: آهٍ آهٍ، في الصدر حرارات لم تشفها قتلى نورود؛ قالوا: يابن رسول الله، ما تبغي؟ وعلى من تبكي؟ قال: أبكي لقوم هلكوا في الحبوس، ولقوم فُرّق بين أجسادهم والرؤوس، ولقوم مُزّقوا تحت أديم السماء.
إلى قوله (ع): فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، بل خاضوا بحار السيوف قدماً، حتى ماتوا كرماء، فأي خِيْم أشرف من خِيمهم؟ وأي عزائم أمضى من عزائمهم؟.
إلى قوله (ع): وهذا دأبهم، حتى يرد الله إليهم أمرهم؛ وإن تكن الأخرى، فما عند الله خير وأبقى؛ وكيف يلذّ لهم النوم، وأبوهم الليث الأغرّ مات مظلوماً، وأمهم الزهراء ماتت غضبانة، أوصت أن تمرض سراً، وأن تدفن ليلاً؟.
أتموت البتول غضبى ونرضى .... ماكذا يفعل البنون الكرامُ
وقال (ع): وقد ثبت أن إجماعهم حجة بما قدمنا ذكره؛ وسيأتي إعادة مايحتاج إلى إعادته من آية التطهير، وآية الاجتباء، وحديثي السفينة، وسواه.
[نبذة من الشافي في المسائل التي أجمع عليها العترة أصولاً وفروعاً]
إلى قوله: ونذكر له طرفاً مما أجمعوا عليه ـ سلام الله عليهم ـ.
فمن ذلك مما يتعلق بالفروع: إجماعهم على نفي صلاة الجمعة خلف أئمة الجور، وعلى تحريم التلبس بهم، وعلى ترك المسح على الخفين، وعلى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وعلى القنوت في الصلاة بالقرآن، وعلى تكبير خمس على الجنائز، وعلى جهاد المحدثين، وعلى تحريم المسكر وأنواع الملاهي.
[قلت:] يحمل قوله: وعلى القنوت في الصلاة بالقرآن، على أن المراد غير ماصحت به الأخبار، نحو: اللهم اهدني فيمن هديت..إلخ.
وكذا قوله: وعلى تكبير خمس، أي: لاينقص منها، وأما الزيادة فلا؛ لما ورد من تكبيره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ على الحمزة ـ رضوان الله عليه ـ مع جميع الشهداء، وغير ذلك.
قال عليه /512
السلام: وأما مسائل الأصول من نفي التشبيه على اللَّه تعالى، وأن علي بن أبي طالب الإمام بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأنه أفضل الناس بعده وأعلمهم، وعلى أن من تقدم عليه فهو متعدّ عليه، ظالم له؛ إلى سائر الأصول في العدل والتوحيد، وتوابعهما؛ فلا يناكر في ذلك إلا المباهتون، ومن لا يستحي من الكذب.
ومن كان من ورثتهم غير مائل إلى ملوك الدنيا، فإنما يقتبس من نور آبائه (ع)، ويكرع في حياضهم، ويرتع في رياضهم، ولايروعه بهت الباهتين، عن غاية شأوه في إعزاز الدين.
وقال (ع)، في الجزء الرابع من الشافي في ذكر الكرامات: ونحن نعرفها في آبائنا (ع)، وأتباعهم من فضلاء المسلمين؛ ولولا خشية الإطالة لروينا من ذلك كثيراً.
هذا القاسم بن إبراهيم (ع) دعا إلى الله في مخمصة، فتهدل السرير عليه رطباً؛ ودعا إلى اللَّه تعالى في ليلة مظلمة فامتلأ البيت عليه نوراً.
وقد منّ اللَّه تعالى علينا بما هو أهله، ويجب شكره، مما قد ذكره الأولياء في كتبهم، وبعضهم شاهد ذلك، وبعضهم علمه من المُشَاهد؛ ولكن الكرامات لاتكون إلا للأولياء، ولا ولاية لمن يزعم أن اللَّه تعالى يخلق أنواع المعاصي ويريدها.
فعلى مذهب المجبرة القدرية لا معنى للتطهير؛ لأن اللَّه تعالى خالق لجميع الأفعال، الهدى منها والضلال؛ فإن فعل فيهم الطاعة والإيمان طهروا، وإن لم يفعل ذلك فيهم لم يطهروا؛ فلا معنى للمنة بشيء هو المتولي لأصله وفرعه، ولا حيلة للعبد في الخروج منه بوجه من الوجوه.
ولولا قلّة التحصيل لما أورد ماينقلب عنه أوضح الانقلاب.
قلت: وماذكره الإمام (ع) من الكرامات، فهي من أعلام النبوة، ودلائل الرسالة، ومن قبس ذلك النور، وضياء تلك المشكاة، وهي آيات بينات يزداد بها اليقين، وتطمئن إليها قلوب المتقين.
[نبذة من الشافي في وجه روايته عن المخالفين]
هذا، وقال الإمام (ع): ونحن لاننقل إلا ماصح لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا، فنورده للاحتجاج عليه، ولم نورد من ذلك /513
إلا ومعنا من البرهان عنه مايكفي، ويزيده تأكيداً.
قلت: انظر ـ أيها الناظر بصرنا اللَّه تعالى وإياك ـ وتدبر كلام الإمام الحجة؛ فقد صار مَنْ لا قدم له ولا اطلاع، وكذا أهل الزيغ والتدليس على الأتباع، يوهمون أن رواية الأئمة عن المخالفين تدل على القبول، من غير فرق بين مردود ومقبول، ولا اعتبار بما تقتضيه مسالك الأصول، وأدلة المعقول والمنقول.
ومتى قيل لهم: إن الأئمة (ع) لم يرووا من تلك الطرق للاعتماد عليها، وإنما هو للاحتجاج على ملتزميها، عدّوا ذلك من الكلام الساقط المرذول، وعمدوا إلى الروايات التي يحتج بها أئمتنا (ع) على الخصوم، واتخذوها وسيلة إلى المغالطة على من لاخبرة له ولابصيرة بمدارك العلوم؛ مع أن الأئمة (ع) مصرّحون بأن نقلهم لها للاحتجاج بها عليهم، والإلزام للخصم بما يلتزمه، كما ذكر ذلك إمام الأئمة، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين (ع) في باب الأوقات من المنتخب؛ فنقله صاحب تنقيح الأنظار محمد بن إبراهيم الوزير مستدلاً بذلك، على أن إمام اليمن يروي عن أولئك؛ فيالله للعجب! كيف يتجاسر هذا الحافظ المحقق، المطلع النظار، على مثل هذا التمويه الذي لايصدر إلا عمن لامبالاة له، ولا تحرج عنده ولا اعتبار؟.
كيف والإمام الهادي إلى الحق مصرح في البحث ذلك بعينه، تصريحاً لااحتمال فيه ولا اشتباه على أولي الأبصار؟!.
هذا، والحديث ذو شجون؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونعود إلى تمام كلام الإمام.
قال (ع): ولما جرى الكلام في الجواب على الفقيه، عن إمامة العباسي ـ فذكر الإمام أحوال ذلك العباسي وتهتكه بمحارم الإسلام ـ.
ثم قال (ع): وإمام الشيخ الذي ردّ عليه الفقيه.
قلت: أراد بالإمام نفسه، وبالشيخ محيي الدين القرشي ـ رضي الله عنه ـ.
رجعنا إلى تمام كلامه في حال نفسه: قام ودعا على من يعاشره من حال /514
طفوليته إلى وقت دعوى الإمامة طهارة المنشأ، وأنه لم يرتكب قبيحاً ولا محظوراً، ولازايل شرعة الإيمان؛ ثم عرض نفسه على العلماء، فما بقي في العلم بحر حتى سبح في مائه، ولا جو إلا طار في أرجائه، عرف ماعرف أهل العلم وما جهلوا، وبين معاني الكتاب والسنة، ومن اللَّه تعالى في ذلك المنة.
إلى قوله: ولولا إلجاء الضرورة إلى ذكر ماذكرنا، لكرهنا ذلك؛ ولكن فقد قال عمنا يوسف (ع)، لما ألجيء إلى مثل ذلك: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.
فما ترد على من ادعى الإمامة وحاله ماذكرنا؟ أيستحق الإمامة أم لا؟
[نبذة من الشافي في سِعَة علمه وتحدِّيه للبشر جميعاً بالمجادلة]
ثم نقول للأمة جميعاً، ولسائر أهل الكتب، وملل الكفر: هلم إلى الجدال بالتي هي أحسن، فإن لم أُقِم لكم بالبرهان، وأكسر ماأنتم عليه، بما لا تنكرونه من كتبكم، ولا يمكنكم دفعه على مقتضى أصولكم، ولا أحتجب دونكم، ولا أناظر أهل العلم إلا بما يوجبه العلم، ولا أنتضي السيف على من تسلّح العلم.
إلى آخر كلامه.
وذلك من خصائص النبوة؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
ولما تكلم في خبر صلاة أبي بكر، في مرض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد روى الإمام بأسانيده عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع) أنه سئل عن صلاة أبي بكر في مرض النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، فقال: ماأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ أبا بكر أن يصلي.
وروى عن كامل أهل البيت عبدالله بن الحسن (ع) نحو ذلك، وأن عائشة أمرته، وأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ خرج وتقدم.
ثم روى الفقيه روايات معارضة. /515
قال الإمام: والجواب: أن الفقيه لم يميز بين مااتصل سنده بعبدالله بن الحسن بن الحسن، المسمى في آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الكامل، أول من جمع ولادة الحسن والحسين (ع).
إلى قوله: وكان إذا قيل: من أفصح الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أسخى الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعلم الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
وإذا قيل: من أعبد الناس؟ قيل: عبدالله بن الحسن.
فلذلك سمي الكامل.
ثم إن الحديثَ المتصل بزيد بن علي (ع)، الذي تواترت فيه الآثار، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ومن علي (ع)، وحديثه من حديث رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ لأن العلم بذلك لا يكون إلا من قبل الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -؛ لأنه غيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، أو من ارتضى من رسول صلى الله عليهم؛ علّمه مايتعلق به الصلاح ويودعه الرسول وصيه، فيبقى في أهل بيته المصطفين ـ سلام الله عليهم ـ.
وإنما نروي مايكون كالإشارة.
ثم روى بسنده إلى الإمام أبي طالب، بسنده إلى علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ، أنه قال: سيكون منا رجل اسمه زيد، يخرج فيقتل، فلا يبقى في السماء ملك مقرب ولا نبي مرسل، إلا تلقى روحه؛ يرفعه أهل كل سماء إلى سماء، فقد بلّغت؛ يبعث هو وأصحابه يتخللون رقاب الناس، يقال: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق.
فكيف تجعل سالم بن عبيد وابن شهاب، وهو لسان بني أمية، والخاصة لهشام بن عبد الملك، الجبار العنيد؛ وأبا بردة بن أبي موسى ـ أتعجب من الوالد أو من الولد ـ في مقابلة مايرويه عبدالله بن الحسن، وزيد بن علي (ع)؟
وقد سبق له (ع) مالفظه: نحن حكينا لك ماهو عندنا مضبوط بالأسانيد/516
الصحيحة، عن الرجال الذين لايعتقدون حسن الكذب، ولا جوازه، كما ذكرت في خارقتك أئمة العامة في الفقه، وهم أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
إلى قوله: والكل من هؤلاء وإن خالفوا أهل البيت في قليل أو كثير من أقوالهم، لايَعْدِلون بهم من عاصرهم من أهل الدنيا، شرقهم ولاغربهم، ولإسناد أهل البيت (ع) عندهم مزية على إسناد غيرهم.
ثم روى الخبر الذي قال فيه أحمد بن حنبل: لو قُرئ هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه؛ وهو مارواه الإمام (ع) بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أنه دخل نيسابور، وهو راكب بغلة شهباء، وغدا في طلبه علماء البلد.
إلى قوله: فقالوا: بحق آبائك الطاهرين، حدثنا حديثاً سمعته من أبيك.
فقال: حدثني أبي، العبد الصالح، موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي، الصادق المصدوق، جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي، باقر علم الأنبياء، محمد بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العابدين، علي بن الحسين، قال: حدثني أبي، سيد شباب أهل الجنة، الحسين بن علي، قال: حدثني أبي، سيد العرب، علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ يقول: ((الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان)).
وقال (ع)، في خاتمة الكتاب: وقد أوردنا من الاحتجاج على أنواعه، واختلاف أوضاعه، من دلالة العقول، وكلام الحكيم وسنة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ودلالة الإجماع، ما إذا نظر فيه الطالب لنجاته كان قائداً له إلى سبيل الرشاد، وحاملاً له على ترك العناد.
قال (ع): روينا عن أبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال في أهل بيته: ((قدّموهم ولا تقدموهم، وتعلّموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
فنسأل الله تعالى البصيرة المؤدية إلى سبيل السلامة، الذائدة عن مورد الحسرة والندامة؛ والصلاة على محمد وعلى آله.
انتهى المختار إيراده هنا من كلام الإمام؛ وهو كاف شاف للسقام، في كل /517
مقام، وكلام الإمام إمامُ الكلام، عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام.
ولله قول القائل في جده أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ:
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استطال الشيء قام بنفسه .... وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى أرجوزة أنوار اليقين، وشرحها]
كتاب أنوار اليقين، للإمام الأوحد أمير المؤمنين، المنصور بالله الحسن ابن الداعي إلى الله شيبة الحمد بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
أرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، التي أعلاها السماع لي فيه، بقراءتي على والدي ـ رضوان الله عليه ـ بطرقه، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام الحافظ، صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير، عن شيخه السيد الإمام، محيي علوم العترة الكرام، عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله محمد، عن السيد العلامة صلاح الدين، صلاح بن الإمام المهدي لدين الله إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى عن المؤلف الإمام المنصور بالله الحسن بن محمد، على جميعهم الصلاة والتسليم.
فقد انتهى الإسناد مسلسلاً بأعلام البيت النبوي، وهداة المنصب العلوي، ليس بيننا وبين الإمام إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ أنالنا الله من بركاتهم، وأفرغ علينا من أنوار هدايتهم، آمين آمين.
قال الإمام في فاتحة شرح الأنوار:
الحمد لله، الذي دلنا على ذاته، بغرائب مصنوعاته، فنطق لسان الفكرة، /518
معرباً عن حالها، بعجز العباد كافة عن أمثالها.
قلت: وفي نطق لسان الفكرة الاستعارة المشهورة المكنية، حيث شبه الفكرة بمتكلم محذوف، أثبت له النطق تخييلاً، واللسان ترشيحاً.
أو يكون في نطق، استعارة مصرحة تبعية، حيث شبه الدلالة المحذوفة بالنطق، بجامع الإفادة والبيان فيهما، فاستعار لها الفعل وذكر اللسان ترشيحاً.
وإضافته إلى الفكرة إما من إضافة المشبه به إلى المشبه، أو يكون في الفكرة استعارة بالكناية، كما تقدم، واللسان تخييل؛ وهذا واضح كما ذكر نحوه أهل البيان، إلا أنهم مثلوا بنطقت الحال، والإمام (ع)، أتى باللسان؛ والكلام يحتمل زيادة تفصيل لايحتمله المقام.
[نبذة من شرح أنوار اليقين]
قال الإمام (ع): هذا، وقد حكمت عليهم عقولهم وإن لم يسمعوها، وشهدت أفئدتهم وإن لم يفهموها، بأن هذا العالم بأسره، وما فيه من نفعه وضرّه، وما يطرأ من حركة وسكون على أحجامه، ويساق من افتراق واجتماع إلى أجسامه؛ مع ما يشفع ذلك من اختلاف صوره وهيآته، ونموه ونباته، وأشجاره وأزهاره، وطعومه وثماره، وأمطاره ورعوده، وهبوطه وصعوده، ومائه وناره، وظلمه وأنواره، ونباته وحصاده، وبياضه وسواده، وحمرته وخضرته، وغبرته وصفرته، وحموضته وحلاوته، وحرافته ومرارته، ونومه ويقظته، وشهوته ونفرته، وحياته وموته، ووهائه وقوته؛ فإنّ ما اختلفت فيه أجسامه بعد اشتراكها في الجسمية من هذه الصور والهيئات، تدل على صانع حكيم، قادر عليم؛ لأن هذا الاختلاف بعد الاشتراك إنْ حصل بذوات العالم وجب كون ذواته على صورة واحدة، أو كون كل ذات منه على تلك الصور المختلفة.
هذا، مع أن حدوثها يدل على حاجتها إلى محدث سواها.
وإن كان ذلك لموجب من سبب أو علة، أو مادة، أو عقل، أو طبيعة، أو غير ذلك من أنواع الترهات المسماة موجبة، وكان ذلك قديماً أو معدوماً ـ أدى ذلك إلى قدم العالم وهو محال. /519
قلت: هذا في كونه قديماً، وأما كونه معدوماً فتأثيره محال ضرورة.
قال: وإن كان محدثاً، احتاج إلى محدث؛ ثم الكلام فيه كالكلام فيها؛ فيتسلسل ذلك إلى مالا يتناهى، أو ينتهي إلى فاعل لايحتاج إلى فاعل، وجب القول به أولاً؛ ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين، القائل وقوله الحق المبين: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون].
إلى قوله (ع): وقصدنا بجمع هذا الكتاب التعرض لما روينا عن أمير المؤمنين (ع)، أنه قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إن الله جعل لأخي علي فضائل لاتحصى كثرة؛ فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها، غفر الله له ماتقدم من ذنبه؛ ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له مابقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر))، ثم قال: ((النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعدائه)).
فالثواب لنا على ذلك بمشيئة الله عظيم، وفيه للملتزم بحبل أهل البيت صراط مستقيم؛ إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم.
فابتدأنا بعد الاستعانة بالله والتوكل عليه، وتفويض أمورنا كلها عليه، بإنشاء هذه الأرجوزة، المسماة بأنوار اليقين، في إمامة أمير المؤمنين، وما درج في خلال مناقبه من إمامة الحسن والحسين، وأبنائهما الطيبين، وبيان ما اشتملت عليه/520
أبياتها بما هو كالشرح لها، لتفصيل مجملها، ولفتح مقفلها.
وهذا أوان الابتداء سائلين التوفيق فيه، وفي الانتهاء بمنّه ولطفه:
الحمد للمهيمن الجبّارِ .... مكوّر الليل على النهارِ
ومنشيء الغمام والأمطار .... على جميع النعم الغزار
ثم صلاة الله خصّت أحمدا .... أبا البتول وأخاه السيدا
وفاطماً وابنيهما سمّ العدى .... وآلهم سفن النجاة والهدى
ياسائلي عمن له الإمامهْ .... بعد رسول الله والزعامهْ
ومن أقام بعده مقامه .... ومَنْ له الأمر إلى القيامهْ
خُذْ نفثات عن فؤاد منصدعْ .... يكاد من بث وحزن ينقطعْ
لحادث بعد النبي متسعْ .... شتت شمل المسلمين المجتمعْ
إلى آخر الكتاب، والحمد لله المنعم الوهاب.
[الكلام على الشفاء]
شفاء الأوام للسيد الإمام، الناصر للحق، حافظ العترة، أبي طالب، الأمير الحسين بن الأمير الداعي إلى الله شيبة الحمد بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
واعلم، أن الأمير الحسين بدأ بالجزء الثاني من أول كتاب البيع إلى آخر السير، ثم الجزء الأول إلى باب مايصح من النكاح وما يفسد؛ واختار الله له جواره، فتممه ابن ابن أخيه السيد الإمام العلامة صلاح الدين، صلاح بن أمير المؤمنين إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع) إلى آخر أبواب النفقات.
قال في خطبة تتمته:
فاستخرتُ الله ذا العزّ والطول في تمامه، وتوخيت مشاكلة طريقه (ع) /521
في ترتيبه ونظامه، فلم أورد فيه من الأخبار، إلا مارويته بطريق القراءة على العلماء الأخيار.
إلى قوله: إلا حديثاً واحداً رويته بالإجازة، وأنا أذكره في موضعه.
إلى قوله: وتركتُ الإسناد جرياً على طريقه (ع). انتهى.
وفرغ من التتمة يوم الأحد، الثامن والعشرين من شهر رمضان المعظم، سنة إحدى وسبعمائة، وسمعها عليه في شوال منها، السيد الإمام أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين (ع).
ثم تممه بكتاب الرضاع السيد العلامة صلاح الدين، صلاح بن الجلال، أعاد الله من بركاتهم أجمعين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
[السند إلى الشفاء وإلى جميع مؤلفات الأمير الحسين مسلسلاً بالعترة]
هذا، وقد ذكر الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم (ع)، والقاضيان الحافظان شيخا الإسلام: أحمد بن سعد الدين، وعبدالله بن علي الغالبي؛ أنهم يروونه بطريق عالية من آل محمد (ع) ليس بين كل واحد منهم، وبين المصنف إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق، وحمدوا الله على ذلك، وعدّوه من أقرب المسالك.
وأقول ـ حمداً لله تعالى، وتحدثاً بنعمته جل وعلا ـ: قد اتصلت بفضل اللَّه تعالى ومنه، طرقي إلى مؤلفه الأمير الناصر للحق، وإلى كثير من أئمة الهدى، بآبائنا نجوم آل محمد ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ، كما مرّ ويأتي في سياق الأسانيد إليه، وإلى غيره.
فالحمد لله على ماأولانا من جزيل نعمه، ووهب لنا من جليل قسمه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
وستتضح لك روايتنا للتتمتين، وسأقدم السند الذي في جميع مؤلفات الأمير الحسين (ع) على انفراده، والله ولي الإعانة والتوفيق.
فيقول عبدالله المفتقر إليه، مجد الدين بن محمد عفا الله عنهما، وغفر لهما وللمؤمنين: أروي كتاب شفاء الأوام وجميع مؤلفات الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع) كالتقرير شرح التحرير، وينابيع النصيحة، وثمرة الأفكار، والإرشاد إلى سوي الاعتقاد، وغير ذلك، سماعاً فيما سمعت منها فيه كالشفاء وينابيع النصيحة، وما تضمنته المؤلفات /522
المسموعة، من التقرير وغيره؛ وإجازة عامة في الجميع، عن والدي وشيخي، عالم آل محمد وزاهدهم الولي، محمد بن منصور ـ رضي الله عنهما ـ، عن شيخه والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي، عن الإمام المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير قراءة في الشفاء، وفي غيره، وإجازة عامة، وهو، عن مشائخه الأعلام أحمد بن زيد الكبسي، وأحمد بن يوسف زبارة، ويحيى بن عبدالله الوزير (ع)، ثلاثتهم عن السيد الإمام الحسين بن يوسف زبارة، عن أبيه السيد الإمام يوسف بن الحسين، عن أبيه السيد الإمام الحافظ الحسين بن أحمد، عن السيد الإمام عامر بن عبدالله بن عامر، عن الإمام المؤيد بالله محمد، عن أبيه الإمام القاسم بن محمد (ع).
(ح)، ويرويها، وغيرها الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، وهو والسيد الإمام أحمد بن زيد الكبسي يرويانه، وغيره عن شيخهما السيد الإمام، نجم الأعلام، محمد بن عبدالرب، عن عمه السيد الإمام إسماعيل بن محمد، عن أبيه محمد بن زيد، عن أبيه زيد بن الإمام المتوكل على الله، عن أبيه الإمام المتوكل على الله إسماعيل، عن أبيه الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
نعم، وأروي جميع ماتقدم ذكره، بجميع الطرق السابقة في الإسناد الجملي، وإسناد المجموع، إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وهو يروي شفاء الأوام، وجميع مؤلفات الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين، عن السيد الإمام أمير الدين بن عبدالله الهدوي، قراءة في الشفاء، وإجازة في الجميع؛ وعن السيد الإمام إبراهيم بن المهدي القاسمي الجحافي، وعن السيد الإمام صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، ثلاثتهم يروون عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، عن الإمام الهادي لدين الله عزالدين بن الحسن، عن الإمام /523
المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، عن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى، عن السيد الإمام الحجة مفزع الأئمة، ومرجع علماء الأمة، المتوفى سنة أربع وثمانمائة محمد بن سليمان والد الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن والده الإمام المهدي لدين الله محمد، عن والده الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن المؤلف، الأمير الناصر للحق أبي طالب، الحسين بن بدر الدين الداعي إلى الله محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع).
(ح) وأرويه أيضاً بالطرق السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، وهو يرويه قراءة عن السيد الإمام بدر آل محمد الهادي بن إبراهيم بن محمد الوزير، وهو والإمام أيضاً يرويانه عن والده السيد الإمام، حافظ الآل الكرام، صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير.
والسيد الإمام صارم الدين يرويه بطرق:
الأولى: بقراءته على والده شيخ العترة، محمد بن عبدالله الوزير، عن والده السيد الإمام عبدالله بن الهادي بن إبراهيم بن علي الوزير، قراءة على السيد الإمام شيخ الآل صلاح بن الجلال اليحيوي صاحب التتمة الصغرى، وبعناية السيد فخر الإسلام عبدالله بن الهادي، ألّفها فقرأ عليه الأصل، والتتمة الكبرى، والصغرى، وهو يرويه قراءة على السيد الإمام شيخ آل محمد، الهادي بن يحيى ـ صاحب الياقوتة ـ بن الحسين، قراءة على الإمام الولي المهدي لدين الله علي بن محمد بن علي، قراءة على إمام الشيعة وشيخ أعلام الشريعة أحمد بن حميد الحارثي، قراءة على الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى، قراءة على السيد الإمام شيخ آل محمد، الأمير الخطير، المؤيد بن أحمد، قراءة على المؤلف، الأمير الخطير /524
الناصر للحق، الحسين بن محمد (ع).
(ح) ويرويه الإمام محمد بن المطهر أيضاً، عن السيد الإمام، عالم العترة الكرام، صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين، على المؤلف الأمير الناصر الحسين بن بدر الدين (ع).
وبهذا الإسناد اتضحت الطرق إلى جميع الكتاب الأصل، وتتمتيه.
(ح)، ويرويه الإمام محمد بن المطهر، مناولة، عن الأمير العالم الكبير، تاج الدين، جبريل بن الحسين، عن والده المؤلف (ع).
(ح)، ويرويه الإمام الولي، المهدي لدين الله علي بن محمد، عن عالم الشيعة المحدث، شمس الدين، أحمد بن علي بن مرغم الصنعاني، وهو يرويه، بطريقين:
الأولى: بقراءته على الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بسنده.
والثانية: عن القاضي العلامة جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية النجراني، عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، عن الإمام المتوكل على الله المظلل بالغمام المطهر بن يحيى، عن المؤلف (ع).
وأرويه بالطرق السابقة إلى الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم، وإلى والده الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، وهما يرويانه عن السيد الإمام صلاح بن أحمد الوزير، عن والده شمس آل محمد أحمد بن عبدالله، عن الإمام المتوكل على الله شرف الدين (ع)، بطرقه كما سبق.
(ح)، ويرويه السيد الإمام أحمد بن عبدالله الوزير، عن والده عبدالله بن إبراهيم، عن والده السيد الإمام صارم الدين، إبراهيم بن محمد الوزير (ع)، بطرقه السابقة.
(ح)، ويرويه السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير أيضاً، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن أبيه السيد الإمام الولي يحيى بن المهدي، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن الإمام المهدي محمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده، عن المؤلف الأمير /525
الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
قال (ع):
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، وصلواته على محمد وآله.
الحمدلله الذي ألهمنا رشده بألطافه الخفية، وهدانا سبل النجاة بعوارفه السنية، إلخ.
[السند إلى اللمع للأمير علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى]
وقد تحصلّت فيما سبق الطريق إلى كتاب اللمع، للأمير الخطير، نجم العترة المطهرة، إمام آل محمد، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى.
فأرويها بالسند السابق إلى شيخ الآل، صلاح بن الجلال، عن السيد الإمام، الهادي بن يحيى بن الحسين، وهو يرويها قراءة على الفقيه العلامة يحيى بن الحسن البحيبح، قراءة على الأمير المؤيد بن أحمد، قراءة على الأمير الحسين، عن المؤلف(ع).
قال في طبقات الزيدية: وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية، وهي مأخوذة من التجريد والتحرير.
وقال في اللمع: عمدت إلى التحرير فجعلته لها كالأساس، وألحقت بذلك فوائد معينة، التي عني فيها القاضي زيد بن محمد مع أكثر فصوله، إلخ كلامه.
وأروي اللمع أيضاً بالسند السابق في الشفاء المتصل بآل محمد (ع)، من طريق الإمام شرف الدين، بسنده إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن أبيه الإمام المطهر بن يحيى، عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع).
[السند إلى كتابي: الدرر، والقمر المنير]
وأروي كتاب الدرر له في الفرائض بهذين السندين الشريفين، إلى الإمام الواثق بالله، عن أبيه الإمام محمد، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
وأروي كتاب القمر المنير له (ع)، بالأسانيد السابقة إلى الإمام شرف الدين، عن الفقيه علي بن أحمد، عن الفقيه علي بن زيد، عن السيد أبي /526
العطايا، عن الفقيه يوسف، عن الفقيه حسن، عن الفقيه يحيى، عن الأمير المؤيد، عن الأمير الحسين، عن المؤلف الأمير علي بن الحسين (ع).
[من ينابيع النصيحة في معجزات الرسول]
قال الأمير الناصر للحق، حافظ آل محمد، الحسين بن محمد بن أحمد، في ينابيع النصيحة: الحمد لله القادر العليم، الفاطر الحي القديم.
ولما بلغ إلى الكلام في النبوة، أورد بحثاً كبيراً في معجزات سيد المرسلين، وفضائل خاتم النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ أجمعين.
قال بعد أن ذكر استغناء الجمع الكبير، بالطعام اليسير، ببركته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كخبر شاة جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ، في سياق ذلك البحث: وأعطى موسى اليد البيضاء، في حال دون حال، وأعطى محمداً نوراً كان يضيء عن يمينه، وكلّم الله موسى بطور سيناء، وكلّم الله محمداً في السماء السابعة، وأعطى موسى الغمام ليظله، وأعطى الله محمداً ذلك، فإن السحاب كان يظله، وألقى موسى عَصَاْهُ فكانت حية، وأعطى محمداً ثعبانين يوم هم أبو جهل بقتله، وأحيا له الذراع المسمومة يوم خيبر وكلّمته، وكذلك كلّمه الجذع؛ كما رواه جماعة من الصحابة.
وساق خبره إلى قوله: وخسف الله بقارون بسبب دعاء موسى، وخسف الله بسراقة بن مالك بسبب دعاء محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ؛ فإنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ لما خرج مهاجراً إلى المدينة، جعلت قريش مائة ناقة لمن يردّه إليهم، فتبعه سراقة ليأخذ المائة، والحظ عند قريش؛ فلما دنا من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأمكنته الفرصة، وأيقن بالظفر، دعا عليه رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -، وهو في قاع صفصف، فساخت به قوائم فرسه، وخسف به الأرض، فنادى: يامحمد، ادع ربك ليطلق لي فرسي، وذمة الله علي ألا أدلّ عليك أحداً.
فدعا له فوثب جواده، وانتزع قوائمه من الأرض، وتبعها دخان كالإعصار.
وساق في فضائله على أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم ـ: فإن عيسى (ع) تكلم في المهد، ومحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كلمه الذئب والضب، والحجر، والجذع، وسبّح الحصى في يده، وغير ذلك.
وروى ابن عباس أن الله /527
أوحى إلى عيسى: ياعيسى، آمن بمحمد، ومر من أدركه من قومك أن يؤمنوا به.
وأعطى عيسى المائدة، وأعطى الله محمداً ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذلك على ماهو مذكور، في أخبار أهل البيت (ع).
وقد تكلّم عيسى في المهد، وهكذا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ جاءت امرأة بصبي ابن شهرين فقال الغلام وهو في حجر أمه وهي مكفهرة: السلام عليك يارسول الله، السلام عليك يامحمد بن عبدالله.
فقال: ((وما يدريك أني محمد بن عبدالله، وأني رسول الله؟)).
قال: علمنيه رب العالمين، والروح الأمين جبريل؛ وهو قائم على رأسك ينظر إليك.
فقال: ((مااسمك ياغلام؟)).
فقال: سموني عبدالعزى، وأنا به كافر، فسمني.
فسماه عبدالله.
فقال له جبريل: هذا تصديق لك بالنبوة، ودلالة لكي يؤمن بقية قومك.
فقال الصبي: يارسول الله، ادع الله لي يجعلني من خدمك في الجنة.
فقال جبريل: ادع؛ فدعا.
فقال الغلام: السعيد من آمن بك، والشقي من كذب بك.
ثم شهق شهقة فمات.
فقالت المرأة: قد رأيت ما رأيت، فأنا أشهد أن لاإله إلا الله، وأنك رسول الله، ووا أسفى على مافاتني.
فقال لها: ((أبشري، فوالذي ألهمك الإيمان، إني لأنظر إلى حنوطك وكفنك مع الملائكة)).
فشهقت شهقة فماتت، فصلى عليها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودفنها.
وكلّم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ الناقة، والحمار، والشجر، وغير ذلك.
وروي عن أم سلمة قالت: أقبل نفر على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وكلّموه؛ فقال الأول: يامحمد، زعمتَ أنك خير من إبراهيم، وهو تعالى اتخذه خليلاً، فأي شيء اتخذك؟.
فقال: ((اتخذني صفياً، والصفي أقرب من الخليل)).
فقال الثاني: زعمتَ أنك خير من موسى، وقد كلّم الله موسى.
قال: ((ويلك، كلّم موسى في الأرض، وأنا كلّمني تحت سرادق عرشه)) /528
فقال الثالث: زعمتَ أنك خير من عيسى، وكان يحيي الموتى، فأنت متى أحييت؟
قالت: فغضب، وصفق بيديه، وصاح بأعلى صوته: ((ياعلي))، فإذا علي مشتمل بشملة، وهو يقول: لبيك لبيك يارسول الله.
فقال له: ((من أين؟))
قال: كنت في بستان إذْ سمعت صوتك، وتصفيقك.
فقال: ((ادن مني، فوالذي نفس محمد بيده ما ألقى الصوت في مسامعك إلا جبريل)).
فدنا علي من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، ثم كلّمه بكلمات لم أسمعها.
ثم قال: ((ياحبيبي، فالبس قميصي هذا، وانطلق بهم إلى قبر يوسف بن كعب، فأحيه لهم بإذن الله محيي الموتى)).
قالت أم سلمة: فخرجوا أربعة معاً، وأقبلت أنا وهم، حتى انتهى بهم إلى بقيع الغرقد، إلى قبر دارس، ودنا منه، وتكلّم بكلمات، فتصدع القبر، ثم أمره ثانية، فتصدع، ثم أمره ثالثة، فتصدع، ثم قال: قمْ بإذن الله محيي الموتى.
فإذا شيخ ينفض التراب عن رأسه ولحيته ويقول: ياأرحم الراحمين.
ثم التفت إلى القوم كأنه عارف بهم، ثم قال: ويلكم أكفر بعد إيمان؟ أنا يوسف بن كعب صاحب الأخدود، أماتني الله منذ ثلاثمائة وستين عاماً حتى الساعة.
ثم هتف هاتف وقال: قمْ صدق سيد ولد آدم محمداً فقد كُذِّبَ.
قال: وهذه المعجزة قد وقع مثلها أيضاً، كما روي عن أبي عبدالله قال: حدثني أبي عن جدي ـ قلت: يعني بأبي عبدالله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (ع) ـ أن أصحاب الرسول كانوا مجتمعين، فتذاكروا الإدام، فاجتمعوا على أن لاإدام خير من اللحم، فرفع النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ رأسه، وقال: ((أما إنه لاعهد لي به من كذا وكذا))، فبقي والقوم، وقام رجل من الأنصار إلى امرأته، وقال: يافلانة هذه غنيمة باردة.
قالت: وما هي؟
فقص عليها القصة.
قالت: دونك شاتك فاذبحها.
وكان لهم عناق يربونها، فقام إليها فذبحها، وشواها، ووضعها في مكتل، وقنّعها بقناع وقال لابنه: انطلق بها إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وأقم عنده تنظر مايصنع.
قال الغلام: فأتيته بها، وهو في منزل أم سلمة، فدخلتُ وهو مستلق على نطع، /529
وإحدى رجليه على الأخرى، فوضعتها بين يديه، وأخبرته أن أبي بعث بها إليه، فَسُرَّ بها، وقال: ((ياغلام ادع لي علياً))، وقال: ((يابلال ائتني بسفرة))، فأتاه بها، فوضع العناق عليها.
ثم قال: ((انظر مَنْ في المسجد من المسلمين)).
فقال: ثمانية عشر نفراً.
قال: ((أدخلهم)).
فلما دخلوا، قال: ((كلوا ولا تنهشوا لها عظماً)).
فأكلوا حتى صدروا ثم نهضوا.
ثم قال: ((يابلال ائت فاطمة)).
ثم قسم في نسائه قُبضة قُبضة، فلما فرغ، ضرب وركها، وقال: ((قومي بإذن الله تعالى)).
فنهضت تبادر الباب، واتبعها الغلام، فسبقته إلى المنزل، فدخل الغلام، وأبوه يقول: كأنها عناقنا التي ذبحناها.
فقالت امرأته: لعلها لبعض الحي.
فقال الغلام: لاوالله، ماهي لأحد، وإنها لعناقكم، صنع بها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كذا.
إلى غير ذلك.
[من الينابيع في إخباره بالمغيبات]
وقال (ع): وأما إخباره عن الغيوب الماضية، فنحو إخباره بقصة آدم وحواء وأولادهما، ونوح، وأخبار سائر الأنبياء المفصلة في القرآن، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، ونحو أخبار أهل الكتابين، ونشر فضائحهم، وأفعالهم.
وأما إخباره عن الغيوب المستقبلة، فنحو إخباره بأسرار المنافقين، وما قد عزموا على فعله في المستقبل، وإخباره بأن اليهود لايتمنون الموت، في قوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } [البقرة:95]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بهزيمة بدر قبل وقتها، في قوله: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} [القمر]، وكان الأمر في ذلك على ما أخبر.
ونحو إخباره بقصة مُلك الروم وفارس، في قوله: {الم(1)غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)} [الروم].
ونحو قوله، /530
للزبير بن العوام: ((إنك تقاتل علياً وأنت له ظالم))؛ وقد ذكّره ذلك أمير المؤمنين علي (ع) يوم الجمل فعدل عن القتال.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، لعمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ: ((تقتلك الفئة الباغية))، فقتله أصحاب معاوية.
قال: ونحو وَعْده لأصحابه بكنوز كسرى وقيصر، وقوله لسراقة بن جعشم وقد نظر إلى ذراعيه: ((كأني بك، وقد لبست سواري كسرى))، وكان سراقة أشعر الذراعين دقيقهما.
فلما افتتح المسلمون خزائن كسرى على عهد عمر، حُمِلَ المال فوضع في المسجد، فنظر عمر منظراً لم يَرَ مثله، والذهب والياقوت والزبرجد واللآلي تتلألأ.
فقال: أين سراقة بن جعشم؟
فأتي به، فقال له عمر: البس السوارين.
وهما سوارا كسرى.
ففعل سراقة، فكان ذلك آية ظاهرة.
ونحو قوله لسلمان الفارسي: ((سيوضع على رأسك تاج كسرى))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو قوله لعائشة: ((ستنبحكِ كلاب الحوأب))، فكان الأمر على ماأخبر.
ونحو إخباره للصحابة أن أويس القرني ـ رحمه الله ــ قلت: كذا في المنقول عنها بغير ألف على لغة ربيعة، قال ـ: يَرِدُ عليهم بعد وفاته، وأن به برصاً، دعا اللَّه تعالى فبرئ كله إلا قدر الدرهم، وكان عمر يسأل عنه، ويطلبه حتى ظفر به.
قلت: وهو من الشهداء ـ رضوان الله عليهم ـ بصفين، بين يدي سيد الوصيين، ـ صلوات الله عليه ـ.
قال (ع): ونحو نعيه لجعفر بن أبي طالب على بُعْد منه.
قلت: ورد في الأخبار أنه لما التقى الناس بمؤتة، وهي في تخوم الشام، وكان أهل الغزوة ثلاثة آلاف، والتقاهم ملك الروم في مائة ألف مقاتل، جلس رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على المنبر، وكُشِفَ له مابينه وبين الشام، ونظر إلى معركتهم، وأخبر أصحابه بما هم فيه، وقال: ((أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، ثم مضى قدماً حتى استشهد))، فصلى عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ ودعا له، ثم قال: ((استغفروا لأخيكم، فإنه شهيد قد دخل الجنة، فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت، حيث يشاء من الجنة)).
وقال: ((أخذ الراية زيد بن حارثة))، وحكى /531
عنه نحو ماتقدم عن جعفر بن أبي طالب، إلى قوله: ((ومضى قدماً حتى استشهد))، ثم صلى عليه؛ وقال: ((استغفروا له، فقد دخل الجنة وهو يسعى)).
وقال: ((أخذ الراية عبدالله بن رواحة، ثم دخل معترضاً))، فشق ذلك على الأنصار، فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((أصابته الجراح))، قيل: يارسول الله فما اعتراضه؟ قال: ((لما أصابته الجراح نكل، فعاتب نفسه، فَشَجُع، فاستشهد، فدخل الجنة)).
وفي أمالي الإمام الناطق بالحق أبي طالب، بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ كان جالساً في المسجد، وقد خفض له كل رفع، وهو ينظر إليهم يقتتلون، والناس عنده، وكأن على رؤوسهم الطير، وهو يقول: ((تهيأ القوم، وتعبأوا والتقوا))، ثم قال: ((قُتِل جعفر؛ إنا لله وإنا إليه راجعون))، وأخذ رسول الله التقطع في بطنه ـ قلت: أي المغص ـ.
وساق في خبر جعفر (ع)؛ إلى قوله: ثم أخذ السيف وتقدم وهو يقول:
ياحبذا الجنة واقترابها .... طيّبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها .... علي إنْ لاقيتها ضرابها
انتهى.
[منها في حديث غزوة مؤتة]
وكانت غزوة مؤتة في جمادى، عام ثمانية من الهجرة، وأمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ فيها الذين عينهم هؤلاء الثلاثة ـ رضوان الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((إنْ قتل فلان ففلان، وإنْ قتل فلان ففلان))، وفي الثالث قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ: ((وإنْ قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلاً)).
وسمع كلامه يهودي كان حاضراً، يقال له: النعمان، فقال: ياأبا القاسم، إن كنت نبياً فسيصاب من سميت قليلاً كانوا أوكثيراً، إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل ثم قالوا: إن أصيب فلان، فلو سموا مائة أُصيبوا جميعاً.
ثم جعل يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى محمد أبداً إنْ كان نبياً.
قال زيد: أشهد أنه نبي صادق.
ولما عقد رسول الله صلى الله /532
عليه وآله وسلم لهم اللواء، وهو لواء أبيض، مشى الناس إلى أمراء رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، يودعونهم ويدعون لهم، وناداهم المسلمون: دفع الله عنكم، وردّكم صالحين سالمين غانمين.
فقال عبدالله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة .... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
الأبيات.
نعم، وعند أهل البيت أن ترتيبهم في الأمارة هكذا جعفر، ثم زيد، ثم عبدالله.
روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح، عن محمد بن زيد بن علي بن الحسين، أنه كان على الناس يوم مؤتة جعفر بن أبي طالب.
وروى أيضاً من طريق أخرى، عن الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، أن جعفر بن أبي طالب (ع) لم يبعثه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ في وجه قط إلا جعله على الناس، وهاجر الهجرتين جميعاً: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة، وأمّره - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم - على من كان من المؤمنين عند الحبشة.
إلى قوله: وأسلم النجاشي على يديه، ثم قدم على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ وقد فتح خيبر؛ فقام إليه حين عاينه وتلقاه وعانقه، وقبّل بين عينيه، وقال: ((ماأدري بأيهما أنا أشد فرحاً وسروراً: بقدوم جعفر، أم بفتح خيبر؟)).
ثم أمّره على زيد وعبدالله بن رواحة، وجماعة الناس، في غزوة مؤتة، فقُطِعَت يداه، وضُرِبَ على جسده نيفاً وسبعين ضربة. انتهى.
قال ابن أبي الحديد: اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة هو كان الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول.
قال: وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي مايشهد لقولهم.
فمن ذلك مارواه عن حسان بن ثابت.
وساق قصيدته فيهم إلى قوله:
ولا يبعدنّ الله قتلى تتابعوا .... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
/533
إلى قوله:
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم .... إلى الموت ميمون النقيبة أزهرُ
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم .... أبيّ إذا سيم الظلامة أصعرُ
إلى قوله:
وما زال في الإسلام من آل هاشم .... دعائم صدق لا ترام ومفخرُ
هم جبل الإسلام والناس حوله .... رضاب إلى طود يطول ويقهرُ
بهاليل منهم جعفر وابن أمه .... علي ومنهم أحمد المتخيرُ
إلى قوله:
هم أولياء الله أنزل حكمه .... عليهم وفيهم والكتاب المطهر
ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري.
وساق أبياته إلى قوله:
ساروا أمام المسلمين كأنهم .... طود يقودهم الهزبر المشبلُ
إذْ يهتدون بجعفر ولوائِهِ .... قدام أولهم ونعم الأولُ
إلى قوله:
فتغيّر القمر المنير لفقده .... والشمس قد كسفت وكادت تأفلُ
قوم علا بنيانُهم من هاشم .... فرع أشم وسؤدد متأثلُ
قوم بهم عَصَمَ الإلهُ عبادَه .... وعليهم نزل الكتاب المنزلُ
انتهى.
[منها في كرامات العترة]
هذا، وأورد الأمير الناصر (ع)، في الينابيع، بحثاً في كرامات أهل البيت (ع).
وقد ذكرت في التحف الفاطمية من كراماتهم (ع) مايشفي، وأذكر هنا مالم يكن هنالك، أو هو أبسط من ذلك.
قال (ع): فمن ذلك: أن الحسين السبط ابن علي الوصي أمير المؤمنين (ع)؛ لما قُتل بكربلاء، بكت عليه الأرض والسماء، وقطرت ـ كما رويناه بالنقل الصحيح ـ دماً.
ومن ذلك: كرامات زيد بن علي السجاد ابن الحسين الشهيد عليهم /534
السلام.
وساق من كراماته (ع) ما سبق هنالك، بزيادة في تفصيل الرواة.
قال: ونحو: كرامات الإمام العالم ترجمان الدين، أبي محمد، القاسم بن إبراهيم (ع)؛ فإنه دعا إلى اللَّه تعالى في مخمصة، فقال: اللهم إني أسألك بالاسم الذي دعاك به سليمان بن داوود، فجاءه العرش قبل ارتداد الطرف.
فتهدل البيت رطباً.
قال: ونحو: كرامات الهادي إلى الحق.
إلى قوله: ويكفي في ذلك طيب رائحته عند الموت، وكان يقول لولده الإمام المرتضى لدين الله، محمد بن الهادي (ع): يابني، هذا يوم ألقى الله فيه، ولقد رجوت أن يبلغني الله الأمل في جهاد الظالمين، ومنابذة الفاسقين؛ والله غالب على أمره.
قال المرتضى لدين الله: وهو مع ذلك جالس، لم تتغير جلسته، غير أن الصفرة تعتريه قليلاً قليلاً، وهو يذكر الله ويحمده، ثم أدنى برأسه، وخفي صوته.
قال المرتضى لدين الله: فأضجعته، فإذا هو قد فارق الدنيا.
ونحو: كرامات الإمام الناصر للحق (ع)؛ فإن رجلاً كان في بلاد الديلم، ومعه كلب قد ضراه، يأكل الناس، فكان يعمد من الرجل إلى مذاكيره فيقطعها، فمرّ به الناصر، فأغرى الرجل به الكلب.
إلى قوله: فلما قرب من الناصر، أغراه الناصر بمالكه، وقال له: ياكلب، كُلْه.
فافترس الكلب حينئذ مولاه، وقتله، وبقي بعد ذلك مع الناصر للحق (ع).
ثم ذكر النور الذي أضاء عند موته، وقد ذكرناه.
وذكر مااشتهر من دعوته للضفدع، لما استجارت بقربه، أن تسلّط على الحنش فأكلته.
وقد حكى العلماء أنه استمر بذلك المكان.
ثم ذكر السم الذي أُلْقي في الطعام للإمام فقدم الكلب السابق، وأكل منه قبله فمات.
قال: ونحو: كرامات الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان.
فذكر ما أشرت إليه في التحف الفاطمية، وزاد خبر المطرفي الذي سبه (ع) في مسجد حوث، فنزل ثعبان من السقف، فالتوى بحلقه حتى كاد يهلكه، ثم أفلته فتاب، وأناب.
قال: ومن كراماته: مارواه الإمام المنصور بالله (ع)، وهي أمور /535
منها: أنه أتاه شيخ كبير، وشكا عليه الصمم، فنفث في أذنيه، ودعا له، فبرئ من الصمم بلطف الله تعالى.
إلى قوله: ومنها أنه في بعض مخارجه لحق أصحابه وعسكره العطش الكبير، حتى أشفقوا على الهلاك، وهم في موضع لا ماء فيه؛ فقام ـ (ع) ـ فعلم لهم فيه ثلاثة أمكنة، وقال: احفروا.
فحفروا موضعين، فلحقوا الماء على قامة وبسطة، فشرب الناس كلهم، وسقوا دوابهم، وملأوا مزاودهم وطهروا، واستقوا؛ وأَمْسوا إلى الصبح، ثم طهروا وصلّوا صلاة الفجر، وارتحلوا؛ فلما فصلوا من الماء رجع منهم قوم لشيء نسوا من أدواتهم، فأتوا وليس للماء أثر، ولا بقي فيه شيء، فلحقوا بالناس وأعلموهم، وكانوا من أهل الصدق، والثقة والدين، فعجب الناس، وزادهم ذلك يقيناً.
وقال بعض شعرائهم، في المتوكل على الله (ع) من جملة أبيات.
قلت: صدرها في الشافي:
يابن بنت النبي كل لسان .... مادح مايكون مدح لساني
ومن هنا في الشافي والينابيع:
ظهرت فيك معجزات كبار .... لم نخلها تكون في إنسان
لم نخبر عنها سماعاً ولـ .... ـكنا رأينا يقينها بالعيان
تبرئ الأكمه العليل وتشفي .... بشفا الله أعين العميان
وتسوق الحيا إلى حيث ماكنـ .... ـت وتجري الأنهار في الغيضان
قلت: وفي الشافي:
هبك تشفي عمى القلوب بعلم .... فبماذا تشفي عمى العميان
غير أن الولي لله لا تنـ .... ـكر فيه خصائص الرحمن
وساق الأمير (ع) في كرامات الإمام، وفيها: أن صبيّة بنت ثلاث سنين رضخت؛ فبينما هي تجود بنفسها، إذْ قالت: لاتقبروني مع الكبار أهل النار، /536
واقبروني مع الصغار أهل الجنة، وإن دهمش اً من أهل الجنة، وعليه صيام شهر رمضان، وهي لاتعرف دهمشاً، ولا ماعليه، وهو من الشهداء مع الإمام المتوكل على الله ـ رضي الله عنهم ـ.
قال الإمام (ع): ونحو ذلك من كراماته: كقصة تراب التيمم، وقصة السيل يوم صعدة، وقصة ورقة الذرة، المكتوب فيها، خِلْقَةً من الله تعالى "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أحمد بن سليمان المتوكل على الله حجة الله".
فما تقدم رواه الإمام المنصور بالله (ع)، إلا قصة ورقة الذرة، فأنا أرويها عن بعض العلماء.
هذا كلام الأمير الناصر للحق (ع).
قلت: قال الإمام في الشافي، بعد أن حكى اجتماع العلماء إليه من العراق، واليمن، وسائر الأقطار، قال: فناظروه في دقائق العلم وغوامضه، فصادفوا منه بحراً لا ينزف، وزاخراً لا يغرف، فاعترفوا بحقه، وشهدوا بسبقه.
إلى قول الإمام (ع): وانتشروا في أقطار اليمن دعاة إليه.
إلى قوله: لابد لنا أن نذكر طرفاً من حاله، مما نقله الثقات، وتواترت به الروايات؛ لاتصال مدته بمدتنا.
وروى الإمام (ع)، عن الشيخ محيي الدين ـ رضي الله عنه ـ، أنه سمع الإمام المتوكل على الله ابتدأ حكاية ماأنعم الله عليه بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} [الضحى:11].
إلى قوله: من نعم الله علينا كذا وكذا ـ وذكر حكاية السيل، وغيره ـ.
إلى قوله: فظهرت لنا دلائل إمامته، ونطقت شواهد فضله وبركته.
قال الإمام: ولو رُمْنا استقصاء ما ورد في هذا الباب، لأفضينا إلى الإطناب.
انتهى كلام الإمام في الشافي.
فانظر إلى كرامات هذا الإمام، الدالة على ماله عند الله تعالى من عظيم الشأن، وعلوّ المكان، المؤيدة لمعجزات جده سيد ولد عدنان، عليه وآله الصلاة والسلام.
وانظر إلى الرواة لها، فإنهم الإمام الأعظم حجة الرحمن، المنصور بالله عبدالله بن /537
حمزة بن سليمان، في شافيه، والإمام الأوحد، الحسن بن محمد، في أنواره، والأمير الناصر للحق، حافظ العترة (ع)، في ينابيعه؛ مع قرب عهدهم من عهده، واتصال عصرهم بعصره؛ فكل واحد منهم يروي عن الإمام المتوكل على الله بواسطة أشياخه الكرام الأعلام، المشافهين للإمام.
فالإمام الحجة عبدالله بن حمزة عن الشيخ الحسن، ومحيي الدين، وغيرهما، عن الإمام.
والإمام الحسن، وأخوه الأمير الناصر للحق، عن والدهما الداعي إلى الله، عن الإمام (ع)، أعاد الله من بركاتهم، وأفاض علينا من نفحات كراماتهم، بفضله وكرمه.
[كرامة للإمام أحمد بن سليمان في العصر الأخير]
وقد وقعت للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، في العصر الأخير كرامة من الكرامات البالغة.
فيقول المفتقر إلى اللَّه تعالى، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ: أخبرني المولى العلامة فخر الإسلام، وبدر الأعلام، عبدالله بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى المؤيدي ـ رضي الله عنهم ـ، قال: حدثني والدي أمير المؤمنين، عن القاضي العلامة الرحلة محمد بن عبدالله الغالبي، عن السيد صلاح الهاشمي، أنه لما حُفِر للإمام الحسين المؤيدي بجانب قبره، انثقب ثقب إلى قبر الإمام أحمد، فأدخل بعض الحاضرين يده فإذا هو لم يتغير منه شيء، وشاهده الحاضرون، ثم أنه لمس لحيته الشريفة فانخزل منها شعرات قد علاها نور الإسلام فيها بعض الطول.
وهذه كرامة له (ع) عظيمة، وآية لجده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ انتهى.
وقد اشتهرت هذه الكرامة، وسمعتها من غير هذا الطريق، ولكن هذا سند روايتها المتصل بالحاضرين.
[(رجع) إلى ما رواه في الينابيع من كرامات العترة]
قال (ع): ونحو: كرامات الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
فإنا روينا أنه كتب كتاباً، بركة لصبي، قد ابيضت عيناه؛ فما كان إلا أن تعلق الكتاب، وأبصر في الحال وعوفي.
وذكر النور، والراية الخضراء، وقد ذكرتهما في التحف.
قال: ومنها: فتحه باب غمدان بشصة من نشابة من غير تعب، وكان لاينفتح بمفتاحه إلا بعد علاج شديد /538
.
ومنها: الطيور البيض، التي رواها الشيخ أحمد بن الحسن الرصاص ـ رحمه الله ـ.
قلت: وهو العلامة الأصولي بهاء الدين، صاحب الخلاصة، (وهي الثلاثون المسألة) المتوفى سنة (621) إحدى وعشرين وستمائة، وهو ولد الشيخ الحسن - رضي الله عنهما -؛ وليس هو الباغي على الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، فهو الحفيد، أحمد بن محمد بن الحسن، كافاه الله تعالى بعمله؛ وقد رويت توبته والله أعلم.
نعم، قال: وهي قدر ثمانية، مظللة على رأس المنصور بالله، عند دخوله مدينة صنعاء.
إلى غير ذلك من كراماته (ع)، فإنها كثيرة.
قلت: والإمام الحسن، وأخوه الأمير الناصر الحسين، معاصران للإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع)، وكذلك غيرهما من المعاصرين للإمام، كإمام الشيعة، حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، قد شاهدوا ونقلوا عنه من الأخبار والأنوار، مافيه بلاغ لأولي الأبصار.
وذكر (ع) بحثاً من كرامات آبائه الهداة، الدعاة إلى الله، نجوم آل رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم -.
وسنورد عند ذكر كل واحد منهم يسيراً من فضائله المذكورة في ترجمته، حسبما يقتضيه المقام، وإن كنتُ قد ذكرتهم جميعاً في التحف الفاطمية، ورسمتُ بعض فضائلهم، ومقاماتهم، ولكن تبركاً بذكرهم (ع)، وتأكيداً لمن يعلم، وتأسيساً لمن لم يعلم، من الإخوان الكرام؛ وإنْ كان محلهم في الإسلام، وفضلهم في عترة سيد الأنام، عليهم أفضل الصلاة والسلام، أشهر من أن يذكر، وأنور من ضياء الشمس والقمر، أعاد الله من بركاتهم.
[ترجمة الأميرين: شمس الدين وبدره]
قال (ع) في الينابيع: ونحو: كرامات الأمير، شمس الدين يحيى بن أحمد.
قلت: وساق نسبه إلى الهادي إلى الحق (ع)، وقد ذكرته في التحف الفاطمية.
أخذ عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، وعن الشريف العالم تاج العترة، الحسن بن عبدالله بن محمد، وعن القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليهم ـ.
ومن الكلام في طبقات الزيدية، ومطلع البدور في شأنه: هو الأمير الكبير، شمس الدين، الأمير الأعظم، والخطير الأعلم، الداعي إلى الله، شيبة /539
الحمد، شيخ آل الرسول، وإمام فروعهم والأصول، وشمس فضلهم التي ليس لها قفول ولا أفول، يحيى بن أحمد، علمه أشهر من الشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها؛ وما أحقه بقول القائل:
يحيى بن أحمد لولا أن والده
محمد ختم الأنباء كان نبي
وقال في البسامة فيه وفي أخيه:
وشيبتا الحمد شيخانا له نصرا .... وفرقا همماً للضم للبشرِ
وفي الرواية، أن الإمام أحمد بن سليمان، سُئل عمن يصلح للإمامة، فقال: إمامكم الحبر الأبر هذا؛ وأشار إلى شمس الدين.
وكان المنصور بالله قبل قيامه محباً لأن يلي الخلافة أحدهما، وكفى بقول الإمام المنصور بالله في شمس الدين (ع):
يابن علي بن أبي طالب .... قمْ فانصر الحق على الباطلِ
وقوله أيضاً:
يايحيى يابن إمام الناس كلهم .... أنت الذي نوره تجلى به الظلم
ومن شعره فيهما:
شيخان من آل الرسول تشافقا .... وبنوهما سلكوا على الآثار
ومن ترثية الإمام المنصور بالله، في الأمير شمس الدين (ع):
فلو كان يُفْدى بالنفوس فديته .... بنفسي وما أحوي من المال والوفر
وحسبك بهذا. وفي وفاته (ع)، يقول القائل:
ألا إن شمس الدين يحيى بن أحمد .... تقضّت لياليه بشهر المحرم
لست مئين حجة قد عددتها .... وست سنين بعد ذلك فاعلمِ
وعاش من الدنيا ثمانين حجة .... سوا حجة والمرء غير مسلمِ
/540
وأخذ عليه جماعة، منهم: عطية بن محمد النجراني، ووالده محمد بن أحمد، ومحمد بن أحمد بن الوليد، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
فهذه مجة من لجة، من أحواله (ع)، وقد استوفاها أرباب السير، وفي التحف الفاطمية زبدة شافية.
قال ابن أخيه الناصر للحق (ع) في الينابيع: فإنه (ع) مضى في طريق بلاد خولان، وفيها شجرة عظيمة، فأصابته فدعا عليها، فاقتلعها الله من أصلها في الحال.
ونحو: كرامات أخيه الأمير بدر الدين، شيخ العترة الطاهرين، والدي، محمد بن أحمد ـ قدس الله روحه ـ.
قلت: وهو كذلك، قد ذكرتُه في التحف الفاطمية مع أخيه في سيرة الإمام المنصور بالله (ع).
ومن كلام السيد الإمام في الطبقات، والقاضي أحمد في المطلع، في أوصافه: هو الأمير الخطير الحجة، شيخ العترة، شيبة الحمد، بقية علماء بني الزهراء، وسيدهم في عصره، الداعي إلى الله أبو عبدالله، محمد بن أحمد، خضعت له العلوم، ونشرت على رأسه ألوية المظنون منها والمعلوم، وعكفت العلماء على بابه، وتشرفت بلثم أعتابه، ومضت به كلمة الشريعة في البلاد، وانخرطت الأمة فيما يقود سلسلة العباد، ورجع إليه الناس مراراً، لأمر الإمامة العظمى، فامتنع؛ لوجود الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع).
أخذ على مشائخ أخيه شمس الدين السابقين، وتتلمذ له الفضلاء كالإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وابن عمه الأمير علي بن الحسين، وولده الأمير الحسين بن محمد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني، وولده الشيخ عطية، وعمران بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ.
وكان سماع الإمام المنصور بالله، والشيخ محيي الدين بن الوليد، سنة/541
سبع وتسعين وخمسمائة، بصعدة.
قال الإمام (ع): أخبرنا الشريف الأمير الأجل، السيد الفاضل، بدر الدين، فخر العترة، تاج الشرف، الداعي إلى الله، أبو عبدالله..إلخ.
ومشهدهما بهجرة قطابر، بنيد الصباح، على باب المسجد، عن يمين الخارج منه، الشامي قبر الأمير شمس الدين، ويليه قبر أخيه بدر الدين، ويليه قبر الأمير علي بن الحسين (ع).
قال الإمام في الشافي، في ذكر ولاته (ع)، على مدينة صعدة: ثم الولاة اليوم، شيخ آل الرسول، الداعي إلى الله، بدر الدين وولده تاج الدين؛ فشرفهم وورعهم أشهر من أن تُنْصَبَ عليه البراهين.
وقال قبل ذلك: ولينا مجد الدين قدس الله روحه الطاهرة، من السلالة الطاهرة، من عُرف بالصلاح طفلاً وناشئاً، وكان في أمر الله ماضياً.
وهو في سياق ذكر ولاته في أواخر الجزء الرابع من الشافي.
قلت: وهو الأمير الخطير، بدر العترة المنير، الشهيد الحميد، مجد الدين ـ ويقال له: يحيى بن الأمير بدر الدين (ع) ـ وكان على صغر سنه في منزلة الإمامة، ويكفيك أن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة أشار ـ إنْ حدث به أمر ـ عليه، وأهَّله لمقامه؛ استشهد في سبيل رب العالمين، مع الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين (ع).
قال الإمام (ع) في ترثيته:
أمرّ الوجد ماأجرى الدموعا
مصاب الطالبي أبي حسين
فقدناه حساماً مشرفياً
إمام أئمة وشحاك ضدّ
نودّعه ونأمل أن يوافي
وفي المعلوم أن الحشر وعد
مضى قدماً كأن الموت غُنْم
يُهَوِّنُ ما ألاقيه بأن الـ
وأن أخي سخا بالنفس فيه
وأن بني أبي وسراة قومي
فردّوا السيف مثلوماً خضيباً
أيحيى ليت عينك أبصرتنا
فَقدْنَا مِنْكَ بحر جدى وعلماً
سررت بما غممنا منه جداً
تراجعك الملائك كل يوم
ليهنك عيشك الراضي إذا ما
وقد ثأرت بك الإخوان منهم
سلام الله زارك كل يوم
وأضلع من مضاضته الضليعا
حمى أجفان أعيننا الهجوعا
وبحراً زاخراً وحَياً مريعاً
وليثاً خادراً وحماً منيعاً
إلينا في عساكره سريعاً
متى شمنا لغرته طلوعاً
ولم يقصد إلى الدنيا رجوعاً
ـذين سطوا به قُتِلوا جميعاً
مواساة فصار له ضجيعاً
وغرّ صحابتي خاضوا النجيعا
وردّوا الرمح مقصوداً صديعا
لفقدك ليس عن ذلّ خضوعا
وليث شجاعة وندى ربيعا
وجاور شخصك الملأ الرفيعا
كلاماً يشبه الشهد النصيعا
عداتك كان عيشهم الضريعا
فكن لهم إلى الباري شفيعا
ورحمته التي حسنت وقوعا
وغيرها من فرائد قصائد الإمام فيهم جميعاً (ع).
قال في الينابيع، في سياق كرامات والده الداعي إلى الله، بدر الدين محمد بن أحمد (ع): فإنه عند ولادته ـ وكانت في الليل ـ ارتفعت سَبْلُ المصباح، وطالت حتى بلغت السقف.
ومنها: ما أخبرني به الأمير تاج الدين، أحمد بن بدر الدين ـ أدام الله تعالى سعادته ـ قال: حكى لي الثقة العدل المرضي، أنه كان مع الأمير بدر الدين شيخ آل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ، في مخرجه إلى نجران، فبيناه يطهر - وكان بطيء الطهور جداً - إذا بالمطر قد أقبل، فأصابنا، فغرقنا جميعاً، إلا الأمير بدر الدين، فإن الله سبحانه جعل على مكانه حيث تطهر هالة صَحْو كهالة القمر، فما أصابه شيء أصلاً مع بطائه في الطهور، والمطر مستمر، حواليه لاعليه، وهو في العراء والضحاء، إلى أن فرغ من طهوره سالماً.
قال الأمير الفاضل، تاج الدين ـ طوّل الله مدته ـ: فعجبتُ من هذه الحكاية عجباً عظيماً.
ثم وقعت مع الأمير بدر الدين رحمة الله عليه، في مثل هذه الكرامة، /543
وذلك أني سلكت معه في طريق الفد حتى انتهينا إلى جبل يسمى عُرَّبَوْصَان، وأصابتنا مطارة عظيمة غزيرة، فالتجأتُ ـ أنا ـ ورجل معي، إلى أصل شجرة بقرب الطريق، فلم تكننا من المطر، بل غرقنا غرقاً عظيماً، إلى أن وقف معنا بجنبها الأمير الكبير، بدر الدين ـ رضوان الله عليه ـ.
قال الأمير تاج الدين ـ خلّد الله عُلُوّه ـ: فأنا أشهد أن المطر حوالينا قاب الرمح أو أكثر، كأفواه القرب، وما أصابنا بعد وقوفه معنا، حتى القطرة الواحدة؛ ببركته ـ رضوان الله عليه ـ.
ومن كرامات الأميرين الكبيرين شيخي آل رسول الله: شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى، ومحمد ـ رضوان الله عليهما ـ: ماأخبرني به الشريف الطاهر، الفاضل العالم، جمال الدين، كعبة الشرعيين، علي بن الحسين ـ أدام الله أيامه ـ، قال: خرجتُ ذات ليلة إلى قبريهما لزيارتهما، وهي في ليلة من ليالي رمضان، فإذا رائحة العود القافلي.
إلى قوله: فإذا بها في قبريهما، دون سائر القبور.
إلى قول الناصر للحق الحسين: وغير ذلك من كرامات أهل البيت (ع). انتهى.
قلت: وقد ذكرت الأمير جمال الدين ومؤلفاته في التحف الفاطمية، في سيرة الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين، عند تعداد آل يحيى بن يحيى (ع).
وفي طبقات الزيدية ومطلع البدور، في ترجمته: هو الأمير، السيد الفاضل، العالم، سيد المحققين، صاحب اللمع والدرر، إنسان العترة، وسيدهم وفاضلهم في وقته، حليف الآثار، وقرين العلوم؛ واتفق على فضله الزيدية، واعتمدت كتبه؛ وكتابه اللمع أجل كتب الزيدية ـ قلت: وقد تقدم سندها ـ جمال الدين، كعبة الشرعيين، علمه وزهده لايحتاج إلى ذكر، فذلك أشهر من الشمس السائر، في الفلك الدائر، علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع)، وقبره يلي قبر الأميرين شمس الدين وبدره من اليمن بلا فصل.
وبيّض لوفاته في الطبقات.
قال السيد الإمام فيها: يروي كتب /544
الأئمة، وشيعتهم، بالسلسلة المعروفة عن الشيخ عطية بن محمد النجراني، عن الأميرين: شمس الدين وبدره، يحيى، ومحمد، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى.
إلى قوله: وقال القاضي عبدالله الدواري: إن الأمير علي بن الحسين يسنده إلى الأميرين بدر الدين، وشمسه، من غير واسطة.
وقال: وأخذ عنه ذلك، الأمير الحسين بن محمد.
وكذا قال في الترجمان، وتبعهما الإمام شرف الدين (ع).
انتهى المراد.
[الكلام على كتاب ينابيع النصيحة]
واعلم، أن كتاب ينابيع النصيحة من نفائس مؤلفات العترة الأطهار، وذخائر علومهم الساطعة الأنوار؛ ويحق لمثله، ومؤلفه نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، وعين أسباط الوصي والبتول ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ لولا أنه يتساهل في نقل بعض الروايات كقصة البساط، والمنجنيق في غزوة ذات السلاسل، وأن أمير المؤمنين (ع) قتل يوم بدر سبعة وستين..
ومن مكنون ماتضمنه هذا الكتاب، ومخزون ما اشتمل عليه ذلك السفر الممتلئ الوطاب، مما السياق فيه، ما أورد في بحث منه، قال فيه:
واعلم أن أهل البيت على ضربين: منهم من ورد فيه النص معيناً باسمه أو لقبه، أو بهما جميعاً، أو وصف بصفة كالإشارة إليه، وكالتنبيه عليه؛ ومنهم من شمله ماورد من الفضائل فيهم عامة.
فلنذكر الضرب الأول، واحداً واحداً، ونذكر طرفاً مما ورد فيه على الخصوص؛ ثم نتبع ذلك بذكر نبذة مما ورد في جماعتهم على وجه العموم.
فنقول وبالله التوفيق: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
قلت: ثم ساق في فضائله، وفضائل الأئمة المبشر بهم من ولده، إلى إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم؛ ثم الإمام المهدي المنتظر ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.
ومما روى فيه في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوله: وأما السنة /545
فكثير، نحو: ماأخبرني به والدي وسيدي، عماد الإسلام ـ رضي الله عنه ـ بالإسناد الموثوق به إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسَلَّم ـ، أنه قال: ((لايحل لعين ترى الله يُعْصى فتطرف، حتى تغير أو تنتقل))، وفي السماع المتصل بالمنصور بالله (ع): ((حتى تغير أو تنصرف)) انتهى.
[ترجمة الأمير الحسين (ع)]
هذا، وقد اشتمل على ذكر الأمير الناصر للحق، ومؤلفاته ووفاته، ذلك البحث من التحف الفاطمية في سيرة أخيه الإمام الأوحد المنصور بالله الحسن بن محمد (ع).
قال في طبقات الزيدية: الإمام الناطق بالحق.
وساق إسناد مذهب أهل البيت (ع) إليه، عن مشائخه.
قلت: وقد صحّ أنه يروي عن جمال العترة علي بن الحسين، عن الشيخ محيي الدين عطية بن محمد، عن أبويه الأميرين الداعيين إلى اللَّه تعالى: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد.
ويروي عن والده الداعي إلى اللَّه تعالى بدر الدين محمد بن أحمد، بلا واسطة.
وروى عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة بواسطة الشيخ العلامة، عمران بن الحسن.
وأما أخوه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، فسمع كتاب الشافي على الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: هو الأمير الكبير، أبو طالب، حامل لواء العلوم، فارس مظنونها والمعلوم؛ من أعلام العترة الميامين، ومن علمائهم المبرزين، وعلمه أشهر من أن يُوصف، ومعرفته أكثر من أن تعرف، فله من التصانيف مايدل على علمه الغزير.
إلى قوله: صنف في الفقه المدخل، والذريعة، وكتاب التقرير ستة أجزاء، وشفاء الأوام أربعة أجزاء، شرع فيه بالجزئين الأخيرين.
إلى قوله: وجرى بينه وبين أولاد المنصور بالله، بعد قتل الإمام أحمد بن الحسين، وحشة.
إلى قوله: قال السيد صلاح: وقف هو والسيد الحسن بن شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى في الحبس سنة، فيما روي لي أنهم مكنوهما من خزانة المنصور بالله.
إلى قوله بعد الكلام في الشفاء: قال السيد محمد بن إبراهيم الوزير: ولاشك في كفايته ـ أي الشفاء ـ للمجتهد، وهو في كتب الزيدية مثل كتاب البيهقي في كتب الشافعية، وله في /546
أصول الدين كتاب.
قلت: هو هذا ينابيع النصيحة، وله العقد الثمين، وكتاب إرشاد العباد إلى سوي الاعتقاد.
وقال: وأما الرسائل والأجوبة، فكثيرة محتوية على علم غزير؛ وله ثمرة الأفكار في حرب البغاة والكفار، وله كتاب يسمى النظام.
إلى قوله: وكان حجة في أهل وقته، يتعاورون كلماته.
إلى قوله: ثم رحل إلى رغافة، وبها توفي، سنة اثنتين أو ثلاث وستين وستمائة.
قلت: قد ذكرت تاريخه في التحف، وعمره اثنتان وستون سنة، وقبره يلي قبر أخيه الإمام الحسن بن محمد يمناً؛ ويليه قبر أخيهما المختار، في مسجد تاج الدين.
وكان وفاة الأمير بعد قيام أخيه الحسن بن محمد، وعاصره وقام بدعوته، وله كرامات معروفة.
قال: وأجلّ تلامذته الأمير المؤيد بن أحمد، والإمام المطهر بن يحيى، وولده جبريل بن الحسين، والأمير صلاح بن إبراهيم، مؤلف التتمة.
انتهى المراد.
انتهى الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار
يتلوه الجزء الثاني، وفاتحته الفصل السادس
وصلى الله على محمد وآله وسلم
---بسم الله بمن الله ـ وله الحمد ـ كان إتمام السماع، والتصحيح لهذا الجزء الأول من كتاب لوامع الأنوار، على المؤلف شيخنا، شيخ الإسلام الإمام الحافظ، الحجة الناقد، المسدد المجتهد المطلق، أبي الحسنين، مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي قدّس الله سرّه، ونفع بعلومه.
وأروي هذا الكتاب كلّه وغيره من مؤلفاته، وجميع مروياته، ومسموعاته، عنه، بالسماع الصحيح، والإجازة؛ كما قد أجازني فيما لم أسمع، والحمد لله.
كاتب هذا: حسن بن محمد الفيشي.
لوامع الأنوار الجزء الثاني
الفصل السادس في تحصيل السابق، وتفصيل اللاحق
[ذكر ما سبق إسناده من كتب الأئمة]
اعلم ـ أيدنا الله تعالى وإياك ـ أن هذا الجامع المبارك، قد اشتمل فيما مضى، وفيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ على المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، من الأسانيد الصحيحة الجامعة، لمؤلفات أئمة العترة، ونجوم علمائهم، وأعيان الصفوة من الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على مثال لم يُسْبَقْ إليه، ومنوال لم يُنْسَجْ عليه، مع ما فتح الله تعالى به في خلال ذلك، من غرر الفوائد، ودرر الفرائد، التي يجلّ نفعها، ويعظم وقعها، عند ذوي الاطلاع، وأرباب الهمم من الأعلام، المقتفين لأنوار سادات الأنام، قرناء الكتاب، وأمناء رب الأرباب، وخلفاء الرسول ـ صلوات الله عليه وآله ـ على أولي الألباب؛ وكل هذا بفضل الله الملك الوهاب، وهو المرجو عز وجل لجزيل الثواب، وكريم المآب.
فأقول، معتصماً بمن ملكه لايزول: قد سَبَقَتِ الأسانيد، متصلة إلى جميع مؤلفات الإمام الأعظم، الولي ابن الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي، المجموعين، والتفسير، والرسالة، وغيرها.
وإلى أمالي حفيده الإمام، عالم آل محمد، أحمد بن عيسى.
وأما كتاب السير، للإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله بن الحسن /3
بن الحسن بن علي (ع)، فقد تقدم الكلام عليه، في كلام الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع)، في الفصل الرابع؛ وذكرها الإمام الناطق بالحق، أبو طالب، في الإفادة، وغيره.
وكذلك جميع مؤلفات نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، الإمام الكريم، القاسم بن إبراهيم (ع)؛ وقد بينها الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، في الشافي، ونقلتها منه في التحف الفاطمية، وتضمنتها مؤلفات الأئمة من أسباطه (ع) وغيرهم، وكفى بذلك في الصحة.
نعم، وسبقت إلى جميع مؤلفات إمام الأئمة، الهادي إلى الحق القويم، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم أفضل التحيات والتسليم: الأحكام، والمنتخب، والفنون، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، الحسن بن علي (ع): البساط، والتفسير وغيرهما.
وأما مؤلفات الإمامين: المرتضى والناصر، ولدي الإمام الهادي إلى الحق، فهي مروية في الشافي، وقد ذكرتها في التحف الفاطمية، وصحت روايتها بذلك، وبما صححه الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم، فيما كتبه إلى المدينة المنورة، كما سبق في الفصل الرابع.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات إمام العترة الهداة، المؤيد بالله: شرح التجريد، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الإمام الناطق بالحق، أبي طالب: شرح التحرير، والأمالي، والإفادة، وغيرها.
وإلى جميع مؤلفات الإمام الموفق بالله، أبي عبدالله، الحسين بن إسماعيل: الإحاطة، والسلوة، وغيرهما.
وإلى الأماليين: الخميسية والاثنينية، /4
للإمام المرشد بالله، أبي الحسين، يحيى بن الموفق بالله.
وأما البرهان في تفسير القرآن، للإمام الناصر، أبي الفتح الديلمي، فقد صحّ بتصحيح الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع).
وما ذكرت التصحيح له على هذا الوجه، فلعدم تسلسل السند إليه، في شيء من المسندات الموجودة.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى كتاب نهج البلاغة، من كلام أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ جمع الشريف الرضي.وإلى أعلام الرواية على نهج البلاغة، للشريف علي بن ناصر الدين المرتضى الحسيني.
وإلى مسند الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم.
وإلى أصول الأحكام، للإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان.
وأما حقائق المعرفة، فقد صحت روايتها، بما تقدم من تصحيح الإمام المؤيد بالله، محمد بن القاسم (ع) وغيره.
نعم، وسبقت الأسانيد، متصلة، إلى جميع مؤلفات الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة: الشافي، وصفوة الاختيار، والمجموع المنصوري، والتفسير، والمهذب، وحديقة الحكمة، والجوهرة الشفافة، والنافعة، والناصحة، والكافية، والهادية، والدرة اليتيمة، وعقد الفواطم، والعقد الثمين في الأئمة الهادين، والدعوة العامة، وديوانه، وغير ذلك.
وإلى كتاب اللمع، والدرر، والقمر المنير، للأمير الخطير، علي بن الحسين.
وإلى أنوار اليقين، للإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد.
وإلى جميع مؤلفات أخيه، الأمير الناصر للحق، الحسين بن محمد بدر الدين (ع): الشفاء، والتقرير، والينابيع، وغيرها.
ولنذكر مؤلفات الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ إلى هذا العصر، ثم مؤلفات آل محمد (ع)، ثم نسوق على ذلك إلى النهاية ـ إن شاء الله ـ /5
بإعانة الله وتسديده.
فأقول: وسبقت الأسانيد، إلى جميع مؤلفات شيخ الإسلام، إمام الشيعة الأعلام، أبي جعفر، محمد بن منصور المرادي ـ رضوان الله عليه ـ الذي كان أئمة آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ينزلونه منزلة الأب الكريم، وهو يجلهم إجلال الشريف العظيم؛ وكفى في الدلالة على ذلك قضية اجتماع نجوم العترة، في عصره للبيعة العامة، وهو ما رواه في المصابيح، وتناقله الخلف عن السلف من أهل البيت (ع).
[الاجتماع التاريخي العظيم]
قال ـ أي محمد بن منصور المرادي ـ: كنتُ في منزلي بالكوفة، سنة عشرين ومائتين.
قلت: وأخبر محمد بن منصور، بهذا، سنة تسعين ومائتين؛ فيكون بين الاجتماع وإخباره سبعون سنة؛ وفي المحاورة حال الاجتماع، أنه كان شيخاً كبيراً؛ فقد بارك الله ـ تعالى ـ في عمره؛ ليبلّغ الخلف عن السلف، من آل محمد (ع).
(رجع) كئيباً حزيناً؛ لما فيه آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما فيه شيعتهم؛ حتى استأذن عليَّ أبو عبدالله، أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي (ع) فاستقبلته، وأدخلته منزلي، ورحّبت به، وسرتني سلامته من البصرة.
ثم ما شعرت بشيء، وأنا في الحديث معه، والتوجع لما فيه أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى استأذن علي أبو محمد، القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي (ع)، فاستقبلته، وأدخلته، ورحبت به، وسررت بسلامته من الحجاز.
وجعلنا نتحدث، ونذكر ما فيه الناس من /6
الظلم والتعدي، وما تغلب عليه الجبارون؛ حتى استأذن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن (ع)، فغدوت فاستقبلته، وأدخلته الدار، وهنأت له بسلامته، وقدومه سالماً من الشام؛ لأنه كان بجبل لُكام؛ وأقبل عليه أحمد بن عيسى، والقاسم بن إبراهيم يسألانه عن حاله وأمره.
قال: ورآهم أبو محمد، الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد (ع)، فجاءنا ودقّ الباب، فقمتُ ففتحتُ له، فسلم على القوم ودعا لهم بالسلامة؛ وقال: الحمد لله، الذي جمعنا وإياكم، في دار ولي من أوليائنا.
قال محمد بن منصور: وهؤلاء الذين كانوا يشار إليهم، ويفزع السلطان منهم، وقد امتنعوا من الحضور عندهم، وفي مجالسهم، وأخذ عطاياهم.
قال محمد بن منصور: فورد علي من السرور، مالا أحسن أن أصفه، ودهشت، وأردت أن أخرج فآخذ ما يأكلون.
فقالوا: إلى أين تمضي؟ زرناك وتتركنا وتخرج؟
فقلت: ياسادتي آخذ لكم ما يصلح من المأكول.
فقالوا: وما عندك شيء؟
قلت: بلى، ولكن استزيد.
قالوا: وما عندك؟
قلت: عندي خبز، وملح، ولبن، وتمر سابري.
فقالوا: أقسمنا عليك، لاتزد على هذا شيئاً، وأَغْلِق الباب لنأمن.
فقمتُ وأغلقته، واستوثقت من الباب، وقدمت إليهم طبقاً عليه خبز وملح وخل ولبن وتمر، فاجتمعوا وسموا الله ـ عز وجل ـ وجعلوا يأكلون، من غير حشمة، حتى استوفوا، وشربوا من ماء الفرات الذي كان عندي، وقاموا فتوضؤوا للصلاة، وصلوا الصلاة الأولى، فرادى ووحدانا.
فلما انفتلوا، مدوا أرجلهم، كل واحد على سجادته، يتحدثون، ويغتمون لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وما هم فيه من الجور والظلم؛ فقمتُ وقعدتُ على عتبة الصَّفَّة؛ ليراني جماعتهم وبكيتُ، وقلت: ياسادة، أنتم الأئمة، وأنتم أولاد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولاد علي وفاطمة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ /7
وأنتم المشار إليكم؛ وأنتم أهل العقد والحل، وأنتم العلماء والأئمة، من ذرية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولد الوصي (ع)، قد اجتمعتم، وجمع الله بينكم، ونحن بلا إمام، ولا لنا جمعة، ولا جماعة، ولا عيد.
قلت: والأظهر أن نفي الجمعة؛ لأنهم لايجيزونها مع الظلمة؛ وأما الجماعة، فلعدم تعيين الأولى بها؛ وبعد البيعة تعين، فائتموا به، والله أعلم.
(رجع) فارحموا كبر سني، واعملوا فيما يقربكم إلى الله ـ عز وجل ـ وبايعوا واحداً منكم، أعلمكم وأقواكم، حتى يكون الرضاء منكم، ترضون به الإمام، لي ولأمثالي وللمسلمين؛ ولانموت ميتة جاهلية، بلا إمام، ويكون لنا إمام نطيعه ونعرفه، ونموت بإمام.
فقالوا: صدقتَ أيها الشيخ، ما أحسن ما قلتَ! وإن لك ملتنا ولحمنا ودمنا، وأنت منا أهل البيت، وما نطقت به فهو الصواب، ونحن نفعله بإذن الله، إن شاء الله.
قال: فقلت: فرِّحوني، ولا تبرحوا، حتى تبرموا، ولا تؤخروه إلى مجلس آخر؛ فإنا لا نأمن من الحوادث.
فبرز أبو محمد، القاسم بن إبراهيم، وأقبل إلى أبي عبدالله، أحمد بن عيسى، وقال: إن شيخنا وولينا قد قال قولاً صادقاً متفقاً؛ وقد اخترتك لأمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت العالم القوي، تقوى على هذا الأمر؛ فقد رضيتك، ورضي أصحابنا، فتولّ هذا الأمر، فمدّ يدك أبايعك، على كتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأنت الرضاء لنا؛ ما تقولون يا أصحابنا؟
قالوا جميعاً: رضى رضى.
فقال أحمد بن عيسى: لا والله، وأنت يا أبا محمد حاضر؛ إذا حضرت، فلا يجب لأحد أن يتقدمك ويختار عليك، وأنت أولى بالبيعة مني.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً، أرضاك وأسألك أن تقوم بأمر أمة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فتحيل علي؟
فقال: لايكون ذلك، وأنت حاضر /8
قال: ثم أقبل القاسم على عبدالله بن موسى، فقال: يا أبا محمد، قد سمعت ما جرى، وقد امتنع أبو عبدالله أن يقبل ما أشرتُ به، وأنت لنا رضى، وقد رضيتك لعلمك وزهدك.
فقال: يا أبا محمد، نحن لا نختار عليك أحداً، وقد أصاب أبو عبدالله فيما قال، فأنت الرضى لنا جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً، أحلت علي أنت أيضاً؟ لم تزهدون في النظر لأمة أبيكم محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وللناس عامة؟
ثم أقبل على الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، فقال: فأنت يا أبا محمد، اقبل هذا الأمر، فإنك أهل له، وأنت قوي على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس ما لانعرف.
فقال: يا أبا محمد، والله، لا يتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطيء؛ أنت الإمام، وأنت الرضى، وقد رضيناك جميعاً.
فقال القاسم: اللهم غَفراً اللهم غَفراً.
[بيعتهم للإمام نجم آل الرسول]
قال: ثم إن أحمد بن عيسى أقبل على القوم، فقال: إن أبا محمد لنا رضى، وقد رضيتُ به.
قال عبدالله بن موسى والحسن بن يحيى: صدقت أيها الشيخ.
قال محمد بن منصور: وخفت أن يفوتنا وقت صلاة العصر، ولم يبرموا، حتى انتبز أحمدُ بن عيسى القاسمَ بن إبراهيم، وأخذ يده، وقال: قد بايعتك على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأنت الرضى.
فجعل القاسم يقول: اللهم غَفراً، اللهم غَفراً.
ثم بايعه عبدالله بن موسى، والحسن بن يحيى، ورضوا به، وقالوا لي: بايع.
فقمتُ وبايعتُ القاسم بن إبراهيم، على كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة نبيه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -.
ثم قال لي القاسم: قم يا أبا عبدالله، وأذن، وقل فيه: حي على خير العمل؛ فإنه هكذا، نزل به جبريل (ع) على جدنا محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقمتُ، وأذّنتُ، وركعتُ، وأقمتُ؛ فتقدم القاسم (ع) فصلى بنا جماعة، صلاة العصر، وباتوا عندي تلك الليلة، وصلى بنا المغرب والعشاء جماعة. /9
فلما أصبحوا، تفرّقوا، ومضى القاسم بن إبراهيم إلى الحجاز، وأحمد بن عيسى إلى البصرة، وعبدالله بن موسى إلى الشام، ورجع الحسن بن يحيى إلى منزله، وكانوا على بيعة القاسم (ع)، انتهى.
ولله دره من مقام! جمع حجج الله على الأنام، من آل النبوة الأعلام، عليهم الصلاة والسلام.
نعم، ومن مؤلفات إمام الشيعة، محمد بن منصور، أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع) فهو الذي جمعها، وأسانيد جميع ما فيها إليه؛ وكتاب الذكر، والمجموع، والمسائل، وكتاب النهي، وكتاب الحج، وكتاب الطهارة، والزكاة، والخمس، والصوم، والرضاع، والحدود، والفرائض، والقضاء، والسيرة، والقصر، والطلاق، وتحريم الأشربة والملاهي، وأقوال الحسن بن يحيى، وغيرها.
وقد ذكر أبو عبدالله العلوي (ع) أن له ثلاثين مؤلفاً؛ وقد تقدم في سند الأمالي ذكر أشياخه، والآخذين عنه، وهم أعيان آل محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وأشياعُهم ـ رضي الله عنهم ـ.
[ذكر شرح الأحكام وترجمة مؤلفه]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى شرح الأحكام، للشيخ العلامة، علي بن بلال ـ رضي الله عنه ـ.
ونروي بذلك السند عنه كتاب الوافي على مذهب الإمام الهادي.
والسند إليه مذكور، في السند الجامع لمؤلفات الأئمة (ع).
هذا، وأهمل في الطبقات، والمختصر منها، ترجمة الشيخ هذا بالاستقلال؛ ولكن قد ذكره السيد الإمام، في ترجمة أبي العباس الحسني (ع).
وقد امتلأت بذكره وذكر شرحه للأحكام، أسفار الأئمة الأعلام؛ وهو شرح عظيم حافل، مسند الأخبار؛ وقد نقل منه السيد الحافظ، أحمد بن يوسف، في تتمة الاعتصام الكثير الطيب.
وترجم للشيخ العلامة، في مطلع البدور، فقال: هو العلامة المحقق، صاحب التصنيف، فضله في المذهب يلحق بسادته الهارونيين؛ وله عدة كتب /10
في المذهب، منها: الوافر (بالراء المهملة) في مذهب الناصر (ع) كتاب جليل؛ والوافي على مذهب الهادي، وكتاب الموجز الصغير.
..إلى قوله: وهو ـ رحمه الله ـ الذي تمم المصابيح، كتاب أبي العباس، أحمد بن إبراهيم الحسني (ع)؛ لأنه انتقل إلى جوار الله، وهو في ترجمة يحيى بن زيد.
قال ابن بلال ما لفظه: كان الشريف، أبو العباس الحسني - رضي الله عنه - ابتدأ هذا الكتاب، فذكر جملة أسامي الأئمة، في أول ما يريد ذكر خروجهم.
إلى قوله: وأتيت بأسمائهم على حسب ما رتب...إلخ.
قلت: ورواياته في شرح الأحكام والمصابيح، من طريقة شيخه، السيد الإمام، أبي العباس (ع) إلا اليسير.
ولم يذكروا وفاته ـ رضوان الله عليه ـ.
قال القاضي العلامة الحواري، أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ: وقد خرج الشيخ علي بن بلال ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه هذا، جميع ما رواه الهادي (ع) من الأخبار المتصلة المبسوطة، المستوفاة المتعددة، وأتى في ذلك بما يبهر الناظر، ويقطع المناظر، ويزيد في أنوار ذوي البصائر؛ فرحمه الله وجزاه خيراً آمين، والحمد لله رب العالمين. انتهى.
[مجموع علي خليل]
نعم، وسبقت الأسانيد، إلى مجموع الشيخ العلامة، علي خليل ـ رضي الله عنه ـ كذلك في السند الجامع؛ وسبقت ترجمته في السند الجملي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال في الكنز: والمجموع من محاسن فقه الزيدية، وفيه فقه حسن، وتعليل صحيح؛ وهو من الكتب التي قدم بها القاضي جعفر؛ وذهبت منه قطعة، فصنفها القاضي جعفر، وهي معروفة. انتهى.
[شرح القاضي زيد]
وإلى شرح القاضي العلامة الحافظ، زيد بن الحسن ـ رضي الله عنه ـ في ذلك السند الجامع، وسبقت ترجمته كذلك.
وإلى مؤلفات الحاكم الجشمي، بطريق في سند نهج البلاغة، ونتمم الكلام عليه هنا /11
[الحاكم الجشمي وكتبه وسندها]
قال في الطبقات: المحسن بن محمد بن كرامة البيهقي، الإمام الحاكم، أبو سعد، الجشمي، وجشم (بالجيم، وشين معجمة) قبيلة من خراسان، وبيهق: أكبر قرى خراسان، كان حنفياً ـ قلت: يعني في الفروع، وكان معتزلياً في الأصول، قال ـ: وانتقل إلى مذهب الزيدية.
ثم عدّ مشائخه؛..إلى قوله: وروى عن السيد أبي طالب، يحيى بن الحسين الحسني، بالإجازة من غير واسطة.
ثم عدّ تلامذته؛..إلى قوله: قال القاضي: هو الشيخ الإمام، أستاذ العلامة الزمخشري.
إلى قوله: كان إماماً عالماً مصنفاً، صادعاً بالحق؛ له جملة كتب، منها: كتاب الإمامة على مذهب الزيدية، وكتاب العيون، وشرحه.
قلت: ألّفه حال اعتزاله، وجعل فيه أئمة آل محمد (ع) أئمة للمعتزلة، أولهم الوصي، وآخرهم الإمامان: المؤيد بالله وأبو طالب؛ وهو كتاب عظيم النفع في بابه، أخذ منه الإمام الحجة، المنصور بالله، في الشافي، كثيراً، في ذكر الأئمة (ع) وتعداد الفرق.
قال: وتنزيه الأنبياء والأئمة، وتنبيه الغافلين في فضائل الطالبيين، والتأثير والمؤثر، والانتصار لسادات المهاجرين والأنصار، وتحكيم العقول في الأصول /12
؛ وله التفسير المبسوط بالفارسية، والتفسير الموجز بالفارسية، والرسالة الغراء، وترغيب المهتدي وتذكرة المنتهي، وكتاب العقل، والشروط، والمحاضرة، والأسماء والصفات، ونصيحة العامة، والحقائق والوثائق، والمنتخب في كتب الزيدية، والسفينة المشهورة، وتفسير القرآن، المسمى بالتهذيب، قدر تسعة أجزاء كبار.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: اعتمده أئمة الزيدية المتأخرون.
قلت: قيل: إن الكشاف مأخوذ منه بزيادة تعقيد.
قال: إلى غير ذلك، إلى نيف وأربعين مصنفاً؛ وله رسالة، تسمى رسالة الشيخ أبي مرة إلى إخوانه المجبرة؛ وكانت السبب في قتله؛ تاريخ وفاته قد سبق، وعمره إحدى وستون.
قلت: وله كتاب جلاء الأبصار، في تأويل الأخبار؛ وقد رسمتُ الطرق إلى مؤلفاته، في صدر النسخة المنسوخة، حال إملائه على جماعة من طلبة العلم الكرام ـ نفع الله بهم ـ في رجب، عام سبعين وثلاثمائة وألف.
نعم، يروي المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد المؤيدي ـ عفا الله عنهما ـ جميع مؤلفات الحاكم المحسن بن محمد، سماعاً فيما سمعت منها، وإجازة عامة في جميعها، عن والدي العلامة الولي، محمد بن منصور المؤيدي ـ رضي الله عنهما ـ بالأسانيد السابقة، في سند المجموع، وسند الشافي - وهي ثلاث طرق - إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة، عن العلامة عمر بن جميل النهدي، عن شيخه السيد الإمام يحيى بن إسماعيل، عن عمه السيد الإمام الحسن بن علي الجويني، عن المؤلف الحاكم الشهيد، ـ رضي الله عنهم ـ.
وأروي جميع مؤلفاته ـ أيضاً ـ بالأسانيد السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، /13
عن السيد الإمام عالم العترة أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي الزيدي، عن الفقيه العلامة يوسف بن أحمد، عن الفقيه العلامة حسن بن محمد النحوي، عن الفقيه العلامة يحيى بن حسن البحيبح، عن الفقيه العلامة محمد بن سليمان بن أبي الرجال، عن القاضي العلامة عبدالله بن علي الأكوع، عن أبيه الشيخ العلامة بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع ـ رضي الله عنهم ـ، وهو يرويها من طرق:
الأولى: عن الإمام الحجة عبدالله بن حمزة بسنده السابق.
الثانية: عن القاضي شمس الدين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام، عن السيد الإمام عُلَي بن عيسى بن حمزة الحسني، عن الشيخ جار الله محمود الزمخشري، عن أحمد بن محمد الخوارزمي.
قلت: في الطبقات في ترجمة الحاكم: وتلامذته كثير، منهم أحمد بن محمد بن إسحاق الخوارزمي، ومن العجب اتفاق شيخ ابن كرامة، وتلميذه في اسمه، واسم أبيه، وجده، انتهى المراد.
(رجع) عن المؤلف الحاكم ـ رضي الله عنه ـ.
الثالثة: عن القاضي جعفر بن أحمد، عن أبي جعفر الديلمي.
قلت: قال السيد الإمام: أبو جعفر الديلمي، يروي كتاب التهذيب للحاكم، عن ولده مناولة للجزء الثاني، وإجازة لسائر الأجزاء، وهو يرويه عن والده المصنف المحسن بن كَرَامة الجشمي؛ ذكره المنصور بالله في مسنده. انتهى.
قلت: وهذه الترجمة من الفصل الأول، في الجزء الثالث من الطبقات، ولم يترجم فيها إلا لمن كان من علماء الزيدية، إلا في الفصل الثاني، لطائفة يسيرة، ممن روى عنهم أحد أئمتنا أو شيعتهم ـ رضي الله عنهم ـ فمن ذكرت بعد هذا أنه /14
ترجم له فهو من العصابة الزيدية، إلا أن أبين ذلك، وكذا من ذكرنا أنه ترجم له صاحب مطلع البدور على الإطلاق، فهو منهم، وكتابه خاص في رجالهم؛ وهو المقصود بقوله: قال القاضي مطلقاً؛ يُعْلم ذلك.
[ترجمة ولد الحاكم معين الدين]
(رجع) عن ولد المؤلف معين الدين محمد بن الحاكم.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، فقال: العلامة، قرأ على أبيه تفسيره المعروف بتهذيب الحاكم جميعه، وكتاب جلاء الأبصار، وغير ذلك.
وأخذ عنه أبو جعفر الديلمي، مناولة وإجازة، وأحمد بن محمد الخوارزمي تلميذ والده.
وقال: أخبرنا الحاكم الإمام، شيخ القضاة الحرميين، محمد بن المحسّن، قال: أخبرني أبي. انتهى.
ولم يذكر وفاته ـ رضي الله عنه ـ.
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله.
المجلس الأول من إملاء الحاكم الإمام، أبي سعيد، المحسن بن محمد ـ نوّر الله ضريحه ورضي عنه ـ يوم الجمعة، الثالث عشر، من شهر رمضان، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
[ترجمة أبي حامد، أحمد بن محمد بن إسحاق، شيخ الحاكم]
وفيه: أخبرنا الحاكم الإمام، قال: أخبرنا الشيخ أبو حامد أحمد بن محمد.
قلت: قال في الطبقات: أحمد بن محمد بن إسحاق، الشيخ أبو حامد النجار، شيخ الحاكم أبي سعيد المحسن بن كرامة الجشمي، سمع عليه في شوال، سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
ثم ذكر مشائخه، ومنهم قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد...إلخ.
وترجم له في رجال الزيدية صاحب مطلع البدور، فقال: /15
الشيخ المحدث المتكلم، أستاذ الحاكم، شهاب الملة، أحمد بن محمد بن إسحاق النجار، رحمه الله تعالى...إلخ.
[ترجمة الشريف أبي يعلى]
(رجع) قال: أخبرنا الشريف أبو يعلى الحسين بن محمد الزيدي.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ، وأفاد ما في السند.
[ترجمة أحمد القليسي]
(رجع) قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي القليسي.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: أحمد بن علي الأنصاري، عن عبدالسلام الهروي، عن مولاه علي بن موسى الرضا، عن آبائه.
.إلى قوله: توفى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة ـ وحكى كلام الذهبي، عن أحمد بن حنبل، وتوهينه، وهو غير ضائر، لما عُلِمَ من اختلاف المذهب ـ.
أخرج له المرشد بالله (ع).
[ترجمة أبي الصلت الهروي]
(رجع) قال: حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي.
قلت: أبو الصلت من ثقات الشيعة الأخيار، توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين؛ وقد طعن فيه بعض النواصب، منهم: يعقوب بن إبراهيم الجوزجاني، وقد أقرّ بغلوه في النصب أهل الحديث، وأنكروا عليه ذلك المذهب الخبيث.
قال ابن حجر في مقدمة الفتح: الجوزجاني، كان ناصبياً منحرفاً عن علي...إلخ.
وقد وثق الهروي جماعة من القوم، ونقل الحاكم توثيقه عن يحيى بن معين.
[قدح القوم فيمن روى الأخبار المخالفة لمذهبهم]
قال في الروض: لعل ذنبه التشيع، وإلا فهو بمحل من الجلالة، كما ذكره المزي في التهذيب أنه سكن نيسابور، ورحل في الحديث إلى الكوفة، والبصرة، والحجاز، واليمن؛ وهو خادم علي بن موسى الرضا، أديب، فقيه، عالم.
ثم ذكر من روى عنهم، والآخذين عنه.
قلت: وروى عن عطاء، وابن /16
عيينة، وعبد الرزاق، وغيرهم، وأخذ عنه عباد بن العوام، وشريك، وهشام، وغيرهم.
قال: وكان ـ عبد السلام ـ يرد على أهل الأهواء من المرجئة، والجهمية، والزنادقة، والقدرية، وكلّم بِشْراً المريسي غير مرة، بين يدي المأمون، مع غيره من أهل الكلام، كل ذلك كان الظفر له، وكان يُعْرف بالتشيع.
إلى قوله: ناقلاً عن أحمد بن سيار، إلا أن أحاديث يرويها في المثالب، وسألت إسحاق بن إبراهيم عن تلك الأحاديث وهي أحاديث مروية، نحو ما جاء في أبي موسى، وما روي في معاوية، فقال: هذه أحاديث قد رويت.
قلت: أفتكره كتابتها، وروايتها، والرواية عمن يرويها؟
فقال: أما من يرويها على طريق المعرفة فلا أكره ذلك، وأما من يرويها ديانة ويريد عيب القوم، فلا أرى الرواية عنه.
ثم ساق المزي إسناده إلى أحمد بن سيار، فيما نقله عنه.
قال الشارح: وهذا الكلام من إسحاق بن إبراهيم مبني على ما أصلوه، من ثبوت عدالة الصحابي على الإطلاق، وأن من حام حولها برواية ما يدل على توهين أحد منهم كان أمراً شنيعاً؛ وبين الإنصاف وبين هذا مفاوز؛ وللكلام عليه موضع آخر، انتهى المراد.
(رجع) قال: حدثنا علي بن موسى الرضا، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح)).
قلت: في شرح المجموع، بعد رواية هذا الخبر الشريف، إلا أن مكان ((الجوارح)) ((الأركان))، مالفظه: قال المزي: وقد تابعه الحسن بن علي التميمي الطبرستاني، عن محمد بن صدقة العنبري، عن موسى بن جعفر، وتابعه أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن عباد بن صهيب /17
، عن جعفر بن محمد. انتهى.
[زمرُّدة من كتاب جلاء الأبصار للحاكم، ومتابعة علماء المعتزلة للأئمة]
وقال ـ رضي الله عنه ـ في المجلس السابع عشر: وإذْ قد بينا المذاهب المحدثة، والبدع المولدة، بقي ما كان عليه النبي وآله وأصحابه، وعلماء أهل البيت؛ وهو القول بتوحيد الله، ونفي التشبيه، والقول بعدله وبراءته من كل سوء، والقول بعصمة أنبيائه، وصدق ما جاؤوا به على ما نطق به الكتاب.
ومشائخ أهل العدل أخذوها عن علماء أهل البيت، أخذها واصل، عن محمد بن الحنفية، وابنه أبي هاشم، وكان مع ذلك من أصحاب النفس الزكية.
وكان عمرو بن عبيد تأهب للخروج إلى زيد بن علي، فورد الخبر بقتله.
وكان مطر الوراق، وبشير الرحّال، من أصحاب إبراهيم بن عبدالله.
وكان حكم المعتزلي، من أصحاب عيسى بن زيد.
والروايات بذلك عن علماء أهل البيت ظاهرة، وكتب القاسم، ويحيى، والناصر، والمهدي، وأحمد بن عيسى، وغيرهم من أئمتهم مشحونة بذكر العدل، والتوحيد.
إلى قوله: وكان إمامَ هذه الطائفة بعد أمير المؤمنين، والحسن، والحسين، و محمد بن علي، وعلي بن الحسين، زيدُ بن علي (ع)، وجميعُ أولاد أمير المؤمنين، إلا أن زيداً تقدمهم بالفضل، والعلم، والجهاد في سبيل الله.
إلى قوله: وفي كتاب القاضي أبي بكر محمد بن عمر، الذي رواه أبو سعيد السمان، بإسناده عن زاذان، عن أمير المؤمنين، قال: الشهيد من ذريتي، والقائم بالحق من ولدي، المصلوب بكُناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين؛ يأتي هو وأصحابه يوم القيامة، تتلقاهم الملائكة المقربون، ينادونهم: ادخلوا الجنة، لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
قلت: وأخرج هذا الأثر الشريف الإمامُ أبو طالب، في الأمالي، بسنده إلى /18
أمير المؤمنين (ع).
(رجع) قال: وعن الباقر، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال للحسين: ((يخرج من صلبك رجل، يقال له: زيد، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة، غراً محجلين، إلى أن يدخلوا الجنة)).
قلت: وأخرجه الإمام الموفق بالله، بسنده إلى الباقر، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحسين: ((ياحسين يخرج... الخبر))، إلا أن بعد محجلين: ((يدخلون الجنة)).
قال الإمام الموفق بالله: وروى الناصر الحسن بن علي: ((بغير حساب)).
قلت: ورواه عن الباقر مرفوعاً، الإمامُ المهدي، في المنهاج الجلي؛ والديلمي، في المشكاة (ع).
(رجع) قال: وروى أنس، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يقتل من ولدي رجل، يدعى زيداً، بموضع يعرف بالكناسة؛ يدعو إلى الحق، يتبعه عليه كل مؤمن)).
وساق في فضائل الإمام الأعظم وأخباره، وذكر بعض أتباعه من علماء الأمة، كأبي حنيفة، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري ـ رضي الله عنهم ـ.
[من جلاء الأبصار في تفسير خبر الثقلين]
وقال في المجلس الأربعين: وهذا تأويل خبر: إن سأل سائل، فقال: ما معنى ما روى زيد بن ثابت، وجماعة، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إني تركت فيكم الخليفتين: كتاب الله وعترتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))؟
والجواب، قلنا: أما قوله: ((الخليفتين))، فالخليفة كل من يخلف غيره من بعده.
إلى قوله: والمراد تركتُ فيكم شيئين، يقومان مقامي، في حفظ دينكم، ورجوعكم إليهما في معضلاتكم.
إلى قوله: والصحيح أن المراد بالعترة: علي، والحسن، /19
والحسين، وأولادهم إلى يوم القيامة؛ لوجوه، منها: أن الخطاب عام لجميع المكلفين؛ فلا يجوز قصره.
قلت: أي على مَنْ في عصره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ منهم.
ومنها: أن العترة هو أصل الشيء، والأقرب إليه ولده وولد ولده.
ومنها: ما روي أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أشار إليهم، في مواضع، بأنهم أهل بيته، وأنهم منه وهو منهم، وقال في الخبر: ((عترتي أهل بيتي)).
ومنها: أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كرر هذا في مواضع، يحتج على الناس.
ومنها: أنه خاطب أصحابه، وأمته بذلك؛ فلا بد أن يكون عترته غيرهم.
وروى زيد بن أرقم أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال يوم غدير خم: ((كأني قد دُعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي، أهل بيتي)) ثم أخذ بيد علي، وقال: ((من كنت وليه فهذا وليه)) في حديث طويل.
وروى نحوه أبو سعيد الخدري.
وفي حديث بريدة: ((لاتقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي))...إلى غير ذلك من الأخبار.
فالخبر يدل على أن إجماع عترته حجة، وأنهم لايجمعون على ضلالة.
[من جلاء الأبصار في معجزات الرسول (ص)]
وقال في المجلس الثامن والخمسين، في ذكر أحوال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: وكان في نفسه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ معجزات جمة.
أولها: كان يرى من خلفه، كما يرى من أمامه.
وثانيها: كان بين كتفيه خاتم النبوة، مكتوب عليه: (لا إله إلا الله وحده لاشريك له، توجه حيث شئت فأنت منصور).
وثالثها: كانت تنام عينه، ولاينام قلبه. /20
ورابعها: أنه لم يُر له غائط ولابول، كانت تبتلعه الأرض.
وخامسها: ما وقف عنده أحد ـ وإنْ طال ـ إلا كان يقصر عنه، وكان لا يُرى طويلاً.
وسادسها: أنه ولد مختوناً.
وسابعها: كان لايقاومه أحد، وإن كان شديد القوة.
وثامنها: أنه كان يشم منه رائحة الطيب، من غير تطيب.
وتاسعها: كان بين عينيه نور ساطع.
وعاشرها: أنه كان يمج في الكوز والبئر، فيجدون له رائحة أطيب من المسك.
وحادي عشرها: أنه لم يكن له ظل.
وثاني عشرها: أنه فار الماء من بين أصابعه.
وثالث عشرها: أنه بصق في بئر فيه ماء أجاج فعذب.
ثم خص بالقرآن، وسائر معجزاته.
وقد عُدَّ له ألف معجزة.
وقال في المجلس الستين: وقال علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ يبكي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تسليماً كثيراً ـ:
أمن بعد تكفين النبي ودفنه .... بأثوابه آسى على ميت ثوى
رزينا رسول الله فينا فلن نرى .... لذلك عدلاً ما حيينا من الورى
قال رحمه الله: ولما دفن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أخذت فاطمة من تراب قبره، وشمته، وقالت:
ما ضرّ من قد شمّ تربة أحمد .... ألا يشم مدى الزمان غواليا
صُبّت عليّ مصائب لو بعضها .... صُبّت على الأيام صِرْنَ لياليا
/21
ووقف أعرابي على قبر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنشد:
ياخير من دُفنت في الترب أعظُمُه .... وطاب من طيبه القيعان والأَكَمُ
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه .... فيه العفاف وفيه الخير والكرمُ
وزار أعرابي قبره، فقال:
مررت بقبر المصطفى فكأنه .... يكلّمني والقبر غير كليم
وفي القبر آثار النبوة والهدى .... تصدّع عنها قلب كل سليم
ووقف أمير المؤمنين علي (ع) على قبره، وقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله، والله، إن الجزع لقبيح إلا عليك، وإن الصبر لجميل إلا عنك، وإن المصيبة بك لأجل، وإنما بعدك وما قبلك لجلل؛ ثم أنشأ يقول:
ما غاض دمعي عند نازلة .... إلا جعلتك للبكا سبباً
فإذا ذكرتك سامحتك به .... مني الجفون وفاض وانسكبا
إني أجلّ ثرىً حَلَلْتَ به .... مِنْ أَنْ أُرَى بسواه مكتئبا
وزار بعضهم قبره، فقال:
أتيتك راجلاً وودت أني .... ملكت سواد عيني أمتطيه
ومالي لا أسير على المآقي .... إلى قبر رسول الله فيه
ولبعضهم يرثيه، وأتاه زائراً:
أيا خير مبعوث إلى خير أمة .... نَصَحْتَ وبلّغتَ الرسالة والوحيا
فلو كان في الإمكان سعيي بمقلتي .... إليك رسول الله أنضيتها سعيا
[من جلاء الأبصار في أمير المؤمنين (ع)]
إلى قوله: وأخوه، ووزيره، ووصيه، علي بن أبي طالب (ع)؛ وكان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ سماه علياً، ورباه، وكناه أبا تراب.
قال ـ رحمه الله ـ: وكان أول من آمن به، وصلى معه، ونام على فراشه /22
ليلة الهجرة، وولاه أمر الودائع ليردها، ثم لحق به راجلاً.
وولاه قراءة سورة براءة، وقال: ((لايؤديها إلا أنا أو رجل مني)) وقرأها عليهم، ونبذ العهد.
وولاه المدينة حين خرج إلى تبوك، وفيه قال لما اتبعه لقول المنافقين: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لانبي بعدي)).
وسدّ جميع الأبواب الشارعة إلى المسجد، دون باب علي (ع).
ولما آخا بين المهاجرين والأنصار، آخا بينه وبين نفسه.
وكانت له قصة الطير المشوي.
ولما دعا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الله تعالى أن يأتيه أحب خلق الله تعالى فجاءه علي (ع)، فرده أنس، وقال: إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نائم؛ حتى جاءه ثلاث مرات، فأذن له في الثالثة، فلما رآه رسول الله- صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - سُرّ بذلك وحمد الله تعالى.
وشهد معه جميع المشاهد.
وفي أحد قال جبريل (ع):
لاسيف إلا ذو الفقار .... ولا فتى إلا علي
وفي الخندق قتل عمراً.
ويوم خيبر أعطاه الراية، وقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار)).
وفي الأحزاب بقي محارباً، حين انهزم القوم.
ونوه به يوم الغدير، بعد انصرافه من حجة الوداع، وقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وكان معه راية رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في جميع المشاهد؛ وإليه أوصى، وهو الذي غسله، ودفنه.
[أسماء الرسول (ص) وكنيته]
فأما أسماؤه محمد، وأحمد، ورسول الله، ونبي الله، والماحي، والعاقب، والحاشر، والمزمل، والمدثر، والأمي، والشاهد، والبشير، والنذير، والداعي، والسراج، وخاتم النبيين، والمصطفى، والمنذر، /23
والهادي، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة، والمختار، والمقفي.
وكنيته أبو القاسم؛ وروي أن جبريل (ع) كناه بأبي إبراهيم ـ صلوات الله عليه وآله ـ.
قال: وأنشدت للصاحب:
لآل محمد أَصْبَحْتُ عبداً .... وآل محمد خير البريّهْ
أناس حَلّ فيهم كل خير .... مواريث النبوة والوصيّهْ
قال ـ رحمه الله ـ: ولمنصور الفقيه:
إذا فخرت بنو الإسلام يوماً .... على من ليس منها بالرسولِ
قضيتُ لها كما أقضي عليها .... بأن خيارها ولد البتولِ
وصلى الله على محمد خير الورى، وعلى آله مصابيح الدجا، وأصحابه نجوم الهدى، وسلم تسليماً.
[السند إلى أمالي السمان وترجمته هو والشيخ الحسن الفرزاذي]
وأروي أمالي السمان، بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن المشائخ الثلاثة: الحسن الرصاص، ومحيي الدين القرشي، وعفيف الدين حنظلة بن الحسن ـ رضي الله عنهم ـ؛ قالوا: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام شمس الدين، جمال الإسلام والمسلمين، جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى ـ رضوان الله عليه ـ قراءة.
(ح) وأرويها بالأسانيد السابقة في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، إلى الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين وبدره، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنه ـ قال: أخبرنا القاضي الأجل، الإمام، قطب الدين، أبو العباس، أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني ـ أسعده الله تعالى ـ قال: أخبرنا الشيخ الإمام، /24
الحسن بن علي بن أبي طالب الفرزاذي، المعروف بجاموش ـ أطال الله بقاءه ـ في رمضان، سنة خمس وعشرين وخمسمائة.
ـ قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الشيخ الإمام، أبو علي، ويعرف بجاموش (بجيم، وآخره شين معجمة)، وفي نسخة: ضبط بالخاء معجمة...إلخ، وقد تقدم ـ.
قال: أخبرنا طاهر بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد بن الحسن بن زنجويه السمان الرازي، في جمادى الأولى، سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قلت: ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ؛ قال المنصور بالله: وللشيخ طاهر مؤلف، يسمى كتاب المنتخب، انتخبه من كتاب الإرشاد...إلى قوله: وكان الشيخ طاهر إماماً زاهداً، انتهى.
(رجع) قال: حدثني عمي، أبو سعد، إسماعيل بن علي بن الحسين بن محمد السمان ـ رضي الله عنهم ـ إملاء من لفظه، وهو المصنف.
قلت: هذا السند هو الذي في الشافي، وطبقات الزيدية، وكتاب الحافظ أحمد بن سعد الدين، وبلوغ الأماني، وغيرها.
وما في بعض كتب الإجازات، وهَمٌ لا يُلْتَفَتُ إليه، وكذا غيره من الأسانيد؛ لم نرسم إلا ماصحح على هذه الأصول، الموثوق بها، المأمونة، وغيرها؛ يعلم ذلك، والله الموفق.
نعم، ترجم للسمان السيدُ الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية، فقال فيها: الحافظ الكبير المتقن..
.إلى قوله: وكان إماماً بلا مدافعة، في القرآن، والحديث، والرجال، والفرائض، والشروط، عالماً بفقه أبي حنيفة، وبالخلاف بينه وبين الشافعي، وعالماً بفقه الزيدية...
إلى قوله: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه؛ وكان تاريخ الزمان، وشيخ الإسلام.
قال الذهبي: بل /25
شيخ الاعتزال، ومثل هذا عبرة، فإنه مع براعته في علوم الدين ما تخلّص بذلك من البدعة، انتهى.
وعده السيد صارم الدين، وابن حميد في التوضيح، وابن حابس في المقصد، من كبار محدثي الشيعة.
انتهى المراد.
وأفاد أن له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ، وأن وفاته في شعبان، سنة خمس وأربعين وأربعمائة ـ رضي الله عنه ـ.
[السند إلى شرح أبي مضر، وترجمة اللاهجاني، وأبي منصور بن علي بن أصفهان، وأبيه]
وأروي شرح أبي مضر على الزيادات، بالثلاث الطرق السابقة إلى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في سند المجموع، وسند الشافي؛ وله فيه طريقان:
الأولى: عن الشيخ الحسن الرصاص، والشيخ محيي الدين القرشي، والشيخ أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع؛ ثلاثتهم يروون عن الشيخ شمس الدين جعفر بن أحمد، عن شيخه الكني، عن أبي الفوارس، عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد، عن المؤلف أبي مضر ـ رضي الله عنهم ـ.
والثانية: عن الشيخ محيي الدين، وعمران بن الحسن، عن يوسف اللاهجاني.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: قال في سيرة الإمام المنصور بالله، عبدالله بن حمزة: كان يوسف فاضلاً عالماً، له علم واسع، ومعرفة دين، ورغبة في الخير، وهو من السابقين إلى بيعة الإمام المنصور بالله، وصل إليهم رسل الإمام: محمد بن أسعد، ومحمد بن قاسم، ويحيى بن نصير؛ وذلك في سنة خمس وستمائة، انتهى.
عن أبي منصور بن علي بن أصفهان.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الناصري الديلمي، /26
كان تلميذاً لأبيه علي بن أصفهان، روى عن أبيه فقه المؤيد بالله، ويحيى، والقاسم..
إلى قوله: قال يوسف: وكان أبو منصور هذا في زمرة الناصرية، كالنبي في أمته، انتهى.
عن أبيه.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: علي بن أصفهان (بضم الهمزة، وسكون المهملة، وفتح الهاء، ثم ألف ونون).
قلت: وقوله: وفتح الهاء، مستدرك على السيد الإمام (ع)؛ لأن ما بعده ألف مفتوح ضرورة، وقد سبق مثل هذا، جرينا فيه على كلامه (ع).
قال ـ رضي الله عنه ـ: ويقال: الديلمي، ثم الجيلي، يروي فقه الهادي، والقاسم، والمؤيد بالله، عن أبي علي بن آموج.
ثم ساق السند إلى القاسم بن إبراهيم (ع).
قال: وروى عنه ولده أبو منصور.
قال القاضي: وهو شيخ اليمن والعراق، وإمام العلماء على الإطلاق، وهو واسطة عقد الزيدية النظيم، ومفخرهم العظيم؛ قال يوسف: الحافظ، حافظ النصوص من أهل البيت (ع)..إلى قوله: له الكفاية، انتهى.
قلت: قال في مطلع البدور: ترجم له غير واحد من علماء العراق؛ ممن ترجم له: يوسف حاجي الزيدي العراقي، ومنهم: يوسف اللاهجاني في كتابه إلى العلامة عمران؛ ذكره عند ذكر الناصر الرضي.
ورواية ولده العلامة أبي منصور بن علي بن أصفهان؛ لكون العلامة أبي حامد الغزالي مات زيدياً.
قلت: هذه فائدة، في رجوع الغزالي إلى أهل الحق، فاعرفها، والله الموفق.
(رجع) عن أبي علي بن آموج، عن القاضي زيد بن محمد الكلاَّري، عن /27
المؤلف أبي مضر ـ رضي الله عنهم ـ.
[ترجمة أبي مضر شريح بن المؤيد]
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: شريح بن المؤيد، القاضي أبو مضر..
.إلى قوله: وقال القاضي الحافظ: يروي أيضاً عن الحقيني الكبير، وهو يروي عن أبيه المؤيد، قاضي المؤيد بالله.
وأخذ عنه القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام؛ لكن ينظر هل بواسطة أم بغيرها ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قلت: قد نظر، فصح أنه يروي عنه بواسطة، كما سبق في طريق الإمام المنصور بالله (ع) أول السند.
قال القاضي: هو أبو مضر، مفخر الزيدية، وحافظ مذهبهم، ومقرر قواعدهم، العالم الذي لايبارى، ولايشك في بلوغه الذروة ولايمارى، عمدة المذهب في العراق واليمن. انتهى.
[ذكر الشروح لأصحابنا]
قلت: وفي مطلع البدور: ولما ورد شرح أبي مضر للزيادات إلى اليمن، اختصره شيخ الشيوخ محمد بن أحمد بن الوليد العبشمي رحمه الله في كتاب سماه الجواهر والدرر، المستخرجة من شرح أبي مضر..
إلى قوله: وقد تعقبه الكني ـ رحمه الله ـ بكتاب سماه كشف الغلطات؛ ذكر فيه أنه غلط في مواضع.
ثم تعقبهما الفقيه العلامة يحيى بن أحمد حنش الكندي بكتاب أسرار الفكر، في الرد على الكني وأبي مضر، وذكر أن الكني تحامل على أبي مضر، وغلّط الكني في مواضع.
قال سيدنا العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري ـ رضي الله عنه ـ: وقد يتوهم بعض الناس، أن أبا مضر هذا شيخ الزمخشري، الذي رثاه بقوله:
وقائلة ماهذه الدرر التي
فقلت هي الدرّ التي قد حشا بها
تساقط من عينيك سمطين سمطين
أبو مضر أذني تساقط من عيني
وربما تأيد هذا الوهم بالزمان، فإن زمان الرجلين واحد، وهذا وَهَم، /28
فهو غيره.
قلت: وفيه: قال القاضي عبدالله الدواري: اعلم أن الشروح التي توجد لأصحابنا ثمانية: شرح التحرير لأبي طالب، وشرح التجريد للمؤيد بالله، والإفادة للأستاذ، وشرح النصوص لأبي العباس، وشرح الأحكام لأبي العباس أيضاً، وشرح أبي مضر، ومثله شرح الحقيني، وكلاهما على الزيادات.
قال سيدنا شمس الإسلام، أحمد بن يحيى حابس ـ رحمه الله ـ: أراد القاضي أن هذه هي المشهورة في زمانه، يعني: وأما اليوم فهي أكثر...إلخ.
[السند إلى الزيادات على مذهب الإمام المؤيد بالله، وترجمة ابن ثال]
وأما الكتاب المشروح، وهو الزيادات على مذهب الإمام المؤيد بالله، فأرويه بالأسانيد السابقة في السند الجامع إلى القاضي يوسف الخطيب، عن الشيخ أبي القاسم بن ثال.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: أبو القاسم بن ثال (بمثلثة، ثم ألف، ثم لام) اسمه الحسن ـ وقيل: الحسين ـ بن أبي الحسن الهوسمي، المعروف بالأستاذ العلامة.
قال محمد بن سليمان: يروي مذهب المؤيد بالله، ويحيى، والقاسم، عن السيد المؤيد بالله.
وساق أسانيده...إلى قوله: وأخذ عنه القاضي يوسف بن الحسن.
قال القاضي: هو الشيخ، حافظ المذهب، ولي آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ جامع الزيادات، علامة تشد الرحال إليه، نسيج وحده، وفريد وقته؛ انتهى المراد.
ولم يذكر في الطبقات، ولافي المطلع وفاة لأبي القاسم، ولا للقاضي يوسف الخطيب، ولا لأبي مضر، ولا لابن أصفهان، ولا لولده، ولا ليوسف /29
اللاهجاني ـ رضي الله عنهم ـ وكذا كل من ذكرناه، ولم يكن قد سبق في التحف الفاطمية، أو في هذا الكتاب، ولم نذكر له وفاة فهو لعدم ذلك؛ ولكن معظم المقصود منها معرفة الاتصال، وقد عرف في هؤلاء الرجال اتصال أعصارهم، وسماع بعضهم من بعض.
(رجع) وأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة، عن الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد القرشي، قال: أرويه عن سيدنا القاضي شمس الدين، مناولة، قال: أخبرنا القاضي الأجل، عماد الدين، أبو الحسن، أحمد بن أبي الحسن بن أحمد الكني.
قال القاضي أحمد بن أبي الحسن هذا: سمع هذا الكتاب من أوله إلى آخره القاضي الإمامُ، شمسُ الدين، جمالُ الإسلام، جعفر بن أحمد بن أبي يحيى اليماني ـ أدام الله علوه ـ بقراءته، قراءة مَنْ كان واقفاً على معانيه، دقيقهِ وجليلهِ، إلى كتاب السير بقراءته، والباقي بقراءتي له، وبقراءة غيرنا إلا الفرائض؛ فإنه ما سمع مني؛ لأني ما قرأتها أيضاً على شيخي، والباقي سمعه على الوجه الذي كتبت، وأنا سمعته، وقرأته على الإمام توران شاه بن خسرو شاه بن بابويه الجيلي، وقرأه على الشيخ الإمام أبي علي بن آموج الجيلي، وقرأه على القاضي زيد بن محمد، وقرأه القاضي زيد على القاضي يوسف الخطيب.
قلت: هكذا في كتاب القاضي شمس الدين أحمد بن سعد الدين المسوري.
قال في الطبقات: قال الحافظ أحمد بن سعد الدين: وفي بعض المسندات للأئمة إسقاط علي خليل، بين القاضي زيد وبين القاضي يوسف، والقاضي زيد يروي عنه، وهو عن القاضي يوسف؛ فاعرف ذلك فإنه من المهمات، وهو هكذا في كثير من الطرق، غير ثابت؛ لكنه سهو ـ والله أعلم ـ انتهى.
(رجع) وقرأ القاضي يوسف على الشيخ أبي القاسم المصنف، بعد ما أخذ /30
مسائلها عن الإمام المؤيد بالله أيضاً، ثم قال: كتبه أحمد بن أبي الحسن الكني، في غرة جمادى الأولى، سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، بالري، حامداً لله تعالى، ومصلياً على رسوله محمد وآله، انتهى.
قلت: ولما ذكر أنه أخذ مسائلها عن الإمام المؤيد بالله (ع)، عددناها في مؤلفات الإمام، وأوصلنا سندها إليه فيما سبق؛ يعلم ذلك.
ومن مسائلها: مسألة؛ قال الناصر للحق (ع): لايعرف على وجه الأرض أحد من المسلمين والكافرين، دفن سراً، غير علي، وفاطمة (ع)، وكانا أحب الخلق إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وهذا من أعجب العجب، انتهى.
[السند إلى الإبانة وزوائدها]
وأروي الإبانة وزوائدها، على مذهب الإمام الناصر للحق، الحسن بن علي، بالسند السابق في شرح أبي مضر، إلى الإمام المنصور بالله (ع)، عن محيي الدين، وعمران بن الحسن، بسندهما السابق إلى أبي علي بن آموج، عن الأستاذ يعقوب.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: يعقوب بن الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الهوسمي، أبو القاسم الأستاذ؛ يروي عن أبيه؛ مما رواه عنه: الإبانة، وأخذ عنه أبو علي بن آموج..
.إلى قوله: قال السيد أحمد بن مير: كان الأستاذ جليلاً فاضلاً، له التعليق الكبير على الإبانة، والجوابات، انتهى.
(رجع) عن أبيه المؤلف.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: محمد بن يعقوب القرشي، الشيخ أبو جعفر الهوسمي، العلامة.
ثم ساق أسانيده عن آل محمد (ع) وشيعتهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)..
إلى قوله: قال الفقيه محمد بن سليمان: كان أبو جعفر محققاً مجتهداً، وكان من قضاة السيد أبي /31
طالب، وله شرح الإبانة..
إلى قوله: ومن مصنفات أبي جعفر: الإبانة، وشرحها الكبير، والصغير، والمتوسط، والكافي، وكتاب أصول الديانات في الكلام، وتعليق العمدة في أصول الفقه.
وقبره بهوسم.
قال: والكافي، والإبانة، وشرحها، صارت عمدة في كتب الزيدية، انتهى.
ولم يذكر وفاته ـ رضي الله عنه ـ.
[سند الأربعين للصفار، وترجمة رجاله ومؤلفه]
وأروي الأربعين في فضائل أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ أجمعين ـ لأبي علي، الحسن بن علي الصفار، بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله، عن أبيه يحيى بن المهدي، عن الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن الإمام المطهر بن يحيى، عن أبيه، عن جده (ع)، عن إبراهيم بن علي الأكوع.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: ويقال: إبراهيم بن أحمد بن علي، والأول أشهر، أخذ على عمه أحمد بن محمد شُعلة؛ مما سمع عليه: المجموع لزيد بن علي، وأمالي أحمد بن عيسى، وحديقة الحكمة، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب أنساب الطالبية؛ قراءة، وإجازة، ومناولة، وغير ذلك.
وأخذ عنه الإمام المطهر بن يحيى؛ والسيد محمد بن المرتضى الحسيني، أخذ عنه كتاب الأنساب؛ كان فقيهاً شيخاً معمراً عالي الإسناد..
إلى قوله: ووفاته بحوث، انتهى.
(رجع) قراءة عن الحافظ شعلة الأكوع، قراءة عن محيي الدين بن الوليد، عن القاضي جعفر، عن الكَني، عن محمد بن أحمد بن علي الفرزاذي.
قلت: أفاد السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته ما في الإسناد، وهو من /32
رجال الزيدية، كما سبق أن من ذكرنا في هذا الفصل، أنه ترجم له فهو منهم، إلا أن نبين خلافه.
(رجع) عن أبي طاهر، محمد بن عبد العزيز الفرزاذي.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: الشيخ الإمام، أبو طاهر؛ ثم ذكر ما في الإسناد.
(رجع) عن المؤلف، أبي علي، الحسن بن علي الصفار.
قلت: قال السيد الإمام: أبو علي القاضي، مؤلف الأربعين في فضائل أمير المؤمنين(ع)، روى عن قاضي القضاة وغيره، وروى عنه تأليفه المذكور أبو طاهر..
.إلى قوله: ذكره ابن حميد، والكني في مسنده، انتهى.
قلت: وقد سبق النقل عنها كثيراً في الفصل الأول.
[السند إلى كتاب المحيط بالإمامة، وترجمة مؤلفه]
وأروي كتاب المحيط بالإمامة، بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع).
قال في الشافي: ونحن نروي كتاب المحيط بالإمامة عن مشائخنا، عن القاضي جعفر بن أحمد، عن زيد بن الحسن البيهقي، عن المؤلف.
قلت: عموم عبارة الإمام (ع) تفيد أنه يرويه عن جميع مشائخه، فأما عن الشيخ محيي الدين القرشي ـ رضي الله عنه ـ فأنا مطلع على روايته له عنه.
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة صاحب المحيط: علي بن الحسين بن محمد..
.إلى قوله: الشيخ العالم، أبو الحسن الزيدي، صاحب المحيط بأصول الإمامة.
ثم ساق مشائخه الذين روى عنهم، منهم: الإمام أبو طالب (ع)، ووالده العلامة الحسين بن محمد، من أصحاب الإمام المؤيد بالله (ع).
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وقال في الأصل: قرأ على الفقيه الإمام /33
أبو الحسين، زيد بن علي ـ أعزّه الله تعالى ـ هذا الكتاب، من أوله إلى آخره.
قلت: وهو زيد بن الحسن البيهقي نسبة إلى جده، وهو الأكثر الأشهر؛ وقد نسبه صاحب المحيط إلى أبيه على الأصل.
(رجع) قراءة فهم وضبط، وكتبه له علي بن الحسين بخط يده، انتهى.
قال القاضي: هو العلامة الكبير رئيس العراق، حجة الزيدية، صاحب المحيط بالإمامة، وهو كتاب حافل في مجلدين ضخمين، أو أكثر، على مذهب الزيدية ـ كثرهم الله تعالى ـ..
.إلى قوله: وهو كالشرح لكتاب الدعامة، للإمام أبي طالب..
.إلى قوله: والعلامة صاحب المحيط، ممن قرأ على أبي الحسن علي بن أبي طالب، الملقب بالمستعين بالله، انتهى.
وقد اختصرت أخباره في مؤلف لطيف، سميته منهج السلامة إلى أخبار المحيط بالإمامة، وقد سبق الكثير من أخباره.
[السند إلى جميع كتب القاضي جعفر بن أحمد، وترجمته]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى مؤلفات القاضي، شمس الإسلام، جعفر بن أحمد بن عبد السلام؛ فأرويها بالأسانيد السابقة إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، عن الشيخ الحسن الرصاص، عن القاضي جعفر ـ رضي الله عنهما ـ.
وأرويها أيضاً بالإسناد المتقدم في طريق المجموع، إلى حسام الدين حميد الشهيد، عن الفقيه العالم عمران بن الحسن، عن الشيخ الطاهر عفيف الدين حنظلة بن الحسن، عن القاضي شرف الزيدية شمس الدين أبي الفضل جعفر بن أحمد ـ رضوان الله عليهم ـ، وقد مضت ترجمة القاضي شمس الدين في سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع) من التحف الفاطمية ، ونشير هنا إلى طرف من حاله؛ لما يتضمن من زيادة الإفادة.
قال في طبقات الزيدية: جعفر بن أحمد بن عبد السلام بن أبي يحيى /34
النهمي البهلولي الأبناوي، القاضي العلامة، شمس الدين؛ كان قديماً يرى رأي التطريف، حتى وصل الفقيه زيد بن الحسن البيهقي، في سنة خمسمائة، فراجعه وقرأ عليه، فرجع إلى مذهب الزيدية المخترعة، وقرأ على الفقيه زيد، وله منه إجازة عامة.
[ذكر مسموعات القاضي جعفر والكتب التي سمعها في العراق على الكني، وغيرها من مسموعاته، وتلامذته]
ولما أراد زيد بن الحسن الرجوع إلى العراق، رحل معه القاضي جعفر، لتمام السماع، فمات زيد بن الحسن بتهامة، فرحل القاضي إلى العراق، إلى حضرة العلامة أحمد بن أبي الحسن الكني، فقرأ عليه كتب الأئمة ومنصوصاتهم.
ثم ساق ما تقدم في سند الزيادات من كلام الكني، وقال: ومما سمع على الكني: مجموع زيد بن علي، وذخيرة الإيمان مسند السمان، ونظام الفوائد لقاضي القضاة، وكتاب الرياض للحمدوني، وفوائد قاضي القضاة للكلابي، وأحاديث عبد الوهاب، وكتاب الأنوار للمرشد بالله، وأماليه الخميسية، وخطبة الوداع، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي السيد أبي طالب، والأحاديث الزمخشرية، والأحاديث المنتقاة، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار، وقطعة من تفسير أبي عبيد في الغريب، وناوله باقي الكتاب، وأجازه؛ وغير ذلك مما ذكرناه في ترجمة الكني كما تقدم.
ثم سَمِعَ على الشيخ العدل الحسن بن علي بن ملاعب الأسدي أمالي أحمد بن عيسى، والأربعين للنرسي، والأربعين للسيلقي، وكتاب الشهاب للقضاعي، وكتاب الذكر لمحمد بن منصور، وكتاب المقنع المختصر من الجامع الكافي، والرسالة المشهورة لزيد بن علي.
وسمع جلاء الأبصار للحاكم بن كرامة وغيرها من كتبه على السيد عُلَي بن عيسى بن وهّاس الحسني، وأجازه إجازة عامة من جملة ذلك: الكشاف لجار /35
الله الزمخشري.
وسمع بعض كتاب التهذيب للحاكم ابن كرامة أيضاً على أبي جعفر الديلمي، عن ولد الحاكم المحسن، عن أبيه، وأجازه في بقية كتب الحاكم..
.إلى قوله: وسمع على الزاهد مسعود الغزنوي بالكوفة، أحاديثَ في فضل اليمن، وسمع بمكة كتاب المواقف الخمسين على أبي المظفر العلكي، وسمع خبر عابد بني إسرائيل على أبي الفضل عبدالله بن أبي الفتح.
قال: وسيأتي إسنادها إلى مؤلفها ـ إن شاء الله تعالى ـ في ترجمة كل واحد من مشائخه.
قال: وله تلامذة كثير، منهم: حمزة بن سليمان، والد المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والأميران الكبيران: بدر الدين وشمسه، محمد ويحيى، ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى، والشيخ الحسن بن محمد الرصاص، والشيخ محيي الدين حميد بن أحمد القرشي، وسليمان بن ناصر صاحب شمس الشريعة، وأحمد بن مسعود، وعبدالله ومحمد، ابنا حمزة بن أبي النجم، وحنظلة بن شبعان، وأحمد بن الحسين الأكوع، وغيره ممن ذكره القاضي ـ أي صاحب مطلع البدور ـ وغيره.
قال: وكان القاضي ثبتاً، ورعاً، متبحراً في الرواية.
[شدة تحرجه في الرواية]
قال المنصور بالله عبدالله بن حمزة: ولما وصل القاضي جعفر من العراق بالعلوم، التي لم يصل بها سواه، من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع، وعلوم القرآن العظيم، والأخبار الجمة عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعن فضلاء الأئمة من العترة، وسائر العلماء.
وكان من جملة هذه الأخبار، أخبار في صفة الجنة والنار، مروية عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فطلب جماعة من الإخوان قراءتها عليه، وروايتها، فامتنع من ذلك في مجالس الأخبار، فألحّ عليه منهم مَنْ ألحّ، فذكر أنه قرأها على شيخ له بمكة، وكان شيخه هذا له يد طائلة في علم العربية، وحكى عنه أنه يُصْلِحُ ما يجد في الأخبار من اللحن، ويعتلّ /36
أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كان لا يَلْحَن، فعاب ذلك عليه شيخنا القاضي، وامتنع من الرواية، وقال: إني لا آمن أن يكون في هذه الأخبار شيء أصلحه على خلاف ما رواه عن شيوخه، انتهى.
وقال القاضي أحمد في مطلع البدور: هو القاضي الحجة، شيخ الإسلام، ناصر الملة، وارث علوم الأئمة الأطهرين، شيخ الزيدية، ومتكلمهم، ومحدثهم، وعالم الزيدية، ومخترعها، وإمامها، انقطع إلى الزيدية، ورحل إلى العراق، وكان من أعضاد الإمام أحمد بن سليمان، وأنصاره؛ وطالما ذكرهما الإمام المنصور بالله، واحتج بكلامهما؛ فيقول: قال الإمام والعالم، ذكر الإمام والعالم، أفتى بذلك الإمام والعالم.
وقد قيل: على أهل اليمن نعمتان في الإسلام والإرشاد إلى مذهب الأئمة (ع): الأولى: للهادي (ع).
والثانية: للقاضي جعفر.
فإن الهادي (ع) استنقذهم من الباطنية، والجبر، والتشبيه؛ والقاضي له العناية العظمى في إبطال مذهب التطريف، ونصرة البيت النبوي الشريف.
قلت: لاريب أن للقاضي ـ رضوان الله عليه ـ نعمة عظمى، ومنّة كبرى؛ ولكن نعمته مترتبة على النعمة الأولى، فإن النعمة السابقة، التي لشيخه ومنقذه، زيد بن الحسن، فرع من فروع نعمة إمام الأئمة، وهادي الأمة.
وأيضاً، لم تستأصل فتنة هذه الفرقة الغوية، وبدعة هذه الطائفة الطبيعية المطرفية، إلا بسيفي الإمامين الأعظمين: الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، والإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، وعلمهما، وجهادهما، واجتهادهما، وعظم أثرهما في الإسلام.
ورسالة عالم المطرفية إلى بني العباس، في شأن الإمام المنصور بالله (ع) معلومة. /37
[اتفاقه بالإمام أحمد بن سليمان، وما دار بينهما في شأن المطرفية]
قال في مطلع البدور: وكان ابتداء وقفته ـ أي القاضي جعفر ـ للإمام ـ أي المتوكل على الله (ع) ـ بذمار، وقت مخرجه إلى زبيد، فاعتذر إليه في أمور كانت منه مع المطرفية، فيما سبق؛ ولما وصل إلى العراق تبين له أنه على غير شيء، فعذره الإمام (ع)، وجعله في حلّ، وقال له: هل علمت يا قاضي أحداً ممن لقيته بالعراق يقول شيئاً مما تقوله المطرفية، وتعتقده، أو يعمل به، أو وجدت ذلك في كتاب؟
قال: لا.
قال: فإنه يجب عليك أن تردهم عن جهلهم، وتنكر بدعهم؛ فإن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((إذا ظهرت البدع من بعدي، فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله)).
فقال القاضي: قد عرفت ما تقول، ولكن القوم كثير، وقد صاروا ملأ يمننا هذا؛ ولو أكثر عليهم لرموني عن قوس واحدة، وأنت يامولانا تقرب، وتبعد، وإني أخافهم، ولاطاقة لي بهم.
فوقع كلام الإمام في أذن القاضي وهو ممن علم وعمل.
ثم حكى ما جرى بينهم وبينه، وأنه قال لهم بعد أن تحزبوا عليه: هلموا إلى المناظرة فأُظهِرَ ما فيكم، وأَظهِروا مافيَّ بين يدي حاكم.
فقالوا: ومن الحاكم؟
فقال: إمام الزمان.
فأبوا ذلك..
.إلى قوله: قال مصنف سيرة الإمام أحمد بن سليمان (ع): فلم يسمعوا كلام القاضي جعفر، بل آذوه، وقام في وجهه رجلان باطنيان: أحدهما مسلم اللحجي، من أهل شظب، والآخر يقال له: يحيى بن حسين، يلقب الفقيه؛ فآذياه، وسباه، فعاد إلى سناع، ومعه جماعة من الأشراف، منهم: الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وغيره من أعيان السادة الهدويين، والحمزيين، والقاسميين، ومن أعيان الشيعة عدة.
وكان للقاضي في مسجد سناع مدرسة، فعارضه المطرفية بمدرسة أخرى في جانب المسجد، فقام بعض/38
الأشراف فأطفأ سراجهم، فقاموا فأطفأوا مصباح القاضي..
.إلى قوله: وكان القاضي ـ رحمه الله ـ ضرب لهم مثلاً، فقال: مَثَلهم، ومَثَلي كمثل قوم عراة في مسجد في ظلمة، وأصواتهم مرتفعة بالقرآن والصلاة، وهم يصلون عراة إلى غير قبلة، فدخل عليهم رجل بمصباح، فوجدهم على أقبح حال، عراة؛ فأجمعوا على الذي دخل بالمصباح يلعنونه، ويسبونه، فقال: ليس لي جرم غير أني دخلتُ بالمصباح، فقالوا: بلى إنك أظهرت شيئاً كنا نكتُمه.
وآل الكلام إلى أن الإمام (ع) بعد أن بلغه ما لقي القاضي من المطرفية، قال: قد وجب علينا نصرته، فلم يزل يطوف البلاد، وهو ينهى الناس عن مذهبهم، ويحذرهم منهم، حتى أثر ذلك مع أكثر الناس؛ انتهى المراد.
وعلى الجملة، فقد طهّر الله اليمن ـ بحمد الله تعالى ـ من هذه البدعة، وغيرها من مضلات الفتن، بحميد سعي الأئمة الهداة، من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وعلماء شيعتهم المهتدين بهديهم ـ رضي الله عنهم ـ ونشر الله الحق، وأظهر الحجج في كل زمان، وعد الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إني تارك فيكم))، ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض))، ((إن عند كل بدعة...)) الأخبار.
[الكتب التي وصلت إلى اليمن قبل مقدم القاضي جعفر إليه من العراق]
نعم، وقدم القاضي شمس الدين ـ رضوان الله عليه ـ بكتب الأئمة من العراق كما سبق، وقد كان وصل إلى اليمن قبله منها الكتب التي صحح روايتها للقاضي جعفر، ومن معه من العلماء ـ رضي الله عنهم ـ الإمامُ المتوكل على الله أحمد بن سليمان، منها: شرح التجريد للإمام المؤيد بالله، وشرح القاضي زيد ـ رضي الله عنه ـ عن شيخه السيد الفاضل الإمام الحسن بن محمد، من ولد المرتضى (ع).
وقد أفاد العلماء أن الإمام المتوكل على الله أخذ كتب العراق، عن السيد الإمام /39
الحسن بن محمد، وعن شيخ الإسلام زيد بن الحسن، وعن العلامة العباس بن علي ـ رضي الله عنهم ـ وعبارة الإمام المتوكل على الله تفيد أن الشروح كانت قد وصلت إلى اليمن كلها.
وكذلك أوصل الشريف الإمام تاج العترة المطهرة، الحسن بن عبدالله بن المهول، شيخ الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وأمالي الإمام المرشد بالله.
وقد بلّغ كتب الأئمة من اليمن إلى العراق، ومن العراق إلى اليمن، كثيرٌ من علماء آل محمد (ع) وشيعتهم؛ فجزى الله الجميع عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
نعم، قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ومصنفات القاضي معروفة، مشهورة، وقد ذكرها القاضي وغيره، منها: النكت وشرحها، والأربعون العلوية؛ ورتب أمالي أبي طالب، وسماه تيسير المطالب، وخلاصة الفوائد، وغير ذلك في الأصول والفروع.
ولم يزل مدرساً بسناع، حتى توفي، سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
قلت: وقد مرّ في التحف الفاطمية ، ولكن انساق إليه الكلام.
قال: وحوله تلامذته، الحسن الرصاص وغيره، انتهى.
[ترجمة إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث]
هذا، ومن نجوم علماء ذلك العصر، إمام الشيعة، وعلم أعلام الشريعة، إسحاق بن أحمد بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباعث ـ رضوان الله عليه ـ أحد رواة كتب الأئمة، وهداة الأمة، وخطيب الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، على منبر المرتضى، والناصر (ع)، وصاحب المؤلفات النافعة؛ منها: التعليق على الإفادة، والرسائل المفيدة في الإمامة، وغيرها؛ أرويها عنه بالطريق السابقة في الأحكام المتصلة به، وقد مرّ ذكره في التحف /40
الفاطمية، وفي هذا الكتاب، وهو والقاضي شمس الدين ـ رضوان الله عليهما ـ أخوان مشتركان في العلم، والفضل، والقيام التام بمناصرة إمام عصرهما، وحجة دهرهما، حبيب الرحمن، أحمد بن سليمان (ع)، وإلى ذلك أشار صارم الدين (ع) في البسامة؛ حيث قال:
وجعفر ثم إسحاق له نصرا .... في عصبة وزر ناهيك من وزر
[السند إلى مؤلفات ومرويات الشيخ الحسن الرصاص، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، وترجمتان لهما]
وإلى جميع مؤلفات ومرويات الشيخين الفاضلين، عالمي اليمن، وحافظي الآثار والسنن، عمدة الموحدين: أبي علي الحسن بن محمد بن الحسن الرصاص، ومحيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضوان الله عليهما ـ وقد تقدمت الترجمة لهما في التحف الفاطمية ، وهما من أشياخ الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الرواية، وكانا يقرّان له بما اختصّه الله ـ تعالى ـ به من أنوار النبوة، وأفاض عليه من بركات العلوم والحكمة، المخصوصة بهداة هذه الأمة، ويعترفان بما أولاه الله تعالى من السبق، وجعله له عليهما وعلى المسلمين من الحق، ويصرحان بتفضيله عليهما وعلى أهل عصره، علماً، وحكماً، وفهماً، ودراية، ورواية، وما كانا يخاطبانه إلا بمولانا، ومالكنا، ونحو ذلك.
وكما قال بعض مشائخه (ع)، وقد راجع الإمام في قضية، فقال له الإمام: أنت رويت لي عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كذا، - وساق الحديث-.
فاعتذر الشيخ، وقال: ربّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه.
ولما وصلت الرسالة الطوافة، التي جابت الأندلس، وإفريقية، والشام، والعراقين، إلى الشيخ الحسن، فأجاب عنها الإمام (ع) بالجوهرة الشفافة، وقال في صدرها: /41
أما بعد:
فإن الرسالة الطوّافة انتهت إلينا إلى اليمن قاطعة خطامها، حاسرة لثامها...إلى آخرها.
فاطلع الشيخ الحسن على الجواب فاستحسنه، وقال: والله، لقد هُدي إلى أشياء ما كنّا لنهتدي إليها.
وقال مرة أخرى: علم الله، لو كنت أنا المجيب ما اهتديت إلى جميع ما أورده من العلوم.
وكان جواب الإمام (ع) حال القراءة والحداثة؛ وعادوا بعد ذلك يستمدون من معين علمه الفوار، ويهتدون بضياء فهمه النوار، سلام الله ورضوانه عليه وعلى العلماء العاملين في جميع الأعصار.
هذا، وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمة الشيخ الحسن: هو الشيخ الكبير العالم، شحاك الملحدين، وشيخ الأئمة الهادين؛ كان آية من آيات الله، واسع الدراية، قليل النظير..
.إلى قوله: وللشيخ مؤلفات عدة، منها: كتاب مناقشات أهل المنطق، والفائق في الأصول، والبيان في علم الكلام، ومنها: الكاشف في إثبات الأعراض والجواهر، ومنها: العشر الفوائد، والممدود والمقصور، وجواب القاضي الرشيد؛ وكان عمره يوم أجاب بهذا تسع عشرة سنة.
وصنف في الأدب وهو ابن أربع عشرة سنة، وفي علم الكلام وهو ابن خمس عشرة سنة.
قال: وكان سماعه على القاضي وهو ابن عشر سنين.
قال حميد: كان عالم الزيدية في عصره، والمبرز في أبناء دهره، وإليه انتهت رئاسة أصحاب القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد؛ وكان في علم الكلام، شمساً مشرقة على الأنام، وحبراً من أحبار الإسلام...إلخ؛ وأفاد أن عمره ثمان وثلاثون سنة - رضي الله عنه -.
وقال في ترجمة الشيخ محيي الدين، بعد أن ساق نسبه إلى الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف./42
قلت: ولقد أحسن صاحب المطلع، حيث قال في ترجمة ولده علي بن محمد ما لفظه: والعجب من أهل هذا البيت المبارك! كيف صدَقوا في ولاية آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ وبلغوا في الشفقة عليهم، والرأفة بهم، مبلغاً ما بلغه غيرهم، مع كون سلفهم في الطرف الآخر؟ فلسان حالهم يقول، كما قال بعض الموالين للعترة من بني أمية:
يا بني هاشم بن عبد مناف .... إنني منكم بكل مكان
ولئن كُنْتُ مِنْ أميّة إني .... لبريء منها إلى الرحمن
[تلاميذ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، ومشائخه، ومؤلفاته]
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قال السيد محمد بن الهادي: ومحمد بن أحمد بن الوليد؛ يروي شرح القاضي زيد وغيره، عن مشائخه، وهم كثير، منهم: الأميران الكبيران: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى.
قلت: ومنهم: الإمام المتوكل على الله، أحمد بن سليمان (ع).
قال: ومنهم: القاضي جعفر بن أحمد، ومنهم: الشيخ الحسن الرصاص، والفقيه تاج الدين البيهقي؛ وهم نيف وعشرون شيخاً، من أهل المذهب ومن سواهم.
وقال: أخبرنا بأمالي المرشد بالله، الأمير بدر الدين، محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى؛ وقال ـ في أمالي المرشد بالله ـ: إلا ما كان معلوماً عليه، منقولاً من فرع، فنحن نرويه بالمناولة، عن القاضي ركن الدين، محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم، عن أبيه، عن السيد الحسن بن عبدالله، عن الكني..
.إلى قوله: قال ـ أي محيي الدين ـ: أخبرنا القاضي جعفر بن أحمد بن أبي يحيى، عن /43
الكني بطرقه المعروفة. انتهى.
قال: وقال محمد بن أحمد بن الوليد: أخبرنا الإمام أحمد بن سليمان، بكتابه أصول الأحكام مناولة، ثم قراءة، إلى أول كتاب الوصايا..
.إلى قوله: قال القاضي: شيخ الشيعة، الحافظ لعلوم آل محمد، المحدث الكبير، الأصولي، شحاك الملحدين، أبو عبدالله، العلامة الرباني، المجمع على جلالته وفضله، ولم يختلف في ذلك اثنان؛ وكان يسكن في حوث ـ قال: وقال ولده: في صعدة أيضاً ـ ومصنفاته المشهورة سبعة وعشرون مصنفاً، وله تحرير زوائد الإبانة، كانت في الأصل حواشي.
وقال في ترجمته في اسمه الآخر حميد: قال في سيرة الإمام شرف الدين: حميد بن أحمد، تلميذ الإمام المتوكل على الله، وشيخ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وهو جامع زوائد الإبانة، وفتاوي الإمام المنصور بالله المسماة بهداية المسترشدين.
وذكر أنه سمع على القاضي جعفر مجموع الإمام زيد بن علي، وأمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أبي طالب، وسلوة العارفين، وأنوار المرشد بالله، وأمالي السيد ظفر بن داعي، والأحكام، والمنتخب، وغيرها من كتب الأئمة المتقدمين والمتأخرين (ع)، وشرح القاضي زيد، ومجموع علي خليل، وشرح أبي مضر، وغير ذلك من كتب الشيعة.
قال: ويذكره الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في ذكر مسنداته فيقول: أخبرنا الشيخ الأجل الفاضل، محيي الدين، عمدة المتكلمين.
انتهى المراد.
وللأمير الناصر لدين الله، محمد بن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشيخ محيي الدين ترثية غراء، صدرها:
إن الرزية لارزية مثلها .... نفس يموت بموتها الإسلام
/44
إلى قوله:
وعليك منّا كلّما جنح الدجى .... ودنا الأصيل تحية وسلام
نعم، فأروي كلما لهذين الشيخين ـ رضي الله عنهما ـ من تأليف وإسناد، وعلم مستفاد، بالثلاث الطرق السابقة، المتصلة بالإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) عنهما ـ رضي الله عنهما ـ.
[السند إلى رسالة الإمام زيد بن علي، ومؤلفات الفقيه حميد الشهيد وترجمته]
وأروي بتلك الطرق إلى الشافي المذكورة في سند المجموع ـ كل تأليف ورواية لحسام الأعلام، وإمام الشيعة الكرام، الشهيد الحميد، حُميد بن أحم د بن محمد ـ رضي الله عنه ـ وقد سبق ذكره في التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: المُحلي (بضم الميم؛ كذا ذكره بعض أولاده، ووجد أيضاً بخط حميد، وقرره المفتي؛ والمحفوظ والمسموع على ألسن العلماء بفتحها) وهو المحلي، الوادعي، الصنعاني، الهمداني، الفقيه الشهيد، العلامة؛ أخذ عن أئمة كبار، ومشائخ بحار، أحدهم المنصور بالله عبدالله بن حمزة ـ وناهيك به ـ وشيخه محمد بن أحمد بن الوليد القرشي.
قلت: روى عنه جميع مسموعاته.
قال: والشيخ أحمد بن الحسن الرصاص.
قلت: كذلك روى عنه جميع مسموعاته.
قال: والفقيه علي بن أحمد الأكوع.
قلت: هو الشيخ بهاء الدين كذلك؛ روى عنه جميع طرقاته، من جميع شيوخه.
قال: والشيخ الحافظ عمران بن الحسن.
قلت: كذلك روى عنه جميع مروياته. /45
قال: والفقيه عمرو بن جميل النهدي.
قلت: كذلك روى عنه جميع ما أجاز روايته.
فيروي المفتقر إلى الله، مجد الدين بن محمد ـ عفا الله عنهما ـ بالطرق السابقة إلى الشهيد، عن المشائخ المذكورين، جميع ما ذكر ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: والشيخ تاج الدين زيد بن أحمد البيهقي، القادم إلى اليمن..
.إلى قوله: وأخذ أيضاً نهج البلاغة من المرتضى بن شراهنك الحسني المرعشي، وأخذ عنه أئمة كبار، كولده أحمد بن حميد، والسيد يحيى بن القاسم الحمزي، ويحيى بن عطية.
قلت: هو ابن أبي النجم، روى عنه رسالة الإمام الأعظم زيد بن علي في الإمامة؛ وأنا أرويها بالسند السابق في أنوار اليقين، إلى الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد بدر الدين (ع)، عن الشيخ العالم عماد الدين يحيى بن عطية بن أبي النجم، الشهيد مع الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، عن حميد الشهيد ـ رضي الله عنهم ـ بسنده المذكور في الأنوار، وطبقات الزيدية إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
هذا، قال: وعبدالله بن زيد العنسي.
قال الحافظ ـ قلت: أي أحمد بن سعد الدين المسوري ـ في ترجمة حميد الشهيد ـ رضي الله عنهم ـ: هو الفقيه العلامة، بحر العلوم الزاخر، وبدر الفضائل السافر؛ كان وحيداً في عصره، فريداً في دهره، شحاكاً للملحدين، وغيظاً للجاحدين، وسيفاً صارماً لاينبو عن الذب عن الدين، أنفق عمره في العلم والعمل، والرد على المخالفين لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والنشر لفضائلهم؛ وله/46
المصنفات الرائقة، والتعليقات الفائقة، والرسائل التي هي بالحق ناطقة؛ كان من أعيان شيعة المنصور بالله عبدالله بن حمزة ـ سلام الله عليه ـ على صغر سنّه؛ ثم جدّ في نصرة الإمام أحمد بن الحسين الشهيد، حتى أكرمه الله بالشهادة بين يديه.
قلت: قال في مطلع البدور: وله كرامات، منها: ما اشتهر من تأذين رأسه بألفاظ الأذان بعد قطعه.
قلت: وكفاه ما قاله إمامه الإمام الشهيد أحمد بن الحسين (ع) مخاطباً لأحمد بن الإمام المنصور بالله (ع): رادفتَ المحنة، وراكبت سحائب الظُّلْمة، وقتلتَ رباني هذه الأمة، رجلاً أفنى عمره في الذب عن الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين؛ ولأبيك أمير المؤمنين من مقاماته غررها، ومن مقالاته شذورها ودررها.
رواه في المطلع؛ قال فيه: ومن أجلّ مؤلفاته الحدائق الوردية في ذكر أئمة الزيدية، في مجلدين، وكتاب العمدة في نحو أربعة مجلدات في أصول الدين، ومحاسن الأزهار في فضائل إمام الأبرار.
قلت: هو شرح لقصيدة الإمام المنصور بالله (ع) إلى صاحب بغداد، التي صدرها:
ناشدتك الله بآلائه .... وبالنبي المصطفى والوصي
ضمنها فضائل أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
[السند إلى كتاب شمس الشريعة للسحامي ـ وترجمته]
وأروي كتاب شمس الشريعة، لشيخ الشيعة، العلامة، سليمان بن ناصر الدين بن سعيد بن عبدالله السحامي (بمهملتين، أولاهما مضمومة) رضي الله عنه، بالأسانيد الثلاثة السابقة إلى الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) وبالإسناد السابق في آخر سند في الشفاء، وفي سلسلة الإبريز، وفي /47
الأربعين للصفار، وفي غيرها ـ وهو أحد أسانيدنا المتصلة من لدي إلى نهايتها بآل محمد صلوات الله عليهم ـ وهو بالطرق السابقة، إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين؛ عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي، عن أبيه، عن الإمام الواثق بالله المطهر، عن أبيه الإمام المهدي لدين الله محمد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، عن الأمير علي بن الحسين، عن الشيخ عطية بن محمد، عن الأميرين الداعيين إلى الله: شمس الدين وبدره، يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى، ثلاثتهم ـ أعني: الإمام المنصور بالله، والأميرين الداعيين إلى الله ـ يروونه عن المؤلف، وقد سبق ذِكْره في التحف الفاطمية ، في الآخذين عن الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، والقاضي شمس الدين جعفر بن أحمد، فهما شيخاه، وحسبه شرفاً في الدارين بهؤلاء الثلاثة الرواة.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: سليمان بن ناصر الدين..
.إلى قوله: قال في تعداد ما نقل في شمس الشريعة: ومنها: شرح أبي مضر، ومجموع علي خليل..
.إلى قوله: وهو أيضاً أحد تلامذة الإمام أحمد بن سليمان، سمع عليه شرح التحرير، وأجازه كتاب أحكام الهادي.
ومما روى عن القاضي شمس الدين: غريب الحديث، وهو صاحب شمس الشريعة، جمع فيه مسائل التحرير، وكثيراً من مسائل الزيادات والإفادة، وفيه فوائد من المهذب..
.إلى قوله: وممن روى عنه الفقيه جمال الدين علي بن أحمد الأكوع.
قلت: وهذه طريق لنا إليه رابعة. /48
قال: قال القاضي: شيخ العصابة، وإمام أهل الإصابة، مُطْلِعُ شمس الشريعة.
قلت: في هذا تورية بكتابه بديعة.
(رجع)، ومُظْهِرُ عجائب الإسلام البديعة، وأحد الفضلاء، أحد أساطين الفقه، حفظ القواعد، وقيّد الشوارد، وهيمن على كتب العراقين واليمن.
إلى قوله: وفيه يقول إمام زمانه، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع):
أهلاً بصدرِ شريعة الإسلام .... وبأوحد في ديننا علاّمِ
نجل ابن ناصرِ عِلْمِ آل محمد .... فأتى بياقوت ودرّ نظامِ
فجزاك ربك عن سلالة أحمد .... خير الجزا وحباكَ بالإنعامِ
وهو من بيت علم وفضل، يسكنون صُرْحَه (بضم الصاد مهملة، بعدها مهملتان) من جهة بني سليم، وقيل: إن مسكنه هجرة شوحط قرب قرن.
قال القاضي: ولا يمتنع اجتماع الأمرين، قال: وكان للقاضي ـ عادت بركاته ـ عناية كاملة في استصلاح العامة، والدعاء إلى الحق، وإشادة الآثار الصالحة؛ فصلح ـ بحميد سعايته ـ في ذلك الإقليم، خلائق دعاهم إلى مذهب العترة (ع)، فدانوا بذلك، واشتهروا بالعدل والتوحيد، وتنزيه الله، وكان يحمل إلى الإمام المنصور بالله (ع) الأموال الواسعة، وكان أحد المجاهدين المناصرين، ففاز بخلّتي الجهاد والاجتهاد.
وقال بعض شيوخنا: إن مؤلف البيان المعروف ببيان السحامي أخوه، وهو علي بن ناصر، ثم حكى عن بعضهم، أنه ابن أخيه، فهو علي بن الحسن بن ناصر الدين. /49
قال السيد العلامة أحمد بن عبدالله الوزير: إنه أخوه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وقال حميد المحلي: كان غزير العلم، بالغاً درجة الاجتهاد، ولاّه الإمام بلاد مذحج، وتوفي بعد الستمائة، ودفن بقرية جبن ـ رحمة الله عليه ـ انتهى.
[السند إلى شمس الأخبار، وترجمة مؤلفه]
وأروي بهذا السند النبوي إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد (ع)، كتاب شمس الأخبار، عن مؤلفه العلامة جمال الدين علي بن حميد، وحميد هو الشيخ المتقدم محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي ـ رضي الله عنهما ـ.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: العلامة المحدث، أخذ عن أبيه كتب الأئمة، وشيعتهم، وعدّ من مسموعاته على أبيه، مجموعَ الإمام الأعظم، والأماليات للمؤيد بالله، والناطق بالحق، والمرشد بالله، والاعتبار للموفق بالله، وأصول الأحكام، وأمالي ظفر بن داعي، وأربعين أبي الغنائم، والرياض للحمدوني، ومجالس السمان، وأحاديث فضل اليمن، والسيلقية، وغيرها.
قال: وكتاب العمدة في صحاح الأخبار ليحيى بن الحسن الحلي، أخبرني بها بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع مناولة، بحوث، سنة تسع وتسعين وخمسمائة، أخبرني علي بن حامد الصنعاني، أخبرنا المؤلف.
وكتاب مناقب ابن المغازلي، أخبرني بها أيضاً، قراءة، علي بن أحمد، وذكر أن أجل من روى عنه الأمير الحسين بن محمد (ع).
قال: فإنه يروي كتب الأئمة وشيعتهم عنه بالمناولة.
قال القاضي: ومن مؤلفات علي بن حميد شمس الأخبار، وهو خميص، بطين، ينتفع به الفقيه والزاهد، وطبقات الراغبين في الخير، مع جودة/50
اختصار، ونجابة في الأمهات.
ولما فرغ من أربعة كراريس حملها إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، فسرّ بها سروراً عظيماً، وتهلّل وجهه فرحاً، ثم تبسم، ورفع رأسه إلى والده الشيخ محيي الدين، ثم قال: هذا مصنف متقن.
ثم التفت إلى علي، وقال له: اجعل نوبتك من معونتنا أن تطلب لنا من ينسخ لنا هذا الكتاب.
ثم أمر لي بالورق والأجرة، ثم قال لي (ع) بعد ذلك: قد صار معك من الأخبار ما يكفي، وفوق الكفاية، فازدد من علم أصول الدين، واقرأ في كتب أصول الفقه..
.إلى قوله: واتفق في أثناء هذا التأليف انكسار خاطر هذا الفاضل، واشتغال باله، بالحادث الذي عمّ غمه المسلمين، وهو قتل الغز ـ أخزاهم الله ـ للأمير مجد الدين.
قال الشيخ ما لفظه: هذا آخر شمس الأخبار.
إلى قوله: كان ذلك ليلة الجمعة، المسفر عنها اليوم الرابع عشر أو الثالث عشر، من شهر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ شعبان، من شهور سنة ثمان وستمائة، وفي هذا اليوم المذكور خرج مولانا أمير المؤمنين إلى شظب، وبلاد قحطان، وحجور، فما رجع حتى فتح الله على يديه، والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى مؤلفات القاضي عبدالله بن زيد العنسي وترجمته]
وأروي بهذا السند المتسلسل بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جميع مؤلفات القاضي العلامة، الحبر البحر، ولي آل محمد، عبدالله بن زيد بن أبي الخير العنسي ـ رضي الله عنه ـ المحجة البيضاء في علم الكلام أربعة مجلدة، وكتاب التحرير في أصول الفقه، والإرشاد في الطريقة، وغيرها.
فالأمير الناصر للحق (ع) يرويها عن المؤلف فخر الإسلام عبدالله بن زيد.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: القاضي العلامة، من شيوخه: شيخ آل /51
الرسول بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وأخذ عنه الأمير الحسين بن محمد.
قال القاضي: هو العلامة إمام الزهاد، ورئيس العباد، ولسان المتكلمين، وشحاك الملحدين، مفخر الزيدية، بل مفخر الإسلام، جمع مالم يجمعه غيره من العلوم النافعة الواسعة، والأعمال الصالحة، وصنّف في الإسلام كتباً عظيمة النفع، ذكر بعضهم أن كتبه مائة كتاب وخمسة كتب، ما بين صغير وكبير، وكان جيد العبارة، حسن السبك.
وكان هو والعلامة حميد الشهيد كالنظيرين، إلا أن تصرفات ابن زيد في المعقولات أكثر من الشهيد، وتصرفات الشهيد في المنقولات أكثر.
وله في نصرة الإمام الأعظم المهدي لدين الله أحمد بن الحسين ـ سلام الله عليه ـ اليد الطولى، والسهم المعلى، وكان (ع) لايعدل به أحداً، ويسميه داعي أمير المؤمنين.
قلت: وفي مطلع البدور أيضاً: ولما قام الإمام الأعظم المنصور بالله الحسن بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، نهض الفقيه بدعوته الشريفة، ونصرته، ونزل معه إلى ضمد.
وفيه: ولما كان ما كان من قتل الإمام المهدي ـ سلام الله عليه ـ لم يزل يراجع الحسن بن وهّاس، ويستظهر عليه بالحجج في حق الإمام ـ سلام الله عليه ـ حتى فلجه.
قيل: إنه أورد عليه خمس مائة إشكال، فأمر شمس الدين أحمد بن الإمام من يتهدده مراراً، ولم يجد سبيلاً إلى قتله.
إلى قوله: فأقام بفللة، ونشر العلم هنالك، وقبره بكحلان تاج الدين، قبلي البركة التي تسمى رحبة، مشهور مزور.
قال: وذكر السيد جمال الإسلام الهادي بن إبراهيم في المسائل المذهبة وغيرها ما حاصله: أن الفقيه ـ رحمه الله ـ كان في مقام التدريس صحيحاً، /52
فاستدعى بداوة وقرطاس، وكتب وصيته لأولاده، حتى بلغ إلى حكم ما في المصحف من الحديث القدسي ((من لم يرض بقضائي، ويصبر على بلائي، فليتخذ رباً سواي)) مات، وانحط القلم في الكاغد.
إلى قوله: فإنها من العجائب، انتهى.
[السند إلى بيان الشيخ عطية النجراني وترجمته]
وأروي بهذا السند الشريف، إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، عن الأمير الخطير علي بن الحسين (ع)، بيان الشيخ العلامة محيي الدين عطية بن محمد بن أحمد النجراني الحارثي ـ رضي الله عنهم ـ في التفسير، عن مؤلفه المذكور، وقد سبق ذكره.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: هو الشيخ العلامة محيي الدين، ولد سنة ثلاث وستمائة، بعد وفاة والده بستة أشهر، يروي كتب الأئمة وشيعتهم بالسلسلة المعروفة عن الأميرين: بدر الدين وشمسه، محمد ويحيى، ابني أحمد بن يحيى بن يحيى.
إلى قوله: وروى عنه الأمير علي بن الحسين صاحب اللمع، وولداه علي بن عطية، وإبراهيم بن عطية.
قال القاضي: الفقيه الإمام المفسر العارف، إمام المفرعين، ورئيس المذاكرين، وله كتاب في التفسير.
إلى قوله: وله المسائل المشهورة إلى الإمام.
قلت: أي الشهيد أحمد بن الحسين (ع)، وقد تقدم ذكرها.
قال: وقبره غربي صعدة، تجاه المنصورة، مشهور مزور.
وأروي كتاب البيان أيضاً بالسند السابق في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، وفي القمر المنير، وغيرها، إلى المؤلف الشيخ محيي الدين عطية بن محمد ـ رضي الله عنهما ـ.
[السند إلى بيان ابن معرف، وترجمته]
وأروي بذلك السند إلى الناصر للحق الحسين بن محمد (ع)، /53
عن الشيخ العلامة جلال الدين محمد بن عبدالله بن معرّف (بكسر الراء المشددة) رضي الله عنه، كتابه البيان، وهو المراد أينما أطلق في كتب الفقه.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: القاضي العلامة.
قال محمد بن أحمد بن مظفر: إنه يروي عن الأمير علي بن الحسين صاحب اللمع، وتبعه في الطراز المذهب في سند المذهب، وذكره الفقيه يوسف في اللمع، بقراءته لها على الأمير علي بن الحسين المؤلف، وروى عنه الأمير الحسين.
قال: هو معدود من المذاكرين، وله كتاب المذاكرة، والمنهج المعروف بمنهج ابن معرف.
قلت: نرويه بهذه الطريق أيضاً عنه.
قال: وكان من العلماء الذين حضروا بيعة الإمام الحسن بن بدر الدين، في سنة ست وخمسين وستمائة.
[السند إلى الوافي في الفرائض لابن أبي البقاء ـ وترجمته]
وأروي كتاب الوافي في الفرائض، بالسند السابق في طرق الشفاء، إلى الإمام المجتبى، أحمد بن يحيى المرتضى، بسنده ذلك المتصل بآل محمد، إلى الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد، وبهذا السند المتصل بالإمام المطهر بن يحيى؛ عن الشيخ تقي الدين محمد بن أحمد بن أبي الرجال، عن الإمام الشهيد المهدي لدين الله أحمد بن الحسين، والإمام الشهيد، والأمير الحسين، يرويانه عن المؤلف الشيخ العلامة الحسن بن أبي البقاء بن صالح التهامي، ثم القيسي ـ رضي الله عنهم ـ.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في ترجمته: الشيخ الإمام، له مشائخ أجلّة، منهم: بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى، وعمران بن الحسن.
وقال: وأخذ عنه الأمير الحسين، وحسين بن محمد بن يعيش، وعدّه السيد صارم الدين حجة ثقة ثبتاً، له تصانيف في التفسير، وله الكامل في الفقه، لم ينسج على منواله، يستدل بالأحاديث النبوية من العلوم والأمالي المؤيدية، والطالبية، والسمانية، والمجاميع المسندات لآل محمد (ع)، وله في /54
الفرائض كتاب الوافي، وهو كاسمه وافٍ، فيه نظم الفرائض والأدلة، وأقوال المخالفين، والحجة عليها.
ثم ذكر أنه قابل بينه وبين البحر والانتصار في علم الفرائض، ولم يظهر له تفاوت.
قال: وتولى القضاء للإمام أحمد بن الحسين الشهيد، وله أشعار كثيرة.
إلى قوله: توفي في عشر السبعين وستمائة، وأفاد أن قبره في ساحة قبة الإمام عبدالله بن حمزة (ع) بظفار رحمة الله عليه.
[عودة إلى إتمام مؤلفات العترة، وصحة رواية المقنع للإمام الداعي يحيى بن المحسن]
هذا، ونعود إلى إتمام مؤلفات العترة الكرام، من حيث وقف عليه الكلام، على مقتضى ذلك النظام، فأقول ـ والله تعالى ولي الإنعام ـ: وصحت لي رواية كتاب المقنع في أصول الفقه للإمام الداعي إلى الله تعالى يحيى بن المحسن بن محفوظ بن محمد بن يحيى بن يحيى (ع)، وقد مرّ ذكره مع الأئمة (ع) في التحف الفاطمية .
وهذا الكتاب مما أهمل أهل كتب الإجازات السند إليه، وقد سبقت الإشارة إلى بعض ما تركوه، وسيأتي ذكر البقية ـ إن شاء الله تعالى ـ ويكون التنبيه على ذلك، وقد وقعت العناية بتحصيل أسانيد وتصحيح مؤلفات كثيرة، لم تكن محررة في كتب البحث المذكورة، يقف على ذلك المطلع ـ إن شاء الله ـ.
[أرجوزة الإمام الداعي يحيى بن المحسن ـ وترجمته]
هذا، وكان الإمام الداعي من أعلام الأئمة، وأعيان هداة هذه الأمة، وحسبه شهادة الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) له بقوله تارة: لا نعلم في دار الإسلام أعلم من فلان ـ يعني الإمام يحيى ـ وأخرى: إن معه علم أربعة أئمة، ومرة: مع الداعي علوم لا يحتاج إليها الإمام.
ومن فرائد نظمه، الكلمة الفائقة، والأرجوزة الرائقة، التي صدرها:
الحمد لله المعيد المبدي .... أحمده فهو ولي الحمدِ
حمداً جزيلاً ماله من عدّ /55
ومنها:
يا سائلي عن اعتقادات الفرق .... وما الذي تنجو به من الغرقْ
وكيف ضلّ البعض منها ومرق .... الفضل في حلبتها لمن سبقْ
وفي الكتاب عبرة لمن نطقْ
أَصْلُ الخلاف كان في السقيفةْ .... إذْ قام مَنْ في قلبه حسيفةْ
للعترة الطاهرة الشريفةْ .... ليصرف الأمر عن الخليفةْ
بعد كلام أظهروا تحريفهْ
لم يسمعوا وما همُ بالصمّ .... ولاية من النبي الأمي
لصنوه يوم غدير خمّ .... أوجبها عليهم بالرغمِ
وكان صرف الأمر عين الظلم
وخاف لو نازعهم أبو الحسن .... أن يفسد الملة عبّادُ الوثن
ولم يكن في أمره بالممتهن .... فأغمض الجفن على غض الغبن
وهو الوصي دونهم والمؤتمنْ
ومنها:
وظُلِمَتْ ميراثها البتولُ .... وغضبت فغضب الجليلُ
وشاهد جاءت به مقبول .... والسنة البيضاء والتنزيلُ
إذْ أوجبت ميراثها الأصولْ
ومنها:
فذاك أصل لخلاف الأمهْ .... لكل حزب منهم أئمهْ
وقد وثقنا بإمام العصمهْ .... صنو الرسول وسراج الظلمهْ
وسيفه للنُّوَب الملمّهْ
فالفرقة الناجية الزيديهْ .... أَكْرم بها من فرقة مرضيّهْ
حذت بحذو العترة الزكيهْ .... سفينة الناجي من البريّهْ
كما أتى في السنن المرويّهْ
/56
تؤم زيداً وابنه في المذهب .... وكل ندب من سلالات النبي
عذب السجيات كريم المنصبِ .... يروي العلوم من أب إلى أبِ
إلى النبي الهاشمي المنجبِ
ومنها:
وأعلن القاسم بالبشارهْ .... بقائم فيه له أماره
من التقى والعلم والطهارهْ .... قد بثّ فيه المصطفى أخباره
بفضله وأوجب انتظاره
ذاك أمير المؤمنين الهادي .... يحيى الرضى منتخب الأجدادِ
هدى به الله إلى الرشاد .... وأظهر الحجة للعبادِ
فانتشر الحق إلى التنادي
وانتصر الحقُّ به في اليمنِ .... يسكن فيه عصبة من حسنِ
وأصبحوا بالسعد نصب الأعينِ .... فوق الحصون ومتون الحصنِ
وعنده سر كتاب الجفر .... وذو الفقار للحد يد يفري
فضيلة للفاطمي الطهرِ .... خُصّ بها من بين أهل العصرِ
صلى عليه الله ربّ الفجرِ
وساق في ذكر أئمة العترة، إلى قوله:
واجتمع السبق وفضل السؤدد .... لابن سليمان الإمام أحمدِ
رمى زبيداً باللهام الأسود .... وداس صنعا بخضم مزبدِ
حتى ارعوى كل لئيم ملحدِ /57
وثار بَعْدُ القائمُ المنصورُ .... فيه السخا والورع المشهورُ
والعلم فيه والوفا والخيرُ .... وصلُحَتْ بِسعده الأمورُ
وعرفت أهل الهدى الجمهور
وهي طويلة طائلة؛ وختمها بقوله:
ثم صلاة الله زارت أحمدا .... وآله أهل الصلاح والهدى
ما راح بالوبل السحاب وغدا .... وأرغم الله الطغام الحسدا
أسكنهم قعر الجحيم أبداً
وقال في كتابه المقنع:
هذا الكتاب كتاب المقنع الشافي .... أزرى على الكتب في مجموع أوصافِ
إلى قوله:
وما احتذيت مثالاً فيه عن أحد .... إلا طريقة آبائي وأسلافي
وقد وصفه الحسين بن الإمام (ع) في ديباجة شرح الغاية.
قال السيد الإمام في ترجمته (ع): الإمام المعتضد بالله أبو الحسن، يلقب بالداعي، دعا في السنة التي مات فيها المنصور بالله عبدالله بن حمزة، سنة أربع عشرة وستمائة؛ كان الداعي بطلاً شجاعاً، قال ما لفظه في جوابه على الشيعة:
وأنا قرأت في أصول الدين سبع سنين، ولي في أصول الفقه تصنيف لم أُسْبَقْ إلى مثله، وهو المقنع، وقرأت الأصولين.
إلى قوله: وتغيبت التحرير، وقرأته على شمس الدين محمد بن أحمد النجراني، وعلى الأمير علي بن الحسين، ومعلوم أن في التحرير بزوائده وأصوله ما يزيد على عشرين ألف مسألة، والفقه إنما يحصل برد الفروع إلى الأصول، مع طرف من الآثار، وزبد من الأخبار، ولي في العربية تصنيف كاف، وقد قيل إن الإمام إذا كان عربي اللسان، لم يحتج إلى علم النحو، وقرأت ضياء الحلوم، وأصول /58
الأحكام، وفيه ما يزيد على أربعة آلاف خبر.
قال الإمام الداعي (ع): والفروع أكثرها يستفاد بالقياس والاجتهاد، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((اختلاف أمتي رحمة))، و((كل مجتهد مصيب)).
وقال (ع): إن اجتهدتَ وأصبتَ فلك عشرة أجور، وإن أخطأت فلك خمسة، وفي بعض الأخبار: أجران وأجر.
إلى قوله: وصنفت في الفرائض كتاباً، وأما التفسير فهو من هذه العلوم.
قال: وأما رجوعنا عن قول إلى خلافه فليس فيه نقص، والانتقال من الاجتهاد إلى اجتهاد آخر جائز، بل واجب عند وضوح الحجة...إلى آخرها.
[ترجمة الإمام المظلل بالغمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى ـ وإسناده]
هذا، وسبقت الأسانيد إلى جميع مرويات الإمام الصوام القوّام، المظلل بالغمام، المتوكل على الله، المطهر بن يحيى، بالطرق المتصلة به في سند المجموع كما سبق.
ويسمى الإمام المظلل بالغمام للكرامة التي أكرمه الله تعالى بها.
قال حافظ اليمن إبراهيم بن محمد الوزير ـ رضي الله عنهما ـ في البسامة:
من ظللته الغمام الغرّ حائلة .... من دونه وغدت ستراً لمستترِ
بيوم تنعم والأبطال عابسة .... وقد تَقَدّم والضلال في الأثرِ
قال السيد الإمام في ترجمته: قال ولده الإمام محمد بن المطهر: إن والده المطهر يروي فقه الزيدية عن الأمير الناصر للحق الحسين بن محمد صاحب الشفاء والتقرير.
وذكر في موضع أنه يروي عن الأمير الحسين تهذيب الحاكم في التفسير، وشمس الأخبار، والأربعين العلوية، وسلوة العارفين للجرجاني، انتهى. /59
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: قرأ على الفقيه محمد بن أحمد بن أبي الرجال في كتب الأئمة وشيعتهم بسنده إلى الإمام الشهيد أحمد بن الحسين، وكان محمد بن أحمد بن أبي الرجال يقول: أنا تلميذ إمام، وشيخ إمام، تحدثاً بنعمة الله عليه.
والإمام الشهيد يروي ذلك عن شيخه أحمد بن محمد شعلة، عن مشائخه: الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، وشيخه محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد.
إلى قوله: قال السيد محمد بن الهادي: والإمام المطهر يروي علوم آل محمد، ومجموع الإمام زيد بن علي، عن الفقيه إبراهيم بن الأكوع، عن شعلة، عن محيي الدين، عن القاضي جعفر بن أحمد، بسنده؛ وهو أعلى سند للإمام (ع).
ويرويهما أيضاً، عن السيد علي بن أحمد طميس، عن حي العالم حسين بن محمد النحوي، عن أبيه، عن محيي الدين، عن القاضي شمس الدين، بسنده.
قال: وله (ع) رواية عن عمران بن الحسن، فمنها: سلسلة الإبريز بالسند العزيز، ومنها: كتاب الناسخ والمنسوخ لهبة الله؛ وتقدمت طرقهما.
قال: وله تلامذة، أجلّهم ولده الإمام محمد بن المطهر، والسيد أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين، والسيد جمال الدين علي بن أحمد طميس؛ وهو شيخه أيضاً، ونسبه يتصل بالإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع).
قال: والسيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين، وحسن بن عبدالله العنسي.
إلى قوله: كان هذا الإمام معروفاً بالفضل، والعلم، والورع...إلخ.
[ترجمة الإمام المهدي محمد بن المطهر، ومؤلفاته، وإسناده]
وأروي بذلك السند إلى ولده الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر (ع) جميع مروياته، ومؤلفاته، التي منها: المنهاج الجلي، شرح مجموع/60
الإمام الأعظم زيد بن علي (ع).
ـ حُكي أن الإمام يحيى بن حمزة (ع) لما وقف عليه، استجاد تفريعاته؛ ومن نظر فيه بعين الإنصاف، عَلِم غزارة عِلْم مُؤلِّفه ـ وعقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، والسراج الوهّاج في حصر مسائل المنهاج، والكواكب الدرية في العربية، والرسائل والجوابات التي اشتمل عليها المجموع المهدوي.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وكانت قراءته في الفقه على والده، وسماع أكثر الحديث.
إلى قوله راوياً عن الإمام: أروي عنه (ع) ـ يعني والده ـ تفسير الثعلبي، يرفعه إلى الإمام المنصور بالله، وكذلك كتاب الشافي، وأمالي المرشد بالله، وكتاب ابن المغازلي، هذه عن والده، عن المنصور بالله، ونهج البلاغة، والأحكام للهادي بالقراءة والإجازة، والحدائق الوردية، وسفينة الحاكم، والأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار قراءة، وشمس الأخبار قراءة، يرفعه إلى مؤلفه علي بن حميد، وكتاب السلوة والاعتبار للجرجاني بطريق القراءة، ومجموع الإمام زيد بن علي قراءة، وأصول الأحكام قراءة.
وقال (ع) في بعض إجازاته: أروي فقه الزيدية أجمع، وكتب الحديث، عن سيدي ووالدي ـ رحمه الله ـ بعضه قراءة، وبعضه إجازة، وهو يرويه عن الإمام الناصر الحسين بن محمد ـ رحمه الله ـ.
قلت: يعني صاحب الشفاء (ع).
ثم قال في موضع: ويروي كتاب التفسير للحاكم من طرق:
الأولى: طريق سيدي ووالدي أمير المؤمنين إجازة، عن السيد الناصر للحق الحسين بن محمد، يرفعه إلى القاضي شمس الدين.
الثانية: عن القاضي أبي مطهر سليمان بن يحيى، صاحب شعلل، عن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، يرفعه. /61
قال: وسمع الشفاء، ومجموع الإمام زيد بن علي، على السيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين صاحب تتمة الشفاء، عن الأمير الحسين بن محمد، وهذه الطريق عزيزة الوجود؛ ثم حقق قراءته في الفقه على الأمير المؤيد بن أحمد.
قال: وذكر الوشلي أن الإمام يروي شرح الإبانة عن الفقيه محمد بن سليمان بن أبي الرجال، بعض قراءة، وبعض سماعاً.
قال: ويروي روضة الأخيار عن سليمان بن يحيى صاحب شعلل، إجازة عن أبيه، عن جده المؤلف يحيى بن يوسف.
قال: وروى الشفاء أيضاً عن السيد جبريل بن الحسين بن محمد، عن أبيه المصنف.
قال: تلامذة الإمام أجلاء، منهم: ولده الواثق بالله المطهر بن محمد، و أحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، وجار الله بن أحمد الينبعي، والفقيه حسن بن علي الآنسي، وإبراهيم بن محمد بن نزار، والمطهر بن تريك، والمرتضى بن المفضل، وصنوه إبراهيم، وأحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين، سمع عليه الدراري المضية جواباً على الشيخ عطية، وكذلك محمد بن عبدالله الرقيمي، وغيرهم ممن ينتهي سنده إليه.
إلى قوله: كان من أئمة الهدى، ومصابيح الدجى.
إلى قوله: ولو لم يكن إلا ما أودع كتبه من الحواشي والتصحيحات، وطرق السماعات والإجازات، وإليه انتهى السماع المحقق في كتابين، أحدهما: الكشاف، وكل كتاب في هذه الجهة لم يصحح على كتاب الإمام فهو غير صحيح ـ عند أهل هذا الفن ـ الصحة المحققة، والثاني: شفاء الأوام، فإسناد الأكثر إلى سماع الإمام، وكذا في أصول الأحكام، وأمهات كتب العترة (ع)، وله كرامات مشهورة./62
[ترجمة الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر (ع)]
وأروي بذلك السند السابق في طرق المجموع إلى ولده الإمام الأبر، الواثق بالله المطهر بن الإمام محمد بن المطهر، جميع مروياته، ومؤلفاته، منها: قصيدته المسماة الأبيات الفخرية، التي صدرها:
لايستزلّك أقوام بأقوال .... ملفّقات حريات بإبطالِ
لاترتضي غير آل المصطفى وزراً .... فالآل حق وغير الآل كالآلِ
فآية الود والتطهير أنزلتا .... فيهم كما قد رووا من غير إشكالِ
وهل أتى قد أتى فيهم فما لهم .... من الخلائق من ندّ وأشكالِ
وهم سفينة نوح كل من حملت .... أنجته من أزل أهواء وأهوال
والمصطفى قال إن العلم في عقبي .... فاطلبه ثَمَّ وخلّ الناصب القالي
...إلى آخرها.
وقد قدمت السند إليه؛ لاتصال سنده بأبيه وجده (ع)، وكذا في التحف الفاطمية ، وبنيت هنالك على ما في البسامة، للسيد صارم الدين (ع)، وشروحها، من أنه من المتعارضين هم، والإمام يحيى بن حمزة (ع)، كما قال فيها:
وفي علي ويحيى والمطهر والـ .... ـفتحي جاءت بمنشور من السيرِ
وكان يحيى هو الحبر الذي ظهرت .... علومه كظهور الوشي في الحبرِ
...إلخ.
قال في شرحها مآثر الأبرار: ذكر السيد صارم الدين هنا أربعة أئمة ممن دعا في وقت واحد، وقطر واحد، وعلى مذهب واحد...إلخ.
والذي في طبقات الزيدية أنه لم يقم إلا بعد وفاة الإمام يحيى (ع) كما تطلع عليه في سياق ترجمته، /63
قال فيها: المطهر بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله محمد بن أمير المؤمنين المطهر بن يحيى المتوكل على الله (ع) العلوي الحسني الهدوي القاسمي اليمني، السيد الإمام، العالم بن العالم بن العالم، الإمام بن الإمام بن الإمام؛ مولده ليلة السادس والعشرين، من ذي القعدة، سنة اثنتين وسبعمائة، نشأ في حجر أبيه الإمام المهدي؛ وبأنواره يهتدي، وبأفعاله يقتدي، وقرأ عليه العلوم، مسموعها والمعلوم، فقال في موضع: سمعت على والدي مصنفاته: المنهاج الجلي في فقه زيد بن علي، والسراج في حصر مسائل المنهاج، والكواكب الدرية، والمجموعات المهدوية، والمجموع المهدوي، وعقود العقيان في الناسخ والمنسوخ في القرآن جملة تسعة مجلدة.
ومن كتب الأئمة: مجموع زيد بن علي، وأصول الأحكام، وشفاء الأوام، وأمالي أبي طالب، وأمالي المؤيد بالله، وأمالي أحمد بن عيسى، والحدائق الوردية، ومن كتب الفقه: شرح النكت، والجمل، واللمع، والتقرير، وشرح الإبانة، ومحاسن الأزهار لحميد المحلي.
هذه مسموعاتي على والدي، بعضها بلا واسطة، وبعضها بواسطة الفقيه أحمد بن حميد، والفقيه حسن بن علي الآنسي، انتهى.
ثم قال (ع) في موضع: وأجاز لي والدي فقه أهل البيت، وفقه الفريقين، وسائر الأخبار؛ فمعي منه إجازة على ما اشترطه المستمعون.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: وله تلامذة أجلاء، وهم: الإمام صلاح الدين محمد بن علي، والسيد المتألِّه يحيى بن المهدي بن القاسم الحسيني، وولد أخيه الناصر بن أحمد، والسيد الهادي بن إبراهيم.
وقال السيد الهادي: وكان الواثق النهاية في أنساب أهل البيت في زمانه، كان لا يجارى فيه، ولا يلحق بشأوه، كان من أعيان العترة، ونحارير الأسرة، /64
وفصحاء الأمة، ونجباء أبناء الأئمة، ولما انتقل والده، في سنة تسع وعشرين وسبع مائة، دعا الإمام يحيى بن حمزة، ثم لما توفي سنة تسع وأربعين وسبع مائة ففي هذه السنة قام الواثق، ودعا إلى الله دعوة حسنة، في شهر القعدة، ثم استفتح صنعاء سابع صفر سنة خمسين وسبعمائة، ثم تنحى وبايع الإمام علي بن محمد.
إلى قوله: وكانت طرائق الواثق كطرائق والده في الخيرات؛ بلغ من العمر نيفاً على الثمانين، وله في العلوم اليد الطولى.
وأما الفصاحة فلا يبارى، وله رسائل بديعة، وكان مبرزاً على الأقران، وسباق غايات في ذلك الميدان، انتهى المراد.
هذا، وقد شرح قصيدته الأبيات الفخرية السيد الإمام محمد بن يحيى ـ رضي الله عنهما ـ باللآلي الدرية، كتاب حافل عظيم.
ونذكر هنا ما يتضمن صحة الطريق إليه، وإلى مجموعات السيد الإمام حميدان بن يحيى، وقد سبق ذكره في التحف الفاطمية ، وإلى مؤلف السيد الإمام يحيى بن منصور، وإلى مؤلف السيد الإمام المرتضى بن المفضل، وقد سبق نسبهما في التحف الفاطمية، والمرتضى بن المفضل، هو الثاني من أجداد السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير بن علي بن المرتضى المذكور، وهو في ذكر الإمام علي بن المؤيد، والإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وهذه المؤلفات الشريفة مما أهمل السند إليها أهل كتب الإجازات، وهي من مؤلفات آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ الشهيرة المنيرة.
[ترجمة محمد بن يحيى القاسمي، شارح منظومة الواثق بالله المطهر]
فأقول ـ والله ولي التوفيق ـ: قال السيد الإمام في طبقات الزيدية، مترجماً للشارح ـ رضي الله عنهما ـ محمد بن يحيى القاسمي، العلامة.
إلى قوله: قال في كتابه شرح منظومة الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر بن يحيى، التي أولها: /65
لايستزلّك أقوام بأقوال .... ملفّقات حريات بإبطالِ
...إلى آخره.
ثم ساق طرقه في المؤلفات، اخترت نقل كلامه من مؤلفه؛ لكونه أوفى بالمراد مما في الطبقات، وهو ما نصه: والذي نقلت منه هذا المنقول هو من نهج البلاغة لأمير المؤمنين، ومن الحقائق للإمام أحمد بن سليمان، ومن التصنيف الظريف للسيد الإمام يحيى بن منصور العفيف، وهو لي سماع، ومن مجموع الهادي، والقاسم (ع)، وهما لي إجازة، عن السيد الشرفي شرف الدين الحسن بن المهدي الهادوي ـ طوّل الله مدته ـ وهما لي إجازة عن الفقيه العالم إسماعيل بن علي الأسلمي ـ رحمه الله ـ.
قلت: ذكرهما السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وأفاد ما في الإسناد.
[ذكر مجموع السيد حميدان ـ وترجمته]
قال: ومن موضوعات السيد، الإمام المقتصد، العالم المجتهد، نور الدين، فرع الأئمة الهادين، محيي علوم آل طه وياسين، أبي عبدالله، حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي.
قلت: قد ذكرته في التحف الفاطمية ، في سيرة الإمام المهدي، أحمد بن الحسين(ع) وحاله معلوم.
قال: وهي لي إجازة، عن السيد العالم الأوحد، المطهر المقدس، عيسى بن محمد، ترجمان الدنيا والدين، فرع الأئمة الهادين.
قلت: أفاد السيد الإمام في ترجمته ما في الإسناد.
قال: يرفعه إلى المصنف من طريقين، أحدهما: الإمام المطهر بن يحيى بن الهادي ـ قدس الله روحه ـ الثاني: الفقيه العالم بدر الدين محمد بن جبير ـ رحمه الله ـ. /66
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: عيسى بن محمد، سمع مجموعة السيد حميدان على العلامة محمد بن جبير...إلخ، ولم يترجم له ولا غيره بالاستقلال.
وفي موضع آخر من الطبقات ما لفظه: محمد بن جعفر بن الشبيل، الفقيه العالم؛ سمع على السيد حميدان القاسمي جميع مؤلفاته، المعروفة بمجموع السيد حميدان.
وأحسب أنه الراوي عنه الإمام المطهر بن يحيى، والسيد عيسى بن محمد الهادوي، انتهى.
فيحتمل كون جبير، وجعفر، اسمين لمسمى واحد، ويحتمل غير ذلك؛ وعلى كل حال فقد صحّ التوثيق، وبالله التوفيق.
وقال في المطلع في ترجمة محمد بن جعفر: هو العالم البليغ المتكلم؛ كان وجهاً في وجوه زمانه، وعيناً من أعيان أوانه، وله شعر حسن، وكان مثنياً على الإمام المهدي الحسين بن القاسم، ولم يبلغ فيه مبلغ الغلوّ.
ولما اطلع على مصنفات الإمام، وعلى ماقاله السيد حميدان فيه، قال:
هذا إمام عالم عامل .... أبرا إلى الرحمن من بغضهِ
قلت: وقد ذكرت الأبيات في التحف الفاطمية .
[ترجمة للسيد المرتضى بن المفضل]
(رجع) قال: قال ـ طول الله مدته ـ: وهو لي أيضاً إجازة عن السيد الإمام الأوحد، المطهر المقدس، مجد الدنيا والدين، المرتضى بن المفضل؛ وكذلك أيضاً أجزتُ له كتاب الأوامر المجملة، الكبير، تصنيف الإمام مجد الدنيا والدين، المرتضى بن مفضل (ع)، وهو لي قراءة عليه.
وساق في ذكر طرقه في مؤلفات قد سبقت، إلى قوله: وقد أذنت لمن اطلع عليها من أولاد البطنين، وأتباع الثقلين، وشيعة الأخوين، أن يصلحوا ما وجدوا فيها.
إلى قوله: فالمختص/67
بالسلامة القرآن المجيد؛ كما قال فيه سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41)لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)} [فصلت].
تاريخ فراغه منه سنة تسع وخمسين وسبعمائة، من الهجرة النبوية، على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتسليم، انتهى.
[ترجمة السيد يحيى بن منصور بن المفضل ـ ومؤلفاته]
هذا، وقد ترجم السيدُ الإمامُ، وغيرهُ من علمائنا ـ رضي الله عنهم ـ للسيد الإمام، عماد الإسلام، يحيى بن منصور بن المفضل، فقال السيد العلامة عماد الدين: اشتهر بعلم الكلام، وقرأ على أخيه المفضل بن منصور، وقرأ أيضاً على عبدالله بن زيد العنسي، وتتلمذ له السيد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين.
إلى قوله: كان سيداً عالماً محققاً في العلم والفنون، وبلغ في علم الكلام الغاية القصوى، حتى يروى أنه قرأ في أصول الدين نيفاً وأربعين كتاباً، اختار منها مذاكرته، وشرحها.
إلى قوله: برز فيه على سائر الأنام، له مصنفات عديدة، من أجودها جمل الإسلام، وشرحها شرحاً فائقاً، وله أشعار عجيبة غريبة فصيحة، وقد أخذ منها الديلمي في كتابه.
قلت: أراد قواعد عقائد آل محمد (ع).
قال: وذكره في الصراط المستقيم ـ قلت: أي الديلمي، قال:ـ وكان مجوداً في كل فن، إلا أنه اشتهر بعلم الكلام، وكان يرى رأي أهل البيت، ورأي أبي الحسين.
ثم بيّض لوفاته.
قلت: وقد ذكره الواثق بالله في الأبيات الفخرية بقوله:
وإن يحيى بن منصور جلا لهم
أقوالهم حبذا المجلوّ والجالي /68
ومن قصائده البليغة، القصيدة التي مطلعها:
لاتركنن إلى غضارة منظر .... فالحال أصدق شاهد ومعبّرِ
لا تنسَ ذِكْر الله جلّ جلاله .... من راحم متفضل متكبّرِ
ولزوم منهاج النبي وآله .... فهم الأمان من الضلال الأكبرِ
قوم قفوا في الدين منهج جدهم .... يا حبذا من منهج متخيرِ
سفن النجاة مؤيدين بعصمة .... وطهارة مخصوصة وتطهرِ
خُصّوا بمعرفة الكتاب وإرثه .... وبنشر علم للسلامة مثمر
وهم الشهود على البرية كلها .... وهم الوسيلة بعد ذا في المحشر
لم يَخْلُ عصر منهم من منذر .... هادٍ إلى سبل النجاة مبصر
الذكر شاهدهم وسنة جدّهم .... صلى الإله عليهم من معشر
وكذا الطوائف يشهدون بفضلهم .... وشهادة الإجماع غير مزور
فموافق من بعد ذا متبصر .... ومخالف من بعده لم يظفر
ضلّت به فرق لرفض هداتها .... أبناء أحمد حبذا من جوهر
ومجاوز حد الوفاق مخاطر .... قد صار بين مفسق ومكفر
من خارج أو مرجئٍ أو رافض .... أو ذي اعتزال مبدع أو مجبر
أو غير ذلك من مذاهب جمة .... حدثت ودين محمد منها بري
يكفيك من جهة العقيدة مسلم .... ومن الإضافة أحمدي حيدري
ثم الصلاة على النبي وآله .... في كل وقت حادث ومقدر
[ترجمة المرتضى بن المفضل بن منصور بن العفيف]
هذا، وترجموا للسيد الإمام، مجد الإسلام، المرتضى بن المفضل بن منصور بن العفيف، وهو محمد بن المفضل بن الحجاج. /69
نعم، قال السيد الإمام: كان مشغوفاً بالعلم منذ ترعرع، أدرك الإمام إبراهيم بن تاج الدين، قرأ على ولده، وقرأ هو والإمام محمد بن المطهر.
إلى قوله: ثم قرأ على الإمام محمد بن المطهر في شفاء الأمير الحسين، وأجازه فقه الزيدية.
إلى قوله: وأخذ عنه ولده محمد بن المرتضى، والسيد محمد بن يحيى القاسمي تحقيقاً، وغيرهما.
قال في التاريخ: كان عالماً مجتهداً اجتهاداً مطلقاً، في غاية الكمال، في العلم، والفضل، والورع، والزهد.
إلى قوله: ولم يزل على كل خصلة حميدة حتى توفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وذكر أن قبره بهجرة الظهراوين.
قلت: وذكره الواثق بالله في الأبيات بقوله:
والمرتضى قال والمهدي كقولهم .... صلى الإله عليهم كل آصالِ
قال في الشرح: يريد (ع) بأولهما السيد الإمام، طود العترة الكرام، صفوة المصطفى، وسبط الأئمة الخلفاء، علم الشرف الأطول، وطراز العترة الأول، مجد الدنيا والدين المرتضى بن مفضل.
[السند إلى جميع مؤلفات الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة ـ وترجمة ولده عبدالله]
هذا، وأروي جميع مؤلفات الإمام، عماد الإسلام، المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، (ع) ـ وسيأتي ذكرها ـ بالأسانيد المتقدمة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الفقيه العلامة علي بن أحمد الشظبي، عن الفقيه العلامة علي بن زيد، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن الفقيه يوسف بن أحمد، عن السيد الإمام، فخر الإسلام، عبدالله بن الإمام يحيى بن حمزة (ع).
قال السيد الإمام في ترجمته: السيد العلامة.
إلى قوله: قال القاضي ـ قلت: أي أحمد بن صالح في مطلع البدور، وهو المراد بهذا في طبقات/70
الزيدية كما تقدم، والقاضي أحمد نقل هذا الكلام عن السيد العلامة الهادي بن يحيى صاحب الجوهر الشفاف، فقال:ـ كان رجلاً صالحاً، عالماً فاضلاً، مفتياً زكياً، ممن يشار إليه بالإمامة، واستكمال شرائط الزعامة، كثير الصلاة والدعوات، والبكاء في دياجي الظلمات، سكن حوث أكثر مدته، ثم انتقل إلى صنعاء، ولم يزل على هذه الصفات حتى توفي في جمادى الأولى، سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ودفن في المسجد المنسوب إلى الفليحي، وبنى عليه صاحب المسجد قبّة عظيمة، انتهى.
قلت: وقد زرتُه بها عند الوصول إلى صنعاء، سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف ـ رضي الله عنه ـ.
---
[ترجمة الأوزري]
(رجع) وعن مفتي الإسلام، حسن بن محمد النحوي، وعن شمس الدين أحمد بن سليمان الأوزري.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: الشيخ المحدث المعمر، أخذ عنه الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، والقاضي يوسف بن أحمد، والإمام صلاح الدين محمد بن علي وغيرهم.
كان الأوزري فاضلاً، ورعاً، كاملاً، محدثاً، محققاً، شيخاً، إماماً، زاهداً، براً، تقياً، معدوداً في علماء صعدة؛ رحل إليه العامة والخاصة، وحكى كلام الإمام المهدي(ع) في الغيث، أنه شاهده يتكلّف الاعتدال في الركوع، تكلّفاً عظيماً حتى يُظن أنه سوي.
قال: ولعله توفي في العشر بعد الثمانمائة، وقبره في القرضين من مقبرة صعدة؛ وقال بعضهم: إنه بحمراء عَلِب، من بلاد صنعاء، والأول أشهر، والله أعلم.
[ترجمة علي وإسماعيل ابني إبراهيم النجراني]
(رجع): وعن الشيخ جمال الدين علي بن إبراهيم بن عطية. /71
قلت: من آل النجراني.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: والإمام يحيى شيخه في كتب الأئمة، وشيعتهم.
إلى قوله: وأجل تلامذته أحمد بن علي مرغم، والفقيه يوسف بن أحمد.
قال القاضي: هو العلامة الفاضل، من أجلة العلماء، وكان من علماء صعدة.
قلت: وقد تقدم ذكره في سند أمالي الإمام أبي طالب، وكذا من لم نتكلم عليهم من رجال الإسناد، فقد تقدموا.
(رجع): وعن أخيه الشيخ العلامة إسماعيل بن إبراهيم ـ قلت: النجراني ـ.
قال السيد الإمام: قال السيد الهادي: ـ قلت: يعني بن إبراهيم الوزير (ع) وهو ممن أخذ عنه في صفته ـ هو الشيخ العلامة إمام المحققين.
إلى قوله: وله مصنفات، منها: الأسرار الشافية في كشف معاني الشافية، وله شرح عليها أخصر.
إلى قوله: وكان فاضلاً، شيخاً كاملاً، توفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة، عن نيف وسبعين سنة، انتهى.
(رجع)، وخمستهم ـ أي: السيد الإمام، فخر الإسلام، عبدالله بن الإمام يحيى؛ والفقيه مفتي الإسلام حسن بن محمد النحوي، والفقيه شمس الدين أحمد بن سليمان الأوزري (بهمزة، فواو ساكنة، فزاي معجمة، فراء مهملة)، والشيخان العالمان: إسماعيل وعلي ابنا إبراهيم بن عطية النجراني رضي الله عنهم ـ يروون عن الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة، جميع مؤلفاته (ع)، وقد سبق الكلام على مؤلفات الإمام، وأحواله في التحف الفاطمية مع غيره من أئمة العترة، وأشياعهم الكرام./72
[ترجمة الإمام يحيى بن حمزة، وذكر مؤلفاته]
وقال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في سياق ترجمته: قال في مآثر الأبرار: هو الإمام الصوام القوام، علم الأعلام، وقِمَطْر علوم العترة الكرام، حجة الله على الأنام؛ كان في غزارة علمه، وانتشار فضله وحلمه، بحيث لايفتقر إلى بيان؛ ولم يبلغ أحد من الأمة مبلغه في كثرة التصانيف، فهو من مفاخر أهل البيت، وعلومه الدرية، من مناقب الزيدية، وكان مع الإمام المطهر بن يحيى في أول شبابه، يوم قصة تنعم، فقال: في هذا الولد ثلاث آيات: علمه، وخطه، وخَلْقه.
إلى قوله: فصنف في أصول الدين: المعالم الدينية، والتمهيد، والنهاية، والشامل، ومشكاة الأنوار في الرد على الباطنية، والإفحام للباطنية الطغام، والتحقيق في التكفير والتفسيق، وصنف في أصول الفقه: المعيار، والقسطاس، والحاوي، وصنف في الفقه: العمدة، والانتصار ثمانية عشر جزءاً، وصنف في النحو: الاقتصاد، والمنهاج، والأزهار، والمحصل، وصنف في المعاني والبيان: الطراز، وله الأنوار المضيئة شرح السيلقية، والديباج الوضي شرح نهج البلاغة، والإيضاح في الفرائض، وصنف التصفية في الزهد، وله رسائل، ووصايا، وحكم، وآداب، وغير ذلك.
قال: وكان (ع) كثير التواضع، وعديم التبجح بمصنفاته، حتى كان لايسميها إلا الحواشي؛ وأفاد أنه قرأ على الإمام المطهر بن يحيى، وولده الإمام محمد بن المطهر (ع)، وعلى شيخيه العالمين: محمد بن خليفة، وعلي بن سليمان البصير، وعلى محمد الأصبهاني.
قال: وأخذ عنه علماء أعلام، منهم: الفقيه حسن بن محمد النحوي، سمع عليه مؤلفه الانتصار جميعه، ولم يسمعه عليه غيره، وأجازه في جميع مسموعاته، ومستجازاته، وأجازه لولده عبدالله/73
بن يحيى، وللفقيه أحمد بن سليمان الأوزري، وعلي، وإسماعيل، ابني عطية.
وممن أخذ عنه: محمد بن المرتضى بن المفضل، وأحمد بن حميد بن سعيد الحارثي، وأحمد بن محمد الشغدري، وأجاز له ما ذكرناه عنه...إلخ.
هذا، وأروي جميع مؤلفات الإمام يحيى، ومروياته، بالأسانيد السابقة المذكورة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، بسنده المار آنفاً، إلى الإمام المؤيد برب العزة، يحيى بن حمزة (ع).
وأروي بهذا السند إلى الإمام يحيى بن حمزة، عن السيد الإمام محمد بن إدريس الحمزي (ع) جميع مؤلفاته، التي منها: شفاء غلة الصادي، وشرح اللمع، وغيرهما، وقد تقدم السند إلى مؤلفاته، وتعدادها في طرق الجامع الكافي، وسيأتي أيضاً قريباً سند آخر إليه، وتمام الكلام عليه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[توجيه ما عسى أن يُوهم من أنظار الإمام يحيى بن حمزة خلاف أهله ـ أهل البيت (ع) ـ]
هذا، واعلم أنه كثر التمسك من المائلين بما يجدون في بعض كتب الإمام يحيى(ع)، من التليين لميل الإمام إلى المجاملة، ومحبته للملاءمة، وقد صرّح بخلاف ما روي عنه من المخالفة، كما يتضح لك، وهو على منهاج أهل بيته في الأصول المهمة من الدين، كمسائل التوحيد، والعدل، والنبوة، وإمامة الوصي بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وبعده الحسنين، وأهل البيت (ع) بعدهم، ولزوم ولايتهم، وحجية إجماعهم، وأبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وحاشاه عن خلافهم، كما هو معلوم.
وإنما وقعت فلتات، في أثناء بعض المؤلفات، من وراء تلك المهمات، والمعتمد الدليل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
فرأيت أن أسوق هنا ما ذكره الإمام الشهير، محمد بن عبدالله /74
الوزير (ع) في فرائد اللآلي.
قال (ع): فاسمع إلى كلام الإمام يحيى بن حمزة في هذين المهمين، رجوعاً منه إلى مقالة أهله، مع شائبة مجاملة.
[كلام الإمام يحيى في عدم بيعة علي لأبي بكر، وعدم ثبوت دليل على إمامة الثلاثة]
قال في كتابه مشكاة الأنوار، في جوابه على الفقيه أحمد بن علي بن شائع التهامي ما نصه:
قلتَ: هل علمنا أن علياً (ع) بايع أبا بكر بعد وقوفه عن البيعة أم لا؟
اعلم أن أمير المؤمنين (ع) ما اعتراه الريب ولا خالطه الشك.
إلى قوله: فلما توفي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وبكر الناس إلى سقيفة بني ساعدة للاشتوار، فتحقق أن الناس ليسوا في شيء من ذلك، وأنهم عازمون على العدول عنه (ع).
إلى قوله: وصبر كما قال (ع): وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهباً.
فتأخر عن مخالطة القوم؛ وكان بينهم ما كان من غير مشورة منه ولا بيعة، ولم يبلغنا أنه (ع) بايع أبا بكر في الأولة، ولا في الثانية، ولو وقع لنقل، وقد نُقِل ما هو أسهل منه؛ فلما لم يُنْقَلْ، عُلِمَ أنه غير واقع، بل الظاهر من حاله التوجّع، وهو ظاهر في كلامه.
إلى قوله: ولو كان للهوى ـ أي دخوله فيها بعد انقراض الثلاثة ـ لَتَرَكَهَا كما قال: ولولا حضور الحاضر، ووجوب الحجة لوجود الناصر، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها.
والأمر ظاهر.
هذا العباس ـ رضي الله عنه ـ عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: /75
ما كنتُ أحسب أن الأمر منتقل .... عن هاشم ثم منها عن أبي حسنِ
أليس أول مَنْ صلى لقبلتكم .... وأعرف الناس بالمفروض والسننِ
فما الذي صدكم عنه لنعرفه .... ها إن بيعتكم من أول الفتنِ
وصدق ـ رضي الله عنه ـ فإنها الفتنة كل الفتنة، فاتحة الشرور إلى يوم القيامة.
[توجيه بعض أنظار الإمام يحيى بن حمزة(ع)]
[الفرق بين الخلافة والإمامة]
ثم قال الإمام يحيى (ع): وعلى الجملة، إن لنا به أسوة، ما نقول فيهم إلا كمقالته، لكنا نقول قولاً واضحاً: هم قد استبدوا بالخلافة، وقد قام البرهان على صحة إمامته (ع)، والخلافة عندنا غير الإمامة، ولم تقم دلالة على صحة إمامتهم، فهم خلفاء، وهو الإمام؛ وهذا قول بالغ يكفي في الإنصاف.
قال الإمام محمد بن عبدالله: ونعم ما قال الإمام من الفرق بين الإمامة والخلافة؛ لأن الإمامة مدارها على الدليل الشرعي ـ قلت: أي إمامة الحق، قال: ـ بخلاف الخلافة ـ قلت: أي التي لم تكن عن استخلاف صحيح، قال:ـ فإنها أعمّ، والأصل كل ما خلف الشيء سمي خليفة.
إلى قول الإمام محمد بن عبدالله (ع): فالمشائخ قد خلفوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متعاقبين في مقامه بهذا الاعتبار، لا أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ استخلفهم.
[أبو بكر الخالفة]
قال في النهاية، في مادة خلف: وفي حديث أبي بكر، أنه جاء أعرابي، فقال له: أنت خليفة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قال: لا.
قال: فما أنت؟
قال: الخالفة بعده.
فقد أعرب أبو بكر عن نفسه بأنه غير خليفة ـ يعني مُسْتَخْلَفاً ـ بل أنه خالفة، بمعنى خلفه؛ وحينئذ قد يكون ذلك بحق وغير حق، بمجرد تَسَمِّيهِ خليفة.
وفي النهاية أيضاً: الخليفة من يقوم مقام الذاهب، ويسد مسده؛ والخالفة الذي لا غنى عنده، ولا خير فيه. /76
قال: وإنما قال ذلك تواضعاً، وهضماً لنفسه، حين قال له: ياخليفة رسول الله، انتهى.
قال الإمام محمد: إن عنى ـ أي صاحب النهاية ـ أنه خلف رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فلا شك أنه تَسَنَّم ذلك المقام، على تلك الحوادث العظام، والداء العُقام.
وإن عنى أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ استخلفه، فالخصوم مقرّون بعدم الاستخلاف من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لأحد، ومن يدعي إيماءً أو أي دلالة على استخلافه لأبي بكر، فلم يمكن تصحيحه.
قلت: وشاهد حال أهل السقيفة، وصريح كلامهم المعلوم، في ذلك اليوم وغيره، يكذبه؛ فهي دعوى لغير مدع، بل لمنكر ما يدعيه؛ واحتجاج أبي بكر، ومن معه على الأنصار بالقرب من رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وأنهم شجرته، معلومٌ عند مَنْ له أدنى مُسكة في الأخبار؛ ولهذا قال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: احتجوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة.
وقال مجيباً على أبي بكر:
فإن كنتَ بالقربى حججت خصيمَهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّبُ؟
ولهذا لم يذهب إلى هذه الدعوى أحد، من أهل النظر والتحصيل.
قال الإمام محمد (ع): فلم يبقَ إلا أن أبا بكر الخالفة، كما أعرب عن نفسه.
وقول ابن الأثير: إنه قال ذلك هضماً وتواضعاً لاوجه له، وإذا حققت النظر فهو خَالِفة.
قلت: ولأن مثل هذا المقام مقام بيان، ولايجوز الهضم بخلاف الحق، /77
وإنما يكون بالتعريض، وما لاصراحة فيه بغير الواقع؛ إذْ يكون من الكذب والكتمان.
قال الإمام: ثم قال الإمام يحيى: (دقيقة): اعلم أنا قد رمزنا قبل أن الخلافة غير الإمامة، وأن أمير المؤمنين (ع) إمام، وغيره خليفة، ووجه التفرقة بينهما: أن الإمامة شرعية قطعية، وهي إنما تثبت بملك شرعي، ووقوف على شرائط؛ فمتى ثبت ذلك صحت الإمامة قطعاً.
وأما الخلافة فثبوتها على جهة الاستيلاء والغلبة والقهر؛ ولهذا فإن معاوية ـ لعنه الله ـ صرّح باسم الخلافة، وليس بإمام، وهكذا خلفاء الدولتين، هم ملوك وخلفاء، وليسوا أئمة.
قلت: أي أئمة هدى.
قال الإمام يحيى: فلا جرم، صحّ منا إطلاق القول بأن أمير المؤمنين (ع) إمام وغيره خليفة، وصلى الله على محمد وآله، انتهى.
[كلام الإمام يحيى بن حمزة (ع) على عدم صحة حكم أبي بكر في فدك]
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وحكى الإمام عز الدين، عن الإمام يحيى (ع)، نقلاً من كتابه المسمى التحقيق في الإكفار والتفسيق، ما نصه: والمختار عندنا أمران:
الأول: أن الذي ادعت فاطمة ـ عليها السلام ـ كان حقاً.
ثم قال ما حاصله: إنه شَهد لها أمير المؤمنين (ع)، وأم أيمن، فقال أبو بكر: رجل مع رجل، أو امرأة مع امرأة.
ثم قال أبو بكر: إن الله إذا أطعم نبيه طعمة فهي للخليفة من بعده.
فلما أقر بالملك لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإقراره مقبول، قالت: ويحك يا ابن أبي قحافة! ترث أباك ولا أرث أبي.
فاحتجّ بالخبر.
ثم /78
ذكر إعراضها عنه، ورجوعها إلى قبر أبيها ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وتمثلها بالأبيات المشهورة:
قد كان بعدك أنباء وهينمة .... لو كنتَ حاضرها لم تَكْثُرِ الخُطَبُ
...إلخ.
وهذه المناظرة ظاهرة لايمكن إنكارها.
ثم قال: الأمر الثاني: أنها صادقة فيما ادعته؛ لأن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بشرها بالجنة، وأن منزلها ومنزل أمير المؤمنين حذاء منزله.
وساق أحاديث في شأنها وكمالها، وأحاديث ((فاطمة مني، يريبني ما يريبها، ويؤذيني ما يؤذيها))، فكيف لاتكون صادقة في تلك الدعوى، وقد شهد بصدقها أمير المؤمنين، ولا يشهد إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق؟!
انتهى باختصار.
قلت: وهذا تصريح بعصمة الوصي، وحجية قوله ـ صلوات الله عليه ـ كما قضت به النصوص النبوية، والحمد لله.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وقد روي عن الإمام زيد بن علي، وقد سأله سائل عن فاطمة بعد أبيها ـ صلوات الله عليهم ـ وكيف كان حالها مع القوم؟
فأجاب (ع): أما سمعت قول الذي عبر عمّا في نفسها بقوله:
غداة تنادي يابتا ما تمزقت .... ثيابك حتى أزمع القوم بالغدرِ
وحتى ارتُكِبْنا بالمذلّة والأذى .... وليس لأحرار على الذلّ من صبرِ
ولقد أجاد الشاعر، وصدق.
فهو رجوع منه عما في الشامل.
قلت: يعني من تصويب الحكم.
قال: فهذا رجوع إلى قول أسلافه الطاهرين.
قلت: وهذا يدل على اطلاع الإمام على تأخر كلام الإمام يحيى (ع) هذا.
وقال الإمام محمد بن عبدالله (ع): وذلك ـ أي تصحيح حكم /79
أبي بكر ـ مبني على صحة حكم أبي بكر، من حيث كمال نصاب الشهادة، وتناسيه هو، والإمام أحمد بن يحيى، أن ولاية أبي بكر باطلة لا أصل لها، وإنما هو مُتَغَلِّب.
قلت: وأن المعصومين، ومَنْ قولهم حجة ردّوا حكمه، ولم يصدقوا قوله؛ ولو لم يكن إلا غضب المطهرة، التي يغضب الله ـ تعالى ـ لغضبها، بإجماع جميع الأمة.
قال: والمسألة معقودة على أصول المعتزلة.
قلت: ولقد نقم عليهم معاملتهم لبضعة نبيهم بعض المعتزلة، وحكم بأن فعلهم معها ـ صلوات الله عليها ـ خلاف المروءة، كما صرح به ابن أبي الحديد، وصوّب الشاعر في قوله:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادّعت .... وماذا عليهم لو أطابوا جنانها
وقد علموها بضعة من نبيهم .... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها
فيحق والله، أن يغضب لمن يَغْضَبُ الله ـ تعالى ـ ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لغضبها، كافةُ الأمة المحمدية، فضلاً عن بنيها من العترة النبوية، والسلالة العلوية؛ وغضبها معلوم حتى هجرت الشيخين، وأوصت أن تُدْفن ليلاً، ولا يشهدا جنازتها، ولا الصلاة عليها، وفعل ذلك الوصي - صلوات الله عليهما - وقد رواه البخاري ومسلم، ولاينكره الخصوم، فالحكم الله، والموعد القيامة، كما قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
قال الإمام: وقد عرفت كلام الإمام يحيى (ع) في هذين المهمين، ورجوعه إلى مقالة أسلافه، الذين لايقال لهم إلا ما قاله يوسف الصديق (ع): واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وما حكى الله في آية الاجتباء {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج:78]، انتهى المراد.
قلت: قال السيد الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير في نهاية التنويه: وقد /80
ذكر الإمام يحيى بن حمزة في كتاب الانتصار، ترجيح مذهب العترة النبوية، وبالغ في صدر هذا الكتاب في الترجيح، واستوفى أعاريض الكلام، ومدَّ رواق ترجيح الأئمة الكرام (ع).
[ترجيحه (ع) تقليد العترة على غيرهم]
وقال ـ أي الإمام يحيى ـ في كتاب مشكاة الأنوار: المعتمد في تقرير ما اخترنا من رجحان تقليد أهل البيت (ع) على غيرهم من سائر الفقهاء، مسالك نوضحها ـ بمشيئة الله تعالى ـ.
قلت: ومراده بهذا تقليد أفرادهم، وأما إجماعهم، فهو حجة قاطعة، فليس اتباعه بتقليد؛ إذْ هو اتباع للدليل، كما سيصرح به الإمام فيما سيأتي.
قال ـ أي الإمام يحيى ـ: المسلك الأول: ما ورد من جهة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من الثناء عليهم، كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الخبر المشهور: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به ـ وفي رواية: بهما، وفي رواية: بهم ـ لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، وهذا الخبر يدل أن التمسك بالعترة، كالتمسك بالكتاب العزيز.
الخبر الثاني: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى))، فهذا الخبر دال على أنهم كالسفينة، فكما أن السفينة منجاة للأبدان من الغرق، فهكذا أهل البيت منجاة للأبدان من الهلكة.
الخبر الثالث: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كالنجوم، كلما أفل نجم طلع نجم))، فكما أن النجوم يُقْتدى بها في ظلمات البر والبحر، فكذا حال العترة، /81
يُهْتدى بهم في ظلمات الشبهة والحيرة.
الخبر الرابع: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أهل بيتي كنجوم السماء؛ فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون)).
إلى قوله: المسلك الثاني: أنه قد قام البرهان الشرعي، على أن إجماعهم حجة قاطعة، وإذا كان الأمر كما قلنا، فلا يأمن من قلّد غيرهم أن يكون مخالفاً لهم في إجماعهم، ولايكون آمناً من الخطأ؛ بخلاف غيرهم من علماء الأمة، فهذا أمر غير حاصل في حقهم.
إلى قوله: المسلك الثالث: ما خصهم الله ـ سبحانه ـ من الخصائص الشريفة، في العلم، والورع، والتقوى.
فأما مذاهبهم في الإلاهيات، فمستقيمة، على قانون الحق، في وجود الله ـ تعالى ـ وصفاته الذاتية، ويستقيمون على الطريقة الصحيحة في حكم الله ـ تعالى ـ.
وهكذا القول في مضطرباتهم الفرعية الاجتهادية، وأنظارهم في المسائل الشرعية، لا تخالف أصولَهم فروعُهم، ويعدلون عن المذاهب الغريبة، ويستقيمون على مألوف الشرع، لم يسقط أحد منهم في نظره عن القضايا العقلية، ولا أَخَذَ منهم بنظر غريب في المسائل الخلافية، بل هداهم الله ـ تعالى ـ إلى أوضح الطريق، وأيمن الملل، وأعدلها، وأقومها على الحق، وأوضحها.
ثم ساق في البحث...إلى قوله: وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد التبصرة.
[السند إلى تتمة الشفاء الكبرى وترجمة مؤلفها]
وسبقت الأسانيد إلى تتمة شفاء الأوام الكبرى، للسيد الإمام صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع)، وسبق ذكره مع أبيه في التحف الفاطمية ـ نفع الله تعالى بهاـ. /82
قال السيد الإمام في ترجمته: صلاح بن الإمام.
إلى قوله: الأمير العلامة، أبو علي، صلاح الدين.
قال السيد محمد بن الهادي: والسيد صلاح الدين يروي علوم آل محمد، ومجموع الإمام زيد بن علي، عن المتوكل على الله المطهر بن يحيى.
إلى قوله: وذكر في تتمته أنه يروي عن الأمير الهادي بن تاج الدين، عن الأمير الحسين بن محمد.
قال فيه: والتقرير مسموع لي بالسند الصحيح إلى الأمير الحسين، ومن مشائخه: السيد جمال الدين علي بن المرتضى بن المفضل، والسيد يحيى بن منصور بن المفضل، أخذ عنه في علم الكلام.
قال ابن حميد: والسيد صلاح الدين، يروي شرح الإبانة، عن الإمام المطهر بن يحيى.
قال: والأمير صلاح أيضاً يروي سلوة العارفين للجرجاني، عن الإمام المطهر بن يحيى، وكذلك الأربعين في فضائل أمير المؤمنين للصفار؛ ويروي كتاب أنوار اليقين عن مؤلفه الإمام الحسن بن بدر الدين، وكذلك يروي الشافي للمنصور بالله، عن الإمام الحسن، عن مؤلفه المنصور بالله.
وروى مجموع الإمام زيد بن علي (ع) عن الأمير الحسين، عن أبيه، عن القاضي جعفر.
قال: وأخذ عنه السيد أحمد بن محمد بن الهادي بن تاج الدين.
إلى قوله: والإمام محمد بن المطهر، والسيد محمد بن الهادي، وسالم القشيري، مؤلف كتاب الأزهار، وغيرهم، وهو متمم الشفاء.
إلى قوله : قال الإمام محمد بن المطهر: هو السيد الإمام، صلاح الدنيا والدين، طراز سلالة الحسنين، صلاح بن أمير المؤمنين؛ أحيا الله بعمره شرائع آبائه الأطهار، وجدّد به معالم الدين على مرور الأعصار، وجعل الإسلام بأيامه محروس الجوانب، والكفر ببقائه مقهور العواقب.
إلى قوله: وقبره بالبرار (بموحدة، ومهملتين بينهما ألف) /83
يماني هجرة الوعلية، لعل وفاته بعد السبع المائة تقريباً.
[سند كتاب الروضة والغدير]
وأروي كتاب الروضة والغدير في تفسير آيات الأحكام، بالسند السابق في آخر أسانيد الشفاء، وفي شمس الشريعة، المتصل بالعترة (ع)، إلى الإمام المهدي لدين الله محمد بن المطهر بن يحيى، عن المؤلف الأمير الخطير، محمد بن الهادي بن تاج الدين أحمد بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى (ع)، وقد مرّ ذكره في التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام في ترجمته: الأمير، العالم الكبير، بدر الدين.
إلى قوله: لما طلب منه الإمام محمد بن المطهر أن يجيز له مؤلفه الروضة والغدير، قال ما لفظه:
طلب مني أن أذكر له ما أمكن من أصول سماعاتي، الراجعة إلى هذا الكتاب.
قلت: قال في إجازته هذه: وقد أجبته إلى ما طلب؛ لأنه من معدن الحكمة، وأهلها.
إلى قوله: وقد قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لاتعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولاتمنعوها أهلها فتظلموهم))، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((العلم لايحل منعه)).
إلى قوله: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن من أفضل العبادة حديث حسن، يسمعه الرجل فيحدّث به أخاه)).
قلت: كذا بغير ألف في ((حديث حسن)) في كتاب القاضي أحمد بن سعد الدين ـ رضي الله عنه ـ ولعله على لغة ربيعة، في الوقف على المنصوب.
قال: كما قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لايشبع عالم من علم حتى يكون منتهاه الجنة)). /84
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((كل صاحب علم غرثان إلى علم)).
إلى قوله: واعتماداً منه (ع) على قول جده رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اكتبوا هذا العلم عن كل كبير وصغير، وغني وفقير))...الخبر.
ثم فَصّل طرقه.
إلى قوله: ولي في شرح القاضي زيد ثلاث طرق: الأولى: إجازة من حي والدي الأمير الكبير، الصدر العلامة، الورع الزاهد، كساب الثناء والمحامد، عز الدين، شيخ العترة الهادين، الهادي بن المقتدر بالله تاج الدين (ع)، فإنه أجاز لي ما أجاز له شعلة ـ رحمة الله عليه ـ وشعلة يروي شرح القاضي زيد، وغيره، بطرق المناولة، من الشيخ محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد، عن مشائخه، وهم كثير، منهم: الأميران الكبيران: شمس الدين وبدره، ورأس الإسلام وصدره، يحيى ومحمد ابنا أحمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي (ع)، ومنهم: القاضي شمس الدين جعفر بن أحمد ـ رحمة الله عليه ـ.
إلى قوله: والطريق الثانية: من جهة الوالد الأمير الكبير، العالم العامل، الورع الكامل، جمال الدين، بقية الشرعيين، المؤيد بن أحمد ـ قدس الله روحه ـ.
إلى قوله: وهو يروي هذا الكتاب وغيره مما قد ناولنيه، وأجاز لي، عن الأمير الكبير، الناصر للحق، الحسين بن محمد، بطريق المناولة.
إلى قوله: ويرويه أيضاً الناصر للحق بطريق الإجازة، عن والده بدر الدين محمد بن أحمد (ع).
وساق أسانيده في المجموع للإمام الأعظم، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، والتحرير للإمام أبي طالب (ع)، وأصول الأحكام، والشفاء،/85
وتفسير الحاكم، والطوسي، وغيرها.
قال القاضي في المطلع: علامة خطير، وإمام شهير، صدر العلماء الأكابر، ونور أرباب المنابر والمحابر.
إلى قوله: وله في المؤلفات المشهورة، كتاب الروضة والغدير.
قال الفقيه العلامة يوسف بن أحمد ـ رضي الله عنه ـ: وبعد، فإنه لما وقع في النفس جمع الأحكام، الواردة في أشرف كتاب.
إلى قوله: فوقفت على ما وضعه الأمير الخطير، وهو كما قال ـ رحمه الله ـ: تصنيف لم يسبق إليه، وتأليف لم يزاحم عليه.
وقال في الطبقات: قال السيد صلاح: كان من العلماء المجتهدين، وله من التصانيف الأنوار المضيئة في تفسير الآيات الشرعية، وله غيره من التصانيف، كاللؤلؤ المنظوم في معرفة الحي القيوم.
وتوفي عام عشرين وسبعمائة، بأفق، وهي مقبرة الرمان من بني جماعة، مشهورة، انتهى.
وقد ذكرت وفاته في التحف الفاطمية ، وكذا من لم أذكر وفاته ممن هو في كتب البحث، إنما أترك ذكر وفاته ونحوه لذلك، وهذا تأكيد لما سبق.
وفي المطلع ما لفظه: وهو الذي كمل المقنع في أصول الفقه، تأليف الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن؛ وكان الإمام يحيى الغاية في العلوم رواية، ودراية.
إلخ كلامه.
[السند إلى مؤلفات السيد: محمد بن إدريس ـ وترجمته]
وسبقت الأسانيد في أثناء طريق الجامع الكافي، وفي إسناد مؤلفات الإمام يحيى (ع)، إلى مؤلفات السيد الإمام محمد بن إدريس بن علي بن عبدالله بن الحسن بن حمزة ـ والحسن أخو الإمام المنصور بالله (ع) كما سبق ـ.
وأروي جميع مؤلفاته أيضاً بالسند المار، المتصل بآل محمد (ع)، /86
إلى الإمام المهدي لدين الله محمد، عن أبيه الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، عن الشيخ العلامة سليمان بن أحمد بن أبي الرجال.
ترجم له السيد الإمام، والقاضي ـ رضي الله عنهما ـ وأفادا أنه كان عالماً فاضلاً، من شيوخ العدل والتوحيد.
(رجع) عن المؤلف.
قال السيد الإمام في ترجمته: محمد بن المعتصم بالله إدريس ـ وتمم نسبه.
إلى قوله: قرأ على الإمام المهدي محمد بن المطهر بن يحيى؛ فمما سمع عليه: مؤلفه عقود العقيان في الناسخ والمنسوخ من القرآن، سمع عليه أكثره، وناوله بقية الكتاب؛ وناوله أيضاً كتاب الروضة والغدير للسيد محمد بن الهادي.
إلى قوله: وروى عنه أمالي أحمد بن عيسى، وأمالي المرشد بالله، وأجازه.
قلت: وروايته عن الإمام محمد بن المطهر عجيبة، مع كون أبيه الإمام المتوكل على الله يروي عن المذكور بواسطة كما مرّ؛ وقد وقع البحث في الطبقات، ومطلع البدور، وكتاب القاضي أحمد بن سعد الدين، فلم يحصل غير ما حرر ـ أعني: روايته عن الإمام محمد بن المطهر ـ، وأما رواية الإمام المطهر عنه بواسطة سليمان بن أحمد، فهي في بلوغ الأماني، وأفاد ما يرجحها في الطبقات في ترجمة سليمان، وفي ترجمة الغزال كما يأتي.
وأما الطريق السابقة إليه فليس فيها كلام ـ والله أعلم ـ.
وقد تقدّم الكلام هنالك على مؤلفاته وتاريخ وفاته ـ رضي الله عنه ـ. /87
قال السيد الإمام: وله من محمد بن الغزال إجازة في الكشاف، والمصابيح في الحديث، وقسمي المعاني والبيان، وموطأ مالك، وصحيحي البخاري ومسلم، ومسند الشافعي، والمفصل للزمخشري في النحو، والكافية لابن الحاجب، والأربعين السيلقية، وكتاب الشهاب في الحديث للقضاعي، ومقصورة ابن دريد، والخلاصة، وكتاب الشافية وشرحها، ومقامات الحريري، والألفية، وكتاب التجريد للمؤيد بالله.
قال: وستأتي أسانيدها إلى مؤلفيها في ترجمة محمد بن عبدالله الغزال.
إلى قوله: ولفظ إجازة الغزال له: أجزتُ المولى، عز الدين، محمد بن إدريس، جميع ما تقدم ذكره من الكتب، بالأسانيد الصحيحة، إلى الأئمة المصنفين، على الشروط المعتبرة في الإجازة، كما أُجيز لي؛ وكتب ثالث عشر ربيع الأول، من شهور سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.
إلى قوله: واستجاز عنه سليمان بن أحمد بن أبي الرجال، ومحمد بن خليفة؛ حقق ذلك بعض بني الرجال.
قال: وذكر ذلك في حواشي الفصول.
قال شيخه الغزال: أجزت للمولى الأعظم، العالم، الفاضل، الصدر، العلامة، سلالة الأئمة الأطهار.
إلى قوله: شرف العترة الطاهرة، وفخر الأسرة النبوية...إلخ.
وقال القاضي: هو السيد الأمير، المحقق، الفاضل، البحر؛ كان شمساً مضيئة الأنوار، وعلماً من أعلام العترة الأطهار؛ ترجم له السيد صارم الدين.
ثم ذكر مؤلفاته، وقد تقدمت.
وترجم السيد الإمام لوالده، وقال: كان أميراً خطيراً، وعلامة شهيراً، جليل المقدار، وحيد زمانه.
وترجم له الخزرجي.
إلى قوله: وكتابه الكنز من أجل التواريخ، قدر أربعة مجلدات، فرغ من تأليفه في رجب الأصب سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وله كتاب سماه السيول في فضائل البتول./88
انتهى المراد.
[السند إلى مؤلفات السيد يحيى صاحب الياقوتة]
وأروي مؤلفات السيد الإمام، عماد العترة الكرام، يحيى بن الحسين بن يحيى بن علي بن الحسين بن يحيى بن يحيى (ع): الجوهرة، والياقوتة في فقه آل محمد (ع).
وقد سبق ذكره مع جده الأمير الخطير، صاحب اللمع والقمر المنير، علي بن الحسين (ع) في التحف الفاطمية ، في ذكر الإمام الحسن بن بدر الدين (ع)، وفي هذا المؤلف أيضاً ـ بالسند السابق في طرق المجموع والشفاء، إلى ولده السيد الإمام الهادي بن يحيى، عن والده يحيى بن الحسين المؤلف (ع)، ولا بأس بإعادته للتأكيد.
وهو أني أرويها بالطريق المتقدمة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم، عن أبيه محمد، عن أبيه عبدالله الوزير، عن السيد متمم الشفاء صلاح بن الجلال، عن السيد الهادي بن يحيى، عن أبيه يحيى بن الحسين (ع).
وقد تقدم ذكرهم جميعاً، ولا بأس بزيادة إفادة، في أحوال الثلاثة السادة.
[ترجمة متمم الشفاء بالتتمة الصغرى صلاح بن الجلال]
أما الأول: فقال السيد الإمام في ترجمته: صلاح بن جلال الدين ـ وأنهى نسبه إلى يحيى بن يحيى، وقد تقدم في التحف الفاطمية ـ.
ثم قال: قرأ في شفاء الأمير الحسين وغيره من كتب أئمتنا، وشيعتهم، على السيد الهادي بن يحيى بن الحسين، وكان أجلّ تلامذته.
إلى قوله: وأجل تلامذته السيد عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير؛ والسيد المذكور هو الذي ألّف كتاب الرضاع من كتاب الشفاء.
قال القاضي: هو السيد الكبير الأمير، العظيم الشهير، النسابة، صاحب الشيوخ والإجازات، حافظ علوم آل محمد...إلخ.
وأفاد السيد الإمام ـ رضي الله/89
عنه ـ في سند أهل البيت، أن الإمام القاسم بن محمد يروي عن السيد صلاح بن أحمد بن عبدالله الوزير، عن آبائه، إلى عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير ـ وقد تقدموا ـ عن السيد صلاح بن الجلال، عن الهادي بن يحيى، عن الإمام علي بن محمد.
إلى قوله: قال الحافظ ـ قلت: أي أحمد بن سعد الدين ـ: ولهذه الجملة تفاصيل عديدة، وفي ضمنها علوم لاتزال مطارفها منشورة ـ إن شاء الله تعالى ـ جديدة، يعرفها ذووا الإنصاف، وهي أجلى وأوضح من ضوء النهار، انتهى.
ويروي السيد صلاح الدين عن قاسم بن أحمد بن حميد، عن أبيه، عن جده، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، عن مشائخه.
قال: ويروي نهج البلاغة عن السيد الهادي، عن الإمام علي بن محمد، عن أحمد بن حميد، عن الإمام محمد بن المطهر، عن أبيه، عن ابن أبي الرجال، عن الشهيد، عن شعلة، عن المرتضى بن شراهنك، بطرقه إلى المؤلف.
هذا، وقد أفاد أنه بلغ في العلم الغاية، وأن له تعليقة على اللمع سمّاها اللمعة المضية، وهو الذي جمع المشجر؛ وأنه قال في تتمة الشفاء: وما وضعت فيه شيئاً من الأخبار، إلا ما صحّ لي سماعه عن العلماء الأخيار، من أهل البيت الأطهار، وشيعتهم الأبرار، وأوردت فيه من المسائل الفقهية، مالا غنية عنه من كتب أئمتنا، وهي أيضاً مسموعاتي؛ وأن عمره إحدى وستون، وقبره بمشهد الهادي (ع).
[ترجمة الهادي بن السيد يحيى صاحب الياقوتة، وترجمة والده]
وأما الثاني: فقال السيد الإمام في ترجمته: الهادي بن يحيى.
إلى قوله: السيد العلامة؛ سمع العلوم على أبيه، وقرأ على الإمام المهدي علي بن محمد كتاب الشفاء، وغيره من كتب الأئمة، وشيعتهم.
إلى قوله: كان السيد من أكابر العلماء، ومن أعلامهم، ومن لايجارى في الفضائل.
إلى قوله: قال /90
السيد صلاح: هو السيد المقام الأعظم، العلامة الصدر، علم العلماء، جمال الدين، كعبة الشرعيين، كان عين الزمان، وفريد المعاني والبيان.
انتهى المراد.
وقد تقدم في سند المجموع من حاله ما يغني.
وأما الثالث: فقال السيد الإمام في ترجمته: يحيى بن الحسين.
إلى قوله: السيد، عماد الدين، العلامة؛ أخذ العلم عن المؤيد بن أحمد، عن الأمير الحسين، عن الأمير علي بن الحسين بسنده؛ وأخذه عنه ولده الهادي بن يحيى، ومحمد بن عبدالله بن حمزة.
قلت: ابن أبي النجم.
قال: المؤلف كتاب الذريعة، وغيرها.
قال القاضي: هو السيد العماد، حافظ الشريعة، وسيد المذاكرين، وفقيه العلماء، صاحب الياقوتة والجوهرة، وله كتاب في الفقه يسمى اللباب.
إلى قوله: ورحل إلى ذمار لمراجعة الإمام يحيى بن حمزة.
إلى قوله: ورجع إلى صنعاء وبها توفي.
قال: وقبره في العوسجة، جنب الإمام محمد بن المطهر بلا فصل، انتهى.
نعم، وكلما لهؤلاء الثلاثة الأعلام من تأليف، أو رواية، فهذا السند إليه.
[السند إلى تفسير السيد علي بن محمد بن أبي القاسم ـ وترجمته]
وأروي تفسير السيد الإمام، شيخ العترة الكرام، حافظ علوم الإسلام، أبي الفضائل علي بن محمد بن أبي القاسم، بالأسانيد السابقة إلى الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن المؤلف (ع).
وأروي ـ أيضاً ـ بالسند السابق في طريق المجموع إلى والدنا الإمام الهادي عزالدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد الحمزي، عن السيد الإمام علي بن محمد (ع) جميع تفاسيره.
فتسلسل السند بآل /91
محمد ـ صلوات الله عليهم ـ؛ وقد سبق ذكر المؤلف في التحف الفاطمية ، في ذكر ولده الإمام المهدي لدين الله صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم (ع).
قال السيد الإمام في ترجمته ما لفظه: السيد العلامة جمال الدين.
إلى قوله: وله تلامذة أجلاء، أجلهم السيد محمد بن إبراهيم الوزير، والسيد عبدالله بن يحيى بن المهدي.
قلت: من ذلك أنه قرأ عليه هذا التفسير التجريد.
قال: وإسماعيل بن أحمد النجراني، وعلي بن موسى الدواري، وأحمد بن محمد الرصاص، والإمام صلاح الدين محمد بن علي، وغيرهم.
قال القاضي: هو السيد العلامة المجتهد في العلوم، المجلي في حلبتها، المعروف بالفضائل؛ كان من المتكلمين بالعدل والتوحيد.
إلى قوله: وكان ملأ الصدور في زمنه، يفزع إليه الناس، ويعظمونه تعظيم الأئمة السابقين.
قال: وفتواه تدلّ على تبحر كثير، قال السيد الهادي بن إبراهيم: إنها مجلد كبير، وله التفسير المشهور بالتجريد؛ أثنى عليه الإمام عز الدين بن الحسن، وقال: إن أحسن التفاسير، وأصحها، تفسير السيد جمال الدين علي بن محمد بن أبي القاسم، المسمى بالتجريد.
وقال بعضهم: له تفسير آخر، أخصر من التجريد.
قال في كاشفة الغمة بعد أن ذكر أن له تفسيراً حافلاً في ثمانية مجلدات، قال: لم يؤلف مثله قبله ولا بعده، جمع كل غريبة ومشكلة.
وله في النحو شرح على كافية ابن الحاجب، موسوم بالبرود الصافية، اختصره ولده الإمام صلاح الدين في كتاب سماه النجم الثاقب، كلاهما بمحل عظيم من النفع، اعتمدهما أهل الإقليم اليماني مدة.
قال: ومن جملة تلامذته وجلتهم: السيد محمد بن إبراهيم، صاحب العواصم؛ ثم دار /92
بينهما كلام، وطال في هذا المجرى الخوض.
[السيد علي بن محمد بن أبي القاسم مع تلميذه محمد بن إبراهيم الوزير]
وكان السيد علي بن محمد بن أبي القاسم حريصاً على صيانة مذهب آل محمد، فمنع عن المخالطة لكتب غيرهم، وأمره بالكون في السفينة، فتلقى ذلك السيد محمد بن إبراهيم بالقبول، حتى بلغه أن السيد قد صرّح بأنه قد انحرف عن آل محمد، فأنف لهذه المقالة وتعب؛ ثم دار بينهما ما هو معروف في الروض والعواصم، وكتب المقاولة.
ومن جملة ما كان السيد علي بن محمد ـ رحمه الله تعالى ـ يحيله على السيد محمد بن إبراهيم الاجتهاد، وأنه بَعَّدَه غاية التبعيد؛ وكان الإمام المهدي يتكلم في هذه المادة بالخصوص، مع السيد محمد بن إبراهيم، ويقرب الاجتهاد.
قلت ـ والله يقول الحق ـ: أما في هذه المادة فالحق مع السيد محمد، كما هو مقتضى الدليل، ومن معاني أخبار الثقلين والنجوم، و((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام))، إذ مقارنة الكتاب، والتمسك، والهداية، وإعلان الحق، لا تكون بغير مجتهد، عالم بمعاني الكتاب والسنة؛ والمعلوم أن في كل عصر حوادث لم يسبق فيها كلام، لا يمكن معرفة أحكامها إلا للمجتهد، ولولا دليل الإجماع لكان الاجتهاد من فروض الأعيان؛ لتوجّه الخطاب بالأدلة على كل مكلّف مع الإمكان، فبقي كونه من فروض الكفاية في جميع الأزمان؛ وقد بسط الكلام على هذا في الأصول.
وأما في شأن المعارضة، والمخالفة لبعض مناهج العترة (ع)، المبرهن عليها بالأدلة المعلومة المقررة، فكتبه الموجودة بذلك شاهدة؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولاسيما في مواضع أثارتها حدة الجدال، ومحبة الانتصار للخصوم بالقيل والقال؛ ومن المعلوم أن التعسف فيها ومجانبة الإنصاف، لاتخفى على من له أدنى مسكة فكيف بفحول الرجال؟! /93
وقد أنكر على السيد الحافظ محمد بن إبراهيم مع شيخه علي بن محمد أقرب الأعلام إليه، وأخصهم به، وأعرفهم بمذهبه، وهو أخوه، وشيخه أيضاً، الذي كان ينزله بمنزلة ولده، كما قال في قصيدته إليه:
أبنيّ إن ناجيته لتلطف .... وأخيّ إن ناديته لتجلّدِ
جمال الدين، وبدر العترة الهادين، الهادي بن إبراهيم الوزير (ع)؛ ومما عاتبه به منكراً عليه مخالفة سبيلهم، مع إقراره بتفضيلهم، قوله:
مالي أراكَ تقول فيهم هكذا .... وبغير مذهبهم تدين وتقتدي
قال القاضي أحمد بن صالح في المطلع، في ترجمة الفقيه الفاضل أحمد الشامي ـ رحمه الله تعالى ـ: وقدحه في السيد ـ أي محمد بن إبراهيم ـ قد سبقه ولحقه الإمام المهدي، والإمام شرف الدين، والسيد الهادي، وغيرهم؛ ويجب علينا أن نعلم فضيلة السيد في العلم، وأنه سابق لايجارى، وأنه قد كان هجن على أهله، وأساء القول، ثم رجع؛ وله العبادة، والصيام، والقيام، والعلم الواسع؛ ولكنه غير معصوم.
وقال في ترجمته: قد ترجم له الطوائف، وأقر له المخالف والموالف، ترجم له العلامة الشهاب ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة.
إلى قوله: وترجم له علامة وقته بمكة، ونسب إليه مخالفة أهله، وله في ذلك شبهة وعذر.
أما الشبهة فمخالطة هذا السيد لكتبهم.
إلى قوله: حتى أناف على أهلها.
وأما العذر فهو إرادة القوم للتكثر بأمثاله؛ ولاجرم أن السيد خالط كتب القوم مخالطة أخذت من عزائمه، ووهنت قواه في الانتصار لمذهبه؛ ولاسيما وقد وقع من أهل عصره النكير عليه بالمخالفة، وذكروا لأهل الحديث /94
مثالب، وللأشعرية، فانتصب السيد هذا للذب، وتغلغل في النقل، وجعل الكلمة الواحدة في الرجل الواحد، مما يذب به عن الجميع.
إلى قوله: فكيف يسوغ للسيد ـ على جلالته ـ تكذيب من نقل عنهم مذهبهم المدروس، بمطلق أنه قد يوفق الله للحق بعضهم؟!
إلى قوله: مع أنه قد تجرم السيد في العواصم من هؤلاء؛ وقال في ذكر الرازي: إنه إذا تكلّم في مسألة لم يفارق أصحابه، وإذا سنحت المسألة في غير بابها تكلم بما يوافق الأدلة.
ثم قال: ثم رجع ـ أي السيد محمد ـ رجوعاً كلياً.
قال: وكان السيد يتعب من نسبة الخلاف إليه لأسلافه، ويذب عن نفسه؛ وما أحسن قوله في هذا:
أولئك آبائي على رغم منكر .... لكوني على منهاجهم في مذاهبي
وحسبي بهم إنْ رام نقصاً معاند .... شجى في حلوق الحاسدين النواصبِ
[السند إلى مؤلفات السيد محمد بن إبراهيم الوزير وترجمته ومؤلفاته]
ولما انجرّ الكلام إلى ذكره وافق إيراد السند هنا إلى مؤلفاته، وإتمام ما لاغنى عنه من أحواله؛ فأقول والله الموفق:
وأروي جميع مؤلفات ومرويات السيد الإمام، الحافظ الكبير، محمد بن إبراهيم الوزير، بالأسانيد السابقة إلى الإمام يحيى شرف الدين، عن السيد الإمام حافظ اليمن، وسيد بني الحسن، صاحب الهداية والفصول، صارم الدين إبراهيم بن محمد، عن أبيه السيد الإمام حافظ الإسناد، وخلف السادة الأمجاد، محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير، عن عمّ أبيه السيد الإمام، الحافظ المؤلف، محمد بن إبراهيم الوزير.
وبالأسانيد السابقة في طرق المجموع وغيره، إلى الإمام القاسم بن محمد، عن السيد الإمام صلاح، عن أبيه السيد الإمام أحمد، عن أبيه السيد الإمام عبدالله، عن أبيه السيد الإمام أحمد، عن أبيه السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد، عن /95
أبيه السيد الإمام محمد بن عبدالله، عن المؤلف الحافظ محمد بن إبراهيم جميع مؤلفاته، التي منها: إيثار الحق على الخلق، والبرهان القاطع في معرفة الصانع، والتأديب الملكوتي، ولم يوجد منه إلا يسير، والتفسير من الكلام النبوي، وهو كذلك لم يوجد، أفاده في مطلع البدور، عن صلاح بن أحمد الوزير (ع)، والتحفة الصفية شرح قصيدة أخيه الهادي بن إبراهيم (ع)، التي مطلعها:
تقدّم وعدكم فمتى الوفاء .... وطال بعادكم فمتى اللقاءُ
وسمّاه ـ أيضاً ـ النسمات النجدية في النغمات الوجدية؛ وترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان، وتنقيح الأنظار في علوم الآثار، وحصر آيات الأحكام، وكتاب العزلة، وكتاب العواصم والقواصم أربعة مجلدات، وختمه بأبيات، منها:
ولكن عذري واضح وهو أنني .... من الخلق أخطي تارة وأصيبُ
ـ ولقد صدق ولله دره، وما أوفقها لذلك المقام ـ.
والروض الباسم مختصر من العواصم، وغير ذلك من الرسائل والمسائل.
فالسند هذا، في جميع ما صحّ له من تأليف ورواية، وهو من أسانيدنا المسلسلة بنجوم الهداية، والحمد لله في البداية والنهاية.
وقد سبق ذكر جميع مَنْ فيه، ونسبهم، وتواريخهم، بعضهم في التحف الفاطمية، كالمؤلف في ذكر الإمام علي بن المؤيد ؛ والسيد صارم الدين، وأبي العطايا، في ذكر الإمام محمد بن القاسم الزيدي، مع غيرهم من الأئمة (ع)؛ وبعضهم في هذا الكتاب، وإلى الله تعالى المرجع والمآب.
قال السيد الإمام في الطبقات في ترجمة المؤلف ما لفظه: العلوي، الحسني، الهدوي، اليمني، الصنعاني، الإمام، العالم، أبو عبدالله، عز الدين؛ وكان أصغر أولاد /96
أبيه سناً، نشأ في طلب العلم.
إلى قوله، في تعداد شيوخه: أما علم الأدب فصنوه جمال الدين الهادي بن إبراهيم.
قلت: وأفاد السيد الإمام الهادي الصغير بن حافظ اليمن صارم الدين، أن السيد الإمام الهادي الكبير بن إبراهيم شيخ صنوه محمد في علم الأصولين، والتفسير، وجميع العلوم، وأنه لازمه، وانتفع به، وهو الأوجه، انتهى.
[ترجمة ابن مظفر]
قال: والقاضي محمد بن حمزة بن مظفر.
قلت: هو أحد أعلام الشيعة، صاحب كتاب البرهان، المشتمل على عشرين فناً من العلوم، وهو من خواص الإمام الهادي علي بن المؤيد، وأشياخه المتابعين له ـ رضي الله عنهم ـ وسيأتي ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال: وقرأ مختصر المنتهى على السيد علي بن محمد بن أبي القاسم.
قلت: وأفاد السيد الإمام الهادي الصغير، أن السيد الإمام علي بن محمد شيخ محمد بن إبراهيم، في علم الأصولين، والتفسير.
قال: وأما علم الأصول، فالقاضي العلامة عبدالله بن حسن الدواري، والفقيه جمال الدين علي بن عبدالله بن أبي الخير، قرأ عليه شرح الأصول، والغياصة، وتذكرة ابن متويه، وغيرها في علم اللطيف.
[ترجمة شيخ الكينعي علي بن عبدالله بن أبي الخير]
قلت: ابن أبي الخير، هو شيخ عابد اليمن، إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رضي الله عنهم، وأعاد من بركاتهم ـ.
قال السيد الإمام في ترجمته، بعد أن ذكر أنه أخذ عليه الإمام المهدي أحمد بن يحيى، والهادي بن إبراهيم، وصنوه محمد بن إبراهيم:
قال: القاضي علاّمة الأصول والفروع، وحجة المنقول والمسموع، /97
سيد أرباب الشريعة، وإمام أهل الحقيقة على الحقيقة.
قال في الصلة: هو سلطان العلماء الأبرار.
إلى قوله: جمع الفضائل عن يد، وحاز الكمال وانفرد، لم يبلغ عشرين سنة، إلا وقد صار مجتهداً بالعلوم، أصولها وفروعها، وله في كل فن تصنيف.
إلى قوله: ومصنفاته زهاء خمسة وأربعين موضوعاً؛ ولما بلغ المنتهى جاءه مخاطب التوفيق، والارتقاء إلى سنام التحقيق، فعكف على كتب التقوى واليقين.
إلى قوله: وراض نفسه رياضة يعجز عنها مَنْ عرفها؛ فهو إمام أهل الشريعة، وشيخ أهل الطريقة.
قال تلميذه إبراهيم بن أحمد: عندي أن علي بن عبدالله أبلغ من عبد الجبار، وأغزر علماً، وأعظم فهماً؛ وكان شيخ إبراهيم في زهده وورعه، وقدوته في أفعاله وأقواله.
ثم ذكر سنده في كيفية الطريق إلى الله ـ تعالى ـ وإخلاص الذكر، المتصل بمعروف الكرخي، العابد الزاهد، عن الإمام علي الرضا ابن موسى الكاظم، عن آبائه، عن الوصي علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ أنه جاء إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقال: دلني على أقرب الطرق إلى الله، وأسهلها على عباده، وأوصلها عند الله.
فقال: ((ياعلي، عليك بمداومة ذكر الله في الخلوات)).
فقال علي: كيف أذكر يارسول الله؟
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((غمض عينيك، واسمع مني ثلاث مرات، لا إله إلا الله)).
فقالها، وعلي يسمع.
ثم قال علي: لا إله إلا الله ـ ثلاث مرات ـ والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يسمع.
ثم تلقن الحسن البصري هذا الذكر من علي (ع)، واتصل بمعروف الكرخي أيضاً من طريقه.
إلى قوله: ثم إن علي بن عبدالله لقن سيدي صارم الدين إبراهيم الكينعي الذكر العظيم، والحزب /98
المبين، وألبسه الخرقة.
قال السيد عماد الدين يحيى بن المهدي بن القاسم الحسيني: ثم إن سيدي إبراهيم لقنني الذكر العظيم، والحزب المبين، وألبسني الخرقة المباركة، انتهى.
وبيض السيد الإمام، والقاضي أحمد، لتاريخ وفاته ـ رضي الله عنهم ـ.
(رجع إلى تمام كلام السيد الإمام في السيد الحافظ محمد بن إبراهيم).
قال: وطالع كتب آبائه الكرام في هذا الفن، كالمجزي للسيد الإمام أبي طالب، وصفوة الاختيار للإمام المنصور بالله، وغيرها؛ وكذلك مؤلفات جده يحيى بن منصور بن العفيف، ومصنفات السيد حميدان بن القاسم، ومثل كتاب الجامع الكافي، وكتاب الجملة والألفة لمحمد بن منصور المرادي؛ وعرف ما وقع فيه الخلاف بينهم وبين المعتزلة، وجمع في ذلك مختصرات مفيدة، ومقالات فريدة.
ثم ذكر أنه أجازه السيد الإمام الناصر بن أحمد بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع)، المتوفى عام اثنين وثمانمائة، وناوله كتب الأئمة كالمجموع، وأصول الأحكام، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى، وشرح النكت، والجمل للقاضي جعفر، والمنهاج الجلي لعمه.
إلى قوله: فأجزتُ له سائر كتب الخزانة المهدية، خزانة الإمام محمد بن المطهر، وهي كلها لي إجازة من حي الإمام الواثق بالله المطهر بن أمير المؤمنين، عن والده المهدي لدين الله؛ وهي له إجازة عن والده المتوكل على الله المطهر بن يحيى (ع).
وقد أجزتُ جميع ذلك للولد عز الدين، محمد بن إبراهيم نفعه الله بذلك، وأعانه على العمل به؛ فليروه عني كيف شاء، لمن شاء، على الوجه المشترط في ذلك، عند أهل الحديث، والحمد لله، والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
ثم ذكر إجازاته من بقية شيوخ عصره من أهل الحديث.
إلى قوله: وأجلّ /99
تلامذته ولد أخيه محمد بن عبدالله بن الهادي؛ وقرأ عليه الإمام صلاح بن علي.
قلت: ابن محمد بن أبي القاسم، ولد شيخه.
قال: بأمر أبيه، في المعاني والبيان.
قلت: بعد وقوع المعافاة بينهما كما يأتي، وعبدالله بن محمد بن سليمان الحمزي، وولده عبدالله بن محمد بن إبراهيم، والفقيه حسن بن محمد الشظبي.
قال: وترجم له الطوائف من الزيدية، وغيرهم من علماء الفقهاء الأربعة.
ثم قال: هو السيد الحافظ، خاتمة المحققين، المحيط بالعلوم من خلفها وأمامها، الحري بأن يدعى بإمامها وابن إمامها.
إلى قوله: بلغ في العلوم الأقاصي، واقتادها بالنواصي، له في علوم الاجتهاد المحل الأعلى، والقدح المعلا.
قال: وكان عالم اليمن، والشام أيضاً.
[الحوار بين السيد محمد بن إبراهيم وابن ظهيرة]
وقال له ابن ظهيرة: لو قلدت الإمام الشافعي، فقال: ياسبحان الله! لو كان يجوز لي التقليد لم أعدل عن تقليد جدي الإمام القاسم، والهادي، فهما بالتقليد أولى.
قلت: في مطلع البدور، نقلاً عن شمس الإسلام، أحمد بن عبدالله الوزير، عن الهادي الصغير بن إبراهيم بن محمد ـ رضي الله عنهم ـ:
فلما رأى ـ أي الشيخ محمد بن عبدالله بن ظهيرة ـ منه مالم تره عينه، ولاسمعته أذنه، عن أحد من أهل الزمان، مع أنه كان في مكان يجتمع فيه الناس، من طوائف المسلمين، وأهل المذاهب أجمعين، قال له: أيها السيد الشريف، لو أنك أتممت كمالك بتقليد الإمام محمد بن إدريس.
فقال: سبحان الله.
إلى قوله: أولى من غيرهما؛ لمكان العناية في أهل البيت الإلهية، والمادة المعصومة السماوية.
وقبل هذا: وقال له العلامة ابن /100
ظهيرة في مكة: ما أحسن يا مولانا لو انتسبت إلى الإمام الشافعي، وأبي حنيفة.
فغضب وقال: لو احتجت إلى هذه النسب والتقليدات، ما اخترت غير مذهب نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، أو مذهب حفيده الهادي إلى الحق.
هكذا، أو كما قال...إلخ.
قال السيد الإمام: ثم وقف عند الإمام علي بن المؤيد في فللة أياماً.
قلت: وفي المطلع: ورافقه إلى بلاد الأهنوم.
إلى قوله: وكتب فيه حي سيدي عز الدين أبياتاً حسنة رقيقة من محاسن شعره، قافية منصوبة الروي، أولها:
ولو شئت أبكيت العيون معانيا .... وألهبت نيران القلوب رقائقا
قال: ثم رحل إلى ثلا، إلى حي الإمام أحمد بن يحيى، ووقف عنده مدة، يسائله، ويراجعه، ويباحثه، ومن جملة ذلك أنه سأله عن خمسة وعشرين سؤالاً، في مسألة الإمامة.
إلى قوله: فكتب إليه أبياتاً أولها:
أعالمنا هل للسؤال جواب؟ .... وهل يروي الضمآن منك عباب؟
وكان بينهما مودة أكيدة.
قلت: هي ثلاثة عشر بيتاً، آخرها:
وهل لسلامي منك ردّ فإنه .... يخصك مني ما استهل سحاب؟
قال السيد الإمام: ووقع بين السيد محمد، وشيخه علي بن محمد بن أبي القاسم منازعة في مسائل؛ وكذلك وقع بينه، وبين الإمام المهدي؛ فلما دنا الانتقال، وتحول الحال، اعتذر كل من صاحبه، وقَبِلَ اعتذاره.
إلى قوله: وزالت الوحشة، والحمد لله على كل حال.
قلت: ولم تكن المنازعة في المسائل بينه وبين من ذكر فحسب؛ ولكن لما كان شيخه العمدة في عصره، وتصدر للرد عليه، نسب النزاع إليه.
[كلام الإمام محمد بن عبدالله الوزير في شأن محمد بن إبراهيم الوزير]
ولنورد /101
في هذا المقام، كلام الإمام الكبير، الصادع بالحق المنير، المنصور بالله، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، فشهادته أعدل الشهادات، قال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا } [يوسف:26]، ويتضمن ذلك رجوعه إلى منهج سلفه آل محمد(ع) الذي هو منهج الحق والتحقيق، وهو من لطف الله تعالى بالتدارك والتوفيق، وقد تقدم ما يفيد، وهذا مزيد تأكيد.
قال الإمام (ع) في فرائد اللآلي: واعلم أنه قد سبق المقبلي مَنْ هو أجل منه قدراً، وأعلم علماً، الوالد الإمام، محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ فلا يزال يكرر في كتبه أنه على معتقد أهله، ولا يخالفهم في مهمات الدين، بخلاف مسائل الفروع، فهي وإن وقع مخالفة في شيء فقد خالف أهل البيت (ع) بعضهم بعضاً؛ بل خالف الهادي ابناه، هكذا اتخذه في كتبه، مصرحاً به نظماً ونثراً، وذكر في العواصم، أنه إنما ناضل، وذب عن المحدثين، وليس ذلك بعقيدته، وأنه لايخالف آباءه.
وأما الإيثار، فالظاهر أنه حقق معتقده، ويحيل على عواصمه؛ ولقد قال في قصيدته الدالية: ـ قلت: وهي قصيدته إلى أخيه الهادي التي يقول فيها:ـ
ديني كأهل البيت ديناً قيماً .... متنزهاً عن كل معتقد ردي
إني أحب محمداً فوق الورى .... وبه كما فعل الأوائل أقتدي
وأحبّ آل محمد نفسي الفدا .... لهم فما أحد كآل محمد
هم باب حطة والسفينة والهدى .... فيهم وهم للظالمين بمرصد
وهم النجوم لخيِّر متعبد .... وهم الرجوم لكل من لم يعبد
وهم الأمان لكل من تحت السما .... وجزاء أحمد ودّهم فتودد
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نصّ محمد
وكفى لهم شرفاً ومجداً باذخاً .... شرع الصلاة لهم بكل تشهد
/103
...الأبيات.
قال الإمام (ع): وقال في أبيات أخر:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتَيْ .... ساداتنا: يحيى وقاسمْ
لكن الواقع في الخارج خلافه، سيما في تعصبه، وشدة شكيمته، في النصرة لمخالفي أهله وآبائه المطهرين ـ سلام الله عليهم ـ من أعدائهم الحشوية والمرجئة الذين يسميهم بأهل السنة، وتقوية عقائدهم، وسرد الأدلة في نصرة مذاهبهم، وتضعيف كل ما يخالفهم، وتهوين مخالفهم.
إلى قوله: وقد علم أن ساداته ـ لاسيما علامتي ساداتنا: يحيى وقاسم ـ هم رؤوس الوعيدية، وأطواد العدلية؛ فما عدا مما بدا؟!.
إلى قوله: فصدق عليه قول أخيه الوالد الإمام الهادي بن إبراهيم ـ رحمه الله آمين ـ في قصيدته الدالية، جواباً عليه:
أأحبهم وأحبّ غير طريقهم .... هذا المقال من المحال الأبعدِ
...إلخ.
ثم مَنْ ذا يصحّ إسلامه، يقرر حكماً من أعظم الأحكام، لأجل الغضب من دون دليل قاطع.
الله المستعان.
إلى قوله: ولما كانت يده قوية، ولامنازع له في الأعلمية، ولم يستقم له الجري على منهاج أهله، ولا أمكنه التصريح بمخالفتهم، جاء بالتخاليط والترميم، والتلفيق في المسائل، والترقب لأي لفظة، أو شبهة أو دلالة، من علوم أهله، أو من قول أعدائهم.
إلى قوله: فيجعله حجته لما يرويه، ويسلك ـ بزعمه ـ تلك الطريقة، وأنها أوضح محجة.
إلى قوله: ومدار احتجاجه بأحاديث الخصوم لأهله، إما حقاً، أو لزوماً، وتناسى ما روى عن الخصوم.
إلى قوله: فيما اتفق عليه الفريقان، وتناسى تأصيلهم، وتقريرهم، أن الداعية إلى المذهب، وبدعته لايقبل، ولادليل له على ذلك إلا مجرد أنهم /103
أهل السنة، وأهل الصحاح، حتى أضاف تلك البدع إلى الصدر الأول، بدليل اتصال السند، وتناسى أن من طهرهم الله تطهيراً، وقرنهم بالكتاب العزيز، وأمر بالتمسك بهم، وأمن الأمة من الضلال، وشبههم بسفينة نوح، وباب حطة، وجعلهم الشهداء، وأهل الاجتباء والاصطفاء، وشرع لهم الصلاة مع أبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بكل تشهد، لم يقبلوا أولئك الخصوم، ولا رفعوا لرواياتهم رأساً؛ فكيف يحتج عليهم بروايات خصومهم؟!
إلى قوله: وإذا كان هذا، فلم يبقَ إلا جواب الحسن البصري، وقد سُئل عن طلاق رجل لامرأته، إن الحجاج في النار، فقال: اثبت على نكاحك، فإن يكن الحجاج في النار، فقد برّ قسمك، وإلا، فلا يضركما الحرام، فيصير المعنى: أن معاوية وعتاة أصحابه المقتولين، إن كانوا في الجنة، مع أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمر بقتلهم وقتالهم، وسماهم الفئة الباغية، وأنهم يدعون إلى النار، فلا يضر أحداً شيء من المعاصي والآثام.
[الأدلة على بطلان الإرجاء]
إلى قوله، حاكياً عن محمد بن إبراهيم، بعد كلامه في شبه أهل الإرجاء: ثم قال:
وأما الشيعة والمعتزلة، فاحتجوا على قولهم بأنواع من السمع، منها قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي }[الحجرات:9]، والبغاة داخلون في الآية.
إلى قوله: وذكر أحاديث في الفتن والتوعد لأهلها بالنار، ومن أصرحها: حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ وهو متواتر ((ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) ثم ذكر من قرر تواتره، وقرر الذهبي أيضاً.
قال: وحديث عمار هذا من أعلام النبوة، ولذلك ذكره جمهور من صنف في المعجزات، واحتجوا بأنه معلوم بالضرورة.
إلى قوله: ومنها: ما ورد في تخصيص قتل المسلم وقتاله، من الوعيد الشديد، ومنها وهو أقوى من هذه الأشياء: أنه تواتر عن الصحابة، أنهم كانوا يعتقدون في الباغي على أخيه المسلم، وعلى إمامه العادل، أنه عاص آثم، وأن التأويل في ذلك مفارق الاجتهاد في الفروع؛ فإنهم لم يتعادوا على شيء من مسائل الفروع، وتعادوا /104
على البغي.
كذلك أجمعت الأمة على الاحتجاج بسيرة علي (ع) في قتالهم، وليس المجتهد المعفو عنه يُقَاتَلُ على اجتهاده، فيُقتلَ، ويُهدَر دمه.
وأما الأحاديث التي تقدمت هذا، فلا تبلغ مرتبتها في الصحة، والشهرة، ولو بلغت لم تعارضها، فإنها دالة على إثم أهل الفتن.
إلى قول الإمام (ع): ثم ذكر ـ أي محمد بن إبراهيم ـ إجماع أهل السنة، أن من حارب علياً فهو باغ عليه، وأنه (ع) صاحب الحق في جميع تلك الحروب؛ وقد ذكر في العواصم كلاماً أصرح من هذا، لفظه:
وأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك.
وقال في موضع آخر ما نصه: بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة ـ وقد تقدم ـ.
وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أهل السنة، دع عنك الشيعة، انتهى.
قال الإمام (ع): والعجب كل العجب من أعلام ممن يرون الحشوية وأمثالهم بعين الرضى، ويتعصب لهم، ويلفق شبهاً يعتذر بها لهم، كما ترى صنيع الوالد محمد بن إبراهيم؛ فإنه بالغ في مدحهم، والثناء عليهم، وتجميلهم، والاعتماد على رواياتهم، والاحتجاج بها على أهله وآبائه، في جميع كتبه.
إلى قوله: وخصيمهم يوم القيامة، رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - الذي وصى بأهله ثلاثاً وقال: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم))، فخلفوه بهذه الخلافة فيهم.
إلى قوله: ولقد تجارى ابن تيمية في كتاب منهاج السنة على أمير المؤمنين بكل قبيح، وعلى أهل البيت وشيعتهم.
إلى قوله: وترى مثل صاحب العواصم يعتمد على قوله من دراية ورواية، ويثني عليه ويمدحه.
إلى قوله: مع أنه يقول: إنه /105
على دين أهله، نظماً ونثراً ـ ولاسيما علامتي ساداتنا يحيى، وقاسم ـ فما أحسن قول الشاعر:
إذا صافى صديقك مَنْ تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ!
قلت: وقد نصّ محمد بن إبراهيم الوزير، في كتابه إيثار الحق، أنه لم يطلع على منهاج ابن تيمية؛ وهذه فائدة مهمة، وقد كنتُ أعجب من ثنائه عليه، حتى وقفتُ على هذا، فحمدتُ الله على ذلك.
قال الإمام: ومراده يلفق بين أهله وأعدائهم؛ ومحال جمع الماء والنار، وجمع الموالاة والمعاداة، وجمع الجنة وجهنم؛ فتذبذب، فلاذا تأتى ولا ذا حصل، وقد روي عنه ـ رحمه الله ـ الرجوع عن تلك العجائب.
إلى قوله: فهو الظن فيه، والرجوى.
انتهى المراد.
[كلام عظيم للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير]
قلت: ومن الكلام العظيم، للحافظ محمد بن إبراهيم، قوله: فانظر بعين الإنصاف إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب، ولم يشب تصانيفهم شيء من غلو المتكلمين، ولا حط من قدر شيعتهم المتعبدين شيء من بدع المتصوفين، ولا ظهر في أدلتهم على مذاهبهم شيء من تكلف المتعصبين، ولا استمالتهم عن المنهاج السوي شبه المشبهين؛ تنزهوا عن غلو الإمامية الجهال، وعماية النواصب الضلال، وهفوات أهل الحديث والاعتزال؛ فهم النمرقة الوسطى، وسفينة النجا، والعصمة من الأهواء، بعد أبيهم المصطفى ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين ـ. انتهى.
قال في تنقيح الأنظار: الحمد لله الذي رفع أعلام علوم الحديث، وفضل العلم النبوي بالإجماع على شرفه في قديم الزمان والحديث.
قلت: وفي الحديثين من البديع الجناس التام.
قال: اشترك في الحاجة /106
إليه، والحث عليه، القرابة والصحابة، والسلف والخلف، فهو علم قديم الفضل، شريف الأصل، دلّ على شرفه العقل والنقل، واعتضد الإجماعان عليه من بعد ومن قبل.
قلت: أي إجماع العترة (ع)، وإجماع سائر الأمة.
قال: والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وعلى أهله خير أهل.
قال: وبعد، فهذا مختصر يشتمل على مهمات علوم الحديث واصطلاحات أهله.
قلت: أغلب تلك المصطلحات لابرهان عليه من عقل ولا نقل؛ وما كان معتمداً فقد بين بدليله في علم الأصول؛ ولكن معرفة الشيء خير من جهله، لمن رسخ قدمه، وثبت فهمه، لالمن يقلد أقوال الرجال، فتميل به من يمين إلى شمال، ويكون من دين الله على أعظم زوال.
[من تنقيح الأنظار في أقسام الحديث]
قال: (مسألة في أقسام الحديث)، قَسَّمه الخطابي في المعالم إلى: صحيح، وحسن، وسقيم.
قلت: وقسمه أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى صحيح وهو المقبول، وهو إما معلوم الصدق أو لا.
الأول: صحيح قطعاً.
والثاني: الصحيح منه ما تكاملت فيه شروط القبول، فمنها: ما يكون باعتبار الراوي، وهي التكليف وقت الأداء، والعدالة، والضبط، على اختلاف في العدالة، وهي في اللغة: التوسط في الأمر، وفي الاصطلاح: إتيان المكلف بكل واجب عليه يستحق بتركه العذاب، واجتناب كل كبيرة مصرحة، أو متأولة، وكل /107
رذيلة، وهذا على ماهو الحق عند قدماء أئمتنا (ع) وتابعيهم، من رد كافر التأويل وفاسقه، والقول بسلب الأهلية؛ لعموم الدليل، الدال على ردّ المصرح بهما قطعاً، وإجماعاً، نحو قوله ـ عز وعلا ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } [هود:113]، و{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، والمتأوِّل ظالم، وفاسق؛ ولم تصح دعوى الإجماع على القبول، فلا تخصيص كما حقق في الأصول؛ ولأن دليل العمل بالآحاد من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم بالتبليغ، والإجماع على قبول أخبارهم في العمليات، لم يقم إلا على من ذكرنا، وغيرهم مختلف فيه، ولادليل عليه؛ وقد حققت المختار بدليله في الرسالة، الموسومة بـ(إيضاح الدلالة).
ومنها: باعتبار المروي، وهي نقل لفظه أو معناه بإحدى طرق الرواية، المعتبرة في الصحابة ومن بعدهم، متصل السند بالعدل الضابط، أو مرسلة مع معرفة أنه لايرسل إلا عن الموثوق به.
ومنها: باعتبار معناه، وهو ألا يصادم قاطعاً، بحيث لايمكن الجمع بالتأويل، ولا يقبل فيما طريقه العلم إلا مؤيداً لغيره؛ فهذا هو الصحيح المقبول.
وإلى غير صحيح وهو المردود، وهو إما معلوم الكذب ـ ولاشك في ردّه ـ أو غير معلومه، واختل فيه أحد شروط الصحيح؛ إلا أنه إن شهد لمعناه دليل، عمل به لموافقته، وقد أحاط هذا لمن تدبر بما اشترطه أئمة العترة (ع) من العرض على كتاب الله ـ تعالى ـ على ماهو الصحيح من معناه؛ كما قررتُه في فصل الخطاب، وتفاصيل البحث، ودلائله، مقررة في محله من الأصول.
نعم، وتتفاوت درجات الصحيح، حتى يصل إلى المعلوم صدقه، وكذا المردود، حتى ينتهي إلى المعلوم كذبه، كما سبق؛ والمرجحات الصحيحة تفيد الصحيح قوة، فيقدم عند التعارض الراجح منه على ما دونه. /108
هذا، ولا مشاحّة في الاصطلاح، ولاحجر فيه، مالم يوجب حكماً يخالف الدليل، أو لايقتضيه.
وما ذكروه من اشتراط السلامة من الشذوذ، والعلة، فنقول: ما كان قادحاً في الصحة، فقد احترز عنه، وما لا، فلا دليل على ذلك.
وقد قال هو في التنقيح: وأما السلامة من الشذوذ والعلة، فقال الشيخ تقي الدين في الاقتراح: في هذين الشرطين نظر على مقتضى نظر الفقهاء؛ فإن كثيراً من العلل التي يعلل بها المحدثون لاتجري على أصول الفقهاء، انتهى.
[الكلام على قبول المراسيل]
وما ذكرته في الإرسال فهو الذي عليه أئمة الآل (ع) وأتباعهم، واختاره الكثير من غيرهم، على ما حققه الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقد ذكرته في ص 215 في التحف الفاطمية ، وقد اختاره صاحب التنقيح.
قال في مسألة الجمعة: صحة الحديث لا تكون إلا بأحد أمرين: إما بالإسناد المتصل بنقل الثقات عن مثلهم من غير علة ـ وهذه أرفع المراتب ـ أو بإرسال مَنْ لا يقبل المجاهيل، ونحوهم ممن هو سيئ الحفظ، المختلف فيهم، بشرط أن يأتي بصيغة الجزم؛ وهذا على الصحيح عندي في قبول المراسيل...إلخ.
وقال في التنقيح: وذهب الزيدية، والمالكية، والحنفية إلى قبول المرسل، انتهى.
وأما قول السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في شرحه معقباً عليه: ينبغي أن يستثنى من الزيدية المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني، فإنه صرح بأنه لايقبل المراسيل، ولفظه في خطبة كتاب شرح التجريد ـ ثم أورد بعض كلام الإمام (ع) غير مستوفى ـ./109
فنقول: إنما نشأ له ولغيره نسبة ذلك إلى الإمام لعدم تدبر كلامه في الخطبة، وعدم التحقيق في أصل كتابه، وإلا فهو مفيد للقبول على شرطه، وقد صرّح بقبوله لمرسل الثقات تصريحاً لا يقبل التأويل؛ ولكن السيد وأمثاله ـ وإن كانوا حفاظاً في علوم المخالفين ـ لايمعنون النظر في مؤلفات سلفهم الهادين، يعلم ذلك من اطلع على حقائق أحوالهم من المنصفين، والله المستعان؛ وقد سبق كلام الإمام المؤيد بالله (ع)، وبيان مراده، في سند شرح التجريد، والله ولي التسديد.
[بيان المرسل والمعضل والمعلق]
هذا، والمرسل عند العترة: ما سقط منه راو فصاعداً؛ فدخل فيه على اصطلاح بعض العامة المرسل، وهو: ما كان الساقط منه صحابياً.
والمنقطع وهو: ما كان واحداً غيره.
والمعضل (بفتح الضاد المعجمة) وهو: ما سقط منه أكثر من واحد من أول السند، أو أوسطه، أو آخره.
والمعلق وهو: ما سقط منه واحد فأكثر من أول السند.
نعم، ثم ساق الكلام في التنقيح...إلى قوله، في بحث أصح الأسانيد، حكاية لكلام الحاكم: إن أصح أسانيد أهل البيت (ع) جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع) إذا كان الراوي عن جعفر ثقة.
قال المؤلف: قال أحمد بن حنبل: هذا إسناد لو مُسِحَ به على مريض لشفي؛ رواه المنصور بالله في المجموع المنصوري.
إلى قوله: عدم انحصار الصحيح في كتب الحديث./110
[عدد أحاديث الصحيحين]
قال زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الشافعي: لم يستوعب البخاري، ومسلم، كل الصحيح في كتابيهما.
إلى قوله: قال الشيخ زين الدين بن العراقي: عدد أحاديث البخاري بإسقاط المكرر أربعة آلاف حديث ـ على ماقيل ـ وعدد أحاديثه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً؛ كذا جزم به ابن الصلاح، وهو مسلم في رواية الفربري.
وأما رواية حماد بن شاكر، فهي دونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة حديث رواية إبراهيم بن معقل.
إلى قوله: ولم يذكر ابن الصلاح عدة أحاديث مسلم.
وقال النووي: إنه نحو أربعة آلاف بإسقاط المكرر.
إلى قوله: وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري أنه ترك التقليد في عدة أحاديث البخاري، وحرر ذلك لنفسه، فزاد على ما ذكروه مائة حديث، واثنان وعشرون حديثاً، والجملة عنده بالمكرر سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً.
[مراتب الصحيح ومناقشتها]
إلى قوله: اعلم أن مراتب الصحيح متفاوتة بحسب تمكن الحديث من شروط الصحة وعدم تمكنه، وقد ذكر أهل علوم الحديث أن الصحيح ينقسم سبعة أقسام:
الأول: أعلاها، وهو ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم؛ وهو الذي يعبر عنه أهل الحديث بقولهم: متفق عليه.
قلت: وقد اعترض على هذا بأن الأولى بالتقديم المتواتر، ودعوى إحاطتهما بالمتواترات من المتهافتات.
قال: والثاني: ما أخرجه البخاري.
والثالث: ما أخرجه مسلم./111
والرابع: ما هو على شرطهما.
قلت: وقد اعترض على هذا أيضاً؛ إذْ ليس لهما شرط معروف، كما هو معلوم، وقد حقق ذلك الشارح وغيره.
قال: والخامس: ما هو على شرط البخاري.
والسادس: ما هو على شرط مسلم.
قلت: وقد اعترض على هذا كله باعتراضات لا حاجة إلى إيرادها؛ والنزاع بين العترة وبينهم في أكثر من ذلك.
قال: والسابع: ما هو صحيح عند غيرهما من الأئمة المعتمدين، وليس على شرط واحد منهما.
قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث هو تلقي الأمة للصحيحين بالقبول؛ ولا شك أنه وجه ترجيح.
[بطلان القول أن الصحيحين ـ إلا اليسير ـ متلقاة بالقبول، والانتقاد عليهما]
قلت: الله أكبر! هذه دعوى مجردة عن البيان.
والدعاوي إن لم تقيموا عليها .... بيّنات أبناؤها أدعياءُ
كيف وقد قام على خلافها البرهان؟ فهي معلومة البطلان؛ كيف والمنازعة على صحتهما واقعة بين أصحابهم؛ فكيف بقرناء القرآن، وأمناء الرحمن؟! وقد سلف في صدر الكتاب، ما فيه ذكرى لأولي الألباب.
وقد انتقد البخاري على رجال لمسلم، ومسلم على رجال للبخاري؛ فهو أقرب نقض لدعوى الإجماع، فكلامهما أول قدح ونزاع.
قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في التوضيح، بعد كلام المؤلف، ما لفظه: وهذا التلقي لأحاديث الصحيحين يحتاج مدّعيه في إثبات دعواه إلى دليل.
ثم قال: لايخفى أن إقامته عليها من المتعذرات.
إلى قوله: مع أن هذا الإجماع بتلقي الأمة لهما لايتم إلا بعد عصر تأليفهما، حتى ينتشرا ويبلغا مشارق /112
الأرض ومغاربها، وينزلا حيث منزل كل مجتهد؛ مع أنه يغلب في الظن أن في العلماء المجتهدين مَنْ لا يعرف الصحيحين؛ فإن معرفتهما بخصوصهما ليست شرطاً في الاجتهاد قطعاً.
ثم قال: إذا عرفت ما في هذا الاستدلال من الاختلال، فالأولى عندي في الاستدلال على تقدم الصحيحين هو إخبار مؤلفيهما بأن أحاديثهما صحيحة؛ وقد قال المؤلف نفسه في التنقيح رداً على من ادعى مثل هذه الدعوى، ناقلاً عن زين الدين، ما نصه: لأن النسائي ضعف جماعة أخرج لها الشيخان أو أحدهما.
قال ـ أي السيد محمد بن إبراهيم ـ: ما هذا مما اختص به النسائي؛ بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، كما هو معروف في كتب هذا الشأن، ولكنه تضعيف مطلق، غير مبين السبب، وهو غير مقبول.
قلت: أما التلقي، فهو يقدح فيه كيف ما كان؛ لتعميمه الدعوى على الأمة.
وأما أنه مطلق، فغير محقق؛ وقد قال الأمير في شرحه: بل فيهم جماعة جرحوا جرحاً مبيّن السبب، منهم من جرح بالإرجاء، كأيوب بن عائذ بن مفلح، أخرج له الشيخان؛ قال النسائي، وأبو داود: كان مرجئاً.
وبالنصب،..إلى قوله: وأخرج البخاري لحريز بن عثمان الحمصي؛ قال الفلاَّس: كان يبغض علياً.
إلى قوله: قال محمد بن سعيد: فيهم عوالم ممن رمي ببدعة؛ وقد سقنا في ثمرات النظر جماعة من ذلك، وقد أخذوا السلامة من البدعة، فالبدعة قادحة عندهم؛ وفيهم مَنْ هو داعية إلى بدعته، حتى بالغ ابن القطان، وقال: في رجالهما مَنْ لم يعرف إسلامه؛ نقله عنه العلامة المقبلي.
قلت: وقد سبق قبل هذا للأمير في شرحه التوضيح، ما لفظه: /113
وأما رجحانه ـ يعني البخاري ـ على مسلم، قال: من حيث العدالة والضبط؛ فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عدداً من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري.
ثم ساق ما ذكرته في الفصل الثاني من عددهم...إلى قوله:
وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال؛ فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقلّ عدداً مما انتقد على مسلم؛ فإن جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما مائتا ـ بألف التثنية ـ حديث وعشرة، اختص البخاري منها بأقل من ثمانين.
قال: وهذا كلام الحافظ هنا، وسيأتي بنقل المصنف عنه، أنه ذكر في مقدمة فتح الباري، مما اعترضه الحفاظ على البخاري، مائة حديث وعشرة أحاديث...إلخ.
وقد نقل مؤلف التنقيح عن ابن حزم ما لفظه: ما وجدنا للبخاري، ومسلم، شيئاً لا يحتمل مخرجاً إلا حديثين، لكل واحد منهما حديث، تمّ عليه في تخريجه الوَهَم.
إلى قوله: فذكر من البخاري حديث شريك عن أنس في الإسراء، وأنه قبل أن يوحى إليه، وقد شقّ صدره.
قال: والحديث الثاني حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زُميْل ـ قلت: ضبطوه بالتصغير ـ عن ابن عباس، كان الناس لاينظرون إلى أبي سفيان، ولايقاعدونه، فقال للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ثلاث أعطيكهن.
قال: نعم.
قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها.
قال: نعم.
قال ابن حزم: هذا موضوع لاشك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار.
إلى قوله: قال زين الدين: وقد ذكرت في الشرح الكبير أحاديث غير/114
هذين، وقد أفردت كتاباً لما ضعف من أحاديث الصحيحين.
قال الأمير: واعلم أنه قد سبق عن ابن الصلاح، أن الأمة تلقت الصحيحين بالقبول.
قال: سوى أحرف يسيرة، قد تكلّم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ.
إلى قوله: قال الحافظ ابن حجر، تعقباً له: اعترض الشيخ أولاً على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة.
إلى قوله: وأما كونه يمكن الجواب عنها، فلا يمنع ذلك استثناءها؛ لأن من تعقبهما من جملة من ينسب إليه الإجماع بالتلقي، فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي...إلخ.
قال صاحب التنقيح: وقد ذكر النووي في مقدمة شرحه لكتاب مسلم قطعة حسنة في ذلك، وذكر مَنْ صنف في ذلك.
قلت: أي في الانتقاد عليهما.
قال: كأبي السعود الدمشقي، وأبي علي الغساني، والدارقطني.
وقال: قال النووي في شرح مسلم: إنه وقع اختلاف بين الحفاظ في بعض أحاديث البخاري ومسلم، فهي مستثناة...إلخ.
ونقلوا عن ابن الصلاح أنه قال: ما أخذ على البخاري ومسلم، وقدح فيه معتمد من الحفاظ، فهو مستثنى مما ذكرناه.
قلت: فهذه نبذة كافية من كلامهم؛ فبحمد الله تعالى قد كفونا بالرد على أنفسهم وبتناقض أقوالهم عن النقض؛ وإنه تالله، ليقضى بالعجب، من أن يدعي مثل هذه الدعاوي الباطلة من له من العلم والدين أدنى مسكة، وماهي إلا من الهذيان والمجازفة، التي لاتقدير لها بمكيال ولا ميزان، والعمدة في هذا مراقبة الملك الديان؛ ولقد تهافت في تقليد هذه الدعوى الفارغة، الرعاعُ، وتهالك في أثرها الأتباعُ، فعميت عن إبصار الحق، وصمّت عن سماع التحقيق منهم، /115
الأبصارُ والأسماع.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
نسأل الله ـ تعالى ـ العصمة والسلامة.
هذا، ولعلم صاحب التنقيح بما في هذه الدعوى من الاختلال، وأنها ليست إلا من باب الإرهاب وقعقعة الجدال، الذي لايتم على أولي الألباب، من فحول الرجال، أوردها كالمتبري عنها، حيث قال: والوجه في هذا عند أهل الحديث.
ولو تم على هذا لكان قد أجمل؛ ولكنه عدل إلى التغرير بإظهار صورة التقرير، فقال: ولاشك أنه وجه ترجيح...إلخ.
ثم ساق في تقويم ذلك التصحيح، بما يعرف ما فيه من عوج كل ذي لبّ رجيح.
وقال: وإن لم يسلم لهم إجماع الأمة، فلا شك في إجماع جماهير النقاد من حفاظ الأثر، وأئمة الحديث، على ذلك.
قلت: قد سبق أيضاً ما يرد هذه الدعوى الأخرى المعلومة الفساد، من كلام المؤلف، وكلام حفاظهم النقاد، وما أورد عليهما من الانتقاد؛ دع عنك الأئمة الأعلام، عترة سيد الأنام، وسادات أهل الإسلام؛ فيا سبحان الله! أين مصداق قوله:
مع أنني لا أرتضي .... إلا مقالات الفواطمْ
لاسيما علامتي .... ساداتنا يحيى وقاسمْ
ثم قال: فقد ذكر صحتهما المنصور بالله في كتابه العقد الثمي ن، وذكر الأمير الحسين صحيح البخاري في كتابه الشفاء بلفظ الصحيح.
قلت: قد تقدم كلام الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الموجب للرواية عن المخالفين، وأنه قال (ع) في الشافي: وحققنا ذلك من الصحاح عند العامة، مع الذي اختصصنا بروايته نحن واتباعنا من الشيعة. /116
وقال (ع) فيه: ونحن لاننقل إلا ما صحّ لنا بالنقل الصحيح، أو كان من رواية ضدنا؛ للاحتجاج عليه، ولم نورد ذلك إلا ومعنا من البرهان عنه ما يكفي ويزيد، تأكيداً.
وتقدم كلامه (ع) في الحشوية والسنية، وأصل تسميتهم بالسنة والجماعة، وتقدم أن الإمام والأمير الحسين (ع) وغيرهما من أئمة آل محمد (ع)، جرحوا رجالاً عليهم مدار إسنادهم في صحاحهم، كالزهري؛ دعْ عنك معاوية وعمراً ومروان والأشعري.
ويالله العجب، من استدلاله على التصحيح باسمهما العَلَم المميز لهما، وهو لفظ الصحيح! وهذا من البطلان بمكان، لايحتاج إلى برهان؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد اعترضه الشارح في التوضيح، فقال: إن ذكر من ذكرهما بلفظ الصحيح لا يدل على أنه قائل بصحتهما بالمعنى المراد هنا؛ وذلك لأن لفظ الصحيح قد صار لقباً لهما في العُرْفِ؛ فإنه لا اسم لهما إلا صحيح البخاري، وصحيح مسلم...إلخ.
وقد قدمت كلام نجوم العترة، وهداة الأمة، وسبق أيضاً التصريح بالقدح في كتابي البخاري ومسلم، المسميين بالصحيح، من إمام الأئمة الهادي إلى الحق، والإمام أبي طالب الناطق بالحق، وغيرهم من سادات الخلق؛ وردّ جميع قرناء الكتاب لكثير من رواياتهما، وروايات المسميين بأهل السنة، بما لاينكره أولوا الألباب؛ وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ لهذا البحث مزيد، وفيما سبق كفاية وافية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وليس يصحّ في الأذهان شيء .... إذا احتاج النهار إلى دليلِ
قال: ونقل عنهما وعن غيرهما المصنفون، كالمتوكل على الله في أصول الأحكام، والأمير الحسين في شفاء الأوام، ولم يزل العلماء يحتجون بما فيهما؛ قال المنصور بالله في المهذب: ولم يزل أهل التحصيل يحتجون بأحاديث المخالفين بغير مناكرة، وهذه أصحّ أحاديث المخالفين بغير مناكرة./117
قال في التوضيح: يعني أحاديث الصحيحين.
قلت: بل العمدة على ما وقعت الإشارة إليه في كلام الإمام، ويحتمل أنها أحاديث احتج بها الإمام (ع).
نعم، والحمد لله؛ هذا الكلام الذي ساقه عن الإمام (ع) للاحتجاج، من أعظم الحجج عليه، وقد سماهم الإمام (ع) المخالفين؛ وقد تقدم آنفاً التصريح من الإمام (ع)، أن نقله عن الضد للاحتجاج عليه، وجعله مقابلاً للصحيح، وقد بينا فيما سبق كلامه وكلام أئمة الهدى (ع) في معنى رواياتهم عن الخصوم، كما ذلك معلوم؛ ولعمري إن مثل هذا ليس مما شأنه أن يخفى على مثل هذا العالم.
ولكن..
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
و:
حبّك للشيء يعمي ويصم
[كلام الوزير والأمير في أن سند العترة المحض أصح الأسانيد، ورميهما له بأنه يقلُّ وجوده]
قال: والظاهر من مذهبنا أن رواية أئمتنا إذا تسلسل إسنادها بهم، ولم يكن بينهم من هو دونهم، أنها أصح الأسانيد مطلقاً.
قلت: وهذا التفات منه إلى مذهب أهل بيته الأطهار، بعد شدة جموح، وكثرة طموح، ولم يحقق النظر، حتى كرّ بالاستدراك ناقضاً لما قدم، وناكثاً لما أبرم، فقال: ولكنه يقلّ وجودها على هذه الصفة.
قال شارحه الأمير: حتى إنه ذكر المصنف في إيثار الحق وغيره أنه ليس في كتاب الأحكام للإمام الهادي، إمام مذهب الزيدية، حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، وهو: حدثني أبي وعماي ـ ثم ساق حديث الرافضة الذي في الأحكام ـ.
قلت: الله المستعان! أما كان لهذين العالمين مندوحة عن الإظهار لعدم مشارفتهما ـ فضلاً عن إتقانهما ـ لأشهر مؤلفات إمام أئمتهما الهادي إلى الحق، فكيف بمؤلفات غيره من آبائهما وأهل بيتهما سادة الخلق ـ صلوات الله عليهم ـ؟! /118
ولقد كان لهما غنية لما هما فيه من الخدمة والعناية، والتصحيح، والتنقيح، والتوضيح، والتعديد، لكل حديث، والتفتيش عن كل مسند، ومرسل، ومعلق، ومعضل...إلى آخر المصطلح الأطول، والبحث على كل مشكل؛ كل ذلك في كتب العامة.
وأما مؤلفات أهل بيتهما، عترة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وورثته، وقرناء كتاب ربه وسنته، فهما عنها بمعزل؛ إن في هذا لعبرة لأولي الأبصار.
على أنهما مع هذا الكد والكدح، لم يخرجا عند المحدثين عن دائرة الجرح والقدح؛ لنصهما على تقديم أمير المؤمنين، وسيد الوصيين ـ صلوات الله عليه ـ وقولهما بفسق من حاربه، وتدينهما بالعدل والتوحيد؛ فهما عندهم من القدرية الرافضة، بل من الغالين في الرفض، كما سبق في التحديد، وهو من الضلال البعيد، والخذلان الشديد، وكل ذلك معلوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
فأقول ـ معتصماً بمن لايزول ـ: مؤلفاتهم ممتلئة ـ والحمد لله ـ بالكثير الطيب، والغزير الصيب، من المسلسلات بالعترة النبوية، والذرية العلوية ـ على أبيهم وعليهم الصلوات والتسليم من رب البرية، من ابتداء الدين الحنيف، إلى هذه الغاية، وإلى انقطاع التكليف؛ فهم قرناء الكتاب الشريف، كما أنبأ جدهم عن الخبير اللطيف ـ.
فمن المعلوم لأرباب العلوم، مسلسلات سيد العابدين، وأسباطه الآل النجوم، منهم: الإمام الأعظم، الذي المجموعان الشريفان قطرة من ذاك البحر، ولمحة من ذلك الفجر، ولايقال: إنها لم تتسلسل الرواية إليه؛ لأنا نقول: ذلك غير معتبر، لاعنده ولاعند غيره؛ إذ المقصود ثبوت المسلسل بالطريق الصحيحة في أي عصر، ولاسيما إن ثبت ذلك في المؤلف الصحيح المشهور، المتداول بين الأعلام على ممر الدهور، ولو اعتبر ذلك لما أثبت المسلسل الذي زعم أنه ليس في الأحكام سواه؛ لأنه إذا أنكر هذه المعلومة، فهو أبعد من أن يقول: إن رواية الأحكام /119
مسلسلة بالعترة إلى إمام الأئمة.
وعلى الجملة، هذا هو المراد له ولعلماء الإسلام، يعلم ذلك كل من له بمقاصدهم أي إلمام، ولو كان الشرط أن يتسلسل في كل عصر، للزم ألا يحكم به ولايظهر إلى آخر الدهر، بل المعتبر صحة التسلسل في أي عصر، وقد صرح أعلام الأئمة، وعلماء الأمة، على تسلسل مجموع الإمام الأعظم (ع) وغيره.
[كلام ابن الوزير في إسناد أهل البيت (ع)]
قال السيد الإمام حافظ اليمن إبراهيم بن محمد الوزير: وهو مسلسل الأحاديث النبوية بسند السلسلة الذهبية، وقد ذكره الحاكم في علوم الحديث في نوع المسلسل...إلخ كلامه.
[إشارة إلى مسلسلات الأئمة]
هذا، ومسلسلات أخيه باقر علم الأنبياء وأولاده، منهم: الصادق، وأولاده، منهم: الكاظم، وأولاده، منهم: الرضا، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ وهي مشحونة بها أسفار الأئمة الأطهار، كعلوم آل محمد أمالي الإمام أحمد بن عيسى ابن الإمام الأعظم، والأحكام، والبساط، وشرح التجريد، وشرح التحرير، وأماليات الأئمة، وسائر مؤلفات العترة الكرام (ع)، ومؤلفات غيرهم من علماء الإسلام؛ ومما أفرد بالتأليف العزيز: الصحيفة الرضوية، وسلسلة الإبريز.
ومسلسلات كامل أهل البيت (ع) عبدالله بن الحسن، وإخوته أعلام الكتاب والسنن، وأولاده الأئمة، هداة الأمة، منهم: النفس الزكية محمد بن عبدالله، والنفس الرضية إبراهيم بن عبدالله، وأولادهما، منهم: الحسن بن إبراهيم، وولده عبدالله بن الحسن، عن آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومسلسلات نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وأولاده، منهم: محمد، والحسن، والحسين، وأولادهم، منهم: إمام الأئمة، وهادي هذه الأمة، إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، يحيى بن الحسين، وأولاده المرتضى، والناصر، وأولادهما؛ عن آبائهما كريمي /120
العناصر ـ صلوات الله عليهم ـ.
ولنجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم وعليهم ـ مسلسلات عن سائر مشائخ آل محمد (ع) منها: روايته عن عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن آبائه (ع)، وقد تقدم ذكرها في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، وفي البساط للناصر للحق (ع)، وقد أخرج منها الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي؛ وقال في أمالي الإمام أبي طالب: حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ وذكر سنده إلى القاسم بن إبراهيم ـ قال: حدثني عبدالله بن الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع)، عن أبيه، عن جده، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بعد ما صلى العصر، فما ترك شيئاً هو كائن بين يدي الساعة إلا ذكره في مقامه ذلك، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، فقال في خطبته: ((أيها الناس، إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم، فناظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، واتقوا الغضب، فإنه جمرة تتوقد في جوف ابن آدم؛ ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه، وحمرة عينيه؟ فإذا أحسّ أحدكم بشيء من ذلك فليذكر الله سبحانه)).
ومسلسلات الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، منها: عن أخيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، في استكمال حقائق الإيمان...الخبر، وهو في البساط، وقد أوردته في التحف الفاطمية .
ومسلسلات الإمام المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس الحسني (ع)، منها: عن السيد الإمام عماد الإسلام يحيى بن المرتضى لدين الله محمد، عن عمه الناصر لدين الله، عن أبيه الهادي إلى الحق، عن /121
آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
فهذه لمعة من أنوار، ومجة من بحار، من مسلسلات العترة الأطهار، قد تضمنتها المجموعان، والأحكام، والبساط، والشرحان، والأماليات الخمس، وغيرها من الأسفار؛ وقد أسلفت منها في هذا الكتاب المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ ما فيه معتبر لذوي الاعتبار.
نعم، وقد سبق في المنقول من الشافي مسلسل الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في إسناد مذهب آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ في العدل والتوحيد، وصدق الوعد والوعيد، والنبوة، والإمامة لعلي بن أبي طالب، ولولديه الحسن والحسين (ع) بالنص، وأن الإمامة بعدهما في مَنْ قام ودعا من أولادهما، وسار بسيرتهما؛ عن آبائه أباً فأباً إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقد سمع الشافي عليه الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين محمد بن أحمد (ع)، وقد أوضحتُ في هذا ما منَّ الله ـ تعالى ـ به من الأسانيد المسلسلة بالعترة المطهرة (ع)، من لديّ إلى أعلام الأئمة، وكرام الأمة.
منها: إلى الإمام الأوحد، المنصور بالله الحسن بن محمد، وهو يروي عن الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة.
ومنها: إلى أخيه الناصر للحق، حافظ العترة، الحسين بن محمد، وهو يروي عن أبيه الداعي إلى الله شيبة الحمد، بدر الدين محمد بن أحمد، وهو يروي عن الإمام المتوكل على الرحمن، أحمد بن سليمان، بأسانيدهم.
ومنها: إلى الإمام القوام، المتوكل على الله، المطهر بن يحيى المظلل بالغمام، وولده الإمام المهدي لدين الله، وولده الواثق برب الأنام، ومن ذلك ما قاله (ع):
أروي عن والدي محمد بن المطهر الصلاة بالركوع والسجود، وجميع /122
أركان الصلاة، وأراني كيفية ذلك، وإنها لأبلغ صلاة، وأتمها، وأوفاها، وأكملها.
وقال: أخبرني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن علي (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هذه الصلاة المذكورة المستوفاة الأركان، والأذكار، والأفعال، انتهى.
وإلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى، والإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، والإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والإمام المنصور بالله محمد بن علي السراجي، والإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع).
وإلى من تخللهم، ومن بيننا وبينهم، ومن قبلهم من نجوم الهدى، وأئمة الاقتداء.
فهذه ـ بحمد الله ـ من المسندات المسلسلة بآل رسول الله ـ صلوات الله عليهم ـ من عصرنا؛ ولاتزال ـ إن شاء الله ـ متصلة على مرور الأعصار، وقد تقدم وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ما فيه بلاغ لأولي الأبصار.
[ترجيح مسلسل العترة]
هذا، وقد علم رجحان مسلسل السند بآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ بالإجماع عند أئمتنا (ع) وأشياعهم، وهو الصريح من مذهبهم، بل وعند غيرهم، كما سبق عن أحمد بن حنبل، والحاكم، بلا نزاع؛ وذلك لما فيه من العلو العلوي، والقرب النبوي.
ولذا قال الإمام الناصر للحق الحسن بن علي (ع):
وقولهم مسند عن قول جدّهم .... عن جبرئيل عن الباري إذا قالوا
وقال الإمام المنصور بالله: /123
كَمْ بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
فعظمت العناية، واشتدت الرغبة من ذوي الولاية، في اتصال السند بآل محمد(ع)، كما قال السيد الإمام، حافظ اليمن، إبراهيم بن محمد الوزير (ع) في علوم الحديث، ما لفظه:
الأول: في إسناد العترة، وأنه أصح الأسانيد؛ وهذا أمر لا امتراء فيه عند أهل المذهب، ومسنداتهم المتصلة تسمى سلسلة الذهب، انتهى المراد.
نعم، فما كان الرواة فيه من آل محمد (ع) أكثر ـ وإن لم يتسلسل ـ فهو مقدم على ماليس فيه منهم أحد، أو كانوا فيه أقلّ، ولهذا ترى أعلام العترة، وعلماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ يتبركون بأسانيد آل محمد (ع)، ويقول الواحد منهم: ليس بيني وبين من اتصل به السند إلا إمام سابق، أو مقتصد لاحق؛ ويعدون مَنْ في الإسناد من العصابة العلوية، والسلالة المحمدية؛ فالاتصال بهم أقوى سبب، والمرء مع من أحب.
وقد يسر الله تعالى في هذا المؤلف النافع ـ إن شاء الله ـ من المسلسلة بالسلالة الطاهرة، نجوم الدنيا وشفعاء الآخرة، مالم يكن في سواه ـ بفضل الله ـ والحمد لله حمداً يبلغ منتهى رضاه؛ رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
[بطلان حكم الوزير والأمير على الأحكام بخلوه من المتسلسل]
هذا، وأما ما قاله في الإيثار، ونقله عنه الأمير في توضيح الأفكار، من أنه ليس في الأحكام حديث مسلسل بآبائه إلا حديثاً واحداً، فهو مما ينادي على مجانبتهما، وعدم حفظهما لعلوم سلفهما الأطهار، ولقد كنت أوثر جانب الإحترام، ولكن الحق لله، والله لا يستحي من الحق، وليس على قائل الصدق وإن شق ملام، لا سيما وهما لم يحترما مقام إمام الأئمة الأعلام، وهداة هذه الأمة من الأنام، ولم يسمحا بفضل النظر في كتابه جامع الأحكام، أو يصمتا والصمت أسلم عن الخطر، ويقتصرا ما عنيا به من البحث والحفظ في علم المخالفين لأهل بيت النبوة الكرام، وكل ذي لب يعرف مخرج هذا الكلام، وما راما به من التوهين في علوم العترة الهادين، كما قد اقتدى بهما طائفة من المنحرفين الطغام، واقتاد لهما بالزمام فريق من المقلدين الأغتام، فسأوضح بطلان /124
ذلك الكلام، واختلال ذلك المرام، بإعانة الملك العلام.
فأقول: إن أراد ليس فيه من المصرح بالتسلسل عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ كما هو ظاهر عبارته التي شرط فيها ماليس بشرط في المسلسل، لتتم له دعواه؛ فبحمد الله تعالى لم يصب مرماه، فمما يردّ مدعاه ما قدمته عند تمام سند الأحكام، وهو الخبر النبوي:
قال (ع) في الأحكام: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن آبائه (ع)، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((الرفق يمن، والخُرْق شؤم)).
ومنه ما قاله في الأحكام: حدثنا أبي، عن أبيه، عن مشائخه وسلفه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لدرهم ربا أشد عند الله من أربع وثلاثين زنية في الإسلام، أهونها إتيان الرجل أمه)).
والذي يقتضيه النظر أن مثل هذا لو كان في البخاري ومسلم لما خفي عليهما مكانه، ولاغبي عندهما شأنه؛ ففيه مع هذا الانتقاض أعظم دليل على الإعراض، وأقوى شاهد على الكروع من غير هذه الحياض، والرتوع في غير هذه الرياض، وإنما أشير في هذا إلى الأمير، وإن كان أصل الكلام للوزير، لما ظهر منه على هذا القول من النقل والتقرير، ولما علم من حاله وحال أمثاله، وقد أبنت بعض ما جرى منه في الفلق المنير، واستوفى في الكشف عنه الإمام الكبير، المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير (ع)، وإن عرض البحث فيه، أوضحت الحق في شأنه، كما أمر الله تعالى ببيانه.
هذا، وإن أراد أنه ليس فيه على الإطلاق، لا مصرحاً به، ولا غير مصرح، لا عن آبائه الكرام، ولا عن سائر سلفه الأعلام (ع)، كما هو الذي يقتضيه صنيعه في الإيهام، وإلا فأي فائدة في سياق ذلك الكلام، مع أنه غير ناقض لما هو المراد من التسلسل؛ إذ القصد ـ كما صرح به هو، وهو معلوم لذوي الأفهام ـ التسلسل بالعترة الأعلام، سواء في ذلك الآباء والأعمام، وغيرهم من سلالة سيد الأنام.
من تلقَ منهم تقل لاقيتُ سيّدهم .... مثل النجوم التي يسري بها الساري
وأيُّ حاجة إلى اشتراط مالم يشترطه أحد من علماء الإسلام، ولايترتب /125
عليه شيء من الأحكام؟
وعلى ذلك فقد اختل كلامه وبطل، وانتقض غرضه واضمحلّ.
فأقول وبالله أصول وأجول:
أما الأول: وهو نفي المصرح فيه، فقد أوضحت بطلانه، وأقمتُ برهانه.
وأما الثاني: وهو نفي مالم يصرح به، فهو من الرجم بالوهم، والرمي بالغيب، والحكم بلا أمارة ولا دليل؛ بل الأقرب والأصوب، الذي يشهد له أحوال إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن ـ صلوات الله عليه ـ أن مالم يصرح فيه بالسند من البلاغات ونحوها، وأصول المسائل التي رواها عن أبيه الوصي، وجده النبي ـ عليهما وآلهما صلوات الملك العلي ـ وهي الكثير الطيب، والغزير الصيب، مسلسلة الرواة، بآبائه الهداة، وسائر العترة سفن النجاة؛ لوجوه صحيحة، ومرجحات صريحة، منها: تصريحه في الأحكام، وتوكيده التوصية لأهل بيت النبوة في أخذهم العلم عن سلفهم الكرام.
قال صلوات الله عليه، في باب القول في اختلاف آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: قال يحيى بن الحسين: إن آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا يختلفون إلا من جهة التفريط؛ فمن فرط منهم في علم أهل بيته أباً فأباً حتى ينتهي إلى علي بن أبي طالب (ع)، والنبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وشارك العامة في أقاويلها، واتبعها في شيء من تأويلها، لزمه الاختلاف؛ ولاسيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز، وردّ ما ورد عليه إلى الكتاب، وردّ كل متشابه إلى /126
المحكم.
فأما من كان منهم مقتبساً من آبائه أباً فأبا حتى ينتهي إلى الأصل، غير ناظر في قول غيرهم، ولا ملتفت إلى رأي سواهم، وكان مع ذلك فَهِماً مميزاً، حاملاً لما يأتيه على الكتاب والسنة المجمع عليها، والعقل الذي ركبه الله حجة فيه، وكان راجعاً في جميع أمره إلى الكتاب، وردّ المتشابه منه إلى المحكم، فذلك لايضل أبداً، ولا يخالف الحق أصلاً.
قلت: وهذا يدل على أن المراد بذلك أنهم لايختلفون في أصول الدين وقطعيات الشريعة التي لايجوز الاختلاف فيها؛ ولا يصحّ حمله على مسائل الاجتهاد، لوقوع الاختلاف بينهم قطعاً، حتى بينه وبين جده القاسم وأولاده (ع).
فبالله عليك أيها الناظر المنصف، لا المناظر المتعسف، أما يشهد كلام إمام الأئمة هذا شهادة بينة، ويدل دلالة قيمة، على أخذه لعلمه كما وصى به عن سلفه، وأهل بيته هداة الأمة، فهو تالله، أجلّ؛ وحاشا مقامه أن يوصيهم بالبر وينسى نفسه؛ أم وصاهم بما لا طريق إليه، ولاسبيل لهم عليه، أو حثهم ذلك الحث البليغ، على أخذ جميع علمهم عن سلفهم، والحال أنه يقلّ وجوده، كما زعم صاحب التنقيح وجنوده، بل ليس عنده في الأحكام إلا حديث واحد؟!
فأنت أيها المطلع موكول في مثل هذا إلى علمك، وفهمك ودينك.
ومنها: أنه معتمد في الأعمّ الأغلب، بل لايشذ عن ذلك ماتفرد في المذهب، على الإسناد والاستناد فيه، بلفظ: حدثني أبي، عن أبيه؛ وأبوه هو الحافظ، وجده هو نجم آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإمام أسباط الوصي والبتول ـ صلوات الله عليهم ـ، أيكون نجم أهل بيت النبوة، وكذا من بعده من آبائه لم يأخذ كل واحد منهم عن أبيه إلا حديثاً، أو حديثين يرويه، وفي مذهبه يقتفيه؟! مع أن كل واحد منهم أدرك أباه، وهذّبه ورباه، ومن معين العلوم /127
سقاه؛ كلا، لعمرك إن هذا مما لاتقبله ولاترتضيه.
وقال بعض علماء العصابة المرضية: والمختار عند أئمتنا (ع) تقديم ما ثبت عن أئمة العترة، مسنداً، أو مرسلاً، وتقديم رواية القرابة، على غيرهم من سائر الصحابة.
قال: وقد ذكر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ـ قدس الله روحه في الجنة ـ أنه ما يقول إلا ما يقول آباؤه، ولايقولون إلا ما يروونه عن أجداده، حتى يتصل بأبيه علي (ع)، ثم بجده محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وهذا محمول على أصول التوحيد والعدل، والمهمات من الشريعة، لايصح حمله على غير ذلك قطعاً.
وروي عن الهادي (ع) أنه إذا أطلق الحديث، فهو لقوته؛ إذْ رواته عدول؛ إذْ لا تطلق الرواية إلا عمن كملت فيه تلك الشروط؛ فكان ما في مجموع القاسم والأحكام للهادي (ع)، وسائر كتبهما، هو نفس قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ما أشار إلى أنه عن اجتهاد... إلى آخر كلامه.
وقد نقله بتمامه، القاضي شمس الدين، أحمد بن يحيى حابس ـ رضي الله عنه ـ في المقصد الحسن.
[إسناد أئمة العترة أصول مذهبهم إلى الهادي]
ومنها: أن أئمة العترة المحمدية ـ صلوات الله عليهم ـ ومن تبعهم من أعلام العصابة الزيدية ـ رضوان الله عليهم ـ أسندوا فقههم ومذاهبهم ـ أي أصولها وجملها ـ إلى إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، بسند آبائه عليهم الصلوات والتسليم.
وممن صرح بذلك منهم: الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ع)، حيث قال: لنا سند في الفقه عجيب، وسبب ممتد صليب، يتصل بخاتم المرسلين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن رب العالمين؛ نرجو به الفوز الأسنى عنده، ونسأله أن يوزعنا عليه وعلى سائر النعم شكره وحمده.
ثم /128
ساقه بالقراءة متصل السند إلى الإمام المؤيد بالله (ع)، قراءة على أبي العباس الحسني، قراءة على يحيى بن محمد المرتضى، قراءة على عمه أحمد بن يحيى، قراءة على أبيه الهادي يحيى بن الحسين، قراءة على أبيه الحسين، قراءة على أبيه القاسم، قراءة على أبيه إبراهيم، قراءة على أبيه إسماعيل، قراءة على أبيه إبراهيم، قراءة على أبيه الحسن، قراءة على أبيه الحسن السبط، قراءة على أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أخذه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ـ.
وكذا الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد (ع)، قال: فأنا أروي مذهبي عن السيد العلامة صارم الدين إبراهيم بن المهدي الجحافي القاسمي قراءة، وعن السيد العلامة أمير الدين بن عبدالله من آل المطهر بن يحيى إجازة، وعن غيرهما إجازة وقراءة.
ثم ساق السند مسلسلاً بآل محمد من طريقة الإمام شرف الدين إلى الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى؛ ثم بسنده إلى الإمام المرتضى لدين الله، عن آبائه، إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقال في آخره: فهذا هو مذهبنا؛ وقد تقدم.
وكذا سند الواثق بالله، المسلسل بآبائه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وكذا غيرهم من السلف والخلف.
وقد سبق في اتصال أسانيدنا إليهم، وأسانيدهم إلى سلفهم، في الفصل الرابع، وغيره، ما يكفي ويشفي.
نعم، والذي تقدم التصريح فيه، والنقض به عليه، هو المسلسل في الأحكام بآبائه الكرام؛ وأما فيما كان عن سائر سلفه الأعلام، فقد صرّح الإمام في الأحكام، بمسلسلات سادات الأنام (ع)، ففيه الكثير النافع، والغزير الواسع، عن الإمام الأعظم، وعن أخيه الباقر، وولده الصادق، وابن /129
عمهم عبدالله بن الحسن الكامل، بسند آبائهم ـ صلوات الله عليهم ـ وقد تقدم منها عند تمام سند الأحكام؛ والوامض اليسير، يدل على النوّ المطير؛ ألا ترى أنه في المسائل التي كثر الاختلاف فيها، وتعارضت الروايات عن أهل البيت (ع) في شأنها، نحو مسألة الطلاق المثلث، كيف أورد الإمام ـ صلوات الله عليه ـ أسانيده عن نجوم آل محمد صلوات الله عليهم، فقال (ع): حدثني أبي، وعمّاي، محمد، والحسن، بنو القاسم بن إبراهيم، عن أبيهم القاسم بن إبراهيم ـ رضوان الله عليهم ـ.
ثم أسند أقوال جده نجم آل الرسول، والإمام أحمد بن عيسى بن الإمام الأعظم، والإمام موسى بن عبدالله بن الحسن ـ صلوات الله عليهم ـ إليهم...إلى قوله: وحدثوني عن أبيهم القاسم بن إبراهيم، عن رجل يثق به، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (ع)، أنه كان يقول فيمن طلق ثلاثاً في كلمة واحدة: إنه يلزمه تطليقة واحدة، ويكون له على زوجته الرجعة، مالم تنقضِ العدة.
قال أبو محمد القاسم بن إبراهيم ـ رضي الله عنه ـ: وهو قول بين القولين، قول من أبطل أن يقع بذلك شيء من الطلاق، وبين قول من قال: إنه يقع بذلك الثلاث كلها؛ وهذا قولي.
وقد روي ذلك عن زيد بن علي، وعن جعفر بن محمد ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ من جهات كثيرة، أن من طلق ثلاثاً معاً في كلمة واحدة، فهي واحدة، انتهى.
قلت: والروايات في هذا مختلفة، بأسانيد صحيحة، كما في مجموع الإمام الأعظم، عن آبائه، عن علي (ع)، وفي أمالي الإمام أحمد بن عيسى (ع)، مما يفيد بصريحه وقوع الثلاث.
والذي أراه أن أحسن ما يجمع /130
شمل الأخبار، العمل على نيّة المطلق، فإن نوى ثلاثاً كانت ثلاثاً، سواء في كلمة واحدة أم في ثلاث، وإن لم يقصد إلا واحدة فهي واحدة.
والدليل على ذلك ما رواه الإمام زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)، في الخلية، والبرية، والبتلة، والبتة، والبائن، والحرام: نوقفه فنقول: ما نويت؟
فإن قال: نويتُ واحدة؛ كانت واحدة بائناً، وهي أملك بنفسها، وإن قال: نويت ثلاثاً؛ كانت حراماً حتى تنكح زوجاً غيره...إلى آخره.
ورواه عنه غيره؛ ويدل على ذلك الأخبار ((إنما الأعمال بالنيات، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة))، وحديث ركانة.
وهو كلام أهل المذهب في العامي، أن ما أوقعه معقتداً لوقوعه ووافق أحد المجتهدين، وقع؛ ففتواه بعدم وقوع الثلاث مع هذا خلاف المذهب.
وأما خبر ((ثلاث...إلخ))، فالهزل لا ينافي النية، ويمكن أن يحمل ((وهزلهن جد)) أنه إن ادعى عند المنازعة الهزل فلا يدين؛ لأن الظاهر خلافه؛ أما مع عدم المنازعة، وفيما بينه وبين الله ـ سبحانه ـ فله نيته، جمعاً بين الأدلة؛ فتدبر هذا.
[قطوف من المنتخب]
ولقد قال إمام الأئمة، وهادي هداة الأمة، إمام اليمن، محيي الفرائض والسنن، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الصلاة والتسليم ـ في الجامع المنتخب، ما حكاه إمام الشيعة على الإطلاق، المهاجر إلى إمام اليمن من العراق، العالم الولي، محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ لما قال: قلت: فإني قد فهمت ما أجبتني به في التوحيد، وإثبات النبوة، والإمامة، وأنا أريد أن أسألك عن أصول الحلال والحرام، في جميع الفقه؛ فإني قد وطئت علوم العامة، وعلوم عامة الخاصة، فوجدتهم مختلفين، كما ذكرتُ لك.
فقال لي: إذا كنت قد قدمت النية في طلب العلم، وفرغت قلبك للمسائل عن الحلال /131
والحرام، فافهم ما أقدمه لك من الشرط فيما تسألني عنه.
قلت: نعم ـ إن شاء الله ـ أنا أجمع همّي في ذلك.
قال: فلا تقبل مني جواب مسالة أنبئك عنها أو أجيبك فيها بتقليد، ولا اتكال على ما تعرفه، مما قد خصني به في العلم ربي، دون أن تسألني عن الحجة، وحجة الحجة، حتى ينتهي بك ذلك إلى أصول المعرفة، التي لايجوز لأحد أن يجاوزها.
قلت: وما أصول المعرفة، التي لايجوز لأحد أن يجاوزها عند بلوغها؟
فقال: هي المعاني، التي من طلب مجاوزتها خرج إلى حد المكابرة والبلادة، وإلى طلب جواز ما أوقفه الله عليه، ومنعه من التجاوز له.
إلى قول الإمام: هي الثلاثة الأصول، التي جعلها الله حجة على خلقه، لاينفك الحق منها، ولايخرج أبداً عنها، وهي: كتابه الناطق، والإجماع عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيما جاء به عن الله ـ عز وجل ـ وحجة العقل، التي ركبها الله في صدور العالمين؛ لتدلهم على رب العالمين، وتهديهم إلى فرائض الدين، وتثبت ما اختار الله لهم من الحق واليقين.
إلى قوله: وإذا سألت عن شيء من الحلال والحرام، فاجعل ذلك لله ـ تبارك وتعالى ـ خالصاً.
إلى قوله: فإن ذلك أجزل لثوابك، وأكثر لتفجّر ينابيع الحكمة من قلبك؛ واستقصِ في مسائلك كما أطلقت لك وأمرتك، وإلى ذلك ندبتك، فإني مجيبك عما تسأل عنه؛ فسل عما بدا لك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
انتهى المراد.
وما أحق المقام بإيراد كلام السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، في شأنهم(ع)، لما لم يكن في مقام الجدال، وهو ما لفظه: فإذا عرفتَ هذا، فلا يعزب عنك معرفة خصيصتين:
الخصيصة الأولى: أن أهل البيت (ع) اختصوا من هذه الفضائل بأشرف أقسامها، وأطول أعلامها.
إلى قوله في كلامه السابق: فانظر بعين الإنصاف، إلى أئمة العترة الطاهرة، ونجوم /132
العلم الزاهرة، كيف سلمت علومهم من كل شين، وخلصت من كل عيب؟.إلخ.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع): أقول: قد أفاد وأجاد، فيما وصف أهله (ع)، فهم كذلك؛ وما يمنعهم، وقد وضعهم الله ـ سبحانه ـ في الموضع الأرفع، وأعلا درجاتهم ورفع.
إلى قوله: فإن الإمام الكبير، الهادي إلى الحق (ع)، له من الكتب ما يزيد على خمسين مؤلفاً؛ وقد روي عنه أنه قال: خرجت إلى اليمن بعلم كالجمل، فلم ألقَ له حملة، فوضعت منه أذنيه، أو نحو ذلك.
إلى قوله: كذلك جده نجم الآل، القاسم بن إبراهيم ـ عادت بركاته ـ كذلك الناصر، كذلك المرتضى محمد بن الهادي، وأخوه الناصر (ع)، وأمثالهم ـ وهم أهل النصوص ـ قد وضعوا ما فيه الكفاية؛ بل أوسعوا، مع اشتغالهم، غير أنهم لايرتضون روايات غيرهم، إلا نادراً، مع وثوقهم بمن رووا عنه؛ لقطع حجة الخصم.
وقد أجاب المرتضى (ع) على من سأله: كيف لم تدخلوا أحاديث العامة؟
فأجاب بنحو هذا.
إلى قوله: وانظر حيث احتاج ـ أي الهادي (ع) ـ إلى رواية العامة، في باب الأوقات، فذكر من رواياتهم كثيراً؛ فهل ترى أنه (ع) لم يعرف من روايات العامة إلا ما في ذلك الباب؟
وكم له ولجده القاسم بن إبراهيم (ع) في أثناء كتبهم من ألفاظ، دالة على أنهما قد عرفا روايات العامة؛ فابحث على مجموع القاسم، والهادي، تجد الشفاء؛ ولقد رد على الفرق الكفرية مثل: النصارى؛ وذكر معرفة أناجيلهم، ونقل منها كثيراً.
وكذلك الناصر (ع)، فإنه ذَكَر أنه قرأ ثلاثة عشر كتاباً من كتب الله، المنزلة على الأنبياء؛ فما ظنك بهؤلاء؟ أيعرفون الكتب المنزلة، ولا يعرفون ما ورد من أبيهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟!
بلى والله؛ ولكن جعلوا أصل دينهم ما حفظوه وتلقوه عن آبائهم /133
فعلاً وقولاً، واعتقاداً وعملاً؛ ثم إذا استظهروا برواية شيء من غيرهم، فإنما هو استظهار فقط، أو قطع للخصم، فتأمل، انتهى المراد.
[من أقوال السيد محمد بن إبراهيم الدالة على أن آخر أمره كان السداد]
قلت: واعلم أيها المطلع ـ ثبتنا الله تعالى وإياك والمؤمنين، على الحق القويم، والصراط المستقيم ـ أن هذا السيد العالم العظيم، محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ وإن خالف سلفه الهادين في بعض مقامات المعارضات، ومثارات المجادلات، وكان سبباً في زيغ كثير من المعاندين والمقلّدين، فله من النصوص الصرائح، بالحق الواضح، ما يقطع تلك المقاطعات، ويمنع تلك المعارضات، ويرد كيد الكائدين، ويفلّ حدّ الجاحدين، ويرغم أنوف المعتدين.
وكان آخر أمره السداد، ومراجعة منهاج الرشاد، فتداركه الله ـ إن شاء الله ـ ببركة أسرار البيت النبوي، ونفحات أنوار الهدى العلوي؛ والأعمال بخواتمها؛ ونرجو الله ـ تعالى ـ أنه لم يتمكن من إصلاح الهفوات، المضمنة تلك المؤلفات، للانتشار، أو نحوه من الأعذار، التي يعلمها العليم بذات الصدور؛ وإلى الله ترجع الأمور.
نعم، ومن أقواله في هذا الباب، الدالة على اقتفاء منهج الصواب، والمشي في سنن قرناء الكتاب، وحجج الله ـ تعالى ـ على أولي الألباب، ما قاله في سياق كلام الإمام المنصور بالله، والإمام يحيى (ع)، ما لفظه: لأن أقل أحوالهما أن يكونا قد عرفا أن ذلك مذهب إمام الأئمة، وأفضل الأمة، وأنه الحجة في الهدى، والعصمة من الردى؛ فقد صحّ عنه (ع) أمور كثيرة، في الأصول والفروع، منها: تجرمه وتظلمه من يوم السقيفة؛ ولا قوة إلا بالله، والله المستعان.
[لمع من كلام السيد محمد بن إبراهيم في حجية إجماع العترة]
وقال في العواصم: إن أهل البيت في زمان حدوث الفسق في المذاهب، لم يكونوا إلا علياً وولديه الحسنين (ع)، وإجماعهم حجة، ومعرفتهم متيسرة متسهلة؛ لاتحادهم واشتهارهم.
وفي الفرائد: قال العضد، والشريف /134
الجرجاني، في شرح المواقف: إن جميع الفرق منسوبون إلى علي (ع)؛ وابن عباس ـ رضي الله عنه ـ تلميذه.
وقال الوالد العلامة، محمد بن إبراهيم، في العواصم: لانعلم بعد النبيين والمرسلين أعلم من علي ـ أو كما قال ـ.
وفيه: أن المعلوم لمن له أدنى أنس بمذهب أهل البيت (ع)، وصفوة شيعتهم من الزيدية ـ رضي الله عنهم ـ يعلم أنهم مجمعون على تخطئة من تقدم على علي(ع).
وقال محمد بن إبراهيم في الكلام السابق: فأما حرب علي (ع)، فهو فسق بغير شك، وله الولاية العظمى، التي هي عمدة في الدين.
وقال: وقد أجمع أئمة العترة (ع) وشيعتهم أنه لايجوز خلو عصر من الأعصار إلى يوم القيامة، من عالم مجتهد من أهل البيت (ع).
وقال في سياق كلام في شأن آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ: لأن إجماعهم(ع) المعلوم عندنا حجة، وقولهم إلى الحق أوضح محجة.
إلى قوله: فإنا نردّ من ردوا، ونجرح من جرحوا.
إلى قوله: ولم أزل ـ بحمد الله ـ متمسكاً بأهل البيت، سراً وجهراً، مفتياً بإظهار عقيدتي نظماً ونثراً.
ومن أشعاره في هذا المعنى ما تقدم؛ وقال:
كفاني قول أهل البيـ .... ـت معقولاً ومنقولاً
فأما غير ما قالوا .... فلا أرضى به قولاً
وقال:
إذا شئت منهاجاً إلى الحق واضحاً .... مسالكه عند اختلاف المآخذ
فلا تعد عن نهجي كتابٍ وسنةٍ .... وعض على مافيهما بالنواجذ
ولا تعد عن منهاج آل محمد .... سفينة نوح ملتجى كل عائذ
فهم نصف مظلوم وحتف لظالم .... وهم غيث محتاج وهم غوث لائذ
/135
والله ولي التوفيق وحسن الختام.
[السند إلى مؤلفات السيد الهادي بن إبراهيم الوزير ـ وترجمته]
هذا، وأروي نظم الخلاصة، وكتاب نهاية التنويه في إزهاق التمويه، لأخيه السيد الإمام، بحر العلوم الزاخرة، وبدر الهداية الزاهرة، ونجم العترة الطاهرة، العلم المنير، والعالم الكبير، الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل الوزير، بالسند السابق إلى الإمام شرف الدين؛ عن السيد الإمام، صارم الدين، إبراهيم بن محمد بن عبدالله، عن أبيه، عن جده عبدالله بن الهادي، عن أبيه السيد الإمام الهادي بن إبراهيم؛ أعاد الله من بركاتهم، وأولاهم التحيات والتسليم.
ويروي ذلك السيد صارم الدين أيضاً، عن السيد الإمام أبي العطايا عبدالله بن يحيى، عن المؤلف.
فتسلسل السند بآل محمد (ع) ـ ولله الحمد ـ وقد سبق ذكره في سيرة الإمام علي بن المؤيد (ع) من التحف الفاطمية .
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: كان السيد الهادي.
إلى قوله: الإمام المعتمد، ذا الفضائل والآثار، والذي لم يسمع بوجود مثله في الأعصار، الركن الأشم في أولاد الإمام الهادي، والمربي على أقرانه في الحواضر والبوادي، جامع أشتات العلوم، وساطرها في المنثور والمنظوم؛ له المصنفات العديدة، منها: كفاية القانع في معرفة الصانع، نظم الخلاصة، وشرحها، وكتاب الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، والتفصيل في التفضيل، وكتاب الرد على ابن العربي، وهداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين، وكتاب الرد على الفقيه ابن سليمان في المعارضة والمناقضة، وكاشفة الغمة عن حسن سيرة الأئمة، وكريمة العناصر في الذب عن سيرة الإمام الناصر، وكتاب السيوف المرهفات على من ألحد في الصفات.
وعلمه زاخر، وفضله ظاهر؛ وكان كبير الكلمة منتشر /136
الذكر، عند جميع الأكابر والعلماء، في جميع البلاد القريبة والبعيدة، حتى ديار مصر.
وقال: وقرأ على الإمام الواثق بالله، المطهر بن محمد بن المطهر، في كتب الأئمة وشيعتهم، وغيرها؛ وأخذ عنه أنساب أهل البيت (ع)؛ وسمع أيضاً كتب أهل البيت مثل: الشفاء، وأصول الأحكام، وغيرهما، على خاله صلاح بن محمد بن الحسن بن المهدي بن أحمد؛ وأخذ عنه أيضاً في سائر العلوم، وكذلك نهج البلاغة، وشروحه قراءة.
وأفاد أنه قرأ بصعدة مدة طويلة في علوم العربية: نحو، وتصريف، ومعانٍ، وبيان؛ وكذا تفسير القرآن على الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني؛ وقرأ على الفقيه محمد بن ناجي في علوم الآداب أيضاً، واللغة.
إلى قوله: وقرأ في الأصولين والفروع على القاضي العلامة عبدالله بن حسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي، وعمه أحمد بن علي؛ وسمع الحديث على العلامة أحمد بن سليمان الأوزري.
إلى قوله: وله إجازات عديدة، وطرق مفيدة؛ وأخذ عنه صنوه محمد بن إبراهيم، والسيد أبو العطايا عبدالله بن يحيى، والسيد عز الدين محمد بن الناصر، والسيد عبدالله بن الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة.
إلى قوله: وكان بينه وبين علماء اليمن الأسفل مراجعات، ومراسلات ومشاعرات، كالخياط، وإسماعيل المقري؛ وكذا بينه وبين علماء المخاليف، ومثل العلماء الأشراف، وجميع السادة والقضاة في المخلاف السليماني، وأهل مكة، وينبع، والحجاز.
إلى قوله: وذكره الحافظ ابن حجر في تاريخه، وأثنى عليه؛ ولما حج أكرمه الأمير حسن، وكل من بمكة من الأشراف والقضاة.
قلت: وفي مطلع البدور ما معناه، أنه لما وقف عند بعض المشائخ في الحرم لسماع الحديث، قال للشيخ يستقبل القبلة كما هي العادة.
فقال /137
الشيخ: النظر إلى أبناء الخليل أفضل من النظر إلى بناء الخليل.
ولما أراد دخول الكعبة، وتوصل إلى صاحب السدانة، تمثل بقول الشاعر:
ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة .... إليّ فهلا نفس ليلى شفيعها
أأكرم من ليلى علي فتبتغي .... به الجاه أم كنت امرءاً لا أطيعها؟
وقد تقدمت الأبيات، التي خاطب بها علماء الطوائف في شأن المقامات؛ ولله درّ العِلْم ما أعظم شأنه، وأقوم برهانه، وأوضح حجته، وأفصح كلمته، وأجل منزلته عند الأولياء، وأهيبها في قلوب الأعداء ـ لاسيما إذا صادف حملته ـ! هذا فيما بين العباد في الدنيا، فكيف بما عند العلي الأعلى في الأخرى.
نعم، قال السيد الإمام: ثم رحل إلى صنعاء، ثم إلى ذمار، وبها توفي، بحمام السعيدي، آخر نهار تاسع عشر ذا الحجة الحرام، صائماً، سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة.
قلت: وقد سبق في التحف الفاطمية .
قال: وعمره ثلاث وستون سنة؛ ورثاه عدة من الناس من أهله، وغيرهم، انتهى.
وفي مطلع البدور، بعد أن بسط في ترجمته، ما لفظه: وكان موته رائعاً للمسلمين، وفلاً عظيماً في عضد أهل الدين، ونقصاً في أهل البيت المطهرين، ومنع ـ لسبب بلوغ خبره ـ ما يعتاد فعله في الأعياد، مع الأئمة، وأهل الأموال، في المدائن والأمصار؛ وكانت روعة عظيمة في أمصار الزيدية، في ذمار، وصنعاء، وصعدة، ومنع جميع الزيدية في المدارس.
قال: وقبره بموضع يقال له: جربة صنبر، وإلى هذا الموضع أشار من قال:
إن الفصاحة والرجاحة والعلا .... في تربة الهادي بجربة صنبرِ
/138
شرفت بأَعْظُمِهِ فطاب صعيدُها .... فترابها كالمسك أو كالعنبرِ
....إلى قوله:
أَكْرِمْ بها من تربة يمنية .... نسبت إلى ترب بطيبة والغري
قلت: وقد عارض بالبيت الأول البيت الذي يستشهد به أهل البيان في الكناية.
وساق من أخباره الحسان، ما تقر به الأعيان؛ عليهم التحيات والرضوان.
[قصيدة للهادي بن إبراهيم(ع) يندد فيها بالطغاة وظالمي أهل البيت(ع)]
نعم، وكتابه نهاية التنويه شرح على قصيدته البالغة الفاخرة، في الرد على مناصبي العترة الطاهرة (ع)، وهي:
أقاويل غي في الزمان نواجم .... وأوهام جهل بالضلال هواجمُ
ومسترق سمعاً لآل محمد .... فأين كرام بالنجوم رواجمُ؟
ومستوقد ناراً لحرب علومهم .... فأين البحار الزاخرات الخضارمُ؟
ومعترض فيهم بمخراق لاعب .... فأين السيوف الباترات الصوارمُ؟
ومجتهد في ذم قوم أكارم .... فأين الأباة السابقون الأكارم؟
ومنتهش لحماً لهم وهو ثعلب .... فأين الأسود الخادرات الضراغم؟
عسى نخوة تحمي على آل أحمد .... فقد ظهرت بغياً عليهم سخائم
عسى غاضب لله فيهم بحكمه .... يحكم فيه الحق فالحق حاكمُ
عسى ناظر فيهم بعين بصيرة .... وحاكٍ لما نصت عليه الملاحم
عسى ناقم ثاراً لهم من عدوهم .... فذاك عدوٌ بالمناقم ناقم
عسى عارف ما قال فيهم أبوهم .... فقد جهلت تلك النصوص العظائم
عسى سالم فيهم عداوة ناصب .... فقد فاز منها سالم ومسالم
عسى عادم حقداً عليهم بقلبه .... فقد قل منه اليوم من هو عادم
عسى صائم من لحم أولاد حيدر .... فما سائم في لحمهم هو صائم
/139
إلى الله أشكو ذنب إبليس إنه .... أهاب بقوم ذنبه المتقادم
دعاهم إليه فاستجابوا لصوته .... ولَمَّا يرعهم حُوْبه المتعاظم
وطار بهم في قلب كل معاند .... فها هم خوافي ريشه والقوادم
حناق صدور من فضائل حيدر .... مكالمهم فيها كليم مكالم
إذا ذكر الفاروق أمست صدورهم .... مفطرة مما تكن السخائم
على أنه خير البرية عن يد .... وإن ورمت منهم أنوف رواغم
يقولون: لافضل له فوق غيره .... وهذا ضلال منهم متراكم
وهل بلغت فضل السنام مناسم؟ .... وهل أدركت شأو البحار الكظائم؟
وإن ذكروا يوم الغدير تأولوا .... ولايته تأويل من هو ظالم
وتأويلهم نص الكتاب تعاميا .... على ما يداني حقدهم ويلائم
وهم أنكروا حصر الإمامة في بني الـ .... ـبتول وقالوا: الغير فيها مساهم
ولم يجعلوا إلا اختياراً طريقها .... وبالعقد قالوا: أمرها متعالم
وهم أبطلوا الإجماع من آل أحمد .... دليلاً وآي السمع في ذاك قائم
وهم أنكروا فضل البتول وفضلوا .... عليها وهذا لاتراه الفواطم
إلى قوله:
وحرب علي منه كالشمس ظاهر .... وهل لطلوع الشمس في ذاك كاتم؟
وحسبك منه مقتل ابن سميةٍ .... وتأويله للنص فيه مصادم
...إلى قوله:
وقالوا: يزيد مستحق توقفاً .... ورأس حسين عنده والغلاصم
وهم جهَّلوا الرسي وهو منزه .... عن الجهل بحر الحكمة المتلاطم
وهم أنكروا إسناد يحيى وقاسم .... ومالهما في العالمين مقاسم
/140
وقالوا: بأن المذهب الحق مذهب .... يكون من الأتباع فيه عوالم
وما كثرة الأتباع في الحق آية .... إذاً ذهبت بالفلج فيه الأعاجم
إلى قوله:
وهم ظلموا المختار أجراً أتى به الـ .... ـكتاب ومن هذا تكون الجرائم
إذا ظلموا آل الرسول مودة .... فلا بد يوماً تستقص المظالم
وإن ينبحوا سادات آل محمد .... فهل قمر من نبحة الكلب واجم؟!
وليس يضر البحر وهو غطمطم .... إذا ما رماه بالحجارة راجم
فيا راكباً هوجاء من نسل شدْقم .... تأخر عنها اليعملات الشداقم
أنخها على باب الإمام محمد .... إمام هدى طالت به الناس هاشم
ـ قلت: يعني إمام عصره، الإمام الناصر لدين الله، صلاح الدين، محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد (ع)، و(هاشم) فاعل طالت، و(الناس) مفعوله، من باب المغالبة، فهو من باب قوله:
إن الفرزدق صخرة عادية .... طالت فليس تنالها الأوعالا
قال:ـ
أقول له ما قاله في جدوده .... أخو مِقةٍ للمدح في الآل ناظمُ
فجودكم في الناس للرزق قاسم .... وسيفكم في الناس للكفر قاصمُ
وما الناس إلا أنتم دون غيركم .... وسائر أملاك الزمان بهائم
وقل لي له من بعد تقبيل كفه .... ولثم له حتى كأني لاثم:
أَيُنْكر مولانا علي مكانه .... وعلمك زخّار وسيفك صارم؟
فماذا ترى والأمر أمرك في الورى .... أتنكر هذا أم على الغيظ كاتم؟
وماذا يقول السابقون إلى الهدى .... ومن بهم في الحق تقوى العزائم؟
ألا يالزيد دعوة علوية .... لصاحبها التوفيق واليمن خادم/141
وهل قائم منكم له بفريضة؟ .... فإن ابتداعات الأعادي قوائم
وهل عامل لله لاشيء غيره .... ومجتهد؟ فالأمر والله لازم
إذا لم يكن فيكم ظهور حمية .... على مذهب الهادي وإنْ لام لائم
فلا نشرت للعلم منكم دفاتر .... ولا لويت للفضل فيكم عمائمُ
... انتهت.
وقد تركتُ مالم يتوقف عليه شيء من المعاني.
ولله هذا السيد الإمام (ع)! إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحراً.
---
[ذكر القصيدة التي أوردها فقيه، الخارقة وقصيدة الهادي بن إبراهيم في الجواب عليه]
ومن فرائد قصائده، جوابه على الأبيات، التي أوردها فقيه الخارقة، وذكرها الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، وردّ على جميعها بالبرهان الكافي، وهي:
علي بايع الصديق حقاً .... وناداه ليغزو فاستجابا
وللفاروق بايع بعد هذا .... وزوجه ابنةً طابت وطابا
وبايع لابن عفان ووالى .... وما عنه صواب الرأي غابا
تولى ذا وهذا بعد هذا .... فهل في دينه والحق حابا؟
أجيبوني على هذا بصدق .... أأخطأ في الطريقة أم أصابا؟
فإن أنكرتموا ما كان هذا .... لعنا فيه أكذبنا جوابا
فقال السيد الإمام الهادي (ع):
علي خالف الخلفاء فيما .... زعمتم أنه فيه أجابا
ولو كان الذي فعلوه حقاً .... لما حضروا سقيفتهم وغابا
إلى قوله:
وما سبب التقاعد عن عتيق .... إذا كانت خلافته صوابا؟
ومنها:
أجيبونا على هذا بصدق .... أأخطأ في التقاعد أم أصابا؟
/142
فإن أنكرتم ما كان هذا .... لعنا فيه أكذبنا جوابا
إلى قوله:
إليك مقالة مني أجبها .... فقد عارضت بالوشل العبابا
ومنها:
إذا رضي الوصي لهم فعالا .... ولم يك عندكم سكت ارتيابا
فلم غضب الوصي غداة جاؤا .... إليه؟ ولم أنالهم عتابا؟
ولم هدرت شقاشقه عليهم .... وكاد يفض مقوله الصلابا؟
ومنها:
ولم هجر السقيفة حين كانت .... بها الأصوات تصطخب اصطخابا؟
وقلتم في الوصي لنا مقالاً .... ولم تخشوا من الله العقابا:
وبايع لابن عفان ـ زعمتم ـ .... وتابعه ولان له الجنابا
فلم في قتل عثمان تأنى .... وأغدف يوم مقتله النقابا؟
ولم قتلته أقوام وكانوا .... لحيدرة وعترته صحابا؟
ولم ردّ القطائع من يديه .... وكان لسافكي دمه مآبا؟
ومنها:
فكيف جواب ما قلناه؟ هاتوا .... لنا عن بعض ما قلنا جوابا
ومنها:
إذا والى بزعمكم عتيقاً .... ولم يرَ في خلافته اضطرابا
ووالى صاحبيه كما زعمتم .... وما في دينه والحق حابا
فلم دفن البتول الطهر ليلاً .... ولم يحثوا بحفرتها ترابا؟
ولم غضبت على الأقوام حتى .... غدت فيهم مجرعة مصابا؟
ولم أخذوا عطيتها عليها؟ .... وسوف يرون في غدٍ الحسابا
ولم طلبوا عيادتها فقالت: .... أبينوا القوم حسبهم احتقابا؟ /143
ولم لعقائل الأنصار قالت .... وقد جاءت تسائلها خطابا:
لقد أصبحت عائفة وإني .... لمن لم يُرض فيَّ أُبِيَّ آبا
ولم ماتت بغصتها ترى في .... أكف القوم نحلتها نهابا؟
وماتت وهي غاضبة روته .... غطارفة بها شرفوا انتسابا
همُ غضبوا لفاطمة وإن الـ .... ـملائك في السماء لها غضابا
فكيف يقال: والاهم علي .... وهم سَقّوا أبا الحسنين صابا؟!
ومنها:
فمن زعم الوصي لهم موالٍ .... فقد عظمت خطيئته ارتكابا
ومنها:
ولكن تابع الأقوام كرهاً .... وصاحب بالمهادنة الصحابا
مخافة أن يرى في الدين ثلماً .... ويصبح ربعهُ العالي خرابا
ومنها:
ولايته من الرحمن وهو الـ .... إمام فما أتى إلا صوابا
أليس الله سمّاه ولياً .... وأنزل في ولايته كتابا؟
وأي القوم كان أشدّ بأساً .... وأعظم منه صبراً واحتسابا؟
ومنها:
وأي القوم واخاه الرسول الـ .... أمين وكان أشرفهم جنابا؟
وأي القوم قدّم في المغازي .... وموج الموت يضطرب اضطرابا؟
وأي القوم زوّجه بتولاً .... وألبسه عمامته السحابا؟
وأي القوم أقدمهم جهاداً .... وأعظم في سوابقه اكتسابا؟
ومنها:
وأي القوم معصوم سواه؟ .... وأي القوم أطهرهم شبابا؟
/144
ومنها:
وأي القوم ردّ الله شمس النـ .... ـهار له وقد لبست حجابا؟
ومنها:
وأي القوم روح القدس كان الـ .... ـثناء عليه منه مستطابا؟
ومنها:
ومن عهد النبي إليه ألا .... يجهزه سواه إذا أنابا؟
ومن مولاهم بغدير خمٍ؟ .... ومن زكى بخاتمه النصابا؟
ومن سما إله العرش نفساً؟ .... ومن في داره أهوى شهابا؟
ومن أردى سواد الكفر حتى .... غدا للسيف هامهم قرابا؟
ومنها:
ومن ببراءة أضحى رسولاً .... وكان على تحملها مثابا؟
ومن كان الفداء لخير روحٍ .... ولم يخف المناصل والحرابا؟
ومن أعطاه رايته اختياراً .... بخيبر إذ دحى للفتح بابا؟
ومنها:
ومن يكن اللواء غداً لديه؟ .... ومن يسقي من الحوض الشرابا؟
ومن خصّ النبي بفتح باب؟ .... ومن سد النبي عليه بابا؟
ومن كانت خلافته معيناً؟ .... ومن كانت خلافته سرابا؟
ومن كانت إمامته بوحيٍ؟ .... ومن كانت إمامته اغتصابا؟
علي خير من ركب المطايا .... وأفضل من علا الجرد العرابا
هو النبأ العظيم وفلك نوحٍ .... إمام الحق أشمخهم قبابا
وإن يتقدموه بلا دليلٍ .... فهاكم في تقدمهم جوابا
همُ أخذوا خلافته برأي .... وكان الخبط للأقوام دابا
/145
وهل للرأي فيها من مجالٍ؟ .... رأينا رأيهم نسخ الكتابا
أقال لهم نبيهمُ بهذا .... أم اتخذوا خواطرهم كتابا؟
وهل للعقد فيها من مجال؟ .... فلم يوم الغدير بهم أهابا؟
ولم قالوا له بخٍّ وبخٍّ .... إذا كان اختيارهمُ صوابا؟
ولم أوصى النبي إلى علي .... ولم يجعل لهم معه انتصابا؟
فقل للشافعية حيث كانت: .... تحول في تعصبها العصابا
وتصدع بالحقيقة في علي .... فإن الحق أجدر أن يجابا
فقد ظهرت فضائله ولكن .... لمن لم يتخذ عنها حجابا
ومنها:
ومن يك ذا فمٍ مُرٍ مريض .... يجد مراً به العسل الرضابا
وهذا ختامها، وبه انتهى نظامها؛ وقد ساقها بتمامها المولى العلامة، نجم العترة، الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي.
قال: انتهى ولله قائلها! فلقد أفاد؛ جزاه الله عن آل محمد وشيعتهم أفضل ما جزى به النافين عن الإسلام كيد الكائدين، وتحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
[ترجمة الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى]
نعم، وسبقت الأسانيد في طرق المجموع، وغيره، إلى مؤلفات الإمام المجتبى، المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى (ع).
وقد استوفيت في التحف الفاطمية ما لاغنى لأهل العلم عن الاطلاع عليه في شأن الأئمة الكرام، وغيرهم من الأعلام؛ وأتيت في هذا المؤلف النافع ـ إن شاء الله تعالى ـ بما لم يسبق هنالك، أو كان على وجه أكمل من ذلك، كما تقدمت الإشارة إليه، في ابتداء الكلام؛ ليقف المطلع على الكتابين على منتهى المرام.
وقد اعتمدت في /146
الكتابين المباركين ـ بمنّ الله تعالى ـ: التحف، وهذا المؤلف لوامع الأنوار الإيرادَ للمهم، الذي يحصل به النفع في أبواب العلم، ولا يُنَالُ، ملخصاً على هذا المنوال، في غيرهما من الأسفار، والمؤلفات الكبار؛ وأضربت عن ذكر القصص والأخبار، التي لاتعلق لها بهذه المقاصد في إيراد ولا إصدار، إلا مالا يحسن بأهل العلم جهله من الآثار، فقد وقعت الإشارة إليه على طريقة الاختصار.
فأقول: قد ساق السيد الإمام صاحب طبقات الزيدية، من أخبار الإمام (ع)، خلاصة ما ذكره مؤلف سيرته، كما هي العادة في أحوال سائر الأعلام، من جميع ما اشتملت عليه مؤلفات السابقين الكرام؛ فلهذا جعلت كتابه في هذا الباب عمدة المنقول، مع مراجعة الأصول، إلا فيما لم يكن مرسوماً فيه، أو كان في غيره أتم منه؛ وقد أوضحت ذلك ببيان ما أخذ من كل مؤلف في جميع الفصول، إلا فيما تداولته عبارات السلف والخلف، مع صحته.
وعادة السيد الإمام ـ في الأغلب ـ إضافة كل قول إلى قائله، وعزو كل نقل إلى ناقله، وخالف ذلك في بعض المواضع، كمثل هذا المقام، وكأنه لطول المقال، واتساع المجال؛ فقال ـ رضي الله عنه ـ: الإمام المهدي لدين الله، نشأ على ما نشأ عليه آباؤه الأئمة؛ فإنه لما ختم القرآن، أدخله والده وصنوه يقرأ في علم العربية، فقرأ في النحو، والصرف، والمعاني، والبيان، قدر سبع سنين، فانتهى في هذه العلوم إلى غاية، وصنّف الكوكب الزاهر.
قلت: ويدل على رسوخ قدمه، وطول باعه، وسعة اطلاعه، أن مؤلفاته في غاية الإتقان والصحة، لايوجد فيها أي مخالفة للقواعد العربية؛ وعلى هذا المنهاج مؤلفات أعلام الملة الحنيفية؛ وما وقع من المؤاخذات في شيء منها، فهو /147
من تغيير أهل النسخ، وعدم التصحيح؛ ومتى بحث في الموجود من الأصول المصونة ينكشف التصحيف والتحريف للصحيح، بخلاف من لايد له في هذه الفنون من المؤلفين، فالاختلال فيها واضح للناظرين.
قال: ثم أخذ في علم الكلام على أخيه الهادي بن يحيى، وتممه على شيخه العلامة محمد بن يحيى المدحجي.
قلت: وقد سبق ذكرهما في سند المجموع، وغيره، وبيّض في الطبقات لوفاة محمد بن يحيى.
قال: فسمع الخلاصة، ونقل الغياصة غيباً؛ ثم قرأ شرح الأصول، وألقى عليه شيخه الغرر والحجول.
قلت: قال مؤلف السيرة ـ وهو ولده الحسن بن الإمام (ع) ـ: الذي صنفه ـ أي الغرر والحجول ـ القاسم بن أحمد بن حميد.
قال السيد الإمام: ثم انتقل إلى علم اللطيف، فقرأ تذكرة ابن متويه على شيخه المذكور، والمحيط أيضاً؛ ثم انتقل إلى أصول الفقه، فسمع عليه الجوهرة وحققها، ثم نقلها في منظومة.
قلت: قال ولده: سماها فائقة الفصول.
قال: وفي خلال ذلك أخذ في قراءة المعتمد في أصول الفقه.
قال ولده: لأبي الحسين البصري.
قلت: وقد وقفت على المعتمد هذا في نسخة عليها رسم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) بقلمه الشريف، وخط يده المباركة.
قال: ثم انتقل إلى منتهى السؤول، فقرأه على شيخه.
إلى قوله: وغير ذلك مما يطول شرحه.
ثم قال: ثم أخذ في سماع الكشاف على الفقيه المقريء أحمد بن محمد البحيري. /148
وأما علم الفروع فجعل يسمع على أخيه بالليل ما قد جمعه على مشائخه، ثم يختصر ما ألقى عليه صنوه، من الكتب التي يقريه فيها، حتى ألّف كتاباً، مجلداً، مبسوطاً، مستوفياً للخلاف، ولكلام السادة والمذاكرين.
[ترجمة صاحب الزحيف]
إلى قوله: قال في مآثر الأبرار للزحيف: ـ قلت: هو الفاضل العلامة، شارح البسامة، محمد بن علي؛ ترجم له السيد الإمام، ولم يذكر وفاته ـ إن الإمام (ع) يروي من طرق الأئمة وغيرها من العلوم، معقولها ومنقولها، بحق ما معه من أخيه الهادي، وشيخه محمد بن يحيى؛ وهما يرويان ذلك عن حي الفقيه قاسم بن أحمد بن حميد المحلي بحق روايته لذلك، عن أبيه أحمد بن حميد بحق روايته، عن والده الشهيد حميد بن أحمد؛ وهو يروي ذلك عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة؛ وهو يروي طرق كتابه الشافي وما حواه من العلوم معقولها ومنقولها إلى مشائخه.
قلت: وقد تكررت هذه الطرقات في كتابنا هذا، والغرض في ذلك زيادة التحقيق، وتوقيف المطلع على واضح الطريق، والله ولي التوفيق.
[ترجمة الحسن بن علي العدوي]
قال: وروى طرق كتب الإمام يحيى بن حمزة، عن العلامة الحسن بن علي العدوي.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: الحسن بن علي بن صالح العدوي (بكسر العين مهملة، وسكون الدال مهملة).
إلى قوله: كان عالماً كبيراً خطيراً، فقيهاً نبيلاً، ألّف العباب، وهو أحد مشائخ الإمام المهدي أحمد بن يحيى، انتهى.
ولم يذكر وفاته.
قال: عن الفقيه حسن بن محمد النحوي، عن الإمام يحيى بن حمزة./149
قلت: وهذه طريق لنا إليها، مع ماسبق.
قال: ويروي كتب الأئمة، وشيعتهم أيضاً، وغيرها، عن السيد العلامة محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، عن أبيه، عن جده، عن الأمير الحسين وغيره.
قلت: قد سبق ذكر السيد الإمام محمد بن سليمان الحمزي، وهو والد الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان (ع)، وسيأتي له مزيد تحقيق في ذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال في كتاب الإيضاح للسيد العلامة الحسين بن علي بن صلاح العياني: إن الإمام المهدي أخذ عن الإمام صلاح الدين محمد بن علي، ووالده الإمام علي بن محمد، ومَنْ في عصره من السادة آل الوزير، وآل يحيى بن يحيى.
إلى قول السيد الإمام: وتلامذة الإمام كثير، أجلهم الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، والفقيه يحيى بن أحمد مرغم، وعلي النجري، والفقيه زيد الذماري ـ وهو الواسطة بينه وبين ابن مفتاح صاحب الشرح المعروف بتعليق ابن مفتاح ـ ويحيى بن أحمد مظفر، وغيرهم.
[بيان لما جرى بعد موت الإمام صلاح الدين فيمن يقوم بالإمامة]
قال: ولما مات الإمام صلاح الدين محمد بن علي ـ والإمام المهدي (ع) في صنعاء ـ ووصل القاضي عبدالله الدواري، ومن معه من العلماء من صعدة، ونصبوا ولد الإمام صلاح الدين.
قلت: أي علي بن صلاح.
قال: فانزعج لذلك جماعة من الفضلاء، وأشاروا إلى الثلاثة، وهم: السيد الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى، والسيد علي بن أبي الفضائل، والإمام المهدي أحمد بن يحيى؛ فاستحضر بقية العلماء هؤلاء الثلاثة في مسجد جمال الدين، واختاروا الإمام المهدي أحمد بن يحيى، وبايعه هؤلاء وغيرهم./150
قلت: قال في السيرة: وكان بعد موته ـ يعني الإمام الناصر صلاح الدين محمد بن الإمام المهدي علي بن محمد (ع) ـ انضرب الناس في القائم بالأمر؛ وكان الناصر قد أشار إلى حي السيد الفاضل، علي بن أبي الفضائل، وأنه وليّ الأمر بعده؛ لمحله في الفضل.
إلى قوله: فطلبه الوزير، فطلبوا منه القيام بالأمر، فأجابهم: إن هذا الأمر يحتاج صاحبه إلى البصيرة الواقعة، والمقصود به وجه الله تعالى، وفينا من هو أوقع مني بصيرة ـ يشير إلى الإمام المهدي (ع) ـ.
فلما فهموا من السيد ترجيح جانب المهدي توقفوا، وكانوا غير طامعين في أن أحداً يجيبهم إلى قيام أي أولاد الإمام؛ لظهور قصورهم عن هذا الأمر، فوصلهم كتب من حي القاضي عبدالله بن حسن الدواري وغيره.
قال: وأوهم القاضي في كتابه، أنهم يريدون إقامة ولد الإمام، فمالت قلوب الوزراء إلى ذلك؛ فلما وصلوا، كان الكلام في ذلك منوطاً بالقاضي، فجعل يروض ذوي البصائر في صنعاء؛ للمساعدة إلى تقويم ولد الإمام، فأحضرهم، وأخذ رأيهم، فأظهروا الامتناع، فلما أيس منهم توقف؛ فلما علم بذلك السادة النبلاء، والفقهاء الفضلاء ـ أي علموا بما أراد القاضي، والوزراء ـ من إقامة ابن الإمام، انزعجوا أشد الانزعاج، وفزعوا إلى مَنْ يصلح من فضلاء أهل البيت.
ثم حكى معنى ما تقدم.
قال: فاجتمع العلماء، واستحضروا هؤلاء الثلاثة، وذكروا للناس ما قد اجتمع له أولئك الجماعة، من نصب علي بن صلاح.
[نموذج من ورع العترة عن تحمل أعباء الخلافة]
قال: وكان مولانا ـ يعني الإمام المهدي ـ أصغرهم سناً، كما بقل الشعر في وجهه ـ قلت: المروي أنه كان في ثمانية عشر عاماً ـ فأجاب السيد الأفضل الأورع، علي بن أبي الفضائل ـ وكان أكبرهم سناً ـ: أما أنا فمبتلى بالشك في الطهارة والصلاة، كما ترون.
إلى قوله: ومن كان على هذه/151
الصفة لايصلح لهذا الأمر؛ لاحتياجه إلى النظر في أمر الأمة، وافتقاد الأمور، وهذا عذر واضح.
وقال السيد الناصر: هذا أمر، المقصود به رضوان الله، والقيام بالأحكام، كما يقتضيه الكتاب والسنة، أصولاً وفروعاً؛ وذلك لايتأتى إلا ممن قد اشتغل بعلوم الاجتهاد.
إلى قوله: وعندي أني قاصر عن هذه المرتبة.
ثم انتظروا ما يجيب به مولانا؛ فأجاب: بأني صغير السن، كما ترون، وهذا أمر لايصلح إلا ممن قد جرب الأمور، وساس الجمهور، وخاض في تدبير الدنيا وعلاجها، ورَدّ حيناً ورُدَّ عليه، فرَجَع إلى غيره ورُجِع إليه؛ وأنا لم يمض عليّ من السن ما يتسع لذلك.
إلى أن قال: فلست أصلح لذلك في هذه الحال.
فلم يقبلوا منه، وأجابوا عليه: بأنك ما تحتاج إليه من هذه الأمور، فنحن عندك.
إلى قولهم: ونحن لانفارقك ـ إن شاء الله تعالى ـ في شدة ولا رخاء.
قلت: انظر إلى كلام الهداة السابقين، القاصدين لرضاء الله ومطابقة أمره، وتقديم حقه، وطلب الدار الآخرة، والإعراض عن الأغراض والهوى، والتجافي عن زخرف الحياة الدنيا ومتاع الغرور، وتأثير الملك الخطير الباقي، على الملك الحقير الفاني، في هذا المقام، الذي صرعت عنده العقول، واستلبت فيه النفوس؛ فهذا منهاج أئمة الدين، وخلفاء سيد المرسلين، لايقوم القائم منهم إلا لتحتم الفرض، وتضيق الأمر، وتعين الحجة، عند ألاَّ يجد له مندوحة، ولاعنه معذرة؛ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.
نعم، وحكى صاحب السيرة: أن السيد الإمام علي بن أبي الفضائل قال /152
للإمام (ع): إن أردت مني خدمة فرسك، أو سياسة جملك، لم تأنف نفسي عن القيام بذلك، طاعة لله، ولمن أوجب طاعته.
إلى آخر محاوراتهم، أعاد الله من بركاتهم.
قال: فلما أجمع رأيهم على إقامته، وحصلت منه الإجابة، بايعه السيدان المذكوران، ثم العلماء.
إلى قوله: فلما علم الوزراء باتفاق الفضلاء، أزمعوا إلى تعجيل البيعة لولد الإمام.
قلت: وهذا يدل على تقدم بيعة الإمام، وكلام السيد الإمام يدل على خلافه؛ وقد جمع صاحب مآثر الأبرار، أنهما لما وقعتا في يوم وليلة، تسومح في حكاية الترتيب.
قلت: وهذا لايفيد صحة الروايتين، ولكن لاثمرة للسبق إلا مع الكمال، هذا وقد حكى ذلك في البسامة حيث قال:
وكان بعد صلاح من حوادثها .... بحر اختلاف عظيم هائل خطرِ
قام الإمام علي بعد والده .... وأحمد بعد والهادي على الأثرِ
قال بعض شراحه: ومراده أنه إمام من جهة اللغة أو من جهة الجهاد.
قلت: والمراد بالهادي الإمام الهادي لدين الله علي بن المؤيد (ع).
قال:
وذاد عن مذهب الهادي أبو حسن .... وسعي أحمد فيه سعي معتبرِ
هذا إمام جهاد لا امتراء به .... وذا إمام اجتهاد ثاقب النظرِ
وكلهم سادة غرّ غطارفة .... بيض بَهَالِيْلُ فرَّاجون للعكر
والله يصفح عمن قد أتى زللاً .... فمن ترى في البرايا غير مفتقرِ
وكل عبد إلى مولاه مفتقر .... عند الفريقين أهل العدل والقدرِ
[مصنفات الإمام المهدي أحمد بن يحيى]
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ومصنفاته واسعة، منها في أصول الدين /153
ثمانية.
قلت: قد أفاد مؤلف سيرته بتعدادها على الترتيب هذا، وهو: الأول: نكت الفرائد، الثاني: شرحها، الثالث: كتاب القلائد ـ وبيّض للرابع، ولعله أراد الغايات، ولكنه في الحقيقة جامع لجميع شروح كتبه ـ الخامس: كتاب الملل والنحل، السادس: كتاب المنية والأمل، السابع: كتاب رياضة الأفهام، في لطيف الكلام، الثامن: كتاب دامغ الأوهام، في شرح رياضة الأفهام، وهو جزآن.
وفي أصول الفقه ثلاثة:
الأول: كتاب فائقة الفصول، في ضبط معاني جوهرة الأصول، الثاني: كتاب معيار العقول، في علم الأصول، الثالث: كتاب منهاج الأصول، شرح معيار العقول.
وفي علم العربية خمسة:
الأول: كتاب الكوكب الزاهر، شرح مقدمة ابن طاهر، الثاني: كتاب الشافية شرح معاني الكافية، الثالث: المكلل شرح المفصل، الرابع: تاج علوم الأدب، الخامس: كتاب إكليل التاج وجوهرة الوهاج.
وفي الفقه خمسة:
الأول: كتاب الأزهار في فقه الأئمة الأطهار، وصنّفه في الحبس، ولم يوضع بكاغد مدة سنين، وإنما حفظه السيد علي بن الهادي، ومولانا (ع) يملي عليه ما صححه لمذهب الهادي؛ الثاني: كتاب الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار، الثالث: كتاب الأحكام المتضمن لفقه أئمة الإسلام.
قلت: وقد صار المشهور بالبحر الزخار، وفي الأصل هذا الاسم له، /154
ولمقدماته المذكورة.
الرابع: كتاب الانتقاد للآيات المعتبرة في الاجتهاد.
وفي السنة: كتاب الأنوار الناصة على مسائل الأزهار ، والقمر النوار في الرد على المرخصين في الملاهي والمزمار.
وفي علم الطريقة: كتاب تكملة الأحكام، وكتاب حياة القلوب في عبادة علام الغيوب.
وفي الفرائض: كتاب الفائض، وكتاب القاموس.
وفي المنطق: القسطاس.
وفي التاريخ: الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر، وشرحها يواقيت السير، وكتاب تزيين المجالس في قصص الصالحين، وكتاب مكنون العرائس.
وفي طبقات السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ ما نصه: كان فضله وعلمه الواسع، وانتفاع المسلمين به النفع البالغ، ليس لأحد من المسلمين مثله في العناية الإلهية، في بركة علمه ومصنفاته، التي هي كالطراز المُذْهب، وعليها اعتماد المذهب، على طريقة أهل الحقيقة والمجاز، التي هي بالمرتبة الثانية من حدّ الإعجاز، وكتاب الأزهار شاهد؛ فإنه على صغر حجمه سبعة وعشرون ألف مسألة منطوقها ومفهومها، انتهى المراد.
[افتتاح كتاب غايات الأفكار]
قال الإمام (ع) في مبتدأ شروحه، وهو غايات الأفكار:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم إن أجلّ الثناء يقصر عن وصف جلالك، وأعظم الخضوع يقل عن إجلالك، وأوفر الشكر لايفي بعشير معشار إحسانك، كيف لا؟ وقد أكرمتنا /155
بفضيلة عرفانك، وأوضحتَ لنا من الحق فلقه، وكشفتَ عنا من بهيم الباطل غسقه، وأثرت لنا من مثار السعادة معدناً، ورفعت لنا من يفاع السيادة موطناً، وشيّدت لنا في أعالي العلياء غرفاً، وأغدقت علينا من تكرمتك جلالاً وشرفاً، حيث جعلت نهار الدلالة آية، وليل الجهالة عماية، وميزتها لنا بعقول نيرة؛ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.
إلى قوله: هذا ولما منّ الله ـ جل جلاله ـ بكمال ما أردنا من تأليف كتاب لطيف، يتضمن الإحاطة بعلوم الاسلام جميعها، أصولها وفروعها، واستقصاء مسائل الخلاف، بين فرق الأمة، وأكابر الأئمة.
إلى قوله: استخرنا الله سبحانه، وحاولنا إظهار محاسنه، وتنقيح معادنه، بشرح يعتمد من أراد التحقيق عليه، ويرد ما شذ من الغرائب إليه، نستقصي فيه حجج الخصوم، ونوضح ما به روح الحق يقوم.
وقال فيه عند ذكر طبقات أهل العلم: فمعدنه ومركزه أهل البيت (ع)، إذ أخذوا علمهم عن أب وجد، حتى انتهى إلى علي (ع)، وهو باب مدينة العلم، فهم الذين أتوا المدينة من بابها دون غيرهم، ممن عُرِف بالعلم، الذي طريقه غير باب مدينته.
ولله المنصور بالله حيث يقول!:
ما بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول حكى لنا أشياخنا .... ما ذلك الإسناد من إسنادي
ومن ثَمّ حكمنا بأنهم أصل علوم الدين النبوي؛ لأنهم الذين أتوه من بابه.
إلى قوله: ولم يكثر أتباعهم كما كثر أتباع الفقهاء الأربعة، لما اجتهد الخلفاء الأموية والعباسية في إطفاء نورهم، وإماتة كلمتهم، وهم الذين ظهرت /156
بسطتهم في الأرض، فأخافوا كل من تشهّر بمذهب سوى المذاهب الأربعة؛ أمر بذلك المأمون بن هارون، وجعل لكل مذهب من الأربعة مقاماً معروفاً عند البيت العتيق، ولم يجعل لأهل البيت مقاماً؛ ليموت ذكرهم، وينطمس نورهم؛ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وقال في وصف علم آل محمد (ع): فبارك الله عليه كما بارك على إبراهيم، حتى كاد يملأ الخافقين سناها، وينطح الفرقدين نماها؛ ولعمري، إن علمهم هو المأخوذ عن عيون صافية، نبعت من صدور زاكية، مجراها باب مدينة علوم الإسلام، ومنبعها من أخذ عن جبريل (ع)؛ ومن ثمة وصفهم جدهم بأنهم سفينة النجاة من العذاب، وجعلهم في كونهم الحجة قسيم الكتاب؛ فنسأل الله أن يهدينا بهديهم، وأن يستعملنا في حميد سعيهم، الذي ينالون به من رضاه حبوراً، وينخرطون في سلك من يقال له: إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً؛ وصلاته على سيد البشر، المشفع في المحشر، محمد المخصوص باللواء والكوثر، وعلى آله....إلخ.
[إجماع العترة على أن إمامة علي قطعية وواجبة المعرفة على الأعيان]
نعم، وقد ذكر الإمام (ع) في سياق أوصاف عمر بن عبد العزيز، أنه أول من ردّ فدك والعوالي إلى آل فاطمة، وهذا يقتضي خلاف القول بتصويب حكم أبي بكر؛ إذْ لا يصح أن يكون من الممادح نقض الحكم الصواب.
قلت: وقد سبق الكلام في رجوع الإمام يحيى عن التصويب، وما يفيده كلام الإمام المهدي (ع) في ذلك عن قريب.
هذا، واعلم أنها قد جرت عادة الكثير من الناظرين، بعدم التدبر لمقالات /157
العلماء من موافقين ومخالفين، فتسبب عن ذلك الإفراط والتفريط، والخبط والتخليط، فترى البعض يشنّع فيما ليس الخلاف فيه إلا في التعبير، والبعض يصوّب في الأمر الخطير، ويتمحل للخصم بما لايرتضيه؛ بل لو اطلع عليه لأظهر غاية النكير، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم؛ والمحجة الوسطى، والطريقة المثلى، الوقوف على الحقائق، والكشف عن مرام المخالف والموافق، والتثبت في جميع المداحض والمزالق، حتى يورد ويصدر عن نظر متين، وعلم مبين؛ وملاك الأمر كله خلوص المقاصد، وسلوك جادة الحق في المصادر والموارد؛ فإن الأمر شديد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد؛ والمسؤول منه ـ عز وجل ـ التثبيت والتسديد، إنه هو الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
[بحث عظيم في صفات رب العالمين، والإجماع على تنزيهه عن المعاني]
نعم، واعلم أن من أعظم ما دار فيه الخلاف، وتباينت فيه الأقوال، بين أهل التوحيد وبين غيرهم من فرق الضلال، مسائلَ صفات رب العالمين، ذي العظمة والجلال، وقد اتفق أهل التوحيد والعدل قاطبة من العترة (ع) والمعتزلة ومن وافقهم، على الشهادة له بما شهد به لنفسه، وشهد به ملائكة قدسه، وأولوا العلم من جنه وإنسه؛ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم؛ وعلى وصفه ـ جل وعلا ـ بما وصف /158
به نفسه تعالى، من أنه القدير العليم الحي؛ اللطيف الخبير، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؛ وأنه المختص بصفات الكمال، المضافة إلى الذات المقدس والأفعال، العدل الحكيم.
وعلى تنزيه الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن المعاني الحقيقية، المقتضية للتعدد والمشاركة للقديم ـ جلّ وعلا ـ في الأزلية، التي هي في الشاهدِ الممكنِ القدرةُ، والعلم، والحياة، والوجود، وغيرها من المعاني الزائدات على الذات، وليست هذه المذكورة بالصفات، ولا الأحوال ولا المزايا ولا التعلقات، على اختلاف المصطلحات، التي تقول بها المعتزلة، كما يتوهمه من لا اطلاع له؛ وإنما هي عندهم مثلاً: القادرية، والعالمية؛ أي: كونه قادراً وعالماً ونحوهما؛ وجمهور أئمة العترة لايقولون بشيء من ذلك، كما هو معلوم، ومن صرائح نصوصهم مرسوم.
قال إمام المحققين الأعلام، الحسين بن القاسم بن محمد (ع)، في بحث النسخ من شرح الغاية: قلنا: لانسلم ثبوت العالمية، فإن ثبوتها فرع ثبوت الأحوال، والحال هو الواسطة بين الموجود والمعدوم، وهو عند الجماهير من أئمة أهل البيت (ع) وغيرهم باطل؛ لما علم بالضرورة من أن الموجود ماله تحقق، والمعدوم ماليس كذلك، ولا واسطة بين النفي والإثبات؛ ولذا قال بعض أئمة أهل البيت (ع) في وصف اعتقادات آبائه الصحيحة، من قصيدة طويلة:
لم يثبتوا صفة للذات زائدة .... ولا قضوا باقتضا حال لأحوال
/159
انتهى المراد؛ وهذا البيت من الأبيات الفخرية، وقد تقدم.
هذا، ولهم في تقسيمها وكيفية استحقاقها كلام طويل، مبسوط في محلّه من الأصول، والخطب عند التحقيق في خلافهم يسير؛ فإن هذه الصفات الزائدات، التي يثبتونها، ليست عندهم بأشياء، ولا ذوات، ولامعلومات على الانفراد؛ وإنما الخلاف الخطير الكبير، بين أهل العدل وغيرهم كالأشعرية، المثبتين للمعاني القديمة الحقيقية.
والحق الذي عليه قدماء آل الرسول ـ صلوات الله عليهم ـ ومن وافقهم من علماء الأصول، وقضت به حجج المعقول والمنقول، أن صفات الله ـ جل جلاله ـ ذاته، والمعنى أنه ليس لله ـ سبحانه وتعالى ـ باعتبار هذه الصفات سواه، لامعنى ولا أمر ولا حال، ولاشيء غير ذي الجلال، بل الذات المقدس يوصف ـ عز وجل ـ من حيث انكشاف جميع المعلومات له وتعلق علمه بها عالماً، ومن حيث اقتداره على جميع المقدورات، وعدم امتناع شيء منها عليه قادراً؛ إلى آخرها.
[الكلام على الذات الواجب الوجود ـ وأن صفاته هي الذات]
فلما ترتب على الذات الواجب الوجود ـ جل وعلا ـ ما يترتب على الذوات والصفات في الشاهد؛ لكون ذوات غيره ـ سبحانه وتعالى ـ غير كافية في ثبوت الصفات؛ بل تحتاج إلى معنى يقوم بها، قالوا: صفاته ذاته ـ عز وجل ـ.
وليس المراد أن هناك ذاتاً وصفة حقيقة، كما يتوهمه مَنْ لم يرسخ علمه في هذه الطريقة؛ بل الذات المقدس وصفاته ـ عز وجل ـ عبارة عن شيء واحد بالحقيقة؛ والتغاير إنما هو باعتبار المفهوم؛ فعالم باعتبار تعلق الذات بالمعلومات من حيث كونها معلومات، وقادر كذلك من حيث كونها مقدورات، وهكذا سائرها، فالتعدد حقيقة في متعلق الصفات لافي الصفات، فليست إلا عبارة عن الذات، ومرجع الكلام عند التحقيق إلى إثبات مدلولات الصفات وثمراتها وآثارها بالذات/160
المقدس العلي ـ عز وجل ـ لابمعنى ولا أمر ولا مزيّة.
وليس هذا القول كقول أبي الحسين، فإنه يقول: الصفات أمور اعتبارية، وهي التعلق.
وقدماء الآل (ع) يقولون: هي الذات من حيث التعلق، لاالتعلق نفسه، وبينهما فرق واضح.
وعلى هذا فالمضاف هو المضاف إليه في قدرة الله وعلمه وجميع صفاته، كما في وجهه ونفسه وذاته، ونحو ذلك؛ فلا معنى لاعتراض بعض الأئمة المتأخرين على إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين (ع)، وقد ردّ عليه السيد الإمام، المحقق المفتي، صاحب البدر الساري ـ رضي الله عنه ـ وغيره؛ ولو حقق النظر، لما سطر ما سطر، ولكن لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة.
[كلام أمير المؤمنين في صفات الله تعالى]
هذا، وإنما وقع فضل العناية بتحقيق الكلام، في هذا المقام؛ لاشتباهه على كثير من الأفهام، ولعظم محلّ هذا الأصل في معرفة الملك العلام، وكثرة النزاع في شأنه بين فرق الأنام.
وقد تحصلت المذاهب في صفات ذي الجلال، إلى عشرة أقوال، كما لخصها علماء الكلام:
القول الأول: أن صفاته ـ جل جلاله ـ ذاته على ما حققناه، وهو الواجب بجلال التوحيد، وجناب التمجيد، للرب المجيد، والذي قامت عليه البراهين.
وقد أبان ذلك إمام الموحدين، وسيد المتكلمين، وباب مدينة علم الرسول الأمين، صلوات الله عليهما وعلى آلهما الأكرمين.
قال ـ صلوات الله عليه ـ: أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة؛ فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله.
إلى قوله: ومن قال: فيم؟ فقد ضمّنه؛ ومن قال: علام؟ فقد أخلى عنه؛ كائن لا عن /161
حدث، موجود لا عن عدم...إلخ الخطبة الشريفة.
وقال ـ كرم الله وجهه ـ: مباين لجميع ما جرى من الصفات، وممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصريف الأدوات، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرم الحالات.
وقال ـ سلام الله عليه ـ: فليست له صفة تُنال، ولا حد يُضْرَبُ له فيه الأمثال.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: كان إلاهاً حياً بلا حياة، وملكاً قبل أن ينشيء شيئاً، ومالكاً بعد إنشائه، وليس يكون له كيف ولا أين، ولا له حدّ يعرف، ولا شيء يشبهه؛ ولكن سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: ما وحده من كيَّفه، ولا حقيقتَه أصاب من مثَّله، ولا إياه عنى من شبَّهه، ولاصمده من أشار إليه وتوهمه؛ كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول.
إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره؛ الذي لايحول ولا يزول، ولايجوز عليه الأفول.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: ولا يوصف بشيء من الأجزاء؛ يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولايتحفظ، ويريد ولايضمر؛ يحب ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة، يقول لما أراد كونه: كن؛ فيكون، لابصوت يقرع، ولا بنداء يسمع؛ وإنما كلامه ـ سبحانه ـ فعل منه أنشأه ومثله، ولم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.
وقال ـ صلوات الله عليه ـ: الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذى عليه من خالق قبله؛ بل أرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمهم بمساك قوته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علينا على معرفته.
ومن خطبة له أخرى: ولم تحط به الصفات، فيكون /162
بإدراكها إياه متناهياً؛ هو الله الذي ليس كمثله شيء، عن صفة المخلوقين متعالياً، وجل عن أن تناله الأبصار فيكون بالعيان موصوفاً، وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهات رُويَّات المفكرين، وليس له مثل فيكون بالخلق مشبهاً، وما زال عند أهل المعرفة عن الأشباه والأنداد منزهاً.
إلى قوله ـ سلام الله عليه ـ: وكيف لما لايقدر قدره مقدار في رويَّات الأوهام؟؛ لأنه أجل من أن تحده ألباب البشر بتفكير، وهو أعلى من أن يكون له كفؤ فيشبه بنظير، فسبحانه وتعالى عن جهل المخلوقين، فسبحانه وتعالى عن إفك الجاهلين؛ فأين يتاه بأحدكم؟ وأين يدرِك ما لا يُدْرَك؟ والله المستعان.
وقال ـ رضوان الله عليه ـ: مَنْ وَصَفَه فقد شَبَّهَهُ، ومن لم يصفه فقد نفاه؛ وصفته أنه سميع، ولا صفة لسمعه.
وقال ـ رضوان الله عليه ـ: باينهم بصفته رباً، كما باينوه بحدوثهم خلقاً.
إلى غير ذلك من كلام سيد الوصيين؛ فهو مفجر علوم الدين، والمبين للأمة ما اختلفوا فيه بعد أخيه سيد النبيين؛ وفي كلامه هذا أعظم بيان، وأقوم برهان.
[من خطب أمير المؤمنين (ع)]
ولنورد هذا الفصل الأعظم، الذي هو شرح لمعنى قوله ـ عز وجل ـ: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } [الأنعام:59].
من خطبته الكبرى، التي أقام فيها دلائل توحيد الله ـ تعالى ـ وآيات جلاله، وبينات برهانه، النيرات العظمى.
قال ـ صلوات الله عليه ـ: عالم السر من ضمائر المضمرين، ونجوى المتخافتين، وخواطر رجم الظنون، وعقد عزيمات اليقين، ومسارق إيماض الجفون، وما ضمته أكنان القلوب، وغيابات الغيوب، وما أصغت لاستراقه مصائخ الأسماع، ومصائف الذر، ومشاتي الهوام، ورجع الحنين من المولهات، وهمس الأقدام، ومنفتح الثمرة من ولائج غلف الأكمام، /163
ومنقمع الوحوش من غيران الجبال وأوديتها، ومختبأ البعوض بين سوق الأشجار وألحيتها، ومغرز الأوراق من الأفنان، ومحطّ الأمشاج من مسارب الأصلاب، وناشئة الغيوم ومتلاحمها، ودرر قطر السحاب في متراكمها، وما تسفي الأعاصير بذيولها، وتعفر الأمطار بسيولها، وعرم نبات الأرض في كثبان الرمال، ومستقر ذوات الأجنحة في شناخيب الجبال، وتغريد ذوات المنطق في دياجير الأوكار، وما أوعبته الأصداف، وحضنت عليه أمواج البحار، وما غشيته سدفة ليل، أو ذر عليه شارق نهار، وما اعتقبت عليه أطباق الدياجير، وسبحات النور، وأثر كل خطوة، وحسّ كل حركة، ورجع كل كلمة، وتحريك كل شفة، ومستقر كل نسمة، ومثقال كل ذرة، وهماهم كل نفس هامة، وما عليها من ثمر شجرة، أو ساقط ورقة، أو قرار نطفة، أو نقاعة دم ومضغة، أو ناشئة خلق وسلالة؛ لم يلحقه في ذلك كُلْفَةٌ، ولا اعترضته في حفظ ما ابتدعه من خلقه عارضة، ولا اعتورته في تنفيذ الأمور وتدابير المخلوقين ملالة ولا فترة؛ بل نفذ فيهم علمه، وأحصاهم عده، ووسعهم عدله، وغمرهم فضله؛ مع تقصيرهم عن كنه ما هو أهله...إلخ.
وقبل هذا الكلام، في وصف ملكوت ذي الجلال والإكرام، الذي يجب أن يكون إليه قصد الناظرين، وتوجيه فكر المفكرين، ومنتهى اعتبار المعتبرين، وقد سقنا الفصلين لما فيهما من الموافقة للمقام، عند أولي الأفهام من الأنام.
قال ـ رضوان الله عليه ـ في وصف ملائكة الله المقربين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ: ثم خلق سبحانه لإسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته، خلقاً بديعاً من ملائكته، ملأبهم فروج فجاجها، وحشى بهم فتوق أجوائها؛ وبين فجوات تلك الفروج زَجَل المسبحين منهم في حضائر /164
القدس، وسترات الحجب، وسرادقات المجد؛ ووراء ذلك الرجيج، الزلزلة والاضطراب، الذي تستك منه الأسماع، سبحات نورٍ تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها؛ أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبح جلال عزته، لاينتحلون ما ظهر في الخلق من صنعته، ولا يدَّعون أنهم يخلقون شيئاً مما انفرد به؛ بل عباد مكرمون، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون؛ جعلهم الله فيما هنالك، أهل الأمانة على وحيه، وحمّلهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضح إخبات السكينة، وفتح لهم أبواباً ذللاً إلى تماجيده، ونصب لهم مناراً واضحاً على أعلام توحيده؛ لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم تحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولم تعترك الظنون على معاقد يقينهم.
إلى قوله، في وصفهم ـ صلوات الله عليهم ـ: ومنهم: مَنْ هو في خلق الغمام الدُّلَّح، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأبهم؛ ومنهم: من قد خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها، حيث انتهت من الحدود المتناهية.
إلى قوله ـ رضوان الله عليه ـ: فهم أسراء إيمان، لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا ونى ولافتور، وليس في أطباق السماء موضع إهاب، إلا وعليه ملك ساجد، أو ساعٍ حافد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علماً، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظماً.
إلى آخر ذلك الكلام الفائق، الذي لايحسن في وصفه إلا ماقاله الأعلام: هو فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق.
وقد سقتُ هذا القدر منه لمحله في هذا الباب، ولاتخفى مواضع الحجة فيه على الناظر من أولي الألباب. /165
[كلام أئمة العترة في الصفات]
هذا، وقد سلك منهاجه المبين، نجوم الأئمة الهادين، من عترته الطاهرين (ع).
قال سبطه سيد العابدين، علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (ع)، في توحيده: فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين غيره.
وقال (ع): أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي جميع صفات التشبيه عنه؛ بشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً.
إلى قوله (ع): وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل، الممتنع من الحدث...إلخ كلامه.
وقال نجم آل الرسول، وصفوة أسباط الوصي والبتول، القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الصلاة والتسليم ـ في كتاب التوحيد: وهو الواحد لا من عدد، ولافيه عدد، وليس شيء يقال: إنه واحد في الحقيقة، غير الله تعالى.
وقال في مجموعه: فأوّليته ـ سبحانه ـ آخريّته، وباطنيته ظاهريته؛ لايختلف في ذلك ما وُصف به، كما لايختلف ـ سبحانه ـ في نفسه، وكذلك أسماؤه كلها الحسنى، وأمثاله كلها العلى.
إلى قوله: كما قال ـ سبحانه ـ: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)} [مريم]، ولن يوجد له سمي؛ إذْ لا تجد له كفياً.
وقال في جواب الطبريين: فهذه صفته ـ تبارك وتعالى ـ ليست فيه ـ جل ثناؤه ـ بمختلفة، ولاذات أشتات؛ ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في العدد، وإنما صفته ـ سبحانه ـ هو.
فهذا صريح كلامه، يرد على من ادعى عليه أنه يقول/166
بمذهب البهاشمة، في الصفة الأخص.
وقد فسر القول الذي أخذوا له منه ذلك تفسيراً صريحاً لايحتمل خلافه، فقال في كتاب الدليل الكبير: وهذا الباب من خلافه ـ سبحانه ـ لأجزاء الأشياء كلها.
إلى قوله: وهي الصفة التي لايشاركه ـ سبحانه ـ فيها مشارك، ولايملكها عليه ـ سبحانه ـ مالك.
إلى قوله: وهذه الصفة هي قوله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [الشورى:11]، وليس شيء سوى الله يوصف بأنه شيء لا كالأشياء.
وله صرائح غير هذا يطلع عليها من حقق النظر في كتبه (ع).
وقال صفوته، الإمام العالم، محمد بن القاسم (ع)، في كتاب الوصية: الحمد لله، الحي القيوم، ذي العظمة والجلال، الذي لم يزل، ولاشيء غيره.
وقال في حقيقة الإيمان به: إنه الذي هو خلاف الأشياء كلها.
وقال: حقيقة اليقين به، والمعرفة له، أنه لايدرك بحلية، ولاتحديد، ولاتمثيل، ولاصفة؛ وكيف يوصف ما لاتدركه العقول، ولا الفكر، ولا الحواس؟!
إلى قوله: وقد روي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((تفكروا في المخلوق، ولاتفكروا في الخالق)) فاجعل فكرك في صنعته، تستدل به على عجيب فعله وعظيم قدرته، في كل مُحْدَث؛ ولاتفكر فيه، فإنك تتيه، وتهلك نفسك؛ فاستعمل العقل وتابع السمع، واستدل باليسير على الكثير تسلم.
وقال سبطه، إمام الأئمة، وهادي الأمة، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم الرضوان والتسليم ـ في كتاب الديانة: ليس قدرته وعلمه سواه؛ لم يزل عالماً قادراً، ليس لقدرته غاية، ولا لعلمه نهاية، وليس علمه وقدرته سواه، /167
ومن قال: علم الله، فهو الله، وقدرة الله: هي الله، وسمع الله: هو الله، وبصر الله: هو الله، فقد قال في ذلك بالصواب.
قال الإمام المهدي: وهذا قول أبي الهذيل.
وقال الإمام الهادي إلى الحق (ع): ومن زعم أن قدرته وسمعه وبصره صفات له.
إلى قوله (ع): وتلك الصفات ـ زعم ـ لا يقال: هي الله ولا هي غيره، فقد قال منكراً من القول وزوراً.
قلت: وهذا عين مذهبهم.
وقال في كتاب الرد على أهل الزيغ: فلما صحّ عند ذوي العقول والبيان، أن الحواس المخلوقة، والألباب المجعولة، لاتقع إلا على مثلها، ولاتلحق إلا شكلها، ولاتحد إلا نظيرها، صحت له لما عجزت عن درك تحقيقه الوحدانية، وثبتت للممتنع عليها من ذلك الربوبية؛ لأنه ـ سبحانه ـ مخالف لها في كل معانيها، بائن عنها في كل أسبابها؛ ولو شاركها في سبب من الأسباب، لوقع عليه ما وقع عليها من درك الألباب؛ فلما تباينت ذاته ـ سبحانه ـ وذاتها، وكانت هي فعله وكان هو فاعلها، بانت بأحق الحقائق صفاته ـ سبحانه ـ وصفاتها، فكان درك الأوهام والعقول لها بالتبعيض والتحديد، وكان درك معرفته ـ سبحانه ـ بأفعاله، وبما أظهر من آياته، ودلّ به على نفسه من دلالته.
إلخ كلامه (ع).
وقال إمام الجيل والديلم، الناصر للحق الأقوم، في كتاب البساط: وتمام توحيده نفي الصفات عنه، والتشبيه لخلقه؛ بشهادة كل عقل سليم من الرين بما كسب، والإفك فيما يقول ويرتكب، واتباع الأهواء والرؤساء؛ أن كل صفة وموصوف مصنوع، وشهادة كل مصنوع بأن له صانعاً مؤلفاً، وشهادة كل مؤلف أن مؤلفه لايشبهه، وشهادة كل صفة وموصوف مؤلف بالاقتران /168
والحدث، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل؛ فلم يَعْرِف الله ـ سبحانه ـ مَنْ وصف ذاته بغير ما وصف به نفسه، ولا إياه عبد من شبهه بأفعاله، ولاحقيقته أصاب من مثله بأجعاله، ولا صمده من أشار إليه؛ إذْ كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في غيره معلول؛ فبصنع الله وآياته يستدل به عليه، فيقال: إنه هو الأحد، لا أن له ثانياً في الحساب والعدد؛ وبالعقول السليمة يعرف ويعتقد، أنه باريء الأشياء، وإليه تأله العقول وتصمد؛ قال الله جل ذكره: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} [طه].
[انتقاد الإمام الناصر للحق على المعتزلة]
وقال (ع) منكراً على المعتزلة: ثم انصدعت من هذه الملة طائفة، تحلّت باسم الاعتزال.
إلى قوله: حتى خاضوا في صفات ذاته ـ سبحانه ـ وضربوا له الأمثال؛ وقد نهى الله عن ذلك، بقوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ } [النحل:74]، وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]، وبالغوا في خلاف ذلك، ولم يرضوا، حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لايعلمون ولايدركون، خلافاً لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وابتداعاً وتخرصاً وميناً، ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها؛ وتكلموا من دقيق الكلام بما لم يكلفوا، وبما لعل حواسهم خُلقت مقصورة عن إدراك حقيقتها، وعاجزة عن قصد السبيل فيها.
وقال في ذلك:
قد غيّر الناس حتى أحدثوا بدعاً .... في الدين بالرأي لم تبعث به الرسل
وكلام أئمة الهدى السابقين على هذا المنهج، من غير اختلاف ولا عوج.
ومن العجب نسبة القول بالصفة الأخص إلى نجم آل الرسول (ع)، كما عزاه بعضهم! أو إليه وإلى حفيده الهادي إلى الحق كما زعم البعض /169
الآخر! مع صرائح أقوالهم هذه وغيرها، الدالة على خلافه، ومع نصوصهم على عدم الاشتراك في الذوات.
والقول بزيادة الصفات، مبني على ذلك كما هو معلوم؛ وأعجب من ذلك قول الجنداري المحكي عنه في حاشية شرح الغاية! حيث قال: إن أريد قدماء أهل البيت فلم يُسْمَع عنهم في ذلك نفي ولا إثبات.
إلى آخر كلامه ـ على قول صاحب الغاية ـ ولذا قال بعض أئمة أهل البيت (ع)، الكلام المتقدم.
فهذا كلام القدماء، النجوم العظماء، الذين مقدمهم إمام الموحدين، وسيد علماء الدين، أمير المؤمنين، وصنو سيد المرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
[قصيدة الإمام الواثق بالله في عقائد أهل البيت (ع)]
قال الإمام الواثق بالله، في حكايته لأقوال الأئمة الهداة، من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ:
لم يثبتوا صفة للذات زائدة .... ولا قضوا باقتضا حال لأحوالِ
ولا قضوا بثبات الذات في أزل.... وليس لله إلا صنعة الحالِ
دانوا بأن إله العرش ذوتها.... بلا احتذاءٍ على حذوٍ وتمثالِ
لو كانت الذات ذاتاً قبل يوجدها.... لكان كل محل سابق تالي
ما كان يخطر هذا من ركاكته .... للمصطفى صفوة الباري على بال
ولا علي ولا ابنيه وزوجته .... فقولهم من أباطيل الهوى خال
انظر بإنسان عين الفكر في خُطَبٍ .... لهم ومنثور لفظ سلسل حالي
قد لحبوا طرقاً للسالكين بها .... وبيّنوها بتفصيل وإجمال
ثم اقتفى إثرهم زيد ووالده .... وصنوه وابنه والحال كالحال
كذلك القاسم الرسي قال كما .... قالوا وفجّر ينبوع الهدى الحالي
فناظر الفلسفي حتى أَقَرّ له .... وتاب من دسّ تعليلٍ وإيغال
وصفوة القاسم الرسي محمدٌ الـ .... ـجدير منّا بإعظام وإجلال
/170
والهادي الهادي الخلق الذي خضعت .... له الملوك بتصغير وإذلال
كذلك الناصر الأطروش من ألفت .... يمناه طعن العدى والبذل للمال
والناصر الناصر الأديان مذ خَلِقَت .... وصنوه المرتضى والأيمن الفال
والقاسم بن علي والحسين ومن .... يحكيه في حسن أقوال وأعمال
وأحمد بن سليمان الذي قصمت .... سيوفه كل ذي كفرٍ وإضلال
ثم الخليفة عبدالله فهو على .... منوال آل علي خير منوال
وأحمد بن الحسين المَلْكِ إنّ له .... عقيدة عزلت في عكسها الوالي
ثم الإمام الأغرّ المنتقى حسن .... فقد قفاهم بأقوال وأفعال
ـ يعني: الإمام الحسن بن بدر الدين (ع) صاحب أنوار اليقين ـ.
كذا المطهر شيخ الآل قال كما .... قالوا فقدس روحاً خير قوالِ
كذاك قول ابنه المهدي خير فتى .... قوّام ليلٍ وصوّامٍ وصوّالِ
فافهم مسائلهم واتبع مقالتهم .... ولا تبع منفق التحقيق بالكالي
أما حميدان من شاد المنار فقد .... أحيا بهمته قولاً لهم بالي
وإن يحيى بن منصور جلاّ لهم .... أقوالهم حبذا المجلو والجالي
والمرتضى قال والمهدي كقولهم .... صلى الإله عليهم كل آصال
تبدي مقالتهم فحوى عقائدهم .... فدن بها تنج من غي وإخلال
وقد اخترت إيرادها بتمامها؛ لما فيها من الإفادة والإجادة، وقد سبق /171
صدرها، سلام الله على ناظم عقودها، وناسج برودها، ورحمته ورضوانه.
نعم، فهذا القول الأول، وهو قول أهل البيت (ع) السابقين، وأبي الهذيل والملاحمية.
وأما القول بأنها عبارة عما لايعلم كنهه ـ وقد نسب إلى زين العابدين (ع)، واختاره الحسن الجلال ـ فلا منافاة بينه وبين الأول؛ فالذات المقدس لايعلم كنهه، فهي عبارة عنه، وهو قول الآل.
[عودة إلى الأقوال في معنى صفات الله]
الثاني: أنها لعدم صفة النقص؛ فعالم لكونه غير جاهل، وقادر لكونه غير عاجز...إلخ.
قالوا: ربما أوهمه كلام نجم آل الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ورواه الهادي بن إبراهيم عن جماعة أهل البيت (ع).
الثالث: أنها مزايا اعتبارية فقط، في غير صفة الوجود، فهي نفس الموجود، وهو قول أبي الحسين البصري وأتباعه.
الرابع: أنها أمور زائدة على الذات، لاهي الموصوف ولا غيره، ولاشيء ولا لاشيء؛ وقد استشكل عليهم قولهم فيها: الصفات لاتوصف؛ مع وصفهم لها بأنها ثابتة في الأزل، وذاتية، وواجبة، ومقتضاة؛ وأجيب بأنهم يريدون أنها لاتوصف بصفات وجودية زائدة عليها؛ للزوم التسلسل؛ وأما هذه الصفات التي وصفوها بها فهي اعتبارية لاوجود لها في الخارج.
هذا، وهي مقتضاة عن الذات، عند أبي علي وأتباعه، وعن الصفة الأخص، عند أبي هاشم وأتباعه.
الخامس: أنه ـ تعالى ـ يستحقها لمعان زائدة أزلية، وهو قول الكلابية.
قال الإمام عز الدين بن الحسن (ع): الأزلي هو القديم، إلا أن ابن كلاب لم يتجاسر على إطلاق القول بقدمها؛ للإجماع على أنه لاقديم مع الله - تعالى - وتجاسر الأشعري على ذلك لوقاحته، إ هـ. /172
السادس: أنه ـ تعالى ـ يستحقها لمعان قديمة قائمة بذات الباري ـ سبحانه وتعالى ـ وهو قول الأشعرية.
وقد اتفق النقل عنهم على إثباتهم للمعاني القديمة؛ ثم اختلف بعد ذلك في أنها نفس الصفات، أو أن الصفات مستحقة للمعاني القديمة عندهم.
والتحقيق ما أفاده الإمام عز الدين (ع) في المعراج؛ قال فيه: قال الإمام يحيى: وأما الأشعرية، فاتفقوا على إثبات المعاني القديمة، ثم اختلفوا، فنفاة الأحوال منهم يقولون: العلم هو نفس العالمية، والقدرة هي نفس القادرية.
ثم هذه الصفة عندهم معلومة بنفسها، موجودة في ذاتها؛ وهو مذهب الأشعري، وابن كلاب، وهو قول المتأخرين من محققيهم.
وأما مثبتوا الأحوال منهم، فعندهم أن القادرية، والعالمية، والحيية، صفات مضافة إلى المعاني، والله ـ تعالى ـ كما هو موصوف بهذه الصفات هو موصوف بالمعاني...إلخ.
وقالوا: لا هي الله، ولا هي غيره، ولا بعضها هو البعض الآخر، ولا غيره.
السابع: أنه تعالى يستحقها لمعان قديمة أغيار لله ـ تعالى ـ أعراض، حالّة في ذاته ـ سبحانه وتعالى ـ وهو قول الكرامية.
الثامن: أنه ـ تعالى ـ يستحقها لمعان لاتوصف بقدم ولا غيره، وهو قول الصفاتية؛ وأفاد الإمام عز الدين بن الحسن (ع) أنهم سليمان بن جرير الإمامي، وبعض أصحابه؛ وليس هذا القولُ قولَ الكرامية كما نسبه إليهم بعضهم.
التاسع: أنها غير الله ـ تعالى ـ وأنها محدثة بِعِلْمٍ محدث؛ وهو قول هشام بن الحكم، ومن معه من الرافضة، وجهم بن صفوان، ومن معه من المجبرة.
العاشر: قول الباطنية ـ أقماهم الله تعالى ـ وهو في التحقيق خارج عن أقوال المنتمين إلى الإسلام، وهو أنهم لايصفونه ـ جل وعلا ـ بنفي ولا إثبات؛ فلا/173
يوصف عندهم بوجود ولا عدم.
قالوا: الوجود تشبيه، والعدم نفي، فلا هو موجود ولا معدوم، ولا معلوم ولا مجهول، ولا موصوف ولا غير موصوف.
وقالوا: جميع الأسامي منتفية عنه.
هكذا حقق مذهبهم الأئمة الأعلام؛ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه.
وفيما سبق كفاية لذوي العقول، وقد بُسِطت النقول، وأقيمت البراهين من المعقول والمنقول، على القول الحق، وإبطال ما سواه من الأقوال في كتب الأصول، على أن أكثرها في نفس حكايته غُنْيَة عن إبطاله؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى كتاب صلة الإخوان]
وسبقت الأسانيد في طرق المجموع وغيره، إلى السيد الإمام، عماد الإسلام، عماد العترة الكرام، وعابد الأسرة الأعلام، العالم الرباني، الولي بن الولي، يحيى بن المهدي، الزيدي نسباً ومذهباً، وقد مرّ ذكره مع ولده فخر آل محمد، وحافظ علومهم الأوحد، السباق المجتهد على الإطلاق، الذي بشّر به بعض أولياء الله ـ تعالى ـ في الحرم الشريف والدَه ـ رضي الله عنهم ـ أبا العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ في التحف الفاطمية .
فأروي بذلك السند المسلسل النبوي، إلى السيد الإمام يحيى بن المهدي الزيدي جميع مروياته، ومؤلفاته، منها: الوسائل العظمى، ومنها: كتاب صلة الإخوان في سيرة صاحبه عابد اليمن، ولي الله الماشي على أقوم سنن، صاحب الآيات، والكرامات البينات، إمام أهل التقوى، مخلص /174
الولاية والمودة لذوي القربى، إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رضوان الله عليه ـ وهو كذلك قد مرّ في التحف الفاطمية .
وفي كتاب الصلة، جلاء القلوب، ودواء الكروب، بعرفان أولياء الله العارفين، وأصفيائه المتقين الموقنين، الفائزين بروح اليقين، ودرجات السابقين.
فقد ضمن ذلك الكتاب ما يبهر الألباب، من أحوالهم، ومناجاتهم وكراماتهم ـ رضي الله عنهم، وأعاد علينا من نفحات بركاتهم، آمين رب العالمين ـ.
ونورد هنا الحزب المبين ـ وقد سبق السند، وكيفية تلقين الذكر العظيم، في ذكر علي بن عبدالله بن أبي الخير، في سياق مشائخ محمد بن إبراهيم الوزير ـ.
وقد ساق هذا الحزب الكريم في طبقات الزيدية؛ وهو من الذخائر التي يحق أن يحرزها أولوا البصائر، متقرّبين بها إلى رب البرية، وقد اخترتُ نقله من كتاب صلة الإخوان.
قال فيه ـ قدس الله روحه في عليين، ورزقنا مرافقته ومرافقة آبائه السابقين في دار المتقين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ـ بعد ما أورد السند، ما لفظه: ثم إن الفقيه الإمام، جمال الإسلام، وبركة الأنام، علي بن عبدالله بن أبي الخير ـ أيده الله تعالى ـ لقن سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي، الذكر العظيم، والسر الكريم، كما ذكر، وكذا الحزب المبين؛ ثم إن سيدي إبراهيم لقنني الذكر العظيم والحزب المبين، وألبسني الخرقة المباركة تبركاً بفعلهم، واقتباساً لأنوار مَنْ ذكر وأسراره.
وكتب الشريف تعريفاً، الفقير إلى الله، اللاجي إلى مولاه، يحيى بن المهدي بن قاسم بن مطهر الحسيني، أمده الله بالألطاف، وآمنه مما يخاف.
إلى قوله: فمن أراد الخير كله، والأنوار والأسرار، ويدخل الحصن الحصين، فليقرأه بعد كل صلاة وسننها، وهو على وضوء، جالساً، متربعاً، مستقبل القبلة، واضعاً راحتيه على فخذيه؛ وإن كانوا جماعة احتلقوا حلقة ذكر، فيقرأ الفاتحة عشر مرات، ويقرؤا /175
هذا الحزب المبارك، فيقول:
[الحزب المبارك]
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فضلاً من الله ونعمة، شكراً من الله ورحمة؛ الحمد لله على التوفيق، ونستغفر الله من كل تقصير، غفرانك ربنا وإليك المصير.
سبحان الله العلي الأعلى الوهاب؛ سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، سبحانك ما عرفناك حق معرفتك، سبحانك ما قدرناك حق قدرك.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لايموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير (ثلاث مرات)، وإليه المصير.
لا إله إلا الله الملك الحق المبين، لا إله إلا الله الملك الحق اليقين، لا إله إلا الله أرحم الراحمين، لا إله إلا الله أكرم الأكرمين، لا إله إلا الله حبيب التوابين، لا إله إلا الله غياث المستغيثين، لا إله إلا الله الملك الجبار، لا إله إلا الله الواحد القهار، لا إله إلا الله الحليم الستّار، لا إله إلا الله العزيز الغفّار، لا إله إلا الله أبداً، حقاً حقاً، لا إله إلا الله إيماناً وصدقاً، لا إله إلا الله تلطفاً ورفقاً، لا إله إلا الله تعبداً ورقاً، لا إله إلا الله قبل كل شيء، لا إله إلا الله بعد كل شيء، لا إله إلا الله يبقى ربنا ويفنى كل شيء، لا إله إلا الله المعبود بكل مكان، لا إله إلا الله المذكور بكل لسان، لا إله إلا الله المعروف بالإحسان، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، ولاشيء بعده؛ لا إله إلا الله له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، /176
هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؛ حسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير.
فإذا فرغ من الحزب كرر قول: لا إله إلا الله ـ يشدّد بالقوة على لفظ الإثبات (إلاَّ الله) ـ من مائة، إلى مائتين، إلى ثلاثمائة، إلى أربعمائة، إلى خمسمائة، إلى الألف، إلى أكثر؛ فإنه يرى العجائب والأنوار، والأسرار والأفكار ـ إن شاء الله ـ؛ لأن قول ((لا إله إلا الله)) ترفع الحجب.
وأوصى إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ أن يجعل هذا الحزب وسنده في كفنه مع ختمة القرآن.
قلت: اشتمل هذا الذكر المبارك العظيم، على الشهادة، وأربعة وعشرين تهليلة، وخمس تسبيحات، وحمدلتين، وله الحمد، وتكبيرة، وحوقلة.
ومن أسماء الله تعالى، على الجلالة والعلي (مرتين)، والعظيم، والرب والأعلى، والوهاب، والحي، والقدير، والملك (ثلاث مرات)، والحق (مرتين)، والمبين، واليقين، وأرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، وحبيب التوابين، وغياث المستغيثين، والجبار، والواحد، والقهار، والحليم، والستار، والعزيز، والغفار، والمعبود، والمذكور، والمعروف بالإحسان، والأول، والآخر، والظاهر، والباطن، والعليم، والسميع، والبصير، والوكيل، والمولى، والنصير (ستة وثلاثين، بغير التكرير)، وقد حررت هذا للتحقيق، فليتأمل والله ولي التوفيق.
ولاينبغي الإهمال لأمثال هذا الحزب الكريم، والذخر العظيم، لمن يرغب في الدرجة العلية، والسعادة الأبدية، من رب البرية، وإن لم يتمكن من ورده كما ذكر، فما لايدرك كله لايترك كله، وإن لم يكن وابل فطل، وهذه توصية لنفسي، ولذريتي، ولصالحي إخواني.
أسأل الله ـ تعالى ـ بجلاله، أن يصلي على رسوله وآله، وأن ييسر لي ولهم طريق الأسباب، إلى الفوز /177
بالزلفى وحسن المآب، إنه كريم منعم وهاب.
[من صلة الإخوان في عبادة إبراهيم الكينعي]
ونتبرك بإيراد المختار، مما ضمنه من آثار أولئك الأبرار، على سبيل الاختصار؛ لما فيها من التذكرة والاعتبار.
قال (ع) في صفة عابد اليمن، وعالم الكتاب والسنن، الشيخ الكريم الولي، إبراهيم بن أحمد الكينعي، ـ قدس الله روحه، وأحله دار المقامة، وألبسه حلل الكرامة ـ ما لفظه في الفصل الأول:
أما صفته وحليته، فهي معنى ما قاله باب مدينة علم الله، وحامل وحي الله، وأسد الله في الأرض، وحجته على الخلق، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ حيث قال لهمَّام ـ رحمه الله تعالى ـ في صفة المتقين.
إلى قوله: والمدينة لاتدخل إلا من بابها؛ لأنه إمام أهل هذه الطريقة، ومفتاح علوم أهل الحقيقة.
وهذه هي الغرة المباركة: روى جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن زين العابدين علي بن الحسين، عن أبيه الحسين: أن رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين (ع) قام إليه يقال له: همَّام، وكان عابداً مجتهداً، فقال: يا أمير المؤمنين صف لي المتقين كأني أنظر إليهم.
فتثاقل عن جوابه، وقال: يا همام، اتق الله وأحسن؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
قلت: وقد حمل العلامة شارح النهج تثاقل أمير المؤمنين عن الجواب، على أوجه لاحاجة إليها؛ والأولى أن يقال: قد أوضح الجواب عن ذلك الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في قوله: أما والله، لقد كنتُ أخافها عليه...إلخ، وليس البيان على /178
هذا الوجه بواجب، حتى يوصف بعدم جواز التأخير عن وقت الحاجة على الصحيح، والله أعلم.
(رجع) فقال همَّام: يا أمير المؤمنين، سألتك بالذي أكرمك بما خصك به، وفضّلك بما آتاك وأعطاك، لما وصفتهم لي.
فقام (ع)، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ثم قال: أما بعد، فإن الله خلق الخلق، وكان غنياً عن طاعتهم، لاتضره معصية من عصاه، ولاتنفعه طاعة من أطاعه، وقسم بينهم معائشهم، ووضعهم مواضعهم؛ فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب.
ثم ساق الخطبة الشريفة...إلى قوله: فلما انتهى إلى آخر كلامه (ع)، شهق همام شهقة كانت فيها نفسه؛ فقال أمير المؤمنين: هكذا العظة البليغة في أهلها.
قلت: في النهج: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها.
قال السيد الولي يحيى بن المهدي (ع): سبحان المعطي من يشاء بغير حساب؛ ما أشبه الليلة بالبارحة!.
ثم أورد أبيات المتوكل على الرحمن أحمد بن سليمان (ع) من قصيدته المشهورة، منها:
فقد مات همّام لوعظ إمامه .... وصادف قلباً للمواعظ واعياً
ثم ساق في أوصافه؛ وأنا أورد منها، ومن أحوال أولئك الأعلام الأبدال ـ رضوان الله وسلامه عليهم ـ على اختصار، زبداً شافية، ونكتاً وافية.
قال (ع): هو رجل شمّر تشمير اللبيب، واستعمل عقله الذي هو حجة الله عليه، وتبصر ما يصير إليه، استصبح بكتاب الله، واستنار بسنة محمد بن عبدالله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وخاض في لججهما مدة من الزمان، فاستخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، فاعتدلت فطرته، وصفت طبيعته، وسمت همته؛ نظر بعينه /179
الصحيحة لنفسه، ومهّد لغده ورمسه؛ إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور؛ قد أيقن بالخلف فجاد بالعطية، بذل نفسه، وجاهد عدوّه، ودله الله فاستدل، ولطف به فالتطف، وخاطبه ففهم، وعلّمه فعلم؛ استهان بالعاجلة فآثر العاقبة، ومهّد لطول المنقلب إلى عيشة راضية، في جنة عالية، قطوفها دانية، كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية؛ ترك فضول النظر فوفق للخشوع، ترك فضول الكلام فوفق للحكمة، ترك فضول الطعام فوفق لحلاوة الفكر والذكر والعبادة، ترك تخييلات الظنون فوفق للبهاء والهيبة، ترك عيوب الناس فوفق لإصلاح عيوب نفسه؛ لزم الخلوة والفكر فوفق للعلم بالله النافع، لزم القناعة فأعطي مفاتيح كنوز المنافع.
...إلى قوله: كثير علمه، عظيم حلمه، وثيق عزمه؛ إذا صمم على شيء فيه لله رضى لم يلوه شيء من الدنيا؛ يحب في الله بفقه وعلم، ويقطع في الله بحزم وعزم؛ مذكر للغافل، مقرب للجاهل، بلطف العبارة؛ ناصر للدين، محام عن المسلمين، باذل نفسه في جهاد الملحدين، مع أئمة الحق المبين، معترف بحق أهل البيت الصغير منهم والكبير، مقدم لهم في الصلوات وغيرها من القربات، معتقد أن ما نال الخير إلا ببركتهم؛ أب لليتامى والمساكين، كافل لإخوانه المودين؛ بنفسي من ساهم الملائكة والأنبياء في أفعالهم.
...إلى قوله: وأما صفة ذاته الزكية، المقدسة بالرحمة والتحية، فهو من أحسن الناس وجهاً، وأتمهم خلقة، أقرب إلى الاصفرار والرقة، ليس بالطويل ولا القصير، كأن بنانه الأقلام، ترعف بالبركة لمن قصده من /180
الأنام، بوجه أبيض قد غشاه نور الإيمان، وسيماء الصالحين قد أحاط به من كل مكان.
...إلى قوله: إذا خرج نهاراً ازدحم الناس على تقبيل يده، والتشبث بأهدابه، والتبرك برؤية وجهه، وهو يكره ذلك، وينفر عنه؛ يغضب إذا مُدح، ويقول: يا فلان، دعْ هذا لمن يفرح به؛ ويُسَرّ إذا نُصح؛ من رآه بديهة هابه، وانفتح له قلبه محبة، ويقول الرائي: من هذا الذي ملأ قلوبنا نوراً، ووجوهنا حبوراً؟
فيقال: هذا إبراهيم الكينعي.
فيقول الرائي: سبحان من يصطفي ويعطي.
من قَبّل يده المباركة، وجد لها حلاوة وعليها طلاوة، ويود تقبيلها على الدوام؛ ما وضع يده على قلب قاس إلا رق وانشرح، ولا على أليم إلا سُرِّي عنه ولعينيه فتح؛ إذا تلا الكتاب العزيز، سمعت في جوفه الأزيز، إذا رآه العلماء تواضعوا لرؤيته، وعكفوا على اقتطاف ثمرات حكمته، وإذا رآه أبناء الدنيا عافوها.
...إلى قوله: وإذا رآه أهل المعاصي والفسوق أعجمهم القلق، ورشحت أجسادهم بالعرق، وارتعدت أوصالهم بالفرق، واستحيوا من الله عند رؤيته، وأضمروا التوبة؛ وسأذكر من تاب على يديه في موضعه ـ إن شاء الله تعالى ـ.
...إلى قوله في الفصل الرابع في رياضاته: لما عرف بعين التحقيق، وفكرة التوفيق، عدوّه الملازم، وهي النفس الأمارة، ثاغرها جهاراً، وسلّ عليها سيف العزم ليلاً ونهاراً، وإعلاناً وإسراراً، ومنعها فضلات الطعام، والشرب والمنام، وقلل مخالطة الأنام، مدة من الزمان؛ حتى خرجت من النفوس الأمارة بالسوء، إلى النفوس اللوامة.
...إلى قوله: كنت أسمعه يحاسبها، فأظن معه رجالاً يخاصمونه، حتى أشرف عليه، وليس معه أحد مدة من الزمان؛ حتى خرجت من النفوس اللوامة إلى النفوس المطمئنة، فتروحت واطمأنت، وانشرحت مدة من الزمان، فتعلقت بالمولى، ومحبته وخدمته، حتى رضيت وقنعت.
قال لي يوماً: لو أعطيت /181
الدنيا بجوانبها، ومفاتيح الجنة كلها، لما اخترت إلا وقوفي بين يدي الله ساعة أناجيه.
ولاتخرج النفس الأمارة إلى النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة إلا بعد الرياضة التامة، والمثاغرة القوية، والمحاسبة العظيمة، والحرب خدعة، وهي التي قال الله تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)} [الفجر].
أما رياضته في المطعم: فاعتمد على الصيام الأبد إلا في العيدين، وأيام التشريق.
...إلى قوله: شاهدته يوماً يقع من قامته من غلبة النوم، فجاهدها بقلّة الإدام مدة.
...إلى قوله: حتى انقادت له بأنها لاتناول الطعام إلا في السحر، فاعتدل على ذلك، وديدن عليه واستقام، وانشرح حتى الموت.
سمعته يقول: كم من ليلة أسابق الفجر على عشائي، فتارة أسبقه وتارة يسبقني.
...إلى قوله: وقف على هذه الصفة من الصيام والقيام، زهاء ثلاثين سنة، حتى بلغ من الضعف غاياته، ومن السقم نهاياته، حتى رق جلده، ويرى بياض في غالب عظمه من رقة جلده.
...إلى قوله: ومع هذا كان صليباً في الصلاة، وقوياً على القيام، والصيام، والسير إذا أحب، المرحلة أو المرحلتين أو الثلاث، ما أفتره فيما أحب هذا الضعف عن صيام ولا قيام؛ صدق ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حيث يقول: ((صوموا تصحّ أجسامكم من الآلام، وقلوبكم من الأسقام))، ما علمت أنه مرض في المدة هذه إلا يسيراً عارضاً، إلا مرة ضعف ضعفاً عظيماً، حتى يظنه الرائي خرقة ملقاة، وقعد ثلاثة أيام ملقى على قفاه، فقال له أخوه سعيد بن منصور الحجي ـ رحمه الله تعالى ـ: إبراهيم، اذكر ربك؛ فقام منزعجاً بأعلى صوته: ياسعيد، لم أنسه فأذكره، ياسعيد، لم أنسه فأذكره؛ ثلاثاً أو أربعاً، ثم استلقى وبكى.
...إلى قوله في وصفه إذلال نفسه: كان لايعد نفسه إلا من أعظم /182
الأعداء.
...إلى قوله: ولا افتخر بشيء مما على الدنيا؛ زاره الإمام الناصر أمير المؤمنين محمد بن علي بن محمد بمدينة ذمار، وكان ـ رحمه الله ـ في دهليز لبعض إخوانه، فسلّم عليه، وقبل يده في الظلام.
وقال للإمام: إن علم الله مني محبة لوصولك إليّ لم يكن لي جزاء إلا النار.
وزاره رجل فاضل، فقال: أتينا من أرض بعيدة لزيارتك، فقال: أمثلي يزار؟ أمثلي يؤتى؟ وبكى حتى أبكى، وغشي عليه طويلاً؛ فسقط ما في يد ذلك الرجل، وظن أن قد فارق الحياة، وتلك غشية تصيبه الفينة بعد الفينة.
...إلى قوله: وكان إذا خالط الإخوان فقلبه مع الله، وجسده بينهم؛ وإن سكت فلسانه يتقلب بذكر الله، تارة يقول: يا الله يا الله، وتارة يقول: الله الله؛ وإن تكلّم بكلمة شخص بعدها ببصره إلى السماء للمراقبة.
...إلى قوله: كانت نيته في كل صباح محدودة، أن كل قول، وعمل، وترك، ومخالطة، وعزلة، وفكر، وذكر، وإيناس مسلم، وتذكير غافل، وإيثار، وابتداء سلام لكل وجه حسن، يقرب إلى الله للوجه الذي يريده على الوجه الذي يريده؛ وكان يحث إخوانه على هذه النية؛ ومن كان له مال أمره بالزيادة على هذه، أن كل ما خرج من يده لايرجع إليه، ولاعوضه، من صغير وكبير، ومثقال ذرة من حق وجب يعلمه الله عليه إن كان، وإلا فقربة وصدقة، وعلى كل وجه حسن يريده؛ وكان يحب الوقوف في المساجد إذا كان معه من يدافع عنه الناس؛ لأنه لا يُكَلَّم في المسجد، ولا يَتَكَلَّم فيه؛ وإذا وصله غريب أخذ بيده وخرجا عن المسجد، وكالمه وفاكهه، وقضى حاجته؛ وكانت أخلاقه كأخلاق الأنبياء (ع).
...إلى قوله: الفصل الخامس في أوراده، وعباداته، وأفكاره، وإخلاصها تعظيماً /183
لجلال الله، وكبريائه، لما عرف الله حق معرفته، وراضَ نفسه رياضة جذبته إلى خدمته، وخافه مخافة لو قسمت على أهل دهره لكفتهم، وشكره شكر ملائكته وأنبيائه الذين عصمهم، ورجاه رجاء أهل المحبة الذين قربهم، وبكأس مودته أرواهم، وبرضاهم عنه أرضاهم، وبتبجيله حباهم، وبمناجاته أصفاهم؛ فوظف ـ رحمه الله ـ أيامه ولياليه، وجميع ساعاته، أوراد الصالحين من الذكر، والفكر، والصلوات والتلاوات، بحيث لو فاته شيء قضاه ولو شقّ، مع أن اشتغاله عن ذلك ليس إلا في خير.
...إلى قوله: وما كان مأثوراً في الوضوء وبعده، ومن الصلوات، فهو يفعله ويلاحظ عليه، ويسأل عنه علماء الحديث، ويباحثهم عن سندهم.
ثم بسط القول في أنواع عبادته، سفراً وحضراً، بما يتعسر، ولايكاد يتيسر، إلا لمن يسره الله تعالى عليه فهو يسير، والله على كل شيءٍ قدير.
قال: وكنا نسمع ونروي في كتب العبادات عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أن أوراده الصالحة في اليوم والليلة ألف ركعة غير الأذكار وإملاء الحكمة؛ وكذا عن زين العابدين علي بن الحسين، كان له خمسمائة، نخلة يصلي عند كل نخلة ركعتين كل يوم، غير التلاوة والأوراد، ونشر العلوم؛ وكذا عن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة، فإذا كان آخر الليل، قال: إلهي لم أعبدك حق عبادتك.
قلت: وكذا ابن أخيه علي بن الحسن، والد الإمام الحسين صاحب فخ؛ ما كانوا يعرفون الأوقات في السجن إلا بأوراده.
وإمام الأئمة الهادي إلى الحق، كان يقطع الليل ركوعاً وسجوداً ونشيجاً، حتى يسمع وقع دموعه يتقاطر على /184
الحصير من خلف مكانه.
والإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة، صام، وقام، خمس عشرة سنة متصلة.
وغيرهم من أئمة الهدى؛ مع ما هم فيه من الجهاد والاجتهاد، والاهتمام بهداية العباد ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ ولو فتحنا الكلام في هذا الباب، لأدخلنا إلى ماليس في حساب.
قال: فإن قلتَ: أنى يتهيأ هذا العمل الكثير في هذا الوقت اليسير لهذا الرجل، ولهؤلاء السادة؟
قلت: إن ذلك يسير على من يَسَّره الله عليه؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} [محمد]، ولقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ } [البقرة:261]، ((والخير عادة)) ـ قاله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وروي: أن رجلاً صالحاً من أهل صنعاء في زمان الهادي إلى الحق (ع) رأى النبي الخضر في جامع صنعاء، فقال له: أنت النبي الخضر؟
قال له: نعم.
قال: ادع الله لي.
فقال له: يسر الله عليك طاعته.
فقال له: زدني.
فقال: ما أجد زيادة.
[في تفكر الكينعي]
...إلى قوله: ومن أوراده الصالحة التفكر في آلاء الله، ومخلوقاته، وفي زوال الدنيا، وأحوال الآخرة؛ كان له ورد بالتفكر بالنهار، وورد بالليل؛ دخلتُ عليه يوماً وهو مغشي عليه، فرفعت رأسه إلى حجري، وفاتحته الكلام، فانتعش وقال: هاك هذا القرطاس اقرأه؛ فأخذته من يده المباركة، وقبلتها، فإذا /185
فيه ما نسخته بخطه:
حسبي ربي، نقل من التصفية للديلمي عن بلال أنه قال: أَذَّنْتُ أيام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لصلاة العتمة، وانتظرت خروج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فلم يخرج من الدار، فدخلت إليه فوجدته ساجداً، ويسيل من دمعه نهر، فقلت: يارسول الله، الصلاة؛ فرفع رأسه من السجود، فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أشرّ أصابك؟
فقال: ((نزل جبريل، وقال لي: يامحمد، إن صلاتك، وصومك، وحجك حسن؛ ولكن انظر بعين العبرة إلى القدرة إلى السماء مع طوله وعرضه، وغلظه وتأليفه، وهو معلق بلا علاق ولا عمد، فانظر بعين العبرة إلى قدرتي؛ فتفكر ساعة أحبّ إليّ من عبادة ألف سنة)).
قلت: وقد روي بنحو هذا في تفسير قوله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} [آل عمران]، وذكره في الكشاف.
قال: وفتح يوماً كتاب التصفية للديلمي ـ رحمه الله ـ وقد علمه بخيط من صوف، قال فيها: (فائدة شافية كافية) التفكر على خمسة أوجه:
الأول: في صنع الله، وعظمته، وقدرته؛ فمنه تتولد المعرفة.
الثاني: في نعمائه، وإحسانه؛ فمنه تتولد المحبة.
الثالث: في وعده ووعيده، وشدة انتقامه؛ فمنه يتولد الخوف، والزهد، والورع، وترك الاشتغال.
الرابع: في ألطافه، وحسن صفاته، وإرادته لصلاحك، وإرشادك؛ فمنه يتولد الرجاء، والرغبة، والمواظبة على ما يقرب إليه. /186
الخامس: التفكر في سوء نفسه، وهتك حرمات ربه، وقبح معاملته إياه؛ فمنه يتولد الحياء، وذلة النفس.
فقال: اكتب في الحاشية: يالها من كلمة شافية موقظة.
وسرتُ معه إلى خبان مدحج لزيارة الإخوان ثمة، فانتهينا إلى فوق هجرة الأخشبي ببني قيس تحت عِرفةٍ شاهقة، فاستقام مبهوتاً، فبهتنا حذراً عليه من التردي في ذلك الشاهق، فوثبت عليه أنا وأخ لنا أمسكناه، فقال: تقولون مم خلق الله هذه الجبال، والصخرات الصم؟
ثم ارتعش ملياً وغشي عليه، ثم أفاق، وقال: سبحان من خلق هذه الجبال، من عدم على غير مثال.
ثم قال: قُتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه.
ثم قال: الذي خلقها سوداء وغبراء يجعلها جوهراً شفافاً، كما روي أن حصباء الجنة من درّ وياقوت؛ فسبحان من أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ولم يعجل على من عصى، وستر على من غفل وجهل بالمولى.
...إلى قوله: ثم قال: والحوت الذي أقسم الله به: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} [القلم]، لو أدرجت السماوات السبع، والأرضون السبع، في أحد منخريه ما تبرم بهنّ.
...إلى قوله: الذي خلق هذه الجبال من عدم، قادر أن يجعل فيها روحاً.
ثم قال: إن هذا الجبل من مكة إلى عدن يسمى في العراق جزيرة اليمن؛ لأن البحر من جميع جوانب هذه الجزيرة، من عدن إلى مكة، إلى الشحر إلى تهامة؛ ويحكى أن بحر عدن، وبحر هرموز ـ كذا في الأصل ـ كالكمين للقميص، وبحر الهند كالقميص، والله أعلم.
ثم قال: قيل: إن الأرضين السبع بجنب سماء الدنيا كحبة خردل، ثم السماء الدنيا تحت الثانية كريشة في فلاة، /187
والأرضون السبع، والسماوات السبع، بجنب العرش العظيم، كخاتم في أرض فلاة.
قال: وذكر الثعلبي في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة:17]، قال: على صورة الوعول، ما بين ظلفه إلى ركبته خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام.
فما قمنا من ذلك المقام إلا وقد تقطعت أوصاله من تململ أعضائه، وما سرنا إلا ورجلان يمسكان بيده.
وقال يوماً في معنى قوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} [الذاريات]: يا ابن آدم، سافرت المشارق والمغارب لتعرفنا، فلو سافرت في نفسك لوجدتنا في أول قدم، درت البلاد تطلبنا، ونحن أقرب إليك من حبل الوريد، ونحن معكم أين ما كنتم.
...إلى قوله: وأفكاره ـ رحمه الله ـ عجيبة، ونتائجه غريبة، وعلومه باهرة، وحكمه ظاهرة.
قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه))، فكيف من أخلص لله عمره، وهو خمسون أو ستون سنة؟!!
قال: قال له بعض إخوانه: أما أنا، فإن الصوم يشق بي.
فقال ـ رحمه الله ـ: وأنا الإفطار يشقّ بي، سبحان الله، الذي أنت تأكله بالنهار تأكله في الليل، وتنال درجة الصائم الذي ليس له جزاء إلا الجنة، كما في الخبر.
وإن لربي صفوة من عبيده .... قلوبهم في روض حكمته تجري
...الأبيات.
إلى قوله: وجدتُ بخط يده المباركة ما نسخته: حسبي ربي /188
قال شقيق بن إبراهيم البلخي ـ رحمه الله تعالى ـ: حصن العمل ثلاثة أشياء:
الأول: أن يرى العبد أن القوة على العمل من لطف الله وتوفيقه؛ ليكسر به العجب.
الثاني: أن يبتدي العمل بالإخلاص؛ ليكسر به هوى النفس والشيطان.
الثالث: أن يبتغي ثواب العمل من الله؛ ليكسر به الطمع من الناس.
ولا يحكم ذلك إلا بشيئين:
أحدهما: أن يعرف قطعاً أن أهل السماوات والأرض، لو أرادوا أن يزيدوا في رزقه حبة خردل، أو ينقصوا، أو يقدموه قبل وقته، أو يؤخروه، لم يقدروا على ذلك أبداً.
الثاني: لو اجتمعوا على أن ينزلوا به مكروهاً لم يرده الله به ـ قلت: أي لم يمكنهم الله تعالى منه، فالمعنى لم يرد تمكينهم منه، بل دفعهم، قال:ـ لم يقدروا على ذلك؛ أو يدفعوا منه مكروهاً أراده الله ـ تعالى ـ به لم يقدروا على ذلك.
قال: ووجدت بخطه: قال الوافد للعالم من أهل البيت (ع).
قلت: المشهور أن الوافد قاموس آل محمد، محمد بن القاسم؛ والعالم والده نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم ـ صلوات الله عليهم ـ وهو كتاب من جوامع العلم، وسواطع الحكم، كله سؤال من الوافد، وجواب من العالم، /189
وقصدهما ـ صلوات الله عليهما ـ إلقاء الحكمة؛ فهو من باب قوله:
نحن أدرى ـ وقد سألنا ـ بنجدٍ .... أقصير طريقه أم طويلُ؟
وكثير من السؤال اشتياق .... وكثير من رده تعليلُ
وقوله:
في كل يوم أستفيد تجارباً .... كم عالم بالشيء وهو يسائلُ
(رجع): صف لي الإخلاص.
قال العالم: الإخلاص مثل نور الشمس، أدنى غيم أو غبار يكدر من ضوئها قدر ذلك الغبار؛ إن كان رياءً محضاً أظلمت، وإن كان مشوباً بغرض دنيوي، أو تعجيل منفعة، كان ذلك على قدر ذلك؛ فافهم، فمن كان لله أخوف فهو به أعرف.
ومن هاهنا أفرغ القلم؛ فهذا ما انتهى إلي من جواهر حكمته في هذا الفصل؛ أسأل الله بذاته العظمى، وأسمائه الحسنى، أن ينفعنا بما علمنا وعرفنا، ولاجعله حجة علينا.
في بعض كتب الحكمة: إذا كان يوم القيامة، قامت كلمة الحكمة بين يدي الله ـ تعالى ـ وتقول: يارب، أنصفني من هذا، وقف عليّ، ولم يعمل بي.
اللهم احملنا على عفوك، ولاتحملنا على عدلك.
قلت: وأنا أقول حامداً لله ـ تعالى ـ على جلاله، ومصلياً ومسلماً على محمد وآله، متوسلاً إليه ـ تعالى ـ بما توسل، سائلاً له ـ جل وعلا ـ ما سأل.
أرباه أرجوكَ فيما رجا .... إلهي فحقق رجا سائليك
[من مكارم أخلاقه]
قال في الفصل السادس، في مكارم أخلاقه، وتحمله لمشاق إخوانه: ومنها: أنه جدد العزم والنية، وارتحل إلى مكة والحجاز، في تحمل مشقة السفر العظيم، في سبب دَيْن علق في ذمة بعض خواص إخوانه، فشمر لله - تعالى - /190
وصِلَة لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ولأخيه السيد الهادي بن علي بن حمزة، وهو زهاء مائة وخمسين قفلة؛ فوصل إلى مكة المشرفة، وجمعها من حيث أراده الله، وسار بها بنفسه إلى الصفراء، وينبع؛ وسلم دين أخيه، واستبرأ من ورثة عدة، وكتب إلى أخيه: بأني قد قبلت لك، وقضيت عنك، وسلمت ما عليك إلى أرباب الدين، وحصلت لك البراءة التامة، وعليها حكم الحاكم، وشهادة الشهود.
جعل الله هذه الصلة من أثقل ما يجد في ميزانه، وأعاد من بركاته على كافة إخوانه.
قال: ومن مكارم أخلاقه المبرورة، وسجاياه المشكورة، أنه كتب إلى بعض موِدّيه من مكة المشرفة.
قلت: المكتوب إليه المؤلف السيد الإمام الرباني، يحيى بن المهدي (ع)، وانظر إلى تواضع أولياء الله لآل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مع أن إبراهيم شيخه، ومربيه ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: نسخته: حسبي ربي وكفى، ونعم الوكيل؛ وصلّ يارب على محمد وآله وسلم يا إلهي؛ أفقر الفقراء إلى الملك الأعلى، محبة بلسانه وجنانه، المؤمل أن يُقَبِّل تراب أخمص نعليه، وما ذاك على ربي بعزيز ـ إبراهيم بن أحمد ـ أما بعد: فإني أحمد الله، الذي لا إله إلا هو، حمداً كثيراً مباركاً فيه؛ وصلني كتابك فشفاني، وسكن اشتغالي بك، فليس في قلبي أقدم منك كما يعلم ربي؛ وكذا من رحمة الله تزوره آناء الليل وأطراف النهار، أخونا وحبيبنا، سعيد بن منصور الحجي؛ فلقد أوحش علي اليمن بعده، ومَضَّني فراقه، وسرني هذه الوفاة التي حصلت له على الإقبال إلى الآخرة، كان من الأفاضل المقربين، ومن خيرة الأولياء والصالحين، جمع الله ـ تعالى ـ بيننا وبينه حيث لا افتراق بعده.
تعلم أن أحوالي جميلة، غاية ما يكون من أمور الدنيا /191
والآخرة، ما أعتقد يحصل لي خير إلا من دعائك ودعاء أختي مريم، كان خاطرها معي، فرحم الله مريم، وأصلح أمورنا الجميع، بمحمد وآله.
قلت: هي أخت عابد اليمن، الفاضلة العابدة، مريم بنت أحمد الكينعي ـ رضوان الله عليهم ـ.
قال: وتعلم أن لي في مكة المشرفة أربعة مواضع، كلها أشاهد فيها البيت العتيق؛ ومن ألطاف الله الجميلة معرفتي بهذا السيد العالم، محمد بن علي التجيبي الحسيني ـ حسن الله تعالى به حال دنياي وآخرتي ـ وكنت في جنب علمه في علم المعاملة، كمثل أهل شعوب في جنب عالم حاز علم الشريعة، وعلم الحقيقة؛ شاب حدث، تأتيه الفتوح من البلاد، وما عليه إلا مرقعة للحر والبرد، وله تصانيف في علم الشريعة، وعلم الطريقة، وله فضائل جمة؛ وقد كتب إليك وواخيته لك، وصدر لك بسجادة ومسبحة، وهو رجل زادني به الله هدىً ونوراً، وبهجةً وحبوراً؛ والفقيه علي بن أبي القاسم الشقيف ناظم لأموري، معيناً لي؛ فجزاهم الله عني خيراً؛ والشريفة المفضلة والدتك.
قلت: هي الشريفة الطاهرة، جوهرة النبوة الفاخرة، ابنة الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة، أم السيد الولي يحيى بن المهدي (ع).
قال: والسيد الولي صنوك.
قلت: هو السيد الإمام أحمد بن المهدي، أخو عماد الإسلام المؤلف.
قال: والسيد الحبيب ولدك عبدالله.
قلت: هو السيد الإمام، حافظ علوم العترة الكرام، أبو العطايا عبدالله بن يحيى بن المهدي (ع).
قال: وكافة الأحباب والأصحاب؛ الله يتحفهم بأشرف السلام، وأزكى التحية والإكرام.
[مودة الكينعي لأهل البيت(ع)]
قال السيد الإمام، عماد الإسلام (ع): واستخرت الله تعالى، /192
وذكرت لمعة شافية، وسحابة بالبركات هامية، في مودته لآل محمد جملة، وفي الإمامين الأكرمين، الذين أحيا الله بهما دينه، وأعلى رسمه، وطمس بحميد سعيهما رسوم الجاحدين، ومآثر الفاسقين، وسنن المجرمين، وعتاة الظالمين: المولى الإمام المهدي، لدين الله العلي، علي بن محمد بن علي بن الهادي لدين الله ابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وولده الإمام الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، رحمة الله الشاملة على البلاد والعباد، ونقمته على الملاحدة الباطنية وذوي العناد، صلاح الأمة، وكاشف الغمة، محمد بن علي بن محمد؛ توّجهما الله تعالى بتاج الكرامة، وأحلهما دار الأمن والسلامة، مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وجزاهما عن الإسلام خيراً، وعن المسلمين ثواباً جزيلاً، وأعاد من بركتهما على العارف والسامع والمبلغ، وصلى الله عليهما وعلى آبائهما، بأفضل الصلاة والسلام، وأزكى التحية والإكرام، وفي حلية إخوانه المذكورين، وفضلاء دهره من العلماء والصالحين؛ لنفوز بحبهم، ونتبرك بذكرهم ـ إن شاء الله تعالى ـ.
ثم ساق في فضل أهل البيت (ع)، وقد تقدم ما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى.
قال: وكان إبراهيم الكينعي يحب أهل البيت محبة ظاهرة، لايتقدمهم في قول ولا عمل، ويقول: يهنيكم يا آل محمد الشرف العلي في الدنيا والآخرة.
وأروي عنه خبراً يسنده إلى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لاتزول قدمُ عبد على الصراط حتى يسأله الله عن أربع: شبابه فيم أبلاه؟ وعمره فيم أفناه؟ وماله من أين اكتسبه وفيم وضعه؟ وعن حبنا أهل البيت؟)) /193
- قلت: وقد تقدّم -.
وكان رحمه الله يستبرئ ممن عرف من أهل البيت، ويقول: لسنا نقوم لكم بحق يا آل محمد، فأحلوا علينا، مع أنه كان الحفي بآل محمد؛ ما علمت أنه دخل عليه شريف إلا يقف بين يديه وقفة العبد الذليل المطرق ـ جزاه الله عن آل محمد خيراً ـ وكان ينهى إخوانه عن الصلاة البتراء.
...إلى قوله: وكذا يصلي، ويهدي ثوابها إلى الأئمة السابقين، من علي (ع) إلى يومنا هذا في الأغلب، في كل يوم وليلة من الصلوات، وختم القرآن الكريم، ويقول ـ رحمه الله ـ: أفعل ذلك لعل الله ـ تعالى ـ يقبله مني ببركاتهم وأسرارهم.
قال: وأما فضل الإمام المهدي لدين الله، علي بن محمد بن علي بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومودته فيه، ففضله ظاهر كظهور الشمس، وفضائله ـ أعاد الله من بركاته ـ تروى من غير لبس، جمع (ع) علوم الاجتهاد في سنين يسيرة، وحاز خصال الإمامة من بلوغ درجة الاجتهاد في العلوم كلها، ومكارم الأخلاق، التي لم يسبقه إليها أحد، التي فاقت وراقت؛ والكرم الذي عمّ واشتهر، وحسن التدبير، والسكينة والوقار.
[من صلة الإخوان في الإمام يحيى بن حمزة (ع) وأولاده]
فلما توفي الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أكسفت شمس العلوم والبركات، على كافة المسلمين.
ثم ساق في فضل الإمام يحيى (ع).
قال: وكان زاهداً في الدنيا، كان تحته بساط خلق، فقيل له: لو اتخذت بساطاً جديداً؟
فقال: لو شئت أن يكون بساطي من ذهب وحرير لفعلت؛ ولكن لنا برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أسوة، جهز ابنته سيدة نساء العالمين، ابنة سيد المرسلين، زوجة سيد الوصيين، بوسادة من أَدَم، حشوها ليف، /194
وإهاب كبش.
قال: وكان له ـ أي الإمام يحيى (ع) ـ سبعة أولاد علماء، حلماء، كرماء، عبّاد، زهاد، مجاهدون.
عبدالله الكبير، حاز شروط الإمامة كلها، وله وقعات، وملاحم في حرب الباطنية بصنعاء، وغيرها.
ومحمد عالم، فاضل، فائق الكرم، جامع لخصال الشرف، تحمّل مشقة هجرتهم حوث، وكان العلماء والدرسة في بيته إلى قدر الخمسين أو الستين، ومن الضيف إلى قدر ذلك وأكثر.
وإدريس كان عالماً، فصيحاً، شجاعاً، له ملاحم.
وحسين كان فاضلاً، حاز خصال الكمال برمتها، وله جهاد عظيم، وكان له كرامات، وبركات تروى.
وأحمد كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً، متواضعاً، متحنناً على المسلمين.
والهادي كان عالماً، فاضلاً، خرج من ماله كله، ولبس الخشن من الصوف، وانتعل المخصوف، وللهادي عشرة أولاد علماء، حلماء، فضلاء، كرماء.
[في نبذة من الفضلاء حفُّوا بالإمام المهدي علي بن محمد (ع)]
والمهدي كان عالماً، فاضلاً، زاهداً، عابداً؛ سمعت حي الإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر (ع)، قال: أولاد الإمام يحيى بن حمزة سادات السادات، بهم إلى الله تستنزل البركات.
قال: فلما توفي الإمام المؤيد بالله أظلمت الأقطار، وارتاعت الأمصار، واجتمع علماء صعدة، وعلماء ظفار، وعلماء حوث، وعلماء مدحج، إلى قدر ثلاث مائة، أو يزيدون، وقعدوا يطلبون الإمام المهدي (ع) بالقيام شهرين كاملين، وشهدوا له أن القيام هو الواجب عليه، وكان يشار في ذلك الموقف إلى من قد جمع خصال الكمال، السيد /195
الإمام، محمد بن أبي القاسم، والسيد الإمام الهادي بن يحيى بن الحسين، والسيد الإمام داود بن يحيى بن الحسين، والسيد الإمام محمد بن علي بن وهاس، فعرفوا كماله، فأوجبوا عليه، وقام بالأمر لله قاصداً، ولأعدائه محارباً، وانتشر فضله، وعمّ نائله؛ وله كرامات مشهورة، وأوراد مسطورة، منها: أنه كان يقرئ في مسجد موسى بقطيع صنعاء، وحلقة قراءته نيف وعشرون، فجاء القاضي الشامي ويده عضباء قد يبست، فقال: يا مولانا، هذه يميني كما ترى.
فأمسكها الإمام (ع)، ونفث فيها، وتلا عليها، فامتدت أصابعه وكوعه، حتى بدت لحمة بيضاء في راحته، قد عَلَت على الأصابع؛ فكبر من حضر، واستعظم ما إليه نظر.
قلت: وقد أشرت إلى هذه الكرامة في التحف الفاطمية ، ولكن هنا زيادة تحقيق من المعاصر؛ وهذه الآيات، التي يمن الله ـ تعالى ـ بها لأوليائه، من أعلام الدين، ومؤيدات اليقين، والحمد لله رب العالمين.
قال: ومنها: ما روى لي إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: مسح على مُقْعَد، أعرفه يسير على عود في يده؛ فشفي من حينه وساعته.
وفضائله مسطورة في سيرته؛ وكان أوراده المباركة، منها: إحياء الليل، وصيام أكثر الدهر، وحسن الخلق، وتحننه على المسلمين؛ وكان إذا عرف أن نفقته طحنت على مطحن الصدقة لم يأكل منه شيئاً.
قلت: واعتبر ذلك في عباد عصره، وعصر ولده الناصر، وأبدال دهرهما، وكذا أعصار الأئمة الهادين، وأعلام الأمة السابقين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ، فأئمة أهل كل عصر، وقادة أهل كل دهر، قدوة المهتدين بهديهم، وأسوة المقتدين بأثرهم، إلى ما رغبوا فيه، ومالوا إليه؛ وفي أمثال /196
العامة: (دين الرعية على دين الملك).
قال: قال لي ـ أي الإمام الولي المهدي (ع) ـ: تقف معنا في ذمار، هذا الشهر الكريم رمضان، ولاتفطر إلا معي.
فقلت: سمعاً وطاعةً لأمير المؤمنين.
فكنت أصلي معه المغرب، فيحيي ما بين العشائين بالصلاة والبكاء، والخضوع والخشوع، ما يزعج السامع؛ فإذا كان بعد تمام العشاء، وتمام أوراده المباركة، استقبل إخوانه بوجه لم أر مثله، كأنه القمر ليلة البدر؛ نوره قد علا، ولحيته تملأ صدره، كأنها قطنة مخلوجة؛ فيحضر الطعام، فيمد يده للدعاء، وهو يرتعش كالسنبلة، فتارةً يدعو، وتارة يصيبه ثمول فيسكت ساعة، وتارة تقع دموعه على الأرض؛ فإذا قرب الطعام أدارني في إخوانه العلماء الفضلاء، وأقعدني على طرف سجادته، ومدّ يده إلى سكرجة فيها عشاؤه، أكثر الأحيان آتي على أخيره، ويقول: يا ولدي هذا من نفقتي، هي أطيب لك؛ ربما في طعام إخواننا شيء من الصدقة.
بنفسي من شفيق ورفيق، ما أشبه أخلاقه بأخلاق رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قوله ـ تبارك وتعالى ـ: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم].
قال: ومن فضله (ع) أن تولى أمور نهيه وأمره، وحله وعقده، وحضور مقاماته، العلماءُ الأفاضل، والسادات الأماثل، والعباد المجتهدون، والزهاد المشمرون، والقضاة المبرزون.
وعدد أسماءهم، وأنا أذكرهم بلفظه، مع سلوك الطريقة السابقة في التصرف اليسير بالاختصار، والتقديم والتأخير، وهم: الهادي بن يحيى بن الحسين وزيره، ووصيه؛ والسيد الإمام داود بن يحيى بن الحسين وزيره، ووصيه. /197
قلت: هما ابنا السيد الإمام يحيى بن الحسين اليحيوي، صاحب الياقوتة؛ وقد سبقوا (ع).
قال: والسيد الإمام، الحسين بن يحيى بن حمزة، كان أميراً له بصعدة؛ والسيد الإمام، قدوة أهل الإسلام، محمد بن أبي القاسم وزيره، كان معه في حرب ظفار فتوجع، وأذن له الإمام بالنقلة إلى حوث، فقال: أحب [أن] ألقى الله وأنا في طريق الجهاد، فتوفي ودفن بظفار، وقبره مشهور مزور؛ ثم ولده من بعده، السيد عماد الدين، يحيى بن محمد بن أبي القاسم؛ ثم السيد الإمام، شمس الملة والدين، أحمد بن الناصر، كان وزيره، والمتولي عن أمره في بلاد سنحان، وبكيل، والمغارب، والمشارق.
قال: ثم الفقيه شمس الدين، أحمد بن ساعد، كان أيضاً وزيره، وحاكمه بمدينة ذمار، وفيه من العلم والفضل، والورع والزهد، ما شهرته تغني عن ذكره؛ ثم الفقيه الإمام، أحمد بن عيسى الشجري، كان حاكماً متولياً؛ ثم القاضي العلامة، شمس الدين، أحمد بن محمد الشامي، كان وزيره، وتوليته بلاد مدحج؛ ثم الفقيه المجاهد، إسماعيل بن محمد، كان والياً للمغرب؛ ثم القاضي، آية الزمان، وبركة الأوان، الحسن بن سليمان، كان متولياً وجامعاً للأموال، وحاشداً للرجال، للجهاد في سبيل الله بين يدي الإمام المهدي (ع)؛ وقد قدمت في زهده وورعه فصلاً شافياً.
قلت: قال في الفصل الرابع: ويزور ـ أي إبراهيم ـ في كل عام شيخه في الدين، وقدوته في التقوى واليقين، إمام أهل السنة والكتاب، ولبابة أولي الألباب، زاهد اليمن والشام، والسيد الحصور القوام، المبرأ من مقارفة الآثام، ولي العترة الكرام، الباذل نفسه لهم من كافة الأنام، تاج أهل الإيمان؛ القاضي/198
حسن بن سليمان، توجه الله بتاج كرامته، وأزلفه بجواره، وأعاد من بركاته.
...إلى قوله: نشأ على الزهد والورع، والخوف والفزع، ما لايمكن شرحه؛ وحاز العلم والعمل، ما كان يوجد في وقته مثله من أحد، في علم الفقه، والأخبار النبوية، والتفاسير ـ سيما في فقه الناصر (ع) ـ كان لباسه شملتين من خشن الصوف الأغبر، وكوفية صوف، وكان يحيي الليل قياماً، والنهار ذكراً وفكراً، ودرساً للعلوم؛ وعمر مائة سنة ونيفاً وثلاثين سنة؛ وكان له كرامات تروى، وفضائل تحكى.
...إلى قوله: وروى لي سيدي إبراهيم بن أحمد، قال: زاره الخضر (ع) أربع مرات، يكالمه ويحادثه، ويعلّمه أدعية مجابة.
ومنها: روى لي السيد الفاضل العالم، أحمد بن عبدالله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة، عن ابن عمه، آية زمانه، وبركة أوانه، علي بن عبدالله بن محمد بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة، عن إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ قال: مات أخ من إخوان حسن بن سليمان، وكان صالحاً عابداً، فجاءه وهو مسجى ميت، فقال: السلام عليك يا فلان، ففتح عينيه ساعة، ثم أطبقهما.
قال: ولما فتح الله على الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد، بذمار وبلاد مدحج، قال لي يوماً: لابد لي من إعانة هذا الإمام، وولده صلاح (ع)، لا سلبهم الله ما خوّلهم، وحفظ عليهم ما أعطاهم؛ لكن ياولدي، ما جئت وأنا أحسنه إلا أني أكون أخزن لهم التبن؛ لأن السَّوَس يخونون فيه ويبيعونه.
قلت: صانك الله عن ذلك.
ثم ساق في فضائله وبركاته ما يطول ـ رضي الله عنهم ـ.
ولنعد إلى تمام الكلام.
قال: والفقيه الإمام، الحسن بن محمد النحوي، كان وزيره، وحاكمه في /199
صنعاء اليمن؛ ثم الفقيه الفاضل الزاهد، سعيد بن الدعوس، كان والياً لبلاد عنس.
قلت: وقد تقدم قوله: كعبدالله بن الحسن الدواري، حاكمه بصعدة، ووزيره ووصيه؛ ولكن رتبت علماء الشيعة ـ رضي الله عنهم ـ على الحروف.
قال: هؤلاء فضلاء العصر، وأوتاد الدهر؛ وكانوا كحواري عيسى بن مريم (ع)، وكأصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما ترك واحد منهم ممكناً فيما عرف أنه يحسنه.
(رجع) إلى أحوال الإمام المهدي لدين الله علي بن محمد (ع).
قال: ثم اختار الله له ما لديه، ونقله إلى واسع رحمته، بعد إبلائه في الله، وجهاده في سبيل الله، ما يقر الله به عينه، ويزلفه عنده ـ إن شاء الله تعالى ـ أصابه خلط فالج، أزال عنه التكليف.
[الإمام الناصر محمد بن علي (ع)]
وولده الإمام الناصر (ع)، القائم بالأمر والنهي، وسداد الثغور، مدة سنة كاملة؛ ثم إن الإمام الناصر جمع العلماء من صعدة، وبلاد مدحج، وقال: هذا الإمام قد سقط عنه تكليف الإمامة، وكنت أصدر وأورد عن أمير المؤمنين، الذي أجمع على إمامته علماء المسلمين؛ فالآن ألقيتُ حبلها على غاربها، فانظروا لأنفسكم، وهذه عُهَدُ المسلمين وآلات الجهاد بأيديكم.
فحاروا في الأمر، وساروا إلى ظفار بأجمعهم، واتفق علماء الأمصار، إلى ألف وثلاثمائة من العلماء، وأهل البصائر المنورة؛ فنظروا لأنفسهم ولمذهبهم ولدينهم، فأجمع رأيهم على تقليده الإمامة، وتحميله الزعامة؛ فما ساعدهم.
قالوا: الواجب عليك القيام، وإن تركت فأنت مخلّ بواجب.
وراجعوه، فوجدوه كاملاً في العلوم؛ فبايعه العلماء، ومن حضر ذلك الجمع المبارك، منهم السيد الإمام /200
الواثق بالله، المطهر بن محمد بن المطهر؛ وقال: أشهد لله أن هذا إمام مفترض الطاعة؛ رضيت به إماماً لي وللمسلمين.
ثم قام السيد الإمام، عبدالله بن الإمام يحيى بن حمزة، ثم القاضي العلامة فخر الدين، عبدالله بن حسن، ثم الفقهاء العلماء بنو حنش، ثم الأول فالأول، حتى أتوا على آخرهم؛ فنور الله بصائرهم، ووفق أنظارهم، وجعل الله في ذلك خيراً كثيراً؛ وقام بالأمر ضليعاً، وجاهد أعداء الرحمن.
قال: ثم إن الناصر (ع) مدّ الله ظلّ عدله، ونشر من فضله ما لايمكن شرحه، من إحياء رسوم الدين، ورفع منار المسلمين، والإحسان الجم، والمعروف الذي عمّ.
وجرى قلمه المبارك، من حَلْي ابن يعقوب، إلى باب زبيد، إلى الشِّحْر بساحل البحر، إلى كور الجحافل بالمشرق، إلى جبلة اليمن، إلى بيشة؛ وأحيا الله به الدين، وأمات بسره وبركته وهيبته شوكة الكافرين والفاسقين؛ وكانت دولته المباركة، ودولة أبيه الإمام المهدي، نيفاً وأربعين سنة.
قلت: واستمر ولده المنصور علي بن صلاح في الخلافة أربعين سنة، وكانت ولايتهم المباركة النبوية، أكثر من جميع مدة الأموية؛ فسبحان الحي الدائم المالك القاهر للبرية؛ فما أصدق قول القائل!:
كل شيء سواه يفنى ويبلى .... وهو حي ـ سبحانه ـ لا يزولُ
قال: وكانت له هيبة في قلوب الكافرين والفاسقين، ما لايمكن وصفه، حتى أن الواحد منهم إذا كلمه دهش، وارتعدت فرائصه؛ وكان كثير التهيب في مجلسه(ع) بالسلاح، والعدد والآلات، وكانت له محبة ومودة في قلوب المسلمين، والعلماء والصالحين، كما مرّ.
رأيت يوم فتح حصن الباطنية، وكان في /201
حضرته علماء عصره، وأوتاد دهره؛ فساعة الفتح رأيتهم يقبلون أقدامه الشريفة، ويضعون رؤوسهم في حجره المبارك، ويقولون: الحمد لله الذي بلغنا هذا اليوم، وأدركنا دولتك.
سمعته وهو على المنبر بذمار، بعد قيامه بأمر الإمامة، يقول: يا معشر المسلمين ـ بعد أن حمد الله تعالى، وأثنى عليه، ووعظ الناس حتى ضج المسجد بمن فيه من البكاء والعويل، والخشوع الطويل ـ إني ما قمت بهذا الأمر إلا لله، ولإعزاز كلمة الدين، وزم أيدي المارقين، لا لغرض دنيوي؛ اللهم إن علمت مني خلاف ذلك، فلا وفقتني، ولا هديتني ولا رحمتني، ولا أجرتني من نارك وغضبك.
وأسبل دموعه شبه المطر، حتى تقاطرت على ثيابه وعلى منبره، وأنا شاهد بذلك.
[في وظائف الإمام الناصر محمد بن علي (ع)]
ثم ذكر أوراده الصالحة؛ وكان يحيي بين العشائين بالصلاة، ولا يتكلم بين الصلاتين؛ فإذا فرغ من ورده صلى العتمة، وبعدها ركعات؛ ثم يسجد سجدة طويلة، قدر قراءة جزء من القرآن، ثم يقبل على أهل حضرته، وهم العلماء الفضلاء العباد الصالحون، فيفطرون، ويخرجون من عنده؛ ويستقبل الليلة مطالعة للكتب، ونظراً في مصالح المسلمين، وسداد الثغور؛ وينام هنيهة، ثم يقوم في أول الثلث الآخر، فيحييه صلوات واستغفاراً، وخشوعاً ودعاء، حتى تطلع الشمس، ولا يتكلم قبل طلوعها ولو عراه مهم.
ثم ذكر من أوراده وأدعيته الشريفة ما تركته لإيثار الاختصار.
قال: وكان يصوم رجب، وشعبان، وشهر الله المحرم، والأيام البيض، وتسع الحجة، في السفر والحضر، لا يفطرها، فيما علمت وتيقنت؛ وكان على وجهه الكريم من الأنوار ما لا يستطاع إلحاح النظر في وجهه من النور والبهاء، والسيماء الأسنى. /202
قال: وأما مودة إبراهيم الكينعي، فكان يوده مودة لله خالصة.
قال يوماً: نستغفر الله من تقصيرنا في حق هذا الإمام.
وكان يزوره في كل عام إلى ذمار، وإن كان في صنعاء ففي الشهر، أو الشهرين زورة، ويقف عنده شطر الليل؛ وكان يذكر له أحوال الناس، ويسأله لإخوانه وللفقراء، فيقول له: وقّع ما تشاء، وسلمها إلى فلان ـ من خدمه ـ سهلت أو عسرت، جلّت أو دقّت.
وشايعه وبايعه وجاهد معه.
قال إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله ـ: ما وجدت في علوم المعاملة، وعلوم أهل الحقيقة، ووظائف أهل الطريقة، ومكاشفات أهل الحقيقة، في وقتي هذا، أعرف من الإمام الناصر (ع).
قال: وكان إبراهيم الكينعي يشتاق إلى رؤية الإمام الناصر، ووعظه وحكمه؛ وكان يقسم ـ رحمه الله ـ إذا وافق الإمام ليقبل أخمص قدميه؛ فيقول الإمام: أنا أكفر عن يمينك.
فيقول: لابد لي أن أفعل.
ويحب الإمام أن لاينفره ويضيقه؛ وكان يأخذ يد الإمام، ويضعها على صدره، وإذا أكل معه أخذ لقمة، وأشار بها إلى الإمام أن ينفث فيها من ريقه، ويقرأ عليها شيئاً من القرآن.
ووجدتُ بخط يده بعد موته ـ رحمه الله ـ ما لفظه: يا هو، ياهو، صل على محمد وآله؛ لما كان في صفر ـ غالب ظني ـ سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأنا بمكة ـ شرفها الله تعالى ـ وأنا مشغول القلب بشخص أحبّه كثيراً، وأدعو له بأن الله يحفظه وينصره، ويرضى عنه؛ فأُجِبْتُ وأنا في اليقظة، بأنا قد حفظناه ونصرناه ورضينا عنه، وأمرت أن أكتبه لا أنساه، وكرر علي مراراً، وقيل لي: بشره بهذا فيطيب نفساً، ويقر عيناً، وهو الإمام الناصر محمد بن علي.
وكان يقول: لولا أني نهيت، لأخبرتكم عن الإمام صلاح من الكرامات/203
والتنويرات، ما يزيدكم فيه اليقين.
وجاء مرة إلى عند الإمام، فنزل الإمام عن جواده، وعانقه وصافحه، وهو في بزة بالية.
فقال بعض من يليه: من هذا الذي عانقه الإمام؟
فالتفت إليه الإمام، وقال: هذا مجهول في الأرض، معروف في السماء.
وقال: كنت مع الإمام الناصر بذمار، وكنت أحضر معهم في سماع كتاب الثعلبي في تفسير القرآن، فابتدأني الإمام، وقال: جاءتني ورقة من صعدة، بأن الفقيه إبراهيم وصل من مكة؛ وتوجع من حلي، إلى صعدة، وقد بلغ معه الضعف غاياته؛ يعلم الله ـ تعالى ـ أني سهرت هذه الليلة شغلاً عليه وخيفة.
ولما بلغه موت الفقيه ـ رحمة الله وبركاته عليه ـ سقط ما في يده، وقال: الآن ـ والعياذ بالله ـ وقع ما كنا نحاذر؛ فإنا بالله عائذون.
ووقف بعده الإمام أشهراً، ووقع عليه أمر الله؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، نحمده على ما منح ووهب، وعلى ما استرجع وسلب، ونستغفره ونتوب إليه، ونسأله ونتضرع إليه، أن يوفقنا لكل ما يرضيه، من كل قول وعمل واعتقاد ونية، ويختم آجالنا بالخير والحسنى، ويثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، ويتقبل منا ولايتنا لأوليائه، ومحبتنا لمحمد وآله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ثم ساق الكلام في سيرته، وذكر أولياء عصره.
[في كرامات الكينعي الظاهرة والباطنة]
إلى قوله:
الفصل الثامن:
في كراماته الظاهرة والباطنة، وما فتح الله له في مجاورته البيت العتيق، من الأسرار والكرامات، في اليقظة والمنام.
قلت: ونتبرك بذكر نبذة نافعة ـ إن شاء الله تعالى ـ وإنه ليغني في الدلالة على ماله عند الله تعالى من ارتفاع الدرجة، وعلوّ المنزلة، ما أكرمه الله تعالى به من الأنوار الساطعة، المشاهدة بالأبصار، على سبيل الاستمرار؛ وهو ظهور النور /204
المنير، الساطع الأخضر، من فوق ضريحه المقدس، إلى عنان السماء، لاشك فيه ولا لبس؛ وهذه الأنوار الإلهية مشاهدة بالأبصار، على ضرائح كثير من أولياء الله ـ تعالى ـ الأبرار، في عصرنا هذا وغيره من الأعصار؛ ولم تزل تشاهد على الفضلاء بالمقبرة المباركة المقدسة، بمدينة صعدة المحروسة، وغيرها، لايخفى منارها، ولاتطفأ أنوارها؛ وذلك من عاجل ما وهب لهم في دار البلى، فكيف بما أعدّ لهم وأخفى المليك الأعلى، في دار الكرامة والبقاء؟!، فالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
فمما ذكر من كراماته ـ رضي الله عنهما وأرضاهما ـ:
قال: ما روى أخص إخوانه عنده، السيد العالم، الفاضل الزاهد، الهادي بن علي، أنه حثّه على قراءة آية الكرسي؛ ورغّبه أنْ قال: إني قرأتها، فسمعت منادياً ينادي: يا إبراهيم.
وروى عنه شخص آخر، أنه قال عقيب قراءتها: يا إبراهيم قد قبلناك.
وروى عنه آخر، أنه سمع منادياً ينادي: يا إبراهيم ليهنك ما أعد الله لك.
الكرامة الرابعة: ما رواه الفقيه العلامة، الأكمل الأفضل، يحيى بن محمد العمراني، وكان وقف معه سنين الشتاء في مسجد الجميمة، ونفقته عند أحب إخوانه إليه.
قلت: لعله أحبهم في هذه المحلة، أو بالنظر إلى غير من هو عنده مثله، أو على طريقة قوله ـ تعالى ـ: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } [الزخرف:48]؛ لئلا يعارض ما ذكر في غيره؛ وعلى الجملة، أوجه الحمل على الصحة /205
عند أولي المعرفة كثيرة.
قال: فيروي عنه كرامات، منها: أن بعض إخوان الفقيه عوّل عليه أن تكون نفقة إبراهيم معه، مدة يسيرة، فاستحيى منه، فاختلفت النفقة؛ فتغير حال إبراهيم، وأصابته وحشة عظيمة، وما ساغ له الطعام الذي يُؤْتى به؛ فوافق الفقيه يحيى وأخبره بالقصة وودّعه، ليرتحل، فشقّ ذلك عليه، وقال: إني استحييت من ذلك الصاحب، وأنا أعرفه كثير الصلاح، والعفة، والدين، والتحرز في إخراج الزكاة؛ فوقف، واستمرت نفقته من بيت الفقيه المذكور؛ فبحث الفقيه يحيى عن سبب عدم إساغة إبراهيم للطعام، ونفرته عنه، فتيقن أن الذي كان يحمل نفقته إلى هذا المسجد الخالي في القفر الموحش، ابن أخ لهذا الرجل يتيم؛ فعرف كرامة إبراهيم ـ أعاد الله من بركاته ـ.
ومنها: أنه قال صالح، وتلميذه علي بن أحمد بن همدان، قال: روى لي إبراهيم هذه الكرامة، ورواها السيد الهادي أيضاً، أن نفسه اشتهت شحماً ولحماً، وإذا بربعة مملؤة من الشحم واللحم النضيج، طرحت إليه من طاقة عالية في المسجد، وتركت بين يديه.
قلت: وذكر أنه معدوم في المغرب بالمرة.
قلت: ومثل هذه الآية وقعت لبعض من عرفته من مشائخ آل محمد (ع)، وهو سائر في طريق هجرة ضحيان ـ حماه الله تعالى ـ فاشتهى في نفسه ذلك، فوقعت بين يديه فلذة لحم عظيمة، واستكتم مَنْ أخبره أن يُعْلم به ـ رضي الله عنه ـ.
[كرامة للسيد الإمام محمد بن منصور والد المؤلف قبيل وفاته]
ولقد لبث والدنا ـ قدس الله روحه ـ في مرضه الذي توفاه الله - تعالى - فيه، نحو عشرين يوماً، لايأكل طعاماً أصلاً، ولم يقعد به ذلك عن قيام، ولاصلاة، ولا تلاوة، ولا ذكر، بل ازدادت أعماله في جميع ذلك؛ وكنا نعالجه بكثير من أنواع /206
المشتهيات، فلا يتناول شيئاً، ومتى أكثرنا عليه يقول: ((إن الله يطعمه ويسقيه))...الحديث؛ وأسعدنا في بعض الأيام بالإجابة إلى التين ـ وكان في ابتداء حدوثه ـ؛ فمشى بعض الإخوان مسافة للإتيان بما وجده، ورجع وقد تحصل له؛ فعرضناه عليه، فقال: لاحاجة لي فيه.
فلما أكثرنا مراجعته، قال ما معناه: قد أطعمني الله ـ تعالى ـ حتى شبعت، فأنا الآن شبعان ريّان، والحمد لله رب العالمين.
ثم دعا لنا وللرجل الذي جاء به، وأخبره بفضل مشيه لذلك.
ولقد كان يُقْسم لي بالله العظيم، أنه لايجد ألماً، ولايشتهي شراباً ولاطعاماً، في جميع مرضه.
ولم يزل ملازماً للأوراد لايفتر لسانه عن ذكر الله، إلا في حال خطاب بضروري، أو جواب، أو توصية لي ولمن حضر بتقوى الله وما يقرب إليه؛ ويتأذى كل التأذي بأيّ قاطع له عن الذكر، ويعتذر عن المحاورة بذلك، حتى لقي الله - تعالى - وقد غشي وجهه النور، والبهجة والسرور، بعد أن أكرمه الله - تعالى - بكرامات بينات؛ رضي الله عنه وأرضاه، وبل بوابل الرحمة ثراه.
[عودة إلى كرامات الكينعي رضي الله عنه]
هذا، قال: ومنها: مرضى شفوا ببركة دعائه، ووضْعِ يده عليهم عدة، وتتابع بركات وثمرات في وقوفه معهم في ذلك المسجد المبارك، لايمكن شرحه؛ لكثرته.
الكرامة الخامسة: ما رويت عنه ـ رحمه الله تعالى ـ أنه قال: كنت في حصن المصافرة، ببلاد مدحج؛ فجيء بعصيدة حسنة، بمحضر القاضي حسن بن سليمان، وعدة من الأفاضل الزاهدين؛ فعولوا علي في الإفطار، فساعدتهم رغبة لإدخال المسرة عليهم؛ فذكرنا اسم الله، ومدوا أيديهم إلى الطعام، وأردت أمد يدي لآكل معهم، فما امتدت أبداً، بل كأنها عود يابس؛ فقمتُ، وقلتُ: ترجح لي إتمام الصيام؛ وبحثت عن تلك العصيدة، فقيل: إن أصل عملها /207
لمتولي أمر كان معنا في الحضرة؛ وكانت تلك ابتداء هذا اللطف لي في كل شيء.
قال: وقد كنا إذا جيء له بطعام، ولم يتناول منه، عرفنا أن فيه ما فيه.
الكرامة السادسة: ما رواه تلميذه، وأقرب إخوانه إليه، علي بن أحمد بن همدان الصنعاني، وهو رجل، ابتداءُ هدايته على يد الفقيه إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ وأخذ من عوارفه وأسراره، فصار الآن صالحاً، مرشداً منوراً، قد انكشف له من أسرار أسماء الله الحسنى ما أنس به وتنور، ونال به المنى؛ قال: كنا مع سيدي إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ بشعب مروان، شرقي جبل نقم صنعاء، وقفنا معه في ذلك الشعب أشهراً، وشاهدنا من أسراره وعوارفه، وكراماته وبركاته، ما يصعب ذكره، لاتساعه.
قال لي: اشتغلت بنفقتكم وجوعكم، فشغلني ذلك وآلم قلبي، فسمعت هاتفاً يقول: يا إبراهيم، إن علمت أنا نتركهم أو نضيعهم، فيحق لك أن تشتغل بهم.
قال: فسكن ما بي والحمد لله.
قال لي: فقدتُ أخاً لي من إخواني يسمى منيفاً، وكان مختلياً في بريَّة في البادية على مرحلتين، فحكّ في قلبي رؤيته، فخرج علي شخص، فقلت: من أنت؟
فلم يجبني.
فقال شخص عن يميني: هذا منيف؛ فسررت برؤيته.
قال الراوي: وسمعت أن مُنيفاً قال: إنه حمل من مسجد، وَرُدّ إليه تلك الليلة.
إلى قوله:
الكرامة الثامنة: ما وجدت بخط يده المباركة، بعد موته، الذي أشهد أنه خطه شهادة لا لبس فيها: أنت أنت، وصل يارب على محمد وآله وسلم، حصل لي في مكة ـ شرفها الله تعالى ـ ثلاث ساعات: ساعة من باب المعرفة، هي أحب إلي من مائة عمرة؛ وساعة من باب الشوق، لست أعدل بها شيئاً؛ /208
وساعة من باب الأنس وغيره، هي أحب إليّ من ما مضى من عمري كله، من الأفعال والأقوال والأفكار.
...إلى قوله: ثم إنه حصل لي وقت ممتد من بعد صلاة الظهر إلى قبيل العصر، في النصف الأخير من شوال، من قبيل الفرح والسرور، فأنساني بما قبله؛ ولايمكنني أن أعدله بشيء مما في الدنيا، أو مما في الآخرة؛ لأنه حصل فيه فناء عن الكائن والمكونات، وعن جميع الشهوات، ورضيت النفس بها، وقرت وسكنت، وما تطلعت إلى شيء غير هذا، وحصل لي فيه لطف خفي زادني في المعرفة، ولم يداخلني مثقال ذرة أنه زادني قربة إلى الله ـ عز وجل ـ فلله الحمد كثيراً.
الكرامة التاسعة: ما وجدته بخط يده المباركة، بعد وصول كتبه وأثاثه من مكة، بعد موته ـ رحمه الله تعالى ـ ما لفظه: أنت أنت، وصل يارب على محمد وآله وسلم؛ لما كان يوم الجمعة، من النصف الأخير من شهر صفر، سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأنا أدعو لأخ من إخواني، وإذا بقائل يقول: قد أنجاه الله من النار، ورضي عليه؛ وكرر علي الكلام مراراً، وقال لي: وقع لاتنسى، وأضف الأمر إليك، واكتبه في قرطاس نقي، وبشره بهذا؛ وهو سعيد بن منصور ـ رحمه الله رحمة الأبرار ـ وأنه مجار من النار؛ كل هذا في اليقظة لا في المنام.
...إلى قوله: جاءني كتاب من مكة المشرفة، من السيد الإمام، الجامع لخصال الكمال، خيرة الخلق، وخلاصة أهل الشرف، محمد بن علي التجيبي الحسيني البخاري ـ أعاد الله من بركاته ـ وهو الذي حكى لي سيدي إبراهيم بن أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ في كتاب منه.
ثم ذكر ما تقدم في كتابه من وصفه...إلى قوله: وأما كتاب السيد الذي كتبه إلي، فهو بسيط حسن، يدل على غزارة علمه، منه أن قال: من الأخ الفقير، المعترف بالتقصير، محمد بن علي الحسيني التجيبي /209
البخاري، إلى السيد شريف، يحيى بن المهدي الحسيني، ألهمك الله ذكره، وأوزعك شكره.
واعلم سيدي، أنه ورد في الأخبار: ((يموت المرء على ما عاش عليه، ويحشر على مامات عليه))، نسأل الله التوفيق، والموت على الإسلام، لنا ولأحبابنا، وحسن الخاتمة.
ومنه: الحمد لله، الذي أشرق نوره في قلوب أوليائه، فاستنارت به سماوات أرواحهم، وأرض نفوسهم وأشباحهم؛ الله نور السماوات والأرض ومن فيهن، ألسنتُهم بذكره لَهِجة، وقلوبهم بنوره بهجة؛ إن نطقوا فعنه، وإن استمعوا فمنه.
...إلى قوله: فهم معادن برازخ الأنوار، ومعادن الأسرار.
ومنه: العلماء ورثة الأنبياء إلى العلم بالله؛ لأن العلم بالله يورث الخشية؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28]، ولم تزل سلسلة الصلاح تمتد من وقت نبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى وقتنا هذا، ولن تزال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.
فالله ـ تعالى ـ يحقق نسبتنا من هذه الطائفة، وأن يتوفانا على محبتهم، وأن يزيدنا منهم وداً، ولايجعلنا ممن نقض له عهداً، بمنه ولطفه.
ومن لطف الله بنا، وعوارفه علينا، أن جمعنا وعرفنا بشيخ زمان قطب المكان.
...إلى قوله: العالم العامل، الكامل بتكميل الله، إبراهيم بن أحمد الكينعي اليمني، فخر يمن، ويد الزمن.
...إلى قوله: أخي يحيى ـ أكرمه الله بالأسرار الربانية، والمعارف الإلهية ـ إن سيدي إبراهيم حجة من آيات الله؛ فضله عظيم، وكرمه عند الله جسيم، /210
زواره ملائكة الله، ومؤنسوه كرام الحضرة الإلهية؛ يشاهد ذلك عياناً، في المكة والبيت العتيق، وطريق العمرة؛ ولقد حظر علي ما شاهدت، ولولا ذلك لأخبرتك بعجيب غريب؛ ولعل الله الكريم المنان يجمع البين، ويدني الديار، ونفوز بلذة الأخوة الصالحة في الله...إلخ.
...إلى قوله: ما روى تلميذه وزميله في الحضر، ورفيقه في السفر، حسن بن موسى بن حسن، وقد تقدم ذكره، وفضله، قال: كنت مع سيدي إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: ياحسن، اعلم أن النوم ـ بحمد الله ـ قد ملكته بعد أن ملكني، إن شئت أن أنام نمت، وإن شئت ألا أنام ولو اضطجعت لم أنم، وإن شئت أن ينام جسدي وقلبي مع الله فعلت، وإن شئت ينام قلبي نام.
قلت: وليس في هذه الكرامات لأولياء الله - تعالى - حطّ ولا هضم ولا مقاربة، فضلاً عن المساواة، لدرجات أنبياء الله ـ تعالى ـ؛ لأن لهم ما هو أجل وأفضل، بل هذه دلالات نيرات، وآيات بينات، على تفضيلهم، وعظم محلهم، وشواهد ناطقة، وبراهين صادقة، على تأييد رسالاتهم، وتحقيق نبواتهم؛ لوقوعها لمتبع شرعهم، وملتزم دينهم؛ فهي كرامات لأولياء الله، ولاحقة بمعجزات رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وعلى جميع أنبياء الله ـ بل ولا تدل على فضل من وقعت له ممن ليس بإمام أو ليس من آل محمد، على الأئمة الهادين، والعترة الطاهرين؛ لكون هؤلاء الأفاضل الأكرمين من خُلّص أتباعهم، ولباب أشياعهم، المقرين بتفضيلهم، المتقربين إلى الله ـ تعالى ـ بمودتهم؛ بل هي دلالة على فضل آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ وبرهان على ما لهم عند الله ـ تعالى ـ من علو الشأن، وعظم المكان؛ ولا شك أن المتبوع أفضل، والمقتدى به، /211
المهتدى بهديه أجلّ، وكل له عند الله - تعالى - منزلة ومحل؛ وليست هذه الكرامات بمعجزات؛ إذ المعجز هو الواقع لمدعي النبوة، كما حقق ذلك في الأصول، والوقوع فرع الجواز عند ذوي العقول.
[التبكيت لمن يكذب بالكرامات]
وما يقع من الجهلة، الذين لا حظّ لهم في معرفة هذه المنزلة، من الردّ والتكذيب؛ وكذا ما قد يصدر ممن يتلبس بالعلم والمعرفة، من التشكيك والتردد، الدالين على بعدهم عن أهل هذه الصفة؛ فكل ذلك مدفوع بالبرهان، الذي ليس بعده بيان؛ إذْ منها ما هو ضروري بالمشاهدة، ومنها ما هو متواتر معلوم، ومنها ما هو ثابت الصحة بروايات الثقات العدول، كمثل ما في كتب أئمة الهدى، التي قدمنا أسانيدها، ومثل ما في هذا الكتاب، المتصل السند، ولعمر الله، إن المناكرة والجحد لهذا، لدليل على نكس القلوب، وأن صاحبها عن أنوار هذه الهداية محجوب.
[عودة إلى كرامات الكينعي وشيء من شعره]
هذا، وقد أورد في هذا البحث كثيراً عن بعض إخوانه، أنه قال له: هل تسرّنا بكرامة لك، تشرح صدورنا؟
فقال: إبراهيم ـ رضي الله عنهم ـ: إني إذا أردت أمراً أو سفراً، وسألت الله الخيرة، سمعت شخصاً يقول: افعل أو لاتفعل.
قال: ومما نقل من كلامه وخط يده، مما نحن بصدده: الحمد لله، الذي أسعدنا به عن غيره، وبه عن ذكره؛ لايعرف هذا ويصفه إلا من ذاقه، فمن لم يسلك الطريق، فلا يكن منه نكير على أهل التحقيق، فهي منح من الملك الجبار، يفيضها على من يشاء ويختار.
قال: ومما قاله إبراهيم ـ رحمه الله تعالى ـ:
ببابك عبدٌ واقفٌ متضرّعٌ .... مقِلّ فقيرٌ سائلٌ متطلعُ
حزينٌ كئيب من جلالك مطرق .... ذليلٌ عليل قلبه متقطّعُ
أنا الضارع المسكين ممدودة يدي .... إليك فما لي في سوائك مطمعُ /212
فؤادي محزون ونومي مُشَرَّد .... ودمعيَ مسفوح وقلبيْ مروّعُ
فلا تبلني بالبعد منك فإنه .... أشد بلاء الخائفين وأوجع
إذا رجع القصّاد منك بسؤلهم .... فيا ليت شعري كيف عبدك يرجع؟
[إخبار الهادي بن إبراهيم(ع) بمرض الكينعي ووفاته]
قال في الفصل الحادي عشر: وأما وقت وفاته، وموضع قبره، فإني لما علمت برجوعه إلى الله، ولقائه لمن يحب لقاه، أظلمت الأقطار، واسود النهار، وتزعزع الفؤاد، وانتزع العقل أو كاد، استرجعت واستغفرت، وحمدت الله تعالى على عظم المصيبة، وحلول الرزية، وقلت كما قال علي (ع):
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي .... أرحْني فقد أفنيتَ كلّ خليل
أراك بصيراً بالذين أحبّهم .... كأنك تسعى نحوهم بدليل
وكتبت كتاباً إلى السيد الإمام، جمال الملة المحمدية، وتاج إكليل العصابة الزيدية، وشمس أندية العلوم الربانية، آية الزمان، وبركة هذا الأوان، جمال الدين، الهادي بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن المفضل ـ مد الله فضله، ونشر بره، وأعاد من بركاته ـ استعلمه من مرضه ـ رحمه الله تعالى ـ ووقت وفاته، وأخبره بوضعي لهذا الكتاب، ويحقق لي حال إبراهيم الكينعي، وما شاهد من كراماته، وموضع قبره؛ فوصلني جوابه الكر يم، المسلي لكل قلب مكلوم أليم، أوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله على كل حال.
جواب من أسلمته ذنوبه، ولكن إلى رب كريم، وكتاب من أوبقته عيوبه، ولكن في سوح غفور رحيم.
إلى قوله /213
في وصف المؤلف ـ رضي الله عنهما ـ: وهداه بوهاج الزيادة، وعداه إلى منهاج العبادة، أخوه في الله، المحب له صدقاً ـ إن شاء الله تعالى ـ فيشتاق إليه شوق المطافيل إلى أولادها، ويحن إليه حنين العطافيل إلى أفلاذ أكبادها؛ علماً بأن في اجتلاء غرة الأخ الحبيب، المولع بكل عبد منيب، سلالة زين العابدين، يحيى بن المهدي بن زيد بن علي بن الحسين، جِلاء للقلوب، وبالنظر إليه انتفاء للكروب.
ولما وصلني كتابه، الذي فاقت أصوله، وراقت فصوله، كان فاتحاً للخيرات وصوله؛ أهلاً به من كتاب، طبق مفصل الثواب، وطابق مقصد السنة النبوية والكتاب.
ذكر سيدي ـ أيده الله ـ عنايته المرضية، بتأليف مختصر يحتوي حلية الصفوة الرضية، من هذه البرية، فاهتز القلب إلى ذلك نشاطاً، ومد الشوق إلى ما هنالك بساطاً.
...إلى قوله: ملك عُبَّادِ الملك الجليل، المتشبه بسميِّه إبراهيم الخليل، وما ذكر في مقام إلا فاحت نوافجه، وصعدت إلى الملأ الأعلى معارجه.
قلتَ ـ أيدك الله ـ: صف لي كراماته، وما انتهى إليّ من أحواله؛ فسبحان الله! أنى لي مِقْوَل يصوغ هذه الحلية الشريفة، أو قلم يحيك هذه البردة اللطيفة الظريفة؟ لساني عن بيان فضله كليل، وبراعتي لاتحسن صياغة هذا الإكليل؛ لكني أسلس قياد الطاعة، وأرتسم لما ذكره حسب الاستطاعة.
اعلم ـ وفقك الله ـ أنه لما وصل من جوار البيت العتيق، وقف فيه ثلاث سنين، ووصل إلى حَلْي، وابتدأه المرض فيه، ورفيقه العبد الصالح، التقي العابد، صبيح، مولى آل زيدان، وصل إلى ناحية جازان، شكى أهل الجهات تلك الجدب والعطش، فدعا لهم ولسائر أهل البلدان، فحصل ببركته ذلك المطر /214
العظيم، الذي عمّ البلدان كلها، يوم الأربعاء، في شهر ربيع الأول؛ فلما وصل قريباً من صعدة، قال لصبيح: إني رأيت لعشرة من إخواني الجنة، وأمرت أن أبشرهم ـ ثم رسم أسماءهم ـ قال: وأنت يا صبيح بن عبدالله.
ولما توفي ـ رحمه الله ـ خرج أهل صعدة كافة، السادة والعلماء، والفضلاء والأمراء، وأهل المدينة عن بكرة أبيهم إلا الشاذ؛ وكان ذلك اليوم بكرة نهار الأربعاء، ثامن وعشرين من شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
قلت: وقد سبق في التحف الفاطمية ، ولكن ساق إليه الكلام.
قال: وفي يوم موته تقدم السيد الإمام، دواد بن يحيى بن الحسين، صلى عليه؛ وهو الذي أوصى حي الإمام المهدي علي بن محمد أنه يتولى الصلاة عليه، وكان هذا من تمام لطف الله وتوفيقه.
وأما مكان قبره، فهو بالبقعة المباركة، رأس الميدان، غربي مدينة صعدة، قد عمر عليه صبيح هذا مشهداً، وهو مشهور مزور؛ ووقف صبيح بعده أياماً، وتوفي ودفن بمشهد الفقيه ـ رحمة الله عليهم، وأعاد من بركاتهم ـ.
قال: ثم إني أنشأت أبياتاً في ضريحه:
يا زائر القبر فيه بهجة الزمن .... العابد الصدر نور الشام واليمن
ثم أورد القصيدة (البديعة) التي قالها فيه، صدرها:
شجر الكرامة والسعادة أينعي .... للقاء سيدنا الإمام الكينعي
وهي سبعة وستون، آخرها:
يا نفس إبراهيم أنت كريمة .... في داره بدعائه لما دعي
أنتِ المرادة عند ربكِ فاسمعي .... بالمطمئنة حين قال لك ارجعي
قلت: يحمل على إرادة الجنس ـ أي هي وما شاكلها من المطمئنات ـ /215
والرواية واردة أن المراد بذلك نفس سيد الشهداء أسد الله، وعمّ رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الحمزة بن عبد المطلب ـ رضوان الله وسلامه عليه ـ قال:
صلى عليك الله نفساً أُزْلِفَتْ .... بالخلد في غرف القصور الرفّعِ
قال السيد الإمام الهادي بن إبراهيم (ع): لكل مُثْنٍ عارفة جزاء، وعارفتي في هذه الأبيات على الله تعالى؛ انتهى كلامه.
وأنا أقول: لكل عامل جزاء، وجزائي في رسم فضائلهم، وما ينتفع به ـ إن شاء الله ـ في الدين، وجزاء من حصله من إخواني المؤمنين، والعلماء العاملين، على رب العالمين؛ وقدوتنا أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وأخو سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ حيث يقول في آخر خطبته العظمى، التي سبق ذكرها: اللهم أنت أهل الوصف الجميل، والتعداد الكثير، إن تؤمل فخير مأمول، وإن تُرْجَ فأكرم مرجو.
إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: ولكل مُثْنٍ على مَنْ أثنى عليه مثوبة؛ من جزاء، أو عارفة من عطاء؛ وقد رجوتك دليلاً على ذخائر الرحمة، وكنوز المغفرة، اللهم وهذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك، ولم ير مستحقاً لهذه المحامد والممادح غيرك، وبي فاقة إليك لا يجبر مسكنتها إلا فضلك، ولا ينعش من خلتها إلا مَنُّك وجودك، فهب لنا في هذا المقام رضاك، وأغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك؛ إنك على كل شيء قدير.
[في الكلام على السيد الهادي بن إبراهيم الوزير، وأبيه، وجده]
نعم، ثم ذكر في الصلة نكتة شافية في فضل الهادي بن إبراهيم، وأبيه، وجده علي بن المرتضى (ع)، فقال:
أما الهادي فكتابه الذي مرّ من عنوان فضله وعلمه وورعه وزهده.
أما /216
علمه، فهو رجل جامع للعلوم، له موضوعات في كل فن، أكمل أهل زمانه، يؤهل للإمامة، ويتوخى لتحمل أمر الخاصة والعامة، مع الخوف العظيم، للعدل الحكيم، والورع الشافي، ومكارم الأخلاق، التي شرف بها وفاق، يضرب بلطف شمائله المثل، ويقتدى به في كل قول صالح وعمل؛ إمام لأهل العبادة، قد زينه الله بالتقوى والزهادة، وكمّله بفصاحة اللسان، التي لاتوجد الآن في إنسان، من النظم والنثر، والتصانيف الرائقة، والحكم الفائقة.
ثم ذكر جواب الإمام الناصر لدين الله محمد بن علي بن محمد (ع) عليه؛ وفيه من درر الكلام ما يدل على فضله، وفضل الإمام (ع)، وهو ما لفظه:
وصل كتابه الجامع للمحاسن، الفارق بين العذب الزلال والآجن الآسن؛ فتعطر جيد الخلافة بدرره، وتثمر وجه الحال بغرره، متجلبباً بالعجب، جامعاً للأدب، قد ملأ الدلو إلى عقد الكرب، وضمنه ما هو أشهى من المن والضرب؛ ولعمري، لقد أصبح منشئه عميد الفصاحة وناموسها، ويافوخ البلاغة وقاموسها، وما هو إلا لطائم المسك الأذفر، وكرائم اليمّ الأخضر، كنوز الرموز، ورموز الكنوز، وأفكار الأبكار، وأبكار الأفكار، نبه ووعظ، وقرض وأيقظ؛ لله دره من منطيق! وما ذكره من كلام الشافعية فالغيرة من الإيمان، وينبغي الذب عن الحوزة الزيدية، والانتصار للأسرة النبوية، باليد واللسان، والسيف والسنان؛ فلا زالت تلك الروية تنبذ الجواهر الطريفة، وتقذف بالدرر الشريفة، والله يمد مدته، ويحرس كريم مهجته، ويعيد من /217
بركاته؛ والله يعلم أن القلب يأنس به، ويعتقد فضله وكرمه؛ ويأنس بأهل الدين، لايهضم لهم جانب، وهو في الحياة...إلخ كلامه المتين النبوي، والمعين العلوي، عليهم أفضل تحياته وسلامه.
قال: وكان إبراهيم الكينعي ـ رحمه الله ـ يعظمه تعظيماً عظيماً، ويكرمه.
سمعته يوماً يقول: هذا الهادي بن إبراهيم، إمام من أئمة أهل البيت؛ لأنه يافلان، أعلم الناس في علوم الشريعة، وأكملهم في معرفة علوم أهل الطريقة والحقيقة.
وقال له: أحبّ منك أبياتاً على وزن:
كسيحون محبته .... غدا قلبي به سمكا
فأنشأ ـ رضي الله عنه ـ:
صغير هواك عذّبني .... فكيف به إذا احتنكا؟
هواك عليك مقتصر .... وقلبي هام فيك لكا
ولي روح به شغف .... يروح إليك وهو لكا
ولي قلب أراك به .... إذا ما العين لم تركا
وإني فيك ذو وَلَهٍ .... فما أبقى وما تركا
ولي شوق إليك غدا .... عليه القلب مشتبكا
لقلبي باللقا ضحك .... ومن خوف الصدود بكى
فيا عجباه من دَنِف .... لدمع جفونه سفكا
ومنها:
ولو صبّت مدامعه .... غدت من مائه بِرَكا
كسيحون...البيت.
وهذا آخرها: /218
ومالي عنه من بدل .... ومن لسمائه سمكا
قال: وله (ع) كرامات تروى.
وذكر منها: واقعة قوم تعدوا عليه فسلط الله ـ تعالى ـ عليهم عاجلاً وانتهبوا، وأسر بعضهم، وقتل بعضهم، وشاهدهم بعينه؛ ثم تاب من بقي منهم وأناب؛ هذا حاصلها.
قال: وأما أبوه السيد الإمام إبراهيم، فكان عالماً فاضلاً، زاهداً عابداً، قد براه الخوف، وأنحلته العبادة، وكان يتلألأ نوراً، ويُرى نور وجهه من بعيد.
...إلى قوله: روى لي السيد الأفضل أحمد بن الهادي بن أمير المؤمنين يحيى بن حمزة (ع)، أن هذا إبراهيم كان يؤثر بطعامه، وطعام أهل بيته، الفقراء؛ ورب ليلة يضمرونها.
إلى قوله: وله كرامات ظاهرة، وفضائل باهرة.
قال: وأما أبوه علي بن المرتضى، فإنه الفاضل الكامل، الورع الزاهد، ذو الكرامات الباهرة، والفضائل الظاهرة، والتنويرات الربانية، والمكارم الفائقة، والسجايا الرائقة، والأوراد الصالحة، والانقطاع إلى الله بالمرة؛ سكن (ع) بهجرة الظهراوين بشظب، انقطعوا إلى الله بها، وهاجروا من فتن الدنيا، ووظفوا الوظائف الحسنة من العبادات، والتلاوة ودرس العلوم؛ ومشائخهم وشبابهم ونساؤهم، بهم ضرب المثل، ويتوسل إلى الله ـ عز وجل ـ.
...إلى قوله: وصل إلى حدة بني شهاب، لزيارة بنت أخته الشريفة الفاضلة، العالمة، الزاهدة، العابدة، سيدة نساء دهرها، وبركة أهل عصرها، حورية بنت محمد بن يحيى القاسمي؛ فعلمتُ به ثمة، فقصدتُه للزيارة، فصليتُ خلفه العصر؛ أعتقد أنها أفضل صلاة قد صليتها؛ لما رأيت فيها من الخوف والنحيب، والرجيف والوجيف، والحنين والأنين والسكون، والهدوء والطمأنينة، في الأركان كلها.
فلما فرغ من صلاته أخذ المصحف الكريم، ووضعه على رأسه، /219
وقال: إلهي ما لنا من عمل صالح نتوسل به إليك، إلا أني أتوسل إليك، وأبتهل بين يديك، وأسألك بجاه كتابك هذا الكريم أن تجيرنا من النار.
وقيل: هذا ديدنه بعد كل صلاة فريضة، وكان لايملك شيئاً من الدنيا سوى ثيابه التي يلبسها.
وأما كراماته: فهي جمة العدد، أذكر منها كرامة، وهي كافية، وهي: ما روى لي الثقة الأمين أحمد ابن خالي الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة، أن رجلاً من أهل تلك الناحية، في جربة له حَجَرَة عظيمة، أعياه كسرها؛ فوقع في نفسه أن يتلطف للسيد الإمام علي بن المرتضى بن المفضل؛ ليصلي عليها، لعل الله ييسر ببركته كسرها؛ فساعده السيد الإمام وارتقى عليها، وتوجه وصلى؛ فلما بلغ الشهادة بالوحدانية، شهد بها من صميم فؤاده (ع)، فتفلقت الحجر من تحته، من عظم يقينه، ووقوع الشهادة على إرادة الله ـ تبارك وتعالى ـ فانزعج الناس من قعقعة الحجر، فوصلوا فوجدوها قد مرت قطعاً قطعاً.
وهذه ـ والله ـ كرامة عظيمة، وآية كبرى؛ أعاد الله من بركاته.
قلت: وقد ترجم للسيد الإمام المجتبى، علي بن المرتضى، في الطبقات، ذكر فيها: أن وفاته في شعبان، سنة أربع وثمانين وسبعمائة؛ ولولده إبراهيم، ووفاته سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، قبل والده علي بن المرتضى (ع)، وذكر لهذه الكرامة ما يناسبها، أن بعض الفضلاء ذكر كلمة الإخلاص في مسجد الجامع، فتصاكت قناديل المسجد، حتى تكسرت بعضها في بعض، فانزعج إخوانه، فقال: إني معتقد أن السواري تصاك بعضها في بعض؛ ولقد عجبتم من القناديل.
لله أهل الأسرار والإخلاص، واليقين الخاص!
قال: وأروي عن السيد الإمام الواثق بالله المطهر ابن أمير المؤمنين محمد /220
بن المطهر، قال لي يوماً: يا ولدي، إن لي أخاً في الله ـ تعالى ـ يقال له: محمد بن يحيى القاسمي من شظب.
قلت: هو شارح أبيات الإمام الفخرية الذي تقدم، وكان يناسب ذكر هذا فيما سبق، ولكن قصدت أن يكون هذا البحث جامعاً لما يتيسر الإتيان به من كراماتهم؛ نفع الله ـ تعالى ـ ببركاتهم.
(رجع) وهو زوج كريمة السيد الإمام علي بن المرتضى ـ أعاد الله من بركاتهم الجميع ـ ولم أسمع ـ يا ولدي ـ ولا أرى بأفضل منه علماً، وخوفاً، وورعاً، وزهداً، وعبادة، وفقراً، وتوكلاً، وتفويضاً، ورضى بالله.
قلت: هي من الأمور النسبيات، والله الموفق.
قال: سمعته غير مرة يقول: توضأ أخي محمد في بركة في شظب، فوقع في نفسه من الخوف ما كاد يقبضه، فقال: إلهي وسيدي، إن علمت أن اعتقادي فيك وفي توحيدك على وفق إرادتك، فأسألك أن تريني كرامة أطمئن بها، وأزداد يقيناً، يقع عليّ مطر يسيل السيل ويدخل هذه البركة حتى تفيض.
قال السيد الواثق بالله (ع): فما قام من مقامه حتى وقع عليه المطر، وكان كثير التشكك في الطهارة، ودخل السيل، وامتلأت البركة، فوجده جذلاً فرحاً، وقد أردمه المطر والسيل.
هذه كرامة وبشارة لهم، ولمن يحبهم ـ إن شاء الله تعالى ـ.
---
[كرامة لإبراهيم بن أبي الفتوح]
وأروي قريباً من هذه الرواية، ما رواه لي حيّ إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رحمه الله تعالى ـ عن القاضي الفاضل محمد بن إبراهيم، ووجدتها معلقة معه؛ لأنه كان كلّما يقرب إلى الله ـ تعالى ـ يحب إظهاره ما لفظه:
أقول ـ وأنا العبد الفقير إلى الله تعالى، محمد بن إبراهيم بن أبي الفتوح /221
الزيدي ـ: كنت واقفاً أنا ووالدي إبراهيم ووالدتي، وامرأة لأبي أيضاً، في صرح دار، نحن فيها ساكنون، ببيت حاضر، من أعمال صنعاء، وفوق الصرح مخزان مغلق، وفوقه سقف آخر، والشمس حامية، ولاسحاب في السماء نراه، إذ نبع علينا ماء من وسط الخشبة، لا من حولها بل من نفسها، حتى سال من الخلوة إلى الحجرة، ومن الحجرة إلى الدرج؛ فارتعنا وحارت أفكارنا، فهمّت والدتي أن تصيح بالناس.
فقال والدي ـ رحمه الله ـ: اسكتوا، ما أحد يدري بهذا غيري.
فقلنا: أخبرنا.
ولازمناه مدة مديدة، نحواً من خمس أو ست سنين، حتى أتيت من شبام، من القراءة على حي الفقيه الإمام أحمد بن علي مرغم، فلقيني والدي إلى قريب من صنعاء، فوقفت معه تحت حجرة في بلاد سنحان، فسألته بالله ليخبرني عن ماء الخشبة، فقال: ياولدي إني ختمت القرآن في تلك الليلة، وسألت الله ـ تعالى ـ إن كان راضياً علي، وراضياً بفعلي واعتقاداتي، أن يريني آية باهرة، أزداد بها يقيناً، وتكون لي بشارة، فخرج الماء من الخشبة.
وأنا أشهد لكم بهذه الشهادة عن أبي، وعن مشاهدة الماء يخرج من نفس الخشبة.
قال: فقلت له: يا أبه، كيف اعتقاداتك أعتقد بها؟
فقال: ياولدي، كما قيل:
لو شُق قلبي للقي وسطه .... سطران قد خُطّا بلا كاتبِ
العدل والتوحيد في جانبٍ .... وحبّ أهل البيت في جانبِ
إن كنتُ فيما قلتُه كاذباً .... فلعنة الله على الكاذبِ
وكان هذا القاضي إبراهيم نفع الله ـ تعالى ـ به من علماء الكلام المبرزين فيه، وفي أصول الفقه، والفقه، والعبادة، وتلاوة الكتاب العزيز.
قلت: ترجم له في مطلع البدور، وافتتح به أول الكتاب؛ تيمناً /222
بالفتوح، ولم يذكر وفاته، وذكر كرامته هذه.
[ترجمة المهدي بن القاسم بن المطهر ـ والد مؤلف الصلة]
قال في صلة الإخوان: سمعت أبي المهدي بن قاسم يقول: كرامات أهل البيت أبلغ، وأكثر من غيرهم.
قلت: والده هو السيد الإمام، الصوام القوام، علم سادات الأنام، خليفة زين العابدين، المكرم بالكرامات من رب العالمين، المهدي بن القاسم بن المطهر (ع)؛ كان يُؤَهّل للإمامة، ويرجى للزعامة، وطولب للقيام بأمر الأمة، بعد وفاة الإمام يحيى بن حمزة (ع)، فامتنع، وكان الغاية في زمانه في العلم، والعمل، والزهد، والورع، وقد شوهد النور في مشهده يسطع، من قبره إلى عنان السماء؛ توفي بصنعاء اليمن، واتخذ عليه وليه وأخوه في الله، سعيد بن منصور الحجي، مشهداً، ودفن بجنبه شيخ إبراهيم الكينعي، وهو العالم العابد الزاهد، قرين الإمام يحيى بن حمزة (ع) في درس العلوم، إمام العباد، وسيد الزهاد، الولي الرباني، حاتم بن منصور الحملاني.
قال: روى لي سيدي إبراهيم بن أحمد الكينعي ـ رحمه الله ـ قال: صلى حاتم بن منصور زهاء أربعين سنة بالجماعة إماماً، ماترك صلاة واحدة بالجماعة يعلمها؛ ولا مدة الأربعين سجد لسهوه إلا ست مرات، وما يدع البكاء في الصلاة الجهرية والمخافتة، وما يترك صلاة التسبيح في اليوم في وقت الضحى، ولا في الليلة مرة، حتى لقي الله تعالى.
...إلى قوله: وكان لاتأخذه في الله لومة لائم؛ جاءه يوماً أمير صنعاء وملكها، معتذراً في حد سارق أخذ على أخ من إخوانه ثوباً في الليل، فسلم على الفقيه، وأراد تقبيل يده، فانزوى عنه الفقيه، وعن مسّ يده، كأنها ثعبان، فقال: ياسيدنا، قد فعلنا بهذا السارق وصنعنا.
فقال الفقيه ـ أعاد الله من بركاته ـ: ياعبد الله، هذا السارق يأخذ الناس /223
بالليل، وأنت تأخذهم بالنهار.
فبهت ذلك الأمير، وولى منكسر القلب...إلخ.
وقد سبق ذكرهم، وترجموا لهم في كتاب الصلة، وطبقات الزيدية، ومطلع البدور، وأفادوا ما حررته ـ رضي الله عنهم ـ.
[أفراد ممن اتصل بهم يحيى بن المهدي بالحرم الشريف]
قال السيد الإمام يحيى بن المهدي: من طلب الله صادقاً وجده؛ سافرت للحج إلى بيت الله مع سيدي إبراهيم بن أحمد، سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، في رفقة من إخواني وأحبائي، منهم: السيد الهادي بن علي بن حمزة العلوي، والسيد الأفضل، معدن الفخار، ودرة آل محمد المختار، محمد بن أحمد بن الناصر ابن أمير المؤمنين أحمد بن الحسين (ع)، والشيخ الصالح، الأواه المنيب، محمد بن علي بن الأسد؛ ومنهم: أخي وقرة عيني أحمد بن المهدي بن قاسم، وهو مبرز في العلوم، مشمّر في طاعة الحي القيوم، حج وهو ابن ست عشرة سنة؛ ومنهم: الفقيه الصالح يحيى بن أسعد اللوز؛ وشاهدنا في سفرنا من الكرامات والفتوحات، والحمايات والكفايات، في البر والبحر، ما لايمكن شرحه لسعته.
قال: فمن أفضل ما رأيت من المجاورين.
قلت: كذا في الصلة (ما رأيت) ولعله باعتبار صفتهم، كما في قوله ـ عز وجل ـ: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} [الشمس:5]..الآيات، وإلا فكان الأولى (مَن) لأنها لذوي العلم.
قال: ثلاثة نفر، منهم: رجل عالم فاضل، خائف مراقب، يقال له: شمس الدين المصري ـ وفقه الله تعالى ـ واخيته وأحبه قلبي، فرأيته يوماً في الحجر الكريم، فقال لي: ما أنت؟
فقلت: فقير مذنب.
قال: ما أريد هذا، أنت محمدي؟
فقلت: نعم.
فاستلقى على قفاه إلى جدران الحجر، وقال: بخٍ بخٍ لكم آل محمد، أهل الشرف والوفاء، والتحقيق والصفاء.
فلازمني في الصحبة.
قال: والثاني: شيخ من الهند، حنفي المذهب، يقال له: نجيب، كاسمه، /224
عمره قريب من المائة السنة، جاور في مكة ثلاثاً وعشرين سنة، يعتمر في كل يوم عمرة، ماشياً على قدميه.
قلت: يحمل على غير أيام الاشتغال بالحج، وأيام التشريق؛ كما لايخفى.
قال: قد رصدته مراراً يطوف، ويسعى في الصفا والمروة، وتحت الميزاب، يصلي على ملائكة الله وأنبيائه وأوليائه؛ ثم يقول: اللهم الطف بآل محمد، وتقبل منهم، وارفع عندك منزلتهم، وأكرم لديك جوارهم؛ اللهم اجعل دينهم قاهراً لجميع الأديان، اللهم أغن فقيرهم، وتجاوز عن مسيئهم، اللهم الطف بأهل الحرمين الشريفين والمجاورين.
ويدعو لهم بدعاء حسن، ثم يدعو للمسلمين والمسلمات؛ ما سمعته يدعو لنفسه قط.
أضافني ليلة، ونزل معي إلى باب بيته، فقلت له: إنك شيخ كبير، معذور مشكور.
فقال: والله يا سيدي لو قلعت عيني لتطأ عليها، ما أديت لكم حقاً ـ يا آل محمد ـ.
يقولون في مكة: السيف المسلول، الشيخ نجيب.
وسمعت من يقول في المسعى: وحق شيبة نجيب، أعاد الله من بركاته.
قال: الثالث منهم: الشيخ حسن بن محمود الشيرازي، رجل فاضل، طويل القامة، حسن الخَلق والخُلق، يلبس البياض، قميص وعمامة بيضاء يسدلها، كعمامة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نور الإيمان على وجهه، وسيماء الصالحين قد شمله؛ يسكن في رباط الزيدية بمكة، ووقع بيننا وبينه التعارف أولاً بالقلوب، ثم الأشخاص؛ فوجدناه صالحاً، له أسرار عجيبة، وتنويرات غريبة، لايزال تحت سارية في الحرم الشريف قاعداً، أكثر عبادته التفكر والذكر الخفي، مجاوراً للبيت العتيق، خمس عشرة سنة.
قال: وله كرامة عجيبة، من وقع في نفسه شيء ـ من أحبابه فقط ـ حاجة /225
من الله، أو ضمير يضمره؛ بيّت الحاجة، وأخبر الصبح بما سمع فيها.
قلت له: ياسيدي شرف الدين، سألت الله ـ تعالى ـ حاجة أحب أن تلازم الله ـ تعالى ـ في قضائها، وتخبرني بكرة غدٍ ـ إن شاء الله تعالى ـ.
فقال: بسم الله.
وارتسم بالسمع والطاعة؛ فبيّت لي، وكان بكرة في الحرم الشريف وجدني، فصافحني ولزم على يدي، وأخبرني، قال: هذه الليلة، رأيت في منامي، أني واقف تحت العرش العظيم، والملائكة صافون من حوله، فقلت: سيدي شريف يحيى بن مهدي يسأل الله حاجته.
فقالت الملائكة (ع): نعم، طلب ولداً صالحاً؛ يحصل ـ إن شاء الله تعالى ـ عن قريب؛ فإذا حصل سماه أبو العطايا.
وقال لي سيدي شريف: هذه حاجتك؟
فقلت: إي والله.
قلت: في الأصل: سماه أبو العطايا (بالواو)، فإما أن يكون أصل وضعه على حكاية الرفع ـ وهو في العربية كثير ـ وحكاه الشيخ على لسانه، فقد أفاد أنه أقرب إلى العجمة، وهو ظاهر في خطابه؛ أو من تغيير النساخ، وقد تصرفت في هذا النقل من كتاب الصلة في مواضع للاختصار ـ كما أشرت إليه ـ والاصلاح، والله الموفق.
ثم ذكر أنه سأله حاجة أخرى فأخبره.
قال: وكان يعظم أخي أحمد، ويقول: له شأن عظيم، وحال قوي.
قال: فحصل الولد المبارك عبدالله، وسميته: أبو العطايا ـ كذا في الأصل كما سبق، قال:ـ تبركاً بكلامه، بعد إيابنا من بيت الله العتيق؛ وشرح لي أنه يكون صالحاً، عالماً، ثقة، زاهداً.
قال: وهذا ولدي عبدالله أبو العطايا مجتهد في طلب العلم، قد نقل من المختصرات خمسة كتب غيباً، وعمره اثنتا عشرة سنة؛ وفي سنة خمس وتسعين /226
قد عزم على غيب القرآن الكريم، وكثيراً ما يلازمني في الحج إلى بيت الله الحرام، ويشتاق إليه؛ بلغ الله فيه أملي وأمل إخواني، وفقه الله لصالح القول والعمل، وعصمه عن الجهل والخطأ والزلل، بمحمد وآله وبملائكته أتوسل، أن يجعله ممن اهتدى وأناب، ومن أهل الحكمة وفصل الخطاب، آمين آمين، وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم، والحمد لله رب العالمين.
قلت: وهذه خاتمة الكتاب، والحمد لله الملك الوهاب؛ اللهم وإياك نسأل، وبجلالك وأسمائك الحسنى وآياتك العظمى نتوسل، أن تصلي وتسلم على رسولك وآله، وأن تجعلنا ومن شاركنا في دعائنا من المؤمنين، من المهتدين بأنوارهم، والمقتدين بآثارهم، والمتبعين لهم بإيمان وإحسان، والمرافقين لهم في دار الرضوان، وأن تعيد علينا من بركاتهم، وتفيض علينا من نفحات كراماتهم، وتشركنا في صالح أعمالهم ودعواتهم، وتلحقنا بهم صالحين، وتلطف بنا وبالمؤمنين في الدارين، وتظهر كلمة الدين، وتنصر الحق والمحقين، وتحمي حوزة الإسلام والمسلمين، وتؤيد شريعة سيد المرسلين؛ بحقك يا إله الحق آمين.
[ترجمة للسيد أبي العطايا]
هذا، وقد بلّغه الله تعالى في ولده أمله، وحقق رجاءه، واستجاب له دعاءه؛ فصار السيد الإمام أبو العطايا عبدالله بن يحيى قدوة للمسلمين، وكعبة للطالبين، وإماماً للعلماء العاملين، ونجماً من نجوم العترة الهادين، وحافظاً لعلوم الآل الأكرمين.
قال السيد الإمام في الكلام فيه: وأجل تلامذته السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، والفقيه علي بن زيد /227
العنسي، والفقيه حسن بن مسعود المقرائي.
إلى قوله: ومحمد بن عبدالله، والد السيد صارم الدين، ويحيى بن أحمد مرغم.
قال تلميذه السيد صارم الدين: مولانا السيد الإمام، شيخ العترة الكرام في زمانه، ومفسرها، ومحدثها، ومفتيها، والمعتني بعلومها، صلاح الدين، بركة أهل البيت المطهرين، عبدالله بن يحيى بن المهدي الحسيني، الزيدي نسباً ومذهباً.
وقال القاضي ـ أي صاحب مطلع البدور، وهو المقصود كلما أُطلق هنا في هذا الكتاب كما سبق ـ: السيد الإمام الكبير، مُلْحِق الأصاغر بالأكابر، شيخ شيوخ العترة، ومفخر العصابة والأسرة.
إلى قوله: وحافظهم، متفق على جلالته؛ تخرّج عليه العلماء، وكان موئلاً للتحقيق؛ وبالجملة، فلا تفي عبارة بوصفه، له كرامات وفضائل.
قال السيد أحمد بن عبدالله: هو السيد العلامة، رباني العترة الكرام، إمام علوم الاجتهاد الإمامة الكبرى، بإجماع علماء عصره أجمعين.
وقال غيره: العالم الشهير، والفاضل الكبير، وكان مجتهد زمانه، وعالم أوانه.
قلت: في مطلع البدور: وأظن هذه الترجمة، أي قوله: العالم الشهير...إلخ، واضعها الإمام عز الدين بن الحسن (ع)، وأفاد أنه درس في العلوم ـ أي أقرأ ـ أربعة وخمسين عاماً.
قال السيد الإمام: يروي عن أبيه، عن الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، عن أبيه، عن جده.
قال: وبهذا الإسناد إلى الإمام محمد بن المطهر، عن الأمير المؤيد، عن /228
الأمير الحسين بن محمد بطرقه؛ ويروي عن أبيه، عن الإمام علي بن محمد (ع)...إلخ.
قلت: وفيما سبق وما يأتي من استناد العلوم إليه، ما يفي بتفصيل حاله؛ ولكن هذا على سبيل التأكيد، وقد كررت مثله في هذا الكتاب؛ ليكون الرجوع عند التباس الأمر في محلّ إلى آخر، والله ولي التسديد.
هذا، وقد بسطت القول في هذا البحث؛ لإرادة الاستبصار، وقصد الاعتبار، ولم تزل والحمد لله أنوار النبوة تشرق في جميع الأعصار، وأرواح عبيرها تعبق على الاستمرار، ورايات فضلها تخفق في الأقطار، على أهل البوادي والأمصار، ولن تزال على ذلك إلى اليوم الموعود، والحوض المورود، والمقام المشهود؛ وعد الله على لسان رسوله المختار ـ صلى الله عليه وعلى آله الأطهار ـ.
ولقد مَنّ الله ـ تعالى ـ علينا ـ وله المن ـ بإدراك جماعة، ومعاينة طائفة، من تلك العصابة الطاهرة، وأخبرونا تلقيناً ومشافهة، عن إدراكهم ومعاينتهم لجماعة وافرة، من النجوم الزاهرة، شموس الدنيا وشفعاء الآخرة؛ أجرى الله ـ جل جلاله ـ لهم الآيات البينات، والكرامات النيرات، من استجابة الدعوات، وكشف الكربات، وتظاهر البركات؛ ولو بسطت القول في ذلك لطال الكلام، ولكن يكون في كل محل ما يحتمله المقام؛ رضوان الله عليهم أجمعين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[السند إلى جميع مؤلفات الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي وترجمته]
هذا، وسبقت الأسانيد في طريق المجموع وغيره، إلى الإمام الأمجد، المتوكل على المنان، المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي (ع). /229
فأروي بها جميع مروياته ومؤلفاته، منها: شرحه على أحكام إمام الأئمة، الهادي إلى الحق (ع)، وما جمعه من أحاديثه المفردة.
ومنها: تكميله لشرح البحر الزخار، من كتاب الصيد إلى آخره، تتمة لشرح مرغم؛ لأنه انتهى إليه.
وكتاب الإرشاد، وغيرها من الرسائل؛ وقد سبق في التحف الفاطمية ذكر ما لا غنية عنه من أحواله، ونشير هنا إلى إتمام ذلك.
قال السيد الإمام في ترجمته: الإمام المتوكل على الله، العالم ابن العالم، نشأ على ما نشأ عليه سلفه الصالح؛ لازم الإمام المهدي أحمد بن يحيى، فقرأ عليه جميع الفنون، من أصول وفروع وحديث، وغير ذلك؛ ومن ذلك جميع ما ألفه الإمام المهدي(ع) نظماً، ونثراً؛ ومن ذلك الشافي للإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، والكشاف لجار الله، وكتب الأئمة، وشيعتهم، ومعقول العلوم ومعلومها، بين سماع وإجازة، ومناولة، وغير ذلك.
وقال (ع) في إجازته للإمام عز الدين بن الحسن (ع).
قلت: ساق السيد الإمام ما فيها، باختصار وتصرّف لايخل، وهي عادته ـ رضي الله عنه ـ في النقل، يأخذ خلاصة المقصود في الأغلب، والأصل موجود حال التحرير كغيره من الأصول ـ بحمد الله ـ.
(رجع) فمن المسموعات من كتب العربية: مقدمة طاهر وشرحها لابن هطيل، وشرحها لمصنفها، وشرحها للإمام يحيى بن حمزة المسمى بالحاصر.
ومنها: مقدمة ابن الحاجب، وشرحها لابن هطيل، وشرحها للمؤلف، وشرحها لركن الدين، وشرح اليمني، وشرح النجراني.
قلت: للشيخ إسماعيل بن عطية النجراني.
قال: وكتاب المفصل للزمخشري، وشرحه للإمام المهدي، وشرحه/230
لابن هطيل، وشرحه لابن الحاجب، وشرحه للأندلسي، وشرحه لابن يعيش.
[ترجمة ابن سابق الدين وابن هطيل]
قلت: في الأصل: وشرحه المعروف بالإقليد.
قلت: هو للعالم ابن العالم، الحسن بن محمد بن سابق الدين، من أعلام الشيعة الأكرمين، وفي العربية إمام اليمنيين، المعروف بمجد الدين؛ وهو جد العلامة مفتي الزيدية، الحسن بن محمد النحوي، أخذ عن الأمير الحسين بن بدر الدين، وعن والده، وعن الحسن بن البقاء.
أفاده السيد الإمام، وترجم له في مطلع البدور في موضعين: في الحسن، وفي الحسين ـ رضي الله عنهم ـ.
قال: ومنها: شرح الجمل، للشيخ طاهر، وتعليقه لابن هطيل.
قلت: هو الفقيه العلامة علي بن محمد بن هطيل، من علماء العصابة الزيدية، وفضلاء الشيعة المرضية؛ ترجم له السيد الإمام، وصاحب مطلع البدور، وأفاد أنه علامة النحاة، ومفخر اليمنيين؛ كان أشهر من شمس النهار في علومه وفضائله، سيبويه اليمن.
وترجم له بعض الشافعية، وأثنى عليه.
(رجع إلى كلام الإمام المطهر بن محمد المذكور في الطبقات).
قال: والتصريفية، وشرحها لمصنفها، وللسيد مجد الدين، وللسيد ركن الدين.
ومن كتب المعاني والبيان: التلخيص وشرحه، ومفتاح السكاكي وشرحه للقطب، وكتاب الموجز والإيجاز للرازي.
ومن التفاسير: الكشاف، وتفاسير السيد علي بن محمد بن أبي القاسم كلها، وتفسير الأعقم.
ومن كتب الكلام: الخلاصة، وشرحها الغياصة، وشرح الأصول، /231
وتلعيقه لابن حميد، وتعليقه لحي السيد الهادي بن يحيى بن المرتضى، وعمدة حميد، والنفحات وشرحها له، وشرح قاضي القضاة، وتذكرة ابن مُتَّويه، وكتاب الكيفية.
ومن كتب علم الكلام أيضاً: مصنفات حي الإمام المهدي أحمد بن يحيى (ع): مقدمة البحر في علم التوحيد والعدل، ورياضة الأفهام، وشرح ذلك كله الذي له(ع)، ونهاية السؤول للفخر الرازي، والتعليق الذي عليها، وكتاب القرشي.
ومن كتب أصول الفقه: كتاب الورقات للجويني، وكتاب لباب المحصول، وكتاب معيار العقول للإمام المهدي، وكتاب منتهى السؤول، وشروحه الرفو والأصبهاني، والعضد، وتعليق شرح العضد، وشرح قطب الدين البسيط، ورفع الحاجب، وشرح الحلي، وشرح الفقيه علي بن عبدالله بن أبي الخير.
ومنها: شرح العيون للحاكم، والحاصل والمحصول للفخر الرازي، والمستصفى للغزالي، والمعتمد للشيخ أبي الحسين، وكتاب القرشي، وجمع الجوامع، وشرحه.
ومن كتب الفقه: نكت الفوائد، وشرحها للقاضي جعفر، ومنظومة الكوفي، والمذاكرة، واللمع، وتعليقها للفقيه حسن، وتعليقها للفقيه يوسف بن أحمد، وكتاب الأحكام للهادي (ع)، وكتاب البحر للإمام المهدي (ع)، وكتاب شمس الشريعة، وكتاب الذريعة.
ومن كتب الحديث: كتاب الأربعين السيلقية، وشرحها للإمام المنصور بالله (ع)، وكتاب الشهاب، وكتاب النجم الثاقب، وكتاب مصابيح ابن داود، وكتاب البخاري إلى كتاب الحجاب، وكسنن أبي داود، /232
والشفاء، وأصول الأحكام؛ ولي إجازة في غير ذلك، وهي كتب عديدة الفنون.
ومن كتب اللغة: النظام، وكفاية المتحفظ، والمقامات، وثلاث أرباع الصحاح، وضياء الحلوم.
قلت: وقد سقتُ هنا، وفيما سبق الكتب المسموعات ـ لاسيما الجامعات ـ وإن دخل غير المقصود من التابعات؛ لما في ذلك من تصحيح الطرقات، وبيان مواضع البحث، واتصال السماع، والوقوف على ما لهم من قوة الباع، وسعة الاطلاع، فقد راضوا من العلوم أسفارها، وخاضوا غمارها، وقطعوا أنجادها وأغوارها، رضي الله عنهم وأرضى، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
قال السيد الإمام: وأجل تلامذته الإمام عز الدين بن الحسن، والسيد صلاح بن يوسف، ومحمد بن علي بن فند الزحيف مؤلف مآثر الأبرار، وغيرهم.
قال في مآثر الأبرار: دعا عقيب موت علي بن صلاح، وتعارض هو وصلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم.
قلت: أي الإمام المهدي لدين الله صلاح بن عالم آل محمد علي بن محمد (ع) صاحب التفسير، وشيخ محمد بن إبراهيم الوزير.
وقد تقدم تحقيق أحوال الجميع في التحف الفاطمية، وفي هذا المؤلف.
[ترجمة الإمام الناصر بن محمد بن الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى]
قال: وعارضهما الناصر وهو أصغر منهما سناً، وأقل علماً؛ لكن أقبلت له الأيام. /233
قلت: اسمه الناصر، ولقبه المنصور ابن محمد بن الناصر بن أحمد ابن الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى، وتمكن حتى ملك أكثر ما ملكه جده أبو أمه، علي بن الإمام الناصر صلاح الدين، وأسر كل واحد من الإمامين.
فأما الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد (ع) فسجنه في نواحي ذمار، وقال القصيدة الكبرى، في مدح جده المصطفى، صدرها:
ماذا أقول وما آتي وما أذر .... في مدح من ضُمّنت مدحاً له السورُ
ومنتهاها:
ومن توسل فيما رام من وَطر .... بهم إليك لك الحمد انقضى الوَطَرُ
وهي مائة وأربعة وثلاثون بيتاً؛ ولما سمعها بعض وزراء الناصر، قال: انظروا فإنكم تجدون الرجل قد خرج من الحصن ببركة هذا الشعر، فوجدوه صحيحاً.
وأما الإمام المهدي صلاح بن علي (ع)، فتوفي في سجن الناصر، ووقعت له كرامة عظيمة، وهو أنه أرسل له بلوح من صعدة إلى صنعاء، فلما رآه عبد للناصر كسره، فلم يمهله الله ـ تعالى ـ بل أخذه أخذ عزيز مقتدر، وعرف هذه الفضيلة للإمام أهلُ صنعاء وغيرها؛ أفاد ذلك في مآثر الأبرار.
قال: وهي متناقلة إلى آخر الدهر. /234
هذا، وانقلبت الأحوال بالناصر، فأسره الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد، ومات في سجنه؛ فسبحان المتصرف في خلقه بلا انتقال ولا زوال؛ وهذا خلاصة خبرهم.
قال السيد الإمام، ناقلاً لكلام مآثر الأبرار: وكان المطهر من أعيان أئمة الزيدية علماً، وفصاحة، وكثرة أتباع، نحارير، وسادة أكابر.
قلت: في المآثر: من وجوههم: السيد الصدر العلامة، الهادي بن المؤيد بن علي بن المؤيد، فإنه بايعه، وشايعه، وجاهد معه، وتوجه على رأيه في عسكر جرار، غازياً لطرف تهامة.
ثم أورد قصة الغزوة...إلى قوله: وقتلوا السيد الهادي في عصابة معه من أعيان المجاهدين؛ فضاق المسلمون لهذه الكائنة، وأنشأ الإمام (ع) هذه الترثية، وفيها مضمون ما جرى من بني عبس.
ـ ثم ساقها، وهي مائة بيت صدرها ـ:
على الأحبّة إنْ لم تَبْكِ أجفاني .... فما أقلّ الوفا مني وأجفاني
ومنها:
الهادي الهادي ابن ابن الإمام ومَنْ .... كان المرام إذا يوماً عنى عانِ
[ترجمة والد الإمام المطهر ـ محمد بن سليمان الحمزي]
وقد تقدم والده السيد الإمام، نجم الأعلام.
قال السيد الإمام في ترجمته: قال القاضي: هو السيد الإمام، مفزعُ الأئمة، ومرجع المحققين، سلطان العلماء، البحر الحبر المحقق، الحافظ الحجة، زين الملة، ورئيس المتكلمين، لسان المفتين، والد الإمام المطهر.
قال مصنف سيرة الإمام المطهر: وكان والده السيد الفاضل، العالم /235
العامل، الذي فاق أهل زمانه علماً، وإيضاحاً، وفضلاً؛ أوضحَ من العلوم كل مشكل، وسهل منها كل معضل، واعترف له بالكمال، ورمقته العيون من كل مكان.
ومن أخباره أنه لما عزم علىالحج، وحمل زاده، جاء إلى الإمام الناصر صلاح بن علي (ع) إلى ذمار؛ ليخبره بذلك ويستأذنه، فوقع مع الإمام موقعاً عظيماً؛ لغزارة علم هذا السيد، فما أذن له، بل قال: تحيي هذه الجهات بالعلم؛ ثم قال الإمام: إذا سافر للحج تعدى إلى الجهات الشامية أو غيرها، حيث يعلم بالعلم وطلبته؛ لشدة رغبته في إحياء العلم ونشره؛ ودخل مع الإمام ـ قلت: أي الناصر صلاح بن علي (ع) ـ إلى صعدة، وذبّ عن الإمام فيمن تعرض في شيء من السيرة، ثم عاد إلى صنعاء، وبها توفي في صفر، سنة أربع وثمانمائة، عن أربع وسبعين.
قلت: وذكر السيد الإمام الرواية عن العامري، أنه اختار الطريقة الأولى، من طرق رواية البخاري، وأنه قال: إنما اخترت هذه الطريق؛ لأن فيها اثنين من أهل البيت (ع).
قال السيد الإمام: قال الزريقي: فما ظنك بطريق سلسلها الأئمة الأعلام؟!.
هذا الإمام شرف الدين يروي عن الإمام المنصور بالله محمد بن علي، عن الإمام الهادي عز الدين بن الحسن، عن الإمام المتوكل المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى، عن الإمام السيد العلامة محمد بن سليمان.
وللسيد محمد أيضاً طريق أخذ عن السيد الواثق المطهر بن محمد، عن الإمام المهدي محمد بن المطهر، عن والده الإمام المطهر بن يحيى، انتهى.
قلت: وقد تسلسلت بفضل الله ومنّه، من لدينا إليهم وإلى غيرهم من الأئمة الهداة، بأهل بيت النبوة سفن النجاة، والحمد لله. /236
[السند إلى مؤلفات الإمام عز الدين بن الحسن (ع) وترجمته]
وسبقت الأسانيد، إلى والدنا، الإمام المؤتمن، الهادي إلى الحق أبي الحسن، عز الدين بن الحسن (ع) في طريق المجموع وغيره.
فأروي بذلك السند المتصل بآل محمد، جميع مؤلفاته، شرح البحر الزخار إلى الحج، والمعراج، وكنز الرشاد، وفتاويه الجامعة، ورسائله الساطعة، ومسائله النافعة، وكل ماله من منثور ومنظوم، وجميع مروياته ومسنداته في أبواب العلوم، وقد تقدم ذكره في التحف الفاطمية ، مع سائر أئمة العترة النبوية (ع)، ونذكر هنا ما فيه زيادة إفادة في هذه المقاصد المرضية؛ وأنوار هؤلاء الأئمة الأطهار، أجلى من فلق النهار لذوي الأبصار؛ ولكن ذكرهم ذكر نعمان عند أولي الاختبار، وقد تضمنت سيرة الإمام (ع) أسفار علماء الملة الأبرار.
قال السيد الإمام في ترجمته (ع): الإمام الهادي إلى الحق؛ مولده لعشر بقين من شوال، سنة خمس وأربعين وثمانمائة، بأعلى فللة.
إلى قوله: لم يزل منذ عقل مولعاً بالعلم وتحصيله.
قلت: في مآثر الأبرار: نشأ هذا الإمام، نشوء آبائه الكرام، وقفى منهاج أسلافه الأعلام، فهو كما قال المنصور بالله (ع):
نشأته طاهرة إذْ نشا .... يقفو على نهج أبيه علي
قلت: وهذا من الأبيات المشروحة بمحاسن الأزهار.
قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ: ابتدأ طلب العلم بوطنه، ثم قصد /237
صعدة، فقرأ فيها على شيوخ عدة، وصنّف وما قد تم له عشرون.
إلى قوله: وله من الإمام المطهر بن محمد بن سليمان إجازة، قال ما لفظه:
أجزت السيد، المقام الأفضل، العالم الأعمل، نافلة أمير المؤمنين، عز الدين ابن السيد شرف الدين الحسن ابن أمير المؤمنين الهادي لدين الله علي بن المؤيد بن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن يروي عني، على الشرط المعتبر في الرواية، مما هو لي سماع من كتب الهداية، وإجازة.
ثم ذكر مسموعاته، واشتملت على كتب العربية؛ وأشار إلى ما تضمنته من كتب الفنون، وقد تقدمت.
قال: وأجل تلامذته الإمام محمد بن علي السراجي، وله منه إجازة عامة.
قلت: وغلط الشيخ محمد الشوكاني في البدر الطالع، فعدّ الإمام عز الدين من تلامذته، وهو خلاف الواقع المعلوم.
وولده الإمام الناصر للحق، الحسن ابن الإمام عز الدين بن الحسن (ع).
قال: فلما قفل، وقد انتهى إلى غاية وطره، ولم يزل يترقى في العلوم، ويدمغ هامات الموهوم منها والمعلوم، حتى برع في كل فن، خصوصاً علم التوحيد والعدل؛ فإنه كان أوحد زمانه، مبرزاً فيه على أقرانه، وصنف فيه شرحاً على منهاج القرشي، وأكبّ على قراءته عليه، ونسخه وتحصيله، أعيانُ الزمان، وجاءه لسماعه جماعة من نحو جهران، وخبان، وذمار، وحدث بهذا المصنف الركبان، حتى بلغ الصفراء وينبع وتلك البلدان؛ وله مصنفات غيره في سائر الفنون.
وفي آخر مدته أخذ في جمع شرح على البحر الزخار، واستحضر عدة كتب في كل فن؛ ولكنه توفي وقد بلغ إلى كتاب الحج، وقد صار مجلدين.
وكان يوزّع أوقاته؛ ففي بعضها ينسخ الأسفار بخطه، ثم /238
يصححها سماعاً على شيخه؛ وكان له خط رائق.
قلت: قال في مآثر الأبرار، بعد إيراد هذا الكلام، إلا أن السيد الإمام ساقه على وجه الاختصار، ما لفظه: وكان له خط فائق، وضبط موافق، وبأمثاله لائق.
قلت: وقد منّ الله ـ تعالى ـ علينا من خزانته بكتب كثيرة، منها: نسخة البحر الزخار بقلمه الكريم، وهي الغاية في الإتقان والصحة؛ والإمام المرجوع إليه عند الاختلاف؛ وقد تم لنا ـ بحمد الله تعالى ـ فيها الدرس والتدريس، وتصحيح النسخ عليها عدة أشراف؛ جزاه الله ـ تعالى ـ أفضل الجزاء، عنا وعن المسلمين، وقدس روحه في عليين.
قال: وفي بعضها يقريء تلامذته، وفي بعضها ينقل شيئاً من القرآن غيباً، ويتهجد به.
قال: وأعجب ما رأيته بخطه في جنب مصحف: اتفق ـ والحمد لله ـ الفراغ من نقل القرآن الكريم، وتمام حفظه كله غيباً.
إلى قوله: فالمنة لله ـ سبحانه ـ، والحمد لله على ذلك، وعلى سائر نعمه؛ فنحن بعد ما يسره الله لنا من ذلك في أجلّ نعمة، وأبلغ قسمة؛ جعله الله لنا هادياً، وشافعاً، ونافعاً؛ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
قال: وكان إحرازه للعلوم في مقدار عشر سنين؛ إن هذا لهو الفضل المبين.
قلت: هذا كلام العالم الثبت، المعاصر للإمام (ع)، المطلع من أحواله على التمام؛ ذلك الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
قال: ولما قضى من طلب العلم حاجته، تفرغ للدرس والتدريس؛ فصار رُحلةً للقاصدين، ومنتجعاً للوافدين، تؤمه طلبة العلم من أكثر /239
الأمصار، والبوادي والحضار؛ فممن قرأ عليه مدة مديدة: حي السيد الوشلي محمد بن علي، في عصابة.
قلت: هو الإمام محمد بن علي السراجي، كما في الطبقات.
قال: وتوجهت إليه المسائل والرسائل، من كل جهة، ورمقته الأعين، ونطقت بفضله الألسن، وحظي من الإقبال عليه بما لم يحظ به غيره، وكثرت نذوره، وأشرق فيهم نوره؛ وكان الناس يتحدثون بأنه الصالح للإمامة، وأنشدت فيه الأشعار، قبل التلبس بدثارها؛ وأظهر قوم إمامته في حال السيادة؛ فَلِحَي الفقيه النبيه، المنطيق الفصيح، علي بن يحيى الهذلي الضمدي فيه شعر، منه:
وإنا لنرجوا عاجلاً أن يقيمه .... إله به قامت سماواته السبعُ
يعيد نصاب الملك في مستقرّه .... ويخلع عنه من يحق له الخلعُ
قال: فلما دعا، فرح الناس بدعوته، فكان أول من بايعه والده المبارك، شرف الدين، الحسن بن أمير المؤمنين، وسائر إخوته، وبني عمه.
قلت: وهذه منقبة له كبرى، لم يسبقه إليها من أهل بيت النبوة (ع) إلا الإمام المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية، في قيامه أيام أبيه، شيخ آل محمد، عبدالله الكامل (ع)، ولم يلحقه أحد فيما أعلم.
قال: ثم من حضر من العلماء، ثم القبائل؛ قرئت عليهم دعوته الكبرى، العامة لكل الورى، وفيها من البلاغة الرائعة، والحجج القاطعة، والمواعظ الحسنة، والوصايا المستحسنة، والاعتذار من القيام.
إلى قوله: ما يشهد له بتقدمه.
[نفوذ دعوته واتساع نطاق مملكته]
قال: فلما وصلت دعوته إلى الجهات اليمنية، مثل: صنعاء ومشارقها /240
ومغاربها، ومثل: ذمار وما يليها يمناً وشرقاً وغرباً، ومثل: المغارب، حجة وبلادها، ومثل: شظب، وبلاد الأهنوم، والشرفين إلى حدود تهامة، ومثل: جازان، وضمد، ووساع، وحلي، وينبع، ومكة؛ وصلت الكتب بالطاعة، وأقاموا الجمعة والجماعة.
قال: وخرج إليه جميع أعيان علماء صنعاء وتلك النواحي، ولم يبق أحد ممن له يد في العلم، إلا وصله، فأوردوا عليه من الأسئلة في كل فن ما ملأ الطروس، وشافهوه بجميع ما يعرض في النفوس، فأجابهم بما يشفي الأوام، وجلى دياجير الظلام.
فلما وضحت لهم الحجة، ودلهم على المحجة، بايعوه وشايعوه.
إلى قوله: ويأبى الله إلا أن يتم نوره؛ وجمع الكلمة بهذا الإمام، وأطاعه العباد، ودانت له البلاد؛ ووقع لدعوته من القبول والإقبال، مالم يكن يخطر ببال، واعترف له الموالف والمخالف، بالعلم الغزير، وجودة التدبير، وبالكرم الجمّ، الذي يغطي على موجات اليمّ.
...إلى قوله: ثم إن هذا الإمام انفرد عن أكثر الأئمة بخصال، لم تجتمع إلا فيه، وهي: الخطابة، والبراعة في العلم، وعدم الكلال لذلك، ليلاً ونهاراً، وسحراً وسمراً، وسفراً وحضراً، حتى أنه منذ دعا إلى أن توفي إلى رحمة الله ورضوانه، لاحصر لكتبه، ولايفرق أحد بين تراكم أشغاله بالترسل، والكتابة بين أول دعوته وآخرها؛ وذلك مستمر، فلو جمع ما قد رقمه بيده مما يزري بالدر المنظوم، وزهر الربيع، لجاءت مجلدات، تزيد على ثلاثين مجلداً، فما أحقه بما قيل:
إنْ هزّ أقلامه يوماً ليعملها .... أنساك كلّ كمي هزّ عامله
وإن أقرّ على رقٍ أنامله .... أقرّ بالرق كتاب الأنام له
/241
وكان كتبه في أكثر الأحوال، تقوم مقام المخارج العظيمة.
ثم بسط في أحواله (ع).
[كرامته العظمى ومرثاته]
ثم ذكر من كراماته الكرامة العظمى، وهي سماع النعي له من صنعاء.
قلت: وقد تواترت الأخبار بوقوعه، وتكلم به العلماء في الخطب على المنابر، من ذلك العصر إلى هذه الغاية.
وقد ذكره الإمام المتوكل على الله، يحيى شرف الدين، في ترثيته، حيث قال:
نعاه إلينا قبل يوم وقوعه .... بسبع إله الخلق والسمع شاهده
تداعينه عمن سواه ومن يكن .... به الله أنبا فهو جمّ محامده
وهي قصيدة غراء، ضمنها فضائل الإمام المنيرة الكبرى، وقد ذكرتها، وذكرت النداء ذلك في الزلف والتحف؛ وإنما أضاف ذلك النداء الأئمة والعلماء إلى الله ـ تعالى ـ وبعضهم إلى الملائكة (ع)، لما أشار إليه الإمام (ع)، من وقوعه قبل الوفاة؛ وذلك مما لايعلم إلا من الله ـ سبحانه ـ إمّا بخلق الصوت، أو بوحي إلى ملائكة، كما هو المعلوم في طريق الأخبار السماوية.
قال في مآثر الأبرار: فقطعوا أن ذلك هاتف من الروحانية، أمره الباري يعلمهم بذلك؛ لعظم منزلة هذا الإمام، من الله ـ عز وجل ـ.
قال في وصف حال أهل مدينة صعدة، عند بلوغ خبر وفاة الإمام (ع): فمن تلك الساعة، ارتجت المدينة بالبكاء.
إلى قوله: من الرجال والنساء، في جميع نواحي المدينة، فخلنا السماء سقطت على الأرض، وبكت عليه المخدرات في البيوت، وأهل البوادي، ومن يعرفه، ومن لا يعرفه، وخرج الناس إلى فللة على أرجلهم، السادة والقضاة، والشيعة والأمراء، والخواص والعوام؛ /242
وكثر المعزون من شرق البلاد وغربها.
ثم ذكر ترثيته له:
منها:
أبعد إمام العصر يضحك ضاحك .... ويبسم ثغر بئس ذلك من ثغرِ
ومنها:
ومهما ذكرت الشمس في رونق الضحى .... ذكرت أفول الشمس من ذلك القصرِ
وحيث حكوا للأمر والنهي صورة .... ذكرت اختلال النهي بعدك والأمرِ
ومنها:
أبا حسن من للمنابر قارع .... يساقط وعظاً في المسامع كالدرِّ؟
أبا حسن من للبراعة مورد .... بكل مقام مورد البيض والسمرِ؟
أبا حسن من للفصاحة مفلق .... يجيد المعاني الغرّ في النظم والنثرِ؟
أبا حسن من للقضايا وفصلها .... يميّز محض العرف منها عن النكرِ؟
أبا حسن من للجيوش وبعثها .... يعود لها حسن السياسة بالنصرِ؟
أبا حسن من ذا نراه إذا احتبى .... بمجلسه في ذلك القصر كالبدرِ؟
...إلى قوله:
عليك سلام الله ما هبّت الصبا .... وما باتَ برق فوق مشهدكم يسري
[أولاد الإمام عز الدين، وشيء من شعره (ع)]
وقال في ذكر أولاده: فأول من ولد له (ع)، الإمام القمقام، علم الإسلام، وحجة الله على الأنام، شرف الدين، الحسن؛ ثم السيد الأفضل، طراز المجد الأول، شرف الدين، الحسين؛ ثم السيد الأوحد، الأفضل الأمجد، شمس الدين أحمد؛ ثم السيد الأجل، رفيع القدر والمحل، صلاح الدين المهدي، أبناء أمير المؤمنين.
قلت: وقد مرّ ذكرهم في التحف الفاطمية ؛ لكن لم يبين محلهم في /243
الفضل كما هنا.
قال: وأما شعره، ففائق رائق؛ حوى ديوانه منه ما اتفق على جودته أعيان الخلائق.
ثم ذكر من قصائده، كلمة موعظة، صدرها:
إذا كنتَ من قرع الحوادث شاكيا .... وأصبحتَ من خطب ينوبك باكياً
وهي على نهج قصيدتين:
الأولى: للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، مطلعها:
دعيني أطفي عبرتي ما بدا ليا
وهي التي عارضها نشوان الحميري بقصيدته، التي أولها:
ذكرت دياراً دارسات خواليا
ذكر فيها ملوك حمير، وشرحها صارم الدين الوزير.
والأخرى: للإمام المهدي، غرتها:
دعيني إذا شاهدتني اليوم باكياً
وذكر منها قصيدة الإمام (ع)، التي أولها:
أفقْ أينما وجهت صرت مفارقاً .... ولم تلقَ فيما بين حاليك فارقا
قلت: ومن غرر فرائد الإمام، التي يقلّ لها النظير في البلاغة والسلاسة والانسجام، قوله:
دعْ ذكر ما بالحمى والبان والطلل .... وعدّ عن معهد بالأبرقين خلي
ومنها:
له مقالات عذب ما بها لغز .... وخير قول وعاه السمع وهو جلي
أشفى وأشهى وأحلى في مذاقته .... من بارد الماء بل من خالص العسل
ومنها:
فارقت ما كنت قد لاقيت من كرب .... أصمت ولا قيت ما فارقت من جذلِ
/244
ومنها:
تلك البلاغة إما شئت معرفة .... لها فهاك بلا كثر ولا مللِ
وذلك السحر إلا أنه حسن .... ما فيه من حرج يخشى ولا زللِ
ومنها:
سلْ عنه أسمع به أنظر إليه تجد .... ملأ المسامع والأفواه والمقلِ
ومنها:
لا يأس من روح رب الروح إن له .... عطفاً على كل دَعَّاء ومبتهلِ
وقد دعوناه نرجوا من إجابته .... جمعاً لشمل شتيت غير متصلِ
يارب واجعل رجائي غير منعكس .... لديك يا منشيء الأمزان والسبل
وقد أوردها في مطلع البدور، قال فيه: ومن شعر الإمام الهادي لدين الله، عز الدين بن الحسن (ع)، إلى العلامة علي بن محمد البكري ـ رحمه الله ـ قبل دعوته(ع).
[من دعوته العامة]
قلت: وافتتح الدعوة العامة بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي جعل الإمامة قدوة للدين وسناماً، وصلاحاً لأمر العالم ونظاماً، وناط بها قواعد من الدين وأحكاماً، وجعلها للنبوة الهادية للخلق إلى الحق ختاماً، ولشرعة سيد الأنام الفاصلة بين الحلال والحرام تكملة وتماماً؛ والصلاة المستتبعة إكراماً وسلاماً، على أشرف البرية ومن كان للرسل إماماً، وعلى عترته الذين ما زالوا لشريعته حفاظاً وقياماً.
إلى قوله: إنه لما تعاظمت المحن، والتطمت أمواج الفتن، واختلطت الأمور، وانتثر نظام أمر الجمهور.
إلى قوله: وعُفَّت مرابع العدل وأنديته.
...إلى قوله: /245
وضاعت حقوق الله، ووضعت في غير ما ارتضاه، وظهرت غربة الدين، وقويت شوكة المفسدين؛ شخصت إلينا الأعيان، من جميع النواحي والبلدان، وامتدت الأعناق، من أداني الأرض وأقاصي الآفاق.
...إلى قوله: كرَ علينا الأنام، كرّة ما لها مدفع، وأقبلوا علينا إقبالةً لا يجدي فيها الاعتذار ولا ينفع.
...إلى قوله: ممن هممهم مقصورة على تقويم أمر الدين المريج، وليس لهم على جانب الدنيا تعويل ولا تعريج، بلزوم القيام لله، وتحتم الغضب لدين الله، وتلافيه قبل التلف بالكلية؛ وإنا إن فرطنا في ذلك أسخطنا الرحمن، وأرضينا الشيطان.
...إلى قوله: ونظرنا إلى أن الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، معلومان بالوجوب بالضرورة من الدين، وأن الظنون لا تعارض اليقين؛ قال الله تبارك وتعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } [النحل:125]؛ وقال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقاباً، تدعونه فلا يستجيب لكم)).
...إلى قوله: وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قعد على المنبر، وقال: ((أيها الناس، إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم)) فما زاد عليهن حتى نزل /246
؛ وقال: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر)).
...إلى قوله: وطمعنا في نيل ثواب الله الجزيل، ورضوانه الأكبر الجليل، بالتأهل لإرشاد عباده، إلى مطابقة مراده، ودعائهم إلى طاعته، والسيرة فيهم بمقتضى شريعته، نظراً إلى قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت]، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله: إمام عادل...الخبر)) وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))، وقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((يوم من عادل خير من عبادة ستين سنة، وحدّ يقام في الأرض بحقه أزكى فيها من مطر أربعين صباحاً))، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها))، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أفضل الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة إمام عادل)).
..إلى آخرها.
وفيها من معين العلوم، ما يشفي أدواء الكُلوم.
وإنما اخترت إيراد هذا القدر منها؛ لما فيه من بيان محل الإمامة عند الإمام (ع)، وأنها ثانية النبوة، ومنوط بها من الدين أحكام الإسلام.
وفيه بطلان ما نقله الجنداري عنه في حواشي الثلاثين المسألة؛ ولعله لما اطلع على الأسئلة، التي أوردها الإمام فيها على الأعلام، وقد توهم ذلك غيره ممن لم يحقق مقاصد الإمام، وأورد ذلك بعضهم في عصره، ونسب إليه القول بأنها عنده ظنية؛ وأجاب عليه الإمام بأنه لم يصرح بما ذكره السائل، وأفاد نفيه عنه، وأنه إن كان أخذه له من تلك /247
السؤالات، فهو مأخذ غير صحيح؛ حقق ذلك الإمام (ع) في فتاويه، فخذه من ذلك المقام؛ وكم يحصل من التهافت في أمثال هذه النقولات لمن لم يتثبت ويحقق موارد الكلام؛ هذا، والله ولي التسديد والإنعام.
[نبذ من كتابه المعراج]
قال الإمام (ع) في المعراج:
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله على نعمه، التي يجب شكرها، ولا يطاق حصرها، والثناء عليه بكماله، وصفات جلاله، التي يطيب نشرها، ولا يُقْدَّر قدرها، والصلاة والسلام على خاتم الرسل، وموضح السبل، وناسخ الملل، ودامغ الشرك حتى اضمحل وبطل، وعلى عترته شموس الإسلام، وقادة الأنام.
إلى آخر الكتاب.
وهو محيط بحقائق الأنظار، جامع لدقائق الأفكار، كاشف لدفائن الأسرار.
[بحث في نفي الذوات في العدم، وكلام الإمام عز الدين (ع) في ذلك]
ومما نصّ فيه الإمام على مخالفة جمهور المعتزلة، وموافقة قدماء أهله: مسألة ثبوت ذوات العالم.
قال بعد حكاية الخلاف: وذهب من أئمتنا إلى نفيها الإمام عماد الإسلام.
قلت: يعني الإمام يحيى بن حمزة (ع).
قال: وقال في التمهيد: ذهب المحققون من جماهير العلماء، إلى أن المعدوم ليس بشيء، ولا عين، ولا ذات، في حال عدمه؛ وإنما هو نفي محض، /248
والله ـ تعالى ـ هو الموجد للأشياء، والمحصل لذواتها، وحقائقها.
قال الإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن (ع)، بعد هذا الكلام: وهذا هو الحق الذي لاريب فيه؛ ولعمري، إن إثبات ذوات في العدم، لها صفات وأحكام، وتتعلق بها بعض المتعلقات، لاينبغي أن يكون معقولاً، وأنه أبعد في التعقل من الطبع والكسب، ونحوهما.
إلى قول صاحب المنهاج: وقال أبو القاسم: شيء، وليس بذات.
قال الإمام (ع): اعلم أنه لافرق بين قول أبي القاسم، وقول من نفى الذوات في حالة العدم؛ لأن مراده أن المعدوم شيء من جهة اللغة، ولاخلاف في ذلك.
إلى قوله: إذا عرفت ذلك، فاعلم أن هذه قاعدة ينبني على صحتها كثير من مذاهب البهشمية.
قال: وكثير من الذاهبين إلى النفي يشنعون في الإثبات، ويزعمون أنه في غاية الخطر؛ لأن فيه نفي تأثير الباري في الذوات، وكثير من الصفات، بل إثبات ذوات لانهاية لها معه في الأزل، حتى أن منهم من يقول: لافرق بين القول بإثبات الذوات في العدم، وإثبات المجبرة للمعاني القديمة، في شناعة القول وخطره، وظهور بطلانه.
ثم ساق استدلال الفريقين، واستوفى أعاريض الكلام، وقد أشرت إلى المسألة في التحف الفاطمية عند الكلام على الإمام المهدي (ع).
وقال (ع): بعد الكلام على مسائل الصفات، ما لفظه: ويلحق بما تقدم فائدة عظيمة النفع في التوحيد، وهي أنه يليق بكل ذي عقل وافر، وعلم راسخ، من أهل الدين المستبين، والمعرفة الحقيقية واليقين، عند أن يلقي إليه الشيطان ـ نعوذ بالله منه ـ الوسوسة، ويبعثه على التفكر في ذات الباري ـ جل /249
وعلا ـ.
إلى قوله: ألا يصغي إلى ذلك أُذناً، ولايصرف إليه قلباً، ولايشتغل بما يلقى إليه من ذلك؛ فإن هذا الوسواس أعظم ما يتوصل به الشيطان، إلى إضلال المكلف، وكفره وإلحاده.
ثم روى الخبر المشهور، وفيه: ((فيقول: آمنتُ بالله، وينظر في ملكوته ـ تعالى ـ ومصنوعاته)).
قال: وقد كان ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على ما روي كثير التكرار، للإقرار بالله، ووحدانيته، وصفاته، والنظر في ملكوت الله ـ تعالى ـ الدالة على ذلك، وكان ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كثيراً ما يأمر بالنظر فيها، وينهى عن النظر في ذاته ـ تعالى ـ فقد روي عنه أنه قال: ((تفكروا في الخلق، ولاتفكروا في الخالق، فإنكم لن تقدروا قدره)).
وقد سلك أمير المؤمنين ـ كرم الله وجهه ـ هذه المحجة في أقواله، فإن من كلامه: من تفكر في خلق الله وحد، ومن تفكر في الله ألحد.
ثم ساق من كلامه المعلوم في الأصول، وقد سبق منه طرف نافع.
قال: ومن كلامه (ع): أن الله ـ تعالى ـ لامن شيء، ولا في شيء، ولا على شيء.
ومن كلامه (ع): لم تحط به الأوهام، بل تجلى لها بها، وبها امتنع عنها، وإليها حاكَمَهَا.
والأوهام هنا: العقول، وقد تقدم تفسير كلامه هذا.
قلت: الذي تقدم ما لفظه: أي امتنع من العقول بمعرفة العقول، بعجزها عن إدراكه والإحاطة به.
وإليها حاكمها: أي جعلها محكمة في ذلك؛ لأنه نزلها منزلة الخصم المدعي، والخصم لايحكم إلا حيث تتضح الحجة، ويفتضح جاحدها، فلا يرضى لنفسه بدعوى ما يعلم كل عاقل كذبه فيها. /250
[من المعراج في التفكر]
قال: ومن كلام الإمام، ترجمان الدين، نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم (ع): جعل الله في المكلفين شيئين، وهما: العقل والروح؛ وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه، وقد حواهما جسمه، وهو يعجز عن صفتهما، وما هيتهما؛ فكيف يتعدى بجهله إلى عرفان ماهية الخالق الذي ليس كمثله شيء؟
ومن لم يعرف عَقْلَه وَرُوحَه والملائكةَ والجنَّ والنجومَ ـ وهذه مدركة أو في حكم المدركة ـ فكيف ترمي به نفسه المسكينة إلى عرفان القديم قبل كل موجود، والآخر بعد كل شيء، الذي لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير؟!
ثم أورد قول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ:
العجز عن درك الإدراك إدراك .... والبحث عن فحص كنه الذات إشراك
وقد قدم قول شارح النهج، العلامة ابن أبي الحديد:
والله ما موسى ولا .... عيسى المسيح ولا محمدْ
عرفوا ولا جبريل وهـ .... ـو إلى محل القدس يصعدْ
من كنه ذاتك غير أنـ .... ـك أوحديُّ الذات سرمدْ
عرفوا إضافات ونفياً .... والحقيقة ليس توجدْ
قلت: تمامها:
ورأوا وجوداً واجباً .... يفنى الزمان وليس ينفدْ
فليخسأ الحكماء عن .... حرم له الأفلاك سُجّدْ
من أنت يا رسطو ومن .... إفلاط قبلك يا مبلّدْ؟
ومن ابن سينا حين قر .... ر ما هذيت به وشيّدْ؟
هل أنتم إلا الفرا .... ش رأى السراج وقد توقّدْ
فدنا فأحرق نفسه .... ولو اهتدى رشداً لأبعدْ
/251
قال: وله أيضاً:
قد حار في الأنفس كل الورى .... والفكر فيه قد غدا ضائعا
من جَهِلَ الصنعة عجزاً فما .... أجدره أن يجهل الصانعا
ثم قال الإمام (ع): فهذه الفائدة تنطوي على كلام سيد البشر، وكلام وصيه الصديق الأكبر، وإمام التوحيد والعدل، وكلام غيرهما من أئمة الإسلام؛ فجدير بكل عاقل الاعتماد عليها، والرجوع في هذا الباب إليها؛ نسأل الله أن يمدنا بمواد التوفيق، ويهدينا إلى سواء الطريق.
[من المعراج: في حجية قول أمير المؤمنين]
ومن كلامه في حجية قول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ مالفظه: لأن أمير المؤمنين حجة وأي حجة، وأقواله وأفعاله إلى الهدى أوضح محجة.
قلت: وقد سبق في صدر الكتاب ما يكفي ويشفي.
...إلى قوله (ع)، فيما يطعن به أهل الزيغ على أمير المؤمنين (ع):
قال صاحب المنهاج: اعلم أنه (ع) أجل قدراً، وأشهر فضلاً، من أن يطعن عليه.
قال الإمام (ع): يعني لما خصه الله به من العصمة، عن كل شين ووصمة، والفضائل الدثرة، والمكارم التي تفوت الوصف كثرة، بحيث إنه لايدرك أحد حصرها، ولايقدر الناظر فيها قدرها، وليس يجهل منصف أمرها.
...إلى قوله: واعلم أن فضائل أمير المؤمنين، وما نقل فيها وورد، لايتمكن من حصر ذلك أحد؛ وقد صنف فيها كتب كثيرة، من محاسنها: كتاب الدعامة للسيد أبي طالب.
وقيل: إن الأعمش كان يروي في فضائل أمير المؤمنين قدر عشرة /252
آلاف حديث.
قيل: وقد اشتملت الأمهات كالبخاري ومسلم منها على ستمائة حديث وخمسة وثمانين حديثاً.
وأما ما يرويه أهل البيت وشيعتهم في فضائل علي (ع) وأبنائه، فقد قيل: إنها ألف ألف حديث، أو ما يقارب ذلك.
قلت: وقد تقدم للإمام ما نقلناه في التحف الفاطمية ، من كلام الإمام المنصور بالله (ع) أن فصول ما تناولته هذه الكتب ـ أي كتب المحدثين ـ مما يختص بالعترة الطاهرة، خمسة وأربعون فصلاً، تشتمل على تسعمائة وعشرين حديثاً؛ ذكره الإمام (ع) في شرح قول صاحب المنهاج في الاحتجاج على إمامة الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: لنا النص والوصاية، والتفضيل والعصمة، وإجماع أهل البيت (ع).
قال الإمام (ع): يعني: فهذه أنواع الأدلة، الدالة على إمامته (ع)، والنوع الأول منها ـ وهو النص ـ ينطوي على أدلة متعددة، من القرآن والأخبار.
إلى آخر البحث.
وقال فيه: اعلم أن الذي جرى لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، ومني به من عدوان هذه الأمة، وتعديها عليه، في حياته، وبعد موته، مما تحار فيه الأفكار؛ فإنه (ع) مع ارتقائه إلى أعلى درجات الفضل، وإحرازه لكل خصلة شريفة، ومنقبة سامية منيفة، جرى عليه وانتهى إليه، مالم يتفق لغيره.
...إلى قوله: وذلك دليل على أن هذه الدنيا الدنية، والدار الردية، مع أنها ممر إلى الآخرة، مقرّ للرذائل والأدناس، ومجال للمخازي وفضائح الناس، وأن أولياء الله فيها هدف للمصائب، وغرض لسهام النوائب، وعرضة لأذى الجهال، وعدوان أرباب الضلال.
* وفي خطوب الناس للناس أسىً */253
[من المعراج في معاوية]
وقال في كلام الأصم والحشوية، في شأن معاوية، ما نصه: ولقد صم الأصم عن استماع الحق، وظلم بما قاله وعقّ، وحشيت قلوب الحشوية جهالة، وركبوا متن الباطل والضلالة، وليس الأمر خفياً، لكنهم أتوا شيئاً فرياً.
...إلى قوله: قال سعد الدين التفتازاني، في شرحه على العضد: المشتهر عن السلف أن أول من بغى في الإسلام معاوية.
قال الإمام (ع): والقول بأن خطأه خطأ المجتهدين، هو الظاهر من مذهب أهل الحديث.
إلى قوله: حتى قال صاحب البهجة ـ قلت: هو يحيى بن أبي بكر العامري التهامي، وهو ممن أخذ عنه الإمام (ع) في الحديث ـ ما لفظه: نصيحة عرضت، وهي أن ثم من يقع في عمرو بن العاص ومعاوية وغيرهما من أجلاء الصحابة، أو من شمله اسم الصحبة، التي لا يوازنها عمل وإن جلّ، ويتشبثون إلى هنات صدرت منهم، مما تقدم إليهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالكلام فيها، وأخبر بوقوعها منهم...إلخ.
[من المعراج جواباً على يحيى بن أبي بكر العامري في شأن معاوية وأضرابه]
قال الإمام (ع)، بعد روايته للخبر الذي أخرجه مسلم عن ابن عباس: ومنه دعوة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على معاوية الطاغية: ((لا أشبع الله بطنه)).
إلى قوله (ع): وما يدل عليه من سوء حظه واجترامه، القدوم على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
إلى قوله: وكونه دعا عليه دعاء يقضي /254
بالسخط والتغيظ.
إلى قوله في الجواب على العامري: ليس معاوية وعمرو بن العاص من أجلاء الصحابة، بل من أدونهم حالاً، وأقلهم جلالاً؛ وعدواتهم للدين، وهدمهم لقواعده، وتلعبهم به، وعظيم جراءتهم على هتك أستاره، وإحداثهم الأحداث العظيمة فيه، لا تخفى على مميز؛ ولئن سُبُّوا ولُعِنُوا فغير مستنكر ذلك، فقد سَبُّوا ولعنوا ابن عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وسيد العرب، وأمير المؤمنين، وذا الفضل المبين؛ والله المستعان، كيف يثني عليهم، ويحسن الظن فيهم، ويذكر فضائلهم، وهم إلى الرذائل أقرب منهم إلى الفضائل؟!.
واعلم أن أكثر تعويل أهل الحديث، ومن يحسن الظن في معاوية على وجهين: أحدهما: ماله من الصحبة والكتابة، واعتقاد أن الذي كان منه من الأحداث صدر عن اجتهاد وظن الإصابة؛ ونحن نبين ما يقتضي عدم التعويل على ذلك.
أما الصحبة، فلا كلام أن له صحبة، وأن صحبة رسول الله شرف ورفعة؛ ولكن لم يثبت أنها تبيح المحرمات، ولا تكفر الذنوب الموبقات، بل العقل والنقل يقضيان بعكس ذلك.
ثم أورد الكلام السابق في الفصل الثاني...إلى قوله: فكيف تكون صحبة معاوية مع نوع من النفاق، بعد التمرد العظيم وأبلغ الشقاق، سبباً في تجاوز ما كاد به الإسلام، وأحدثه من المصائب العظام، والحوادث الطوام؟!.
...إلى قوله: وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لأصحابه: ((أنا فرطكم على الحوض، وليتعرفن إليّ رجال منكم، حتى إذا أهويت إليهم لأتناولهم اختُلجِوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقال: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل)).
وفي رواية أخرى لمسلم، فيها: ((فأقول: /255
يارب، أصحابي؛ فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟)).
إلى قوله: فانظر في أمر معاوية، هل أحد من أصحاب رسول الله أحدث في الإسلام مثل ما أحدث؟ فإنك لاتجده، فإنه الذي هدم أركانه.
...إلى قوله في الكتابة: فليست بقاضية لكل من نالها بالصلاح والفلاح؛ بل قد كان من بعض الكتاب للوحي ما كان، من ردّة وغيرها.
وأما الوجه الثاني: وهو تحسين الظن بمعاوية، واعتقاد أنه أقدم على البغي اجتهاداً منه، فلو ادعيت الضرورة في خلاف ذلك لم تُعدَّ مجازفة؛ فإن معاوية لم يكن من أهل البله والجهل بحال نفسه وحال غيره، بل من أهل الدهاء والنكر.
...إلى قوله: وحاشا لله، أن يعتقد في نفسه أنه أحق بالخلافة، وأصلح للمسلمين، وأنفع في أمر الدين، من أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأفضل أمة النبي الأمين؛ وأن يعتقد أن ما كان منه من البغي والعدوان، وإثارة الفتن المفضية إلى سفك الدماء الواسعة، وإتلاف الأموال في طلب الرئاسة، ومنازعة الأمر أهله، وما سنه في الدين من سنن الجبارين، وسلاطين الظلم، كان أصلح في باب الدين، وأعود نفعاً على المسلمين؛ وقد كان يظهر على لسانه، وفي فلتات كلامه، الاعتراف الصريح بحاله، وحال من عارضه، والإقرار بفضل أمير المؤمنين، ومحله.
...إلى قوله: وهذا ـ والله ـ كلام من رفع التعصب عن نفسه، ووفى النظر حقه، وقصد إلى السلوك في منهج الإنصاف، كما بنينا عليه كتابنا هذا من أوله إلى آخره.
...إلى قوله: قال ـ أي الفقيه حميد الشهيد ـ: والعجب من هؤلاء الجهلة، الذين لو سمعوا رجلاً يسب أبا بكر وعمر، وكذلك عثمان، على كثرة أحداثه، لما تمالكوا عن الحكم بتفسيقه، بل وربما يتعدى ذلك إلى قتله وقتاله؛ ولم يحتفلوا /256
بما فعله معاوية الضال، من حرب أمير المؤمنين وسبه، ولا فسقوا بذلك.
...إلى قول الإمام (ع)، في قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - لعمار: ((ستقتلك الفئة الباغية)): هذا الحديث مما لاشك في صحته، وإطباق الأمة عليه، وهو في البخاري من رواية أبي سعيد، وقد ذكر بناء المسجد، قال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين، فرآه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: ((ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار))، فانظر إلى عدم إنصاف الفقهاء وأهل الحديث، مع موافقتهم على صحة هذا الخبر وروايتهم له.
...إلى قوله: ولأنه كان يقول بالجبر ويعتقده؛ بل لعله رأس أهل الجبر، وإمامهم فيه، ونقل أنه قال على المنبر: أنا خازن من خزان الله، أعطي من أعطاه الله، وأمنع من منعه الله؛ فقام أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ فقال: كذبت يا معاوية، إنك لتعطي من منعه الله، وتمنع من أعطاه الله.
فقال عبادة بن الصامت: صدق أبو ذر؛ وقال أبو الدرداء: صدق عبادة.
وروي عنه أنه قال: لو كره الله ما نحن فيه لغيّره.
قال في العمدة: فاعتقد أن الله لايكره شيئاً إلا ويغيره، مظهراً بذلك أن الله قد أراد ماهو عليه، من الأفعال القبيحة.
إلى قوله في خبر ((لايحبك إلا مؤمن ولايبغضك إلا منافق)): هو مما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن علي (ع)، أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي إليّ، أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
وهذا الحديث متمسك من ذهب إلى أن معاوية منافق؛ وكذلك ما روي عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي بحبك يعرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون))، ومن المعلوم ضرورة أن معاوية في نهاية البغض له (ع).
...إلى قوله (ع): /257
وأما معاوية فإنما سلك مسلك كسرى وقيصر، وفرّط في النظر للمسلمين وقصر، فاختار يزيد ابنه مع علمه بأنه لايصلح أن يتأمر، وأن استخلافه أمر منكر؛ فلا بورك فيهما من خلف وسلف، ولا شكر سعيهما في التعدي والسرف.
إلى قوله (ع) في الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ: مما ورد فيه عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((يُقْتل ابني الحسين بظهر الكوفة؛ الويل لقاتله وخاذله ومن ترك نصرته)).
وعن معاذ بن جبل قال: خرج علينا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متغيّر اللون، فقال: ((أنا محمد، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم، فإذا ذهب بي، فعليكم بكتاب الله ـ عز وجل ـ أحلوا حلاله، وحرموا حرامه؛ أتتكم الموتة، أتاكم الروح والراحة، كتاب من الله سبق، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، كلما ذهب رَسَل جاء رَسَل، تناسخت النبوة، وصارت ملكاً، رحم الله من أخذها، وخرج منها كما دخلها، أمسك يا معاذ وأحص)).
فلما بلغت خمسة، قال: ((يزيد لا بارك الله في يزيد)) ثم ذرفت عيناه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((نُعي إلي ولدي الحسين، وأُتيت بتربته، وأُخْبرت بقاتله؛ والذي نفسي بيده، لايقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه، إلا خالف الله بين قلوبهم، وسلّط عليهم شرارهم، وألبسهم شيعاً)).
ثم قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((واهاً لفراخ آل محمد، من خليفة مستخلف، فاسق مترف، يقتل خلفي وخلف الخلف)).
قلت: قد أشار في الخبر بعدد الخمسة، إلى المتولين من غير أهل بيت النبوة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد؛ وجعلهم في سلك واحد.
وقد ذكر معنى /258
هذا الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عند روايته.
ثم ساق إلى قوله: والله ولي التوفيق، ومولى التحقيق، وهو حسبنا وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى؛ وهذا ختام الكتاب، والحمد لله الوهاب.
[السند إلى مؤلفات ومرويات السيد صارم الدين الوزير، وترجمته]
وأروي بالأسانيد المتكررة في سند المجموع وغيره، إلى السيد الإمام حافظ اليمن، وسيد بني الحسن، صارم الدين إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) جميع مروياته، ومؤلفاته، منها: الفصول في أصول الفقه، وهداية الأفكار في فقه الأئمة الأطهار، وهي كالمستدرك على الأزهار، والبسامة في أخبار أئمة العترة (ع)، والفلك الدوار، ويسمى علوم الحديث، والتخليص على التلخيص في المعاني والبيان، وجميع ماله في فنون العلوم، من المنثور والمنظوم؛ وقد سبق ذكره في ترجمة الإمام محمد بن القاسم الزيدي (ع) من التحف الفاطمية .
وقد ترجم له الأعلام، منهم: السيد الإمام في طبقات الزيدية، والقاضي الحافظ في مطلع البدور؛ ونسوق من ذلك ما يحتمله المحل مما ذكراه في الكتابين، وما يختار إيراده مما يوفق الله له ويليق ـ إن شاء الله تعالى ـ بالمقام، فنقول:
هو السيد الحافظ، إمام المحققين، صارم الدين؛ مولده عام أربعة وثلاثين وثمانمائة، قرأ في صنعاء وصعدة في الأصولين، والعربية، والفروع الفقهية، والأخبار النبوية، والتفاسير، والسير، وجميع الفنون في سائر العلوم.
فمن شيوخه: السيد الإمام المبرز، جمال الدين، علي بن محمد بن /259
المرتضى بن المفضل، جد الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى ـ قلت: ولم يذكروا وفاته ـ ومنهم: السيد الإمام، فخر الإسلام، أبو العطايا عبدالله بن يحيى، ومنهم: الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان، ومنهم: والده السيد الإمام محمد بن عبدالله بن الهادي (ع)، والفقيه العلامة المحقق، أحد الأعلام، المطهر بن كثير الجمل.
[ترجمة القاضي المطهر بن كثير الجمل]
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: هو أحد تلامذة السيد العلامة، أحمد بن محمد بن إدريس بن الإمام يحيى بن حمزة، مؤلف جامع الخلاف؛ عاجله الأجل قبل إتمامه، فأتمه الفقيه المذكور.
وقال القاضي: هو العالم الكبير، والفاضل الشهير، متفنن في جميع العلوم، وذكر أن له كتاب الأصول.
قال: ولما وصل الدماميني الشافعي في رحلته إلى صنعاء، والفقيه مطهر يدرس، قال:
إني رأيت عجيبة في ذا الزمنْ .... شاهدتها في وسط صنعاء اليمنْ
إنْ تسألوني ما رأيتُ فإنه .... جمل بها يقري الورى في كلّ فنْ
...إلى قوله: وكان في زمن الإمام صلاح الدين، وهو ممن بايعه؛ وفاته في محرم، سنة ثلاث وستين وثمانمائة، انتهى.
[ترجمة القاضيين علي بن موسى الدواري ـ وإسماعيل بن أحمد النجراني]
هذا، ومنهم: خاتمة المحققين، علي بن موسى الدواري.
قلت: ترجم له السيد الإمام، وأفاد أنه من تلامذة السيد الإمام، عالم العترة الكرام، علي بن محمد بن أبي القاسم، وأنه ممن أخذ عنه الإمام الهادي عز الدين بن الحسن (ع).
وقال القاضي: هو العلامة، شيخ المحققين، إمام الأصول، جمال /260
الإسلام، كان عالماً مبرزاً في العلوم، محققاً في الأصول، مرجوعاً إليه؛ توفي في شهر صفر، سنة إحدى وثمانين وثمانمائة.
قال السيد الإمام: وقيل: كان حاكماً للإمام يحيى بن حمزة، انتهى.
ومنهم: الشيخ العلامة، إسماعيل بن أحمد بن عبدالله بن إبراهيم بن عطية النجراني المداني، هكذا نسبه على التحقيق، وفيه حذف في الطبقات والمطلع، عند ذكر شيوخ السيد صارم الدين، ولكن هو كما ذكرنا في ترجمته من الكتابين، وهو الصحيح، ولم يذكرا وفاته؛ وهو من تلامذة السيدين الإمامين: علي بن محمد بن أبي القاسم، وأبي العطايا؛ وأفادا أنه من الأعلام الكبار، في مكانة عمّ أبيه الشيخ إسماعيل بن إبراهيم بن عطية النجراني، وقد سبق.
ومنهم: الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أحمد النجراني المستشهد غيلة في العشرين بعد الثمان المائة، وهم بيت بالعلم مشهور، وبالصالحات مذكور.
وله مشائخ غيرهم، لكن هؤلاء الذين اتفق عليهم السيد الإمام، والقاضي - رضي الله عنهم -.
قال السيد الإمام: وله مشائخ وطرق في علم الأسماء، وعلم الحرف، وإجازات في ذلك، وفي سائر ما يذكر من العلوم، من جميع أولئك المشائخ الذين مرّ ذكرهم.
...إلى قوله: كان السيد صارم الدين مبرزاً في علوم الاجتهاد جميعها، متألهاً، مشتغلاً بخويصة نفسه، حافظاً للإسناد، وإماماً للزهاد والعباد، مستدركاً على الأوائل، جامعاً لأشتات الفضائل، مطلعاً على أخبار الأوائل والأواخر، مربياً على نحارير العلماء؛ وله المصنفات المفيدة.
قلت: قد سبقت.
قال: وله أشعار جيدة، في ضبط قاعدة فروعية، أو أصولية، أو نحو ذلك؛ ولم يزل مشتغلاً /261
بالدرس والتدريس، والتأليف، والمواظبة على المساجد والطاعات، والمطالعة في جميع الأوقات، فرحمة الله عليه وسلامه، وفيه يقول شعراً.
ثم ذكر البيتين.
قلت: وهما في مطلع البدور بعد قوله: قال السيد الجليل أحمد بن عبدالله ـ رحمهم الله ـ ما لفظه: وأقول: أنى للإنسان لسان يفصح عن بعض فضائل هذا الإمام؟
إلى قوله: أربى على نحارير علماء الأوائل، وحقق دقائق الفنون تحقيقاً، يقال للمتطاول إليه: أين الثريا من يد المتناول؟
إلى قوله: فمن كتبه صَححَ الكتبَ مَنْ بعده، ومن مصابيح عنايته أنارت أرجاء المدارس.
وساق...إلى قوله:
وإلى الثمانين انتهاء سِنِيِّه .... قد كاد يبلغها تماماً أو قدِ
لم يُلْقَ إلا قارئاً أو مُقرِئاً .... أو كاتباً أو ساجداً في المسجدِ
...إلى قوله: قال: أخبره سيدي الهادي، أن والده كان لايفتر عن المطالعة لحظة ولا ساعة؛ ولقد كان مع كبر السن، وضعف البصر، لا يصبر عن المطالعة، حتى يؤتى بالسراج وقت المغرب، بل يقرب من باب المنزل فيقتبس ما بقي من ضوء الحجرة.
[شيء من ورع السيد صارم الدين الوزير]
وأخبرني ثقة من الشيعة أنه سمع في حياة سيدي إبراهيم، أنه لم يقبض درهماً مدة عمره، وبلغني من شحيح ورعه أنه كان في منزله دار يفد إليه الطلبة، وكان فيه بساطان من الصدقة، فكان لايمر حتى تطوى البساطان عن موضع مروره؛ لئلا يطأهما.
...إلى قوله: وله من الردود على أعداء أهل البيت نظماً ونثراً ما يشفي وحر الصدور؛ وكان الفضلاء في زمانه يعترفون بفضله، ويخضعون لشرفه ونبله.
...إلى قوله في حُسْنِ أخلاقه: ومن أعذب ما جرى منه في ذلك ما أجاب به الإمام الهادي عز الدين بن الحسن /262
ـ رحمه الله ونفع به ـ، وقد كتب الإمام إلى والده كتاباً، فتولى الجواب عن والده.
...إلى قوله: وقال ـ أي الحسن بن الإمام علي بن المؤيد (ع) ـ: وهذا الجواب للولد إبراهيم، ومن يشابه أباه فما ظلم.
فكان من الجواب هذان البيتان:
أَعزّ الهدى منا عليك تحية .... تخصّك ما هبّت صبا وجنوبُ
لئن بَعِدَت منّا ومنك منازل .... لما بَعِدَت منّا ومنك قلوبُ
قلت: وللإمام الهادي إلى الحق، عز الدين بن الحسن حال سيادته، إلى السيد صارم الدين (ع)، سؤال عظيم في حكم تعارض الأئمة، وأجابه بجواب مفيد، قد أتى بنبذ منه في المقصد الحسن، على غير استكمال، ولا بيان لمورد الجواب والسؤال، على عادته في كثير من مباحثه، وهو مستكمل في غيره.
قال: ولم يزل على ما وصفنا من أحواله، وشرحنا من جميل خلاله، مشتغلاً بالعلم والعمل، منقطعاً إلى الله ـ عز وجل ـ مجتمع الشمل بأولاده الكملة، الذين لم يوجد مثلُهم، قرير العين لما رأى من هديه وهديهم، وفضله وفضلهم؛ حتى كانت سنة عشر وتسعمائة، وطلع سلطان اليمن على صنعاء فملكها، ففرّق بينه وبين أولاده، وأراد إنزاله اليمن.
قال السيد يحيى بن عبدالله ـ رحمه الله ـ: فأجاب بأن أقسم بالله لا نزل، فتركه السلطان، وبرت قسمه، بعد علم السلطان بماله من المنزلة الرفيعة، والوجاهة عند الله؛ لأنه كان يأمر بتعمد بيته بالمدافع، فيصرف الله ضرها، لا بوجه يظهر؛ لأن داره بارزة، فعلم أن ذلك من دعائه ـ عادت بركته ـ.
وأنزل ولده الهادي إلى رداع، وأحمد إلى تعز، وبقي السيد صارم الدين إلى سنة أربع عشرة وتسعمائة، وأصعد الله روحه الطاهرة إلى معارج قدسه؛ وقبره في جربة الروض بصنعاء، عند قبور أهله رضي الله عنهم. /263
[ترجمة ولدي صارم الدين: محمد، والهادي الصغير]
قلت: وولده السيد العالم الشهيد، محمد بن إبراهيم ـ رضوان الله عليهما ـ قُتِل في حرب سلطان اليمن المذكور، وهو أصغر أولاده.
قال في مطلع البدور: قال السيد الهادي ـ رحمه الله ـ في تاريخ أهله.
قلت: هو أخوه، وهو الهادي الصغير.
وساق كلامه...إلى قوله: قرأ جميع الكتب المعروفة في الفنون، وصنف، ودرس، وله شعر جيد، واستشهد ـ رحمه الله ـ في يوم الاثنين ثاني القعدة، أصابه المدفع.
إلى أن قال: والمحطة حينئذ على صنعاء، محطة عامر بن عبد الوهاب؛ وسمعت سيدي يحيى بن عبدالله يقول: كنا مجتمعين نحن، والصنو محمد بن إبراهيم في بساتين شملة، إذْ سمع لغطاً، وأصواتاً عالية، تشعر أن بين الفريقين حرباً، فأخذ قوسه ونَبْلَه، وخرج إلى نوبة من نوب الدائر، واجتمع فيها هو والسيد عبدالله بن محمد بن معتق الحمزي، فلم نلبث أن سمعنا أصواتاً عالية، وضجة عظيمة، وظهور استبشار من أهل المحطة، فخرجت مبادراً، وفيَّ حينئذ حدة الشباب، فعلمت الخبر، وقد منعت الناس المدافع عن الوصول إلى الصنو محمد ـ رحمه الله ـ فلم أحفل بها، وتقدمت إلى النوبة فرأيته ميتاً.
...إلى قوله: وقد كان والده نفع الله به أضرب عن الشعر، فلما استشهد ولده هذا، وفرقه ولده الهادي وأحمد وأولادهما، استروح بالشعر إليهم، فمن ذلك: ما كتبه إلى ولده أحمد، وضمنه مرثاة سيدي محمد ـ رحمهم الله جميعاً ـ من أبيات:
وكفانا المخوف من شرّ حرب .... لقحت بعد فترة عن حيالِ
ومنها:
قتل ابني بها على غير جرم .... كان منه وقتله كان غالي
قلت: وهذا لضرورة الشعر، أو على زيادة كان، أو تكون شأنية، وهو خبر /264
مبتدأ محذوف، أو على لغة ربيعة في الوقف على المنصوب.
هذا، ومنها في حال نفسه:
ماله ملجأ سوى الله والصبـ .... ـر وفي الصبر حيلة المحتالِ
قائلاً في صباحه ومساه .... ووقت الضحى وفي الآصالِ
ربما تكره النفوس من الأمـ .... ـر له فرجة كحلّ العقالِ
....إلى آخرها.
قال: ومما رثى به ولده، وأراد بصاحبه: السيد عبدالله بن محمد بن معتق ـ رحمهم الله ـ:
أصاب ابني وصاحبه اعتداء .... فذاق ابني وصاحبه الحماما
بمدفع عامر شلّت يداه .... ولا بلغ المراد ولا المراما
ومنها:
وكان محمد فينا هلالاً .... فأكسف قبل ما بلغ التماما
فقل لمن ارتضى حرباً لقوم .... ومَنْ في حربهم حَسَر اللثاما
وهم قربى النبي بلا مراء .... وإن هو عن مودتهم تعامى
مخالف أمرهم لله عاص .... ومنكر حبّهم يلقى أثاما
وليس بمسلم من قد قلاهم .... وعاداهم وإن صلى وصاما
قال السيد الإمام: وأجل تلامذته ـ قلت: أي السيد صارم الدين، قال:ـ ولده الهادي بن إبراهيم، والإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين، وولده أحمد.
قلت: قال السيد الإمام في ترجمته: الهادي بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الحسني الهدوي اليمني، السيد العلامة؛ مولده في الثاني من شوال، سنة أربع وخمسين وثمانمائة، أخذ عن أبيه صارم الدين هديَهُ، /265
وجمع الكتب وتصحيحها، وإسماعها وسماعها.
[ترجمة السيد عبدالله بن القاسم العلوي]
وأجل تلامذته: الإمام شرف الدين يحيى بن شمس الدين (ع)، والسيد عبدالله بن القاسم العلوي.
قلت: هو من أعلام آل محمد.
قال السيد الإمام في ترجمته: قال تلميذه في الزهر الباسم: أما مولده فليلة عرفة، سنة تسع وثمانين وثمانمائة.
وبسط في مقروءاته ومشائخه.
إلى قوله: وأما علمه فلم أرَ أعلم منه، ولايرى مثل نفسه في الأصولين، والنحو، والتصريف، والمعاني والبيان.
وأما اللغة، والحديث، والفقه، واستحضار مسائله، فهو وإمامنا، أوحد ما رأيت من أصحابنا الزيدية.
وأما معرفته مقاصد مصنفي التصانيف الغامضة الدقيقة، فشيء وراء طور العقول، وأما مادة الاعتراضات التي اعتقد صوابها علماء عصره، فينقضها أحسن نقض وأوضحه، فشيء لايؤمن به إلا من شاهده من أولي البصيرة.
وأما حفظه: فلم أرَ أحفظ منه، يحفظ من الأمثال، والشواهد، والآداب، شعراً، ونثراً، ومثلاً، وتاريخاً، بحراً لاينزف، وجمعنا الشواهد والفوائد النحوية في مجلد أملاها علينا، ولم نجمع عُشْر ما سمعنا منه.
وأما ورعه: فكلمة إجماع، وعبادته: لايزال ذاكراً لله سراً وجهراً، كثير الدمعة في الخلوات، وإذا اشتغل بأبناء الزمان رأيته ضاحكاً مستبشراً، يقبل على كل أحد بكليته؛ فهو السيد المقام المجتهد، شيخ العترة الزكية، وغوث الملة المحمدية.
قال السيد الإمام: وذكر الإمام القاسم بن محمد أن السيد عبدالله يروي عن السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير بغير واسطة؛ وأفاد السيد الإمام أن للسيد عبدالله من السيد الهادي بن إبراهيم، والإمام شرف الدين، /266
ومن السيد أحمد الأهنومي، إجازة في جميع مروياتهم عموماً.
قال القاضي: هو السيد العالم إمام التحقيق...إلخ، ولم يذكروا وفاته.
قلت: وصاحب الزهر الباسم، هو السيد أبو الحسن علي ابن الإمام شرف الدين وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال السيد الإمام: والسيد أحمد بن الهادي الأهنومي، والسيد محمد بن عبدالله بن محمد بن الهادي بن الإمام يحيى بن حمزة.
قال في تمام ترجمة الهادي بن إبراهيم (ع) نقلاً عن تاريخ آل الوزير: بَرَّز في المعقول والمنقول، فطرز بتحقيقاته وأنظاره الثاقبة مصنفات آل الرسول؛ فاضت عليه أنوار والده المشرقة النوارة، وهطلت سحائب علومه المغدقة الدرارة.
...إلى قوله: ولما نقل السلطان الأشراف، نقل سيدي الهادي إلى رداع، فسكن فيه، ووقف مع السلطان في حضره وسفره، ومع ذلك فهو وافر الجلالة، تؤخذ عليه الفتوى، ولم يعذره السلطان من العزم معه إلى تعز، فسار مكرهاً، فتألم أياماً، وقيل: إنه سمّ فمات في صباح يوم الجمعة، خامس عشر من محرم، سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة؛ وقبره بالأجيناد مع من هنالك من الأشراف، عند ضريح الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع).
[ترجمة السيد أحمد بن صارم الدين الوزير]
وقال السيد الإمام في ترجمة أخيه أحمد بن إبراهيم: مولده سنة اثنتين وستين وثمانمائة، سمع على أبيه في الفنون كلها جميعاً، وأخذ عنه ولده عبدالله؛ كان له معرفة تامة، وفصاحة ورجالة، وكفالة لأهله ووجاهة، وعلوّ منزلة، ومكاتبات حسنة، ومعرفة بالأساليب؛ وكان أول من لبى دعوة الإمام محمد بن علي السراجي، وجاهد معه، وجمع وحشد، وجدّ واجتهد، وكان عند الإمام وغيره، بالمحل المنيف، والمنزلة العالية.
...إلى قوله: /267
وكان السلطان ـ يعني عامر بن عبد الوهاب ـ ينحرف عنه، ولما نقل الأشراف من صنعاء، نقله إلى تعز، فتعاورته الآلام، وهو مع ذلك مقيم على الدرس في جامع تعز، وكان والده يرق له، وله إليه قصائد.
قلت: من ذلك قوله:
كلّما هبّ جنوب وصبا .... من تعز زاد قلبي وصبا
وتذكّرتُ أحيباباً بها .... لهمُ عام بهاتيك الربا
ومنها:
قد رضينا ما قضى الله لنا .... وبما قدر أو ما كتبا
ومنها:
برسول صادق أرسله .... وبنيه الأكرمين النجبا
نحن منه بضعة صالحة .... وهو لاينجب إلا طيبا
وكفانا شرفاً في قومنا .... أننا ندعوه جداً وأبا
من دعا منّا إليه يستجب .... وإذا يدعى إلى الغير أبى
/268
[أدلة كون أبناء الحسنين أبناء رسول الله (ص)]
قلت: يعني أن الله ـ عز وجل ـ سمّاهم بنص القرآن أبناءه، في قوله تعالى: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران:61]، وأجمعت الأمة أنه لم يَدْعُ من الأنفس إلا علياً، ولا من النساء إلا فاطمة، ولا من الأبناء إلا الحسنين ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ وما تواتر نقله، وعُلِم بالضرورة من دعائه للحسنين ابنيه، ودعائهما له ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أباهما، ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأنا أبوهم وعصبتهم))، رواه إمام الأئمة الهادي إلى الحق، وأخرجه أحمد بن حنبل، والدار قطني، والطبراني، وعبد العزيز الأخضر، وابن السمان، عن عمر بن الخطاب، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرجه الطبراني، والخطيب، وأبو يعلى عن فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ.
وما رواه الإمام علي بن الحسين الشامي في نهج الرشاد، بسنده إلى الإمام المؤيد بالله، وأبي طالب، وأبي العباس الحسني، بسندهم إلى الإمام يحيى بن المرتضى، عن عمه الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين، عن أبيه الهادي إلى الحق، عن أبيه الحسين، عن أبيه القاسم، عن أبيه إبراهيم، عن أبيه إسماعيل، عن أبيه إبراهيم، عن أبيه الحسن، عن أبيه الحسن، عن أبيه علي بن /269
أبي طالب، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم، إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما)).
وما رواه الإمام الأعظم في المجموع، بسند آبائه (ع): لاتجوز شهادة ولد لوالده، ولا والد لولده، إلا الحسن والحسين، فإن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ شهد لهما بالجنة.
وأخرج نحوه ابن عساكر، والحاكم، عن جابر، وعثمان بن أبي شيبة، عن فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ، وعن جابر.
وأخرج ابن المغازلي، عن أبي أيوب، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله جعل نسل كل نبي من صلبه، وجعل نسلي من صلبك يا علي)).
وروى الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة، في الشافي: ((إن الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب)).
وأخرجه الطبراني، وابن عَدي، والكنجي، وابن المغازلي، عن جابر؛ والخطيب، وأبو الخير القزويني، والكنجي، عن ابن عباس؛ وصاحب كنوز المطالب، عن العباس.
وروى صاحب كنوز الأخبار علي بن محمد النوفلي، عن صالح بن علي بن عطية الأصم، بسنده إلى العباس، قال: كنت عند رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فدخل علي بن أبي طالب؛ وساق إلى أن قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وإن ذريتي بعدي من صلب هذا))، يعني علياً.
ذكره المسعودي في مروج الذهب، عن جابر من حديث طويل بعد فتح خيبر، قد تقدم.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في خبر فتح خيبر الطويل المتقدم: ((وإن ولدك ولدي)).
وأخرج ابن عساكر، عن جابر، عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: /270
((كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم، إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم، وهم عترتي))، ذكره الإمام عبدالله بن الحسن في الأنموذج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي)) أخرجه المرشد بالله (ع)، عن جابر.
وفي البخاري ومسلم خبر: ((إن جبريل (ع)، قال: كل نسب وسبب ينقطع، إلا نسبك وسببك)) قاله لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وفي البخاري، عن أبي بكرة، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والحسن إلى جنبه، وهو ينظر إليه يقول: ((إن ابني هذا سيد))...الخبر.
وأخرج أبو يعلى، عن علي (ع)، عنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لأرضينّك، أنت أبو ولدي، تقاتل على سنتي))...الخبر.
وفي الأنموذج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت أخي، وأبو ولدي، تقاتل على سنتي))، أخرجه أحمد، وأبو يعلى من حديث علي (ع)، وأخرجه أحمد من حديث زيد بن حارثة، وأخرج الدار قطني بمعناه من حديث عامر بن واثلة، وعاصم بن ضمرة، وأخرج الترمذي من حديث أسامة، إلى قوله: فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: ((هذان ابناي)).
وأخرج أيضاً من حديث أنس بن مالك، قال: سُئِل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أي أهلك أحب إليك؟
قال: ((الحسن والحسين))، وكان يقول لفاطمة: ((ادعي لي ابنيَّ)).
وأخرج أحمد، والدولابي، عن يعلى بن مرة، قال: جاء الحسن والحسين إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وساق...إلى قوله: ((اللهم إني أحبهما فأحبهما؛ أيها الناس الولد مجبنة))...الخبر. /271
وأخرج ابن السري، وصاحب الصفوة؛ عن عبدالله قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((هذان ابناي))، يعني الحسن والحسين.
إلى غير ذلك مما لايسعه المقام؛ وقد جمع ذلك المولى العلامة الحسن ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي؛ وفيما تقدم كفاية، وقد أحاطت به مؤلفات العترة (ع) وسائر الأمة.
هذا، ويعني بقوله: وإذا يدعى إلى الغير أبى.
فذلك بنص القرآن الكريم، في قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب:40]، لما كانوا يدعون زيد بن حارثة ابنه، على عادة العرب في التبني، وقد كرر الله تعالى الإنكار عليهم في ذلك.
وهذا عارض لايخلو ـ إن شاء الله ـ من إفادة، لمن ألقى السمع وهو شهيد.
(رجع) قال: كان وفاته ـ أي أحمد بن إبراهيم ـ في ربيع الأول، سنة ست عشرة وتسعمائة، وقبره بالأجيناد مع من هناك من الأشراف، انتهى.
قلت: وقد انتقم الله ـ تعالى ـ لهم من ذلك السلطان المريد، وأجاب دعاءهم؛ وأخذ بثأرهم الإمام المتوكل على الله شرف الدين، كما حققته في التحف الفاطمية ، والله الولي الحميد.
[نبذة من الفلك الدوار]
قال السيد الإمام حافظ اليمن، في علوم الحديث المسمى بالفلك الدوار:
الحمد لله، المختص بالقدم، وإخراج العالم من محض العدم.
إلى قوله:/272
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان، على نبيه محمد المصطفى، الذي جعله للنبوة ختاماً، ورفع له في الدين ألويةً وأعلاماً، وجعله للنبيين سيداً وللمتقين إماماً.
إلى قوله: صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وعلى أخيه ووليه، وابن عمه وحبيبه ووصيه، أول من صدق به من المسلمين، وأفضل أمته أجمعين، وخليفته بلا فصل بالنص المستبين، سيفه المنتضى، علي المرتضى، وعلى ابنته فاطمة الزهراء، سيدة النساء، خامسة أهل المباهلة والكساء، التي خصها رب العالمين، بأن جعل منها نسل سيد المرسلين، وعلى ولديهما سيدي شباب أهل الجنة باليقين، المنصوص على إمامتهما بقول الصادق الأمين، المخصوصين بما ثبت من رواية الشيعة والمحدثين، من قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ((إنه أبوهما، وعصبتهما))، والعاقل عنهما، تفضيلاً لهما بتلك الخصاصة الشرعية على جميع الآدميين؛ ثم على السابقين والمقتصدين، من أسباطهم إلى يوم الدين، المخصوصين بالمناقب الدثرة، والفضائل التي لاتحصى كثرة، الذين نزلت فيهم آية المودة والاصطفاء والتطهير، والمباهلة والإطعام والسؤال من اللطيف الخبير، ووردت فيهم الأخبار الصحيحة، والآثار المستبينة، كحديث: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به))، وباب حطة، وخبري السفينة، المعصوم إجماعهم من الخطيئات، المشروع أن يصلى عليهم في تشهد الخمس الصلوات، معدن النبوة والوصية والخلافة، والواجب حبهم وبغض أعدائهم على الكافة.
ورضي الله عن أصحاب رسول الله الأخيار، السابقين الأبرار، الذين اتبعوه في ساعة العسرة من المهاجرين والأنصار، الذين أُخْرِجُوا من ديارهم وأموالهم ابتغاء الفضل والرضوان، والذين من قبلهم تبوءوا الدار والإيمان، كمن حضر العقبة الأولى، ثم العقبتين، وصلى القبلتين، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً وأحداً /273
وغيرهما من الغزوات، التي بلغت إلى سبع وعشرين غزوة عدداً.
وعن رجال البعوثات والسرايا، الذين رحضوا بالجهاد أدران الخطايا، وتعرضوا للفوز بالشهادة ولقاء المنايا، كمن استشهد بمؤتة، وعلم الله وفاته فيها وكتب موته، وبغيرها من رجال البعوثات والسرايا، التي بلغ عددها ثمانياً ـ وقيل: تسعاً ـ وثلاثين قضية، ما بين بعثة وسرية.
وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وعن أنصار أمير المؤمنين، في يوم الجمل والنهروان وصفين، وأعوان الحسن والحسين، ممن حضر كربلاء، وفاز بالشهادة بعد الإبلاء والبلاء، من سادات العترة الطاهرين، وأشياعهم الوافين، في البيعة الصادقين.
...إلى قوله: وعمن بعدهم من أئمة الهدى، وشموس الاهتداء، وبدور الدياجي وأعلام الاقتداء، من آل محمد المصطفى، وولاة أمر الله، وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله، كالإمام الشهيد الولي، زيد بن علي بن الحسين بن علي.
صلى الإله على زيد وشيعته .... ومَنْ كزيد وزيد خيرة الخيرِ
قلت: هو في بسامته:
صلى الإله على زيد وصفوته .... يحيى وصلى على أشياعه الغررِ
السالكين إلى الأخرى مسالكها .... والمقبلين على أعمالها الأخرِ
ففي النهار جهاد طار عِثْيَره .... والليل ترجيع آي الذكر في السحرِ
وأشهد الله أن الحق دينهم .... وأنهم صفوة الباري من البشرِ
قال: وعلى من شايعهم، ووالاهم وبايعهم، وكثر سوادهم، وحضر جهادهم واجتهادهم، من أفاضل الشيعة، وفرسان الشريعة، وأعلام الملة، ورعاة الشمس والقمر، والأفياء والأظلة، المستمسكون /274
ـ قلت: كذا مرفوع على القطع، وهو في محله قال:ـ بحجزهم عن الوقوع في كل مهولة ومزلّة، والمستعصمون بهديهم عند ظهور مخوفات الفتن المضلة، الصابرين ـ قلت: عاد إلى الإتباع، ويحتمل النصب على المدح قال:ـ في محبتهم على البلوى وأنواع العذاب، واختلاف السياط والمقارع وسمل الأعين وضرب الرقاب.
...إلى قوله: وبعد:
فإن أفضل العلوم بعد معرفة الله، التي هي أفضل معقوله، معرفة كتاب الله، وسنة رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، الذين هما أشرف منقوله، وإليهما مرجع علم الأمة الأحمدية ومنبع فروعه وأصوله.
أما الكتاب العزيز، فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد تكفل بحفظه وحراسته، وحمايته وكلايته، من الاختلاف والتحريف، والتبديل والتصحيف، كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّ كْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9].
لاجرم أن الملحدين في الدين، وغيرهم من أعداء المسلمين، وأصناف المبتدعين، لم يجدوا سبيلاً إلى تغييره، ولا التفت نحارير العلماء إلى ما اخترعوا من تأويله، وابتدعوا من تفسيره، فبقيت آياته المحكمات بينة واضحه، والأخر المتشابهات وجوه تأويلها للراسخين مكشوفة لائحة؛ ولذلك أمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمته بالرجوع إليه، وأرشدهم في معرفة صدق الحديث أن يعرضوه عليه، كما سيأتي /275
ذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا إشارة إلى خبر العرض، وقد تكلمت فيه بما وفق الله ـ تعالى ـ إليه في فصل الخطاب، وفي الحجج المنيرة.
[تعداد تفاسير الأئمة ـ وإشارة إلى ما طرأ على السنة من الدسِّ]
قال: وقد اعتنى علماء القرابة، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، بتفسيره وتأويله، وبيان محكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وحلاله وحرامه، وسائر أحكامه؛ فمنهم المقصر والمطول، والمتوسط والمعتدل؛ وليس أحد من أئمتنا وعلمائنا إلا وله تفسير كامل، أو كلام على كثير من الآيات؛ فللقاسم (ع) تفسير، وللهادي (ع) تفسير سبعة أجزاء، وللناصر الكبير (ع) تفسير، وكذلك للمرتضى، وأخيه الناصر، ولعلي بن سليمان بن القاسم، وللحسين بن القاسم، وللناصر الديلمي، وللمنصور بالله (ع) تفسير الزهراوين، ولغيرهم من علماء أهل البيت (ع)، وشيعتهم كمحمد بن منصور من المتقدمين، وغيره ممن يطول ذيول الكلام بذكره من الأولين والمتأخرين.
ولقد حكى الذهبي في ترجمة الإمام العلامة محمد بن يوسف القزويني الزيدي مذهباً، أحد تلامذة القاضي عبد الجبار، أنه جمع تفسيراً كبيراً لم يسمع في التفاسير أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، وهو سبعمائة مجلد كبار، وأنه فسر قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ }...الآية [البقرة:102]، في مجلد، والفاتحة سبعة أجزاء؛ وحكى الذهبي أيضاً: أنه دخل عليه الغزالي، فوقف بين يديه، وتتلمذ له. /276
وأما السنة النبوية، والأحاديث المصطفوية، والآثار الصحابية، المروية عن سادات السلف، وعيون قادات الخلف؛ فإن الملاحدة وغيرهم من المبتدعة، ممن شرد على الله، وافترى الكذب على رسوله، وأهل بيته وأصحابه، وخلفهم الصالح، من موارق الخوارج، وعتاة النواصب، وغلاة الروافض، وطغام الجبرية، والمشبهة، وهمج القصاص، والوعاظ، والحشوية، وأغتام الظاهرية، والكرامية، والخطابية، وغيرهم من أهل الاعتقادات الردية، والمقالات الفرية ـ استرسلوا في وضع الأحاديث والآثار، حتى طار ما اختلقوه كل مطار، وانتشر ذلك في الأنجاد والأغوار، وسار في ديار الإسلام ما لم يسر قمر حيث سار، وكاد يغلب في الكثرة ما يعتمد عليه من صحيح الأخبار، وجعله ذريعة إلى الباطل كثير من الأشرار، وسواد عظيم ممن ليس له معرفة بالحديث من الأخيار، من عوام المتفقهة، ونساك المتعبدين والمتصوفين، والذاهبين إلى قبول المجهولين؛ تصديقاً للحديث النبوي: ((إنه سيكذب عليَّ)).
ولقد قال شعبة: لم يفتش أحد على الحديث تفتيشي، فوجدت ثلثي ما فتشت منه كذباً.
...إلى قوله:
ولما أظهر الله دين نبيه على سائر الأديان، وأنجز ما وعده في محكم القرآن، وملكت أمته جميع ممالك الأمم، وحكمت فيهم بالسيف والقلم، واتسع نطاق دين الإسلام، وبلغت الدعوة المحمدية أقصى ممالك الشرق والغرب واليمن والشام، ووقع في الأصول والفروع، والمعقول من المعلومات والمسموع، وانتشرت المذاهب في الآفاق، وقامت حرب المناظرة والمناضلة على ساق، وتعصبت كل طائفة لمن تقدم من أسلافها، وتفرقت/277
الأمة إلى نيف وسبعين فرقة لسبب تباين العقائد واختلافها، وظهر الدَّغل في الأخبار، والدخل في الآثار ـ شمّر حفاظ الحديث من جميع الطوائف، شيعة وسنية، في انتقاده، والكشف عن رجال إسناده.
[ذكر أنواع الحديث]
وتكلموا فيه تعديلاً وتجريحاً، وتكذيباً وتصحيحاً، ووضعوا في ذلك الكتب البسيطة، والجوامع المحيطة، والمختصرات العديدة، المتقنة المفيدة، وعلقوا فوائده، وضبطوا شوارده، وحققوا صحيحه وحسنه، ومسنده ومرسله، وعاليه ونازله ومتصله، ومنقطعه ومعضله، ومعلومه ومشهوره، وغريبه ومعروفه، ومنكره وضعيفه، وآحاده ومتواتره، وشاذه ومعلّه، ومختلفه ومدرجه، وموضوعه، ورجال إسناده، تقوية وضعفاً، وأنساباً وتاريخاً ووصلاً، وتدليساً واعتباراً ومتابعة، وزيادة الثقات، وتفسير المبهمات؛ لوقوعها مفسِّرة في بعض الروايات، وما خولف فيه الأثبات، ومعرفة الصحابة وتابعيهم وسائر الطبقات، وغير ذلك من علومه المدونات.
...إلى قوله: وأما المعتنون بذلك من الشيعة، فجمّ غفير، وخلق كثير، سنتبرك بذكر جمع منهم يسير، من غير توسيع بذكر الأئمة الكرام، ومشاهير شيعتهم الأعلام، استغناء عن ذكرهم باشتهارهم.
قلت: وسأفرد في مؤلفنا هذا لوامع الأنوار - إن شاء الله تعالى - في ذلك فصلاً، يتضمن المختار، ممن عليهم المدار، على ترتيب الحروف؛ ليكون أيسر للباحث، مع ما سبق من أعلام العصابة، والله تعالى ولي الإعانة والتسديد للإصابة.
قال: وإن كانوا أعرف من القمر، وأشهر من ابن داره، عند من عرف الأخبار وكان له في العلم أثارة؛ وإنما خفي أمرهم على كثير من أهل/278
عصرنا، وعلماء قطرنا؛ لبعد زمانهم عن زماننا، وانتزاح ديارهم عن ديارنا، وقد كان معظم ظهور التشيع قديماً في العراق، لاسيما في الكوفة، فإنها بذلك معروفة موصوفة، حتى قال الذهبي:
إنها تغلي بالتشيع وتفور، والسني فيها طرفة، والخارجي طير غريب. انتهى كلام الذهبي.
وفي الأصل بعده: (قلت).
ولكن قد اخترت أن تكون هذه العبارة في هذا الكتاب المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ لما يقوله المفتقر إلى الله مجد الدين بن محمد المؤيدي - عفا الله عنهما - للتمييز لكثرة النقول، فليعتبر ذلك المطلع، وأجعل مكان ما في كتب المؤلفين من لفظ: (قلت): (قال)، والله والموفق.
[في فضل الكوفة]
قال: وإنما اختصت بهذه الخصيصة الشريفة؛ لبركة دعاء الأنبياء، وصلواتهم بمسجدها، وإقامة الوصي أيام خلافته بعقوتها، وموته ودفنه بتربتها.
...إلى قوله: ولذلك قال الصادق (ع):
قفْ إذا جئت الغريا .... وابك مولانا عَليا
وقال غيره:
مدينة الكوفة تيهاً على .... مدائن الأرض معاً تفخرُ
ولو أراد الله سوءاً بها .... ما كان مدفوناً بها حيدرُ
ولم تزل مستوطناً لبعض أهل البيت وأشياعهم، ودار إقامة لبعض، كالحسنين، وكزيد بن علي، وابنه يحيى، وأولاده، كالحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ـ وكان عامة الزيدية بالكوفة على مذهبه ـ وأحمد بن عيسى بن زيد، وموسى بن جعفر، وكالقاسم بن إبراهيم، وأخيه محمد بن إبراهيم، /279
وأحمد بن عيسى بن عبدالله، وإدريس بن محمد بن عبدالله ، ويحيى بن عبدالله، وكثير من كبراء آل محمد، وكالحسن بن صالح، وأخيه علي بن صالح، ومحمد بن منصور بن يزيد المقري المرادي، وتلميذه محمد بن سليمان الكوفي جامع المنتخب، ومصنف كتاب المناقب، وغيرهم من الأعيان، ممن لا يحصرهم عدّ ولا ديوان.
[اختلاف النِّحل واشتهار أهل كل مصر من المسلمين بنحلته]
وأما البصرة، فالأغلب على فقهائها وعلمائها النصب، ورأي الخوارج؛ وذلك لأنه وليها من عمال بني أمية ثلاثة: عبدالله بن عامر، ثم زياد بن أبيه، ثم الحجاج بن يوسف؛ مع ما كان في قلوبهم على أمير المؤمنين (ع) من الضغن؛ لقتل أسلافهم يوم الجمل.
وأما مكة المشرفة، والمدينة المقدسة، فإن أمر التشيع كان فيهما ضعيفاً؛ لغلبة دهماء قريش والأنصار عليهما، مع انحراف سوادهم عن العترة، رغباً ورهباً، وأحقاداً تشتعل نارها لهباً، وعداوة موروثة أباً فأباً، تميز بها القلوب غيظاً وتتقد غضباً؛ حتى قال علي بن الحسين: ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبنا.
وقد كان بالمدينة النبوية جلّة أكابر العترة كالحسنين (ع)ـ وأكثر أولادهما كزين العابدين، والحسن بن الحسن، وأخيه زيد بن الحسن، والباقر محمد بن علي، وأخيه زيد بن علي، وجعفر بن محمد، وعبدالله بن الحسن، وأولاده: محمد، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس، وموسى، /280
وعيسى، وأخويه إبراهيم بن الحسن، والحسن بن الحسن المثلث، وعيسى بن زيد، وموسى الكاظم، وعبدالله بن موسى، والحسين بن علي الفخي، والحسن بن محمد بن عبدالله، ومن لا يأتي عليه العدّ من سادات الآل.
وأما الشام، فإنها دار النصب التي انتصبت بعقوتها أصنامه، وعكف عليها جهاله وطغامه.
وأما الجزيرة وعمان، وديار ربيعة وسجستان، فديار الخوارج المارقين.
وأما سائر البلاد، والأمصار، فأخلاط، شيعة، وسنية، ونواصب، وخوارج.
[ذكر ما منَّ الله به على اليمن بإمامة الهادي إلى الحق (ع)]
ثم غلب التشيع بالمخلاف الأعلى من مخاليف اليمن الثلاثة، وهو: صنعاء وصعدة وذمار، وأعمال هذه المدن الكبار، إلى منكث وجيشان؛ وذلك ببركات إمام اليمن، الذي قال فيه النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يخرج في هذا النهج رجل من ولدي، يحيي به الله الفرائض والسنن))، وتواترت بظهوره البشارات، عن أمير المؤمنين (ع)، وغيره من أكابر العترة الطاهرين؛ وهو الإمام الأعظم، وطود العترة الأشم، المشابه للوصي في خلقه وخلقه وشجاعته، ونصرته للإسلام وعلمه وبراعته، المخصوص بعلم الجفر وبذي الفقار، من بين سائر الأئمة الأطهار، عَلَم الأعلام والفواطم، الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (ع).
وإلى ما ذكرنا من خصائصه أشار الداعي /281
الإمام، يحيى بن المحسن بن محفوظ في أرجوزته، حيث قال:
وأعلن القاسم بالبشارهْ .... بقائم فيه له أمارهْ
من الهدى والعلم والطهارهْ .... قد بثّ فيه المصطفى أخبارهْ
قلت: قد سبقت.
قال: وإلى الكتاب المذكور أشار أبو العلاء المعري بقوله:
لقد عجبوا لأهل البيت لما .... أتاهم علمهم في مسك جفرِ
وكان قدومه (ع) من الحجاز إلى اليمن، في عام ثمانين ومائتين.
قال الإمام المنصور بالله (ع): ودخل الإمام الهادي (ع) صنعاء، وكان أهلها جبرية، وفيهم سبعة آلاف عالم من علماء العامة، مبرزون في أنواع العلوم، وعلم الحديث بها حينئذ فتي الشباب، قشيب الثياب، ومن عيون حملته يومئذ جماعة من أصحاب المحدث الكبير، الإمام الشهير، عبد الرزاق، كإسحاق الدبري شيخ الإمام الشافعي، وإبراهيم بن سويد الشامي، وإبراهيم بن برة الصنعاني، والحسن بن عبدالأعلى البوسي، وغيرهم.
ومن أهل الفقه: كالقاضي يحيى بن عبدالله بن كليب النقوي.
وقصة اختيار علماء صنعاء للنقوي أن يراجع الإمام الهادي، ومراجعته له، وإفحام الإمام له في تسعة أحرف، كما حكاه الإمام المنصور بالله (ع) ـ مشهورة.
وقد أفردت في فضائله (ع) ومناقبه العلية، مصنفات جمة، من أحسنها: كتاب الفضائل اليحيوية.
وببركة دعوته وهدايته، وسعيه المشكور وحميد عنايته، وجهاده للقرامطة الملحدة، وبغاة الجفاتم ومن انضاف إليهم من المسودة، استقر المذهب الشريف باليمن، ودام سلطان أهل البيت إلى هذا الزمن؛ فمنته لأهل المذهب شاملة، وسحائب هدايته عليهم هاطلة. /282
قال الإمام المنصور بالله: ليس أحد من أهل مذهبنا إلا وللهادي عليه منَّة.
وكذا قال الديلمي في كتابه التحقيق، والفقيه حميد في الحدائق.
ولم يزل من بعده من أئمتنا من أولاده وغيرهم يهتدون بمناره، ويقتفون على آثاره.
[ما منَّ الله به على طبرستان وجيلان وديلمان ببركة أئمة العترة]
وكذا ظهر سلطان التشيع واتسع، وعزّ جانبه وامتنع، بناحية طبرستان، وبلاد جيلان وديلمان، ببركة الإمام الولي، الناصر للحق الحسن بن علي، الذي قوي به الإسلام وظهر، وأسلم على يديه ألف ألف من عبّاد الشجر والحجر، واعتصمت ببركته من الطوفان، جبال جيلان وديلمان.
وقال في ذلك لنوح (ع) لما سأله عن ذلك الشأن: إنها مهاجر الشيخ الأصم، من ذرية من ختمت به النبوة، وبأمته الأمم.
وبعظيم جهاده، وقويم اجتهاده، بعد الداعيين، والمقتصدين الأكرمين: الحسن بن زيد، وأخيه محمد بن زيد (ع)، ألقى الإسلامُ جرانه في تلك البلاد، واستمر مذهب أهل البيت فيها إلى يوم التناد.
واليحيوية، والناصرية، هما فريقا الزيدية، وخلاصة أتباع العترة الزكية.
[أمر أهل البيت (ع) ظاهر رغم شدة وطأة عدوِّهم]
...إلى قوله: ولم يزل أمر أهل البيت في كل زمان ظاهراً، وسلطانهم الديني لسلطان عدوهم الدنيوي قاهراً، مع شدة وطأة خلفاء الدولتين: الأموية والعباسية، وميل السواد الأعظم إليهم من الخاص والعام، واستيلائهم على جميع ممالك الإسلام.
إلى قوله: وكانوا جميعاً مجتمعين على عداوة العترة وشيعتهم، وعلى المبالغة فيها.
إلى قوله: وكان عمالهم في جميع الأمصار، يعرضون الناس على البراءة من علي/283
(ع) والسيوف مسلولة، والأنطاع ممدودة، لضرب أعناق من تخلّف عن البراءة؛ وكان جمهور الخلق لهم أتباعاً، ولا يستطيع أحد لأمرهم مخالفة ولا امتناعاً، وكان المؤمن التقي في تلك الأزمنة دينه التقيَّة، وهي الغالبة على من بقيت له فيه من الدين بقيَّة؛ ولقد كانت السنن في أيامهم باطنة خافية، والبدع ظاهرة فاشية، يسمونها سنناً، والسنن بدعاً؛ حتى أن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ لما أمر برفع اللعن في أيام خلافته، ونهى عنه في جميع مدائن الإسلام.
إلى قوله: فخطب أول جمعة، فقرأ مكانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ...} الآية [النحل:90].
قلت: وقد سبق إلى جعل هذه الآية الشريفة الجامعة خاتمة للخُطَب، الوصي ـ صلوات الله عليه ـ كما رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) في أماليه؛ فالعادل الأشج ـ أحسن الله مكافأته ـ متبع لأثره، ومهتد بنوره.
وقد اشتهر أن عمر بن عبد العزيز ـ تولى الله مكافأته ـ أول من وضعها، والأمر كما ذكرت لك؛ وإنما جدد سنة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بعد أن ضيعها من ضيعها، وأزال سنة أعداء الله وأعداء رسوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم.
قال في الكشاف: وحين أُسْقطت من الخطب لعنة الملاعين على أمير المؤمنين ـ رضوان الله عليه ـ أُقيمت هذه الآية مُقامها؛ ولعمري، إنها كانت فاحشة ومنكراً وبغياً؛ ضاعف الله لمن سنها غضباً ونكالاً وخزياً، إجابة /284
لدعوة نبيه: ((وعاد من عاداه)). انتهى.
[المخذول عمرو بن شعيب ـ ومصرع ابن أبي البغل]
قال صارم الدين (ع): فقام إليه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: السنة السنة يا أمير المؤمنين.
فقال له عمر: اسكت قبّحك الله، فتلك البدعة.
ومضى في خطبته.
قلت: هذا مأثور مشهور؛ وقد روى الإمام المرشد بالله (ع) في الأمالي، وقوع آية للذي أراد جمع حديث عمرو هذا، فيه عبرة للمعتبرين؛ فبعداً للقوم الظالمين.
قال صارم الدين (ع): قال الذهبي في التذكرة: قال سعيد بن عبد العزيز: كان الزهري يلعن من حدث بحديث: ((وكنت نهيتكم عن النبيذ فاشربوا))، فقيل له: يرويه عمرو بن شعيب، فقال: إياه نعني.
قلت: وهو مقدوح فيه عند أهل الحديث، كما ذكره في الميزان، ومن روى عنه من أئمتنا فللاستشهاد والاحتجاج على الخصم، كما تقدم؛ وإلا فليس بعد تصريحه بالفسوق تصريح، فكيف يركن عليه، أو يثق به بعد علمه بما صنعه على رؤوس الأشهاد، وافتضح به عند الله وعند العباد ـ مَنْ له دين صحيح؟
قال: ولما رفع إلى عامل صنعاء بكتاب عمر، فتركه، فقام إليه ابن أبي البغل الصنعاني، فقال: والله لأركبن بغلتي إلى الشام لمراجعة عمر في قطع السنة، فإن أعادها، وإلا أضرمت الشام عليه ناراً.
ثم ركب، وخرج مغاضباً، فلحقه أهل صنعاء إلى المنجل (الموضع المعروف من غربيها) فرجموه بالحجارة حتى غمروه وبغلته، وهو الموضع الذي يرجم هنالك إلى الآن، كما يرجم قبر أبي رغال؛ /285
والتشيع ـ بحمد الله ـ بصنعاء قديم وحديث، يدين به أشرارها وأبرارها؛ ولذلك قال السلطان عمر بن علي بن رسول: صنعاء زيدية حتى أحجارها.
ولاختصاص عمر بن عبد العزيز بهذه الفضيلة، وغيرها من أفعاله الجليلة الجميلة، كردّ فَدَك على أولاد السبطين بعد زمان، وتصديقه لدعوى الزهراء بلا طلب حجة ولا بيان.
قلت: والحجة على صحة قولها معلومة، واليد قد كانت لها، ولو لم يكن إلا إجماع العترة الأربعة ـ صلوات الله عليهم ـ، فكيف وهي معصومة، وقد غضبت، والله يغضب لغضبها، ومعها سيد الوصيين، وهو مع الحق، والحق معه والقرآن.
قال صارم الدين (ع): قال فيه الباقر (ع): إن نجيب بني أمية يبعث يوم القيامة أمة وحده.
وقد كان من سبقه من سلفه، ولحقه من خلفه، إلا من عصم الله، يقتلون من اسمه علي، فعدل كثير ممن يحب التبرك بهذا الاسم إلى التسمية بعُلَيّ مصغراً؛ وكان العلماء لايفصحون باسمه (ع) في الرواية، ويكنون ولايصرحون بمذهبه لسائل؛ وكان الحسن البصري إذا حدث عنه يقول: قال أبو زينب؛ وكان غيره يقول: قال الشيخ.
وعن عبد الرزاق أنه قال: لو أن بني العباس جاروا كل الجور ما بلغوا جور بني أمية.
ثم إن الله تعالى أزال ملكهم، وقدر على أيدي بني العباس دمارهم وهُلكهم، وانقطعت دولة آل حرب وبني مروان، لنحو من ألف شهر من الزمان، وصار الملك ثابت الأساس، في ولد أبي الأملاك، علي بن عبدالله بن /286
العباس.
...إلى قوله: حتى انقطع ملكهم عن ستة وثلاثين خليفة، بعد مضي مدة من الأيام، تنيف على ثلاثة وعشرين وخمسمائة عام، اتخذوا فيها مال الله دولاً، وعباده خَوَلاً.
قلت: وقد حَصَرْتُ الجميعَ في القصيدة المسماة عقود المرجان، صدرها:
عجباً لهذا الدهر من دهر .... ولأمّة مهتوكة السترِ
قال: فلما تفحش ظلمهم، وجار على العباد حكمهم، نابذهم أئمة أهل البيت (ع)، وأنكروا ما ارتكبوه من منكرات الأقوال والأفعال، وتفويضهم أمور المسلمين إلى جبابرة العمال؛ إذ كان من رأيهم الخروج على الظالمين، وعدم المداهنة في أمر الدين، سيَّما لمن فحش جوره، وعدى في الطغيان طوره، كأبي الدوانيق.
...إلى قوله: وتبعه في ذلك جميع أقاربه وعماله وأجناده، وكل من ولي الخلافة بعده من أبنائه وأحفاده وأهل سواده؛ فإنهم تَتَبعوهم قتلاً وأسراً وتطريداً، وعذبوهم في الحبوس المظلمة عذاباً شديداً؛ حتى كانوا لايعرفون أوقات الصلوات الخمس إلا بفراغ الأوراد، ونَكَؤُوهُم النكاية التامة، وصرفوا عنهم قلوب الخاصة والعامة، وأمروهم باتباع الفقهاء الأربعة، وبنوا لهم المدارس، وأجروا لهم الأموال وخلعوا عليهم الخلع النفائس، وغمروا ذوي المعارف منهم بالعوارف، وألقوا إليهم أزمة الأقضية والوظائف، وعظّموهم ورفعوا من قدرهم، واتخذوهم لهم بطانة في جميع أمورهم، وألبسوهم السواد الذي هو شعارهم، وجعلوا لهم مقامات يجتمعون فيها في الحرم الشريف، والجوامع الكبار، ويصلون فيها أربع جماعات بأربعة أئمة في وقت واحد، خاصة في صلاة المغرب، كما حكاه الدامغاني؛ فهي إلى الآن بدعة ثابتة، يفتخر بها أخيارهم /487
وأشرارهم؛ ونفروهم عن مذهب أهل البيت ومحبتهم، والاشتغال بعلومهم ومعرفة أقوالهم؛ فلا تجد لهم في كتبهم ذكراً، ولا تسمع لهم في مصنفاتهم خَبَراً ولا خُبْراً، وتراهم يذكرون مذاهب جميع من على وجه الأرض من سعيد وشقي، وعدوّ وولي، ويتركون ذكر ذرية النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وينسبونهم وأتباعهم إلى البدعة، ويسمونهم الرافضة، وينكرون على من قلّد غير الفقهاء الأربعة، ويعدون ذلك غاية الجهل والضعة؛ حتى قال الذهبي في تاريخه: إن الناس صاروا على خمسة مذاهب، خامسها مذهب الداودية؛ وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز واليمن؛ لكنه معدود في أقوال أهل البدع كالإمامية. انتهى كلامه.
[الإشارة إلى تقلص المذهب الشريف الزيدي وانقباضه]
ولو ذكرنا كثيراً من كلامهم، وما يصدر عنهم من الأقوال القبيحة في حق أهل البيت (ع) لطال في ذلك الشرح، ولنكأنا الجُرْح بالجرح؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، والله المستعان على ما يصفون.
ولا شك أن للدول تأثيراً عظيماً، وضرراً ونفعاً جسيماً، في طي المذاهب ونشرها، وخِذلان أربابها ونصرها؛ وهذا أمر معلوم بالوجدان، لكل إنسان، جار في الألسنة مسموع في الآذان، مدرك بالعيان.
وبالجملة، فما قام لأهل البيت إمام، ولا استقر لمذهبم نظام، إلا بالسيف المسلول، والقتال لفريق النصب المخذول، بعد إبطال شبههم المضمحلة، والاستظهار عليهم بظواهر الحجج وقواطع الأدلة؛ وكفى دليلاً على ما أراد الله من تأييد دينه ببقائهم، والرجوع في متشابهات الكتاب والسنة إلى علمائهم؛ إذ هم أحد الثقلين، المأمور بالتمسك بهما.
...إلى قوله: ظهور علومهم، مع سعي خصومهم في طمسها وإخفائها، ونماء ذريتهم، مع اجتهاد عدوّهم في استئصالها وفنائها، وأن أضدادهم مع ملكهم /288
لأقطار البلاد، واستمالتهم ببذل الرغائب لقلوب العباد، لا يذكر لهم علم ولا أهل، ولا يعرف لهم بعد الموت أتباع ولا نسل؛ فيا عجبا من تمالي المسوِّد والمسُوْد، كأنهم خرجوا من وراء السد المسدود، كما قال قائلهم في المعنى المقصود:
لقد مال الأنام معاً علينا .... كأن خروجنا من خلف ردمِ
قلت: وهو من قصيدة للإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، وقبله:
فعدّ عن المنازل والتصابي .... وهات لنا حديث غدير خمِّ
فيا لك موقفاً ما كان أسنا .... ولكن مرّ في آذان صمِّ
...البيت، وبعده:
هدينا الناس كلهم جميعاً .... فكم بين المبيّن والمعمي
فكان جزاؤنا منهم قراعاً .... ببيض الهند في الرهج الأحمّ
هموا قتلوا أبا حسن علياً .... وغالوا سبطه حسناً بسمِّ
وهم حظروا الفرات على حسين .... وما صانوه من نصل وسهم
وزيد أوردوه ظبا المواضي .... فكم جرم أتوه بعد جرم
وأولاد الهمام الشيخ منّا .... هداة الناس من ظُلَم وظُلْم
ولم أر هالكاً كقتيل فخٍ .... فيا لك من وسيع الباع ضخم
أئمة أمة جهلت هداها .... بخدعة مارق وشقاق غتم
هموا قدحوا زناد النار فينا .... فقاموا عن خديج غير تمِّ
وكم متشيعٍ عادٍ علينا .... بآنس أو ديار بلاد قمّ
وجبري ينازعنا هدانا .... كذي خَطَل يعرفني بإسمي
أنخطي رشدنا وتصيب رشداً؟ .... كمن يقضي على علم بوهم /289
أطيعي مرشديك وشايعيهم .... فإن ساعدتني فَخَلاك ذمي
هموا جهلوا سبيل الرشد فينا .... فأعقبهم بها غماً بغم
ومنها:
أخي من كان يهديني لرشدي .... وليس أخي هو ابن أبي وأمي
ومنها:
تشابه أهل ملّتنا علينا .... فلم يدر الأخص من الأعم
ينازعني أناس أمر ديني .... وهَمُّهُمُوا لعمرك غير همِّي
وقد أرشدتهم وطلعت شمساً .... لهم في ليل خطبٍ مُدْلهمّ
...إلى آخرها.
قال: ولكم سعوا في خفض منارهم، وإطفاء معارفهم ومحو آثارهم، ومضى على ذلك منهم القرون، واستمر عليه الأولون والآخرون، وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
ولم يزل العلماء الأعلام، من فضلاء أمة محمد - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - مقبلين على علمي الكتاب والسنة، ومعملين في نصرهما لسيوف الاحتجاج ومواضي الأسنة؛ والمتقون منهم البررة، معترفون في ذلك لعلماء العترة المطهرة، مغترفون من علومهم الزاخرة، مقتبسون من أنوار معارفهم الزاهرة، مقدّمون لهم في الدراية، ومستكثرون في النقل عنهم وصارفون إلى محفوظاتهم العناية.
ولقد حكي عن جابر الجعفي أنه كان يحفظ عن الباقر (ع) ثمانين ألف حديث.
وعن الحافظ ابن عقدة أنه كان يجيب في ثلاثمائة ألف حديث من حديث أهل البيت وبني هاشم.
إلى غير ذلك مما يطول الكلام بذكره.
[إشارة إجمالية إلى بعض مصنفات أئمة العترة واشتمالها على الكنز الثمين من السنة]
ثم بسط في بيان كتب الحديث.
...إلى قوله: /290
ومما صنف في ذلك لأهل مذهبنا: مجموع زيد بن علي، والسير للنفس الزكية ـ ومنها أخذ محمد بن الحسن الشيباني ـ وأحاديث كتب الإمام الأعظم القاسم بن إبراهيم وهي نحو العشرين، وقد اشتملت على أحاديث كثيرة، ومصنفات علامة الشيعة ومحدثهم، محمد بن منصور، وهي عديدة، من أجلها: كتاب علوم آل محمد بزياداته.
قلت: أما الزيادات فقد وقع فيها دسّ، كما وقع في زيادات الجامع الكافي، وقد سبق الكلام.
قال: ويعرف بأمالي أحمد بن عيسى.
إلى قوله، حاكياً لقول محمد بن إبراهيم الوزير: هو أساس علم الزيدية، ومنتقى كتبهم، ويذكر فيه الأسانيد.
ومصنفات الإمام الهادي (ع)، وهي ثمانية وأربعون كتاباً، منها: تفسير القرآن ستة أجزاء، ومعاني القرآن سبعة أجزاء، وكتاب السنة.
ومصنفات الإمام الناصر (ع) كالإبانة، والمغني وغيرهما، وقد اشتملت على غرر الأحاديث.
ومصنفات الإمامين: المرتضى وصنوه الناصر، وهي عديدة مشهورة بين الشيعة، نافعة ومفيدة.
ومصنفات الإمام القاسم بن علي العياني، وولده الحسين بن القاسم، وقد بلغت مصنفاته إلى السبعين؛ وكذا مصنفات غيرهم من الأئمة وأتباعهم.
...إلى قوله: ومن الشائع على الألسنة، أن يحيى(ع) كثيراً ما يوافق أبا حنيفة، والناصر (ع) كثيراً ما يوافق الشافعي؛ وممن ذكر ذلك الفخر الرازي في كتابه الشجرة، الذي صنفه في أنساب العترة المطهرة؛ وليس كذلك؛ وإنما الهادي (ع) يوافق قوله قول أهله الذين بالكوفة، ويعتمد على ما رووه، وأبو حنيفة كثيراً ما يوافقهم؛ لاتحاد البلد والسند، وقد عدّه قوم من جملة علماء /291
الزيدية.
...إلى قوله: وكان الشافعي يرجح أقوال أهل الحجاز على أقوال أهل العراق أخباراً ومذهباً، وغيره على عكس ذلك.
وروى السيد العلامة أحمد بن مير الحسني، القادم من جيلان بكتاب الجامع إلى اليمن، في زمان الإمام المهدي علي بن محمد (ع)، أن أبا الطاهر أحمد بن عيسى بن عبدالله كان يناظر علماء المدينة، ويقول بقول علماء الكوفة، فقال بعضهم: يا أبا الطاهر لا تفعل، فإن الوادي من هاهنا سال، فقال: أجل، من هاهنا سال؛ لكنه استنقع عند أولائك، وبقيتم أنتم بغير شيء ـ يعني بالوادي علياً (ع) ـ.
قال: ونظير هذا ما روي أن رجلاً من أهل الحجاز قال لابن شبرمة: من عندنا خرج العلم.
فقال: نعم، ثم لم يعد إليكم.
وكذلك كتب السادة الهارونيين: السيد الإمام أبي العباس أحمد بن إبراهيم، والسيدين الإمامين أبي الحسين المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وصنوه الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين؛ فقد أحاطت بالجملة أحاديث الأحكام، سيما التجريد وشرحه، والتحرير وشرحه، ومنه اختصر القاضي زيد بن محمد تعليقه المعروف بشرح القاضي زيد.
قلت: عندي نسخة منه، نسخت غرة الحجة، عام ثلاثة وأربعين وأربعمائة، فيكون لها إلى عصرنا هذا عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف من الأعوام، تسعة وعشرون وتسعمائة عام، ألف سنة إلا واحداً وسبعين عاماً، وهي مع هذا أقوى من نسخة تنسخ في العصر بياضاً وكتابة؛ ونسخة التحرير من شعبان، سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، ونسخة الإفادة على مذهب الإمام المؤيد بالله (ع) أحسبها من ذلك العصر، إلا أن الكاتب لم يؤرخها. /292
ومن تهذيب الحاكم الجشمي - رضي الله عنه - في التفسير، نسخت في رجب، عام خمسة وثمانين وستمائة، ولايقدر أن يمكن تحصيل ما يقاربها في القوة، وإتقان الخط وحسنه، ولو اجتهد أن ينسخ في الزمان هذا على أبلغ الوجوه لم يعد بجنبها في شيء؛ والله أعلم إلى أي حين تبقى، فسبحان من لايفنى.
وبهذا يعلم فضيلة القلم على الطبع، الذي قد رغب فيه، ومال إليه، كثير من أهل هذه الأعصار، لقرب انتواله، واستغنوا به عن النسخ الخطية، بل صار بعضهم لا يلتفت إليها مهما وجد المطبوعة، ولم ينظر إلى سرعة ذهابها.
وقد وقعت العناية ـ بحمد الله ـ في تنسيخ كثير من مؤلفات آل محمد النافعة العزيزة، كشرح التجريد، والشافي، والاعتصام، وأنوار التمام؛ والمرجو من الله التيسير، وتحصيل الطيب الكثير.
وهذا لحث أولي العلم المحتسبين للأعمال المقبولة، والآثار المكتوبة ـ إن شاء الله تعالى ـ ولأمر ما تَمَدَّحَ العليم الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم؛ والحمد لله على ما أنعم.
قال السيد صارم الدين (ع)، والكلام في شرح القاضي زيد: وأودعه محاسن الأخبار، وجواهر الآثار.
...إلى قوله: وكتاب أصول الأحكام، للإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)، وعليه يعتمد أهل المذهب الشريف، في أحاديث التحليل والتحريم بلا نزاع منهم، من زمانه (ع) إلى وقتنا؛ لتقدمه وشهرته، واستيفائه لحججنا وحجج المخالفين، والرد عليهم؛ وجملة أحاديثه ثلاثة آلاف حديث، وثلاثمائة واثنا عشر حديثاً.
[الرد على من انتقد الآل في الاستدلال]
قلت: ومن لا رسوخ لقدمه في مجال علوم الآل، ولا عرفان لحقائق قواعدهم، يكثر الانتقاد عليهم في الاستدلال، وذلك في نحو تقديمهم لتأويل الخاص، أو حمله على النسخ على بنائه على العام، ولم يفقه أن ليس ذلك إلا/293
لوجوه صحيحة؛ وهي إما أن يكون الخاص ضعيفاً عندهم، أو لم يثبت إلا من طريق الخصم، فيجارونه بذلك على فرض الثبوت؛ إذ هو أدعى إلى القبول من الرد، أو لقوة العام؛ إذ قد يكون من المنزل الرباني، والكلام القرءآني، أو المتواتر النبوي، والخاص بخلافه، أو روي بطريق أصح، ومذهبهم تقديمه كما صرح به في شرح التجريد في بحث الخضراوات، وفي الشفاء في الصلاة في الأوقات المكروهة، وغير ذلك.
أو لأنه لايبنى الخاص على العام مع جهل التاريخ؛ فهي مسألة مختلف فيها؛ والمختار البناء مع جهل التاريخ، ومع كونه من القرآن أو متواتر السنة في الفروع، خلاف ما كنت ذكرته في فصل الخطاب لما صح عندي.
وما أحسن قول السيد العلامة، عبدالله بن علي الوزير:
يُبنى العموم على الخصوص بأربع .... صور على القول الأجل فقل أجلْ
مع جهل تاريخ وعند تقارن .... وتفارق زمناً يضيق عن العملْ
وكذا بمتسع يكون خصوصه .... متقدماً والعكس نسخ لم يزلْ
وليس للخصم أن يلزمهم بمذهبه، والعمدة الدليل؛ وقد استوفيت الكلام على هذا بحججه في فصل الخطاب، والله الموفق للصواب.
أو يراهم يستدلون بالعام أو المطلق، على الخاص أو المقيد، وإنما ذلك اكتفاءاً منهم وإحالة على ما عرف من التخصيص والتقييد، المصرح به في غير ذلك المقام، فيقصدون أنه دلّ مع الخاص أو المقيد على ذلك.
وعلى الجملة، إن معظم الخبط والزلل من عدم التحقيق، وثبوت القدم، في علوم أئمة العلم والعمل.
وابن اللبون إذا ما لز في قَرَنٍ .... لم يستطع صولة البُزْل القناعيسِ
فكيف يحسب أن أولئك الأئمة الأعلام ـ نجوم الإسلام، وهداة الأنام، الذين خضع لعلومهم وتحقيقهم أرباب العقد والحل، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولوا الفضل ـ لا يعلمون ما وقف عليه في مختصرات الأصول، ومدارس الابتداء، وهم أولوا الحل والإبرام؟
وما أحق الجواب على هؤلاء /294
الأفدام بقوله:
فقل لمن يدّعي في العلم معرفةً .... حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ
وهذا عارض لقصد النصح، وبيان الحق لذوي الأحلام، لا مجاراة الطغام، كما يعلم الملك الخبير، وهو حسبنا ونعم المولى ونعم النصير.
قال السيد صارم الدين (ع): وكتاب شمس الأخبار للشيخ العالم علي بن حميد بن أحمد القرشي، وهو كتاب نفيس؛ وكتاب شفاء الأوام للأمير الكبير، المكنى بأبي طالب الصغير، الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى ابن الهادي إلى الحق، وهو كتاب جليل محتو على ما في أصول الأحكام.
قلت: وما في غيره، وقد التزم تصحيح ما فيه، إلا أنه قد صرح بقبول المتأول؛ فمع حذف الأسانيد، فالتصحيح عند من لم يقبلهم لا يفيد إلا أنه قد جمع فأوعى، وأتى بالكثير الطيب من الأخبار والأقوال، المضافة إلى نجوم أئمة العترة وعيون علماء الشيعة، من كتبهم المعلومة؛ وفيه من إعمال الأدلة، والحجج القيمة ما يشفي العلة، وينقع الغلة.
قال صارم الدين (ع): وهو غاية ما يعتمده أهل الزمان من أهل المذهب.
قال مولانا عز الدين محمد بن إبراهيم: ولا شك في كفايته للمجتهد، وهو في كتب الزيدية مثل كتاب سنن البيهقي في كتب الشافعية، الذي قال في حقه الجويني: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي، فإن المنة منه على الشافعي.
يعني بعنايته بأحاديث مذهبه، والكلام على أسانيدها وتصحيحها، وذِكْر شواهدها وتنقيحها، على طرائق المحدثين، لا على طرائق الفقهاء الخلص، كما فعل الجويني في كتابه النهاية، وتلميذه الغزالي في كتابه /295
الوجيز، والرافعي في شرحه المسمى بالفتح العزيز، وغيرهم من فقهاء المذاهب الذين لا عناية لهم بعلم الحديث؛ فإنهم يحتجون بالأحاديث الصحيحة والضعيفة، والمنكرة والموضوعة والواهية، التي لا يعرف لها أصل في كتب الحديث، حتى أن هؤلاء الفقهاء يضيفون الحديث إلى الصحيح، ويقولون: متفق على صحته، أو لايتطرق إليه التأويل، أو ينسبونه إلى البخاري أو مسلم، وليس منهما، ويغيرون ألفاظه، ثم يفسرونه بغير المراد.
قال المحدثون: وإنما أوقعهم في ذلك اطراح صناعة علم الحديث، التي يفتقر إليها كل فقيه وعالم، وقد وقع للجويني والغزالي وغيرهما من جميع فقهاء المذاهب ما يتعجب منه.
قال: والتحقيق أن لكل فن رجالاً يقدمون فيه على غيرهم، إلا لمانع، كمن عرف منهم بتعصب، أو غير ذلك، مما يمنع من قبول قوله، مثل: استناده إلى أصل مرفوض، كقبول من علم أنه فاسق تصريح، بناء منه على أنه عدل، أو مخطئ متأول؛ وهذه آفة قد أصيب بها كثير من الحشوية والنواصب.
[إقبال علماء الشيعة واشتغالهم بعلم العترة، والتقريع على من أهمل ذلك]
واعلم أنه كان لقدماء الشيعة اشتغال بعلوم العترة شديد، وإعراض عن علوم غيرهم، وعناية كلية بالحديث واستماعه وإسماعه، وتصحيح طرقه؛ ومن أحب ذلك طالع ما ذكرناه من الكتب المتقدم ذكرها، وغيرها.
وقد صنف الحافظ العلامة أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الشيعي كتاباً في الرواة عن أهل البيت.
وكان لهم أيضاً إقبال على مصنفات العترة، وحرص /296
على حفظها وجمعها، حتى لقد اجتمع منها كتب كثيرة، منها ما هو بخط الإمام المرتضى محمد بن يحيى (ع)، وكانت مرجع أهل ذلك العصر.
ثم إنه لم يزل الأمر يضعف، والدَّخَل يكثر، حتى ذهب أكثر تلك الكتب، واستغني عن مكنون علمها بمصنفات أحدثها المتأخرون؛ لكنهم كثروها بعلوم العامة، فجمعوا فيها بين الغث والسمين، والمخشلب والدر الثمين، واشتغل بها أهل هذه الأزمنة المتأخرة، وأعرضوا عن تلك الكتب النافعة بالكلية، وفيها من الزيف والدغل ما لا يخفى على صيارف الشيعة ونقادهم، فضعف بذلك أمرهم، وكثر الطعن عليهم من خصومهم، حين رأوهم أخذوا من علومهم وكتبهم، وأعرضوا عن المصنفات القديمة لأئمتهم، وعن حديثهم.
ولما انتشرت كتب المحدثين في الأقطار، وطارت في جميع الآفاق كل مطار، وأقبل عليها الناس من جميع المذاهب، اشتغل بقراءتها خلق كثير من أهل المذاهب، واعتمدوا عليها، وفيها حق شِيْبَ بباطل، كبعض أحاديث الفضائل، وشهد قد خُلِطَ بسمّ قاتل، كالأحاديث التي ظاهرها التشبيه والجبر.
...إلى قوله: حتى كاد يغرس في قلوب بعض من اعتمدها من أهل مذهبنا شجرات، يجتنى من باطلها ثمرات، والأمر في ذلك كما قيل في المثل: من يَسمع يَخَل.
وقل من اشتغل بعلم مخالف معاند، وشبه زائغ حائد، فسلم من اعتقاد فاسد؛ كما وقع ذلك لمن اشتغل بعلم الفلاسفة من المتشرعين، ولمن اقتصر على أخذ علم الحديث من كتب فقهاء المحدثين، وقصرت همته عن معرفة كتب أهل البيت المطهرين؛ ولقد وجدت ذلك من نفسي أيام قراءتي لكتب الحديث من كتبهم، مع شدة تمسكي بمذهب العترة (ع)، فلولا تثبيت الله لي لقد كدت أركن إلى بدعهم شيئاً قليلاً، وأميل عن طريقة /297
الشيعة التي هي أهدى سبيلاً، وهي الفطرة التي لا تجد لها من قلوب المؤمنين تحويلاً.
وقد كان بعض أئمتنا المتأخرين يكره لمن لا يثق من نفسه بالاستقامة أن يقرأ من الحديث ما فيه ظواهر تحمله على اعتقاد الجبر والتشبيه.
قال الإمام المهدي علي بن محمد (ع): ومن اقتعد في مساجد الزيدية يقريء في كتب خصومهم، ويفري أديم أقوال العترة وعلومهم، مُنع من ذلك، وقُمع أن يسلك تلك المسالك.
وحديث النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ واجب القبول والاتباع، وعلى كل مسلم أن يدين بلزوم الإسماع له والاستماع، وإنما كره ذلك لمن لا يعرف القبيح من الحسن، ويخشى الوقوع في الفتن، التي أودعها كثير من النواصب والحشوية في أثناء الآثار والسنن، وخلطوها بالحق المبين؛ لترويج باطلها على الجاهلين، وليتوصلوا بها إلى التشكيك على غير العلماء الراسخين.
...إلى قوله: وقال السيد الإمام جمال الدين، علي بن محمد بن أبي القاسم ـ رحمه الله تعالى ـ: الذي ذهب إليه علماؤنا، وتجري عليه أصولهم، أن في أخبار هذه الكتب الصحيح والمعلول، والمردود والمقبول.
والضابط في ذلك: أنما صححه أئمتنا من ذلك، فهو صحيح، وما ردوه أو طعنوا في روايته، فهو مردود؛ لصحة اعتقادهم، وسعة اطلاعهم، وتحريهم في انتقادهم.
....إلى قوله: ولنتكلم في ثلاثة أبحاث:
الأول: في إسناد العترة، وأنه أصح الأسانيد؛ وهذا أمر لا امتراء فيه عند أهل المذهب، /298
ومسنداتهم المتصلة تسمى سلسلة الذهب.
...إلى قوله: والمختار عند أئمتنا (ع) تقديم ما ثبت عن أئمة العترة مسنداً أو مرسلاً، وتقديم رواية القرابة، على غيرهم من سائر الصحابة.
البحث الثاني: في ذكر أسلافنا من أهل الحديث، المعتمد على رواياتهم في الزمن القديم والحديث، من غير أهل البيت (ع)؛ ليعرف ذلك المغربون، ويظهر كذب ما يزعمه الناصبون، وكتب الحديث برواياتهم مشحونة، وجواهر أخبارهم في طبقات الرواة مدونة مخزونة، وهم خلق كثير، وسواد عظيم، بالحجاز والعراق واليمن والشام، وكثير من بلاد الإسلام؛ ومن أحب تحقيق ذلك فليطالع كتب الرجال، وطبقات الحفاظ؛ وقد يخصهم بالذكر بعض علمائنا إذا انفردوا بقول في مسألة كالأمير الحسين، فإنه يقول في بعض المسائل: وهذا رأي محدثي أصحابنا.
وقد روى عنهم أصحاب الصحاح كالبخاري، ومسلم، وغيرهما، واعتمدوا على رواياتهم في أثناء الأحكام الشرعية في الحلال والحرام؛ فيالله من تعصب ذوي العقول والحلوم، على جحد المعلوم الثابت بشهادة الخصوم للخصوم.
...إلى قوله:
البحث الثالث: في ذكر جماعة من حفاظهم، وتسميتهم بأعيانهم، وتعريف طرف من أحوالهم؛ فأما الإحاطة بهم فهي متعذرة أو متعسرة، وغير ممكنة في حقنا ولا متيسرة.
[سلف العترة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم]
إلى قوله:
فأما سلفنا من الصحابة، فجميع بني هاشم، وبني المطلب، وكثير من المهاجرين والأنصار، وغيرهم من فضلاء الصحابة الأخيار، وإن اختلفت عاداتهم /299
وطرائقهم، لا سيما بعد استقرار الأمر لمن ابتزه، ولم يقع في موضعه ولا طبق محزه، فمنهم المسر ومنهم المعلن بمذهبه، وسواء منهم من أسر القول ومن جهر به، كجهر الاثني عشر النقباء، الذين صدعوا بالحق عند صرف الأمر عن أهله احتساباً لله وغضباً، وغيرهم ممن هو أشد إنكاراً، وأكثر عدداً وأظهر اشتهاراً؛ وقد دونهم العلماء الأخيار، ونقلوا منهم التجرم العظيم والاستنكار.
قلت: وما أحسن قوله في ذلك في البسامة:
فقلْ لمن رام للأسباب معرفة .... وربما تعرف الأسباب بالفطرِ
حبّ الرياسة أطغى الناس فافترقوا .... حرصاً عليها وهم منها على صدرِ
والحق أبلج والبرهان متضح .... وبيننا محكم التنزيل والسورِ
مات النبي أجلّ الخلق مرتبة .... محمد خاتم الأنباء والنذرِ
نبينا المصطفى الهادي الذي ظهرت .... آياته كظهور الشمس والقمرِ
هذا، والكلام ذو شجون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال: فإليهم في نقل الحديث مستندنا، وعلى معتقدهم في التفضيل والخلافة معتقدنا، ولسنا نقتصر عليهم في قبول الرواية، بل نروي عن المخالفين المتأولين، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قلت: ولم يرد المحاربين لأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، فسيأتي له التصريح بأنهم غير متأولين؛ فتدبر.
قال: فأما سلفنا من التابعين، ومن بعدهم من حفاظ الأخبار، ونقلة علوم الآثار، ومعدلي حملة العلم النبوي، الذين يرجع إلى اجتهادهم في التوقيف والتضعيف، والتصحيح والتزييف، فهم خلف من تقدم من أهل مودة ذوي /300
القربى، الذين يرونها من أجلّ القرب، وأنفع ذخائر العقبى.
ثم ابتدأ في تعدادهم، وسيأتي البحث في ذلك مستكملاً ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[سبب اعتناء صارم الدين بتأليف علوم الحديث]
قال: ثم إن المصنفين من أئمتنا وعلمائنا جمعوا في كتب الفروع، بين أقوال أهل البيت، وبين أقوال غيرهم من الصحابة والتابعين، والفقهاء الأربعة وأتباعهم وغيرهم؛ بخلاف أتباع الفقهاء، فإنهم لا يذكرون أقوال أهل البيت وأتباعهم، ولم يتعرض أحد منهم لجمع طرق الأحاديث في كتبنا وكتبهم، وإضافة كل حديث إلى من خرجه منا ومنهم، وانفرد به؛ وكان الاعتناء بذلك أولى من الجمع بين المذاهب؛ لثمانية وجوه:
الأول: أن مذاهب الجميع في الفروع مسندة إلى الأحاديث في الغالب، وصادرة عنها؛ فالاشتغال بتحقيقها ومعرفة رواتها ومن خرجها من الشيعة والسنية أقدم، والعناية بالكلام عليها لاستناد المجتهدين إليها أولى وأهم؛ إذ الاشتغال بالأصول أحق بالتقديم من الاشتغال بالفروع.
[جواز الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً]
الثاني: أن تلك الأحاديث إذا اتفقت عليها الروايات، وتطابق على نقلها الأئمة الأثبات، سواء اتفقت أسانيدها أو اختلفت، ازدادت قوة، والتحق حسنها بالصحيح رتبة، وترجحت على معارضها الذي ليس كذلك.
وقد سلك هذه الطريقة الإمام الهادي (ع) في كتاب المنتخب، فاحتج على جواز الجمع بين الصلاتين العجماوين، والعشائين للمعذور، للأحاديث التي روتها العامة في كتبها من طريق عبد الرزاق، عن مشائخه كمعمر، وسفيان، وعمرو بن دينار، وإبراهيم بن محمد بن يزيد.
ثم قال: وإنما احتججنا برواية الثقات من رجال العامة؛ لئلا يحتجوا فيه بحجة، فقطعنا حججهم بروايات ثقاتهم. /301
قلت: قوله: (للمعذور) تقييد من المؤلف، فأما كلام إمام الأئمة (ع) في المنتخب، فلم يفصل؛ بل هو دال على الجواز مطلقاً للمعذور وغيره لاستدلاله (ع) بقوله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ }...الآية [الإسراء:78]، وقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } [هود:114].
وقوله في خبر جبريل (ع): فروى القوم هذا الخبر مجملاً، ولم ينظروا فيه نظراً شافياً، حتى يتبين لهم فيه مواقيت الصلوات.
...إلى قوله: واعلم ـ وفقّك الله ـ أنه لما صح هذا الخبر عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أنه صلى الظهر في أول يوم حين زالت الشمس، وصلى العصر وظل كل شيء مثله، ثم صلى من الغد الظهر وظل كل شيء مثله، وصلى العصر وظل كل شيء مثلاه، علمنا أنه قد صلى في أول يوم العصر في وقت الظهر التي صلاها من الغد، فأجاز ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بفعله هذا صلاة الظهر في وقت صلاة العصر، وصلاة العصر في وقت صلاة الظهر؛ لأنه صلى الظهر والعصر وظل كل شيء مثله، فوجب بفعله هذا أن وقت الظهر كله وقت للعصر، ووقت العصر كله وقت للظهر؛ لأنه من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله وقت واحد ممدود لا مرية فيه، وقد صلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في هذا الوقت الواحد الظهر والعصر عند زوال الشمس، فقد أدى الصلاتين في أوقاتهما؛ لأن أول الوقت كآخره، وآخر الوقت كأوله في تأدية صلاتهما غير متعد؛ لفعل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وكذا من صلاهما في آخر/302
الوقت، فقد صلاهما في أوقاتهما.
...إلى قوله (ع): قد بينت لك فيما شرحت لك، وأوجبت أن وقت الظهر كله وقت للعصر، ووقت العصر كله وقت للظهر.
ثم ساق الأخبار..إلى قوله: فهذه أخبار صحيحة موافقة لكتاب الله، أن وقت الظهر والعصر من زوال الشمس إلى الليل، ووقت المغرب والعشاء إلى الفجر، وهو قول ثابت، وهو قول جدي القاسم بن إبراهيم ـ رحمة الله عليه ـ، وبه نأخذ.
والدليل على صحة هذا القول وثباته، أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير سفر، ولا خوف ولا مطر.
ثم ساق الروايات في ذلك.
قلت: وتفسير الجمع بتأخير الأولى، وتقديم الأخرى غير صحيح؛ لأن الجمع حقيقة شرعية في جمع صلاتين في وقت واحد، كما ذكره المؤيد بالله في شرح التجريد، وما ذكر جمع لغوي، والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية؛ وكذا لا يضر احتمال الجمع للتقديم والتأخير، إذْ قد بطل بثبوته القولُ بعدم جواز الجمع، سواء كان جمعه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تقديماً أو تأخيراً؛ فلم يبق إلا القول بجوازه.
والذي يتحرر على تحقيق النظر، ويدور عليه كلام نجم آل الرسول، وحفيده إمام الأئمة ـ سلام الله عليهما ـ في الجامعين: المنتخب والأحكام، ومن معهما في مسألة الجمع ـ هو القول الوسط، لا الإفراط ولا التفريط؛ فلا يقال بالوجوب البت، والحكم بلزوم كل صلاة في وقت، وترك التأسي بفعله وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في الترخيص، وإرادة رفع الحرج على أمته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ولا باتخاذ الجمع خُلقاً وعادة على الاستمرار، وإهمال /303
الأوقات التي لازمها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وشرع الدعاء فيها بالنداء على التكرار، سيما أهل عمارة المساجد الذين لامندوحة لهم في ذلك ولا عذر من الأعذار.
وأما مع العذر أو السفر، فلا كلام في الجواز عند أئمة العترة والشيعة وغيرهم من علماء الأمة، وهذا القول هو الراجح على مقتضى الدليل؛ واستيفاء الكلام على أطرافه يحوج إلى التطويل، وهو مبسوط في محله؛ والمسألة نظرية، والتخطية والتأثيم فيها وفي غيرها من المسائل الاجتهادية، لا وجه لهما، مهما كان البناء على الإنصاف والنظر في الدليل؛ بل هي في جنبة المُخَطّي والله الهادي إلى خير سبيل.
(رجع) إلى كلام السيد صارم الدين (ع).
قال: وكذا الإمام المنصور بالله في كتاب الشافي روى أحاديث فضائل العترة من طريق أهل البيت (ع) وشيعتهم، ومن طريق المحدثين والفقهاء؛ قال: وإنما فعلنا ذلك من كلا الطريقين؛ ليقع التمييز بين الروايتين، وتلزم الحجة بإجماع النقلين، والحق عند أهل الإسلام لا يعدو هاتين الطائفتين، وكل يدعي ذلك لنفسه؛ فإذا اتفقوا على أمر واختلفوا في أمر آخر، كان ما اتفقوا عليه أولى بالاتباع مما اختلفوا فيه، فليس برد الحق ينتصر القاصر، ولا بدفع الأدلة ينتفع المكابر.
الثالث: سكون كل واحد من الشيعة والسنية برواية سلفه، وما يحصل بذلك من الاتفاق، والأمن من غوائل الاختلاف والافتراق، وعدم التعرض حينئذ للقدح في الرواية بحصول الاتفاق على المروي، والكروع نهلاً وعَلَلاً من عين ذلك المنهل الروي. /304
الرابع: أنه قد يكون في بعض الروايات زيادة يحصل بها تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو تبيين مجمل، أو بيان وهم راوٍ، والمخالفة لرواية من هو أوثق منه، ونحو ذلك من الفوائد التي تحصل بمعرفة الرواية.
الخامس: أن في ذلك إرغاماً لأنوف النواصب، وتكذيباً لما زوره لسان مفتريهم المناصب، بإيراد الأحاديث المروية من طريق أهل البيت (ع) وأتباعهم، من طريق المحدثين، فيكون دعوى تضعيفها منهم حينئذ مشتركة الإلزام، بينهم وبين العترة الكرام.
قلت: ويبطل ذلك الإلزام، بإجماع علماء الإسلام.
قال: السادس: السلامة من الاغترار بمطلق الترجيح والتضعيف، إذا اختلفت الأحاديث، واحتج كل طائفة بحديث منها، ورجحته بأحد المرجحات، وضعف معارضه بما يوهيه من المضعفات، وكثيراً ما يقع ذلك في الكتب المقصورة على ذكر أدلة الأحكام، وبيان ما يحتج به كل في الحلال والحرام، وتجول فيها خيول النصوص في ميادين التراجيح، وتوزن فيها أدلة العموم والخصوص بموازين النقاد المراجيح؛ فإنك تجدهم طالما يرجحون المفضول على الفاضل، ويجرحون بما يعده خصومهم من أعلى المراتب والفضائل، كالقدح بالتشيع؛ وتجد المتكلم منهم على أحاديث مذهبه يتغاضى عمن روى حجته وإن كان مجروحاً أو ضعيفاً، ويتطلب الجرح لمن روى ما يخالفها وإن كان ثقة عفيفاً؛ فيحتاج إلى معرفة ذلك في هذا المقام، فكم من حديث قد ضعفوه بذلك، ورجحوا عليه المرجوح، ونالوا من أعراض قوم لا تزال أرواحهم في الجنان تغدو وتروح.
السابع: أن المحدثين قد شابوا كتبهم بذكر أعداء أهل البيت ـ عليهم/305
السلام ـ وادعوا للذين قاتلوا علياً (ع) أنهم قاتلوه على وجه التأويل، وأنهم أخطأوا في الاجتهاد، وأنه خفي على من يضرب المثل بدهائه منهم كمعاوية وعمرو، كونهم مبطلين، وتعاموا عما يدل على خلاف ذلك مما رواه الثقات منهم، ووقروهم وعظموهم، ورضّوا عنهم؛ حتى تجاسر بعضهم على تعديل عمر بن سعد، قاتل الحسين (ع).
قال العجلي فيه: تابعي ثقة، روى عنه الناس.
وقال الذهبي في عبيد الله بن زياد: الشيعي لايرضى منا إلا بسب هذا وذويه، ونحن لا نسبه ولا نحبه.
[بيان: السنة والجماعة والرافضة]
واحتجوا على إمامة من تقدم على الوصي (ع) بأحاديث، لا تدل على مطلوبهم المخصوص، وبظواهر لاتقوى على دفع ما دلّ على إمامته من قواطع النصوص، ومَنْ خالفهم في ذلك فهو عندهم مبتدع رافضي؛ لرفضه لإمامة المشائخ الثلاثة، مردود الحديث، سيما إذا كان داعياً إلى مذهبه، وجزموا بأن اعتقاد ذلك أعلى مراتب الطاعة، وسمة يعرف بها أهل السنة والجماعة؛ فإذا وقف على ذلك الشيعي المغرب عن الآثار، هجر الحديث المودع في كتبهم، أو طرت عليه شبهة من شبههم؛ لقصوره عن حلّ الشبه، وعدم اطلاعه على ما ذكره علماؤنا في جوابها؛ وإذا جمع بين طرق الأحاديث، وذكر جواب شبههم في دعوى التأويل والتقديم، اندفع باطلهم بالحق اليقين، كما فعل أصحابنا في علم الكلام وغيره مع سائر المخالفين.
وقد أجاب الشيعة على تسميتهم لهم رافضة، بأن هذا الاسم إنما هو لمن رفض إمامة زيد بن علي (ع)، فمن لم يقل بإمامته فهو رافضي؛ وهذا هو المعروف في هذا الاسم، والسبب في إطلاقه، فهم حينئذ أولى به؛ لأنهم ممن رفض إمامته. /306
قلت: وقد تقدم ما يكفي.
وأجابوا عن تسميتهم أنفسهم بأهل السنة والجماعة، بأن تلك هي سنة معاوية وجماعته؛ لأن الحسن (ع) لما تخلى عن الأمر، وهو الإمام المعصوم، حقناً للدماء، وتسكيناً للدهماء، عام إحدى وأربعين من الهجرة، أخذ معاوية البيعة على الناس وسماه عام الجماعة، ومراده عام جماعته في الرضى بإمامته.
ولما أمر بلعن علي (ع) على المنابر في الجمع والأعياد، عام تسعة وأربعين، سماه عام السنة، وقال: والله لأجرينه سنة حتى إذا قُطِعَ، قيل: قُطِعَتْ السنة.
فصار أتباعه إلى يومنا هذا يسمون أنفسهم بأهل السنة والجماعة، ويوهمون أن المراد سنة النبي، وجماعة أصحابه، ويأبى عليهم ذلك ما علم مما ذكرنا، ومحبتهم لأعداء العترة، والمناضلة عن خصوم الأسرة.
قلت: وقد سبق ما فيه الكفاية.
قال: الثامن: وهو المهم الأعظم، والخطب الأطم، الذي هلك فيه أهل الزيغ الجاهلون، ولم ينج من الغرق في يمه إلا العلماء الراسخون، أن المحدثين قد أودعوا كتبهم من أحاديث الصفات وغيرها، مما ظاهره التشبيه والتجوير والتحديد، ما يحتاج إلى التأويل الشديد، والحمل على مقتضى قواعد العدل والتوحيد؛ فمن الناس من حملها على ظاهرها فشبه وجوّر، ومنهم من نفاها فعطل وكدر.
قلت: أما من نفى ما لايقبل التأويل، مما عارض حجج العقول، وصريح الكتاب والمتواتر عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقد أصاب الحق، ومقتضى الدليل القاطع المقبول؛ وما لم يكن كذلك فلا بأس بتأويله، مع صحة طريقه وتحقيق دليله؛ فعلى هذا ينبغي حمل كلام صارم الدين (ع)، والله/307
الهادي إلى سبيله.
قال: ومنهم من ردها إلى ما قضى به العقل ومحكم الكتاب والسنة، فسلم من ذلك كله؛ وهؤلاء هم العلماء الراسخون، الذين جمعوا بين علمي المعقول والمنقول، وعرفوا حقائق الإعجاز، وحققوا علم المعاني، ودققوا في فهم لطائف الحقيقة والكناية والمجاز، ومنحوا فهماً ثاقباً، وعلماً نافعاً واسعاً، وملكة في التعبير، وقدرة على الاهتداء إلى وجوه الحذف والتقدير، ورد المتشابه إلى المحكم المنير؛ فتجد هذه الأحاديث في أكثر كتب القوم عارية عن التأويل، أو محمولة على تأويل لايصح؛ وتجدهم يسمعونها العوام، والكبار والصغار في المساجد والجوامع، فيوقعون المستمعين في اعتقادات فاسدة، أو تأويلات لا تجري من الأصول المقررة على قاعدة.
ثم ساق فيما لا تعلق له بما نحن فيه، من التحسر على فوت هذا المطلب، والتأسف لموت أعيان الأعلام، وأمان الأنام، والانفراد عمن أدركهم من النجوم الكرام.
...إلى قوله:
ما في الزمان أخو وجد أطارحه .... حديث نجد ولا صب أجاريه
وأقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، والقضية الغادية بالرائحة، وإلى الله سبحانه المشتكى، وحسبنا الله وكفى، وهو نعم المستعان على حوادث الأيام، والمسؤول لحسن الختام.
ولنعد إلى سياق المختار من كتابه، مع الكلام على ما لاغنية عنه في أثنائه، إلى آخر علوم الحديث، لشدة مناسبته للمقصود، وهو حقيق بإفراد فصل معقود. /308
الفصل السابع شيء من الفلك الدوار في علوم الحديث
قال (ع): ولنتكلم قبل الشروع في المقصود على مقدمتين وخاتمة لهما.
المقدمة الأولى: في تعيين الأمهات الموعود بالجمع بينها من كتب العترة والمحدثين، والطريق إلى كل منها.
أما طرق أهل البيت (ع) التي أستند إليها، وأعتمد في الرواية عليها، فطريقي في مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي (ع)، وأمالي حفيده الأكرم أحمد بن عيسى بن زيد، التي اعتنى بجمعها علامة الشيعة ومحدثهم، محمد بن منصور بن يزيد المرادي الكوفي، وفي كتاب أصول الأحكام، لمولانا الإمام، الصوام القوام، المتوكل على رب الأنام، أحمد بن سليمان (ع)، وهي قراءتي لها على مولانا السيد الإمام، شيخ العترة الكرام في زمانه، ومفسرها ومحدثها ومفتيها، والمعتني بعلومها، الصلاحي صلاح الدين، بركة أهل البيت المطهرين، عبدالله بن يحيى بن المهدي بن قاسم الحسيني الزيدي نسباً ومذهباً، وطريقته في المجموع هي الطريقة الآتية بالسند الآتي في أصول الأحكام، إلى القاضي جعفر ـ رحمه الله تعالى ـ.
ولي فيه طريق أخرى إليه.
قال رحمه الله: وأنا أروي أصول الأحكام بقراءتي له على حي والدي السيد العالم المتألّه يحيى بن المهدي، بقراءته له على السيد الإمام، الواثق /311
بربّ الأنام، المطهر بن محمد، بقراءته له على والده الإمام، محدث العترة الكرام، المهدي لدين الله محمد بن المطهر، بقراءته له على والده الإمام الأعظم المتوكل على الله المطهر بن يحيى، بقراءته له، على الفقيه العلامة، المذاكر الفهّامة، محمد بن أحمد بن أبي الرجال، بقراءته على الإمام الشهيد، السعيد الحميد، أحمد بن الحسين (ع)، بقراءته له على الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن القاسم الأكوع، بقراءته على الشيخ العلامة محيي الدين محمد بن أحمد بن الوليد القرشي، بقراءته له، على مصنّفه الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع)؛ ولم يبقَ فيه لأحد سماع غيري فيما أعلم.
ثم أورد طريق الأمالي من طريق الشريف عمر بن إبراهيم العلوي، وطريق الجامع الكافي إلى الغزال، وطريق أمالي المرشد بالله، وطريق شفاء الأوام، وطريق أحاديث الإبانة وزوائدها، عن الفقيه العالم الواصل من جيلان، الملاّ إبراهيم.
قال: وهو يروي ذلك بالسند إلى مصنفها ـ رحمه الله ـ هذا لفظه: وطريق كتاب الوافي في أحاديث الفرائض، بقراءته على الشيخ العلامة إسماعيل بن أحمد النجراني.
قال: وهو يرويه بسنده إلى مصنفه العلامة الحسن بن أبي البقاء.
قلت: وقد سبق جميع ذلك مستوفى، والحمد لله.
قال: وطريقي في الذي أرويه من غير هذه الكتب من مصنفات علمائنا، الإجازة الصحيحة.
[طريق السيد صارم الدين إلى الأمهات الست المتضمن لها كتاب جامع الأصول]
وأما طريقي في كتب المحدثين من غير أهل البيت (ع)، فطريقي في الستة التي هي: الموطأ، والبخاري، ومسلم، وسنن النسائي، وأبي داود، /312
والترمذي، قراءتي لجميع كتاب جامع الأصول المشتمل على هذه الكتب؛ فأكثره على مولانا صلاح الدين عبدالله بن يحيى ـ رحمه الله تعالى ـ، واستجزت منه الباقي، وقرأت ذلك البعض على حي والدي، واستجزت منه أيضاً الباقي، فصح لي قراءة وإجازة كله.
ومولانا صلاح الدين يرويه بقراءته عن حي جدي السيد الإمام جمال الدين، الهادي بن إبراهيم، ووالدي يرويه عن حي صنوه محمد بن إبراهيم، فكل منهم يرويه بطريقه إلى مصنفه، كما ذلك مذكور على اتصاله في كتبهما، ومبيّن في إجازات العلماء لهما.
قلت: وقد اكتفيتُ عن إيراد إسناد الكتب الستة، وغيرها من كتب المحدثين، بما أوصلتُ من السند إلى شافي الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، فأسانيدها فيه مفصلة، وكذا بإيصال السند إلى رواتها من أئمتنا (ع) في جميع مروياتهم، كوالدنا الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن، والمؤلف السيد صارم الدين، والإمام شرف الدين، والإمام القاسم بن محمد (ع)، وهم يروونها بطرقهم إلى مؤلفيها، وقد اشتملت على ذلك كتب الإجازات، وسنورد السند إليها فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وجامع الأصول هذا مؤلفه: أبو السعادات، المبارك بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الجزري الموصلي، المعروف بابن الأثير، المتوفى عام ستة وستمائة، افتتح جامع الأصول بقوله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي أوضح لمعالم الإسلام سبيلاً، وجعل السنة على الأحكام /313
دليلاً، وبعث لمناهج الهداية رسولاً، مهد لمشارع الشرائع وصولاً...إلخ.
وهو صاحب النهاية؛ وكتاباه: الجامع والنهاية، معتمدان في النقل عند أهل الرواية، والعمدة على ما صحّ بالطريق على التحقيق عند أرباب الدراية.
وما أحسن كلام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير حيث يقول:
فابن الأثير الوزير لايوازي يحيى بن الحسين الهادي، في علمه وورعه وتقواه وجهاده، ودعائه العباد إلى الله، وإن لم يكن له (ع) مصنف في غريب الحديث والأثر، مثل النهاية؛ لأنه اشتغل بما هو أهم من ذلك. انتهى كلامه.
قلت: أراد لم يكن له (ع) على سبيل الاستقلال المجرد في ذلك الفن؛ ولكن له في علمي المعقول والمنقول من الكتاب والسنن، ما أحيا الله ـ تعالى ـ به معالم الإسلام على أقوم سنن.
ولله المؤلف صارم الدين (ع) حيث يقول:
وفي إمام الهدى الهادي المتوّج بالـ .... ـعلياء أكرم داع من بني مضرِ
من خُصّ بالجفر من أبناء فاطمةٍ .... وذي الفقار ومن أروى ظما الفِقَرِ
وصاحب المذهب المذكور في اليمن الـ .... ـمشهور من غير لا إفك ولا نكرِ
وفي ابن فضل ومن لبّى لدعوته .... وفي مسوّدة تدعو إلى سقرِ
قضت بتسعين مع تسعين معركة .... غرّ كبدر وأوطاس وكالنهرِ
...الأبيات.
نعم، ثم أورد طائفة من مسموعاته في كتب الحديث؛ والأمر كما ذكرت لك من الاعتماد على ما سبق، ولنعد.
قال: المقدمة الثانية: فيما لايسع طالب الحديث جهله، من علومه واصطلاحات أهله، وبيان مذهبنا فيه، مع زيادات فوائد وقواعد، يحتاج إليها /314
الشيعي العدلي، ويناضل بها الخصوم في المقام الجدلي.
قلت: أما المعتمد عليه، فقد أحاطت به أصول الفقه بأدلته، وقد سبق طرف نافع من ذلك؛ وأما غيره مما لابرهان عليه، فأجل فائدة في معرفته الرد على مبتدعه، وتجنب طريقته كما أشار إليه.
[حقيقة علوم الحديث]
قال: وأنا أسال الله الإعانة والتوفيق، والسلامة من وعثاء هذه الطريق، فأقول: علوم الحديث هي: القواعد التي تعرف بها أحوال الحديث، وأحوال رواته، وما يتصل بذلك.
قلت: المراد بالحديث والخبر هنا: ما نقل عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من السنة، الشاملة للقول، والفعل، والترك، والتقرير؛ ويطلق على ما نقل عن غيره ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أثر؛ وبعضهم يعمم، وبعضهم يفصل؛ فالحديث خاص بما هو عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والخبر عام، إلى غير ذلك من الاختلاف؛ وكل ذلك مرجعه الاصطلاح، ولا حاجة هنا إلى الكلام على معناهما، وبيان أقسامهما، فله مقام آخر هو أخص به.
[المتواتر ومفاده]
قال: ثم إن الحديث، إما إن تعلم صحته بكثرة رواته كحديث الغدير والمنزلة، وقتل عمار، وإمامة الحسنين، فهو المتواتر.
قلت: وهو لغة: المتتابع من الأمور شيئاً بعد شيء بفترة لايتخلل زمان كثير فيكون منفصلاً، ولا قليل فيكون متصلاً، مأخوذ من الوتر.
واصطلاحاً: خبر عدد لا يكذب عادة.
قال: وهو ضروري عند أئمتنا والجمهور، خلافاً للبغدادية، والملاحمية، وبعض الأشعرية.
قلت: فعندهم أنه /315
معلوم استدلالاً، والحجة عليهم أنه لو كان استدلالياً لتوقف العلم به على نظر الدليل، ولما حصل لمن لم يكن من أهل النظر كالصبيان، والبُله، والعوام؛ والمعلوم خلافه؛ وإمكان ترتيب الدليل لايوجب الاحتياج إليه، فإن صورة الترتيب ممكنة في كل ضروري، نحو: الاستدلال على أن الأربعة زوج بما صورته الأربعة منقسمة بمتساويين، وكل منقسم بمتساويين زوج؛ وغير ذلك.
قال: وتوقف الموسوي، والآمدي.
ولاتنحصر تلك الكثرة في عدد مخصوص، وأقلها خمسة في الأصح.
قلت: قال المؤلف في الفصول: وضابطه ما حصل العلم عنده.
إلى قوله: الجمهور خمسة، وهو المختار، انتهى.
قال: أو بقرائن تنضم إليه كالإخبار لملك بموت ولد له مدنف مع صراخ، وانتهاك حريم، ونحو ذلك؛ فهو المعلوم بالقرائن، وأنكره الجمهور، ويعز وجوده في الشرع، وقيل: بل يعدم.
قلت: في الفصول، وشرحه، للسيد الإمام صلاح بن أحمد المؤيدي (ع) ما لفظه: المؤيد بالله، والمنصور بالله في رواية رواها عنه القاضي عبدالله، والإمام يحيى، وغيرهم من علمائنا، كالإمام محمد بن المطهر، والسيد محمد بن جعفر، والحفيد في تعليقه، وإليه ذهب إمامنا المنصور بالله ـ أي القاسم بن محمد ـ، وبعض الأشعرية كالرازي، والسبكي، والبيضاوي، وابن الحاجب، والآمدي: يحصل العلم بخبر العدل؛ لكن مع قرينة زائدة على ما لاينفك التعريف عنه.
إلى قول الشارح في حجتهم: بأنا نجد العلم بخبر الواحد مع القرينة من أنفسنا وجداناً ضرورياً لايتطرق إليه الشك، انتهى المراد.
[المتلقى بالقبول]
قال: أو بالنظر، وهو ما حكم بصحته المعصوم كالأمة، أو العترة، فهو /316
المتلقى بالقبول، ومختار أكثر أئمتنا، وبعض الأصوليين، والمحدثين، أنه معلوم كالمتواتر.
قلت: البعض من الأصوليين: أبو هاشم، والقاضي عبد الجبار، والغزالي؛ ومن المحدثين: ابن الصلاح، وغيره؛ والمراد بكونه كالمتواتر في القطع بصحته، وإن كان المتواتر ضرورياً، والمتلقى نظرياً.
قال في الفصول: فعلمُ صحته بالنظر.
قال الشارح: بأن يقال: لو لم يكن صدقاً بأن كان كذباً لكان استنادهم إليه خطأ، وهم معصومون؛ ولله درّ المؤلف حيث يقول:
وإن التلقي بالقبول على الذي .... به يستدل المرء خير دليلِ
وما أمّة المختار من آل هاشم .... تلقّى حديثاً كاذباً بقبولِ
قلت: وتفسيره هذا للمتلقى بالقبول أوضح من تفسير غيره.
وأما القسم الذي ذكره ابن الإمام (ع) في الغاية، بقوله: ومنه خبر الواحد إذا أجمع على العمل بمقتضاه للعصمة عن الخطأ، وقيل: مع الحكم بصحته، انتهى. فغير متضح؛ لأنه إن أراد العمل بمقتضاه مع الاستناد إليه، فهو هذا؛ إذ ليس المراد من الحكم إلا العلم بالاستناد إليه، وإن أراد من دون استناد إليه، فغير صحيح، لاحتمال أن يجمعوا على معناه مستندين إلى غيره، كما أشار إليه السيد الإمام المحقق في شرح الفصول؛ ولا يلزم ما ذكره ابن الإمام (ع) من لزوم تخطئتهم في الاستناد؛ لأن المفروض خلافه.
[انقسام الخبر إلى معلوم الصدق والكذب]
نعم، والأكمل في التقسيم ما ذكره المؤلف في الفصول بقوله:
(فصل) وينقسم الخبر إلى ما يعلم صدقه، وإلى ما يعلم كذبه، وإلى ما يحتملهما، /317
فالأول ضروري بنفس الخبر كالمتواتر لفظاً، أو معنى، أو بغيره كالموافق لضروري.
قال السيد الإمام، صلاح الإسلام: وهو الخبر عن البديهيات، نحو: الواحد نصف الاثنين.
إلى قوله: فلولا تقرره في عقولنا لما علمنا صدق من أخبر به.
قال المؤلف: واستدلالي عقلي، كخبره تعالى.
قال صلاح الإسلام: وهو عند أهل العدل أن الله عدل حكيم لايفعل القبيح.
قلت: لقبحه، وغناه تعالى عنه، وعلمه بهما؛ وفعله لو فرض مع ذلك خلاف الحكمة ضرورة، تعالى الله سبحانه عن ذلك.
قال: وقبح الكذب معلوم ضرورة.
قلت: مع عدم الحاجة إليه، والحكيم يتعالى عز وجل عنها؛ وإنما طوى هذا للعلم به.
قال المؤلف (ع): وخبر رسوله.
قال صلاح الإسلام: دليل صدقه عند أهل العدل أن الله تعالى أظهر المعجز عليه، تصديقاً له، ودليلاً على عصمته، والله تعالى لايصدق الكاذب؛ لأن ذلك قبيح، والله لايفعل القبيح.
قلت: والبرهان عليه ما تقدم.
وشرعي: كخبر الأمة والعترة، وكذا موافقهما.
قلت: ومن المعلوم صدقه ما ذكره بعد هذا البحث، في قوله:
(فصل) وما أخبر به واحد.
قال صلاح الإسلام: أو ما في حكمه إلى الأربعة، بل حاصله مالم يفد التواتر.
قال صارم الدين (ع): بحضرة خلق كثير.
قلت: ضابطه جماعة لايكذب مثلها. /318
قال: علم أنه لو كان كذباً لعلموه، ولا حامل لهم على السكوت، فهو صدق قطعاً للعادة؛ وكذا ما أخبر به بحضرة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مما يتعلق بشريعته أو معجزاته، أو نحو ذلك.
قال صلاح الإسلام: كأن يكون مما لايعلم إلا من جهته، كأخبار الآخرة؛ ولم ينكره.
قلت: والأحسن في تحقيقه ما ذكره ابن الإمام (ع) بقوله: ومنه في الأصح ما أخبر به بحضرته (ع) مع دعوى علمه به مطلقاً، أو عدمها، إن كان دينياً لم يعلم خلافه، أو علم ويجوز تغيره، أو دنيوياً لايخفى عليه، ولم ينكره، انتهى.
قال صارم الدين (ع): والثاني: ـ قلت: أي ما يعلم كذبه. قال:ـ نقيض ما علم صدقه.
والثالث: ـ قلت: أي ما يحتملهما. قال:ـ خبر الواحد.
قلت: أي الآحادي، سواء كان واحداً أو أكثر، مهما لم يقطع بصدقه؛ وكثيراً ما يطلقون خبر الواحد، والمراد ذلك، وهذا القسم محرر في علوم الحديث، فيرجع إليه.
[الكلام على الآحادي وأنواعه]
قال: وإن لم يعلم صدقه فهو الأحادي، وقد يظن صدقه كخبر العدل، أو كذبه كخبر الكذاب، أو يشك كالمجهول؛ والعمل به ـ قلت: أي بخبر العدل. قال: واجب لحسن العمل بالظن عقلاً.
قلت: ليس الدليل هذا على قبوله، وإلا لزم قبول خبر بعض الصبيان، وكافر التصريح وفاسقه، الذين يظن صدقهم؛ والعقل إنما يدل على حسن العمل بالظن في جزئيات، يكفي فيها أدنى منبّه، ولو خبر صبي أو كافر صريح، أو أي أمارة ضعيفة لخطر الإقدام، وعدم الضرر في الإحجام، كالإخبار بسمّ الطعام، وقد حققتُ المختار في ذلك بدليله، في الرسالة الموسومة بإيضاح الدلالة، بل المعتمد /319
في الدليل على القبول ما أوضحه بقوله: ولإجماع الصحابة المعلوم، ولإرساله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الآحاد، وتقريره المسلمين على قبوله.
قلت: ومتى كان هذا الدليل على القبول، وهو المعلوم، فلا يقبل إلا من كان على صفة من أرسلهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ووقع الإجماع على قبولهم، من أولي العدالة والثقة المحققة، لا ذوي الكفر أو الفسق لا الصريح ولا التأويل؛ لعدم الدليل، بل للدليل على المنع، نحو قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ]} [هود:113]، و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، ولا يصلح ما ادعوه من الإجماع على قبول المتأول لتخصيص الآي ولا تأويلها؛ لعدم البرهان عليه، وإنما هي حكايات معارضة بحكايات مثلها في الرد.
ومما يبين أنها دعاوى مجردة، أنهم لم يأتوا بقضية واحدة عن أهل الإجماع الذي زعموا في الصدر الأول، تفيد قبول خصم لخبر خصمه أو شهادته؛ ولقد استرسلوا لتكثير الروايات، حتى قبلوا عن المصرح بالكفر أو الفسق المجمع على ردّ روايته، إلا من عصم الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالراجح البقاء على الأصل الأصيل، الذي هو مقتضى الدليل، وهو الأحوط في الدين؛ كيف، وهو عز وجل يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء:36]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]؟ ولا وجه للتأويل، وإخراج العلم عن حقيقته، وهو عام لايخرج منه إلا ما خص بدليله، وإن كان قد كثر في هذا /320
التهويل، والقعقعة بنقل الأقاويل، فالمعتمد الدليل.
قال: ولأن من رده.
قلت: أي الأحادي.
قال: من الإمامية، والبغدادية، والظاهرية، والخوارج، تمسكوا في رده بالظن؛ وإنما فروا منه، ويعمل به في العملي مطلقاً.
قلت: لعله أراد بالإطلاق فيما تعمّ به البلوى وغيره كما ذكر في الأصول.
قال: لا في العلمي كالمسائل الإلهية، ولا في العملية العلمية كأصول الشرائع إلا مؤكِّداً.
قلت: والحجة على ذلك الأصل:
أولاً: أن المطلوب العلم؛ بدلالة نحو قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء:36]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} [البقرة]، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الحج:8]، وكم صدّر الحكيم، في الكتاب الكريم، الأمر باعلم واعلموا، مع ما كرر ـ عز وجل ـ من إبطال الظن، والذم لأهله: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [يونس:36]، وإنما خصصت تلك العمومات بما تقدم من بعث الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ والإجماع، وليس ذلك مجمعاً عليه إلا في العمليات الفرعيات؛ فيقر حيث ورد.
ثانياً: أن الله ـ تعالى ـ نهى عن الاختلاف في الدين، وحرمه على العالمين، وتوعد عليه بنصوص الكتاب والسنة، فلا بد من نصب دلالات عليه قطعية؛ لقيام الحجة، وإلا لَعُذِر المخالف فيه، كما في المسائل الاجتهادية الفرعية؛ لخفاء /321
الأمارات الظنية، واختلاف الأنظار في المآخذ الاجتهادية، وهو خلاف النصوص القرآنية، ومعلوم السنة النبوية، وإجماع من يعتد به من الأمة المحمدية.
ثالثاً: أن هذه الأصول مما تتوفر الدواعي إلى نقلها، كما قرر في الأصول.
قال (ع): خلافاً لبعض المحدثين، والبكرية؛ وإن خالفهما، رُدّ، إلا أن يمكن تأويله؛ واتفقوا على وجوب العمل به في الفتوى والشهادة؛ فإن رواه فوق اثنين، فهو المشهور، والمستفيض، والاثنان فهو العزيز، أو الواحد فهو الغريب؛ فإن لم يوافقه غيره، فهو الفرد المطلق، كخبر مس الذكر، وإلا فهو الفرد النسبي؛ فإن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد؛ وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار.
قلت: ولهم في تفصيل هذه الأقسام ونحوها، وتحصيلها، كلام طويل، وحصول النفع بالاشتغال به والتكثير منه قليل، بعد معرفة ما سبق من المردود والمقبول، وما يفيد منها قوة أو ضعفاً، أو يحتاج إليه عند الترجيح، لا يخفى على ذي بصيرة كما هو محقق في الأصول؛ وهي في موضوعاتهم قريبة الانتوال، كثيرة الأمثال؛ وقد أصاب المؤلف ـ رضي الله عنه ـ في عدم توسيع الدائرة في ذلك، فلنعد إلى سياق ما هنالك.
[ذكر الصحيح والحسن]
قال (ع): ثم الصحيح من الآحادي عند من لايقبل المرسل: ما نقله مكلف، عدل، تام الضبط، متصل السند، غير معلّ بعلّة قادحة.
والصحيح عند قابله: ما نقله مكلف، عدل، غير مغفَّل، ولا قابل /322
لمجهول أو نحوه، بصيغة الجزم.
قلت: قوله: (مكلف) مستدرك لإغناء عدل عنه؛ ونحو المجهول: كثير الخطأ، والمجروح؛ ولابد في الأول بعد متصل السند من زيادة (بمثله) أو نحو ذلك، وصيغة الجزم نحو: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ والمراد ما يدل على عدم التردد في الرواية.
قال: والظاهر في صيغتي التمريض والبلاغ ونحوهما الإرسال.
قلت: صيغة التمريض: نحو روي، وذُكِرَ مغير الصيغة، والبلاغ: نحو بلغنا ونحوهما: كنقل، وغير ذلك، مما يفيد عدم الاتصال.
قال: ويتفاوت الصحيح بتفاوت صفاته؛ ومن ثم قدم جمهور أصحابنا أحاديث الأمالي، والجامعين.
قلت: هما المنتخب، والأحكام، لإمام الأئمة (ع).
قال: فإن خف الضبط، وكان له من جنسه تابع أو شاهد، فهو الحسن، وأدلة قبول الآحاد تشمله، وإن انفرد عند أئمتنا والجمهور خلافاً للبخاري، وإن توبع.
قلت: هذا قول البخاري، وأما عمله في كتابه، فقد تقدم ما فيه كفاية.
هذا، والبخاري هو: أبو عبدالله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة؛ كان المغيرة مجوسياً على دين قومه، أسلم على يد اليمان الجعفي ببخارى، فنسب إليه للولاء.
وأما ولده إبراهيم فلم يوقف على شيء من أخباره، هكذا أفاده ابن حجر؛ وقد تقدم ذكر وفاته، ووفاة مسلم، في سند أمالي الإمام أحمد بن عيسى، عند ذكر محمد بن منصور المرادي، في معرض كلام اقتضاه ذلك البحث.
نعم، فصاحب البيت أدرى بالذي فيه؛ فهل يغتر بصنيعهم إلا من ليس له لب أو أعمى البصيرة، أو أغلف القلب؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون؛ وسيعلم/323
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
قوله: (وإن توبع) قد تقدمت الإشارة في كلامه إلى معنى المتابعة، والمشاهدة، والاعتبار؛ ولا بأس بزيادة إيضاح معانيها؛ لكونها طريقاً إلى الترجيح، ومسلكاً إلى التقوية والتضعيف، ولكثرة تداولها في عبارات أهل التأليف.
فالمتابعة: أن يشارك الراوي غيره في رواية الخبر عن شيخه، وهذه متابعة تامة.
فإن لم يوجد إلا من يشاركه عن شيخ شيخه، أو من فوقه إلى الصحابي، فمتابعة ناقصة؛ وقد تسمى شاهداً.
فإن لم يوجد من يرويه عن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا عن غير ذلك الصحابي الذي رواه عنه، فهي الشاهد؛ فإن كانت بلفظه، فشاهد باللفظ، أو بمعناه، فشاهد بالمعنى.
فإن لم يوجد متابع ولا شاهد، فالخبر من الأفراد، والنظر في وجود التابع أو الشاهد هو الاعتبار.
ونرجع إلى تمام كلام صارم الإسلام.
قال (ع): وبكثرة طرقه ـ قلت: يعني الحسن الذي تقدم قال:ـ يصح عند المجتهد.
قلت: اعلم أنهم اختلفوا في حقيقة الحسن، وفي ما حصلوه من كلام الترمذي على اضطرابه، وكلام غيره على اختلافه، فقال ابن الصلاح: وقد أمعنت النظر في ذلك البحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقح لي واتضح، أن الحديث الحسن قسمان:
أحدهما: الحديث الذي لايخلو رجال إسناده من مستور.
قلت: فسروا المستور بتفاسير، قيل: من روى عنه أكثر من واحد، ولم /324
يوثق، وقيل: الذي لم تتحقق عدالته ولا جرحه، وقيل: من نقل فيه جرح وتعديل، ولم يترجح أحدهما.
قال ابن الصلاح في تمام الحد: لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه.
قلت: قال في الديباج المذْهب للحنفي، وهو شرح رسالة الشريف الجرجاني: ولعله لو اكتفى بمستور لكفى؛ لأنه لو كان مغفلاً ـ أي منسوباً إلى الغفلة ـ لم يكن مستوراً، بل مجروحاً بوجه.
قال ابن الصلاح: ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا بسبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر.
قلت: أفاد في الديباج أن المثْل: يستعمل في الموافق في اللفظ والمعنى، والنحو: في الموافق في المعنى، فقط.
قال ابن الصلاح: حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه؛ فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً أو منكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل.
قلت: قال في الديباج: أورد عليه الضعيف، والمنقطع، والمرسل مثلاً؛ تدبر.
قلت: وقد أجيب بأنه يلتزم دخول ذلك في الحسن، على مقتضى كلام الترمذي، بالشرط الذي ذكره من روايته من وجه آخر...إلخ.
وقد ساق في التنقيح كلام ابن الصلاح هذا، وفيه مخالفة يسيرة، وأنا أعتمد نقله من أصل كتابه.
قال في التوضيح: قال الحافظ ابن حجر: إن المعرف عند الترمذي هو حديث المستور.
قال الأمير: ولا يعده أهل الحديث من قبيل الحسن، وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصوراً على رواية المستور، بل يشترك فيه الضعيف؛ /325
بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالخطأ والغلط، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف؛ فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة، وهي: أن لايكون فيهم من يتهم بالكذب، ولا يكون الإسناد شاذاً، وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعداً.
قلت: ليس عنده إلا شرطان فقط؛ إذ روايته من وجه آخر...إلخ، تخرجه عن كونه شاذاً، أو منكراً، كما تقدم.
قال ابن الصلاح: القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكراً؛ ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً أو منكراً سلامة الحديث من أن يكون معللاً.
وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي.
قال: وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل، معرضاً عما رأى أنه لايشكل، أو أنه غفل عن البعض وذهل. انتهى كلامه.
قلت: والأول يسمى عندهم الحسن لغيره، والثاني الحسن لذاته؛ وهذا القسم الثاني هو الذي عرفه ابن حجر.
قال الأمير: ومثله صنع المصنف في مختصره.
قلت: بل تعريفه هو تعريف السيد صارم الدين (ع)، وهو مخالف للجميع؛ لأنه اشترط مع خفة الضبط أن يكون له من جنسه تابع أو شاهد؛ فقد وافقهم في عدم الفرق بينه وبين الصحيح إلا بخفة الضبط، وخالفهم في الشرط هذا؛ فإنهم لم يشرطوا التابع أو الشاهد إلا في القسم الأول، /326
وهذا اصطلاح وبابه واسع؛ ولا يسلم للأمير ما أورده عليه من أنه بصدد اصطلاحهم.
نعم، قال الأمير في التوضيح: ورسم الحسن بأنه ما اتصل سنده برواية من خف ضبطه...إلى آخره؛ فقيد الضبط قد أخذ في الرسمين، أي: رسم الصحيح، ورسم الحسن؛ وإنما اختلفت صفة خفته وخلافها، فقد تغايرا تغاير الخاص والعام؛ فكل صحيح حسن وزيادة، كما أن كل إنسان حيوان وزيادة...إلخ كلامه.
قلت: هذا خبط عظيم، وسهو عجيب، لايخفى على لبيب، بل تباينا تباين الفرس والإنسان؛ لانفراد كل واحد بفصل مناف للآخر؛ لأن شرط الصحيح تمام الضبط، كما صرحوا وصرح به، وشرط الحسن خفته؛ فكيف يجتمعان، ويوصف شيء واحد من جهة واحدة بالتمام والنقصان؟ هذا خلف من القول؛ وفيه من جنس هذا كثير قد علقت على بعضه في التوضيح، والله ولي التوفيق.
قال ابن الصلاح: ومن أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح؛ لاندراجه في أنواع ما يحتج به.
قال: وهو الظاهر من تصرفات الحاكم.
قلت: ولا يخفى ما في هذه الرسوم من الانتقادات، والإحالات على المجهولات؛ ولا حاجة بنا إلى الإطناب، فهي لاتخفى على أولي الألباب.
قال السيد صارم الدين (ع): وما لم يجتمع فيه صفات أيهما.
قلت: أي الصحيح، والحسن.
قال: فهو الضعيف.
قلت: هكذا اتفقت عليه رسومهم؛ وقد أنهى أقسامه بعضهم إلى اثنين وأربعين، /327
وبعضهم إلى تسعة وأربعين قسماً، فصلها في التنقيح، وغيره.
[بحث في قول الترمذي: حسن صحيح]
قال صارم الدين (ع): فإن وصف الحديث بالصحة والحسن معاً، فقيل: باعتبار إسنادين.
قلت: وقد أورد عليه أن الترمذي يقول: هذا حديث حسن صحيح، لانعرفه إلا من هذا الوجه.
وأجيب: بأنه أراد لا نعرفه بذلك اللفظ، وقد ورد معناه بإسناد آخر؛ أو لانعرفه حسناً إلا من هذا الوجه، ومن غيره صحيحاً غريباً أو نحوه؛ أو يريد لا يعرف عن ذلك الصحابي، وله إسناد آخر عن صحابي آخر.
هذا حاصل ما ذكروه.
قال: وقيل باعتبار اللغة والعرف.
قلت: فيكون حسناً لغةً، وهو ما تميل النفس إليه، ويستحسن صحيحاً اصطلاحاً، ولا تنافي إلا أنه بعيد عن مقاصدهم؛ كذا أفادوه.
قال: وقيل: غير ذلك، منها: أنه صحيح في إسناده ومتنه، حسن في الاحتجاج به، ويكون هذا الحسن هو الحسن اللغوي؛ وهذا لمحمد بن إبراهيم الوزير.
قال في التنقيح: وهذا الجواب عندي أرجحها؛ لأنه لايرد عليه شيء من الإشكالات.
قلت: قد أورد عليه الأمير في التوضيح إيرادات ركيكة، منها: أن الحسن اللغوي ما تميل إليه النفس، ولا يأباه القلب، وهو صفة اللفظ، وليس من مدلولها الاحتجاج به.
قلت: وهذا غير صحيح، فإن الحسن اللغوي أعمّ من ذلك؛ فهو يطلق /328
على ما حسن من كل شيء، كما نص عليه أهل اللغة، فتستوي فيه الألفاظ والمعاني وغيرها قطعاً، فلا وجه لتخصيصه لغة ولا شرعاً؛ ومنع إطلاقه على الاحتجاج، غفلة أو لجاج؛ وبقية إيراداته على هذا المنهاج.
وأتى في الديباج بوجه آخر حاصله: أنه للاختلاف بين أهل الحديث في ناقله، فهو عند بعض ظاهر العدالة، تام الضبط؛ فهو على رأيه صحيح.
وعند بعض خفيف الضبط والعدالة، فهو عنده حسن؛ فأشار بذلك إلى المذهبين.
قلت: وهذا وجه حسن صحيح، ولا مانع، وكلها محتمل؛ والعمدة على ما عند صاحب الإطلاق في الواقع؛ وعلى كل حال، فلا مجال لصاحب الإطلاق من الإخلال، فما كان ينبغي له أن يستعمله مع ظهور التدافع من غير تبيين للمقصود؛ لما فيه من الإلغاز والإجمال.
نعم، قال السيد صارم الدين (ع): وإن وصف بالغرابة، والحسن، فباعتبار حال الإسناد؛ مثل: أن يسند الحديث غير واحد بإسناد حسن إلى آخر الحفاظ، لكن ذلك الحافظ، ومن فوقه تفرد به؛ فهو عنه إلى أسفل حسن غير غريب، ومنه إلى فوق حسن غريب.
قلت: قد تقدم له تعريف الغريب، والعزيز، والمشهور، والمتواتر، وهذه الأربعة أقسام الأخبار.
وأما المستفيض، فهو عنده وعند بعض أهل الحديث مرادف للمشهور، على ما سبق؛ وعند بعضهم فيه كلام آخر وسيأتي.
فالغريب والعزيز من الآحاد، والمشهور أعمّ، والثلاثة الأقسام تدخلها الثلاثة الأنواع: الصحة، والحسن، والضعف كما سيتضح ـ إن شاء الله ـ ولا بأس بزيادة الإيضاح؛ لبيان الاصطلاح. /329
[الكلام على الحديث الغريب]
فأقول والله ولي التوفيق:
القسم الأول: الغريب.
وهو: لغة: صفة مشبهة، مشتقة من الغرابة والغربة، ومعناهما: البعد والانفراد، فهو البعيد والمنفرد.
واصطلاحاً: ما انفرد بروايته كله أو بعضه واحد.
قال ابن الصلاح: وكذا الحديث الذي تفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكر فيه غيره، إما في متنه، وإما في إسناده.
وقال الشريف الجرجاني: والغريب إما صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح.
وغير صحيح، وهو الأغلب.
والغريب أيضاً، إما غريب متناً وإسناداً، وهو: ما انفرد برواية متنه؛ أو إسناداً لامتناً، كحديث يعرف متنه عن جماعة من الصحابة، إذا انفرد واحد بروايته عن صحابي آخر، ومنه قول الترمذي: (غريب) من هذا الوجه؛ ولا يوجد ما هو غريب متناً لا إسناداً، إلا إذا اشتهر الحديث الفرد، فرواه عمن تفرد به جماعة كثيرة، فإنه يصير غريباً مشهوراً.
قلت: يكون غريباً باعتبار طرفه الأول، وهو رواية المتفرد به؛ ومشهوراً باعتبار طرفه الآخر، وهو رواية الجماعة عنه؛ وقد مثلوا لهذا بحديث: ((إنما الأعمال بالنيات))، رواه كل واحد من الستة: البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بسنده إلى يحيى بن سعيد الأنصاري ـ وليس القطان، الذي تكلم في الصادق (ع) ـ عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر بن الخطاب.
قلت: وقد صحّ معناه برواية أئمتنا (ع)، وقد تقدم، والكتاب العزيز يشهد له: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5]، ولا يمكن /330
الإخلاص إلا بنية.
نعم، ويطلق على كتب هؤلاء (الصحاح)، قالوا: تغليباً، وإلا فلم يلتزم الصحة إلا البخاري، ومسلم؛ وبعضهم يجعل مكان ابن ماجه موطأ مالك، ويقال لهم: الستة والجماعة؛ وهذا عارض.
نعم، قال ابن الصلاح بعد إيراده، وسياقه لهذا الخبر وغيره ما لفظه: وكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد.
إلى قوله: وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة، وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفاً، يرويه عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا يشاركه فيها أحد.
قلت: وهكذا كلامهم جميعاً، وفيه رد على من قدح في رواية بعض أعلام الشيعة بالتفرد، مع وضوح العذر له، بما هو معلوم للأمة؛ وهذا صحيحهم، بل أصح كتبهم عند جمهورهم، كتاب البخاري غريب متفرد به، انتهت رواياتهم جميعاً له إلى الفربري، واعتذر بعذر يقرب من المستحيل عادة، وهذا معلوم، ولكن التعصب لا حيلة فيه.
هذا، ويطلق الغريب على ما في متون الأحاديث، من الألفاظ، التي معانيها خفية على من لا ممارسة لهم في اللغة، والبحث عنها في علم العربية؛ وقد صنف في غريب الحديث مصنفات مبسوطات.
[الكلام على الحديث العزيز]
القسم الثاني: العزيز.
وفعله عَزّ يعز (بالكسر) عزاً وعزة وعزازة: صار عزيزاً، وبمعنى: قوي، وبمعنى: قل. ويعز (بالفتح) إذا اشتد، وقياسه: أن تكون عين الماضي مكسورة كشرب؛ إذ ليس عينه أو لامه حلقياً كسأل ومنع، حتى يجوز فتح العين في /331
ماضيه ومضارعه؛ وما ورد على خلاف ذلك، فشاذ، كما ذكروا في الصرف.
وهو في الاصطلاح: ما رواه اثنان لا غير، على ما تقدم، وعند بعضهم: أو ثلاثة.
والمناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي حاصلة، سواء كان بمعنى القوة؛ إذ قد تقوت رواية الواحد بالثاني، أو بمعنى القلة؛ إذ هي قليلة باعتبار ما فوقها.
[الكلام على الحديث المشهور]
والقسم الثالث: المشهور.
اسم مفعول، من الشهرة (بالضم)، وهي: الظهور، وفعله شهر، من باب منع.
وهو في الاصطلاح مما اختلف فيه كلامهم، فقيل: ما رواه فوق اثنين كما تقدم له، وقيل: ما رواه فوق الثلاثة، وقيل: هو الذي شاع عند أهل الحديث خاصة، وقيل: عندهم، وعند غيرهم، بأن رواه كثيرون.
ويرادفه المستفيض، اسم فاعل من مزيد الثلاثي، وزيادة السين والتاء فيه للمبالغة، يقال: فاض الماء يفيض فيضاً، إذا زاد حتى خرج من جوانب الإناء؛ أفاده في شمس العلوم؛ وفي القاموس: كثر حتى سال.
قال: والخبر شاع.
قلت: وقد يبلغ حد التواتر، وبعضهم يخص المستفيض بما رواه أكثر من ثلاثة.
هذا، والغرابة، والعزة، والشهرة، والاستفاضة لا تنافي الصحة، ولا الضعف، إذ ليست إلا باعتبار العدد، من غير نظر إلى العدالة والضبط.
قال السيد صارم الدين (ع): وزيادات رواة الصحيح والحسن مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق منه.
قلت: أما المنافاة، فالمراد منها الحقيقية، التي لا يمكن الجمع معها بتأويل، ولا تعميم وتخصيص، ولا إطلاق وتقييد، ولا نسخ، ونحوها من /332
وجوه الجمع الرافعة للمنافاة الظاهرة.
وعلى الجملة، إن الزيادة لها حكم الخبر المستقل، فيرد منها ما يرد منه، ويقبل ما قبل.
وأما العلة: فإن كانت العلة قادحة، فالرواية غير مقبولة.
وإن كانت غير قادحة، ككثير من العلل، التي يعلل بها أهل الحديث بموجب مصطلح لا برهان عليه، فلا تضر؛ وسيأتي البحث ـ إن شاء الله تعالى ـ فيه.
وقد قيد العلة في رسم الصحيح بكونها قادحة المؤلفُ كما سبق؛ ونقله محمد بن إبراهيم الوزير عن ابن الصلاح، وزين الدين العراقي في التنقيح؛ وقد اعترضه محمد بن إسماعيل الأمير في التوضيح، بأن التقييد للعلة بقادحة، ليس في كلام ابن الصلاح.
هذا معنى كلامه، وهو غير وارد؛ فإن ابن الصلاح صرح في تفصيل رسمه بالتقييد، حيث قال: وما فيه علة قادحة.
فلا انتقاد على الوزير؛ لكن لم يتأمل الأمير في رسم ابن الصلاح، كما نقله عنه.
نعم، والتقييد بذلك هو الواضح السبيل، على منهج الدليل؛ وبه يدخل في الصحيح ما أخرجه بعض أهل الحديث، وهو ما فيه علة غير قادحة، فليس بمانع على رأيهم؛ والعجب من الأمير، حيث قال في التوضيح ما لفظه: تقييده للعلة بالقادحة أخرج منه بعض أفراد الصحيح، وهو ما فيه علة غير قادحة، فإنه غير صحيح عند المحدثين كما عرفت.
فقوله: صحيح باتفاق المحدثين مسلم؛ لكنه غير جامع؛ لخروج بعض أفراد الصحيح عندهم، كما عرفت...إلخ كلامه.
قلت: في كلامه هذا خلل واضح، فأين الاتفاق من المحدثين مع التقييد؟ وهم يشترطون السلامة على الإطلاق، فهو غير صحيح عندهم أصلاً؛ لاشتراطهم عدم العلة مطلقاً، سواء كانت قادحة أم لا؛ فعلى أي وجه يصح التسليم، عند ذي نظر سليم.
فصواب الكلام غير مسلم؛ لأن هذا القيد أدخل في /333
الصحيح ما ليس بصحيح عندهم، وهو ما فيه علة غير قادحة، فيكون عندهم غير مانع؛ ولعله قصد أن هذا الرسم غير جامع لمسمى الصحيح على الرأيين: رأي أهل الفقه، ورأي أهل الحديث، لخروج الصحيح عنه على رأي المحدثين؛ بسبب التقييد للعلة بالقدح، وهم يعتبرون السلامة على الإطلاق، ولكن عبارته لا تؤدي هذا المعنى، ولا وجه لتسليم الاتفاق؛ وإنما المتفق على أنه صحيح ما صدق عليه رسم المحدثين، وهو ما ذكره ابن الصلاح بقوله: أما الحديث الصحيح، فهو: الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً، ولا معللاً.
قلت: فيقال: في هذا مسلّم أنه صحيح بالاتفاق، ولكنه غير جامع عند أهل الفقه؛ لخروج ما فيه علة مطلقاً، مع أن ما فيه علة غير قادحة ليس بخارج عندهم، بل هو صحيح؛ وأيضاً لخروج مرسل العدل، الذي لا يرسل إلا عن عدل، فيكون هذا الرسم غير صحيح عند أهل الفقه من الجهتين؛ فتدبر، والله ولي التوفيق.
هذا، والذي يظهر عند التحقيق، أن التقييد للعلة ليس للإخراج، بل هو للإيضاح، وأن كل علّة قادحة عند أهل الاصطلاح؛ وعلى هذا فالاختلاف راجع إلى ما يعلل به، لا إلى وصف العلة، فمن علل بشيء فهو عنده قادح، وهذا هو الوجه الصحيح الواضح؛ وما تقدم وارد على الأمير؛ لتصريحه بالتأثير، وبنائه للخلاف والوفاق، على التقييد والإطلاق.
نعم، قال صارم الدين (ع): والمختار وفاقاً للجمهور إمكان التصحيح في الأزمنة المتأخرة، لمن قويت معرفته؛ خلافاً لابن الصلاح.
قلت: وهذا من جنس مجازفات ابن الصلاح، التي ليس عليها أثارة من علم، ولا رائحة دليل، ولا يتابعه عليها من له مسكة؛ كقوله في أحاديث /334
البخاري ومسلم: إنها متلقاة بالقبول من الأمة، سوى أحرف يسيرة؛ كما سبق.
قال في التنقيح: ولا يجب الاقتصار إلا على رأي ابن الصلاح، وهو مردود.
قال صارم الدين (ع): فإن خولف الراوي في روايته مع القوة، فالراجح هو المحفوظ، والمرجوح هو الشاذ؛ ومع الضعف الراجح هو المعروف، ومقابله هو المنكر.
[الكلام على الشاذ]
قلت: الشاذ لغة: اسم فاعل، والفعل شذ يشذ (بضم الشين وكسرها) شذاً كضرب، وشذوذاً بزنة فعول (مضموم الفاء)، وهو الكثير في مصدر الثلاثي اللازم مفتوح العين؛ والشاذ هو النادر عن الجمهور على ما في القاموس؛ وفي الصحاح: المنفرد عن الجمهور.
واصطلاحاً: اختلف فيه، فنقلوا عن الشافعي ـ رضي الله عنه ـ كما في علوم ابن الصلاح، وتنقيح ابن الوزير، أنه قال: ليس الشاذ أن يروي الثقة ما لايرويه غيره؛ إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
قلت: وهذا هو معنى ما فسره به السيد صارم الدين ـ رضي الله عنه ـ إذ المراد بالقوة في كلامه: الثقة، وبالناس في المنقول عن الشافعي: الجنس لا العموم؛ وقد صح إطلاقه على الواحد مع ظهور المراد، كما في قوله ـ عز وجل ـ: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ } [البقرة:199]، وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ }...الآية، [آل عمران:173].
وعلى هذا يكون المراد مخالفة من هو أرجح منه؛ وإلا فلا وجه لنسبة الشذوذ إليه، فينطبق التفسيران، ويتفق القولان؛ وقد نقل معنى ما /335
ذكر عن الشافعي الشريف في الرسالة.
وهذا القول هو الأول، وهو الصحيح في تفسيره.
القول الثاني:
المنقول عن الحاكم، أن الشاذ هو: الذي ينفرد به ثقة، وليس له أصل يتابع ذلك الثقة، وأنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل وقف على علته، الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك؛ هذا نقله عنه ابن الصلاح، ومحمد بن إبراهيم الوزير، بنقص يسير.
ونقل الأمير عن بعضهم، أن الحاكم قال: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك، ويشير إلى هذا قوله: ويغاير المعلل، انتهى.
القول الثالث:
المنقول عن أبي يعلى الخليلي القزويني، أنه قال: الذي عليه حفاظ الحديث، أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة؛ فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به؛ نقله عنه الوزير، وابن الصلاح.
إذا عرفت هذا، فقد قيده المؤلف، والشافعي، بقيدين: الثقة، والمخالفة، ووافقهما الحاكم في القيد الأول، وهو: الثقة، وقيده بقيد آخر: لا يوقف عليه.
قال ابن حجر: وهو على هذا أدق من المعلل بكثير؛ فلا يتمكن من الحكم به إلا من مارس الفن غاية الممارسة...إلخ.
قلت: بل لا يتمكن من الحكم عليه أحد، وكيف يتمكن، والحكم متوقف على الوقوف على علته، وهو لم يوقف فيه على علة، ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك؟
وأما الانقداح في النفس، فإن كان لوجه، فقد وقف فيه على /336
علة، وإن لم يقدر على التعبير، فليس بشرط إلا للبيان، وإلزام الخصم؛ وإن لم، فهو من قبيل الوسواس، الذي لا اعتبار به في الشرع، وهو شبيه بما قيل في الاستحسان على أحد الأقوال؛ ولكنه هنالك قد وقف عليه، ولم يبق إلا التعبير، فالأمر يسير.
وأما هذا، فلم يوقف على بيان، فلم يبق إلا أن يستعاذ فيه بالله ـ تعالى ـ من الشيطان، ويطرحه ويمضي على منهج البرهان.
وأما القول الثالث: فلم يقيده بشيء، فهو أعم مطلقاً، وهو مشكل على القواعد غاية الإشكال، على جميع الأقوال.
أما على ما عند آل محمد (ع)، فمعلوم أنهم يقبلون خبر العدل الضابط، ولا يشترطون هذه الشرائط.
وأما عند أهل الحديث، فقد حكموا بالصحة على ما تفرد به الثقة الضابط، وكتبهم جميعاً كالبخاري ومسلم بذلك مشحونة؛ والصحة تنافي الشذوذ؛ إذ قد شرطوا في الصحيح عدم الشذوذ، كما سبق.
قال ابن الصلاح: أما ما حكم به الشافعي بالشذوذ، فلا إشكال أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره، فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)).
ثم ساق في مثال ذلك...إلى قوله: فكل هذه مخرجة في الصحيحين، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد، تفرد به ثقة، وفي غرائب الصحيحين أشباه لذلك غير قليلة.
ثم حكى كلام مسلم في تفرد الزهري، وقد سبق كلامه.
قال: فهذا الذي ذكرناه، وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق، الذي أتى به الخليلي، والحاكم.
قلت: أما الخليلي، فنعم.
وأما الحاكم، فلم يطلق، لكنه قيده بقيد لا يوقف عليه، فليس إلا بينه وبين /337
نفسه؛ فالانتقاد على ابن الصلاح في خلط الرد عليهما، ونسبته الإطلاق إليهما، من هذه الجهة.
وأما قول الأمير: فهذا رد على الخليلي.
وأما الحاكم: فإنه ليس في كلامه أنه يقبل أو لايقبل، بل ذكر معناه، ولم يذكر حكمه، فما أدري ما وجه إيراد ابن الصلاح لذلك عليه، وتلقي الزين، ثم المصنف، لما أورده عليه، بالقبول؛ فليتأمل؛ فعجيب!.
ونقول: قد تأملنا، فوجدنا كلامك غير مصيب، فكلام الحاكم في بيان الشاذ، وقد حكم على ما ذكره بالشذوذ، والشاذ عنده وعندهم غير مقبول؛ وإنما الخلاف في تعريفه، ومتى ثبت فالحكم فيه عند الجميع معلوم غير مجهول؛ ولم أنتقد فيما لا ثمرة فيه، نحو: قوله في أول الباب في تعريف الشاذ: هو: لغة: الانفراد؛ فعرف اسم الفاعل بالمصدر، وحمله عليه، وهو لا يصح عند ذوي النظر؛ ومع هذا فالأفهام سهام، تخطئ وتصيب.
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها؟ .... كفى المرء نبلاً أن تعد معائبه
ولم أورد ـ والحمد لله تعالى ـ شيئاً إلا ما فيه نفع في المقصود، وفائدة للمطلع لمقصد ـ بفضل الله تعالى ـ صالح، وغرض صحيح؛ ولم أبالغ رعاية لمنصب هذين العالمين، الذين جعلا أقصى مرامهما الانتقاد، حتى طرقا السبيل لمن جرى ذلك المجرى إلى هذه الغاية؛ والمعامل الله سبحانه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[بيان أن التفرد غير قادح]
ونرجع إلى تمام كلام ابن الصلاح.
قال: بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه، فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء، نظر فيه؛ فإن كان مخالفاً لما رواه من هو أحفظ منه لذلك وأضبط، كان ما تفرد /338
به شاذاً مردوداً.
وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو، ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد؛ فإن كان عدلاً ضابطاً موثوقاً بإتقانه وضبطه، قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه.
وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، فإن انفراده به خارماً له، مزحزحاً عن حيز الصحيح.
قلت: هكذا في كتابه بنصب خبر إن وهو شاذ، وقد استشهد له بورود شيء قليل، متأول في كتب النحو، وفي التنقيح نقلاً عنه: كان انفراده به...إلخ.
وعن مرتبة الصحيح، قال ابن الصلاح: وهو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوته، بحسب الحال فيه.
فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده، استحسنّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف.
وإن كان بعيداً من ذلك، رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد، الذي ليس في راويه من الثقة والضبط، ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ، من النكارة والضعف؛ والله أعلم.
قلت: وقد أطال في تفصيله، ولم يزد في الشاذ على معنى كلام الشافعي السابق، وهو المخالف.
وأما غير المخالف:
فالأول منه: صحيح غريب.
والثاني: حسن لذاته غريب.
والثالث: ضعيف.
فإن وجد ما يقويه، فهو حسن لغيره، وقد أتى بمعنى هذا الأمير في التوضيح؛ وهو صحيح. /339
قال الوزير في التنقيح: أما من تفرد عن العالم الحريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه، ولذلك العالم كتب معروفة، وقد قيد حديثه فيها؛ وتلاميذه حفاظ، حراص على ضبط حديثه وكتبه، حفظاً، وكتابة؛ فكلام المحدثين معقول ـ قلت: أي كلام الرادين بالتفرد.
قال:ـ لأن شذوذه ريبة، قد توجب زوال الظن، على حسب القرائن؛ وهو موضع اجتهاد.
وأما من شذ ـ قلت: أي الشذوذ اللغوي.
قال:ـ بحديث عمن ليس كذلك، فلا يلزم رده؛ وإن كان دون الحديث المشهور في القوة، وإلا لزم قول أبي علي الجبائي: إنه لا يقبل إلا اثنان؛ وكان يلزم أيضاً في الصحابي إذا انفرد عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقول ابن الصلاح: إن التفصيل الذي أورده هو الأولى.
قلت: فيه تسامح، فلم يصرح بها اللفظ، لكنه يفهم من قوله، كما ذكر في التوضيح.
قال الوزير: فيه سؤال، وهو: أن يقال: تريد أن مذهبك هو الأولى، فذلك صحيح، وهو مذهب حسن؛ أو تريد أن ذلك مذهب أئمة الحديث، فيحتاج إلى نقل.
إلى قوله: والظاهر أن ابن الصلاح لا يخالف في صدور ذلك ـ قلت: أي قول الخليلي، قال:ـ عن كثير؛ ولهذا قال في نوع المنكر ما لفظه: وإطلاق الحكم على التفرد بالرد والنكارة والشذوذ، موجود في كلام كثير من أهل الحديث؛ والصواب أن فيه التفصيل الذي بيناه.
قلت: المختار ما ذكره صارم الدين (ع)؛ لأنه وإن كان العالم وكتبه وتلاميذه على ما ذكره، فليس بممتنع أن ينفرد عنه، ولا موجب لرد خبر الثقة /340
الحافظ، الذي ورد الشرع بقبول خبره؛ لمجرد الأوهام والشكوك.
وكان يلزمه في خبر الصحابي؛ لأن الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حاله فوق جميع أحوال الخلق في النشر والإبلاغ، وحال الصحابة الملازمين له المتبعين لهديه أبلغ حال؛ وإن لم يكن لهم كتب في السنة، فحفظهم أعظم من كتب أولئك الرجال، فليس لما ذكره مساغ.
قال: فثبت بهذا أن قدح المحدثين في الحديث بالشذوذ والنكارة مشكل.
قلت: أي قدحهم بسبب التفرد كما تقدم، ويفيده السياق.
قال: وأكثره ضعيف، إلا ما تبين فيه سبب النكارة والشذوذ، وقد يقع منهم في موضعين:
أحدهما: القدح في الحديث نفسه.
وثانيهما: القدح في راوي الشواذ والمناكير.
[انتقاد على المحدثين]
فإذا ثبت بنقل الثقة عن الحافظ أنهم يعيبون تفرد الثقة بالحديث، وإن لم يخالف غيره، فقد زادوا على الجبائي؛ فإنه اشترط أن يكون الحديث مروياً عن اثنين، ولم يقدح في الثقة الواحد إذا روى، بل وقف في قبول حديثه، حتى يرويه معه آخر، وهذا غلو منكر؛ وقد جرحوا كثيراً من أهل العلم بذلك، وما على الحفاظ إن حفظوا، وينسى غيرهم.
قلت: الحمد لله على موافقة الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على الحق والإنصاف، وإفصاحه بما عليه أغلبهم من الحيف والاعتساف؛ وذلك أنه لم يكن حال جدال وخصام، وإلا فهو لا يزال يذب عنهم ويرد بكل ممكن في مقامات المنازعة والإلزام؛ وهكذا الحق يحمل على التصريح به بالرغم، وإن /341
أبلغ صاحب الخلاف كل ممكن في الكتم، فلا بد من النطق به يوماً ما، وفي حال دون حال، ومقام دون مقام، فقد وضح الحق في خبطهم وجزافهم، وقلة إنصافهم، وسلوكهم غير الطريقة، وقدحهم بلا حجة ولا حقيقة؛ فأي وجه مع ذلك وغيره، يبقى في الاعتماد عليهم، في جرح من جرحوه، وتعديل من عدلوه، سواء أبانوا الوجه أم أجملوه؟
ومع هذا، فإنه جُرِح من جرح منهم بهذا، وهم له معتمدون، وعليه مكبون؛ فكتبهم بذلك مشحونة، كما أقروا بذلك وعلمه المطلعون، فهم في هذا وغيره يقولون ما لايفعلون.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ولا تراهم يشنون الغارة، ويرمون بالقدح والنكارة، في أغلب الأحوال، إلا الرجال الثقات، من أولياء العترة الأثبات، المعدلين بنصوص السنة وصريح الآيات.
وقد تطرف ـ بل تصلف ـ منهم من تصلف؛ ليتخلص عن التشنيع عند نفسه، وعلى مقتضى حدسه، بتحيله في تأصيله، أن التفرد غير قادح في من هو بالغ للرتبة التي زعموها، وأوهموا أنهم علموها؛ كلمة حق يراد بها باطل، فإنهم جعلوا ذلك طريقاً إلى الفرق بين جرح من أحبوا، وتعديل من شاءوا؛ ثم نالوا بذلك جماعة الأولياء، وعصابة الأتقياء.
وهذه قطرة من مطرة من طرائقهم المفارقة للصواب، الذي لا يخفى على أولي الألباب، والله ـ تعالى ـ نعم الحكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
هذا، ثم اعترض على ابن الصلاح في قوله: إن حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) من الأفراد الصحاح، وإنه تبع في ذلك غيره، وحكى أن ابن حجر رواه عن عدد كثير من الصحابة، لكن من طرق ضعيفة؛ وقد جمع بين /342
القولين بأنه من الأفراد باعتبار الطريق الصحيحة عندهم، ومروي بطرق من غيرها.
[الكلام على الحديث المنكر]
هذا، والمنكر: اسم مفعول فعله: أنكره، أي: جحده، أو لم يعرفه؛ قال في القاموس: والمنكر ضد المعروف، انتهى.
وهو مختلف فيه في الاصطلاح؛ فذهب إلى مرادفته للشاذ ابن الصلاح.
وذهب أهل النظر منهم إلى أنه قسمان:
القسم الأول: الذي انفرد بروايته الضعيف؛ لسوء حفظه أو جهالته، ولا متابع له، ولا شاهد.
قلت: هذا في التحقيق هو أحد قسمي الشاذ، على رأي ابن الصلاح، كما سبق.
والقسم الثاني: هو ذلك، بشرط المخالفة للأرجح؛ وهو الذي ذكره صارم الدين (ع)، وقد ردوا على ابن الصلاح في قوله بالمرادفة، وحكموا عليه بالغفلة عن التحقيق للمخالفة.
قال في التوضيح: قال الحافظ ابن حجر على قول ابن الصلاح: إنه ينقسم إلى ما ينقسم إليه الشاذ ـ ما لفظه: هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين؛ وإنما اختلافهما في مراتب الرواة، فالضعيف إذا انفرد بشيء لا متابع له ولا شاهد، ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ.
قلت: وهو القسم الثاني من المنكر، كما يتضح من كلامهم؛ فردهم عليه بعدم الترادف فيه لا وجه له.
قال في التوضيح، تتميماً لكلام ابن حجر: فإن خولف في ما هذه صفته مع ذلك، كان أشد شذوذاً، وربما سماه بعضهم منكراً؛ /343
وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط، لكنه خالف من هو أرجح منه في الثقة والضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ، وهو المعتمد في تسميته.
قلت: وهذا هو المخالف للمنكر، فلا بأس في الرد فيه على ابن الصلاح.
قال متمماً لذلك الكلام: وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ في بعض دون بعض، أو الضعف في بعض مشائخه، بشيء لا متابع له، ولا شاهد عليه، فهذا أحد قسمي المنكر.
إلى قوله: فإن خولف في ذلك، فهو القسم الثاني، وهو المعتمد على رأي الأكثرين؛ فبان بهذا فصل المنكر من الشاذ، وأن كلاً منهما قسمان يجمعهما مطلق التفرد، أو مع قيد المخالف، انتهى.
قلت: أما الأول: فلم يأت بما يفصله عن القسم الأول من الشاذ؛ فقد جمعهما الانفراد والضعف، وعدم المتابعة والشاهد، وعدم المخالفة، وذلك تمام تعريفهما.
وليس المراد بالمستور هنا إلا من لم تعرف عدالته ولا جرحه، كما يتضح في سياق كلامهم الآتي، فهو من معاني الضعيف.
وقال في النخبة، وشرحها، وشرح شرحها، بعد ذكر نحو ما ذكره هنا ما لفظه: وعرف بما ذكرناه من التقرير، الدال على الفرق بين الشاذ والمنكر، أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه.
قلت: أما في القسم الأول، فهما بمعنى واحد، ولا عموم، ولا خصوص، لا مطلق، ولا من وجه. /344
وأما الثاني: فبينهما تباين؛ لاشتراط الضعف في المنكر، وعدمه في الشاذ، وهما متباينان لا يجتمعان؛ وإنما غر ابن حجر وغيره اشتراكهما في المخالفة، ولكن ذلك لا يوجب العموم والخصوص الوجهي، وإنما يوجبه الاجتماع في مادة، مع انفراد كل واحد منهما بشيء؛ لكن لا يباين الآخر ويخالفه فيه، كالحيوان والأبيض، فإنهما يجتمعان في حيوان أبيض، وينفرد الحيوان بصدقه على حيوان أسود، وينفرد الأبيض بشيء أبيض غير حيوان كالحجر الأبيض مثلاً؛ فصدقا على شيء، وانفرد كل واحد منهما بشيء؛ واستقام ذلك، لما لم يشترط في أحدهما ما ينافي الآخر.
وبهذا يتضح لك أنهم لم يقفوا على التحقيق لمعنى العموم والخصوص الوجهي؛ وقد سكت على كلامه الأمير، وتأوله المحشي بما لايجدي، والصواب ما ذكرته لك.
ونسوق تمام كلامهم، ففيه زيادة إيضاح.
قال: وهو أنه يعتبر في كل منهما شيء لا يعتبر في الآخر، حيث اعتبر في كليهما مخالفة الأرجح.
قلت: وهذه المشاركة هي التي أوقعتهم في الغلط.
قال: وفي الشاذ مقبولية الراوي، وفي المنكر ضعفه.
قلت: وهذان الشرطان موجبان للمباينة؛ إذ هما متضادان، فلا يجتمعان، فكيف يصدقان على شيء واحد؟ كما هي قضية العموم، والخصوص الوجهي.
قال: لأن بينهما اجتماعاً في اشتراط المخالفة، وافتراقاً في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، أي لسوء حفظه، أو جهالته، أو نحو ذلك، انتهى.
قلت: وبهذا يكونان كالإنسان والفرس مثلاً؛ إذ يجتمعان في الحيوانية، وينفرد الإنسان بالناطقية، والفرس بالصاهلية؛ وهذا واضح، /345
وإنما أطلت بنقل كلامهم؛ لبيان مصطلحهم في ذلك، فهذا البحث من أهم المسالك.
[المتن والسند لغة واصطلاحاً]
قال السيد صارم الدين (ع): فأما اضطراب المتن، فغير قادح، كحديث الصوم، المروي عن عبدالله بن عمر، فإنه مضطرب المتن لا السند.
قلت: سيأتي الكلام على المضطرب ـ إن شاء الله تعالى ـ.
والمتن لغة يطلق على معانٍ عينية: كما صلب وارتفع من الأرض، ومتني الظهر مكتنفي الصلب.
ومن السهم: ما بين الريش إلى وسطه، وغيرها.
ومعنوية: كالضرب، والذهاب في الأرض، والمد، والإقامة بالمكان، وضرب الخيام، وغيرها.
واصطلاحاً: المنقول بالرواية من قول أو فعل أو تقرير، فهو نفس الدليل المروي.
والسند لغة: المعتمد، والمقابل من الجبل العالي عن السفح، وضرب من البرود.
واصطلاحاً: طريق المتن، والإسناد مصدر أسنده أي: رفعه، فهو الإخبار عن طريق المتن، ويطلق عند المحدثين على السند، والأول أوجه.
قال صارم الدين (ع): ثم المقبول، إن سلم عن المعارضة، فهو المحكم، وغالبه نص جلي، وظاهر، ومفهوم.
قلت: النص لغة: الظهور، واصطلاحاً ينقسم إلى: جلي، وخفي، ولم يتعرض للخفي بعض أهل الأصول، واتفقوا على ذكر الجلي.
قال في الفصول: هو اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بضرورة الوضع، اسماً، أو فعلاً، أو حرفاً. /346
[الكلام على المنطوق والمفهوم]
قلت: محل البحث هذا علم الأصول، وأشير هنا إلى هذه الأقسام، على التحقيق بما يليق بالمقام، فأقول: مدلول القول المفهوم من الخطاب قسمان: منطوق، ومفهوم.
فالمنطوق: ما أفاده اللفظ من أحوال مذكور، والمراد بالأحوال: الأحكام؛ كذا في الغاية وشرحها، ومعناه في شرح العضد.
ولم يشمل التعريفُ المذكورَ الذي تعلقت به الحال، وهو منطوق، فيكون غير جامع.
وعرفه في الفصول، والمعيار، ومختصر المنتهى، بأنه ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فتدخل الحال، وصاحبها، لكن فيه دور.
وقد أجيب عنه بما فيه بُعْد كما في الطبري؛ فالأولى أن يزاد في الأول مع المذكور، أو يقال: هو المذكور، وحاله المستفادة من الخطاب، وسواء ذكرت الحال أم لا؛ فالشرط في حصول المنطوق ذكر ما له الحال، فإن ذكرت الحال، فصريح، كأقم الصلاة، فالوجوب حال مذكورة، وحكم للصلاة المذكورة؛ وهذا مثال الحكم التكليفي.
ومثال الحكم الوضعي، قوله عز وجل: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ } [الإسراء:78]، فإنه دال على سببية الدلوك المذكورة، التي هي من الأحكام الوضعية؛ للوجوب المذكور.
والمراد من ذكر الحال ذكر ما يدل عليها، كالأمر في (أقم) الدال على الوجوب، واللام في الدلوك، الدال على التوقيت بالدلوك، المفيد لسببيته للوجوب؛ وإن لم تذكر الحال، فغير صريح.
فالصريح هو: ما يدل عليه اللفظ مطابقة، بأن يكون تمام المعنى الموضوع له، كعشرة على الخمستين؛ أو تضمناً، بأن يكون جزء المعنى، كدلالتها على الخمسة.
وغير الصريح هو: ما يدل عليه اللفظ بالالتزام، بأن يكون لازماً للمعنى /347
الموضوع له؛ وهو ثلاثة أقسام:
القسم الأول: دلالة الاقتضاء؛ وهي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ما توقفت عليه الصحة العقلية، كقوله عز وجل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } [يوسف:82]، والذي توقفت عليه الصحة هو الأهل مثلاً؛ إذ لولا تقديره لم يصح عقلاً، فالأهل حال غير مذكورة لمذكور، وهو القرية.
النوع الثاني: ما توقف عليه الصدق، نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان))، فلولا تقدير المؤاخذة أو نحوها، لكان كاذباً؛ لوجودهما، فالمؤاخذة مثلاً حال لم تذكر لمذكور، وهو الخطأ والنسيان.
النوع الثالث: ما تتوقف عليه الصحة الشرعية نحو: اعتق عبدك عني على ألف، فهو مستلزم للتمليك؛ لأن العتق عنه لا يصح شرعاً إلا بعد ملكه، ولا يملكه إلا بالتمليك له من المالك؛ فالتمليك حال لم تذكر لمذكور وهو العبد.
القسم الثاني: دلالة الإيماء، وتسمى تنبيهاً، وهي أن يقترن الحكم الملفوظ به بوصف لو لم يكن ذلك الوصف علة لذلك الحكم كان اقترانه به بعيداً، كقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((اعتق رقبة)) المقترن بقول السائل: واقعت أهلي في نهار رمضان، فَعِلِّيَّةُ الوقاع حال لم تذكر لمذكور، وهو إيجاب العتق.
قالوا: والمدلول عليه في هذه الأقسام مقصود للمتكلم، ولا إشكال.
القسم الثالث: المسمى دلالة الإشارة اصطلاحاً.
وأما في اللغة: فالإشارة هي الإيماء، وكذا تخصيص الاقتضاء بالأنواع السابقة، وإلا فكل دليل مقتضى لمدلوله هذا، مثل الآيتين اللتين استدل بهما أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهما: قوله عز وجل: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا } [الأحقاف:65]، مع قوله عز وجل: {وَفِصَالُهُ فِي/348
عَامَيْنِ } [لقمان:14]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وليس الخطاب في الظاهر مسوقاً لذلك؛ بل هو في الأولى لبيان الوالدة، وفي الثانية لمدة أكثر الفصال، لكن لزم منه ذلك، فأقل مدة الحمل حال لم تذكر للحمل المذكور.
ومثل جواز الإصباح جنباً، فهو حال لم تذكر للصائم المذكور في قوله عز وجل: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، فإنه يلزم منه ذلك، وإن كان الخطاب في الظاهر لبيان حل المباشرة والأكل والشرب في الليل.
قالوا: والمدلول عليه في هذا غير مقصود للمتكلم، وفيه إشكال؛ إذ العليم الحكيم لا بد أن يقصد جميع ما يدل عليه خطابه صريحاً أو لزوماً، منطوقاً أو مفهوماً.
والجواب: أن مرادهم بكونه غير مقصود بالأصالة لكون الكلام غير مسوق له كما سبق، وهو مقصود بالتبعية، فلما كان كذلك نزل بمنزلة غير المقصود، هذا معنى ما ذكروه؛ وقد أشكل الفرق بين المنطوق غير الصريح، والمفهوم على كثير.
قال السعد التفتازاني في حاشيته: والفرق بينهما محل نظر، انتهى.
وأدخله بعضهم بأقسامه في المفهوم، والأول هو الصحيح، والفرق واضح؛ فإن المنطوق غير الصريح حال لأمر مذكور كما سبق، والمفهوم حال لأمر غير مذكور، كالتحريم فإنه حال للضرب المفهوم من قوله عز وجل: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ } [الإسراء:23]، وليس بمذكور، وهذا في مفهوم الموافقة.
وكعدم وجوب الزكاة، فإنه حال للمعلوفة التي لم تذكر، وإنما هي مفهومة من ذكر السائمة، وهذا في مفهوم المخالفة. /349
نعم، وينقسم المنطوق أيضاً إلى نص وغير نص.
فالنص: لغة: الرفع، والظهور.
واصطلاحاً: المعنى المستفاد من الخطاب الذي لا يحتمل غيره، ويطلق النص أيضاً على مدلول الكتاب والسنة نصاً أو ظاهراً، فهو في مقابل الإجماع والقياس، وعلى ما يقابل التخريج، فهو قول إمام المذهب.
فإن احتمل معنى غيره، فمع الاستواء، وعدم إمكان الحمل على الجميع فمجمل، ومع عدم الاستواء، فإن حمل على المرجوح لقرائن عقلية أو نقلية صيرته راجحاً، وكذا مع الاستواء أيضاً، وقامت قرينة تعين المراد من معانيه، وتقصره عليه، فمؤول، وإن حمل على الراجح، فظاهر.
[الكلام على الظاهر]
قال في الفصول ـ وأخذه في شرح الغاية ـ ما لفظه: فالظاهر لغة: الواضح، واصطلاحاً: اللفظ السابق إلى الفهم منه معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لم يحمل عليه.
وهذا التعريف لا يشمل المشترك؛ وهو مبني على أنه مجمل ما لم تقم قرينة معينة لأحد المعاني، وهو مختار ابن الإمام (ع).
والصحيح من كلام أئمتنا (ع) أنه مع إمكان حمله على الجميع غير مجمل، وهو الذي دلّ عليه كلام المؤلف في مقدمة الفصول حيث قال في سياقه: أئمتنا، والشافعي، وجمهور المعتزلة: فيجب حمله عليها جميعاً، عند تجرده عن القرائن لظهوره فيها كالعام، فلا إجمال فيه، انتهى.
فالأولى على هذا أن يقال: هو اللفظ السابق إلى الفهم منه معان غير متنافية، ولا قرينة تقصره على بعض، أو متنافية مع القرينة المعينة للمراد، أو معنى راجح مع احتماله لمعنى مرجوح لم يحمل عليه. /350
[الجلي والخفي]
هذا، ولم يتعرض صاحب الغاية لقسمة النص إلى: جلي، وخفي، والذي ذكره هو الجلي، وقسمه في الفصول إلى: جلي، وخفي.
قال في تعريف الجلي: هو اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بضرورة الوضع، اسماً، أو فعلاً، أو حرفاً: كمحمد، وعشرة، وطلقت، وكي.
قلت: الأول: من أسماء الأعلام، والثاني: من أسماء الأعداد، والثالث: من الأفعال، والرابع: من الحروف.
قال: وخفي، وهو: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره بالنظر لا بضرورة الوضع.
قال صلاح الإسلام (ع) في شرح قوله: بالنظر: خرج النص الجلي، فمن هنا يعلم أن زيادة لا بضرورة الوضع إنما هي للإيضاح.
قال في الفصول وشرحه: وقصره ـ أي النص ـ الفقيه العلامة الحسين بن مسلم التهامي، وهو من تلامذة الشيخ الحسن، وله كتاب الإكليل على التحصيل للشيخ الحسن...إلى قوله: والغزالي، والطبري على الأول، وهو الجلي.
قال: ويطلقه ـ أي النص ـ الفقهاء على ما دل على معنى كيف كان؛ أي سواء كانت دلالته جلية أو خفية، قطعية أو ظنية، محتملة أو غير محتملة.
ثم ساق في الظاهر ما تقدم.
قال: ودلالته ـ أي الظاهر ـ على معناه الراجح ظنية في العمليات، وإنما كان كذلك؛ لأن حقيقة الظن التجويز الراجح، وهكذا هذا؛ بخلاف النص، فدلالته فيها قطعية إذ يحصل فيه حقيقة العلم، وهو الاعتقاد الجازم المطابق. /350
قال صلاح الإسلام (ع): وقوله: في العمليات، إشارة إلى أن دلالته في العلميات قطعية؛ لامتناع تأخير البيان عن وقت الخطاب فيها، وقد سبق تقرير ذلك في العموم والخصوص.
قلت: هكذا كلام أكثر المؤلفين في الأصول، أن دلالة الظواهر كلها في العمليات ظنية، وإن كانت باعتبار السند قطعية للاحتمال المرجوح.
وأقول، والله ولي التوفيق، إلى منهج التحقيق: إن كلامهم في ذلك غير متين ولا واضح، فإنه يقطع على إرادة الحكيم للمعنى الراجح فيما علم وروده، ولم يصدر منه دليل قطعي سنده على إرادة المعنى المرجوح، حتى يكون العدول إليه بحجة مقاومة للمعنى الراجح، وخلاف ذلك إلغاز وتعمية، يتعالى عنها الحكيم العليم.
وأما ما يحتجون به من الاحتمال، فلا نسلم بقاءه مع هذه الحال؛ وأيضاً ذلك الظني السند، وإن كان نصاً في الدلالة، فأوجه الاحتمال فيه أكثر؛ إذ يحتمل الكذب والخطأ من الراوي، والوهم، والنسخ، والمعارضة؛ ومع هذا، فقد يكون محتملاً في الدلالة، بل لعله لا يتحصل دليل مقطوع به على مقتضى ما ذكروه، فإن الأعلام، والعشرة، وهي أوضح ما مثلوا به للنصوص الجلية، قد ورد التجوز بها في غير ما وضعت له، كما أورده الجلال والرازي، فلا يبقى نصّ ولا قاطع على هذا للاحتمال.
قال في الورقات وشرحها: والنص ما لايحتمل إلا معنى واحداً كزيد في: رأيت زيداً.
قال في شرح جمع الجوامع: فإنه مفيد للذات المشخصة من غير احتمال لغيرها.
ولقائل أن يقول: إن أريد من غير احتمال لغيرها حقيقة، فالظاهر كذلك، /352
أو مجازاً، فهو ممنوع بناء على أن المجاز يدخل الأعلام، وقد سبق بيانه، انتهى.
وعلى الجملة، إن فتح باب الاحتمال يتسع معه المجال، ولكنها كلها احتمالات لا تضر، ولا تقدح في الدليل القرآني أو النبوي، المعلوم صدوره عن الله ورسوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، ولو سلم على الفرض أن دلالته غير معلومة، فلا ريب أنه مما أنزل الله، وأنه على كل حال أصح وأرجح.
وقد بسطتُ الكلام في هذا البحث في فصل الخطاب، والله الموفق للصواب.
قال في الفصول: وهو ـ أي الظاهر ـ إما بالوضع لغة: كالأسد، أو شرعاً: كالصلاة، أو بالعرف: كالدابة.
قلت: الأول: حقيقة لغوية في الحيوان المفترس، والثاني: شرعية في العبادة المخصوصة، والثالث: عرفية عامة في ذوات الأربع.
قال: وقد يصير نصاً لعارض.
قال صلاح الإسلام: كما إذا اقترن بالحقيقة قرينة قطعية ناصة على إرادة المعنى الأصلي، فإنه يكون نصاً في ذلك الشيء بسبب القرينة، نحو: قولنا: رأيت أسداً يفترس بقرة بمخلبه.
قلت: وكما إذا خاطب الحكيم بالحقيقة، ولم ينصب على إرادة غيرها قرينة، وكذا إذا نصبت القرينة القطعية الصارفة عن الحقيقة، فإن إرادة المجاز تصير معلومة بتلك الطريقة.
قال في الفصول: ويسمى النص، والظاهر: محكماً، ومبيناً.
والمؤول، وهو: الظاهر المحمول على المعنى المرجوح لدليل قطعي، أو ظني يصيره راجحاً ـ ولذلك رد كثير من التأويلات ـ يسمى: متشابهاً.
قلت: فالمحكم مشترك بين النص، والظاهر؛ ومميز الظاهر الاحتمال، والنص عدمه.
والمتشابه مشترك بين المجمل، والمؤول؛ ويميز المجمل كون /353
دلالته غير واضحة، والمؤول بخلافه.
هذا، والمفهوم بخلاف المنطوق السابق، وذلك واضح، وتفصيل الأقسام والأحكام مشروح في كتب الأصول مستوفى الكلام، وإنما أشرت بما يحتمله المقام؛ لما في ذلك ـ إن شاء الله ـ من الفوائد الجسام.
وقد اتضح بهذا ما أشار إليه المؤلف (ع) من الأقسام، ولنعد إلى تمام الكلام.
[الكلام على المختلف والمردود]
قال (ع): وإن عورض، وأمكن الجمع، فهو مختلف الحديث، وتعرف كيفيته بأصول الفقه.
قلت: ومعظم مداره على أبواب العام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والناسخ والمنسوخ، ومسالك الترجيح، وغيرها مما لا يخفى على ذي النظر الصحيح.
قال (ع): وإن لم يمكن وعلم التاريخ، فهو الناسخ والمنسوخ، ولأئمتنا، وغيرهم، فيه مصنفات. قلت: ومن أجلّ مؤلفات أئمتنا فيه كتاب الناسخ والمنسوخ لصنو إمام الأئمة، وفخر أعلام هداة الأمة، العالم الكريم، عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم أفضل التحيات والتسليم ـ وغير ذلك مما قد سبق ذكره في هذا المجموع المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال: وإلا فالترجيح إن أمكن، وإلا فالوقف.
قلت: أي يطرح المتعارضان مع عدم إمكان الجمع بأي وجه، وعدم معرفة التاريخ، ويرجع في حكم ما وردا فيه إلى غيرهما، من شرع، أو عقل؛ كما علم في الأصول.
قال: والمردود قد يكون كذبه معلوماً عقلاً ضرورة؛ كمخالفة قضية العقل المبتوتة الضرورية، كقبح الظلم، وحسن شكر المنعم.
قلت: القضايا المبتوتة هي: المقطوعة، التي لا يمكن أن تتغير بحال، /354
وتسمى المطلقة، وهي عقلية اتفاقاً؛ وإن ورد الشرع بتقريرها، فهو مؤكد، ولا يقال لها شرعية.
ويقابلها المشروطة، وهي التي يمكن أن تتغير، ومعنى كونها مشروطة، أن العقل يحكم فيها بحكم مهما كانت على تلك الصفة، كذبح الحيوان مثلاً، فإن العقل حاكم بقبحه مهما كان عارياً عن نفع ودفع ضرر، راجحين على الألم، وعن استحقاق؛ لكونه على هذه الكيفية ظلماً، فلما ورد الشرع بجوازه علم أن له نفعاً بذلك راجحاً، فحسنه العقل.
فما غيره الشرع من هذا فهو شرعي اتفاقاً، وما لم يغيره، فإن كان مع زيادة شرط لايقضي به العقل، كتحريم ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، فكذلك؛ وإن لم يغيرها، ولا اعتبر في بقائها على الأصل ذلك الشرط، فمختلف فيه، قيل: عقلي، وقيل: شرعي.
والكلام مستوفى على الجميع في الأصول.
قال (ع): واستدلالاً.
قلت: هو عطف على قوله: ضرورة، أي يكون كذبه معلوماً عقلاً استدلالاً.
قال: كمخالفة قضية العقل المبتوتة الاستدلالية، كخبر قضى بتشبيه أو تجوير، ولم يقبل تأويلاً، وبذلك يعلم أنه من وضع الحشوية؛ وليس من ذلك بعض أحاديث الصفات، الثابتة بنقل الثقات؛ لإمكان تأويلها على الأصح.
قلت: أما ما هو كذلك، فحكمه حكم ما ورد في الآيات القرآنية، وهو منزل على مقتضى حكم العقل، أو محكم التنزيل، والمعاني القويمة العربية، الحقيقية، والمجازية؛ وجميع ذلك واضح المنهج، كما قال عز وجل: {قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [الزمر:28].
هذا فيما له معنى مفهوم، وتوجه إلينا به خطاب معلوم. /355
لأن ما علم له في العربية استعمال بحقيقة أو مجاز، وأطلقه الحكيم، فلا بد من قصد أيهما، وحمله على أحدهما؛ ولو قصد به خلاف ما يفهم منهما لكان فيه غاية التعمية والإلغاز، والعليم الحكيم جل جلاله، لا يوقع فيما هذا حاله.
[المحكم والمتشابه]
وأما مالم يكن كذلك بأن لم يسبق له استعمال معلوم، ولا يتبادر منه معنى مفهوم، كما في أوائل السور، أو لم يقصد الاطلاع فيه على التفصيل، بل الحكمة في معرفته على الوجه الإجمالي، كعدد حملة العرش، وزبانية جهنم ـ أعاذنا الله تعالى منها ـ وتفصيل أحوال الآخرة، فليس علينا فيه تكليف إلا الإيمان به على ما أورده عليه الخبير اللطيف؛ وكلا القسمين يطلق عليه اسم المتشابه؛ لوجود المناسبة في المعنيين، وقد ترجم عنهما بالمتشابه، وفسر كل واحد منهما في بابه، قرناءُ التنزيل، وتراجمة المحكم والتأويل.
قال أمير المؤمنين، وباب مدينة علم الرسول الأمين ـ صلوات الله عليهما وعلى آلهما أهل الذكر المبين ـ: واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب؛ فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تأويل ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفوا البحث عن كنهه رسوخاً.
إلى آخر كلامه صلوات الله عليه وسلامه، وهو يناسب الوقف على الجلالة في قوله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }...الآية [آل عمران:7]، ويكون المراد به القسم الثاني من المتشابه؛ وهو نحو ما في أوائل السور، وعدد الحملة والزبانية، وتفصيل أحوال الآخرة.
وقال إمام الأئمة، وهادي الأمة، الهادي إلى الحق القويم، يحيى /356
بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم ـ عليهم التحية والتسليم ـ في تفسيره: فالمحكمات، فهنّ الآيات اللواتي ظاهرهن كباطنهن، وتأويلهن كتنزيلهن، لا يحتملن معنيين، ولا يقال فيهن بقولين، مثل قوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} [الشورى]، ومثل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)} [الإخلاص]، ومثل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا(111)} [الإسراء].
ومثل: سورة الحمد، ومثل قوله: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ }...الآية كلها [البقرة:255]، وغير ذلك؛ مما كان من الآيات المحكمات، اللاتي لا تدخلهن التأويلات، ولا تختلف فيهن القالات.
والأمهات: فهن اللواتي ترد إليهن المتشابهات، وأم كل شيء: فأصله، وأصله: فمحكمه.
إلى قوله: والمتشابهات فهن: ما حجب الله عن الخلق علمه من الآيات، اللواتي لا يعلم تأويلهن غير رب السماوات، كما قال الله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7].
فأخبر أنه لا يعلم تأويله إلا الله، وأن الراسخين في العلم إليه يردونه إذ لم يعلموه، وإذ حجب عنهم تأويله فلم يفهموه، مثل: يس، وحم، والمر، وطسم، وكهيعص، وألم، وألر، والمص، وص.
وما كان من المتشابه مما يحتاج الخلق إلى فهمه، /357
فقد أطلع الله العلماء الذين أمر بسؤالهم على علمه، وهو ما كان تأويله مخالفاً لتنزيله، مثل: قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة:22،23]، ومثل قوله: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [الزمر:67]، مما يتعلق بتنزيله، وينسب فيه إلى الله شبه خلقه الجاهلون، فأبطلوا ما ذكر الله من الأمهات المحكمات، اللواتي جعلهن بالحق شاهدات، وعلى ظاهر المتشابه ناطقات. انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه.
[انقسام المتشابه، وتكهن اليهود في مدة نبوة محمد (ص)]
قلت: فتحصل من كلام أمير المؤمنين، باب مدينة علم الرسول الأمين، وكلام الهادي إلى الحق المبين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ أن المتشابه قسمان:
القسم الأول: هو ما لايطلع الخلق على حقيقة معناه، ولا علم عندهم على تفصيل ما أراد به الحكيم، ولا وقوف على كنه ما عناه، وليس إلا نحو ما ذكر ـ عز وجل ـ في أوائل السور، وهو المقصود في الآية الكريمة بقوله سبحانه: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } كما أفاده كلام الوصي، ونجله الهادي، وغيرهما من أئمة الهدى ـ صلوات الله عليهم ـ وهو الموافق لما ورد في سبب النزول.
قال الحاكم في التهذيب ما نصه: النزول عن ابن عباس: أن رهطاً من اليهود منهم: حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف أتوا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقالوا: بلغنا أنه نزل عليك (ألم)؟ فقال: ((نعم))، فقالوا: إن كان ذلك حقاً، فملك أمتك إحدى وسبعون سنة، فهل نزل عليك غيرها؟ قال: ((نعم، المص)) قالوا: هذه أكثر هي إحدى وثلاثون ومائة سنة.
قلت: بناء على أن الصاد: ستون، كما ذكره في هامش الكتاب./358
(رجع إلى كلامهم) فهل غيرها؟ قال: ((نعم، ألر))، قالوا: هذه أكثر، هي مائتان، وإحدى وثلاثون سنة، فهل غيرها؟ قال: ((نعم، ألمر))، قالوا: هي أكثر، هي مائتان وإحدى وسبعون سنة، ولقد خلطت علينا يا محمد.
فأنزل الله هذه الآية...إلخ.
وذكر غير ذلك، ولكن هذا هو الراجح لموافقة ما سبق.
قلت: وهذه وإن سبق لها وضع في العربية لمعان مفهومة، وهي مسمياتها من الحروف المعلومة، إلا أنه قد علم بالنقل، وبكونه لا طائل في الدلالة عليها، أنها غير مقصودة، وأن الحكيم قد نقلها إلى معان استأثر بعلمها، واختص بأسرارها، وليس في ذلك ما يخل بالحكمة؛ إذ ليس لها ظاهر يوقع في شبهة يصير بها سامع الخطاب في لبسة؛ وما تكلفه صاحب الكشاف، وإن كان حسناً باعتبار بعض المناسبة، فهو على طريقة التخمين والتقدير.
القسم الثاني: وهو ماله معنى مفهوم، وموضوع مقصود للحكيم معلوم؛ وإنما يختلف الحمل فيه على الظاهر والتأويل، المدلول عليه بحجة العقل ومحكم التنزيل، وهو المشار إليه بقوله عز وجل: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ } فإنه يفهم منه بمقتضى نصوص اللغة العربية قطعاً أن المحكمات أصل لغيرهن من الآيات، وليس ذلك إلا هذا القسم، سواء أطلق عليهن اسم المتشابهات أم لا، فهن على كل حال المتأولات.
والحاصل أن الآية الكريمة أفادت التقسيم إلى محكم، وهو الأم المرجوع إليه، وإلى متأول، وهو المختلف معناه، الذي يجب رده إلى أمه، سواء أطلق عليه اسم المتشابه أم لا؛ وإلى متشابه، وهو على التحقيق الذي استأثر الله تعالى بعلمه كما سبق.
وهذا التقسيم هو الذي يدل عليه الذكر الحكيم، والعقل القويم، والنقل المستقيم.
[لا معنى للنزاع في محل الوقف باعتبار المقصود من العلم بالتأويل وعدمه في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَهُ...}]
إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا معنى للنزاع في محل الوقف باعتبار المقصود من العلم بالتأويل /359
وعدمه.
أما أولاً: فلكل واحد من الوقفين وجه قويم، ومنهج مستقيم؛ فإن وقف على الجلالة، فالمقصود من المتشابه ما استأثر الله بعلمه في نحو أوائل السور، والذي أشار إليه صاحب الكشاف، وغيره، من المناسبة فيها على وجه التخمين والتقدير، لاتقاوم السابق من النقل والتفسير، وإذا ورد الأثر، بطل النظر، ولا ينبئك مثل خبير.
هذا، ونحو ما قصد معرفته إجمالاً نحو: الأعداد المذكورة، وأحوال الآخرة مما لم يتضح على التفصيل، ولا وجه فيه للتأويل، وهذا لا مانع منه، لا عند العدلية، ولا غيرهم؛ ودعوى من ادعى أنه غير ذلك مما له معنى في العربية معلوم، ويسبق إلى الأفهام منه مقصود ومفهوم، وأنه لا يراد به ذلك المقرر المرسوم ـ مجرد هذيان، ليس عليها سلطان؛ بل هي مختلة الأساس، متهدمة الأركان، مردودة بصريح العقل، وصحيح النقل، وذلك أعظم برهان.
وإن وقف على العلم، فالمراد ماله ظاهر وتأويل، يحكم به العقل ومحكم التنزيل، فيرد إليه لقيام الدليل.
وأما ثانياً: فالأوقاف سماعية، وقد يكون الوقف والمعنى غير تام، بل هو مرتبط بما بعده من الكلام، كما هو معلوم لمن له بذلك إلمام، وفي هذا كفاية، والله ولي الهداية.
قال صارم الدين (ع): ولا ما تعم به البلوى، كمس الذكر.
قلت: أي ليس مما يعلم كذبه ما ورد بنقل الآحاد فيما تعم به البلوى عملاً، كخبر مس الذكر؛ لعموم الدليل على القبول في باب العمل، كما هو مفصل في الأصول، وإنما لم يقبل أئمتنا (ع) هذا الخبر؛ لعدم صحته، ولصحة خلافه أيضاً، وقد حمل على فرض ثبوته على النسخ، كما قرر في الفقه.
قال: خلافاً لبعض الحنفية؛ فأما مخالفة قضية العقل المشروطة كذبح البهائم، فمقبول، أو سمعاً ضرورة كمخالفة أصول الشرائع، أو استدلالاً /360
كمخالف الإجماعين.
جمهور المحدثين والظاهرية: ويرد ما سقط إسناده، أو بعض منه.
ثم الساقط إن كان واحداً من أوله، فهو المعلق.
قلت: تقدم الكلام على المعلق، وليس مقصوراً على ما ذكره صارم الدين (ع)، بل هو كما ذكروه أن يسقط من أول الإسناد راو، فأكثر، ويعزى الحديث إلى من فوق الساقط، ولو سقط الإسناد كله، فالصحيح عندهم أنه تعليق.
[تعليق على صحة كتابي البخاري ومسلم]
قال: وقبل أكثرهم تعاليق الصحيحين المجزومة.
قلت: يعني كتابي البخاري، ومسلم، على مصطلحهم.
وقبولهم لها، وردهم لغيرها، من التحكمات الواضحة، والتعصبات الفاضحة، التي ليس عليها برهان، ولا أنزل الله تعالى بها من سلطان؛ وكان يلزم قبولها ممن هو في درجتهما، أو فوق رتبتهما، وهذا على فرض صحة ما زعموه لهما، من المبالغة في الاحتياط، والتشدد في الاشتراط، والواقع بخلافه كما هو معلوم، بشهادة الخصوم، ولكن يأبى الحق إلا أن يكون واضحاً ناطقاً، والباطل بالرغم على أصحابه فاضحاً زاهقاً؛ وكم من مقام ينادي عليهم لمن عقل، ولكن كما قال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الفرقان:44].
ولقد قال من جاراهم بغاية الإنصاف، ونهاية التسليم والاعتراف، على مقتضى ما ادعوه من السبق، وهو خلاف الحق: /361
يقولون: صححنا الحديث بجهدنا .... نعم صدقوا لولا التعصب فيهمُ
إذا نحن عارضنا حديثاً بمثله .... أبوا غير ما قال البخاري ومسلمُ
وأقول بموجب البرهان والتحقيق، وشهادة الخصم التي هي عليه أقوى بيان وتصديق:
يقولون: صححنا الحديث بجهدنا .... وما صحّ ذا والإفك عيب ومأثمُ
وكيف وما عابوه من صنع غيرهم .... أتوه عياناً؟ كيف يخفى ويكتمُ؟
فقد سلكوا كل الذي ينقمونه .... بحق وغير الحق والله يحكمُ
شذوذاً وإرسالاً وضعفاً وعلةً .... وجرحاً صريحاً والجهالة فيهمُ
أيفلح قومٌ من ثقات رواتهم .... معاوية عمرو ومروان منهمُ
كذا الأشعري والمغيرة والذي .... حكى فسقه نصُّ الكتاب المقدّم
وقاتل سبط المصطفى مِنْ عُدُولهم .... ومادح أشقاها ابن حطان مُكْرَم
أبى الله والإسلام والعلم والتقى .... وقربى رسول الله نقبل عنهم
فهل تهمة في الدين إن لم تكن بهم؟ .... وما الجرح إن كانوا عدولاً وهم همُ؟
قل الحق يا هذا وإن رغمت له .... أنوف لعمر الله لسنا نُسَلِّم
وقل للدعاوى الفارغات وأهلها .... هلم إلى البرهان فالحق أقومُ
وقد سبق في صدر الكتاب، ما فيه بلاغ لأولي الألباب.
[الحديث المرسل وأقسامه]
قال السيد صارم الدين (ع): وردها ـ أي تعاليق الكتابين ـ الأقلون.
أو من آخره، فهو المرسل، أو ما بينهما، فإن كان اثنين مع التوالي، فهو المعضل، وإلا فهو المنقطع. /362
قلت: سبق البحث في هذا.
قال في تنقيح الأنظار: المنقطع، والمعضل: اختلفوا في صورتيهما؛ قال زين الدين، وابن الصلاح: المشهور أن المنقطع ما سقط من رواته راوٍ واحد غير الصحابي، انتهى.
وحكى الحاكم وغيره: أنه ما سقط منه قبل الوصول إلى التابعي شخص واحد.
وإن كان أكثر من واحد في موضع واحد سمي معضلاً، وإلا يكن ـ أي الساقط ـ أكثر من واحد في موضع واحد بل كان واحداً في موضعين، قال: فمنقطع في موضعين، ويسمى المعضل أيضاً منقطعاً، فكل معضل منقطع، وليس كل منقطع معضلاً.
قال الزين: فقول الحاكم: قبل الوصول إلى التابعي، ليس بجيد، فإنه لو سقط التابعي؛ لكان منقطعاً.
وقال ابن عبد البر: المنقطع ما لم يتصل إسناده، والمرسل مخصوص بالتابعي؛ فالمنقطع أعمّ.
قال ابن الصلاح عن بعضهم: إن المنقطع مثل المرسل، وكلاهما شاملان لكل ما لم يتصل إسناده؛ وهذا المذهب أقرب المذاهب، وقد صار إليه طوائف من الفقهاء، وهو الذي حكاه الخطيب في كفايته.
قلت: وهو الذي عليه الطائفة المرضية، والعصابة الزيدية.
[بحث في تثنية خبر كلا وكلتا وإفراده]
نعم، وعبارة ابن الصلاح، وهي: وكلاهما شاملان، ثابتة في كتابه.
قال في التوضيح: وتثنية خبر كلاهما جائز، والأولى إفراده كما في قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا } [الكهف:33]، وقول الشاعر: /363
كلانا غني عن أخيه حياته .... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
قلت: ذكر أهل العربية أن (كلا ـ وكلتا) مفردان لفظاً، مثنيان معنى، وأنه يفرد العائد إليهما مراعاة للفظ، ويثنى مراعاة للمعنى، وهو قليل، وقد اجتمعا في قوله:
كلاهما حين جد السير بينهما .... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
يصف فرسين تسابقا، فنظر للمعنى في قوله: (أقلعا) ـ أي أمسكا عن الجري ـ، وللفظ في (رابي) وهو المنتفخ من الجري؛ ومثلوا أيضاً لمراعاة اللفظ بالآية.
وأما البيت الذي ذكره، وهو: كلانا غني...إلخ، فهو مما يتعين في الإفراد نحو: كلاهما محب لصاحبه؛ لأن المعنى فيه واللفظ كلاهما مفرد، فالتمثيل به لما يصح فيه الوجهان غير صحيح.
هذا، والمعضَل، بفتح الضاد المعجمة: مشتق من الإعضال، وأعضل بمعنى استغلق واشتد، فهو لازم، وبمعنى أعياه الأمر، فهو متعدّ.
قال في التوضيح: فكأن المحدث أعضله أي: أعياه، فلم ينتفع به من يرويه عنه.
قلت: والتحقيق ما ذكره في الديباج شرح رسالة الشريف المحقق حيث قال: المعضل اسم مكان؛ وأنه في اصطلاحهم منقول عنه، لا عن اسم مفعول؛ لأنه لا اسم مفعول على تقدير كونه لازماً، وعلى تقدير كونه متعدياً، وإن جاز أن يكون اسم مفعول، لكنه لا يناسب هنا؛ بخلاف ما إذا كان اسم مكان، وبهذا /364
القدر تظهر المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي، ولا صعوبة فيه، وإن عده بعضهم صعباً، فتدبر. انتهى.
قال السيد صارم الدين (ع): ومَدْرك واضحه عدم التلاقي، ومعرفته ثمرة تاريخ الوفيات، ومدرك خفيه العنعنة من المدلس.
قلت: أي إذا قال المدلس: عن فلان، فهو يحتمل الانقطاع احتمالاً راجحاً؛ لأجل اعتياده للتدليس، إلا أنه غير محقق لاحتمال الاتصال، فهو خفي؛ بخلاف ما إذا قال المدلس العدل: سمعت فلاناً أو نحوه، فلا تردد في اتصاله.
قال (ع): ورواية المتعاصرين بعضهم عن بعض من غير لقاء.
قلت: وهو من الواضح كما سبق، فعدم اللقاء يكفي، سواء تعاصرا أم لا.
قال (ع): ولذلك اشترط البخاري تحقيق اللقيا ولو مرة، واكتفى مسلم بعدم العلم بانتفائه.
أئمتنا، والحنفية، والمالكية: بل يقبل مطلقاً.
قلت: وقد أوردتُ كلام الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في حكاية الكلام، وتقرير الاستدلال على صحة الإرسال، في بحث من التحف الفاطمية (ص215).
قال ابن الإمام (ع) في الغاية وشرحها: اختلف الناس في قبول المرسل، وهو ما سقط فيه راوٍ أو أكثر:
القول الأول: القبول له مطلقاً، وهو رأي جمهور أئمتنا (ع).
قلت: الصحيح أنه رأي جميعهم، كما ذكره السيد صارم الدين، ورواه /365
عنهم الإمام المنصور بالله في الشافي.
قال ابن الإمام (ع): والمعتزلة، والحنفية، والمالكية، وأحمد ـ في أشهر الروايتين عنه ـ والآمدي، وبعض أهل الحديث.
والثاني: عدمه مطلقاً، وهو رأي جمهور أهل الحديث.
والثالث: أو من غير الصحابي فقط، يعني أنه لا يقبل المرسل من غيرهم، ويقبل منهم، وهو قول الجمهور من المحدثين؛ وذلك لأن الجهالة بالصحابي غير قادحة بناء على القول بعدالتهم على الإطلاق.
إلى قوله:
والرابع: أو مع التابعين وأئمة النقل؛ معنى هذا القول: هو عدم قبول المرسل من غير الصحابة والتابعين وأئمة النقل، وأما مرسل هؤلاء فمقبول، وهو مذهب عيسى بن أبان؛ وفي رواية عنه أنه يقبل مرسل تابعي التابعين.
الخامس، قوله: والشافعي ـ رضي الله عنه ـ يقبل المرسل إذا تأكد بما يظن معه صدقه، وذلك بأمور، منها: أنه يقبل من الرواة من لا يرسل إلا عن عدل أو عضد بقول صحابي أو فعله، أو فعل الأكثر، أو أسنده، أو أرسله غيره مختلفي الشيوخ.
قلت: والقبول هو مذهب الأئمة الأعلام، من علماء الإسلام؛ لكن الصحيح من مذهب أئمتنا (ع) ومن وافقهم، أنه يقبل مرسل العدل، الذي لا يرسل إلا عن عدل، مع اتفاق المذهب في معنى العدالة؛ وينبغي أن يحمل إطلاق المحققين على هذا.
وإنما أطلقوا باعتبار القيود الآخرة، نحو: ما ذكره السيد صارم الإسلام بعد كلامه السابق، حيث قال: إذْ هو إرسال، وسواء سقط الإسناد، أو بعض منه في أي موضع. /366
[تفصيل في الترجيح بين المسند والمرسل]
قلت: والترجيح بين المسند والمرسل، اللذين هما على الصفة المعتبرة، مختلف فيه.
والمختار عندي أنه موضع اجتهاد، وأنه يختلف باختلاف أحوال الراوي والمروي له؛ فإن الراوي قد يكون من أئمة الدين المحتاطين، المطلعين على أحوال الراوين، والمروي له على خلاف ذلك، بحيث لو سمي له الرواة لم يعرف أحوالهم، أو يعرف معرفة غير راسخة؛ فلا شك أن الإرسال في هذه الصورة ممن لا يرسل إلا عن عدل أرجح، وفيه كفاية المؤنة بتحمل العهدة عن البحث، ونظر هذا الإمام على كل حال أقوى؛ وقد يكون الحال على العكس، فلا ريب مع ذلك أن الإسناد أولى وأحرى؛ لتلك المرجحات الأولى.
وعلى هذا الترجيح فيما بينهما من الدرجات، ومع استواء الحالين، فالإسناد أصح وأوضح؛ إذ يجوز أن يكون المرسل لم يطلع على موجب لجرح في الرواة، أو أحدهم، أو نحو ذلك؛ وبالاطلاع على الرجال يرتفع هذا الاحتمال.
وكذا من صح عنه أنه لا يروي إلا عن عدل سواء أسند أو أرسل؛ لتحمله العهدة على الإطلاق، وزيادة الاستفادة من إسناده؛ لمعرفة ثقات الرجال عنده، والوقوف على الأحوال، وبيان تعدد الطرق عند اختلاف الإسناد، وللترجيح بين الرواة مع التعارض، ولصحته بالإجماع، ونحو ذلك مما لا يخفى من مرجحات الإسناد على الإرسال.
ولم يعدل أئمة الهدى ـ صلوات الله عليهم ـ عنه في بعض الأحوال إلا لمقاصد راجحة، ومقتضيات واضحة، لاتخفى على ذوي الأنظار الصالحة، منها: قطع تشكيك المتمردين على السامعين؛ لتناول المخالفين بالطعن والجرح لثقات المرضيين، وصيانة الأعلام، من ألسن الجفاة الطغام.
ومنها: محبة التخفيف مع كثرة الاشتغال بأحوال المسلمين، وجهاد المضلين، والقيام /367
بمعالم الدين، وإحياء فرائض رب العالمين.
ومنها: الإحالة بالمراسيل في مقام على ما علم لهم من الأسانيد الصحيحة في غير ذلك المقام، وغير ذلك مما لا يذهب عن أفهام المطلعين الأعلام.
فهذا الذي ترجح لدي في هذا الباب، والله الموفق للصواب.
وما أحسن كلام نجم الأعلام الحسين بن الإمام (ع)! حيث قال: فمرسلات الأئمة المعروفين بالأمانة والحفظ، كالهادي (ع)، ومن في طبقته من أئمة أهل البيت (ع) وغيرهم، مقبولة؛ وذلك لأن من ظاهر أحواله الثقة والدين والأمانة، يبعد أن يروي الأخبار الواردة في العبادات والأحكام الشرعية، عمن لا يثق به، من دون أن ينبه على ذلك ويدل عليه؛ لأن الغرض من روايتها الرجوع إليها، والعمل بموجبها.
وأما المرسلات، التي تجدها في كتب المتأخرين من أصحابنا وغيرهم، فإنا إذا فتشنا عن أسانيدها، وجدنا المجروح فيها كثيراً، إلا أن يقال بقبول خبر المجهول، ولا قائل به على الإطلاق، انتهى.
قال صارم الدين (ع): وأدلة قبول الآحاد تشمله، ولحمل رواته على السلامة.
المنصور: ولمشاركته المسند في علة القبول وهي: العدالة، والضبط.
قلت: قد سبقت الإشارة إلى الحجة على قبول المرسل.
قال الإمام الحجة، المنصور بالله عبدالله بن حمزة: والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أن الصحابة اتفقوا على العمل بالمراسيل اتفاقهم على العمل بالمسانيد.
وساق في الشافي كلاماً شافياً، وبياناً وافياً، وبرهاناً كافياً.
وقال الإمام المهدي (ع) في المعيار، بعد حكاية الخلاف: لنا إجماع الصحابة على قبوله كالمسند؛ قد أرسلوا، ولم ينكر، ومنه قول البراء: ليس كلما أحدثكم به سمعته من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا أنا لا نكذب؛ /368
وأرسل ابن عباس ((إنما الربا في النسية))، ولم ينكر، وقول النخعي: وإن سمعت من جماعة، قلت: قال ابن مسعود، انتهى.
قال في الغاية وشرحها: أطبق الصحابة والتابعون على القبول من غير نكير.
ثم ساق...إلى قوله: قلنا: ما ذكرتموه من الاحتجاج صحيح، ولكنه لا يفيد تعميماً وشمولاً لكل من وقع منه الإرسال، كما هو المدعى.
قلت: يعني لأهل الإطلاق.
قال: وذلك أن من عددتموه من الصحابة، ومن بعدهم من التابعين والأئمة، لا يرسلون إلا عمن ارتضوه في دينه وضبطه.
قلت: وهذا هو الحق، وهو أعدل الأقوال؛ وقد بسط الكلام على الرد والقبول في الأصول.
[بحث في الصدق والكذب]
قال صارم الدين (ع): وقد يرد الحديث للطعن فيه بكذب الراوي في غير ما روى بإقراره، أو بالقرائن عامداً، وهو الموضوع؛ وقد يطلق على غير العمد.
قلت: وإطلاق الكذب على غير العمد هو مختار الجمهور، في كونه مخالف الواقع مطلقاً؛ فإن كان عن عمد، فهو الافتراء، وإن لم فهو الخطأ.
وأما الإثم فليس إلا في العمد اتفاقاً، والأقوال وحججها مستوفاة في مباحثها.
والمختار تفصيلٌ حسن، وهو: أن الصدق، والكذب يوصف بهما /369
الخبر والمخبر.
فإن نظر إلى جانب الخبر، فالصحيح كلام الجمهور من أنه مخالف الواقع، سواء خالف الاعتقاد أم لا.
وإن نظر إلى جانب المخبر، فالصحيح كلام أهل المذهب والنظام من أنه مخالف الاعتقاد، ولا يطلق الكاذب إلا على المفتري، وهو المخبر بخلاف ما يعتقده؛ ويؤيده أنه اسم ذم، فلا ينبغي إطلاقه على المؤمن المخطيء، المخبر بما يعتقده صدقاً، كما أن الصادق اسم مدح، فلا يجوز إطلاقه على الكافر المخبر بخلاف ما يعتقده، وإن كان خبره المطابق للواقع حقاً.
فقول المؤمن مثلاً: (زيد في الدار) معتقداً لذلك؛ والحال أنه ليس فيها، كذب لمخالفة الواقع، وهو صادق باعتبار معتقده، والواقع عنده؛ ورسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ صادق في قوله: ((كل ذلك لم يكن)) وهو ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في جميع أخباره سيد الصادقين.
وقول المنافق مثلاً: (الإسلام حق) صدق، وهو كاذب كما هو ظاهر النص القرآني من غير تأويل، في قوله ـ عز وجل ـ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقين]، باعتبار معتقدهم.
وإن فرض أن العربية تقتضي تسمية المخبر بخلاف الواقع كاذباً، والمخبر بموافقه صادقاً مطلقاً، فلا مانع أن يقضي بخلاف ذلك الشرع، فقد منع من أسماء كثيرة ورد بها الوضع، فبهذا يتم الجمع بين الأدلة؛ وقد أشار إلى معنى هذا بعض المحققين، ولا ريب أنه التحقيق، والله سبحانه ولي التوفيق.
[أسباب الوضع]
قال (ع): وأسبابه ـ أي الكذب ـ الإلحاد في الدين، أو تقرب إلى سلطان، أو انتصار لمذهب، أو ترغيب أو ترهيب، أو رواية بما يتوهم أنه /370
المعنى، ونحو ذلك.
قلت: ولأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وباب مدينة علم الرسول الأمين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ في أحوال الروايات والرواة، كلام متين مرشد للأمة إلى سبيل النجاة، صدره: إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وخطأ ووهماً؛ وقد كُذب على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على عهده، حتى قام خطيباً.
إلى أن قال: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس: رجل منافق، مظهر للإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج، يكذب على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ متعمداً؛ فلو علم الناس أنه منافق كاذب، لم يقبلوا منه، ولم يصدقوا قوله؛ ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله، رءاه وسمع منه، ولقف عنه، فيأخذون بقوله؛ وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووصفهم بما وصفهم به لك.
ثم بقوا بعده (ع)، فتقربوا إلى أئمة الضلال، والدعاة إلى النار، بالزور والبهتان، فولوهم الأعمال، وجعلوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا؛ وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله.
إلى آخره، وهو في نهج البلاغة، ومؤلفات أولاده، أئمتنا الهداة ـ صلوات الله عليهم ـ.
وكذا لولده باقر علم الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ كلام قويم، أوله: يا فلان، ما لقينا من ظلم قريش إيانا، وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس؛ إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قبض، وقد أخبرنا أنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش، حتى أخرجت الأمر من أيدينا، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا.
....إلى قوله (ع): ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً، فتقربوا به إلى أوليائهم، وقضاة السوء /371
في كل بلدة، فحدثوهم بالأحاديث المكذوبة الموضوعة.
...إلى قوله (ع): وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة، من تعظيم بعض من قد سلف من الولاة؛ ولم يخلق الله شيئاً منها، ولا كانت، ولا وقعت، وهو يحسب أنها حق...إلخ.
قال السيد الإمام، إسحاق بن يوسف ابن الإمام المتوكل على الله (ع) في تفريج الكروب: هذا الأثر المنقول عن أبي جعفر، قد نقله أهل السير والتواريخ، وقد رواه ابن أبي الحديد في سياق الأحاديث الموضوعة.
وأقول: هذا الفصل من كلام الباقر قد اشتمل مع اختصاره على ملخص سيرة أهل البيت، وهو ـ بلا شك ـ كلامه، وهو أصح من أن يصحح؛ إذ هو وصف لما في مصادر الأيام مرقوم، وعلى ألسنة العالمين وفي قلوبهم منطوق ومفهوم؛ فلا يرتاب من له أدنى نظر في السير، أن كل فصل منه من أصح ما نقل في الأثر.
ويحسن أن ننقل هنا ما نقله المدائني، وهو كالشرح لكلام أبي جعفر.
روى أبو الحسن، علي بن محمد سيف المدائني، في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.
...إلى قوله: وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الآفاق: ألا تجيزوا لأحد من شيعة علي، وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا مَنْ قِبَلَكم من شيعة عثمان، ومحبيه وأهل ولايته، الذين يروون مناقبه وفضائله، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه، واسم عشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه.
....إلى قوله: فلبثوا بذلك حيناً، ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في /372
كل مصر، وفي كل وجه وناحية؛ فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضل أبي تراب، إلا وأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي، وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس؛ فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة، مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتى أشادوا بذكر ذلك.
...إلى قوله: فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن.
...إلى قوله: ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه.
وشفع ذلك نسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكلوا به، واهدموا داره.
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة.
...إلى قوله: فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء، والقضاة، والولاة؛ وكان أعظم الناس بلية في ذلك القرآء المراؤون، والمتصنعون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا بذلك الأموال، والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار إلى أيدي الديانين، الذين لا يستحلون الكذب؛ فنقلوها ورووها...إلى آخر كلامه. /373
[ترجمة أبي الحسن المدائني]
قلت: أبو الحسن المدائني، ترجم له السيد الإمام (ع) في الطبقات، وعده الإمام الحجة، عبدالله بن حمزة (ع)، في رجال العدل والتوحيد.
وقال في تفريج الكروب، بعد سياق هذا: وقد رأيت أن أنقل هنا ترجمة المدائني؛ ليعلم أنه من الموثوق بهم.
وأما كتاب الأحداث، فنسبته إليه تواترية، كسائر المؤلفات المشهورة بالنسبة إلى أربابها.
ونقل ترجمته من ميزان الذهبي؛ وقد رجحت أن أنقل المقصود من ذلك الكتاب.
قال في الميزان: علي بن محمد المدائني الأخباري، صاحب التصانيف، ذكره ابن عدي في الكامل، فقال: علي بن محمد بن عبدالله بن أبي سيف المدائني، مولى عبدالرحمن بن سمرة؛ ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار.
...إلى قوله: وروى عنه الزبير بن بكار، وأحمد بن زهير، والحارث بن أبي أسامة.
قال أحمد بن أبي خيثمة: كان أبي، وابن معين، ومصعب الزبيري، يجلسون على باب مصعب، فمر رجل على حمار فَارِهٍ، وبِزَّة حسنة، فسلم، وخص بمسائله يحيى.
إلى قوله: فلما ولَّى، قال يحيى: ثقة ثقة ثقة.
فسألت أبي: من هذا؟
فقال: هذا المدائني.
مات المدائني سنة أربع ـ أو خمس ـ وعشرين ومائتين، عن ثلاث وتسعين سنة، انتهى.
قال في تفريج الكروب: قال ابن عرفة، المعروف بنفطويه: وهو من أكابر أهل الحديث وأعلامهم، في تاريخه ما يؤيد هذا.
قال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية؛ تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم، انتهى. /374
قلت: وقد أظهر الله ـ سبحانه ـ الحق، وأركس الباطل، وأرغم أهله؛ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وقد خسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
[بحث في معنى المعل]
قال صارم الدين (ع): وقد يرد الحديث؛ لتهمة الراوي، وهو المتروك، أو لفحش غلطه أو غفلته، وهو المنكر، على رأي.
قلت: تقدم الكلام فيه.
قال: أو لوَهْمه مع ثقته؛ فإن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق، فهو المعل، وهو جنس يدخل تحته الشاذ، والمنكر، والمضطرب.
قلت: أما المعل، فهو اسم مفعول من الإعلال، فعله الماضي أعل.
وأما قول كثير من أهل الحديث: (معلل) كمكرم، فهو من التعليل، وماضيه علل، مضعف، ككرّم؛ ومعناه: ألهاه بالشيء وشغله، من تعليل الصبي بالطعام، فلا مناسبة فيه.
وقول بعضهم: (معلول) خلاف القياس؛ لأنه اسم مفعول الثلاثي المتعدي، الذي هو عل؛ ولم يرد إلا الرباعي أو الثلاثي اللازم.
قال في القاموس: والعلة (بالكسر) المرض، عَلَّ يعل، واعتل، وأعله الله، فهو معل، وعليل؛ ولا تقل: معلول، والمتكلمون يقولونها، ولست منه على ثلج، انتهى.
وقال في المحكم: لأن المعروف إنما هو أعله الله، فهو معل، اللهم إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه من قولهم: مجنون ومسلول: إنهما جاءا على جننته وسللته؛ ولم يستعملا في الكلام، واستغني عنهما بأفعلت، قال: وإذا /375
قالوا: جن، وسل، فإنما يقولون: جعل فيه الجنون والسل، انتهى.
قلت: هكذا كلامهم في عدم استعمال العرب لمعلول.
والصحيح أنه عربي مستعمل، فقد ورد في كلام سيد العَرب العَرباء، وإمام الفصحاء والبلغاء، أمير المؤمنين، وأخى خاتم النبيين ـ صلوات الله عليهم ـ قال: وكل قائم بغيره معلول.
وهؤلاء لم يحيطوا بالعربية، والمثبت أولى من النافي، ومن علم حجة على من لم يعلم.
وأما عله الثلاثي المتعدي، فالظاهر عدم وروده، والأمر كما ذكره أئمة العربية، أن القاعدة الأغلبية أن اسم المفعول والمغير الصيغة، إنما يكونان في المتعدي، فيكون جن ـ المغير الصيغة ـ ومجنون ومعلول، المستعملات في أفصح الكلام، مع عدم استعمال جنه، وعله، الثلاثي المتعدي المبني للفاعل، وإنما الوارد أجنه الله ـ تعالى ـ وأعله، مما خالف القاعدة، ولا يقدح ذلك في الفصاحة، كما هو مقرر؛ ولذلك نظائر، ولا بأس بالتأويل؛ لموافقة الأغلب، مع إمكانه، وإلا فلا يضر بعد صحته في الموثوق بعربيته؛ فاستعمال المتكلمين، والفقهاء والمحدثين، وأبي إسحاق الزجاج: لمعلول، صحيح مقبول؛ وردُّ ابنِ الصلاح، وزين الدين، ومن تبعهما كمحمد بن إبراهيم الوزير، ومحمد بن إسماعيل الأمير عليهم في ذلك، مردود.
وقول ابن الصلاح: إنه مرذول، غير مقبول؛ بل كلامه هو المرذول، كيف وقد صح من كلام مَنْ كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق؟
إذا عرفت ذلك، فالعلة عندهم على ما ذكره ابن الصلاح، وتبعه زين الدين، وأورد معناه في رسالة الشريف، وتنقيح الأنظار عبارة عن أسباب خفية، غامضة قادحة فيه ـ أي في الحديث ـ مع أن ظاهره السلامة.
قال ابن الصلاح: واعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم /376
الحديث وأدقها وأشرفها؛ وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة، والفهم الثاقب.
قال ابن حجر على كلام ابن الصلاح: هذا تحرير الحاكم في علوم الحديث؛ فإنه قال: وإنما يعلل الحديث من أوجه، ليس للجرح فيها مدخل؛ فإن حديث المجروح ساقط واهٍ، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات؛ إن تحدثوا بحديث له علة، فتخفى عليهم علته.
والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة؛ فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع معلولاً، ولا الحديث الذي في روايته مجهول أو مضعف معلول؛ وإنما يسمى معلولاً إذا آل أمره إلى شيء من ذلك؛ وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود، انتهى.
قلت: وقد يطلق على ما فيه علل ظاهرة، وعلى ما في روايته جرح واضح، وعلى ما ليس بقادح؛ وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
قال ابن الصلاح: ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تُنبه العارف بهذا الشأن، على إرسال في الموصول.
قلت: بناء على عدم القبول.
قال: أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه؛ وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه.
وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل، مثل: أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء ـ أيضاً ـ بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول.
قلت: الصحيح أن مثل هذا لا يقدح في الصحة، وأن الحكم للوصل؛ إذ هو زيادة ثقة، وهي مقبولة، وهكذا الحكم للرفع لذلك، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
قال: ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه.
قال الخطيب: السبيل إلى معرفة علة الحديث، أن تجمع بين طرقه، وتنظر في /377
اختلاف رواته؛ ويعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط.
وروي عن علي بن المديني، قال: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه؛ ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث، وهو الأكثر، وقد تقع في متنه.
ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً، كما في التعليل بالإرسال والوقف؛ وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة، من غير قدح في صحة المتن.
[ترجمة الطنافسي وعمرو بن دينار المكي]
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن: ما رواه الثقة، يعلى بن عبيد.
قلت: هو الطنافسي، ترجم له السيد الإمام في الطبقات، وأفاد أنه توفي سنة تسع ومائتين، وخرج له الإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور، واحتج به الجماعة؛ وذكر أن يحيى بن معين قال فيه: ثقة إلا في الثوري، وعنه مطلقاً.
وقال أحمد: صحيح الحديث، صالح.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال ابن الصلاح: عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار.
قلت: هو المكي، من ثقات محدثي الشيعة، ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وقد تقدم.
قال: عن ابن عمر، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((البيعان بالخيار...)) الحديث.
فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل؛ وهو معلل غير صحيح، والمتن على كل حال صحيح.
والعلة في قوله: عن عمرو بن دينار؛ إنما هو عن عبدالله بن دينار؛ عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان، عنه؛ فوهم يعلى بن عبيد، وعدل عن عبدالله بن دينار إلى عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة.
قلت: لامجال للحكم بالوهم على يعلى، فمن /378
الممكن أن يكون سفيان رواه له عن عبدالله، وللآخرين عن عمرو، ويكون في الواقع رواية الرجلين له، فلا وجه للإعلال بهذا؛ وقد أشار إلى ما ذكرته صاحب الديباج.
[الكلام على الجهر بالبسملة]
قال ابن الصلاح:
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.
فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأو الأكثرين إنما قالوا فيه: وكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، من غير تعرض لذكر البسملة؛ وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح.
ورأوا أن من رواه باللفظ المذكور، رواه بالمعنى الذي وقع له منهم من قوله: كانوا يستفتحون بالحمد، أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ؛ لأن معناه، أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة؛ وليس فيها تعرض لذكر التسمية.
وانضم إلى ذلك أمور، منها: أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية، فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئاً عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - والله أعلم.
انتهى كلامه.
قلت: وما أحق هذا الإعلال، وأوفقه لحقيقة الحال؛ فقد علم إثباتها في القرآن الكريم، وفي الصلاة على التعميم، وعن وصي الرسول الأمين، وأولاده الأئمة الطاهرين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وعلم إجماع أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على الجهر بها في الصلاة الجهرية؛ وقد حفلت بالروايات الصحيحة في ذلك كتب أعلام الأئمة، بل وكتب غيرهم من علماء الأمة. /379
قال بعض العلماء: وأما كونه أقوى ـ أي الجهر بها في الجهرية ـ فلقوة أدلته وصحتها؛ فإنه روى جهر النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بالبسملة في الصلاة الجهرية بضع وعشرون صحابياً، كما ذكره الزين العراقي، عن الحافظ أبي أسامة؛ ذكره ابن حجر المكي.
وقال السيد صارم الدين (ع): رواية الجهر عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رواها فوق عشرين صحابياً، ورواية الإخفاء لم يروها إلا ابن مغفل ـ وهي ضعيفة ـ وأنس ـ وهي معلة ـ رواه عنه السيد الإمام، صلاح الإسلام، في شرح الهداية.
وقال البيهقي: وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية، فقد ثبت بالتواتر؛ ومن اقتدى في دينه بمتابعة علي بن أبي طالب كان على الحق، والدليل عليه قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم أدر الحق مع علي أينما دار)).
وقال البيهقي: وأيضاً، فإن فيها تهمة أخرى، وهو أن علياً (ع) كان يبالغ في الجهر بالتسمية؛ فلما وصلت الدولة إلى بني أمية، بالغوا في المنع من الجهر؛ سعياً في إبطال سنة علي بن أبي طالب.
ثم قال: ولا شك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس وابن مغفل، وبين قول علي بن أبي طالب، الذي بقي عليه طول عمره، فإن الأخذ بقول علي أولى؛ فهذا جواب قاطع في المسألة.
ثم ساق في الاحتجاج إلى أن قال: ومن اتخذ علياً إماماً لدينه، فقد تمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
انتهى من الروض النضير.
ومثل ما نقله عن البيهقي من أول البحث، قاله الرازي بلفظه كله، في مفاتيح الغيب، وقفتُ عليه فيه.
وقال الرازي أيضاً بعد حكاية الجهر عن أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: إن هذه الحجة قوية في نفسي، راسخة في عقلي، لا تزول /380
بسبب كلمات المخالفين، انتهى.
قلت: فهذا كلام المنصفين من المخالفين، والترجيح المعلوم الذي ذكره هو على فرض صحة الرواية عن أنس في النفي، وفيها ما سبق من الإعلال؛ وهي مع ذلك معارضة بروايات عنه، وفي مجموع ما روي عنه فيها اضطراب كثير.
وأما عبدالله بن المغفل: فقد رووا عنه عدم سماعه لها، والإثبات أولى من النفي، ومن علم حجة على من لا يعلم؛ لا سيما إذا كان الحجة من يدور الحق معه، باب مدينة العلم، المبين للأمة ما اختلفوا فيه بعد أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ومما يزيدك بياناً، ويفيدك برهاناً، على أن المخالفين في قراءتها والجهر بها في الجهرية رفضوا الروايات الصحيحة، وعدلوا عن أقوال علمائهم وأئمتهم، الذين يزعمون الاقتداء بهم، وأنهم ائتموا في ذلك بمعاوية، إمام الفئة الباغية، الداعية إلى النار، ما صح في ذلك عن حفاظهم، ومحققي مذهبهم.
قال السيد الإمام، علم الأعلام، صلاح الإسلام، صلاح بن أحمد بن المهدي بن محمد بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن (ع) في شرح قول السيد الإمام، صارم الإسلام، إبراهيم بن محمد الوزير (ع) في الهداية: (وحذفها بدعة) ـ ما لفظه: ولذلك أن معاوية لما صلى بالناس العتمة، فترك البسملة، فناداه منادٍ: أسرقت الصلاة أم نسيت؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم؟
احتج به ابن دقيق العيد، وذكره الرازي في مفاتيح الغيب بلفظ: فلما قضى صلاته، ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية.
وفيه: وأعاد معاوية /381
الصلاة، وقرأ بسم الله الرحمن الرحيم.
قال ابن دقيق العيد: فهذا دليل واضح على أنه قد كان يقرأ بالبسملة، وأنه أمر ظاهر؛ ولولا ذلك ما كان لنكيرهم معنى.
وقال الرازي: وهذا الخبر يدل على إجماع الصحابة على أنها من القرآن ومن الفاتحة، وعلى أن الأولى الجهر بها.
وهذا الخبر أخرجه الشافعي بلفظ: إن معاوية قدم المدينة، وصلى بهم، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود؛ فلما سلم، ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية، سرقت من الصلاة، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ وأين التكبير عند الركوع والسجود؟ ثم إنه أعاد الصلاة، مع التسمية والتكبير.
وقال الشافعي: إن معاوية كان سلطاناً، عظيم القوة، شديد الشوكة؛ ولولا أن الجهر بالتسمية كان الأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار، لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.
وقال سعد الدين التفتازاني في التلويح: أما حديث الجهر بالتسمية، فهو عندهم من قبيل المشهور.
إلى قوله: إلا أنه ـ يعني أنساً ـ اضطربت رواياته فيه؛ بسبب أن علياً ـ رضي الله عنه ـ كان يبالغ في الجهر؛ وحاول معاوية وبنو أمية محو آثاره، فبالغوا على الترك، فخاف أنس.
وقال الرازي ـ بعد أن أطال الاستدلال ـ ما لفظه: إن الدلائل العقلية موافقة لنا، وعمل علي (ع) معنا؛ ومن اتخذ علياً إماماً لدينه، فقد تمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
انتهى ملخصاً من مفاتيح الغيب.
وفي أسفار نجوم الهدى ما ينفي كل شبهة وريب. /382
[تتمة لأسباب العلة]
قال ابن الصلاح ـ ومثله في رسالة الشريف ـ ما لفظه: ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب، القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل؛ ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح، بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح.
وسمى الترمذي النسخ علّة من علل الحديث.
قلت: وقد قيل عليه: إنه إن أراد أن النسخ علة في العمل، فصحيح؛ وإن أراد أنه علة في الصحة، فغير صحيح.
قال ابن الصلاح: ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجود الخلاف، نحو: إرسال من أرسل الحديث، الذي أسنده الثقة الضابط.
حتى قال: من أقسام الصحيح: ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم: من الصحيح: ما هو صحيح شاذ؛ والله أعلم، انتهى.
قلت: فهذا تحقيق لكلامهم، الجامع لما تفرق في مؤلفاتهم، وأكثر إعلالهم عليل، كما سبق القول فيه والحق واضح لمتبع الدليل.
هذا، وأما الشاذ والمنكر، فقد سبق الكلام عليهما.
[الحديث المضطرب]
وأما المضطرب (بكسر الراء: اسم فاعل من الاضطراب افتعال، أبدلت التاء طاء مهملة؛ لاستثقال اجتماعها مع الضاد المعجمة، كما هي القاعدة الصرفية في مثله) فهو لغة المختل المختلف، الفاسد النظام، والكثير الحركة؛ ومنه: اضطراب الموج.
واصطلاحاً: ما اختلفت الرواية فيه، فيروى مرة على وجه، وأخرى على وجه مخالف؛ وقد يكون في المتن، وقد يكون في السند، وقد يكون في رواية /383
واحد، وقد يكون في رواية جماعة، وهو موجب لضعف الحديث؛ لإشعاره بعدم الضبط.
وإنما يسمى مضطرباً إذا تساوت الرواية المختلفة.
أما إذا كان بعضها راجحاً، فالحكم له، والمرجوح مطرح.
فهذا حاصل ما تكلم فيه أهل المصطلح؛ وقد ذكروا له أمثلة كثيرة، ومن وقف على حقيقة التحصيل، فهو مستغن عن التطويل.
ومن الأمثلة الواضحة لاضطراب المتن والسند: ما أورده نجم الأئمة الهداة، الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد، حيث قال (ع) ـ بعد أن ساق السند في أخبار القلل ـ ما نصه: هذه الأخبار قد رويت؛ ولكن فيها وجوه من الكلام، منها: أن في سندها اضطراباً يدل على ضعفها.
إلى قوله (ع): فأما ضعف الإسناد، فلأن بعض الرواة قال: محمد بن عباد بن جعفر بن الزبير.
وبعضهم قال: محمد بن جعفر.
ومنهم من قال: عبدالله ـ قلت: أي بالتكبير ـ ومنهم من قال: عبيدالله بن عبدالله.
قلت: أي الأول بالتصغير، والثاني بالتكبير.
قال (ع): فدل على ضعف إسنادها، وأنه لم يضبط حق الضبط.
فإن قيل: لا يمتنع أن يكون خبر الواحد يرويه جماعة؛ فيكون هذا الخبر رواه محمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن جعفر، وعبدالله بن عبدالله ـ قلت: بتكبيرهما، قال(ع):ـ وعبيدالله بن عبدالله ـ قلت: بتصغير الأول، وتكبير الثاني. قال الإمام(ع):ـ فلا يجب أن يجعل ما ذكرتم طعناً فيه.
قيل له: نحن لم ندّع أن هذا الخبر ورد على وجه يستحيل أن يرد الخبر عليه؛ ولو كان كذلك، لقطعنا على أنه كذب وأسقطناه.
وإنما لم نقل ذلك، وقلنا: إنه يدل على /384
اضطراب سنده؛ للاحتمال الذي ذكرتموه.
ثم ساق (ع) السند الدال على اضطراب المتن...إلى قوله: عن عبدالله بن عمر، عن أبيه، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثاً لم ينجسه شيء)).
وروي عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إذا كان الماء أربعين قلة لم يحمل الخبث)).
وروي في بعض الأخبار: ((إذا كان الماء قلة أو قلتين)).
فبان بما ذكرناه تعارض هذه الأخبار؛ لأن هذا القول عند المخالف خرج مخرج التحديد.
وكيف يجب أن يحد مرة بالقلة، ومرة بالقلتين، ومرة بثلاث قلال، ومرة بأربعين قلة؟
ألا ترى أن التحديد بكل واحد من ذلك ينافي التحديد الآخر؟
...إلى قوله (ع): لأن الاضطراب في المتن كالاضطراب في السند، في باب الدلالة على ضعف الخبر.
ثم ساق (ع) التأويل والمعارضة، وترجيح الأدلة، على مذهب إمام الأئمة، الهادي إلى الحق (ع)، بأوفى كلام، وأقوى نظام.
وأما ما أورده من الأمثلة، التي بسط أكثرها صاحب التنقيح والتوضيح وغيرهما، فمن تصفحها اتضح له في أغلبها عدم المطابقة لذلك المقام؛ والله - تعالى - ولي الإنعام.
[المدرج من الحديث]
قال السيد صارم الدين (ع): وقد يرد بالمخالفة؛ فإن كانت بتغيير السياق، مثل: أن يذكر رجلاً لم يذكر في الإسناد، في موضع رجل أسقطه من أهل الإسناد؛ إما لأنه عرض ذكر ذلك الرجل المذكور، بدلاً عن الساقط في طريق الحديث، أو في حديث اشترك جماعة في روايته بالجملة، وتفرد كل منهم بأمر؛ أو يكون /385
بينهم اختلاف فيمن روى عنه، أو نحو ذلك؛ فهو مدرج الإسناد.
أو بإدراج موقوف بمرفوع، فهو مدرج المتن.
قلت: المدرج (بضم الميم، وفتح الراء) يطلق على مجموع الخبر، الذي وقعت الزيادة فيه؛ فعلى هذا هو مدرج فيه، اسم مكان لا اسم مفعول.
وقد يطلق أيضاً على الزيادة الواقعة في الخبر، وعلى ذلك فهو اسم مفعول.
وقد مثلوا له بأمثلة كثيرة، منها: ما ذكره محمد بن إبراهيم الوزير، وابن الصلاح، وغيرهما، في خبر التشهد، المروي عن ابن مسعود؛ ولفظه في التنقيح:
الأول: ما أدرج في آخر الحديث من قول بعض رواته إما الصحابي، أو من بعده.
إلى قوله: كحديث ابن مسعود، وقوله بعد التشهد: ((فإذا فعلت ذلك، فقد تمت صلاتك)).
قلت: تمامه ـ كما رووه ـ: ((إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد)).
قال: هذا موقوف على الصحيح.
قلت: يعني من قوله: فإذا فعلت...إلخ من كلام ابن مسعود ـ كما ذكروه ـ.
قال: وقد أدرجه بعضهم في الحديث.
[ترجمة زهير بن معاوية بن حُديج، وعبد الملك بن جريج]
قلت: أخرجه ـ على ما ذكروه ـ أبو داود، من رواية زهير بن معاوية.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية من الطبقات، فقال: زهير بن معاوية بن حديج (بضم المهملة الأولى مصغراً، وآخره جيم) الجعفي، أبو خيثمة.
قلت: في جامع الأصول: بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء، تحتها نقطتان.
قال السيد الإمام: الكوفي، حدث بالجزيرة.
وساق فيمن روى عنهم، ومن رووا عنه...إلى قوله: قال في الكاشف: حجة حافظ.
وقال ابن عيينة: ما بالكوفة مثله.
وقال أحمد بن زهير: ثبتٌ فيما روى عن المشائخ؛ بخٍ بخٍ.
وقال /386
النسائي: ثقة ثبت.
وقال الخطيب: حدث عنه ابن جريج، وعبد الغفار الحراني، وبين وفاتيهما بضع وستون سنة.
مولده سنة مائة، وتوفي سنة ثلاث وسبعين ومائة.
خرج له الجماعة، وأئمتنا الثلاثة السادة، انتهى باختصار.
قلت: ابن جريج المذكور، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
روى عن عطاء ومجاهد وغيرهما.
وعنه محمد بن منصور المرادي، والسفيانان، والليث، وخلق.
توفي سنة خمسين ومائة، وقد جاوز المائة.
قال أبو زرعة: هو من الأئمة.
خرج له أئمتنا الأربعة والجماعة؛ أفاده السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ وغيره.
[ترجمة الحسن بن الحر والقاسم بن مخيمرة وعلقمة بن قيس]
(رجع) عن الحسن بن الحر.
قلت: قال السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية: الحسن بن الحر ـ ضد الرق ـ بن الحكم النخعي، عن أبي أمامة، وأبي الطفيل.
إلى قوله: وفي الكاشف: ثقة، نبيل؛ توفي سنة ثلاث ومائة.
خرج له أبو داود، والنسائي، ومحمد بن منصور المرادي.
(رجع) عن القاسم بن مخيمرة.
قلت: هو الهمداني، أبو عروة، المتوفى عام مائة؛ روى عن أبي سعيد، وعلقمة.
وعنه: الحكم، وسلمة بن كهيل، والأوزاعي، وغيرهم.
خرج له الأئمة: المؤيد بالله، وأبو طالب، والمرشد بالله (ع)، ومسلم، والأربعة.
ترجم له السيد الإمام ـ رضي الله عنه ـ في الطبقة الثانية، وأفاد هذا.
ومخيمرة بضم الميم، وفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية بعدها ميم، فراء، فتاء التأنيث. /387
(رجع) عن علقمة.
قلت: هو علقمة بن قيس بن عبدالله النخعي، أبو شبل الكوفي، المتوفى عام أحد وستين، الراوي عن الوصي، وسلمان، وابن مسعود ـ رضي الله عنهم ـ.
وعنه: الشعبي، والنخعي، وابن سيرين، وغيرهم.
معدود في ثقات محدثي الشيعة؛ أخرج له أئمتنا الأربعة، والجماعة.
(رجع) عن عبدالله بن مسعود، أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - علمه التشهد في الصلاة...الخبر.
قال الحاكم: قوله: ((فإذا فعلت)) هذا مدرج في الحديث من كلام عبدالله بن مسعود.
وكذا قال البيهقي في المعرفة، والخطيب في المدرج.
قال النواوي: اتفق الحفاظ على أنها مدرجة.
[ترجمة عبد الرحمن بن ثابت]
قال ابن الصلاح: والدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية الحسن بن الحر كذلك.
قلت: عبد الرحمن بن ثابت، هذا هو الصواب، وفي بعض: ابن ثوبان، وهو: أبو عبدالله العنسي، عدلي المذهب.
توفي عام خمسة وستين ومائة.
ثم قال: مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة، وعن غيره، عن ابن مسعود، على ذلك.
قلت: وذكروا أن بعض الرواة رواه عن أبي خيثمة، وفصله، وبين أنه من كلام ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
قال في التنقيح: فاحتجت به الحنفية على أن السلام لا يجب.
قلت: وقد تعقبه صاحب التوضيح بأن الطحاوي استدل لهم بحديث ابن عمر: ((إذا رفع المصلي رأسه وقضى تشهده، ثم أحدث، فقد تمت صلاته)). /388
قلت: وقد ذكر في الروض أن حديث ابن عمر ضعيف باتفاق الحفاظ؛ والكلام على ذلك مبسوط في محله.
نعم، فهذا الإدراج في آخر الخبر، وقد يكون في أوله، وفي وسطه؛ والثلاثة هي أنواع القسم الأول، وهو الإدراج في المتن، وقد أشار إليه المؤلف، وبقية أقسامه في السند.
والقسم الثاني: أن يجمع الراوي حديثاً بإسناد واحد؛ وفي الواقع أن طرفاً منه بإسناد وطرفاً بإسناد آخر.
القسم الثالث: أن يدرج بعض حديث في حديث مغاير له في السند.
القسم الرابع: أن يروى عن جماعة، وبينهم اختلاف في السند أو المتن، فيجمع المختلف فيه في إسناد واحد؛ وقد أشار إليه المؤلف (ع).
وزاد بعضهم على الأربعة الأقسام.
وقد ذكروا أمثلة الجميع، وكل ذلك واضح؛ ولا يجوز تعمد الإدراج مع الإيهام.
والطريق إلى معرفة ذلك، أوجه:
منها: استحالة إضافة ذلك إلى المروي عنه، إما الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أو غيره.
ومنها: التصريح بالإدراج من صاحبه، أو ممن اطلع عليه من أهل الخبرة والعدالة، أو نحو ذلك.
وعلى الجملة، لا بد من طريق صحيحة فيه، وإلا فالأصل عدمه.
[الكلام على الحديث المقلوب]
قال صارم الدين (ع): أو بتقديم، أو بتأخير، فهو المقلوب.
قلت: هو اسم مفعول من القلب، وفعله: قلب يقلب قلباً، من باب /389
ضرب.
قال في القاموس: حوله عن وجهه، والشيء حوله ظهراً لبطن.
وهو في الاصطلاح على ثلاثة أقسام: في السند، والمتن، وفي كليهما.
فالذي في السند على وجهين: الوجه الأول: بالتقديم والتأخير؛ وهو الذي ذكره المؤلف، نحو: أن يكون عن زيد بن علي، فيقول الراوي: عن علي بن زيد.
الوجه الثاني: أن يكون الخبر مشهوراً عن راوٍ، مثلاً: عن الوصي (ع)، فيقلبه عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
والذي في المتن على وجهين أيضاً: الوجه الأول: بالتقديم والتأخير في بعض كلمات المتن، كما في خبر السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه؛ ففي رواية مسلم، من حديث أبي هريرة: ((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها، حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله))، وإنما هو: ((حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه))، كما رواه البخاري، ومسلم، وكما هي العادة في تولي الإنفاق وغيره باليمين.
الوجه الثاني: أن يجعل المتن كله على إسناد آخر، ويجعل إسناده على متن ذلك الإسناد الآخر؛ وهذا الوجه يصلح مثالاً للقسم الثالث، وهو ما كان القلب في المتن والإسناد كليهما، باعتبار وقوع القلب فيهما.
ولم يذكر المؤلف ـ رضي الله عنه ـ إلا التقديم والتأخير، وقد ذكر في تنقيح الأنظار، وفي كتاب ابن الصلاح وغيرهما، للمقلوب رسوماً.
منها: قول ابن الصلاح: إنه نحو: حديث مشهور عن سالم، جعل عن نافع؛ ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه.
ومثله كلام الوزير في التنقيح.
فقولهم: مشهور ليس بشرط؛ بل العمدة صحة أن الراوي جعله عن نافع، وأنه ليس عنه.
وقولهم: ليصير بذلك...إلخ، لا معنى لإدخاله في الرسم؛ وإنما هو يصلح أن يكون الحامل للراوي، وقد يكون غيره، /390
وقد يكون قلبه على وجه الخطأ، فلا يكون له قصد إلى هذه العلة ولا غيرها.
ولم يستوفوا أقسامه، فالذي تحصل هنا في رسمه وتقسيمه هو التحقيق، وبالله التوفيق.
[الكلام على الحديث المصحَّف والمحرَّف]
قال صارم الدين (ع): أو بزيادة راوٍ، فهو المزيد في متصل الإسناد، أو بتغيير حرف مع بقاء السياق، فهو المصحف والمحرف.
قلت: قد عدهما بعضهم نوعاً واحداً، كما قال المؤلف، وفرق بعضهم بينهما كما يأتي، فالمصحف والمحرف اسما مفعول من التصحيف، وهو الخطأ في الصحيفة والتحريف، وهو التغيير.
فإن وقع تغيير حرف أو أكثر مع بقاء صورة الخط، فلا يخلو إما أن يكون في النقط، فهو المصحف؛ أو في الشكل، فالمحرف.
ويكونان في اللفظ، ويكونان في المعنى، ويقعان بالبصر وبالسمع؛ وفي الإسناد، وفي المتن.
وقد مثلوا لما وقع في الإسناد، في حديث شعبة، عن العوام بن مراجم (بالراء المهملة والجيم) صحفه يحيى بن معين بالزاي المعجمة، والحاء المهملة.
ولما وقع في المتن بخبر: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)) صحفه بعضهم شيئاً من شوال (بالشين المعجمة، والمثناة التحتية).
ومثال تصحيف المعنى ما روي أن أبا موسى العنزي، قال يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلينا.
توهم أن المراد بالوارد في الخبر قبيلتهم؛ وإنما هو الحربة تنصب بين يديه.
وأمثلة هذا الباب كثيرة، والأمر /391
فيه واضح؛ وهو من أهم ما يتوجه الحزم فيه، والاحتراز عنه، فقد وقع فيه الكثير من الرواة لأسباب مختلفة، منها: عدم التدبر والانتباه في مواضع الاشتباه.
ومنها: الأخذ من الصحف من غير سماع على أرباب الاطلاع.
ومنها: قلة الفكرة، وكثرة الغفلة، وبعد الفهم؛ ومداره على عدم التحقيق، والله ولي التوفيق.
قال السيد صارم الدين (ع): فأما الرد بمجرد مخالفة الراوي في المذهب، فمردود، وهو في القدماء، ومقلدي المتأخرين، كثير؛ سيما فيما يخالف مذاهب أئمتهم.
قلت: اعلم ـ وفقنا الله وإياك للصواب، وثبتنا على منهج الحق والإنصاف ومحجة السنة والكتاب ـ أنه قد عظم الخطب في هذا الباب، بلا ارتياب، وصار معظم المدار في الجرح والتعديل، على المخالفة والموافقة في المذاهب والأقاويل، من غير اعتبار للدليل، مع التصريح من المرتكبين لذلك بأنه لا يقبل ما كان من هذا القبيل؛ والمعتمد أن كل مخالفة لا توجب القدح في الدين والتضليل، فالجرح بها غير مقبول، بل قد يكون من موجبات التعديل، كما لا يخفى على أولي التحصيل.
[الرواية بالمعنى]
قال صارم الدين (ع): وذكر الخبر كاملاً أولى؛ وحذف بعضهم لغير استهانة جائز، وفاقاً لمن أجاز الرواية بالمعنى؛ وقيل: ممتنع، إلا أن يرويه مرة أخرى بتمامه.
فإن تطرق إليه التهمة في اضطراب نقله، أو تعلق المحذوف بالمذكور تعلقاً يغير معناه، امتنع الحذف، كالاستثناء والغاية.
أئمتنا، والجمهور: تجوز الرواية بالمعنى، لمن يعرف مدلول الألفاظ /392
ومقاصدها، وما يخل بمعانيها، خلافاً لبعض السلف والمحدثين والظاهرية.
وقيل: يجوز لمن نسي اللفظ.
قلت: الحجة على جواز الرواية بالمعنى لما لم يكن متعبداً بلفظه، إجماع الصدر الأول ومن بعدهم قبل المخالف؛ ولأن المعنى هو المقصود فيما لم يدل الدليل على التعبد بلفظه.
ومما يدل عليه أيضاً: ما في الكتاب العزيز، من حكاية أقوال الأنبياء (ع) والأمم المختلفي اللغات بالعربية؛ وما فيه أيضاً من التعبير عن القضايا المتحدة بأساليب متنوعة، وعبارات متعددة.
هذا، والمسألة وتفصيل الأقوال فيها ومتمسكات أصحابها، مبسوطة في أصول الفقه.
وما كان كذلك، فإني أختصر فيه القول إحالة على ما هنالك؛ إلا أن يكون في الإشارة إليه هنا زيادة إفادة، من تقرير حجة، أو دفع شبهة، أو تحقيق بحث، والله ولي الإعانة.
[الكلام على مجهول العدالة والضبط]
قال (ع): ومتى خفي المعنى، احتيج إلى بيانه، ويسمى شرح الغريب، وبيان المشكل.
ومن أحسن موضوعاته: الفائق، والنهاية.
وقد يرد بجهالة الراوي، وهو إما مجهول العدالة، ورده أئمتنا.
قلت: المجهول اسم مفعول من الجهالة، خلاف المعرفة؛ وهي تتعلق باعتبار الراوي من جهات تتضح بمعرفة الأقسام.
فهو إما مجهول الاسم والنسب، وهو مقبول على الصحيح؛ لأن المعتبر العدالة والضبط، ومعرفتهما ممكنة، بدون معرفة الاسم والنسب.
وإما مجهول الضبط، وهو غير مقبول، كمجهول العدالة على الصحيح. /393
والحجة في ردهما واحدة.
وإما مجهول العدالة، وهو من لم تعرف عدالته، ولا عدمها، ويقال له: مجهول الوصف، عند المحدثين؛ والصحيح أنه غير مقبول؛ لأن الفسق وما ألحق به مما يخل بالعدالة مانع بالإجماع؛ فلا بد من تحقق عدمه شرعاً، كالكفر، وذلك لا يكون إلا بمعرفة الحال؛ ولأن قوله ـ عز وجل ـ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء:36]، وقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [يونس:36]، دال على المنع من قبول الآحاد.
وخصص خبر المعروف بالعدالة بالإجماع، وبقي ما عداه على حكم العموم.
وقد استدل على عدم القبول بأن الأصل الفسق، كما قال عضد الدين: واعلم أن هذا مبني على أن الأصل الفسق، أو العدالة؛ والظاهر أنه الفسق؛ لأن العدالة طارئة، ولأنه أكثر.
قال سعد الدين: فهو أغلب على الظن وأرجح، وهو معنى الأصل؛ لكن في كون العدالة طارئة نظر، بل الأصل أن الصبي إذا بلغ، بلغ عدلاً، حتى تصدر منه معصية.
قلت: التحقيق أنه قبل البلوغ غير متصف بالعدالة ولا بضدها؛ وإذا بلغ اتصف بأحدهما، بعد تمكنه واختياره لما شاء منهما، فلا أصل هنا لواحد منهما؛ بل العدالة وعدمها خلاف الأصل، ولا يحكم له بشيء منهما، إلا بعد الخبرة والمعرفة بحصول أحدهما.
هذا، وأما كون الفسق ونحوه أكثر وأغلب، فلم يجب عنه السعد، وهو صحيح معلوم.
نعم، وما أوردوه من قبول الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - لخبر الأعرابي برؤية الهلال، فلا حجة فيه؛ لجواز معرفته لعدالته، ولأن الإسلام /394
يجب ما قبله، ولم يحدث بعده ما ينقض العدالة.
قال أبو الحسين في المعتمد ما لفظه: ولا شبهة أن في بعض الأزمان كزمن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد كانت العدالة منوطة بالإسلام، وكان الظاهر من المسلم كونه عدلاً.
إلى قوله: فأما الأزمان التي كثرت فيها الخيانات ممن يعتقد الإسلام، فليس الظاهر من الإسلام كونه عدلاً؛ فلا بد من اختباره...إلخ.
والاستدلال بقوله: ((نحن نحكم بالظاهر)) غير صحيح؛ إذ لا ظاهر مع عدم الخبرة، بل الصدق والكذب من المجهول مستويان في الاحتمال.
هذا، وقد قُدح في الخبر؛ قال المزي، والذهبي: لا أصل له.
وكذا الاستدلال بقبول الخبر بكون اللحم مذكى، وبِرِقِّ الجارية ونحوهما، استدلال في غير محل النزاع؛ إذ الخبر في تلك الأشياء مقبول مع الفسق، وهذا يشترط فيه عدمه، على أن الرواية أعلى مرتبة من هذه الأمور الجزئية؛ لأنها تثبت شرعاً عاماً، فلا يلزم من القبول فيها القبول فيما نحن فيه، كما ذكروه.
وكذا قولهم: الفسق شرط وجوب التثبت، فإذا انتفى انتفى، غير مسلم؛ غايته أنه انتفى العلم به، ولا يلزم من عدم العلم بالشيء عدمه؛ والمطلوب العلم بانتفائه، ولا يحصل إلا بالخبرة به، أو بتزكية خبير به.
أفاد معناه في المعيار، والقسطاس، وشرح الفصول.
هذا، والقول بعدم قبول مجهول العدالة هو مختار أئمتنا (ع) والجمهور، كما حكاه المؤلف (ع).
[الخلاف في عدالة الصحابة]
قال: إلا مجهول الصحابة.
قلت: والقول هذا مبني على عدالتهم؛ إما على الإطلاق، أو إلا من ظهر فسقه، وكلا القولين باطل، لا سيما القول الأول؛ فبينه وبين الحق والتحقيق لمن حكم بمقتضى البراهين المعلومة من الكتاب والسنة المجمع عليها عند كل فريق /395
مراحل؛ وقد قدمت في ذلك ما يكفي ويشفي.
قال المؤلف (ع) في الفصول ما لفظه: أئمتنا، والمعتزلة: وهم عدول، إلا من ظهر فسقه، كمن قاتل الوصي (ع) ولم يتب.
قلت: في الحكاية عن أئمتنا (ع) نظر؛ ولقد أحسن ابن الإمام (ع) حيث قال في تعداد الأقوال:
ورابعها: ما اختاره بعض أئمتنا (ع) والمعتزلة، وهو قوله: وقيل: هم عدول، إلا من ظهر فسقه ولم يتب، كمن قاتل علياً (ع).
وقد ظهر أن المؤلف ومن تبعه اعتمدوا في كثير من الحكايات للأقوال في مباحث علوم الحديث، على كلام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير؛ وهو كثير المجازفة، في هذه الأبحاث؛ لما هو عليه من المعارضة، كما سبق وسيأتي؛ وذلك معلوم لا يخفى على المطلع المنصف، ولا اعتبار بالجاهل ولا المتعسف، والله ولي التوفيق.
قال في الفصول، ما لفظه: جمهور الفقهاء والمحدثين: عدول ـ أي الصحابة ـ مطلقاً، وما شجر بينهم، فمبناه على الاجتهاد.
قلت: وهذا القول واضح البطلان؛ لمخالفته صرائح البرهان.
وقد أشار السيد الإمام صلاح الإسلام (ع) في شرحه، إلى الحجج المعلومة على رده، من الكتاب والسنة، بعد سياقه لما أوردوه من الاستدلال بنحو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143]، وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110]، وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ }...الآية [الفتح:29]، ((وأصحابي /396
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم))، وهو من الأحاديث الموضوعة، المجروح رواتها بالكذب؛ وقد أوضح محمد بن إبراهيم في التنقيح، والإمام القاسم بن محمد، وولده الحسين (ع)، في بطلانه ما يكفي.
وبما رووه في الثلاثة القرون، وهو ما رواه عمران بن الحصين، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)).
قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة؟.إلخ. أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
وفي رواية النسائي عنه: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) فلا أدري أذكر مرتين بعده، أو ثلاثاً؟.إلخ.
وعن ابن مسعود: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم...إلخ)) أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي؛ ذكر الجميع ابن الأثير في جامع الأصول.
وقد عورض بحديث: ((أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خير أم آخره))، أخرجه الترمذي من حديث أنس، وصححه ابن حبان من حديث عمار، وله شواهد، وابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلاً، بلفظ: ((أمتي مباركة لا يدرى أولها خير أو آخرها)).
وبحديث أبي ثعلبة الخشني لما سئل عن قوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } [المائدة:105]، قال: أما والله، لقد سألت عنها رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقال: ((ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مُؤثَرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع العوام؛ فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل /397
فيهن مثل أجر خمسين رجلاً، يعملون مثل عملكم))، أخرجه الترمذي، وأبو داود، وزاد: قيل: يارسول الله، أجر خمسين رجلاً منا، أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين منكم)).
وأخرج البخاري في خلق الأفعال من حديث أبي جمعة، ما لفظه: كنا مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومعنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، فقلنا: يارسول الله، هل أحد أعظم أجراً منا، آمنا بك، واتبعناك؟
قال: ((وما يمنعكم من ذلك، ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء؛ بل قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، فيقضون به، ويعملون بما فيه؛ أولئك أعظم منكم أجراً)).
وبحديث عمر يرفعه: ((أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال، يؤمنون بي ولم يروني))، أخرجه الطيالسي.
قال الأمير: وهو وإن كان ضعيفاً، فإنه يشهد له ما أخرجه أحمد، والدارمي، والطبراني من حديث أبي جمعة، قال: قال أبو عبيدة: يارسول الله، أحد خير منا، أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟ قال: ((قوم يكونون من بعدي، يؤمنون بي ولم يروني)) إسناده حسن، وقد صححه الحاكم.
وقد أوردت الاحتجاج في هذا والمعارضة من روايات القوم؛ لكون أصل الكلام معهم في هذا الباب، وإلا ففي مرويات العترة (ع) ما فيه تبصرة وذكرى لأولي الألباب؛ وقد تقدمت الإشارات إلى شيء من ذلك كما لا يخفى على ذوي العرفان بمواضع الخطاب.
هذا، وقد جمع بأن الخيرية مختلفة بالاعتبار.
فالأولون باعتبار شرف قرب العهد من أنوار النبوة، ومشاهدة أعلامها، ونحو ذلك.
والآخرون باعتبار الإيمان بالغيب، بعد انقضاء زمن الوحي، وظهور المعجزات؛ ولهذا كان أخيار /398
الصدر الأول أخيار الأخيار، وأشرارهم أشرار الأشرار؛ ونحو ذلك من أوجه الاعتبار.
وعلى كل حال فجميع ذلك لا يفيد تعديل أفراد الرجال؛ وإنما المراد به الخصوص لما ورد في صريح الكتاب ومتواتر السنة، من النصوص الدالة على جرح طوائف منهم غير محصورة، كالناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ حتى إن في بعضها أنه لا يخلص منهم إلا كهمل النعم، كما في أخبار الحوض المتواترة؛ وعلى جرح أفراد منهم بأعيانهم، كرؤوس تلك الطوائف الخاسرة، وهذه الأدلة المعلومة أصرح مما يتمسكون به.
(عدنا إلى تمام كلام السيد الإمام صلاح الإسلام).
قال: وهذه وإن كان ظاهرها التعميم؛ فإن الخبر المشهور المتواتر بنص أهل الحديث، وهو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعمار: ((تقتلك الفئة الباغية))، وكذلك قوله لعلي: ((تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين))، ونحو ذلك مما يفيد العلم عند من له بحث في السير والآثار، مما يدل على بغي من حارب أمير المؤمنين وفسقه، يقتضي تخصيص محاربه ـ كرم الله وجهه ـ فإن البغي مناف للعدالة قطعاً.
ألا ترى كيف أمر ـ تعالى ـ بقتال الفئة الباغية، وقتلها؛ لخروجها عن أمره، حتى تفيء عن بغيها وغيها؟
وكل خارج عن أمره قد جعل حده القتل، فهو فاسق قطعاً؛ كيف وهو لا يُعلم مخالف في ذلك؟! بل لو خالف مخالف في ذلك، لم يعبأ بخلافه؛ فإن ذلك مكابرة وبَهْت.
...إلى قوله: والحق في هذه المسألة ـ وهو الإنصاف، والبعد عن جانب التعصب والاعتساف ـ، أنهم كغيرهم؛ لما قدمناه، مما إذا أعدته تحققت ما قلناه، ولقوله تعالى: {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ } [التوبة:101]، وقوله تعالى: /399
{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } [آل عمران:152]، مع قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا } [هود:15]، ولما ورد في الذين يردون الحوض، فيحلؤون عنه، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، وغير ذلك...إلى آخر كلامه.
[اعتراف محمد بن إبراهيم الوزير بضعف أصول أهل الحديث]
قلت: وقد اعترف السيد الحافظ، محمد بن إبراهيم الوزير، لما كان في مقام الإنصاف، بفساد أصول أصحاب الحديث، حيث قال في التنقيح: وأما المحاربون لأمير المؤمنين (ع) فإنهم لا يخالفون في قبح فعلهم، ولا في أنهم بغاة؛ ولكنهم يخالفون الشيعة في ثلاثة أصول:
أحدها: في أنهم متأولون غير مصرحين.
والثاني: في أن مسألة الإمامة ظنية.
والثالث: في أن المخالف في القطعيات غير آثم إذا اجتهد؛ ولم تكن القطعيات معلومة بالضرورة من الدين.
فهذه أصول الخلاف بينهم وبين الشيعة؛ وأضعف أصولهم الثلاثة، هذا الأصل الأول؛ لاعترافهم بتواتر حديث عمار، وأمثال ذلك.
قال في التوضيح: وهو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إنها تقتله الفئة الباغية))، خرجه أهل الصحاح، والسنن، والمسانيد، والتواريخ، وجميع أهل البيت (ع)، وأهل الحديث، والشيعة، وحكم علماء الحديث بتواتره، /400
منهم: الذهبي في النبلاء في ترجمة عمار؛ وهو مذهب أئمة الفقهاء، ومذهب أهل الحديث، كما نقله عنهم العلامة القرطبي، في آخر كتاب التذكرة، في التعريف بأحوال الآخرة.
...إلى قوله: وفي تخريج الزركشي على أحاديث الرافعي، ذكر ألفاظ هؤلاء المخرجين للحديث.
وقيل: عن أبي دحية أنه قال: كيف يكون فيه اختلاف، وقد رأينا معاوية نفسه لم يقدر على إنكاره، قال: إنما قتله من أخرجه؟ ولو كان حديثاً فيه شك لرده وأنكره؛ وقد أجاب علي ـ رضي الله عنه ـ عن قول معاوية، بأن قال: فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قتل حمزة حين أخرجه.
وهذا من علي إلزام لا جواب عنه، انتهى.
قال الزركشي: وقد صنف الحافظ ابن عبد البر جزءاً سماه الاستظهار في طريق حديث عمار، وقال: هذا الحديث من إخبار النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - بالغيب، وأعلام نبوته.
..إلى قوله: وهذا الحديث احتج به الرافعي، لإطلاق العلماء بأن معاوية ومن كان معه كانوا باغين؛ ولا خلاف أن عماراً كان مع علي ـ رضي الله عنه ـ وقتله أصحاب معاوية.
وقال إمام الحرمين في الإرشاد: وعلي ـ كرم الله وجهه ـ كان إماماً حقاً في ولايته، ومقاتلوه كانوا بغاة.
وقال الأستاذ عبد القاهر البغدادي: أجمع فقهاء الحجاز والعراق ممن تكلم في الحديث والرأي، منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والأوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلمين، أن علياً (ع) مصيب في قتاله لأهل صفين، كما أصاب في قتاله أهل الجمل؛ وأن الذين قاتلوه بغاة.
..إلى قوله: وأجمعوا على ذلك.
ونقل العبادي في طبقاته، قال محمد بن إسحاق: كل من نازع علي بن /401
أبي طالب، فهو باغ؛ على هذا عهدت مشائخنا، وهو قول ابن إدريس ـ يعني الشافعي ـ.
انتهى بلفظه من تخريج الزركشي.
قلت: فقد رأيتَ كلام الحافظ محمد بن إبراهيم في هذا المقام، في الاعتراف بضعف أصولهم، واختلال أساس مذاهبهم؛ ولا سيما هذا الأصل الكبير، الذي عليه مدار القبول، في أخبار سنة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو ينافي ما ملأ به مؤلفاته في غير مقام، من الذب عنهم، والنصرة لهم، والمنابذة لمن أنكر عليهم من نجوم العترة، وسادات الأسرة.
وانظر إلى كلامه، لما كان في مقام التجميل عليهم، والرد عنهم، حيث قال ما لفظه: ومن مهمات هذا الباب: القول بعدالة الصحابة كلهم في الظاهر، إلا من قام الدليل على أنه فاسق تصريح؛ ولا بد من هذا الاستثناء على جميع المذاهب.
وأهل الحديث، وإن أطلقوا القول بعدالة الصحابة كلهم، فإنهم يستثنون من هذه صفته؛ وإنما لم يذكروه لندوره.
ثم ساق في الاستشهاد على ما ادعاه لهم، وكل ذلك تكلف من عنده؛ لئلا تلحقهم شناعة هذا المذهب الفاسد.
وما ذكره خلاف صرائح أقوالهم وأعمالهم، فإنهم لا يستثنون أحداً.
[نماذج من تمحلاته انتصاراً لهم ـ والرد عليه]
ولم يزل في عناء من هذا، تارة يقول: إنهم لديهم متأولون.
والجواب عليه: أن هذا خلاف الكتاب، والسنة المتواترة؛ وقد أقر هو بفساد ذلك، وصرح بالرد عليهم فيما هنالك.
ومرة بأنهم يستثنونهم ويصرحون بفسقهم، ويلفق له أقاويل صدرت على جهة الندرة من أفراد منهم، في بعض من هؤلاء الفسقة المتمردين.
وليس ذلك إلا من مناقضاتهم، وإخراج الله الحق على ألسنتهم؛ وكتب الجمهور الأغلب منهم: أهل الصحاح ـ الملتزمون لصحة ما رووه ـ وغيرهم، مشحونة برواياتهم، والتصريح بقبولهم وعدالتهم.
وأخرى يعتذر بأنهم إنما رووا عنهم /402
أحاديث يسيرة.
إلى غير ذلك من الأعذار، والتمحلات الباطلة.
واسمع إلى ما قاله في التنقيح، في شأن مروان الباغي بالنص النبوي الصريح، وهو من رجال البخاري في كتابه الصحيح، وقد تكلم على رواية، ما لفظه: فهي مردودة بمروان بن الحكم، فهو مجروح عند أهل البيت، وعند غيرهم؛ بل لا يعلم في ذلك خلاف؛ وإنما روى عنه المحدثون أحاديث يسيرة، لما رواها معه غيره من الثقات، كما بينت ذلك في العواصم، انتهى.
فيقال له: أما قولك: بل لا يعلم في ذلك خلاف، فيقال: بل خالف في ذلك أصحابك، الذين شمرت في تنزيههم بما لا يرتضونه، واعتمادهم له في صحاحهم، التي التزموا ألا يرووا فيها إلا الصحيح بروايات العدول، أكبر شاهد على ذلك.
وهذا التصريح من ابن حجر بتنزيه هذا الفاسق.
قال في الهدي الساري: مروان بن الحكم.
..إلى قوله: يقال: له رؤية؛ فإن ثبتت، فلا يعرج على من تكلم فيه.
..إلى قوله: فأما قتل طلحة، فكان متأولاً فيه، كما قرره الإسماعيلي وغيره.
..إلى قوله: وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه، والباقون، سوى مسلم، انتهى.
وأما قولك: أحاديث يسيرة؛ فليست بيسيرة، ولو سلم، فلا يجوز الاعتماد على أمثاله في يسيرة ولا كثيرة؛ فكل ذلك محرم وخيانة للسنة الشريفة.
وأما قولك: لما رواها معه غيره؛ فهو على فرض صحته غير مخلص، بعد تنصيص صاحب الكتاب، على أنه لم يدخل فيه إلا الصحيح، والتصريح بتعديل جميع رواته، حتى صاروا يعتمدون على رجاله، وإذا رووا عنهم يقولون: برجال الصحيح.
فلو سلم له عدم الاعتماد على ذلك، فقد وقع في التغرير والتلبيس على المسلمين؛ ويلزم ألا يوثق بتعديل أحد من رجاله، الذين يروي /403
حديثهم من غير طرقهم، وهو خلاف إجماعهم؛ بل لو لم يذكر الرواية عن غيرهم، فلا وثوق؛ لاحتمال أن عنده طريقاً لحديثهم، غير ما ذكره؛ ولا قائل بهذا منهم.
وهذا كله إنما هو مجاراة له على تكلفه وتعسفه للأعذار الفاسدة، التي هي عندهم غير مقبولة ولا مرضية؛ فإنهم مصرحون بالاعتماد على هذا المارد، وعلى أضرابه، وعلى التولي لهم، والترضي عنهم، بلا حِشمة، ولا تقية؛ وإن ندر من بعضهم فلتة في غير مقام الرواية، على سبيل المناقضة، مع إصرارهم على خلاف ذلك كما سبق، فليس بنافع، ولا موجب لتنزيه الجميع.
ولقد أحسن ابن حجر وغيره، في عدم التفاته إلى هذه التمعذرات الضئيلة، والتعللات العليلة، وتصريحه بما عندهم في شأنه؛ فرب عذر أقبح من الذنب، وقد كان أحق من صاحبنا بالانتصار لهم والذب؛ ولكن يأبى الله إلا أن يخرج على ألسنتهم ما كانوا كاتمين.
على أن هذه الفلتات التي صدرت من البعض في شأن مروان، إنما أوردوها في التشنيع عليه بقتل صاحبه طلحة بن عبيدالله، الخارج بغياً ونكثاً على أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وقتاله للمشؤوم الباغي، المُلْحد في الحرم، التارك للصلاة على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إرغاماً لآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ أربعين جمعة، عبدالله بن الزبير ـ حسبه الله ـ وقتله للباغي، المتولي لرأس القاسطين، النعمان بن بشير الأنصاري.
قال الذهبي في الميزان في ترجمة طلحة: إنه الذي قتله، رماه بسهم على جهة الغدر؛ وهو من جملة أصحابه.
وقال: قتل طلحة ونجا، فليته ما نجا.
وقال ابن حزم: وهو أول من شق عصا المسلمين، بلا شبهة ولا تأويل، وقتل النعمان بن بشير؛ وذكر أنه خرج على ابن الزبير، بعد أن بايعه على الطاعة...إلى آخر كلامهم.
ولم يعرجوا على ما صدر منه على سيد الوصيين، وصنو الرسول /404
الأمين، الذي وردت فيه النصوص من رب العالمين، على لسان سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ ولكن كفانا شهادة أصدق الصادقين؛ فإن ترضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين.
ومن اعتذاراته لهم قوله في العواصم ما لفظه: فإن قلت: فما الوجه في روايته عنهم؟ فالجواب:
...إلى قوله: إن الرواية لا تدل على التعديل، كما ذكره الإمام يحيى، وابن الصلاح.
ثم ذكر قول النووي في شرح مسلم: إنه قد روى مسلم في الصحيح عن جماعة من الضعفاء وغيرهم.
قلت: سبحان الله! وهذا بمكان من التخبطات الواضحة، والمغالطات الفاضحة.
فيقال: صحيح أن الرواية لا تدل على التعديل؛ ولكن ذلك في حق من لم يصرح بأنه لا يروي إلا عن عدل، ولم يلتزم أنه لا يدخل في كتابه إلا المختار من الصحيح.
فأما من صرح بذلك، فمعلوم أن روايته تصحيح، وأي تصحيح.
ولقد رام لهم بهذا الاعتذار، فعاد عليهم وعليه بالفساد والإهدار؛ فنقض ما أصّلوا، وحلّ ما أبرموا، وصير ما ملأوا به الأوراق، ووسعوا فيه النطاق، من الدعاوي الطويلة العريضة، بتصحيح ما اشتملت عليه كتب الصحاح، وتجاسروا عليه من دعوى الإجماع، على غير مبالاة بما وقعوا فيه من الافتضاح، عند أرباب الإطلاع، قولاً مهجوراً، وهباء منثوراً.
فإذا كانت رواياتهم في الصحاح لا تقتضي التعديل، فأي مزية بقيت لها؟ وأي معنى لما سبق له ولهم من التكثير والتطويل، والقال والقيل؟
وهكذا يتخبط في مساقط الأنظار، وميادين العثار، كل من يروم تقويم الباطل، وتعديل المائل.
وإلا فمثل هذا السيد الحافظ لا يخفى عليه ركاكة هذه التمحلات، وسخافة تلك التلونات؛ ولكن حبك للشيء يعمي ويصم.
ومع هذا فحاله أجمل، /405
وسبيله أعدل؛ إذ لم يحمله على سلوك هذا العوج، إلا علمه بعدم استقامة ما هم عليه من اضطراب المنهج؛ ولكن العجب من طائفة من المقلدين، يدعون المشي على منارهم، والاقتفاء لآثارهم، بقلوب غلف، وآذان صم، قد غطى الباطل على بصائرهم، وغشى التقليد على أبصارهم.
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً .... ولكن لا حياة لمن تنادي
إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون؛ والحمد لله رب العالمين.
[بقية الأقوال في مجهول العدالة]
هذا، والذي قدمته في تعريف المجهول وأقسامه، هو قول أهل الأصول؛ وللقوم مصطلح آخر، يخالف ذلك في بعض أحكامه، فأورده هنا على سياق ما ذكره السيد الحافظ محمد بن إبراهيم؛ فقد استوفى ذلك، واعترف ببطلان ما ابتدعوه في بعض تلك المسالك.
قال في التنقيح: قال المحدثون: في قبول رواية المجهول خلاف؛ وهو على ثلاثة أقسام: مجهول العين، ومجهول الحال ظاهراً وباطناً، ومجهول الحال باطناً.
الأول: مجهول العين، وهو: من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد؛ وفيه أقوال، الصحيح ـ الذي عليه أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم ـ أنه لا يقبل.
والثاني: أنه يقبل مطلقاً.
والثالث: إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل، قُبِل، وإلا، لم يقبل. /406
والرابع: إن كان مشهوراً في غيرالعلم بالزهد أو النجدة، قُبِل، وإلا فلا؛ وهو قول ابن عبد البر.
والخامس: إنْ زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه، قُبِل، وإلا فلا؛ وهو اختيار أبي الحسن بن القطان، في بيان الوهم والإيهام، كتاب له.
قال: والسادس: إن كان صحابياً، قُبِل؛ وهو مذهب الفقهاء، وبعض المحدثين، وشيوخ الاعتزال.
رواه عن المعتزلة ابن الحاجب في المنتهى، واختاره الشيخ أبو الحسين في المعتمد، والحاكم في شرح العيون.
وسوف يأتي بيان هذه المسألة على التفصيل عند ذكر الصحابة.
قال: وقد عرفت أن حكاية المحدثين لهذا الخلاف تدل على أن مذهب جمهورهم أن من روى عنه عدل، وعدّله آخر غير الراوي، فهو عندهم مجهول، بل هو عندهم مجهول العين؛ لأنهم في علوم الحديث حكوا قبول من هذه صفته، اختياراً لأبي الحسن القطان فقط، وهذا قول ضعيف.
ثم ساق في وجه تضعيفه؛ لكن كلامه في التنقيح مختل التركيب، وإن كان المقصود منه واضحاً.
وقد اعترضه الشارح، ونقل كلام المؤلف الوزير في المختصر، وهو ما لفظه: فإن سمي المجهول، وانفرد واحد عنه، فمجهول العين؛ والحق عند الأصوليين أنه إذا وثقه ثقة، الراوي أو غيره، قُبِل، خلافاً للمحدثين؛ والقول الصحيح قول الأصوليين، انتهى.
(رجعنا إلى تمام كلامه في التنقيح).
قال: لا معنى لتسميته مجهولاً؛ لأنهم لم يشترطوا العلم بعينه، وبعدالته، ويوجبوا أن يبلغ المخبرون بها عدد التواتر؛ ولو اشترطوا ذلك، لم تساعدهم الأدلة عليه؛ فإن أخبار الآحاد ظنية، واشتراط /407
مقدمات علمية في أمور ظنية غير مفيد؛ بل الذي تقتضيه الأدلة أنه لو وثقه واحد، ولم يرو عنه أحد، أو روى عنه واحد ووثقه هو بنفسه، لخرج عن حدّ الجهالة؛ فقد نصّ أهل الحديث أن التعديل يثبت بخبر الواحد.
هذا مع ما يعرض في التعديل من المصانعة والمحاباة، فكيف بالإخبار بالوجود؟!.
...إلى قوله: فإذا قبل واحد في توثيق الراوي وإسلامه، فهو بالقبول في وجوده أولى وأحرى.
وقد أشار ابن الصلاح إلى ما ذكرته، في أن ارتفاع الجهالة في التوثيق بالواحد تقتضي أن ترتفع جهالة العين بالواحد؛ ولم يردوا عليه ذلك بحجة، وإنما ردوا عليه بكون ذلك عرف المحدثين، وقد نص جماعة من كبار المحدثين على هذا العرف.
قلت: أي عرفهم المردود المضعف، في مجهول العين.
قال: منهم: الخطيب، ومحمد بن يحيى الذهلي؛ وحكاه الحاكم عن البخاري ومسلم.
قلت: وقد صح بإقرار أهل الحديث كون البخاري ومسلم خرَّجا عمن لم يرو عنه إلا واحد.
قال ابن الصلاح ـ بعد ذكره لجماعة منهم ـ ما لفظه: في أشياء كثيرة في كتابيهما على هذا النحو؛ وذلك دال على مصيرهما إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً، مردوداً برواية واحد عنه.
قلت: بل هو قادح على مصطلح أهل الحديث في صحيحيهما بكل حال؛ لتصحيحهم القول الأول، وهو عدم القبول، كما سبق.
ومع ثبوت رواية الحاكم عنهما يكون أيضاً قدحاً عليهما؛ إذْ خالفا مذهبهما، وصححا ما ليس بصحيح عندهما؛ فلا محيص لهم عن هذا الإيراد، كما لا مخرج لهم عن غيره من الفساد، والله /408
ولي السداد.
قال السيد محمد بن إبراهيم: وذكر الذهبي ما يقتضي ذلك، فقال: زينب بنت كعب بن عجرة، مجهولة، لم يرو عنها غير واحد؛ فعلى هذا لا يكون قولهم في الراوي: (إنه مجهول) جرحاً صحيحاً عند مخالفيهم.
...إلى قوله: وقال الخطيب: المجهول عند أصحاب الحديث كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد.
وقال الخطيب: أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عنه اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم؛ إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه.
قال محمد بن إبراهيم: فزاد الخطيب في التعريف لعرفهم أمرين، لا دليل عليهما:
أحدهما: اشتهار المجهول بطلب العلم، ومعرفة العلماء لذلك منه.
قلت: كذا (اشتهار المجهول) في نسختين، وسكت عليه الشارح، وهو سهو؛ والصواب عدمه، وهو واضح.
قال: والثاني: أن يكون الراويان عنه من المشهورين بالعلم، في أقل ما ترتفع به الجهالة؛ فهذا يزيدك بصيرة في عدم قبول حكمهم بجهالة الراوي.
قال الأمير: لأنهم تعنتوا في حقيقته، وأتوا بشرائط غير صحيحة؛ لعدم الدليل عليها.
قلت: وهم على هذا في أكثر قواعدهم القاعدة، ومصطلحاتهم الفاسدة، مائلون عن الدليل، عادلون عن السبيل، راكبون للعوج، ناكبون عن واضح المنهج؛ وما العجب إلا من متابعة مثل هذين العالمين لهم: الوزير والأمير، في كثير مما لا علم فيه ولا هدى ولا كتاب منير.
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا /409
وقد أنصفا في هذا الكلام؛ فلو سلكا هذا المسلك في الإنصاف والاعتراف بالحق في كل مقام.
ونعود إلى التمام، والله ولي الهداية والإنعام.
قال محمد بن إبراهيم: لأن العلم ـ على الصحيح ـ ليس من شروط الراوي؛ ولو كان شرطاً فيه لم يقبل كثير من الصحابة والأعراب، فلم تكن الصحبة بمجردها تفيد العلم.
وقد ثبت أن ذلك لا يشترط في الشهادة، وهي آكد من الرواية؛ فإذا لم تشترط في الراوي، فأولى ألا تشترط فيمن روى عنه.
[ذكر مجهول الحال في الظاهر والباطن]
القسم الثاني: مجهول الحال في الظاهر والباطن، مع كونه معروف العين؛ وفيه أقوال:
الأول: أنه لا يقبل؛ حكاه ابن الصلاح، وزين الدين عن الجماهير.
والثاني: يقبل مطلقاً، وإن لم يقبل مجهول العين.
والثالث: إن كان الراويان عنه لا يرويان إلا عن عدل، قُبِل، وإلا فلا.
قال الأمير في التوضيح: هكذا سرد هذه الأقوال ابن الصلاح، ونقلها عنه زين الدين؛ ولم يذكرا دليلاً عنهم، كما فعله المصنف.
قال الوزير في التنقيح: القسم الثالث: مجهول العدالة الباطنة، وهو عدل في الظاهر؛ فهذا يحتج به بعض من رد القسمين الأولين.
..إلى قوله: قال ابن الصلاح: يشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة عن غير واحد من الرواة، الذين تقادم العهد بهم، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم.
قلت: وهذا يدل على أن مقصدهم بمعرفة العدالة الباطنة هي الخبرة، وأقوال المزكين؛ لأن الباطنة يتعذر عليها الاطلاع إلا بنص أو إجماع، ويستوي حينئذ قديم العهد وحديثه.
وفي كلام ابن الصلاح هذا، الاعتراف بقبولهم مجهول العدالة، الذي لم تثبت له خبرة ولا تزكية؛ فسبحان الله! ما /410
أعجب شأن هؤلاء القوم! لا ينفكون عن التخبط والتخليط، ولا يبرحون بين إفراط وتفريط؛ تارة يتشددون فيقولون بما لا دليل عليه، وأخرى يخرجون عما اقتضاه الدليل؛ فنعوذ بالله من الخذلان، والله المستعان.
وقد نصّ بعضهم على أن المراد من العدالة الباطنة ما ذكرناه.
قال الزين: كلام الرافعي في الصوم، أن العدالة الباطنة هي: التي يرجع فيها إلى أقوال المزكين، نقله عنه في التنقيح.
قال فيه: وأطلق الشافعي كلامه في اختلاف الحديث أنه لا يقبل المجهول، وحكاه البيهقي عنه في المُدْخِل.
ونقل الروياني عن نص الشافعي في الأم: أنه لو حضر العقد رجلان مسلمان، ولا يعرف حالهما في الفسق والعدالة، انعقد النكاح بهما في الظاهر؛ لأن ظاهر المسلمين العدالة؛ ذكره في البحر.
نقل ذلك زين الدين.
[ذكر المستور]
ولما ذكر ابن الصلاح هذا القسم الأخير، قال: وهو المستور.
..إلى قوله: قال الزين: وهذ الذي نقل كلامه آخراً هو البغوي، وتبعه عليه الرافعي؛ وحكى الرافعي في الصوم وجهين في قبول رواية المستور من غير ترجيح.
وقال النووي في شرح المهذب: إن الأصح قبول روايته.
قال الوزير في التنقيح: ظاهر المذهب ـ أي مذهب الزيدية ـ قبول هذا، المسمى عندهم بالمستور.
قلت: بل الصريح المحقق للمذهب رده، كما سبق نقله الصحيح من مؤلفاتهم، وتحقيق الدليل عليه.
قال: بل قد نص على قبوله، وسماه بهذه التسمية الشيخ أحمد في الجوهرة؛ ولم أعلم أن أحداً من الشارحين اعترضه.
قلت: هذا على فرض الصحة ليس بحجة؛ وإنما هو مذهب صاحب الجوهرة، ومن قرره، ولا يفيد إضافة ذلك إلى مذهب أئمة العترة، ولا إلى غير القائل به /411
من طائفة الزيدية، مع أن صاحب الجوهرة لم يرد به المجهول، وقد سبق للمؤلف نقل كلامه، وتفسيره بغير هذا التفسير؛ وقد وقع بينهم اختلاف في معناه واضطراب كثير.
[تخريج حديث الأعرابيين في الإهلال، وترجمة ربعي بن حراش]
قال: والأدلة تناوله، سواء رجعنا إلى العقل، وهو الحكم بالراجح؛ لأن صدقه راجح.
قلت: وهذا غير صحيح؛ فإنه مع عدم معرفة الحال بخبرة أو تزكية، لا وجه للترجيح.
قال: أو إلى السمع، وهو قبول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لمن هو كذلك، كالأعرابيين، بالشهادة بالفطر في رمضان.
قلت: قال المؤلف: رواه ابن كثير في إرشاده عن أبي عمير، عن أنس، عن عمومته من الأنصار، أن الناس اختلفوا في آخر يوم من رمضان؛ فقدم أعرابيان، فشهدا لأهلاَّ الهلال أمس عشية، فأمر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الناس أن يفطروا، وأن يغدوا إلى مصلاهم.
قلت: وأخرج خبر الأعرابيين، الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد.
وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن أبي عمير، عن أنس: حدثني عمومتي من الأنصار، قالوا: أغمي علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركب آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أنهم رأوا الهلال بالأمس؛ فأمر رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أن يفطروا، ويخرجوا إلى عيدهم، من الغد.
وأخرجه البيهقي عن أبي عوانة، عن أبي بشر بتمام سنده، ومتنه.
وقال: رواه بمعناه شعبة، وهشيم بن بشير؛ وذكر لهما سنداً آخر.
أفاده /412
في الروض.
قال المؤلف: ورواه بنحوه أحمد، وابن ماجه، ورواه أحمد أيضاً، وأبو داود بهذا اللفظ المتقدم، وهو لفظ أبي داود من طريق أخرى، عن ربعي بن حراش، عن رجل من أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: ربعي (بكسر الراء، وسكون الموحدة، فمهملة مكسورة) وحِراش (بمهملتين أولاهما مكسورة، فألف، فشين معجمة).
ترجم لربعي السيد الإمام في الطبقة الثانية، فقال: أبو مريم الكوفي، مخضرِم؛ عن علي (ع).
قال في الكاشف: قانت لله لم يكذب قط، وقال العجلي: من خيار الناس لم يكذب قط.
توفي سنة أربع ومائة.
خرج له الجماعة، وأبو الغنائم النرسي، انتهى.
قال: والأعرابي بالشهادة بالصوم في أوله.
قلت: قال المؤلف في بحث آخر من التنقيح: ومن ذلك ما روي عن ابن عباس، قال: جاء أعرابي إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقال: إني رأيت الهلال ـ يعني رمضان ـ.
فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟)).
قال: نعم.
قال: ((يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غداً))، رواه أهل السنن الأربع، وابن حبان صاحب الصحيح، والحاكم أبو عبدالله، وقال: هو حديث صحيح، واحتج به أبو الحسين المعتزلي في المعتمد، وذكره الحاكم أبو سعيد في شرح العيون، واحتج به الفقيه عبدالله بن زيد العنسي الزيدي في كتاب الدرر. /413
قلت: وقد ذكره الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد، وأجاب على ما في ظاهره من الاكتفاء بشهادة واحد على الرؤية؛ وكذا غيره من أئمتنا (ع)، وله مقام آخر، ولا دلالة في جميع ذلك على قبول المجهول؛ وقد سبق الكلام عليه والجواب عنه قريباً بما يكفي.
ومن استدلالاته التي لا يزال يكررها في التنقيح، والروض الباسم، والعواصم، قوله فيها ما لفظه: وذلك أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أرسل علياً، ومعاذاً إلى اليمن قاضيين، ومفتيين، ومعلمين، ولا شك أن القضاء مرتب على الشهادة، والشهادة مبنية على العدالة، وهما لا يعرفان أهل اليمن، ولا يخبران عدالتهم؛ وهم ـ بغير شك ـ لا يجدون شهوداً على ما يجري بينهم من الخصومات إلا منهم، فلولا أن الظاهر العدالة في أهل الإسلام في ذلك الزمان، لما كان إلى حكمهما بين أهل اليمن سبيل.
وقال قبل ذلك: وهو أثر صحيح ثابت في جميع دواوين الإسلام؛ بل متواتر النقل، معلوم بالضرورة، وهو عندي حجة قوية، صالحة للاعتماد عليها.
قلت: وهذا لا حجة فيه عند التحقيق، بل هو مختل بأول نظر لأرباب التوفيق، فلا يصح عليه الاعتماد؛ إذْ لا أصل له في المطلوب ولا عماد، وقد كنت علقت عليه قبل التأليف، ما لفظه: هذا غير لازم؛ لأنه ممكن أن يتعرفا أحوال أهل العدالة وغيرهم بالخبرة، في مدة قريبة، وأن تتواتر لهما الأخبار بعدالة كثير منهم وبضدها؛ ثم من أين له أن جميع أهل اليمن مجهولون عندهما؟ وقد وفد منهم إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وافدون، وهاجر إلى المدينة المشرفة منهم كثيرون، فهذا الاستدلال في غاية الاختلال.
وأعجب من هذا أنه استدل بذلك في التنقيح على قبول المجهول من وجه /414
آخر، قال فيه ما لفظه: ومما يدل على ذلك إرساله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رسله كمعاذ، وأبي موسى إلى اليمن، وهما عند أهل اليمن مستوران، وإن كانا عند من يخصهما في أرضهما مخبورين، انتهى.
فأقول، وبالله أحول: إن هذا من الاختلال، بمحل لا يحوج إلى الاستدلال.
أما أولاً: فمن صح أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أرسله للقضاء بالأحكام، وتعليم معالم الإسلام، كيف يقول ذو معرفة بل ذو فكرة: إنه لديهم مستور بمعنى مجهول كما هو في كلامه أنه غير مخبور؟ وأي طريق إلى العرفان، عند جميع ذوي الإيمان، أقوى وأرفع، وأولى وأنفع، من إرسال سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ من أرسله لهذا الشأن؟ وأي بيان فوق هذا البيان؟
وأما ثانياً: فإنه إن كان الاحتجاج بإرساله أمير المؤمنين، ومعاذاً، ونحوهما من أعيان الصحابة الراشدين ـ رضي الله عنهم ـ فهم بمحل من العرفان، لا يخفى على جميع أهل الإيمان؛ بل وغيرهم من أهل سائر الأديان.
وأما أبو موسى الأشعري ومن كان على شكله، فمن صح إرساله منهم، فهو على وجهين:
أحدهما: أنه ليس للقضاء، ولا الفتيا، ولا التعليم؛ وإنما هو من باب استعمال الفاسق ونحوه على معين مخصوص، لا يتمكن من الخيانة فيه على وجه الاستعانة؛ لضرب من الصلاح في الجهاد، وقد استعمل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عمرو بن العاص، وأبا سفيان بن حرب، وأشباههما، على مثل ذلك.
وثانيهما: أن يكون ذلك في حال الاستقامة والستر قبل ظهور العصيان، ووضوح الطغيان، ولا يمنع ذلك كون الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد أوحي إليه بما يكون منهم في مستقبل الزمان؛ إذ المعاملة باعتبار الحالة التي يكون صاحبها عليها، لا بما سيكون منه، /415
ولا بما كان، كما هو معلوم؛ ولكن هذا الاحتمال لا يصح في مثل أبي موسى؛ لما ثبت من أصالة فساده ونفاقه، وتقادم عهد عناده وشقاقه؛ فيحمل على الوجه الأول.
[كلام على أبي موسى الأشعري ـ وترجمته]
قال في شرح النهج: ونحن نذكر نسب أبي موسى، وشيئاً من سيرته وحاله، نقلاً من كتاب الاستيعاب لابن عبد البر المحدث، ونتبع ذلك بما نقلناه من غير الكتاب المذكور.
قال ابن عبد البر: هو عبدالله بن قيس بن سليم ـ وأتم نسبه إلى قحطان ـ.
قال: واختلف هل هو من مهاجرة الحبشة أم لا؟ والصحيح أنه ليس منهم، ولكنه أسلم، ثم رجع إلى بلاد قومه؛ فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين جعفر بن أبي طالب، وأصحابه من أرض الحبشة.
...إلى قوله: فنزل أبو موسى الكوفة وسكنها؛ فلما كره أهل الكوفة سعيد بن العاص، ودفعوه عنها، ولوا أبا موسى، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه، فأقره على الكوفة؛ فلما قتل عثمان عزله علي (ع) عنها، فلم يزل واجداً لذلك على علي (ع) حتى جاء منه ما قال حذيفة فيه؛ فقد روى حذيفة فيه كلاماً كرهت ذكره.
قال الشارح: الكلام الذي أشار إليه أبو عمر بن عبد البر، ولم يذكره، قوله فيه ـ وقد ذكر عنده بالدين ـ: أما أنتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد أنه عدو لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع /416
الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.
وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمرهم، وأعلمه أسماءهم.
قلت: حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ توفي قبل حدوث قتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، كما سبق.
قال: وروي أن عماراً سُئِل عن أبي موسى، فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولاً عظيماً، سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود؛ ثم كلح كلوحاً علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط.
قلت: وفي تفريج الكروب: قال حذيفة ـ وقد دخل عبدالله، وأبو موسى المسجد ـ: أحدهما منافق.
ثم قال: إن أشبه الناس هدياً، ودلاً، وسمتاً، برسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عبدالله.
رواه الذهبي في النبلاء، عن الأعمش، عن شقيق، انتهى.
[ترجمة الأعمش وسويد بن غَفَلَة]
قلت: الأعمش من خيار الشيعة، وشقيق هو أبو وائل، من التابعين الأفاضل، وقد سبقا، وسيأتي لهما، ولمن هو على صفتهما ذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ في محله.
قال الشارح: وروي عن سويد بن غفلة.
قلت: قال السيد الإمام في الطبقة الثانية: (بفتح المعجمة، والفاء، واللام) الجعفي الكوفي أبو أمية؛ أدرك الجاهلية، ولد عام الفيل.
..إلى قوله: سمع علي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود.
..إلى قوله: وثقه ابن معين، وقال في الكاشف: ثقة إمام زاهد قوام.
توفي سنة إحدى ومائتين وله عشرون ومائة.
خرج له الجماعة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
قال: كنت مع /417
أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان، فروى لي خبراً عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: سمعته يقول: ((إن بني إسرائيل اختلفوا، فلم يزل الاختلاف بينهم حتى بعثوا حكمين ضالين ضلا وأضلا من اتبعهما؛ ولا ينفك أمر أمتي حتى يبعثوا حكمين يَضِلان ويُضِلان من اتبعهما))، فقلت له: احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما.
قال: فخلع قميصه، وقال: أبرأ إلى الله من ذلك، كما أبرأ من قميصي هذا.
[أبو موسى الأشعري عند المعتزلة]
قال: فأما ما يعتقده المعتزلة فيه، فأنا أذكر ما قاله أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية.
قال ـ رحمه الله ـ: أما أبو موسى، فإنه عظم جرمه بما فعله، وأدى ذلك إلى الضرر، الذي لم يخف حاله؛ وكان علي (ع) يقنت عليه وعلى غيره.
وروي عنه (ع) أنه كان يقول في أبي موسى: صُبغ بالعلم صبغاً، وسُلخ منه سلخاً.
قال: وأبو موسى هو الذي روى عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((كان في بني إسرائيل حكمان ضالان، وسيكون في أمتي حكمان ضالان ضال من اتبعهما))، وأنه قيل له: لا يجوز أن تكون أحدهما.
فقال: لا ـ أو كلاماً هذا معناه ـ.
فلما بُلي به قيل فيه: البلاء موكل بالمنطق.
قلت: وأخرج الطبراني في الكبير، عن سويد بن غفلة، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((سيكون في هذه الأمة حكمان ضالان ضال من اتبعهما)).
فقلت: يا أبا موسى، انظر لا تكون أحدهما.
قال: فوالله ما مات حتى رأيته أحدهما.
انتهى من النصائح.
قال الشارح: ولم يثبت في توبته ما ثبت في توبة غيره؛ وإن كان الشيخ أبو علي قد ذكر في آخر كتاب الحكمين أنه جاء إلى أمير المؤمنين (ع) في مرض الحسن بن علي، فقال له: أجئتنا عائداً أم شامتاً؟
فقال: بل عائداً ـ /418
وحدث بحديث في فضل العيادة.
قال ابن متويه: وهذه أمارة ضعيفة في توبته، انتهى كلام ابن متويه.
وذكرته لك؛ لتعلم أنه عند المعتزلة من أرباب الكبائر، وحكمه حكم أمثاله ممن واقع كبيرة، ومات عليها.
قلت: فهذا حكمه عند المعتزلة.
[الأشعري عند العترة]
فأما العترة (ع) فحكمه عندهم، وحكم أمثاله، ما حكم به فيهم أبواهم: الرسول الأمين، وصنوه سيد الوصيين ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ.
وقد تقدم ما فيه بلاغ لقوم عابدين؛ وما المقصد بما ذكرت هنا في شأنه، إلا الاستشهاد بموضع الدلالة من ابتداء أمره إلى نهايته.
[ذبُّ الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير عن أبي موسى والرد عليه]
ولقد بلغ التعصب بالحافظ محمد بن إبراهيم الوزير كل مبلغ، حتى وقع منه الذبّ عنه في العواصم، والروض الباسم؛ ولكنه لم يستطع الإنكار، لما ورد فيه من الذم اللازم في صحيح الأخبار؛ لكونه قد رواه أهل سنتهم الكبار، فعدل إلى التحريف، والتأويل السخيف، المخرج للنصوص المتواترة النبوية، في نفاق باغض ولي المؤمنين وسيد البرية، عن معانيها المعلومة الجلية، بما لا يخفى بطلانه على ذي روية.
فمنها: أنه ما كان ذلك إلا لبعض الأسباب في أول الزمان، وهذه مكابرة لاحقة بالبهتان؛ لعمومها وإطلاقها في كل حال، ولأي سبب وفي كل أوان، على لسان سيد ولد عدنان، ولا مخصص ولا مقيد لسبب من الأسباب ولا لزمن من الأزمان، ونحو ذلك من المباهتة التي تمجها الأسماع، وتنفر عنها الطباع، وتنكرها قلوب ذوي العلم والإيمان.
ولو ساغ مثل هذا التأويل السخيف، لما امتنع كل تحريف، وأدى إلى المخرقة والتلعب بالدين الحنيف، ولأمكن أن يقال: وكذلك بغض رسول الله ـ صلى الله عليه /416
وآله وسلم ـ، وقتاله إنما كان كفراً؛ لقصد رد ما أتى به من عند الله ـ تعالى ـ.
أما إن كان لسبب غير ذلك ككونه من بني هاشم، أو نحو ذلك من الأحوال، المتسعة المجال، فلا.
ولولا تجنب الإكثار لأوردت من كلماته المتناقضة، وأقواله المتدافعة المتعارضة، ما فيه عبرة لأولي الأبصار؛ ونرجو الله صحة رجوعه عن هذه الأخطار، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد أقر بخبر حذيفة، الذي وقعت الإشارة إليه.
قال في الروض الباسم، ما لفظه: وروى فيه ـ أي الذهبي ـ في النبلاء، عن الشعبي، عن حذيفة أنه تكلم في أبي موسى بكلام يقتضي أنه منافق.
ثم قال: في الشعبي تشيع يسير، انتهى.
ثم قال في آخر البحث: وقد قصدت وجه الله في الذب عن هذا الصاحب، المعتمد في نقل كثير من الشريعة المطهرة، لما رأيت الحافظ الذهبي روى ذلك، ولم يقدح في إسناده بما ينفع.
قلت: فيا لله العجب! ما أبعد هذا القصد الذي به يتقرب! وما بقي إلا أن يقصد وجه الله ـ تعالى ـ في الذب عن إبليس؛ لكونه كان طاووس الملائكة، وأبي لهب؛ لكونه عم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وكذلك امرأته حمالة الحطب.
وأنا أقول: قد قصدت وجه الله، في عداوة أعداء الله، والبراءة من المتعدين لحدود الله، ببيان أحوالهم لأولياء الله، امتثالاً لأمر الله، وإجلالاً لأمثال قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ /420
اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(22)} [المجادلة:22]، وقوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } [الممتحنة:1]، وقوله جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [التوبة:71]، وقوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ } [التوبة:67]، وقوله سبحانه: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } [النساء:107]، وقوله جل جلاله: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة:114].
وإجلالاً لقول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
إلى ما لا يحصى من آيات تتلى، وأخبار تملى.
فإن ترضوا عنهم، فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين؛ رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين.
[نقل الحافظ عن الزيدية قبول المجهول ـ والرد عليه]
ولنعد إلى ما نحن فيه، والله الموفق لما يرضيه.
قال في تنقيح الأنظار: أو رجعنا إلى إجماع الصحابة، فقد حكى الشيخ أبوالحسين وغيره قبولهم لأحاديث الأعراب.
قلت: قد سبق القول في أن ليس في ذلك دلالة؛ لعدم تحقق الجهالة.
قال: أو رجعنا إلى أهل البيت (ع)، فقد روى المنصور بالله /421
ـ رضي الله عنه ـ، وأبو طالب، وأهل الحديث، عن علي (ع) أنه كان إذا اتهم الراوي استحلفه، فإذا حلف له قبله.
قلت: المروي عن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ أنه كان يحلف الرواة على الإطلاق، حتى الشهود على رؤية الهلال، رواه في المجموع؛ وليس ذلك إلا للاحتياط لا للتهمة؛ إذ لو كانت لما قبلهم، وإن حلفوا؛ ولو كان ذلك يدل على جهالتهم، لكان جميع الرواة من الصحابة وغيرهم مجهولين لديه.
وعلى الجملة، ليس في هذا دلالة على قبول المجهول ولا شبهة، والتأكيد بكل ممكن حسن، في كل ما كان غير متيقن؛ بل وفي بعض المتيقن، فإن بعضه أقوى من بعض، كما هو معلوم عند أرباب الفطن.
قال: وهذا هو الغالب من مذاهب العترة والمعتزلة أهل الأصول.
قلت: بل المشهور خلافه، وكتبهم بذلك شاهدة.
قال: وذكر محمد بن منصور، صاحب كتاب علوم آل محمد، أنه يرى قبول المجاهيل؛ ذكر ذلك في كتابه المسمى بالعلوم.
قلت: قد سبق الكلام في سند الأمالي في ردّ ذلك، وقد وقع الإملاء لكتابه من أوله إلى آخره، في نسخ عديدة، مرة بعد مرة، فلم نجد فيه لفظة واحدة من ذلك، وسبق توجيه ما يقدّر أخذه له منه، وأنه مأخذ غير صحيح؛ فخذه من هنالك موفقاً ـ إن شاء الله تعالى ـ.
[مناقشة الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير لأصحاب الحديث المشترطين للعدالة الباطنة]
هذا، وقد ناقش محمد بن إبراهيم الوزير أصحاب الحديث المشترطين للعدالة الباطنة، مناقشة حسنة، وأورد عليهم فيها إيرادات مستحسنة، والذي يغلب أنه لو أوردها عليهم شيخه السيد الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم (ع) لناقضها أبلغ المناقضة، وردها أبلغ الرد؛ لأنه فعل ذلك في جميع ما أورده عليهم مما هو أقوى وأضر، وأدهى وأمر.
لهوى النفوس سريرة لا تعلم .... كم حار فيها عالم متكلّم
فالمسؤول من الله ـ سبحانه ـ التوفيق والسداد، في كل إصدار وإيراد، ولا /422
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فقال: وقول المحدثين: إنه لا بد من معرفة العدالة الباطنة مشكل، إما لفظاً فقط، أو لفظاً ومعنى؛ فإن أرادوا ما نص عليه الرافعي.
قلت: قد سبق كلامه، وأنه المراد.
قال: من أنهم عنوا بذلك من رُجع في عدالته إلى أقوال المزكين، أشكل عليهم ذلك لفظاً؛ لأن هذا المعنى صحيح، ونحن نقول به.
قلت: هذا عجيب؛ كيف يقول: ونحن نقول به، والقلم لم يجف في الاحتجاج على قبول المجهول، بكل غث وسمين، من المعقول والمنقول؟!.
قال: ولكن هذه العبارة ركيكة موهمة أنه لا بد من معرفة باطن الراوي؛ وتعديل المزكين لا يوصل إلى ذلك؛ لأن المزكي إنما عرف الظاهر، ثم أخبرنا به، فقلدناه فيه.
قلت: ليس قبول خبر المزكي من باب التقليد، وإنما هو أخذ بموجب الدليل، الدال على قبول أخبار الآحاد العدول في هذا وغيره؛ وقد سبق له التصريح بأنه ليس بتقليد في هذا الكتاب، وهو الصواب.
قال: فكيف لا نحكم بالعدالة الباطنة إذا عرفنا ما عرفه المزكي من غير واسطة خبرة وتقليده؟
قلت: هذا يفيد أنهم لا يعتدون بالخبرة، ولا يقبلون إلا قول أهل التزكية؛ والظاهر أنهم لا يقولون بذلك، ولا يذهب إليه عاقل؛ لأن الخبرة أقوى من التزكية قطعاً، وقد تقدم في كلام ابن الصلاح ما يدل على ذلك، حيث قال: وتعذرت الخبرة الباطنة بهم...إلخ.
قال: فإن قالوا: المراد بالعدالة الباطنة ما كان عن خبرة، وبالظاهرة ما كان بمجرد الإسلام.
قلنا: من لم يعرف بغير مجرد الإسلام، فقد تقدم في القسمين الأولين من أقسام المجاهيل، وهذا قسم ثالث قد ارتفع عنهما، ولا يرتفع عنهما إلا بخبرة.
فإن قالوا: العدالة الظاهرة ما تعرف بخبرة يسيرة توصل إلى مطلق الظن، والباطنة ما عرف بخبرة كثيرة توصل إلى الظن المقارب؛ وسموا الظن المقارب للعلم علماً دون مطلق الظن، تخصيصاً بما هو أولى به؛ فإن مطلق الظن قد يسمى علماً، فكيف بأقواه؟ /423
قلنا: الظن في القوة لا ينقسم إلى قسمين فقط، ولا يقف على مقدار، ولا يمكن التعبير عن جميع مراتبه بالعبارة؛ ومعرفة المزكي لكون ظنه مقارباً، أو مطلقاً، أو وسطاً بين المطلق والمقارب، دقيقة عويصة، وأكثر المزكين لا يعرف معاني هذه العبارات، بل ولا سمعها؛ وهي مولدة اصطلاحية؛ ولو كلف كل مزكٍ أن يزكي على هذا الوجه لم يفعل أو لم يعرف؛ ولم تزل التزكية مقبولة قبل حدوث هذه الاصطلاحات؛ والعدالة حكم منضبط تضطر إليها العامة في الشهادة في الحقوق والنكاح، ورواية الأخبار، وقبول الفتوى من المفتي، وصحة قضاء القاضي؛ فتعليقها بأمر خفي غير منضبط بغير نص يدل على ذلك، ولا عقل يحكم به غير مرضي، بل مطلق الخبرة المفيدة للظن كافية، وتزكية المزكي لا تفيد غير ذلك.
قال: وأما الوجه الثاني: وهو اختلال عباراتهم لفظاً ومعنى، فذلك إن أرادوا أنها على ظاهرها، ولم يتأولوها بالتجوز، وذلك أن يقولوا: العدالة الظاهرة هي ما عرف بالخبرة الموجبة للظن، والعدالة في الباطن والظاهر هي العدالة المعلومة بالقرائن الضرورية، مثل: عدالة المشاهير المتواترة عدالتهم، مثل العشرة من الصحابة.
قلت: هذه إشارة إلى ما رووه في العشرة من البشارة، وقد جمعهم المؤلف محمد بن إبراهيم في قوله:
للمصطفى خير صحب نصّ أنهم .... في جنة الخلد نصاً زادهم شرفا
هم طلحة وابن عوف والزبير كذا .... أبو عبيدة والسعدان والخلفا
وقال غيره:
علي والثلاثة وابن عوف .... وسعد منهم وكذا سعيد
كذاك أبو عبيدة فهو منهم .... وطلحة والزبير ولا مزيد
ولم يصححه آل محمد صلوات الله عليهم.
قال: وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، وأمثالهم من أهل ذلك الصدر، ومثل زين العابدين، وسعيد بن المسيب من التابعين.
قلت: المسيب بضم الميم، وفتح المهملة، /424
وتشديد المثناة التحتية المفتوحة، ثم موحدة؛ أفاده السيد الإمام في الطبقة الثانية.
قال: ابن حزن، (بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي، وبالنون) بن أبي وهب القرشي، أبو محمد المخزومي، وذكر أنه ولد لسنتين من خلافة عمر، وأنه جمع بين الفقه، والحديث، والزهد، والعبادة، والورع، وأنه روى عن علي، وابن عباس، وأبي ذر، وجابر ـ رضي الله عنهم ـ وغيرهم، وعن أنس حديث الطير.
..إلى قوله: توفي سنة أربع وتسعين، عن تسع وسبعين.
خرج له الجماعة، وأئمتنا الخمسة، والسمان، انتهى.
قال: والحسن البصري، ومثل: إبراهيم بن أدهم من المتعبدين.
قلت: سيأتي ذكرهما في الفصل المستقل لذلك ـ إن شاء الله تعالى ـ.
قال: ومثل القاسم، والهادي من الأئمة الهادين.
فلهم أن يقولوا: عدالة هؤلاء معلومة ظاهراً وباطناً، وليس ذلك من قبيل علم الغيب، بل من قبيل العلم الصادر عن القرائن، مثل: الخبر بموت ولد رجل كبير مع بكاء ذلك الرجل بين الناس واستقامته لمن يعزيه، وبكاء النسوان في بيته، واجتماع الناس للتعزية إليه، وظهور الجنازة، ونحو ذلك.
وكبار الأئمة والعلماء قد أخبروا عن أنفسهم بالعدالة، وظهر عليهم من القرائن ما يوجب علم ذلك.
فالجواب عليهم: أن هذا يختل عليهم من وجهين:
أحدهما: أن الناس مختلفون في صحة هذا.
..إلى قوله:
وثانيهما: أن العدالة في الراوي تشتمل على أمرين:
أحدهما: في الديانة التي تفيد مجرد صدقه، وأنه لا يتعمد الكذب.
وثانيهما: في الحفظ؛ ولئن سلم لهم ذلك في الديانة، فلا يصح العلم الضروري بأن الراوي لم يخطيء في روايته عن غير عمد، ولا قائل بذلك؛ على أن البالغين إلى هذه المرتبة الشريفة هم الأقلون عدداً؛ ولو اشترط ذلك أهل الحديث لم تتفق لهم سلامة إسناد غالباً، وقد نص مسلم على أنا لا نجد الحديث الصحيح عند مثل: مالك، وشعبة، والثوري، فلا بد من النزول إلى /425
مثل: ليث بن أبي سليم، وعطاء بن السائب.
فكن على حذر من تضعيف من يرى رد أهل العدالة الظاهرة لكثير من الرواة، وتفطن لذلك في كتب الجرح والتعديل، والله أعلم. انتهى كلامه.
وبذلك تم البحث الذي ساقه في المجهول من التنقيح، إلا أنه أشار إليه في معرفة الصحابة، فقال: وأما القول بعدالة المجهول منهم ـ أي الصحابة ـ فهو إجماع أهل السنة، والمعتزلة، والزيدية؛ قال ابن عبد البر في التمهيد: إنه مما لا خلاف فيه.
قال: أما أهل السنة فظاهر.
قلت: لقولهم بعدالتهم على الإطلاق، وعدم تخصيصهم لأهل البغي والنكث والمروق والنفاق.
قال: وأما المعتزلة فذكره أبو الحسين، في كتابه المعتمد في أصول الفقه.
قلت: قد تقدم كلامه في ذلك، وهو لا يفيد مدعاه.
قال: بل زاد على المحدثين؛ ذهب إلى عدالة أهل ذلك العصر، وإن لم يروا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وذكر الحاكم المحسن بن كرامة المعتزلي مثل مذهب المحدثين، في كتابه شرح العيون.
قلت: قد ذكر نص كلامه في الروض الباسم، وهو ما لفظه: إن أحوال المسلمين كانت أيام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مستقيمة مستغنية عن اعتبارها، انتهى.
فهو مثل كلام أبي الحسين لا يفيد ما نسبه إليه، وإلى المعتزلة، وهو كثير التخريج على الأقوال بما لا تقتضيه؛ وقد سبقت روايته عن محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ، وإضافتها إلى كتابه، ولم توجد فيه.
قال: وروى ذلك ابن الحاجب في مختصر المنتهى، عن المعتزلة.
قال: وأما الزيدية فإنهم يقبلون المجهول سواء في ذلك عندهم الصحابي وغيره.
قلت: هذا النقل عنهم غير صحيح، وكتبهم مصرحة بخلافه، فالرجوع إليها هو الحق؛ وقد تحقق اضطراب نقله في الأقوال، وأخذ كثير منها بمجرد التوهم والاستدلال.
ويدلك على ذلك أنه في هذا /426
المحل من الروض الباسم، قال ما لفظه: فقد ذهب أئمة الحنفية إلى قبول المجهول من أهل الإسلام، وذهب إلى ذلك كثير من المعتزلة والزيدية.، انتهى.
وقال فيما سبق: هو الغالب من مذاهب العترة والمعتزلة أهل الأصول...إلخ انتهى.
وقد نقضه في آخر هذا البحث بروايته عن المتأخرين لرده؛ وانظر إلى مستنده في رواية قبوله، فهو واضح الاختلال.
قال في التنقيح: ذكر ذلك الفقيه عبدالله بن زيد في الدرر المنظومة.
وفي هذا المحل من الروض الباسم، قال: ذكره في الدرر المنظومة بعبارة محتملة للرواية عن مذهب الزيدية كلهم.
فقطع هنا على العبارة المحتملة، وجعلها عمدة نقله.
قال في التنقيح: وهو أحد قولي المنصور بالله، ذكره في هداية المسترشدين.
وقال في موضع منه: وأما المنصور بالله، فله في ذلك كلمات مختلفة في أماكن من كتبه متفرقة؛ من ذلك: كلامه في كتاب هداية المسترشدين، واحتجاجه بتأمير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعتاب بن أسيد، ثاني يوم من إسلامه.
فتارة يجعله على القطع أحد قوليه، وتارة أنه ذكر ما يقتضيه، وهو من تخريجه الذي لا يسلم له فيه؛ ومرة أن له كلمات مختلفة في مواضع متفرقة، واعتمد على كلامه في هداية المسترشدين، وهو احتجاجه بتأمير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ...إلخ.
ولا دلالة في ذلك بتصريح ولا اقتضاء:
أما أولاً: فقد تقدم الكلام في شأن الداخل في الإسلام، وأنه يجب ما قبله، ولم يحدث ما ينقض العدالة بعده، وأنه لا حجة فيه؛ لجواز معرفته بعدالته.
وأما ثانياً: فقد قال هو في ذلك البحث: وفي الاحتجاج على العدالة بالولاية نظر.
قال: لكن المنصور ذكر أنه ولاه على القضاء، فيما حكى لي بعض أهل العلم.
وعلى الجملة، فغرضنا /427
حاصل بكلام المنصور؛ فإن القصد الاستشهاد به على ذهاب المنصور بالله إلى عدالة مجهول الصحابة.
قلت: لكن لم يصح، فليس في كلام الإمام هذا دلالة على قبول المجهول بوجه؛ وإنما هو مجرد استخراج، واضح الاعوجاج، وهو مع ذلك كلام في صحابي واحد، وقد جعله في التنقيح عمدة الحكاية عنه في قبول المجهول على الإطلاق، صحابي وغيره؛ كما سبق.
وفي الروض خرج له من ذلك الاحتجاج حجة على عدالة جميع الصحابة، حيث قال: وفي هذا الاحتجاج ما يؤخذ منه عدالة الصحابة كلهم، على أنه قد ثبت في كلام غير واحد من الزيدية أنه يقبل المجهول من جميع المسلمين، الصحابة وغيرهم.
هذا نص كلامه؛ ولا يخفى ما في هذا كله من الخبط العظيم، والخلط الجسيم، والمأخذ السقيم، والتخريج الذي لا دلالة عليه بمنطوق ولا مفهوم، ولا خصوص ولا عموم.
قال في التنقيح: وهو أحد احتمالي أبي طالب في جوامع الأدلة، وأحد احتماليه في المجزي.
وقال في الروض الباسم: وهو الذي أشار إلى ترجيحه أبو طالب في كتاب جوامع الأدلة، وتوقف فيه في كتاب المجزي، وذكر أنه محل نظر، انتهى.
قال في التنقيح: وهذا المذهب مشهور عن الحنفية، والزيدية مطبقون على قبول مراسيل الحنفية؛ فقد دخل عليهم حديث المجهول على كل حال، وإن كان المختار عند متأخريهم رده، فذلك لا يغني مع قبولهم مراسيل من يقبله؛ والقصد بذكر هذه الأقوال أن لا يتوهم أن المحدثين شذوا بهذا المذهب.
قلت: وهذا مسلك من الاستدلال عجيب، لا يخفى ما فيه من الاختلال على ذي نظر مصيب؛ فأولاً: إن تقرير كونه مذهب الحنفية غير صحيح، مع أن المنقول عن أبي حنيفة ـ لا غير ـ قبول المجهول، وهو مختلف في تحقيقه، ومنقسم إلى أقسام عديدة؛ فالرواية عنه مجملة غير مفيدة، وقد أنكرها بعضهم.
وقال بعد كلام طويل ساقه: وبهذا تعلم أن ظاهر مذهب الحنفية عدم قبول رواية /428
المستور كغيرهم، وإنما جعله بعضهم قول أبي حنيفة إنما هو رواية عنه، على خلاف ظاهر المذهب...إلى آخر كلامه.
وقد قال سيد المحققين الأعلام، الحسين بن الإمام (ع) في شرح الغاية، في قبول خبر المجهول: ولا قائل به على الإطلاق؛ فإن أبا حنيفة لم يقل بقبوله مطلقاً، بل إلى تابع التابعين.
انتهى المراد منه وقد سبق.
ثانياً: إن دعوى إطباق الزيدية على قبول مراسيل الحنفية دعوى مجردة عن البرهان، واضحة التهافت والبطلان، والذي يروي عنهم للاحتجاج الإمام المؤيد بالله (ع) في شرح التجريد، روايات محررة الأسانيد؛ وإن روى راوٍ من أئمتنا (ع) عنهم، أو عن غيرهم للمتابعة والاستشهاد والتأييد، فذلك شأن علماء الأمة، لا يجهله من له أدنى مسكة؛ على أن علماء الحنفية ليسوا بمجروحين، ولا موسومين بما رماهم به من قبول المجهولين، عند أعلام الزيدية.
ولكن أهل بيت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أعلم بما أنزل الله تعالى في كتاب ربهم، وسنة نبيهم، من حنفية، وشافعية، ومالكية، وحنبلية، وسنية، وظاهرية، وحشوية، وجميع فرق البرية؛ وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.
ولعمر الله، إنه لينقضي من هذا السيد العالم الحافظ العجب، ويذهب الفكر كل مذهب؛ ولقد كفى مؤنة الرد والنقض، بتناقض كلامه ومدافعة بعضه لبعض، فلا محوج مع ذلك لإيراد بيان، ولا إقامة برهان، بل الإنسان على نفسه بصيرة؛ فتارة يدعي على الزيدية الإجماع، وتارة يحكي عنهم الخلاف، ومرة يذكر القطع على الأقوال، ومرة ينقل التردد والاحتمال، وحالة ينسبها على جهة التصريح، وأخرى على وجه تخريج غير صحيح؛ ولم /429
يزل يكرر ذلك في كتبه، ولم يورد عن واحد من أئمة العترة نصاً يعتد به؛ وليس في يديه بإقراره إلا تلك الرواية عن القاضي عبدالله بن زيد المحتملة، وغايتها الحكاية لمذهبه.
ومما يزيدك أيها الناظر المنصف في البيان ـ وإن كان فيما سلف أوضح برهان ـ كلامه في هذا البحث الذي حكاه عنه ابن بهران.
قال ما لفظه: منقول من كتاب القواعد لسيدي العلامة عز الدين محمد بن إبراهيم.
..إلى قوله: اعلم أن أهل الحديث أجمعوا على أنه لابد من معرفة الراوي بالعدالة التامة، إما بالخبرة، وإما بخبر العدل المأمون؛ وذهبت الحنفية إلى قبول المجهول، وقالوا: لا يرد إلا من تحقق فسقه.
..إلى قوله: وذكر هذه المسألة أبو طالب في كتاب المجزي، وقال: يحتمل أنه يقبل، ويحتمل أنه لا يقبل، وهي مسألة نظر، ولم يقطع فيها بشيء.
...إلى قوله: وأما مذهب أصحابنا، فلم يتعرض هو ولا غيره لحكايته، إلا الفقيه العلامة عبدالله بن زيد صاحب الإرشاد، فإنه قال: مذهبنا قبوله؛ قال ذلك في كتاب الدرر المنظومة في أصول الفقه.
[تناقض كلام الحافظ في النقل عن الزيدية في المجهول]
وأما صاحب الجوهرة، فلم يورد لأهل المذهب شيئاً في ذلك، لكن روى عن شيوخه أن رواية المجهول لا تقبل.
قلت: انظر إلى هذا، وإلى ما سبق له من حكاية المذهب، ورواية النص عن صاحب الجوهرة.
قال: وقال المنصور بالله (ع): العدالة عندنا لا تشترط إلا في أربعة: في الإمام الأعظم، وإمام الصلاة، وفي القاضي، والشاهد؛ ذكره في كاشف الغمة، ولم يذكر اشتراطها في راوي الحديث.
قلت: يالله العجب من هذا الكلام! أما كان ينبغي له التحاشي عن نسبة الإمام إلى ما لم يقل به أحد من الأعلام؟ فإن الذاهب إلى قبول المجهول لم يقل: لا تشترط العدالة بالمرة، وإنما يقول: إنها الأصل في المسلمين، فلا يحتاج إلى الخبرة ولا نقل المزكين؛ وأما أنها لا تشترط أصلاً، فلم يعلم عن أحد من أهل العلم.
وعلى فرض صحة هذا الكلام عن الإمام (ع)، أما كان ينبغي له أن يخصص /430
هذا المفهوم، بما له في مؤلفاته من النص المعلوم، أو يلحق اشتراط عدالة الراوي بعدالة إمام الصلاة، فإنه من باب الأولى قطعاً؛ وهو يغني عن النص عليه، كما أغنى النص على التأفيف عن ذكر الضرب وغيره، فلو لم يكن له نص سواه لكفاه؛ فكيف ونصوصه ترد هذا التخريج الفاسد وتأباه؟! فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال في هذا الكتاب ـ أي القواعد ـ ما لفظه: ولم يحصل لنا في مذهب من تقدم من أهل المذهب طريقة صحيحة صريحة؛ لعدم لهجهم بهذا.
ثم ذكر الرواية المحتملة عن القاضي عبدالله...إلى آخر ما ذكره.
قلت: وهذا إقرار بأن روايته عنهم ليس لها أصل ولا قرار، وأن جميع ذلك بناء على أصل منهار؛ وهنا قد صرح بأنه لم يحصل له طريقة صحيحة صريحة إلى مذهب المتقدمين، وفيما سبق حكى الخلاف عن المتأخرين؛ فمن بقي له على الإجماع الذي يدعيه؟ وأي مسلك في ذلك يقتفيه؟
ولا يقال: يحمل على أنه قال هذا قبل أن يحصل له طريق، ثم قال ذلك بعد أن حصل له تحقيق؛ لأنه يقال: لا يتجه له هذا المنهج، ولا سبيل إلى تقويم ذلك العوج؛ فقد تكررت منه المناقضة، وتحققت له النقولات المتعارضة، في بحث واحد، ومقام منفرد، بما ينقض قوله الأول الآخر، مع بيان مستنده، وإيضاح معتمده، الذي لم يزل يكرره على تصريف التعبيرات، وتنويع التحريرات؛ ولئن فُرِض صحة الجمع في مقال، فلا يمكن في جميع الأقوال بحال، فهو من المحال؛ فهذا الذي طال فيه المجال، وتباعد عنه الانفصال، في مقام واحد من الأقوال.
[كون الشغب وحدة الجدال حملا الحافظ على الانتحال]
وكل ذلك من السيد الحافظ في مقابلة قول شيخه السيد الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم ـ رضي الله عنهم ـ: معرفة الأخبار مبنية على معرفة عدالة الرواة...إلخ، كما هو مذكور في الروض الباسم؛ لأنه يبلغ في كل مادة جرى فيها بينهما الجدال، كل ممكن في الرد عليه والإبطال، ومحاولة النقض لكلامه بكل حال.
وقد علم الله ـ سبحانه، وهو بكل شيء عليم ـ أن ليس المقصود فيما سقته، ولا الغرض بما حققته، إلا بيان الحق للطالبين، والقيام بشهادة القسط التي أمر الله ـ تعالى ـ بها بقوله /431
ـ جل جلاله ـ في كتابه المبين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } [النساء:135].
ولا سيما وهذا السيد العالم متبع الرسوم، ومقتص الأثر في العلوم.
وقد اغتر بالاعتماد على ما حرره، والاستناد إلى ما قرره، كثير من أرباب الفهوم، وإلا فقد أفضى الجميع إلى رب العالمين، ونحن في أثرهم من اللاحقين؛ فالله نسأل، وبجلاله نتوسل، أن يصلي على رسوله وآله، وأن يوفقنا لما يرضاه منا، وأن يلحقنا بالصالحين، آمين.
[عودة إلى كلام صارم الدين في أقسام المجهول]
ونعود إلى المقصود في هذا المحل، من ذكر ما لا غنية عن الاطلاع عليه من علوم الحديث، وتحقيق القول فيه حسب السياق الأول؛ ولا بأس بإعادة أصل البحث من حيث بلغ في الفلك الدوار، وإن كان قد سبق لترتب الكلام عليه وسوقه على ذلك الاختيار.
قال السيد الإمام صارم الإسلام (ع): وقد يرد بجهالة الراوي؛ وهو إما مجهول العدالة، ورده أئمتنا، لا مجهول العشيرة.
قلت: وقد أصاب في عدم متابعة صاحب تنقيح الأنظار، في روايته عن الأئمة الأطهار؛ وهذه هي الرواية الصحيحة، المقررة بالنصوص الصريحة، على التحقيق، لا المجازفة والتلفيق.
ثم ساق الكلام في حكاية الأقوال، وبعضه مبني على ما ذكره صاحب التنقيح، من إضافته إلى محمد بن منصور ـ رضي الله عنه ـ ونقل ذلك الاحتمال؛ وهكذا بنى غيره في كثير من هذه المقالات ـ كما أسلفت لك ـ على ما في تنقيح الأنظار؛ إلا فيما هو معلوم المخالفة، واضح المجازفة، لذوي البحث والاختبار؛ وقد مضى ما فيه تذكرة لأولي الأبصار.
قال صارم الدين (ع): ومبنى الخلاف على أن الأصل هو الفسق، أو العدالة، والظاهر أنه الفسق؛ لأنه أكثر، ولطرو العدالة.
وأما مجهول الضبط: فلا يقبل، وأما مجهول الاسم والنسب: فيقبلان /432
على الأصح.
وللمحدثين في الجهالة اصطلاح آخر.
قلت: قد سبق الكلام في ذلك مستوفىً، والحمد لله.
قال: وأسباب أخر يذكرونها، منها: أن تكثر نعوت الراوي، فيذكر ما اشتهر به لغرض، وصنفوا فيه الموضح.
قلت: هذه إشارة إلى أنواع يذكرونها في علوم الحديث، وقد أشير إلى المختار، على وجه الاختصار، على حسب ترتيبه، وإن كان على غير نظام؛ وقد يسر الله ـ تعالى ـ شرح المهم شرحه على التمام، والله ولي الإنعام.
وهذا القسم الذي ذكره هو معرفة من له تعريفات متعددة من الأسماء، وهي: الأعلام.
أو الكنى، وهي المبدوءة بأب أو أم.
والألقاب، وهي: ما أشعر بمدح أو ذم.
أو الأنساب.
فقد يذكر الراوي بمتعدد منها، في مقامات مختلفة، من راوٍ واحد، أو جماعة؛ فيظن من لا خبرة له أنها لشخصين فأكثر، حسبما يذكر، وقد يفعل ذلك لقصد إخفائه أو تدليسه بمشارك له في التعريف المذكور؛ والأولى أن يعرف بالأشهر ـ كما ذكره ـ إن كان له أشهر.
وقد صنف في هذا النوع الخطيب البغدادي كتاب الموضح لإيهام الجمع والتفريق، وعبد الغني المصري كتاب إيضاح الإشكال، ومثلوا له بما استعمله الخطيب في روايته تارة عن أبي القاسم التنوخي، وتارة عن علي بن الحسن، وأخرى عن علي بن أبي علي المعدل، وكلها لشخص واحد.
قال (ع): أو يكون مقلاً فلا يكثر الأخذ عنه، وفيه الوحدان.
قلت: هو جمع واحد، وقد عدوا جماعة من الصحابة والتابعين، ممن لم يرو عن كل واحد منهم إلا واحد، وصنف في ذلك مسلم كتاب المنفردات والوحدان، وعند المحدثين لمعرفته ثمرة في معرفة مجهول العين، كما سبق الكلام فيه.
[الكلام على المبهم]
قال: أولا يسمى اختصاراً، وفيه المبهمات.
قلت: المبهم: من ذُكِرَ على وجه لا يعرف به، إما في الإسناد، كأن يقال: عن رجل، أو امرأة، أو فلان، أو نحو ذلك؛ أو في غيره، كأن يقال: سائل سأل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أو نحوه؛ ويعرف المبهم بوروده مسمى في /433
مقام آخر، فالإبهام كثير الوقوع في كتب الحديث كلها؛ فلهذا صنفوا في معرفتها المبهمات، وممن ألف فيها عبد الغني، والخطيب؛ وأفرد ابن حجر في فتح الباري المبهمات الواقعة في البخاري، ولم ينسب إلى أحد ممن وقع الإبهام في سنده أنه يقبل المجهول؛ إذ لا دليل على كونه مجهولاً عنده، إلا ما وقع من السيد الحافظ محمد بن إبراهيم، ومن اغتر بنقله من نسبة ذلك إلى علامة العراق، وإمام الشيعة على الإطلاق، وولي آل محمد بالاتفاق، شيخ الإسلام، محمد بن منصور المرادي ـ رضي الله عنه ـ على فرض أنه أخذه له من هذا كما تقدم.
وقد قال محمد بن إبراهيم في التنقيح، ما لفظه: إن الإسناد إذا كان فيه عن رجل أو شيخ، فهو منقطع لا مرسل، في عرف المحدثين؛ قاله الحاكم، وابن القطان في بيان الوهم والإيهام.
قلت: وقد تعقب ابن حجر على رواية ذلك عن الحاكم، ونقل كلامه فيه، وهو يفيد أنه ليس بمنقطع عنده، إلا إذا لم يوقف على معرفته.
قال في التنقيح: وأما الجويني، فقال: وقول الراوي أخبرني رجل أو عدل موثوق، من المرسل أيضاً، وكذلك كتب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ التي لم يسم حاملها؛ ذكره في البرهان.
قال زين الدين: وفي كلام غير واحد من أهل الحديث أنه متصل في إسناده مجهول، وحكاه الرشيد العطار في الغرر المجموعة عن الأكثر، واختاره شيخنا الحافظ أبو سعيد في كتاب جامع التحصيل، انتهى.
قال محمد بن إبراهيم: وهو الصحيح؛ لأن من قال: عن شيخ أو رجل، فقد أحال السامع إلى رواية مجهول، فلا يحل له العمل بالحديث، بخلاف المرسل الذي جزم برفع الحديث، انتهى.
قلت: فهذا كلامهم؛ وغايته أن المبهم مجهول عند السامع كما ذكره، ولا دلالة أنه مجهول عند الراوي، وإنما أبهمه على غيره؛ ثم لو فرض أنه مجهول عنده، فلا دلالة على أنه يقبله، مهما لم ينص على ما يفيده، والجميع لا يقدحون /434
بوجود المبهم من الرواة، وإنما يبحثون عما أبهموه؛ فإن وقفوا عليه، عرفوه؛ وإن لم، عمل كل ناظر بمذهبه، كما حققوه.
قال ابن الصلاح: وكثير منهم لم يوقف على أسمائهم، وهو على أقسام، منها ـ وهو من أبهمها ـ: ما قيل فيه: رجل أو امرأة، ومنها: ابن فلان، أو نحو ذلك، ومنها: العم، والعمة، ونحوهما؛ انتهى باختصار.
وقد أورد الأمثلة، وهي واضحة، وكثير منها لا إبهام فيها حقيقة؛ إذ قد صار ما يذكر به معرفاً كاسمه العلم؛ والقصد المهم معرفة الحال، التي هي العمدة في القبول أو الرد؛ وكثير من الأبحاث التي يذكرونها ليس فيها كثير فائدة، وإنما هي من فضلات علم الرجال.
قال صارم الدين (ع): ولا يقبلون التوثيق المبهم، ولو بلفظ التعديل، وهو مقتضى قول من منع المرسل.
قلت: نحو: أخبرني الثقة، أو العدل؛ فهو عندهم غير مقبول، والحق أنه إن كان كذلك من عالم بأسباب الجرح والتعديل موافق في المذهب، فلا مانع من القبول، كما عرف في الأصول.
قال: فإن سمي وانفرد عنه واحد، فمجهول العين، فلا يقبلونه؛ والمختار قبوله إذا وثق، وفاقاً للأصوليين؛ فإن روى عنه اثنان فصاعداً ولم يوثق، فمجهول الحال.
قلت: المراد أن مجرد الرواية لا تخرج عن الجهالة، لا أنها شرط فيها.
قال: وهو المستور.
قلت: قد سبق الكلام فيه، وهذا أحد معانيه.
ومن معانيه عند بعض أهل الأصول: العدل مطلقاً؛ وهو مراد صاحب الجوهرة.
والعجب من الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير كيف نقل معناه في كلامه إلى معنى المجهول، وليس معناه ذلك في استعماله، واستدل به بعد ذلك إلى قبول صاحب الجوهرة وغيره من الشارحين للمجهول، مع أنه قد نصّ في الجزء الأول من التنقيح على ذلك، حيث قال: وقد ورد المستور في عبارات أصحابنا، والمراد به العدل، كما استعمل ذلك أهل الحديث.
قال الشيخ أحمد /435
بن محمد الرصاص في الجوهرة في شروط الراوي: إنها أربعة: أحدها: أن يكون الراوي عدلاً مستوراً ـ هذا لفظه، انتهى.
فاجمع بين هذا، وبين ما ذكره عن صاحب الجوهرة فيما سبق.
وقد حكيناه؛ ليتبين لك العجب، إن كنت ذا تبصرة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[الكلام على عدم قبول رواية فاسق التصريح]
قال صارم الدين: وقد يرد المسلم بارتكاب الكبائر تصريحاً، وهو إجماع.
قلت: إطلاق المسلم عليه، إنما هو بالنظر إلى أحد معنييه، وهو المعنى العام، الذي هو قريب من المعنى اللغوي؛ وأما معناه الآخر الخاص الشرعي، فهو بمعنى المؤمن شرعاً؛ ولا يستحقهما ونحوهما من أسماء المدح والتبجيل، إلا القائم بما افترضه الله عليه مما يوجب على تركه النار، المجتنب لكبير ما نهاه الله عنه، كما قام على ذلك الدليل، وهو قول علماء آل الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومن اتبعهم؛ وهو مشروح في محله من الأصول.
قال: وشذّ من قبل الصدوق منهم، بناء على أن الكبيرة مظنة تهمة، لا سلب أهلية.
قلت: وهذا ـ أي رد المصرح بالإجماع، وإن ظن صدقه بتحرزه وأنفته عن الكذب ـ مما يتضح به بطلان قبول فاسق التأويل؛ لوجود ما ذكروه من التعليل، وعدم الفارق في ذلك بين التصريح والتأويل، كما هو مقتضى الدليل.
وقد ضاقت بهم المسالك في ذلك، حتى عدل محمد بن إبراهيم الوزير لما أورد عليه السيد الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم هذا الإلزام، إلى القول بتخصيص العلة.
قال في التنقيح: فإن قيل يلزم قبول من ظن صدقه من المصرحين.
..إلى قوله: قلنا هذا مخصوص، وتخصيص العلة جائز...إلخ كلامه.
والجواب: أنه غير مسلم كون العلة في القبول ما ذكروه من ظن الصدق؛ بل المناط العدالة المحققة مع الضبط، وهي التي قام الدليل على قبول صاحبها بالإجماع، وما عداه ففيه النزاع؛ فالتعليل والتعميم والتخصيص لم تثبت ببرهان واضح، وإنما هو مجرد دعاوٍ، وحكاية مذاهب، كما لا يخفى على ذي نظر راجح.
وقد أكثر محمد بن إبراهيم المحاولة لجعل قبول المتأول قولاً لجميع /436
الزيدية، تارة بالتخريج، وتارة بالتقدير، ومرة بالإلزام؛ وأطال في ذلك الاضطراب والكلام، على نحو ما مرّ في المجهول ولم يقف على طائل ولا مرام.
وكذلك أطنب في تقرير الإجماع المدعى من أهل الصدر الأول، وسرد حكايات القابلين لهم من أئمة أهل البيت (ع)، وغيرهم.
ونقول: إن كان المراد أنه قد روي فلا نزاع؛ ولكنها روايات أحادية، لاتوجب القطع في هذا المقام الكبير، الذي هو عمدة في الدين، وطريقة إلى شريعة سيد المرسلين ـ صلوات الله عليهم ـ ولم يذكر عن الحاكين للإجماع رواية واحدة، لا صحيحة ولا فاسدة، تتصل بالمدعى إجماعهم، أن أحداً منهم قبل خبراً أو فتيا عن مخالفيهم؛ وإنما هي دعاوٍ مجردة، توافقت عليها حكايات أهل هذه الأقوال؛ ولا يبعد أنها جميعاً مأخوذة عن ناقل واحد، تبع فيها الآخرُ الأولَ، كغيرها مما هو على هذا المنوال، مع أنها معارضة بروايات متصلة، عن المدعى إجماعهم، بالرد لأخبار مخالفيهم، هي أصح وأوضح.
فمن ذلك ما رواه الإمام الأعظم، بسند آبائه (ع)، في شأن الواقعة التي بعث معاوية قوماً يسألون عنها علياً، فقال ـ صلوات الله عليه ـ: لعن الله قوماً يرضون بحكمنا، ويستحلون قتالنا...إلى آخر ما في المجموع.
ففيه إنكار صحيح، بل لعن صريح، على الراضين بالحكم مع استحلال القتال، وأنهما متنافيان.
لا يقال: إنهم يستحقون اللعن لغير ذلك؛ لأنا نقول: نعم، ولكنه هنا رتبه على هذا الوصف، ولولا ذلك، لما كان لذكره فائدة، وطريقة الحكم والخبر واحدة.
ومنها: الرواية التي أخرجها مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وفيها: أنه أخبره كريب برؤية هلال رمضان بالشام، أنهم رأوه وصاموا.
ثم قال له: أو لا نكتفي برؤية معاوية وصيامه؟
فقال ابن عباس: لا، هكذا أمرنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرج البخاري ومسلم عن مجاهد، قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه.
فقال له بشير: مالي أراك لا /437
تسمع إلى حديثي؟ أحدثكم عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولا تسمع؟!
فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ابتدرته أبصارنا، وأصغينا أسماعنا؛ فلما ركب الناس الصعبة والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
ومما أجاب به أهل المنع: ما ذكره ابن الإمام (ع) في شرح الغاية، حيث قال: وذلك لأنه لم يثبت أن أحداً من هؤلاء المتأولين أقام شهادة، أو روى خبراً عند من يعتقد فسقه؛ وظهر ذلك ظهوراً يقتضي أن ينقل ما جرى فيه، من ردٍ أو قبول، فقولهم: لو رد شيء من ذلك لنقل غير صحيح؛ لأن وجوب نقله مترتب على وقوعه.
فما لم يقع، كيف يجب نقل رده أو قبوله؟
ولو سلم وقوعه، فلا نسلم أن رده لم ينقل؛ كيف، وقد روى مسلم في صدر صحيحه عن ابن سيرين، قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد؛ فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم؛ فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل الابتداع، فلا يؤخذ حديثهم...إلى آخر كلامه.
والمسألة مستوفاة في محلها من الأصول؛ وفي رسالتنا المسماة إيضاح الدلالة زيادة تحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.
[دوران الكلام إلى الخوض في المجروحين من الصحابة ونحوهم]
واعلم أنها عظمت الفتنة، وجلت المحنة، من أجل هذا التأصيل، ولم يتوقف الكثير على ما زعموه من قبول أهل التأويل؛ بل تعدى الحال، وتجاوز المجال، إلى قبول أهل الفسوق الصريح، والفجور القبيح، والاختلال، ومن وردت النصوص النبوية، المتواترة الضرورية، بكونهم منافقين، ومارقين عن الدين، مع أنه متفق على رد المصرحين، بإجماع المسلمين.
وقد أسلفنا من الكلام على هذا ونحوه ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
ولله الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، حيث قال في سياق كلام ما لفظه: اعلم أن كلاً من الفرق قد روى في مذهبه كثيراً الذي يصح عنده، ولا يصح عند غيره.
وساق في كلام المحدثين في النقد حتى في رجال الصحيحين، حتى قال: ولم يلجئ أول من عني بهذه الشبهة المضلّة، إلا كراهة أمير المؤمنين (ع)، وكراهة أهل بيته ـ عليهم /438
السلام ـ حين عرف أنه إن لم تتم لهم هذه الشبهة، لم يبقَ لهم أي طريق في عدم تفسيق من خالفه، وخالف أهل البيت، ولا أي ترخيص في الخروج عن سننهم القويم، وصراطهم المستقيم؛ فإنه لم يكن لهم طريق يدلون بها في هذه المذاهب الباطلة، إلا ما كان من رواية المجروحين من الصحابة، أو من اعتمد على أحاديثهم، وبنى على تعديلهم.
ثم قال (ع): فاعلم أنه لا يعتمد على شيء من الحديث.
قلت: أي من رواية المخالفين.
قال: إلا ما ثبت تواتره لفظاً أو معنى، أو ثبت تلقيه بالقبول من الأمة؛ لا سيما أهل الحل والعقد من أهل البيت (ع)، الذين هم قرناء الكتاب، والأمان لأهل الأرض.
ثم ذكر موجب ذلك، وأنهم حجة الإجماع، وذلك المذكور ـ يعني المتواتر، أو المتلقى بالقبول، أو الصحيح المقيدين بما ذكرنا ـ قليل جداً؛ وسائر الأحاديث إنما يذكرها من يذكرها، إما استظهاراً بها مع ظاهر قرآن أو سنة صحيحة، أو اشتهار بضم بعض إلى بعض من المحتملات، أو تقوية قياس ثبت به الحكم في المسألة، أو زيادة ترغيب في طاعة، أو ترهيب عن معصية، أو قطع حجاج خصم يقول بقبول مثل ذلك الحديث الذي لا يقول به المورد له والمحتج به، أو لبيان فساد مثل ذلك الحديث؛ لمخالفته القاطع من عقل أو نقل؛ أو صحيح من نقل، أو غير ذلك من الأغراض الصحيحة.
وحين تحقق هذه القواعد تعرف أن طرق أهل البيت (ع) في أمر الأحاديث أصحّ الطرق، وأحق التخاريج، من حيث سلامتها مما لحق غيرها، من فساد في الأصول والفروع، من حيث ما ورد فيهم من البراهين القاضية بتفضيلهم، مجتمعين ومفترقين؛ ولكون إجماعهم حجة قطعية، ومن أجل أنهم بيت النبوة، والأخصون بما لم يخص به غيرهم، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه.
انتهى المراد من كلامه (ع) [يعني شرف الدين].
وقد اخترت إيراده؛ لجريه على منهج الحق والتحقيق، ولكونه من المعتمد عليهم في الأسانيد؛ فيقف المطلع على مختاره في هذه الطريق؛ وله كلام، /439
أبسط مما ذكرنا في هذا المقام.
وقد سبق لنا بحث في ردّ التأويل والاحتمال، المدعى لمخالفي البراهين القاطعة من أرباب الضلال؛ وهو الذي نطق به الكتاب والسنة، وصرح به نجوم الأئمة، وهداة الأمة.
[الكلام على عدم قبول رواية فاسق التأويل]
واعلم ـ وفقنا الله تعالى وإياك ـ أيها الثاقب الفهم، الثابت القدم، المطرح لهواه، المتحري لرضاء مولاه، أن الموجب لتكرار الكلام، في أبحاث هذا المقام، هو كونها عمدة في أحكام دين الإسلام، وعليها مدار وأي مدار، في تبليغ الأخبار، عن ربنا الملك العلام، على لسان رسوله سيد الأنام، عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.
وكان معظم البحث في شأن المحاربين لإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ وإن كان الخلاف فيهم وفي غيرهم، من المبتدعين الضالين، المخالفين لقواعد العدل والتوحيد، ومسائل النبوة والإمامة والوعد والوعيد، وجميع قواطع الدين، التي لم يعذر الله فيها أحداً من المكلفين؛ لأنهم مصدر الفتنة، ومنهم معظم المحنة، في لبس الحق بالباطل، والصدق بالكذب، ودعوى كون الجميع سنة؛ ولكونهم أصل كل خلاف وفساد في الدين، كما هو معلوم للمطلعين، مسلّم عند العلماء العاملين.
فأقول وبالله أصول:
إن القابلين لمن هم بزعمهم من المتأولين، كالمحاربين لأمير المؤمنين، وأهل بيته المطهرين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ طائفتان:
أما الطائفة الأولى: فهم موافقون في الحكم بما قضت به البراهين، على أولئك المحاربين، من الناكثين والقاسطين والمارقين، وغيرهم من المخالفين، في قواعد الدين، وحاكمون بضلالهم وفسقهم، بل وكفر بعضهم، وكونهم غير معذورين.
قالوا: ولكن من كان منهم مدلياً بشبهة، وهو المتأول، لم تبطل الثقة، وظن الصدق بخبره، ولكون ذلك الفسق والكفر مظنة تهمة، لا سلب أهلية؛ فمن ظن صدقه وجب قبوله، وهو المعتمد في القبول، كما هو مذكور في الأصول.
وهذا هو المسمى عندهم بفاسق التأويل، إنْ أقدم على ما يوجب الفسق، وكافره /440
إن أقدم على ما يوجب الكفر؛ ويسمونه أيضاً عدل الرواية لا الديانة؛ وإلى هذا ذهب من يقبلهم من العدلية.
ولكن أهل العرفان منهم والتحقيق، لم يقبلوا من تبين من أمره التمرد والعناد، والسعي في الأرض بالفساد، كما قدمنا عن الإمام المؤيد بالله، والأمير الحسين (ع)، وغيرهما من القابلين جرحهم لبعض من مال إلى جانب معاوية، فكيف بذلك المارد الطاغية؟!!.
وقد صرح الإمام المؤيد بالله في شرح التجريد برد روايته، وسقوط عدالته؛ وكيف لا، وهو إمام الفئة الباغية، الداعية إلى النار، في متواتر الأخبار؟
هذا، ونقول في الجواب عليهم: المقدمتان ممنوعتان:
أما الأولى: فكيف بقاء الثقة بمن وردت النصوص القاطعة عن الله - تعالى -، وعن رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ببغيهم في دين الله - تعالى - وخروجهم عن أمر الله - تعالى -، ومروقهم ونفاقهم، وفسقهم وشقاقهم، وكونهم حرباً لله - تعالى - ولرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قد أوجب الله ـ تعالى ـ قتالهم، وأباح دماءهم وأموالهم؛ وهذا لا نزاع فيه بيننا وبينهم، وإن نازع فيه منازع، فإنه لما غمره من العناد أو الجهل؛ وقد قطعه البرهان القاطع.
فكيف لا تكون تلك البراهين المعلومة مبطلة للثقة، رافعة لظن الصدق؟!!.
وهلا جعل الجرح بالنصوص من الله ـ تعالى ـ ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بمثابة جرح أحد المعتمدين من شيوخه.
أمْ كيف يكون مُعْتَمَداً عليه، مركوناً إليه، صادقاً، مَنْ صار في حكم الله ـ تعالى ـ ناكثاً أو قاسطاً أو مارقاً، أو منافقاً كافراً أو فاسقاً؟
وأنى لكم بعدالة من كان مشاقاً لرب العالمين، ولرسوله الأمين، مبتدعاً في الدين، متبعاً لغير سبيل المؤمنين؟
فأين تذهبون، ما لكم كيف تحكمون؟
ولعمر الله، إنه ليظهر أنه ما حملهم على قبولهم إلا ضيق مجال الرواية، إن اعتبروا عدالة الديانة؛ ولكن الحق اتباع الحجة، وحكم الكتاب والسنة، وإن أدى إلى ما أدى إليه ذلك، من ضيق المسالك؛ وأَهْوِن بدين /441
وشريعة، لا يثبتان إلا من تلك الطرائق الشنيعة.
ولأجل هذا لم يوسع نطاق الرواية قدماء أئمة العترة (ع)، بل اقتصر كثير منهم على روايته عن أبيه عن جده.
نعم، وأما المقدمة الثانية: فعلى فرض حصول الظن بصدق من هذا حاله على بُعْدِه، فغير مسلّم وجوب قبوله؛ وهلم الدليل، وليس إليه من سبيل.
وقد مرّ الكلام على ذلك، وبسطت البحث فيه، في إيضاح الدلالة، وفي فصل الخطاب، وفي الحجج المنيرة، وفي التحف الفاطمية.
وسبق هذا النقض بفاسق التصريح وكافره، فإنه مجمع على ردهما، وإن فرض ظن صدقهما؛ وقد ضاق بذلك ذرعاً السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير، وأجاب بما لا يخفى فساده، على ذي نظر سليم، وهو أقوى المنازعين باعاً، وأوسعهم اطلاعاً؛ وقد أقر هو بفسقهم على شدة محاماته، وكثرة تلوناته، كما قدمنا؛ حيث قال في العواصم:
فأما حرب علي (ع) فهو فسق بغير شك، وله الولاية العظمى، التي هي عمدة في الدين.
وقال أيضاً ما لفظه: مع القطع بأن الحق مع أمير المؤمنين (ع)، وأن محاربه باغ عليه، مباح الدم، خارج عن الطاعة والجماعة؛ وقد تقدم وسيأتي أن هذا إجماع الأمة، برواية أئمة السنة، دع عنك الشيعة...إلى آخره.
هذا، وأما الطائفة الثانية: فهم القائلون بأنهم اجتهدوا، فلا إثم عليهم، وإن حكموا بخطئهم وبغيهم.
وهذا قول النابتة الحشوية، الذين يسمون أنفسهم السنية، وإياهم عنى القائل:
قال النواصب: قد أخطا معاويةٌ .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: كذبتم فلم قال النبي لنا: .... في النار قاتل عمار وسالبهُ
وفيما بسطنا في الرد عليهم في أبحاث هذا الكتاب، من الآيات القرآنية، /442
والأخبار النبوية، التي أجمع على روايتها طوائف الأمة المحمدية ـ فيما سبق، وفيما يأتي ـ ما يقطع كل مخاصم عنيد، وينفع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولهم ترهات وروايات مفتريات، تفرد بها المبطلون، لا تقاوم عشر معشار ما يردها من القرآن والسنة الجامعة، التي أجمع على روايتها وتواترها الفريقان؛ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟
نعم، قال السيد صارم الدين (ع): وقد يُرَدّ بكون مساوئه أكثر من محاسنه، وإن اجتنب الكبائر.
قلت: لما تقرر في الأصول، من اختلال العدالة، بخصال الرذالة.
قال: وقد يرد بالبدعة الإمام الداعي، وهي إحداث ما لم يثبت بدليل عقلي أو شرعي.
قلت: المراد الإحداث في الدين. /443
الفصل الثامن [في تحقيق السنة والبدعة على ما تقتضيه نصوص الكتاب والسنة]
ضابط البدعة المحرمة: ما خالف الشريعة المطهرة.
وهي تقابل السنة التي هي: الطريقة المحمدية ـ صلوات الله وسلامه على صاحبها، وعلى آله الطاهرين ـ أعمّ من أن تثبت بدليل المعقول أو المنقول.
وقد قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على الله))، رواه جعفر الصادق عن آبائه، عن علي ـ صلوات الله عليهم ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((في كل خلف من أهل بيتي عدول، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تفدون)).
قال الإمام شرف الدين (ع): وأقول: قد روى هذا أحمد بن حنبل، والحاكم صاحب المستدرك، وغيرهما، مما ذكر في مجمع الزوائد وغيره، وأخرجه الملا في سيرته بلفظه؛ أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع)؛ وقد سبقت رواية الإمام المنصور بالله (ع) في الديباجة، ورواية جواهر العقدين، قال فيها: وأخرجه أحمد في المناقب، انتهى.
وهو في أمالي الإمام أبي طالب (ع)، ورواه في نهج الرشاد علي بن الحسين /447
الشامي، بسنده إلى المحب أحمد بن عبدالله الطبري، بسنده إلى الملا، بسنده إلى عبدالله.
وروى بسنده إلى الحاكم أبي سعيد مثله.
هذا، وموضوع أمثال هذه الكلمات النبوية، واضح في العربية، فالمقدم الاشتغال بمعانيها الشرعية؛ وهي مما حرّفها المحرفون، ووضعها على غير ما عنى الله ـ تعالى ـ بها ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الواضعون؛ فمما وضعته الألسنة، في رسم السنة: ما حكاه عنهم صلاح الإسلام (ع) في شرح الهداية، وهو معلوم من أقوالهم لذوي الدراية.
قال: وذكروا في كتبهم أن من أصول السنة الإقرار بالقدرين، والصلاة خلف الإمامين، والركوب خلف الأميرين، والصلاة على الجنازتين، والمسح على الخفين، وتفضيل الشيخين.
قال: وذلك لأن العترة منعوا من الإقرار بالقدر، الذي هو الجبر على المعصية، وآمنوا بالقدر، الذي هو علم الله بما يكون قبل أن يكون، ومن الصلاة على الفاسق، ومن المسح على الخفين، ومن تفضيل الشيخين ـ أي على أمير المؤمنين ـ.
قال الإمام شرف الدين: ومن الركوب خلف الظالم؛ وانتهى ذلك إلى أن جعلوا بغض أهل البيت سنة.
قال: وجعلوا المخالف لما ابتدعوه، وصادموا فيه النصوص الشرعية واخترعوه، هو المبتدع، وجروا على ذلك، حتى كان منه قتل ولدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأولادهما، وأشياعهم وأتباعهم، ومع رواياتهم لمثل: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحسن والحسين: ((أنا سلم لمن سالمكما، حرب لمن حاربكما)) وأشباهه.
ومع ذلك لا يقطعون بفسق قاتليهم، بل يترضون عنهم ويوالونهم، ويوجبون أخذ الولاية منهم، والطاعة لهم، ويخطِّئون من أنكر عليهم مناكيرهم الظاهرة، وفواحشهم الشاهرة، ويقررون العمل على بدعهم الباطنة والظاهرة، الخارجة عن حدود الشريعة.
ولما أوقع الشيطان مراده من هؤلاء المخالفين، لم يزالوا يعالجون في إطفاء ما منح الله به أهل البيت، من إيداع نوره، الذي هو حجة الله على عباده فيهم، بعد أن كان ينقل في أصلاب الأنبياء /448
الطاهرين، حتى انتهى إلى خاتم النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ وصار إلى سيدة نساء العالمين، بإجماع العلماء المخالفين والموالفين، واستقر في جماعة أهل الحل والعقد من أبنائها الطاهرين؛ لما سبق من الأدلة، مما رواه الموالف والمخالف.
فأجمع أعداؤهم على نسبة البدعة إليهم، والترضية على معاوية، وأضرابه، الذين هم أصل عداواتهم؛ وأرادوا الإهانة لهم، والإطفاء لنورهم، الذي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، انتهى المراد.
وقد سبق ما فيه كفاية، لأرباب الهداية.
[تشنيع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير على مذاهب السنية]
ولقد قام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في هذا المقام، بواجب الإنكار، في تسميتهم لبدعة الجبر سنة، حيث قال في الإيثار، ما لفظه: وتسموا بالسنية، واتسموا بحماتها من أهل البدعة؛ فسلموا لأعداء الإسلام نسبة كل قبيح مذموم إلى الله ـ تعالى ـ وأنه منه لا من غيره، وأن ذلك وجميع أفعاله صدرت منه لغير حكمة، ولا عاقبة حميدة، وأنه لا يعاقب العصاة لأجل المعصية، ولا يثيب المحسنين لأجل الإحسان؛ بل تصدر أفعاله عنه، كما تصدر المعلولات عن عللها الموجبة لها، والاتفاقيات الاختياريات من الصبيان والمجانين؛ وأنه قد وقع منه تكليف المحال، وأنه ليس هو أولى به من تكليف الممكن، وأمثال هذا، مما لم تكن الملاحدة تطمع أن يمضي لهم طرفة عين.
فقد صار ذلك من آكد عقائد هؤلاء الحماة عن السنة والإسلام، يوصون به في المختصرات عموم المسلمين، فيوهمون أن ذلك من أركان الإسلام؛ فلولا أن هذا قد وقع منهم، ما كان العاقل يصدق بوقوعه ممن هو دونهم؛ فنسأل الله تعالى العافية، انتهى.
وإنما سقت كلامه؛ لكونه من أعظم من يذب عنهم، ويتمحل لهم، ولكنه غلبه الحق، فصرح بالواقع، واتسع الخرق على الراقع.
وللإمام الشهير، المنصور بالله الأخير، محمد بن عبدالله الوزير (ع)، كلام في هذا المقام، جار على منهج الصواب، وسبيل السنة والكتاب؛ وقد سبق ما فيه ذكرى لأولي الألباب. /449
قال: ونقول: إن الأهم المقدم، معرفة ما هو سنة نبوية دل عليها محكم الكتاب، ومعلوم السنة الجامعة غير المفرقة، حتى يمكن معرفة البدعة؛ كما قال باب مدينة العلم (ع): إن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال يعرفون بالحق، فاعرف الحق تعرف أهله...إلخ.
هذا، وقد ذكر نجم الآل، القاسم بن إبراهيم (ع) أن الواجب معرفة الحق...إلخ.
وهذا هو المعلوم من معالم الدين ضرورة؛ إذ لو كان الحق يعرف بالرجال، لأدى إلى مفاسد جمة، وظلمات مدلهمة، وكل يدعي الحق، ولتناقض جوهر الدين الذي لا ينقسم، وتنافى معناه فلم يلتئم؛ وذلك محال شرعاً وعقلاً.
ألا ترى أن كل فرقة من فرق الإسلام، قد ادعت أن مسألة كذا سنة وخلافها بدعة، وتعكس الفرقة الأخرى كذلك، ثم هلم جرا!!
ولا يقال: إن من هذا ما هو من الظنيات، والاختلاف ظاهر؛ لأنا نقول: إن محل النزاع في نفس مسألة قيل: إنها سنة، وإنها بدعة؛ ومعرفة الحق الذي هو سنة حقاً، متوقفة على الدليل، المفيد أن هذا الأمر حق، لا أنه يعرف بالرجال.
...إلى قوله: إذ الدين أمر شرعي، فلا بد فيه من دليل شرعي، أن هذا هو الحق، لا مجرد خصوصية تلك الفرقة، على فرض أنها هي المختصة بالفن دون غيرها؛ بخلاف ما كان من غير الدين والتدين، كمثل: الرجوع إلى أهل المهن في مهنهم، لا كمثل: ما يتطرق إليه التنافس والدغل والأهواء، والميل معها، كمثل: الميل إلى العقائد والمذاهب والدواعي إليها، ورمي المخالف لها وله بما تهواه النفوس، من غمط الحق والتحامل.
...إلى قوله: إذا عرفت هذا، ظهر لك أن مثل من تعلق بفنون اللغة العربية، التي من جملتها: علم القرآن، والحروف، قد مشوا على نمط واحد، ووتيرة واحدة، في فنونهم تلك، ولا تجد بينهم خلافاً ضائراً، مع كونهم من كل فرق الإسلام؛ وذلك لأن فنونهم لا دخل لها في التدين، ولا ثمة ما يوجب الملاحظة، وقصارى عملهم حفظ جوهر اللغة، وما يلحق ذلك من هيآتها، نحواً وتصريفاً، وبياناً ومعنى. /450
قال: وحينئذ لابد من معرفة السنة، ما هي، والبدعة، ما هي؛ ثم الحكم بأنها سنة وخلافها بدعة؛ مثل: مسألة الجبر، وما يلحق به، والإرجاء الذي يسمونه رجاء، تقولاً على اللغة؛ وكذا النصب والرفض، وما يلحق بهما، ومثل: الأذان بحي على خير العمل، والتثويب، وأمثال ذلك من مسائل الأصول والفروع؛ لا كون القائل بأي مسألة من الظنيات آثماً، أو غير آثم؛ إنما المراد الحكم بأن هذه المسألة سنة وخلافها بدعة، لا فيما يلزم القائل بها، أو ما يلزم له؛ فتأمل تصب.
...إلى قوله: وأيضاً، فإنهم ـ أعني أهل السنة ـ بزعمهم قد اضطربوا اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة، فيما بينهم؛ لاختلافهم، إما للنفاسة والرئاسة، أو العقيدة؛ فترى من يقول منهم في رجل: إنه أمير المؤمنين في الحديث؛ وهو بعينه عند آخرين أكذب الكاذبين، وتتنوع لهم فيه النعوت والأوصاف، بالمدح والذم وعدم الائتلاف.
وهذا معلوم لمن نظر في كتبهم، في الجرح والتعديل.
[كلام المقبلي وصارم الدين في انحراف وتحامل المحدثين]
قال: وقد ذكر المقبلي في كل كتبه أن هذا صنيع أهل الحديث، وأنه لا ينبغي تقليدهم، ولا الاعتماد على أقاويلهم؛ وإنما يكون ذلك كالأمارة، فخذ ودع.
وتراهم يرمون غيرهم بالحجر والمدر، كأنهم الدراري والغرر.
وكما هو صنيعهم في أهل علم الكلام، من أنه بدعة أضرت بالأنام، ومخالف للسلف والصحابة الأعلام، وتجاهلوا ـ أو جهلوا ـ أن من هو باب مدينة العلم من يدور معه الحق حيثما دار، قد خاض في الأسماء والصفات، وفتح أبواب تلك المقفلات، وقد ملأت البسيطة أقواله وخطبه وكلامه؛ فهل بعده على من اهتدى بهديه من ملامة؟
غير أنه قد حصل من بعض المتكلمين من الغلو والتنافس، مثل ما قدمنا في أهل الحديث.
[الكلام على حقيقة التشيع والشيعي عند المحدثين]
وقال: أو لم يقرروا أن كل من تولى علياً، وأهل بيته ـ سلام الله عليهم ـ من دون تقديم على أبي بكر، وعمر ـ شيعي؛ وكل شيعي موصوم مذموم؛ ولهذا يقدحون في الحاكم، والنسائي، والشافعي، وأمثالهم. /451
قلت: المروي عن يحيى بن معين أنه قال: طالعت كتاب الشافعي في السير، فوجدته لم يذكر إلا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
فاستشهد بذلك أن الشافعي رافضي ـ صانه الله تعالى ـ وقد رواه عنه الإمام (ع) بصيغة الجزم.
وروى الإمام القاسم بن محمد (ع) عن السبكي في طبقاته، عن يحيى بن معين أنه قال: الشافعي ليس بثقة لما كان يتشيع، انتهى.
قال: وأما من قدم علياً (ع) في الإمامة والفضل فهو غال، ويطلق عليه رافضي.
وكذا من قدمه على عثمان، أو قدح في مثل معاوية وأتباعه، أو في بغاة الصحابة، أو ذكر أدنى وصمة، في أي صحابي، كما نقلنا عن ابن حجر في الفتح، والذهبي، وحكاه السيد محمد الأمير، والسيد حسن بن إسحاق ـ رحمه الله ـ، وكل ذلك ظاهر في كتبهم؛ وكيف، وابن العربي شارح الأحوذي قد قال: إن ابن ملجم ـ لعنه الله ـ قتل علياً باجتهاده بالإجماع...إلخ؟
وقال: إن الحسين بن علي (ع) قُتِلَ بسيف جده.
وكما في منهاج السنة لابن تيمية، فقد بالغ وأبلغ في تنقيص أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وكذا الزيدية.
...إلى قوله: وابن حجر قال في صواعقه التي هوت به في النار: إن معاوية باغ على علي، ثم على الحسن (ع)، حتى نزل الحسن عن الخلافة؛ ولكنه غير آثم، بل مأجور؛ لأنه فعل باجتهاده...إلخ.
وقال: إن معاوية، وعمرو بن العاص مجتهدان أخطآ.
وكم نعد من كلماتهم؟
والكل من أقوال هؤلاء هو مذهب الحشوية النابتة، والجبرية القدرية.
قال: ولم تقع متابعة الهوى إلا في أيام الصحابة وتابعيهم، وأيام بني أمية؛ وقد نبه القرآن في غير ما آية كريمة مثل: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الجاثية:17]، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا } [آل عمران:105]، وما ورد في النهي عن التفرق؛ ومعلوم وقوع ذلك /452
بين هذه الأمة كما في الأمم السابقة.
قال: ومعترك الأهوية، وظهور الضغائن ومتابعة الدنيا، ومتابعة ملوك بني أمية، إنما وقع في المتقدمين؛ فكم شاحح ولاحظ معاوية ومن بعده فيما يقدح به في أمير المؤمنين، وأهل بيته (ع)، وما يرفع به جانب عثمان خصوصاً، ثم أصحابه عموماً.
...إلى قوله: ثم انتقلت تلك الأحاديث إلى الديانين غالباً؛ وقد تمكنت الشبهة والجفوة للآل الأكرمين.
ثم نقل كلاماً لابن حجر العسقلاني في الجرح والتعديل مستشهداً به، وفيه: والآفة تدخل في هذا الفن تارة من الهوى، والغرض الفاسد، وكلام الثقة غير سالم من هذا غالباً، وتارة من المخالفة في العقائد، وهو موجود كثيراً قديماً وحديثاً؛ ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك.
ثم ساق مصطلحهم المتقدّم في التشيع، وأورد كلام السيد العلامة الحسن بن أحمد بن إسحاق في الرد على ابن تيمية، ومنه قوله: وهو أنهم جعلوا التشيع رأس كل بدعة في الدين، ثم قسموا الشيعة إلى فرق متعددة، حتى عدوا منهم فرقاً كفرية، بل صرّح الذهبي في بعض كتبه أن من يتولى علياً (ع) ويحبه، وأهل بيته، فهو شيعي؛ وكذا صرح شيخه مؤلف هذا الكتاب، فجعلوا مجرد توليهم، ومحبتهم بدعة، مع اتفاق الأمة على موالاة كل مؤمن.
قال الإمام محمد (ع): وهذا هو ما ذكره ابن الأثير في نهايته؛ لأنه قال ما نصه: وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً ـ رضي الله عنه ـ، وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً؛ قال: وأصلها من المشايعة، وهي المتابعة والمطاوعة، انتهى.
قال: فقد تواصى الحشوية بهذا أولهم وآخرهم، وكل من يتولى علياً وأهل بيته، فإنه عدوّهم؛ لأن الله ـ تعالى ـ قابل التشيع بالعداوة في قصة موسى (ع): {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى /453
الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15]، وقال تعالى في قصة نوح: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} [الصافات].
ثم ساق الإمام من كلامه (ع) إلى قول الإمام: فهذا حاصل مذهبهم، وخلاصة معتقدهم؛ فكيف تقبل رواياتهم على أهل البيت وهم أعداؤهم؟
وقد جعلوا مجرد التشيع وصمة ينزهون كبارهم عنها؛ وذلك إنما هو مجرد حب علي من دون تقديمه أو تفضيله، أو من يقدح فيمن حاربه وعاداه، وهم يروون الذي في كتبهم: ((لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق))، وأن حبه علامة الإيمان، وبغضه علامة النفاق؛ وغير ذلك من أحاديثهم.
وهذا المعنى وغيره مما حكموا به، متواتر، أو صحيح، أو حسن؛ دع ما لم يصححوه.
وقد جعلوا تقديمه أو تفضيله على المشائخ رفضاً وغلواً، فيكون كل أهل البيت روافض، ويلزم في النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وحاشا مقامه، ومقام إلهه العزيز الكريم؛ لأنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هو الذي قدمه وقربه وفضله.
...إلى قوله: ورووا فضائله، التي توجب عليهم تفضيله وتقديمه، ورووا أنه أمر علياً (ع) بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وحديث عمار ـ رضي الله عنه ـ وأجمعوا على تواتره، بل إنه معلوم ضرورة، وفيه أن معاوية، وأتباعه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار؛ وحديث الغدير وفيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)) وحديث المحاربة، وأمثال ذلك؛ فأنى تؤفكون؟
ولا عجب، فقد أصيبوا بـ((اخذل من خذله)).
وساق كلاماً قد سبق في صدر الكتاب.
[ذكر جماعة من النواصب اعتمدهم البخاري]
قال (ع): وقد رأيت أن أنقل هنا ما أورده الإمام القاسم بن محمد (ع) في بحث ما روي عن الإمام الهادي (ع) في البخاري، ومسلم، وقد ذكر أنهم عمموا تعديل الصحابة، ورووا عن بغاتهم وأمثالهم، ممن اشتهر وظهر عنه بغض /454
الآل، ونصب العداوة لهم.
حتى قال: ولم يرووا عمن يرتضى دينه إلا أقل مما رووا عمن ذكرنا، مع وسائط ممن يرى سبّ أمير المؤمنين، كعمرو بن شعيب، وآبائه وأضرابهم ـ لعنهم الله ـ، وممن كان يعلن ببغاضة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ويتجارى على الله بالكذب، وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كعكرمة، مولى ابن عباس.
قلت: تقدم الكلام على عكرمة وغيره.
قال: واعتمدوا على رواية كثير ممن عرف بالنصب كحريز بن عثمان الحمصي؛ فإن البخاري اعتمد على روايته.
قلت: قد بسط الكلام في شأن هذا المارق المنافق في شرح نهج البلاغة.
قال السيد العلامة، محمد بن عقيل، في العتب الجميل ـ أحسن الله جزاءه ـ بعد أن ساق بعض مخازيه: وقد تجشمت الإطالة، نصحاً لله ولرسوله؛ ليحذر الحريص على دينه دسائس المنافقين، ويدقق البحث، ولا يغتر بقولهم: ثقة، ثبت، صاحب سنة...إلخ؛ فإن أمثال هذا الإطراء منهم يكال جزافاً لكلاب النار، والفجار المنافقين، الوضاعين المبدلين للدين.
ومما تقدم نقله تعرف أن حريز بن عثمان فاجر منافق وضاع، مبغض لعلي (ع) مجاهر بذلك، وبأنه لا يحبه، بل يشيد بسبه.
قلت: رووا أنه كان يقول: لا أحبه، قتل آبائي ـ يعني علياً ـ.
قال: ويخترع الأحاديث في تنقيصه، وهو مع ذلك سفياني، داعية إلى مذهبه الممقوت؛ وادعاؤه سماع ذلك البهتان من طاغيته الوليد، أو احتمال إمكان ذلك، عذر غير مقبول، وإن كان الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض.
قلت: وهذا البهتان المشار إليه، هو ما رووه عنه أنه قال: هذا الذي يرويه الناس عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) حق؛ ولكن أخطأ السامع.
قلت: فما هو؟
قال: إنما /455
هو (أنت مني بمنزلة قارون من موسى).
قلت: عمن ترويه؟
قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله.
وغير ذلك مما افتراه على الله وعلى رسوله، فسحقاً له ولشيخه وإمامه، وقائده إلى النار بزمامه؛ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ }...الآية [التوبة:67].
ويا عجباه لأصحاب الصحاح، ولرجالهم المعتمدين عليهم من أرباب الفسوق والكفر الصراح! وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): وكذلك إسحاق بن يزيد العدوي.
قلت: كذا في الفرائد، والمشهور بن سويد (بالسين المهملة، والواو)، وقد أفاد ابن حجر في مقدمة الفتح أن العجلي وثقه، وأنه قال: كان يحمل على علي بن أبي طالب.
قال الإمام القاسم (ع): وحصين بن نمير الواسطي.
قلت: قال في الفتح: قال أبو خيثمة: كان يحمل على علي.
قال الإمام القاسم (ع): وبهز بن أسد، وعبدالله بن سالم الأشعري، وقيس بن أبي حازم.
قلت: هو من المشهورين ببغض سيد الوصيين، والمصرحين بذلك، كما في شرح النهج وغيره؛ وقد سبق الكلام فيه.
وممن جرحه ورد روايته من أئمة العترة (ع): الإمام ما نكديم، والأمير الحسين، والإمام القاسم (ع) كما ترى.
وادعى الذهبي أن الناس أجمعوا على توثيقه؛ فقال بعضهم: انظر في كلام الذهبي حيث الرجل يروي ما يوافق مذهبه يبالغ في التوثيق، ويروي الإجماع مجازفة.
وفي تهذيب التهذيب عن ابن المديني عن القطان أنه منكر الحديث؛ وفي مقدمة الفتح عن يعقوب بن أبي شيبة أن من أصحابهم من قال: له أحاديث مناكير، وأنه كان يحمل على علي.
..إلى قوله: ولذلك كان يجتنب كثير من قدماء الكوفيين الرواية عنه، انتهى. /456
قال الإمام القاسم بن محمد (ع): ومحمد بن زياد بن الربيع المصري.
قلت: هو الألهاني الحمصي في تهذيب التهذيب لابن حجر.
قال الحاكم: اشتهر عنه النصب، كحريز بن عثمان، انتهى.
وسلك فيه الذهبي مذهبه، فادعى اتفاق الناس على توثيقه، قال: وما علمت فيه مقالة سوء، سوى قول الحاكم الشيعي، انتهى.
قال الإمام القاسم (ع): والوليد بن كثير بن يحيى المدني؛ فهؤلاء اعتمدهم البخاري مع ظهور عداوتهم لأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ، وبغضهم له.
[عدد من تكلم فيهم ممن اعتمدهم أهل الصحاح، والمجاهيل في البخاري، ومن أخرج له البخاري ولم يخرج له مسلم؛ والعكس]
ثم ذكر الإمام (ع) ما قد قدمناه: أن المتكلم فيهم ممن اعتمدهم البخاري ثلاث مائة وخمسة وخمسون، ومن الذين علق لهم خمسة وسبعون، والمجاهيل مائة وثمانية وأربعون، وأن النووي قال في شرح مسلم: قال أبو عبدالله الحاكم، عدد من أخرج له البخاري، ولم يخرج له مسلم ـ يريد أن مسلماً استضعفهم ـ أربع مائة وأربعة وثلاثون، وعدد من احتج بهم مسلم، ولم يحتج بهم البخاري ـ يريد أنه استضعفهم ـ ستمائة وخمسة وعشرون.
قال: ومثل ما ذكره الحاكم في هذا ذكره ابن حجر في مقدمة فتح الباري.
وذكر أهل التدليس، وأنه مقرر في كتبهم، حتى حكى أن محمد بن يحيى الذهلي نهى أن يأخذوا عن البخاري.
...إلى قوله: وصح أن البخاري رمى الذهلي هذا بالكذب، ثم اعتمده في /457
صحيحه، ودلّسه.
وساق في معاملتهم بمجرد أهوائهم.
قال: ويقولون: فلان زائغ، فلان تركوه؛ بلا حجة إلا الدعوى؛ ويعدلون من جرح بسبب من أسباب الجرح معيناً، كما رووه عن عبدالله بن أبي داود، بأنه يكذب، وبأنه رمى أنس بن مالك خادم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأزواجه بالزور والبهتان في حديث الطير، وقال: إن صح حديث الطير فنبوته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ باطلة.
وهذا كفر.
قلت: هذا المخذول هو أبو بكر بن أبي داود السجستاني، صاحب السنن.
وفي الميزان للذهبي بالسند إلى أبيه أنه قال: ابني عبدالله كذاب؛ قال ابن صاعد: كفانا ما قال أبوه فيه.
وفيه: قال ابن عدي ـ وساق السند إلى إبراهيم الأصفهاني ـ يقول: أبو بكر ابن أبي داود: كذاب، انتهى.
ثم شهد له الذهبي بالحفظ والإمامة؛ قال: وما ذكرته إلا لأنزهه.
قال الإمام القاسم (ع): فعدلوه.
وقال الذهبي في النبلاء بعد أن ذكر هذا عنه: إنما هو كذاب في لهجته لا في الحديث؛ فكأنه عنده من أركان المحدثين، لما كان زائغاً عن أمير المؤمنين؛ ثم ذكر بعض من قد تقدم الكلام فيهم.
...إلى قوله: وأشباههم من النواصب البغضة لآل محمد، وأنهم عندهم عدول، ولا بأس بهم؛ وإن رموا بشيء من الجرح اغتفروه.
انتهى كلام الإمام (ع)، وقد تقدم ما فيه كفاية.
وأقول والله الموفق: قد سمعت ما يقدمون عليه من الجرأة على الله ـ تعالى ـ وعلى رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ واختيار إبطال النبوة، وجحد الرسالة، على إبطال ما أصلوه من عند أنفسهم، وبأهوائهم، من تقديم /458
من أخر الله، وتأخير من قدم الله، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله؟
وليس بنافع لأمثال هذا المارد الجاحد، الرد والتكذيب لخبر واحد، ففي معناه ما لايحصى كثرة، كتاباً وسنة؛ فقد علم من الكتاب المبين، والمجمع عليه من سنة الرسول الأمين، التقديم والتفضيل لسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، بل نفس إمام المرسلين، ولسائر عترته المطهرين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ برغم أنوف الجاحدين؛ وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة؛ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ أهم يقسمون رحمة ربك؟ قل: إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وقد سبق في الكتاب، ما فيه تبصرة لأولي الألباب.
والمعلوم من حال الخصوم كافاهم الله ـ تعالى ـ أنهم يسلكون في إبطال الوارد من حجج الله ـ تعالى ـ على لسان رسوله في وصيه، وسائر أهل بيت نبيه ـ صلى الله وسلم عليهم ـ كل طريقة، تارة بالتضعيف والتزييف، وأخرى بالتبديل والتحريف، ومرة بالمعارضة والمناقضة، وأخرى بالجحود والتكذيب، وما بهرتهم به الآيات، والأخبار المتواترة، وقهرتهم فيه البراهين المعلومة /459
القاهرة؛ ولم يجدوا في رده ولو بالمباهتة، أو معارضته ولو بالروايات الكاذبة، أو تأويله ولو بالتحريفات الباطلة، حيلة، ولم يهتدوا سبيلاً؛ فعند ذلك يعرضون عن معانيه، ويمنعون عن الخوض فيه، ويقطعون عنه الخطاب، ويوصدون دونه الأبواب، كأن في آذانهم عن سماعه وقراً، ومن بينهم وبينه حجاب، ويتواصون بهجره، وإلغاء ذكره، إلا ما غلبهم من إمراره عند تلاوة الآيات، أو إملاء الروايات، من غير تعريج عليه، أو توقف لديه؛ ومن استدل به أو بحث عنه، أو نظر في معناه، رموه بالبدعة، ونبزوه بالرفض، ومخالفة السنة والجماعة، ونسبوا إليه كل طامة، ولا يرقبون فيه إلاً ولا ذمة؛ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
[خبر الطير وتخريجه]
فنقول: خبر الطير رواه أئمة العترة (ع) منهم: الإمام المنصور بالله، أخرجه في الشافي، والأمير الحسين في الينابيع؛ وقال: وهذا الخبر مما احتج به أمير المؤمنين(ع) يوم الشورى بمحضر الصحابة، ولم ينكر عليه منهم منكر، انتهى.
وفيه: ((اللهم ابعث أحب خلقك إليك))، و((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر))، الخبر.
قال شارح الأساس: وهذا الخبر مشهور، قال في المحيط: وروي عن أنس، وسعد بن أبي وقاص، وأبي ذر، وأبي رافع مولى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وسفينة، وابن عمر، وابن عباس؛ وهو متلقى بالقبول من جلّ الصحابة. /460
قلت: في كتاب المحيط ما لفظه: إن أمير المؤمنين احتج به بحضرة الصحابة يوم الشورى، ولم ينكر عليه أحد، وفيه: كل طريق تعلم بها الشورى، يعلم بها إيراده(ع) الخبر.
وفيه: ويدل على صحة هذا الخبر أيضاً إجماع العترة عليه، وبينا من قبل أن إجماعهم حجة.
ويدل على ذلك أيضاً أن هذا الخبر رواه عدة من الصحابة؛ لأنه روى ذلك أنس، وسعد بن أبي وقاص ـ وذكر بقية السبعة المذكورين ـ.
ثم قال: وما من واحد منهم إلا وقد جعله حجة.
إلى قوله: فلو لم يكن في الأصل مما قامت به الحجة لم يكن ينتشر هذا الانتشار، ولم تجتمع عليه، وعلى الانقياد له جلّ الصحابة.
وقال الشيخ أبو عبدالله البصري ـ رحمه الله ـ: روى خبر الطير عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، وأبو رافع مولى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وسفينة مولى النبي، وابن عباس.
قال: ورواية هؤلاء لهذه القصة عن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - مشهورة، لا يدفعها أحد من أهل العلم.
انتهى بلفظه من المحيط بالإمامة.
قال أيّده الله في التخريج: ورواه ابن المغازلي عن ابن عباس، وعن سفينة مولى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وعن علي من حديث المناشدة، وعن أنس من طرق أكثر من عشر، ورواه الكنجي عن أنس من ثلاث طرق، وقال: رواه المحاملي كذلك ـ أي عن سفينة ـ، وذكر أن الحاكم أخرجه عن ستة وثلاثين نفساً؛ وذكر عددهم في مناقبه.
قال: ورواه أبو علي الصفار بإسناده عن أنس، ورواه أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي عن أنس، ورواه النسائي في خصائصه عن أنس.
قال: ورواه ابن المغازلي، والخوارزمي بإسنادهما إلى عامر بن واثلة عن علي (ع).
انتهى المراد نقله.
قلت: وفي ذخائر العقبى للطبري الشافعي ما ذُكر أنه (ع) أحب الخلق إلى الله بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن أنس بن مالك، قال: /461
كان عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ طير، فقال: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير))، فجاء علي بن أبي طالب (ع) فأكل معه.
أخرجه الترمذي، والبغوي في المصابيح في الحسان، وأخرجه الحربي، وخرجه الإمام أبو بكر محمد بن عمر بن بكير النجار عن أنس؛ وساقه إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي))، انتهى.
وفي شرح التحفة العلوية للسيد محمد الأمير بعد سياق ما نقلته من الذخائر ما لفظه: وفي الجامع الكبير في مسند أنس بن مالك.
وساق الرواية إلى قوله: فسمع النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - صوته، فقال: ((ادخل يا علي، اللهم وإلي ـ ثلاثاً ـ)) أخرجه ابن عساكر.
وذكر أنه أخرجه ابن عساكر أيضاً عن دينار، وعن عبدالله القشيري، عن أنس، وعبدالله بن أحمد بن حنبل، عن سفينة مولى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وفيه: ((اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك...الخبر))، وذكر رواية ابن المغازلي له.
قال الأمير: قال الذهبي: وأما حديث الطير، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنف.
قلت: صنّف فيها بعد ما أدهشته كثرتها كما بهرته طرق خبر الغدير، حتى قطع بها، فأنوار فضائل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ تارة تدهشه وتارة تبهره، وهو أعمى عن طريق الهدى لا يبصره؛ وكل ذلك من إخراج الله الحق على ألسنة المبطلين، والحمد لله رب العالمين.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد أردت أن أنقل شيئاً من كلام الوالد محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ من العواصم، وهو ممن لا يتهم؛ فقد بالغ في تجميل المحدثين، حتى تعصب لهم بكل ممكن.
قال: ولقد صنف الحافظ العلامة محمد بن جرير الطبري كتاباً في طرق حديث الطير، في فضائل علي (ع)، لما سمع رجلاً يقول: إنه ضعيف.
قال الذهبي: وقفت على هذا الكتاب، فاندهشت؛ لكثرة ما فيه من الطرق.
فكيف بمن قال: إن صحّ حديث الطير فنبوة محمد صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم باطلة؟ وهو أبو بكر بن أبي داود؛ /462
فهل بعد هذا من كفر صريح؟
كذلك الذهبي له مقال فيه مع قوله هذا.
فما ترى في هؤلاء الذين تغاضوا لابن أبي داود، أهم أعداء وشر الأعداء أم لا؟ وهل يقبلون على أهل البيت؟ حاشا الله.
قال الإمام محمد بن عبدالله: على أنّا نقول: إن حديث الطير برغم كل خصم أخرجه الترمذي، والحاكم وصححه، وقال: إنه يلزم البخاري ومسلماً إخراجه في صحيحيهما؛ لكثرة من رواه، فقد عدّ في المستدرك من وجوه التابعين نيفاً وثلاثين رجلاً كلهم رواه عن أنس، وجمع طرقه في غيره عن ستة وثمانين نفساً يروونه عن أنس؛ فهو متواتر قطعاً عن أنس.
وقد رواه المحاملي عن سفينة مولى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، ورواه عبدالله، ورواه أمير المؤمنين في حديث المناشدة بمجمع من الصحابة فأقروا به، ورواه أيضاً غيره؛ وإذا كان أحب خلق الله إلى الله، فهو أحب خلق الله إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قطعاً؛ على أن في بعض طرقه قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((اللهم وإلي)).
ثم ساق كلام صاحب التحفة، وسأنقله منها؛ فإني أعدل كثيراً إلى الأصول التي يأخذون منها؛ لزيادة إفادة، لا تخفى على أرباب الرواية والدراية.
[أحاديث المحبة لعلي وتخريجها]
هذا، قال السيد العلامة محمد الأمير، في الرد على المعاند في خبر الطير: ولأنه علل عدم صحته بأمر قد ثبت، وهو أنه إذا كان أحب الخلق إلى الله كان أفضل الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقد ثبت أنه أحب الخلق إلى الله من غير حديث الطير، كما أخرجه أبو الخير القزويني من حديث ابن عباس أن علياً (ع) دخل على النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقام إليه وعانقه، وَقَبَّلَ بين عينيه، فقال له العباس: أتحب هذا يا رسول الله؟
قال: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني)).
ذكره المحب الطبري.
قلت: وقد أورده الطبري في بحث آخر بلفظ: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذْ دخل علي بن أبي طالب، فسلم، فرد عليه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ السلام،/363
وقام إليه وعانقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه.
فقال العباس: يا رسول الله، أتحب هذا؟
فقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا عم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا)).
أخرجه أبو الخير الحاكمي.
قلت: وإخراج الحاكمي له، وصاحب كنوز المطالب في بني أبي طالب، أفاده في الإقبال وشمس الدين صاحب المسوح فيما كتبه للإمام القاسم بن محمد (ع)، وهو في جواهر العقدين، قال: أخرجه أبو الخير الحاكمي في أربعينه، ورواه صاحب كنوز المطالب بزيادة.
وساق إلى قوله: فقال فيه رسول الله: ((ياعم، والله، لله أشد حباً له مني؛ إنه لم يكن نبي إلا ذريته الباقية بعده في صلبه، وإن ذريتي من بعدي في صلب هذا؛ إنه إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء أمهاتهم ستراً من الله عليهم، إلا هذا وذريته؛ فإنهم يُدعون بأسمائهم؛ لصحة ولادتهم)).
قال الأمير: في حديث خيبر الماضي ما يدل لذلك، فإنه ليس المراد من وصفه بحب الله إياه أدنى مراتبها، ولا أوسطها، بل أعلاها؛ لما علم ضرورة من أن الله يحب جماعة من الصحابة، غير علي (ع).
..إلى قوله: فلما علم أنه قد شاركهم في محبة الله لهم، وأنه رأس المتبعين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علم أنه أراد أعلاهم محبة لله؛ ولهذا تطاول لها الصحابة، وامتدت إليها الأعناق، وأحب كل وترجى أن يخص بها.
ثم ساق في الاستدلال بأخبار أوردها الطبري في الذخائر، ونذكرها قريباً من رواية الفرائد؛ ولعمر الله، إن الأمر في ذلك لأبين من أن يحوج إلى بيان، أو يتكلف عليه إقامة برهان.
ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى .... ولكنها الأهواء عمّت فأعمتِ
فهل يصح من مؤمن بالله ورسوله أن يعارض ما علم من النصوص الضرورية، في الكتاب الكريم والسنة النبوية، بمثل ما رواه البخاري في صحيحه، بسنده إلى عمرو بن العاص وزير معاوية، وهو: أيّ الناس أحب إليك يا رسول الله؟
قال: (من النساء عائشة). /464
قال: فمن الرجال؟
قال: (أبوها).
وليس إلا معارضة لما ورد بهذا اللفظ بخصوصه في سيد الوصيين، وأخي سيد النبيين، وفي زوجه فاطمة البتول، بضعة الرسول، صلى الله وسلم عليهم وعلى آلهم الطاهرين.
كما قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد ـ وقد ساق البحث في رواية البخاري لما يعارض خبر الأبواب المعلوم بالتواتر، بإقرار الخصوم، كما قدمنا ـ ما لفظه: وهذا الحديث في المعارضة يشبه حديث عمرو بن العاص ـ وذكره ـ.
قال الإمام (ع): فإنه معارض للحديث المروي عن عائشة، الذي أخرجه الترمذي من رواية جميع بن عمير، قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسُئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قالت: فاطمة.
قيل: فمن الرجال؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً.
قلت: وأخرجه الخوارزمي بسنده إلى جميع بن عمير، قال: دخلت على عائشة.
..إلى قوله: فقالت: ما رأيت رجلاً قط أحبّ إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من علي، ولا امرأة أحبّ إليه من امرأته.
قال الإمام: وأخرج عن بريدة، قال: أحب الناس إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فاطمة؛ قال: ومن الرجال علي (ع).
وذكر البخاري حديث عمرو، وترك حديث عائشة؛ وحديث عمرو هذا ضعيف، أعظمها حال عمرو.
أما معاداته لعلي (ع) فإنها واضحة كالشمس، وقد أشار إلى وضع عمرو له السلف ـ رحمهم الله ـ فإنهم سموه: حديث عمرو، وجعلوه كالعلم له؛ وفي رجاله غير عمرو.
..إلى قوله: على ما ذكره ابن حجر في نقادة من نقد فيه من رجال البخاري؛ ولا حاجة في إعلاله من جهة الرجال بزيادة على حال عمرو، الذي نسب إليه الحديث؛ وأين رجاله وحاله، وشواهده من حديث علي وفاطمة؟!!
وقد ذكر ابن حجر في شرح حديث عمرو هذا ما هو معارض له من حديث عائشة، غير حديث فاطمة (ع).
قال: وأخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي بسند صحيح عن النعمان /465
بن بشير، قال: استأذن أبو بكر على النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، فسمع صوت عائشة عالياً، وهي تقول: والله، لقد علمت أن علياً أحب إليك من أبي...الحديث.
...إلى أن قال: وهو في الظاهر يعارض حديث عمرو؛ ولكن يرجح حديث عمرو أنه من قول النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهذا من تقريره.
...إلخ ما ذكره، وختمه بقوله: والله أعلم.
قلت: ويالله من هذا الترجيح، الذي هو غير رجيح، ما أضعف قواه، وأوهن عراه، وأبعده عن الصواب، المعلوم من ضرورة السنة والكتاب، قولاً وفعلاً وتقريراً يعلمه أولوا الألباب!.
وتالله، إنه لا يخفى ذلك على مثل هذا الشيخ، ولا يجهل حال عمرو، ولكن الهوى يعمي ويصم؛ نعوذ بالله من الخذلان.
وسلك السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير طريقة إلى الجمع، لا بأس بها، لو كان للرواية قرار؛ ولكن كيف والراوي من رؤوس الدعاة إلى النار؟ فهي مؤسسة على شفا جرف هار؛ فلا معنى للجمع إلا بعد صحة الأخبار.
فقال في العواصم ـ بعد أن تكلم على حديث عمرو ـ ما لفظه: ولكن ذلك في أحب الناس إليه، لا في أحب أهله، الذين هم أحب الناس إليه؛ وقد روى الترمذي من حديث عائشة...إلخ، وذكر أنه روى حديث بريدة.
قال: وذكر الترمذي نحو الجمع الذي ذكرته عن إبراهيم النخعي...إلخ كلامه.
قال الإمام في الفرائد: وفي كلام ابن حجر إشارات إلى ما وقع في نفسه، من حديث عمرو، وكلاهما من أهل الجراءة في الدين، والمحاربة لأمير المؤمنين؛ ولكن النعمان كان أصدق من عمرو، وليس له نفاقه وكذبه وغدره.
وأما في هذا الحديث فعداوته ـ قلت: أي النعمان ـ مؤكِّدة ومحقِّقة لصدقه فيما رواه من فضيلته؛ والحق ما شهدت به الأعداء؛ وقوة أحاديث علي بينة ظاهرة، وشواهده كثيرة متواترة.
وقد تقدم أنه لم يكن الحامل لأكثر من تقحم على تعديل كل الصحابة على تفسيرهم، الذي فسروا به الصحابي، إلا /466
توسيع الدائرة، وعلاج إبطال ما أثبت الله ـ سبحانه ـ لأهل بيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من وجوب الاتباع والتفضيل، على كل من أهل الفضل؛ ولم يكن لهم ما يعارضون به براهين فضيلتهم، ولزوم قدوتهم وحجتهم، إلا قبول روايات أعاديهم، والقائمين بهتك حقوقهم، وإطفاء نور الله فيهم.
...إلى قوله: فأبطلوا ما أمكنهم إبطاله.
وما قهرهم برهانه؛ فإما يتأولونه ولو بتأويل باطل، أو يمنعون أن يبحث عن مدلوله؛ لئلا يرتقي إلى الأعلى فالأعلى، وقد كررنا هذا مراراً ـ وأفاد أن هذا كلام الإمام يحيى شرف الدين (ع) ـ.
قال في الفرائد: وأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون، بروايات الخصوم.
ثم ذكر أنه خرّج خبر جميع بن عمير النسائي من طريقين.
قلت: وقد تقدم إخراج الخوارزمي له.
قال: وقال السيوطي: أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق، وابن النجار، عن عروة، قال: قلت لعائشة: من أحب الناس إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؟
قالت: علي بن أبي طالب.
ثم سألها عن خروجها عليه...الخبر؛ أخرجه الترمذي، وأبو داود.
قلت: وأخرج أحمد بن حنبل عن جميع ما لفظه: دخلت مع أمي على عائشة.
..إلى قوله: فسألتها عن علي، فقالت: سألتني عن أحب الناس كان إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لقد رأيت علياً، وفاطمة، وحسناً، وحسيناً، وقد جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بثوب عليهم، ثم قال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
قالت: قلت: يارسول الله، أنا من أهلك؛ قال: ((تنحي أنت إلى خير)).
[حديث الإنذار وتخريجه]
وذكر الإمام محمد بن عبدالله (ع) أن النسائي أيضاً أخرج حديث بريدة، وحديث النعمان، ثم ذكر خبر التسعة الذين جاءوا إلى ابن عباس رضي الله عنهما؛ /467
وما رواه لهم من مناقب الوصي ـ صلوات الله عليه ـ العشر، وقد اشتمل على خبر: ((من كنت مولاه))، وخبر المنزلة.
وفيه: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي))، وأنه قال: ((أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة))، وخبر الراية، وخبر براءة، وخبر الإنذار، وخبر سبقه إلى الإيمان، وخبر الكساء، وخبر شرائه نفسه ليلة نام في مكانه، وخبر سد الأبواب غير باب علي، وغير ذلك؛ وهو خبر جامع، أخرجه الإمام المنصور بالله في الشافي.
وأفاد الإمام (ع) في الفرائد أنه أخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عباس، وأخرج النسائي بنحوه في خصائصه، والكنجي في مناقبه كما في رواية أحمد بطوله.
قال: ورواه ابن عساكر في الأربعين الطوال، وأخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، كما في حديث أحمد، وهو في صحيح أبي عَوانة.
وقال في موضع آخر: ثم ذكر ـ أي الإمام المنصور بالله (ع) ـ في الشافي حديث جمع بني هاشم عند نزول: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، وعرضه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم من يكون وزيره وخليفته فأبوا، فقال علي: أنا، فقال: ((أنت)).
وعن الثعلبي حديث نور النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وابن المغازلي، والديلمي؛ وفيه: ((ففيَّ النبوة، وفي علي الخلافة)).
وقد أخرج حديث جمع بني هاشم ابن حجر في تخريجه أحاديث الكشاف، وقال: أخرجه ابن إسحاق في المغازي، والبيهقي مطولاً، وأخرجه البزار، وأبو نعيم في الدلائل...إلخ.
ورواه من أصحابنا الجم الغفير بالأسانيد القوية، وفيه الخلافة /468
بعد أن عرض عليه ما أراده منهم، فقال: ((أيكم يوازرني على الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم)).
فأحجم القوم جميعاً.
فقال علي ـ وهو أحدثهم سناً ـ: أنا يا نبي الله.
قال: فأخذ برقبتي، وقال: ((هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له وأطيعوا)).
وفي رواية الأولين أنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّره عليك.
قلت: وأخرجه الحاكم بسنده إلى ابن عباس، وفيه: ((فأيكم يوازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي ووليي، وخليفتي فيكم)).
ورواه بسنده عن البراء، وفيه: ((على أن يكون وصيي، ووليي، وخليفتي)) وقولهم لأبي طالب: أطعْ ابنك فقد أمره عليك.
وأخرجه الكنجي عن البراء، وصحح نحوه الإسكافي.
وقال السيوطي: أخرجه ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي.
انتهى من التحفة.
وأخرج خبر الإنذار محمد بن سلميان الكوفي عن علي (ع) بسنده من أربع طرق؛ في طريقين ذكر الوصية، وفي بعض ((وليي وخليفتي)) في ثلاث طرق، و((أخي)) في ثلاث، وفي واحدة: ((يقضي ديني)).
وأخرجه أيضاً بسنده إلى ابن عباس، وفيه: ((أيكم يوازرني على أن يكون أخي ووصيي ووارثي وخليفتي ووزيري)).
أفاده أيده الله في التخريج؛ وقد سبقت روايته من الشافي، وبعض طرقه في خبر المنزلة.
قال الإمام (ع): على أن لفظ الخلافة قد جاء من طرق المحدثين كثيراً؛ ولكنها الأهواء عمت فأعمت.
قلت: وقد سبق ويأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ كثير طيب.
ثم ذكر الإمام (ع) ما أورده الأمير من الأخبار المشار إليها آنفاً، فقال: وأخرج المخلص الذهبي، والحافظ أبو القاسم الدمشقي، من حديث عائشة، وقد ذُكِرَ عندها علي، فقالت: ما رأيت رجلاً أحب إلى رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم منه، ولا امرأة أحبّ إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من امرأته.
وأخرج الخجندي عن /469
معاذة الغفارية، قالت: دخلت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في بيت عائشة، وهي خارجة من عنده فسمعته يقول: ((يا عائشة إن هذا أحب الرجال إليّ، وأكرمهم عليّ؛ فاعرفي له حقه، وأكرمي مثواه)).
وأخرج الملا في سيرته عن معاوية بن ثعلبة، قال: جاء رجل إلى أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وهو في مسجد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقال: يا أبا ذر، أتخبرني بأحبّ الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحب الناس إليك أحبهم إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقال: هو ذا الشيخ ـ وأشار إلى علي (ع) ـ.
ذكر هذه الأحاديث المحب الطبري.
[خبر عن أبي بكر في تفضيل أمير المؤمنين (ع)]
قال الإمام: واسمع إلى ما روي عن أبيها.
أخرج الدارقطني عن الشعبي، قال: بينا أبو بكر جالس، إذْ طلع علي بن أبي طالب من بعيد؛ فقال أبو بكر: من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة، وأقربه قرابة، وأفضله حالة، وأعظمه عناء عن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فلينظر إلى هذا الطالع.
انتهى من جواهر العقدين للسمهودي الشافعي.
قلت: هو كذلك في الجواهر؛ وفي رواية بلفظ: من سره أن ينظر إلى أقرب الناس قرابة من نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأجوده منه منزلة، وأعظمهم عند الله عناء، وأعظمهم عليه، فلينظر إلى علي.
أخرجه الخوارزمي عن شيخه الزمخشري، مسنداً إلى أبي سعد السمان، بإسناده إلى الشعبي قال: نظر أبو بكر إلى علي مقبلاً، فقال: من سره...إلخ.
أفاده في التفريج.
وفي الجواهر: قال أبو بكر: ما كنت لأتقدم رجلاً سمعت رسول الله ـ صلى الله /470
عليه وآله وسلم ـ يقول فيه: ((علي مني كمنزلتي من ربي)).
قال: أخرج ابن السمان في كتاب الموافقة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وذكر الخبر.
ورواه في ذخائر العقبى بلفظه، وقال: أخرجه السمان.
وأخرج ابن المغازلي عن جابر بن عبدالله.
وفي شرح التحفة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ بلفظ: ((يا علي، منزلتك عندي كمنزلتي عند الله، ومن فارقك فقد فارقني، ومن فارقني فارق الله))؛ أخرجه الحاكم الجشمي عن أنس، وسعيد بن جبير؛ وأخرجه الإمام في الشافي بسنده إلى الحاكم.
[خبر الجواز وتخريجه]
وفي الذخائر أيضاً: عن أبي بكر، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب علي له الجواز)) أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة، انتهى.
قلت: خبر الجواز مروي بطرق عدة، منها: عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي يوم القيامة على الحوض؛ لا يدخل الجنة إلا من جاء بجواز من علي بن أبي طالب))، أخرجه المنصور بالله في الشافي، وأخرجه ابن المغازلي.
وأخرج نحوه الخوارزمي عن ابن عباس، وابن مسعود.
وأخرجه ابن المغازلي عن ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه، بلفظ: ((لم يجز إلا من معه كتاب ولاية علي))، وغير ذلك.
[اعتراف الشيخين للعترة بالأفضلية عليهما]
وساق الإمام (ع) في اعتراف أبي بكر وعمر، من ذلك: ما جرى للحسنين (ع) معهما على المنبر؛ وقد رواه في جواهر العقدين، إلا أن الإمام استوفى الطرق، وهي /471
ما رواه الدارقطني، عن عبد الرحمن الأصبهاني، قال: جاء الحسن بن علي(ع) على أبي بكر، وهو على منبر رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، فقال: انزل عن مجلس أبي.
فقال: صدقتَ والله، إنه لمجلس أبيك.
وأجلسه في حجره وبكى.
قال: وروى الدارقطني في قصة أخرى في أمر المنبر اتفقت للحسين بن علي (ع) مع عمر بن الخطاب نحو هذه، وأن عمر قال: منبر أبيك لا منبر أبي.
قال: وقد ذكر ابن سعد في طبقاته هذه القصة، وغيرها.
قلت: في الجواهر: وقال: وهل أنبتَ الشعر على رؤوسنا إلا أبوك؟ - أي إن الرفعة ما نلناها إلا به - انتهى.
قال الإمام: وروى قصة الحسين (ع) الكنجي في مناقبه، وقال: أخرجها أحمد بن حنبل في المسند، وأحمد بن سعد، وطرَّقها محدث الشام ـ يعني ابن عساكر - من طرق شتى، وذكر الذهبي قصة الحسين، وصححها - وكذلك المزي - وذكر أيضاً قصة الحسن السيوطي في جمع الجوامع، وعزاه إلى أبي نعيم، والجابري، وابن سعد.
انتهى المراد.
قلت: وفي رواية الذهبي، والمزي: أن الحسين (ع) قال لعمر: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك.
فقال: إن أبي لم يكن له منبر.
وأقعده معه، وقال له: من علّمك هذا؟
قال: ما علّمني أحد.
ثم قال له: وهل أنبت الشعر في رؤوسنا إلا الله ثم أنتم.
ثم قال الذهبي: إسناده صحيح.
قلت: قد اعترضهما السبطان المعصومان المطهّران، واعترف الشيخان بأن المجلس لأبيهما لا لهما، ولم يدليا بحجة ولا شبهة، في تسنّمهما لذلك المقام.
قال الإمام: ومهما وقع نزاع من المخالف في شيء مما ذكرنا، فملاكه كله قول عمر من على المنبر: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
وهذا الخبر معلوم عند الأمة، لا يعلم له مناكر.
قلت: رواه /472
البخاري وغيره.
ومن ذلك اعتراف أبي بكر على المنبر، وقوله: وليتكم ولست بخيركم.
قال الأمير الناصر للحق الحسين بن بدر الدين (ع) في الينابيع ـ وذكر الأدلةـ: ومنها: إجماع الصحابة فإن أبا بكر قال على المنبر: وليتكم ولست بخيركم؛ ولم ينكر عليه منكر.
قلت: وقد استدل بذلك صاحب المحيط بالإمامة، والإمام المنصور بالله (ع)، وغيرهما؛ وفيه أبلغ الرد على المخالفين، من قول من يدعون له الأفضلية، وتأويلهم بأن ذلك من باب هضم النفس غير صحيح؛ لأن المقام لا يحتمله، ولأنه لا يسوغ الهضم إلا بالمعاريض، لا بالكذب الصريح.
واعتراف أبي بكر وعمر لسيدهما سيد المسلمين، خير البرية، وخير البشر ـ على لسان أخيه ـ ومن أبى فقد كفر، كما تواتر به الخبر، معلوم بين الأمة لا ينكر، في مقامات لا تعد ولا تحصر؛ ومما تواتر: لولا علي لهلك عمر.
ولم يكن في حسابهما أنه سيأتي من بعدهما من يدعي لهما الفضل والحق، على أولي الفضل والسبق، أهل بيت النبوة سادات الخلق.
وإقرار الشيخين، وسائر أزواج رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - وصحابته، ورواياتهم في أمير المؤمنين، ونفس الرسول الأمين، خصوصاً، وفي سائر أهل بيت النبوة الطيبين عموماً، بما يصرح أنه لا يوازيهم ولا يدانيهم أحد من المخلوقين، بعد النبيين ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، مما اتفقت على روايته الأمة المحمدية، لا مما انفردت به النواصب الحشوية، وروته عن شرار البرية، كالخبر المار، الذي رجحه ابن حجر، وأمثاله من المرويات الفرية.
[تهنئة الشيخين لعلي بالولاية يوم الغدير وتخريجها]
وسأذكر طرفاً مما اقتضاه المقام، مقدماً لأجلِّ المقامات العظام، المتضمن تهنيتهما لمولاهما، ومولى المؤمنين يوم الغدير، بمشهد الجم الغفير.
ومن ألفاظها قول أبي بكر، وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن /473
ومؤمنة، لما قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره))، أخرجه الكنجي عن سعد بن أبي وقاص.
وروى عبد الرزاق بسنده إلى البراء بن عازب، قال: لما نزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بغدير خم.
..إلى قوله: ثم قال: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فهذا وليكم، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه))، فقال عمر: يهنيك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مسلم.
ذكره في الكامل المنير.
وأخرج محمد بن سليمان الكوفي قول عمر: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة، بعد قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، والإمام المنصور بالله، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل في المسند، ومحمد بن سليمان من طريقين، ويحيى بن الحسن البطريق عن البراء.
وأخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عن أنس في خبر طويل في المؤاخاة، وفيه: قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((إنما ادخرتك لنفسي))..إلى قوله: فقال: ((اللهم إن هذا مني، وأنا منه؛ ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى؛ ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه))..إلى قوله: فاتبعه عمر بن الخطاب، فقال: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم.
وقد سبق في المقام الثامن من مقامات خبر المنزلة، وأخرجه الإمام الحسن (ع) في أنوار اليقين، وهو في مناقب ابن المغازلي.
وأخرج قول عمر: بخٍ بخٍ...إلخ، محمد بن سليمان الكوفي، عن أنس، وأخرجه الإمام المرشد بالله، والحاكم من طريقين عن أبي هريرة.
وروى فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده إلى أبي ذر؛ وساق خبر الغدير...إلى قوله: فقال عمر: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة...الخبر، ذكره الحاكم الحسكاني.
وقال الحاكم الجشمي ـ رحمه الله ـ في كتاب تنبيه الغافلين: والمروي /474
عن جماعة أنها نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } [المائدة:67]، فقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خطيباً بغدير خم، وأخذ بيد علي ورفعها، حتى رأى بعضهم بياض إبطه؛ ثم قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)).
قالوا: اللهم نعم.
فقال: ((من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فقام عمر بن الخطاب، وقال: بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأنشأ حسان أبياتاً بعد أن استأذن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في إنشائها، وهي:
يناديهم يوم الغدير نبيهم .... بخمٍّ فأسمع بالرسول مناديا
وقال: فمن مولاكم ونبيكم؟ .... فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
...إلى قوله:
فقال له: قمْ ياعلي فإنني .... رضيتُك من بعدي إماماً وهاديا
قال ـ رحمه الله ـ: وحديث الموالاة وغدير خم، قد رواه جماعة من الصحابة، وتواتر النقل به حتى دخل في حدّ التواتر، فرواه زيد بن أرقم، وأبو سعيد الخدري، وأبو أيوب الأنصاري، وجابر بن عبدالله، واختلف ألفاظهم.
قال: ففي حديث جابر وغيره: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لما انصرف من حجة الوداع، ووافى الجحفة.
إلى قوله: ثم قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
فقام عمر، وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
قال جابر: كنا اثني عشر ألف رجل، انتهى. /475
وقيل لعمر: إنا نراك تصنع بعلي شيئاً لا نراك تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فقال: إنه مولاي ومولى كل مؤمن.
أخرجه الإمام المرشد بالله (ع) عن أبي فاختة.
وأخرجه الخوارزمي عن شيخه الزمخشري، عن سالم مسنداً...إلى قوله: إنه مولاي.
وأخرجه صاحب جواهر العقدين عن سالم بن أبي الجعد، وأخرجه الدارقطني.
وسأل قوم من الشام عمر، فسار إلى أمير المؤمنين (ع) فأفتاه، فالتفت إليهم عمر، فقال: أتدرون من الرجل؟ ذاك علي بن أبي طالب مولاي ومولاكم، ومولى كل مسلم.
أخرجه محمد بن سليمان الكوفي.
ونازعَ رجل عمر في مسألة، فقال: بيني وبينك هذا ـ وأومأ إلى علي ـ.
..إلى قول عمر: مولاي ومولى كل مسلم.
أخرجه الخوارزمي عن الزمخشري، بإسناده عن أبي سعيد السمان، بسنده إلى يعقوب بن إسحاق بن إسرائيل؛ أفاده في التفريج.
ورواه محمد بن سليمان الكوفي عن أبي جعفر، وأخرجه السمان في الموافقة بلفظ: ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن؛ ذكره الأمير.
وأخرجه الحاكم بسنده إلى أبي جعفر، كما رواه السمان.
أفاده ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج.
قلت: وأخرج في جواهر العقدين عن السمان عن عمر، وقد جاء أعرابيان يختصمان، فقال لعلي: اقض بينهما يا أبا الحسن.
فقضى علي بينهما؛ فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟
فوثب إليه عمر، وأخذ بتلابيبه، وقال: ويحك، ما تدري من هذا؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لا يكن مولاه فليس بمؤمن.
وروى الطبري في تاريخه، عن شهر بن حوشب قول عمر لابنه عبدالله، وقد استنكر عليه تقديمه للحسن والحسين (ع)، فقال له عمر: أسكت لا أم لك؛ أبوهما خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.
والروايات في ذلك كثيرة.
والأمر كما قال الإمام في الفرائد: أما خبر الغدير، فقد جمع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ له الألوف المؤلفة، وخطبهم في يوم شديد الحر، وعرّس بهم في غير وقت التعريس، ونعى إليهم نفسه، وأشهدهم على /476
أنفسهم بالبلاغ؛ ثم قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟))، قالوا: بلى...الحديث.
وفيه: أنه رفع علياً، حتى شوهد بياض إبطيهما؛ وفيه: ذكر الثقلين، والخليفتين، والتوصية بهما، وفيه: أن أبا بكر وعمر هنياه بالإمارة، وأن عمر ما تمنى الإمارة إلا يومئذ، وكذا روي عنه في حديث خيبر؛ أما تهنئة عمر لعلي فمشهورة عند المخالف والموالف.
وأما تهنئة أبي بكر له، فرواها الدارقطني، والكنجي وغيرهما.
وحديث الغدير معلوم بالتواتر اللفظي قطعاً...إلى آخر كلامه.
[خبر ((لأبعثن عليكم رجلاً مني)) وتخريجه]
وقد أقرّ عمر بتمنيه للإمارة في غير المقامين المذكورين، لما قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لوفد ثقيف: ((لتسلمن أو لأبعثن إليكم رجلاً مني ـ أو قال: عديل نفسي ـ فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم)).
قال عمر: فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري، رجاء أن يقول: هو هذا.
فالتفت فأخذ بيد علي، وقال: ((هو هذا)) مرتين.
رواه أحمد في المسند، ورواه في كتاب فضائل علي (ع) أنه قال: ((لتنتهن يا بني وليعة، أو لأبعثن عليكم رجلاً كنفسي، يمضي فيكم أمري، يقتل المقاتلة، ويسبي الذرية)).
قال أبو ذر: فما راعني إلا برد كف عمر في حجزتي من خلفي، يقول: من تراه يعني؟
قلت: إنه لا يعنيك؛ وإنما يعني خاصف النعل بالبيت؛ وأنه قال: ((هو هذا)).
ومن مقامات هذا الخبر الشريف: أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لما فتح مكة انصرف إلى الطائف، فحصرها سبع عشرة أو تسع عشرة؛ ثم قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((أوصيكم بعترتي خيراً، وأن موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده، لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو لأبعثن عليكم رجلاً مني ـ أو كنفسي ـ يضرب أعناقكم)).
ثم أخذ بيد علي، ثم /477
قال: ((هو هذا)).
أخرجه ابن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن عوف.
وأخرجه الحاكم عنه بلفظ: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هجَّر؛ ثم قال: ((أيها الناس، إني لكم فرط، وإني أوصيكم بعترتي خيراً، موعدكم الحوض))...الخبر، إلا أن فيه: ((فليضربن أعناق مقاتليهم، وليسبين ذراريهم)).
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): يعني أهل الطائف، كما فيما أخرجه النسائي وغيره، وفيه: ((كنفسي)) أو ((عديل نفسي))...إلخ، انتهى.
وأخرجه أبو علي الصفار بلفظ: انصرف رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم إلى الطائف، ثم قال: ((يا أيها الناس إني فرط لكم فأوصيكم بعترتي خيراً، وإن موعدكم الحوض؛ والذي نفسي بيده، لتقيمن الصلاة، ولتؤتن الزكاة، أو لأبعثن عليكم رجلاً مني ـ أو كنفسي ـ)).
فقال أبو بكر: أنا هو؟
فقال: لا.
فقال عمر: أنا هو؟
فقال: لا.
فأخذ بيد علي، فقال: ((هذا)).
وأخرجه الكنجي عن أبي ذر، وصدره الحاكم عن عبد الرحمن، وروى نحوه عبد الوهاب الكلابي في وفد ثقيف، عن المطلب بن عبدالله، وروى نحوه عن علي في قريش: ((والله لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم...إلخ)).
وأخرج نحوه أحمد بن حنبل في وفد ثقيف: ((لتسلمن))...إلخ، قاله ابن أبي الحديد؛ أفاده في التخريج.
قال أيده الله: وأخرج نحوه في قريش: ((لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم رجلاً قد امتحن الله قلبه على الإيمان ـ يعني علياً ـ))...إلخ.
قلت: قال الطبري في ذخائر العقبى: ذكر أن النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم هدّد قريشاً يوم الحديبية ببعثه عليهم عن علي (ع).
..إلى قوله: فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف، فقد امتحن الله قلبه على الإيمان)).
فقالوا: من هو، يا رسول الله؟
وقال أبو بكر: من هو، يا رسول الله؟
وقال عمر: من هو، يا رسول الله؟
قال: ((هو خاصف النعل))، وكان أعطى علياً نعله يخصفها.
ثم التفت علي إلى من عنده، وقال: إن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ /478
قال: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))؛ أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، انتهى.
وعن زيد بن يثيغ، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لينتهن بنو وليعة، أو لأبعثن إليهم رجلاً يمضي فيهم أمري، يقاتل المقاتلة، ويسبي الذرية)).
قال: فقال أبو ذر: فما راعني إلا برد كف عمر في حجزتي من خلفي، قال: من تراه يعني؟
قلت: ما يعنيك، ولكنه يعني خاصف النعل ـ يعني علياً (ع) ـ؛ أخرجه أحمد في المسند.
وأخرج أيضاً عن أبي سعيد، قال: كنا جلوساً في المسجد، فخرج علينا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعلي في بيت فاطمة، فانقطع شسع نعل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فأعطاه علياً يصلحها؛ ثم جاء، وقام علينا، ثم قال: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)).
قال أبو بكر: أنا هو، يا رسول الله؟
فقال: لا.
فقال عمر: أنا هو، يا رسول الله؟
قال: لا؛ ولكن خاصف النعل.
وأخرجه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)).
قال أبو بكر: أنا هو، يا رسول الله؟
قال: لا؛ ولكن خاصف النعل في الحجرة.
أفاده الطبري في الذخائر.
قلت: وفي مسند أحمد، عن عبدالله بن حنطب، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لوفد ثقيف: ((لتسلمن أو لأبعثن عليكم رجلاً مني ـ أو قال: مثل نفسي ـ فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم)).
فقال عمر: والله ما اشتهيت الإمارة إلا يومئذ، فجعلت أنصب صدري، رجاء أن يقول: هذا.
فالتفت إلى علي، فأخذ بيده، فقال: ((هو هذا، هو هذا)) مرتين.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وروى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل، والنسائي، ومحمد بن سليمان الكوفي، وأبو حاتم، وأبو علي الحسن بن علي الصفار، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي قال لأصحابه: /479
((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)).
فقال أبو بكر: أنا هو، يارسول الله؟
قال: ((لا)).
قال عمر: أنا هو؟
قال: ((لا، ولكن خاصف النعل ـ يعني علياً (ع) ـ)).
وروى ابن المغازلي نحوه من حديث المناشدة عن علي (ع)، وروى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن... إلخ)) من طريق أخرى عن علي (ع)، ورواه عبد الوهاب الكلابي بسنده إلى أبي سعيد، وأحمد، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في المختارة، وابن أبي شيبة.
وأخرج صدره الخوارزمي، وأبو العلا الهمداني، والكنجي عن أبي ذر.
وكذا رواه في كتاب إقرار الصحابة أبو القاسم بسنده إلى محمد بن جرير الطبري، بسنده إلى أبي بكر. /480
الفصل التاسع [في معاني الأخبار الواردة في علي وذريته]
في جوامع من معاني هذه الأخبار الشريفة، التي هي من أعلام النبوة؛ وهي معلومة قد روتها طوائف الأمة، بألفاظ وروايات مترادفة ومختلفة، مطولة ومختصرة، كأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة.
[سند خبر الوفاة وتخريجه]
ومنها: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أيها الناس احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني تنتعشوا؛ لئلا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإن أنتم فعلتم ذلك ـ ولتفعلنّ ـ لتجدن من يضرب وجوهكم بالسيف)).
ثم التفت عن يمينه، ثم قال: ((علي بن أبي طالب؛ ألا وإني قد تركته فيكم؛ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟)).
وهو من خبر الوفاة؛ رواه بطوله الإمام موسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده(ع)؛ وقد سبقت الإشارة إليه في أسانيد أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (ع)، وسيأتي بأبسط من هذا ـ إن شاء الله ـ.
وقد أخرجه السيد الإمام أبو العباس الحسني (ع) في /483
المصابيح، وصاحب المحيط بالإمامة ـ رضي الله عنهم ـ والإمام المنصور بالله (ع) بسنده إلى شيخ الإسلام زيد بن الحسن البيهقي.
قال في الشافي: والفقيه زيد بن الحسن بن علي يرويه عن مصنف كتاب المحيط بأصول الإمامة على مذاهب الزيدية.
وقال فيه: حدثنا السيد أبو الحسين علي بن أبي طالب الحسني ـ رضي الله عنه ـ قال: أخبرنا الشريف أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني ـ رضي الله عنهم ـ، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ـ رضي الله عنه ـ، قال: حدثنا عبدالله بن الحسن الإيوازي ـ رحمه الله ـ، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شعبة النيروسي، قال: حدثنا موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن حسن بن حسن، عن أبيه، عن جده، عن أبيه عبدالله بن الحسن (ع) في خبر الوفاة بطوله.
ولم يبقَ إلا الحسن بن الحسن، وأبوه الحسن بن علي بن أبي طالب ـ سلام الله عليهم ـ، ويجوز أن يروي الإنسان عن شيخ شيخه، ويجوز أن يقول: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بعدما يصح له سند المتن.
انتهى المراد من كلامه (ع).
فهذه طريق خبر الوفاة، وهو خبر جامع عظيم، قد استوفاه أبو العباس الحسني في المصابيح؛ وأورد الإمام المنصور بالله منه فصولاً.
وذكره في تراجم رجاله الثقات الأثبات، صاحب الطبقات؛ ولم تزل الإحالة عليه في مؤلفات علماء العترة (ع)، فمتى ذكر خبر الوفاة، فهو المراد، وهذا السند الصحيح النبوي سنده.
هذا، ومنها: ما أخرجه الخطيب ابن المغازلي في المناقب، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا، قال: حدثني أبي موسى، قال: حدثني أبي جعفر، قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وإني لأدناهم في حجة الوداع بمنى: ((لا ألفينكم بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ وأيم الله، لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم))، ثم التفت إلى خلفه، فقال: ((أو علي، أو علي، أو علي)) ثلاثاً.
قال: وأكثر متن هذا الحديث هو من جملة الحديث الذي أخرجه مسلم في /484
صحيحه، عن جابر بن عبدالله في خطبة حجة الوداع، ولم يغادر منه شيئاً إلا ذكر علي بن أبي طالب (ع)، لعله المسقط لذلك؛ لعذر، كما هي عادتهم في فصل فضائل أهل بيت نبيهم في الأغلب، عن كتب حديثهم، إلى كتب يعرفونها بكتب المناقب، انتهى.
وفي الجامع الصغير للسيوطي: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، عن جرير؛ وأحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، عن ابن عمر؛ والبخاري، والنسائي عن أبي بكرة؛ والبخاري، والترمذي، عن ابن عباس، انتهى.
قلت: وأخرجه الإمام الناصر للحق (ع) في البساط بلفظ: ((لا ترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً))، من خطبة حجة الوداع.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج عقيب سياقه لخبر ابن المغازلي، عن جابر...إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ولئن فعلتموها لتجدني في الكتيبة أضاربكم، أو علي)): ورواه الحاكم عن ابن عباس؛ وعن جابر من أربع طرق، ثم أورد ما سبق من رواية مسلم عن جابر، وما في الجامع.
قلت: والخبر الذي رواه الباقر (ع) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ وما في معناه، شواهدُ فصوله كثيرة، معلومة منيرة؛ وقد سبق ويأتي - إن شاء الله تعالى - ما يكفي من له أدنى بصيرة.
[تخريج خبر ((من تولاه فقد تولاني))...إلخ]
فمن ذلك قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب؛ فمن تولاه، فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله؛ ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحبّ الله؛ ومن أبغضه، فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل)) هذا الخبر الشريف /485
من مرويات الشافي، وشرح الغاية وغيرهما.
أخرجه الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الإمام المرشد بالله، بسنده إلى أبي عبيدة بن محمد بن عمّار بن ياسر، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ:...الخبر.
وأخرجه أبو العباس الحسني (ع)، ومحدث الشام الكنجي الشافعي، وأبو علي الصفار، عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ وابن المغازلي من ثلاث طرق، ومحمد بن سليمان الكوفي من طريقين.
وأخرجه أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع) بلفظ: ((فإن ولاءه ولائي، وولائي ولاء الله؛ وإن منكم من يسفهه حقه)).
فقالوا: سمهم يا رسول الله.
قال: ((قد أُمِرْتُ بالإعراض عنهم)).
وليس فيه: ((ومن أحبه...إلخ)).
ورواه أيضاً بسنده إلى الباقر (ع) من طريق أخرى، ورواه عن جابر.
ورواه أبو القاسم في كتاب إقرار الصحابة، بسنده عن ابن عمر، بنحو رواية محمد بن سليمان، وفيه: ((أُمِرْتُ بالإعراض عنهم)).
وبلفظ رواية الشافي أخرجه الطبراني، وابن عساكر، عن أبي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن جده ـ رضي الله عنهم ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أتاني ملك، فقال: يامحمد، سل من أرسلنا قبلك علام بعثوا عليه؟ قال: على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب))؛ أخرجه الحاكم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ من أربع طرق، وأخرجه الكنجي عنه.
وذكر أبو نعيم ـ وهو من أكبر أصحاب الحديث ـ في كتابه الذي استخرجه من كتاب لابن عبد البر المغربي الأندلسي المحدث في تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا } [الزخرف:45]، أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليلة أسري به جمع الله بينه، وبين الأنبياء، ثم قال لهم: سلهم يا محمد علام بعثتم عليه؟
فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله، وعلى الإقرار بنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب.
أفاده في شرح الأبيات الفخرية.
وأخرج الكنجي، بسنده إلى الإمام يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن في الفردوس لعيناً /486
أحلى من الشُّهد، وألين من الزبد، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك؛ فيها طينة خلقنا الله ـ تعالى ـ منها، وخلق منها شيعتنا؛ فمن لم يكن من تلك الطينة، فليس منا ولا من شيعتنا؛ وهي الميثاق الذي أخذه الله ـ عز وجل ـ ولاية علي بن أبي طالب)).
ثم قال الكنجي بعده: قال الحافظ ابن عساكر عقيب هذا: قال عبيد: فذكرت لمحمد بن الحسن هذا الحديث، فقال: صَدَقَك يحيى بن عبدالله، هكذا أخبرني أبي، عن جدي، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرج الحاكم أيضاً بإسناده إلى الحسين بن علي (ع) في قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ }...إلى قوله: {ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي: ((لولايتك)).
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: إلى حب آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وعن الباقر: إلى ولايتنا أهل البيت.
رواه عنه من طريقين.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين))، أخرجه الحاكم الحسكاني بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخرج أيضاً بسنده إلى الحسين السبط (ع) من حديث عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يلج النار، فليترك ولاية علي بن أبي طالب؛ فوعزّة ربي وجلاله، إنه لباب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وإنه الصراط المستقيم، وإنه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة)).
أفاد أغلب ما ذكرناه في التخريج.
[تخريج أخبار: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}]
وما أخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، عن الفقيه بهاء الدين، بإسناده، يبلغ به ابن شيرويه الديلمي، بإسناده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: (({وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، عن ولاية علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه في الجنة ـ)).
قال (ع): رويناه عن الثقة، يبلغ به النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -. /487
قلت: وقد أقَرّ فقيه الخارقة ـ على شدة تمرده، وكثرة عناده ـ بتفسير الآية بعد اعتراضه والرد عليه؛ فقال: هذا ممكن غير مستحيل، لكن بشرط أنهم يُسألون عن التوحيد أولاً، وعن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ثانياً، ثم يسألون بعد ذلك عن ولاية علي (ع)؛ لأن وجوبها بعد.
فأجاب عليه الإمام (ع) أنه لم يذكر أن أول ما يسألون عنه هو أمر علي (ع) حتى يعتب بزعمه، ويُرَتَّب.
...إلى قوله (ع): إن الذي فسر الخبر هو مبلّغ الوحي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فعتب الفقيه هو عليه...إلخ.
وإنما أوردته؛ لأنا لا نعدم مِنْ خَلَف الفقيه مِنْ هو على طريقته في هذا الباب، فيعلم أن سلفنا وسلفه قد كفونا مؤنة الإيراد والجواب.
هذا، وروى الحاكم الحسكاني، بإسناده إلى النبي صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: ((عن ولاية علي بن أبي طالب))، رواه عن أبي سعيد الخدري من ثلاث طرق، وفي واحدة بلفظ: ((عن إمامة علي بن أبي طالب)).
ورواه عن ابن عباس من طريقه عن الشعبي، عنه.
ورواه عن أبي جعفر، قال: ((عن ولاية علي))، ومثله عن أبي إسحق السبيعي، وعن جابر الجعفي.
وروى بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعلي على الصراط؛ فما يمر بنا أحد إلا سألناه عن ولاية علي؛ فمن كانت معه، وإلا ألقيناه في النار؛ وذلك قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات])).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، قال: ((عن ولاية علي بن أبي طالب)) من طريقين، وعن أنس.
ورواه ابن شيرويه الديلمي في كتاب الفردوس، بإسناده إلى أبي سعيد، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي بن أبي طالب))، عن الإمام الحسن بن بدر الدين كما ذكره الإمام هنا. /488
وروي هذا في تنبيه الغافلين عن أبي إسحاق، ورواه ابن البطريق في العمدة من كتاب الفردوس.
وفي مناقب الكنجي: وروى ابن جرير، وتابعه الحافظ أبو العلا الهمداني، وكذلك ذكره الخوارزمي عن أبي إسحاق، ورفعه ابن جرير وحده عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، يعني عن ولاية علي بن أبي طالب (ع).
أفاده ـ أيّده الله ـ في تخريج الشافي.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله لما خلق السماوات والأرض دعاهنّ فأجبنه، فعرض عليهنّ نبوتي، وولاية علي بن أبي طالب، فقبلتاهما؛ ثم خلق الخلق، وفوض إلينا أمر الدنيا؛ فالسعيد من سعد بنا، والشقي من شقي بنا؛ نحن المحلّون لحلاله، والمحرمون لحرامه))، رواه البكري الخوارزمي عن جابر.
أفاده في التفريج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((النظر إلى علي عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته، والبراءة من أعدائه)) انتهى من حديث طويل أخرجه الكنجي عن علي (ع)، وقال: رواه الحافظ أبو العلا الهمداني، وتابعه الخوارزمي.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: ورواه الخوارزمي في فصوله، بسنده عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع) من خبر طويل.
قال ـ أيده الله ـ: عن أبي ذر، سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((أيها الناس، لو صليتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا، ولقيتم الله بغير ولاية علي بن أبي طالب، لكبكم الله في نار جهنم)) رواه أبو خراسان محمد بن عبدالله بن عيسى، يرفعه إلى أبي ذر.
[انتهى] من الكامل المنير.
وأخرج الحاكم أبو القاسم عن علي (ع) في قوله تعالى: {فَأَذَّنَ }...الآية [الأعراف:44]، قال: أنا المؤذن.
وعن الباقر قال: هو أمير المؤمنين.
وعن ابن عباس، قال: المؤذن علي؛ يقول: ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي، واستخفوا بحقي.
وقد سبق ما في جواهر العقدين، ولفظه: قال الحافظ جمال الدين الزرندي عقيب حديث: ((من كنتُ مولاه فعلي/489
مولاه)): قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مسئول عنها يوم القيامة.
وروى في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، أي عن ولاية علي، وأهل البيت.
...إلى قوله: ما أخرجه الديلمي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)} [الصافات]، عن ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: ((والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه، وأهل بيتي)).
وأخرج ابن المغازلي، ورفعه إلى أنس قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم، لم يجز عليه إلا من كان معه كتاب ولاية علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ)).
وقال في موضع آخر: وعن أبي بردة ـ رضي الله عنه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ونحن جلوس ذات يوم: ((والذي نفسي بيده، لا تزول قدم عن قدم يوم القيامة، حتى يسأل الله الرجل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن جسده فيم أبلاه؟ وعن ماله مِمَّ كسبه وفيم أنفقه؟ وعن حبنا أهل البيت)).
قال عمر: ما آية حبكم؟
فوضع يده على رأس علي وهو جالس إلى جانبه، وقال: ((آية حبي حبّ هذا من بعدي)).
قال: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع))...الخبر بلفظه إلا أن فيه: ((وعن ماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه؟))، انتهى.
[أحاديث متنوعة في لزوم التزام ولاية الوصي]
قلت: وقد تقدم في ذكر خبر الغدير ما ورد في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }...الآية [المائدة:3]، وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، والولاية لعلي بن أبي طالب))، من رواية الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم (ع).
ورواها الإمام المرشد بالله (ع) بلفظ: /490
((وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي)) ومثلها لمحمد بن سليمان الكوفي إلا أن فيها: ((ورضى الرب بولايتي، وبالولاية لعلي من بعدي)).
ومن كلام الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: ثم انتقل النور إلى غرائزنا، ولمع في أئمتنا؛ فنحن أنوار السماء، وأنوار الأرض؛ فبنا النجاة، ومنا مكنون العلم، وإلينا مصير الأمر، وبمهدينا تقطع الحجج، خاتم الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور؛ فنحن أفضل المخلوقين، وأفضل الموحدين، وحجج رب العالمين؛ فليهنأ النعمة من تمسك بولايتنا، وقبض عروتنا؛ انتهى.
أخرجه المسعودي في مروج الذهب، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين سبط رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
وأخرج أبو العباس الحسني، بسنده إلى موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده: أنه قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي: ((وأنت وصيي من أهلي، وخليفتي في أمتي؛ من والاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني)).
وأخرج الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر الصادق، قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر، قال: حدثني أبي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين الشهيد، عن أبيه علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((لو أن عبداً عبد الله سبعة آلاف سنة، وهو عمر الدنيا؛ ثم أتى الله ـ عز وجل ـ ببغض علي بن أبي طالب، جاحداً لحقه، ناكثاً لولايته، لأتعس الله خده، وجدع أنفه)).
وأخرج أبو العباس الحسني (ع) بسنده، عن حذيفة بن اليمان، قال: رأيت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كما تراني، قد أخذ بيد الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ثم قال: ((أيها الناس، إن من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي ولاية علي بن أبي طالب؛ ألا إن التاركين ولاية علي بن أبي طالب هم الخارجون من ديني، فلا أعرفن خلافكم على الأخيار /491
من بعدي)) وقد مرّ.
والخبر المروي عن الباقر، عن آبائه (ع): أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((خذوا بحجزة هذا الأنزع - يعني علياً (ع) - فإنه الصديق الأكبر، والهادي لمن اتبعه؛ من اعتصم به أخذ بحبل الله، ومن تركه مَرَقَ من دين الله، ومن تخلف عنه محقه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومن أخذ بولايته هداه الله))، قال في تفريج الكروب: وعلى فصوله شواهد.
قلت: والوارد من الآيات والأخبار في الولاية، مما لا تحيط به رواية، ولا تبلغ منه الغاية.
[تخريج: بك يا علي يهتدى المهتدون، و{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }]
ولما نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} [الرعد]، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر، وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون))؛ أخرجه ابن عساكر، عن ابن عباس.
قال: وذكره غير واحد من أئمة التفسير، منهم: محمد بن جرير الطبري، وأحمد بن محمد الثعلبي النيسابوري، والنقاش، وغيرهم؛ وأخرجه الديلمي عن ابن عباس.
أفاده ابن الإمام في شرح الغاية.
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وأخرجه علي بن الحسين في المحيط، عن ابن عباس؛ وأخرج نحوه الناصر للحق عن أبي برزة الأسلمي، وأخرج نحوه في المحيط عن علي زين العابدين (ع)، موقوفاً.
وقال ـ كثر الله فوائده ـ: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر وعلي الهادي... إلخ))، رواه أبو القاسم الحسكاني عن ابن عباس من ست طرق، وعن أبي برزة الأسلمي من ثلاث طرق، وعن أبي هريرة، وعن يعلى بن مرة، وعن علي، وعن مجاهد، وعن زرقاء الكوفية، ونحوه عن علي من ثلاث طرق، وعن أبي برزة.
وروى بإسناده عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)} [الرعد]، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((هو علي بن أبي طالب)).
ورواه /492
عن ابن عباس، وعن محمد بن الحنفية، وعن أبي صالح من طريقين، وعن أبي جعفر الصادق؛ وقال أبو صالح: قال ابن عباس: هو والله علي بن أبي طالب؛ انتهى شواهده.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا المنذر، وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون))، أخرجه الديلمي، والكنجي عن ابن عباس، وأخرجه ابن عساكر، عن علي.
انتهى شرح غاية.
وقال علي (ع): ((رسول الله المنذر، وأنا الهادي)) أخرجه الحاكم عن علي، وقال: صحيح.
انتهى من التفريج؛ وقد تقدمت الرواية، في تفسير الآية.
قال أمير المؤمنين (ع): إن الله تعالى عنانا بقوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ } [البقرة:143]، فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هو الشاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه، ونحن الذين قال الله ـ عز اسمه ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143].
أخرجه الحاكم الحسكاني، عن سليم بن قيس، عن علي (ع).
[خطبة السبط الأكبر يوم وفاة والده وتخريجها]
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) بسنده، إلى فطر بن خليفة، أن الحسن السبط لما أُصيب علي (ع): قام خطيباً، فقال: الحمد لله وهو للحمد أهل، الذي منَّ علينا بدين الإسلام، وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، وجعلنا شهداء على خلقه، وجعل الرسول علينا شهيداً...إلى آخرها.
ولهذه الخطبة الشريفة طرق كثيرة.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير: ومن ذلك خطبة /493
الحسن بن علي(ع) على رؤوس من بقي من الصحابة والتابعين يوم مات علي (ع)، منها: خاتم الوصيين، ووصي خاتم الأنبياء، وأمير الصديقين، والشهداء والصالحين؛ ثم قال: أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون.
قال الإمام (ع): وهذه الخطبة قد أخرجها جماعة من أهل الحديث، منهم: الكنجي، وابن حجر في المنح، وحسَّن إسنادها، ورواها أئمتنا؛ وهي مشهورة لا يمكن إنكارها، وأخرجها النسائي في الخصائص، انتهى.
وأخرجها أبو علي الصفار والكنجي، عن أبي الطفيل، قال: خطب الحسن بعد وفاة علي؛ وذكره، فقال: خاتم الوصيين...وساق ما تقدم إلى قوله: ولا يدركه الآخرون؛ لقد كان رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يعطيه الراية، فيقاتل جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، فما يرجع حتى يفتح الله عليه؛ ما ترك ذهباً ولا فضة، إلا سبع مائة درهم، يريد أن يشتري بها خادماً لأم كلثوم.
ثم قال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ثم تلا قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي }...الآية [يوسف:38]، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله وابن السراج المنير، أنا ابن الذي أُرسل رحمة للعالمين، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين كان جبريل ينزل عليهم، وعنهم كان يعرج، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل على محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً}...إلخ [الشورى:23]، واقتراف الحسنة مودتنا.
انتهى من الأربعين للصفار. /494
قال أبو الفرج الأصفهاني: ـ وذكر السند ـ عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي مريم...إلى قوله: خطب الحسن بن علي، وقال: أيها الناس، لقد فارقكم ـ وساق الخطبة...إلى قوله: واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ـ ولم يذكر {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ }...الآية.
وأخرج الدولابي الخطبة بتمامها من قوله: لقد فارقكم...إلخ، كرواية الصفار عن زيد بن الحسن؛ أفاده الأمير في شرح التحفة.
وروى ابن المغازلي عن هُبيرة بن مريم: لقد فارقكم...إلى قوله: سبعمائة درهم.
ورواها أحمد بن شعيب النسائي في خصائصه، عن هبيرة، عن الحسن، كرواية ابن المغازلي بزيادة قوله: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يقاتل جبريل عن يمينه...إلخ)) باختلاف يسير.
وأخرج أحمد بن حنبل، عن عمرو بن حبشي، كرواية المغازلي.
أفاده في التفريج، وفيه: وأخرج أحمد عن زر بن حبيش ، عن الحسن بن علي أنه خطب، وقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج، قال فيه: وروى الخطبة المرشد بالله...إلى قوله: يشتري بها خادماً، عن هبيرة بن مريم.
وأخرج الكنجي عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما بعثت علياً في سرية، إلا رأيت جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، والسحابة تظله، حتى يرزقه الله الظفر)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى جابر بن عبدالله، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما بعث الله علياً في سرية، إلا رأيت جبريل عن يمينه...إلخ)).
وقال ابن أبي الحديد: وفي خطبة الحسن بن علي (ع) لما قبض أبوه: لقد /495
فارقكم في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون؛ كان يبعثه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ للحرب، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. انتهى.
ورواه أبو جعفر الطبري في تاريخه، بسنده إلى خالد بن جابر، عن الحسن بن علي (ع)، ورواه الموفق بالله عن هبيرة بن مريم.
أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: وأخرجها السيد الإمام أبو العباس (ع) في المصابيح عن الحسين بن زيد بن علي (ع).
[تخريج حديث ((علي خير البشر))]
هذا، ومن شواهد ما سبق نحو أخبار: ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر))، أفاد صاحب المحيط بالإمامة أن شيخه يرويه بإحدى وسبعين طريقاً، وقد رواه الذهبي في الميزان عن شريك، وقال: بإسناد كالشمس.
وأورده محمد بن سليمان الكوفي مسنداً في مناقبه بطرق وشواهد كثيرة، نحو: ((علي خير البرية)).
ورواه السيوطي في سورة لم يكن، في الدر المنثور، من طرق؛ أفاده الإمام محمد بن عبدالله (ع).
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: والأخبار المتواترة مروية عن جابر أنه قال: ((علي خير البشر، لا يشك فيه إلا كافر)).
قلت: ساق في المحيط بالإمامة بسنده إلى جابر، قال: خير الناس ـ يعني علياً(ع) ـ ولا يشك فيه إلا كافر.
وبسنده إلى أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر فمن أبى فقد كفر)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي بعد إيراد قوله (ع): والأخبار المتواترة...إلخ: أخرجه أبو يعلى، وابن عساكر، وقال: روي عن عائشة؛ وأبو القاسم الجابري عن عائشة مرفوعاً، ورواه في المحيط بالإمامة ـ وذكر الرواية المارة ـ.
قال: وكذا رواه برهان الدين في أسنى المطالب، بإسناده إلى جابر، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر... إلخ)).
وذكر في الإقبال عن شريك النخعي قال: ((علي خير البشر... إلخ)).
وأخرجه الخطيب عن علي، وحذيفة مرفوعاً، وعن جابر مرفوعاً، وروى محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى جابر، قال: ((علي خير البشر)).
وروى بسنده إلى حذيفة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر)).
وقال /496
الإمام يحيى بن حمزة (ع): روى علي، وابن مسعود، أن النبي قال: ((علي سيد البشر، من أبى فقد كفر)).
وسئل جابر بن عبدالله عن علي، فقال: ذلك خير البشر، من شك فيه فقد كفر.
رواه يحيى بن الحسن العقيقي بسنده؛ ذكره الإمام الموفق بالله.
قلت: وقد سبق ذكر الخبر، والوعد بالكلام عليه، فهذا تمامه، والله ولي الإعانة.
[تمام الكلام على حديث: ((أنا سلم لمن سالمت))، ونحوه]
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله؛ ومن شك في علي فهو كافر))، رواه الخطيب ابن المغازلي، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، وأخرجه الكنجي.
وفي هذا المعنى أخبار متواترة، كأخبار المحاربة، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنا سلم لمن سالمت، حرب لمن حاربت))، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن المغازلي، وعبد الوهاب الكلابي، عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ.
قال ابن أبي الحديد: ورواه الناس كافة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي))، أخرجه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (ع)، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة من طريق الإمام الناصر الأطروش (ع)؛ ومحمد بن سليمان الكوفي بطريقين عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ.
والكنجي والخوارزمي، وابن المغازلي، عن علي (ع).
وأبو يعلى الهمداني بإسناده عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي))...إلى قوله: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وابن /497
المغازلي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي)).
أفاده أيّده الله في التخريج.
وهذا طرف من طرقها، ويأتي الكلام عليها مستوفى - إن شاء الله تعالى -، وقد أَقَرّ بتواترها الخصوم.
وأخبار: إن حبه إيمان، وبغضه نفاق، كذلك.
وقد مَرّ نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يتقدمك بعدي إلا كافر، ولا يتخلفك بعدي إلا كافر؛ وإن أهل السماوات ليسمونك أمير المؤمنين))، أخرجه الإمام (ع) في الشافي، بسنده إلى صاحب المحيط بالإمامة؛ وأخرجه أبوالعباس (ع) يبلغان به الحارث بن الخزرج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا معشر المسلمين لا تخالفوا علياً فتضلوا، ولا تحسدوه فتكفروا)) أخرجه محمد بن منصور عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي (ع)؛ وأخرجه محمد بن سليمان عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
ونحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً))، أخرجه الدارقطني، والحاكم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ألا إن التاركين ولاية علي هم الخارجون عن ديني)) أخرجه أبو العباس (ع) عن حذيفة؛ وقد مَرّ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وهو إمامكم بعدي، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته؛ ومن غيّر وبدّل لقيني ناكثاً بيعتي، عاصياً لأمري، جاحداً لنبوتي، لا أشفع له عند ربي، ولا أسقيه من حوضي))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله، وأخيه الإمام يحيى بن عبدالله، عن أبيهما عبدالله بن الحسن، عن أبيه الحسن بن الحسن، عن جده أمير المؤمنين (ع).
ولما نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً }...الآية [الأنفال:35]، قال النبي ـ صلى /498
الله عليه وآله وسلم ـ: ((من ظلم علياً مقعده هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي))، أخرجه الحاكم أبو القاسم الحسكاني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ؛ وروى عنه في الآية، قال: حذر الله أصحاب محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن يقاتلوا علياً.
وأخرج الحاكم أبو القاسم بسنده إلى أبي عثمان النهدي، قال: رأيتُ علياً، فتلا هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ } [التوبة:12]، فقال: والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت إلا اليوم.
وأخرج بسنده عن مؤذن بن أقصى، قال: صحبت علياً سنة...إلى قوله: سمعته يقول: من يعذرني من فلان وفلان؛ إنهما بايعا طائعين غير مكرهين، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته؛ والله، ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ }...الآية.
وأخرج بسنده عن زيد بن وهب، قال: سمعتُ حذيفة يقول: والله ما قوتل أهل هذه الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ }...الآية.
وغير ذلك كثير يضيق عنه البحث.
[تنوُّع الكفر والفسق، واختلاف أحكام كلٍ منهما]
ولا يعترض هذا بلزوم إجراء أحكام الكافرين المحاربين لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم؛ فإن الكفر والشرك والنفاق أنواع مختلفة، ولكل نوع منها معاملة، كما اختلفت معاملة الكتابي، والوثني، والمرتد، وغيرهم، مع كونهم جميعاً كافرين بنص الكتاب المبين، وإجماع المسلمين.
فلأصحاب الكفر بالله سبحانه ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذين لا يقرّون بالشهادتين، ولا يقيمون الصلاة، ولا /499
يستقبلون القبلة، أو المكذبين لإحدى الضروريات من دين الإسلام، معاملة.
وهم أيضاً أقسام: كتابي، وغير كتابي، ومرتد، وأصلي، ومجاهر، ومنافق؛ ولكل قسم أحكام.
ولأهل الكفر بغير ذلك مما ورد في الكتاب المبين، أو علم بسنة الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تسميتهم كافرين معاملة؛ وهم أيضاً على أقسام.
وقد روى الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) بسنده عن الحسن، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر)).
ورواه أيضاً بسنده عن عبدالله، ورواه الكنجي عن أبي وائل، عن عبدالله، وقال: سمعته عن عبدالله، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: هذا حديث صحيح متفق على صحته، رواه البخاري، ومسلم، والترمذي.
وغير ذلك كثير.
نعم، وعلى هذا أنواع الفسق والشرك والنفاق، وغيرها من أسماء المذام، وكل ذلك موقوف على الدليل من الكتاب وسنة سيد الأنام، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام.
فلأهل الكفر والنفاق بولاية أمير المؤمنين (ع) أحكام، قد بينها الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لوصيه (ع)، وأجراها عليهم الوصي، وأوضحها للأنام؛ وما ورد من نفي الكفر، أو الشرك، عنهم، فالمراد نفي المُخْرِجَيْنِ عن اسم الملة، المقتضيين لسبي النساء والذرية، وتحريم المناكحة، ونحوها من الأحكام.
[تفسير: {أحسب الناس...إلخ} وما ورد فيها من الأخبار]
قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: لما أنزل الله ـ سبحانه ـ قوله: {الم(1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)} [العنكبوت:1،2]،...إلى /500
قوله: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الفتنة التي أخبرك الله [تعالى] بها؟
فقال: ((يا علي، إن أمتي سيفتنون من بعدي)).
فقلت: يا رسول الله، أو ليس قلت لي يوم أحد، حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشق ذلك علي، فقلت [لي]: ((أبشر فإن الشهادة من ورائك))؟
فقال لي: ((إن ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر.
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، بأي المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة)).
انتهى من نهج البلاغة.
[تبشير علي بالشهادة ـ وحكم من يخرجون عليه]
قال ابن أبي الحديد: روى كثير من المحدثين عن علي (ع) أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال له: ((إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين، كما كتب علي جهاد المشركين)).
..إلى قوله: فقلت: يا رسول الله، كنت وعدتني الشهادة؛ فاسأل الله أن يعجلها لي بين يديك.
قال: ((فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين؛ أما إني وعدتك الشهادة، وستستشهد، تُضْرَب على هذه، فَتُخْضب هذه، فكيف صبرك إذاً؟)).
فقلت: يا رسول الله، ليس هذا بموطن صبر، هذا موطن شكر.
قال: ((أجل، أصبت)).
..إلى قوله: فقال: ((إن أمتي ستفتن بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدايا، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتَغْلِبُ كلمة الضلال)).
..إلى قوله: ((فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور، وقلبت لك الأمور؛ تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى)).
فقلت: يا رسول الله، فبأي منزل أنزل هؤلاء المفتونين بعدك؟ أبمنزلة فتنة، أم بمنزلة ردة؟
فقال: ((بمنزلة فتنة، يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل)).
فقلت: يا رسول الله، يدركهم العدل منا، أم من غيرنا؟
قال: ((بل منا؛ بنا فتح، وبنا يختم، وبنا ألّف الله بين القلوب بعد الشرك، وبنا يُؤلّف الله بين القلوب بعد الفتنة)).
فقلت: الحمد لله على ما وهب لنا من فضله، انتهى.
قلت: ونحو هذا رواه في مجموع تفسير نجم آل الرسول القاسم، /501
والهادي إلى الحق، وأسباطهما من آل محمد، في مخاطبة الرسول للوصي والزهراء؛ وكل ذلك من معجزاته، ودلائل نبوته، عليه وآله أفضل الصلوات والتسليم.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ومن خطبة لعلي (ع) من رواية جعفر الصادق، عن آبائه، عن علي: ألا إن أبرار عترتي، وأطايب أرومتي، أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً؛ وإنا أهل بيت مِنْ عِلْمِ الله عُلّمنا، وبحكم الله حكمنا، ومن قول صادق سمعنا؛ فإن تتبعوا آثارنا، تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا، يهلككم الله بأيدينا؛ معنا راية الحق، من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق؛ ألا وبنا تدرك تِرَة كل مؤمن، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم، وبنا فُتح لا بكم.
قاله أبو عبيدة.
انتهى من شرح النهج.
وأخرجه السيوطي عن أبي الزعراء، عن علي (ع)، وأخرجه عبد الغني بن سعيد في الإيضاح؛ أفاده الوزير.
وفي الكامل المنير بالسند إلى أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: سألت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، من خليفتك علينا من بعدك؟
فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي بن أبي طالب، هو خير من أخلّف بعدي)).
وساق إلى قوله: قلت: يا رسول الله، ثم مه؟ قال: ((ثم تبايعون لخير هذه الأمة بعد رسولها، علي بن أبي طالب؛ حتى إذا وجبت له الصفقة نكثتم، فأول من ينكث عليه طلحة والزبير، ثم يستأذنان إلى مكة، فيجدان فيها امرأة من نسائي، فيسيران بها إلى البصرة المؤتفكة بدين أهلها ودنياها، فعند ذلك يسيرون إلى فرعون أمتي من الشام، معاوية بن أبي سفيان، فيقتتلون بها قتالاً شديداً، فيحجز الله بينكم بالوهن؛ فعند ذلك يبعثون حكمين، فيكون حكمهما على أنفسهما، وعند حكومتهما تفترق الأمة على /502
أربع فرق: فرقة على الحق لا ينقصها الباطل، وفرقة على الباطل لا ينقصها الحق، وفرقة مرقت من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وفرقة وقفت كالشاة)).
..إلى قوله: ((إذا جاءها الذئب فاختطفها)) انتهى.
[تخريج حديث الحوأب]
وروى في المحيط، عن أبي طالب بسنده إلى ابن مسعود، وأبو العباس الحسني بسنده إليه، قال: قلت: يا رسول الله، من يغسلك إذا مت؟
قال: ((يغسل كل نبي وصيه)).
فقلت: يا رسول الله، ومن وصيك؟
قال: ((علي بن أبي طالب)).
قال: قلت: يا رسول الله، كم يعيش بعدك؟
قال: ((ثلاثين سنة)).
ثم قال: ((إن يوشع بن نون خرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى، وقالت: أنا أحق بالأمر منك، فقاتلها، وقاتل مقاتليها، وأسرها وأحسن أسرها؛ وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفاً من أمتي، فيقاتلها، ويقتل مقاتلتها، ويأسرها ويحسن أسرها؛ وفيها وفي صفراء نزل قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب:33] يعني صفراء في خروجها على يوشع بن نون)).
وأخرج البخاري في صحيحه رفعه إلى نافع عن عبدالله، قال: قام النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأشار إلى مسكن عائشة، فقال: ((هاهنا الفتنة ـ ثلاثاًـ)).
وروى أبو العباس عن ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثير، في النار)).
ورواه صاحب المحيط بسنده إلى ابن عباس باختلاف يسير، وروى نحوه الكنجي عن ابن عباس، وقال: أخرجه ابن خزيمة، وروى نحوه أبو عمر في الاستيعاب، وأبو مخنف بسندهما /503
إلى ابن عباس.
وقالت عائشة: إني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب قد نبحت بعض نسائي))، ثم قال لي: ((إياك يا حميراء أن تكونيها))، فلفق لها الزبير، وطلحة، خمسين أعرابياً، جعلا لهم جعلاً فحلفوا لها، وشهدوا أن هذا ليس بماء الحوأب؛ فكانت هذه أول شهادة زور في الإسلام.
رواه الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، ورواه محمد بن إسحاق عن حبيب بن عمير، ورواه جرير بن يزيد عن عامر الشعبي.
ورواه أبو مخنف، قال: حدثنا إسماعيل بن خالد، عن قيس بن حازم، قالوا جميعاً.
وساق الرواية، وفيها ما ذكر، فقالت أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ لعائشة: يا ابنة أبي بكر، أبدم عثمان تطلبين، وما كنتِ تدعينه إلا نعثلاً؟ أم على ابن أبي طالب تنقمين؟ أذكّرك الله، وخمساً سمعتهنّ أنا وأنت من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وساقت إلى قول عائشة: فأقبل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليها غضبان محمراً وجهه، وقال: ((والله لا يبغضه ـ يعني علياً ـ أحد من أهل بيتي، ولا من غيرهم، إلا خرج من الإيمان؛ وإنه مع الحق، والحق معه))، وأنه قال لأم سلمة: ((يا ابنة أبي أمية، أعيذك أن تكوني منبحة كلاب الحوأب، وأنت يومئذ ناكبة عن الصراط))، وأنه قال لعائشة: ((إن لأمتي منكِ يوماً مراً)).
رواه في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي.
[بحث أخبار الناكثين والقاسطين والمارقين]
قلت: والأخبار في هذا كثيرة، وكفى بأخبار الناكثين والقاسطين والمارقين المتواترة.
ومن طرقها: ما رواه الإمام الأعظم زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(ع) قال: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين؛ وما كنت لأترك شيئاً مما أمرني به حبيبي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ. /504
قال أيده الله في التخريج: قال في التلخيص: رواه النسائي في الخصائص، والبزار، والطبراني.
وفي كنز العمال: أخرجه ابن عدي، والطبراني في الأوسط، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال، والأصفهاني في الحجة، وابن مندة في غرائب شعبة، وابن عساكر من طرق، وفي رواية عن علي (ع): أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين، والناكثين، والمارقين؛ فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون ـ فذكرهم ـ وأما المارقون فأهل النهروان.
أخرجه الحاكم في الأربعين، وابن عساكر.
وأخرجه الحاكم من طريقين عن أبي أيوب بلفظ: أمر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وفي الرواية الأخرى بلفظ: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يقول لعلي بن أبي طالب: ((يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين))، وساقه بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب...إلخ.
[انتهى] من تتمة الروض النضير.
وفي الروض النضير: قال: أخرجه الحاكم، وغيره عن أبي أيوب، وهو متلقى بالقبول إن لم يكن متواتراً، انتهى.
وقد مَرّ الحديث عن ابن عباس، وفيه: ((اشهدي يا أم سلمة أنه قاتِل الناكثين والقاسطين والمارقين))، من رواية الإمام في الشافي، والقاسم بن إبراهيم، وأبي العباس الحسني، والفقيه حميد الشهيد، وعبدالله بن طاهر، والعقيلي، والكنجي.
ورواه ابن المغازلي من حديث المناشدة؛ وروى الكنجي بإسناده إلى أبي سعيد الخدري، قال: أمرنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، مع علي بن أبي طالب. وقال: أخرجه الحاكم أبو عبدالله، وأخرجه الكنجي أيضاً عن علي.
قال أيده الله: وأخرجه إبراهيم بن ديزيل عن أبي أيوب، وقال عمار بن ياسر: أما إني أشهد أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أمر علياً بقتال الناكثين والقاسطين.
رواه أبو مخنف؛ قاله عمار رداً على أبي موسى، لما ثبط الناس عن الجهاد مع علي(ع).
ورواه محمد بن سليمان الكوفي عن علقمة، /505
وعن أبي سعيد التيمي، كليهما عن علي؛ لفظ أبي سعيد: عهد إليَّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن أقتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فقال: الناكثين أهل الجمل، والقاسطين أهل الشام، والمارقين الخوارج.
قلت: بالنصب على الحكاية.
قال أيده الله: ولفظ علقمة: أمرت أن أقتل...إلخ.
وعن أبي سعيد التيمي، عن علي (ع)، نحو الأول من طريق أخرى، ورواه عن إبراهيم، عن علي نحو حديث علقمة.
وروى نحوه عن أبي أيوب.
وقال عمار بن ياسر: أمرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بقتال الناكثين، وقد فعلت، وأمرني بقتال القاسطين، وأنتم هم ـ يخاطب عمرو بن العاص في صفين ـ وأما المارقون فلا أدري أدركهم أو لا.
رواه نصر بن مزاحم.
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) عن علي (ع): ((يا علي أنت فارس العرب، وأنت قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، وأنت أخي، ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وأنت سيف الله الذي لا يخطئ، وأنت رفيقي في الجنة)).
قال أبو ذر لسلمان ـ رضي الله عنهما ـ: إلزم كتاب الله، وعلي بن أبي طالب؛ فأشهد أني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((علي أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل))؛ أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، وأبو علي الحسن الصفار، ومحمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي ذر من طريقين.
وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب، عن أبي ليلى الغفاري، والكنجي في مناقبه، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب؛ فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين)).
وأخرج الحافظ الكنجي في مناقبه من حديث السمرقندي؛ وبإسناده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: ستكون فتنة من /506
أدركها فعليه بخصلة من كتاب الله، وعلي بن أبي طالب؛ فإني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وهو آخذ بيد علي ـ رضي الله عنه ـ، وهو يقول: ((هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي)).
ثم قال: أخرجه محدث الشام في فضائل علي ـ رضي الله عنه ـ بطرق شتى.
[تخريج أحاديث: ذمِّ الخوارج ومدح قاتلهم]
وأخرج الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، بسنده إلى صاحب كتاب المحيط بالإمامة، بسنده إلى أبي اليسر، قال: كنت عند عائشة أم المؤمنين، فدخل مسروق، فقالت: من قتل الخوارج؟
قال: علي.
فقالت: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((يقتلهم خير أمتي من بعدي، وهو يتبع الحق والحق يتبعه)).
قال: وهذا خبر معروف من أصحاب الحديث لم يدفعه أحد منهم.
قلت: وفي مسند أحمد بن حنبل: عن مسروق، قال: قالت لي عائشة: إنك من ولدي، ومن أحبهم إليَّ، فهل عندك علم من المخَدَّج؟
فقلت: نعم قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه ثامراً، ولأسفله النهروان.
..إلى قوله: فقالت: هل لك على ذلك بَيّنَةٌ؟
فأقمت رجالاً شهدوا عندها بذلك.
قال: فقلت: سألتكِ بصاحب هذا القبر، ما الذي سمعت من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيهم؟
فقالت: نعم، سمعته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((إنهم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله وسيلة)).
أفاده في شرح النهج.
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، وابن المغازلي، عن عائشة بلفظ: ((هم...الخبر بتمامه))، ونقله الإمام محمد بن عبدالله الوزير.
قال: وفي كتاب صفين للمدائني: عن مسروق، أن عائشة لما عرفت أن علياً قتل ذا الثدية، قالت: لعن الله عمرو بن العاص، كتب عليَّ أنه قتله بالإسكندرية؛ ألا إنه لا يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعت من رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، /507
سمعته يقول: ((يقتله خير أمتي من بعدي)).
[تخريج حديث: خير رجالكم علي، ونحوه]
ويضاف إلى ما سبق من أخبار خير البرية، وخير البشر، وخير أمتي، وما في معناها نحو قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((خير إخواني علي، وخير أعمامي حمزة))، أخرجه الديلمي عن عابس بن ربيعة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((خير رجالكم علي، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نسائكم فاطمة))؛ أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والحاكم في المستدرك، والطبراني، والروياني، عن عبادة بن الصامت؛ والخطيب، وابن عساكر عن ابن مسعود.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((خير البرية علي))، رواه الخوارزمي عن أبي سعيد مرفوعاً.
انتهى من التفريج.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مخاطباً لفاطمة (ع): ((لقد زوجتك خير من أعلم)) رواه الكنجي عن حبيب بن أبي ثابت، وقال: رواه البخاري في أماليه.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي خير من طلعت عليه الشمس بعدي ومن غربت، وأعلمهم)).
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أحب الخلق إلى الله بعد النبيين والمرسلين علي بن أبي طالب))، أخرجهما أبو القاسم الجابري في كتاب إقرار الصحابة عن أبي بكر، قال ابن عمر لنافع، وقد سأله مَن خير الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: خيرهم من كان يحلّ له ما كان يحلّ له، ويحرم عليه ما كان يحرم عليه.
...إلى قوله: علي؛ سد أبواب المسجد، وترك باب علي، وقال له: ((لك في هذا المسجد مالي، وعليك فيه ما علي، وأنت وارثي ووصيي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتقتل على سنتي؛ كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني))، أخرجه ابن المغازلي عن جعفر بن محمد، عن أبيه.
وقد مَرّ، وشواهد الجميع لا تحصر.
وفي كل هذه المعاني الشريفة ما لايبلغ أقصاه، ولا يدرك منتهاه، كقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت أخي ووزيري، وخير من أخلّفه بعدي؛ بحبك يعرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون؛ من أحبك من أمتي فقد برئ من النفاق، ومن أبغضك لقي الله /508
عز وجل منافقاً))، أخرجه الإمام الأعظم في مجموعه بسند آبائه صلوات الله وسلامه عليهم.
وقال الله مخاطباً لرسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في الخبر القدسي: ((فأنت نبيي، وخيرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، سيدي شباب أهل الجنة، وزوجته خير نساء العالمين))، الخبر من طريقه (ع)، وقد مَرّ.
وأخرج الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي بسنده إلى زيد بن الحسن البيهقي، رفعه إلى أنس بن مالك، قال: دخل علي بن أبي طالب على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقال: ((أنت أخي ووزيري، وخليفتي في أهلي، وخير من أخلفه من بعدي)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بطريقه عن سلمان، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بلفظ: ((إن وصيي وموضع سري، وخليفتي في أهلي، وخير من أترك بعدي، علي بن أبي طالب)) أفاده أيده الله في التخريج.
قلت: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((في أهلي)) ليس للتخصيص؛ إذ ليس الخليفة إلا واحداً على العموم، كما هو معلوم، فخليفته الكائن في أهله، خليفته على جميع أمته؛ وأيضاً الخليفة على الأفضل، خليفة على من دونه بالأولى.
ثم لو سلم فهو في هذا الخبر من باب التنصيص على البعض؛ فقد ورد التصريح بكونه خليفته في أمته، وقد سبق قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((والخليفة في الأهل والمال، وفي المسلمين، وفي كل غيبة)) من رواية الإمام أبي طالب، والإمام المرشد بالله، عن الإمام الأعظم (ع).
وفي خبر أم سلمة من أخبار المنزلة المتقدمة: ((علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيْبَة علمي، وبابي الذي أوتى منه، والوصي على الأموات من أهل بيتي، والخليفة في الأحياء من أمتي)).
وسبق قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أول من يدخل علينا أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغر المحجلين))...إلى قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((وأنت وصيي وخليفتي، والذي يبين لهم الذي يختلفون /509
فيه من بعدي، وتسمعهم صوتي)) وهو مما أخرجه الإمام (ع) في الشافي.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في خبر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من حديث التسعة الذين جاءوا إليه: ((إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي))، وقد مرّ تخريجه أول البحث.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في خبر موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، عن أبيه، عن جده (ع)، لعلي (ع): ((وأنت وصيي من أهلي، وخليفتي في أمتي؛ من والاك فقد والاني، ومن عصاك فقد عصاني)).
وفي خبر الأنوار الآتي ـ إن شاء الله تعالى ـ قوله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((ففيَّ النبوة، وفي علي الخلافة))، أخرجه الإمام المنصور بالله (ع) من طريق ابن المغازلي، وابن شيرويه الديلمي، عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي))، أخرجه الكنجي الشافعي بالإسناد إلى ابن عباس، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو آخذ بيد علي - رضي الله عنه - يقول...الخبر؛ أفاده في شرح الغاية؛ وسيأتي تمام طرق هذا الخبر الشريف ـ إن شاء الله تعالى ـ.
والأخبار في هذا المعنى متواترة، كما حقق ذلك أعلام العترة الطاهرة (ع) وغيرهم، وقد سبق ويأتي ما يكفي ويشفي.
[دلالة الكتاب والسنة على خلافة علي (ع) وشركته في الأمر]
وقد دلّ على خلافة سيد الوصيين، لأخيه سيد النبيين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ، وشركته في أمره الكتاب المبين، بصريح قوله ـ عز وجل ـ عن موسى لهارون (ع): {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي } [الأعراف:142]، وقوله: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)} [طه]، وقد علم بأخبار المنزلة استحقاقه لجميع ما كان له منه إلا /510
النبوة.
قال أيده الله تعالى في التخريج في الخبر المروي في الشافي: رواه الناصر للحق(ع)، وعلي بن بلال، وأبو القاسم الحاكم بلفظ: ((إن أخي ووزيري، وخليفتي وخير من أتركه بعدي علي بن أبي طالب...إلخ)).
وأبو علي الصفار بأسانيدهم إلى أنس، ورواه الخوارزمي بدون ((وخليفتي))، عن سلمان.
وروى محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى أنس بن مالك، عن سلمان الفارسي: ((إن أخي ووارثي وخليفتي، وخير من أترك بعدي، علي بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي)).
وروى بطريق أخرى عن أنس، عن سلمان: ((إن خليلي ووزيري وخليفتي، وخير من أترك بعدي، علي بن أبي طالب...إلخ الخبر)).
وروي أيضاً عن سلمان بطريق أخرى عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((إن وصيي وأعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب)).
وروي أيضاً بطريق أخرى عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((وصيي علي بن أبي طالب، هو خير أمتي بعدي)).
وروي عن أبي سعيد، عن سلمان عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((إن علياً هو خيرهم، وأفضلهم، وأعلمهم، فهو وليي ووصيي ووارثي)).
وروى عن سلمان بطريق آخر عنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((إني أوصيتُ إلى علي، وهو أفضل من أترك بعدي)) انتهى.
[تخريج أحاديث: الوصاية والخلافة ونحوها لعلي]
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب)) رواه الطبراني عن أبي سعيد عن سلمان، والكنجي عن سلمان، والحاكم أبو القاسم بلفظ: ((إن وصيي، وخليفتي، وخير من أترك بعدي... إلخ))، عن سلمان أيضاً.
وروى الحاكم خبر: ((إن خليلي)) المارّ عن أنس.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لسلمان: ((يا أبا عبدالله إن أخي ووارثي وخليفتي وخير من أترك بعدي علي بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعدي)) أخرجه محمد بن منصور، عن سلمان الفارسي.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، حربك حربي، وحزبك حزبي، من أحبك أحبني، ومن أحبني فقد أحبّ الله، ومن أبغضك أبغضني /511
ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ أنت وزيري في حياتي، وخليفتي بعد وفاتي))، رواه العالم الولي، إسحاق بن أحمد بن عبد الباعث ـ رضي الله عنه ـ في كتاب الحياة.
وفي محاورة النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لفاطمة (ع): ((يا فاطمة؛ أنتِ بضعة مني، وعلي مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؛ يا فاطمة، إني سألت الله أن يجعل لي علياً وزيراً وخليفة من بعدي...الخبر))، رواه في كتاب إقرار الصحابة لأبي القاسم الجابري.
وفيه: روى تميم بن بهلول ـ وذكر سنده إلى عائشة ـ قالت: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا سيد الأولين والآخرين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وأخي ووارثي، وخليفتي في أمتي))...إلى قوله: ((وهو إمام المسلمين، وولي المؤمنين، وأميرهم بعدي)).
[خطبة سلمان في فضل أمير المؤمنين وخلافته]
وروى أبو إسماعيل الكوفي، عن زاذان، عن سلمان الفارسي، أنه قال في خطبته بعد أن حمد الله، وأثنى عليه:
أما بعد:
أيها الناس؛ فإني قد أوتيت علماً، ولو أخبركم بكل ما أعلم لقالت طائفة: مجنون، وقالت طائفة: رحم الله قاتل سلمان.
..إلى قوله: ألا وإن لكم منايا، تتبعها بلايا؛ ألا وإن عند علي بن أبي طالب علم المنايا والبلايا، وفصل الخطاب، وهو على سنة هارون بن عمران، حين قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت خليفتي ووصيي في أهلي، أنت مني كهارون من موسى))، أمَا والله لو ولّيتم علياً لأكلتم من فوقكم، ومن تحت أرجلكم...الخبر.
انتهى من الكامل المنير.
وروى هذه الخطبة محمد بن سليمان الكوفي بإسناده إلى ابن عباس.
..إلى قوله: فقال ـ أي سلمان ـ بعد حمد الله ـ: أيها الناس فإني قد أوتيت علماً...إلخ، باختلاف يسير؛ من مناقبه.
قلت: وقد أشار إليها الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، وذكر منها قوله: أنسيتم أو تناسيتم.
وقوله: والله لو أعلم أني أعزّ لله ديناً، أو أمنع لله ضيماً لضربت بسيفي قدماً قدماً. /512
[الخلافة في الأرض في القرآن لثلاثة: آدم وداود وعلي]
قال أيده الله في التخريج: وروى الحاكم أبو القاسم بإسناده إلى عبدالله بن مسعود، قال: وقعت الخلافة من الله في القرآن لثلاثة نفر: لآدم (ع)، لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة:30]، يعني آدم؛ والخليفة الثاني: داود لقوله تعالى: {يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ } [ص:26]، يعني أرض بيت المقدس؛ والخليفة الثالث: علي بن أبي طالب (ع) لقوله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } [النور:55]، يعني آدم، وداود (ع)، انتهى.
قال أيده الله: وهذا تفسير صحابي من العظماء، ولا مساغ للاجتهاد فيه، فيكون توقيفاً ـ نسأل الله توفيقاً ـ.
وقال في البرهان ـ أي الإمام الناصر الديلمي (ع) ـ: إنها نزلت الآية في رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وعلي، وخيار أهل بيتهما، ومن سار بسيرتهما إلى يوم القيامة؛ لأنهم ورثة الكتاب...إلخ.
ومثل هذا ذكره محمد بن القاسم، والحسين بن القاسم.
ويؤيده ما رواه الحاكم بإسناده إلى ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية في آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ وما ذكره الشرفي في المصابيح.
[إتمام تخريج أحاديث الوصاية والخلافة]
وقال الحسن السبط (ع): إن الله اختار محمداً، وأمره أن ينتخب من أهله رجلاً يؤازره ويعينه على أداء رسالته، فعرض ذلك رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على عمومته، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم، فأوحى الله إليه: (أن اتخذ علياً وزيراً، وناصراً ووصياً)، فضمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علياً إلى صدره، وقال: ((هذا منكم صفوتي، وهذا دونكم المختار عندي، وهذا يعينني على أمري، شدّ الله به ظهري، كما شدّ ظهر موسى بهارون؛ اللهم /513
أيده بالإيمان، وجنّبْه عبادة الأوثان)).
ذكر هذا الإمام أحمد بن سليمان (ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((وصيي، وأعلم من أخلف بعدي، علي بن أبي طالب)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ.
وأخرج عن جابر أنه قال، وقد زار الحسين السبط (ع): فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين...إلخ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت وصيي))، رواه محمد بن سليمان الكوفي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)؛ ورواه عن زيد بن أرقم، من طريقين.
وروى أيضاً عن الباقر (ع) قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، أنت أخي ووصيي، وأنت أمين النبيين، وخاتم الوصيين)).
وروى أيضاً بسنده عن الباقر (ع) من حديث الإسراء: ((فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟
قال: هؤلاء ملائكة يقال لهم: الأوابون؛ فسمعتهم يقولون: محمد خير الأنبياء، وعلي خير الأوصياء...إلخ)).
وروى بإسناده إلى أبي رافع، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((أما ترضى يا علي أنك أخي في الدنيا والآخرة، وأنك خير أمتي في الدنيا والآخرة، وأن امرأتك خير نساء أمتي في الدنيا والآخرة، وأن ولديك سيدا شباب أمتي في الدنيا والآخرة، وأنك أخي ووزيري ووارثي؟)).
وخطب علي (ع) فقال: أنا عبدالله وأخو رسوله، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي إلا كذاب؛ ورثت نبي الرحمة، ونكحت سيدة نساء هذه الأمة، وأنا خاتم الوصيين.
أخرجه محمد بن سليمان بسنده إلى أبي البحتري الأنصاري، والأصبغ بن نباتة؛ وهو في شرح النهج عن حكيم بن جبير.
وفي الخبر: ((أوحى الله إلى الجنة لأزيننك بأربعة أركان يوم القيامة: بمحمد سيد الأنبياء، وعلي سيد الأوصياء، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة)) أخرجه الإمام (ع) في الشافي بسنده إلى الحاكم الجشمي، وبسنده إلى /514
قتادة.
وأخرج الإمام (ع) أيضاً من أمالي الإمام أبي طالب (ع) بسنده إلى مجاهد، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: بينا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يطوف بالكعبة، إذ بدت رمانة من الكعبة، فاخضر المسجد لحسن خضرتها؛ فمدّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يده فتناولها، ومضى رسول الله في طوافه، فلما انقضى طوافه صلى في المقام ركعتين؛ ثم فرق الرمانة قسمين، كأنها قدت بالسكين، وأكل النصف، وأطعم علياً (ع) النصف.
..إلى قوله: ثم التفت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى أصحابه، فقال: ((إن هذا قطف من قطوف الجنة، ولا يأكله إلا نبي، أو وصي نبي، ولولا ذلك لأطعمناكم)).
قال الإمام (ع): وقد أكل طعام الجنة مراراً، وشافه جبريل (ع) مراراً، وأحصى عدد الملائكة (ع)، وهو أمارة الوصية والخلافة، انتهى.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله اختار من كل أمة نبياً، واختار لكل نبي وصياً؛ فأنا نبي هذه الأمة، وعلي وصيي في عترتي، وأهل بيتي، وأمتي))، رواه الخوارزمي عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ.
[انتهى] من التفريج.
وأخرج الإمام (ع) في الشافي من مسند أحمد بن حنبل، وساق سنده، قال: قلنا لسلمان: سل النبي من وصيه؟
فقال سلمان: يا رسول الله، من وصيك؟
فقال: ((يا سلمان، من كان وصي موسى؟)).
فقال: يوشع بن نون.
قال: ((فإن وصيي ووارثي، يقضي ديني، وينجز موعدي، علي بن أبي طالب)).
قال ـ أيّده الله ـ في التخريج: وعنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((إن علياً وصيي ووارثي))، رواه البغوي، وابن المغازلي، والكنجي عن بريدة، ورواه الخوارزمي في فصوله، وأخرجه ابن عساكر، وصدره: ((لكل نبي وصي ووارث)).
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن أخي ووزيري ووصيي علي بن أبي طالب))، رواه علي بن الحسين في المحيط، والحسن الصفار عن أنس.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((أنت أخي ووصيي /515
ووارثي))، رواه محمد بن سليمان، عن عبدالله بن أبي أوفى، ورواه أحمد، والصفار بلفظ: ((أنت أخي، ووارثي)) عن زيد بن أبي أوفى.
قلت: وهذه الرواية عن عبدالله بن أبي أوفى ترد ما رواه عنه البخاري ومسلم من إنكاره للوصاية، وهي أصح وأرجح من تلك الرواية المخالفة للمتواتر المعلوم، بإجماع المسلمين وإقرار الخصوم؛ وقد أنكر عليه السائل له في تلك الرواية، حيث قال: فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أو أمر بالوصية؟
فقال: أوصى بكتاب الله ـ هكذا أخرجاه عنه ـ.
قال الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في سياق الرد عليه ما لفظه: فلما أعيد عليه السؤال، قال: نعم أوصى بكتاب الله، وأفرد العترة من الكتاب، والنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال ـ مجمعاً عليه كافة أهل الإسلام من الصحاح، وغيرها ـ: ((خلفت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، حبلان ممدودان لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))، فذكر كونهما خليفتيه.
...إلى قوله: فكيف يقول ابن أبي أوفى: إن الوصية بأحدهما دون الآخر، مع ثبوت انحرافه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ومخالفته الإجماع؛ ولم يرو بنفسه ذلك عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ولم يوافقه أحد من الصحابة على ذلك؛ وقوله في ذلك غير مقبول؛ لكونه مخالفاً للكتاب والسنة.
إلى آخر ما في الشافي.
نعم، وأخرج المرشد بالله بسنده إلى موسى الكاظم، عن آبائه، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن فيك مثلاً من عيسى ابن مريم (ع))).
وساق إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ولكن أنت أخي، ووزيري، ووصيي، ووارثي، وعَيْبة علمي)). /516
ومن حديث عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أتاني جبريل فبشرني أن منا سبعة لم يخلق الله مثلهم: أنا محمد رسول الله سيد النبيين، وعلي ابن عمي سيد الوصيين... الخبر))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى أبي سعيد الخدري.
وقال الوصي (ع): إن أكرم الخلق على الله يوم القيامة سبعة، كلهم من ولد عبدالمطلب.
فقال عمار: من هم؟
قال: نبيكم خير النبيين، ووصيكم خير الوصيين، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيّار في الجنة ـ سقط اثنان، وهما الحسنان كما يأتي قريباً ـ ورجل يخرج منا آخر الزمان يقال له: المهدي.
رواه في الكامل المنير.
ومن شواهده ما أخرجه الإمام في الشافي، بسنده إلى أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا، وحمزة، وجعفر، وعلي، والحسن، والحسين، والمهدي)).
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وأخرجه عن أنس الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، وابن ماجه؛ وابن السري عن أنس، ورواه الطبري، وابن المغازلي بدون ((المهدي)) عن أنس.
وروى محمد بن سليمان الكوفي بإسناده عن ابن عباس، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، والمهدي محمد بن عبدالله)).
وأخرج الكنجي عن ربيعة السعدي، عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ، قال: لأحدثنكم بما سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصره عيناي؛ خرج رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - كأني أنظر إليه كما أنظر إليك الساعة، /517
حامل الحسين بن علي على عاتقه، كأني أنظر إلى كفّه الطيبة، واضعها على قدمه، يلصقها بصدره، فقال: ((أيها الناس، لا أعرفن ما اختلفتم في الخيار بعدي؛ هذا الحسين بن علي خيار الناس جداً وجدة)).
ثم ساق في أبويه، وأخيه، وعمه، وعمته، وخاله، وخالته، على هذا النحو.
قال الكنجي: هذا سند اجتمع فيه جماعة أئمة الأمصار، منهم: ابن جرير الطبري، ومنهم: إمام أهل الحديث ابن ثابت الخطيب، ذكره في تاريخه، ومنهم: محمد بن تمام بن عساكر في تاريخه.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير في الفرائد عقيب هذا: وأخرجه السمهودي الشافعي نزيل مكة، وقال: أخرجه ابن حبان في كتاب السنة الكبير، وزاد فيه ما لفظه: أيها الناس، إن الفضل، والشرف، والمنزلة، والولاية لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وذريته؛ فلا تذهبن بكم الأباطيل.
انتهى وسيأتي ـ إن شاء الله ـ.
وروى الإمام الموفق بالله (ع) بإسناده إلى أنس، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((ليدخلن علي اليوم رجل هو خير الأوصياء، وسيد الشهداء، وأقرب الناس من النبيين يوم القيامة))، قال: فدخل عليه علي بن أبي طالب، فقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ومالي لا أقول هذا فيك، وأنت تبرئ ذمتي، وتحفظ وصيتي، وتقضي ديني))، ورواه محمد بن سليمان عن أنس.
وأخرج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((علي سيد الشهداء)) الإمام المرشد بالله (ع) عن علي ـ صلوات الله عليه ـ.
وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ خبر سادة أهل الجنة وغيره، مما استلزم التكرير؛ لاقتضاء المقامات وهو يسير، وقد مَرّ.
وستأتي أيضاً أخبار أقدم أمتي سلماً، وأكملهم حلماً، /518
وأكثرهم علماً، وأن الله اختاره من أهل الأرض بعد رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنه أول المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً؛ وأنه أول من آمن به، والصديق الأكبر، والفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، ويعسوب المؤمنين؛ وأنه أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية، وخير البرية؛ وأنه أفضلهم، وأشدهم لله غضباً ونكاية في العدو؛ وأنه خير الأوصياء؛ وأنه عبد الله، وأخو رسوله؛ قد علَّمه عِلْمه، واستودعه سره، وهو أمينه على أمته؛ وأنه سيد العرب، وسيد ولد آدم ما خلا النبيين والمرسلين، وسيد المسلمين، وسيد الوصيين، وأمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين.
[أحاديث السيادة لعلي ـ وتخريجها]
وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: نظر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى علي، فقال: ((يا علي، أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوّك عدوي، وعدوّي عدوّ الله؛ والويل لمن أبغضك بعدي)) قال: صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أبو علي الصفار بسنده إلى أنس بلفظ: نظر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلى علي بن أبي طالب، فقال: ((أنت سيد في الدنيا، وسيد في الآخرة، ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ وويل لمن أبغضك بعدي))، رواه في الأربعين.
وأخرجه بمثل روايته ابن المغازلي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وأخرجه أحمد بن حنبل عن ابن عباس بلفظ: ((أنتَ سيّد في الدنيا، وسيّد في الآخرة، من أحبك فقد أحبني، وحبيبك حبيب الله، وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ /519
الله، والويل لمن أبغضك من بعدي)).
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لفاطمة: ((والذي بعثني بالحق، إنكِ سيّدة نساء العالمين، ولقد زوجتك سيداً في الدنيا، وسيداً في الآخرة))، رواه ابن المغازلي، وابن السراج عن عمران بن الحصين.
انتهى من التخريج.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي (ع): ((لولا أني خاتم الأنبياء لكنتَ شريكاً في النبوة، فإلا تكن نبياً فإنك وصي نبي ووارثه؛ بل أنت سيد الأوصياء، وإمام الأتقياء))، رواه في شرح النهج عن الصادق (ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في علي (ع): ((إنه سيد المسلمين من بعدي، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين))، أخرجه محمد بن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
[انتهى] من مناقب خير الأوصياء.
وفي خبر المنادي يوم القيامة: ((هذا علي بن أبي طالب، وصي رسول رب العالمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، إلى جنات النعيم)) أخرجه الكنجي عن ابن عباس، والخوارزمي.
وأخرج الكنجي أيضاً خبر: ((ترد عليَّ الحوض راية علي أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين)) عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ كما سبق.
وكذا ما أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه (ع): ((يا علي، أنا سيد المرسلين وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وما أخرجه الإمام الناصر للحق (ع)، وعلي بن بلال، بسندهما إلى عبدالله بن أسعد بن زرارة، عن أبيه أسعد: ((أُوحي إليَّ في علي أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، عن عبدالله بن أسعد، عن أبيه، وعن جابر؛ والحاكم في المستدرك وصححه، عن أسعد بن زرارة /520
بلفظ: ((أُوحي إليّ في علي ثلاث: أنه سيد المؤمنين... الخبر)).
وخبر: ((مرحباً بسيد المؤمنين، وإمام المتقين))، أخرجه أبو نعيم.
وقد سبق من هذه الأخبار النبوية، وما في معناها بطرقها في الفصل الأول، ما فيه تبصرة لذوي الأبصار.
[الأخبار الدالة على إمامة السبطين، وأن أولادهما أحق بالإمامة، وتخريجها]
ومن الأخبار المتواترة المعلومة، القاضية لأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ بالسيادة والخيرية والإمامة، نحو: الخبر الشريف، الذي قال فيه إمام الأئمة، الهادي إلى الحق (ع) ما نصه: وأجمعت الأمة أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، وقال: ((هما إمامان قاما أو قعدا))، وأجمعوا أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي؛ إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))، انتهى.
وقال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وروينا من غير طريق أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما))، انتهى.
قال السيوطي في الجامع الصغير ـ وقد ساق الرواة والمخرجين لقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)) ـ ما لفظه: وهو متواتر؛ أفاده العزيزي. /521
وقال الإمام (ع) في الشافي: والأمة لم تختلف في قول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)).
وقال أيضاً: والخبر مشهور، تلقته الأمة بالقبول.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: قال الإمام الحسن بن بدر الدين (ع): والعترة مجمعة على صحته.
وقال: إنه مما ظهر، واشتهر بين الأمة، وتلقته بالقبول، ولا جحده أحد، ممن يعوّل عليه من علماء المسلمين.
ثم حكى عن الإمام القاسم بن محمد، والمرتضى بن المفضل، والشرفي، وحميد الشهيد، برواية الإمام عز الدين بن الحسن، والقاضي عبدالله بن زيد، والنجري، والقاضي أحمد حابس، مثل ذلك.
قال ـ أيده الله ـ: ومما يدل على إمامة الحسنين، وأن ولدهما أحق بالإمامة: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يحيى حياتي))...إلى قوله: ((فليتولّ علي بن أبي طالب، وذريته الطاهرين أئمة الهدى...إلخ))، رواه المرشد بالله بإسناده إلى الحسين السبط (ع).
ورواه ابن شاهين، وابن مندة، والباوردي، ومُطين، عن زياد بن مطرف؛ ورواه المرشد بالله (ع) بإسناده إلى ابن عباس بلفظ: ((وأوصياءه، فهم الأولياء، والأئمة من بعدي...إلخ)).
ورواه أبو /522
نعيم، والرافعي، والكنجي بلفظ: ((فليتول علياً، وليتول وليه، وليقتدِ بالأئمة من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي...إلخ)).
ورواه الطبراني بلفظ: ((وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي... إلخ)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليأتم علياً، وليأتم الهداة من ولده))، رواه الحاكم الحسكاني بإسناده عن علي (ع).
قلت: وقد سبقت هذه الأخبار الشريفة.
قال ـ أيده الله ـ: وكذا حديث الثقلين، وحديث السفينة المتواترين، وحديث النجوم المستفيض؛ فإنها قاضية بأنهم هداة الأمة، والأولى بالاتباع، فهم الأئمة على الخلق؛ وكذا قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء:59]، قال علي (ع): من هم يا رسول الله؟
قال: ((أنت أولهم))، رواه الحاكم عن سليم بن قيس الهلالي، عن علي (ع).
ورواه الحاكم أيضاً عن جعفر الصادق، قال: نزلت في علي، والحسن والحسين.
ورواه الناصر الأطروش عن جعفر الصادق بلفظ: (هم علي، والحسن، والحسين، وذريتهم (ع))، ذكره أبو القاسم البستي.
وكذا قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ }...إلى قوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ } [النور:55]...إلخ، قال في البرهان: نزلت في رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم، وعلي، /523
وخيار أهل بيتهما...إلخ.
ويؤيده ما رواه الحاكم عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية في آل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ذكر هذا في المصابيح.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا تعلّموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تقصروا عنهم فتهلِكوا، ولا تتولوا غيرهم فتضلوا))، من رواية القاسم بن إبراهيم عن زيد بن أرقم.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سره أن يحيا حياتي))...إلى قوله: ((فليتولّ علي بن أبي طالب، والأخيار من ذريتي))، وقد علم أن ذريته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من ولد فاطمة بالأخبار الجمة؛ وهذا الخبر رواه محمد بن سليمان الكوفي.
وروى بإسناده إلى محمد بن علي رفعه، وروى بسنده إلى محمد بن عبدالله، وأخيه يحيى بن عبدالله الكامل، عن جدهما، عن علي بن أبي طالب، قال: لما خطب أبو بكر قام أبي بن كعب، فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم، ولا تقدموا عليهم، وأمِّروهم ولا تأَمّروا عليهم...إلخ))؟
قال ـ أيده الله ـ: تأمل إلى شدة عناد المخالفين للعترة (ع) كيف يستدلون على أن الإمامة في قريش بما يروونه آحاداً من أنه قال: ((قدموا قريشاً... إلخ)).
قلت: وبخبر: ((الأئمة من قريش)).
قال: ولا يلتفتون إلى حديث الثقلين المتواتر، الذي فيه: ((قدّموهم ولا تقدّموا عليهم))، وأنه دليل على أن الإمامة في العترة.
قلت: مع أن أهل البيت (ع) المرادون بذلك أيضاً بالأولى، وبدلالة ما لايحصى.
قال: وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((أتاني جبريل آنفاً، فقال: تختموا بالعقيق، فإنه أول حجر شهد لله بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولعلي بالوصية، ولولده بالإمامة، ولشيعته بالجنة))، رواه ابن /524
المغازلي بإسناده عن علي(ع)؛ وأخرجه ابن السمان، عن علي أيضاً من شمس الأخبار؛ ورواه الخوارزمي.
انتهى من تفريج الكروب.
وقال الهادي (ع) في الأحكام: بلغنا عن رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم أنه قال: ((من أمرَ بالمعروف، ونهى عن المنكر من ذريتي، فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله)).
وفي الجامع الكافي: عن الباقر، قال: من حبس نفسه لواعيتنا، وكان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله.
[إجماع العترة على أولوية علي وذريته بالإمامة وتفضيلهم]
وفيه: قال الحسن بن يحيى: أجمع آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأعلمهم، وأولاهم بمقامه؛ ثم من بعد أمير المؤمنين الحسن والحسين، أولى بمقام أمير المؤمنين؛ ثم من بعد ذلك علماء آل رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
أفاده في الاعتصام.
قلت: وهذا معلوم من دينهم ضرورة، والنصوص فيه أكثر من أن تحصر، وقد مَرّ ما فيه مدّكر؛ وإذا كان أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وأخو سيد النبيين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ خيراً من سادة أهل الجنة، وأفضل أهل بيت النبوة، الذين ورد فيهم ما لايحصى كثرة، كتاباً وسنةً، فما بالك بغيرهم من سائر الأمة.
وقد سبق في الفصل الأول، ما أخرجه الإمام المنصور بالله من أمالي المرشد بالله(ع) يرفعه إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((نحن شجرة /525
النبوة، ومعدن الرسالة؛ ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)) وشواهده.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: ويشهد له قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)) أخرجه الملا، والطبري عن أنس؛ وأخرجه الديلمي.
وقال ابن عمر: ويحك! علي من أهل البيت لا يقاس بهم أحد.
..إلى آخر ما رواه الحاكم الحسكاني.
قلت: وقد تقدم.
وقول الوصي (ع): لا يعادل بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً؛ هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الآن إذ رجع الحق إلى أهله، ونقل إلى منتقله.
ومن كلامه (ع): أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم؟ بنا يستعطى الهدى، ويستجلى العمى؛ إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا يصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم.
[انتهى] من نهج البلاغة.
وقوله (ع): نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب، ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سُمي سارقاً؛ فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن؛ إن نطقوا صدقوا، وإن سكتوا لم يسبقوا.
قال الإمام (ع) في الشافي: إن المعلوم ضرورة من علي وذريته الطاهرين أنه (ع) أفضل الخلائق، بعد النبيين والمرسلين، وأنه سيد /526
الوصيين، وخليفة رسول رب العالمين، بعد النبي صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
...إلى قوله (ع): إذْ جاء فيهم ما لا يمكن تحويله، وعلم من دينهم ما لا يصح تحويله، أن أباهم أفضل البرية بعد الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأنهم أفضل الخلائق بعده. انتهى.
[المفضلون لعلي(ع) على كل أحد بعد الرسول (ص)]
قلت: وقول أهل بيت النبوة في أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ: إنه أفضل الأمة، وتالي أخيه نبي الرحمة، وثانيه في كل درجة ومنزله، هو قول جميع بني هاشم، الذين شيخهم العباس بن عبد المطلب، وولده البحر حبر الأمة، كما هو المعلوم من أقوالهم وأفعالهم، وقول أعيان السابقين الأبرار، من المهاجرين والأنصار، كالمقداد وأبي ذر وعمار.
وقد امتنعوا كافة عن البيعة لأبي بكر؛ لاعتقادهم الحق لعلي (ع)، وقد أجمع على رواية امتناعهم لذلك جميع الطوائف، من موالف ومخالف؛ وإن اختلفوا فيما وراء ذلك.
وهو ومن معه من أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة لا يتأخرون عن الحق ساعة ولا لحظة؛ كيف وهو مع الحق، والحق معه؟
[كلام علي(ع) في العذر عن المنازعة في الإمامة]
وقد اتفق البخاري ومسلم في كتابيهما أنه لم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم ستة أشهر؛ ثم كانت المصالحة ـ التي أخرجها البخاري هكذا بلفظها ـ بين علي، وأبي بكر، وسببها عند آل محمد (ع)، ومن اتبعهم، إشفاقه من انتشار حبل الإسلام، واختلال أمر الملة، وذهاب الدين الحنيف لغلبة الردة؛ كما قال (ع): إنه لما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قلنا: /527
نحن أهله وعصبته وذريته، وأحق خلق الله به، لا ننازع سلطانه ولا حقه؛ وإنا لكذلك إذ انبرى لنا قوم نزعوا سلطان نبينا منا، وولوه غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة فرقة المسلمين، وأن يعود الكفر الثاني، ويبور الدين، لغيَّرنا ما استطعنا...إلى آخر الكلام المروي في الشافي.
ورواه المدائني عن عبدالله بن جنادة في خطبة علي (ع) بلفظه: وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه...إلى آخر الخطبة المروية في شرح النهج.
وفيها: لما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وورثته وعترته، وأولياؤه دون الناس...إلخ.
وهذا الكلام قاله (ع) قبل توجهه إلى البصرة للحاق طلحة والزبير بيوم؛ أفاده في الشافي.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر عمر بن شبة، عن المدائني، عن أبي مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال: لما خرج طلحة، والزبير.
..إلى قوله: فقال ـ أي علي (ع) ـ: العجب لطلحة والزبير؛ إن الله ـ عز وجل ـ لما قبض رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قلنا: نحن أهله وأولياؤه، لا ينازعنا سلطانه أحد، فأبى علينا قومنا فولوا غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة الفرقة، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لغيّرنا؛ فصبرنا على مضض...إلخ، انتهى.
وقال: لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة؛ فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم؛ والناس حديثوا عهد بالإسلام.
رواه الكلبي. /528
ولم يزل مع ذلك يقيم الحجة، ويوضح المحجة للأمة على كل حال، وبكل مقال، كما قال الإمام (ع) في الشافي، وعلى أنه (ع) لم يغفل الكلام، والاحتجاج والتعريف أنه أولى بالإمامة في مقام بعد مقام.
...إلى قوله: فما قام (ع) مقاماً إلا وذكر أنه أولى بالأمر بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فأي بيان أوضح من ذلك لمن كان له رأي رشيد، ونظر سديد؟!
قال (ع): وتلك حال يجب فيها لم الشمل ما أمكن؛ لعظم المصيبة لموت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وظهور الردة، ونجوم المنافقين، وخشية اشتقاق العصى بين المسلمين، فلهذا عمل علي (ع) بما يسعه العلم والدين، واستبقاء حال الإسلام والمسلمين، ففعل علي(ع) في كل وقت من أوقات الخلفاء، ومن بعدهم، ما يقتضيه علمه الثاقب، ورأيه الصائب، واستعمل القول اللين في وقت، ويعرض بالقول الخشن في وقت، وأطلق القول الأخشن في وقت، واستعمل السوط بل السيف في وقت.
[التخيير لعلي(ع) بين القيام والقعود أيام المشائخ، وتحتم القيام أيام الناكثين والقاسطين والمارقين]
...إلى قوله: وعلى هذا وقع التخيير لعلي (ع) في القيام في أوقات المشائخ وبعدهم كما في الخبر: ((فإن قُمْتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة))، لما كان القيام غير متعين عليه لما سقط من شرائط الوجوب؛ وبعد ذلك عند التمكن وإزاحة العلة، قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((فإن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالنار)).
وأخرج الإمام (ع) عن الشيخ الإمام العالم، صاحب المحيط،/529
بسنده إلى أبي رافع في خبر الشورى، قول أمير المؤمنين (ع): أما والله إنكم لتعرفون من أولى الناس بهذا الأمر قديماً وحديثاً، وما منكم أحد إلا وقد سمع من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ووعى ما وعيته.
وأقواله (ع) في هذا المعنى أكثر من أن تحصر، والأمر كما قال في الفرائد: كل من يتصف بأدنى ذرة من إنصاف أو دين يعلم أن أقلّ قليل مما وقع منهم في جانبه يكفي في وضوح عذره؛ على أنه (ع) قد أبان عذره في كل مقام، وتكلم بما يليق بالدين والعلم، ثم نجم النفاق، وأحاطت الردة، واشتعلت نارها، فلم يسعه إلا صيانة الإسلام.
صان الوصيُّ بها الإسلام إذْ بقيت .... أعلام شرع يراعيها مراعيهِ
لم يكن أمر الصحابة بأعجب ولا أعظم من أمر أصحاب موسى (ع)، وقد خلف عليهم هارون(ع)، ووعدهم بالرجوع، فوقعت فتنة العجل، وعصوا وخالفوا أخاه، واستضعفوه وكادوا يقتلونه، والحال أنه بقي معه من بني إسرائيل ألوف مؤلفة؛ فكيف يشبهه علي (ع) فلم يبق معه إلا بنو هاشم ونفر من المؤمنين.
...إلى قوله: مع إياسه من عودة رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فكيف لا يصبر، وقد قال له أخوه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((تبكيه ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا بعد موتي)).
وقال له: ((إن قمتَ فالجنة، وإن قعدتَ فالجنة)).
وقال أمير المؤمنين (ع): والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين...إلخ.
[احتجاج علي لمَّا أُريد إكراهه على بيعة أبي بكر، وامتناعه عنها]
قلت: وفي أخبار السقيفة: واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ بنوه، فصرفوه عنا.
..إلى قوله: وذهب عمر، ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم: /530
أسيد بن حضير، وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا.
فأبوا عليه، وخرج عليهم الزبير بسيفه.
...إلى قوله: ثم انطلقوا به وبعلي، ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله، وأخو رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
..إلى قول أمير المؤمنين (ع): لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة؛ وأنا أحتج عليكم بمثلما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
قلت: وهذه حجة عليهم لازمة لا يجدون عنها محيصاً، ولا يستطيعون لها رداً؛ لأنه إذا بطل متمسك الخصم، الذي ليس له شبهة سواه، بطلت دعواه؛ ولهذا كرر الاحتجاج بها عليهم الوصي والحسنان، وسائر أهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ، وهو مسلك من البيان، نطق به القرآن، في غير مكان؛ مع أنه ـ رضوان الله عليه ـ قد احتج عليهم بنصوص الكتاب والسنة في مقامات عديدة.
ومما اتفق عليه منها: يوم الشورى، ومنها: يوم استنشد الناس حديث غدير خم، وغيرهما، وهم يعلمونها، ويقرون بها، وما طال العهد، ولا بعد الأثر؛ وتارة عدل هو وأهل بيته إلى الاحتجاج عليهم بنفس حجتهم وعين دليلهم، وهو من القلب الذي يقال له: القول بالموجب.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع) مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمَهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّب؟
وهذا واضح معلوم، لا يمتري فيه إلا جاهل محروم، أو متجاهل ملوم، /531
وعند الله تجتمع الخصوم.
عدنا إلى تمام الكلام.
قال: فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، أشدد له اليوم أمره، ليرده عليك غداً؛ لا والله؛ لا أقبل قولك ولا أبايعه.
إلى قول علي (ع): يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه؛ فوالله ـ يا معشر المهاجرين ـ لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، ما كان منا القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؛ والله، إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان، ولكنهم قد بايعوا.
فانصرف إلى منزله، ولم يبايع...إلى آخره.
أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري بسنده، في كتاب السقيفة.
قال شارح النهج: فأما امتناع علي من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه أهل السير.
وقد ذكرنا /532
ما ذكره الجوهري في هذا الباب، وهو من رجال الحديث، ومن الثقات المأمونين؛ وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لايحصى كثرة.
وقال فيه أيضاً: وهو عالم كثير الأدب، ورع، ثقة، مأمون عند المحدثين، أثنى عليه المحدثون.
وروى نحو ما سبق في الكامل المنير، وفيه: فقال علي (ع): أنصفوا من أنفسكم...إلى قوله: وأنتم تعلمون.
وفيه: الله الله يا معشر المهاجرين...إلى قوله: فتزدادوا من الله بعداً.
قال ـ أيده الله ـ: ورواه ابن جرير الطبري في تاريخه، انتهى.
فهذا طرف يسير مما روته العامة، دع عنك ما عند آل محمد (ع)، ومن أنصف عرف أن الأمر كما قال:
خفيت أحقاد بدر .... وبدت يوم السقيفهْ
فلهذا صيّر النا .... سُ أبا بكر خليفهْ
وقد ملأت أقوال الوصي ـ رضوان الله عليه ـ في هذا الشأن الصحائف، وأجمع على نقلها الموالف والمخالف، كما قال عالم المعتزلة شارح النهج:
واعلم أنها قد تواترت الأخبار عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بنحو هذا القول، نحو قوله: (ما زلت مظلوماً منذ قَبَضَ الله رسوله حتى يوم الناس هذا، وقوله: اللهم اجز قريشاً؛ فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري.
وقوله: فجزت قريشاً عني الجوازي؛ فإنهم ظلموني حقي، وغصبوني سلطان ابن أمي.
وقوله وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً فإني ما زلت مظلوماً.
وقوله: إنه يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا.
وقوله: أرى تراثي نهباً.
وقوله: أصغيا بإنائنا، وحملا الناس على رقابنا.
وقوله: إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السرى.
وقوله: ما زلت مستأثراً عليَّ مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه.
قلت: ونحو قوله (ع): حتى إذا قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولايج، /533
ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص أساسه، فبنوه في غير موضعه...إلخ.
وقوله: اللهم إني أستعديك على قريش، ومن أعانهم؛ فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي...إلخ.
قال الشارح: وقد رواه الناس كافة.
وقوله: فأغضيت على القذى...إلخ.
وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم وتظلم، واستنجد واستصرخ، حيث ساموه الحضور للبيعة؛ وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني؛ وأنه قال: وا جعفراه، ولا جعفر لي اليوم، وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم...إلخ.
وقال رجل ثقفي لعلي (ع) يوم الجمل: ما أعظم هذه الفتنة!!.
فقال علي (ع): وأي فتنة وأنا قائدها وأميرها؟ وإنما بدء الفتنة من يوم السقيفة، ثم يوم الشورى، ثم يوم الدار.
رواه أبو الحسين أحمد بن موسى الطبري.
[المتخلفون عن بيعة أبي بكر]
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: لا خلاف بين الأمة أن أمير المؤمنين امتنع من البيعة، وذكر أنه أولى بهذا الأمر، وأن العباس بن عبد المطلب قال لأمير المؤمنين بعد وقوع العقد لأبي بكر: امدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بايع ابن أخيه؛ فلا يختلف عليك اثنان.
وليس هذا قول الراضي بالعقد الذي وقع.
ولا خلاف أن الزبير بن العوام قد امتنع من البيعة، وخرج شاهراً سيفه فكسروه.
ولا خلاف أيضاً أن خالد بن سعيد لما ورد من اليمن أظهر الخلاف، وحث بني هاشم، وبني أمية، على الخلاف، وقال: أرضيتم أن يلي عليكم تيمي؟
وقال أبو سفيان لأمير المؤمنين (ع): إن شئت ملأتها عليهم خيلاً ورجلاً.
وأمير المؤمنين (ع) قعد عنه، /534
وقعد بنو هاشم أجمع، وامتنعوا من الحضور عنده، وأظهر سلمان النكير، وقال: كرديد، وبكرديد.
..إلى قوله (ع): وقد روى الثقات في هذه القضية.
قال: وهو أنه ممن تخلف عن بيعة أبي بكر: علي (ع)، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب.
قلت: وكان أعيان المهاجرين والأنصار، وأرباب السبق منهم والفضيلة، والبشارات من الله على لسان رسوله، غير راضين بما جرى من خلاف رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم الخميس، والرجوع عن الجيش الذي بعثه، وما تعقبه يوم السقيفة، ولا عادلين بأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ولا خارجين عن ولايته؛ قضت بذلك الأخبار الصحيحة، المتفق عليها المعلومة.
وقد ندم كثير على ما كان منهم يوم السقيفة من الفلتة؛ لا سيما الأنصار، كما وردت به الآثار.
وفي شرح النهج: وروى الزبير بن بكار ـ قلت: وهو من الزبيريين، وهم أهل انحراف ـ بسنده، قال: لما بويع أبو بكر واستقر الأمر، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولامَ بعضهم بعضاً، وذكروا علي بن أبي طالب، وهتفوا باسمه، وأنه في داره لم يخرج إليهم، وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام. /535
[انتصار للأنصار من علي والفضل بن العباس]
ثم ذكر فروة بن عمرو، وكان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وقاد فرسين في سبيل الله، وكان يتصدق من غلة نخله بألف وسق في كل عام، وكان سيداً؛ وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل.
ثم قال: إن رجالاً من سفهاء قريش، ومثيري الفتن، اجتمعوا إلى عمرو بن العاص.
ثم حكى كلاماً له في الأنصار.
قال: ثم التفت فرأى الفضل بن العباس.
..إلى قوله: فقال الفضل: يا عمرو، إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك، وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة، إلا أن يأمرنا فنفعل.
ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه، فغضب وشتم عمراً، وقال: آذى الله ورسوله.
ثم قام فأتى المسجد، فاجتمع إليه كثير من قريش وتكلم مغضباً.
..إلى قول علي (ع): من أحب الله ورسوله أحب الأنصار.
وقال للفضل: انصر الأنصار بلسانك ويدك؛ فإنهم منك وإنك منهم.
فقال الفضل:
قلتَ يا عمرو مقالاً فاحشاً .... إن تعد يا عمرو والله فلكْ
إنما الأنصار سيف قاطع .... من تصبه ظِبَة السيف هلكْ
وسيوف قاطع مضربها .... وسهام الله في يوم الحلكْ
نصروا الدين وآووا أهله .... منزل رحب ورزق مشتركْ
وإذا الحرب تلظّت نارها .... بركوا فيها إذا الموت بركْ
ثم حكى أبيات حسان بن ثابت، وقد بعثت إليه الأنصار، وقال له خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ: اذكر علياً وآله يكفك كل شيء، فقال: /536
جزى الله عنا والجزاء بكفّه .... أبا حسن عنا ومن كأبي حسنْ
سبقتَ قريشاً بالذي أنت أهله .... فصدرك مشروح وقلبك ممتحنْ
ومنها:
حفظت رسول الله فينا وعهده .... إليك ومن أولى به منك من ومن؟
ألست أخاه في الهدى وابن عمه .... وأعلم منهم بالكتاب وبالسننْ؟
فحقك ما دامت بنجد وشيجة .... عظيم علينا ثم بعد على اليمنْ
ثم حكى ما دار بينهم في ذلك، ومنه قول بعض بني المطلب:
ما كنتُ أحسب أن الأمر منتقلٌ .... عن هاشم ثم عنها عن أبي حسن
الأبيات المشهورة.
ومنه قول لسان الأنصار وشاعرهم النعمان بن عجلان ـ قال: وكان سيداً فخماً ـ من قصيدة له:
وكان هوانا في علي وإنه .... لأهل لها ياعمرو من حيث لا تدري
وصي النبي المصطفى وابن عمه .... وقاتل فرسان الضلالة والكفرِ
...إلى آخرها.
وروى الجوهري عن علي بن سليمان النوفلي، قال: سمعت أبياً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً بعد يوم السقيفة، فذكر أمراً من أمره يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنتَ سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب، ثم تَطْلُب الخلافة، ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير؛ لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً. /537
وقال:
أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم؛ فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني؛ إن لي شيطاناً يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة...إلخ.
قلت: ليته ترك خيرهم يليهم، الذي لا يحتاج إلى تقويم، ولا يؤثر في أشعارهم وأبشارهم، بل يحملهم على المحجة البيضاء، والحق القويم، والصراط المستقيم، الذي كان إذا علا المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني...إلخ.
وهو الذي نصبه لهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم الغدير، وقرر ولايته، وهنّأه بذلك أبو بكر وعمر.
* ولو لم يكن نصٌّ لقدمه الفضل *
فكيف والنصوص فيه من الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر؛ إذاً والله لأراح واستراح؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
قال نجم آل الرسول، القاسم بن إبراهيم، عليهم الصلوات /538
والتسليم: واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إذا قضى بقضية أو أحدث حدثاً لم يأت عن الله، ولم يحكم به رسول الله، فراجعه فيه من هو أعلم به منه، رجع عن حكمه واعترف، كان قوله: عليَّ شيطان يعتريني.
..إلى قوله: وإنما يصلح للإمامة، ويخلف النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في أمته، من كان إذا صعد المنبر يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فعندي علم المنايا، والقضايا والوصايا، وفصل الخطاب؛ والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض، وما من آية نزلت في ليل ولا نهار، ولا سهل ولا جبل، إلا وأنا أعلم فيمن نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولقد أسرَّ إلي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ألف باب من مكنون علمه، فتح كل باب منها ألف باب.
...إلى أن قال: والله يقول: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي } [يونس:35].
قلت: وقوله ـ رضوان الله عليه ـ: ((سلوني قبل أن تفقدوني))، من أخباره المعلومة بين الأمة؛ وقد أخرجه مسلم عن علي ـ سلام الله عليه ـ بلفظ: ((سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلا وأنا أعلم حيث نزلت بحضيض جبل أو سهل أرض، وسلوني عن الفتن، فما من فتنة إلا وقد علمت كبشها، ومن يقتل فيها)).
قال: ولم يكن أحد من الصحابة يقول: /539
((سلوني)) غيره.
وأخرجه أحمد عن سعيد بلفظ: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((سلوني قبل أن تفقدوني)) إلا علي بن أبي طالب.
وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب بلفظ: ما كان أحد من الناس يقول: ((سلوني)) غير علي بن أبي طالب.
وذكره شارح النهج، وساق فيه خبراً عجيباً.
هذا، وفي شرح النهج: عن الزبير بن بكار، عن محمد بن إسحاق، قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون أن علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وكذلك أبو بكر وعمر، ومن معهم يعلمون ذلك، وهم مقرون أن بيعتهم كانت فلتة، كما قال عمر على المنبر، وحكم على من عاد إلى مثلها بالقتل؛ كما رواه البخاري ومسلم.
[يوم الشقاق، ومخالفة الرسول (ص) يوم الخميس]
ولا يستنكر شيء بعد واقعة يوم الخميس.
يوم الخميس وما يوم الخميس به .... كلّ الرزية قال البحر هي هي هي
التي أخرجها الشيخان وغيرهما، وأجمع على وقوعها الخلق، من صدور النزاع، والتقدم بين يدي الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى أدى إلى منع رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عما أراد من تأكيد عهده، وكتابة الكتاب الذي لا يضلون من بعده؛ وكان ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد أقام البرهان، وأعلن البيان، وإنما أراد التأكيد وزيادة التبليغ، ففهم عمر قصده، ولولا ذلك ما استطاع عمر ولا جميع الخلق رده.
وعلى كل حال، فلعمر الله، إن تلك واقعة في الإسلام تذوب لها القلوب، وتقشعر منها الجلود، من كل من بقي في قلبه مثقال ذرة من الإيمان، ونعوذ بالله من الخذلان؛ فلهذا كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذا ذكرها يبكي حتى يبل دمعه الحصى، ويقول: إنها الرزية /540
كل الرزية؛ برواية البخاري ومسلم وغيرهما.
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا.
وتعقّب ذلك ما هو مشهور، وعلى صفحات الصحائف مسطور، وإلى الله ترجع الأمور.
قد كان بعدكَ أنباء وهينمة .... وما من الكرب لا أسطيع أبديهِ
والعجب كل العجب، ممن يبالغ أشدّ المبالغة في المنع عن التصريح بالحق، والقيام لله بالشهادة بالقسط، زعماً منهم لرعاية حق الصحابة، ولا يبالون مع ذلك بالإضاعة لحقوق الله ـ تعالى ـ، وحقوق رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأهل بيته من الصحابة والقرابة، ولا بالإعراض عن نصوص الكتاب والسنة؛ ويعتمدون على روايات مفتريات، ويردون الصحيحات والمتواترات.
وقد علمَ الله تعالى أنّا أحرص الناس على احترام أصحاب نبينا وأبينا ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأولاهم برعاية جانبهم، وتجليلهم وتكريمهم وتعظيمهم؛ ولكن من ثبت منهم على ما فارق عليه الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ولزم هديه، وحفظ وصاته في أهل بيته، كما أنهم أولى الناس بالتمسك بأهل بيت نبيهم، والاعتصام بحبلهم واتباع سبيلهم، والالتزام بما سمعوه من نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذْ هو ضروري في حقهم.
وعلى الجملة، المتبع الدليل، وليس على سواه تعويل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. /541
[الإسحاق بن يوسف والسعد ينطقان بالكلام النفيس]
قال العلامة شيخ العترة إسحاق بن يوسف ـ رضي الله عنه ـ: ولهذا الشأن تواصوا على ترك البحث عما تضمنت النصوص الواردة في علي (ع) حتى آل أمر الخصوم أن من بحث أو سأل عما دلت عليه تلك الأحاديث فهو رافضي، ونبزوه بتلك الأسماء القبيحة؛ كل ذلك لئلا يتبين أمر أبي بكر، ويتعاظم أمر علي (ع)، حتى حسموا المادة بترك أي وصمة على مثل معاوية ويزيد المريد، ونحوهم؛ لئلا يرتقى إلى الأعلى فالأعلى؛ ومن قال أي وصمة على مثل هؤلاء، الذين هم من أعداء الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أو أي شيء، فهو رافضي كذاب، وتناسوا أن الله ـ جل جلاله ـ قد أوجب في آيتين كريمتين ـ دعْ ما سواهما ـ وجوب القول بالحق والقسط في الشهادة، ولو على أنفسهم أو الوالدين أو الأقربين، ونهى عن اللي والإعراض، فتركوا ما علموا وعقلوا، وكيف بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(160)} [البقرة:159،160]، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }...الآية [آل عمران:187]، فما عذرهم من القول بالحق...إلخ. /542
قلت: وقد أشار إلى كلام العلامة السعد في شرح المقاصد، حيث قال: وما وقع من الصحابة من المشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والفساد، واللدد والعناد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذات والشهوات؛ إذْ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالخير موسوماً.
...إلى قوله: وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل البيت (ع) فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، يكاد يشهد له الجماد والعجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور، ومرّ الدهور؛ فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
فإن قلت: فمن علماء المذهب من لا يجوز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلت: تحاشياً من أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى.
..إلى قوله: وإلا فمن الذي يخفى عليه الجواب والاستحقاق؟ وكيف لا يقع عليه الاتفاق؟
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وفي كلام هذا العالم، وهكذا أمثاله، ممن صرح وعرض ولم يكتم، ومن تعصب أو تذبذب أو تلعثم، ما يستفرغ العجب؛ بينما هو يقرر وينطق، بملء فيه، أن من الصحابة من /543
حاد عن الطريق وبلغ حد الظلم والفسق...إلخ، بحيث لا يمكنه تلافيه؛ إذ هو قد نكص على عقبه، ورجع إلى القهقرى في منقلبه، وجاء بأعذار سلفه وأضرابه.
...إلى قوله: فقال: تحامياً أن يرتقى إلى الأعلى إلى آخره؛ الله المستعان على ما تصفون.
..إلى قوله: بعد أن علموا من آيات يتلونها، وأحاديث يملونها، من أن الله ـ سبحانه ـ، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد أخذ على العلماء خصوصاً، وعلى الكافة من المسلمين عموماً من القيام شهداء لله الآيتين.
..إلى أن قال: ومن الخصوم من روى أحاديث مفتراة، من أن الصحابة وإن زلّوا فهو مغفور لهم، ففرق بين الصحابة وبين من بعدهم، بترهات؛ قد قطع دابرهم القواطع عقلاً ونقلاً؛ ومنهم من زعم ألا يسأل عما شجر بينهم؛ وكم لهم من ترهات.
وكل ذلك لما رأوا أن النصوص قاضية على القطع بأن النص في علي (ع)، ورأوا أن أهل السقيفة لم يأتوا ببرهان إلا هذه الأعذار الباطلة، ودفعوا بها وجه النصوص؛ ثم قرر خلفهم عن سلفهم أنه لا يبحث عن مدلول تلك النصوص، التي رووها وصححوها وحسنّوها، بل كأنه لا مدلول لها؛ ومن طلب دلالتها نسبوه إلى الرفض، ووصفوه بأقبح الأوصاف.
قال: وكأنما صححوه وقرروه وعلموه عن أمر الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في خليفته ووصيه، وأهل بيته، شيء فريٌ، أو نسي منسي؛ توارثوا ذلك خلفاً عن سلف.
قال (ع): فالمعلوم من الدين ضرورة وجوب القول بالحق، والقيام بالقسط، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين؛ الله المستعان.
وهل للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حاجة في رعاية من خرج عن طريقته، وسلك سبيل الضلال في مخالفته، وعادى أهل بيته؟
ألم يناد القرآن على أصحاب موسى (ع) بما جرى منهم، ولم يسكت عن نقير ولا قطمير؟
والله سبحانه أعلم /544
منكم، وسنة الله في الآخرين كسنته في الأولين، بصرائح الآيات إن كنتم مؤمنين.
[ما ورد في أحداث الصحابة وغيرهم]
بل لم يراع الله أحداً من أصحاب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مما حدث منهم، كمثل: حاطب بن أبي بلتعة، نزلت فيه أول سورة الممتحنة، وعائشة وحفصة، نزل فيهما أول سورة التحريم، ونبه في آخرها بضرب المثال بامرأة نوح وامرأة لوط؛ ونزل في أصحاب الإفك إحدى عشرة آية، ونزل في جملة الصحابة في قصة يوم أحد ما نزل، وفي الثلاثة الذين خلفوا.
قلت: وفيهم من أهل بدر، وهو دليل قاطع معارض لحديث أهل بدر؛ فقد وقعت المؤاخذة لأهل بدر، ولم يغفر لهم حتى تابوا، مع أن في ذلك الخبر إغراءاً صريحاً لا يصدر من الحكيم ـ عز وجل ـ، فتدبر، والله ولي التوفيق.
قال: وعاتب الله الأنبياء (ع)، ونعى عليهم صغائر ذنوبهم ـ حتى سيد الرسل ـ في غير ما آية؛ فيا لها من مصيبة على من سكت عن القول بالحق!؛ هذه دسيسة تحتها حيات وعقارب من ضغائن وأهويات؛ وحبك للشيء يعمي ويصم.
ومثل: الذي أشار لبني قريضة فنزلت: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } [الأنفال:27]، وما نزل في أبي بكر من المناهي. /545
وفيه وفي عمر نزل أول سورة الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(1) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(2)} وسبب النزول: أن أبا بكر وعمر استشارهما النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيمن يرأس على بني تميم، فتشاقا بينهما ورفعا أصواتهما وجهرا...إلخ، فنزلت.
وهذا من رواية البخاري وغيره.
فإذا كان الله ـ سبحانه ـ، ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نعى عليهما ذلك، وتوعدهما بإحباط عملهما، فما ظنك بغيرهما؛ الله المستعان.
ثم ذكر ما تعقب من النكث والقسط والمروق، وغير ذلك.
ثم قد أقروا بتواتر حديث الحوض معنى، وسوّغ لفظاً؛ وفيه من رواية البخاري: ((فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم))، وكان جواب النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في ذلك الموقف العظيم: ((فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل)).
وذكر ما جعلوه أصلاً في قبول ما لا يجوز قبوله، من مجاريح الصحابة والمجهولين منهم، وخصوم أهل البيت (ع)، بل أعداء الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذين هم أعداء الله، وصحّح أهل البيت نفاقهم، وعدم إسلامهم؛ كل ذلك لما زيّن لهم الشيطان أن الصحابي من رأى النبي ـ صلى الله /546
عليه وآله وسلم ـ وأنهم عدول بآية{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110]، وآية: {جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } [البقرة:143]، وغير ذلك؛ وليس فيه دلالة قطعية ولا ظنية، على تعديل كل واحد من الصحابة؛ والاتفاق منا ومنهم على نفي عصمة كل فرد، وأن منهم من ارتد وقتل على ردته، ومنهم من فسق فسق تصريح، ومنهم مجروح العدالة بدون الفسق.
[كلام المقبلي على ابن حجر في تعديل مثل مروان]
وللمقبلي كلام مثل هذا في العلم الشامخ، عند قول ابن حجر، في ترجمة مروان: إذا ثبت صحبته، فلا يؤثر الطعن فيه:
وكأن الصحبة نبوة، وكأن الصحابي معصوم، وهو تقليد في التحقيق، بعد أن صارت عدالة الصحابي مسلمة عند الجمهور.
والحق أن المراد بذلك الغلبة فقط، وأن الثناء من الله، ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو الدليل على عدالتهم، لم يتناول الأفراد.
وساق، ثم قال: أين موضع أحاديث ((لا تدري ما أحدثوا بعدك))، وهي متواترة معنى، ولو ادعي في بعضها تواتر اللفظ لساغ؟
ثم قال: ألم يقل الله سبحانه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات:6]، في رجل متيقن صحبته، ولم تزل حاله مكشوفة مع الصحبة؟ ومنهم من شرب الخمر، وما لا يحصى فيما سكت عنه؛ رعاية لحق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما لم يلجئ ملجيء ديني، فيجب ذكره؛ ومن أعظم الملجئات، ترتب شيء من الدين على رواية مثل /547
مروان والوليد، فإنها أعظم خيانة لدين الله، ومخالفة لصريح الآية الكريمة؛ والنقم بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص، بل هو تزكية لهم؛ فإياك والاغترار!.
[الأدلة القاطعة على أن الباغين ونحوهم غير مؤمنين]
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وقد علم أن منهم الناكثين والقاسطين وأمثالهم؛ ولو لم يكن إلا آية البغاة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }...إلخ [الحجرات:9]، فسماهم مؤمنين باعتبار الأصل، قال: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } فسمّاها ووصفها بالبغي حتى ترجع؛ وسماهم النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالناكثين والقاسطين والمارقين.
وسمّاهم بالفئة الباغية في حديث عمّار ـ رضي الله عنه ـ: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)).
ألا ترى إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ...الآية} [المائدة:54]، كيف سماهم أولاً مؤمنين؟ فهل بعد الردة يسمون مؤمنين؟ وكم في القرآن من التسمية بالمؤمنين؛ ثم تعقب ذلك بوصف آخر.
وحديث عمار ـ رضي الله عنه ـ قطعي عند الموالف والمخالف؛ فما بقي بعد هذا التصريح؟
فهل النكث والقسط والمروق من الكبائر أم لا؟ /548
وهل قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم)) ـ وقد قرر المقبلي بأنه من المتواتر معنى بشواهده ـ فهل من حارب الله ورسوله هو من أهل الكبائر؟
قلت: وكفاه قول الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المقطوع به: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، فقد صار عدوّ الله تعالى مخذولاً بدعوة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: والقتلى في يوم الجمل نحو ثلاثين ألفاً، وفي صفين سبعين ألفاً، وقيل: إن القتلى انتهت إلى مائة وعشرين ألفاً، وفي النهروان ثمانية آلاف، وقيل: أقل، وقيل: أكثر؛ فهذه الأمم قتلوا وهم مؤمنون، وقد قلتم: إنه لا توبة لقتل مؤمن واحد، فهل تاب علي (ع)؟ أم القتلى من الفرق الثلاث غير مؤمنين بل فساق أو كفار؟
وقد روى أئمتنا (ع) وغيرهم، حديث: ((لعنتك يا علي من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً)).
وروى أيضاً أحاديث مرفوعة فيها لعن معاوية خاصة به وبأبيه وأخيه، وحديث: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) حديث مشهور، وقد رواه الذهبي من طرق وقوّاه، وهو من أشد الخصوم؛ فلم يقبله إلا لكونه متواتراً، أو نحو المتواتر.
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: هم رأوه فلم يقتلوه فما أفلحوا ولا أنجحوا.
وحديث: ((لعن الله السائق والقائد والراكب))، رواه الهيثم، وذكره في العواصم.
وحديث: ((إذا اجتمع معاوية وعمرو، ففرّقوا بينهما، فإنهما لا يجتمعان إلا على غديرة)).
وحديث: ((اللهم اركسهما ـ أي معاوية وعمراً ـ في الفتنة ركساً، ودعّهما في النار دعاً))، رواه أحمد بن حنبل وغيره، وذكره ابن الأثير في النهاية.
وكم من نحو ذلك مما غلب الخصوم ظهوره.
ورووا أيضاً بأن علياً (ع) لعن معاوية في عشرة من فراعنته، وصحّ ذلك /549
عندهم قطعاً، وأقرّ به الخصوم كلهم أو الغالب منهم.
قلت: ويعلم بهذا وغيره من البراهين القاطعة بطلان ما افتراه الوضاعون عليه ـ رضوان الله عليه ـ أنه قال: قتلاي وقتلى معاوية في الجنة؛ وأنه صلى عليهم.
قال (ع): أما حديث صلاة أمير المؤمنين (ع) على قتلى معاوية، فالمروي من طريق أولاده وشيعتهم ـ رحمهم الله ـ أنه كان يقول عند رؤيته القتيل: (اللهم إنه كان عدوّك، قاتل ليدحض دينك، ويخالف ما جاء به رسولك، فأصله النار)، فهذه صلاته (ع) على قتلى معاوية.
والحديث الثاني أنه (ع) قال: (قتلاي وقتلى معاوية في الجنة)، فهو مخالف لما صحّ بالضرورة والقطع؛ لما رواه الموالف والمخالف؛ فمن ذلك حديث عمار ـ رضي الله عنه ـ وهو قطعي بل ضروري، وفيه: ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)) وفيه: ((قاتل عمار في النار وسالبه))
قال النواصب: قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا: كذبتم فلم قال النبي لنا .... في النار قاتل عمار وسالبهُ؟
ومنها: ما تواتر قطعاً عن أمير المؤمنين (ع)، ومنها: حديث الثلاث الفرق: ناكث وقاسط ومارق، وفيه الأمر من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي(ع) بقتالهم وقتلهم؛ أفيأمر معلم الشريعة بقتلهم وقتالهم، ثم يكون الباغي من أهل الجنة؟!! هذا هو الضلال المبين، والخسران في دين رب العالمين.
ومنها: /550
حديث الغدير الذي إذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم، هكذا قرره المقبلي من الخصوم؛ ولا يحتاج إلى ذكر شيء.
ومنها: حديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) بألفاظه وسياقاته، وعمومه للأربعة أهل البيت (ع)، وخصوصه لعلي (ع)، وهو متواتر بشواهده، قرره المقبلي وغيره.
ومنها: حديث السفينة، فهل نجا من قوم نوح (ع) غير من ركب السفينة وقد قال: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا }؟ [نوح:25]، وفيه: ((من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى ـ أو زجّ به في النار ـ)).
وكم لو نريد الاستقصاء؛ وإنما في هذا بلاغ وأي بلاغ؛ فقد دلّ الدليل القاطع من وجوه كثيرة أنه(ع) يدور معه الحق حيثما دار، وأنه مع الحق والقرآن، والقرآن والحق معه، وأنه رأس الثقل الأصغر، وخبرا السفينة، وباب حطة، وآية التطهير، والمباهلة، والمودة، والاجتباء، والاصطفاء، والمخصوص بالمحبة الخاصة في حديث الطير، وخيبر، وغير ذلك مما لا يحصى كثرة في أهل البيت عموماً، وفيه خصوصاً، مثل: حديث الغدير، والمنزلة، وغيرهما، أن قوله وفعله وحكمه هو الحق الذي لا محيص عنه، وغير ذلك مما لا ينحصر؛ فلا نعلم بلفظ يفيد الاستخلاف على الأمة والولاية والإمامة إلا وقد ورد لعلي (ع).
إذا عرفت هذا، فالمعلوم أن الصحابة سمعوا من رسول الله ذلك، وعقلوه؛ لكونهم من صميم العرب، وبلغتهم خوطبوا؛ ولو فرضنا، على بعده، لو أن شبهة اعترت أحدهم لسأل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عنها، فيبينها، فمن سمع فهو ضروري في حقه، ومن لم يسمع في بعض الأحاديث فقد نُقل إليه؛ فهذا أصل من أصول الشريعة.
قلت: ولم يزل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يبلغهم ما أنزل الله عليه في شأن أخيه، وتلاه الوصي ـ صلوات الله عليه ـ /551
المبين للأمة ما يختلفون فيه.
[حديث الشورى ومخرجوه وما اشتمل عليه]
وقد أورد عليهم يوم الشورى ـ دعْ عنك ما سواه ـ نحو سبعين حجة.
وقد أخرجه الإمام المؤيد بالله (ع) في أماليه، وصاحب الكامل المنير، والإمام المنصور بالله (ع) في الشافي بطرقه، والإمام الحسن (ع) في الأنوار، وصاحب المحيط، وحميد الشهيد، وابن المغازلي، والكنجي، والخوازمي، بزيادة ونقص، وصحح شارح النهج كثيراً منه؛ وأخرجه غيرهم من أئمتنا (ع)، وشيعتهم، والعامة.
وقد اشتمل على الكثير الطيب مما نزلت به في شأنه الآي القرآنية، والأخبار المتواترة النبوية.
وفي خاتمة إحدى الطرق التي أوردها الإمام الحجة عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي بسنده إلى عامر بن واثلة: فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((ما سألت الله شيئاً إلا سألت لك مثله)) غيري؟
قال أيّده الله في التخريج: قوله: ما سألت الله شيئاً...إلخ، المرشد بالله عن أبي الجحاف، عن علي (ع).
وأخرجه ابن المغازلي عن عبدالله بن الحارث، عن علي (ع)، والنسائي في خصائصه، وذكر ما ذكره الإمام محمد بن عبدالله (ع)، وهو ما لفظه: وقد أخرج السيوطي في الجامع الكبير عن علي (ع) قال: وجعت وجعاً فأتيت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فأقامني في مقامه، وقام يصلي، وألقى علي طرف ثوبه، فقال: ((برئتَ يا ابن أبي طالب، فلا بأس عليك، ما سألت الله لي شيئاً إلا سألت لك مثله، ولا سألت الله شيئاً إلا أعطانيه غير قيل لي: إنه لا نبي بعدك...إلخ))، أخرجه ابن أبي عاصم، وابن جرير، وصححه؛ والطبراني في الأوسط، وابن شاهين في السنّة، وسكت السيوطي، ولم يقدح فيه حسب عادته إذا ثمّة مقال.
وساق ـ أيّده الله تعالى ـ إلى قوله: قال علي (ع): كنت في أيام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كجزء من رسول /552
الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ينظر إلي الناس، كما ينظرون إلى الكوكب في أفق السماء؛ ثم غض مني الدهر فقرن بي فلاناً وفلاناً، ثم قُرنت بخمسة أمثلهم عثمان، فقلت: وا ذفراه...إلخ.
قلت: لقد أبلغ ـ سلام الله عليه ـ في التذكرة، وليس فوق ذلك أسوة ولا بعده عبرة.
قال الإمام محمد (ع) في الفرائد: وقد جمع حديث المناشدة نحواً من سبعين منقبة، وروي من طرق عدة قدح الحشوية في بعضها؛ ولكن أخرج الله الحق على ألسنتهم وهم كارهون بذكر المتابعات.
..إلى قوله: وهو حديث صحيح.
قال: وأما حديث خيبر، والطير، ودوران الحق والقرآن، بألفاظه عند الموالف والمخالف، فهي مشهورة عند الجميع، وغير ذلك مما لا يمكن حصره، كما اعترف به حفّاظ الحديث، من أنه لم يأت لأحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ما أتى لعلي (ع)، منهم: ابن حنبل، والنسائي، وإسماعيل القاضي، وابن حجر العسقلاني، وغيرهم.
وفي الفرائد: هذا أحمد بن حنبل يقول، وقد سُئل عن الخلفاء الأربعة؟ فقال: أما علي، فقد زان الخلافة ولم تزنه، وأما غيره فقد زينته ولم يزنها.
وحكى ابن حجر في المنح ما نصه: وما أحسن قول حكم لعلي لما دخل الكوفة: والله، يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي أحوج إليك منك إليها!.
وقال ابن الجوزي في تاريخه: أكثروا عند أحمد في خلافة أبي بكر وعلي، فرفع أحمد رأسه وقال: قد أكثرتم؛ إن علياً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها.
قال ابن أبي الحديد: وهذا دال على أن غيره ازدان بالخلافة وتممت نقصه، وأن علياً لم يكن فيه نقص يحتاج إلى أن يُتمم بالخلافة...إلخ.
وملاك الأمر /553
أن الله يصطفي ما يشاء ويختار؛ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم.
[امتلاء الخافقين بفضائل علي (ع)]
ولقد قال بعض العلماء: إن علياً (ع) ملأت فضائله ومناقبه ما بين الخافقين، مع أن محبيه كتموا ما كتموا خيفة من أعداء الله ومبغضيه، حقاً أو لزوماً، كتموا ما كتموا غيظاً وحسداً، فظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين؛ أبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
بخلاف غيره، فقد روى المدائني وغيره، ما صنع معاوية ومن بعده، في هدم فضائل علي (ع) وأهل بيته، وتشييد ما يعارض ما ورد فيهم، وافتعال أحاديث معارضة كل حديث روي لأهل البيت، وكان ذلك ولا قوة إلا بالله.
قلت: وقد تقدم ما ذكره المدائني، وابن نفطويه، وما يشهد له من كلام الباقر(ع)، ويصدّقه الواقع كما يعلمه الناظر.
قال (ع): فنقول: إنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قد صرح وعرض، وبالغ وحذّر، وبشّر وأنذر؛ فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها؛ وما على الرسول إلا البلاغ المبين؛ فلم يترك ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيما نحن بصدده عبارة تفيد اختصاص أخيه علي بمقامه من بعده من جميع لغة العرب بما يفيد القطع البت، واليقين المثبت.
ومنها ما هو معلوم على انفراده عن غيره قطعاً، منها: لفظ مولى وولي وأولى، والوزارة الخاصة، والخلافة، وأمير المؤمنين، والإمام والسيد واليعسوب، وتشبيهه بهارون، وعيسى، وبكثير من الأنبياء، والمحبة الخاصة من الله ورسوله، ولله ورسوله، وأنه باب المدينة، وأنه لن يدخلكم في ضلال، ولن يخرجكم من هدى؛ أفمن يهدي /554
إلى الحق أحق أن يتبع؛ وتوليته على بني هاشم، الذين هم رأس الناس، لما جمعهم في حديث: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)} [الشعراء]، فقال: ((فاسمعوا له وأطيعوا))، وأنه لم يكن في سرية إلا كان رئيسها، ولم يولّ عليه أحداً.
على أنّا نقول: إن جميع الألفاظ المفيدة للاستخلاف والرئاسة العامة، قد وردت لعلي(ع)، وأقل الأحوال أنها تواردت على معنى واحد، وهو التواتر المعنوي؛ فكيف بحديث الغدير والمنزلة المتواترين لفظاً، لم تلبسون الحق بالباطل وقد عقلتم عن الله، وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما قررتموه من صحة النص بالأولوية المطلقة، وبأنه لا أوضح منه دلالة ورواية؟ وإذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم؛ واضطر من له أدنى مسكة من دين وإنصاف، ممن لم ير النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولا سمع منه ذلك الموقف، فضلاً عمن رأى وسمع اللفظ، مع القرائن المفيدة للعلم اليقين، لفظية وحسية وعقلية، إلى فهم المراد وعرفان مقصوده؛ ولذلك هنأه كبار الصحابة، وقالوا فيه الأشعار من الولاية لكل مؤمن ومؤمنة.
قلت: وبراهين أهل بيت النبوة معلومة، مجمع على نقلها بين فرق الأمة؛ وما يتشبث به المخالف من الأقوال المضلة، والشبهات المضمحلة، متفرد بنقلها، ليس عليها أثارة من علم، ولا دلالة من كتاب ولا سنة؛ وما يستوي الأعمى والبصير، ولا الظلمات ولا النور، ولا الظل ولا الحرور.
ولقد اعترف في هذا المقام، فحول الأقوام، وأشدهم في مجال الخصام، مع شائبة محاماة وملاوذة عن الحق لاتخفى على ذوي الأفهام. /555
[كلام المقبلي في الولاية، وتخريجه لخبر الغدير]
قال الشيخ صالح المقبلي في الإتحاف حاشيته على الكشاف من سورة الأحزاب، قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب:6]،...الآية: إن الأولوية مطلقة، فتصدق حقيقة في كل أولوية، والظاهر التعميم للمقام، والدلائل لا تحصى؛ وكيف وهو بمنزلته من ربه، خالق العبد ومالكه؛ وفي الأحاديث ما هو في عموم الآية، ومنها ما هو نص في بعض ما دعى إلى بيانه.
أخرج البخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن أبي هريرة، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة؛ اقرأوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ }))...الآية.
حتى قال: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ذكرت علياً فتنقصته؛ فرأيت وجه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ تغيّر، فقال: ((يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قلت: بلى يا رسول الله.
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وبهذا الحديث وما في معناه تحتج الشيعة على أن مولى بمعنى أولى؛ لأن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - دلّ مساق كلامه أنه سوَّاه بنفسه، وإلا لما كان لمقدمة قوله: ((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) معنى؛ فلم يرد مثل ولاية سائر المؤمنين بعضهم لبعض؛ بل معنى الأولوية في كل أمر، كما في حقه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ومن أشهر ما في الباب: حديث غدير خم؛ وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن أبي شيبة، والطبراني، /556
وابن ماجه، وابن قانع، والترمذي، والنسائي، والمقدسي، وابن أبي عاصم، والشيرازي، وابن عقدة، وأبي نعيم، وابن حبان، والخطيب، كل منهم من رواية صحابي فصاعداً؛ ذلك من حديث ابن عباس، وبريدة بن الحصيب، والبراء بن عازب، وعمر بن الخطاب، وحبشي بن جنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وجرير بن عبدالله البجلي، وجندب الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد الغفاري، وأبي أيوب الأنصاري، ومالك بن الحويرث، وحبيب بن بديل بن ورقاء، وقيس بن ثابت بن شراحيل الأنصاري، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة، وأنس بن مالك، وعمرو بن مرة.
وفي بعض روايات أحمد: عن علي، وثلاثة عشر رجلاً.
وفي رواية له، وللطبراني وللضياء المقدسي: عن أبي أيوب وجمع من الصحابة.
وفي رواية لابن أبي شيبة: عن أبي هريرة، واثني عشر من الصحابة، وفيها: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...إلخ)).
وفي رواية لأحمد، والطبراني، والمقدسي، عن علي، وزيد بن أرقم، وثلاثين رجلاً من الصحابة، ولفظه كما مَرّ: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))، بعد ذكر المقدمة المذكورة.
وفي كثير من الروايات: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)).
وفي بعضها: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
ثم قال: لا أوضح من هذا الدليل رواية ودلالة على أن علياً (ع) أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
..إلى قوله: وإذا ثبت أن علياً أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ فلم آثروا غيره بالإمارة، والأمير يصير أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ورضي بذلك سادات الصحابة، وخير القرون، ووافقهم علي ووازرهم؟
وساق؛ ثم رجع في الجواب إلى الدعاوى المجردة عن البرهان، المردودة بنصوص السنة والقرآن، ومتواتر النقل الذي أجمع عليه /557
الفريقان، منها: قوله: تحلى علي بالأولوية بالنص النبوي، وبقية الخلفاء بالرضى من علي، ونصحاء الإسلام كعمر وأبي عبيدة، والمهاجرين والأنصار، وأطلق لهم علي التصرف، وهو بمحل القطب من الرحا...إلخ كلامه؛ وقد تقدم ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
قال الإمام (ع) : أقول: فلم لم يبين لنا من هؤلاء السادة، الذين رضوا؟
ألا يعلم ما وقع من النزاع والجدال يوم السقيفة، وما قالت قريش، وما قالت الأنصار؟
ثم ما يقول في بني هاشم، وسائر من تبعهم ذلك الوقت؟ أهم سادات الصحابة؟ أو من ساداتهم؟! لا سبيل إلى الإنكار.
فأين كانوا حال العقد؟!
أليس إنما حضر أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وبشير بن سعد، والنعمان؛ ومنهم: أسيد بن حضير؟!
هؤلاء الذين عقدوا لأبي بكر، ثم ضربوا الناس طوعاً وكرهاً للبيعة، وأهل البيت مشغولون عند نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقد ألم بما ذكرناه ما رواه عمر عن نفسه، أخرجه البخاري وغيره، حيث قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
ألا يعلم الفقيه أن علياً وبني هاشم تخلفوا ستة أشهر حسبما أخرجه البخاري؟
ألم يعلم أن علياً (ع) اعتزلهم، ولم يغز معهم؟
وقد ألظّ عليه عمر وورم أنفه، فأين المؤازرة؟
ثم لم يخرج برايات رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ولا سيوفه وأمثالها لهم؛ وإنما أخرجها يوم الجمل.
ولا يقال: إنه (ع) خرج في حرب أهل الردة، وقام وثار؛ فلا شك، لكنا نقول: إن مثل ذلك يجب مع إمام، ومع غيره، على كل فرد؛ على أنه (ع) أحق من حفظ دين أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ لأنه وصيه وخليفته، ولأجل حفظ الدين أغضى وجامل، وشرب على الشجى، وغمض على القذى.
وقد اشتهر وظهر عند /558
الموالف والمخالف تجرمه وتشكيه منهم، إلى أن قتل (ع)؛ ثم زوجته وأولاده إلى الآن.
قال: وفي أبحاثه المسددة: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم))، قاله لعلي(ع)، وفاطمة، والحسن، والحسين ـ صلوات الله عليهم ـ؛ أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم.
وفي معناه عدة أحاديث بعضها تعمهم، وبعضها تخص الحسن والحسين حين يخاطبهما؛ وفي بعضها يعم أهل البيت في الجملة، وفي بعضها يخص أمير المؤمنين(ع).
ثم قال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي؛ وشواهده لا تحصى، مثل: أحاديث قتل الحسين، وأحاديث ما يلقاه فراخ آل محمد وذريته، بألفاظ وسياقات يحتمل مجموعها مجلداً ضخماً؛ فمن كان قلبه قابلاً، فهو من أوضح الواضحات في كل كتاب، ومن يَنْبُو عنها فلا معنى لمعاناته بالتطويل.
ثم ذكر حديث الغدير فقرر تواتره، كما قرر في الإتحاف؛ وساقه بمخرجيه ورجاله، كما هناك سواء.
ثم قال: نعم، فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم؛ إذا حققت هذا فهاهنا أناس يقولون نوالي علياً، ومن حاربه؛ وقد علمت أن من حارب علياً فقد حارب أهل البيت، وحارب الحسن والحسين وفاطمة، ومن حاربهم فقد حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ومن حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقد حارب الله، فهو حرب لله، وعدوّ لله؛ فمن سالم العدوّ، فقد حارب من عاداه؛ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوكم أولياء؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم.
وبالجملة، فمعلوم بالآيات والأحاديث، ومعالم دين الإسلام، التنافي بين /559
موالاة العدو وموالاة عدوّه؛ وقد أحسن القائل:
إذا صافى صديقك من تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ
انتهى المأخوذ من كلامه.
قال الإمام (ع) في الفرائد: انظر وتأمل ما حققه المقبلي، الحقيق بالإنصاف، وقول الحق؛ وما كان أحسنه لو استقام! ومعلوم أن الفساق من أهل الجحيم.
وأيضاً فقوله تعالى في قصة إبراهيم (ع): {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة:114]، فنص على العلة، وهي العدواة؛ فكل عدوّ لله مندرج تحت العلة؛ وقد قرر كما سمعت في حديث: ((أنا حرب... إلخ)).
قال: وأيضاً، فإن وجوب الموالاة والمعاداة من أعظم واجبات الشرع الشريف؛ فالدعاء لأعداء الله ورسوله، ومن هو حرب لله ورسوله، اعتداء في الدعاء؛ ولا تغترّ بشبههم.
وقد أخرج جماعة حديث: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولايبغضك إلا منافق))، ومنهم: مسلم، وأحمد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم، عن علي (ع)، قال: والذي فلق الحبة وبرأَ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
فهل كان يحبه معاوية وشيعته الذين يلعنونه على المنابر كلها، وبلغوا كل مبلغ؟
فقد ذهبت عقول هؤلاء المذبذبين، وقلّ حياؤهم، وإبقاؤهم على أنفسهم.
ما يفعل الأعداء في الأحمق .... ما يفعل الأحمق في نفسه
/560
أخرج ابن عساكر عن علي ـ رضي الله عنه ـ: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله، والفئة الباغية حزب الشيطان؛ ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منا.
[استغراق خبر المنزلة لجميع المنازل، والرد على ابن حجر والمقبلي في كلامهما على خبر المنزلة]
قال (ع): وأما حديث المنزلة فلا نزاع فيه لموالف ولا مخالف، وقد أثبت لعلي جميع منازل هارون من موسى؛ لأنه اسم جنس أضيف، فيفيد الاستغراق، بدليل صحة الاستثناء.
..إلى قوله: بلا نزاع أن علياً أخوه في الدنيا والآخرة؛ فلما استثنى النبوة دلّ على ثبوت سائر المنازل لعلي، ومن جملتها الخلافة، وزاده توكيداً وتوضيحاً قوله (ع): ((بعدي)).
وقد اعترف ابن حجر المكي في شرح الهمزية، وتكلم بكلام شاف في شرح قول الناظم:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراءُ
وساق ابن حجر...إلى قوله: قد وردت فيه بمعناها على وجه أبلغ من لفظها، وهو قوله (ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) فإن هذه الوزارة المستفادة من هذا، التي هي كوزراة هارون، أخص من مطلق الوزارة فيهما ـ يعني أبا بكر وعمر ـ. /561
ومن ثمة أخذ منها الشيعة أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده؛ وهو كذلك، لولا ما يأتي قريباً.
ثم ذكر ما يؤيد معنى هذه الموازرة الخاصة من أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ آخاه دون غيره، وأرسله مؤدياً لبراءة، وأنه استخلفه بمكة عند الهجرة، حتى أتاه بأهله بعد أداء ودائعه، وقضاء ما عليه؛ فهذه كلها مؤدية موازرة خاصة لم توجد في غيره.
ثم ذكر ما زعمه مبطلاً؛ فذكر أن علياً شهد المشاهد كلها إلا تبوك؛ لأنه استخلفه على المدينة، وقال له: أتخلفني على النساء والصبيان؟ قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
فيكون إنما قال له ذلك حينئذ، مبطلاً لمتمسك الشيعة، على أنه الخليفة المقدم على الكل، على أن هارون مات في حياة موسى؛ فلا دليل فيه على الخلافة بعد الموت.
انتهى كلامه.
واعترف بهذا العلامة الطيبي وغيره. /562
قال ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري: واستدل بحديث المنزلة على استحقاق علي ـ رضي الله عنه ـ للخلافة دون غيره من الصحابة.
وقال الطيبي: معنى الحديث: يتصل بي، نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: ((إلا أنه لا نبي بعدي))، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، وهو الخلافة.
ولما كان هارون، وهو المشبه به، إنما كان خليفة في حياة موسى دلّ ذلك على تخصيص خلافة علي (ع) للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بحياته، انتهى.
فتأمّل هؤلاء العلماء، لما قهرهم البرهان، لم يجدوا بداً من القول به، لكن مع دغل في النفوس، بما زعموا من التخصيص؛ لأن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، قال: ((بعدي)) وذلك يفيد بعد موته، ولأن طروء أمر على المشبه لم يطرأ على المشبه به مثله لا يضر.
وقد حرر الرد عليهم المنصور بالله (ع) في الشافي بما لا مزيد عليه.
قال (ع): ونقول: إنهم قد اعترفوا بما تمسك به الشيعة وقرروه؛ أما دعوى ابن حجر أنه لم يقع منه هذا اللفظ إلا في غزوة تبوك، فلا نسلم له؛ بل قاله في مواطن تسعة.
قلت: بل في أكثر من ذلك، وقد سبق ما فيه الكفاية.
قال (ع): على أنا لو سلمنا عدم وقوعه إلا بهذا السبب، فإنه لا يقصر على سببه، كما ذلك مقرر في علم الأصول؛ لأن الحجة هو الخطاب لا السبب، ولأن ذلك يصح منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ابتداء من دون سبب.
...إلى قوله: /563
المعلوم أنه لو عاش هارون، لكان خليفة موسى بلا نزاع؛ لأنه لم يعزله؛ على أنا نقول: إن قوله: ((بعدي))، يفيد تحقيق البعدية أن علياً (ع) سيعيش بعده، خليفة له، قائماً مقامه، إلا أنه غير نبي؛ فلما لم يستثن إلا النبوة، ثبت ما سواها من المنازل.
قال (ع) رداً على ما ذكره الشيخ صالح: وكل من له أدنى مسكة من عقل وإنصاف يعلم أن هذا دفع في وجه النص، وتمحل في تمشية ما فعل الصحابة من مخالفة هذا النص، الذي هنؤوا علياً به يوم ذاك، وهم من صميم العرب؛ فلا يتصوّر عدم معرفة المراد منه، ولهذا لم يعتذروا بتمحلات الفقيه وأسلافه، بل ورد عن أبي بكر وعمر وغيرهما ما ورد من اعترافهم بالنص، خصوصاً عمر، فإنه قد أكثر من ذلك.
فنقول: إذا قد تحلى علي بالنص فما بقي، فهلا وقف عنده، ورضي بخيرة الله ورسوله؟
نعم، الله ـ تعالى ـ ورسوله قد قضى ـ بمعنى أَمَرَ ـ بإقامة علي (ع) مقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بالدليل الذي قرره الفقيه، وأقر به بقوله: وتحلى علي بالنص، وذلك خيرة الله ورسوله، وعملوا بخيرتهم.
وأما قوله: وبقية الخلفاء بالرضى من علي، فموضع النزاع؛ فهلم الدلالة عليه، وصحح لنا رضى علي، من غير رواية الداعية إلى مذهبك ممن يقول بمقالتك هذه؛ ولن تجد أبداً.
وأما جمعه للمهاجرين والأنصار، فلا يخلو إما أن يدعي إجماعهم، أولا؛ لا يصح له أن يدعيه، إذ هو ينكره في كتبه، ويبدع من ادعاه، فكفانا المؤنة؛ على أنه وإن ادعاه، فقد عجز عن تصحيحه من هو أشد منه شكيمة.
وأما قوله: وأطلق علي (ع) لهم التصرف، فمحل النزاع أيضاً، فهلم الدلالة عليه؛ بل صبر وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، يرى تراثه نهباً؛ وقد /564
اشتهر شهرة الشمس والقمر تَظَلّمه وتشكِّيه، وتجرمه منهم، هو وزوجته وأولاده وأشياعهم إلى الآن.
وإذا حققت النظر، وجمعت ما ورد في علي (ع) من كل لفظ يدل على الخلافة له، عرفت أنها تواردت على معنى واحد، وتضافرت على ذلك، وعلمت أن ذلك مقطوع به؛ ولم يبقَ إلا ما قاله أبو فراس ـ رحمه الله ـ:
تالله ما جهل الأقوام موضعها .... لكنّهم ستروا وجه الذي علموا
[اعتراف الصحابة بوجه النص في علي (ع) واعتذارهم بالمصلحة في عدولهم عنه]
ولقد أفصح عمر في اعتذاراته بأن تسنمهم لمقام رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليس إلا ما رأوه من المصلحة بزعمهم؛ فتداركوا الإسلام بمصلحتهم، وتناسوا ما ملأ أسماعهم وأبصارهم، من النصوص لعلي بمقام النبوة.
وجوابنا عليهم: قل أأنتم أعلم أم الله؟
ثم تعقب القول من عمر بإبطال إمامة صاحبه، بأن بيعته كانت فلتة، وأمر بقتل من عاد إلى مثلها، وببطلان إمامة أبي بكر تبطل إمامة عمر؛ لأنه أصلها.
قال (ع): ولقد صار سنة جارية عند الخصوم، ومن بهم تذبذب، أو لهم تعصب، يردون ما خالف أهويتهم في الصحابة؛ لئلا يلزم كفرهم بزعمهم، كما قال يحيى بن معين في رده لحديث مينا بن مينا، عن ابن مسعود في الاستخلاف، فقال: كيف يروي ما فيه تكفير الصحابة؟
أقول: بحثنا في تقرير المسألة لا في تكفير الناس، فمن كفر فإنما يكفر على نفسه، ومن ضلّ فإنما يضل عليها؛ ولو تركت أدلة الشرع الشريف، لأجل لا يكفر المخالف، لبطل ما جاء به الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال: غير أنا نقول: معاذ الله من اعتقاد تكفير مزيل للملة، كما قال الكميت ـ رحمه الله ـ بين يدي جعفر بن محمد، أو أبيه، أو جده (ع):/565
ويوم الدوح دوح غدير خمّ .... أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تبايعوها .... ولم أرَ مثلها عرضاً مبيعا
ولم أبلغ بهم لعناً وذماً .... ولكن ساء أوّلهم صنيعا
إن ربك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.
قال: ولنعد إلى ما أشرنا إليه من اعتراف الصحابة بوجه النص؛ وإنما عدلوا عنه لأمور مصلحية بزعمهم؛ هذا أجمل ما يقال فيهم.
فمن ذلك ما روي من حديث عبد الرحمن بن عوف، أن أبا بكر قال له في مرض موته: إني لا آسى على شيء، إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها: وددت أني لم أكشف بيت فاطمة، وإن أغلق على الحرب.
والحديث طويل...إلى أن قال: أخرجه أبو عبيدة في كتاب الأموال، والعقيلي في الضعفاء، والطبراني في الكبير، وابن عساكر في تاريخه، وسعيد بن منصور، وقال: إنه حديث حسن.
قلت: ليته لم يفعل، ونحن، وكل مؤمن، والله نود ذلك؛ وكيف وفي البيت العصابة المطهرة النبوية، المفترضة مودتهم على كافة البرية، ومن الحق والقرآن معهم، ومن خلفهم الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فيهم، وهو سائلهم عنهم، وفيهم بضعة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الزكية، التي يؤذيه ما يؤذيها، ويريبه ما يريبها، ويغضب الله ـ تعالى ـ لغضبها؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال (ع): وليت شعري! ماذا يقال بكشف بيت بضعة الرسول، وسيدة النساء ـ سلام الله عليها ـ أهي رضيت أم غضبت؟
وقد أقر الذهبي ـ على /566
تعنته ونصبه ـ بقصة إرادتهم الإحراق، وذكرها الطبراني، والواقدي، وابن عبد ربه في العقد، وغيرهم، أن عمر سعى للإحراق وتوعّدها.
ورواه الزبير بن بكار عن عمر باختلاف يسير، وفيه جواب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وكيف لا يحقد من غُصب شيئه ويراه في يد غيره؟
وذكر آخره احتجاج قريش على الأنصار، بالقرب من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، واحتجاج العرب على العجم بذلك.
ثم قال: فنحن أحق برسول الله من سائر قريش.
وفيه قول عمر لابن عباس: ما رددتَ على أحد إلا غلبتَه.
انتهى المراد من الفرائد بتصرف.
[محاورة عمر لابن عباس حول استحقاق علي الخلافة]
قال ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي: وروى ابن أبي الحديد، والطبراني، عن عمر أنه قال لابن عباس: أتدري ما منع الناس منكم؟
قال ابن عباس: ما هو؟
قال: كرهت أن يجتمع لكم النبوة والخلافة، فتجخفوا الناس؛ فاختارت قريش لأنفسها ووفقت وأصابت.
قال ابن عباس: أتميط عني غضبك فتسمع؟
قال: قلْ ما شئت.
قال: أما قولك: كرهت قريش؛ فإن الله قال لقوم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} [محمد].
وأما قولك: نجخف؛ فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة، ولكن أخلاقنا مشتقة من أخلاق رسول الله، قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [ن]، وقال له: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} [الشعراء]. /567
وأما قولك: اختارت قريش؛ فإن الله يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص:68]، وقد علمت أن الله ـ تعالى ـ اختار لخلقه من ذلك من اختار؛ فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها، لوفقت وأصابت.
فقال عمر: أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول، وحقداً لا يحول.
فقال ابن عباس: مهلاً؛ فإن قلوبهم من قلب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ الذي طهّره الله، وهم الذين قال الله فيهم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} [الأحزاب:33].
وأما قولك: حقداً؛ فكيف لا يحقد من غُصِب شيئه، ويراه في يد غيره.
فقال عمر: أما أنت يا ابن عباس، فقد بلغني عنك أنك لا تزال تقول: أخذ هذا الأمر منا حسداً وظلماً.
فقال: أما قولك: حسداً؛ فقد حسد إبليس آدم فأخرجه من الجنة، وأما قولك: ظلماً؛ فأنت تعلم من هو صاحب الحق.
..إلى أن قال عمر: واهاً لابن عباس! ما رأيته لاحى أحداً إلا خصمه.
انتهى باختصار.
ورواه الطبري في تاريخه، وقال عمر: أحراهم والله إنْ وليها أن يحملهم على كتاب ربهم، وسنة نبيهم لصاحبك.
رواه ابن أبي الحديد، وأحمد بن يحيى ثعلب.
وروى أبو بكر الجوهري بسنده إلى ابن عباس، قال: مَرّ عمر بعلي وأنا معه، فمشيت مع عمر، فقال لي: يا ابن عباس، أما والله إن صاحبك لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وذكر ما رواه الواقدي /568
عن ابن عباس من محاورة بين علي (ع) وعثمان.
فقال علي: أما عتيق، وابن الخطاب، فإن كانا أخذا ما جعله رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فأنت أعلم بذلك والمسلمون.
انتهى باختصار.
وروى أبو بكر الأنباري في أماليه أن علياً جلس إلى عمر في المسجد؛ ثم قام، فعرض واحد بذكره، ونسبه إلى التيه.
فقال عمر: حق لمثله أن يتيه؛ والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام؛ وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شرفها.
فقال ذلك: فما منعكم منه؟
قال: كرهناه على حداثة سنه، وحبه بني عبد المطلب.
رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج؛ فانظر إلى هذا الاعتذار البارد.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس، قال: مشيت أنا وعمر بن الخطاب، في بعض أزقّة المدينة، فقال: يابن عباس، أظن القوم استصغروا صاحبكم، إذ لم يولوه أمورهم.
فقلت: والله ما استصغره رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إذ اختاره لسورة براءة يقرؤها على أهل مكة.
فقال لي: الصواب أن تقول: لقد سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول لعلي: ((من أحبك أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة)).
وروى أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني، وساق سنده إلى عمر أنه قال لابن عباس: إن أول من أزالكم عن هذا الأمر أبو بكر؛ إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة.
قاله ابن أبي الحديد.
وروى الزبير بن بكار بسنده إلى ابن عباس ما قال عثمان في مخاطبته: ولقد علمت أن الأمر لكم، ولكن قومكم دفعوكم عنه، واختزلوه دونكم...إلخ؛ ذكره في شرح النهج.
[كلام المقداد في أمير المؤمنين (ع)]
وروى أبو بكر الجوهري بإسناده إلى المعروف بن سويد، قال: كنت أيام /569
عثمان بالمدينة، أيام بويع عثمان، فرأيت رجلاً في المسجد جالساً، وهو يصفق بإحدى يديه على الأخرى، والناس حوله، ويقول: واعجباً من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت، معدن الفضل، ونجوم الأرض، ونور البلاد!، والله، إن فيهم رجلاً ما رأيت رجلاً بعد رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أولى منه بالحق، ولا أقضى بالعدل، ولا آمر بالمعروف، ولا أنهى عن المنكر.
فسألت عنه، فقيل: هذا المقداد.
فتقدمت إليه، فقلت: أصلحك الله، من الرجل الذي تذكر؟
فقال: ابن عم نبيك علي بن أبي طالب.
قال: فلبثت ما شاء الله، فلقيت أبا ذر، فحدثته ما قال المقداد.
فقال: صدق.
قلت: فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم؟
قال: أبى ذلك قومهم.
قال ـ أيده الله ـ: وما رواه أبو بكر عن ابن سويد من قول المقداد، روى نحوه عوانة، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن جندب بن عبدالله الأزدي، عن أبيه، وفيه: قال المقداد: أما والله، لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحق وبه يعدلون؛ أما والله، لو أن لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر وأحد.
فقال عبد الرحمن: أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة؟
قال المقداد: من دعا إلى الحق وأهله وولاة الأمر لا يكون صاحب فتنة؛ ولكن من أقحم الناس في الباطل وآثر الهوى على الحق، فذلك صاحب الفتنة والفرقة.
قال: فتربّد وجه عبد الرحمن.
قال: وقول المقداد: لو أجد أعواناً على قريش لقاتلتهم قتالي إياهم ببدر، رواه المسعودي في مروج الذهب، وذكر محاورته لابن عوف من الإقبال، ورواه الطبري في تاريخه.
قال عمر لابن عباس: ما أرى صاحبك إلا مظلوماً.
قال: قلت: فاردد إليه ظلامته.
فمضى يهمهم، ثم وقف؛ ثم قال: يابن /570
عباس: ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه.
قال: فقلت: والله، ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.
فأعرض عني...إلخ، رواه الزبير بن بكار في كتاب الموقفيات عن ابن عباس، ورواه أبو بكر الجوهري بإسناد رفعه إلى ابن عباس.
[كلام البراء في تمالي قريش على أهل بيت النبوة]
قال ابن أبي الحديد: وقال البراء بن عازب: لم أزل لبني هاشم محباً، فلما قبض رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خفت أن تتمالى قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الواله العجول، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فكنت أتردد إلى بني هاشم، وهم عند النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في الحجرة، وأتفقد وجوه قريش؛ فإني كذلك، إذْ فقدت أبا بكر وعمر، وإذا قائل يقول: القوم في سقيفة بني ساعدة.
وإذا آخر يقول: قد بويع أبو بكر.
فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل، ومعه عمر، وأبو عبيدة، وجماعة من أصحاب السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية، لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه، فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك أو أبى؛ فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: قد بايع الناس لأبي بكر ابن أبي قحافة.
فقال العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر؛ أما إني قد أمرتكم فعصيتموني.
فمكثت أكابد ما في نفسي.
...إلى آخر ما ساقه؛ وهذا الخبر رواه أبو بكر الجوهري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عن البراء بن عازب، وفيه زيادة.
قلت: ورواه المهلبي، وعمر بن شبه بإسناد رفعاه إلى أبي سعيد الخدري؛ أفاده في شرح النهج.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: قال عمر لابن عباس: /571
كيف خلفت ابن عمك ـ يعني علياً ـ؟
قال: خلفته يمتح بالغرب على نخيلات يقرأ القرآن.
قال: يا عبدالله، عليك دماء البدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟
قلت: نعم.
قال: أيزعم أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نص عليه؟
قال: قلت: نعم؛ وأزيدك، سألت أبي عما يدعيه؟ فقال: صدق.
فقال عمر: لقد كان من رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في أمره ذرؤ من قول، لا يثبت حجة، ولا يقطع عذراً، ولقد كان يريع في أمره وقتاً ما؛ ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام؛ لا ورب هذه البنية، لا تجتمع عليه قريش لو وليها...إلخ.
رواه أحمد بن طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في كتابه مسنداً؛ ذكره ابن أبي الحديد.
انتهى المراد إيراده بتصرف.
قال الإمام (ع) في الفرائد: وفي هذا الخبر ما لا يخفى، وعلى فصوله شواهد قوية صحيحة.
أما قوله: ذرؤ من قول ـ الذرؤ: الطرف ـ فقد أقر له بالولاية يوم الغدير في قوله: أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وأما قوله: ولقد أراد في مرضه، فشاهد ذلك الخبر الصحيح عند الجميع رواه البخاري ومسلم: ((ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً)).
فقال عمر ذلك القول؛ كما قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، لأن النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
نعم، فهل ورد فيه وفي صاحبه ذرؤ من القول في إقدامهما على مقام النبوة المستحق له غيرهما؟ فما هو؟ أم لا؟
لا سبيل إلى الأول؛ لأن المعلوم في حجاج يوم السقيفة عدم الإدلاء بشيء خاص بهما؛ وحينئذ، فما روي من طريق من /572
يصحح خلافتهما منفرداً به غير صحيح.
على أنّا نقول: إن اعترافهما لعلي (ع) بذلك المقام واقع في مقامات بروايات الخصوم؛ وإنما عدلوا عن علي (ع) لما زعم عمر من الإشفاق على الأمة، ونحوه من الأمور المصلحية برد النصوص؛ ولكون خبر حفصة لهما بتوليهما بعد إخبار من النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بما يكون منهما من عدم التوقف على ما وقفا عليه؛ فهذه الروايات عن عمر دالة بمجموعها وأفرادها أن تسنّمهم لمقام الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ليس إلا لما زعموه من الأمور.
ولما وقع من هؤلاء تسنم مقام النبوة للمصلحة التي اعتذروا بها، ورأى من بعدهم من خصوم الآل ـ حقاً أو لزوماً ـ أن تعذراتهم بدعوى المصلحة لا تقنع خصومهم، ولا يقع بها دفع النصوص المعلومة في أمير المؤمنين، تمحلوا بروايات وأحاديث حدثت أكثرها أيام معاوية، تقرب ببعضها إلى أمراء السوء؛ كل ذلك لتتمّ لهم استقامة إمامة مشائخهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون.
[إفشاء سرِّ رسول الله (ص) وما ورد في ذلك]
قال: وقصة إفشاء سر رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عن حفصة بنت عمر أو عائشة، وبالاتفاق على الإفشاء من إحداهما لما أفشته إلى الأخرى، ثم إلى أبي بكر وعمر؛ وقد سمعت ما عاتبهما الله، وذكر تظاهرهما على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وصغو قلوبهما ـ وفي رواية ابن مسعود: وزاغت قلوبهما ـ وذلك التهديد الذي لا مزيد عليه؛ ثم التعريض بهما في آخر السورة، بضرب المثال للكفار بزوجي نوح ولوط ـ عليهما الصلاة والسلام ـ، وأنه لم ينفع الزوجين كونهما وصلة النبيين، وقيل: ادخلا النار مع الداخلين؛ وضرب المثال للمؤمنين بزوجة فرعون، ومريم ابنة عمران ـ رضي الله عنهما ـ.
وبإفشاء سرّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إحدى /573
زوجتيه إلى أحد أبويهما أو إليهما انقدح في قلب أبي بكر، وعمر، ذلك، وزرعاه؛ ولأجله رجعا من جيش أسامة مع من تبعهما.
[أمور ارتكبها بعض الصحابة وعدلوا فيها عن الحق]
وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل ـ وهو من رأس الخصوم، أشعري ـ أنه وقع قبل موت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ خلافان:
الأول: رجوع من رجع من جيش أسامة، وقد شدد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في إنفاذه.
والخلاف الثاني: خلافهم عليه يوم الخميس، في منع عمر أن يكتب لهم ذلك الكتاب، الذي لا يضلون بعده أبداً.
وذكر خلافين بعد موته:
أحدهما: يوم السقيفة.
ثم إن الشهرستاني تمعذر لهم بمعاذير باطلة.
قال الإمام في الفرائد: ونحن نقول: إن هذين الخلافين ـ أي الأولين ـ هما أم كل فتنة، ورأس كل محنة، على الإسلام والمسلمين جملة، وعلى أهل البيت خاصة، وقد انبنى عليهما كل شر إلى يوم القيامة، ولزمهم الوعيد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }...الآية [الأحزاب:36].
قال: والحاصل في مخالفة بعض الصحابة: /574
الأولى: رجوعهم عن جيش أسامة، وتخلفهم عن أميرهم؛ وقد سمعوا وعقلوا تشديد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في ذلك، من العصيان لله ولرسوله، واللعن للمتخلف.
والثانية: ما وقع يوم الخميس ـ وما يوم الخميس به ـ من منع عمر لأن يكتب لهم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كتاباً لا يضلون بعده أبداً، واختلاف الحاضرين، حتى قام الخلاف بين رسول الله ومن امتثل أمره، وبين عمر ومن تبعه، فقائل يقول: قربوا له داوة وبيضاء يكتب لكم الكتاب؛ وقائل يقول: القول ما قال عمر؛ وأكثروا اللغط والأصوات، حتى ضاق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقال: ((قوموا عني، فلا ينبغي عندي تنازع))، والمعلوم من الدين ضرورة أنه الآمر الناهي؛ فما لعمر ومن تبعه من ذلك...إلخ.
الثالثة: مصيبة يوم السقيفة، وما جرى فيها من تلك الأمور التي إن فتشتها فتشت جيفة.
الرابعة: ما جرى منهم على أمير المؤمنين (ع) من التهديدات، وأنواع البليات، حتى بالحريق له، ولبضعة الرسول؛ وقد ملأ النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - أسماعهم وأبصارهم وقلوبهم في أمير المؤمنين، وبضعة الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ومن إليهما، وعقلوه وعرفوا المراد به؛ فهذه أربع مخالفات.
انتهى من الفرائد ملخصاً.
[انقسام الصحابة إلى ثلاثة أقسام]
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وقد بينا أن حال الصحابة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
فقسم: ماتوا على ما فارقوا عليه رسول الله صلى الله /575
عليه وآله وسلم، فهؤلاء هم الذين يستحقون ما ظهر لهم من الثناء من الله ـ سبحانه ـ، ومن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقسم: ظهر فسقهم بالخروج على الإمام علي (ع)، ومحاربتهم له، وقتلهم وقتالهم.
ـ قلت: وكذا من أتى بكبيرة غير ذلك ـ فهؤلاء من تاب تاب الله عليه، ومن مات على حاله غير تائب، فإلى نار الله ودماره.
وقسم ثالث: جرت منهم أمور وتخاليط، واستيلاء على أمر الأمة، والدفع لإمام الهدى؛ فهؤلاء حكمهم إلى العلي الأعلى؛ فإن ظهر لنا دليل على لحوقهم بأحد الفريقين، وجب إلحاقهم بذلك الدليل؛ وإن لم يظهر دليل، وقفنا.
...إلى قوله: فهذه مراتب الصحابة، التي قضت بها الأدلة...إلى آخر كلامه هذا.
قلت: واعلم أن أعلام أهل البيت، أبناء علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وخلاصة شيعتهم، لا يبالون بقعقعة المخالفين خلفهم بالشنآن، ورميهم لهم بالزور والبهتان، ولا يخافون في الله لومة لائم، ويغضبون لأبيهم، الذي أتى فيه عن الله ـ تعالى ـ وعن رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما أتى، ولأمهم فاطمة البتول الزهراء، التي يغضب لغضبها الله - جل وعلا - وقد ماتت غاضبة على الشيخين، هاجرة لهما، وعاشت بعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ستة أشهر، وصلى عليها علي - صلوات الله عليهما - ومن معه، ودفنها ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وعمر؛ ولم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم مدة حياتها، وصالحهم بعد ذلك.
هذا الذي أخرجه صاحبا صحيحيهم البخاري ومسلم وغيرهما.
ولذا قال نجوم آل محمد (ع): كانت لنا أم صديقة ماتت وهي غاضبة عليهما، ونحن /576
غاضبون لغضبها.
[حديث: ((يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك...إلخ)) ومخرجوه]
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك)) أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا بسند آبائه (ع).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه الأنوار، بسنده إلى الإمام الحسين بن زيد بن علي، وعلي بن عمر بن علي، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لفاطمة ـ عليها السلام ـ: ((إن الله ـ عز وجل ـ يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك)).
وأخرجه ابن المغازلي عن الإمام الحسين بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه(ع).
وأخرجه الفقيه حميد الشهيد بسنده إلى جعفر بن محمد، عن أبيه بسنده السابق: أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((يا فاطمة إن الله...الخبر)).
وأخرجه الكنجي عن الحسين بن علي.
وأخرجه أبو سعيد، وأبو المثنى، والديلمي، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الفضائل، وابن عساكر، وصححه المحدث أحمد بن سليمان الأوزري، والشيخ الحافظ محمد بن عبد العزيز العنسي.
وفي النهاية في مواد الكلم حديث: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة ـ أو: لغضبك يا فاطمة ـ)) متفق عليه، أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
[أحاديث أنه يؤذي الرسول ما آذاها ومخرجوها]
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها)) أخرجه البخاري، ومسلم، وأخرجه أحمد بزيادة: ((وينصبني ما أنصبها))، والترمذي /577
وقال: صحيح، والطبراني، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة.
وبلفظ: ((إنما فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني)) أخرجه الحاكم عن أبي حنظلة.
قال في المحيط: وهو خبر معروف لا ينكره أحد.
وبلفظ: ((إنما فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني))، أخرجه ابن أبي شيبة عن محمد بن علي، وأخرجه البخاري.
والروايات في هذا أكثر من أن تحصر.
[قصة مذاكرة ثلاثة من أئمة العترة مع ثلاثة من أشياخ الحديث]
وقد اتفقت مذاكرة ثلاثة من أئمة العترة (ع) مع ثلاثة من أشياخ الحديث.
وهي أن السيد الإمام صلاح بن المهدي بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين (ع) كان يسمع على الشيخ العلامة أحمد بن سليمان الأوزري، فعرض حديث: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة))، فاستفهمه السيد: أهذا صحيح؟
قال: نعم.
ثم استمر في القراءة إلى أن فاطمة ماتت غضبى على أبي بكر وعمر.
قال السيد: أهذا صحيح؟
قال: نعم.
فقال السيد: كيف يمكن الجمع بين الحديثين؟
فاشتجر الجدال حتى أدى إلى ترك القراءة؛ ثم استرضاه الشيخ، وأزال ما في نفسه.
ومثل ذلك وقع للإمام عز الدين (ع) مع الشيخ العامري.
ونحو ذلك سواء وقع للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (ع) مع العلامة الحبشي، إلا أن الشيخ نازع أولاً، ثم قال: الأمر مشكل.
روى ذلك في تفريج الكروب، وفي الفرائد؛ ولله قائلهم حيث يقول: /578
أتموت البتول غضبى ونرضى؟ .... ما كذا يفعل البنونَ الكرامُ
وفي الفرائد: وقد ورد في الحديث المتفق عليه الموالف والمخالف: ((فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني)) بجميع ألفاظه، وسياقاته، مثل: ((من آذاها فقد آذاني))، ((يريبني ما يريبها))، وغير ذلك، كما في كتب الحديث.
قال: وأوصت ألا يحضر قبرها أبو بكر وعمر؛ كل ذلك معلوم عند الموالف والمخالف، وأنها ماتت واجدة على أبي بكر، وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت؛ ولقد خطبت الخطبة المشهورة، فلم تترك شأنها وشأنهم؛ وكذا في كلامها لنساء الأنصار: قرت العيون، وشفت الصدور، وإلى الله ترجع الأمور.
قال: ومهما وقع التناكر في تفاصيل ذلك، فمعظمها وأصولها معلوم عند الكافة.
...إلى قوله: ثم تعقب بعد قيام أمير المؤمنين النكث من الناكثين، والبغي منهم ومن القاسطين ومن المارقين، وجرى عليه منهم ما يصم ويعظم؛ وكان (ع) يتجرّم إن ذكر ذلك من أهل السقيفة.
ثم قتل(ع)، وكانت الطامة وهدم الإسلام، فتغلب معاوية بمعونة الفجار والأغتام، ومن آثر الحياة الدنيا من صحابي وغيرهم من ذوي الإجرام.
فغلب بمكره ومكرهم، ومن وازره من دهاتهم، الحسنَ السبط (ع)، حتى أنه أُلجيء إلى المهادنة؛ ثم لم يف بما عقد عليه، ثم سَمَّه؛ ثم عقد الأمر ليزيد، وصانع الفجرة ببيعته، حتى كان سبباً في قتل الحسين السبط (ع)، وسبي حريم رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بتلك الفعلة الشنعاء، والمصيبة الفظعاء.
ثم استولت بنو أمية وتغلّبت على المسلمين، وهم الشجرة الملعونة في القرآن...إلخ.
وفي هذه الفصول فتح الخلاف بين التابعين، ومن بعدهم، في مهمات أصول الدين وفروعه، ونشأ منها قتل الأخيار وتبعيدهم، وتقريب الأشرار وتوليهم، وجرى على المسلمين /579
عموماً عظيم ظلمهم، وخصوصاً أهل البيت (ع)، وأهل مودتهم.
ثم بعدهم بنو العباس مع طول مدتهم، ثم من بعدهم.
[تحامل الناس على أمير المؤمنين (ع) وخبر: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي)) ومخرِّجوه]
واسمع إلى كلام متين، وخطاب رصين، ممن هو إمام الأمة، وكاشف الغمة، المتوكل على الله شرف الدين (ع)؛ والحال أن له مذهباً جميلاً في الصحابة قد رضَّى عنهم.
قال في شرح خطبة الأثمار: الأمر الثاني يتعلق بأمر تحامل الناس على أمير المؤمنين، وذريته الطيبين الطاهرين ـ صلى الله عليه وعليهم أجمعين ـ.
وساق حتى قال: نعرفك ـ أيها المسترشد ـ بامتحان أمير المؤمنين، وذريته الطاهرين، من أمة النبي الأمين، بوجوه من الامتحانات؛ كما يصدق قول النبي -صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -.
وسنذكر ما اطلعت عليه فيمن روى هذا الحديث بعد هذا إن شاء الله تعالى فيما رواه الحاكم في المستدرك، ورواه غيره: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي بعدي))، الحديث وغيره مما يوافق معناه.
قلت: خبر غدر الأمة بالوصي ـ صلوات الله عليه ـ، وهو من أعلام النبوة، كإخباره عن الناكثين والقاسطين والمارقين، وقتل عمار، وغير ذلك من أخبار الغيوب، الواقعة على ما أخبر بها المختار ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
فأخرج محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى أبي إدريس الأودي، قال: سمعت علياً يقول: كان فيما عهد إلي النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ((إن الأمة ستغدر بك)).
ورواه عن ثعلبة، عن يزيد الحماني، وعن علي (ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك من بعدي، وأنت تعيش على /580
ملتي، وتقتل على سنتي؛ ومن أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني؛ وإن هذه ستخضب من هذا)) ـ يعني لحيته من رأسه ـ أخرجه الدارقطني في الأفراد، والحاكم في المستدرك، والخطيب في تاريخه، والطبراني عن علي بن أبي طالب (ع).
وأخرج الحاكم عن علي (ع): ((عهد معهود إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وفي رواية: إن مما عهد إليَّ النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وأخرج أيضاً عن ابن عباس مرفوعاً: ((أما إنك ستلقى بعدي جهداً))، وأخرجه الخطيب، وصحح الحاكم هذه الروايات كلها.
أفاده الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع).
وأخرج الذهبي بسنده، إلى علقمة، عن علي، قال: عهد إلي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك)).
قال في شرح النهج: وروى سدير الصيرفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (ع)، قال: اشتكى علي شكاة، فعاده أبو بكر وعمر، وخرجا من عنده، وأتيا النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - فسألهما ((من أين جئتما؟)).
قالا: عدنا علياً.
قال: ((كيف رأيتماه؟)).
قالا: رأيناه يُخاف عليه مما به.
قال: ((كلا؛ إنه لن يموت حتى يُوسَع غدراً وبغياً))...إلخ.
قال: وروى عثمان بن سعيد، عن عبدالله بن الغنوي، أن علياً (ع) خطب بالرحبة، فقال: أيها الناس، إنكم قد أبيتم إلا أن أقولها؛ ورب السماء والأرض، إن من عهد النبي الأمي إليَّ: ((إن الأمة ستغدر بك بعدي)).
وروى هيثم بن بشير، عن إسماعيل بن سالم، مثله.
قال: وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ، أو بقريب منه.
قلت: وفي تخريج الشافي: وروى عبد الوهاب الكلابي بإسناده إلى يزيد الحماني، قال: سمعت علياً (ع) يقول: ورب السماء والأرض إنه لعهد /581
النبي الأمي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الأمة ستغدر بك يا علي))، انتهى.
وفي شرح النهج: وروى أبو جعفر الإسكافي أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ دخل على فاطمة ـ عليها السلام ـ فوجد علياً نائماً، فذهبت تنبهه، فقال: ((دعيه، فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة)).
فبكت؛ فقال: ((لا تبكي؛ فإنكما معي في موقف الكرامة عندي))، انتهى.
[تخريج حديث الحدائق السبع]
قال الحسين بن الإمام (ع): وعن علي (ع): بينا رسول الله آخذ بيدي، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة؛ فمررنا بحديقة، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة!.
قال: ((لك في الجنة أحسن منها)).
فلما خلا له الطريق اعتنقني؛ ثم أجهش باكياً.
قلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟
قال: ((ضغائن في صدور أقوام، لا يبدونها لك إلا من بعدي)).
قلت: يا رسول الله، في سلامة من ديني؟
قال: ((في سلامة من دينك)).
أخرجه البزار، وأبو يعلى، والحاكم، وأبو الشيخ، والخطيب، وابن الجوزي، وابن النجار.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع) في الفرائد: وأخرج السيوطي في الكبير حديث الحدائق السبع، وعزاه إلى من تقدم.
قلت: أي الذين ذكرهم ابن الإمام (ع).
قال في الفرائد: وصححه الحاكم، انتهى.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: والذهبي عن ابن عباس، والنسائي في مسند علي، والكنجي في مناقبه عن أنس، قال: وهكذا سياق مؤرخ الشام ـ يعني ابن عساكر ـ، ومحمد بن سليمان الكوفي، عن علي (ع)، وعن أبي رافع، وعن أنس، وعن يونس بن حبان مرفوعاً.
قال في المقصد الحسن والإقبال: ورواه البغوي، والنسائي، انتهى. /582
قلت: ورواه الطفاوي من تهذيب الكمال، بسند لمؤلفه عال، إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولفظه: عن علي (ع)، قال: بينا النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ آخذ بيدي؛ فمررنا بحديقة، فقلت: ما أحسنها من حديقة! قال: ((لك في الجنة أحسن منها)) حتى مررنا بسبع حدائق كل ذلك أقول: ما أحسنها! ويقول: ((لك في الجنة أحسن منها))، حتى إذا خلا له الطريق اعتنقني، وأجهش باكياً، فقلت: ما يبكيك؟
قال: ((إحن في صدور قوم، لا يبدونها لك إلا من بعدي)).
فقلت: في سلامة من ديني؟
قال: ((في سلامة من دينك))).
ذكره في حواشي شرح الغاية.
قلت: وكم لهذه الأخبار الشريفة من شواهد ليس لها انحصار.
[أحاديث في الحث على محبة علي ومخرجوها]
قال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أوصي من آمن بي وصدقني، بولاية علي بن أبي طالب؛ فمن تولاه، فقد تولاني، ومن تولاّني، فقد تولّى الله؛ ومن أحبّه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحبّ الله؛ ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل))، أخرجه الإمام المرشد بالله، والكنجي، وأبو علي الصفار، عن عمار بن ياسر من ثلاث طرق، ومحمد بن سليمان من طريقين.
ورواه بسنده عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع) بلفظ: ((فإن ولاءه ولائي، وولائي ولاء الله؛ وإن منكم من يسفهه حقه))، وليس فيه ذكر من أحبه...إلخ.
ورواه بسنده إلى الباقر، ورواه أبو القاسم في كتاب إقرار الصحابة بسنده إلى ابن عمر، بنحو رواية محمد بن سليمان، وفيه: ((أمرت بالإعراض عنهم)).
وعلى رواية الأصل: أخرجه الطبراني، وابن عساكر عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن جده.
وأخرجه الطبراني من /583
قوله: ((من أحب علياً فقد أحبني...إلى آخره))، عن محمد بن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده - رضي الله عنهم -، إلا أنه بلفظ: ((أحبه الله)) و ((أبغضه الله)).
وأخرجه الإمام المرشد بالله (ع) عن أبي رافع من حيث أخرجه الطبراني بلفظه، إلا أن صدره: ((من أحبه فقد أحبني... إلخ)).
وقد سبق الخبر الشريف.
وأخرج في المحيط عن الإمام أبي طالب بطريقه إلى ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أقضى أمتي بكتاب الله علي، فمن أحبني فليحبه؛ فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي)).
وأخرجه الإمام الناصر (ع) بلفظه بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحبك فبحبي أحبك؛ فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحبك))، أخرجه الديلمي عن ابن عباس.
وأخرج قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((محبك محبي، ومبغضك مبغضي)) ابن المغازلي عن علي (ع)، والطبراني عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ.
وأخرج الحاكم في المستدرك عن سلمان: ((من أحب علياً فقد أحبني، ومن أبغض علياً فقد أبغضني)).
[أخبار متنوعة في فضائل أمير المؤمنين (ع)]
وأخرج الحاكم أيضاً فيه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: نظر النبي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - إلى علي، فقال: ((يا علي أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة؛ حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله؛ وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله؛ والويل لمن أبغضك بعدي))، قال: صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه /584
أبو علي الصفار بإسناده إلى أنس بلفظ: نظر رسول الله إلى علي بن أبي طالب، فقال: ((أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة؛ ومن أحبك فقد أحبّني، ومن أحبني فقد أحبّ الله؛ ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ وويل لمن أبغضك بعدي؛ أنا سيد المرسلين، وأنت سيد المسلمين، وأنت يعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين))، أخرجه الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم، عن آبائه(ع).
وأخرجه بمثل روايته ابن المغازلي، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخرجه أحمد بن حنبل، عن ابن عباس بلفظ: ((أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة؛ من أحبّك فقد أحبّني، وحبيبك حبيب الله؛ وعدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله؛ والويل لمن أبغضك بعدي)).
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن محمد بن علي (ع) قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما ثَبَّتَ الله حبّ علي في قلب مؤمن، فزلت به قدم، إلا ثبت الله قدميه يوم القيامة على الصراط)).
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: خرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قابضاً على يد علي ذات يوم، فقال: ((ألا من أبغض هذا فقد أبغض الله ورسوله، ومن أحب هذا فقد أحب الله ورسوله)).
وأخرج الحاكم وصححه هو والذهبي عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، عنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله؛ ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني)).
وفي شرح النهج: وروى الناس كافة أن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((هذا وليي وأنا وليه؛ عاديت من عاداه، وسالمت من سالمه)) /585
أو نحو هذا اللفظ.
وروى محمد بن عبدالله بن أبي رافع، عن زيد بن علي بن الحسين (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع): ((عدوّك عدوّي، وعدوّي عدوّ الله عز وجل)) انتهى.
وأخرج الطبراني، والحاكم، والخطيب عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك)).
وأخرج الديلمي عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ثلاث من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي، ونصب أهل بيتي، ومن قال: الإيمان كلام)).
وفي هذا الخبر الشريف ذكر النصب.
وأخرج عن أنس قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((عنوان صحيفة المؤمن حبّ علي بن أبي طالب)).
وأخرج عنه أبو سعيد في شرف النبوة، قال: صعد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المنبر، فذكر قولاً كثيراً ثم قال: ((أين علي بن أبي طالب؟)).
فوثب إليه؛ فقال: ها أنذا يا رسول الله.
فضمه إلى صدره، وقبّل بين عينيه، وقال بأعلى صوته: ((معاشر المسلمين، هذا أخي، وابن عمي، وختني؛ هذا /586
لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين: الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة؛ هذا مفرج الكروب عني، هذا أسد الله، وسيفه في أرضه على أعدائه؛ على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء؛ فمن أحب أن يبرأ من الله ومني، فليبرأ من علي؛ وليبلغ الشاهد الغائب)).
ثم قال: ((اجلس يا علي؛ فقد عرف الله لك ذلك)).
ذكره المحب الطبري في الذخائر.
وفي خبر بريدة لما شكى علياً (ع) ورسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يسمع؛ فخرج مغضباً وقال: ((ما بال أقوام ينقصون علياً؛ من أبغض علياً، فقد أبغضني، ومن فارق علياً، فقد فارقني؛ إن علياً مني وأنا منه؛ خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم؛ يا بريدة، أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذها، وهو وليكم بعدي))، بلفظه في جواهر العقدين.
وأخرج الحاكم الجشمي عن أنس، وسعيد بن جبير ـ وذكره الإمام (ع) في الشافي ـ: ((يا علي، منزلتك عندي كمنزلتي عند الله؛ فمن فارقك فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله)).
وأخرج الكنجي، وابن المغازلي، وأحمد في المناقب، والحاكم في المستدرك عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ، قال: سمعت رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - يقول: ((يا علي، من فارقني فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني))؛ وقد مَرّ.
وأخرجه ابن المغازلي عن مجاهد، عن /587
ابن عمر، والطبراني في الكبير عنه أيضاً.
والعجب من تخلّف ابن عمر مع روايته لهذا وغيره.
وقد روي تأسفه على تركه قتال الفئة الباغية معه، ونشره لفضائله (ع).
ممن روى ذلك: الإمام المنصور بالله، وابن عبد البر؛ وسيأتي ـ إن شاء الله ـ في ترجمته؛ والأعمال بخواتهما، وإلى الله ترجع الأمور.
وأخرج الطبراني في الكبير، عن ابن عمر قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((ألا أرضيك ياعلي؟ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبريء ذمتي؛ فمن أحبك في حياة مني، فقد قضى نحبه؛ ومن أحبك في حياة منك بعدي، فقد ختم الله له بالأمن والإيمان، وآمنه يوم الفزع؛ ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام)).
فهذه لمحة من بارق.
[كلام الإمام شرف الدين في الصحابة والعترة]
ولنعد إلى تمام كلام الإمام يحيى شرف الدين.
قال (ع): وغير هذا مما يوافق معناه، بما يكون بعده في حقه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وحق أهل البيت، من انحراف أمته عنهم، وغمط حقه فيهم؛ بل حق الله ـ تعالى ـ عليهم، له ولهم، بوجوه كثيرة، منها: ما سنذكره في هذا الشرح، ومنها: ما لم نذكره، مما يلزم عن ذلك ملل الإسهاب، ومتعسر الإطناب.
فمما نذكره هنا: أنك قد عرفت أن أبا بكر لما وقع في أول خلافته خلاف /588
العرب، وكانوا على ثلاثة أصناف ـ كما ذكره أهل الحديث ـ منهم: من ارتد عن الإسلام.
ومنهم: من منع الزكاة، وهم صنفان:
أحدهما: من اعتقد سقوط وجوب الزكاة بعده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
والآخر: من لم يعتقد سقوط الوجوب.
قال الإمام محمد: فقال أبو بكر: والله، لا أفرق بين الصلاة والزكاة.
وحديث الثلاث الفرق مشهور.
وأما حديث عمار ـ رضي الله عنه ـ، فمتواتر عند الجميع من موالف ومخالف.
وقيل: امتنعوا من تسليمها، إلا إلى من يفيد النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ولايته يوم الغدير؛ والله أعلم.
قال الإمام شرف الدين (ع): وهذان الصنفان لم يخرجوا من الإسلام؛ لقرب عهدهم به، وتأولهم فيما خالفوا من قواعده.
وحين أوجب وألزم أبو بكر قتالهم وحربهم اعترض عليه من الصحابة من اعترض بحديث: ((أمرت أن أقاتل الناس... إلخ)).
وأجاب أبو بكر: أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال في آخر الحديث: ((إلا بحقها))، ومن حقها سائر واجبات الإسلام، التي منها: الولاية، والحقوق، ونحوها إلى الإمام؛ وقال: والله لو منعوني...إلخ؛ فأذعن له كل الصحابة والمسلمين، وقاتلوا أولئك الأصناف أجمعين؛ ولم يختلفوا في ذلك الإلزام، ولا فصلوا بين التصريح والتأويل، والتكفير والتضليل، في معصية الإمام.
ولما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين (ع)، وظهر تصديق النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مما جاء من خبر الغيب، 589
عن الملك العلام، من قوله: ((إنك يا علي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين))، وغير ذلك من أخبار الغيوب، التي ظهرت على يد أمير المؤمنين، من نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعمار: ((ستقتلك الفئة الباغية))، وغيرها من الآيات العظام، مال كثير عن علي (ع)، منهم: من نكث البيعة بعد لزومها، ومنهم: من زاد إلى ذلك المروق من أحكام الشريعة، ومنهم: من قسط وبغى، وأفرط في تقحمه على حدود الملة المحمدية، ومخالفته لهديها وعلومها، ومنهم: من تأخر، ومنهم: من تثبط وثبط في القيام مع الإمام (ع) في قتال الفئات المذكورة، وإجراء أحكام الله عليها، التي بينها في سنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وعمومها، وجرى على ذلك أكثر الأمة إلى قيام الساعة وهجومها، مع كون الأحكام في حق علي أظهر، والبراهين في شأن عدوان المحاربين له أبين وأشهر؛ والتزموا من أجل ذلك لوازم، كانت قواعد لكل ضلالة إلى انتهاء الدنيا، مثل: تعديل الفساق والمنافقين، والبغاة والناكثين، وإيجاب طاعة الفجار المتغلبين...إلخ.
قال: فهذا أول ما نذكره من تصديق الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ من إخباره، فيما يجري من أكثر أمته، من الجفاء والعقوق، وغمط اللوازم والحقوق، في حق خليفته ووصيه، وأهل بيته وذريته، الذين هم حجة الله ـ سبحانه ـ على خلقه؛ وهم الأمة الوسطى، وهم الجماعة المأمور بملازمتهم ومن اتبعهم وعرف حقّهم؛ وهم سفينة النجاة، وقرناء كتاب الله العزيز إلى يوم القيامة، وهم باب حطّة الذي لا يؤمن مَنْ تخطّاه.
وقد عرفت حيفهم وميلهم عن أمير المؤمنين؛ للشبهة المرخصة في نكث بيعته، والخروج عن طاعته، والمفارقة لجماعته؛ ولم يلتفتوا إلى شيء من ذلك في حق من تقدمه من /590
الخلفاء السابقين؛ بل سمعوا وأطاعوا، وقاتلوا وقتلوا أهل القبلة، وأهل لا إله إلا الله، وغيرهم ممن خرج من أي طاعة.
مع أن الخلفاء السابقين على أمير المؤمنين، لم يكن لهم من العلم والفضل والبيان لأحكام الله في فرق المخالفين والمحاربين، ما كان لأمير المؤمنين (ع) من ذلك؛ فإنه بين أحكام المحاربين وأنواعهم، ففرق بين الكفار والبغاة، وبين من له شوكة وفئة، ومن لم يكن، وبين من أخطأ بمجرد التقدم عليه مع مراعاة أحكام الشريعة، وبين من تعدى حدودها في خاصة نفسه، وعامة الإسلام والمسلمين، وبين من وقف على الطاعة، ومن أحرب وشق العصا؛ وغير ذلك، مما لو لم يكن بيان أمير المؤمنين فيه، كان مجهولاً في الإسلام، ومطموساً في شريعة الملك العلام،....إلى آخر كلامه (ع).
ثم ساق، حتى قال: فحين وقعت هذه الهفوة، أوجبت البعد من أهلها عن أهل البيت النبوي والجفوة، فنشأت من ذلك المفاسد، ولزوم الخلافات في المرادات والمقاصد؛ وكان أول الأمر أهون بتولي أبي بكر وعمر وأوائل خلافة عثمان، ومعرفة أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بمراعاتهم لقواعد الشريعة المطهرة، وإن أخطؤا في التقدم عليه وجفوته، وجفوة سيدة نساء العالمين، بإجماع المسلمين، إلا من لا اعتداد به من العالمين، في عقوق أهل بيت النبي الأمين صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم.
ورأى أمير المؤمنين السكوت لدفع الأعظم فتنة في الدين، وإن علم بلزوم مفاسد إلى يوم الدين.
ومن هنا حصلت العداوة والبغضاء، حتى جعلت عوضاً من المودة، التي أمر الله بها، وأنها أجر النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على تبليغ الرسالة.
ثم ساق كلاماً شافياً؛ انتهى المراد. /591
[بحث في الإمامة]
قال في الفرائد: فتقرر أن الإمامة هي عهد الله وأمانته، وأنها لإبراهيم، ثم ذريته الصالحين منهم، فلا ينال العهد من كان ظالماً؛ لهذا النص الذي لا يقبل فيه تأويل من ينبو قلبه عنه، ويتجاسر على تحريفه بالعناد، وإخراجه عن معناه الظاهر إلى غير المراد؛ ثم بإجماع المسلمين أنها انحصرت على رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وقد دلّ القرآن عليه: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا } [آل عمران:63]، مع قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [الأحزاب:6]، والأولوية مطلقة، فتصدق في كل شيء؛ ثم قوله تعالى في غير ما آية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب:6].
وذلك سنة الله في أنبيائه (ع) في إتباع أهليهم بهم، وتقديمهم على غيرهم؛ ولن تجد لسنة الله تبديلاً؛ ويكفي قوله: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29)} [طه]، قال: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } [القصص:35].
وقد جاء عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي (ع) مثل هذا في أحاديث، وحديث المنزلة المعلوم عند الأمة: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي)) بألفاظه؛ وهي كثيرة.
وقد أقرّ الخصوم لعلي بالوزارة الخاصة بهذا الحديث والخلافة، مع ملاوذة منهم، وتمعذر معلوم بطلانه، وقد تقدم مع أحاديث صريحة في الوزارة كثيرة، متواتر معناها، وحديث الغدير، الذي قطع الخصوم بوقوعه.
وهو الحديث اليقين الكون قد قَطَعَتْ .... بكونه فرقةٌ كانت توهّيهِ
مثل: الذهبي، مع شدة شكيمته، ومنهم: المقبلي مع تعنته، فقال: لا أوضح منه دلالة ورواية، وإنه إذا لم يكن معلوماً فما في الدنيا معلوم، وإن الأولوية فيه صادقة في كل شيء، كما /592
هي في أخيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وقرر المقدمة في قوله: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟))، قالوا: بلى، قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه؛ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، بألفاظه وسياقاته؛ وهذا بعد أن أخبرهم وعزَّاهم في نفسه، واستشهدهم على البلاغ وقررهم عليه، وعرس بهم في غير وقته، في شدة الحر؛ مع ما فيه من القرائن العقلية والحسية واللفظية والمعنوية؛ ثم شهد كبار الصحابة بذلك، وهنّؤوه بما ناله، وقِيلت الأشعار فيه من شعرائهم.
ونظير حديث الولاية آية الولاية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا } [المائدة:55]، سواء سواء، مع ما قدمنا أن كل لفظ أو معنى يستعمل في الرئاسة، فقد ورد لعلي (ع) أحاديث، مثل: الوصية، والخلافة، والإمامة، وإمرة المؤمنين، وسيدهم، ويعسوبهم، وغيرها، من رواية الجميع؛ وما أوردناه في العترة من الآيات والأخبار، مثل: حديث الثقلين والخليفتين، وهو من جملة حديث الغدير، كما حقّقه الحاكم في المستدرك وغيره، وفيه: إن التمسك بهما أمان من الضلال أبداً، وغير ذلك مما أفاد القطع في المراد.
ومن الأدلة أيضاً: إجماع الأمة على جوازها فيهم، وكفاية القائم بالمقصود منه؛ لأن من يقول: إنها في جميع الناس، فهم ساداتهم وأطهرهم، ومن يقول: إنها في قريش، فهم خيرتهم بالنص، وساداتهم بالنصوص، بخلاف من عداهم؛ فالحق ما أجمعت عليه الأمة.
قلت: هذا الاستدلال بالإجماع غير كاف في الحصر، إلا مع انضمام مقدمة أخرى، وهي أن الإمامة مشتملة على ما لا يجوز تناوله إلا بدلالة قطعية؛ فلا بد في بيان منصبها من دلالة معلومة شرعية، والإجماع دليل على صحتها فيهم، ولا دليل على صحتها في غيرهم، مع عدم الاعتداد بقول الإمامية، وأهل الإرث من العباسية؛ لما علم من بطلانه.
وهذا الاستدلال /593
بإجماع الأمة، وفيه ما فيه؛ لإمكان أن يُقال: شرعيّة الإمامة تكفي في صحتها في كل الأمة؛ فالأولى العدول إلى غيره من الأدلة التي تقدّمت، وأقواها خبر الثقلين ونحوه، وخبر ((الأئمة من قريش)).
وأما إجماع العترة(ع)، فلا كلام؛ مع أن النصوص في بيان المنصب معلومة.
قال الإمام (ع): أما الكلام على الخوارج، فهم كلاب النار، وشر الخلق والخليقة، المارقون؛ فأنى يعتد بخلافهم؟!.
وأما دعوى الإرث، فقريبة الميلاد، ولا دليل لهم؛ مع أن الإرث فيه نزاع كبير؛ وأيضاً فإنه ينقض عليهم إمامة المشائخ.
وأما الإمامية، فلا دليل، مع كونه مما تعم به البلوى؛ ولأن الصحابة تنازعوا يوم السقيفة، بما لا يجهله أحد، ثم سلمت الأنصار وغيرهم لقريش، وجرى ما جرى على أمير المؤمنين ومتابعيه.
وبهذا التقرير يعلم أن منصب الإمامة التي هي خلافة النبوة، وهي عهد الله وأمانته، من جنس قريش، إنما هي لآل النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عترته الذين طهرهم الله تطهيراً، وجعلهم بالتشبيه كسفينة نوح، وباب حطة، وكان بهم بصيرا، ولهم نصيراً.
[بحث في خبر: ((لايزال هذا الأمر في قريش))]
هذا، وقد اختبط أهل الحديث في معنى قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)).
قلت: أخرجه البخاري ومسلم.
قال: من حيث أن الأمر لم يبق فيه أحد من قريش، /594
وعموا عَمَّا ملأ الأرض من أنوار العترة المرضية، والسلالة المصطفوية، من قيام قائمهم في كل بلاد، ولا سيما في الحجاز والعراق، واليمن وجيلان وديلمان، ظاهراً في أغوارها والأنجاد، مجدداً للشريعة بالسيوف الحداد؛ فما يمر عصر من العصور، إلا وقائمهم يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - ظاهراً غير مستور، فتلزم إجابته كل خلق الله، وتظهر حجته على جميع عباد الله؛ فماذا علينا إذا تصامم من نسميهم بالخوارج، وتعمَّى عن أنوارهم من هو في الحقيقة عن الدين خارج؟ فما أنت بمسمع من في القبور؛ حتى ألجأتهم الضرورة إلى ما تنبه له ابن حجر.
قلت: أي العسقلاني في الفتح شرح البخاري، قال ما لفظه: فإن بالبلاد اليمنية ـ وهي النجود منها ـ طائفة من ذرية الحسن بن علي، لم تزل مملكة تلك البلاد معهم، من أواخر المائة الثالثة ـ وهو عهد الإمام الهادي إلى الحق ـ.
...إلى قوله: فبقي الأمر في قريش بقطر من الأقطار في الجملة، وكبير أولئك ـ أي أهل اليمن ـ يقال له: الإمام؛ ولا يتولى الإمامة فيهم، إلا من يكون عالماً متحرياً للعدل، انتهى.
وقد أوردته بلفظه، وليس في الفرائد كذلك.
قال إمام الأئمة، وفاتح باب الجنة، الإمام زيد بن علي (ع) ـ وقد كَسّل عليه بعض من عنده ـ: إنما أريد إقامة الحجة على هذه الأمة، ولو يوماً واحداً؛ لئلا يقولوا يوم القيامة: لم يأتنا أحد منهم.
وروى حديثاً في ذلك، هذا معنى كلامه؛ رواه في مناقب محمد بن سليمان الكوفي ـ رحمه الله ـ.
وحديث: ((لا يزال هذا الأمر... إلخ)) نظير الحديث الآخر: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس))، أخرجه البخاري ومسلم.
وفي بعض رواياته: ((يقاتلون على الحق... إلخ))، وفي بعضها: ((قوّامة على أمر الله))، وفي بعضها: ((يقاتلون عن هذا الدين، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال))، الحديث بألفاظه وسياقاته.
فالإشارة التي في حديث قريش، والتي /595
في أحاديث الطائفة والأوصاف، وقوله: ((قائمة بأمر الله))، وقوله: ((على الحق))، و((قوامة على أمر الله))، إنما هي إلى دينه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأمره، الذي جاء به من عند الله - سبحانه - والصفات كذلك، لا إلى من هو يخالفه؛ ولا يجوز صرف تلك الأحاديث النبوية، إلى ما عليه الظلمة الفجار، والجورة الأشرار.
وانظر إلى قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وقد سُئل عن الجماعة ما هي؟ فقال: ((ما أنا عليه وأصحابي اليوم))؛ فقيدها - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - باليوم ـ يعني حياته صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ ما ذاك إلا لأمر عظيم، أعلمه به الخبير العليم، من اختلاف الصحابة، كما في الحديث المتفقة عليه الأمة، المتواتر، القطعي لفظاً، من ردّ بعضهم عن الحوض، وسوقهم إلى النار، وأخذهم إلى ذات الشمال، وأنّهم غيّروا وبدّلوا، وجوابه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ عليهم: ((سحقاً سحقاً))؛ وقد تَصَلَّف مَنْ أَوَّلَ الحديث هذا بالمرتدين عن جملة الإسلام.
قلت: وتأويله ذلك لا يفيده شيئاً فيما يروم، كما هو معلوم.
قال: وقد كشف الله الحقيقة برواياتهم مثل لفظ: ((أصحابي أصحابي))، و((أصيحابي أصيحابي))، و((منكم))، و((من عرفني))، وغير ذلك، حتى روى البخاري أنه لا يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
[أحاديث كون المجددين من العترة، ومخرجوها]
هذا، وحديث المجددين في رأس المائة السنة معروف عند الكل، ولهذا تَصْرِفُه كل فرقة إلى كبارها، وتعاموا أن التجديد إنما يقع ممن بهم فُتح وبهم خُتم، مع ما قد روي من طريق أحمد بن حنبل، وذكره السيوطي وغيرهما أن في حديث المجددين زيادة: ((من أهل بيتي)). /596
وكما في حديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله... إلخ))، وجاء من طريقهم أيضاً زيادة: ((من أهل بيتي))، ولفظه: ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من تفدون))...إلخ.
قال الإمام شرف الدين: روى هذا الحديث أحمد بن حنبل، والحاكم في المستدرك، وغيرهما ممن ذكره في مجمع الزوائد، ورواه الملا في سيرته بلفظه.
قلت: وقد تقدم.
قال: وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن عند كل بدعة يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً، يعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله))، رواه الإمام أبو طالب (ع)؛ وقد تقدم.
قال: وقد ذكر شارح عقيدة المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم شطراً صالحاً من الأحاديث من كتب المحدثين؛ حتى قال: قال الزِّيلي الشافعي ـ رحمه الله ـ: وفي أحاديث التمسك بأهل البيت(ع) إشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم بالتمسك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك؛ ولذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما تقدم، وشهد لذلك الخبر الوارد: ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي... إلخ)).
وساق كلاماً جيداً، ثم قال: ومن ذلك: حديث المهدي المنتظر، وأنه من أهل البيت (ع)، وذلك ما لا كلام فيه، ولا خلاف لأحد يعوّل عليه.
ومن ذلك: حديث المجددين من أهل البيت (ع)؛ فإن ذلك دليل كون بهم العصمة في كل وقت.
ذكر ذلك الشيخ جلال الدين الأسيوطي في كتابه مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، في شرح أول حديث من كتاب الملاحم، ما لفظه:
وأخرج أبو إسماعيل من طريق حميد بن زنجويه، قال: سمعت أحمد بن حنبل /597
يقول: يروى في الحديث عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن الله يمنّ على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي، يبين لهم دينهم)).
...إلى قوله: وملاك هذا اقترانهم بالقرآن، وأنهم الأمان؛ فمن يكون الأحق بتجديد شريعة أبيهم، والقيام عليها، ورد أحوال من يحرفها، أو ينتحل خلافها؛ ولقد كانوا (ع) كذلك، والحمد لله رب العالمين.
إذا عرفت هذا، ظهر لك ـ إن كنت من المنصفين ـ صحة قول الإمام:
فنحن طائفة الحق التي وردت .... فيها الأحاديث مما الكل يرويهِ
وأنهم (ع) هم المستخلفون، والمخلّفون لهذا المقام، إلى يوم الزحام، وأنهم الخزنة والأبواب، والحفاظ للكتاب؛ أولهم من أُمِر بقتال الناكثين، والقاسطين والمارقين، المقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل أخوه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ على تنزيله، الوارد فيه ما أفاد القطع، بأنه مع الحق والقرآن؛ ثم تلاه أولاده نجوم الظلام، ورجوم الضلال، حتى يختم بمهديهم لقتال الدجال؛ فأنى يؤفك الآفكون!.
[كلام السيد محمد بن إبراهيم الوزير في آل محمد (ع)]
ثم ذكر كلام السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير.
وأنا آتي به من محله فهو أتم:
قال في العواصم: وآله الذين أمر بمحبتهم، واختصهم للمباهلة بهم، وتلا آية التطهير بسببهم، وبشر محبيهم بالكون معه في درجته يوم القيامة، وأنذر محاربيهم بالحرب، وبشر مسالميهم بالسلامة، وشرع الصلاة عليهم معه في كل صلاة، وقرنهم في حديث الثقلين بكتاب الله، فوصى فيهم، وأكد الوصاة بقوله: ((الله الله))، أخرجه مسلم فيما رواه، وزاد الترمذي: ((وبشراه بشراه لذي قرباه، إنهما لن يفترقا حتى يلقياه)).
ولما أَهَبَّ الله ـ سبحانه ـ لهم أرواح الذكر المحمود، في جميع الوجود، بذكرهم في الصلاة الإلهية، ومع الصلوات النبوية، /598
فلازم ذكرهم الصلوات الخمس، والصلوات على خير من طلعت عليه الشمس، كان ذلك إعلاماً ممن له الخلق والأمر، وإعلاناً ممن لا يقدر لجلاله قدر، أنه أراد أن يهبّ ذكرهم مَهَبَّ الجنوب والقبول، وألا ينسى فيهم عظيم حق الرسول؛ لا سيما وقد سبق في علم الله أن الأشراف لا يزالون محسَّدين، وأن الاختلاف والمعاداة فتنة هذه الأمة إلى يوم الدين.
وكذلك؛ فإنه لما علم ما سيكون من استحلال حرمتهم العظيمة، وسفك دمائهم الكريمة، آذن بأنه حرب لمن حاربهم، وقرنهم بالكتاب المجيد، ووصى بهم من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
انتهى والله هو الولي الحميد. /599
الفصل العاشر في البرهان القاطع على تعيين أهل السنة والجماعة، وبيان أهل البدعة والفرقة
اعلم أنه عَظُم الخطب، وعمّ الخبط، وكثُرت المنازعة، في هذه الأسماء الأربعة، وصارت كل فرقة تدعي لها محمودها، وتنفي عنها مذمومها، وترمي بها خصومها؛ والحق ما صحّ دليلُه، واتضح سبيلُه.
وقد سبق من أدلة الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين ـ صلى الله عليه وآله المطهرين ـ ما فيه بلاغ لقوم عابدين.
[البرهان على تعيين أهل السنة والجماعة والبدعة والفرقة]
وقد أبان المراد بأبلغ البيان، وأقام عليه أقوم البرهان، بابُ مدينة علم أخيه، المبينُ للأمة ما يختلفون فيه.
من ذلك ما أخرجه الإمام الناطق بالحق أبو طالب (ع) بسنده في أماليه، قال: سأل ابن الكواء أمير المؤمنين (ع) عن السنة والبدعة، وعن الجماعة والفرقة.
فقال (ع): يابن الكواء، حفظت المسألة فافهم الجواب: السنة ـ والله ـ سنة محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والبدعة ـ والله ـ ما خالفها، والجماعة ـ والله ـ أهل الحق وإن قلّوا، والفرقة ـ والله ـ متابعة أهل الباطل وإن كثروا.
وأخرج السيوطي في جمع الجوامع في مسند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ؛ قال: أخرجه وكيع، من رواية الإمام المظلوم، النفس التقية، يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع)، ولفظه: عن يحيى بن عبدالله بن الحسن، عن أبيه، قال: كان علي يخطب، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني من أهل الجماعة؟ ومن أهل الفرقة؟ ومن أهل السنة؟ ومن أهل البدعة؟
فقال: ويحك! أما إذا /603
سألتني فافهم عني، ولا عليك ألا تسأل عنها أحداً بعدي؛ فأما أهل الجماعة، فأنا ومن اتبعني وإن قلوا، وذلك الحق عن أمر الله وأمر رسوله؛ وأما أهل الفرقة، فالمخالفون لي ولمن اتبعني، وإن كثروا؛ وأما أهل السنة فالمستمسكون بما سنّه الله ورسوله، وإن قلّوا؛ وأما أهل البدعة، فالمخالفون لأمر الله ولكتابه ولرسوله، العاملون برأيهم وأهوائهم، وإن كثروا؛ وقد مضى منهم الفوج الأول، وبقيت أفواج، وعلى الله قصمها عن حدبة الأرض.
[سيرة علي(ع) في البغاة]
فقام إليه عمار، فقال: يا أمير المؤمنين إن الناس يذكرون الفيء، ويزعمون أن من قاتلنا فهو وماله وأهله فيء لنا، وولده.
فقام إليه رجل من بكر بن وائل يدعى عباد بن قيس ـ وكان ذا عارضة ولسان شديد ـ فقال: والله يا أمير المؤمنين، ما قسمت بالسوية ولا عدلت.
وساق إلى قوله: فقال علي (ع): إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتى تلقى غلام ثقيف.
فقال رجل من القوم: ومن غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟
فقال: رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها.
قال: فيموت أو يقتل؟
قال: بل يقصمه قاصم الجبارين قبله، بموت فاحش يحرق منه دبره؛ لكثرة ما يجري من بطنه؛ يا أخا بكر، أنت امرؤ ضعيف الرأي؛ أو ما علمتَ أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة، وتزوجوا على رشدة، وولدوا على الفطرة؟! وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم فهو لهم ميراث؛ وإن عدى علينا أحد منهم، أخذناه بذنبه، وإن كف عنا، لم نحمل عليه ذنب غيره.
..إلى قوله ـ صلوات الله عليه ـ: يا أخا بكر، أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها، وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق؟ فمهلاً مهلاً.
..إلى قوله:
فقام عمار، فقال: يا أيها الناس، إنكم ـ والله ـ إن اتبعتموه وأطعتموه، لم يضلّ بكم عن /604
منهاجٍ قيْسَ شَعَرةٍ، وكيف يكون ذلك، وقد استودعه رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المنايا والوصايا وفصل الخطاب، على منهاج هارون بن عمران، إذْ قال له رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)) فضلاً خصه الله به، وإكراماً منه لنبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حيث أعطاه ما لم يعط أحداً من خلقه.
ثم قال علي: انظروا ـ رحمكم الله ـ ما تؤمرون فامضوا له، فإن العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخس؛ فإني حاملكم ـ إن شاء الله ـ إن أطعتموني على سبيل الجنة، وإن كانت ذا مشقة شديدة، ومرارة عتيدة، والدنيا حلوة، والحلاوة ـ لمن اغتر بها ـ من الشقوة والندامة عما قليل؛ ثم إني مخبركم أن جيلاً من بني إسرائيل أمرهم نبيهم ألاّ يشربوا من النهر، فلجوا في ترك أمره، فشربوا منه إلا قليلاً منهم؛ فكونوا ـ رحمكم الله ـ من أولئك الذين أطاعوا ربهم، ولم يعصوا ربهم.
وأما عائشة فأدركها رأي النساء، وشيء كان في نفسها عليَّ، يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دُعِيَتْ لتنال من غيري ما أتت إليّ لم تفعل؛ ولها بعد ذلك حرمتها الأولى، والحساب على الله.
..إلى آخر كلامه ـ صلوات الله عليه ـ.
وقد ساق السيد الإمام علي بن عبدالله بن القاسم في الدلائل رواية الأسيوطي...إلى قوله: (من حدبة الأرض).
قال: فهذه رواية أهل الحديث لها.
وأما رواية الشيعة لها، فما أخرجه الحجوري في روضته، بإسناده إلى معاذ البصري، من طريق العبدي، عن أبيه، عن جده، أن علياً لما فرغ من أهل الجمل، نادى بالصلاة جامعة.
ثم ساق الحديث إلى أن قال: وصلى بالناس في المسجد الأعظم.
وساق لفظ الخطبة، من جملتها الحديث الذي رواه الأسيوطي عن الإمام يحيى بن عبدالله بلفظه. انتهى.
[الزيغ والضلال في تحريف مسمى السنة والبدعة]
ومما ورد من النصوص، بلفظ السنة والجماعة على الخصوص، الخبر الطويل الذي أخرجه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخرجه الإمام المنصور بالله(ع) في /605
الشافي، وصاحب الكشاف عند تفسير قوله ـ جل وعلا ـ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]، والرازي في مفاتيح الغيب، وفيه: ((ألا من مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة))، ونحوه في إشراق الإصباح.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحب حسناً وحسيناً وأباهما وأمهما كان معي في الجنة، ومات متبعاً للسنة))، أخرجه أبو داود.
وفي معناها أخبار لا حاجة لاستقصائها؛ والحق أوضح من فلق النهار، لأولي الأبصار.
وإن من أبين البدعة، وأوضح الفرقة، ابتداع البدعة، واتباع الفرقة، وتسمية ذلك سنة وجماعة، ولزوماً للطاعة؛ وبالله عليك إن كنت ممن يؤمن بالله ورسوله، ويحكم كتاب الله، وسنة نبيه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ هل تستقيم دعوى من يدعي اتباع السنة النبوية، مع رفضهم للعترة المحمدية، الموصى بهم في الأخبار المتواترة الضرورية، المطهرين من الرجس بنص الكتاب، المسؤولة مودتهم على جميع ذوي الألباب؟
فما يكون الجواب على الله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوم العرض والحساب؟
وكيف يكون الحال وأئمة تلك السنة ـ المركون إليها ـ الدعاة إلى النار، كما صح في متواتر الأخبار؟
وهب أن هؤلاء الأغمار، خفي عليهم ذلك الأصل المنهار، المؤسس على شفا جُرف هار؛ فأيّ عذر لهم في الائتمام بالفجار، والمحامات عن أعداء الله، وأعداء رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والتولي والترضي عن أولئك الطغاة البغاة الأشرار، والنصب والرفض لنجوم آل محمد الأطهار، والسب والبغض لأولياء العترة الأبرار؟
ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً، وأن الله شديد العذاب؛ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا: لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا؛ كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات /606
عليهم، وما هم بخارجين من النار.
فتلك سنتهم ـ على زعمهم ـ التي ابتدعوها، وجماعتهم التي اتبعوها، وهي سنة المضلين، وجماعة الظالمين، المخالفة لكتاب رب العالمين، وسنة سيد المرسلين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، والمفارقة لجماعة وصيه إمام المتقين، وأهل بيته قرناء الذكر المبين (ع)، ولصحابة الرسول السابقين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ.
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين، نولّه ما تولى ونصله جهنم، وساءت مصيراً؛ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض، والله ولي المتقين؛ ولتعلمنّ نبأه بعد حين، ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون؛ قل رب أحكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون.
[الكلام على جعلهم السنة مكان العترة]
ومن أعجب الزيغ والخذلان، وأغرب الضلال والبطلان، زعم بعض أهل النصب والرين، المعارَضَةَ لأخبار الثقلين، المعلومة عند الفريقين، بحديث آحادي، مما رووه عن /607
أبي هريرة وغيره، جعل فيه السنة مكان العترة، ولم يروه أحد من أهل صحاحهم.
ونقول: على فرض ثبوته، لا معارضة ولا منافاة، ولا سبيل إلى التفرقة بين حجج الله؛ فكتاب الله وسنة رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ مؤداهما واحد، وبعضهما على بعض شاهد، والأمر بلزوم أحدهما أمر بلزوم الآخر، والدلالة على التمسك بالسنة النبوية، لا يوجب اطراح فرض التمسك بالعترة المحمدية، بل يوجب التمسك بهم؛ إذ هو نص السنة المعلومة، المجمع عليها بين البرية؛ أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟
وقد ورد في رواية آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ جمع الكتاب والسنة والعترة، وهو من آخر ما عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في مرضه، ولفظه: ((يا أيها الناس، إني خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي؛ أما إن ذلك لن يفترق حتى ألقاه على الحوض))، رواه الإمام الناطق بالحق أبو طالب بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي، بسند آبائه ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وقد سبق في سند المجموع الشريف.
وفي إتيانه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بعكس التشبيه، ما لا يخفى من المبالغة البليغة والتنبيه؛ فيا سبحان الله! كيف يعدل المدعون للسنة إلى المعارضة بحديث آحادي لا معارضة فيه، ولم يروه أحد من أهل معتمداتهم الستة، وإنما رواه مالك بلاغاً، ولا حجة عندهم في مرسل، وأورده الحاكم؟!
وقد أخرج خبر التمسك بالكتاب والعترة من ثلاث طرق، قال: في كل واحدة: صحيح على شرط الشيخين، وإنما استدركها لعدم إخراج البخاري ومسلم لها من تلك الطرق خاصة.
وإلا فقد أخرج خبر التمسك بالكتاب والعترة طوائفُ الأمة كما قدمنا في الفصل الأول، فكيف يزعمون وهم يدعون الإسلام المعارضة لما أنزل الله في محكم كتابه؟ وأكده على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في الآيات المتكاثرة، والأخبار المتواترة، كآيات الولاية، والمودة، والأمر بالطاعة، والتطهير، /608
والمباهلة، والاصطفاء، والاجتباء، والإطعام، والخمس، والسؤال، والصادقين، والترحم، والاعتصام، والإنذار، والسلام، وأخبار كل منها، وأخبار الكساء، والخميصة، والرداء، والتمسك، والخليفتين، والثقلين، الذي كرره الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في مقام بعد مقام، رواه أكثر من عشرين صحابياً، وخرج كما سبق في دواوين الإسلام، وفيه: ((إني تارك فيكم، ومخلّف فيكم)) وفيه: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهما))، وفيه: ((إني سائلكم حين تردون عليَّ الحوض عن الثقلين)) وفيه: ((فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي)) ثلاثاً.
وقد روى لفظ: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) في هذا الخبر الشريف من العامة: أحمد، ومسلم، والنسائي، وعبد بن حميد، والحاكم، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبّان، وفيه: ((فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)).
ومن مقاماته: ما قاله ـ صلوات الله عليه وآله وسلامه ـ في مرض وفاته، وقد خرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر، وعلي والفضل بن العباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر، فخطبهم، واستغفر للشهداء، ثم أوصى بالأنصار، وقال: ((إنهم لا يرتدون عن منهاجنا؛ ولا آمنُ منكم يا معشر المهاجرين))، ثم رفع صوته حتى سمع من في المسجد ووراءه يقول: ((يا أيها الناس، سُعّرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم؛ إنكم والله لا تتعلقون علي غداً بشيء؛ ألا وإني قد تركت فيكم الثقلين، فمن اعتصم بهما، فقد نجى، ومن خالفهما هلك وهوى، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله طرف بيد الله وطرف بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، فتمسكوا بهما لا تضلوا ولا تذلوا أبداً؛ فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض؛ وإني سألت الله ذلك لهم فأعطانيه؛ ألا فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتضلوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم بالكتاب؛ أيها الناس، احفظوا قولي تنتفعوا به بعدي، وافهموا عني تنتعشوا؛ لئلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض؛ فإن أنتم /609
فعلتم ذلك، ولتفعلنّ، لتجدنّ من يضرب وجوهكم بالسيف))، ثمّ التفت عن يمينه، ثمّ قال: ((علي بن أبي طالب؛ ألا وإني قد تركته فيكم، ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟))، فقال الناس: نعم يا رسول الله ـ صلوات الله عليك ـ، فقال: ((اللهم اشهد))، ثم قال: ((ألا إنه سيرد علي الحوض منكم رجال فيدفعون عني، فأقول: يارب، أصحابي أصحابي؛ فيقول: يا محمد، إنهم أحدثوا بعدك، وغيروا سنتك؛ فأقول: سحقاً سحقاً)).
وفي يوم آخر: خرج رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يمشي بين علي والفضل، وقدماه تخطان بالأرض، وصلى بالناس، فلما سلم أمر علياً والفضل، وقال: ((ضعاني على المنبر))، فوضعاه على منبره، فسكت ساعة، ثم قال: ((يا أمة محمد؛ إن وصيّتي فيكم الثقلان: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، اعتصموا بهما تردوا على نبيكم حوضه؛ ألا ليذادن عني رجال منكم، فأقول: سحقاً سحقاً))، ثم أمر علياً والفضل أن يدخلاه منزله، وأمر بباب الحجرة ففتح، ودخل الناس عليه، ثم قال: ((ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً))، قال عمر بن الخطاب: إن رسول الله ليهجر.
إلى قوله: فسمع رسول الله هذا القول فغضب، ثم قال لهم: ((اخرجوا عني، وأستودعكم كتاب الله، وأهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ وأنفذوا جيش أسامة؛ لا يتخلّف عن بعثه إلا عاص لله ولرسوله...الخبر بطوله))، رواه كامل أهل البيت عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليهم.
فرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يوصي أمته، وخصوصاً صحابته، في أهل بيته، ويستخلفهم فيهم، ويلزمهم التمسك بهم، ويؤكد عليهم كلّيّة التوكيد، ويشدد عليهم في ذلك غاية التشديد؛ وجاءت الحشوية، ومن سبقهم ولحقهم من مردت البرية، بمشاقّتهم، والرفض لطاعتهم، والنصب لجماعتهم، والعدواة لهم ولأهل ولايتهم، والولاية لأهل عدواتهم ولقتلتهم؛ ولم يكفهم ذلك حتى رموهم بدائهم، فسَمَّوا أهل بيت نبيهم أهل البدعة، وسموا أنفسهم أهل السنة، وجماعتهم الفرقة، وفرقتهم /610
الجماعة؛ فالحكم لله، والموعد القيامة؛ هنالك يخسر المبطلون.
ومما ورد في هذا المقام بخصوصه: ما أخرجه البزار عن فاطمة بنت علي (ع): سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في مرضه الذي قبض فيه يقول، وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: ((أيها الناس، أوشك أن أقبض قبضاً سريعاً، فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم؛ ألا إني مخلف فيكم كتاب ربي عز وجل، وعترتي أهل بيتي))، ثم أخذ بيد علي فرفعها، فقال: ((هذا علي مع القرآن))، وقد تقدم خبر المجموع من رواية الإمام الأعظم، عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ.
وما أخرجه الطبراني من خبر ابن عمر: آخر ما تكلم به النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اخلفوني في أهل بيتي))، وأخبار باب حطة من دخله غفر له؛ وقد بدّل الذين ظلموا من أمتنا قولاً غير الذي قيل لهم، كما بدل الذين ظلموا من بني إسرائيل قولاً غير الذي قيل لهم؛ وأخبار سفينة نوح، وباب السلم المفتوح، وأخبار النجوم والأمان، وفيها من رواية العامة: ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لهم من الاختلاف، فإذا خالفتهم قبيلة اختلفوا فصاروا حزب إبليس))، أخرجه أحمد بن حنبل، والحاكم في المستدرك، وغيرهما، وقد سبق.
[أحاديث تحريم الجنة على من ظلم وآذى أهل البيت(ع)، وأجر من أحسن إليهم]
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، وعلى المعين عليهم ومن سبّهم؛ أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))، أخرجه الإمام علي الرضا في الصحيفة بسند آبائه(ع)، وأخرجه عنه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي من طريقه، وأخرجه ابن عساكر، وابن النجار عن علي (ع).
وأخرج الإمام المنصور بالله، بسنده إلى الثعلبي، بسنده إلى الإمام علي الرضا، بسند آبائه إلى علي (ع)، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي، وآذاني في عترتي؛ ومن صنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها، فأنا أجازيه غداً إذا لقيني يوم القيامة)). وأخرجه الإمام علي الرضا في الصحيفة. /611
قال أيده الله في التخريج: وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من صنع إلى أحد من أهل بيتي معروفاً، فعجز عن مكافأته، كنت المكافئ له يوم القيامة))، أخرجه أبو سعيد عن علي؛ رواه المحب الطبري؛ انتهى من التفريج.
وروى نحوه في صحيفة علي بن موسى الرضا، وقال في تخريجها: أخرجه ابن عساكر عن علي (ع)، وأخرجه الخطيب، عن عثمان بن عفان، والترمذي، والنسائي، والنجاري عن أسامة. انتهى.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((اشتد غضب الله وغضب رسوله على من أهرق دم ذريتي، أو آذاني في عترتي))، أخرجه الإمام علي الرضا بسند آبائه(ع).
وأخرج ابن المغازلي بلفظ: ((اشتد غضب الله وغضبي على من اهراق دمي، أو آذاني في عترتي)).
وأخرجه ابن النجار عن أبي سعيد، بلفظ: ((والله اشتد غضبه على من أراق دمي، أو آذاني في عترتي))، وأخرجه الديلمي عن أبي سعيد، بلفظ: ((اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي)).
وأخرجه البزار عن ابن عمر؛ ذكره السيوطي في الجامع الصغير.
وأخرج الجعابي من الطالبيين: ((من آذى عترتي فعليه لعنة الله))، وأخرج أيضاً: ((من سبّ أهل بيتي، فإنما يريد الله والإسلام)).
وروى الأصبغ بن نباتة، عن علي (ع) مرفوعاً: ((من آذاني في أهل بيتي، فقد آذى الله، ومن أعان على أذاهم وركن إلى أعدائهم، فقد آذن بحرب من الله؛ ولا نصيب لهم في شفاعتي)).
وقد سبق في سند البساط ما أخرجه الناصر للحق بسنده إلى الباقر (ع)، قال: حدّثنا جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: خطبنا رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، فقال: ((أيها الناس، من أبغضنا ـ أهل البيت ـ بعثه الله يوم القيامة يهودياً)).
قال: قلت: يارسول الله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟
قال: ((وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)).
وأخرجه الطبراني والعقيلي عن جابر بلفظ: ((من أبغضنا ـ أهل البيت ـ /612
حشره الله يوم القيامة يهودياً، وإن شهد أن لا إله إلا الله)).
[أحاديث وعيد من آذى علياً(ع)]
وفي مناقب ابن المغازلي بسنده إلى معاوية بن حيدة القشيري، قال: سمعت النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((يا علي، لا تبالي، من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانياً... الخبر)).
وقال ـ كثر الله فوائده ـ في تخريج الشافي: قال صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((من آذى علياً فقد آذاني))، أخرجه أحمد، عن عمرو بن شاس الأسلمي، ورواه عنه ابن عبد البر في الاستيعاب، ورواه أبو يعلى، والبزار، وأحمد، والخوارزمي عن سعد بن أبي وقاص، وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح.
ورواه الخوارزمي أيضاً عن عبدالله بن دينار الأسلمي، وابن المغازلي عن ابن عباس، وفيه: ((يا أيها الناس، من آذى علياً حشره الله يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً)).
قلت: وصدره: ((يا أيها الناس، من آذى علياً فقد آذاني؛ إن علياً أولكم إيماناً، وأوفاكم بعهد الله، يا أيها الناس من آذى علياً بُعث يوم القيامة...الخبر)).
قال: وأخرج هذا الخبر أحمد في مسنده من عدة طرق بلفظ: ((بعث يوم القيامة... إلخ))، وكذا هو بلفظ: ((بعث يوم القيامة)) في مناقب ابن المغازلي.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } [الأحزاب:57].
وأخرج الكنجي عن مصعب بن سعد بن مالك، عن أبيه سعد، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من آذى علياً فقد آذاني)).
وأخرجه الحاكم عن عمرو بن شاس الأسلمي، وصححه هو والذهبي؛ ورواه محمد بن سليمان الكوفي بسنده عن عمرو بن شاس، وأخرجه البخاري في التاريخ.
وأخرجه أبو عمر النمري بزيادة: ((ومن آذاني فقد آذى الله)) عن عمرو بن شاس.
ومن حديث رواه الحاكم أبو القاسم عن علي، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((من آذى شعرة منك، فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله)).
وروى أيضاً عن أم سلمة عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال لعلي: ((من آذاك فقد آذاني))، [انتهى] من شواهده.
وحديث: ((فعليه لعنة الله)) رواه الحاكم في تنبيه الغافلين، والزرندي في الدرر عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي بلفظ: ((لعنة الله وملائكته ملأ السماء، وملأ /613
الأرض)) انتهى.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سبّك ـ يا علي ـ فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله، ومن سبّ الله أدخله النار))، أخرجه في الشافي عن الإمام المرشد بالله يبلغ به ابن عباس.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: وأخرج هذا الحديث محمد بن يوسف الكنجي ـ رحمه الله ـ بسنده إلى ابن عباس.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من سبّ علياً فقد سبني))، أخرجه النسائي عن أم سلمة، وأخرجه الحاكم وصححه هو والذهبي، وأخرجه أحمد عن ابن عباس، وعن أم سلمة؛ وأبو عبدالله الخلاجي عن ابن عباس.
انتهى من الاعتصام.
وأخرجه الطبراني عن علي (ع)، وابن المغازلي بسنده إلى علي بن عبدالله بن عباس؛ وذكره المسعودي.
[أحاديث وعيد من أبغض العترة، ونحوها]
وأخرج أحمد في المناقب، وابن عدي، والديلمي عن أبي سعيد الخدري، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((من أبغض أهل البيت فهو منافق)).
وفي الخبر السابق من أمالي المرشد بالله، بسنده إلى الصادق، مرفوعاً: ((ومن أتاني ببغضهم أنزلته مع أهل النفاق)).
وروى ابن المغازلي، من طريق الإمام علي الرضا، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ويل لظالمي أهل بيتي؛ عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار)).
وروى محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى الباقر (ع) يرفعه إلى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يبغض أهل البيت إلا ثلاثة: رجل وضع على فراش أبيه لغير أبيه، ورجل جاءت به أمه وهي حائض، ورجل منافق)).
وأخرج معناه الإمام المرشد بالله وأبو الشيخ. /614
وروى أيضاً بسنده إلى زر بن حبيش، عن علي (ع)، أنه قال: قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إنا أهل بيت لا يحبنا إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق رديء)).
وأخرج الملا أنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((لا يحبنا ـ أهل البيت ـ إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي)).
وأخرجه المحب الطبري عن علي (ع).
وأخرج الملا في سيرته، وابن سعد: أنه - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - قال: ((استوصوا بأهل بيتي، فإني مخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار)).
وأنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((من حفظني في أهل بيتي، فقد اتخذ عند الله عهداً)).
وأخرج ابن المغازلي، عن أبي سعيد الخدري، قال: صعِد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المنبر، فقال: ((والذي نفسي بيده، لا يبغض أهل البيت أحد إلا كبّه الله في النار)).
وأخرجه بلفظ: ((إلا أدخله الله النار)) الحاكم في المستدرك، والذهبي في التلخيص وقال: على شرط مسلم، وابن حبان وصححه. /615
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام، فصلى وصام، ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار)) أخرجه الحاكم في المستدرك، والذهبي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وقال: على شرط مسلم.
وأخرج الطبراني عن ابن عمر: ((ألا أرضيك يا علي؛ أنت أخي ووزيري، تقضي ديني، وتنجز موعدي، وتبريء ذمتي؛ فمن أحبك في حياة مني، فقد قضى نحبه؛ ومن أحبّك في حياة منك بعدي، فقد ختم الله له بالأمن والإيمان؛ ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان، وأمنه يوم الفزع؛ ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية، يحاسبه الله بما عمل في الإسلام))، وقد مَرّ.
وأروده ابن الإمام في شرح الغاية، قال فيها: وعن علي (ع)، قال: طلبني رسول الله.
..إلى قوله: فقال: ((قم، والله لأرضينك؛ أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل على سنتي، وتبريء ذمتي؛ من مات في عهدي، فهو في كنز الله؛ ومن مات في عهدك، فقد قضى نحبه؛ ومن مات يحبك بعد موتك، فقد ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت...الخبر)).
قال: أخرجه أبو يعلى، وقال البوصيري: رواته ثقات، انتهى. /616
وهو في جواهر العقدين إلى قوله: ((ما طلعت شمس وما غربت)).
قال المحب الطبري: أخرجه أحمد في المناقب.
قال صاحب الجواهر: وقد أخرجه أبو يعلى بنحوه.
انتهى المراد إيراده.
وقد سبق من طرق الجميع ما فيه كفاية، وإن كان لا ينتهى في هذا إلى غاية.
[الأخبار بوجوب حبِّ أهل البيت (ع) وتحريم بغضهم]
والأخبار بوجوب حبهم، وأنه إيمان، وتحريم بغضهم، وأنه نفاق، والوعد بالشفاعة لمحبيهم، وحرمانها لمبغضيهم، معلومة بين الأمة، قد أفردها بالتأليف أعلام الأئمة، وهي مستغرقة لأسفار جمة.
ولنذكر هنا قسطاً نافعاً لأرباب الهداية، وطرفاً قاطعاً لذوي الزيغ والغواية؛ والله ولي التسديد في البداية والنهاية.
قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ما أحبّنا أهل البيت أحد فزلّت به قدم إلا ثبتته قدم، حتى ينجيه الله يوم القيامة))، أخرجه إمام الأئمة الهادي إلى الحق(ع) في الأحكام؛ وقد سبق.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الإسلام لباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع؛ ولكل شيء عماد، وعماد الإسلام حبّنا أهل البيت))، أخرجه الإمام أبو طالب (ع) بسنده إلى جعفر الصادق، عن آبائه(ع) إلى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرجه ابن النجار عن الحسين السبط (ع)، باختلاف يسير، لا يخل بالمعنى. /617
وقد سبق أيضاً ما أخرجه الإمام أبو طالب (ع) عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((أيها الناس، أوصيكم بعترتي أهل بيتي خيراً؛ فإنهم لحمتي وفصيلتي، فاحفظوا منهم ما تحفظون مني)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، من أحب ولدك فقد أحبك، ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب الله أدخله الجنة؛ ومن أبغضهم فقد أبغضك، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أبغض الله كان حقيقاً على الله أن يدخله النار))، أخرجه إمام الأئمة الهادي إلى الحق (ع) في الأحكام، كما تقدم.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي))، أخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، وابن المغازلي عنه من طريقين، وأخرجه عنه أبو داود، والترمذي وحسنه، والبيهقي في الشعب، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد، والطبراني.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أحبّوا أهل بيتي، وأحبوا علياً؛ فمن أبغض أحداً من أهل بيتي فقد حرم شفاعتي))، أخرجه ابن عدي في الكامل عن أنس.
ولا يخفى ما في عطف الخاص ـ وهو علي ـ على العام ـ وهو أهل البيت(ع)ـ من إفادة الإجلال والإعظام، كقوله عز وجل: {وَالصَّلَاةِ /618
الْوُسْطَى } [البقرة:238]، وكذكر جبريل وميكائيل بعد الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، فهو من أجل مواقعه العظام.
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) عن علي (ع): ((لا نالت شفاعتي من لم يخلفني في عترتي أهل بيتي)).
وأخرج ابن عدي أيضاً، والديلمي عن علي، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أثبتكم على الصراط أشدكم حباً لأهل بيتي)).
وأخرج الحاكم الحسكاني، عن سالم بن عبدالله، عن أبيه، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أكثركم نوراً يوم القيامة أكثركم حباً لآل محمد)).
وأخرج الحاكم الحسكاني أيضاً بإسناده، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أما والله لا يحب أهل بيتي عبد إلا أعطاه الله نوراً، حتى يرد عليّ الحوض؛ ولا يبغض أهل بيتي عبد إلا احتجب الله عنه يوم القيامة)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة، فأنا وليهم وعصبتهم، وهم عترتي خلقوا من طينتي؛ ويل للمكذبين بفضلهم؛ من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه))، وقد سبق /619
صدر الخبر، وما في بابه، من روايات العترة وسائر الأمة.
وسبقت الأخبار في هذا المعنى، نحو: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحبّ)) ((ومن سرّه أن يحيا حياتي))، وفيها: ((فليتولّ علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين أئمة الهدى))، وفيها: ((والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي، خُلقوا من لحمي ودمي، إلى الله أشكو من ظالمهم))، وفيها: ((فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله ـ عز وجل ـ شفاعتي)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أحب أن يركب سفينة النجاة، ويتمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليأتم علياً، وليأتم الهداة من ولده...الخبر)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن لله حرمات ثلاثاً من حفظها حفظ الله له أمر دينه ودنياه... الخبر))، وفيه: ((وحرمة رَحِمي)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله الله عن أربع... الخبر))، وفيه:: ((وعن حبنا أهل البيت)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته...الخبر)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((نحن أهل البيت شجرة النبوة، ومعدن الرسالة، ليس أحد من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((قدّموهم ولا تقدموا عليهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
وغيرها كثير؛ وقد تقدمت هذه /620
الأخبار الشريفة كلها بطرقها مستوفاة في صدر الكتاب وأثنائه.
وخبر: ((قدّموهم ولا تقدموا عليهم))، مروي في أخبار الثقلين المتواترة.
أخرج محمد بن سليمان الكوفي ـ رضي الله عنه ـ بسنده إلى الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية، وأخيه الإمام يحيى بن عبدالله، عن أبيهما الكامل عبدالله بن الحسن، عن جدّهما، عن علي بن أبي طالب، قال: لما خطب أبو بكر، قام أُبي بن كع ب، فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - قال: ((أوصيكم بأهل بيتي خيراً فقدموهم ولا تقدموا عليهم، وأمِّروهم ولا تأمَّروا عليهم...إلى آخره))؟
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) في أماليه، بسنده إلى أبي سعيد، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال: ((لا تعلموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تشتموهم فتضلوا)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا تعلموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تسبقوهم فتمرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تولوا غيرهم فتضلوا))، أخرجه في الكامل المنير، عن زيد بن أرقم.
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطرّوا، والمحب لهم بقلبه ولسانه))، أخرجه الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، بسند آبائه (ع)، وأخرجه الديلمي عن الإمام علي /621
الرضا (ع) بسنده.
وأخرج الإمام أبو طالب في الأمالي، بسنده إلى الإمام علي بن موسى، بسند آبائه(ع)، قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه)).
وأخرج الديلمي في الفردوس، عن علي (ع)، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن، أهوالهن عظيمة))، وأخرجه ولد الديلمي.
وأخرج أبو نصر عبد الكريم بن محمد الشيرازي في فوائده، والديلمي، وابن النجار، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أدِّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن)).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((الزموا مودتنا ـ أهل البيت ـ؛ فإن من لقي الله ـ عز وجل ـ وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا؛ والذي نفس محمد بيده، لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقّنا))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي، عن الحسين السبط، عن جده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ أفاده أيده الله في تخريج الشافي.
وأخرجه الطبراني في الأوسط عن الحسين السبط (ع) عن جده ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ؛ ذكره في تفريج الكروب، والمطلع، وغيرهما.
وأخرج الخطيب، وابن عساكر، عن أبي الضحى، عن ابن عباس ـ رضي /622
الله عنهما ـ وأخرجاه عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((والله، لا يبلغوا الخير والإيمان، حتى يحبوكم لله ولقرابتي)).
أفاده أيده الله في التخريج، نقلاً عن التفريج.
قلت: وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله)).
وأخرجه الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي، بلفظ: ((لن يبلغوا الخير حتى يحبوكم لله ولقرابتي)).
وأخرجه الثعلبي بلفظ: ((والذي بعثني بالحق نبياً، لا يؤمنون حتى يحبوكم لي)).
وأخرج أحمد، والحاكم، وأبو نعيم، والطبراني، والبيهقي، والترمذي، وابن ماجه، وابن أبي عاصم، وابن مندة، وعمر الملا الموصلي، والبغوي، والروياني في صحيحه، ومحمد بن نصر، وغيرهم، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((والذي نفس محمد بيده، لا يدخل قلب امرئ الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله)).
وفي لفظ: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم لحبي)).
وفي لفظ: ((والله، لا يدخل قلب رجل الإيمان، حتى يحبهم لله ولقرابتي)).
وفي لفظ: ((لا يبلغ الخير ـ أو قال: الإيمان ـ عبد، حتى يحبكم لله ولقرابتي)). /623
أفاده السيد العلامة الأوحد، محمد بن علي الحسيني اليمني الأصل، النازل بالجامع الأزهر بمصر، في كتابه نثر الدر المكنون، من فضائل اليمن الميمون، أحسن الله ـ تعالى ـ جزاءه، ووفقنا وإياه.
قلت: ولفظ: ((والله، لن يبلغوا الخير ـ أو الإيمان ـ حتى يحبوكم لله ولقرابتي)) أخرجه الخطيب، وابن عساكر، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعائشة.
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذت شيعة ولدك بحجزهم؛ فترى أين يؤم بنا؟))، أخرجه الإمام الرضا علي بن موسى، بسند آبائه (ع)، وفسر الحجزة بالسبب، أبو العباس ثعلب، وابن نفطويه النحوي، لما سألهما أبو القاسم الطائي.
قلت: وهي بضم المهملة؛ وكلامهما يحتمل أن يكون السبب من معانيها لغة حقيقة، وأن يكون مجازاً.
والحقيقة معقد الإزار ونحوه، كما ذكره غيرهما من أهل اللغة.
واستعمالها فيه استعارة مصرحة؛ لذكر المشبه به وحذف المشبه، كاستعمال الحبل في نحو: قوله ـ عز وجل ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا } [آل عمران:103]، والعلاقة المشابهة، والقرينة عقلية.
هذا، وروى هذا الخبر الشريف /624
الخوارزمي، بسنده إلى الإمام علي بن موسى الرضا، بسند آبائه (ع).
وأخرج السمهودي الشافعي في كتابه جواهر العقدين، عن الحافظ الزرندي في كتابه درر السمطين، عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري، قال: جلست إلى الأصبغ بن نباتة، فقال: ألا أقرئك ما أملاه علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ؟
فأخرج إليَّ صحيفة فيها مكتوب ما لفظه:
(بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به محمد أهل بيته وأمته؛ أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته؛ وأوصى أمته بلزوم أهل بيته، وأن أهل البيت يأخذون بحجزة نبيهم ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وأن شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة، وأنهم لن يدخلوكم في باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى).
وأخرج الطبراني في الكبير، عن ابن عمر، قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش، ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم؛ ومن أشفع له أولاً أفضل))، أورده من هذه الطريق في التفريج، وكذا في الجامع الصغير، وفيه: قال الشيخ: حديث صحيح.
وقال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: رواه الطبراني، والدارقطني، والذهبي...إلخ. /625
قلت: ومثله في شرح الهداية لصلاح الإسلام (ع).
وأخرج الخطيب عن علي (ع): ((شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي))، قال في الجامع الصغير: قال الشيخ: حديث حسن لغيره.
قلت: بل معناه متواتر، لشواهده التي لا تنحصر.
وأخرج الطبراني عن علي (ع): سمعتُ رسول الله صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم يقول: ((أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني من أمتي)).
وفي الدلائل: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد التوصل إلى أن يكون عندي له يد أشفع له بها يوم القيامة، فَلْيَصِلْ أهل بيتي، وليُدخل عليهم السرور))، أخرجه الملا.
[أخبار نبوية في أهل البيت(ع) وشيعتهم]
وأخرج الإمام الحجة، المنصور بالله عبد الله بن حمزة (ع) في الشافي، عن علي بن أبي طالب (ع)، قال: شكوت إلى رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - حسد الناس لي، فقال: ((أما ترضى أن تكون رابع أربعة، أول من يدخل الجنة: أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا، وشيعتنا خلف ذريتنا)).
وأخرجه محمد بن سليمان الكوفي، بطريقه إلى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه (ع).
وأخرجه الثعلبي، بسنده إلى عمر بن موسى، عن الإمام الأعظم زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب (ع).
وأخرجه الكنجي، والطبراني، وابن عساكر عن أبي رافع، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ورواه الطبري في ترجمة الحسن، وأخرجه أحمد عن علي (ع).
وأخرج الحاكم في المستدرك، /626
وابن سعد عن علي (ع)، قال: أخبرني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله، فمحبونا؟ قال: ((من ورائكم)).
وعن برهان الدين في أسنى المطالب، عن ابن عمر، قال: بينا أنا عند رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وجميع المهاجرين والأنصار إلا من كان في سرية، أقبل علي يمشي، وهو متغضب؛ فقال رسول الله: ((من أغضبه فقد أغضبني)).
فلما جلس، قال: ((مالك يا علي؟)).
قال: آذاني بنو عمك.
فقال: ((يا علي، ما ترضى أن تكون معي في الجنة والحسن والحسين، وذرارينا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذرياتنا، وأشياعنا عن أيماننا وشمائلنا؟))، أخرجه الإمام أحمد في المناقب، وأبو سعيد عبد الملك الواعظ في شرف النبوة؛ أفاده في الإقبال.
وأخرجه الطبراني بلفظ: ((أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين... الخبر)).
قلت: ويحمل ما بينه وبين الأول من اختلاف الهيئات، على اختلاف المقامات، كما حمل على ذلك غيره، مما يدل على اختلاف الأحوال، في الكتاب والسنة؛ وهو محمل صحيح واضح.
هذا، وفي التخريج ـ بعد رواية الأصل وشواهده ـ ما لفظه: وكذا قال ابن حجر: رواه الطبراني من حديث أبي رافع، والكريمي عن ابن عائشة، بسنده عن علي(ع).
وقال ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يرد عليَّ الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي، كهاتين السبابتين))، رواه أبو الفرج الأصبهاني، عن سفيان بن الليل بطريقين، عن الحسن السبط، عن أبيه علي بن أبي طالب (ع)، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((يرد علي...إلخ)).
وأخرجه محمد بن /627
سليمان الكوفي، عن سفيان بن الليل، عن الحسن السبط، عن أبيه الوصي، عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
وأخرجه الملا، عن علي، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
ذكره السمهودي في جواهر العقدين؛ أفاده في الإقبال.
وذكره ابن أبي الحديد في شرحه؛ أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج.
قلت: وأخرجه المحب الطبري، عن علي مرفوعاً، بلفظ: ((يرد أهل بيتي... الخبر))، ذكره في التفريج.
قال أيده الله في التخريج: قال الناصر للحق (ع): حدثني محمد بن منصور المرادي ـ وساق سنده إلى علي (ع) ـ قال: نرد نحن وشيعتنا إلى نبي الله كهاتين ـ وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى ـ.
قاله في المحيط.
قلت: وفي خبر عبدالله بن شريك، عن الحسين السبط: نبعث نحن وشيعتنا هكذا ـ وأشار بالسبابة والوسطى ـ.
فإن لم يكن مرفوعاً، فهو توقيف؛ إذْ لا مساغ للاجتهاد فيه؛ ذكره في التفريج.
قال: وعبدالله بن شريك هذا ممن وصل من الكوفة إلى ابن الحنفية وابن عباس، مع أبي عبدالله الجدلي؛ ليخلصهما من ابن الزبير بمكة، لما أراد تحريق بيوتهما؛ لامتناعهما من بيعته؛ فأخرجهما إلى الطائف، وتوفي ابن عباس هنالك، انتهى. /628
قلت: وقوله: (السبابة والوسطى) على الحقيقة، وفي الأول (بين السبابتين) من باب التغليب، كالحسنين والقمرين، وهو واضح.
وقد تقدم من رواية الإمام الأعظم في مجموعه، بسنده عن آبائه إلى علي ـ صلوات الله عليهم ـ: من قال في موطن قبل وفاته: رضيتُ بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ نبياً، وبعلي وأهل بيته أولياء؛ كان له ستراً من النار، وكان معنا غداً هكذا ـ وجمع بين إصبعيه ـ.
قلت: وهذا مقيّد، كغيره من مطلقات الوعد، بالأدلة المعلومة، القاضية بكون ذلك للمؤمنين، القائمين بما لا يعذرون بتركه من فرائض الله، والمجتنبين للكبائر من محارم الله، المطيعين لرب العالمين؛ إنما يتقبل الله من المتقين.
وفي هذا المعنى قول الله ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)} [فصلت].
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((أتاني جبريل عن ربه، وهو يقول: ربي ـ عز وجل ـ يقرئك السلام، ويقول: يا محمد، بشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويؤمنون بك، ويحبون أهل بيتك، بالجنة؛ فإن لهم عندي جزاء الحسنى، وسيدخلون الجنة))، أخرجه الإمام علي بن موسى بسند آبائه (ع).
وقد سبق في الفصل الأول ما ورد في تفسير خير البرية، وقول رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((هم أنت يا علي وشيعتك)).
وتقدم /629
ما في معناه، نحو: الخبر الذي فيه: ((ترد عليّ الحوض راية علي أمير المؤمنين، وإمام الغر المحجلين)) من رواية محدث الشام، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ.
وما يشهد له، نحو: خبر الرايات، الذي فيه: ((ألا وإنه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة))...إلى قوله: ((ثم ترد راية أخرى تلمع نوراً، فأقول: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى، نحن أمة محمد، ونحن بقية أهل الحق؛ حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله وحرمنا حرامه؛ وأحببنا ذرية محمد فنصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم، وقتلنا من ناواهم؛ فأقول لهم: أبشروا، فأنا نبيكم محمد، ولقد كنتم كما وصفتم؛ ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء...الخبر))، رواه الحاكم الإمام في السفينة، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقد سقته بتمامه، في أوائل التحف الفاطمية ص19 في شرح:
ولايتهم فرض على الخلق لازم
والخبر الذي فيه: ((وخلقت شيعتكم منكم))، من رواية الإمام الأعظم.
وخبر السبعين الألف، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، من رواية الإمام الناصر للحق.
وخبر الذين عن يمين العرش، من رواية الباقر (ع).
وخبر ((إن في السماء حرساً وهم الملائكة، وإن في الأرض حرساً، وهم شيعتك ـ يا علي ـ لن يبدلوا ولن يغيروا))، رواه الإمام الناصر للحق، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي.
وخبر جعفر الصادق، المروي في الأنوار، للإمام المرشد بالله (ع)، وفيه: ((وجواز مني محبة أهل البيت)).
ويشهد له ما رواه الخوارزمي، عن /630
ابن عباس: ((إذا كان يوم القيامة أقام الله جبرائيل ومحمداً (ع) على الصراط، فلا يجوز أحد، إلا من كان معه براءة من علي بن أبي طالب)).
وما رواه أيضاً عن ابن مسعود: ((إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس، وهو جبل قد علا الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومن سفحه تفجر أنهار الجنة، وتتفرق في الجنان؛ وهو جالس على كرسي من نور، يجري بين يديه النسيم، لا يجوز أحد الصراط، إلا ومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته، يشرف على الجنة، فيدخل محبيه الجنة، ومبغضيه النار)).
وفي معناه أخبار كثيرة؛ والوارد في هذه الأبواب، يتجاوز حدّ الاستيعاب؛ وقد سلف ما فيه ذكرى لأولي الألباب.
[أخبار أنت مع من أحببت]
ومما أخرجه الإمام الموفق بالله في السلوة، والإمام المنصور بالله (ع) في الشافي من طريق ولي آل محمد، عباد بن يعقوب ـ رضي الله عنه ـ، قال: كان أمير المؤمنين قاعداً في الرحبة، فأطال الحديث وأكثر.
ثمّ نهض، فتعلّق به رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين، حدّثني حديثاً.
فقال: قد حدّثتكم كثيراً.
قال: أجل، إنه كثر فلم أحفظه، وغزر فلم أضبطه؛ فحدثني حديثاً جامعاً ينفعني الله به.
فقال: حدثني رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أني أرد وشيعتي رواء، ويرد عدونا ظماء؛ خذها إليك قصيرة وطويلة؛ أنتَ مع من أحببت، ولك ما اكتسبتَ؛ أرسلني يا أخا همدان.
وأخرج الإمام أبو طالب (ع) عن عطية العوفي، عن جابر بن عبدالله /631
ـ رضي الله عنهم ـ قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((من أحب قوماً حُشر معهم؛ ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم)).
وأخرج أيضاً عن أنس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، قال: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)).
قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي: وروى صدره أحمد من حديث جابر، وأبو داود نحوه عن أبي ذر.
وروى الطبراني في الكبير والأوسط من حديث علي، مرفوعاً: ((ولا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم))، ورواه في الكبير، من حديث ابن مسعود.
وروى أحمد من حديث عائشة مرفوعاً: ((ولا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم)).
وروى جعفر بن الأحمر، عن مسلم الأعور، عن حبة العُرَني، قال: قال علي: من أحبني كان معي؛ أما إنك لو صمت الدهر كله، وقمت الليل كله، ثم قتلت بين الصفا والمروة ـ أو قال: بين الركن والمقام ـ لما بعثك الله إلا مع هواك، بالغاً ما بلغ، إن في جنة ففي جنة، وإن في نار ففي نار.
قاله أبو جعفر الإسكافي؛ انتهى من شرح النهج.
وقال علي (ع) من خطبة له، رواها أبو طالب (ع) عن ربيعة بن ناجذ: فإن لكل امريءٍ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب.
وروى أبو الحسن المدائني، عن الحسن السبط، قال: قال: إني سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول: ((من أحبّ قوماً كان معهم))، قاله ابن أبي الحديد في شرح النهج.
قلت: وخبر: ((أنتَ مع من أحببت))، أخرجه الإمام أبو طالب (ع) في الأمالي، عن عروة بن مُضَرِّس؛ والقاضي عياض، عن أنس.
وخبر /632
((المرء مع من أحبّ)) أخرجه الشيخان وغيرهما، عن أنس وغيره؛ وقال السيوطي: أخرجه مالك، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن أنس؛ والشيخان أيضاً عن ابن مسعود؛ وأبو نعيم والضياء عن أبي ذر؛ وعبد بن حميد وأبو عوانة، عن جابر؛ وأحمد أيضاً والبخاري، عن أبي موسى؛ والطبراني وابن عساكر والشيرازي، عن عروة بن مضرس؛ والطيالسي وابن حبان والترمذي ـ أيضاً، وقال: حسن صحيح ـ وابن خزيمة والضياء، عن صفوان بن عسال؛ وقد روي عن صفوان بن قدامة، وعن معاذ.
انتهى من تفريج الكروب.
قال فيه: وهذا الخبر علم من أعلام الشيعة، وركن من أركان الشريعة، يصرف قلوب المؤمنين المحبين لله إلى موالاة أوليائه، والدخول في سلك أحبائه، ويصدها عن موالاة أعدائه؛ ولأمر ما كان سلمان منهم؛ ومن أحب الله كان معه وأحب نبيه ضرورة، ومن أحب نبيه كان معه وأحب أهل بيته، ومن أحب أهل بيته كان معهم، وعكس ذلك؛ هذا أمر مرتبط، هكذا دلّت عليه الأدلة؛ ومعناه أنه لا يتصور الحب لله دون نبيه، ولا حب نبيه دون آله، انتهى.
قلت: وهذا من ضروري الدين، لا يستطيع الرد له ولا المناكرة فيه أحد من الموحدين؛ وإنما التحريف والتبديل فيه وفي أمثاله من الضروريات طريقةُ المتمردين.
والمعلوم عقلاً ونقلاً أن شرط المحبة المرضية لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ صلى /633
الله عليه وآله وسلم ـ ولمن فرض الله ـ تعالى ـ طاعته ومحبته، الطاعة والاتباع، كما قال ـ عزّ وجل ـ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران:31].
* إن المحبّ لمن يحب يطيع *
فخرج عن الصراط السوي، والمنهج المرضي، فريقا الرفض والنصب، وهم الغالون المفرطون، والقالون المفرطون.
وقد وصف الفريقين وأوضح فيهما الأحكام، وأقام عليهم الأعلام، إمامُ المرسلين، وأخوه سيد الوصيين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ وصح التشبيه، واتضح وجه الشبه فيه، على لسان النبي الأمي - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - لوصيه وأخيه؛ فقرنه برسول الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وشبه الطائفتين الضّالتين، وهما الغالية والقالية، بالنصارى واليهود، وأبان المعنى المقتضي لإلحاقهما بذوي الاعتداء والعنود.
[حديث: ((لولا أن تقول فيك طوائف))، تخريجه وبحث فيه]
فمن ذلك ما أخرجه إمام الأئمة، الهادي إلى الحق، يحيى بن الحسين بن القاسم (ع) في تفسير قول الله ـ تعالى ـ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)} [الزخرف:57]، قال (ع): روي عن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ أنه قال لعلي (ع) ذات يوم: ((يا علي، لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي /634
ما قالت النصارى في المسيح(ع) لقلت فيك مقالاً، لا تمرّ بملأ إلا أخذوا من أثرك، يبغون به البركة؛ غير أنه يكفيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).
فقال المنافقون لما أن سمعوا ذلك: ما رضي محمد أن يضرب لابن عمه مثلاً إلا عيسى بن مريم.
ثم قالوا: والله لآلهتنا التي كنا نعبدها خير منه ـ يعنون علياً ـ.
فأنزل الله ما أنزل فيهم...إلى آخر كلامه (ع).
وأخرج الإمام المرشد بالله (ع) بإسناده، عن علي ـ صلوات الله عليه ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن فيك مثلاً من عيسى بن مريم، أحبته النصارى حتى أنزلته بالمنزل الذي ليس له، وأبغضته اليهود حتى بهتوا أمه؛ لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح ابن مريم، لقلت فيك قولاً ما تمرّ بملأ من أمتي إلا أخذوا ترابك، وطلبوا فضل طهورك؛ ولكن أنت أخي، ووزيري، ووصيي، ووارثي، وعيبة علمي)).
وأخرج صاحب المحيط بالإمامة، عن جابر مرفوعاً، أن علياً لما قدم من خيبر...وساق نحو ذلك، وفيه زيادة.
وأخرج الحاكم الجشمي في السفينة، بإسناده عن جابر، أن علياً لما قدم من خيبر ـ بعدما افتتحها ـ قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً، لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب نعليك، وفضل طهورك، يستشفون به؛ ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي))، الحديث بطوله.
وقد سبق في الفصل الأول، مع ذكر المخرجين له من الأئمة، وعلماء الأمة، إلا أنه لم يتقدم من هذه الطرق؛ وعلى كل فصل من فصوله شواهد.
وأخرج أحمد في المسند مرفوعاً: ((والذي نفسي بيده، لولا أن تقول طوائف /635
من أمتي ما قالت النصارى في ابن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً، لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا التراب من تحت قدميك؛ للبركة)).
وله طرق كثيرة.
وما يفهمه الخبر من منع قول الطوائف، الذي ترك القول لخوف وقوعه، كما في قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن أشق على أمتي... الخبر)) لما تفيده: لولا، على ما هو مقرر في العربية؛ فالمراد إمتناع صدور قولهم، مسنداً أو مستمداً للشبهة من قوله الذي تركه، واكتفى ببيان منزلته منه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أو امتناع قول طوائف أخر، غير هؤلاء، لو قال ذلك القول لغلوا كما غلوا، لا الامتناع على الإطلاق؛ كيف وقد أخبر بكون ذلك في صدر الخبر الأول، وفي أخبار متسعة النطاق.
وفي الخبر هذا دلالة بينة على تقرير شرعية أخذ التراب وفضل الطهور للتبرك، ولم يمنع منه القول لذلك، وهو مما يرد على من منعه، وادعى كونه شركاً،’ بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
هذا، وممن أخرج الخبر الشريف في تشبيه الوصي بعيسى بن مريم (ع) بلفظ: ((إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم))، أبو علي الحسن بن علي الصفار في الأربعين، وابن المغازلي في المناقب، وأحمد، والحاكم وصححه، وابن أبي عاصم، وابن شاهين، وابن جرير، والعقيلي، والدورقي، وابن الجوزي، كلهم عن علي (ع)، والنسائي بلفظ: ((إن فيك مثلاً من عيسى))، والبزار، وأبو يعلى، والحاكم أبو القاسم من طرق عن علي (ع)، ورواه أيضاً عن أبي رافع.
وفي الأرواح للمقبلي: أخرج الحاكم وصححه، والبخاري في تاريخه، عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((إن بك يا علي من عيسى مثلاً))، والسيوطي في الجامع الكبير بلفظ: ((يا علي إن فيك من /636
عيسى مثلاً)).
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع): وقد جاء في الحديث مرفوعاً وموقوفاً: ((يهِلك فيك ـ أو يهِلك في ـ اثنان: محب غال، ومبغض قال)) انتهى؛ وهو كما قال.
وأخرج الإمام الرضا علي بن موسى، بسند آبائه، عن علي (ع): من أحبني وجدني عند مماته بحيث ما يحب، ومن أبغضني وجدني عند مماته بحيث يكره.
قال ابن أبي الحديد في شرح قول الوصي (ع): فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات لجزعتم...إلخ، ما لفظه: ويمكن أن يعني به ما كان (ع) يقوله عن نفسه: إنه لا يموت ميت حتى يشاهده (ع) حاضراً عنده.
ثم روى قول أمير المؤمنين، مخاطباً للحارث الهمداني:
أحار همدان من يمت يرني .... من مؤمن أو منافق قِبَلا
يعرّفني طرفه وأعرفه .... بعينه واسمه وما فعلا
أقول للنار وهي توقد للـ .... ـعرض ذَرِيهِ لا تقربي الرجلا
ذَرِيهِ لا تقربيه إنّ له .... حبلاً بحبل الوصي متصلا
...إلى قول الشارح: ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدّق بعيسى بن مريم (ع)، وذلك قول الله - تعالى -: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)} [النساء].
قلت: الشاهد في أول الآية: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ }، [النساء:159]، انتهى. /637
وهذا تحقيق لكمال المشابهة بينهما ـ عليهما الصلاة والسلام ـ.
وقد ثبت في الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين، تنزيل أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، منزلة نفس سيد المرسلين ـ عليهم صلوات رب العالمين ـ كما في آية المباهلة: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ } [آل عمران:61]، وفي أخبار لا يتأتى لها انحصار، بلفظ: ((كنفسي)) و((عديل نفسي)) و((علي نظيري)) و((كرأسي من جسدي)) و((علي مني بمنزلتي من ربي))، وهي وما في معناها من الأحاديث الجمّة، معلومة بروايات أئمة العترة، وسائر علماء الأمة.
وقد سبق من أخبار الولاية، والمنزلة، والمحبة، وتبليغ براءة، وغير ذلك، مما أجمعت عليه طوائف الأمة في الرواية، ما فيه كفاية لذوي الهداية.
[تشبيه علي(ع) بجماعة من الأنبياء(ع)]
ومما ورد في هذا المعنى بخصوصه، على لسان سيد المرسلين، تشبيه أخيه سيد الوصيين، بجماعة من النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - كقوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب))، أخرجه أبو الخير الحاكمي، عن أبي الحمراء مولى النبي.
وأخرجه أحمد بن حنبل في المسند، وأحمد البيهقي في صحيحه بلفظ: ((وإلى عيسى في زهده)) ـ مكان ((يحيى)) ـ ((وإلى موسى في فطنته)).
وأورده ابن أبي الحديد في شرح النهج، في الأخبار التي ساقها من طرق المحدثين.
وأخرج الأول المحب الطبري الشافعي. /638
قال في ذخائر العقبى ما لفظه: (ذكر تشبيه علي (ع) بخمسة من الأنبياء) عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه...الخبر)).
قال: وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب))، أخرجه الملا في سيرته، انتهى.
وأفاد في تخريج الشافي: أنه رواه في الشواهد، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قال ـ أيده الله تعالى ـ: ورواه ـ أي الخبر الأول ـ الحاكم الحسكاني، بإسناده إلى أبي الحمراء، من شواهد التنزيل.
وروى ابن المغازلي، عن أنس، عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب)).
وقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وهو في جمع من أصحابه: ((أريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته؟)).
فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقست رجلاً بثلاثة من الرسل، من هو؟
فقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((ألا تعرفه يا أبا بكر؟)).
قال: الله ورسوله أعلم.
قال: ((أبو الحسن، علي بن أبي طالب)).
رواه الخوارزمي، عن الحارث الأعور، عن علي.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى آدم في وقاره، وإلى موسى في شدة بطشه، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى هذا المقبل))، فأقبل علي بن أبي طالب، رواه الخوارزمي، بإسناده إلى أبي الحمراء مولى النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
[انتهى] من التفريج.
وعنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، /639
وإلى نوح في حكمه، وإلى إبراهيم في حكمته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب))، أخرجه الكنجي عن ابن عباس؛ ورواه الحاكم أبو القاسم عن أبي الحمراء بلفظ: ((ونوح في فهمه)).
وقال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((من أراد أن ينظر إلى موسى في شدة بطشه، وإلى نوح في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب))، أخرجه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى الحسين السبط، عن أبيه علي (ع) في أماليه.
قال السيد محمد بن إسماعيل الأمير في شرح قوله في التحفة:
وبعيسى صحّ فيه مثل .... فسعيداً عدّ منهم وشقيا
بعد أن ساق الأخبار في ذلك: إذا عرفت هذا، فهذه شرائف الصفات: العلم، والحلم، والفهم، والزهادة، والبطش، والحسن؛ ثم إنه حاز أكمل كل واحدة، فإن علم الرسل أكمل العلم، وحلمهم أكمل الحلم، وفهمهم أتم فهم، وزهادتهم أبلغ زهادة، وبطشهم أقوى بطش؛ فناهيك برجل كمله الله بهذه الصفات، وأخبر نبيه أنه حازها، وشابه أكمل من اتصف بها، وأن من أراد أن ينظر من كان متصفاً بها من أولئك الرسل ويشاهده كأنه حي، نظر إلى هذا المتصف بها؛ ولذلك قيل:
يدل بمعنىً واحد كلُّ فاخر .... وقد جمع الرحمن فيك المعاليا
...إلخ كلامه.
وقد أورد في هذا الباب، وغيره من ذلك الكتاب، مباحث حسنة.
هذا، ومما جاء في ذلك المعنى: قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((تفترق أمتي فيك، كما افترقت بنو إسرائيل في موسى))، أخرجه ابن عبد البر في /640
الاستيعاب، ذكره في التفريج.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((يدخل فيك النار فرقتان: أما واحدة فتعطيك فوق حقك كما فعلت النصارى بعيسى بن مريم، وفرقة تدفعك عما أوجب الله لك كما فعلت اليهود بعيسى ابن مريم))، رواه صاحب الجليس الممتع، والخوارزمي؛ أفاده في التخريج.
نعم، وهذا من أعلام النبوة، ومعجزات الرسالة؛ لأنها لم تكن قد حدثت مقالة الغالين، فهو كالأخبار النبوية عن الناكثين والقاسطين والمارقين؛ فهو كما قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي عقيب رواية: ((إن فيك مثلاً من عيسى بن مريم...الخبر)): وهذا علم غيب قد وقع.
[تفسير الغالين والقالين، والرد على من استشكل تحريق الوصي (ع) للغالين]
هذا، فقد غلت الفئة الغالية في وصي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ علي بن أبي طالب ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ، فأشركت به وعبدته، وادعت له الإلهية، وصفات الربوبية؛ وقد نقلت علماء الأمة وأرباب السيرة ما صدر منهم، وما فعله الوصي ـ صلوات الله عليه ـ بهم، من استتابتهم، ودعائهم إلى توحيد الله؛ ثم تحريقهم، وإقامة حد الله، وذلك حكم الله فيهم، وفي أمثالهم. /641
وقد همّ رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بتحريق المتخلفين عن جماعة الصلاة، كما نقله الرواة؛ مع أن فعل الوصي ـ صلوات الله عليه ـ حجة، فهو مع الحق والقرآن، والحق والقرآن معه، الهادي لمن تبعه، المبين للأمة، باب مدينة العلم والحكمة، الذي أخذت عنه أحكام الله ورسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في قضاياه، ومنه علمت السيرة المحمدية في الغلاة والبغاة، ورجعت إليه الصحابة في كل ما أبهم عليهم من معالم دين الله؛ فلا وجه لما يستشكله بعض الأقوام، من تحريقهم بالنار؛ ولا صحة لما ينقله عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من الإنكار، فقد كان مقتدياً بابن عمه، الذي يدور معه الحق حيثما دار، كما تواترت به الأخبار، مهتدياً بنوره، متبعاً لأثره في جميع أموره، وهو القائل: (إذا بلغنا شيء عن علي من قضاء أو فتيا لم نجاوزه إلى غيره)، وقد تقدم؛ وقال أيضاً: (ما ثبت لنا عن علي من قضاء أو فتيا لم نعدل إلى غيره)، أخرجه في المحيط بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
وقال: (كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به) أخرجه ابن عبد البر، وابن سعد.
وأقواله فيه أكثر من أن تحصر، فحاشاه عن مخالفة حكمه؛ فهذا غلو الفرقة الغالية، كما غلت النصارى في رسول الله عيسى بن مريم ـ صلى الله عليهما ـ، فأشركت به وبأمه وعبدته، وادعت له الولدية الإلاهية، وصفات الربوبية؛ تعالى الله عما يقول الظالمون؛ سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وكما جحدت اليهود ـ لُعِنَتْ ـ رسالة المسيح، وعادته، وسبته وأمه ـ صلى /642
الله عليهما ـ وحاربته، جحدت الفرقة القالية، كالناكثين والقاسطين والمارقين، ومن شابههم من الناصبية، ولاية وصي رسول الله علي بن أبي طالب ـ عليهما وآلهما الصلاة والسلام ـ ومقامه ووصايته، وما خصّه الله - تعالى - به وأهل بيته، وحاربتهم، وأنكرت فضلهم، ووالت أعداءهم، وعادت أولياءهم، ورموهم بالابتداع، ومخالفة السنة والاتباع؛ ومن تأخرت بهم الأعوام، أو ألجمتهم سيوف الإسلام، عن المصارحة بجميع الأنواع، فعلوا منها بقدر المستطاع، كما هو معلوم لأرباب الاطلاع.
ولعمر الله، إن من نظر بعين البصيرة، إلى ما تضمنته أعطاف مؤلفاتهم المنشورة، واشتملت عليه غضون مصنفاتهم المشهورة، علم بالضرورة أنهم استدركوا بأقلامهم، ما فاتهم من المشاركة بسيوفهم، لإخوانهم المضلين البغاة بصفين مع إمامهم؛ فقد قرروا صحة إمامة معاوية، إمام الفئة الباغية، الداعية إلى النار، بالنص النبوي المتواتر عن المختار، وصرحوا باجتهاده، في بغيه وعناده، وغيه وفساده، وحربه لأهل بيت نبيهم حجة الله على عباده، وقتله للسابقين، المشهود لهم بالجنة من صحابة سيد المرسلين، ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، والألوف المؤلفة من طوائف المؤمنين ـ رضي الله عنهم ـ وتولوه وصحبه، وتبرموا على من لعنه وسبه، وعدلوه وحزبه، كمروان وعمرو بن العاص، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، أمير الجند القاتل لابن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وسبطه وريحانته، وعمران بن حطان المادح لأشقى الآخرين، القاتل لسيد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ حتى قال ابن العربي: إن ابن ملجم قتل علياً باجتهاده، ويكون مأجوراً بالإجماع.
فكان أبلغ ردهم عليه ما قاله ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني، صاحب فتح الباري على البخاري ما لفظه: هذا باطل /643
بالإجماع.
فهذه نبذة مما قد تكررت، وهي معلومة، لا تناكر فيها بينهم؛ بل هي معدودة من أصول هذه السنة؛ وهذا جزاؤهم لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في قرابته، وأهل بيته وعترته (ع).
وأما في جانب غيرهم، فالأمر كما قال الإمام شرف الدين (ع) ما نصه: وهم يذكرون عن أكثر المحدثين التصريح، بأن من سب أبا بكر وعمر أدنى سب كفر، ووجب ضرب عنقه البتة؛ فيالله وللمسلمين، ما شأن أمير المؤمنين!!...إلخ كلامه.
قلت: والمعلوم أنهم معاندون لعترة سيد المرسلين، مضادون لهم في معالم الدين.
[الإشارة إلى بعض رؤوس الناصبية، وكلامهم في الوصي (ع)]
وأما طائفة منهم، فقد انتصبوا للنصب، وتجردوا للمنابذة لهم والحرب، كابن تيمية، صاحب منهاج السنة ـ على زعمه ـ وتلميذه الذهبي، صاحب الميزان والتواريخ، ومن شاكلهما؛ وقد سبق من أحوالهم ما يكفي، وكتبهم على ذلك أعظم بيان، وأكبر برهان.
قال ابن تيمية في الجزء الثاني من منهاجه ص230: وعلي يقاتل ليطاع، ويتصرف في النفوس والأموال، فكيف يجعل هذا قتالاً على الدين؟ وأبو بكر يقاتل من ارتد عن الإسلام، ومن ترك ما فرض الله ليطيع الله ورسوله فقط...إلى آخر كلامه.
أقول: بالله عليك، انظر ـ أيها المطلع ـ كيف جعل جهاد علي (ع) للكفار، وهو وعمه أسد الله الحمزة، وابن عمهما عبيدة بن الحارث (ع)، أول من بارز للجهاد في سبيل الله في بدر، وجهاده في بدر وأحد والخندق وخيبر وحنين، وقتاله للناكثين والقاسطين، الفئة الباغية، الداعية إلى النار، القاتلة لعمار، /644
وللمارقين عن الدين؛ جعل كل ذلك ليطاع ويتصرف؛ هل يقول هذا من يؤمن بالله ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ واليوم الآخر؟
وصدق الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق))، ولقد أصاب ابن حجر الهيثمي، حيث قال في فتاواه: ابن تيمية عبد خذله الله وأضله، وأعماه وأصمه وأذلّه، بذلك صرح الأئمة، الذين بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله.
انتهى من كتاب جلاء العينين من الصفحة الرابعة.
وكابن حجر المكي أحمد بن محمد الهيثمي صاحب الصواعق، الشاهدة عليه أنه للحق مفارق، وكفى في الدلالة على امتلائه من الشنآن، ومجانبته للإيمان، ومناصبته لقرناء القرآن، قوله فيها في معاوية بن أبي سفيان ما لفظه:
وأما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه ـ أي معاوية ـ فله فيه أسوة بالشيخين وعثمان، وأكثر الصحابة، فلا يلتفت لذلك، ولا يعول عليه؛ فإنه لم يصدر إلا من قوم حمقى جهلاء أغبياء، طغاة، لا يبالي الله في أي واد هلكوا، فلعنهم الله وخذلهم أقبح اللعنة والخذلان، انتهى.
وفي إيراد كلامه هذا، الذي تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخرّ الجبال هداً، ما يغني عن الرد عليه؛ فحسبه الله ما أجرأه!.
ولقد علم الثقلان أن هؤلاء الذين سماهم المبتدعة، السابين، هم أئمة أهل الإيمان، قرناء القرآن، وأمناء الرحمن، عليهم صلوات الملك الديان، فسيعلمون من هو شر مكاناً وأضعف جنداً.
قال العلامة الجليل، محمد بن عقيل، صاحب العتب الجميل، الحسيني الحضرمي، في تقوية الإيمان: لقد أظهر ابن حجر في هذه المقالة المشؤمة ضبّ صدره، وفَاهَ بما يتحاشى المسلم العاقل عن التفوه به؛ أسكرته خمرة عصبية /645
الجاهلية، فانفجر بركان نصبه، فتدفق بالحمم، ورمى بنفسه في هوة عميقة؛ عافانا الله مما ابتلاه به آمين.
إن ابن حجر ممن عرف صحة الحديث، في لعن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ معاوية بعد إسلامه المزعوم، وعلم تواتر لعن علي صنو النبي لطاغيته، واتباع العترة له في ذلك، ومعهم خيار الصحابة، وأهل الحق...إلخ كلامه.
ولقد أحسن النصح للمسلمين، حيث يقول فيه: ولقد أضرت تحريفات هذا الشيخ وتمويهاته، بعقائد كثير من المسلمين في عدة أقطار، وهو والذهبي وابن تيمية من كبار نواصب أهل السنة، ومن أكثرهم تغريراً وزوراً، وإن تفاوتت مراتبهم في ذلك؛ وقد شاركهم في كثير من ذلك بعض علماء تلك الطائفة المجترمة، فتجد في طيات أقاويل بعضهم من دقائق النصب وخبثه، ما هو قرة عين إبليس، مما يدل على أنهم قد مردوا على النصب، وغمر قلوبهم بغض علي وأهل البيت، فأعماها رانها؛ عاملهم الله بقسط عدله آمين.
فكُنْ من زبَدهم وسموم نصبهم على حذر؛ ورضي الله عن شيخنا العلامة ابن شهاب الدين، إذْ كتب على ظهر الكتاب، المسمى تطهير الجنان، تصنيف ابن حجر المكي، شعراً:
لا تشكروا جمع تطهير الجنان ولا .... مدحاً به كذباً فيمن بغى وفجرْ
فإنما طينة الشيخين واحدة .... ذاك ابن صخر وهذا المادح ابن حجرْ
انتهى. /646
[اعتراف ابن حجر العسقلاني وابن حجر المكي بتواتر خبر الغدير، وبوزارة أمير المؤمنين (ع)]
قلت: وقد سبق أن ابن حجر الهيثمي هذا، من المعترفين بتواتر خبر الغدير.
قال في صواعقه: رواه ثلاثون من الصحابة، وفيه: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله... إلخ)).
وأقرّ في منحه المكية، شرح الهمزية، بالوزارة الخاصة لأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ التي لا يشاركه فيها أحد، لا أبو بكر وعمر، ولا غيرهما عند قول الناظم:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراءُ
حيث قال ما لفظه: إنها قد وردت فيه على وجه أبلغ من لفظها، وهو قوله(ع): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، فإن هذه الوزارة المستفادة من هذه، التي هي كوزارة هارون، أخص من مطلق الوزارة.
...إلى قوله: ومن ثمة أخذت الشيعة، أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده؛ وهو كذلك، لولا ما يأتي قريباً...إلخ كلامه.
ولم يأت بما يبطله، وأنى له؛ وإنما هو من باب قوله ـ تعالى ـ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } [النمل:14].
وقد اعترف ابن حجر العسقلاني بمثل ما اعترف، فذكر خبر الغدير، عن سبعة وعشرين من الصحابة، ثم قال: وآخرون.
كلاً منهم يذكر أسماء أفرادهم، /647
غير الروايات المجملة، مثل اثني عشر، ثلاثة عشر، جمع من الصحابة، ثلاثين رجلاً، وقد تقدم.
وقد اخترتُ نقل كلامهم في خبر المنزلة؛ لبيان متمسكهم، المتهدم الأركان، في معارضة النصوص من السنة والقرآن، وهو الذي أشار إليه الهيثمي بقوله: لولا ما يأتي.
قال العسقلاني في شرح البخاري ما لفظه: واستدل بحديث المنزلة على استحقاق علي ـ رضي الله عنه ـ للخلافة، دون غيره من الصحابة.
وقال الطيبي: معنى الحديث: يتصل بي؛ نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: ((إلا أنه لا نبي بعدي))، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، وهو الخلافة؛ ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى، دلّ ذلك على تخصيص خلافة علي (ع) للنبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بحياته، انتهى.
قال الإمام محمد بن عبدالله (ع): فتأمل هؤلاء العلماء، لما قهرهم البرهان، لم يجدوا بداً من القول به، لكن مع دغل في النفوس.
..إلى قوله: لأن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((بعدي))، وذلك يفيد بعد موته؛ ولأن طروء أمر على المشبه به، ولم يطرؤ على المشبه مثله لا يضر، وقد جود الرد عليهم المنصور بالله (ع) في الشافي بما لا مزيد عليه.
قلت: وقد مضت مباحث شافية، وإنما أوردت هذا؛ لانسياق البحث إليه، ولئلا يتوهم المغرب أن عندهم شيئاً؛ وما هو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
ثم ذكر ابن حجر الهيثمي ما يؤيد /648
هذه الوزارة الخاصة، من أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ آخاه دون غيره، وأرسله مؤدياً لبراءة، وأنه استخلفه بمكة عند الهجرة، حتى أتاه بأهله، بعد أداء ودائعه، وقضاء ما عليه؛ فهذه كلها مؤدية وزارة خاصة لم توجد في غيره، انتهى.
[مجرد التشيع لآل محمد بدعة عند القوم]
ومن أعجب مكابرة أحزاب المضلين، من أعداء آل الرسول الأمين ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، أنهم جعلوا مجرد التشيع لآل محمد ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ بدعة، كما قدّمنا عنهم تحقيقه، وعدوا مسماه من موجبات الجرح، ومقتضيات القدح؛ وهو المحمود بخصوص لفظه في الكتاب الكريم، بمثل قوله - عز وجل - في خليله ـ صلوات الله عليه ـ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)} [الصافات]، وعلى لسان الرسول - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في الأخبار الكثيرة، المتفق على روايتها بين فرق الأمة، والمأخوذ بمعناه، من إيجاب الله - تعالى - ورسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لهم الولاية والمودة والتمسك، وما في تلك الأبواب، على جميع ذوي الألباب.
وانظر إلى مباهتة هذا الشيخ، حيث قال في صواعقه، عند تفسير قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} [طه]، ما لفظه: قال ثابت البناني: اهتدى إلى ولاية أهل بيته ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ.
قلت: وروى الحاكم الحسكاني، بسنده إلى الحسين بن علي (ع) في قوله ـ تعالى ـ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ }...إلى قوله: {ثُمَّ اهْتَدَى (82)}، فقال لعلي(ع): ((لولايتك)).
وعن أبي ذر: إلى حب آل محمد ـ صلى الله عليه /649
وآله وسلم ـ.
وعن الباقر قال: إلى ولايتنا أهل البيت.
رواه عنه من طريقين؛ أفاده ـ أيده الله ـ في التخريج؛ وقد سبق.
قال ابن حجر الهيثمي: وجاء ذلك عن أبي جعفر الصادق.
وساق عن علي (ع)...إلى قوله: إن خليلي محمداً صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم قال: ((إنك ستقدم على الله ـ تعالى ـ وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم عليه عدوّك غضاباً مقمحين)) ثم جمع على يده يريهم الإقماح.
[مسمى الشيعة عند القوم]
فقال ابن حجر ـ هذا ـ الهيثمي ما لفظه: وشيعته هم أهل السنة.
..إلى قوله: والشيعة ليسوا من شيعة علي وذريته؛ بل من أعدائهم..إلى آخر كلامه.
وفي هذا عبرة لذوي العقول؛ وقد عرفت معنى التشيع عند هؤلاء الأقوام، وأنهم جعلوه مجرد محبة علي ـ عليه الصلاة والسلام ـ.
وأما من قدمه على أبي بكر وعمر، فهو الغالي عندهم، ويطلق عليه رافضي، وهو معلوم من نصوصهم، وتصريحهم في مؤلفاتهم؛ وقد سبق عليه الكلام.
وما ادعاه ابن حجر هنا له ولطائفته المتسمية بالسنية، من مقام الشيعة، لما بهرهم ما ورد فيهم عن صاحب الشريعة ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فإنه يأباه عليهم حبهم لعدو الله وعدو رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وأهل بيت نبيه، معاوية، وأمه الهاوية، رأس الفئة الباغية، الداعية إلى النار، وبئس القرار./650
لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله، لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، ومن يتولّهم منكم فإنه منهم، فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرأ منه.
والمعلوم قطعاً، عقلاً وشرعاً، كلية المنافاة بين محبة الولي، ومحبة عدوه، والجمع بين الموالاة والمعاداة.
تودّ عدوّي ثم تزعم أنني .... صديقك ليس النَّوك عنك بعازبِ
[أحاديث المسالمة والمحاربة]
ولقد أنكر سخافة هؤلاء المخذولين كلُّ من أخذ بطرف من الإنصاف، كالمقبلي.
قال في الإتحاف ـ بعد أن ساق أحاديث: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم))، وقال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي، وساق حديث الغدير، /651
ومخرجيه ورجاله، وقرر تواتره، وأنه لا أوضح منه رواية ودلالة، وقال: فإن كان هذا معلوماً، وإلا فما في الدنيا معلوم ـ ما لفظه: إذا حققت هذا، فهاهنا أناس يقولون: نوالي علياً ومن حاربه.
وقد علمت أن من حارب علياً فقد حارب أهل البيت، وحارب الحسن والحسين وفاطمة، ومن حاربهم فقد حارب رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -، ومن حارب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فقد حارب الله، فهو حرب الله، وعدوّ الله؛ فمن سالم العدو فقد حارب من عاداه؛ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء؛ ومن يتولهم منكم فإنه منهم.
وبالجملة، فمعلوم الآيات والأحاديث، ومعالم دين الإسلام، التنافي بين موالاة العدوّ وموالاة عدوّه، وقد أحسن القائل:
إذا صافى صديقك من تعادي .... فقد عاداك وانصرم الكلامُ
قلت: وقد قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ: نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، ونحن حزب الله ورسوله، والفئة الباغية حزب الشيطان؛ فمن أشرك في حبّنا عدوّنا، فليس منّا، ولا نحن منه...الخبر؛ رواه محمد بن سليمان الكوفي.
وأخرجه أحمد بلفظ: (وحزبنا حزب الله، ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منا)؛ وأخرجه بهذا ابن عساكر.
قال الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي: وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في علي والحسن والحسين وفاطمة (ع)، رويناه مسنداً في أخبار كثيرة، بألفاظ مختلفة ومتفقة، ترجع إلى معنى واحد: ((أنا سلم لمن سالمكم، حرب لمن حاربكم))، وحرب رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ كافر بإجماع المسلمين، انتهى. /652
قلت: هذا الخبر وهو: ((أنا سلم لمن سالمكم، حرب لمن حاربكم)) في الأربعة ـ صلوات الله عليهم ـ، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي بطريقين، والكنجي كذلك، وقال: أخرجه الترمذي، والطبراني، وخرجه ابن ديزيل؛ كلهم عن زيد بن أرقم؛ ورواه في الجامع الكافي.
وأخرجه الحاكم الحسكاني عن أبي سعيد الخدري، والطبري في الذخائر عن أم سلمة بلفظ: ((أنا حرب لمن حاربهم، سلم لمن سالمهم، عدوّ لمن عاداهم))، والزرندي عن أم سلمة بلفظ: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)).
وقال الطبري: أخرجه الغساني في معجمه.
وأخرجه الخوارزمي، والسمان عن أبي بكر، والإمام أبو طالب، والمرشد بالله (ع)، وابن المغازلي، والثعلبي، والكنجي، وأحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو حاتم عن أبي هريرة.
انتهى من تخريج الشافي باختصار.
وفي تفريج الكروب: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) قاله لعلي وفاطمة والحسن والحسين؛ أخرجه أحمد بن حنبل، والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة، وعن زيد بن أرقم أيضاً، إلا أن لفظ الحاكم: ((حاربتم، وسالمتم))، انتهى.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ صلوات الله عليه ـ: ((أنا حرب لمن حاربت، سلم لمن سالمت))، أخرجه الإمام المرشد بالله (ع)، ومحمد بن سليمان الكوفي، وابن المغازلي، وعبد الوهاب الكلابي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ؛ قال ابن أبي الحديد: ورواه الناس كافة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ لعلي ـ عليه /653
السلام ـ: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)) أخرجه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، والإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة، من طريق الإمام الناصر الأطروش (ع)، ومحمد بن سليمان بطريقين، عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه ـ والكنجي، والخوارزمي، وابن المغازلي عن علي(ع).
وأبو يعلى الهمداني بإسناده إلى زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (ع)، قال: قال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي))...إلى قوله: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وابن المغازلي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عنه ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال: ((يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلم ما بيني وبين أمتي من بعدي)).
انتهى من التخريج بتصرف.
وأخبار المحاربة بالنص النبوي، مما علم بالتواتر المعنوي؛ كما اعترف بذلك كثير، منهم: المقبلي.
قال في أبحاثه المسددة ـ كما نقله عنه الإمام محمد بن عبدالله الوزير (ع) في الفرائد ـ ما نصّه: ((أنا حرب لمن حاربكم، سلم لمن سالمكم)) قاله لعلي وفاطمة والحسنين ـ صلوات الله عليهم ـ، خرّجه أحمد، والطبراني، والحاكم؛ وفي معناه عدة أحاديث بعضها يعمهم، وبعضها يخص الحسن والحسين حين يخاطبهما، وفي بعضها يعم أهل بيته في الجملة، وفي بعضها يخص أمير المؤمنين /654
(ع).
ثم قال: مجموعها يفيد التواتر المعنوي، وشواهدها لا تحصى، مثل: أحاديث ((ما يلقاه فراخ آل محمد وذريته))، بألفاظ وسياقات يحتمل مجموعها مجلداً ضخماً؛ فمن كان قلبه قابلاً، فهو من أوضح الواضحات في كل كتاب، ومن ينبو عنها، فلا معنى لمعاناته بالتطويل، انتهى.
قال في تفريج الكروب: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله؛ ومن شكّ في علي فهو كافر))، رواه ابن المغازلي عن أبي ذر، وهو في شمس الأخبار.
[تفسير المراد بالإمساك عن الصحابة]
قال المؤلف السيد الإمام إسحاق بن يوسف بن المتوكل على الله بن القاسم(ع): قوله: ((من ناصب علياً... إلخ)) قد حكم كثير من الشيعة بكفر معاوية، لا لهذا الحديث.
قلت: أي وحده.
قال: فهو نص عليه؛ ولكن المقتضي قوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((حربك حربي))، وقوله: ((أنا حرب لمن حارب هؤلاء))، وغيره من الأحاديث في هذا المعنى، التي لاتخفى، مما هو متواتر معنى؛ وإن لم يكن محارب أهل البيت ومعاديهم، معادياً لرسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ومحارباً له، بطلت النصوص الكثيرة، واضمحلت الدلائل /655
المنيرة؛ على أن أهل السنة لا تنكر ذلك، لكنهم يتمسكون بما ورد في الإمساك عن الصحابة، وهي لا تعارض ذلك.
ثمّ ساق في الرد عليهم، وبطلان تمسكهم.
قلت: وهو متمسك مَنْ في قلبه مرض، وله في الرد لحجة الله والصد عن سبيل الله ولبس الحق بالباطل هوى وغرض.
إذ المعلوم قطعاً أن المراد بما صح من ذلك ـ مع كونه أحادياً لا يبلغ عشر معشار ما نحن فيه ـ هو الإمساك عن المستقيمين على دين الله، المتبعين لهدي رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ المتمسكين بمن أمرهم الله ـ تعالى ـ ورسوله بمودتهم، والتمسك بهم، من أهل بيت نبيهم؛ وأما غيرهم، فالكتاب والسنة مملوءان بذمهم، والبراءة منهم؛ ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.
وقد سماهم الله على لسان رسوله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم - في سنته المتواترة - دعْ عنك ما في الكتاب العزيز - الناكثين والقاسطين والمارقين والمنافقين؛ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ أتريدون أن تهدوا من أضل الله؟
وقال فيما تواتر أيضاً من أحاديث الحوض المجمع على روايتها: إنه يقول لهم: ((سحقاً سحقاً)).
ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا، فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة، أم من يكون عليهم وكيلاً؟/656
[أحاديث أن حبَّ علي عنوان الإيمان، وبغضه عنوان النفاق]
ومما علم بالتواتر اللفظي، من النصّ النبوي، في الوصي ـ صلوات الله عليه ـ: أن حبه إيمان، وبغضه نفاق، بإقرار العدو والولي.
فمن ذلك: ما رواه الإمام الأعظم، زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي(ع)، قال: قال رسول الله - صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم -: ((أنت أخي ووزيري، وخير من أخلّفه بعدي؛ بحبّك يُعْرف المؤمنون، وببغضك يعرف المنافقون؛ من أحبّك من أمتي بريء من النفاق، ومن أبغضك لقي الله ـ عز وجل ـ منافقاً)).
وقال رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((يا علي، لولاك ما عرف المؤمنون بعدي))، أخرجه الإمام الرضا علي بن موسى الكاظم، بسند آبائه (ع).
وأخرجه ابن المغازلي، عن علي مرفوعاً.
قال في الفرائد: ومثله عن أم سلمة مرفوعاً.
وقال في الدلائل: أخرجه الخطيب، وابن المغازلي، وقد أخرجه عدة من المحدثين، انتهى.
وفي الخبر الطويل القدسي ـ وقد مَرّ ـ: ((لولا علي لم يعرف حزبي))، رواه الخوارزمي بإسناده إلى جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (ع)؛ ذكره في التفريج.
وفي التخريج: وأخرجه الكنجي، وأبو نعيم، وابن المغازلي، عن أبي برزة الأسلمي، انتهى.
وأخرج الإمام الناصر (ع) في البساط، بسنده عن جابر - رضي الله عنه -: سُئل عن علي (ع)، فقال: ذلكم خير البشر؛ ما كنا نعرف نفاقاً، ونحن على عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ببغضهم علي بن أبي طالب (ع).
وأخرجه أحمد بن حنبل، ورواه محمد بن سليمان بسنده عن جابر بلفظ: ما كنا نعرف منافقنا معشر الأنصار...الخبر.
وأخرج الإمام الناصر (ع) أيضاً بسنده إلى أبي سعيد، قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علي بن أبي طالب (ع)؛ وإذا /657
ولد فينا مولود لم يحب علياً (ع) عرفنا أنه منافق.
وأخرجه عنه أحمد بلفظ: منافقي الأنصار إلا ببغضهم علياً.
وأخرجه عن أبي سعيد أبو داود؛ وأخرجه البخاري، عن حذيفة؛ والإمام أبو طالب، عن أبي سعيد، بلفظ: إنما كنا نعرف منافقي الأنصار ببغضهم علياً.
وأخرج الحاكم في المستدرك، والخطيب في المتفق والمفترق، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم لله ولرسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي (ع)؛ وصححه.
ورواية أخرى عن جابر، وأخرجها أحمد.
وأخرج الإمام الناصر (ع) فيه بسنده، عن علي (ع) أنه قال: قضي فانقضى، إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.
قال الحسين بن القاسم، والإمام محمد بن عبدالله الوزير، والسيوطي، والمقبلي، حديث: لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق، أخرجه جماعة، منهم: مسلم، وأحمد، والحميدي، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن عدي، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم؛ عن علي (ع).
وحديث علي (ع): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي إلي، أنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق؛ أخرجه محمد بن سليمان الكوفي بسنده إلى زر بن حبيش عن علي(ع)، وأخرجه أحمد عنه من طريقين، وأخرجه النسائي عن زر من ثلاث طرق، ومسلم، والترمذي.
قال الإمام محمد بن عبدالله الوزير: وهذا الحديث مشهور، بل متواتر معنى، وله ألفاظ وسياقات، وممن أخرجه: البيهقي، والديلمي، وأبو الشيخ، والكرخي، والرافعي، والخطيب، والطبراني، والحاكم في المستدرك، وابن عبد البر، وأبو داود، وابن المغازلي وغيرهم؛ كل منهم من رواية صحابي، ومن طريق واحدة فأكثر؛ وهذه الأحاديث في أهل البيت (ع) فهي كثيرة /658
الموارد في أن من أبغضهم فهو منافق بألفاظ؛ والحمد لله، انتهى.
وفي التخريج: ورواه ابن المغازلي، عن علي (ع) من سبع طرق، ورواه من حديث المناشدة عن أبي الطفيل، عن علي بلفظ: ((ولا يبغضك إلا كافر)).
ورواه ابن المغازلي بلفظ: لا يحبني كافر، ولا يبغضني مؤمن.
وأخرجه الكنجي عن علي كما عند النسائي.
وروى ـ أي محمد ـ بسنده إلى زيد بن أرقم، قال: قال علي: والذي فلق الحبة، إنه قال النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر)).
وأبو علي الحسن بن علي الصفار، بسنده إلى عبدالله بن يحيى.
وروى محمد بن سليمان الكوفي، بسنده إلى عمر بن عبدالله بن يعلى، عن أبيه، عن جده يعلى، قال: سمعت رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ يقول لعلي: ((من أطاعك فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله؛ ومن عصاك فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله؛ ومن أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله؛ ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله؛ لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق كافر)).
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يحب علياً إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق)) أخرجه الإمام أبو طالب (ع) عن أم سلمة - رضي الله عنها -، والكنجي عنها بلفظ: ((لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن))، وقال: رواه أبو عيسى في صحيحه.
قلت: وبهذا اللفظ أخرجه مسلم عن أم سلمة.
وقوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق))، أخرجه عنها عبدالله بن أحمد بن حنبل في زياداته، والترمذي.
وأخرجه ابن أبي شيبة عنها بلفظ: ((لا /659
يبغض علياً مؤمن، ولا يحبه منافق))، والطبراني عنها بلفظ: ((لايحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)).
قال الشيخ أبو القاسم البلخي: وقد اتفقت الأخبار الصحيحة، التي لاريب فيها عند المحدثين، على أن النبي ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ قال له: ((لا يبغضك إلا منافق، ولا يحبك إلا مؤمن)).
قال: وروى حبة العرني، عن علي (ع) أنه قال: إن الله ـ عز وجل ـ أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي، وميثاق كل منافق على بغضي؛ فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني، ولو صببت الدنيا على وجه المنافق ما أحبني.
قال: وقد روى كثير من أرباب الحديث، عن جماعة من الصحابة، قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ إلا ببغض علي بن أبي طالب.
ذكره في شرح النهج.
وأخرج أحمد، عن عبدالله بن حنطب، عن أبيه، عنه صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم: ((أيها الناس، أوصيكم بحب ذي قرباها، أخي وابن عمي علي بن أبي طالب؛ لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق؛ من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذّبه الله بالنار)).
وأخرج الحاكم بسنده إلى ابن عباس قوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ: ((لا يبغضك إلا منافق)).
فهذه مع ما سبق في صدر الكتاب مجة من لجة، مما ورد في هذا اللفظ بخصوصه؛ ومن وقف عليها ـ بل على بعضها ـ علم بالضرورة بطلان ما زخرفه المزخرفون، وحرّف الكَلِم عن مواضعه فيها المحرّفون ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ من تأويلها بأن ذلك في صدر الإسلام، واستدل عليه بأنه ـ صلوات الله عليه ـ كان ثقيلاً على المنافقين، وأن الخوارج ونحوهم لم يكفروا بالإجماع، ونحو /660
ذلك من التلبيس والتغرير.
والجواب: أنها وردت عامة ومطلقة عن الله ـ سبحانه ـ على لسان رسوله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ في كل زمان ومكان، وعلى كل حال من الأحوال، في صدر الإسلام وآخره وأوسطه، وعلى عهد رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ وبعده، وفي حياته وموته.
[اختلاف معاملة الكفار]
وأما الإجماع على عدم كفر باغضيه فممنوع؛ وإنما لم يعاملوا معاملة الكفار الجاحدين، للشهادة والصلاة والزكاة، وغيرها من أركان الإسلام؛ لأن معاملة الكفر أنواع مختلفة الأحكام، كما اختلفت معاملة أهل الذمة، وأهل النفاق، وأهل الحرب، وأهل الردّة من الكفار، وإن اتفقوا في إطلاق الكفر عليهم، والحكم باستحقاق النار، وغضب الجبار؛ وكذلك معاملة العصاة من أهل القبلة والشهادة، فمنهم من يقاتل، ومنهم من يجلد، ومنهم من يرجم، ونحو ذلك؛ ولم يخرجهم ذلك عن اسم الفساق بالاتفاق.
وعلى الجملة، للأسماء والأحكام الأخروية باب، وللمعاملة والأحكام الدنيوية باب آخر، وكل واحد منهما موقوف على الدليل، كما يعلمه من له علم وفهم وتحصيل، من أولي الألباب.
وما ورد عن الوصي ـ صلوات الله عليه ـ من نفي الكفر عنهم، فمع كونه آحادياً ومعارضاً بنحو قوله (ع) في معاوية وأصحابه: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أسلموا، ولكن استسلموا، وأسرّوا الكفر؛ فلما/661
وجدوا أعواناً عليه أظهروه؛ وهو في النهج.
وقول عمار ـ رضي الله عنه ـ: والله ما أسلموا، ولكنهم استسلموا، وأسروا الكفر والنفاق حتى وجدوا أعواناً على الكفر فأظهروه؛ رواه في المحيط بسنده إلى الإمام الأعظم زيد بن علي (ع).
ولا نسبة له إلى جنب ما ذكرنا، فيحمل ما صح منه على نفي كفر الإنكار للشهادة، والصلاة؛ لالتزامهم في الظاهر لتلك الأحكام، لا نفي كفر النفاق والشقاق، والعداوة لله ولرسوله، ولوصيه ولأهل بيت نبيه ـ عليهم الصلاة والسلام ـ التي أجمع عليها الخاص والعام، وخرجت في جميع دواوين الإسلام، وقد ورد التصريح بالكفر والنفاق، لمن نازعه وحاربه وأبغضه، عن رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، وعن وصيّه في متواتر الأخبار، بما لا يستطاع له رد ولا إنكار، ولم يستقم لأهل الزيغ والشقاق، ما ذكروه من التحريف والتبديل في غير لفظ النفاق.
قال الأمير في شرح التحفة ـ بعد أن أورد كلام العامري المنقول من تلفيق محمد بن إبراهيم الوزير المستمد من تزويق ابن حجر وغيره تشابهت قلوبهم ـ ما لفظه: وهذه الأجوبة وإن تمشت في أن بغضه (ع) نفاق، فأما أحاديث أذاه، وهي: ((من آذاه فقد آذى رسول الله ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله))؛ وقد علم وعيد من آذى الله من قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ... الآية} [الأحزاب:57]، فلا يتمّ فيه الجواب؛ فينظر.
انتهى كلامه. /662
قلت: ولا يتمّ الجواب ولا يتمشى، عن أن ولايته ولايته، وطاعته طاعته، ومعصيته معصيته، وعداوته عداوته، وحبه حبه، وبغضه بغضه، وحربه حربه، وسلمه سلمه، وسبّه سبّه، ونفسه نفسه، وغير ذلك مما لا ينحصر بِعَدٍّ ولا حساب، في متواتر السنة وصريح الكتاب.
ولا يتم أيضاً فيما ورد بذلك اللفظ وبغيره في سائر أهل بيت الرسول ـ صَلَّى الله عَليْه وآله وسلَّم ـ فليستعدوا للجواب، بين يدي رب الأرباب، يوم العرض والحساب.
وقد بين الله ـ تعالى ـ في الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين، مقام أمير المؤمنين، وسيّد الوصيين، وأخي سيد النبيين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ بكل بيان يشار إليه، وعلى كل معنى يدل عليه؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
[خاتمة]
هذا، ويتوقف عنان القلم، عن المد في زاخر هذا اليم؛ وقد تكرر النقل على سبيل الاستطراد، لما قد مَرّ في بعض المواد، واستغنيت في بعض مما وقفت فيه على الأصول، بالعزو إلى الأمهات، عن نسبته إلى كتاب من التخريجات، وإن كانت قد تكون هي المذكرة للبحث؛ وذلك للسلامة عن الطول، وللإفادة بتوافق الوقوف على الأصول.
وقد يتخيل لبعض الناظرين أنه قد وقع التعرض لما لا حاجة إليه، ولما هو مشهور متداول؛ وليس الأمر على ما يتخيل، فقد يكون متداولاً من غير تحقيق لطريقه، أو من غير الطريق المفيدة، أو يكون معروفاً من طريق وله طرق عديدة؛ فكم من خبر عند من لا خبرة له من الآحاد، وهو متواتر عند أرباب البحث والانتقاد؛ ورب حديث يعتقد القاصر /663
أنه مما تفرد به بعض الطوائف، وهو مما رواه الموالف والمخالف؛ أو تكون طرقه متفرقة في الأسفار، وفي جمعها من الفوائد ما لايخفى على ذوي الأنظار.
وقد تحصل ـ بفضل الله ـ في هذا المجموع المبارك ـ إن شاء الله تعالى ـ ما لم يتحصل فيما اطلعت عليه في كتاب؛ والمنة لله الملك الوهاب، وهو الموفق لمنهج الصواب، وإليه المرجع والمآب.
نعم، وقد تيسر ـ بحمد الله تعالى وإفضاله ـ فيما سبق، غاية الرغائب، ومنتهى المطالب، والبلاغ المبين، لقوم عابدين، وجمع طرق جوامع مؤلفات آل محمد الأعلام ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وشيعتهم الكرام، ومعتمدات كتب العامة، كالأمهات الست؛ بالطرق إلى الشافي، ثم بطرقها المفصلة فيه، وبالطرق المتصلة بالأئمة، الذين رووها بطرقهم في مسنداتهم، كالإمام عز الدين بن الحسن، والإمام القاسم بن محمد (ع) وغيرهم، على ما سبق.
[السند إلى بيان ابن مظفر، وشرح الأزهار، وإلى مؤلفات ابن حابس، وابن بهران، وداود بن الهادي، والإمام عز الدين، والإمام إبراهيم المؤيدي، وابن لقمان، والجلال، وابن الأمير، والمقبلي]
بيان ابن مظفر للعلامة يحيى بن أحمد، المتوفى سنة خمس وسبعين وثمانمائة، أرويه بالسند السابق إلى الإمام شرف الدين، عن العلامة علي بن أحمد، عن العلامة علي بن زيد الشظبي، عن المؤلف.
شرح الأزهار للعلامة عبدالله بن مفتاح، المتوفى سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وما يتعلق به من الحواشي، أرويه بالسند المذكور إلى الإمام شرف الدين، عن العلامة علي بن أحمد، عن العلامة علي بن زيد، عن المؤلف.
مؤلفات القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس: شرح الثلاثين المسألة، وشرح الكافل، وشرح التكملة، والمقصد الحسن، والتكميل، بالسند الآتي إلى إبراهيم بن القاسم صاحب الطبقات، عن القاضي العلامة أحمد بن ناصر المخلافي، عن أبيه، عن جده، عن المؤلف. /664
مؤلفات القاضي العلامة محمد بن يحيى بهران، المتوفى سنة سبع وخمسين وتسعمائة: المعتمد، والكافل، وتخريج البحر، وشرح الأثمار، والتكميل، وغيرها، بالسند السابق إلى الإمام القاسم بن محمد، عن العلامة عبد العزيز بن محمد، عن أبيه المؤلف.
مؤلفات السيد الإمام داود بن الهادي بن أحمد بن المهدي، والإمام الهادي عز الدين بن الحسن (ع): شرح المعيار، وشرح الأساس، وشرح الكافل، وتتمة البسامة، أرويها بالأسانيد السابقة إلى السيد العلامة الحسين بن أحمد زبارة، عن القاضي العلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال، عن القاضي العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري، عن المؤلف.
مؤلفات الإمام إبراهيم بن محمد المؤيدي: شرح الهداية، وشرح الكافل ـ الروض الحافل ـ وشرح الثلاثين المسألة، وغيرها، بهذا السند إلى القاضي أحمد بن صالح، عن المؤلف.
مؤلفات السيد العلامة أحمد بن محمد بن لقمان: شرح الكافل، وشرح الأساس، بهذا السند إلى القاضي أحمد بن صالح، عن المؤلف ـ رضي الله عنهم ـ.
مؤلفات السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال، المتوفى سنة أربع وثمانين وألف، بالسند السابق إلى الحسين بن أحمد زبارة، عن القاضي عبد الواسع بن عبد الرحمن القرشي، المتوفى سنة ثمان ومائة وألف، عن المؤلف.
مؤلفات السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، بالسند السابق إلى أحمد بن يوسف زبارة، وأحمد بن زيد الكبسي، عن السيد عبدالله بن محمد، عن أبيه محمد بن إسماعيل الأمير المؤلف.
مؤلفات العلامة صالح بن مهدي المقبلي، المتوفى سنة ثمان ومائة وألف، /665
بالسند السابق إلى العلامة محمد بن إسماعيل الأمير، عن العلامة عبد القادر بن علي البدري، عن المؤلف.
[السند إلى طبقات الزيدية، وبلوغ الأماني، والإحازة، والعقد الفريد، وغيرها]
وأروي طبقات الزيدية، للسيد الإمام إبراهيم بن القاسم - رضي الله عنه - وأسانيد القاضيين العالمين أحمد بن سعد الدين المسوري، ومحمد بن أحمد مشحم ـ رضي الله عنهم ـ عن والدي ـ رضي الله عنه ـ عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي، عن شيخه السيد الإمام محمد بن محمد بن عبدالله الكبسي، عن السيد العلامة إسماعيل بن أحمد الكبسي، عن القاضي العلامة علي بن حسن بن جميل المعروف بالداعي، عن القاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم؛ وهو بطرقه في كتابه بلوغ الأماني المذكور فيه إسناد كل مؤلف إلى صاحبه.
وبهذا السند، عن شيخه مؤلف الطبقات السيد الإمام إبراهيم بن القاسم، جميع ما تضمنته.
وبهذا السند أيضاً إلى العلامة محمد بن أحمد مشحم، عن شيخه العلامة أحمد بن محمد الأكوع، عن شيخه العلامة أحمد بن سعد الدين المسوري، ما جمعه في كتابه من أسانيد أئمة العترة (ع) خلفاً عن سلف، وغيرهم، وجميع ما صح عنه؛ وقد تقدّمت الطرق إليه.
وكذا ما جمعه القاضي العلامة الحافظ، عبدالله بن علي الغالبي، الإحازة وغيرها، بالسند المار إليه.
والعقد الفريد للسيد الإمام عبد الكريم بن محمد أبي طالب صاحب الروضة، بالسند المتقدم إلى السيد الإمام الرباني، الحسين بن محمد الحوثي، عن المؤلف - رضي الله عنهم -. /666
وإتحاف الأكابر، للعلامة محمد بن علي الشوكاني، أرويه عن والدي ـ رضي الله عنه ـ عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي، عن السيد الإمام محمد بن محمد الكبسي، عن المؤلف.
وقد تضمّنت هذه المجموعات، وغيرها مما اتصل به إسنادنا، الطرق إلى سائر المؤلفات، وإن كان كتاب اللوامع قد أحاط بالأصول المرجوع إليها، والمهمات المعتمد عليها، إحاطة الهالة بالقمر، والأكمام بالثمر، ولم يبق إلا ما هو كالفضلة، بعد تمام الجملة، مع أن أصول الطرق إليه فيه متحصلة.
نعم، ولم نصل إلى هذا المحل، إلا وقد تحصل مفردات في الإسناد، ملخصات على الانفراد، منها: الجامعة المهمة، في إسناد كتب الأئمة، كان التعجيل بها إجابة للطالبين، وتلبية للراغبين، وفيها بقية الطرق إلى كتب الإجازات، عن مشائخنا - رضي الله عنهم - ولا يذهب عنك ما ذكرته في الفصل الرابع، وفي الفصل الخامس في سند المجموع، أني أروي عن جميع من اتصل بهم السند ذلك من ابتدائه إلى الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)، جميع ما لكل واحد منهم من المؤلفات والمرويات، كل واحد منهم بالسند المتصل به؛ وقد شمل ذلك جمعاً كثيراً، وعدداً كبيراً.
[الإشارة إلى إسناد مؤلفات مَنْ بعد الإمام المهدي القاسم بن محمد (ع):
أنوار التمام، فرائد اللآلئ، البدور المضيئة، الموعظة الحسنة، الروض النضير، عدة الأكياس شرح الأساس، الغاية، الهداية،]
وقد أشرت هنالك إلى ما للإمام القاسم بن محمد، ومن قبله (ع)، وأشير هنا إلى ما بعده.
فمن ذلك ما للإمامين المؤيد بالله محمد، والمتوكل على الله إسماعيل ابني الإمام القاسم بن محمد (ع) من المؤلفات، ومن ذلك: أنوار التمام بتتمة اعتصام الإمام القاسم، للسيد الإمام أحمد بن يوسف زبارة (ع)، وما للإمام الشهير المنصور بالله محمد بن عبدالله الوزير، من ذلك: كتاب فرائد اللآلي، مجلد حافل، قد كثر النقل منه في تخريج الشافي،/667
وفي هذا الكتاب.
وكذا ما لوالدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي (ع) من المؤلفات والجوابات؛ وقد جُمِعَتْ جواباته(ع) فبلغت مؤلفاً جامعاً في كل فن، قدره بعض العلماء بالشافي، وبعض بالبحر الزخار.
ومنها: جواباته على الأسئلة الضحيانية المسماة بـ(المشكاة النورانية).
قال (ع) في صدرها: الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم...إلخ.
ومنظومة الإمام المشهورة، العامة النفع، في الجنايات، التي صدرها:
باسم إله العرش يُمناً ومعصماً .... وعونك يا رحمن بدءأ ومختماً
وكتاب الموعظة الحسنة، وهي الدعوة التي وجهها إلى أهل الديار الحجازية، وجبل الرس، وأهل وادي الفرع، وبدر، وخيبر، وسائر الأقطار، صدرها:
الحمد لله الذي فتح لأصفيائه باب الدعاء إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومنح قلوب أوليائه التلقي بالقبول على مرور الأعوام والأزمنة، وجعلهما فرضين لازمين، وواجبين متساويين، وإن تباعدت الديار والأمكنة...إلخ؛ وهي أربعة أبواب: باب في مهمات مسائل أصول الدين، وباب في مهمات من الفقه معتمدة، وباب فيما جاء في فضائل العترة ووجوب التمسك بهم وما يتبع ذلك، وباب فيما يجب للمحقين من الأئمة؛ أورد في جميعها الأدلة من المعقول والمنقول، في الفروع والأصول؛ وقد اعتمدها في التدريس علماء عصره، ومن بعدهم رضوان الله عليهم.
وهكذا كل من له مؤلف أو رواية، أو دراية من أهل هذا الإسناد، والله ولي التوفيق والسداد./668
ومما صح لي بالسماع والإجازة من مؤلفات المتأخرين التي لم تتضمنها إجازات المتقدمين: كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير؛ أرويه بطرق أعلاها عن والدي قدس الله روحه عن شيخه العلامة شيخ الإسلام محمد بن عبدالله الغالبي، عن حفيد المؤلف ابن بنته القاضي العلامة الحافظ أحمد بن محمد بن يحيى السياغي المتوفى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف، عن السيد العلامة بدر الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الكبسي المتوفى سنة تسع وثمانين ومائتين وألف، عن أبيه ـ رضي الله عنهم ـ عن المؤلف، القاضي العلامة الخطير، حافظ العصر الأخير، الحسين بن أحمد السياغي الحيمي الصنعاني، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف ـ رحمه الله تعالى ـ.
قال فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، شارح الصدور بأنوار معارفه...إلخ.
وسنذكر ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفصل الآتي المنفرد، وهو الحادي عشر، عند المرور على ذكر العلماء، الإسناد إلى من لم يتصل به منهم فيما مر تفصيلاً، وإن كان قد تضمن ذلك ما سبق، وفيما تقدم كفاية وافية.
ويحسن أن نختم هذا البحث بذكر سند عدة الأكياس شرح الأساس، للسيد الإمام عمدة الأعلام، أحمد بن محمد الشرفي، وسند الغاية، وشرحها الهداية، للسيد الإمام سلطان العلوم، ومحقق منطوقها والمفهوم، نجم الأعلام الحسين بن الإمام القاسم (ع).
أما شرح الأساس: فبالسند الآتي إلى المتوكل على الله إسماعيل، عن أخيه الحسين، عن السيد الإمام أحمد بن محمد الشرفي.
وأما الغاية وشرحها: فأرويها بالسند السابق إليه (ع) في الفصل/669
الرابع، وبالسند المتقدم في المجموع وغيره إلى الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، عن أخيه سيد المحققين الحسين بن أمير المؤمنين (ع).
قال فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول العبد الفقير إلى الله عز وجل، الغني بإعانته على ما عقد وحل...إلى آخر الهداية شرح الغاية.
ـــــــــــــــ
والله أسأل، وبجلاله أتوسل، أن يصلي ويسلم على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله الهادين إلى يوم الدين، وأن يتقبّل العمل، ويحقق الأمل، ويحسن الختام، ويصلح أمر الإسلام، إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
حرر غرة شوال سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف، بمدينة صعدة حرسها الله بالصالحين، وعمرها بالعلماء العاملين، بجوار الجامع المقدس النبوي اليحيوي، جامع والدنا إمام الأئمة، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم، عليهم وعلى سلفهم وخلفهم أفضل الصلاة والتسليم؛ وسبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.
ـــــــــــــــ
---
- قال في المخطوطة التي قابلنا هذه عليها ما لفظه: حمداً لله وصلاة وسلاماً على رسول الله وعلى آله صفوة الله؛ وإنه كان الفراغ من النساخة لهذا الجزء الأخير في حوالي 20/12/1388هـ، كاتبها حسن بن محمد الفيشي غفر الله لهما آمين.
انتهى نقلاً من نسخة المؤلّف أيده الله، وبارك في أيامه، ونفع بعلومه الإسلام والمسلمين، آمين آمين.
قال في ورقة الأصل: كتب الفقير إلى الله تعالى قاسم بن أحمد بن المهدي محمد بن القاسم بن محمد بن إسماعيل بن الحسن الحوثي الحسيني غفر الله له وللمؤمنين والمؤمنات، آمين آمين في 20/ صفر / 1392هـ.
لوامع الأنوار
الجزء الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
(الفصل الحادي عشر اللاحق بلوامع الأنوار)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله الأكرمين، وبعد:
فهذا الفصل، الذي سبق به الوعد في لوامع الأنوار، قد أفردته؛ ليتمكن المطلع من وصله بالماضي أو فصله عنه، فإليه الاختيار.
والمقصد الأهم منه ذكر أعلام العترة الأطهار، وكرام العصابة الأبرار، الذين عليهم في باب الرواية معظم المدار، على ضرب وجيز من الاختصار، والمبحوث عنه أولاً وبالذات، الرواة الثقات، في أصل أسانيد أئمتنا السابقين عليهم السلام، ومَنْ بيننا وبين المؤلفين.
فإن ذُكِرَ غيرهم لغرض فبالعرض؛ وقد سبق في التحف الفاطمية وفي لوامع الأنوار ذكر الكثير، فمن أعيد الكلام عليه فهو لتقريب المنال، وتيسير الانتوال، ويكون إن شاء الله تعالى بما فيه زيادة إفادة بلا تكرار، ومن لم يكن قد اتصلت به فيما مَرّ الطريق، فسأوصل السند إليه وإلى مؤلفاته، عند المرور عليه، وذلك النزر اليسير، والله ولي التوفيق والتيسير.
وأما المؤلفات الجامعة، فقد تقدمت إليها الطرق النافعة، بحمد الله تعالى.
هذا ومن سنذكر في هذا الفصل المبارك إن شاء الله فلا يخلو، إما أن يكون معلوم الحال، لدى الخاص والعام، فلا كلام.
وإن ذكر بما يفيد، فمن باب التأكيد.
وإما أن لا يكون كذلك، فإن وقع التصريح، بتعديل أو تجريح، فمتضح؛ وإن لا يذكر بشيء فعهدة المطلع أن يعتمد على ما يصح.
ولا يخفى موجب الإحالة في مثل ذلك على أرباب الفهوم، /15
لعل لها عذر وأنت تلوم.
ولا يكون التصريح بالتعديل، إلا لمن صحت عدالته المحققة، ولا الجرح إلا لمن صحّ مقتضاه، بطريق الشرع المرتضاة، لموجب القيام بالقسط، والشهادة لله تعالى بالحق ـ كما أخذ الله تعالى ـ بعد كثرة البحث، وشدة التحري والفحص؛ للوقوف على الحقائق، وتجنب مختلف الطرائق.
وقد استلزم العمل تكرير النظر في جميع ما تحصل من مؤلفات أولي الألباب، والله الموفق للصواب، وسلوك منهج السنة والكتاب.
وقد وقعت العناية بإعانة الله تعالى في الإحاطة؛ ليكون هذا المؤلَّف جامعاً للمقصود، بإعانة الملك المعبود.
وسيكون البحث فيمن عدهم الشيخ العالم الزاهد، ولي آل محمد، القاسم بن عبد العزيز بن إسحاق البغدادي الزيدي ، في رسالته المشهورة، في أصحاب الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، ومن ثبتت عدالتهم بصحيح النقل في مؤلفات سائر أئمتنا الهداة، كأصحاب الأئمة، القائمين بما افترضه الله تعالى على الأمة، الذين ذكرهم الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي ، والفقيه حميد الشهيد في الحدائق، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين ، وغيرهم؛ وجميع من ذكرهم السيد صارم الدين إبراهيم بن محمد الوزير، في علوم الحديث المسمى بالفلك الدوار ، ومن تبعه كالسيد العالم المهدي بن الهادي اليوسفي، المعروف بالنوعة، في الإقبال ؛ والقاضي العلامة شمس الشريعة أحمد بن يحيى حابس ، في المقصد الحسن ؛ والقاضي عماد الدين يحيى بن محمد حميد المقرائي، في النزهة ، وجميع من عدهم في ثقات محدثي الشيعة السيد الإمام الصارم إبراهيم بن القاسم بن المؤيد بالله محمد بن القاسم عليهم السلام، في طبقات الزيدية ، ومن أوردهم منهم في المختصر من الطبقات ، المسمى /16
بالجداول، شيخُنا المولى العلامة، فخر أعلام العصر، عبد الله بن الإمام الهادي ـ رضي الله تعالى عنهما ـ.
وأنا أرويه عنه وجميع مروياته، كما سبق في التحف الفاطمية .
على أن السيد صارم الدين عليه السلام، والتابعين له المذكورين، أدخلوا في الشيعة بعض من ليس منهم على الحقيقة؛ وإنما هو باعتبار قربهم من جانب العترة، بالنظر إلى أولى النصب والبِغضة، ولأخذهم بطرف من الإنصاف، رَمَاهم بالتشيع؛ لقصد القدح، أربابُ الزيغ والانحراف، أرادوا أن يذموا فمدحوا، كما قيل: بعض الجرح تعديل.
وسأبين ـ إن شاء الله تعالى ـ عند المرور عليهم، مَنْ كان من ذلك القبيل، ويتضمّن البحث عمن جمعهم، منهم: القاضي العلامة المفضال، ولي الآل، أحمد بن صالح بن أبي الرجال ، في مطلع البدور ، ومجمع البحور.
وعلى الجملة، أبلغ الجهد ـ إن شاء الله تعالى ـ في هذا المنهج؛ ليكون على أكمل منوال، بإعانة ذي الجلال.
وقد جعلت طبقات الزيدية الكبرى مصدر النقل، وقنطرة العبور، مع مراجعة الأصول، لمحلها من الجمع والاشتهار، وتطلع الأفكار إليها والأنظار، وقد يقع في ذلك تصحيح أو ترجيح، أو تقديم أو تأخير، أو زيادة أو نقص.
ولفظ (قلت) دال على أن الكلام مضاف إليَّ، حتى أنها إن كانت في كلام الغير، أعبّر عنها بلفظ (قال) أو نحو ذلك، تجنباً للبس.
وبالجملة فسيتضح ما استمد منها، أو من أي كتاب، بلا ارتياب.
[المراد بأئمتنا الخمسة أو الجماعة أو الستة]
ومتى أطلق أئمتنا الخمسة، فهم: المؤيد بالله ، وأخوه أبو طالب ، والموفق بالله ، وولده المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي .
أو الجماعة، أو الستة: فالبخاري، ومسلم، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه .
أو حافظ اليمن: فصاحب الفلك الدوار، الوزير.
أو السيد الإمام أو المولى، فمؤلف الطبقات .
[سند الطبقات ]
وهذه الطريق إلى طبقات الزيدية ، وإن /17
كانت قد سبقت في الجامعة المهمة، ولوامع الأنوار.
فيقول المفتقر إلى الله سبحانه مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبد الله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبد الله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد الحسني المؤيدي، أفرغ الله عليهم شآبيب عفوه وغفرانه، وأسبغ عليهم سرابيل لطفه ورضوانه:
أروي كتاب طبقات الزيدية بطرق كثيرة، وقد أوضحت مختارها فيما تقدم من لوامع الأنوار، والجامعة المهمة، في أسانيد كتب الأئمة؛ أعلاها عن شيخي ووالدي عالم آل محمد وعابدهم، الولي بن الولي، محمد بن منصور المؤيدي - رضي الله عنهما-، عن شيخه والدنا الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحسيني الحوثي ـ قدس الله روحه في عليين ـ، عن شيخه نجم أعلام اليمن محمد بن محمد بن عبد الله الكبسي ، عن شيخه العلامة بدر الآل الأكرمين إسماعيل بن أحمد الكبسي - رضي الله عنهم -، عن شيخه الفقيه العلامة جمال الدين علي بن حسن جميل، المعروف بالداعي، عن القاضي العلامة الأوحد محمد بن أحمد مشحم ، عن شيخه المؤلف السيد الإمام الصارم إبراهيم بن القاسم بن المؤيد بالله محمد بن القاسم عليهم السلام.
[نبذه من أول الطبقات ]
قال في الطبقات :
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إلاه إلا الله الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فهذا كتاب جمعتُ فيه أسماء الرواة، التي في كتب أئمتنا أئمة الزيدية الهداة، ولم أذكر إلا من له سند متصل، غالباً، وجعلته ثلاث /18
طبقات: الأولى: في أسماء الصحابة، والثانية: في أسماء التابعين وتابعيهم إلى رأس الخمس المائة، والثالثة: من روى كتبهم عليهم السلام وكتب شيعتهم متصل السند إلى يومنا هذا، وأسماء الكتب التي جمعت رجالها.
قلت: ذكرها بعبارة فيها بسط، وأنا أسوقها على وجه أخصر وأكمل؛ فإنه لم يورد جميع المبحوث عن رجالها، في هذا المحل، فهي: المجموعان: الفقهي، والحديثي ، وأماليات أئمتنا الخمس، والأحكام ، والمنتخب ، والبساط ، وشرح التجريد ، وشرح الأحكام لأبي العباس، والمصابيح له، وصحيفة الرضا، والاعتبار للجرجاني، والشافي، والجامع الكافي ، والتأذين بحي على خير العمل، وقليل من الشفاء، والذكر للمرادي، وشرح القاضي زيد، والمحيط بالإمامة ، وأمالي السمان ، وجلاء الأبصار .
وهذه وغيرها قد مضت بطرقها مستوفاة بحمد الله في لوامع الأنوار.
ومنها: الأربعون لأبي الغنائم، والبراهين الصريحة لمحمد بن سليمان الكوفي وهي المناقب ، ونظام الفوائد أمالي قاضي القضاة، جمعها القاضي جعفر، والمسائل المرتضاة ، وشواهد التنزيل ، ومناقب ابن المغازلي، ومناقب الكنجي ، والحلية لأبي نُعيم، وابن أبي شيبة .
ويذكر من كتب العامة: الستة، وأحمد، ومستدرك الحاكم، والمسندات للشافعي، ولأبي يعلى، ولابن عدي ، وكتب الطبراني ، وسنن البيهقي ، وشعبة، وابن عساكر ، وأبي حاتم، وأدب البخاري، وتفسير الترمذي ، والفردوس للديلمي، والبزار ، وغيرها.
ـــــــــــــــ
[إمام المرسلين وخاتم النبيئين - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
هذا، وقد افتتح السيد الإمام بمن اسمه إبراهيم، كما يأتي، وإذا كان القصد التبرك فالأولى ما اختاره بعض نجوم العترة، كالإمام المرشد /19
بالله في الأنوار، والسيد أبي العباس في المصابيح عليهما السلام، ومن العامة صاحب جامع الأصول وغيرهم، من الابتداء بذكر مَنْ قَرَنَ الله تعالى ذِكْرَه بذكره، فاشتق نوره من نوره، إمام المرسلين، وخاتم النبيئين ـ صلى الله وسلم عليه وعليهم وعلى آله الطاهرين ـ رسول الله وأمينه، وحبيبه وخليله، ومختاره ومصطفاه، ومجتباه ومرتضاه، الذي أرسله رحمة للعالمين، وجعله حجة على خلقه أجمعين، المأخوذ ميثاقه على رسله، والمبشر به في مُنْزَلات كتبه، المؤيد بالمعجزات النيرات، وبالآيات البينات الباهرات، التي لا يحصى لها عدد، ولا ينتهي لها مدد، من اسمه أحمد، أبو الطيب والطاهر والقاسم، إمام المرسلين، وخاتم النبيئين - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، محمد رسول الله بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ـ صلى الله عليه وعلى آله وبارك وترحم وتحنن وسلم ـ ومن مدحه الله المليك الأكبر، فماذا يبلغ من مدحه مدح البشر؟ وما يأتي القائل في حقه أو يذر؟
فالحمد لله تحدثاً بنعمته، على ما اختصنا به من رحمته، حيث شرفنا منه بأقوى سبب، و أزلفنا إليه بأقرب نسب، اجتبى أهل بيته، من زيتونة شجرته، وأفاض عليهم أنوار نبوته وحكمته، فصيرهم بحكمه أهله وذريته، وورثته وعترته، أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومهبط الوحي؛ وخلَّفهم في أمته، وقرنهم بكتابه وسنته، وجعلهم النجوم والأمان لأهل الأرض، وأمر الخلق بمودتهم وركوب سفينتهم، والتمسك بولايتهم إلى يوم العرض، والله يحكم لا معقب لحكمه، ولا راد لفضله، يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة، وإن الله لسميع عليم.
قال الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام: /20
لنحن على الحوض روّاده .... نذود ويُسعد ورّادهُ
فما فاز من فاز إلا بنا .... وما خاب من حبنا زادهُ
فمن سرّنا نال منا السرور .... ومَنْ ساءنا ساء ميلادهُ
ومن كان غاصبنا حقّنا .... فيوم القيامة ميعادهُ
فقد أعطاه الله جلّ جلاله الكوثر، وجعله نسله الأطيب الأكثر؛ فقال سبحانه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } [الكوثر:1].
نعم، والتعرّض لليسير من الخصائص النبوية، يخرج بنا عن الاختصار، ويستوعب حوافل الأسفار، وقد مضى في التحف الفاطمية ولوامع الأنوار، ما لا غنى عنه من أخبار المختار، وعترته الأطهار، عليهم الصلاة والسلام.
قال السيد الإمام عليه السلام في طبقات الزيدية : وهذا أوان الشروع ومن الله أستمدّ التوفيق.
[إبراهيم بن رسول الله - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
إبراهيم بن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمه: مارية القبطية، ولد في ذي الحجة سنة ثمان؛ وكانت قابِلَته سلمى مولاة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - امرأة أبي رافع ؛ وحلق شعره يوم سابعه، وتصدق بزنة شعره فضة.
وتوفي وله ستة عشر شهراً.
رواه السيد المؤيد بالله .
قلت: والإمام المرشد بالله، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في جامع الأصول .
قال: وقيل: سبعة عشر شهراً.
قلت: وفي الاستيعاب: القول الآخر: إنه ابن ثمانية عشر شهراً، وكذا في جامع الأصول .
وغسّله علي بن أبي طالب ؛ رواه محمد ـ أي ابن منصور المرادي - ضي الله عنه-.
وقيل: الفضل بن العباس، وصلى عليه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ونزل في قبره، ورش على قبره ماء.
وقبره بالبقيع، مشهور مزور. /21
[أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام]
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، القرشي، المكي، الهاشمي، أبو الحسن ـ كرم الله وجهه في الجنة ـ.
وأمه فاطمة بنت أسد، أول هاشمية ولدت هاشمياً.
وُلِد في الكعبة، في شهر رجب، عام ثلاثين بعد الفيل، وهو اليوم السابع من أيلول، كما رواه السيد أبو طالب ، عن كافي الكفاة ، حيث قال:
يا مُغْفِل التاريخ من جَهْلهِ .... وليس معلوم كمجهولِ
إن علي بن أبي طالب .... مولده سابع أيلولِ
قلت: هو الصاحب إسماعيل بن عبّاد، أحد علماء العدل والتوحيد، وأولياء آل محمد ـ عليهم السلام ـ؛ وأقواله في الوصي وسائر العترة ـ عليهم السلام ـ مشهورة، وقد أتى في الشافي منها بنبذ شافية، وهو القائل:
علي حبه جُنّه .... قسيم النار والجَنه
وصي المصطفى حقاً .... إمام الإنس والجِنه
قال السيد الإمام: وهو أول من أسلم، كان في حجر رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل الإسلام وبعده، وهاجر من مكة بعده بثلاثة أيام.
قلت: استخلفه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ ليفديه بنفسه، ليلة نام على فراشه، ويؤدي ديونه وأماناته وودائعه، كما هو معلوم.
وقد بسط الروايات في ذلك أئمتنا ـ عليهم السلام ـ، وعلماء العامة، وأخرجوا الأحاديث في نزول قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ } [البقرة:207]، فيه.
قال: وهو أول من صلى من المسلمين.
وشهد المشاهد كلها، إلا تبوك؛ فإنه استخلفه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على المدينة.
وكان حامل لواء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في حروبه، وإذا لم يغز بنفسه أعطاه سلاحه.
وشجاعته معروفة، وفضائله وخصائصه /22
كثيرة، يخرجنا ذكرها عن المقصود.
قلت: ولله القائل:
وتركتُ مدحي للوصي تعمّداً .... إذْ كان نوراً مستطيلاً كاملاً
وإذا استقام الشيء قامَ بنفسه .... وصفات ضوء الشمس تذهب باطلاً
قال: منها: ما روى الهادي - عليه السلام - في الأحكام ، في الحدود، قال: بلغنا عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أنه قال: (ثلاث ما فعلتهن قط ولا أفعلهنّ: ما عبدتُ وثناً قط، وذلك أني لم أكن لأعبد ما لا يضر ولا ينفع؛ ولا زنيت قط، وذلك لأني أكره في حرمة غيري ما أكره في حرمتي؛ ولا شربت خمراً قط، وذلك أني لما يزيد في عقلي أحوج مني لما ينقصه).
واختصّ بغَسل النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وتكفينه، وإدخاله القبر.
ولم يَتَأَمَّرْ عليه في عهد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أحد؛ وكان أمره ببراءة.
قلت: وأخذها من أبي بكر، لما نزل جبريل - عليه السلام - بأمر الله ـ عز وجل ـ، أنه لا يبلغ ويؤدي عنه ـ على حسب الروايات، وقد سبقت في الفصل الأول ـ إلا هو أو رجل منه، أو من أهل بيته، كما مَرَّ؛ وهو مما تواتر.
قال: ولما توفي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أقام بالمدينة في خلافة الثلاثة.
ولما قُتل عثمان بُويع له - عليه السلام -؛ ثم كان حرب الجمل، وبعده حرب صفين، وبعده حرب الخوارج، كما أمره رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين.
ثم أقام بالكوفة حتى ضُرب ـ صلوات الله عليه ـ لصبح الجمعة، تاسع عشر شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، ولبث ثلاثة أيام، وكان وفاته ليلة الأحد، إحدى وعشرين، وهو في ثلاث وستين، وغسله ولده الحسن، وعبيد الله بن عباس، وصلى عليه الحسن، وكبر خمساً، ودُفن عند صلاة الصبح.
قال في الإفادة : دُفن أولاً في الرحبة، مما يلي باب كندة؛ ثم نقل ليلاً /23
إلى الغري؛ ليخفى موضع قبره.
وكون قبره في الغري هو المعلوم؛ ذكره الأئمة، منهم: الحسن السبط، وزيد بن علي، وولد أخيه جعفر بن محمد .
نعم، وروى عنه أولاده الخمسة: الحسن، والحسين، ومحمد، وعمر، والعباس؛ ومن النساء: زينب؛ وخلق كثير، منهم: الشعبي ، والحارث الأعور، والحسن البصري ـ على الصحيح ـ وعاصم بن ضمرة، وعاصم بن بهدلة ، وزاذان ، وعلي بن ربيعة ، والنعمان بن سعد ، وسويد بن غَفَلة ، وعمر بن علي ، ويزيد بن أبي أمية ، ويزيد بن أبي مريم ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد ، وغيرهم.
وله في الصحيحين أربعة وأربعون حديثاً، وخرج له الأربعة وغيرهم، وأئمتنا جميعهم وشيعتهم، إلا الشريف السليقي، انتهى.
قلت: ومن الرواة عنه - عليه السلام -: ابن عباس، وعبد الله بن جعفر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة، والتابعين، كما عدوهم في كتب الرجال.
وأعلمُ الصحابة بعد أخي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وابن عمه، وباب مدينة علمه، ابنُ عباس، وابن مسعود.
فأما ابن عباس - رضي الله عنه -، فكما قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس، في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه؛ وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟
فقال: كنسبة قطرة من المطر، إلى البحر المحيط، انتهى.
ومن كلامه - رضي الله عنه -: والله، لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر.
أخرجه أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب.
ورواياته لما أنزل الله فيه من الكتاب المبين، وما قاله في شأنه الرسول الأمين، أكثر من أن تحصر؛ وقد مَرّ ما فيه معتبر.
وأما ابن مسعود - رضي الله عنه -، فرجوعه إلى الوصي - عليه السلام - معلوم، وتبليغه لما ورد فيه كذلك مرسوم، وهو القائل: قرأت القرآن /24
على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وأتممته على خير الناس بعده، علي بن أبي طالب .
أخرجه الإمام - عليه السلام - في الشافي .
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وهو في مجمع الزوائد.
قلت: رواه في الفرائد بلفظ: علي أفضل الناس بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...إلخ.
وأخرجه الخوارزمي، بلفظ: قرأت على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سبعين سورة، وختمت القرآن على خير الناس، علي بن أبي طالب .
وأخرج أبو نعيم ، عن ابن مسعود ، قال: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فسئل عن علي، قال: ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء؛ أعطي الناس جزءاً، وعلي تسعة أجزاء ))، وبلفظ: ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء؛ وأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً )).
أخرجه ابن المغازلي، والحاكم، والكني، عن عبد الله، عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ وأخرجه الخوارزمي، عنه مرفوعاً، وأخرجه الحسين بن علي البرذعي في معجمه، وابن النجار ، عن عبد الله؛ قال الكنجي : وأخرجه أبو نعيم في الحلية .
هذا، والمعلوم من النصوص النبوية، أن أعلم الأمة ـ كما ورد الخبر النبوي بهذا اللفظ بخصوصه: ((أعلم أمتي علي بن أبي طالب ))، أخرجه محمد بن سليمان الكوفي والديلمي ، عن سلمان؛ والكنجي عنه، وقال: رواه الهمداني، والخوارزمي؛ وفي معناه ما لا يحيط به الحصر، أخو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ووصيه، وابن عمه، وباب مدينة علمه؛ وعلى ذلك إجماع الأمة المحمدية، من العترة النبوية، وسائر من يعتد به من فرق البرية؛ فهو المبين للأحكام، بعد أخيه سيد الرسل الكرام ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ والمؤسس بسيفه وعلمه قواعد الإسلام، والمؤيد للنبوة، والممهد للملة، والمرجع والمفزع للصحابة والأمة، في كل /25
مهمة، كما هو معلوم للأنام.
ومما لا ينكر: لولا علي لهلك عمر.
ولقد صدق حيث قال، وقد قام علي - عليه السلام - من المسجد، فذكره إنسان، فقال عمر: حق لمثله أن يتيه، والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سابقتها، وذو شرفها...إلخ.
رواه أبو بكر بن الأنباري.
وغير ذلك من أقواله وأقوال الصحابة ما لا يحصر.
وقد أغناه - عليه السلام - ما أثنى الله ـ جل جلاله ـ عليه، ورَفَع شأنه في كتابه وسنة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن جميع أقوال البشر.
ـــــــــــــ
[أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها]
خديجة بنت خويلد بن أسد، القرشية، الأسدية، أم المؤمنين، أول من آمن بالله سبحانه، وصدق رسالته، من الأمة، بالإجماع؛ سيدة نساء هذه الأمة بلا خلاف، أفضل نساء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وأكرمهنّ عليه.
تزوجها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل البعثة، وهو في خمس وعشرين سنة، وهي في أربعين.
وهي أم أولاده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، إلا إبراهيم عليهم السلام.
وبلغها جبريل - عليه السلام - السلام، عن الله عز وجل، وبشرها ببيت في الجنة، لا صخب فيه ولا نصب.
ولم يتزوج عليها الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وفضائلها لا تحصى.
تُوفيت قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وهي في خمس وستين، ونزل الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في قبرها، ودُفنت بالحَجون، وقبرها مشهور مزور، ـ صلوات الله وسلامه على زوجها، وأخيه وعليها، وعلى بنيها وبناتها، وذريتهم الطاهرين، إلى يوم الدين ـ.
وقد وردت أخبار كثيرة في المقارنة بينها وبين مريم ابنة عمران، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، في سيادة نساء العالمين.
وفي صحيح البخاري، عن علي - عليه السلام - رفعه: ((خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة )).
قال ابن حجر في الإصابة: وقد أثنى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على خديجة، ما لم يثن على غيرها. /26
ثم ذكر حديث عائشة، قالت: كان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لا يكاد يخرج من البيت، حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام؛ فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، قد أبدلك الله خيراً منها.
فغضب، ثم قال: ((لا والله ما أبدلني خيراً منها؛ آمنَتْ إذْ كفر الناس، وصدّقتني إذْ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذْ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء )).
قالت عائشة: فقلتُ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبّة أبداً.
أخرجه أبو عمر بن عبد البر .
قلت: رواه في الاستيعاب باختلاف يسير.
ــــــــــــــ
[سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع)]
فاطمة بنت محمد الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أم الحسن، أشبه الناس برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ، سيدة نساء العالمين.
قلت: وذكر السيد الإمام قول العامة في ولادتها قبل النبوة، ثم قال: وهي أصغر بنات النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، في قول ذكره في جامع الأصول .
وفي رواية أبي العباس الحسني، في المصابيح ، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن إدريس ، إلى جعفر بن محمد ، في ذكر أولاد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فقال: كان القاسم أكبر أولاده، ثم زينب، ثم عبد الله، وهو الطيب، ولد بعد النبوة، ومات صغيراً، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة، ثم رقية ، هكذا الأول فالأول.
وصرح به أبو عمر، وكذا ذكره في تاريخ الخميس .
إلى قوله: لما روى الملا في سيرته قال: ((أتاني جبريل بتفاحة من الجنة، فأكلتها، فواقعت خديجة، فحملت بفاطمة )).
وساق الأخبار، حتى قال: وهذه الروايات تقتضي أن ولادة فاطمة /27
بعد البعثة، وهو مغاير لما رواه ابن إسحاق وغيره، وهو الأصح على رأي قدماء أئمتنا عليهم السلام، والله أعلم.
أمها خديجة بنت خويلد .
هاجرت إلى المدينة، وتزوجها علي - عليه السلام - ولها خمس عشرة سنة، وكان ذلك في صفر، وبنى بها في الحجة، بعد وقعة أحد.
وكان تزويجها بأمر الله سبحانه، وكان المهر اثني عشرة أوقية ونصفاً، عن خمس مائة درهم، كذا في أكثر الروايات ـ وفي رواية: أربعمائة مثقال فضة.
وحضر عقدها جماعة من النبلاء ؛ ودعا - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - برطب وثمر؛ فقال: ((انتهبوا)).
وفيما روي: ((إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج منكم وأزوجكم، إلا فاطمة؛ فإنها نزل تزويجها من السماء )) رواه السيد أبو طالب وغيره.
وفي رواية: ((فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني )).
قلت: قد سبق تخريجه وما في معناه.
قال في الفرائد: وأما ما يخص فاطمة عليها السلام، فمنها: حديث الإغضاب: ((فمن أغضبها فقد أغضبني؛ ومن آذاها فقد آذاني ))، وحديث: أنه يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها، بألفاظه وسياقاته، مما تواتر عند أهل الحديث، مع إجماع أهل البيت على ذلك.
ومنها: الإخبار بالقطع أنها سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة..إلخ.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر، بالسند إلى عائشة، أنها قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من فاطمة؛ وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها ورحّب بها كما كانت تصنع هي به - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وروي بالسند عنها، قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولَدها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وبسنده إلى جميع بن عمير ، قال: دخلت على عائشة، فسألت، أي /28
الناس كان أحب إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؟
قالت: فاطمة.
قلت: فمن الرجال؟
قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواماً قواماً.
وساق بالسند إلى بريدة، قال: كان أحب النساء إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فاطمة، ومن الرجال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ.
وفي الإصابة لابن حجر ما لفظه: وفي الصحيحين : عن المسور بن مخرمة، سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على المنبر يقول: ((فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها )).
وعن علي بن الحسين بن علي ، عن أبيه، عن علي، قال: قال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لفاطمة: ((إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك )).
وساق في فضائلها.
إلى قوله: بسند من أهل البيت، عن علي، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لفاطمة: ((إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك )).
قال: وأخرج الترمذي من حديث زيد بن أرقم ، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: ((أنا حرب لمن حاربهم، سِلْم لمن سالمهم )).
قال: وانقطع نسل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلا من فاطمة.
قلت: وقد تقدم من دلالات الكتاب والسنة على جميع ذلك، ما فيه الكفاية.
وفي الروض، بعد أن ساق الأخبار الدالة على أبوة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لولد فاطمة ـ عليهم السلام ـ:
قال بعض المحققين من العلماء: ظاهر كلام أئمتنا أنه حقيقة، وأن حكمه في ذلك يخالف حكم غيره.
إلى قوله: لأن هذه خصوصية وتكرمة ثابتة بوحي خاص؛ ويدل على كونها حقيقة قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وأنا عصبتهما )).
قلت: وفي ألفاظ الخبر الشريف: ((إلا بني فاطمة، فأنا وليهم وعصبتهم )) أخرجه الطبراني في الكبير، و((إلا ولد فاطمة، فإني أنا أبوهم وعصبتهم )) أخرجه الخطيب في تاريخه، و((ما خلا ولد فاطمة، فإني أنا /29
أبوهم وعصبتهم )) أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
قال: فلولا أنه أب شرعاً لم يكن عصبة، ولا لهما بذلك على سائر الناس مزية؛ ولا تنافيه أبوة علي - عليه السلام - لهما؛ وكون النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- جداً لهما، فلكل مقام اعتبار يناسبه.
وقد كانا عليهما السلام في زمانه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يدعوانه: يا أبه؛ ويقول الحسن لعلي - عليه السلام -: يا أبا الحسين؛ والحسين يقول له: يا أبا الحسن.
ولم يدعوانه يا أبه، حتى توفي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
هكذا نقل عمن يوثق به.
قال النووي، في كتاب تهذيب الأسماء واللغات : وذكر أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كناها أم أبيها.
وقال: فيه ما ينوه بمقامها غاية التنويه.
إلى قوله: فحيث نزلها أكرم الخلائق من نفسه الكريمة، منزلة أكرم الخلق عليه، فبخٍ بخٍ ثم بخٍ بخٍ.
وقد قال بعض الطلبة: في هذه اللفظة لطيفة حسنة؛ وهي أن أولاد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من فاطمة باتفاق، ويشهد له حديث: ((كل بني أنثى... إلخ)).
وإذا كانت فاطمة بمنزلة الأم، كان المختار - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بمنزلة الولد، فيكون عَقِبَها، كما لو كانت أماً له ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ وأعقبت منه؛ فإن أولاده حينئذٍ أولادها لا محالة.
وهذه دقيقة جليلة يحظى بها الثقات، ويقبلها مَنْ لم يرفع النصب أنوار قلبه؛ والله أعلم.
قال بعض العلماء: إن قلت: قد جمع الله تعالى لعلي الكرم، بمشاركته لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في كل ظهر وبطن، حتى افترقا في عبد الله وأبي طالب؛ هلاّ كمل الله الفضيلة بجمعهما من ظهر عبد الله وبطن آمنة؛ ليكون أشرف وأتم لما يريده الله من جعلهما كموسى وهارون؟
ثم أجاب بأن الأمر كذلك؛ لكن الحكيم سبحانه لما قضى بأن عقب المختار من ظهر علي وبطن فاطمة، فرقهما؛ ليتم التزويج.
ولله درّ هذا /30
العالم.
قال: وأما عدول يحيى بن يعمر، في جوابه على الحجاج، في كونهما من ذرية النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلى دخولهما تحت عموم الآية، في قوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)} [الأنعام:84،85] ، فللإقناع وقطع الحجة، بما لا يقدر على دفعه؛ ولاقتراح الحجاج عليه جواباً من القرآن الكريم؛ لأن أحاديث فضائل أهل البيت في ذلك العصر لا يُلتفتُ إليها، ولا يُطاق التظاهر بروايتها.
انتهى المراد بتصرّف يسير.
قال السيد الإمام: ولما مات النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - جاءت تطلب ميراثها، فروي لها: ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما خلفناه ـ أو تركناه ـ صدقة )) رواه السيد أبو العباس وغيره.
وفي رواية: جاءت إلى أبي بكر، فقالت: فدك بيدي أعطانيها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لوكيلي.
فقال: يا بنت محمد، أنت عندي مصدّقة، إلا أن عليك البينة.
فجاءت بعلي وأم أيمن.
على الأشهر من الروايات ـ وذكرها زيد بن علي وغيره ـ أنه قال: رجل مع الرجل، أو امرأة مع المرأة.
فلم تأت بأحد.
قلت: وفي تفريج الكروب : أرسلت فاطمة إلى أبي بكر، تسأله ميراثها من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر؛ فقال أبو بكر: إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((لا نورث ما تركناه صدقة )).
وساق حتى قال: فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً، فَوجِدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ستة أشهر.
فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها علي - رضي الله عنه -.
أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة، انتهى. /31
قال: ولم تلبث بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إلا ستة أشهر، وتوفيت.
وفي رواية السيد أبي طالب، عن الباقر: أربعة أشهر.
وسنّها يوم ماتت وقد جاوزت العشرين بقليل.
قطع به ابن حجر.
ورواية الباقر: ولها ثلاث وعشرون سنة.
قال في جامع الأصول : وأهل البيت يقولون ثمان عشرة سنة.
قال السيد الإمام: وهو الأولى.
قال: وكانت أول لاحق به من أهله.
قلت: وقد بشرها أبوها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بذلك، كما وردت به الروايات الصحيحة.
قال: وغسلها علي - عليه السلام - في قول، وأسماء بنت عميس في رواية، وفي رواية، أنها غسلت نفسها أوان موتها، وصلى عليها علي - عليه السلام -.
هكذا في الطبقات .
وقوله: وفي رواية أنها غسلت نفسها؛ في الإصابة: وأخرج ابن سعد وأحمد بن حنبل ، من حديث أم رافع، قالت: مرضت فاطمة، فلما كان اليوم الذي توفيت فيه، قالت لي: يا أمه، اسكبي لي غسلاً.
فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم لبست لها ثياباً جدداً، ثم قالت: اجعلي فراشي وسط البيت، فاضطجعت عليه، واستقبلت القبلة؛ وقالت: يا أمه، إني مقبوضة الساعة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد.
فماتت؛ وجاء علي، فأخبرته؛ فاحتملها، ودفنها بغسلها ذلك، انتهى.
قال السيد الإمام: ودُفنت بالبقيع ليلاً، بوصية منها، ورش قبرها وسبعة أقبر حوله.
روى عنها ابنها الحسين، وعائشة، وأنس، وغيرهم، وخرج لها الجماعة، وأئمتنا الخمسة، وزيد بن علي، والهادي للحق، هكذا في الطبقات .
ـــــــــــــــــ
[السبط الأكبر الحسن بن علي (ع)]
الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو محمد، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جده من الدنيا، الإمام قام أو قعد.
مولده بالمدينة، في شهر رمضان، عام ثلاثة من الهجرة. /32
قلت: هذا الأصح من الأقوال.
وهو عقيب وقعة أحد، وسماه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن أمر الله: حسناً، وعقّ عنه شاتين، في رواية المنصور بالله ـ قلت: الذي في الشافي بكبش؛ وما ذكره ثابت في رواية الإمام علي الرضا - عليه السلام -، وغيره ـ وحلق رأسه يوم سابعه، وتصدقت أمه بوزن شعره فضة؛ وتربى في حجر جده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وله عنه روايات محفوظة، عند الرواة مدونة.
وقال فيه: ((ولدي سيّد سيصلح الله به بين فئتين عظيمتين )).
وشهد مع أبيه صفين والجمل، ثم بويع له بعد أبيه، في شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة، في الكوفة؛ وخرج منها في ذي الحجة، حتى نزل المدائن؛ فخذله أصحابه ونفروا عنه، فاضطرته الحوادث إلى اعتزال الأمر، ومصالحة معاوية مصداقاً للحديث.
ثم رجع إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين، وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً؛ وإن النجائب لتقاد معه.
ثم سقته امرأته جعدة بنت الأشعث سماً في لبن، بأمر معاوية، فمات بعد شهر، في شهر....
قلت: بيض لذلك في الطبقات ؛ وقد قيل: إنه في شهر ربيع الأول.
قلت: واختلف في تاريخ موته وعمره، فقيل: سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: إحدى وخمسين، وقيل: اثنتين؛ وله سبع وأربعون ـ وصححه المؤلف ـ وقيل: تسع، وقيل: ست، وقيل: خمس.
هكذا في الكتب المعتبرة؛ والاختلاف واقع في مثل هذا، في الأغلب، فيكتَفى بالأقرب.
[وصية الإمام الحسن أين يُدفن]
قال: وأوصى إلى أخيه الحسين: أن إذا متّ فتولّ غسلي، وادفني إلى جنب جدي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ فإن مُنِعتَ فادفني إلى جنب أمي فاطمة ـ عليها السلام ـ بالبقيع؛ وإياك أن تهرق فيَّ محجمة دم.
فلما توفي، مُنع من قبره عند جدّه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فدفن بالبقيع إلى جنب فاطمة ـ عليها السلام ـ.
وقبره مشهور /33
مزور.
روى عنه أولاده: الحسن، وزيد، وغيرهما كأبي الحوراء السعدي ـ قلت: بالمهملة ـ.
قال: وعمير بن مأمون.
وأخرج له الستة، وأئمتنا، وشيعتهم، إلا الشريف.
[تخريج حديث: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة...إلخ الحديث]
قلت: والأخبار النبوية التي أشار إليها، أما الأول، فكما قال إمام الأئمة، الهادي إلى الحق - عليه السلام -: وأجمعت الأمة أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )) وقال: ((هما إمامان قاما أو قعدا )) انتهى.
وقال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي : وروينا من غير طريق، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )).
وقد ساق السيوطي الرواة والمخرجين لقوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )).
ثم قال: وهو متواتر؛ ذكره العزيزي .
قال الإمام محمد بن عبد الله الوزير - عليه السلام -: وأما حديث الحسنين ((أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ))، فقد رواه الموالف والمخالف، بطرق وسياقات، فهو متواتر لفظاً ومعنى، لا أقل؛ وهو يفيد سيادتهم في الجنة، فكيف بأهل الدنيا؟
وما بال الخصوم كلهم عظموا شعائر حديث العشرة، ورقوه ووقوه وشيّدوه، والحال أنهم تفرّدوا بروايته، وليس هو إلا آحادياً؛ وهذا على فرض صحته، وإلا فنحن نرده كما رده سيد الوصيين، الذي يدور معه الحق حيثما دار.
قال: وقد عارض أهل الأهواء هذا الحديث، بحديث تفردوا به، بأن أبا بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
ولا نسلّم صحة ما تفردوا به؛ وأيضاً، فالمعلوم أن أهل الجنة يبعثون ويدخلون الجنة في سنّ الشباب، من ثلاثين سنة، ولا كهل في الجنة؛ وتأويله بأنه باعتبار حياتهما لا يصح؛ لأن الحسنين ما ماتا إلا وهما في سن الكهولة. /34
قلت: والخطاب صدر من الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسنين - عليهما السلام -، وهما صبيان، في نحو الثمان، فلم يكن المقصود بذكر الشباب، إلا في بيان سن أهل الجنة، كما أفاده شارح الجامع الصغير حيث قال ـ وقد أنصف ـ: ويحتمل أنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((سيدا شباب ))، ولم يقل: ((أهل الجنة))، لينبّه على أن كل مَنْ فيها شاب، فيكونان أفضل من فيها، إلا من خرج بدليل آخر، كالنبيئين.
قلت: لكن لا يخص إلا من صح تخصيصه بالدليل، لا بالتقولات والأباطيل.
وقد عارضوا ما اختص به ربُّ العالمين، ورسولُه الأمين، أهلَ بيته الطاهرين، ما استطاعوا، حتى في أسمائهم وأوصافهم؛ ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره، ويقيم حجته؛ فإن الوارد في الكتاب والسنة، في أهل بيت النبوة، مجمع عليه، ومتواتر بين الأمة؛ وما يعارضون به متفرد بروايته، مقدوح في طرقه، آثار الوضع عليه بيّنة، لا يمتري في بطلانه العارفون، ليحق الله الحق بكلماته؛ كذلك نقذف بالحق على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهق، ولكم الويل مما تصفون.
وفي تعَبٍ من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بضريبِ
أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً.
[تخريج حديث: الولد ريحانة...إلخ]
نعم، وأما الخبر الثاني؛ فأخرجه أئمة النقل من أهل البيت وغيرهم.
ومن طرقه ما أخرجهُ الإمام الرضا، بسند آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ، قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الولد ريحانة، وريحانتي من الدنيا الحسن والحسين )).
وأخرجه الإمام أبو طالب - عليه السلام -، بسنده إلى جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ، قال: /35
سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبل موته بثلاث، وهو يقول لعلي بن أبي طالب: ((سلام الله عليك أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا، فعن قريب ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك )).
وأخرجه أبو نعيم وابن عساكر، عن جابر.
وأخرج الكنجي ، عن جعفر بن محمد - عليهما السلام -، عن أبيه، عن جابر قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((سلام عليك يا أبا الريحانتين؛ أوصيك بريحانتي من الدنيا )).
وقال ابن عمر لسائل له: ألا تنظر إلى هذا، يسأل عن دم البعوض يصيب الثوب، وقد قتلوا ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم؟
يريد الحسين بن علي عليهما السلام.
أخرجه في الشافي .
وتمامه: وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه البخاري في كتابه.
وفي رواية عنه: يسألونني عن الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هما ريحانَتِيْ من الدنيا، وهما سيدا شباب أهل الجنة )) رواه الشيخان، أفاده في تفريج الكروب .
وأخرجه أحمد بن حنبل والترمذي والكنجي، بطريقه إليه بلفظ: ((إن الحسن والحسين ريحانتي من الدنيا )).
وأخرجه أيضاً عن أبي أيوب، وقال: أخرجه الطبراني ، وصاحب الحلية ، ومحدّث الشام من حلية الأولياء.
وأخرجه الإمام المرشد بالله - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وكيف لا أحبهما، وهما ريحانتي من الدنيا أشمهما؟ )) يعني الحسن والحسين؛ أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة ؛ وأخرج نحوه العسكري في الأمثال عن علي - عليه السلام -.
وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن السبط: ((هذا ريحانتي من الدنيا )) أخرجه أحمد عن أبي بكرة .
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هذان ريحانتاي من الدنيا )) أخرجه الترمذي ، وصححه.
وأخرجه ابن بنت منيع /36
بلفظ: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه؛ ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى، وقال: ((هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما )) وطرقه كثيرة.
[حديث: ((الحسن والحسين إمامان... إلخ))]
وأما الخبر الثالث، وهو قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما ))، فهو كذلك مجمع عليه بين الأئمة.
وقد صرّح الذكر الحكيم، وسنة أبيهما الرسول الكريم عليه وآله الصلاة والتسليم، بتطهير الله تعالى، واصطفائه واجتبائه، ومحبة الله تعالى ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لهما ولأبيهما وأمهما، وحكم بأنهما ابنا رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وسبطاه، وحبيباه وريحانتاه، وبالسيادة لأهل الجنة، وغير ذلك من التشريف والتكريم، مما نطق به الكتاب، وتواترت به السنة، مما لا يحصر، وتتقاصر عنه أقوال البشر؛ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[خطبة للإمام الحسن - عليه السلام - لما أصيب علي (ع)]
ومن خطب الحسن السبط، المشهورة: لما أصيب علي ـ صلوات الله عليهما ـ قام في الناس خطيباً، فقال: الحمد لله، الذي لم يزل للحمد أهلاً، الذي مَنّ علينا بالإسلام، وجعل فينا النبوة والكتاب، واصطفانا على خلقه، فجعلنا شهداء على الناس، وجعل الرسول علينا شهيداً.
يا أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن محمد ، فالجد في كتاب الله أب، قال الله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } [يوسف:38]، فأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله وأنا ابن السراج المنير؛ ونحن أهل البيت الذين افترض الله مودتنا وولايتنا، فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23].
يا أيها الناس، لقد فارقكم في هذه الليلة رجل، ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون، هيهات هيهات، لطال ما قَلَّبْتُم له الأمور، في مواطن /37
بدر وأحد، وحنين وخيبر، وأخواتها.
إلى قوله: أعطى الكتاب عزائمه، دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه ـ صلوات الله عليه وعلى آله ومغفرته ـ ونحتسب أمير المؤمنين عند الله، وأستودع الله ديني وأمانتي، وخواتيم عملي.
أخرجها السيد الإمام أبو العباس الحسني ، عن الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام، وطرقها كثيرة كما تقدم في الفصل السابع.
[خطبته عليه السلام قبل وقوع الصلح مع معاوية]
وخطبته - عليه السلام - قبل وقوع الصلح بينه وبين معاوية، قال فيها، بعد حمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: أيها الناس، والله ما بين جابَلْص وجابَلَق ابن بنت نبيء غيري وغير أخي.
إلى قوله - عليه السلام -: وإنكم قد دُعيتم إلى أمر ليس فيه رضى ولا نصفة، فإن كنتم تريدون الله واليوم الآخر، حاكمناهم إلى ظبات السيوف، وأطراف الرماح، وإن كنتم تريدون الحياة الدنيا، أخذنا لكم العافية.
فتنادى الناس من جوانب المسجد: البقية البقية.
أخرجها الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي .
وأخرج الذهبي عن ابن دريد نحوها، وفيها: ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم؛ وإنما نعاملهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعدواة، والصبر بالجزع؛ وكنتم في منفذكم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم؛ ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم...إلخ.
وقال - عليه السلام -: يا أهل الكوفة، والله، لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث: لقتلكم أبي، وطعنكم فخذي، وانتهابكم ثقلي.
رواه الإمام أبو طالب ، وأبو العباس عليهما السلام.
وحكى ابن عبد ربه في عقده، والمسعودي في مروجه، ما معناه، أن معاوية قال للحسن - عليه السلام -: قم، فأعلم الناس أنك قد سلّمت الأمر إليّ.
فقام الحسن، وشكى من أهل العراق؛ وكان مما قال: أما والله، يا أهل العراق، لو لم أذهل عنكم إلا /38
لثلاث لكانت كافية: وهي قتلكم لأبي، وسلبكم لرحلي، وطعنكم لفخذي.
ثم قال: وإنما الخليفة من عمل بكتاب الله وسنة نبيه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-؛ فأما صاحبكم هذا، فإنما هو رجل قد ملك ملكاً، يتمتع به قليلاً، ويعذب بسببه طويلاً.
وروي: وتبقى تبعته؛ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.
ومن كلامه - عليه السلام - لهم: خالفتم أبي، حتى حكَّم وهو كاره، ثم دعاكم إلى قتال أهل الشام، فأبيتم، حتى صار إلى كرامة الله؛ ثم بايعتموني، على أن تسالموا من سالمني، وتحاربوا من حاربني؛ وقد أتاني أن أهل الشرف منكم، قد أتوا معاوية، فحسبي منكم؛ لا تغروني من نفسي وديني.
رواه المدائني.
وروي أيضاً، أن الحسن - عليه السلام - خطب، بعد أن سأله معاوية، فقال فيها: الحمد لله، الذي توحد في ملكه، وتفرد في ربوبيته.
ثم ذكر علياً - عليه السلام -، فقال: ولقد اختصه بفضل، لم تعدوا مثله، ولم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات، طال ما قلّبتم له الأمور، حتى أعلاه الله عليكم، وهو صاحبكم وعدوّكم، في بدر وأخواتها.
حتى قال: ولقد وجه الله إليكم فتنة، لن تصدروا عنها حتى تهلكوا؛ لطاعتكم طواغيتكم، وانضوائكم إلى شياطينكم؛ فعند الله أحتسب ما مضى وما ينتظر، من سوء دعتكم، وحيف حكمكم.
يا أهل الكوفة، لقد فارقكم بالأمس سهم من مرامي الله، صائب على أعداء الله، نكال على فجّار قريش، لم يزل آخذاً بحناجرها، جاثماً على أنفاسها.
إلى قوله: أعطى الكتاب خواتمه وعزائمه؛ دعاه فأجابه، وقاده فاتبعه، لا تأخذه في الله لومة لائم ـ فصلوات الله عليه ورحمته ـ.
[جواب الإمام الحسن (ع) على سفيان بن الليل ]
أخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى عدي بن ثابت ، عن سفيان بن الليل ، قال: دخلت على الحسن بن علي /39
- عليهما السلام -، فقلت: السلام عليك، يا مُذلّ رقاب المؤمنين، أنت ـ والله بأبي وأمي ـ أذللتَ رقابنا مرتين.
يعني حين سلّمت الأمر.
إلى قوله: ومعك مائة ألف، كلهم يموتون دونك.
فقال: يا سفيان بن الليل ، إني سمعت أبي يقول: سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((يلي الأمة ـ أو أمتي ـ رجل واسع البلعوم، رحب الضرس، يأكل ولا يشبع، ولا ينظر الله إليه )).
قال: ما جاء بك يا سفيان؟
قلت: حبّكم أهل البيت.
قال: إذاً ـ والله ـ تكون معنا هكذا ـ وألصق بين إصبعيه السبابتين ـ.
وأخرجه الإمام المنصور بالله من طريقه - عليه السلام -.
وأخرجه أبو الفرج الأصفهاني ، من طريقين: إحداهما، عن الشعبي ، وفيهما: إني سمعتُ أبي علياً يقول: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((لا تذهب الليالي والأيام، حتى يجتمع أمر هذه الأمة، على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر)) وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
وفيهما: فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبهم من أمتي، كهاتين )) يعني السبابتين.
إلى قوله: أبشر يا سفيان؛ فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقوله في حديث سفيان: ((يلي أمتي رجل... إلخ))، رواه محمد بن سليمان والمدائني، موقوفاً على علي؛ وأبو الفرج الأصفهاني بطريقين، وروى نحوه الجاحظ ، عن أبي ذر ؛ وإبراهيم الثقفي ، عن أنس، مرفوعاً.
قلت: ورواه في الحدائق؛ قال فيها: وروينا بالإسناد، عن سفيان بن الليل .
وساق رواته المرشد بالله في الخبر /40
وفي شرح النهج: قال المدائني: ودخل عليه سفيان بن أبي ليلى النهدي، فقال: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين.
فقال الحسن: اجلس ـ يرحمك الله ـ؛ إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رُفع له ملك بني أميّة، فنظر إليهم يعلون على منبره، واحداً فواحداً، فشقّ ذلك عليه؛ فأنزل الله تعالى في ذلك قرآنا، قال له: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ } [الإسراء:60]، وسمعتُ أبي علياً ـ رحمه الله ـ يقول: سيلي أمر هذه الأمة رجل، واسع البلعوم، كبير البطن.
فسألته: من هو؟
فقال: معاوية.
وقال لي: إن القرآن قد نطق بملك بني أمية ومدتهم، قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، قال أبي: هذا ملك بني أمية.
وأخرج الإمام المرشد بالله - عليه السلام -، بسنده إلى الحسن بن علي عليهما السلام، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رفع إليه ملك بني أمية، فنظر إليهم يعلون على منبره، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } [الكوثر:1]، نَهْرَ الجنة، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر:1]...إلى قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } [القدر:3]، من ملك بني أمية.
قال القاسم:ـ قلت: أي ابن الفضل أحد الرواة ـ: فَحَسَبْنَا ملكهم، فانقرض لألف شهر.
وروى معنى ما ذكر في سورة القدر في الحدائق.
وأخرج ذلك الترمذي ، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -.
وأخرج النيسابوري في تفسير سورة القدر أفاده في النصائح، قال فيها: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه في الدلائل، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب ، قال: رأى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية.
إلى قوله: وهو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ } [الإسراء:60]، انتهى.
وفي أنوار اليقين : وروى الإمام الحاكم رحمه الله، بإسناده في الشجرة الملعونة في القرآن، أنهم بنو أمية.
وفي تفريج الكروب : رأى /41
رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بني أمية ينزون على منبره نزو القردة.
حتى قال: فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا... الآية}.
أخرجه الثعلبي في تفسيره، بإسناده عن سعد.
قال: وقد روي حديث الرؤيا لبني أمية بألفاظ مختلفة، وقد استوفى المأثور في ذلك السيوطي في الدر المنثور.
وقد ذكر الرازي في مفاتيح الغيب ، فقال: عن ابن عباس، أن الشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية؛ وأنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رأى بني أمية يتداولون [على] منبره، انتهى.
[جواب الإمام الحسن (ع) على الإمام الحسين (ع) في موادعة معاوية]
قال الحسين للحسن عليهما السلام: أجاد أنت فيما أرى من موادعة معاوية؟
قال: نعم.
قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ـ ثلاثاً ـ.
ثم قال: لو لم نكن إلا في ألف رجل، لكان ينبغي لنا أن نقاتل عن حقنا، حتى ندركه، أو نموت وقد أعذرنا.
فقال الحسن: فكيف لنا بألف رجل مسلمين؟ إني أذكرك الله يا أخي، أن تفسد عليّ ما أريد، أو ترد علي أمري؛ فوالله، ما آلوك ونفسي وأمة محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خيراً؛ إنك ترى ما نقاسي من الناس، وما كان يقاسي منهم أبوك من قبلنا، حتى كان يرغب إلى الله في فراقهم، كل صباح ومساء؛ ثم قد ترى ما صنعوا بي؛ أفبهؤلاء نرجوا أن ندرك حقنا؟ إنا اليوم ـ يا أخي ـ في سعة وعذر، كما وسعنا العذر يوم قُبض نبينا.
فسكت الحسين.
رواه الإمام الحسن - عليه السلام - في الأنوار، والفقيه حميد في الحدائق.
[من كتاب الحسن (ع) إلى معاوية]
ومن كتاب الحسن - عليه السلام - إلى معاوية، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، قال - عليه السلام -: فلما توفي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته، وأسرته وأولياؤه.
إلى قوله - عليه السلام -: فأنعمت لهم العرب، وسلمت ذلك.
حتى قال: فلما صرنا ـ أهل بيت محمد وأولياءه ـ إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم، باعدونا /42
واستولوا بالإجماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا؛ فالموعد الله، وهو الولي النصير.
ثم قال: فأمسكنا عن منازعتهم، مخافة على الدين، أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزاً يثلمونه به، أو يكون بذلك لهم سبب، لما أرادوا من إفساده، فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية، على أمر لست من أهله.
إلى قوله: فأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدَأِ قريش لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولكتابه، والله حسيبك، وسترد فتعلم لمن عقبى الدار...إلخ.
رواه أبو الفرج في المقاتل، وروى نحوه المدائني، ورواهما شارح النهج عنهما، وغيره.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: وقد اعترف ابن حجر في شرح الهمزية ، بتفرق الناس، وانتشار النظام، عن الحسن بن علي - عليهما السلام -؛ ورواه الحاكم في المستدرك ، واعترف به المقبلي في أبحاثه؛ ذكر هذا المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير - رضي الله عنه -.
قال: وروى الذهبي في النبلاء من طرق، ما يفيد تفرق الناس عنه؛ ورواه أبو الفرج الأصفهاني والمدائني، وروى أبو جعفر الطبري نحو ذلك.
قلت: ومن أعلام النبوة إشارة قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((قاما أو قعدا )) وتصريح قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحسن - عليه السلام -، وهو على المنبر: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يبقيه حتى يصلح بين فئتين من المسلمين )) بهذا اللفظ رواه الإمام المرشد بالله، بسنده إلى جعفر الصادق، عن أبيه الباقر - عليهما السلام -، عن جابر بن عبد الله ؛ وقد سبقت رواية البخاري له، وغيره.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وتواترت الآثار الصحاح عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال في الحسن بن علي: ((إن ابني هذا سيد... إلخ)).
والأخبار متفقة على ما ذكره من صدره /43
وهذا يدل على أن الصلح أولى من القتال، في هذه الحال؛ كما كان كذلك في صلح الحديبية، وأن الحسن السبط مصيب للحق، مرضي الفعال؛ ولا دلالة فيه على إصابة البغاة القاسطين، كما لا دلالة في صلح الحديبية على ذلك في حق الكافرين، ولا على الرضى بشيء مما هم عليه من الضلال، وقد أطلق على الجميع في بعض رواياته اسم الإسلام، والمراد المعنى العام، الذي هو الاستسلام، وإظهار الشهاديتن والصلاة، ونحوها من الأشياء التي يفارقون بها في الأحكام ، أهلَ الكتابين وعبدةَ الأصنام، كما قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا }...الآية، [الحجرات:14].
وقد سبق الاستدلال على ذلك، وهو معلوم لمن له بمعالم الإسلام أي إلمام.
[وصية الإمام الحسن (ع) لما حضرته الوفاة]
هذا، وقد افترت الحشوية عليه، كما افترت على أبويه؛ من ذلك: ما وضعوه في وصيّته للحسين - عليهما السلام -، التي أوردها ابن عبد البر مقطوعة السند، غير معزوة إلى أحد.
ونقلها منه الطبري في الذخائر، والأمير في شرح التحفة .
وبطلانها لا يخفى على ذوي البصائر؛ لمخالفتها المعلوم من الكتاب والسنة، وما عليه أهل بيت النبوة، بالضرورة.
والذي عند أهل بيت محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من روايات وصية أبيهم الحسن - عليه السلام - نحو ما أشار إليه السيد الإمام؛ وقد روى معناه أبو العباس الحسني .
وروى الإمام الحسن بن بدر الدين - عليه السلام - في الأنوار، أنه لما حضرته الوفاة، قال لأخيه الحسين بن علي - عليهما السلام -: اكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي.
وساق في الشهادة لله تعالى...إلى قوله: وإني أوصيك يا حسين، بمن خلفت من أهلي، وولدي ونسائي، وأهل بيتك، أن تحفظ منهم ما أوصاك الله به، وأن توالي وليّهم، وتعادي عدوّهم، /44
وأن تكون لهم والداً، وأن تغفر لمسيئهم، وتقبل من محسنهم، وأن تدفني مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فإني أقرب إليه وأحق به ممن دخل بيته بغير إذنه، ولا بعهد عنده منه؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } [الأحزاب:53]، فوالله، ما أمروا بالدخول من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولا جاءهم كتاب من بعده بالإذن، فإن أبت عليك الامرأة، فأناشدك الله والقرابة، التي قرب الله منك، والرحم الماسّة برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وفاطمة، وأمير المؤمنين، وسيد المسلمين، علي بن أبي طالب ؛ أن تهريق فيَّ دم محجمة، حتى نلقى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غداً، فنختصم عنده، ونخبره بما كان من الناس إلينا بعده.
ثم قُبض ـ رحمة الله عليه ورضوانه ومغفرته ـ.
[السبط الأصغر الحسين بن علي (ع)]
الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ، أبو عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، وريحانة جدّه من الدنيا، الإمام قام أو قعد؛ مولده بالمدينة، في شعبان، سنة أربع من الهجرة؛ فبينه وبين الحسن مدة الحمل وأربعون يوماً.
قلت: أما أنه ليس بينهما إلا ما ذكر، فهو الصحيح في رواية أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ولكن يحمل على أن مدة الحمل تسعة أشهر وعشرون يوماً، لا على ما حمله عليه ابن حجر في الإصابة، من أنه لم يكن الطهر إلا بعد شهرين، فلا يصح ذلك، كما لا يخفى.
قال: تربى في حجر جده، وله عنه رواية، وأكثر الرواية عن أبيه؛ وشهد مع أبيه الجمل وصفين، ولبث في الكوفة حياة أبيه، ثم مع أخيه الحسن، حتى رجعا إلى المدينة، ولم يزل بالمدينة، حتى توفي الحسن، وحتى جاء نعي معاوية، سنة ستين؛ وورد الأمر بالبيعة ليزيد، فامتنع منها، فخرج من المدينة ليلاً، بمن معه من أهل بيته وبني عمه، نحو مكة /45
فقدمها، وأقام بها خمسة أشهر، ووردت عليه كتب العراقيين بالبيعة؛ فبعث مسلم بن عقيل ، فكتب إليه كتاباً يستقدمه؛ فخرج في ذي الحجة لثمان مضت منها، سنة ستين، ولم يزل سائراً حتى ورد كربلاء بمن معه؛ وفيها قُتل ومن معه، في عاشر شهر محرم، سنة إحدى وستين.
وتولى حزّ رأسه سنان بن أنس النخعي ، ويقال: شمر بن ذي الجوشن .
وحمل رأسه خولي بن يزيد ، إلى ابن زياد ، ثم إلى يزيد بن معاوية .
ودفنت جثته ـ صلوات الله عليه ـ في الموضع المعروف بكربلاء، وعليه مشهد مزور معروف.
ورأسه ذكر المقريزي في أخبار مصر ، أنه نُقل إلى مصر، بدولة الفاطميين.
وحج خمساً وعشرين حجة، ماشياً، والنجائب تقاد.
روى عنه أولاده، منهم: علي بن الحسين، وغيرهم، ممن قتل معه.
أخرج له الستة، وأئمتنا جميعهم، إلا الشريف السيلقي ، انتهى كلام الطبقات بلفظه.
هذا، والوارد من الأخبار في الحسين السبط وفي استشهاده عن جده المختار، وأبيه الكرار ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وما ظهر في شأنه من الآيات البينات، واضحة المنار، لذوي الأبصار، وكذا ما نزل بأعداء الله وأعداء رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - القاتلين له من النكال والبوار، والخزي والدمار؛ أَضْرَبْتُ عن الخوض فيها للاختصار، ولمكانها من الاشتهار، قد مُلئت بها الأسفار، وسارت مسير الشموس والأقمار.
نعم، وكان الأولى بالتقديم بعد أصحاب الكساء ـ صلوات الله عليهم ـ سائر القرابة، ثم الصحابة؛ ولكن جريتُ في هذا على ما جرى من الترتيب، والله تعالى ولي الإعانة والتوفيق.
---
قال في الطبقات : (فصل) ومن هنا الشروع على حروف المعجم.
(فصل: الهمزة)
[أبي بن كعب الأنصاري ]
أبيّ (بضم الهمزة، وفتح الموحدة) بن كعب بن قيس الأنصاري /46
الخزرجي، النجاري، البدري، أبو المنذر، وأبو الطفيل، سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدراً وغيرها من المشاهد.
خرج له الشيخان ثلاثة عشر حديثاً، وخرج له الأربعة أيضاً، وبعض أئمتنا.
والأكثر أنه مات في خلافة عمر بالمدينة، ودُفن بها.
روى عنه ابن بشير، وأبو رافع، والنخعي، والطفيل بن أبي، ومن الصحابة: سهل بن سعد، ورافع بن خديج، ورفاعة، انتهى.
وله المقام المحمود، الذي رواه الإمامان: محمد بن عبد الله النفس الزكية، ويحيى بن عبد الله، عن آبائهما، عن علي ـ عليهم السلام ـ أوضح فيه الحجة، ولم تأخذه في الله لومة لائم؛ وقد سبق ذكره - رضي الله عنه -.
[أسامة بن زيد مأمور النبي لغزو الشام]
أسامة بن زيد بن حارثة القضاعي، الكلبي نسباً، الهاشمي ولاءً، أبو زيد المدني، كان مولى لخديجة بنت خويلد.
قلت: أي أبوه.
قال: فوهبته للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو ابن ثمان، وكان يدعى زيد بن محمد، فنزل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5].
قلت: وغيرها، كقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب:40]، وقد يتعلق بها غلف القلوب، من طغام النواصب، الذين لا يفهمون التنزيل، ولا يفقهون التأويل، والآية واضحة في نفي نسبة رجالهم إليه، لا نفي رجاله وذريته وعترته وأبنائه، بصريح الكتاب، في قوله ـ عز وجل ـ: {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران:61]، ودعا الحسنين، بإجماع الأمة؛ وبمتواتر السنة المعلومة.
ومثل هذا الكلام، لا يصدر إلا عن جهلة الأنام، الذين هم أشبه شيء بالأنعام، ولا يتجاسر أن يتفوه به من له أدنى مسكة من الإسلام.
قال السيد الإمام: وأمه أم أيمن، وكان النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمَّره على جلّة المهاجرين /47
قلت: وذلك في بعث أسامة المشهور، الذي بعثه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قبيل الوفاة، وشدد في تنفيذه غاية التشديد، وتوعّد على التخلف عنه نهاية الوعيد؛ وكان في جملته أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وغيرهم، من المهاجرين والأنصار، غير أهل بيت النبوة؛ وتخلف المذكورون عن الجيش، وكان من أمر السقيفة ما كان؛ وجميع ذلك معلوم للأنام، متفق على نقله بين أهل الإسلام.
قال الإمام الحجة، عبد الله بن حمزة - عليه السلام - جواباً على صاحب الخارقة: ولو صحّ ما ذكرت من أمر رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأبي بكر بالصلاة، لما دلّ على الإمامة؛ لأن الكل من آحاد الصحابة كان يصلي بالجميع، وأهل بيت الرسول مشغولون بأمره، فما في هذا من دليل على الإمامة؛ وقد عقد الولاية لأسامة بن زيد، على جلّة المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر؛ والولاية بالأمارة أقرب إلى الإمامة.
إلى قوله - عليه السلام -: إن الحجة عليهما باقية؛ فإنهما لم يأتمرا بأمر الله ورسوله، في الخروج مع أسامة...إلى آخره.
وهذا عارض جَرّ إليه المذكور، وإلى الله ترجع الأمور.
قال: واعتزل الفتن، وعنده علي - عليه السلام -.
وذكر السيد المرشد بالله، أنه لم يقاتل مع علي، مع تفضيله لعلي، تأولاً منه أنه لا يقاتل أهل الشهادتين ـ هكذا قيل ـ والذي نقلناه من خط شيخنا، أنه لما قَتَل القَتِيل بعد أن شهد الشهادتين، ولقي من رسول الله من الكلام، الذي ود أنه لم يسلم إلا ذلك اليوم، أنه آلى على نفسه أنه لا يَكْلُم مسلماً، ولا يقاتل مسلماً؛ ولذلك قعد عن علي - عليه السلام - يوم صفين والجمل، انتهى.
توفي سنة أربع وخمسين، وروى عنه عبد الرحمن بن عوف، وكريب، وأبو ظبيان؛ وأخرج له الستة، وبعض أئمتنا، انتهى.
قلت: وما ذكر غير مخلص، وقد قال الله ـ عز وجل ـ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي /48
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات:9]، وقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فيما تواتر عنه: ((علي مع الحق، والحق مع علي )) وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((وانصر من نصره، واخذل من خذله )) وأخبار الناكثين، والقاسطين، والمارقين؛ وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لعمار: ((تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار )) في آيات تتلى، وأخبار تملى.
[أسلع بن شريك خادم النبي (ص)]
أسلع بن شريك بن عوف التميمي ـ في الأصح ـ وهو خادم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وصاحب راحلته؛ له حديث في التيمم، ذكره النواوي في التهذيب، والسيد المؤيد بالله .
وروى عنه ولده بدر؛ أخرج له ـ وبعده بياض ـ.
قال: ومن أئمتنا: المؤيد بالله فقط.
قلت: في الهامش: لم يخرج لأسلع الستة، وأهمله صاحب التقريب .
قلت: وليس له تاريخ وفاة في الطبقات ، ولا في الاستيعاب لابن عبد البر، ولا الإصابة لابن حجر، ولا جامع الأصول لابن الأثير، ولا الخلاصة للخزرجي.
ومن لم أذكر تاريخه، فلم أجده في هذه ولا في غيرها من كتب البحث، والله أعلم.
[أسيد بن أبي إياس]
أسيد بن أبي إياس.
قلت: هو الكناني، الدؤلي؛ كان شاعراً، وهو الذي كان يحرض مشركي قريش على قتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فأهدر النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - دمه يوم الفتح؛ فأتاه وأسلم، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قلت: وصحح أنه بفتح الهمزة؛ ذكره الإمام أبو طالب ، وصاحب الإكمال /49
[أسيد بن حضير ]
أَسِيد (بفتح الهمزة، وكسر المهملة) ابن حضير (بمهملتين) ـ قلت: وفي الخلاصة : أُسيد (بالضم) ابن حضير (بمهملة ثم معجمة مصغراً) ابن سماك، الأشهلي، البدري، أبو يحيى؛ أحد النقباء، أسلم بعد العقبة الأولى.
إلى قوله: توفي بالمدينة، سنة عشرين، في شعبان؛ وقبره بالبقيع، وروى عنه أنس وابن أبي ليلى.
قال في الكاشف: وكان كثير النسيان.
أخرج له الجماعة، ومن أئمتنا: السيد المرشد بالله.
[بعض أخبار السقيفة والبيعة]
قلت: وفي أخبار السقيفة: فلما رأى بشير بن سعد الخزرجي ، ما اجتمعت عليه الأنصار، من تأمير سعد بن عبادة - وكان حاسداً له، وكان من سادة الخزرج - قام، فقال: أيها الأنصار.
إلى قوله: إن محمداً - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رجل من قريش، وقومه أحق بميراث أمره.
فقام أبو بكر، وقال: هذا عمر وأبو عبيدة، فبايعوا أيهما شئتم.
فقالا: لا والله، لا نتولى هذا الأمر عليك.
إلى قوله: فلما بسط يده، وذهبا يبايعانه، سبقهما إليه بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحُباب بن المنذر : يا بشير عَقَّكَ عَقَاقْ؛ والله، ما اضطرك إلى هذا الأمر إلا الحسد لابن عمك.
ولما رأت الأوس أن رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن حُضَ ير، وهو رأس الأوس، فبايع، حسداً لسعد أيضاً، ومنافسة أن يلي الأمر.
إلى قوله: واجتمعت بنو هاشم إلى بيت علي بن أبي طالب ، ومعهم الزبير، وكان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي - عليه السلام - يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت، حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا.
وساق إلى قوله: وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة، منهم: أسيد بن حضير ، وسلمة بن أسلم .
إلى قوله: فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج عليهم الزبير بسيفه؛ فقال عمر: /50
عليكم الكلب.
فوثب سلمة بن أسلم ، فأخذ السيف من يده، فضرب به الجدار.
ثم انطلقوا به وبعلي، ومعهما بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله، وأخو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع.
فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي؛ أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا ـ إن كنتم تخافون الله ـ من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون.
فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع.
فقال له علي: احلب حلباً لك شطره، اشدد له أمره؛ ليرد عليك غداً؛ لا والله، لا أقبل قولك، ولا أبايعه.
إلى قوله: فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم، ما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله؛ العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؛ والله، إنه لفينا؛ فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً.
فقال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان؛ ولكنهم قد بايعوا.
فانصرف إلى منزله ولم يبايع، .....إلى آخره.
أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، بسنده في كتاب أخبار السقيفة له.
قال شارح النهج: فأما امتناع علي من البيعة، حتى أُخرج على الوجه الذي أُخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه أهل السير؛ وقد ذكرنا ما ذكره الجوهري في هذا الباب، وهو من رجال /51
الحديث، ومن الثقات المأمونين؛ وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصى كثرة.
وقال فيه أيضاً: وهو عالم، كثير الأدب، ورع، ثقة، مأمون عند المحدثين، أثنى عليه المحدثون.
وروى نحو ما سبق في الكامل المنير ، وفيه: فقال علي: أنصفوا من أنفسكم..إلى قوله: وأنتم تعلمون.
وفيه: الله الله يا معشر المهاجرين..إلى قوله: فتزدادوا من الله بعداً.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: ورواه ابن جرير الطبري، في تاريخه، انتهى.
قال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي : فإنه لا خلاف بين الأمة أن أمير المؤمنين - عليه السلام - امتنع عن البيعة، وذكر أنه أولى بهذا الأمر، وأن العباس بن عبد المطلب قال لأمير المؤمنين - عليه السلام - بعد وقوع العقد لأبي بكر: امدد يدك أبايعك؛ فيقول الناس: عَمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع ابن أخيه؛ فلا يختلف عليك اثنان.
وليس هذا قول الراضي بالعقد الذي وقع.
ولا خلاف أن الزبير بن العوام قد امتنع من البيعة، وخرج شاهراً سيفه، إلى أن قال عمر ما قال، وأخذ سيفه فكسره.
ولا خلاف أيضاً أن خالد بن سعيد ، لما ورد من اليمن أظهر الخلاف، وحثّ بني هاشم وبني أمية على الخلاف؛ وقال: أرضيتم أن يلي عليكم تيمي.
وقال أبو سفيان لأمير المؤمنين - عليه السلام -: إن شئت ملأتها عليهم خيلاً ورجلاً.
وأمير المؤمنين - عليه السلام - قعد عنه، وقعد بنو هاشم أجمع، وامتنعوا من الحضور عنده.
وأظهر سلمان النكير، وقال: كرديد وبكرديد.
إلى قوله - عليه السلام -: وقد نقل الثقات في هذه القصة.
إلى قوله: وهو أنه ممن تخلّف عن بيعة أبي بكر: علي - عليه السلام - والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن /52
سعيد، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر ، والبراء بن عازب ، وأبي بن كعب.
قال - عليه السلام -: وكان خالد بن سعيد غائباً في اليمن، فقدم، فأتى علياً - عليه السلام -، فقال: هلم أبايعك، فوالله، ما في الناس أولى بمقام محمد منك، انتهى.
وفي شرح النهج: وروى الزبير بن بكار ، قال: روى محمد بن إسحاق، أن أبا بكر لما بويع، افتخرت بنو تيم بن مرة.
قال: وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار، لا يشكون أن علياً هو صاحب الأمر، بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قلت: وكذلك أبو بكر وعمر ومن معهم، يعلمون ذلك؛ وهم مقرون أن بيعتهم كانت فلتة، كما قال عمر على المنبر، وحَكَمَ على من عاد إلى مثلها بالقتل، كما رواه البخاري ومسلم، وهو معلوم النقل.
ولا يستنكر شيء بعد واقعة يوم الخميس.
[يوم الخميس] وما يوم الخميس به .... كل الرزية قال البحر هي هي هي
التي أخرجها الشيخان وغيرهما؛ بل أجمع على روايتها الخلق، من صدور النزاع، والتقديم بين يدي الله ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حتى أدى إلى منع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عما أراد من تأكيد عهده، وكتابة الكتاب الذي لا يضلون من بعده، وكان - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قد أقام الحجة، وأبان المحجّة؛ وإنما أراد التأكيد، وزيادة التبليغ؛ وفهم عمر ومن معه قصده؛ ولولا ذلك لما استطاع عمر ولا جميع الخلق منعه ولا رده.
وعلى كل حال، فلعمر الله، إن تلك واقعة في الإسلام، تذوب لها القلوب، وتقشعّر منها الجلود، من كل مَنْ بقي في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.
فلهذا كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ إذا ذكرها يبكي حتى يبلّ دمعه الحصى، ويقول: إنها الرزية كل الرزية؛ برواية البخاري ومسلم وغيرهما.
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة /53
من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً.
هذا، وكان أعيان المهاجرين والأنصار، وأرباب السبق منهم والفضيلة، والبشارات من الله تعالى على لسان رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غير راضين بما جرى من خلاف رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم الخميس، والرجوع عن الجيش الذي بعثه، وما تعقبه يوم السقيفة؛ ولا عادلين بأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، ولا خارجين عن ولايته، قضت بذلك الأخبار، الصحيحة المتفق عليها المعلومة.
وقد ندم كثير على ما كان منهم يوم السقيفة من الفلتة، لا سيما الأنصار، كما وردت بذلك الآثار.
وروى الجوهري بسنده إلى جرير بن المغيرة ، أن سلمان، والزبير، والأنصار، كان هواهم أن يبايعوا علياً - عليه السلام - بعد النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وروى بسنده عن حبيب بن أبي ثابت ، قال: قال سلمان يومئذ: أصبتم ذا السن منكم، وأخطأتم أهل بيت نبيكم؛ لو جعلتموها فيهم، ما اختلف عليكم اثنان، ولأكلتموها رغداً.
قال شارح النهج: هذا الخبر، هو الذي روته المتكلمون في باب الإمامة، عن سلمان، أنه قال: (كرديد وبكرديد)، تفسره الشيعة فتقول: أراد: أسلمتم وما أسلمتم...إلخ.
وروى الجوهري أيضاً، بسنده إلى أبي ذر ، أنه قال: لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم، لما اختلف عليكم اثنان.
وروى الزبير بن بكار ـ وهو من الزبيريين، وهم أهل الانحراف ـ بسنده، قال: لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وذكروا علي بن أبي طالب ، وهتفوا باسمه، وأنه في داره لم يخرج إليهم؛ وجزع لذلك المهاجرون، وكثر في ذلك الكلام.
وكان أشد قريش على الأنصار نفراً، منهم: سهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام ، /54
وعكرمة بن أبي جهل، المخزوميان؛ وهؤلاء أشراف قريش، الذين حاربوا النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وكلهم موتور.
ثم ذكر فروة بن عمرو ، قال: وكان ممن تخلّف عن بيعة أبي بكر، وكان ممن جاهد مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقاد فرسين في سبيل الله؛ وكان يتصدق من غلّة نخله بألف وسق في كل عام، وكان سيداً، وهو من أصحاب علي، وممن شهد معه يوم الجمل.
قال الزبير: ثم إن رجالاً من سفهاء قريش ومثيري الفتن، اجتمعوا إلى عمرو بن العاص، فقالوا له: إنك لسان قريش.
ثم حكى مسيره إلى المسجد، وكلامه في الأنصار.
قال: ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب ، وندم على قوله؛ للخؤولة بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار، ولأن الأنصار كانت تعظم علياً وتهتف باسمه حينئذ.
فقال الفضل: يا عمرو، إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك، وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد بالمدينة، إلا أن يأمرنا، فنفعل.
ثم رجع الفضل إلى علي، فحدثه، فغضب وشتم عمراً، وقال: آذى الله ورسوله.
ثم قام فأتى المسجد، فاجتمع إليه كثير من قريش، وتكلّم مغضباً، وقال - عليه السلام -: إنه مَنْ أحبّ الله ورسوله أحبّ الأنصار.
قال الزبير: فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص، فقالوا: أيها الرجل، أما إذا غضب علي فاكفف.
قال الزبير: وقال علي للفضل: انصر الأنصار بلسانك ويدك، فإنهم منك وإنك منهم.
فقال الفضل:
قلتَ يا عمرو مقالاً فاحشاً
إنما الأنصار سيف قاطعٌ
وسيوف قاطع مضربها
نصروا الدين وآووا أهله
وإذا الحرب تلظت نارها
إنْ تَعُد يا عمرو والله فلكْ
من تصبه ظبة السيف هلكْ
وسهام الله في يوم الحلكْ
منزل رحب ورزق مشتركْ
بركوا فيها إذا الموت بركْ
/55
ثم حكى أبيات حسان بن ثابت ، وقد بعثت إليه الأنصار، وقال له خزيمة بن ثابت : اذكر علياً وآله يكفك كل شيء، فقال:
جزى الله عنّا والجزاء بكفه .... أبا حسنٍ عنا ومَنْ كأبي حسنْ؟
سَبَقْتَ قريشاً بالذي أنت أهله .... فصدرك مشروح وقلبك ممتحنْ
..إلى قوله:
حَفِظْتَ رسول الله فينا وعهده .... إليك ومن أولى به منك من ومن؟
ألست أخاه في الهدى ووصيه .... وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن؟
فحقك ما دامت بنجد وشيجة .... عظيم علينا ثم بعد على اليمن
وذكر مما جرى بينهم قول زيد بن أرقم لعبد الرحمن بن عوف: إن ممن سميت من قريش، من لو طلب هذا الأمر لم ينازعه فيه أحد، علي بن أبي طالب .
قال الزبير: فلما كان الغد، قام أبو بكر فخطب الناس، وقال: أيها الناس، إني وليت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني؛ إن لي شيطاناً يعتريني، فإياكم وإياي إذا غضبت، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة...إلخ.
قلت: ليته ترك خيرهم يليهم، الذي لا يؤثر في أشعارهم وأبشارهم؛ بل يحملهم على الحق القويم، والصراط المستقيم، وهو الذي كان يقول، إذا علا المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني...الخبر.
وهو الذي نصبه لهم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم الغدير، وقرر ولايته، وهنأه بذلك أبو بكر وعمر.
* ولو لم يكن نصٌّ لقدَّمَه الفضل *
فكيف وفي الكتاب والسنة ما لا يحصر؟ إذاً والله لأراح واستراح؛ الله أعلم حيث يجعل رسالاته.
نعم، وذكر قول الفضل بن العباس: يا معشر قريش، إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة، ونحن أهلها /56
قلت: وهذه حجة عليهم لازمة، لا يجدون عنها محيصاً، ولا يستطيعون لها رداً؛ لأنه إذا بطل متمسك الخصم الذي ليس له شبهة سواه، بطلت دعواه.
ولهذا كرر الاحتجاج عليهم بها أمير المؤمنين، والحسنان، وسائر أهل بيت النبوة ـ صلوات الله عليهم ـ وهو مسلك من البيان، قد نطق به القرآن في غير مكان؛ مع أنه ـ صلوات الله عليه ـ قد احتج عليهم بنصوص الكتاب والسنة، في مقامات عديدة.
ومما اتفق عليه منها: يوم الشورى؛ ومنها: يوم استنشد الناس حديث غدير خم، وغيرهما.
وهم يعلمونها؛ ويقرّون بها، وما طال العهد، ولا بعد الأثر، ولذلك عدلوا إلى الاحتجاج عليهم بنفس حجتهم، وعين دليلهم، وهو من القلب، الذي يقال له القول بالموجب، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ مخاطباً لأبي بكر:
فإن كنت بالقربى حججت خصيمهم .... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ
وإن كنت بالشورى ملكت أمورهم .... فكيف تليها والمشيرون غيّبُ؟
وهذا واضح معلوم، لا يمتري فيه إلا جاهل محروم، أو متجاهل ملوم، وعند الله تجتمع الخصوم.
هذا؛ رجعنا إلى تمام الكلام:
ثم قال الفضل بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ: وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه.
ثم حكى ما دار بينهم في ذلك من الأشعار؛ ومنه قول بعض بني عبد المطلب:
ما كُنْتُ أحسب أن الأمر منتقل .... عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
...الأبيات المشهورة.
ومنها: قول لسان الأنصار وشاعرهم، النعمان بن عجلان ـ قال: وكان سيداً فخماً ـ من قصيدة له:
وكان هوانا في علي وإنه .... لأهل لها ياعمرو من حيث لاتدري
فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى .... وينهى عن الفحشاء والبغي والنكرِ
وصي النبي المصطفى وابن عمه .... وقاتل فرسان الضلالة والكفرِ
...إلى آخرها./57
وروى الجوهري، عن علي بن سلمان النوفلي، قال: سمعت أبياً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً، بعد يوم السقيفة؛ فذكر أمراً من أمره يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنتَ سمعتَ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ، ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير؟! لا كلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبداً.
وروى أيضاً، بسنده إلى الشعبي ، قال: قام الحسن بن علي - عليه السلام - إلى أبي بكر، وهو يخطب على المنبر، فقال له: انزل عن منبر أبي.
فقال أبو بكر: صدقت والله، إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي.
وروى أيضاً، بسنده إلى أبي جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - حديثاً، فيه: إن فاطمة ـ عليها السلام ـ سألت الأنصار النصرة لأمير المؤمنين - عليه السلام- فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل؛ لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.
فقال علي: أكنت أترك رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ميتاً في بيته لا أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟
وقالت فاطمة: ما صنع أبو حسن، إلا ما كان ينبغي، وصنعوا ما الله حسبهم.
انتهى المراد إيراده.
فهذا طرف يسير مما روته العامة، دَعْ عنك ما عند آل محمد ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ وقد ملأت أقوال الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في هذا الشأن الصحائف، وأجمع على نقل ذلك عند الموالف والمخالف، /58
كما قال عالم المعتزلة شارح النهج: واعلم أنها قد تواترت الأخبار عنه - عليه السلام - بنحو هذا القول، نحو قوله: ما زلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله، حتى يوم الناس هذا.
وقوله: اللهم اجز قريشاً، فإنها منعتني حقي، وغصبتني أمري.
وقوله: فجزت قريشاً عني الجوازي، فإنهم ظلموني حقي، واغتصبوني سلطان ابن أمي.
وقوله، وقد سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم، فقال: هلم فلنصرخ معاً، فإني ما زلت مظلوماً.
وقوله: إنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا.
وقوله: أرى تراثي نهباً.
وقوله: أصغيا بإنائنا، وحملا الناس على رقابنا.
وقوله: إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل؛ وإن طال السرى.
وقوله: ما زلت مُسْتأثَراً عليَّ، مدفوعاً عما أستحقه وأستوجبه.
قلت: ونحو قوله - عليه السلام -: حتى إذا قُبض رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذي أُمِروا بمودته، ونقلوا البناء عن رصّ أساسه، فبنوه في غير موضعه...إلى آخره.
وقوله - عليه السلام -: اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي...إلخ.
قال: وقد رواه الناس كافة.
وقوله - عليه السلام -: فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمَرّ من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار ...إلخ /59
قال الشارح: وقد روى كثير من المحدثين، أنه عقيب يوم السقيفة تألّم وتظلّم، واستنجد واستصرخ، حيث ساموه الحضور والبيعة؛ وأنه قال، وهو يشير إلى القبر: يا ابن أم، إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني؛ وأنه قال: وا جعفراه، ولا جعفر لي اليوم، وا حمزتاه، ولا حمزة لي اليوم.
وقال رجل ثقفي لعلي - عليه السلام - يوم الجمل: ما أعظم هذه الفتنة.
فقال علي - عليه السلام -: وأي فتنة هذه وأنا قائدها وأميرها؟ وإنما بدء الفتنة من يوم السقيفة، ثم يوم الشورى، ثم يوم الدار.
رواه أبو الحسن، أحمد بن موسى الطبري .
وفي الشافي : من طريق أبي رافع ، أنه - عليه السلام - قال لأهل الشورى: فأيم الله، إنكم لتعرفون مَنْ أولى الناس بهذا الأمر قديماً وحديثاً؛ وما منكم من أحد إلا وقد سمع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ووعى ما وعيته.
إلى قوله: وهذا حد ما يمكنه ويسقط عنه الفرض في ذلك الوقت، وعلى أنه - عليه السلام - لم يغفل الكلام والاحتجاج، والتعريف أنه أولى بالأمر، في مقام بعد مقام.
هذه خطبته قبل توجهه إلى البصرة؛ للحاق طلحة والزبير، بيوم، وسار في ثانيه: حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ثم قال: أما بعد، فإنه لما قبض رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قلنا: نحن أهله وعصبته وذريته، وأحق خلق الله به، لا ننازع سلطانه ولا حقه؛ وإنا لكذلك إذ انبرى لنا قوم نزعوا سلطان نبينا منا، وولّوه غيرنا؛ وأيم الله، لولا مخافة فرقة المسلمين، وأن يعود الكفر الثاني، ويبور الدين، لغيرنا ما استطعنا.
...إلخ، وقد سبق.
قال - عليه السلام -: ولأنه - عليه السلام - قد بين بما بعضه يكفي؛ ولأنه لو لم يبين اكتفى بعلمهم بالحال؛ لأن مَنْ له ولاية أمسك؛ كما فعل هارون بن عمران - عليهما السلام - وقد بقي معه أكثر ممن بقي مع علي ـ عليه /60
السلام ـ، ومُنْكَرهم أكبر من فعل الصحابة؛ أولئك اتخذوا الآلهة من دون الله، وهؤلاء أقاموا إماماً دون علي - عليه السلام - بغير دليل شرعي على فعلهم.
إلى قوله: وأما تكرير الفقيه للقهر والضعف والعجز.
قلت: وهذه من تمويهات السنية، التي لا يزالون يغترون بها مَنْ لا بصيرة له ولا روية.
قال - عليه السلام -: فلا وجه له؛ لأن مثل ذلك وأعظم منه قد جرى على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعلى من قبله من الأنبياء ـ عليهم السلام ـ.
إلى قوله: بل لو جعلت جنبة الحق مع المغلوب، لوجدتها أكثر، فما في كلامه هذا ما يلزم، لولا التلبيس على العوام، والمقلدين الطَّغام.
إلى قوله: ولما رأى - عليه السلام - من افتراق كلمة المسلمين، مع كثرة العدو، ونجوم الردة والنفاق، ووهن الإسلام بموت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ فكان نظره - عليه السلام - نظراً في صلاح عامة المسلمين، وإن كان - عليه السلام - مظلوماً مغصوباً على حقه؛ وقد حكى - عليه السلام - مثل ذلك في مواضع كثيرة، من قوله: فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، ومثل قوله: نسلّم ما سلمت أمور المسلمين.
[أفلح مولى النبي - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
أفلح (بفتح الهمزة، وسكون الفاء، فلام، فمهملة) مولى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وفي جامع الأصول : وقيل: مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ له ذكر في السجود من كتاب الصلاة، خرج له الجرجاني.
قلت: ولم يذكروا له تاريخ وفاة، وكذا أفلح بن أبي القعيس عمّ عائشة من الرضاعة، وهكذا عند مسلم، وعنده أيضاً أفلح بن قعيس، وعند البخاري أفلح أخو أبي القعيس (وهو بضم القاف، وفتح المهملة، وسكون التحتية، فسين مهملة).
عنه عراك بن مالك؛ له ذكر عند البخاري /61
ومسلم، وذكره محمد بن منصور في الرضاعة.
قلت: وفي خبره دليل على تحريم لبن الأب، كما هو الصحيح.
[أنس بن الحارث الأسدي]
أنس بن الحارث، من بني أسد.
قال المرشد بالله: كان له صحبة، قُتل مع الحسين بن علي - عليهما السلام - سنة ستين.
[خادم النبي أنس بن مالك ]
أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، الخزرجي، خادم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - منذ قدم المدينة إلى أن توفي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
مات وقد جاوز المائة، وهو من أصحاب الألوف.
أخرج له جميع أئمتنا وشيعتهم، وأصحاب الست المسانيد والسنن كلها.
عنه ثابت البناني ، وحميد الطويل ، وعلي بن زيد بن جدعان ، وعمر بن الوليد، والربيع بن أنس، والحسن، وخلق كثير.
قلت: سبق ذكر توبته عما جرى منه إلى الوصي - عليه السلام - وكان ينشر فضائله.
وروى عثمان بن مطرف أن رجلاً سأل أنس بن مالك في آخر عمره، عن علي بن أبي طالب ؛ فقال: إني آليت ألا أكتم حديثاً سُئلت عنه في علي بعد يوم الرحبة؛ ذاك رأس المتقين يوم القيامة؛ سمعته والله من نبيئكم.
[أوس بن الصامت ]
أوس (بفتح الهمزة، وسكون الواو، فمهملة) ابن الصامت الأنصاري، المظاهر من امرأته في نهار رمضان.
شهد بدراً وما بعدها؛ توفي أيام عثمان.
خرج له الهادي إلى الحق، وأبو داود.
عنه حسان بن عطية /62
(فصل الباء الموحدة)
[بديل بن ورقاء]
بديل (مصغر) بن ورقاء الخزاعي؛ قيل: أسلم عام الفتح، وقيل: تقدم وشهد حنيناً، والطائف، وتبوك.
عنه: ابناه.
قُتل على عهد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وقيل: يوم صفين؛ وقيل: المقتول في صفين ابنه عبد الله، ذكره في جامع الأصول والإصابة.
قلت: ويدل عليه قول الشاعر:
أبعد عمّار وبعد هاشم .... وابن بديل فارس الملاحم
ترجو البقاء ضل حكم الحاكم
[البراء بن عازب ]
البراء بن عازب الأنصاري، الأوسي، أبو عمارة، صحابي جليل القدر، استصغر هو وابن عمر يوم بدر، وشهد أحداً وما بعدها وبيعة الرضوان، وشهد مع أمير المؤمنين الجمل، وصفين، والنهروان.
عنه: ابن أبي ليلى وغيره.
توفي بالكوفة بعد التسعين.
خرج له أئمتنا الخمسة: الأخوان، والموفق بالله، والمرشد بالله، ومحمد بن منصور ـ عليهم السلام ـ؛ والستة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه.
[بريدة بن الحصيب ]
بريدة بن الحصيب ـ سبق ضبطه ـ الأسلمي؛ أسلم قبل بدر، وشهد خيبر.
خرج له أئمتنا الخمسة ـ عليهم السلام ـ، والستة.
توفي بمرو، سنة اثنتين وستين، وهو آخر الصحابة موتاً بخراسان.
روى عنه: ولده سليمان /63
[بشر بن عاصم]
بشر بن عاصم، كذا في الطبقات ؛ وأفاد في الاستيعاب أنه الثقفي، على قول الأكثر، وعن بعض: المخزومي.
وأفاد في الطبقات أنه أخرج المرشد بالله بإسناده إليه أن عمر أراد توليته فامتنع، وقال: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((يؤتى بالوالي فيوقف على الصراط فيهتز هزة، حتى يزول كل عضو من مكانه؛ فإن كان عادلاً مضى، وإن كان جائراً هوى في النار سبعين خريفاً )) وأخرجه عبد بن حميد عنه.
ومثله روي عن أبي ذر .
قلت: ولم يذكر من روى عنه.
وفي الاستيعاب أنه روى عنه أبو هلال محمد بن سليم الراسي ، وأبو وائل .
[بشير بن الخصاصية]
بشير (بفتح أوله) بن الخصاصية (بمعجمة، فمهملتين؛ بينهما ألف، فتحتيه، فهاء) وهي أمه.
وفي جامع الأصول بن معبد، مولى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
كان من أهل الصُّفَّة.
عنه: بشير بن نهيك ، وجري بن كليب .
خرج له المرشد بالله - عليه السلام - والأربعة، إلا الترمذي .
[بشير بن سعد]
عنه: محمد بن كعب.
بشير بن سعد بن ثعلبة الجلاس (بضم الجيم، وباللام مثقلاً) الأنصاري، الخزرجي.
بدري، عقبي، شهد أحداً والخندق، وقتل بعين التمر، سنة ثلاث عشرة مع أبي بكر.
قلت: وهو أول من بايعه من الأنصار، كما مَرّ في أخبار السقيفة.
قال: روى عنه: ولده النعمان /64
قلت: هو من القاسطين، كما سياتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
أخرج له: المرشد بالله، والنسائي.
[بشير بن عقربة]
بشير بن عقربة الجهني، أبو اليمان؛ سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من قام بخطبة لا يلتمس بها إلا رياء وسمعة، وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة )).
أخرجه المرشد بالله بإسناده إلى شريح بن عبيد ، وعبد الله بن عوف ، عنه.
[بلال بن الحارث]
بلال بن الحارث المزني، أبو عبد الرحمن؛ وفد في وفد مُزينة، سنة خمس، وكان معه لواؤها يوم الفتح؛ ثم سكن الأشعر، وراء المدينة، حتى توفي، سنة ستين، عن ثمانين.
عنه: ولده الحارث، وعلقمة بن وقاص .
خرج له: أبو طالب ، ومحمد، والأربعة.
[بلال بن رباح]
بلال بن حمامة، نسبة إلى أمه، وأبوه رباح (بمهملتين، بينهما موحدة، وألف) الحبشي؛ كان من السابقين، وخدم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأذَّن له.
توفي بدمشق، سنة عشرين، عن أربع وستين.
خرج له: زيد بن علي، والهادي إلى الحق، والثلاثة من أئمتنا عليهم السلام، والستة.
عنه: أبو إدريس الخولاني ، والأسود حديث: ((إنه كان يثني الأذان والإقامة )) عن عمران اليحصبي.
(فصل التاء)
[تميم بن أوس الداري]
تميم بن أوس بن حارثة الداري، وقيل: الديري نسبة إلى دير كان يتعبد فيه.
أسلم سنة تسع، /65
وهو أول من سرج المسجد.
سكن المدينة، ثم بيت المقدس.
توفي سنة أربعين.
أخرج له: المرشد بالله، ومسلم، والأربعة.
عنه: عطاء، وغيره.
[تميم بن عرفة]
تميم بن عرفة المازني.
عنه: ولده عباد.
خرج له: المرشد بالله، وغيره.
(فصل الثاء المثلثة)
[ثابت بن قيس الخزرجي]
ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي ؛ شهد أحداً وما بعدها.
استشهد باليمامة بقتال الردة، سنة إحدى عشرة.
عنه: ابنه عدي وغيره.
أخرج له: أبو طالب ، ومحمد، والبخاري، وأبو داود.
[ثوبان بن بُجْدُد]
ثوبان بن بجدد (بضم الموحدة، وسكون الجيم، فدال مهملة مضمومة مكررة) أبو عبد الله؛ أعتقه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فلازمه؛ فلما توفي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خرج إلى الشام؛ وتوفي بحمص، سنة أربع أو خمس وأربعين.
عنه: سالم بن أبي الجعد، وغيره.
(فصل الجيم المعجمة من أسفل)
[شقيق الوصي: جعفر بن أبي طالب ]
جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عبد الله، وأبو المساكين، ذو الجناحين.
ولد بعد عقيل بعشر سنين؛ وأمه فاطمة بنت أسد.
أسلم بمكة، ثم هاجر إلى الحبشة، واجتمع بالنجاشي، وقرأ عليه سورة مريم، /66
وأسلم على يديه؛ ثم رجع يوم فتح خيبر، فالتزمه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقبَّله، وقال: ((ما أدري بأيهما أُسَرّ ـ أو أفرح ـ بفتح خيبر، أو قدوم جعفر؟ )).
ثم بعثه إلى مؤتة (بضم الميم، وسكون الهمزة، ومثناة فوقية) من أرض الشام، وبها قُتل، سنة ثمان.
أخرج له: أبو طالب ، والقاضي زيد، وأبو داود صلاة التسبيح.
هذه ترجمته بتمامها في الطبقات ؛ وقد تقدم في الفصول السابقة من فضائله ما يكفي.
[جابر بن سمرة السوائي]
جابر بن سمرة (بفتح السين المهملة تخفيفاً ـ والأكثر ضمها ـ) بن جنادة السوائي، كان وأبوه صحابيين.
وروى عنه: سماك بن حرب ، والمسيب بن رافع .
توفي بالكوفة، سنة ثلاث وسبعين.
[آخر الصحابة موتاً بالمدينة: جابر بن عبد الله ]
جابر بن عبد الله الأنصاري، الخزرجي؛ غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بضع عشرة غزوة.
قلت: وفي الاستيعاب: أنه شهد صفين مع أمير المؤمنين - عليه السلام - واستشهد والده بأحد ـ رضوان الله عليهما ـ.
وكان جابر من سادات الصحابة وفضلائهم، وأهل الولاء الخالص لأمير المؤمنين وأهل بيته ـ عليهم السلام ـ.
توفي بالمدينة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن أربع وتسعين؛ وهو آخر الصحابة موتاً بها.
خرج له: أئمتنا الخمسة، وجماعة العامة.
روى عنه: الباقر، وأبلغه السلام عن جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأخوه الإمام الأعظم زيد بن علي - عليهما السلام -، والحسن البصري، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن المنذر حديث: ((اللهم رب هذه الدعوة )) وعطية زيارة قبر الحسين - عليه السلام -، وأبو الزَّبِيْر المكي، /67
والشعبي، وعمرو بن دينار ، حديث: ((لأعطين الراية... الخبر)).
[الجارود بن عمرو الكندي]
الجارود بن عمرو بن العلاء الكندي، أبو المنذر.
قال المرشد بالله: في نسبه اختلاف.
قدم على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سنة تسع، فأسلم، مع وفد عبد قيس؛ ثم سكن البصرة، وقُتل بأرض فارس، في حداقة، سنة إحدى وعشرين.
عنه: مطرف بن الشخير، وابن سيرين .
قلت: وصفه أمير المؤمنين - عليه السلام - بالصلاح.
قال شارح النهج: كان يقال: أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلا.
لما قُبض رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فارتدت العرب، خطب قومه، فقال: أيها الناس، إن كان محمد قد مات، فإن الله حيٌّ لا يموت؛ فاستمسكوا بدينكم.
إلى قوله: فما خالفه من عبد القيس أحد؛ انتهى.
وترجم له في الطبقات ثانياً، فقال: الجارود العبدي؛ اختلف في اسمه ونسبه، وكنيته ولقبه.
إلى قوله: ذكره الهادي - عليه السلام -.
[جَبَّار بن صخر]
جبَّار (بفتح أوله، وتثقيل الموحدة، وآخره مهملة) بن صخر ـ هكذا في نسخة صحيحة من شرح التجريد وهو الصواب ـ أبو عبد الله.
عنه: جابر بن عبد الله .
خرج له: المؤيد بالله .
قلت: لم يذكر في الطبقات وفاته.
وفي الاستيعاب أنه شهد بدراً وأحداً وما بعدها؛ وكان أحد السبعين ليلة العقبة، وآخى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بينه وبين المقداد، وأنه توفي سنة ثلاثين.
ثم ذكر قيامه مع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الصلاة عن يساره وجعله عن يمينه؛ والخبر مذكور في موقف /68
المؤتم مع الإمام.
[جبير بن مطعم]
جبير (على صيغة التصغير) بن مطعم، القرشي، النوفلي؛ أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه؛ وكان سيداً حكيماً.
توفي سنة ثمان ـ أو تسع ـ وخمسين، بالمدينة.
أخرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله - عليهما السلام -، والجماعة.
[جرهد]
جرهد (بضم أوله، فمهملتين، بينهما هاء) وفي جامع الأصول بفتحه، اختلف في نسبه.
من أهل الصفة؛ له حديث ((الفخذ عورة )) أخرجه المؤيد بالله ، ومحمد، وأبو داود، والترمذي.
وعنه: ولداه عبد الله وعبد الرحمن.
توفي سنة إحدى وستين.
في بعض نسخ أصول الأحكام : (جوهر) وهو وهم.
[جرير بن عبد الله البجلي ـ وبحث في خبر الفاسق]
جرير بن عبد الله البجلي ؛ قدم سنة عشر؛ مات سنة إحدى وستين.
قال السيد الإمام - عليه السلام -: إن قيل: كيف قبلتم روايته، مع تضعيف الأمير الحسين وغيره له من أئمتنا؛ وذلك لميله عن علي - عليه السلام - ولحوقه بمعاوية، وإحراق أمير المؤمنين بيته وطعامه؟
قلنا: أما من قبل فساق التأويل، فظاهر في قبول روايته؛ ويقبل ما كان غير معارض.
ومن لم يقبل، قال: كان ما رواه السيدان المؤيد بالله ، وأبو طالب حال ستره، وقبل ظهور ما ظهر منه.
إلى قوله: أو حجة على الخصم، وقد صح من طريق أخرى.
أخرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله - عليهما السلام -، والجماعة.
وعنه: /69
عبد الملك بن عمير وغيره.
قلت: قوله: أما من قبل فساق التأويل فظاهر، يقال: لا لعمر الله ـ تعالى ـ ليس بظاهر؛ إنما ذلك فيمن يحتمل التأويل؛ أما من ظهرت منه الجرأة والمجاهرة، اتباعاً للهوى، وميلاً إلى الدنيا، فلا؛ ولهذا ضعفه الأمير الحسين - عليه السلام - وغيره من أئمتنا؛ القابلين للمتأولين؛ وأي شبهة تحتمل في رفض سيد الوصيين، وأخي سيّد النبيين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ الذي صرحت نصوص الكتاب والسنة المتواترة بوجوب ولايته، ولزوم طاعته، وأن الحق والقرآن معه، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، ووليه وليه، وعدوّه عدوّه؟!
وفرق الناكثين والقاسطين والمارقين قد قطعت النصوص المعلومة، طرقَ الاحتمالات لهم والتأويلات المزعومة؛ وكذا معاملة أمير المؤمنين عليه السلام لهم بالقتل والقتال، وإنزاله بهم أشد النكال، يسد باب التأويل والاحتمال، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
أيقال: التبست عليهم الحال وداخلتهم الشبه، في الترجيح بين طاعته وطاعة معاوية قائد الفئة الباغية، ورأس الأحزاب، ومبدل أحكام الكتاب؟
كلاّ والله، إن ذلك من المحال؛ وإنما هو ما حذرهم الله ـ سبحانه ـ في كتابه وسنة رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من التبديل والتغيير، والانقلاب على الأعقاب.
فيحقق هذا؛ فإنه من المواطن التي زلت فيها أقدام كثير من الأقوام؛ وطالب النجاة المتحري لمطابقة مراد الله ـ تعالى ـ لا يعرج على القال والقيل، بل يتبع الدليل، والله الهادي إلى خير سبيل.
هذا، وفي شرح النهج: وروى الحارث بن خطيرة أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين من نعاله، وقال: ((احتفظ بهما، فإن في ذهابهما ذهاب دينك )).
فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما؛ فلما أرسله /70
علي - عليه السلام - إلى معاوية، ذهبت الأخرى؛ ثم فارق علياً واعتزل الحرب.
هذا، وهو القائل:
فصلّى الإله على أحمد .... رسول المليك تمام النعمْ
رسول المليك ومن بعده .... خليفتنا القائم المدعمْ
علياً عنيتُ وصي النبي .... يجالد عنه غواة الأممْ
له الفضل والسبق والمكرمات .... وبيت النبوة لا يهتضمْ
وهو الراوي عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ما نصه: ((علي أول الناس إسلاماً، وأقرب الناس رحماً، وأفقه الناس في دين الله، وأضربهم بالسيف، وهو وصيي وخليفتي من بعدي، يصول بيدي، ويضرب بسيفي، وينطق بلساني، ويقضي بحكمي؛ لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا كافر منافق؛ وهو علم الهدى)) رواه في إشراق الإصباح ؛ أخرجه في شرح الغاية، والتفريج، ودلائل السبل الأربعة ، وغيرها.
[جنادة بن أبي أمية]
جنادة بن أبي أمية الأزدي.
روى عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعمر، ومعاذ.
وعنه: بشر بن سعيد، وعلي بن رباح.
توفي سنة ثمانين.
خرج له: المرشد بالله، والجماعة.
[جندب بن عبد الله الأزدي ـ قاتل الساحر]
جندب بن عبد الله بن سفيان ـ ويقال بن بجيلة ـ الأزدي.
ويقال: بن كعب، ويقال: جندب الخير.
له صحبة ورواية.
روى عن علي، وسلمان، وحذيفة.
وعنه: ولده عبد الله، وعبد الملك، والأسود بن قيس، وشهر بن حوشب ، وغيرهم.
توفي /71
عشر الستين.
أخرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، ومحمد، والشيخان، والترمذي.
قلت: وقصة قتله الساحر بين يدي الوليد مشهورة؛ وقد بسطها شارح النهج، وأبو الفرج، وابن عبد البر، وابن حجر، وغيرهم؛ وهي من أعلام النبوة.
[جودان]
جَوْدان (بفتح الجيم، وسكون الواو، فمهملة، فألف، ونون) ويقال: ابن جودان.
مختلف في صحبته.
عنه: السائب بن مالك ، وعباس بن عبد الرحمن .
أخرج له: أبو طالب ، وابن ماجه.
(فصل الحاء المهملة)
[حمزة بن عبد المطلب، ومقتله وفضله]
حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، أبو عمارة وأبو يعلى ، أسد الله وأسد رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عمّ الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأخوه من الرضاعة، أسلم بمكة، وشهد بدراً وأحداً، وقُتل بعد أن قتل واحداً وثلاثين نفساً، قتله وحشي، وبقرت هند بطنه، وأخرجت كبده، فلاكتها، فلم تسغها؛ وكان في النصف من شوال، سنة ثلاث من الهجرة، وصلى عليه الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وكَبّر عليه سبعين تكبيرة؛ وكان عمره سبعاً وخمسين.
أخرج له أئمتننا: الهادي للحق، وسائرهم؛ وله ذكر في مجموع زيد بن علي - عليهما السلام -.
قلت: وقد سبق من مناقبه وبشائره الكثير الطيب، وهي أكثر من أن تحصى، وأشهر من أن تخفى، على من له في الإسلام نصيب.
وفيه وفي الوصي وعبيدة ـ عليهم السلام ـ وفي المبارزين لهم: عتبة وشيبة والوليد، /72
يوم بدر نزل قوله ـ عز وجل ـ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } [الحج:19]، بالاتفاق، وقوله ـ عز وجل ـ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا }...الآية [الأحزاب:23].
روى الحاكم بسنده، عن علي - عليه السلام - أنه قال: أنا والله المنتظر.
وروى [عن] ابن عباس، أنه قال: من قضى نحبه حمزة وجعفر، ومن ينتظر الشهادة والوفاء بالعهد علي، وقد والله رُزِقَ، وفيه نزل قوله ـ عز وجل ـ: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } [الفجر:27]، وقوله ـ عز وجل ـ: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا } [القصص:61].
فممن روى نزولها فيه أبو العباس الحسني - عليه السلام -.
إلى غير ذلك من الآيات.
وقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((خير إخوتي علي، وخير أعمامي حمزة )) رواه أبو العباس؛ وقد سبق.
وهو أسد الله ـ تعالى ـ وأسد رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وسيد الشهداء، وأحد سادات أهل الجنة.
ونتبرّك بهذا الخبر الشريف.
روى محمد بن سليمان الكوفي - رضي الله عنه - بسنده، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((أول سبعة يدخلون الجنة: أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، وفاطمة، والحسن، والحسين )) انتهى.
وأعودُ إلى ترتيب الطبقات ؛ وإنما قدمته لجلالة محله، وعظم مقامه؛ ـ أولاه الله رضوانه ـ.
[الحارث بن معاوية]
الحارث بن معاوية.
عنه: الحسن البصري.
لم يزد على هذا في الطبقات .
[الحارث بن نوفل الهاشمي]
الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، استعمله النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في بعض أعمال مكة.
عنه: ابنه عبد الله، وحفيده الحارث.
توفي زمن عثمان /73
أخرج له: المرشد بالله، وأبو نعيم، والنسائي.
[الحارث الصدائي]
الحارث الصدائي.
عنه: زياد بن نعيم .
والصواب أبو الحارث، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
[حارثة بن وهب الخزاعي]
حارثة بن وهب الخزاعي.
خرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والجماعة.
عنه: معبد بن خالد ، وأبو إسحاق السبيعي .
[حبان بن صخر]
حبان بن صخر (بالمهملة، وآخره نون) كذا في بعض نسخ شرح التجريد ، وأصول الأحكام .
والصواب بالجيم، وآخره راء؛ وقد مَرّ.
[حبان بن المنقذ]
حَبَّان (بفتح المهملة، وتثقيل الموحدة، فألف، فنون؛ كذا السماع، وكذا في المؤتلف والمختلف، وشرح مسلم للنووي) ابن المنقذ (آخره معجمة).
قيل فيه: الصحابي بن الصحابي، الأنصاري؛ شهد بدراً، وما بعدها.
مات زمن عثمان.
قيل: وكان في مائة وثمانين.
أخرج له: محمد.
[حبة بن خالد الأسدي]
حبة (بالموحدة ـ وفي بعض الكتب: بتحتية مثناة ـ) بن خالد الأسدي، أخو سواء.
لم يرو عنهما غير سلام بن شرحبيل ، فقط.
أخرج لهما: المرشد بالله، وأبو نعيم، وابن ماجه. /74
[حبشي بن جنادة السلولي]
حُبْشِي بن جن ادة (بضم المهملة، وإسكان الموحدة، وكسر الشين معجمة) السلولي.
نزل الكوفة.
روى عنه: الشعبي ، وأبو إسحاق السبيعي.
قلت: وشهد مشاهد أمير المؤمنين - عليه السلام - ذكره في الإصابة؛ وقد ثبت عن غيره.
[حجر بن عدي ]
حجر بن عدي ـ ويدعى حجر بن الأدبر ـ.
له صحبة، ووفادة، ورواية عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وسمع من علي، وعمار.
وعنه مولاه، وأبو ليلى، وأبو البختري، وسلمة بن كهيل .
شهد مع علي - عليه السلام - صفين.
قلت: والجمل والنهروان.
قال: وكان عابداً صالحاً، يلازم الوضوء، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر؛ وكان يُكَذِّب زياداً على المنبر، وحصبه مرة، فكتب فيه إلى معاوية؛ فأرسل به إليه، فقتله في سنة إحدى وخمسين.
ولما أمر بقتله، قال لمن حضر من أهله: لا تطلقوا عني حديداً ولا تغسلوا عني دماً؛ فإني ملاقٍ معاوية على الجادة.
وفي رواية ابن عساكر : لما أمر بقتله، قال: دعوني لأصلي ركعتين؛ فصلى ركعتين، ثم قال: لا تطلقوا...إلخ، وادفنوني في ثيابي.
قلت: وقد سبق ذكره في الفصل الثاني، وإيراد بعض فضائله رضوان الله عليه.
[حدرد الأسلمي]
حَدْرَد بن أبي حدرد، أبو خراش الأسلمي.
قال المرشد بالله: صحابي.
عنه: عمران بن أبي أنس في الهجران.
وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الدال الأولى مهملة، /75
وفتح الراء.
قال في الجامع: من كبار الصحابة.
[حذيفة بن أسيد الغفاري]
حذيفة بن أسيد (بفتح الهمزة، وكسر السين) ابن خالد الغفاري.
شهد بيعة الرضوان.
روى عن علي - عليه السلام -، وعنه: أبو الطفيل، وابن أبي ليلى.
توفي سنة اثنتين وأربعين.
أخرج له المرشد بالله، ومحمد، ومسلم، والأربعة.
[حذيفة بن اليمان صاحب عِلْم المنافقين]
حذيفة بن اليمان ـ مخففاً ـ واسم اليمان حسيل (بضم المهملة الأولى، على صيغة التصغير) العبسي، أبو عبد الله الكوفي؛ صحابي جليل، من السابقين.
أعلمه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بما كان وما يكون من الفتن، إلى يوم القيامة، وكذا الحوادث.
قلت: وأعلمه بالمنافقين.
توفي سنة ست وثلاثين، بعد قتل عثمان بأربعين ليلة.
قلت: حال توجه الوصي - عليه السلام - لحرب الجمل.
وكان عند موته يحث الصحابة باللحاق به، يقول: الحقوا بأمير المؤمنين، وسيد المسلمين.
وأمر ولديه: صفوان وسعيداً ، فجاهدا، وقُتلا معه بصفين، كما سبق.
خرج له أئمتنا الخمسة، والرسي، والسمان، وذكره الإمام زيد بن علي - عليه السلام - في المجموع ، والجماعة.
وعنه: ابن أبي ليلى، وأبو الطفيل، وجندب، وغيرهم.
[حسان بن ثابت ]
حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، من فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام.
روى عنه: عمر، وأبو هريرة، /76
وعائشة.
مات قبل الأربعين في خلافة علي - عليه السلام -، وقيل: سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة؛ وكان عثمانياً.
[الحكم بن عمير ]
الحكم بن عُمَ ير ـ مصغراً ـ الثمالي.
قال أبو نعيم: حدثنا إبراهيم بن حبيب ، عن موسى بن أبي حبيب ، قال: أخبرني عمي، الحكم بن عمير ـ وكان بدرياً ـ قال: صليت خلف النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، في صلاة المغرب والعشاء الآخرة، وفي الفجر، والجمعة.
أخرجه أبو نعيم في الحلية ، والدارقطني ، ومحمد بن منصور، بهذا السند.
قال في الطبقات : وهو ثلاثي لمحمد بن منصور، لا ثلاثي له غيره.
خرجه له: أبو نعيم، والشافعي ، والدارقطني، والحاكم، والديلمي؛ قالوا: وكان له صحبة.
قلت: وهذا من الأدلة على أن الجهر بالبسملة في الجهريات لا غير.
[حكيم بن حزام بن خويلد]
حكيم بن حزام بن خويلد القرشي ، أبو خالد، ابن أخي خديجة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ.
أسلم عام الفتح، وكان من المؤلفة، فحسن إسلامه.
توفي بالمدينة، سنة أربع وخمسين، عن مائة وعشرين.
خرج له: أئمتنا الثلاثة ـ عليهم السلام ـ، والجماعة.
عنه: ابنه حزام، وابن المسيب ، وعروة ، وحبيب بن أبي ثابت، وغيرهم.
[حمزة بن عمر الأسلمي]
حمزة بن عمر الأسلمي؛ كان عابداً مجتهداً، سَرْدَ الصوم.
توفي سنة إحدى وستين.
عنه: عائشة، وعروة، وغيرهما.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي /77
(فصل الخاء المعجمة من أعلى)
[خارجة بن حذافة، قاضي عمرو بن العاص]
خارجة بن حذافة العدوي، قتله عمر الخارجي ، ليلة ضُرِب علي عليه السلام اعتقاداً أنه عمرو بن العاص، وكان قاضيه ـ قيل: وعلى شرطته ـ.
عنه: عبد الله بن أبي مرة حديث الوتر.
خرج له: المؤيد بالله ، والأربعة، إلا النسائي .
[خالد بن عرفطة، حامل راية الضلالة]
خالد بن عرفطة القضاعي، ذكره الإمام أبو طالب - عليه السلام - بإسناده إلى أم حكيم الجدلية ، أنها سمعت رجلاً يقول لعلي - عليه السلام -: استغفر لخالد بن عرفطة .
فقال: ما مات؛ ولن يموت حتى يحمل راية ضلالة.
قالت أم حكيم: فرأيته جاء من عند معاوية بالراية.
قلت: وروى هذا في شرح النهج وغيره.
توفي بمصر، سنة أربع وستين.
[خالد الخزاعي ]
خالد الخزاعي .
قال محمد بن منصور: كان من أصحاب الشجرة؛ وكانت بيعة الشجرة آخر سنة ست، وتسمى بيعة الرضوان.
أخرج له: محمد بإسناده إلى ولده نافع ، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كان إذا صلى والناس ينظرون، صلى صلاة خفيفة، تامة الركوع والسجود.
[خراش بن أمية]
خراش (بمعجمتين، بينهما مهملة، وألف) ابن أمية الخزاعي الكعبي، شهد بيعة الرضوان.
قال محمد: وحجم للرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو محرم، بقرن مضبب بفضة /78
[خزيم بن أوس]
خزيم (بمعجمتين، أولاهما مضمومة، ثم تحتية، فميم ـ وفي الإكمال بمهملتين) ابن أوس بن حارثة الطائي.
قال الإمام أبو طالب : هاجر إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعد منصرفه من تبوك.
روى عنه: ولد ولده حميد بن قُريب ، عن جده، عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
[خزيمة بن ثابت، ذي الشهادتين]
خزيمة (كالأول بإثبات الهاء) ابن ثابت، أبو عمارة الأنصاري الأوسي، ذو الشهادتين؛ شهد بدراً وما بعدها؛ كانت راية بني خطَمة بيده يوم الفتح، وكان سيداً فيهم.
وشهد مع علي - عليه السلام - الجمل، وحضر صفين، فلما قتل عمار بن ياسر ، قال: سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((تقتل عماراً الفئة الباغية )) ثم سلّ سيفه، وقاتل حتى قُتل، سنة سبع وثلاثين ـ رضوان الله عليه ـ.
قلت: وقد سبق الكلام عليه، في الجزء الأول، في الصحابة المفضلين للوصي - عليه السلام -.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، ومسلم، والأربعة.
روى عنه عبد الله بن حصين .
[خالد بن زيد]
خالد بن زيد: أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - يأتي في الكنى /79
(فصل الدال المهملة)
[ديلم الحميري]
ديلم (بفتح أوله، وسكون التحتية، وفتح لام، فميم) الحميري؛ وليس بديلم بن فيروز .
عنه: مرثد اليزني .
قال ابن عبد البر: لم يُرو عنه فيما أعلم، غير حديث واحد في الأشربة.
(فصل الذال المعجمة)
[ذؤيب بن حلحلة الخزاعي]
ذؤيب (بضم أوله) بن حلحلة (بمهملتين، بينهما لام ساكنة، فلام متحركة، فهاء) الخزاعي الكعبي، شهد الفتح.
خرج له: الإمام المؤيد بالله حديثاً واحداً، حديث البُدْن، ومسلم، وابن ماجه.
عنه: ابنه قبيصة، وابن عباس.
عاش إلى زمن معاوية.
(فصل الراء المهملة)
[رافع بن خديج الحارثي]
رافع بن خديج (بفتح معجمةٍ، وكسر مهملة) الأوسي، الحارثي؛ عُرض يوم بدر فاستُصْغر، وأجازه يوم أحد، فشهدها وما بعدها؛ وكان عريف قومه.
وشهد مع علي - عليه السلام - صفين، وأصابه سهم يوم أحد فبقي النصل فكان سببه انتقض عليه، فتوفي، سنة أربع وسبعين، وهو في ست وثمانين.
روى عن علي - عليه السلام -، وأبي بن كعب.
وعنه: إياس بن خليفة وغيره.
أخرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة /80
[رافع بن مكيث]
رافع بن مكيث ـ آخره مثلثة كعظيم ـ الجهني، شهد الحديبية والفتح، ومعه لواء قومه.
له حديث واحد عند أبي طالب، رواه بعض بني رافع، وعبد الله بن الحارث .
[رافع مولى النبي - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
رافع مولى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
بيّض له في الطبقات ولم يذكر غير هذا.
وفي الإصابة بعد أن ساق ترجمته: ولا أحسبه إلا أبا رافع؛ قال ابن الكلبي: والناس يغلطون في هذا فيقولون: أبو رافع، وإنما هو رافع.
[رفاعة بن رافع]
رفاعة (بضم أوله) بن رافع بن العجلان الأنصاري، الخزرجي؛ وقد ينسب إلى جده فيقال: رفاعة بن مالك.
شهد العقبة، وشهد مع علي - عليه السلام - الجمل وصفين.
توفي أول زمن معاوية.
روى عنه ابناه: عبد الله، ومعاذ، ويحيى بن علي ابن أخيه.
خرج له: أئمتنا الثلاثة: المؤيد بالله ، وأبو طالب، ومحمد؛ والبخاري، والأربعة.
(فصل الزاي المعجمة)
[الزبيب بن ثعلبة]
الزبيب (بضم المعجمة، فموحدتين، بينهما تحتية، ويقال: بنون بعد الزاي) بن ثعلبة العنبري.
عنه: ابنه، وحفيده شعيث ـ بمثلثة ـ.
أخرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، وأبو داود /81
[الزبير بن العوام الأسدي]
الزبير بن العوام الأسدي، أمه صفية بنت عبد المطلب، عمة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أسلم بعد أبي بكر، ثم هاجر الهجرتين، وشهد المشاهد كلها.
وحضر حرب الجمل، ولما ذكره علي - عليه السلام - الحديث: ((إنك ستقاتله وأنت له ظالم )) انصرف، فلحقه ابن جرموز، فقتله؛ ثم جاء برأسه وسيفه إلى علي - عليه السلام -، فقال علي - عليه السلام -: بشر قاتل ابن صفية بالنار.
وكانت حرب الجمل سنة ست وثلاثين، وللزبير سبع وستون.
روى عنه ابناه: عبد الله وعروة.
أخرج له: أبو طالب ، والجرجاني، والجماعة.
قلت: وقد كان كما قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت، حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله ـ أو كما قال ـ.
قال له أبو الأسود الدؤلي لما قدم البصرة: يا أبا عبد الله، عهد الناس بك وأنت يوم بُويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك، تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب؛ وأين هذا المقام من ذاك؟!
قال شارح النهج: وأما الزبير، فلم يكن إلا علوي الرأي، شديد الولاء، جارياً من الرجل مجرى نفسه؛ ويقال: إنه - عليه السلام - لما استنجد بالمسلمين، عقيب يوم السقيفة، وما جرى فيه.
إلى قوله: ويسألهم النصرة والمعونة، أجابه أربعون رجلاً فبايعهم على الموت.
إلى قوله: فأصبح لم يوافه منهم إلا أربعة: الزبير، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان.
قال: وقد نقل الناس خبر الزبير، لما هُجم عليه ببيت فاطمة ـ عليها السلام ـ وكُسر سيفه في صخرة ضُربت به، ونقلوا اختصاصه بعلي - عليه السلام - وخلواته به، ولم يزل موالياً له، متمسكاً بحبه ومودته، حتى نشأ ابنه عبد الله.
...إلى آخر كلامه.
وفيه: دخل الزبير وطلحة على علي - عليه السلام - فاستأذناه في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان، وإنما تريدان /82
الغدرة، ونكث البيعة.
فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعته يريدان، وما رأيهما غير العمرة.
قال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانية.
فأعاداها، بأشد ما يكون من الأيمان والمواثيق؛ فأذن لهما.
فلما خرجا من عنده، قال لمن كان حاضراً: والله، لا ترونهما إلا في فتنة يقتلان فيها.
قالوا: يا أمير المؤمنين، فمر بردهما عليك.
قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
[زهير بن صرد الجشمي]
زهير بن صرد الجشمي أبو خردل؛ أدرك يوم هوازن ـ أي يوم حنين ـ وهو القائل لمن أسرهم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -:
امنن عليّ رسول الله في كرم .... فإنك المرء نرجوه وننتظر
...الأبيات.
فلما سمع الشعر، قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم )).
وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ولرسوله.
وقالت الأنصار: ما كان لنا فهو لله ولرسوله.
أخرجه الإمام المرشد بالله - عليه السلام - وغيره.
وهذا الخبر خماسي للإمام المرشد بالله، وثلاثي للطبراني.
[زيد بن أرقم ]
زيد بن أرقم الأنصاري الخزرجي، استصغر يوم أحد؛ غزا مع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سبع عشرة غزوة، وكان من خواص علي - عليه السلام -، وشهد مع علي - عليه السلام - صفين.
توفي بالكوفة، سنة ثمان وستين.
خرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الأعلى، وعطية العوفي ، وغيرهم /83
[زيد بن ثابت الأنصاري]
زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي.
أبو خارجة؛ استصغره النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم بدر فرده، وشهد ما بعدها؛ ولم يشهد شيئاً من حروب علي - عليه السلام -.
قال ابن عبد البر: وكان مع ذلك يفضل علياً، ويظهر حبه.
توفي بالمدينة، سنة خمس وأربعين ـ وقيل غير ذلك ـ.
خرج له: أئمتنا الخمسة إلا /92
الجرجاني، والجماعة.
عنه: رفاعة بن رفاعة ، وولده خارجة.
[زيد بن حارثة مولى النبي (ص)]
زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي اليماني، حب رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - منَّ عليه فأعتقه؛ وامرأته أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال ابن إسحاق: أسلم وصلى بعد علي، وشهد بدراً، وقتل بمؤتة، سنة ثمان - رضي الله عنه -.
وله ذكر في مجموع زيد بن علي - عليه السلام -، وخرج له: المؤيد بالله - عليه السلام -.
[زيد بن خالد الجهني]
زيد بن خالد الجهني، أبو عبد الرحمن؛ شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح.
توفي سنة ثمان وسبعين.
خرج له: أئمتنا الثلاثة، والجماعة.
روى عنه: ابنه عبد الله، وعطاء، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وغيرهم.
(فصل السين المهملة)
[سالم مولى أبي حذيفة]
سالم مولى أبي حذيفة، هو ابن معقل؛ ويقال: أبو عبيد بن عتبة.
كان من فارس؛ كان من خيار الصحابة وكبارهم، شهد بدراً؛ قتل يوم اليمامة/84
[سبرة الجهني]
سبرة (بإسكان الموحدة) ابن معبد بن الربيع ـ أو عوسجة ـ الجهني؛ عداده في البصريين.
أول مشاهده الخندق؛ كان ينزل ذا المروة، وبها مات.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، ومسلم، والأربعة.
[سخبرة]
سخبرة (بفتح أوله، وسكون المعجمة، فموحدة، فراء)؛ عنه: ابنه عبد الله.
أخرج له: المرشد بالله، والترمذي.
[سعد بن عائذ مؤذن قباء]
سعد بن عائذ (آخره معجمة) مولى عمار بن ياسر ، ويعرف بسعد القرظ (بمشالة معجمة، الشجر الذي يُدْبَغُ به).
أَذّن بقباء، على عهد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ونقله عمر على المدينة؛ بقي إلى سنة أربع وسبعين.
أخرج له: أبو طالب ، وابن ماجه.
عنه: عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد ، عن أبيه، عن جده.
[سعد بن عبادة، سيد الخزرج]
سعد بن عبادة ، سيد الخزرج، صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها؛ شهد بدراً، وقيل: لا؛ وهو من نقباء الأنصار ليلة العقبة، وكان كثير الصدقات والجود، وتخلّف عن بيعة أبي بكر.
قلت: وعن بيعة عمر؛ وقد سبق ما رواه الجوهري عن علي بن سليمان النوفلي ، قال: سمعت أبياً يقول: ذكر سعد بن عبادة يوماً علياً، بعد يوم /85
السقيفة، فذكر أمراً من أمره يوجب ولايته، فقال له ابنه قيس بن سعد: أنت سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ، ثم تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منا أمير ومنكم أمير؟ لا كلمتك ـ والله ـ من رأسي بعد هذا كلمة أبداً.
قُتل بحوران، من أعمال دمشق، سنة خمس عشرة تقريباً.
أخرج له: أبو طالب ، والجرجاني، ومحمد، والأربعة.
[سعد بن مالك أبي سعيد الخدري ]
سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، أبو سعيد الخدري؛ مشهور بكنيته، وهو من مشهوري الصحابة وفضلائهم، المكثرين في الرواية، معدود من أهل الصفة؛ غزا مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - اثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق؛ واستصغر يوم أحد.
توفي بالمدينة، سنة أربع وسبعين، وله أربع وتسعون.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والسيلقي، والجماعة، وأهل المسانيد.
عنه: الحسن، وعطاء، وعطية، وخلق.
وأخرج له: عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وذكر أنه شهد مع علي عليه السلام حرب الخوارج، وذكر الحديث.
قلت: وقد ثبت أنه من المفضلين لأمير المؤمنين - عليه السلام - كما ذكر ذلك في قواعد عقائد آل محمد ـ عليهم السلام ـ.
قال الإمام المنصور بالله - عليه السلام -: وله في الإسلام خطر، انتهى.
[سعد بن معاذ]
سعد بن معاذ بن النعمان الأوسي، سيد قومه؛ شهد بدراً وأحداً، واستشهد يوم الخندق، وفيه قال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((اهتز العرش لموت سعد )).
أخرج له أبو طالب ، وله في البخاري، فرد حديث /86
قلت: وهو الحاكم بحكم الله في بني قريظة ـ رضوان الله عليه ـ.
[سعد بن أبي وقاص ]
سعد بن أبي وقاص ـ قلت: واسم أبيه مالك ـ بن أهيب، القرشي الزهري المكي، أبو إسحاق؛ أسلم قبل فرض الصلاة، وشهد بدراً وما بعدها، واعتزل بعد قتل عثمان.
قلت: هو كما قال الوصي - عليه السلام -: لم ينصر الحق، ولم يخذل الباطل؛ إلا أن له مع معاوية مقامات حميدة، يُرجى له بها التوفيق للنجاة، قد رَدّ فيها على معاوية، ونشر فيها فضائل أخي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وروى فيها النصوص النبوية، كخبر المنزلة، والراية، وغيرهما.
أخرج ذلك عنه أئمة العترة ـ عليهم السلام ـ والعامة: البخاري، ومسلم، وغيرهما.
من ذلك ما روى محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي ، عن أبي مجاهد، عن محمد بن إسحاق بن أبي نجيح ، قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد؛ فلما فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة، فأجلسه معه على سريره، ووقع معاوية في علي، وشرع في سبه، فزحف سعد؛ ثم قال: أجلستني معك على سريرك، ثم شرعت في سبّ علي، والله لأن يكون لي خصلة واحدة من خصال كانت لعلي، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس؛ لأن أكون صهراً لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لي من الولد ما لعلي، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس؛ والله لأن يكون رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لي يوم خيبر: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله ليس بفرّار، يفتح الله على يديه )) أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس؛ والله لأن يكون رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لي ما قاله له في غزوة تبوك: ((ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )) أحب إلي من أن يكون لي ما /87
طلعت عليه الشمس، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت؛ ونهض.
توفي في العقيق، على عشرة أميال من المدينة، وحمل إليها، سنة ثمان ـ أو خمس ـ وخمسين.
خرج له: أئمتنا الخمسة، إلا محمد بن منصور، والجماعة.
روى عنه سعيد بن المسيب، وابنته عائشة.
قلت: وغيرهما.
[سعيد بن زيد بن عمرو العدوي]
سعيد بن زيد بن عمرو العدوي؛ أسلم هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب في أول الإسلام، وشهد المشاهد إلا بدراً، وهو أحد العشرة.
قلت: قد سبق الاستدلال على عدم صحته؛ وقال - عليه السلام - في كتابه إلى طلحة والزبير في ابتداء نكثهما: فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما؛ فإن الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يجتمع العار والنار.
قال ـ أيده الله ـ في التخريج: فلو صحّ حديث العشرة، لم يكن لقول باب العلم وجه؛ تأمل.
والكتاب في نهج البلاغة .
خرج له: أبو طالب ، والجماعة.
عنه: محمد بن طلحة ، ونوفل بن مساحق ، وابنته أسماء.
[سعيد]
سعيد؛ كذا في الطبقات ، وبيض بعده؛ ثم قال: له حديث في فضل رجب.
روى عنه: ولده عبد العزيز؛ ذكره المرشد بالله.
[سفينة مولى النبي - صلى الله عَلَيْه وآله وسلم -]
سفينة مولى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أهمله في الطبقات .
وفي هامشها من خط الحلبي: (المناقب ) أي أنه أخرج له محمد بن سليمان الكوفي في المناقب، انتهى /88
قال في الاستيعاب بعد أن ذكر الاختلاف في اسمه: روينا عنه أنه قال: سماني رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سفينة، وذلك أني خرجت معه ومعه أصحابه، فثقل عليهم متاعهم، فحملوه علي، فقال لي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((احمل فإنما أنت سفينة )) فلو حملتُ حينئذ وقر بعير ما ثقل علي.
وقال له سعيد: ما اسمك؟
فقال: ما أنا بمخبرك؛ سماني رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سفينة، ولا أريد غير هذا الاسم.
وروى عنه: الحسن، ومحمد بن المنكدر ، وسعيد بن جهمان .
[سلمان بن عامر الضبي]
سلمان بن عامر الضبي؛ قال مسلم: لم يكن في الصحابة ضبي غيره.
خرج له: المرشد بالله، والبخاري، والأربعة.
[سلمان الفارسي ]
سلمان الخير، أبو عبد الله، مولى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أشار في الطبقات إلى قصة إسلامه؛ وهي في شرح النهج أتم، فنوردها منه باختصار.
قال: فأما حديث إسلامه، فقد ذكره كثير من المحدثين، ورووه عنه؛ قال: كنت ابن دهقان قرية حي أصبهان، وبلغ من حب أبي لي أن حبسني في البيت، كما تحبس الجارية؛ فأرسلني أبي يوماً إلى ضيعة له، فمررت بكنيسة النصارى، فدخلت عليهم، فأعجبتني صلاتهم، فقلت: دين هؤلاء خير من ديني؛ فسألتهم أين أصل هذا الدين؟
قالوا: بالشام.
فهربت من والدي، حتى قدمت الشام، فدخلت على الأسقف، فجعلت أخدمه وأتعلم منه، حتى حضره الموت؛ فقلتُ: إلى من توصي بي؟
فقال: قد هلك الناس، وتركوا دينهم، إلا رجلاً بالموصل، فالحق به.
فلما /89
قضى نحبه، لحقتُ بذلك الرجل، فلم يلبث إلا قليلاً حتى حضرته الوفاة؛ فقلتُ: إلى من توصي بي؟
فقال: ما أعلم أحداً بقي على الطريقة المستقيمة، إلا رجلاً بنصيبين.
فلحقت بصاحب نصيبين؛ ثم احتضر، فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم؛ فلما نزل به الموت، قلتُ: إلى من توصي بي؟
فقال: قد ترك الناس دينهم، وقد أظل زمان نبيء مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجراً إلى أرض بين حرتين، لها نخل.
قلت: فما علامته؟
قال: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة.
قال: ومَرّ بي ركب من كلب، فخرجت معهم؛ فلما بلغوا بي وادي القرى، ظلموني وباعوني، وحملني إلى المدينة؛ فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها، وبعث الله محمداً بمكة، ولا أعلم بشيء من أمره؛ إذ أقبل ابن عمّ لسيدي، فقال: قاتل الله بني قيلة، قد اجتمعوا على رجل بقباء قدم عليهم من مكة، يزعمون أنه نبيء.
قال: فأخذني القر والانتفاض، وجعلت أستقصي في السؤال؛ فما كلمني بكلمة، بل قال: أقبل على شأنك ودع ما لا يعنيك.
فلما أمسيت أخذت شيئاً من التمر، وأتيت به النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقلت: بلغني أنك رجل صالح، وأن لك أصحاباً غرباء ذوي حاجة، وهذا شيء عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم.
فقال - عليه السلام - لأصحابه: ((كلوا))، وأمسك فلم يأكل.
فقلت في نفسي: هذه واحدة؛ وانصرفت.
فلما كان من الغد، أخذت ما كان عندي وأتيته به، فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة؛ وهذه هدية.
فقال: ((كلوا))، وأكل معهم.
فقلت: إنه لهو؛ فأقبلت أقبله وأبكي.
فقال: ما لك؟
فقصصت عليه القصة؛ فأعجبه، وقال: ((يا سلمان، كاتب صاحبك ))، فكاتبته على ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية.
فقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - للأنصار: /90
((أعينوا أخاكم))؛ فأعانوني، فوضعها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فصحت كلها...إلخ.
قال: وكان سلمان من شيعة علي - عليه السلام - وخاصته.
قال: وكان إذا قيل: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الإسلام.
قال: وروى أبو عمر بن عبد البر ، أن سلمان أتى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...إلى قوله: فغرس رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ذلك النخل كله بيده، إلا نخلة واحدة غرسها عمر بن الخطاب ، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة؛ فقلعها وغرسها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بيده، فأطعمت.
قال أبو عمر: وقد روي أن سلمان شهد بدراً وأحداً، وهو عبد يومئذ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد.
[أحاديث في فضل سلمان وتخريجها]
قال أبو عمر: وقد روي عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من وجوه، أنه قال: ((لو كان الدين في الثريا لناله سلمان )).
قال: وقد روي عن عائشة قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ينفرد به بالليل، حتى كاد يغلبنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وقد روي من حديث ابن بريدة عن أبيه، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان )).
قال: وقد روى الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري، عن علي - عليه السلام - أنه سُئل عن سلمان، فقال: علم العلم الأول، والعلم الآخر؛ ذاك بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت.
وفي رواية زاذان ، عن علي - عليه السلام -: سلمان الفارسي كلقمان الحكيم.
قلت: قال ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي : وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: ((اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي، وسلمان، وأبو ذر، وعمار بن ياسر )) أخرجه ابن عساكر ، عن حذيفة /91
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان )) أخرجه الحاكم والكنجي، عن أنس.
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ((ألا إن الجنة اشتاقت إلى أربعة: علي، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر )) أخرجه الطبراني . انتهى من التفريج.
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله بأنه يحبّهم: علي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي )) أخرجه الروياني ، عن بريدة، انتهى من التفريج.
وأخرج نحوه أحمد بن حنبل ، عن بريدة أيضاً، انتهى منه ـ أي من التفريج ـ.
ورواه الخوارزمي وابن المغازلي؛ ورواه علي بن موسى الرضا عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بإسناده، كما في الصحيفة .
ورواه أبو علي الصفار ، عن بريدة أيضاً، انتهى من مصنفه.
وروى عبد الوهاب الكلابي ، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الجنة اشتاقت إلى علي وعمار وسلمان ))، وروى أيضاً بإسناده إلى بريدة، وإلى عبد الله بن بريدة، عن أبيه قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود الكندي ))، من مناقبه.
وأخرجه الكنجي عن بريدة، انتهى.
وهؤلاء الثلاثة كانوا من خواص آل محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وممن كان يرى تفضيل علي - عليه السلام - على سائر الصحابة، كما نقله ابن عبد البر في الاستيعاب عنهم، وهو مذكور في ترجمة علي.
انتهى من تفريج الكروب .
قال السيد الإمام في الطبقات : وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم، وأحد النجباء، وسكن العراق، وعمر طويلاً، ومات بالمدائن، سنة خمس وثلاثين؛ يقال: إنه عاش ثلاثمائة سنة.
أخرج له: أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، والجماعة؛ وروى عنه: زاذان .
[سلمة بن الأكوع سابق الفَرَس]
سلمة بن الأكوع الأسلمي؛ شهد بيعة الرضوان، وكان شجاعاً رئيساً، يسبق الفرس، خيِّراً فاضلاً؛ ثم لما مات عثمان سكن الربذة، وعاد إلى المدينة، وبها توفي، سنة أربع وسبعين.
أخرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة.
وعنه: محمد بن إبراهيم التيمي ، وولده إياس حديث الطير.
[سلمة بن المحَبِّق]
سلمة بن المُحَبِّق (بضم الميم، وفتح المهملة، وتشديد الموحدة مكسورة، فقاف كمحدث، قال في الجامع: وأهل الحديث يفتحون الموحدة على زنة معظَّم) وهو ابن ربيعة.
عنه: ابنه سنان، والحسن البصري.
أخرج له: محمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[سلامة بن قيصر]
سلامة بن قيصر؛ سمع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقيل: تابعي.
عنه: عمرو بن ربيعة.
أخرج له: المرشد بالله.
[سليم الزرقي]
سليم الزرقي؛ سمع علياً - عليه السلام - بمنى؛ وعنه: ولده عمرو.
[سمرة بن جندب، المحرض على الحسين (ع)]
سمرة بن جُند ُب (بضم الجيم، وسكون النون، وضم المهملة وفتحها، فموحدة) الفزاري /93
الغطفاني، أبو عبد الرحمن؛ كان زياد بن أبيه يستخلفه على البصرة.
روى أبو طالب بإسناده إلى محمد بن قيس، قال: لما استخلفه على البصرة، أتاه رجل بزكاته، فقتله؛ فقيل له في ذلك، فقال: يا غلام، هات كتاب زياد؛ فإذا فيه: إذا أتاك كتابي، فاقتل على الظن والظنة، والشك والعلة.
وبها توفي، سنة سبع ـ أو ثمان ـ وخمسين.
وذكر ابن الأثير أنه لما عزله معاوية، قال سمرة: لعن الله معاوية؛ والله، لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبداً.
قال السيد الإمام: فإن قلت: كيف جاز أخذ الحديث عند أصحابنا عنه؟
قال: لعله حال ستره، أو على جواز الأخذ عن فاسق التأويل.
خرج له: أئمتنا الخمسة إلا المرشد بالله، وخرج له الجماعة.
قلت: بل هو فاسق تصريح، وأي شبهة له في قتل المسلمين على الظن والظنّة...إلخ، وذلك الظن إنما هو في عدم الانقياد لأئمة الضلال؛ وكفى بما صرح به عن نفسه، في قوله: لو أطعت الله...إلخ؛ بل الإنسان على نفسه بصيرة.
في شرح النهج: وروى الأعمش ، عن أبي صالح، قال: قيل لنا: قدم رجل من أصحاب رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فأتينا فإذا هو سمرة بن جندب ، وإذا عند إحدى رجليه خمر، وعند الأخرى ثلج؛ فقلنا: ما هذا؟
قالوا: به النقرس.
وإذا قوم قد أتوه، فقالوا: يا سمرة، ما تقول لربك غداً؟ تؤتى بالرجل فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله؛ ثمّ يؤتى بالآخر، فيقال لك: ليس الذي قتلته بخارجي، ذاك فتى وجدناه ماضياً في حاجته، فشبه علينا؛ وإنما الخارجي هذا؛ فتأمر بقتل الثاني.
فقال سمرة: وأي بأس في هذا؟ إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة، وإن كان من أهل النار مضى إلى النار.
وروى فيه عن جعفر بن محمد ، عن آبائه، قصة النخل؛ وحاصلها: أنه /94
شكا رجل من الأنصار على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أذى سمرة له بنخله، فعالجه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أن يبيعه بثمنه، أو بنخل مكانه، أو يشتري بستان شريكه، أو يتركه لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فلم يرض؛ فأمر بقطع نخله، وقال: ((لا حق له)).
وروى شريك، عن عبد الله بن سعد، عن حجر بن عدي ، قال: قدمت المدينة، فجلست إلى أبي هريرة ، فقال: ممن أنت؟
قلت: من أهل البصرة.
قال: ما فعل سمرة؟
قلت: هو حي.
قال: ما أحد أحب إليَّ طول حياةٍ منه.
قلت: ولم ذاك؟
قال: إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: ((آخركم موتاً في النار ))، فسبقنا حذيفة؛ وأنا الآن أتمنى أن أسبقه.
قال: فبقي سمرة، حتى شهد مقتل الحسين.
وروى أحمد بن بشير، عن مسعر بن كدام ، قال: كان سمرة على شرطة عبيد الله بن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين - عليه السلام - وقتاله.
وروى في شرح النهج، أن معاوية بذل لسمرة أربعمائة ألف؛ ليفتري على الله ورسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقبل. انتهى باختصار.
قلت: وقد روى خبر أن آخر الثلاثة المذكورين موتاً في النار، وأن سمرة آخرهم، ابنُ عبد البر في الاستيعاب، وابن حجر في الإصابة؛ ولكن حملاه على أن المراد نار الدنيا؛ وهو تأويل سخيف، وفيه نوع من التحريف؛ إذ المعلوم أنه لا يفهم ولا يتبادر من ذلك إلا نار الآخرة ـ نعوذ بالله منها ـ ولو أطلقها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأراد غيرها بلا قرينة، لكان فيه تغرير وتلبيس ـ وحاشاه ـ ولكان لا معنى لقلق أبي هريرة ، وتمنيه أن يسبقه؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل /95
[سهل بن حنيف ]
سهل بن حنيف (بضم المهملة مصغراً) الأنصاري الأوسي، أبو ثابت، والد أبي أمامة، بدري، شهد المشاهد كلها، وكان ممن بايع على الموت، وثبت يوم أحد؛ ثم صحب علياً - عليه السلام - من حين بويع له، واستخلفه على المدينة حين سار إلى البصرة، وشهد معه صفين، وولاه فارس؛ ثم مات بالكوفة، سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي - عليه السلام -، وكبر عليه ستاً، فقال: إنه كان بدرياً.
وفي رواية لمحمد: سبعاً؛ والأول أشهر.
أخرج له: محمد، والجماعة.
[سهل بن أبي خثمة]
سهل بن أبي خثمة (بمعجمة مفتوحة، فمثلثة ـ كذا في بعض ـ وفي موضع: حثمة بمهملة مفتوحة، فمثلثة ساكنة، فميم، فهاء؛ وهو الصواب) واسم أبي حثمة عبد الله بن ساعدة الأنصاري الأوسي أبو محمد.
قُبض النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو في ثمان، لكنه حفظ؛ توفي أيام معاوية.
وفي الجامع: في أيام ابن الزبير، بالمدينة.
أخرج له: المؤيد بالله ، من رواية بشير بن يسار ؛ والجماعة.
[سهل بن سعد بن مالك]
سهل بن سعد بن مالك، أبو العباس الخزرجي؛ كان اسمه حزناً، فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهلاً؛ وشهد قضاء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بين المتلاعنين، وتوفي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو في خمس عشرة، وأدرك الحجاج ـ لعنه الله ـ فختم في عنقه.
توفي سنة ثمان وثمانين، وقد بلغ المائة.
خرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
عنه: أبو حازم، وعباس بن سهل /96
[سواء بن خالد، أخي حبة المتقدم]
سواء بن خالد الأسدي، أخو حبة؛ لهما صحبة.
أخرج لهما: المرشد بالله، وابن ماجه.
[سويد بن قيس]
سويد بن قيس؛ له ثلاثة أحاديث، وعنه: سماك بن حرب ؛ عداده في الكوفة.
أخرج له: محمد.
[سويد بن مُقَرِّن]
سويد بن مُقَرِّن (بضم الميم، وفتح القاف، وكسر الراء مشددة، فنون) أخو النعمان بن مقرن ، ووالد معاوية.
في الجامع: يعد في الكوفيين؛ ومات بها.
روى عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعن علي - عليه السلام -.
وعنه: ابنه معاوية، وغيره.
أخرج له: محمد، ومسلم، والأربعة إلا ابن ماجه ، والبخاري في الأدب؛ حققه في التهذيب.
(فصل الشين المعجمة)
[شُبرمة]
شُبرمة (بضم أوله، وسكون الموحدة، فمهملة) ذكره الإمام زيد بن علي - عليه السلام - في الحج، في النيابة.
توفي في حياة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
[شداد بن أوس الأنصاري]
شداد بن أوس بن ثابت، أبو يعلى الأنصاري، ابن أخي حسان؛ كان من سادات الصحابة وفضلائهم.
توفي في بيت المقدس، سنة ثمان وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين؛ قبره بظاهر باب الرحمة.
عنه: أبو ضمرة ابن حبيب ، وغيره.
خرج /97
له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
[شريك بن سحماء]
شريك بن سحماء (بمهملتين: أولاهما مفتوحة، والثانية ساكنة، فميم، فألف ممدودة) نسبة إلى أمه، واسم أبيه عبدة، حليف الأنصار.
شهد مع أبيه أحداً.
قال في الجامع: وهو الذي قذفه هلال بن أمية بامرأته، ولاعنها بذلك؛ وكذا ذكره المؤيد بالله .
قال النووي وابن الأثير: وقول من قال: إنه يهودي، باطل.
وحكى البيهقي عن الشافعي أن شريكاً كان يهودياً؛ ويجوز أن يكون أسلم بعد ذلك.
[شريك بن جنيد]
شريك، رجل من الصحابة.
قال المرشد بالله: هو ابن جنيد، ويقال: هو ابن حنبل العبسي الكوفي.
روى عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مرسلاً، ولا صحبة له.
ويروي عن علي - عليه السلام -.
وعنه: عيسى بن حارثة الأنصاري .
وفي التقريب : ثقة من الثالثة.
خرج له: المرشد بالله، وأبو داود، والترمذي.
(فصل الصاد المهملة)
[صِرْمة بن قيس الأنصاري]
أبو مندة صِرْمة بن قيس الأنصاري، وهو الذي أنزل فيه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } [البقرة:187]، وفي ذلك خلاف؛ والحديث خرجه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
أسلم وهو شيخ كبير؛ وكان قوّالاً بالحق، شاعراً مجيداً؛ ذكره /98
في الجامع.
خرج له: الهادي - عليه السلام -.
[الصعب بن جَثَّامة]
الصعب بن جَثّامة (بفتح الجيم، وتشديد المثلثة) الليثي، الحجازي.
توفي في خلافة أبي بكر على الأصح.
خرج له: المؤيد بالله .
[صفوان بن أمية]
صفوان بن أمية بن خلف الجمحي المكي، أحد الأشراف الطلقاء، وشهد حنيناً وهو كافر، ثم أسلم وحسن إسلامه، وكان من المؤلفة.
مات سنة اثنتين وأربعين.
أخرج له: محمد، ومسلم، والأربعة.
[صفوان بن عَسَّال]
صفوان بن عَسّال (بمهملتين أخراهما مشددة، ثم ألف، ولام) المرادي الجملي (بفتح الجيم والميم)، غزا مع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - اثنتي عشرة غزوة.
روى عنه: ابن مسعود مع جلالته، وزر بن حبيش .
أخرج له: المؤيد بالله ، وأبو طالب، والترمذي، وابن ماجه.
[صهيب الرومي]
صهيب الرومي، أحد المؤذنة للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، هو أبو يحيى النمري، صحابي مشهور؛ شهد بدراً وغيرها؛ توفي بالمدينة.
قلت: لم يذكر في الطبقات غير هذا.
وفي الاستيعاب: قال أبو عمر: كان صهيب مع فضله وورعه حسن الخلق، مداعباً؛ روينا عنه أنه قال: جئت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو نازل بقباء، وبين أيديهم رطب وتمر، وأنا أرمد، /99
فأكلت، فقال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((أتأكل التمر على عينك؟ )).
فقلت: يا رسول الله، آكل في شق عيني الصحيحة.
فضحك رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حتى بدت نواجذه.
وأوصى عمر إليه بالصلاة بجماعة المسلمين، حتى يتفق أهل الشورى، استخلفه على ذلك ثلاثاً؛ وهذا مما أجمع عليه أهل السير والعلم بالخبر.
وروى بسنده أن أبا سفيان مَرّ على سلمان وصهيب وبلال، فقالوا: ما أخذت السيوف من عنق عدوّ الله مأخذها.
فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟
ثم أتى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأخبره بالذي قالوا: فقال: ((يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم؛ والذي نفسي بيده لئن كنت أغضبتهم؛ لقد أغضبت ربك)).
قال: وفضائل صهيب، وسلمان، وبلال، وعمار، وخباب، والمقداد، وأبي ذر، لا يحيط بها كتاب؛ وقد عاتب الله نبيئه فيهم في آيات الكتاب.
ومات صهيب بالمدينة سنة ثمان ـ وقيل تسع ـ وثلاثين، ودفن بالبقيع، انتهى.
(فصل الضاد المعجمة)
[الضحاك بن سفيان]
الضحاك بن سفيان الكلابي العامري، ولي للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - نجداً، وروى عنه ابن المسيب ، والحسن في توريث امرأة أشيم؛ وكان شجاعاً يعد لمائة.
أخرج له: المرشد بالله، والأربعة.
[ضُمْرة أو ضميرة]
ضُمْرة (بضم أوله، وسكون الميم، فمهملة، فهاء) كذا في بعض كتب أئمتنا، والجامع، والخلاصة؛ وفي أكثر الكتب ضُمَيرة (على صيغة التصغير)، وكذا في شرح التجريد ؛ من موالي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد أعقب.
يروي عن علي - عليه السلام -.
وقد أخرج له: الهادي إلى الحق في الأحكام ، والمؤيد /100
بالله، وأبو طالب، ومحمد - رضي الله عنهم -.
وعنه: ولده عبد الله.
قلت: ضميرة بن أبي ضميرة، له ولأبيه صحبة، وهو جد الحسين بن عبد الله بن ضميرة ، الذي يروي عن أبيه عن جده، وقد روى عنه الأئمة الكرام: القاسم بن إبراهيم ، وحفيده الهادي إلى الحق، وأحمد بن عيسى ـ عليهم السلام ـ.
(فصل الطاء المهملة)
[طارق بن سويد]
طارق بن سويد، أو سويد بن طارق، صحابي له أحاديث.
خرج له: المؤيد بالله في الأشربة، وأبو داود، والترمذي.
[طارق بن شهاب]
طارق بن شهاب الأحمسي.
عن علي بن أبي طالب ، وأبي بكر، وعمر، وابن مسعود، وغيرهم.
قيل: رأى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
عنه: قيس بن حكيم، وعلقمة بن مرثد ، وإسماعيل بن أبي خالد .
توفي سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ وثمانين.
أخرج له: الجرجاني، ومحمد.
ذكره في الجامع في الصحابة، والظاهر ما في الخلاصة أنه من التابعين.
قلت: وكان من صحابة علي - عليه السلام - وشيعته، كما ذكره في شرح النهج، وروى فيه عنه أنه قال فيه: هو أول المؤمنين إيماناً بالله، وابن عم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ووصيه؛ وأتاه حال مسيره لحرب الجمل.
[طارق]
طارق:
كذا ذكره في الطبقات وبيض بعده، وأشار إلى أنه خرج له أبو طالب /101
[طلحة بن عبيدالله]
طلحة بن عبيد الله ، أبو محمد القرشي التيمي، كان من السابقين في الإسلام والهجرة، وشهد المشاهد غير بدر، واشتهر عند المؤرخين أن راميه يوم الجمل مروان بن الحكم.
ويقال: إن علياً - عليه السلام - دعاه عند القتال فذكّره بعض سوابقه، فاعتزل القتال، فأصابه السهم بعد أن اعتزل، سنة ست وثلاثين؛ وروى توبته عن الخروج على أمير المؤمنين الحاكم في العيون، وغيره؛ والله أعلم.
خرج له: أئمتنا الثلاثة، والجماعة.
عنه: مالك بن عامر الأصبحي وولده موسى.
[ذكر طلحة والزبير ووقعة الجمل]
قلت: ومن كلام الوصي - عليه السلام - في شأن طلحة والزبير المروي في النهج: اللهم إنهما قطعاني وظلماني، ونكثا بيعتي، وأَلَّبَا الناس عليَّ، فاحلل ما عقدا، ولا تحكم لهما ما أبرما، وأرهما المساءة فيما أمّلا وعملا.
وفي شرحه من رواية أبي مخنف: اللهم إن طلحة نكث بيعتي، وأَلَّبَ على عثمان حتى قتله، ثم عضهني به ورماني، اللهم فلا تمهله...إلخ.
ومن رواية أبي الحسن علي بن محمد المدائني عن عبد الله بن جنادة ، أنه دخل مسجد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إذ نودي (الصلاة جامعة) فاجتمع الناس، وخرج علي متقلداً سيفه، فشخصت الأبصار نحوه؛ فحمد الله وصلى على رسوله، ثم قال: أما بعد؛ فإنه لما قبض الله نبيئه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قلنا: نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع؛ إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيئنا، فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزز علينا الذليل.
إلى قوله: وأيم الله، لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن /102
يعود الكفر ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه.
إلى قوله - عليه السلام -: وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع، تعلمون ذلك؛ وقد نكثا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة؛ ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم؛ اللهم فخذهما بما عملا أخذة رابية، ولا تنعش لهما صرعة، ولا تقل لهما عثرة، ولا تمهلهما فواقاً؛ فإنهما يطلبان حقاً تركاه، ودماً سفكاه؛ اللهم إني أقتضيك وعدك فإنك قلتَ وقولك الحق لِمَن بُغي عليه: {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ } [الحج:60]، اللهم فأنجز لي موعدك، ولا تكلني إلى نفسي؛ إنك على كل شيء قدير.
وروى أبو مخنف عن زيد بن صوحان، قال: شهدت علياً - عليه السلام - بذي قار، وهو مُعْتَمّ بعمامة سوداء، ملتف بساج، يخطب، فقال في خطبته: الحمد لله على كل أمر وحال، في الغدوّ والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ابتعثه رحمة للعباد، وحياة للبلاد.
إلى قوله - عليه السلام -: ثم قبضه الله حميداً؛ ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل جهده، ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده، ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم منه؛ حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني.
إلى قوله: وبايعني طلحة والزبير.
إلى قوله: ثم استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكة، واستخفا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناء الطلقاء؛ فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر؛ ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما عليّ، وهما يعلمان أني لست دون أحدهما؛ ولو شئت أن أقول لقلت!.
إلى قوله - عليه السلام -: وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان؛ والله، ما أنكرا عليَّ منكراً، ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً، وإن دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب /103
منهما؛ يا خيبة الداعي، إلى ما دعا؟ وبماذا أجيب؟ والله، إنهما لعلى ضلالة صماء، وجهالة عمياء.
ثم رفع يديه، فقال: اللهم إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني، وأَلّبا علي، ونكثا بيعتي؛ فاحلل ما عقدا، وانكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبداً، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا.
قال أبو مخنف: فقام إليه الأشتر، فقال: الحمد لله الذي مَنّ علينا فأفضل، وأحسن إلينا فأجمل؛ قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين، ولقد أصبتَ ووفقت، وأنت ابن عمّ نبيئنا وصهره ووصيه، وأول مصدق به ومصلّ معه؛ شهدتَ مشاهده كلها، فكان لك الفضل فيها على جميع الأمة؛ فمن اتبعك أصاب حظه، واستبشر بفلجه؛ ومن عصاك ورغب عنك، فإلى أمه الهاوية؛ لعمري ـ يا أمير المؤمنين ـ ما أَمْرُ طلحة والزبير وعائشة علينا بمخيل؛ ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه، وفارقا من غير حدث أحدثتَ، ولا جور صنعتَ؛ فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان، فليقيدا من أنفسهما، فإنهما أول من أَلَّبَ عليه، وأغرى الناس بدمه؛ وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه، لنلحقنهما بعثمان؛ فإن سيوفنا في عواتقنا، وإن قلوبنا في صدورنا، ونحن اليوم كما كنا أمس.
وفيه: الأصبغ بن نباتة : لما انهزم أهل البصرة ركب علي - عليه السلام - بغلة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - الشهباء وكانت باقية عنده، وسار في القتلى يستعرضهم؛ فمرّ بكعب بن سور قاضي البصرة وهو قتيل، فقال أجلسوه، فأجلس؛ فقال: ويل أمك ـ كعب بن سور ـ لقد كان لك علم لو نفعك؛ ولكن الشيطان أضلك فأزلك، فعجلك إلى النار؛ أرسلوه.
وروى صاحب المحيط بالإمامة ، بإسناده عن ابن عباس، قال: مرض علي بن أبي طالب - عليه السلام - فدخل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في مرضه ليعوده، فرأى طلحة عند رأسه والزبير عند رجليه، فقال لهما رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: /104
((يشتد عليكما مرض علي؟)).
فقالا: سبحان الله! وكيف لا يشتد علينا مرض علي؟
فقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((والذي نفسي بيده، إنكما لا تخرجان من الدنيا حتى تقاتلاه وأنتما له ظالمان)).
قال في الحدائق: ودعا علي - عليه السلام - طلحة، فقال: نشدتك الله، هل سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ))؟
قال: نعم.
قال: فلم تقاتلني؟
قال: لم أذكر؛ وانصرفَ.
وروي أنه لما رُمي بسهم، قال بعدما أفاق من غشيته: ما رأيتُ مصرع قرشي أضلّ من مصرعي.
وقتل طلحةَ مروانُ بن الحكم.
وفي الرواية أنه لما صرع مَرّ به رجل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: أمن أصحابنا أم من أصحاب أمير المؤمنين؟
فقال: بل من أصحاب أمير المؤمنين.
فقال: ابسط يدك لأبايعك لأمير المؤمنين، فألقى الله على بيعته؛ أما والله ما كفتنا آية من كتاب الله، وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال:25]، فوالله لقد أصابت الذين ظلموا خاصة.
[طلحة بن معاوية السلمي]
طلحة بن معاوية السلمي.
قال: أتيت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقلت: إني أريد الجهاد، فقال: ((أمك حية؟)) قال: نعم، فقال: ((الزم رحلها فثمة الجنة )) رواه ولده محمد، وأخرجه الطبراني ، ورواه عنه الإمام المرشد بالله؛ وذكر الحديث كما ذكره في الجامع /105
[طلق بن علي السحيمي]
طلق (بفتح أوله، وسكون اللام) بن علي بن منذر بن قيس السحيمي (بمهملتين مصغراً) أبو علي اليمامي، وفد قديماً، وبنى في المسجد، وروى عنه: ابنه قيس.
قلت: روى عنه خبر عدم النقض بمس الذَّ كَر.
قال السيد الإمام وغيره: أخرج له المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والأربعة.
---
(فصل العين المهملة)
[العباس بن عبد المطلب بن هاشم]
العباس بن عبد المطلب بن هاشم، عَمّ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أبو الفضل، كان أسن من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بسنتين أو ثلاث.
وفي رواية الإمام أبي طالب لما سُئل أيما أكبر، أنت أو رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؟ فقال: هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله.
ولم يزل مُعظَمَاً في الجاهلية والإسلام؛ وخرج إلى بدر مع المشركين، فأسره المسلمون، ففادى نفسه وابني أخيه عقيلاً ونوفلاً، وأسلم عقيب ذلك.
قلت: وقد ذكر أنه أسلم قبل ذلك، ولكنه لم يظهره إلا فيه.
قال السيد الإمام: وعذره النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الإقامة بمكة من أجل سقايته، ولقي النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في سفر الفتح، وخرج معه إلى حنين.
قلت: وثبت عند رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مع من ثبت من قرابته الذين أنزل الله سكينته على رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعليهم؛ قال العباس في ذلك:
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة .... وقد فَرّ مَنْ قد فَرّ عنه وأقشعوا
وثامننا لاقى الحمام بسيفه .... بما مسّه في الله لا يتوجعُ
/106
أفاده في الاستيعاب عن ابن إسحاق، انتهى.
وأمره فنادى: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة ـ وكان رجلاً صيِّتاً، قيل: إنه كان يسمع من ثلاثة أيام، وأنه نادى مرة في مكة: واصباحاه؛ فأسقطت الحوامل، وأنه كان يصيح على السبع فتنفتق مرارته؛ ذكره في الكشاف ـ فأقبلوا كأنهم الإبل يقولون: لبيك لبيك؛ وأخذ - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بيده كفاً من الحصى، فرمى العدوّ بها، وقال: ((شاهت الوجوه))، ثم قال: ((انهزموا ورب الكعبة ))، ولم يبقَ أحد منهم إلا دخل في عينه من رمية رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- وأنزل الله تعالى الرعب في قلوبهم، وأيّد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بملائكته، فرآهم المشركون على خيل بلق، وعليهم عمائم خضر.
والوقعة مشهورة، قد قص الله تعالى في الكتاب منها ما فيه كفاية.
[استسقاء الصحابة بالعباس - رضي الله عنه -]
وقصة استسقاء الصحابة به معلومة.
قال في الاستيعاب: وروينا من وجوه عن عمر أنه خرج يستسقي، وخرج معه العباس؛ فقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ونستشفع به، فاحفظ فيه لنبيك - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما؛ وأتيناك مستغفرين ومستشفعين.
إلى قوله: ثم قام العباس وعيناه تنضحان، ثم قال: اللهم أنت الراعي، لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، وقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى؛ فأنت تعلم السر وأخفى؛ اللهم فأغثهم بغياثك، من قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.
فنشأت طريرة من سحاب، فقال الناس: ترون ترون.
ثم تلاءمت واستتمت ومشت فيها ريح، ثم هزت ودَرّت؛ فوالله، ما برحوا حتى اعتنقوا الجدر، وقلصوا المآزر، وطفق الناس بالعباس يمسحون /107
أركانه ويقولون: هنيئاً لك ساقي الحرمين.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين - عليه السلام -:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها .... عشيّة يستسقي بشيبته عمر
وهذا صريح التوسل به والاستشفاع؛ لقربه من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فهل يسوغ لمسلم أن يجعل فعل الصحابة كالتوسل والاستشفاع بالأصنام؟! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
قال السيد الإمام: وكان ـ أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعظمه ويعطيه العطاء الجَزْل؛ وكذلك الخلفاء بعده، ونصبه عمر للاستسقاء فسقوا؛ ثم توفي في المدينة، في رجب، سنة اثنتين ـ أو أربع ـ وثلاثين، عن ثمان وثمانين.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة، والهادي للحق،، والجماعة.
عنه: ولده عبد الله، وخزيمة بن أوس ، وغيرهما.
[عبد الله بن جعفر بن أبي طالب]
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ رضوان الله عليهم ـ، أبو جعفر الهاشمي، أول مولود من المسلمين بالحبشة؛ وكان جواداً ممدحاً كأبيه.
أمه أسماء بنت عميس ، شهد فتوح الشام.
قلت: وشهد مع عمه الوصي - عليه السلام - مشاهد الجهاد.
قال في الطبقات : وله أخبار واسعة في السخاء والفتوة.
وتوفي بالمدينة سنة ثمانين، عن ثمانين.
خرج له: الإمام أبو طالب ، وله ذكر في المجموع في الوكالة والحجر، وروى له محمد.
عن علي - عليه السلام -، وعن أمه.
وعنه: هلال، وولده إسماعيل.
قلت: ولما سمع قول الشاعر:
إن الصنيعة لا تكون صنيعة .... حتى يُصاب بها طريق المصنع
قال: أما أنا فأقول:
يدُ المعروف غُنْمٌ حيث كانت .... تلقّاها كفور أو شكورُ
فعند الصالحين لها جزاءٌ .... وعند الله ما جحد الكفورُ
/108
[عبد الله بن العباس]
عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو العباس الهاشمي؛ حبر الأمة، وترجمان القرآن.
ولد قبل الهجرة، وحنّكه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بريقه، ودعا له؛ ويسمى البحر لسعة علمه، وهو أحد الستة المكثرين في الرواية، وكان أكثرهم فتيا وأتباعاً؛ وكان عمر وغيره يرجعون إليه، واستعمله علي - عليه السلام - على البصرة.
وتوفي بالطائف سنة سبعين.
قلت: وفي الاستيعاب والإصابة وغيرهما: سنة ثمان وستين.
قال في الطبقات : بعد أن كف بصره؛ وفي الرواية: أنه من البكاء على الوصي - عليه السلام -؛ وصلى عليه محمد بن الحنفية؛ وقبره به مشهور مزور.
أخرج له الهادي للحق، وأئمتنا كافة، والجماعة، وأصحاب المسانيد، وغيرهم.
وروى عنه ولده علي بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، وسليمان بن يسار ، والضحاك بن مزاحم ، وطاووس، والشعبي، وعطاء بن أبي رباح ، ومجاهد، وميمون بن مهران ، وأبو العالية ، وغيرهم.
قلت: قال الإمام الحجة المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهم السلام:
وهو ـ أي ابن عباس ـ واحد زمانه، ونسيج وحده؛ اجتمعت هذه الأمة على محبته؛ وله من الفضائل ما تصعب الإحاطة به؛ وإنما نذكر طرفاً على وجه الرعاية لحقه، وإلا فشهرة أمره تغني عن الإطناب في ذكره.
في الحديث أن أباه العباس رحمه الله تعالى بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض حاجته، فأتاه وجبريل - عليه السلام - يناجيه، فاستحيا أن يقطع نجواهما، ولم يعرف جبريل - عليه السلام - فرجع إلى أبيه، فأعلمه؛ فجاء إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأعلمه بذلك؛ فضم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عبد الله إليه، ومسح على صدره، وقال: ((اللهم فقهه في الدين، وانشر منه ))، فكان كذلك، فروت عنه جميع الأمة؛ وهو الفقيه الذي لا يُدافع، والمصقع الذي لا /109
يُنازع؛ وقد كان ذهب بصره في آخر أيامه، من البكاء على علي بن أبي طالب ...إلخ.
وقد كان العباس بن عبد المطلب ، وولده حبر الأمة، وإخوته، وأولاد جعفر بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب، وسائر بني هاشم، ومن معهم من أعيان الصحابة السابقين، ملازمين لأمير المؤمنين، داعين الأمة إلى إمامته، والقيام بطاعته، منذ قُبِض سيد المرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ كما هو معلوم عند ذوي العرفان من المسلمين.
وقد شهد جميع مشاهده، والجهاد بين يديه، مَنْ أدرك ذلك منهم؛ كما قال ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمته: شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان، وشهد معه الحسن والحسين ومحمد بنوه، وعبيد الله وقثم ابنا العباس، ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب ، والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وعقيل بن أبي طالب، وعبد الله بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .
قلت: ونقل ابن حجر ذلك في الإصابة؛ ومنهم: العباس بن ربيعة بن الحارث ، المبارز يوم صفين تلك المبارزة المشهورة المذكورة في شرح النهج.
[عدم صحة معاتبة الوصي (ع) لابن عباس]
نعم، وكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - الوزير الأعظم، والنصير المقدم؛ وما يحكى عنه من أخذه المال، ومفارقته لمحل عمله بالبصرة، ومعاتبة الوصي - عليه السلام - له غير صحيح؛ فمقامه أجل وأرفع من ذلك؛ والكتاب الذي في النهج غير موجه إليه، وليس فيه تصريح كما أفاده العلامة الشارح، والإمام عز الدين بن الحسن - عليه السلام - في المعراج .
ولم يزل عاملاً لأمير المؤمنين /110
- عليه السلام - عليها كما صرح به أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ، وذكره ابن حجر في الإصابة، حيث قال: ولم يزل ابن عباس على البصرة حتى قُتل علي.
قال المولى العلامة نجم العترة الحسن بن الحسين الحوثي ـ أيده الله تعالى ـ في تخريج الشافي : لأن مقامات عبد الله في شأن علي في حياته وبعد وفاته، وإجلاله له والذبّ عنه والانتماء إليه، ينافي ما قيل من المكاتبة في أخذ المال؛ على أن ما رواه أبو الفرج الأصفهاني ، من أن عبد الله بن العباس كتب إلى الحسن بن علي، في أول خلافته، من البصرة، ينافي أنه أخذ مال البصرة وهرب به إلى مكة.
روى أبو عبيدة عن عمرو بن عبيد ، أن ما قيل من أخذ ابن عباس للمال قول باطل؛ فإن ابن عباس لم يفارق علياً إلى أن قُتل، وشهد صلح الحسن بن علي.
قال: وكيف يجتمع المال بالبصرة.
إلى قوله: وهو يفرغ بيت المال في كل خميس ويرشه، انتهى من أمالي المرتضى.
وروى المرشد بالله بإسناده عن أبي صالح، قال: ذكر علي بن أبي طالب - عليه السلام - عند عائشة، وابن عباس حاضر؛ فقالت عائشة: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال ابن عباس: وأي شيء يمنعه من ذلك؟ اصطفاه الله لنصرة رسوله، وارتضاه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لأخُوَّتِه، واختاره لكريمته، وجعله أبا ذريته، ووصيه من بعده؛ فإن ابتغيت شرفاً فهو في أكرم منبت وأورق عود، وإن أردت إسلاماً فأوفر بحظه وأجزل بنصيبه، وإن أردت شجاعة فنهمة حرب وقاضية حتم، يصافح السيوف أبسالاً، لا يجد لموقعها حساً، ولا تنهنهه تعتعة، ولا تفلّه الجموع، والله ينجده، وجبريل يرفده، ودعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعضده، أحدّ الناس لساناً، وأظهرهم بياناً، وأصدعهم بالجواب، في أسرع جواب؛ عِظَتُه أبلغ /111
من عمله، وعمله يعجز عنه أهل دهره؛ فعليه رضوان الله، وعلى مبغضه لعائن الله. انتهى.
وروى محمد بن سليمان الكوفي نحوه بسنده إلى عبد الله بن صفوان ، قال: كنت عند عائشة، فذكر علي؛ فقالت: كان من أكرم رجالنا على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
فقال رجل ـ ولم يسمه ـ...إلى آخره.
قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر فضائل علي ومناقبه! وإني لأحسبها إلى ثلاثة آلاف.
فقال ابن عباس: أو لا تقول: إنها إلى ثلاثين ألفاً أقرب.
رواه الخوارزمي بإسناده، عن عيسى بن عبد الله ، عن أبيه، عن جده.
وقال ابن عباس: العلم ستة أسداس؛ لعلي بن أبي طالب خمسة أسداسه، وللناس سدس؛ ولقد شاركنا في السدس، حتى هو أعلم منا به.
رواه الخوارزمي عنه من طريقين، ومثله في ذخائر العقبى.
قلت: وروي عن ابن مسعود : قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، فأعطي علي تسعة، والناس جزءاً واحداً.
وهو في تفريج الكروب بلفظ: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فسُئل عن علي، فقال: ((قُسِّمت الحكمة... الخبر)) رواه ابن المغازلي.
وفي بعض كتب العترة: عن ابن مسعود ، قال: كنت عند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -...الخبر، بزيادة: ((وعلي أعلم بالواحد منهم )) الأزدي وابن النجار وابن الجوزي وأبو علي البرذعي وحل (وهو رمز الحلية لأبي نعيم) أي أخرجه هؤلاء.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب، بسنده إلى ابن عباس، قال: والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم؛ وأيم الله، لقد شارككم في العشر العاشر/112
وروى ابن عبد البر أيضاً، بسنده إلى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: كنا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به.
ورواه ابن حجر العسقلاني ؛ وقد سبق معناه عنه، من غير هذه الطريق؛ وهو يدل على أن قول الوصي - عليه السلام - عنده حجة، كما قضت به الأدلة.
وروايات ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وأقواله وأفعاله، في شأن ابن عمه أمير المؤمنين - عليه السلام - أكثر من أن يحصيها كتاب، أو يحيط بها الاستيعاب.
قال شارح النهج: وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له، وانقطاعه إليه، وأنه تلميذه وخريجه، وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط.
قال ـ أيده الله تعالى ـ في التخريج: سُئل ابن عباس عن علي، فقال: ملئ عزماً وحزماً وعلماً ونجدةً.
أخرجه الحاكم.
وقال ابن عباس: لعلي أربع خصال، ليست لأحد غيره، هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم فَرَّ عنه غيره، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره.
أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب، وأخرجه علي بن الحسين في المحيط عن ابن عباس، إلا لفظ (أربع)، وزيادة (المهراس) قال: وهو الذي صبر معه يوم المهراس، وانهزم الناس كلهم غيره.
وأخرجه الكنجي والإمام أبو طالب ، عن ابن عباس، كما في المحيط.
وقال ابن عباس: ليس من آية في القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } إلا وعلي بن أبي طالب رأسها وأميرها وشريفها، ولقد عاتب الله أصحاب محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في القرآن، وما ذكر علياً إلا بخير.
أخرجه عنه أحمد، والكنجي /113
وقال المحب الطبري: عن ابن عباس، وقد سُئل عن علي: رحمة الله على أبي الحسن؛ كان والله علم الهدى، وكهف التقى، وطود النهى، ومحل الحجا، وغيث الندى، ومنتهى العلم للورى، ونوراً أسفر في الدجا، وداعياً إلى المحجة العظمى، مستمسكاً بالعروة الوثقى، أتقى من تقمص وارتدى، وأكرم من شهد النجوى، بعد محمد المصطفى، وصاحب القبلتين، وأبو السبطين، وزوجته خير النساء، فما يفوقه أحد؛ لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله؛ فعلى من بغضه لعنة الله ولعنة العباد، إلى يوم التناد.
أخرجه أبو الفتح القواس، ورواه علي بن الحسين المسعودي في مروج الذهب ، انتهى.
قلت: وقوله: ولم ترَ عيناي...إلخ أي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعاً، وهذا معلوم لكل مسلم، فلا يحتاج مثله إلى تقييد، مع أنه قد صَرّح في أول الخبر بقوله: بعد محمد المصطفى.
[شيء من فضائل ابن عباس]
هذا، قلت: قال المحب الطبري في الذخائر: عن ابن عباس: ضمني رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقال: ((اللهم عَلِّمْه الحكمة )) أخرجه الترمذي ، وقال: حسن صحيح؛ والبغوي، وأبو حاتم؛ وخرجه البخاري، وقال: ضمني إلى صدره؛ وفي رواية له: ((اللهم علمه الكتاب )) وخرجه أبو عمر، وزاد: ((وتأويل القرآن )) ولم يقل: ضمني؛ وفي أخرى: ((وزده علماً، وفقّهه في الدين )) قال أبو عمر: وكلها أحاديث صحاح.
وفي رواية خرجها الحافظ الثقفي: ((زده فهماً وعلماً )) انتهى.
قلت: قال أبو عمر في الاستيعاب: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه أنه قال لعبد الله بن العباس: ((اللهم علّمه الحكمة وتأويل القرآن ))، وفي بعض الروايات: ((اللهم فَقِّهه في الدين، وعلمه التأويل )) وفي حديث آخر: ((اللهم بارك فيه، وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين ))، وفي /114
حديث آخر: ((اللهم زده علماً وفقهاً ))، وهي كلها أحاديث صحاح.
وقال مجاهد: عن ابن عباس: رأيت جبريل عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتين، ودعا لي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بالحكمة مرتين، انتهى.
قال في ذخائر العقبى: وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس ، قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث، قلت: أعلم الناس.
وعن الأعمش مثله، زاد: (وإذا سكت قلت: من أحلم الناس)، قال: وعن شقيق.
قلت: هو في الاستيعاب مسنداً إلى أبي وائل، قال: خطبنا ابن عباس، وهو على الموسم، فافتتح سورة النور؛ فجعل يقرأ ويفسر؛ فجعلت أقول: ما رأيتُ ولا سمعتُ برجل مثله، ولو سمعته فارس والروم والترك لأسلمت.
خرج جميع ذلك أبو عمر.
وخرج في الصفوة حديث شقيق، وقال: سورة البقرة مكان سورة النور.
وعن الحسن: كان ابن عباس يقوم على منبرنا هذا فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرهما آية آية.
وفي الاستيعاب والذخائر: قال عمرو بن دينار : ما رأيت مجلساً أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام، والعربية والأنساب، وأحسبه قال: والشعر؛ وكان أصحابه يسمونه البحر والحبر.
قال في الاستيعاب: وفيه يقول حسان:
إذا ما ابن عباس بدا لك وجهه .... رأيت له في كل أحواله فضلا
إذا قال لم يترك مقالاً لقائل .... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا
...الأبيات /115
وروى في الحدائق أن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أمسك للحسنين بالركاب، وسوى عليهما، فقال له مدرك بن أبي راشد : أنت أسن منهما، أتمسك لهما؟ قال: يا لكع، أو ما يدريك من هذان، هذان ابنا رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أو ليس هذا مما أنعم الله به علي، أن أُمْسِكَ لهما، وأسوي عليهما.
هذا، ولما توفي - رضي الله عنه - صلى عليه محمد بن الحنفية عليهما السلام كما سبق، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة.
أخرجه أبو عمر والبغوي.
قال الطبري في الذخائر: وعن سعيد بن جبير ، قال: مات ابن عباس بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقه، فدخل في نعشه، ولم يُرَ خارجاً منه؛ فلما دُفن تليت هذه الآية: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)} [الفجر:27ـ30].
خرجه ابن عرفة ؛ وروي عن أبي الزبير مثله.
نعم، وقد قدمت من ذكر لما سبق؛ وأعود إلى ترتيب الطبقات .
[عاصم بن عدي]
عاصم بن عدي، القضاعي العجلاني؛ كان يوم بدر أميراً على أهل قباء والعالية، فضرب له النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بسهم، وشهد أحداً؛ له ستة أحاديث.
توفي سنة خمس وأربعين.
عنه: أبو البداح ، وسهل بن سعد، وابن عباس.
خرج له: المؤيد بالله ، والأربعة.
[عامر بن ربيعة بن كعب]
عامر بن ربيعة بن كعب، أبو عبد الرحمن العنزي (بمهملة، ونون ساكنة، فزاي) هاجر إلى الحبشة، وشهد المشاهد.
عنه: ابنه عبد الله.
أخرج له: المؤيد بالله ، /116
والمرشد بالله، والجماعة.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
[عامر بن واثلة ]
عامر بن واثلة ـ بمثلثة ـ بن عبد الله الكناني، أبو الطفيل.
له رؤية ورواية، وعُمِّر بعده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - طويلاً؛ وصحب علياً - عليه السلام -، وكان من وجوه شيعته، ومن محبيه، وله منه محل خاص، وشهد مع علي المشاهد.
قلت: قد سبق ذكره في الفصل الثاني، وساق في الطبقات ترجمته، وحكى كلام بعض المنحرفين فيه، قال: ثم خرج طالباً بدم الحسين مع المختار بن عبيد، ثم أخرج محمد بن الحنفية من سجن عارم، وسكن الكوفة، ثم مكة، وأقام بها حتى مات.
ثم حكى الأقوال في سنة وفاته، وقد سبق تصحيح أنه سنة عشر ومائة.
قال في التهذيب: وهو آخر من مات من جميع أصحاب النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
روى عن علي، وأبي بكر، وعمر، ومعاذ، وعمار.
وعنه: جابر الجعفي ، والزهري، ويزيد بن حبيب، وغيرهم.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
قلت: وممن روى عنه الإمام الأعظم زيد بن علي ـ عليهم السلام ـ، كما سبق.
قال علامة العترة النبيل، محمد بن عقيل ـ رحمه الله ـ: وأما وصول أبي عبد الله الجدلي ومن معه ومنهم أبو الطفيل، لإنقاذ ابن الحنفية ومن معه، فذلك من أعظم مناقبهما، ومن أكبر منزلة عند الله تعالى وعند النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقد أثبت ثقات المؤرخين، أن ابن الزبير وضع ابن الحنفية ومن معه من بني هاشم في السجن، ووضع فيه حطباً وألقى عليه النار، فصادف ذلك وصول الجدلي وأبي الطفيل ومَنْ معهما، فأنقذ الله بهم /117
العترة ـ أنقذهم الله من كل سوء ـ فهل يليق أن يعد صنيع هؤلاء الأبطال المنقذين مما تطعن به عدالتهم؟! كلا والله.
إلى قوله: إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور؛ رب احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قدم أبو الطفيل على معاوية، فقال له: كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟
قال: كوجد أم موسى على موسى؛ وأشكو إلى الله التقصير.
قال له معاوية: كنتَ فيمن حصر عثمان؟
قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره.
قال: فما منعك من نصره؟
قال: وأنت فما منعك من نصره إذ تربصت به ريب المنون؟ وكنت مع أهل الشام، وكلهم تابع لك فيما تريد.
فقال له معاوية: أو ما ترى طلبي لدمه نصرة له؟
قال: بلى، ولكنك كما قال أخو جعف:
لا ألفينّك بعد الموت تندبني .... وفي حياتي ما زوّدتني زادا
[عامر الرام]
عامر الرام (بفتح المهملة) صحابي، له حديث عند أبي داود، والإمام أبي طالب، رواه عنه ابن إسحاق عن ابن منصور عنه.
ويقال: ابن الرام؛ والأول أصح.
قلت: وفي الاستيعاب: عامر الرامي، ويقال: عامر الرام أخو الخضر، والخضر قبيلة في قيس عيلان..إلخ.
[عامر بن مسعود بن أمية]
عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي، له حديث في صوم الشتاء.
عنه: عبد العزيز بن رفيع ، ونمير بن عريب .
اختلف في صحبته؛ عداده في أهل الكوفة.
أخرج له: المرشد بالله، والترمذي /118
[عبادة بن الصامت]
عبادة بن الصامت، أبو الوليد الخزرجي، السيد النقيب؛ شهد العقبات الثلاث، وبدراً وما بعدها.
توفي بالرملة، وقيل: ببيت المقدس، سنة أربع وثلاثين، عن اثنتين وتسعين.
عنه: ولده محمد، وإبراهيم بن عباد، وجابر، وأنس، والحسن البصري، وخالد بن معدان، وجنادة بن أمية، وغيرهم.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
[عبد الله بن أُنَيس]
عبد الله بن أنيس (بضم الهمزة، وفتح النون) أبو يحيى القضاعي الأنصاري حلفاً، بطل مقدام، شهد العقبة وأحداً.
سار إليه جابر بن عبد الله شهراً إلى الشام يسمع منه حديث المظالم.
عنه: بنوه، وجابر، ومحمود بن لبيد .
توفي سنة أربع وخمسين.
خرج له: الناصر للحق، وأبو طالب، والمحيط، ومسلم.
[عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي ]
عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي ، توفي سنة ست وثمانين بالكوفة، آخر الصحابة موتاً بها.
عنه: عمرو بن مرة ، وإسماعيل بن أبي خالد.
أخرج له: أبو طالب ، والجرجاني، والمرشد بالله، والجماعة.
قلت: وكان من المنحرفين عن أمير المؤمنين - عليه السلام -، كما أفاده الإمام المنصور بالله - عليه السلام - في الشافي .
[عبد الله بن بُحَينة]
عبد الله بن بُحَينة (بضم الموحدة، وفتح المهملة، فتحتية، فنون) الأزدي، كان من السابقين /119
ناسكاً فاضلاً، ينزل موضعاً بقرب المدينة؛ توفي آخر أيام معاوية.
أخرج له: المؤيد بالله ، والجماعة.
عنه: الأعرج.
[عبد الله بن بسر]
عبد الله بن بسر (بمهملتين) المازني، توفي سنة ثمان وثمانين، قال ابن عساكر : وضع النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يده على رأسه، فقال: ((يعيش هذا قرناً )) فعاش مائة سنة.
أخرج له: المرشد بالله، والطبراني، وأبو نعيم، وابن عساكر، وغيرهم.
[عبد الله بن جواد العقيلي]
عبد الله بن جواد العقيلي، قال ابن عساكر : له صحبة.
عنه: ولد أخيه يحيى الأشدق .
خرج له: المرشد بالله، وغيره .
[عبد الله بن الحارث بن جز]
عبد الله بن الحارث بن جز (بجيم ثم زاي) الزُّبَيدي (بضم الزاي) شهد فتح مصر.
عنه: يزيد بن حبيب، وغيره.
توفي سنة ست ومائة.
أخرج له: المرشد بالله، والأربعة، إلا النسائي .
[عبد الله بن رواحة ]
عبد الله بن رواحة (بفتح أوله) أبو رواحة الحارثي الأنصاري النقيب، شهد بدراً وما بعدها، وكان أحد النجباء الصادقين في الجهاد باللسان واليد، وأحد الأمراء في غزوة مؤتة، وبها استشهد، ولا عقب له.
خرج له: الإمام زيد بن علي، وأبو طالب ـ عليهم السلام ـ، ومحمد، والبخاري، وغيرهم /120
[عبد الله بن الزبير بن العوام ]
عبد الله بن الزبير بن العوام ، أبو خبيب الأسدي، أول مولود من المهاجرين بعد الهجرة، شهد مع خالته عائشة الجمل.
بويع له سنة أربع وستين بعد معاوية بن يزيد، وتخلّف عن بيعته ابن عباس وابن الحنفية، ثم حصره الحجاج بمكة، وقتل في جمادى سنة ثلاث وسبعين، وهي عمره.
أخرج له المؤيد بالله ، وأبو طالب، ومحمد، والجماعة.
قلت: قد تقدم كلام الوصي ـ صلوات الله عليه ـ في شأنه وهو من رؤوس الناكثين؛ لما خرج الحسين - عليه السلام - من مكة إلى العراق ضرب عبد الله بن العباس بيده على منكب ابن الزبير وقال: خلا الجو ـ والله ـ لك يا ابن الزبير.
وسار الحسين إلى العراق، فقال: يا ابن عباس، والله ما ترون هذا الأمر إلا لكم، ولا ترون إلا أنكم أحق به من جميع الناس.
فقال ابن عباس: إنما يرى من كان في شك، ونحن من ذلك على يقين.
...إلى آخر ما في شرح النهج.
[تركه للصلاة على النبي وآله أربعين جمعة]
وقال الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن ـ عليهم السلام ـ فيه: وهو الذي ترك الصلاة على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أربعين جمعة في خطبته؛ فلما التاث عليه الناس، قال: إن له أهيل سوء، إذا صليت عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم وأشرأبُّوا لذكره، فأكره أن أسرَّهم، أو أقرّ أعينهم، رواه أبو الفرج في المقاتل.
وفي الفرائد ما لفظه: فإن المسعودي وغيره رووا أنه ترك الصلاة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الخطبة أربعين جمعة قال: إنه ما تركها إلا لئلا تشمخ أنوف أقوام ـ يعني بني هاشم ـ.
وفي شرح النهج: وكان عبد الله بن الزبير يبغض علياً وينتقصه.
وروى عمرو بن شبة، وابن الكلبي، والواقدي، وغيرهم من رواة السير /121
أنه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وقال: لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها.
وروى سعيد بن جبير : أن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس: ما حديث أسمعه عنك؟
قال: وما هو؟
قال: تأنيبي وذمي.
فقال: إني سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره )).
فقال ابن الزبير: إني لأكتم بغض أهل هذا البيت منذ أربعين سنة.
[جواب محمد بن الحنفية على ابن الزبير]
قال: وروى عمرو بن شبة أيضاً عن سعيد بن جبير ، قال: خطب عبد الله بن الزبير، فنال من علي - عليه السلام -، فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته، وقال: يا معشر العرب، شاهت الوجوه، أينتقص علي وأنتم حضور؟ إن علياً كان يد الله على أعداء الله، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنئوه وأبغضوه، وأضمرو له السيف والحسد، وابن عمه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره، وأحب له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتزّه حقه، ومنهم من ائتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل.
إلى قوله: والله ما يشتم علياً إلا كافر يُسِرّ شتم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ويخاف أن يبوح به، فيكني بشتم علي - عليه السلام -، أما إنه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره، وسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه: ((لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق )) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فعاد ابن الزبير إلى خطبته، وقال: عذرت بني الفواطم يتكلمون، فما بال ابن أم حنيفة؟
فقال محمد: يا ابن أم رومان، وما لي لا أتكلم، وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة، ولم يفتني فخرها؛ لأنها أم أخوي...إلخ /122
قال المقبلي في الأبحاث في بحث اختياره بقاء تحريم القتال في الأشهر الحرم، والأمكنة الحرم: ولو كانت الأحاديث أخباراً لم يقع شيء من ذلك، وإنما هو أمر خولف وظيفة الأفعال الخارجية من ابن الزبير فمن بعده، فهونت ذلك على النفوس، مع أن أحاديث الملحد في الحرم الذي عليه نصف عذاب أهل النار، ونحو ذلك، كثيرة متعاضدة المعنى.
وقال في الإتحاف: والأحاديث الواردة في أن أول من يلحد في الحرم كبش قريش، عليه نصف عذاب أهل النار، ومعناه متواتر لكثرة رواته، ولولا الورع واحترام ابن الزبير، والتجوز البعيد أن يصدق ذلك في غيره، لكان لا حاجة إلى اللجلجة...إلخ.
قال الإمام - عليه السلام -: فتأمل العصبية، وقد علم أنه الكبش الذي يلحد في حرم الله.
إلى قوله: ولا عليهم مما يلزمهم للقرابة، ولو جلّ وعظم، وتناسوا ما قرع أسماعهم، ورووه في كتبهم، عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مثل: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهم )) ومثل: ((أذكركم الله في أهل بيتي ـ ثلاثاً ـ)).
قال: وهذا ابن الزبير قد فتح هذه المعصية التي عظمها الفقيه، وهي عظيمة وفاقرة في حرم الله تعالى، ووصفه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بأنه ملحد، وأن عليه نصف عذاب أهل النار، وقد علم الفقيه أنه من رؤوس الناكثين، فلم تطب نفسه تبعاً لما أصّله أسلافه في هذه المسألة أن يقرر ويقول الحق.
إلى قوله: وهذا هو عذر المخالف، تواصوا به خلفاً عن سلف.
قال أبو عمر في الاستيعاب: وروي أن عبد الله بن صفوان بن أمية مَرّ يوماً بدار عبد الله بن عباس بمكة، فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه، ومَرّ بدار عبيدالله بن عباس فرأى فيها جماعة ينتابونها للطعام، فدخل على ابن الزبير، فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر:
فإن تصبك من الأيام قارعة
لم نبك منك على دنيا ولا دين /123
قال: وما ذاك يا أعرج؟
قال: هذان ابنا عباس، أحدهما يفقه الناس، والآخر يطعم الناس، فما أبقيا لك مكرمة.
فدعا عبد الله بن مطيع ، وقال: انطلق إلى ابني عباس، فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين: أخرجا عني أنتما ومن انضوى إليكما من أهل العراق، وإلا فعلت وفعلت.
فقال عبد الله بن عباس لابن الزبير: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان: رجل يطلب فقهاً، ورجل يطلب فضلاً، فأي هذين تمنع؟ وكان بالحضرة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني، فجعل يقول:
لا درّ درّ الليالي كيف تضحكنا .... منها خطوبٌ أعاجيبٌ وتبكينا
ومثل ما تحدث الأيام من عبر .... في ابن الزبير عن الدنيا تسلّينا
كنّا نجيء ابن عباس فيسمعنا .... فقهاً ويكسبنا أجراً ويهدينا
ولا يزال عبيدالله مترعة .... جفانه مطعماً ضيفاً ومسكينا
فالبر والدين والدنيا بدارهما .... ننال منها الذي نبغي إذا شينا
إن النبي هو النور الذي كشطت .... به عمايات ماضينا وباقينا
ورهطه عصمة في ديننا لهم .... فضل علينا وحق واجب فينا
ففيم تمنعنا منهم وتمنعهم .... منّا وتؤذيهم فينا وتؤذينا
ولست فاعلم بأولاهم به رحماً .... يا ابن الزبير ولا أولى به دينا
لن يؤتي الله إنساناً ببغضهم .... في الدين عزاً ولا في الأرض تمكينا
[عبد الله بن زيد الخزرجي]
عبد الله بن زيد، أبو محمد الخزرجي، الذي نسب إليه رؤية الأذان في رواية العامة، شهد بدراً.
عنه: ابنه محمد، وابن المسيب.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
أخرج له: المؤيد بالله ، والأربعة.
قلت: وقيل: إنه استشهد بأحد /124
[عبد الله بن زيد بن عاصم]
عبد الله بن زيد بن عاصم، أبو محمد النَّجَّاري، يعرف بابن أم عمارة، ووهم ابن عيينة فجعله رائي الأذان، وله ولأبيه صحبة؛ شارك في قتل مسيلمة الكذاب.
قُتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين.
عنه: عباد بن تميم .
أخرج له: المؤيد بالله ، والجماعة.
[عبد الله بن سرجس]
عبد الله بن سرجس (بفتح المهملة، وإسكان المهملة الثانية، وكسر الجيم، فمهملة، منصرف لأنه عربي) المزني البصري.
عنه: عاصم الأحول .
أخرج له: المؤيد بالله ، ومسلم، والأربعة.
[عبد الله بن سلام]
عبد الله بن سلام ـ مخفف ـ أبو يوسف الإسرائيلي، من ولد يوسف - عليه السلام -، عالم أهل الكتاب؛ أسلم مقدم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - المدينة.
عنه: ولده يوسف، وابن مسلمة، وغيرهما.
أخرج له: الهادي للحق، والمرشد بالله - عليهما السلام -، والجماعة.
توفي سنة ثلاث وسبعين.
قلت: والرواية بأنه المراد بقوله تعالى: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد:43]، غير صحيحة، بل هي نازلة في أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ.
روى الحاكم بسنده إلى أبي سعيد الخدري، عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-: هو علي بن أبي طالب .
ورواه عن ابن عباس، وعن محمد بن الحنفية، وعن أبي صالح من طريقين، وعن أبي جعفر الصادق، وقال أبو صالح : قال ابن عباس: هو والله علي بن أبي طالب .
انتهى من شواهد التنزيل ؛ أفاده أيده الله في التخريج /125
[عبد الله بن الشخِّير]
عبد الله بن الشّخّير (بكسر المعجمتين المثقلتين، فتحتية ساكنة، فمهملة) أبو مطرف، كان من الطلقاء.
عنه: بنوه: مطرف، ويزيد، وهاني؛ لا يعرف موته.
أخرج له: الجرجاني - عليه السلام -، ومسلم، والأربعة.
كان أحد المبايعين للإمام الحسن بن الحسن - عليهما السلام -.
[عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي]
عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي ـ بإسكان النون ـ أبو محمد، روى عن أبيه، وعمرو.
وعنه: عاصم بن عبيد الله؛ كان سخياً جواداً.
توفي سنة خمس وثمانين.
أخرج له: الإمام أبو طالب ، والمرشد بالله.
قلت: وليس هو عامل عثمان كما سبق إلى بعض الأوهام؛ ذاك ابن عامر بن كرز، ولم يترجم له في الطبقات .
[عبد الله بن عُكيم]
عبد الله بن عُكيم (بعين مهملة مضمومة، فكاف، فتحتية، فميم، مصغر) أبو معبد، مخضرم.
عن أبي بكر، وعمر.
وعنه: ابن أبي ليلى، وابن مخيمرة.
مات في إمارة الحجاج.
أخرج له: المؤيد بالله ، وأبو طالب.
قلت: في شرح النهج: وكان عبد الله بن عكيم عثمانياً، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى علوياً، وفي مختصر الطبقات أنه ـ أي عبد الله بن عكيم ـ أحد مبغضي الوصي - عليه السلام -.
[عبد الله بن عمر بن الخطاب]
عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن، أسلم قديماً بمكة بإسلام أبيه، وشهد الخندق /126
وما بعدها؛ ذكر الناصر للحق فيما رواه الإمام أبو طالب أنه لم يقاتل مع علي - عليه السلام - في حروبه، مع أنه يفضل أمير المؤمنين علياً - عليه السلام - على من حاربه، وهو من أصحاب الألوف في الحديث.
توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين، وله أربع وثمانون.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
عنه: جمع من الصحابة والتابعين، منهم بنوه: سالم، وحمزة، وعبيدالله، ونافع ـ قالوا: وهو أصح رواياته ـ وزيد بن أسلم ، وسعيد بن جبير، والشعبي، وعبد الله وعمرو ابنا دينار، وطاووس، ومجاهد، وعطاء بن السائب ، وابن سيرين، ومحارب بن دثار .
قلت: والعجب من ابن عمر، كيف تخلّف عن أمير المؤمنين - عليه السلام - مع علمه وتفضيله له، وكثرة رواياته فيه مما لا يحصر، نحو قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((من فارق علياً فقد فارقني، ومن فارقني فارق الله عز وجل )) أخرجه ابن المغازلي، عن مجاهد، عن ابن عمر؛ وأخرجه الطبراني في الكبير عنه، وقد أخرجه أحمد في المناقب ، والحاكم في المستدرك ، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((يا علي، من فارقني فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني )) وأخرجه الكنجي وابن المغازلي عن أبي ذر أيضاً.
وفي حديث بريدة لما شكى علياً - عليه السلام - ورسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يسمع، فخرج مغضباً وقال: ((ما بال أقوام ينتقصون علياً؛ من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني؛ إن علياً مني وأنا منه )).
وروى الحاكم أبو القاسم وغيره أنه كان يفضل الوصي - عليه السلام - على سائر الصحابة /127
قال الإمام محمد بن عبد الله في الفرائد: وروى البلاذري في تاريخه أن عبد الله بن عمر كتب إلى يزيد ـ لعنه الله ـ: أما بعد، فقد عظمت الرزية، وجلّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم الحسين...إلخ.
فأجابه يزيد ـ لعنه الله ـ: أما بعد، يا أحمق، فإنا جئنا إلى قصور مشيدة، وفرش ووسائد منضدة، فقاتلنا عنها؛ فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا، وإن يكن الحق لغيرنا فأبوك أول من سَنّ وابتزّ واستأثر بالحق على أهله.
قلت: وهو كجواب أبيه معاوية على محمد بن أبي بكر، الذي رواه في الشافي ، وشرح النهج، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
قال نافع لابن عمر: مَنْ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال: ما أنت وذاك لا أمّ لك.
ثم قال: أستغفر الله؛ خيرهم بعده من كان يحل له ما كان يحل له، ويحرم عليه ما كان يحرم عليه.
قلت: من هو؟
قال: علي، سد أبواب المسجد وترك باب علي، وقال له: ((لك في هذا المسجد ما لي، وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي ووصيي، وتقضي ديني، وتنجز عداتي، وتُقْتل على سنتي؛ كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني)) رواه ابن المغازلي عن جعفر بن محمد عن أبيه، أخرجه في تفريج الكروب .
قال الإمام محمد بن عبد الله: واسمع إلى حديث رواه مسلم وغيره، لما تغيظ أهل المدينة ومكة، واشتد عليهم قتل الحسين، خلعوا يزيد ـ لعنه الله ـ، وأقاموا عبد الله بن مطيع ، ثم دخل عليه ابن عمر؛ فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.
فقال ابن عمر: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك؛ سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((من خلع يداً من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة /128
مات ميتة جاهلية))؛ فتأمل ابن عمر أورد الحديث مطلقاً بدون قيده المعلوم عند الأمة من طاعة الله، وإقامة كتاب الله.
إلى قوله: وقد علم بأنه قتل الحسين، وسبى حريم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وفعل كل طامة؛ وكأنه لما كتب إلى يزيد الملعون وأجاب عليه بما ألقمه الحجر.
إلى قوله: ولِمَ لم يدخل في بيعة من يدور معه الحق حيثما دار، وقد طلبه؟ وأخلى رقبته عن بيعة إمام الحق حقاً، فيما رواه من الحديث؛ فلو بادره الموت في حياة أمير المؤمنين لمات ميتة جاهلية بالنص الذي رواه؛ ولهذا قال علي - عليه السلام - له ولآخر: لم ينصرا الحق، ولم يخذلا الباطل.
وما باله ترك بيعة علي - عليه السلام -، وجاء إلى الحجاج يبايعه لعبد الملك بن مروان، وروى هذا الحديث؛ فقال له الحجاج: يا عبد الله إن يدي مشغولة، وهذه رجلي؛ فبايع رجله، واستنكر الحجاج ذلك منه، وتمنعه من بيعة علي؛ ولولا أنه روي من وجوه كثيرة توبة ابن عمر وأوبته لحكمنا بهلاكه، لكن الله تداركه.
قلت: وروى العلامة شارح النهج عن أصحاب المعتزلة، أن ابن عمر ومن معه من المتخلفين عن أمير المؤمنين - عليه السلام -، لم يتخلفوا عن البيعة، وإنما تخلفوا عن الحرب.
وروى عن أبي الحسين في الغرر ، أن أمير المؤمنين - عليه السلام - أعفاهم عن حضور الحرب.
هذا، ويمكن حمل ما وقع من ابن عمر مع الحجاج، على التقية؛ لكنه يشكل على ذلك روايته له للخبر؛ وكذا لا يمكن الحمل على التقية في كلامه لابن مطيع؛ وهذا على فرض صحة الروايتين ـ أعني دخوله على ابن مطيع وعلى الحجاج ـ والله أعلم /129
والذي يدل عليه كلام الإمامين المنصور بالله عبد الله بن حمزة ، والمنصور بالله محمد بن عبد الله ـ عليهم السلام ـ ثبوت التوبة، وكذا كلام غيرهما؛ وحسبك بهما.
وأما الخبر الذي رواه، فقيوده معلومة في الكتاب والسنة، نحو قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة:124].
وقد روى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن آبائه، عن علي ـ عليهم السلام ـ: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية؛ إذا كان الإمام عدلاً براً تقياً.
وروى أيضاً عن علي - عليه السلام -: وأيما إمام لم يحكم بما أنزل الله فلا طاعة له.
نعم، وقد تكاثرت الروايات عن ابن عمر بتوبته، وأخرج ابن عبد البر من طرق، أن ابن عمر قال حين حضرته الوفاة: ما آسى على شيء إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب .
قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة - عليه السلام - في ابن عمر: وكان شديد الاجتهاد في طاعة الله تعالى، ورويت عنه ندامة عظيمة في تخلفه عن علي - عليه السلام -، وكان يتوضأ لكل صلاة، وله رواية وسيعة عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على غفلة كانت فيه، ولم يختلف في الرواية عنه. انتهى المراد.
[عبد الله بن عمرو بن العاص]
عبد الله بن عمرو بن العاص، أسلم قبل أبيه، شهد مع أبيه فتوح الشام، وكان يلوم أباه في ملابسة الفتن.
توفي بمصر ـ وقيل غير ذلك ـ سنة ثلاث ـ أو خمس ـ وستين.
خرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني؛ وروى /130
عنه حفيده شعيب بن محمد في الأصح.
قلت: وهذا الحفيد هو والد المريد عمرو بن شعيب ، القائل لعمر بن عبد العزيز لما قطع سنة الملاعين: السنة السنة.
قال في الطبقات في الرواة عنه: وعبد الله بن يزيد بن الشخير ، والشعبي، وعكرمة، ويوسف بن ماهك ، وغير هؤلاء كعطاء بن السائب. انتهى.
قلت: وكان عبد الله هذا في حزب القاسطين، كما قال في الكشاف عند ذكره لخبر روي عنه ما لفظه: وأقول: أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب ـ رضوان الله عليه ـ ما شغله عن تسيير هذا الحديث.
قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة : ولما استعظم أهل العلم والدين كونه مع معاوية، مع ما هو عليه من المعرفة والعلم والدين، فلم يكن عمدته إلا أن قال: أمرني رسول الله بطاعة عمرو.
إلى قوله: وقد جرت منه هذه الهفوة، والله أعلم ما ختم العمل، ونسأل الله الثبات. انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: كنتُ في مسجد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في حلْقة فيها أبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو بن العاص؛ فمرّ بنا حسين بن علي فسلم، فرد عليه القوم؛ فقال عبد الله بن عمرو: ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟
قالوا: بلى.
قال: هو هذا الماشي؛ ما كلمني كلمة منذ ليالي صفين؛ ولأن يرض عني أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.
فقال أبو سعيد: ألا تعتذر إليه؟
قال: بلى.
فاستأذن أبو سعيد فأذن له فدخل، ثم استأذن لعبد الله بن عمرو فلم يزل به حتى أذن له /131
فأخبره أبو سعيد بقول عبد الله بن عمرو.
فقال له: أعلمتَ يا عبد الله أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟
قال: إي ورب الكعبة.
قال: فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفين؛ فوالله لأبي كان خيراً مني.
قال: أجل، ولكن عمراً شكاني إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فقال: يا رسول الله، إن عبد الله يقوم الليل، ويصوم النهار.
فقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((يا عبد الله بن عمرو صَلِّ ونَمْ، وصُمْ وأفطر، وأطع عمراً ))، فلما كان يوم صفين، أقسم عليّ فخرجت؛ أما والله ما كثرت لهم سواداً، ولا اخترطت لهم سيفاً، ولا طعنتُ برمح، ولا رميتُ بسهم.
قال: فكلمه. انتهى.
قلت: وأخرج ابن عبد البر، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه كان يقول: مالي ولصفين، مالي ولقتال المسلمين؛ والله لوددت أني متّ قبل هذا بعشر سنين؛ ثم يقول: أما والله ما ضربتُ فيها بسيف، ولا طعنتُ برمح، ولا رميتُ بسهم؛ ووددت أني لم أحضر شيئاً منها، وأستغفر الله عز وجل من ذلك وأتوب إليه.
إلا أنه ذكر أنه كانت بيده الراية يومئذ؛ فندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية، وجعل يستغفر الله ويتوب إليه.
[عبد الله بن قرظ]
عبد الله بن قرظ (بضم القاف) الأزدي.
عنه: ابنه يحيى، وعفيف، وسليم بن عامر، كان اسمه شيطاناً، فسماه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عبد الله؛ في الشاميين.
توفي سنة ست وخمسين بأرض الروم.
أخرج له: المرشد بالله، وأبو داود، والنسائي /132
[عبد الله بن مالك]
عنه الأعرج، هو ابن بحينة؛ قد مر.
[عبد الله بن مسعود]
عبد الله بن مسعود بن غافلة ـ بمعجمتين بينهما ألف ـ أبو عبد الرحمن الهذلي الزهري حلفاً، الكوفي؛ كان من أهل السوابق، وهاجر قديماً، وشهد المشاهد كلها، وكان يسمى بابن أم عبد، نسبة إلى أمه، قرأ عليه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - القرآن، وأمرهم بأخذ القرآن عنه.
توفي بالمدينة سنة اثنتين ـ أو ثلاث ـ وثلاثين، ودُفن بالبقيع.
أخرج له: الناصر للحق في البساط ، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، والجماعة.
عنه: إبراهيم بن يزيد بن الأسود ، والحسن البصري، وزر بن حبيش، وشقيق، وعلقمة، وعطاء بن يسار، وأبو عثمان النهدي ، وأبو الأحوص، وأبو عمرو الشيباني، والشعبي، ومسروق، وأبو رافع، وأبو صالح، وغيرهم؛ وأينما ورد عبد الله مطلقاً في كتب أئمتنا عليهم السلام وغيرهم فهو المراد، إلا في موضع واحد من أمالي أبي طالب في خبر: ((إذا توضأ العبد المؤمن وتمضمض خرجت الخطايا ...)) الخبر، فهو عبد الله الصنابحي.
قلت: قال الإمام المنصور بالله - عليه السلام -: هو المبرز المعروف بالحق، المشهور بنفاذ البصيرة، وفيه آثار كثيرة، وهو أحد العلماء الأربعة بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ولم يختلف أحد من أهل العلم أنه ثاني علي بن أبي طالب أمير المؤمنين - عليه السلام -، وإن اختلف في الثالث والرابع بين سلمان وعمر ومعاذ وأبي الدرداء، /133
وزيد. انتهى.
وقد سبق في ذكر أمير المؤمنين - عليه السلام - قول ابن مسعود - ضي الله عنه-: قرأتُ القرآن على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأتممته على خير الناس بعده علي بن أبي طالب ؛ أخرجه الإمام في الشافي ، وهو في مجمع الزوائد.
وفي الفرائد بلفظ: علي أفضل الناس بعد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-...إلخ؛ وأخرجه الخوارزمي بلفظ: قرأت على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سبعين سورة، وختمت على خير الناس علي بن أبي طالب.
وما رواه مرفوعاً: ((قُسِّمت الحكمة عشرة أجزاء، أُعطي الناس جزءاً وعلي تسعة أجزاء ))، أخرجه أبو نعيم، وابن المغازلي، والحاكم، والكنجي، والخوارزمي، والبردعي، وابن النجار، عن عبد الله، عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وفي أمالي المرشد بالله - عليه السلام - بسنده: أن عبد الله قيل له حين قال: لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته، قيل: علي؛ قال: عليه قرأت، وبه بدأت.
وقد سبق ذكره، مع مَنْ ذكر في الفصل الثاني من الصحابة رضي الله عنهم.
[عبد الله بن مُغَفَّل]
عبد الله بن مغفّل (بضم الميم، وفتح الغين المعجمة، وتشديد الفاء، فلام) ابن سعد المزني، من أهل بيعة الرضوان، تحول إلى البصرة، وتوفي بها سنة ستين.
عنه: الحسن، وأبو إسحاق، وعقبة بن صهبان ، وغيرهم.
أخرج له: الهادي للحق، والأخوان، والجماعة.
[عبد الله الصناحبي]
عبد الله الصناحبي (بضم المهملة، وألف بعد النون، فمهملة، فموحدة ـ كذا في /134
الطبقات ـ وفي الإصابة بتقديم الموحدة على الحاء المهملة) قال أبو عبد الله ـ أي البخاري ـ: وَهِم مالك، وإنما هو أبو عبد الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة .
قال ابن معين: يشبه أن يكون له صحبة.
خرج له: أبو طالب ، ومالك، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عبد الرحمن بن أبي بكر]
عبد الرحمن بن أبي بكر، أسلم في هدنة الحديبية، وشهد مع أخته الجمل، ومع ابن العاص دومة الجندل، وفتح مصر.
توفي فجأة بقرب المدينة، سنة ثلاث وخمسين.
خرج له: المرشد بالله، والجماعة.
[عبد الرحمن بن أبزى ]
عبد الرحمن بن أبزى (بفتح الهمزة، وسكون الموحدة، فزاي، فألف) صلى خلف النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قال البخاري: له صحبة.
ولاه أمير المؤمنين - عليه السلام - خراسان، وقال عمر فيه: إنه ممن رفعه الله بالقرآن.
روى عن علي، وأبي بكر، وعمر، وأبي، وعمار.
وعنه: ابنه سعيد، والشعبي.
روى عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - اثني عشر حديثاً.
خرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
[عبد الرحمن بن سمرة ]
عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب القرشي، من الطلقاء، أسلم يوم الفتح، وافتتح /135
سجستان وكابل؛ وهو الذي قال له النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((لا تسأل الإمارة )).
عنه: الحسن، وابن سيرين.
سكن البصرة، ومات بها، سنة خمسين أو بعدها.
أخرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله.
[عبد الرحمن بن عوف]
عبد الرحمن بن عوف، أبو محمد، القرشي، الزهري، أسلم قديماً وهاجر، وشهد المشاهد.
توفي سنة إحدى ـ أو ثلاث ـ وثلاثين، ودُفن بالبقيع.
عنه: بنوه: إبراهيم، ومحمد، ومصعب، وأبو سلمة.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة: المؤيد بالله ، وأبو طالب، والمرشد بالله، والجماعة.
قلت: وما وقع منه يوم الشورى من ميله عن أمير المؤمنين، وعرضه عليه البيعة، على أن يسير على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين، وامتناعه عن ذلك، بل على كتاب الله وسنة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وعدوله إلى عثمان، وقول أمير المؤمنين - عليه السلام -: والله ما فعلتها إلا أنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، ودعا عليه وعلى عثمان، واستجاب الله دعوته، ففسد الحال بينهما، وتعاديا، ولم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن ـ كلّ ذلك مشهور، وعند جميع الطوائف على الصحائف مسطور، وإلى الله ترجع الأمور.
[عبد الرحمن بن غنم]
عبد الرحمن بن غنم (بمعجمة مضمومة، فنون، فميم) الأشعري، اختلف في صحبته.
عنه: ممطور، وعمير بن هاني .
وكان من العلماء، توفي سنة ثمان وثمانين /136
أخرج له: المرشد بالله، والبخاري في الأدب، والأربعة.
قلت: قال ابن عبد البر: وكانت له جلالة وقدر، وهو الذي عاتب أبا هريرة، وأبا الدرداء بحمص، إذ انصرفا من عند علي - رضي الله عنه - رسولين لمعاوية، وكان مما قال لهما: عجباً منكما، كيف جاز عليكما ما جئتما به.
إلى قوله: وقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار، وأهل الحجاز والعراق، وأن من رضيه خير ممن كرهه.
إلى قوله: وأي مدخل لمعاوية في الشورى، وهو من الطلقاء، الذين لا تجوز لهم الخلافة، وهو وأبوه من رؤوس الأحزاب.
فندما على مسيرهما، وتابا منه بين يديه.
قلت: المشهور أن المصاحب لأبي هريرة في ذلك النعمان بن بشير، وهو الذي في شرح النهج؛ وأما أبو الدرداء فإنه توفي في أيام عثمان، كما صححه هو في الاستيعاب وغيره.
هذا، وكون غنم بالضم هو الذي في الطبقات ، وفي الإصابة بالفتح، وفيها وفي الاستيعاب أن وفاته سنة ثمان وسبعين.
[عبد المطلب بن ربيعة بن عبد المطلب بن هاشم]
عبد المطلب بن ربيعة بن عبد المطلب بن هاشم ـ ويقال: ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ـ الهاشمي، صحابي.
روى عنه: عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي ، وابنه.
توفي سنة اثنتين وستين.
أخرج له: الإمام المرشد بالله، وأبو داود، ومسلم، والنسائي.
[عبيدالله بن العباس]
عبيدالله بن العباس بن عبد المطلب ، أبو محمد، ابن عم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - له أحاديث.
عنه: /137
ابنه عبد الله، وابن سيرين.
ولي اليمن لعلي - عليه السلام -.
توفي سنة ثمان وخمسين، وقيل غير ذلك.
وهو الذي ذَبَحَ ولديه الطفلين عدوّ الله بسرُ بن أرطأة باليمن.
قلت: وقد وقفتُ على المصحف العظيم، الذي كتبه الوصي علي بن أبي طالب ـ عليه الصلاة والسلام ـ، بخط يده الكريمة المطهرة، بخزانة الجامع الكبير بصنعاء، وهو ملطخ بدم الشهيدين، ولم يؤثر الدم في محو شيء من الخط، وهو بهيّ مبجّل ـ صلوات الله وسلامه على راسمه ـ.
[عبيدالله بن محصن]
عبيدالله بن محصن الأنصاري الخطمي، عنه: ولده سلمة، وفي الكاشف: عبد الله مكبراً.
أخرج له: الجرجاني، والترمذي، وابن ماجه.
قلت: قال ابن عبد البر: روى عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((من أصبح آمناً في سربه، معافى في جسمه، معه قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا )) منهم من جعل هذا الحديث مرسلاً، وأكثرهم يصحح صحبته...إلخ.
قلت: في النهاية : يقال: فلان آمن في سربه بالكسر، أي في نفسه، وفلان واسع السرب، أي رخي البال، ويروى بالفتح، وهو المسلك والطريق.
[عبيد بن حداد]
عبيد بن حداد، عنه: يعلى بن أسد .
رمز في الطبقات إلى أنه أخرج له الجرجاني /138
[عبيد بن فرقد]
عبيد بن فرقد، أبو عبد الله السلمي، عن جلّة أصحاب رسول الله، غزا مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غزوتين، سكن الكوفة.
وفرقد (بفتح الفاء، وبالراء مهملة).
عنه: قيس بن أبي حازم ، والشعبي.
خرج له: المرشد بالله.
[عتاب بن أسيد ]
عتاب (بفتح أوله، وتقديم المثناة الفوقية المثقلة) بن أسيد (بفتح الهمزة) بن أبي العيص (بكسر المهملة الأولى) الأموي، أبو عبد الرحمن، من مسلمة الفتح، وولي للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مكة، وله عشرون سنة.
مات سنة إحدى وعشرين، ذكره الطبراني .
عنه: سعيد بن المسيب ، وعطاء.
أخرج له: المؤيد بالله ، والجماعة.
[عثمان بن عفان]
عثمان بن عفان، أبو عمرو القرشي الأموي، أسلم بعد نيف وثلاثين، وهاجر إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ولم يحضر بدراً، وبويع له سنة أربع وعشرين.
وكان سبب حصره أنه كان كلفاً بأقاربه، وكانوا أقارب سوء، فجرت أمور ذِكْرها يخرجنا عن المقصود، فَقُتل في ثاني عشر الحجة، سنة خمس وثلاثين، وله تسعون سنة.
عنه: ولده أبان، وشقيق، والحارث بن نوفل، وحميد بن عبد الرحمن ، وغيرهم.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة، انتهى بتصرف /139
قلت: وأحداثه مشهورة، وكلمات الوصي - عليه السلام - العلمية العصمية في شأنه معلومة، وفيها ـ كما قال الإمام المنصور بالله - عليه السلام - لأهل العلم مجال واسع.
[عثمان بن مظعون]
عثمان بن مظعون (بمعجمة مشالة، فمهملة) بن حبيب، أبو السائب الجمحي، أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً، وكان يصوم النهار ويقوم الليل.
توفي بعد سنتين من الهجرة، ويقال: إنه أول الصحابة موتاً.
أخرج له: الإمامان أبو طالب والمرشد بالله، ومحمد.
قلت: وفي الاستيعاب والإصابة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبله بعد ما مات، وهو أول من دُفن بالبقيع، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجراً عند رأسه وقال: ((هذا قبر فرطنا ))، ولما توفي إبراهيم ابن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الحق بالسلف الصالح عثمان بن مظعون )).
[عثمان بن أبي العاص]
عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي، أبو عبد الله، قدم على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سنة تسع، واستعمله النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على الطائف، ولم يزل عليها حتى استعمله عمر على عمان والبحرين، ثم نزل البصرة، وبها توفي سنة إحدى وخمسين.
عنه: ابن المسيب ، ونافع بن جبير، ومطرف، والحسن، وغيرهم.
أخرج له: المؤيد بالله ، وأبو طالب، ومحمد، ومسلم، والأربعة /140
[عدي بن حاتم الطائي]
عدي بن حاتم الطائي، الجواد بن الجواد، قدم على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سنة تسع، فأكرمه وفرح بإسلامه، وشهد فتوح العراق وكسرى، وفتوح الشام، وشهد مع أمير المؤمنين - عليه السلام - حروبه، وكان من خلّص أصحابه ومحبيه؛ ثم نزل الكوفة ومات سنة ثمان وستين، عن مائة وعشرين.
خرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة، إلا المؤيد بالله .
[عدي بن زيد الجذامي]
عدي بن زيد الجذامي، له حديث.
عنه: داود بن الحصين ، وعبد الله بن أبي سفيان .
خرج له: أبو داود ؛ كذا في الطبقات ، ولم يذكر أنه خرج له أحد من أئمتنا.
[العرباض بن سارية]
العرباض (بكسر العين، وسكون الراء، فموحدة، فألف، فضاد معجمة) بن سارية السلمي، أبو نجيح (بفتح النون، وكسر الجيم) من أهل الصفة، سكن حمص.
عنه: أبو أمامة، وجماعة.
توفي سنة خمس وسبعين.
أخرج له: الإمام أبو طالب ، والأربعة.
[عروة بن الجعد]
عروة بن الجعد (بجيم فمهملتين) البارقي ـ وعن ابن المديني أنه ابن أبي الجعد ـ أول من ولي القضاء بالكوفة.
عنه: الشعبي ، والسبيعي، وغيرهما.
أخرج له: الجماعة، ومحمد بن منصور حديث الأضحية، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة حديث: أعطاه ديناراً /141
[عروة بن مضرس ]
عروة بن مضرّس (بضم الميم، وفتح الضاد معجمة، وكسر الراء مشددة) الطائي، شهد حجة الوداع، له أحاديث؛ عداده في الكوفيين.
أخرج له: الأخوان، والأربعة.
[عفيف الكندي]
عفيف الكندي، عمّ الأشعث، صحابي.
عنه: ابنه إياس.
أخرج له: أبو طالب ، والنسائي، وابن عدي، وابن عساكر؛ انتهى ما أفاده في الطبقات .
قلت: هو من رواة خبر صلاة أمير المؤمنين، وخديجة بنت خويلد - عليهما السلام - مع الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وليس أحد يعبد الله في الأرض غير هؤلاء الثلاثة، أخرجه الإمام أبو طالب ، والإمام المنصور بالله - عليهما السلام -، والكنجي، ومحمد بن سليمان الكوفي، والبخاري في تاريخه، والنسائي، والبغوي، وابن أبي خيثمة، وابن مندة، وصاحب الغيلانيات، وابن عبد البر.
عن إسماعيل بن إياس بن عفيف عن أبيه عن جده.
وفي الاستيعاب: من كلام العباس له: ولم يتبعه إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه سيفتح له كنوز كسرى وقيصر.
قال: وكان عفيف يقول وقد أسلم وحسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ، كنت ثانياً مع علي بن أبي طالب .
وأخرجه عن يحيى بن عفيف الحاكم الحسكاني ، والكنجي، والنسائي، وأبو يعلى الموصلي، وابن عبد البر، وقال: حديث حسن جداً، وفي روايته من كلام العباس: ولا والله ما أعلم على وجه /142
الأرض أحداً على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. انتهى.
وأخرجه أبو جعفر الإسكافي عن خالد بن نافع عن عفيف.
وأخرج أبو جعفر والخوارزمي عن ابن مسعود نحو حديث عفيف، وفيه: إذْ أقبل رجل من باب الصفا، وعليه ثوبان أبيضان، وله وفرة إلى أنصاف أذنيه جعدة، أشم، أقنى، أدعج العينين، كث اللحية، براق الثنايا، أبيض تعلوه حمرة، كأنه القمر ليلة البدر، وعلى يمينه غلام مراهق، أو محتلم حسن الوجه، تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها، حتى قصدوا نحو الحجر، فاستلمه واستلمه الغلام، واستلمته المرأة.
إلى قوله: فقلنا: يا أبا الفضل، إن هذا الدين ما كنا نعرفه فيكم.
قال: أجل والله.
قلنا: فمن هذا؟
قال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، وهذا الغلام ابن أخي أيضاً، هذا علي بن أبي طالب ، وهذه المرأة زوجة محمد خديجة بنت خويلد ، والله ما على وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة.
انتهى من شرح النهج؛ وقد جمع طرقه ـ أيده الله ـ في تخريج الشافي .
[عقبة بن عامر الجهني]
عقبة ـ بضم أوله ـ بن عامر الجهني، القضاعي؛ كان في حزب القاسطين أيام صفين، ذكره ابن الأثير وابن حجر وغيرهما، وتولى مصر لمعاوية، وبها مات، سنة ثمان وخمسين.
عنه: إياس بن عامر ، وشعيب، والد عمرو وغيرهما.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
قلت: وقد مَرّ الوجه في الرواية عنه وعن أمثاله /143
[عقيل بن أبي طالب]
عقيل بن أبي طالب بن هاشم، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
في رواية الإمام أبي طالب أنه أسلم يوم بدر هو والعباس ونوفل بن الحارث، وشهد مؤتة، وكان أنسب قريش؛ وقال له النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((إني أحبك حبين: لحب أبي طالب، وحبي إياك )) رواه الجرجاني.
قلت: ورواه ابن عبد البر، وابن أبي الحديد .
قال السيد الإمام: له أحاديث رواها عنه ابنه محمد، والحسن البصري.
توفي في خلافة معاوية.
أخرج له: أبو طالب ، والجرجاني، والنسائي، وابن ماجه؛ وله ذكر في مجموع زيد بن علي في الوكالة.
قلت: والصحيح أنه لم يصل إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام.
قال شارح النهج: وهذا هو الأظهر عندي، وعرض نفسه وولده على أمير المؤمنين - عليه السلام - فأعفاه، وجوابه عليه في النهج وغيره؛ وله جوابات على معاوية مسكتة، منها: قوله وقد سأله أين يكون عمك أبو لهب؟
قال: إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعاً لعمتك أم جميل بنت حرب بن أمية ـ يعني حمالة الحطب ـ.
[عمار بن ياسر ]
عمار بن ياسر ، أبو اليقظان العنسي المذحجي، من السابقين الأولين المعذبين في الله أشد العذاب؛ شهد المشاهد كلها، وكان مخصوصاً منه بالبشارة والترحيب، وقال له: ((مرحباً بالطيب /144
المطيب ))، وقال: ((عمار جلدة بين عيني وأنفي )) وقال: ((تقتلك الفئة الباغية ))، وقال: ((ويح عمار يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار )).
استشهد مع أمير المؤمنين - عليه السلام - بصفين، سنة سبع وثلاثين ـ رضوان الله وسلامه ورحمته عليه ـ وكان من خلّص أصحابه ومحبيه.
عنه: ابنه محمد، وأبو الطفيل، وغيرهما.
خرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
وظهر باستشهاده ـ رضوان الله عليه ـ علم من أعلام النبوة، بتصديق الأخبار أنها تقتله الفئة الباغية، الداعية إلى النار، وتحقق للأغمار، تعيين أصحاب البغي القاسطين الفجار، ولم يستطيعوا مدافعة النصوص الصريحة المتواترة بردّ ولا إنكار.
قال ابن حجر: وتواترت الأحاديث عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أن عماراً تقتله الفئة الباغية، وأجمعوا أنه قُتل مع علي بصفين، سنة سبع وثلاثين، وله ثلاث وتسعون سنة؛ واتفقوا أنه نزل فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ }...إلخ [النحل:106].
وفي الاستيعاب لابن عبد البر: بالسند إلى ابن عباس في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } قال: عمار بن ياسر ، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام:122]، قال: أبو جهل بن هشام .
وقال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((إن عماراً مُليء إيماناً إلى مشاشه))، وروي: ((إلى أخمص قدميه ))، وروي فيه بسنده إلى عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((مُليء عمار إيماناً إلى أخمص قدميه )).
وقال عبد الرحمن بن أبزى : شهدنا مع علي - رضي الله عنه - صفين /145
في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون، منهم: عمار بن ياسر .
قال: ومن حديث خالد بن الوليد ، أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((من أبغض عماراً أبغضه الله تعالى )).
قال: ومن حديث أنس، عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال: ((اشتاقت الجنة إلى علي وعمار وسلمان وبلال )).
ثم ساق إلى قوله: وفضائله كثيرة يطول ذكرها.
قال: وروى الأعمش بن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال: شهدنا مع علي - رضي الله عنه - صفين.
إلى قوله: وسمعت عماراً يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدم، الجنة تحت البارقة، اليوم ألقى الأحبة، محمداً وحزبه، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق، وهم على الباطل.
ثم قال:
نحن ضربناكم على تنزيله .... فاليوم نضربكم على تأويله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله .... ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
قال: فلم أر أصحاب محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.
قال: وروى وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة، قال: لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين، واستسقى فأتي بشربة من لبن؛ فشرب، فقال: اليوم ألقى الأحبّة؛ إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عهد إلي أن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن؛ ثم استسقى فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح من لبن، فقال عمار حين شربه: الجنة تحت الأسنة؛ والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أن مصلحنا على الحق، وأنهم على الباطل.
قال: وتواترت الآثار عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال: ((تقتل عماراً الفئة /146
الباغية )) وهذا من إخباره بالغيب، وأعلام نبوته - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -. انتهى المراد.
قلت: وجميع ذلك مأثور، وفي صحائف الإسلام مزبور، وقد رأيت إيراد ما ذكر من هذه الطريق، والله تعالى ولي التوفيق.
فانظر إلى كلام ابن عبد البر، وابن حجر، وغيرهما من حفاظ المحدثين، ثم يتوليان القاسطين الباغين، ولله القائل:
قال النواصب قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطأ فيه صاحبهُ
قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا .... في النار قاتل عمّار وسالبهُ؟
نعوذ بالله من الخذلان، وهو المستعان.
[عمر بن الخطاب ]
عمر بن الخطاب ، أبو حفص القرشي، أسلم بعد خروج مهاجرة الحبشة، على يدي أخته فاطمة، وزوجها سعيد بن زيد، في قصة طويلة، وفي الطبقات كما في كتب العامة أنه أول من تسمى بأمير المؤمنين.
قلت: الحق أن أمير المؤمنين حقاً، أول من تسمى بأمير المؤمنين، بأمر رب العالمين، على لسان سيد المرسلين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ فقد أمرهم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أن يسلموا عليه بأمير المؤمنين، أخرج ذلك الإمام المرشد بالله - عليه السلام - في الأمالي بسنده إلى بريدة.
وأخرجه الإمام المنصور بالله - عليه السلام - عنه في الشافي ، وشواهد ذلك شهيرة معلومة منيرة، وقد سبق من ذلك نصوص كثيرة.
فأما عمر فأول من سماه بذلك المغيرة بن شعبة، أو عمرو بن /147
العاص، على اختلاف الرواية كما ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره من أهل التواريخ؛ ولا يفهم من أمير المؤمنين عند الإطلاق إلا سيد الوصيين، وأخو سيد النبيئين ـ صلى الله وسلم عليهم أجمعين ـ بالاتفاق؛ فشتان ما بين تسمية على لسان سيد ولد عدنان - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وتسمية ما أنزل الله بها من سلطان.
هذا، وقد كان عمر كثير الاعتراف لأمير المؤمنين - عليه السلام -، وقد سبق شيء من ذلك، ومما هو معلوم مشتهر: (لولا علي لهلك عمر).
نعم، بويع له بالخلافة صبيحة وفاة أبي بكر، وطعنه أبو لؤلؤة فيروز، غلام المغيرة بن شعبة، فتوفي لأربع بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين.
أخرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة؛ وله ذكر في المجموع والأحكام.
عنه: حميد بن عبد الرحمن ، وسويد بن غفلة.
[عمر بن أبي سلمة]
عمر بن أبي سلمة المخزومي، ربيب رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولد بالحبشة مع أبويه في الثانية من الهجرة الأولى، وتزوج رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أمه أم سلمة سنة أربع من الهجرة، فنشأ في حجره، وعلمه أدب الأكل.
شهد مع علي - عليه السلام - الجمل، واستعمله - عليه السلام - على فارس والبحرين.
توفي سنة ثلاث وثمانين.
أخرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، والجماعة.
عنه: ولده محمد، وعطاء بن أبي رباح /148
[عمر بن عوف]
عمر بن عوف.
عنه: ابنه عبد الله.
والصواب عمرو بفتح أوله؛ يأتي إن شاء الله تعالى.
خرج له: المؤيد بالله .
(فصل العين المهملة المفتوحة)
[عمرو بن تغلب]
عمرو بن تغلب (باثنتين من أعلى ثم معجمة، وآخره موحدة) هو الجواثي (بضم الجيم، آخره مثلثة).
عنه: الحسن.
خرج له: المرشد بالله، والبخاري، والنسائي، وابن ماجه.
[عمرو بن حريث المخزومي]
عمرو بن حريث المخزومي أبو سعيد الكوفي، عنه: ابنه جعفر، والحسن العرني .
توفي سنة خمس وثمانين.
خرج له: مسلم، والأربعة، والسمان.
[عمرو بن الحارث]
عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي المصطلقي أخو جويرية أم المؤمنين، بقي إلى بعد الخمسين، له رواية عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وعن ابن مسعود .
وعنه: عيسى بن دينار.
أخرج له: أبو طالب ، ومحمد، والجماعة.
[عمرو بن حزم]
عمرو بن حزم (بفتح المهملة، وسكون الزاي) بن زيد الأنصاري الخزرجي أبو الضحاك؛ شهد الخندق، وولي نجران، وبعث معه النبي صلى الله عليه وآله وسلم /149
بكتاب فيه الفرائض، والسنن، والصدقات، والجروح، والديات، وكتابه مشهور؛ روى منه المؤيد بالله - عليه السلام - وخرجه جميعه أبو الغنائم النرسي في الأربعين ، ورواه أبو داود ، والنسائي متفرقاً.
عنه: ابنه محمد.
توفي سنة إحدى وخمسين.
قلت: وفي الاستيعاب: وقد قيل: إن عمرو بن حزم توفي في خلافة عمر بن الخطاب .
وفي الإصابة: قال أبو نعيم: مات في خلافة عمر، كذا قال إبراهيم بن المنذر في الطبقات ، ويقال: بعد الخمسين، قال: وهو أشبه بالصواب، ففي مسند أبي يعلى بسند رجاله ثقات أنه كلم معاوية في أمر بيعته ليزيد بكلام قوي؛ وفي الطبراني وغيره أنه روى لمعاوية وعمرو بن العاص حديث ((تقتل عماراً الفئة الباغية ))، والله أعلم.
[عمرو بن الحمق ]
عمرو بن الحَم ِق (بفتح المهملة، وكسر الميم، فقاف) بن حبيب الخزاعي؛ هاجر بعد الحديبية، وكان ممن دخل الدار على عثمان، ثم انضم إلى علي عليه السلام، وشهد معه الجمل، وصفين، والنهروان، وكان من خلّص أصحابه.
قتله عبد الرحمن بن عثمان الثقفي بالموصل، سنة إحدى وخمسين، وبعث برأسه إلى معاوية؛ وهو أول رأس أهدي في الإسلام.
وكان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال له: ((يا عمرو أتحب أن أريك آية الجنة؟)) قال: نعم يا رسول الله؛ فمرّ علي بن أبي طالب ، فقال: ((هذا وقومه آية الجنة )).
عنه: أبو عامر الحضرمي .
خرج له: أبو طالب ، والنسائي، وابن ماجه.
[عمرو بن العاص]
عمرو بن العاص بن وائل السهمي، أبو محمد؛ كان من رؤوس القاسطين الباغين /150
بالنص المتواتر؛ وكان كثير الإقرار، بحق إمام الأبرار، مع ما هو فيه من الإصرار؛ وهو من رواة حديث عمار؛ وتطابق حاله وحال معاوية، فقد كانا في الغاية من المكر والدهاء والاغترار، بحلم الملك الجبار، والإملاء في هذه الدار.
* لا خير في لذّة من بعدها النار *
وحسبه من العار في الدنيا، واقعته التي تخلص بها من ذي الفقار، حتى ضُربت بها الأمثال في الأشعار؛ قال الشاعر:
ولا خير في دفع الردى بمذلة .... كما رَدّها يوماً بسوأته عمرو
ولله قول القائل:
قال النواصب قد أخطا معاوية .... في الاجتهاد وأخطا فيه صاحبهُ
قلنا كذبتم فلم قال النبي لنا .... في النار قاتل عمار وسالبهُ؟
وفاته بمصر سنة ثلاث وأربعين عن سبعين سنة.
لم يخرج له أئمتنا شيئاً في الأحكام ؛ إنما له ذكر عند محمد في التيمم، وعند الهادي في القنوت، وعند أبي طالب في قتل حريث مولى معاوية؛ وأخرج له الجماعة.
[عمرو بن عنبسة]
عمرو بن عِنبسة (بكسر المهملة، وبنون، ثم موحدة، كذا فيما نقلناه) والصواب أنه ابن عَبَسة (بفتح المهملة، والموحدة، وحذف النون) ابن عامر بن خلد السلمي، أبو نجيح، أسلم قديماً، وفي مسلم أنه رابع أربعة في الإسلام، وكذا عند النرسي.
أخرج له: مسلم، والأربعة، وأبو الغنائم النرسي.
قلت: ومحمد بن منصور في الأمالي في النكاح بلفظ: عن أبي نجيح السلمي قال: قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منا )) انتهى /151
واسمه في الاستيعاب والإصابة والخلاصة على ما صوبه، وبيض لوفاته في الطبقات .
وفي الإصابة: وأظنه مات في أواخر خلافة عثمان، فإنني لم أر له ذكراً في الفتنة...إلخ.
[عمرو بن عوف المزني]
عمرو بن عوف المزني، أبو عبد الله، قديم الإسلام، أول مشاهده الخندق، أحد البكائين، الذين عذرهم الله في تبوك.
عنه: ابنه عبد الله، والمسور بن مخرمة.
توفي آخر أيام معاوية.
أخرج له: الجماعة، والمؤيد بالله، والمرشد بالله.
[عمرو بن عوف الفَعْوي]
عمرو بن عوف الفَعْوي (بفتح الفاء، وسكون المهملة) الخزاعي.
عن هند بنت اللحوف ، وعنه: ولده عبد الله.
أخرج له: أبو طالب ، وأبو داود.
[عمرو بن كعب اليماني]
عمرو بن كعب اليماني، له حديث في مسح الرأس، رواه عنه ولده مُصَرِّف، كذا في أبي داود، وجزم به في الخلاصة ، وذكره في التقريب .
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد.
والرواية عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده.
[عمران بن الحصين ]
عمران بن الحصين أبو نُجَيد (بضم النون، وفتح الجيم) الخزاعي البصري، أسلم عام خيبر، وشهد ما بعد ذلك؛ وكان من فضلاء الصحابة.
قلت: وقد نزهه في شرح النهج عن الانحراف، وروي أنه كان ممن يفضل الوصي - عليه السلام -، وهو الظن به لمكانه في الإسلام.
قال: /152
وكان مجاب الدعوة، مات بالبصرة، سنة اثنتين وخمسين.
أخرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة، إلا الجرجاني.
عنه: أبو رجاء العطاردي ، وعبد الله بن بردة ، وأبو نضرة ، والحسن البصري.
[عوف بن مالك]
عوف بن مالك، أبو محمد الأشجعي الغطفاني، أول مشاهده الفتح، وكان حامل راية قومه.
توفي بدمشق، سنة ثلاث وسبعين في الأصح.
أخرج له: الجماعة.
[عياش بن أبي ربيعة المخزومي]
عياش: (بتحتية مثناة، ثم معجمة) ابن أبي ربيعة المخزومي؛ أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة.
قُتل يوم اليرموك، أو اليمامة، سنة خمس عشرة.
أخرج له: المؤيد بالله ، وابن ماجه.
[عياض بن حماد]
عياض بن حماد (بكسر المهملة الأولى) بن أبي حماد بن ناجية بن عقال بن عرفجة بن ناجية بن سفيان ـ وفي جامع الأصول : ابن عقال أبو محمد بن سفيان، واتفقا ـ بن دارم، زاد المرشد بالله: ابن مالك بن حنظلة، ورفع نسبه إلى مضر بن نزار.
قال: من ساكني البصرة، قال في الجامع: المجاشعي التميمي.
قال المرشد بالله: وقد قيل في نسبه غير ذلك.
قال في الجامع: كان صديقاً لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قديماً، قال المرشد بالله: له عن رسول الله خمسة أحاديث.
عنه: مطرف بن عبد الله، وأخوه يزيد، والحسن البصري، وغيرهم.
خرج له: المرشد بالله، ومسلم /153
قلت: هو راوي الخبر الدال على العدل الراد على الجبرية، الذي كرره الإمام المرشد بالله - عليه السلام - في أماليه آخر الحديث الخامس في فضل النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
(فصل الغين المعجمة)
[غيلان بن معتِّب]
غيلان بن معتِّب (بالميم، والعين مهملة، وكسر المثناة المشددة) أبو مالك بن كعب.
قلت: كذا في الطبقات ، والذي في الاستيعاب والإصابة وجامع الأصول: غيلان بن سلمة، ثم قال في الجامع: بن مغيث (بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، وسكون الياء، وبالثاء المثلثة) وفي الإصابة ضبطه بالمهملة، والمثناة الفوقية.
قال في الطبقات : أسلم بعد فتح الطائف، وأسلم معه نساؤه، وكن عشراً، فقال له النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((اختر منهن أربعاً )).
وهو معدود من الشعراء، وأحد أشراف ثقيف، وفد على كسرى، وله قصة.
توفي آخر خلافة عمر.
أخرج له: المؤيد بالله ، وعنه: سالم عن أبيه.
قلت: ومن قصته أنه وفد على كسرى، فقال له ذات يوم: أي أولادك أحب إليك؟
قال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يؤوب، ذكر ذلك في الاستيعاب.
(فصل الفاء)
[فارض النهدي]
فارض النهدي، شهد هوازن مشركاً، ثم أسلم.
عنه: ولده المنتجع.
أخرج له: أبو طالب /154
[فضالة بن عُبيد]
فضالة (بفتح أوله) بن عبيد ـ مصغراً ـ أبو محمد الأنصاري، سكن دمشق وولي قضاءها لمعاوية.
توفي سنة ثمان ـ أو ثلاث ـ وخمسين.
خرج له: المرشد بالله، والجرجاني، ومسلم، والأربعة.
[الفضل بن العباس]
الفضل بن العباس بن عبد المطلب ، ابن عم رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أكبر ولد العباس، وبه يكنى؛ شهد الفتح وما بعدها، وثبت في حنين، وأردفه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في حجة الوداع من مزدلفة إلى منى؛ وكان جميلاً.
دخل الشام للجهاد، وبه توفي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة.
عنه: أخواه: عبد الله، وقثم، وجابر بن عبد الله، وغيرهم.
أخرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة.
(فصل القاف)
[قبيصة بن المخارق]
قبيصة (بفتح القاف، فموحدة مكسورة، فمثناة تحتية، فمهملة، فهاء) ابن المخارق بن عبد الله بن شداد العامري الهلالي، له ستة أحاديث.
عنه: أبو قلابة ، وأبو عثمان النهدي، وكنانة بن نعيم .
خرج له: أبو طالب ، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[قتادة بن ملحان]
قتادة بن ملحان (بكسر الميم، وسكون اللام، فمهملة) القيسي.
عنه: ابنه عبد الملك، /155
ويزيد بن الشخير.
خرج له: المؤيد بالله ، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه في التقريب ؛ له حديث في أيام البيض.
[قتادة أو أبو قتادة]
قتادة، عنه: ابنه عبد الله، كذا وقع في بعض نسخ التجريد ، والصواب: أبو قتادة، كما يجيء في الكنى إن شاء الله.
[قدامة بن مظعون الجمحي]
قدامة بن مظعون الجمحي، هاجر إلى الحبشة، وشهد بدراً وسائر المشاهد، واستعمله عمر على البحرين، وبها شرب الخمر.
قلت: أخرج قصته في شربها الهادي إلى الحق - عليه السلام -.
توفي سنة ست وثلاثين؛ مظعون (بظاء معجمة ساكنة، وضم عين مهملة).
[قيس بن سعد بن عبادة ]
قيس بن سعد بن عبادة بن دلهم، أبو عبد الله الخزرجي، صاحب شرطة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كان من ذوي الرأي والدهاء والتقدم.
توفي سنة ستين.
خرج له: الجماعة، والمرشد بالله، وبيض للآخذين عنه، وبقية ترجمته.
وهو من أعيان فضلاء الصحابة، وخلّص أتباع الوصي، وسائر أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ؛ شهد مشاهد أمير المؤمنين - عليه السلام - كلها، وله المقامات المشهورة المشكورة.
[قيس بن عاصم]
قيس بن عاصم بن سنان التميمي المنقري، وفد على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سنة تسع في جماعة /156
من بني تميم، وكان عاقلاً جواداً كريماً شريفاً؛ وقال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((هذا سيد أهل الوبر ))، حرم الخمر في الجاهلية ووأد البنات.
عنه: الأحنف بن قيس، والحسن، وخليفة بن حصين.
أخرج له: الأربعة إلا ابن ماجه ، والشريف السيلقي.
(فصل الكاف)
[كثير بن السائب]
كثير بن السائب، عنه: عمارة بن خزيمة بن ثابت .
خرج له: المؤيد بالله - عليه السلام -، والنسائي.
قال في التقريب : وهم من جعله صحابياً، وعداده في التابعين، وهو مقبول، من الرابعة.
[كعب بن عُجْرة]
كعب بن عُجْرة، أبو محمد القضاعي البلوي، الأنصاري حلفاً؛ شهد بيعة الرضوان، وفيه نزل: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا }...الآية [البقرة:196].
توفي سنة اثنتين وخمسين.
عنه: الشعبي ، وابن سيرين، وابن أبي ليلى، وغيرهم.
أخرج له: أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، والجماعة.
قلت: وعجرة (بضم العين المهملة، وسكون الجيم) أفاده في جامع الأصول .
[كعب بن عمرو بن عباد]
كعب بن عمرو بن عباد الأنصاري السَّلَمي ـ بالفتح ـ أبو اليَسَر ـ بفتح التحتانية ـ عقبي، بدري، جليل؛ له أحاديث.
عنه: ابنه عمار، وموسى بن طلحة ، وخلف بن خليفة .
مات سنة خمس وخمسين /157
قلت: شهد صفين مع أمير المؤمنين - عليه السلام -.
[كعب بن مالك بن عمر]
كعب بن مالك بن عمر، أبو عبد الله الخزرجي السَّلَمي ـ بفتح السين واللام ـ شهد العقبة والمشاهد كلها إلا بدراً وتبوك؛ وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم.
عنه: بنوه: عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الملك.
توفي بالمدينة سنة خمسين.
خرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة.
قلت: وهو أحد شعراء رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - المجيدين.
[كعب بن مرة]
كعب بن مرة ـ ويقال: مرة بن كعب ـ النهري، نزل الأردن.
عنه: حبير بن نسير ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وسالم بن أبي الجعد، وعدة.
توفي سنة سبع ـ أو تسع ـ وخمسين.
أخرج له: المرشد بالله، والأربعة.
(فصل اللام)
[لبيد بن ربيعة]
لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل، أحد شعراء الجاهلية والمخضرمين، من المعمرين؛ هاجر وحسن إسلامه؛ نزل الكوفة، وبها مات آخر أيام معاوية؛ عُمِّر في الجاهلية سبعين، وفي الإسلام خمساً وخمسين، له ذكر في أمالي أبي طالب.
[لقيط بن عامر بن صبرة]
لقيط بن عامر بن صبرة (بموحدة بين مهملتين مفتوحتين) أبو رزين العقيلي، صحابي مشهور /158
عنه: ولده عاصم، وإسماعيل بن سميع .
عداده من أهل الطائف، أو ممن سكن بمكة.
أخرج له: المؤيد بالله ، والأربعة.
(فصل الميم)
[ماعز بن مالك الأسلمي]
ماعز بن مالك الأسلمي.
قال في جامع الأصول : معدود في المدنيين، وهو الذي رجمه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
روى عنه: ابنه عبد الله بن ماعز حديثاً واحداً.
وماعز بكسر العين المهملة وبالزاي.
وفي رواية زيد بن علي: إن الرجم ليطهر ذنوبه ويكفرها كما يطهر أحدكم ثوبه من دنسه، قال: ثم صلى عليه.
وفي رواية الهادي إلى الحق: فأمر النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بالصلاة عليه، وقال: ((إنه في أنهار الجنة يتغمص ))، وفي رواية زيد: ((يتخضخض فيها )).
أخرج حديثه الإمامان: زيد بن علي والهادي إلى الحق، ومحمد بن منصور.
[مالك بن الحويرث الليثي]
مالك بن الحويرث الليثي، أبو سليمان، له خمسة عشر حديثاً.
عنه: نصر بن عاصم ، وأبو قلابة، وولده الحسن بن مالك .
مات بالبصرة سنة أربع وتسعين.
[مالك بن ربيعة]
مالك بن ربيعة أبو أسيد (بضم الهمزة) الأنصاري البدري، من جلة الصحابة.
توفي بالمدينة، سنة ثلاثين، وقيل: ستين، آخر البدريين.
عنه: ابناه: حمزة وزبير، وغيرهما.
أخرج له: أبو طالب ، والأربعة /159
[محجن بن أبي محجن]
محجن (بكسر أوله، وسكون الحاء المهملة، وفتح الجيم، فنون) بن أبي محجن الديلي (بكسر الدال المهملة، وسكون التحتية).
عنه: ابنه محجن.
أخرج له: أبو طالب في مَنْ صلى ثم حضر جماعة؛ ليس له غيره؛ ومحمد بن منصور، والجماعة.
[محمد بن عبد الله بن جحش]
محمد بن عبد الله بن جحش الأسدي.
عن عمته أم المؤمنين زينب وعائشة.
وعنه: أبو كبير مولاه، وابنه إبراهيم؛ هاجر الهجرتين.
أخرج له: أبو طالب ، والنسائي، وابن ماجه.
[محمد بن مسلمة]
محمد بن مسلمة، أبو عبد الله الأوسي، شهد بدراً وما بعدها؛ ثم لم ينصر الحق، مع ترجيحه جانب أمير المؤمنين - عليه السلام -؛ ذكر نحو هذا الإمام الناصر للحق فيما رواه أبو طالب .
توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة: الأخوان، ومحمد.
[محمود بن لبيد ]
محمود بن لبيد بن عقبة الأنصاري، أبو نعيم، اختلف في صحبته.
عن عبد الله بن أنيس، وعنه: عاصم بن محمد وقتادة، وقالا: كان من الفقهاء الثقات.
توفي سنة ست وتسعين.
خرج له: المؤيد بالله في الأمالي ، والمرشد بالله، ومسلم، والأربعة /160
[مخرفة العبدي]
مخرفة (بفتح أوله، وسكون الخاء معجمة، وفتح الراء مهملة، ثم فاء، وهاء) العبدي، وقيل: اسمه مخارق (بضم الميم وبالمعجمة، وآخره قاف) ابن سليم؛ أبو قابوس.
عنه: ولده، وسماك بن حرب.
أخرج له: النسائي ، ومحمد بن منصور.
[مَزْيَدَة بن جابر]
مزيدة (بفتح الميم، وسكون الزاي، وفتح الياء المثناة من تحت) بن جابر العبدي (بفتح العين، والموحدة) عن علي - عليه السلام -.
وعنه: حفيده هوذة بن عبد الله بن مزيدة ، وابن أبي ليلى.
ذكره في الجامع والخلاصة والكاشف، وعده الذهبي في التابعين.
خرج له: محمد في الأمالي ، والبخاري في التاريخ.
[المستورد بن سنان]
المستورد (بضم أوله، وإسكان المهملة، وفتح المثناة فوقية، وسكون الواو، وكسر المهملة، فدال مهملة) بن سنان (بمهملة، ونونين، بينهما ألف) عنه قيس بن أبي حازم ، ويونس بن عمرو المغافري .
هكذا وقع في شرح التجريد ، والصواب بن شداد الآتي.
[المستورد بن شداد]
المستورد ـ كالأول ـ بن شداد (بمعجمة، ودالين مهملتين، بينهما ألف) ابن عمر الفهري الحجازي؛ نزل الكوفة، ثم سكن مصر.
عنه: قيس، وأبو عبد الرحمن الجبلي.
توفي بالإسكندرية، سنة خمس وأربعين /161
خرج له: المؤيد بالله على الصواب، والمرشد بالله، ومسلم، والأربعة.
[مسلمة بن مُخَلد]
مسلمة بن مُخَلّد (بضم الميم، وفتح خاء معجمة، وشدّة لام) الأنصاري، ولد مقدم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - المدينة، قال في الكاشف: صحابي.
عنه: علي بن رباح، ومجاهد، وأبو أيوب.
ولي مصر وإفريقية سنة اثنتين وستين.
خرج له: المرشد بالله، وأبو داود.
[المسور بن مخرمة]
المسور (بضم أوله، وفتح المهملة، وكسر الواو المشددة، وآخره مهملة ـ كذا السماع، وعند البخاري ـ وقيل: بكسر الميم وسكون المهملة، وفتح الواو مخففاً) بن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري، أبو عبد الرحمن، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين.
قتل في حصار ابن الزبير، أصابه حجر المنجنيق سنة أربع وستين.
عنه: عروة والزهري، وولده عبد الله.
خرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والجماعة.
وقد عده بعضهم في مبغضي أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ؛ وقد حقق ذلك الإمام شرف الدين - عليه السلام - وغيره من علمائنا، وذكر الذهبي في النبلاء شيئاً مما يقدح في دينه؛ وقد عدّ الإمام شرف الدين حديثه في استئذان بني المغيرة للوصي من موضوعاته.
[المطلب بن أبي وداعة]
المطلب بن أبي وَداعة (بفتح الواو، وتخفيف الدال المهملة) فدى أباه يوم بدر بأربعة آلاف درهم، وهي أكثر ما فودي به.
من مسلمة الفتح هو وأبوه.
عن حفصة /162
عنه: بنوه: كثير، وجعفر، وعبد الرحمن بن الحارث ، وعكرمة بن الحارث ، نزل المدينة، وبها توفي.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومسلم، والأربعة.
[معاذ بن أنس]
معاذ بن أنس الجهني، نزل البصرة، له ثلاثون حديثاً.
عنه: ابنه سهل.
أخرج له: أبو طالب ، والأربعة، إلا النسائي .
[معاذ بن جبل ]
معاذ بن جبل بن عمرو الخزرجي السلمي أبو عبد الرحمن؛ كان من أعيان الصحابة في العلم والفتوى، والحفظ للقرآن؛ أسلم وله ثمان عشرة سنة، شهد العقبة الأخيرة، وبدراً، وما بعدها؛ وبعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن يعلّم القرآن والأحكام، وكان يزوره في الأسفار، وأخذ بيده، فقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك ))، وكان أمة حنيفاً قانتاً.
توفي في طاعون عمواس بالأردن، سنة ثمان عشرة.
عنه: أبو الطفيل، وأبو إدريس، وعبد الرحمن بن غنم، ومسروق، وكثير بن مرة، وغيرهم.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، وأبو الغنائم النرسي، والجماعة.
قلت: وفي الاستيعاب ما لفظه: أصاب الناس طاعون في الجابية، فقام عمرو بن العاص، فقال: تفرقوا عنه، فإنما هو بمنزلة نار، فقام معاذ بن جبل فقال : لقد كنت فينا ولأنت أضل من حمار أهلك؛ سمعتُ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((هو رحمة لهذه الأمة؛ اللهم فاذكر معاذاً وآل معاذ فيما تذكره من هذه الرحمة ))، انتهى.
ولا صحة لما يذكر عنه من الأقاصيص عند مجيئه من اليمن إلى المدينة بعد وفاة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - /163
[معاوية بن حُدَيْج]
معاوية بن حُدَيج (بضم المهملة، وفتح الثانية، وآخره جيم، مصغراً) الكندي؛ شهد فتح مصر.
قلت: مع الفئة الباغية، فهو من القاسطين؛ قال الحسن بن علي عليهما السلام لمعاوية بن حديج: يا معاوية، إياك وبغضنا، فإن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: ((لا يبغضنا ولا يحسدنا أحد إلا وُقِذَ يوم القيامة بسياط من نار ))، أخرجه الكنجي ، وقال: أخرجه الطبراني في معجمه الكبير.
وأخرج أيضاً عن الحسن أنه قال لمعاوية بن حديج، لما سبّ علياً: لئن وردت عليه الحوض ولا أراك ترده، لتجدنه حاسراً عن ذراعيه يذود الكفار والمنافقين عن حوض رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كما تُذاد غريبة الإبل؛ قول الصادق...إلخ.
رواه إبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي، في كتاب الغارات ، بإسناده إلى داود بن عوف ، قال: دخل معاوية بن حديج على الحسن، فقال له: أنت الساب علياً؛ وذكر الحديث؛ ذكر هذا في شرح النهج.
وقال: رواه قيس بن الربيع ، عن بدر بن خليل ، عن مولى الحسن. انتهى.
وذكره في انتخاب السادة المهرة ، وقال: أخرجه أبو علي القرظي، والحاكم وصححه؛ قاله الكنجي ؛ انتهى من التخريج.
عنه عبد الله بن عبد الرحمن، وعلي بن رباح.
توفي سنة اثنتين وخمسين.
أخرج له: الأربعة إلا الترمذي .
[معاوية بن الحكم السلمي]
معاوية بن الحكم السلمي، عداده في أهل الحجاز.
عنه: ابنه كثير، وعطاء بن يسار.
توفي سنة سبع /164
عشرة ومائة.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[معاوية بن أبي سفيان ]
معاوية بن أبي سفيان بن حرب، من مسلمة الفتح، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، رأس الفئة الباغية، الداعية إلى النار.
توفي في رجب، سنة ستين.
قال الإمام المؤيد بالله - عليه السلام -: معاوية عندنا لا يُعمل بحديثه؛ لسقوط عدالته.
قلت: وقد تقدم من أحواله ما فيه الكفاية.
عنه: خالد بن معدان، وعبد الله بن عامر، والأعرج، ومطرف بن عبد الله.
أخرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، والسيلقي، ومحمد بن منصور، والجماعة؛ ذكره الإمام زيد بن علي في ذكر الخنثى المشكل، وذكره الهادي في القنوت في الأحكام ، وذكر الإمامين له للرواية عن علي - عليه السلام - بسبّه.
[معدي كرب]
معدي كرب.
عنه: خالد بن معدان.
كذا وقع في أمالي أحمد بن عيسى؛ والصواب المقدام بن معدي كرب كما في شرح التجريد ، والكاشف، وغيرهما.
[مَعْقِل بن يسار ]
معقل (بفتح الميم، وسكون المهملة، وكسر القاف، فلام) بن يسار (بمثناة تحتية، فمهملتين بينهما ألف) المزني، أبو عبد الله، شهد بيعة الرضوان، نزل البصرة؛ وفيه المثل: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل؛ وبها توفي آخر زمن معاوية /165
عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة .
خرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة.
[المغيرة بن شعبة]
المغيرة بن شعبة.
كان سبب إظهاره الإسلام أنه صحب قوماً، فاستغفلهم وهم نيام وقتلهم وأخذ أموالهم وهرب؛ فقدم المدينة وأظهر الإسلام، وكان الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لا يرد على أحد إسلامه.
وهو الساعي لصرف الأمر عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وختم أيامه بالدعاء إلى بيعة يزيد، وشهد عليه بالزنى فتلجج الرابع، وهو زياد بن أبيه .
مات سنة خمسين؛ وقد تقدم الكلام على الرواية عن أمثاله؛ وأما أهل الحديث فمذهبهم معروف.
[المقداد بن الأسود]
المقداد بن الأسود، نسب إليه لأنه تزوج أمّه، ونشأ في حجره، وتبنّاه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة البهراني الكندي، كان من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها، ولم يكن يوم بدر فارس غيره.
وفي جامع الترمذي : ((أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم ))، فقيل: من هم؟ فقال: ((علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان )) ومناقبه كثيرة.
عنه: جبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بن يزيد الليثي.
توفي بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين، عن سبعين.
أخرج له في المجموع وغيره: أن أمير المؤمنين - عليه السلام - أمره أن يسأل النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عن المذي؛ وأخرج له الأخوان، ومحمد بن منصور - رضي الله عنهم -، والجماعة.
قلت: وفضائله غزيرة، ومقاماته مع الوصي - عليه السلام - في إنكار /166
عقدهم يوم السقيفة ويوم الشورى معلومة، وهو من أعلام السابقين، المخلصين ولايتهم لله تعالى ولرسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ولوصيه أمير المؤمنين - عليه السلام -.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: وروي عن سلمان، وأبي ذر، والمقداد، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن الأرقم، أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أول من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره.
قلت: بل وغير من ذكر من أعيان المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - الذين وردت لهم البشائر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - المعلومة المرفوعة، التي لا يوازيها ولا يقاربها نحو حديث العشرة.
هذا، وقد تقدمت الإشارة إلى قوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((أمرني ربي بحب أربعة... الخبر)).
وأخرج الإمام الرضا بسند آبائه ـ عليهم السلام ـ قال: قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((إن الله أمرني بحب أربعة: علي، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد بن الأسود )).
قال أيده الله في التخريج: وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((ألا إن الجنة اشتاقت إلى أربعة: علي، والمقداد، وسلمان، وأبي ذر )) أخرجه الطبراني عن علي، انتهى من التفريج.
وعنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((أُمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبّهم: علي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود الكندي )).
أخرجه الروياني ، عن بريدة، انتهى من التفريج.
وأخرج نحوه أحمد بن حنبل ، عن بريدة أيضاً.
ورواه الخوارزمي، عن ابن بريدة، أفاده في التفريج، وابن المغازلي عنه، ورواه أبو علي الصفار ، عن بريدة.
وروى عبد الوهاب الكلابي بإسناده إلى بريدة، وإلى عبد الله بن بريدة عن أبيه، قال قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((إن الله أمرني بحب أربعة، /167
وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود الكندي )) وأخرجه الكنجي ، عن بريدة.
قلت: وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب من حديث ابن بريدة عن أبيه بلفظ: ((أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان )) وغير ذلك كثير.
نعم، في الروايات هذه: ((وأبو ذر)) فهو خبر مبتدأ محذوف، أو على الحكاية، إلا رواية الإمام علي بن موسى الرضا - عليهما السلام -، ورواية الطبراني عن علي - عليه السلام -، فمجرور على الظاهر من عطف البيان.
وقد تقدمت هذه الأخبار في ترجمة سلمان الفارسي - رضي الله عنه -.
[المقدام بن معدي كرب]
المقدام ـ آخره ميم ـ ابن معدي كرب بن عمرو الكندي، أبو كريمة، أحد أعيان الصحابة الوافدين على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - نزل الشام وبها توفي، سنة سبع وثمانين.
أخرج له: أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، والجماعة إلا مسلم.
عنه: خالد بن معدان، ويحيى بن جابر، وغيرهما.
قال أبو الدرداء: أيكم يحفظ حديث رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - إذْ صلى بنا إلى بعير من المغنم..إلخ، رواه الحسن عن المقدام.
(فصل النون)
[نُبَيْشة الحنظلي]
نُبيشة (بضم أوله، فموحدة، فمثناة تحتية، مصغراً) الحنظلي.
عنه: أم عاصم، وأبو المليح الهذلي.
أخرج له: المرشد بالله، ومسلم، والأربعة /168
قلت: وصحح ابن حجر في الإصابة أنه الملبي في الحج عن أخيه شبرمة.
[النعمان بن بشير]
النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي ؛ كان من حزب معاوية بصفين، وغزا بعض نواحي أمير المؤمنين - عليه السلام -، وولي حمص لمعاوية، ثم ليزيد؛ ثم قُتل بحمص، سنة أربع وستين.
عنه: ولده، والشعبي، وإسماعيل بن خالد ، وغيرهم.
خرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، ومحمد، وأبو الغنائم النرسي، والجماعة.
قلت: وقد ظهر سرّ التسمية النبوية له بـ(غُدر) فإن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سماه بذلك في الصغر، في قصة ذكرها ابن عبد البر، فهو من رؤوس الغادرين، وتحت لوائهم يحشر.
قال في الاستيعاب: كان أميراً على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر، ثم كان أميراً على حمص لمعاوية، ثم ليزيد؛ فلما مات صار زبيرياً، فخالفه أهل حمص، فأخرجوه منها، واتبعوه وقتلوه.
وفيه: أنه أراد أن يهرب، فطلبه أهل حمص، فقتلوه، واحتزوا رأسه...إلخ.
وبعض أهل الحديث لا يصحح سماعه عن الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-.
[نعيم بن النحام]
نعيم بن النحام (بنون، فمهملة مشددة، وبعد الألف ميم) بن عبد الله بن أسيد القرشي، هو الذي باع - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مدبره، قيل: قتل في مؤتة، وقيل: مات في زمن عمر /169
[نعيم بن هزال]
نعيم بن هزال (بتشديد الزاي) الأسلمي.
عن أبيه.
وعنه: ابنه يزيد.
مختلف في صحبته.
خرج له: محمد، وأبو داود، والنسائي؛ ذكره ابن حبان في الثقات.
[نوفل بن الحارث بن عبد المطلب]
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم؛ أسلم بعد بدر، وهاجر أيام الخندق، أعان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، فقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف في أصلاب المشركين )).
توفي سنة خمس عشرة.
عنه: ابنه عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
خرج له: أبو طالب .
(فصل الهاء)
[هزال بن حبان]
هَزَّال (بفتح الهاء، وتشديد الزاي، فألف، فلام) ابن حبان بن يزيد الأسلمي.
عنه: ابنه نعيم؛ له ذكر في حديث ماعز.
خرج له: محمد بن منصور، والنسائي.
[هلال بن أمية الأنصاري]
هلال بن أمية الأنصاري الواقفي، شهد بدراً، وهو أحد الثلاثة المتخلفين عن تبوك، والملاعن زوجته.
خرج له: المؤيد بالله .
(فصل الواو)
[وابصة بن معبد]
وابصة ـ بكسر الموحدة ـ ابن معبد الأسدي، أبو شداد، وفد سنة تسع /170
أخرج له حديثه فيمن صلى خلف الصفوف وحده محمدُ بن منصور، وأبو داود، والترمذي.
أخرج له: محمد، والمرشد بالله، والأربعة إلا النسائي .
عنه: سالم بن أبي الجعد، وهلال بن يساف، وولده عمرو بن وابصة ، والشعبي حديث المصلي خلف الصفوف.
[واثلة بن الأسقع ]
واثلة (بمثلثة مكسورة بعد الألف، فلام، فهاء) ابن الأسقع (بمهملة، فقاف، فعين مهملة) الليثي، الكناني، من أهل الصفة، أول مشاهده تبوك، كان فارساً شجاعاً.
توفي سنة خمس وثمانين، عن مائة وخمس سنين.
عنه: بناته، وجماعة.
أخرج له: أئمتنا الثلاثة، والجماعة.
[وائل بن حُجر]
وائل بن حُجر (بمهملة مضمومة، فجيم، فمهملة) الحضرمي، أحد ملوك حمير، وفد على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
عنه: ابنه عبد الجبار، وعلقمة، وكليب بن شهاب .
شهد مع علي - عليه السلام - صفين، ثم وفد على معاوية فأكرمه، ومات في أيامه؛ ضعّفه الأمير الحسين في الشفاء، وقال: قال القاسم بن إبراهيم : كان يكتب بأسرار علي - عليه السلام - إلى معاوية.
قال المولى فخر الإسلام عبد الله بن الإمام ـ رضي الله عنهما ـ: بغضه للوصي قد ذكره غير واحد، وهو أحد الشهود على حجر بن عدي ، انتهى /171
[الوليد]
الوليد: رجل من أهل الشام.
عنه: حجاج بن فرافصة.
أخرج له: محمد بن منصور.
[الوليد بن عقبة بن أبي معيط]
الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيْط، استسلم يوم الفتح، وولاه عثمان الكوفة، أقيم عليه الحدّ في شرب الخمر؛ قال الهادي إلى الحق - عليه السلام -: إن الذي أقام عليه الحدّ علي بن أبي طالب - عليه السلام - بيده، ضربه ثمانين.
وقد سماه الله تعالى فاسقاً بنص الكتاب العزيز، في قوله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ }...الآية [الحجرات:6]، وفي قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } [السجدة:18]، فالوصي صلوات الله عليه المراد بالمؤمن، وهو المراد بالفاسق، لا اختلاف في ذلك.
لم يذكر له في الطبقات تاريخ وفاة.
(فصل الياء)
[يعلى بن أمية]
يعلى بن أُمية ـ بضم الهمزة ـ ويقال: منية (بضم الميم، وسكون النون، بعدها تحتانية مفتوحة) وهي أمه، كان مع عائشة يوم الجمل؛ ثم قُتل مع علي في صفين، سنة سبع وثلاثين، وقيل غير ذلك.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
عنه: ولده صفوان .
قال المولى فخر الإسلام عبد الله بن الإمام ـ رضي الله عنهما ـ: قال فيه أمير المؤمنين: أسرع الناس إلى فتنة.
وتكلّم عليه النفس الزكية بما لا يقبل حديثه /172
(فصل في الكنى)
(حرف الهمزة)
[أبي أمامة]
أبو أمامة، صُدَيّ (بضم المهملة، وفتح الدال المهملة أيضاً، وتشديد الياء) بن عجلان الباهلي السهمي؛ سكن مصر، ثم حمص.
توفي سنة إحدى وثمانين، قيل: عن مائة وست؛ وهو آخر من مات في الشام من الصحابة.
خرج له: أئمتنا الخمسة، والسمان.
[أبي أوفى الأسلمي]
أبو أوفى الأسلمي، علقمة بن خالد، من أصحاب الشجرة.
عنه: ابنه عبد الله، وإبراهيم السكسكي.
[أبي أيوب الأنصاري]
أبو أيوب، خالد بن زيد الأنصاري ، النجاري، شهد العقبة وبدراً، وما بعدها، ولما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة نزل عليه، وأقام عنده حتى بنى مسجده ومساكنه، وشهد مع الوصي - عليه السلام - مشاهده كلها، ولزم الجهاد حتى توفي في قسطنطينية، سنة اثنتين وخمسين.
عنه: عطاء الليثي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهما.
خرج له: الجماعة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني؛ وقد تقدم.
(حرف الباء)
[أبي بردة بن نيار]
أبو بردة ابن نِيَار (بكسر النون، فمثناة تحتية مخففة، فألف، فمهملة) اسمه هانيء، وقيل: /173
مالك، واسم أبيه نيار، وقيل: عبد الله، البلوي، من أكابر الصحابة وفضلائهم، شهد العقبة وأحداً، وما بعدها، وشهد مع الوصي - عليه السلام - حروبه كلها، وهو خال البراء بن عازب .
روى عنه: هو، وجابر، وولده عبد الله.
توفي سنة إحدى وأربعين.
خرج له السيد أبو طالب ، والجماعة.
[أبي برزة الأسلمي]
أبو بَرزة (بموحدة مفتوحة، فمهملة ساكنة، فمعجمة، فهاء) الأسلمي، نضرة بن عبيد بن الحارث، وقيل: عبد الله بن نضر.
قلت: في الطبقات : بالراء بعد الضاد المعجمة، وفي الاستيعاب والإصابة باللام ـ هكذا: نضلة بن عبيد ـ وفيهما أنه أصح ما قيل في اسمه.
أسلم قديماً، وشهد خيبر، وما بعدها، وكان عند يزيد بن معاوية لما جيء برأس الحسين بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ فقال له: أما إنك تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - شفيعه؛ ثم قام.
ثم غزا بعد ذلك خراسان، ومات بها، سنة خمس وستين على الصحيح.
عنه: أبو عثمان النهدي ، وأبو الوضي، وأبو الجارود .
خرج له: الناصر للحق، وأبو طالب، والجماعة.
[أبي بصرة]
أبو بَصْرة ـ على لفظ البلدة المشهورة ـ حُمَيل (بضم المهملة، وفتح الميم، وسكون التحتية، فلام) الغفاري.
وقال الدارقطني : بفتح الجيم.
نزل مصر.
عنه: أبو تميم الحساني /174
أخرج له: المؤيد بالله ، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أبي بكر ابن أبي قحافة]
أبو بكر، عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي، من المهاجرين؛ بايعه أبو عبيدة وعمر ومن تبعهما يوم السقيفة، مع عدم حضور الوصي - عليه السلام - والعباس، وكافة بني هاشم، ومن معهم من سادات المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - وكانت بيعته ـ كما قال عمر برواية البخاري ومسلم وغيرهما ـ فلتة، وتعقّب ذلك الاختلاف الكثير، والحكم لله العلي الكبير؛ وكان في أيامه قتال أهل الردة، وغيرهم.
توفي في جمادى، سنة ثلاث عشرة، عن ثلاث وستين على الأشهر.
عنه: سويد بن غفلة، وغيره.
خرج له: أئمتنا الأربعة، والجماعة.
وفي جامع الأصول ما لفظه: ابن عمر أن أبا بكر قال: ارقبوا محمداً - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في أهل بيته، أخرجه البخاري.
[أبي بكرة الثقفي]
أبو بكرة الثقفي، نفيع بن الحارث بن كلدة ـ بفتحتين ـ وقيل: اسمه مسروح ـ بمهملات ـ، أسلم يوم الطائف، نزل البصرة، ولم يقاتل يوم الجمل، وقيل: كان مريضاً، وعاتبه أمير المؤمنين لما زاره.
عنه: أولاده، والحسن.
توفي بها عام نيف وخمسين.
خرج له: أبو طالب ، والمرشد بالله، والجماعة.
(حرف الثاء)
[أبي ثعلبة الخشني]
أبو ثعلبة الخشني (بضم الخاء والشين معجمتين، ثم نون) نسبة إلى بطن من قضاعة؛ اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال: أحدها: أنه جرثوم بن ياسر /175
بايع تحت الشجرة.
وتوفي بالشام، سنة خمس وسبعين؛ من فضلاء الصحابة.
عنه: ابن المسيب ، وأبو إدريس، ومكحول.
خرج له: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، والجماعة.
(حرف الجيم المعجمة)
[أبي جحيفة]
أبو جحيفة ـ بتقديم الجيم على الحاء المهملة، مصغراً ـ عبد الله بن وهب السُّوائي ـ بضم المهملة والمد ـ كان علي عليه السلام يكرمه، ويسميه وهب الخير، ويحبه؛ وجعله على بيت المال، وشهد معه مشاهده كلها؛ نزل الكوفة، وبها توفي، سنة أربع وسبعين.
[أبي جري]
أبو جري (بضم الجيم، وفتح [الراء] وتشديد الياء) جابر بن سُلَيم ـ أو سليم بن جابر ـ الهُجَيمي، وسليم والهجيم مصغران؛ نزل البصرة.
عنه: ابن سيرين ، وأبو تميمة.
أخرج له: السيد أبو طالب ، والجماعة إلا ابن ماجه .
ولم يذكر له وفاة، ولا تحقيق حال فيما وقفتُ عليه من المؤلفات، في هذا الباب، كالطبقات، وجامع الأصول، والإصابة، والاستيعاب؛ والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
[خاتمة]
وهنا توقف عنان القلم، لما دهم وألم، من تأجج نيران الفتن، في أرجاء /176
اليمن.
والله أسأل أن يعيذنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على دينه القويم، وصراطه المستقيم، ويوفقنا لنصرته بنصرة كتابه وسنة نبيئه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - والذب عن حوزة الدين، والدفاع عن المؤمنين والمستضعفين، وأن يحقق لنا النصر الموعود به في الذكر المبين، كما قال عز وجل: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر:51]، وأن يختم لنا بالشهادة، والفوز بالحسنى وزيادة، وأن يُلحقنا بأسلافنا الطاهرين، الصابرين الصادقين، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين؛ اللهم إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي، وتحوكم إليك في الأعمال، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين؛ نشكوا إليك غيبة نبينا، وكثرة عدوّنا، وقلّة عددنا، وتظاهر الفتن، وشدة الزمن؛ اللهم فأغثنا بفتح تعجله، ونصر تعزّ به وليك، وسلطان حق تظهره، إله الحق آمين.
قال في الأم: كان التحرير يوم الجمعة، في جمادى الأولى، عام اثنين وثمانين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية ـ على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام ـ ببلد الإيمان والحكمة، بمدينة صعدة، المؤسسة على التقوى والرحمة، ببركات هادي الأمة، أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ مطهّر اليمن من رِجْس كلّ إلحاد وضلال وظلمة، الذي ارتحل إليه إلى مدينة جده الرسول الأمين - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فضلاءُ أهل اليمن وأعيانهم، كما رحل إلى جده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أسلافُهم الأنصار إلى مكة المكرمة، /177
فأنقذهم الله به، وأقام به الحق والعدل، وأحيا الكتاب والسنن، وأزال جميع الفتن، وأسس الأحكام الشرعية النبوية في ربوع اليمن، بشهادة جميع الطوائف، من موافق ومخالف، كما صرح بذلك ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري، عند الكلام على خبر ((لا يزال هذا الأمر في قريش، ما بقي منهم اثنان ))، وكذا غيره من علماء الإسلام؛ وقد شهد لهم كتاب الله وسنة نبيئه، فهم الذين يهدون بأمر الله، ويقضون بالحق وبه يعدلون، الذين لما مكنهم الله في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونعم المولى ونعم النصير.
[عودة المؤلف إلى إتمام التأليف]
الحمد لله كما يجب لجلاله، وصلواته وسلامه على سيد رسله وآله؛ وبعد:
فنعود إلى المقصود بقدر الإمكان، بإعانة ذي الجلال، مع تبلبل البال، وترادف الأشغال، وتعاور عوامل الأفعال.
وقد سبق الكلام في موجب التوقف عن الإتمام، وإلى هذه الغاية لمّا تنكشف عماية هذه الفتنة، ولا تجلّت غياهب هذه المحنة؛ فنضرع إلى الله عز وجل أن يمن بالفرج العام، على المسلمين والإسلام.
وهذا التحرير عاشر شوال، عام خمسة وثمانين وثلاثمائة وألف، بظهران وادعة، حال الهجرة، عقيب العود من المؤتمر المعقود بمدينة حرض؛ وقد يسّر الله تعالى زيارة الحرمين الشريفين، والتمتع بالبيت الحرام، وزيارة سيد الأنام ـ عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ـ /178
[أبي الجهم بن صخير]
أبو الجهم ابن صخير (بضم المهملة، ثم معجمة) وعند مالك أبو جهم بن هشام.
روى عنه عبد الرحمن بن عوف، في قصة فاطمة بنت قيس، لما خطبها هو ومعاوية، فقال: ((أما أبو جهم فضراب للنساء )).
خرج له: مالك، ومحمد بن منصور.
(حرف الحاء المهملة)
[أبي حازم البجلي]
أبو حازم البجلي، له حديث عند أبي داود.
عنه: ابنه قيس.
قُتل مع علي - عليه السلام - في صفين، سنة سبع وثلاثين.
في الإكمال : اسمه عبد عوف بن الحارث.
[أبي حميد]
أبو حميد حشيش (بحاء مهملة مضمومة، ثم معجمتين بينهما تحتية) الساعدي المنذر، أو عبد الرحمن، الصحابي الجليل، شهد أحداً وما بعدها، عاش إلى سنة ستين.
عنه: عباس بن سهل، وموسى بن عبد الله بن يزيد ، وعروة، وعمرو بن سليم ، وعدة.
أخرج له: المؤيد بالله ، وأبو داود؛ وفي الخلاصة : الجماعة.
(حرف الخاء المعجمة)
[أبي خلاد]
أبو خلاد، عبد الرحمن بن زهير الأنصاري، ويقال: أبو عيسى، مشهور بكنيته.
أخرج له: ابن ماجه ، والجرجاني.
عنه: أبو قرة؛ قال في الكاشف: والحق أن بينهما أبا مريم /179
[أبي خراش]
أبو خراش (بمعجمتين أولاهما مكسورة، بينهما مهملة، وألف) حدرد ـ بمهملات ـ بن أبي حدرد الأسلمي.
عنه: عمران بن أنس.
أخرج له المرشد بالله، وأبو داود.
(حرف الدال المهملة)
[أبي الدرداء]
أبو الدرداء، عويمر بن مالك ـ وقيل: عامر، وقيل: ابن ثعلبة ـ الأنصاري، الخزرجي، أسلم عقيب بدر، كان من عباد الصحابة، ولاه عثمان دمشق.
عنه: يزيد بن يزيد، وخليد، وعبد الله بن مرة، وابن أبي ليلى، والحكم، وأم الدرداء الصغرى، والحسن البصري.
توفي سنة اثنتين وثلاثين.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والشريف السيلقي، وأبو الغنائم النرسي، والجماعة.
(حرف الذال المعجمة)
[أبي ذر الغفاري]
أبو ذر الغفاري، اختلف في اسمه، والأشهر جندب بن جنادة ؛ من السابقين الأولين، الرفقاء النجباء المقربين، لازم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - حتى قبضه الله تعالى، ثم سكن المدينة حتى نفاه عثمان إلى الربذة وبها مات؛ وكان قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم؛ قال فيه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-: ((ما أظلت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر ))، وقال أمير المؤمنين فيه: وعاء مُلئ علماً، وقد ضيعه الناس.
توفي سنة اثنتين وثلاثين، ولم يعقب /180
عنه: أبو مرواح، وعبد الله بن الصادر ، وابن أبي ليلى، وأبو إدريس الخولاني، وخلق.
خرج له: أئمتنا الخمسة، والشريف السيلقي، وأبو الغنائم، والبخاري، ومسلم.
(حرف الراء المهملة)
[أبي رافع القبطي]
أبو رافع القبطي، مولى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، اختلف في اسمه، قيل: إبراهيم، وقيل: أسلم، كان مولى للعباس - رضي الله عنه -، فوهبه للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأعتقه حين بشره بإسلام عمه العباس، وزوجه مولاته سلمى، فولدت له عبيدالله، كاتب أمير المؤمنين - عليه السلام -.
روى عن علي - عليه السلام -، وحذيفة.
وعنه: ولده عبيدالله، وزين العابدين، والمقبري، وغيرهم.
توفي بعد عثمان، وكان أولاده أيتاماً في حجر أمير المؤمنين رضوان الله عليه.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والجماعة.
روى أبو رافع أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال لعلي - عليه السلام -: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك مقالاً لا تمر بأحد من المسلمين إلا أخذ التراب من أثر قدميك يطلبون به البركة)) أخرجه المرشد بالله من طريق الطبراني .
قلت: وقد سبق تخريجه في الجزء الأول من لوامع الأنوار.
وهو من الرواة لقوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لعلي - عليه السلام -: ((من أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله)) انتهى /181
وأنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعث علياً مَبْعَثاً، فلما قدم قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الله ورسوله وجبريل عنك راضون )).
[أبي رزين]
أبو رزين.
عنه: إسماعيل بن سميع .
هو لقيط بن عامر؛ تقدم.
(حرف السين المهملة)
[أبي سعيد الساعدي]
أبو سعيد الساعدي.
عنه: عبد الله بن رافع.
وفي الكاشف والخلاصة: أبو سعيد الساعدي، عن أنس، وعنه: رَوَّاد بن الجراح ؛ مجهول.
أخرج له: محمد بن منصور، والجماعة.
[أبي سعيد الخدري]
أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، من مشهوري الصحابة وفضلائهم، المكثرين في الرواية، كان في أهل الصفة، محالفاً للصبر، فقيهاً نبيلاً جليلاً، غزا مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - اثنتي عشرة غزوة، أولها الخندق، واستصغر يوم أحد، فرد؛ ولم يكن في أحداث الصحابة أفقه منه، سكن المدينة وبها توفي، سنة أربع وسبعين، وله أربع وتسعون، وله عقب.
أخرج له أئمتنا الخمسة، والجماعة، وجميع المسانيد، والسيلقي.
عنه: الحسن، وعطاء، وعطية، وعمرو بن يحيى المازني، وخلق.
شهد مع علي - عليه السلام - حرب الخوارج؛ وذكر الحديث فيهم.
[أبي سفيان ]
أبو سفيان.
عنه: الأعمش حديث في الغيبة؛ لم يزد على هذا في الطبقات ، إلا أنه رمز فوق اسمه للجرجاني، وأهمله في الجداول /182
[أبي سفيان بن الحارث]
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ابن عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لم يفد غير هذا في الطبقات ، ولم يذكره في الجداول ؛ ولعل ذلك لعدم روايته في الكتب المبحوث عن رواتها، وهو من الثابتين عنده - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم حنين.
توفي بالمدينة المطهرة، سنة عشرين.
قال في الاستيعاب: وكان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يحبه، وشهد له بالجنة، وقال: ((أرجو أن يكون خلفاً من حمزة )).
قلت: وهو أخو الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من الرضاعة؛ ومن ترثيته لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -:
فقدنا الوحي والتنزيل فينا .... يروح به ويغدو جبرئيلُ
نبي كان يجلو الشك عنا .... بما يوحى إليه وما يقولُ
ويهدينا فلا نخشى ضلالا .... علينا والرسول لنا دليلُ
أفاطم إن جزعت فذاك عذر .... وإنْ لم تجزعي ذاك السبيلُ
فقبر أبيك سيّد كل قبر .... وفيه سيّد الناس الرسولُ
قال في الاستيعاب: وقال ابن دريد وغيره من أهل العلم بالخبر: إن قول رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((كل الصيد في جوف الفراء )) في أبي سفيان بن الحارث، ابن عمه هذا.
قلت: فينبه بهذا على ما في الثمرات وغيرها.
ومن العجائب أنه حفر قبر نفسه قبل موته بثلاثة أيام - رضي الله عنه -؛ وكان هو والحسن السبط، وجعفر بن أبي طالب (ع)، من المشبهين لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
[أبي سيارة]
أبو سيارة الثقفي المُتَعي (بضم الميم، وفتح المثناة الفوقية، آخره مهملة) /183
عنه: سليمان بن موسى، في زكاة العسل.
أخرج له: محمد بن منصور، والهادي إلى الحق، وابن ماجه؛ كلهم في زكاة العسل.
(حرف الشين المعجمة)
[أبي شداد]
أبو شداد بن أوس ـ كذا وقع عند أبي طالب، والصواب شداد ـ وقد مرّ.
(حرف الطاء المهملة)
[أبي الطفيل ]
أبو الطفيل مصغر، عامر بن واثلة . سبق.
[أبي طلحة]
أبو طلحة، زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري الخزرجي النجاري، شهد بدراً وما بعدها، وهو الذي جعله عمر على أهل الشورى.
روى عنه: ابناه: عبد الله، ومحمد.
توفي سنة نيف وثلاثين.
أخرج له: الأخوان، والجماعة.
(حرف العين المهملة)
[أبي العاص]
أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، زوجه رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ابنته زينب ـ رضي الله عنهما ـ قبل نزول الوحي، ثم أسلمت وهو على الشرك؛ ثمّ /184
أسلم، وخرج مع علي - عليه السلام - إلى اليمن، واستخلفه على اليمن، وكان مع علي - عليه السلام - في البيت يوم بويع أبو بكر.
وأحسن حل للإشكال في رد الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - زينب عليه بدون عقد بعد المدّة الطويلة، أنها لم تَبِنْ منه؛ لأن تحريم المسلمة على الكافر لم ينزل إلا بعد صلح الحديبية؛ وحين نزل التحريم توقف الفسخ على انقضاء العدة، فأسلم قبل ذلك؛ إذ لم يكن بين نزول التحريم وإسلامه إلا اليسير.
توفي في شهر ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة.
[أبي عبيدة بن الجراح]
أبو عبيدة بن الجراح، عامر بن عبيدالله بن الجراح القرشي الفهري، أسلم قديماً، وشهد بدراً وما بعدها، وهو ممن صبر يوم أحد، وهو ثالث أقطاب السقيفة، ورضي أبو بكر به أو بعمر، وجعله عمر الأمير على الفتوح حين عزل خالد بن الوليد .
توفي بطاعون عَمْواس (بفتح المهملة، وسكون الميم، فواو، فألف، فمهملة) قرية بالأردن، سنة ثمان عشرة، عن ثمان وخمسين.
أخرج له أئمتنا الخمسة، والستة.
عنه: محمد بن المنكدر ، وخصيف، وأبو مسلم الخولاني، وغيرهم.
[أبي عمرو ابن حفص]
أبو عمرو ـ بفتح العين ـ بن حفص بن المغيرة المخزومي، زوج فاطمة بنت قيس، هو ابن عم خالد بن الوليد ، اختلف في اسمه فقيل: أحمد، أو عبد الحميد، ذهب مع علي - عليه السلام - إلى اليمن، قيل: فمات بها؛ والصحيح بقاؤه إلى زمن عمر.
عنه: حفيده عبد الحميد بن عبد الله بن عمرو .
خرج له: المؤيد بالله ، والنسائي /185
(حرف القاف)
[أبي قتادة الأنصاري]
أبو قتادة الأنصاري الخزرجي، الحارث ـ وقيل: عمرو أو النعمان ـ بن ربعي (بمهملتين مكسورتين بينهما موحدة ساكنة)، شهد أحداً وما بعدها، وكان من خواص رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وفيه قال: ((خير فرساننا أبو قتادة )).
روى عنه: ابن المسيب ، وابنه عبد الله، ومحمد بن كعب، وكبشة بنت كعب ، وعمرو بن سليم.
توفي بالمدينة، سنة أربع وخمسين، عن سبعين سنة، والله أعلم؛ كذا في الطبقات .
وفي جامع الأصول : بعد أن ذكر التاريخ المذكور: وقيل: بل مات في خلافة علي بن أبي طالب بالكوفة، وكان شهد معه مشاهده، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه علي، وكبر عليه سبعاً...إلخ.
ومثل ذلك في الاستيعاب.
ولم يذكر في الجداول إلا هذا القول الأخير، قال: وكان بدرياً.
قال في الطبقات : خرج له الجماعة، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
[أبي قتادة العدوي]
أبو قتادة العدوي، يروي عن عمر، وعمران بن حصين.
وعنه: حميد بن هلال، وإسحاق بن سويد.
قيل: له صحبة؛ وفي الخلاصة : تابعي؛ وثقه ابن معين.
خرج له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وأبو طالب /186
[أبي قرفاصة]
أبو قرفاصة.
قلت: كذا في الطبقات والجداول بتقديم الفاء على الصاد المهملة؛ والذي في أمالي المرشد بالله والاستيعاب والإصابة والخلاصة والتقريب، بتقديم الصاد على الفاء.
قال في التقريب : بكسر أوله جندرة.
قلت: بجيم، فنون، فدال مهملة، فراء.
قال الإمام المرشد بالله: كساه النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - برنساً؛ وكان الناس يأتونه فيدعو لهم، ويبارك فيهم، كان ولده غازياً ببلاد الروم، وهو في عسقلان من فلسطين، فكان يناديه وقت السحر (يا قرفاصة الصلاة) بأعلى صوته؛ فيجيبه (لبيك يا أبتاه)، فيقول له أصحابه: ويحك من تنادي؟ فيقول: أبي ورب الكعبة.
روى عنه محمد بن عامر.
أخرج له: المرشد بالله، وأبو نعيم، وابن عساكر، والخطيب.
(حرف الكاف)
[أبي كاهل]
أبو كاهل ـ بالهاء ـ قيس بن عائذ ـ بالمعجمة ـ الأحمسي؛ كان إمام حيِّهِ، يعد في الكوفيين.
عنه: إسماعيل، والأشعث، ابنا أبي خالد، ونفيع أبو داود .
مات في زمن الحجاج؛ أفاد هذه الترجمة في جامع الأصول ؛ ولم يذكره في الطبقات ومختصرها إلا بالكنية.
وفيها: روى عنه أبو طالب ، والنسائي، وابن ماجه.
عنه: أبو معاذ.
(حرف اللام)
[أبي لبابة]
أبو لبابة (بضم اللام، وتخفيف الموحدة الأولى) رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري، /187
بدري جليل، كان يوم بدر، وعلي - عليه السلام - زميلي رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على بعير واحد، التقيا ليلة العقبة.
توفي في أول خلافة علي - عليه السلام -.
عنه: أولاده، وسليمان الأعرج، وعدة.
أخرج له: أبو طالب ، ومحمد، والسمان، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه.
[أبي لتبية]
أبو لُتَبِيّة (بضم اللام، وفتح المثناة من أعلى، وكسر الموحدة، وتشديد المثناة تحتية) عبد الله الأنصاري.
روى عنه: ولده عبد الرحمن.
خرج له: محمد.
[أبي ليلى الأنصاري]
أبو ليلى الأنصاري ، اختلف في اسمه، قيل: بلال، أو داود، أو بُلَيل ـ بالتصغير ـ أو أويس، أو يسار، أو أيسر، أو أن اسمه كنيته أبو عبد الرحمن بن أبي ليلى .
شهد أحداً وما بعدها، وشهد مع علي - عليه السلام - جميع مشاهده، واستشهد بصفين.
عنه: ابنه عبد الرحمن.
خرج له: المرشد بالله، والأربعة إلا النسائي .
(حرف الميم)
[أبي مالك الأشعري]
أبو مالك الأشعري، اختلف في اسمه.
عنه: أبو سلام ممطور، وعبد الرحمن بن غنم.
توفي بطاعون عَمْواس، سنة ثمان عشرة.
أخرج له: أبو طالب ، ومحمد، ومسلم، والأربعة إلا الترمذي ؛ قيل: والبخاري.
قلت: وهو الصحيح.
[أبي المخبر]
أبو المخبر.
عنه: خليد الفراء ؛ لم يزد على /188
هذا في الطبقات وفي الجداول ، ولم أعرف له خبراً.
وفي الإصابة: أبو المجبر ـ بالجيم أو المهملة ـ قال يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده: حدثنا مبارك بن سعيد الثوري ، عن أبي خليد الثوري ، عن أبي المجبر، قال: قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((من عال ابنتين أو ابنين، أو عمتين أو جدتين، فهو معي في الجنة كهاتين ))...إلخ.
[أبي محذورة]
أبو محذورة (بفتح الميم، وسكون المهملة، وضم الذال معجمة، وسكون الواو، فراء) المؤذن، الجمحي، المكي؛ اختلف في اسمه، أسلم منصرف النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من حنين، وعلّمه الأذان، وأمره أن يؤذن بمكة.
عنه: عبد الملك حديث الأذان، وزوجه، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الله بن محيرث ، وابن أبي مليكة.
توفي سنة سبع وخمسين.
أخرج له: المؤيد بالله ، ومسلم، والأربعة.
[أبي مسعود الأنصاري]
أبو مسعود الأنصاري البدري ـ نسبة إلى الموضع، ولم يشهدها على الصحيح ـ عقبة بن عمرو.
عنه: ابنه بشير، وأبو وائل، وربعي بن خراش، وعمرو بن ميمون، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
توفي سنة أربعين.
وكان منحرفاً عن أمير المؤمنين - عليه السلام -.
خرج له: الأخوان، وأبو الغنائم، والجماعة.
[أبي مسعود الثقفي]
أبو مسعود الثقفي، عروة بن مسعود؛ حضر الحديبية قبل إسلامه، وسعى في الصلح، أسلم سنة تسع، وتحته عشر نسوة، فقال له: ((اختر أربعاً )) رواه محمد بن /189
منصور، وفي جامع الأصول نحوه؛ فقال: استأذن في الرجوع، فرجع؛ دعا قومه إلى الإسلام، فأبوا عليه؛ وأفاد أنه أذّن للفجر على غرفة في داره، فرماه رجل من ثقيف، فقتله؛ فقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((مثل عروة مثل صاحب يس، دعا قومه فقتلوه )).
أهمله في الجداول .
[أبي مسعود الزَّرَقي]
أبو مسعود الزرقي.
عن علي - عليه السلام -، وعمر، وعثمان.
وعنه: نافع بن جبير، وأبو الزناد، وغيرهما؛ ذكره المرشد بالله.
قال في الخلاصة : والصواب مسعود بن الحكم، ولعله تابعي.
وفي جامع الأصول : ولد على عهد رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وكان له جلالة وقدر بالمدينة، ويعد في جلة التابعين وكبارهم.
وفي الخلاصة : احتج به مسلم، والأربعة، ووثقه الواقدي، وابن حبان.
[أبي موسى الأشعري ]
أبو موسى الأشعري، عبد الله بن قيس؛ قدم مكة قبل الهجرة، فأسلم؛ ثم قدم مع جعفر بعد فتح خيبر؛ أحد الحكمين؛ وخديعة عمرو له مشهورة.
روى الناصر - عليه السلام -، بسنده إلى عمار - رضي الله عنه -، أنه قال لأبي موسى: أشهد لقد كذبت على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أو كما قال ـ.
وقد بسطتُ الكلام عليه في الجزء الثاني من لوامع الأنوار بما فيه الكفاية.
توفي سنة اثنتين ـ أو أربع ـ وأربعين.
خرج له: المرشد بالله، ومحمد، والسيلقي، والجماعة، وذكره الإمام زيد بن علي - عليهما السلام - في الوتر، والإمام الهادي - عليه السلام - في الفنون /190
عنه: أبو بكر بن أبي موسى .
(حرف النون)
[أبي نجيح]
أبو نجيح (بنون، فجيم، فمهملة) السلمي.
عنه: أبو المغلس.
اسمه عمرو بن عبسة؛ قد مَرّ.
(حرف الهاء)
[أبي هريرة الدوسي، وبحث في الرواية عن أمثاله]
أبو هريرة الدوسي، اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيراً، لم يختلف في اسم أحد مثله؛ أكثر الصحابة رواية على الإطلاق، ضربه عمر بالدرة.
وفي إملاء أبي جعفر النقيب ، عن علي - عليه السلام -: لا أجد أحداً أكذب على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من هذا الدوسي.
وفي مسند أبي داود الطيالسي، أن عائشة أنكرت عليه رواية حديث رواه؛ وروى عنها ابن قتيبة نحو ذلك؛ وروي عن ابن عباس وعائشة أنهما أنكرا عليه حديث الاستيقاظ.
وروى له البخاري حديثاً عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فلما قيل له: أنت سمعته من رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قال: لا؛ بل من كيسي.
ووصفه المنصور بالله - عليه السلام - بالغفلة؛ لحق بمعاوية، ودخل الكوفة، وأساء القول في أمير المؤمنين - عليه السلام -، فقال له بعض الحاضرين: يا أبا هريرة، أما سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ))؟
قال: بلى.
قال: فأشهد لقد واليت من عاداه، وعاديت من والاه /191
قال في الجداول : وقد أكثرت في تقريظه الحشوية، كالشوكاني وغيره.
روى عنه خلق كثير.
أخرج له: أئمتنا الخمسة، والهادي إلى الحق - عليه السلام - خبراً واحداً في الأحكام ، وروى ذلك الخبر عن غيره، وأخرج له الجماعة.
قال شيخنا فخر الإسلام في الجداول : فإن قلت: فما وجه رواية الأئمة عنه وعن أضرابه؟
قال: أما الأئمة السابقون فلم يرووا عنه شيئاً في الأحكام ، وأما المتأخرون فروايتهم عنه احتجاج للمذهب بما يقبله الخصم؛ والله أعلم. انتهى.
قلت: والراجح أن الرواية لا تفيد التعديل، إلا أن يصرح الراوي أنه لا يروي إلا عن عدل، وإن روى عن غيره فللاحتجاج، مع التصريح بذلك؛ ويلحق بذلك من علم من حاله أنه لا يروي إلا عن عدل.
ولم يصح عندي الحكم على كتاب بتعديل جميع رواته، إلا كتابين:
أولهما: مجموع إمام الأئمة زيد بن علي - عليهما السلام -، فإن رواته من لدينا إليه أئمة العترة وأولياؤهم، وقد رواه عن آبائه ـ عليهم السلام ـ.
وثانيهما: أحكام الإمام الأعظم، الهادي إلى الحق - عليه السلام -، فإن رواته من لدينا إليه أعلام العترة وأولياؤهم، وأما رجاله فما كان عن آبائه فكرواية الإمام زيد بن علي عن آبائه ـ عليهم السلام ـ، وما كان عن غيرهم فهم ثقات أثبات؛ ويستثنى تلك الرواية الواحدة عن أبي هريرة ، التي ظهر أنها ليست عمدته؛ لما علم من عادته المستمرة.
وأما ما كان من البلاغات ونحوها، فتحمل على الصحة؛ لما علم من تحرّيه واحتياطه، وأنه ما روى عن غير الموثوق بهم إلا في مقام الاحتجاج على الغير بما يقبله، كالذي في الأوقات في المنتخب ، وقد /192
صرح بذلك؛ وقد سبق القول في الرد على الوزير بما فيه الكفاية.
وأما سائر المؤلفات، فلا بد من النظر في الرجال؛ لعدم التزامهم الصحة، إلا الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - في شرح التجريد ، والأمير الحسين - عليه السلام - في الشفاء، فقد التزما الصحة؛ ولكنهما يقبلان المخالفين، وقد صرحا بذلك؛ فلا يفيد ذلك الالتزام إلا من يقبل المتأولين، فلا بد من البحث عن الرواة؛ وقد سبق الكلام في المقصود عندهما بالمتأولين، وأنهما لم يقصدا المتمرّدين؛ بدليل جرحهما لمن كان كذلك من الرواة؛ فهذا عندي هو التحقيق، والله تعالى ولي التوفيق.
في الطبقات : وكان فيه دعابة.
وذكر قصته في صفين، وهي أنه كان يصلي خلف علي - عليه السلام -، ويأكل مع معاوية، وعند القتال يجلس على تلّ؛ فقيل له في ذلك، فقال: الصلاة خلف علي أتم، وطعام معاوية أدسم، والجلوس على التل أسلم.
توفي بالعقيق ـ وقيل: بالمدينة ـ سنة سبع ـ أو تسع ـ وخمسين، عن ثمان وسبعين.
عنه: الجم الغفير، قيل: ثمانمائة، منهم: أبو تميمة اللخمي .
قلت: وفي الاستيعاب والإصابة: طريف بن مجالد الهجيمي ـ بالهاء والجيم ـ.
قال: وذكوان، وعبد الرحمن الحربي ، وسعيد بن المسيب، والمقبري.
أخرج له الجميع، إلا المجموع .
[أبي الهيثم ابن التيهان ]
أبو الهيثم ابن التيهان، اسمه مالك، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً وما بعدها.
استشهد مع علي - عليه السلام - بصفين، سنة سبع وثلاثين على الصحيح؛ قاله /193
أبو نعيم، وغيره.
(حرف الواو)
[أبي وائل الأسدي]
أبو وائل الأسدي، سفيان بن سلمة؛ له رواية عن ابن مسعود .
عنه: واثلة بن علقمة .
خرج له: المؤيد بالله .
(فصل المبهمات)
أهملته؛ إذْ ليس فيه كثير فائدة.
---
(فصل في النساء الصحابيات)
(حرف الهمزة)
[أسماء بنت أبي بكر]
أسماء بنت أبي بكر، زَوْج الزبير بن العوام ، كانت من قدماء الإسلام والهجرة، شهدت كثيراً من المشاهد مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وشهدت مع زوجها اليرموك، وشهدت الفتوح مع ابنها عبد الله؛ وكان عمر يفرض لها في ديوان العطاء ألفاً؛ وكانت تعبر الرؤيا، أخذت ذلك عن أبيها، وأخذ عنها سعيد بن المسيب ؛ وتُسمى ذات النطاقين، لشقّها نطاقها للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الهجرة، ولما طلقها الزبير أقامت مع ابنها عبد الله بمكة حتى قُتل، وماتت بعده بثلاث ليال، سنة ثلاث وسبعين، وقد بلغت مائة سنة.
خرج لها: المؤيد بالله ، والجماعة /194
[أسماء بنت عميس ]
أسماء بنت عميس ـ بضم المهملة الأولى ـ الخثعمية، أسلمت مع زوجها جعفر - عليه السلام -، وهاجرت الهجرتين، وتزوجها بعد جعفر أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم تزوجها أمير المؤمنين - عليه السلام - بعد موت فاطمة - عليها السلام - فولدت له يحيى، وهي القابلة للحسنين ـ عليهم السلام ـ؛ وكانت من خواص أهل البيت ـ عليهم السلام ـ.
تُوفيت بعد علي - عليه السلام -.
روى عنها أولادها: عبد الله، وعون، ابنا جعفر بن أبي طالب ، ومحمد بن أبي بكر.
أخرج لها: المؤيد بالله ، ومحمد، والأربعة.
[أسماء بنت النعمان]
أسماء بنت النعمان، تزوج بها النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فلما دخلت عليه استعاذت منه، فصرف وجهه عنها، وقال: ((أَمِنَ عائذ الله؛ الحقي بأهلك ))، وكانت مغرورة؛ ذكرها الهادي - عليه السلام -.
[أسماء بنت يزيد بن السكن]
أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، خطيبة النساء ورسولتهنّ إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - شهدت اليرموك، وقتلت تسعة بعمود خبائها.
عنها: مجاهد، وشهر بن حوشب.
أخرج لها: محمد، والبخاري، والأربعة.
(حرف الباء الموحدة)
[بريرة]
بريرة ـ بمهملتين بينهما تحتية ـ اشترتها عائشة، وشرط أهلها ولاءها، /195
فقال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الولاء لمن أعتق ))، وثبتت فيها سنن كثيرة.
قلت: قال الإمام الهادي إلى الحق - عليه السلام -: فكان فيها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع سنن، فأولهن: أن عائشة اشترتها واشترط الذي باعها أن الولاء له، فقال النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الولاء لمن أعتق ))، وتُصُدِّق على بريرة بشيء، فذكرت عائشة ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ((هو عليها صدقة، ولنا هديّة )) وأكل منه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قلت: وفي هذا دليل على أن نساء النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لسن من آله؛ لأن الصدقة محرّمة على آل محمد ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ وعلى مواليهم؛ ولهذا منع منها أبا رافع لما كان من مواليهم.
قال الإمام الهادي - عليه السلام -: والثالثة: كان لها زوج فخيّرها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعد العتق.
إلى قوله: والرابعة: أنه لم يجعل بيعها طلاقها..إلى آخر كلامه عليه السلام.
وقال في الإصابة: وقد جمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلاثمائة، ولخصتها في فتح الباري ، انتهى.
قلت: عدد كثيراً منها في كتاب المناقب صفحة 193، وبعضها بعيد؛ وذكر أنه لخصها في كتاب تهذيب الآثار لابن جرير.
قال ابن حجر: وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة، أكثرها مستبعد متكلّف؛ كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان، فبلغ به ألف فائدة وفائدة. انتهى.
[بسرة بنت صفوان ]
بسرة (بضم الموحدة، ومهملتين أولاهما ساكنة) بنت صفوان بن نوفل بن أسد الأسدية؛ مهاجرة، ابنة أخي ورقة بن نوفل؛ لها أحد عشر حديثاً /196
عنها: عبد الله بن عمرو، ومروان، وعروة.
خرج لها: المؤيد بالله ، والأربعة.
وروي عنها خبر مس الذكر ؛ ورواته غير ثقات.
(حرف الجيم المعجمة)
[جويرية بنت الحارث]
جويرية ـ على صيغة التصغير ـ بنت الحارث المصطلقية، أم المؤمنين.
توفيت سنة ست وخمسين.
خرج لها: المؤيد بالله ، ومحمد بن منصور ـ على الصواب ـ والخمسة.
(حرف الحاء المهملة)
[حبيبة بنت سهل]
حبيبة بنت سهل بن ثعلبة النجارية، التي اختلعت من ثابت بن قيس، وقالت: لا أنا ولا ثابت.
روت عنها عمرة بنت عبد الرحمن ، وعبد الله بن عمر.
وخرج لها: محمد، وأبو داود، والنسائي.
[حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية]
حليمة بنت أبي ذؤيب ـ واسمه عبد الله بن الحارث ـ السعدية، أم النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - التي أرضعته، ورأت له براهين من أعلام النبؤة؛ جاءت إليه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوم حنين، فقام إليها وبسط لها رداءه، فجلست عليه؛ روت عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وروى عنها: عبد الله بن جعفر ؛ أفاده في الاستيعاب.
وذكرها في الطبقات في ترجمة أم أيمن.
وفيها: قال ابن الجوزي : قدمت حليمة على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعدما تزوج خديجة، وشكت جدب البلاد، فكلّم خديجة، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً؛ ثم قدمت بعد الهجرة، فأسلمت، وبايعت، وأسلم زوجها /197
الحارث؛ وذكر القاضي عياض نحو ذلك. انتهى المراد.
ولم يذكروا لها وفاة، إلا أنهم ذكروا بقاءها بعد وفاة الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
[حفصة بنت عمر بن الخطاب ]
حفصة بنت عمر بن الخطاب ، أم المؤمنين، تزوجها صلى الله عليه وآله وسلم سنة ثلاث، وطلقها؛ فبكى عمر، وحثا على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد هذا.
وفي الطبقات : فنزل جبريل - عليه السلام -، فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنها قوامة صوامة.
قلت: روى ذلك ابن عبد البر، وابن حجر بزيادة: وإنها زوجتك في الجنة.
توفيت سنة خمس وأربعين.
خرج لها: محمد بن منصور، والجماعة.
[حمنة بنت جحش]
حمنة (بفتح المهملة والميم، فنون، فهاء ـ ويقال: بسكون الميم ـ) بنت جحش (بفتح الجيم، وبسكون المهملة، فمعجمة) الأسدية، التي كانت تستحاض.
روى عنها: ابناها: محمد، وعمران، ابنا طلحة، وزوجها طلحة.
خرج لها: محمد بن منصور، والجامع الكافي، والأربعة إلا الترمذي حديث الاستحاضة.
(حرف الخاء المعجمة)
[خديجة بنت خويلد ]
أم المؤمنين وسيدة النساء؛ سبقت مع أهل البيت السابقين ـ عليهم /198
السلام ـ؛ وإنما ذكرتها هنا لئلا يتوهم الإهمال، لما كان هذا محل الاسم ـ صلوات الله وسلامه على زوجها، وعليها، وعلى ابنتها، وزوجها، وعلى بنيهم الطاهرين ـ.
[خولة بنت ثعلبة]
خولة بنت ثعلبة بن أصرم الأنصارية، زوج أوس بن الصامت ، المجادلة.
روى عنها: أبو العالية ، ويوسف بن عبد الله بن سلام .
خرج لها: محمد، وأبو داود.
[خولة بنت الحارث الخزاعية]
خولة بنت الحارث الخزاعية؛ كذا في نسخة القاضي جعفر؛ والصواب جويرية، كما تقدم.
[خولة بنت حكيم]
خولة بنت حكيم، زوج عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -؛ وهي التي وهبت نفسها للنبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، كانت صالحة فاضلة.
روى عنها: سعد بن أبي وقاص حديث التعوّذ بكلمات الله عند الزوال.
خرج لها: أبو طالب ، ومسلم، وأبو داود.
[خولة بنت عاصم]
خولة بنت عاصم، زوج هلال، التي نزلت بسببها آية اللعان، لما قذفها زوجها بشريك بن سحماء؛ رواه ابن عباس؛ كذا في الطبقات /199
(حرف الراء المهملة)
[رقية بنت رسول الله (ص)]
رقية بنت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، توفيت في وقعة بدر، جاء البشير بالنصر حال دفنها؛ ولم يترجم لها في الطبقات ؛ وكأنه للاكتفاء بذكرها مع أمها - عليهما السلام -، ولعدم الرواية.
[الرُّبَيِّع بنت معوِّذ]
الربيع ـ بالتصغير، وتشديد الياء ـ بنت معوِّذ ـ بتشديد الواو وكسرها ـ ابن عفراء الأنصارية النجارية، من أهل بيعة الرضوان.
عنها: أبو سلمة، وعبد الله بن عقيل.
أخرج لها: المؤيد بالله ، والمرشد بالله، ومحمد، والجماعة.
وفي الجداول والاستيعاب أنه روى عنها ابن عباس، وابن عمر.
ولم يذكرها في الطبقات .
سُئلت عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، فقالت: رأيت الشمس طالعة.
(حرف الزاي المعجمة)
[زينب بنت رسول الله (ص)]
زينب بنت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، أكبر بناته؛ ولدت سنة ثلاثين من عمره صلى الله عليه وآله وسلم، تزوجها أبو العاص بن الربيع، ابن خالتها هالة بنت خويلد ؛ وقد تقدم ذكر إرجاعها إليه في ترجمته.
توفيت سنة ثمان، ونزل أبوها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في قبرها ـ رضوان الله وسلامه عليها ـ وابنتها أمامة، تزوجها أمير المؤمنين - عليه السلام - بوصيّة من فاطمة ـ عليها السلام ـ وكان - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يحبها، ويحملها في الصلاة، وأهديت إليه قلادة، فقال: ((لأدفعها لأحبّ أهلي إليّ )).
فقال النساء: ذهبت بها ابنة أبي قحافة؛ فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة، فأعلقها في عنقها /200
قلت: ويحمل على أنها أحبّ ممن هو دونها في المنزلة.
وروي أن أمير المؤمنين - عليه السلام - لما حضرته الوفاة قال لأمامة: إني لا آمن أن يخطبك هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ فإن كان لك في الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيراً.
فلما انقضت عدتها كتب معاوية إلى مروان يأمره أن يخطبها عليه، ويبذل مائة ألف دينار؛ فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة: إن هذا قد أرسل يخطبني؛ فإن كان لك بنا حاجة فأقبل.
فأقبل وخطبها من الحسن بن علي - عليهما السلام -؛ فزوجها منه.
أخرجه ابن عبد البر، وابن حجر.
قلت: هو المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب .
[زينب بنت أمير المؤمنين (ع)]
زينب بنت أمير المؤمنين - عليه السلام - سبطة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - زوجها أبوها - عليه السلام - ابن أخيه عبد الله بن جعفر ـ رضي الله تعالى عنهم ـ ولها منه أولاد؛ ولها كلام ليزيد، وعبيدالله بن زياد ، يدل على بلاغة، وعلم وعقل، ورباطة جأش، وقوة جنان؛ ولا غرو فالثمرة من الشجرة ـ صلوات الله وسلامه على آبائها وعليها ـ.
ومن كلامها: أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض..إلى قولها: أنّ بنا على الله هواناً، وبكَ عليه كرامة، فشمختَ بأنفكَ، ونظرت في عطفك؟ فمهلاً مهلاً؛ أنسيت قول الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } [آل عمران:178].
..إلى قولها: ثم تقول غير متأثم:
لأهلّوا واستهلوا فرحاً .... ثم قالوا يا يزيد لا شلل
منحنياً على ثنايا أبي عبد الله، سيد شباب أهل الجنة، تنكثها بمخصرتك؛ وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة، واستأصلتَ /201
الشأفة، بإراقتك دماء ذرية محمد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - ونجوم الأرض من آل عبد المطلب؟ وتهتف بأشياخك زعمتَ تناديهم، ولتردنّ وشيكاً موردهم، ولتودن أنك شللت وبكمت، ولم تكن قلتَ ما قلتَ؛ اللهم خُذْ بحقنا، وانتقم من ظالمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا؛ وستردن على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بما تحمّلتَ من سفك دماء ذريته، وانتهكت من عترته، في حرمته ولحمه، وليخصمنك، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم؛ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين؛ وحسبك بالله حكماً، ومحمد خصيماً، وبجبريل ظهيراً؛ وسيعلم من بوأك وأمكنك من رقاب المسلمين، أن بئس للظالمين بدلاً، وأنكم شر مكاناً وأضعف جنداً.
انتهى المراد من كلامها باختصار؛ وتمامه في الحدائق الوردية .
وقال في الإصابة: وكلامها ليزيد بن معاوية.
إلى قوله: مشهور، يدل على عقل وقوة جنان ـ سلام الله عليها ـ.
ولم يترجم لها في الطبقات ، والجداول؛ لعدم الرواية؛ ولكن لا يحسن إهمال مثلها.
[زينب بنت جحش ]
زينب بنت جحش الأسدية، أم المؤمنين.
قلت: زوجها الله سبحانه رسوله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، وهي في خمس وثلاثين، وأمها أميمة بنت عبد المطلب، وأنزل الله سبحانه في تزويجها: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ } [الأحزاب:40]، لأن المنافقين قالوا: حرم محمد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه.
قال ابن عبد البر: وقال الله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5]، فدعي من يومئذ زيد بن حارثة ، انتهى.
وفي خبر تزويجها: فبينا رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يتحدث عند عائشة، إذْ /202
أخذته غشية فسرّي عنه، وهو يتبسم، ويقول: ((من يذهب إلى زينب يبشرها ـ وتلا ـ {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ }...الآية)) [الأحزاب:37].
قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد؛ لما بلغنا من جمالها؛ وأخرى، هي أعظم وأشرف ما صنع لها، زوجها الله من السماء.
وروي عن أم سلمة أنها قالت فيها: وكانت صالحة صوامة قوامة، صناعاً، تصدق بذلك كله على المساكين. انتهى.
توفيت سنة عشرين، قال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لنسائه: ((أسرعكنّ لحوقاً بي أطولكنّ يداً ))، قالت عائشة: فكن يتطاولن أيتهنّ أطول يداً، فكانت زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق، وكان عطاؤها اثني عشر ألفاً، لم تأخذه إلا عاماً، وجعلت تقول: اللهم لا تدركني هذا المال فإنه فتنة؛ ثم قسمته في أهل رحمها، وأهل الحاجة؛ فبلغ عمر، فأرسل بألف تستبقيها؛ فسلكت بها ذلك ـ رضوان الله عليها ـ.
خرج لها: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
[زينب بنت أم سلمة ]
زينب بنت أم سلمة المخزومية، ربيبة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كانت فقيهة عاقلة؛ لها رواية عن أمها أم سلمة ـ رضي الله تعالى عنهما ـ دخلت على النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهو يغتسل، فأخذ بيده ماء فنضحه في وجهها، فلم يزل الشباب في وجهها حتى عجزت.
توفيت سنة ثلاث وسبعين.
خرج لها: المؤيد بالله ، ومحمد، والجماعة.
عنها: عروة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن؛ كذا في الطبقات .
وفي الإصابة: وقد حفظت عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وروت عنه، وعن أزواجه: أمها، وعائشة، وأم حبيبة.
وعنها: ابنها أبو عبيدة.
إلى قوله: وزين العابدين /203
(حرف السين المهملة)
[سعدى بنت عوف]
سعدى بنت عوف بن خارجة بن سنان المزنية.
عن زوجها طلحة، وعمر.
وعنها: ابنها يحيى، والهيثم مولى سعد.
خرج لها: المرشد بالله، وابن ماجه.
[سودة بنت زمعة]
سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية، أم المؤمنين؛ تزوجها النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعد خديجة ـ رضي الله عنهما ـ هاجرت الهجرتين، أراد - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فراقها لكبرها، فقالت: إني أريد أن أحشر في نسائك؛ ووهبت نوبتها لعائشة؛ وقد ذكر معنى هذا الإمام الهادي إلى الحق - عليه السلام -.
توفيت سنة خمس وخمسين على الصحيح.
روى عنها ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري .
خرج لها الإمامان: الهادي إلى الحق، والمؤيد بالله - عليهما السلام -، والبخاري، وأبو داود، والنسائي.
[سودة بنت مَشْرَح]
سودة بنت مشرح (بفتح الميم، ومعجمة ساكنة، ومهملتين) روي أنها كانت قابلة لفاطمة ـ عليها السلام ـ، حين وضعت الحسن - عليه السلام -، فلفته في خرقة صفراء؛ فنزعها - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ولفه في خرقة بيضاء، وسمّاه الحسن.
ونحوه ذكر السيد أبو طالب - عليه السلام -.
[سهلة بنت سهيل]
سهلة ـ بفتح المهملة، وسكون الهاء ـ بنت سهيل بن عمرو القرشية /204
العامرية، امرأة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، هاجرت الحبشة، وولَدت محمداً بها؛ ذكرها الإمام الهادي - عليه السلام -، وقال: تبنت سالماً؛ روت عنها عائشة؛ وجزم به - عليه السلام - في الرضاع؛ وقد حمل رضاع سالم ـ وهو كبير ـ على أنه رخصة خاصة لها؛ للروايات الصحيحة أنه لا رضاع بعد فصال - أي الحولين-.
ولم يذكروا لها وفاة في الطبقات ، ولا الاستيعاب، ولا الإصابة.
(حرف الصاد)
[صفية بنت حيي بن أخطب]
صفية بنت حيي ـ بضم المهملة مصغراً ـ ابن أخطب ـ بمعجمة بعد الهمزة، ثم موحدة ـ الإسرائيلية الهارونية، أم المؤمنين؛ واتفق زيد بن علي، والهادي، والمؤيد بالله، ومحمد، والبخاري، أن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - تزوجها، وجعل عتقها صداقها.
توفيت سنة خمسين، ودفنت بالبقيع.
خرج لها: الأئمة الأربعة، والجماعة.
وروي أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - دخل على صفية وهي تبكي فقال: ((ما يبكيك؟))
قالت: بلغني أن عائشة وحفصة تقولان: نحن خير من صفية؛ نحن بنات عمّ رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأزواجه.
قال: ((ألا قلت لهن: كيف تكن خيراً مني وأبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد؟ )) ذكره في الاستيعاب وغيره.
[صفية بنت عبد المطلب]
صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شقيقة حمزة، وأم الزبير؛ أسلمت وروت.
روي أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لما خرج إلى الخندق، جعل نساءه في حصن /205
يقال له: فارع، وجعل فيه حسان؛ فجاء يهودي فرقى الحصن.
قالت صفية: فأطل علينا، فقلت لحسان: قم فاقتله.
فقال: لو كان ذلك فيّ كنت مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قالت: فقمت إليه فضربته، حتى قطعت رأسه، وقلت لحسان: قم فاطرح رأسه على اليهود ـ وهم أسفل الحصن ـ.
فقال: والله ما ذاك.
قالت: فأخذت رأسه فرميته عليهم، فقالوا: قد علمنا أن هذا لم يكن ليترك أهله ليس معهم أحد؛ فتفرقوا.
وهي أول امرأة قتلت كافراً.
وروي أنها جاءت يوم أحد، لتنظر إلى أخيها؛ فلقيها الزبير، فقال: أي أمَّه، إن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يأمرك أن ترجعي.
قالت: ولم وقد بلغني أنه مُثّل بأخي، وذلك في الله؟! فما أرضاني بما كان من ذلك؛ لأصبرنّ وأحتسبن إن شاء الله.
فجاء الزبير فأخبره؛ فقال: ((خل سبيلها))، فأتت إليه واستغفرت له.
ومما رثت به صفية رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -:
إن يوماً أتى عليك ليوم .... كورت شمسه وكان مضيئاً
توفيت سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع رضي الله تعالى عنها.
ولم يترجم لها في الطبقات .
[الصماء بنت بسر]
الصماء بنت بسر (بموحدة مضمومة، فمهملتين أولاهما ساكنة) المازنية؛ لها رواية عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وعن عائشة.
عنها: ابن أخيها بسر بن عبد الله، عند المرشد بالله اسمها بُهية ـ بضم الموحدة ـ ولم يذكروا لها وفاة.
(حرف العين المهملة)
[عائشة بنت أبي بكر]
عائشة بنت أبي بكر، أم المؤمنين؛ عقد بها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بمكة، وبنى بها بالمدينة، وهي /206
بنت تسع سنين، وتوفي الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وهي في ثمان عشرة سنة؛ وفيها ورد: ((أيتكن تنبحها كلاب الحوأب)) بمهملة؛ وفي رواية ((إياك أن تكونيها يا حميراء ))، فلما بلغته، سألت عنه؛ فقيل: الجوأب بالجيم؛ وكانت أول كذبة في الإسلام.
قلت: وفي الاستيعاب: بسنده إلى ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يُقتل حولها قتلى كثير، وتنجو بعدما كادت ))، وهذا الحديث من أعلام نبوته - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، انتهى.
وفي النهاية : قال لبعض نسائه: ((ليت شعري؛ أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب ))، أراد (الأدبَّ) فأظهر الإدغام لأجل الحوأب؛ والأدبُّ الكثير وَبَر الوجه.
وقال فيها: الحوأب منزل بين مكة والبصرة؛ وهو الذي نزلته عائشة، لما جاءت إلى البصرة في وقعة الجمل، انتهى.
ولما نبحتها كلابه، وسمعت أنه الحوأب، قالت: رُدّوني رُدّوني.
فلفقوا لها خمسين أعرابياً؛ فحلفوا أنه ليس به.
وهي معدودة من أصحاب الألوف؛ ولما خرجت على أمير المؤمنين - عليه السلام - أسرها وأحسن أسرها ، رعاية لحق رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قال في الطبقات ، والجداول: قال المنصور بالله وغيره من أئمتنا وشيعتهم: إنها ثبتت توبتها عن الخروج على أمير المؤمنين - عليه السلام -.
قلت: وكانت تنشر فضائل أمير المؤمنين - عليه السلام -؛ وأنا أرى لها منزلة ولطلحة والزبير؛ لأنهم لم يحدّثوا عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في خروجهم، ولا في جانب أمير المؤمنين - عليه السلام - بما يخل ولو رووا لضللوا الأمة؛ لمكانهم في الإسلام؛ وهذا يدل على تحرّج وتدين؛ وأما غيرهم، فلو روى لم يُصَدَّق؛ كما قد وقع ذلك /207
وقد روي عن عائشة أنها منعت من دفن الحسن السبط - عليه السلام - جنب رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وروي أنها لم تمنع، وإنما منع بنو أمية؛ والله أعلم.
وأعدل الأقوال عندي، ما قاله أمير المؤمنين - عليه السلام - في شأنها: وأما عائشة فأدركها رأي النساء وشيء كان في نفسها عليَّ يغلي في جوفها كالمرجل، ولو دُعِيَتْ لتنال من غيري ما أتت إلي، لم تفعل؛ ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على الله.
أخرجه السيوطي في جمع الجوامع ، في مسند أمير المؤمنين - عليه السلام - من طريق الإمام يحيى بن عبد الله بن الحسن ، عن أبيه (ع)؛ وهو في نهج البلاغة .
تُوفيت سنة ثمان وخمسين عن خمس وستين.
روى عنها الجم الغفير، وأئمتنا الخمسة؛ ولها ذكر في المجموع ، والأحكام، وغيرهما من كتب أئمتنا؛ وخرج لها الجماعة.
[عصمة العوسجية]
عصمة العوسجية، لها حديث وقوف الملائكة بإحصاء الذنب ثلاث ساعات.
عنها: أم الشعثاء.
قلت: معنى ما في الأمالي (ج1 ص200) أن الملك يتوقف عن كتابة الذنب ثلاث ساعات؛ فإن تاب فيها لم يوقف عليه.
وقال في الجداول : ولم أقف لها على خبر.
خرج لها: المرشد بالله.
هذه جملة ترجمتها في الطبقات .
قلت: يبحث إن شاء الله في الأمالي، ولعله وقع في اسمها غلط.
قد بحث؛ فوجد في أمالي المرشد بالله - عليه السلام - صفح 200، عن سعيد بن سنان، قال: حدثتني أم الشعثاء، عن أم عصمة العوسجية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من عبد مسلم يعمل ذنباً إلا وقف الملك الموكل بإحصاء ذنوبه ثلاث ساعات، فإن استغفر الله من ذنبه في شيء من تلك الساعات لم يوقفه عليه ولم يعذبه عليه يوم القيامة )).
(حرف الفاء)
[فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين (ع)]
فاطمة بنت أسد بن هاشم، أول هاشمية ولدت هاشمياً، أم أمير المؤمنين ـ عليهما /208
السلام ـ، ومربية رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - كانت من السابقات إلى الإسلام، بدرية، وأول مبايعة؛ أوصت إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، وقبل وصيتها.
توفيت في السنة الرابعة، وكفّنها الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في قميصه، وقال: ((إنما ألبستها لتكسى من حلل الجنة ))، وغسلها علي عليه السلام، وصلى عليها النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وكبر عليها أربعين تكبيرة، وقيل له في ذلك؛ فقال: ((كان ورائي أربعون صفاً من الملائكة، فكبرت لكل صف تكبيرة )) رواه الإمام أبو طالب - عليه السلام -.
قلت: وقد كبر - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - على الحمزة سبعين تكبيرة؛ وهذا يدلّ على أنه لا مانع من الزيادة على الخمس، كما وردت الرواية الصحيحة؛ فما روي من إجماع أهل البيت على الخمس، يحمل على منع النقص، أما الزيادة فلا؛ وهذا عارض.
قال في الطبقات : واضطجع - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في قبرها وجزأها خيراً، وقال: ((إنه لم يكن أحد أبَرَّ بي بعد أبي طالب منها، واضطجعت في قبرها؛ ليهون عليها ضغطة القبر )).
قلت: وروى في الاستيعاب، بسنده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ، ألبسها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قميصه، واضطجع في قبرها؛ فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه؟
فقال: ((إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها؛ إنما ألبستها قميصي لتُكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها ليُهَوَّن عليها )).
قلت: أخرج الطبراني في الكبير والأوسط ، وابن حبان، والحاكم، عن أنس، قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد، دخل عليها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم- فجلس عند رأسها فقال: ((رحمك الله يا أمي بعد أمي )).
وذكر ثناءه عليها، وتكفينها ببرده.
قال: ثم دعا رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أسامة وأبا أيوب الأنصاري، /209
وعمر بن الخطاب، وغلاماً أسود، يحفرون، فحفروا قبرها؛ فلما بلغوا اللحد، حفره رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بيده؛ فلما فرغ دخل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فاضطجع فيه، ثم قال: ((الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيئك والأنبياء الذين من قبلي ))، انتهى.
وهذا توسل بالأموات، ولا يمكن التحريف فيه، بأن المقصود بدعائهم؛ والأدلة على ذلك كثيرة، قد ذكرتها في مواضع، منها: شرح الزلف؛ ولكن العناد لا ينفع صاحبه شيء، والله الموفق.
[فاطمة بنت أبي حبيش]
فاطمة بنت أبي حُبَيش ـ بضم المهملة صيغة التصغير ـ واسمه قيس بن المطلب بن أسد، الأسدية، مهاجرية جليلة، وهي التي استحيضت.
خرج لها: المؤيد بالله ، وأبو داود، والنسائي.
[فاطمة بنت قيس]
فاطمة بنت قيس، عنها: أبو بكر بن عبد الله بن أبي الجهم؛ أخت الضحاك، من المهاجرات الأولات، وهي التي جاءت النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - مستشيرة، فقال: ((أنكحي أسامة ))، فنكحته، فاغتبطت، وكانت ذات عقل وافر.
قلت: واستدلوا بهذا على جواز الخطبة على الخطبة قبل التراضي؛ وفي الاستدلال به نظر؛ للفرق بين الخاطب لنفسه بعد الخطبة، والمستشار؛ فلا غضاضة في حقه، كما في حق الخاطب لنفسه.
وأيضاً؛ فإنه لما أشار بتركهم، أبطل خطبتهم؛ فكأنها لم تكن؛ وأيضاً، فغاية ما يمكنهم الاستدلال أن تخص مثل هذه الصورة، وهي أنها متى /210
استشارت جاز لمشير أن يشير عليها بترك الخاطب إن لم يكن يصلح ويخطب لغيره؛ لا أنه يجوز لكل أحد أن يخطب لنفسه أو لغيره، بعد الخطبة، قبل التراضي، على الإطلاق؛ فتأمل؛ مع أن المرؤة تأبى ذلك.
وهي التي تذكر في السكنى والنفقة للمطلقة بائناً.
توفيت بعد الخمسين.
أخرج لها: محمد، والمؤيد بالله، والجماعة.
[فاطمة بنت محمد الرسول (ص)]
فاطمة بنت محمد الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
قلت: ذكرها هنا في الطبقات ، وقد سبقت ـ عليها السلام ـ.
(حرف الميم)
[مُسَّة الأزدية]
مُسّة (بضم الميم، وتشديد المهملة، ثم هاء) أم بُسة ـ بالموحدة، مثلها ـ الأزدية.
روت عن أم سلمة حديثها في الحيض.
وعنها: أبو سهل كثير بن زياد.
خرج لها: المؤيد بالله ، ومحمد، والأربعة إلا النسائي .
[ميمونة بنت الحارث الهلالية]
ميمونة بنت الحارث الهلالية، أم المؤمنين؛ تزوجها صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة القضاء، سنة سبع بسَرِف (بفتح المهملة، وكسر الراء، ففاء) على عشرة أميال من مكة، وبنى بها هنالك، في مرجعه من عمرته، وهما حلالان على الراجح من روايتها، وهي صاحبة القصة.
ورواية أبي رافع ، وهو السفير بينهما، خلاف رواية ابن عباس - رضي الله عنهما- المرجوحة.
قلت: والجمع بين الروايات، بأنه أراد أنهما في الحرم ـ كما يقال ـ: /211
متهم، ومنجد، لمن دخلهما، وكما قال: قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً؛ وهو الأولى.
توفيت بسرف أيضاً، سنة إحدى وخمسين.
عنها: ابن عباس، وعبد الله بن شداد، ويزيد الأصم.
خرج لها: الهادي إلى الحق، والمؤيد بالله، ومحمد، والجماعة.
[ميمونة بنت سعد]
ميمونة بنت سعد.
عن مولاها النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وعنها: أيوب بن خالد، وأبو يزيد الضبي.
خرج لها: المؤيد بالله ، والبخاري في الأدب.
(حرف الهاء)
[هند بنت الجون]
هند بنت الجَون (بفتح الجيم، فواو، فنون).
عنها: عبد الله بن عمرو الخزاعي قصة الشاة والعوسجة في جلاء الأبصار للحاكم، وربيع الأبرار للزمخشري مرفوع إلى عبد الله بن عمرو الخزاعي، عن هند بنت الجون، قالت: نزل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خيمة خالتي أم معبد ـ وهو الصواب ـ.
وذكر القصة؛ وستأتي إن شاء الله في أم معبد، والتصويب بالنظر إلى رواية نسخة أمالي أبي طالب سقط فيها عبد الله بن عمر ، وهو ثابت.
[هرينة بنت الحارث]
هرينة بنت الحارث، أخت ميمونة (كذا وقع، بالراء، فتحتية، فنون) والصواب هزيلة ـ بزاي معجمة، وبلام بعد التحتية ـ.
خرج لها: الهادي - عليه السلام - في الطعام، في أكل الضب /212
(حرف الياء)
[يسيرة بنت ياسر]
يسيرة بنت ياسر.
كذا في الجداول ، ورمز أنه روى لها المرشد بالله، ولم يذكرها في الطبقات .
وفي الاستيعاب: كانت من المهاجرات الأول، المبايعات.
من حديثها عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أنه قال: ((يا نساء المؤمنات، عليكن بالتهليل، والتسبيح، والتقديس، واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤلات مستنطقات )) عن هانيء بن عثمان، عن حميصة بنت ياسر ، عن جدتها يسيرة.
وفي الإصابة: وأخرج الترمذي ، وابن سعد، من طريق هاني بن عثمان، عن أم حميصة، عن جدتها يسيرة ـ وكانت من المهاجرات ـ قالت: قال رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((عليكنّ بالتسبيح، والتقديس والتهليل ))..الخبر.
(فصل في الكنى)
[أم أيمن]
أم أيمن، اسمها بركة، حاضنة رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - من المهاجرات الأولات، وهي التي زفت فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ.
توفيت بعد الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بخمسة أشهر.
ذكرها في الطبقات ، وأهملها في الجداول .
[أم خالد بنت سعيد بن العاص ]
أم خالد بنت سعيد بن العاص .
سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يتعوّذ من عذاب القبر.
عنها: ابن عمر /213
[أم الدرداء الكبرى]
أم الدرداء ـ بمهملات ـ الكبرى، زوج أبي الدرداء؛ كانت من أفضل النساء وأعقلهنّ، وذوات الرأي والنسك، قيل: اسمها خيرة (بخاء معجمة، فمثناة تحتية، فراء، فهاء).
توفيت في خلافة عثمان، قبل أبي الدرداء بسنتين.
روى عنها جماعة من التابعين، منهم: أم الدرداء الصغرى.
أخرج لها: الأخوان، والجماعة.
[أم الدرداء الصغرى]
أم الدرداء الصغرى، اسمها هجيمة ـ وقيل: بتقديم الجيم على الهاء ـ وهي زوج أبي الدرداء، ليست صحابية؛ قال في التقريب : ثقة.
خرج لها الستة.
وعنها: رجاء بن حيوة .
[أم سلمة ]
أم سلمة ، هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية، أم المؤمنين، رأت جبريل - عليه السلام - وهي وزوجها أبو سلمة أول من هاجر إلى الحبشة، ويقال: إنها أول مهاجرة دخلت المدينة، تزوجها الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بعد وقعة بدر، في شوال، وقال لها: ((إن شئت سبّعت لك وسبّعت لنسائي، وإن شئت ثلّثتُ لكِ ودُرْتُ )).
وتوفيت سنة اثنتين وستين، بعد مقتل الحسين - عليه السلام - وعرفت قتله قبل وصول الخبر، بتحوّل التربة دماً، وهي التي أعطاها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وأخبرها بذلك، وكانت من العالمات الطيبات الطاهرات، شديدة الولاء لأمير المؤمنين - عليه السلام - وأهل البيت؛ نهت عائشة عن الخروج، وذكّرتها بما سمعته من النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في أمير المؤمنين ـ عليه /214
السلام ـ، وأخرجت ولدها عمر للجهاد معه، ودُفنت بالبقيع ـ رضوان الله عليها وسلامه ـ وهي آخر أمهات المؤمنين موتاً.
قال في الإصابة: وفي الصحيح: عن أم سلمة أن أبا سلمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي وآجرني فيها ))، وأردت أن أقول: وأبدلني بها خيراً منها، فقلت: ومن هو خير من أبي سلمة، فما زلت حتى قلتها.
وفيها: عن أم سلمة قالت: لما خطبني النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - قلت: فيّ خلال ثلاث: أما أنا فكبيرة السن، وأنا امرأة معِيل، وأنا امرأة شديدة الغيرة؛ فقال: ((أنا أكبر منك، وأما العيال فإلى الله، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها عنك ))، انتهى.
روى عنها: ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وعائشة، وولداها: عمر، وزينب، ومكاتبها نبهان، وأخوها عامر، ومواليها: عبد الله بن رافع، ونافع، وسفينة، وأبو كثير، وسليمان بن يسار، وقبيصة بن ذؤيب ، ونافع مولى ابن عمر ، والشعبي، وغيرهم.
قلت: ولحلمها وعلمها، أنه لما شقّ على رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في الحديبية توقف أصحابه عن الإحلال؛ لأنهم كانوا يريدون دخول مكة والحرب، دخل عليها وشكى ذلك، فأشارت عليه بأن يحلق، فحلق، فحلقوا جميعاً؛ وهي موصوفة بالجمال البارع، والعقل البالغ، والرأي الصائب.
قالت أم سلمة لعائشة لما عزمت على الخروج: إنك تعرفي منزلة علي بن أبي طالب عند رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - أفأذكرك؟
قالت: نعم.
فذكرت أن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خلا بعلي يناجيه فأطال؛ فهجمت عائشة /215
عليهما، وقالت لعلي - عليه السلام -: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يابن أبي طالب ويومي؟
فأقبل رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عليها وهو غضبان محمّر الوجه، فقال: ((ارجعي وراءك؛ والله، لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس، إلا وهو خارج من الإيمان )).
فرجعت باكية ساقطة.
قالت عائشة: نعم أذكر ذلك.
قالت: وأذكّرك أيضاً؛ كنت أنا وأنت مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم-...إلى قولها: فرفع رأسه وقال: ((يا ليت شعري! أيتكّن صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، فتكون ناكبة عن الصراط؟)).
فقلت: أعوذ بالله وبرسوله من ذلك؛ ثم ضرب على ظهرك وقال: ((إياك أن تكونيها )).
قالت عائشة: نعم، أذكر هذا.
قالت: وأذكّرك أيضاً، كنت أنا وأنت مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - في سفر...إلى قولها: فجاء أبوك ومعه عمر، فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ثم قالا: يا رسول الله، لا ندري قدر ما تصحبنا؛ فلو أعلمتنا من تستخلف علينا؛ ليكون لنا مفزعاً من بعدك؛ فقال لهما: ((أما إني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرّقتم عنه، كما تفرّقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران))، فسكتا ثم خرجا.
ثم قالت: إن عائشة سألته مَنْ كان مستخلفاً عليهم - وكان علي يخصف نعله- فقال: ((خاصف النعل )).
فقالت عائشة: نعم، أذكر ذلك.
فقالت: فأي خروج تخرجين بعد هذا؟
..إلى آخر الكلام، اختصرته؛ وهو بتمامه في شرح النهج وغيره.
[أم سليم بنت ملحان]
أم سليم ـ بضم المهملة ـ بنت ملحان الأنصارية النجارية، أم أنس بن مالك ، وزوج أبي طلحة، قالت له: لا أريد منك صداقاً إلا أن تسلم؛ فأسلم، فكان صداقها أشرف صداق.
اسمها سهلة أو زميلة، أو رميثة، /216
أو مليكة، وتلقب بالرميصاء.
قلت: أسلمت مع السابقين من الأنصار، وكانت من فاضلات النساء، وكانت تغزو مع الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ولها قصص مشهورة.
ومات لها ولد من أبي طلحة فكتمت موته عنه، وسأل عنه، فقالت: هو أسكن ما يكون، ثم تزيّنت له وتطيبت؛ فنام معها، فلما أصبحا، قالت: احتسب ولدك؛ فذكر ذلك لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقال: ((بارك الله لكما في ليلتكما )) فجاءت بولد، عبد الله بن أبي طلحة ؛ فأنجب أولاداً قرأ القرآن منهم عشرة.
توفيت في خلافة عثمان.
روت عنه - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - عدة أحاديث.
وروى عنها: ولدها أنس بن مالك ، وابن عباس.
خرج لها: أبو طالب ومحمد والجماعة إلا ابن ماجه.
[أم عطية الأنصارية]
أم عطية الأنصارية، اسمها نُسَيبة ـ ويقال: بفتح النون، وكسر المهملة ـ بنت كعب، وقيل: الحارث، وحديثها أصل في غسل الميتة؛ من كبار الصحابيات، وكانت تغزو مع رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وتداوي الجرحى، وتمرض المرضى.
أخرج لها: المؤيد بالله ، وأبو طالب، ومحمد.
عنها: أنس، ومحمد، وحفصة، ابنا سيرين.
[أم العلاء الأنصارية]
أم العلاء الأنصارية.
قلت: قال في الاستيعاب: من المبايعات؛ روى عنها خارجة بن زيد بن ثابت ، وعبد الملك بن عمير؛ كان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يعودها في مرضها.
وفيه: وذكر ابن السكن أن أم العلاء، التي روى عنها خارجة بن زيد بن ثابت عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - غير أم العلاء التي روى عنها عبد الملك بن عمير ؛ وذكر أم العلاء امرأة ثالثة غيرهما. انتهى /217
خرج لها: أبو طالب ، وأبو داود.
[أم عمارة الأنصارية]
أم عمارة الأنصارية.
عنها: مولاتها.
قال في الكاشف: اسمها نسيبة بنت كعب، ولم يذكر أم عطية المار ذكرها؛ فيحقق الفرق بينهما إن شاء الله تعالى؛ كذا في الطبقات .
وأفاد في الاستيعاب أنها شهدت بيعة العقبة وأحداً، مع زوجها زيد بن عاصم، ومع ابنيها حبيب وعبد الله، فيما ذكر ابن إسحاق، وشهدت بيعة الرضوان، وشهدت مع ابنها عبد الله اليمامة، فقاتلت، حتى أُصيبت يدها، وجُرحت اثنا عشر جرحاً.
روت عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الصائم إذا أكل عنده صلّت عليه الملائكة )).
وفي الإصابة: روي عنها أنها قالت: خرجت أول النهار ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - والريح والدولة للمسلمين؛ فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -؛ فجعلت أباشر القتال، وأذبّ عن رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - بالسيف، وأرمي بالقوس، حتى خلصت إلي الجراحة.
وروي عن عمر، قال: سمعت رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقول: ((ما التفت يوم أحد يميناً ولا شمالاً إلا وأراها تقاتل دوني )).
[أم الفضل]
أم الفضل، لبابة ـ بتخفيف الموحدتين، بينهما ألف ـ بنت الحارث الهلالية، أم ولد العباس، وأخت ميمونة أم المؤمنين؛ أسلمت قديماً، قيل: إنها أول مسلمة بعد خديجة ـ رضوان الله عليهما ـ.
قلت: وأختها من أمها أسماء بنت عميس وسلمى، وكانت من أكرم الناس أصهاراً، فميمونة أم المؤمنين، وسلمى زوج الحمزة بن عبد المطلب، وأسماء زوج جعفر بن أبي طالب ، ثم أمير المؤمنين /218
ـ عليهم السلام ـ.
روت أم الفضل عن النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
وعنها: عبد الله، وتمام، وكريب مولاها، وآخرون.
وكان رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يزورها، وأنجبت ستة رجال لم تنجب امرأة مثلهم، وهم: الفضل، وعبد الله، وعبيدالله، ومعبد، وقثم، وعبدالرحمن؛ قال عبد الله الهلالي:
ما ولدت نجيبة من فحل .... بجبل نعلمه أو سهلِ
كستة من بطن أم الفضل .... أكرم بها من كهلة وكهلِ
عمّ النبي المصطفى ذي الفضل .... وخاتم الرسل وخير الرسلِ
الفضلان مختلفان، الأول: الاسم، والثاني: صفة؛ فلا إيطاء.
[أم كلثوم بنت الرسول (ص)]
أم كلثوم بنت المصطفى - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -.
في ترتيب ولادة بنات رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - خلاف، وقد ذكرت الراجح في شرح الزلف، والاختلاف في التاريخ كثير.
ومن أشنع الغلوّ، وأبشع الجفوة لرسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - الخارجة عن المعهود، المجاوزة للحدود، التشبث بالخيالات من التواريخ، التي لا صحّة لها ولا ثبوت، بل هي أوهن من نسج العنكبوت؛ لدفع الضروريات، المصرّح بها في الكتاب المبين، وسنة الرسول الأمين، ونقل أئمة الدين، وسائر المسلمين، في جعل هؤلاء الطاهرات ربيبات لا بنات، والله عز وجل يقول: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ } [الأحزاب:59]، وفي أخبار لا تحصى القول بأنهنّ بنات رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد نهى الله سبحانه أن يُدعى أحد لغير أبيه {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ } [الأحزاب:5]، أينزل القرآن ويتكلّم الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -، ويُطْبق المسلمون على خلاف ما أنزل الله سبحانه؟ وكيف يتجاسر متجاسر على أن يجعل بضعة الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لغيره؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن هذا الغلوّ الملوم، ما يتكلّمون به في أم كلثوم بنت /219
أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء ـ عليهم السلام ـ؛ وما كان لمثل كلامهم السخيف هذا أن يُنظر إليه أو يُجاب عليه؛ ولكن قصدت التنبيه لئلا يغتر به جاهل أو يفتتن به غافل؛ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تزوجها عمر، وفي قصة العقد أخبار متضاربة؛ أما التزويج فقد وقع بلا ريب، وقد كان اعتذر أمير المؤمنين - عليه السلام - بصغرها وكبره، ثم رضي بعد ذلك قطعاً؛ وإن القول بعدم رضاه فيه من الفضاضة وانتهاك الحرمة، ونقص الدين والمروءة، أعظم وأطمّ من عدم الكفاءة المدّعاة.
وتوفيت هي وولدها زيد بن عمر في وقت واحد ـ رضي الله عنهما ـ ولم أجد لها تاريخ وفاة.
[أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط]
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، كانت تحت الزبير، فخرج إلى الصلاة وقد ضربها الطَّلق، فقالت: طيب نفسي بتطليقة؛ فطلقها فولدت، فأتى النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقال: ((بلغ الكتاب أجله ))، فقال الزبير: ما لها خدعتني خدعها الله.
رواه محمد بن منصور.
هاجرت سنة سبع، فتزوجها زيد، ثم الزبير، ثم عبد الرحمن بن عوف، فروى عنها ابناه: إبراهيم وحميد، وبسرة بنت صفوان ، وميمون بن مهران.
أخرج لها: محمد، والجماعة إلا ابن ماجه .
[أم معبد بنت كعب]
أم معبد بنت كعب ـ وقيل: بنت خالد ـ اسمها عاتكة الخزاعية؛ نزل عليها رسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فأصبح بمكة صوت عال يسمعونه ولا يرونه، يقول:
جزى الله ربّ الناس خير جزائه
هما نزلا بالبر ثم تروّحا
رفيقين حلاّ خيمتي أم معبدِ /220
قلت: كذا في الطبقات ، وفي الاستيعاب:
هما نزلاها بالهُدى فاهتَدَتْ به .... فأفلح من أمسى رفيق محمدِ
ليهنِ بني كعب مقام فتاتهم .... ومقعدها للمؤمنين بمرصدِ
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها .... فإنكمُ إن تسألوا الشاء تشهدِ
الأبيات بتمامها في الاستيعاب.
وقصة الشاة والعوسجة معروفة، رواها في أمالي الإمام أبي طالب عليه السلام، وفي جلاء الأبصار ، وغيرهما؛ وكنت أشرت سابقاً إلى أنها ستأتي هنا، ولم يسع الحال الإتيان بها؛ فليبحث عنها في الأمالي وغيره.
[أم الوليد بنت عمر الأنصارية]
أم الوليد ابنة عمر الأنصارية.
عنها: ابن أختها سالم بن عبد الله بن عمر .
خرج لها: أبو طالب - عليه السلام -.
[أم هاني ء بنت أبي طالب]
أم هاني بنت أبي طالب، شقيقة أمير المؤمنين - عليه السلام -، كان الرسول - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يوقّرها، وأجار من أجارت يوم الفتح، وصلى في بيتها؛ عاشت إلى بعد الخمسين.
روى عنها: ابنها جعدة بن هبيرة، وابنه يحيى بن جعدة .
خرج لها: الإمامان الأخوان، والجماعة.
قلت: وابن عمها عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الحارث الهاشمي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
قال في الإصابة: فخطبها النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - فقالت: والله إني كنت لأحبك في الجاهلية، فكيف في الإسلام؛ ولكني امرأة مصبية، فأكره أن يؤذوك؛ فقال: ((خير نساء ركبن الإبل نساء /221
قريش، أحناه على ولد... الحديث)).
[ابنة حمزة - عليه السلام -]
ابنة حمزة - عليه السلام -.
قال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - لما عرض عليه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ تزويجها: ((إنها ابنة أخي من الرضاعة )).
قيل: اسمها عمارة، وقيل: أمامة، اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال علي - عليه السلام -: هي ابنة عمي، وقال جعفر - رضي الله عنه -: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد - رضي الله عنه -: ابنة أخي، فحكم بها لجعفر، وقال - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم -: ((الخالة أم )).
[أم أيمن]
حاضنة النبي - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - وقد سبقت.
[خاتمة]
وبهذا تمّ الكلام على الجزء الأول، وهو الطبقة الأولى في ذكر الصحابة والصحابيات، ولله الحمد والمنة؛ فإن يسّر الله ومكّن، كان الإتمام.
وقد تحصّل بحمد الله بهذا الكتاب، ما فيه بلاغ لأولي الألباب، وإلى الله المرجع والمآب.
حرر بتاريخ يوم الاثنين / 17/من جمادى الأولى / سنة 1414 من الهجرة النبوية، على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام /222
بسم الله الرحمن الرحيم
(الجزء الثاني)
(باب الهمزة)
[إبراهيم بن الحسن الشبه]
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ، أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ؛ أشبه الناس برسول الله - صَلّى الله عَلَيْه وآله وسلّم - يقال له: الشبه، والغَمْر لجوده.
قال ابن عنبة: مولده سنة ثمان وسبعين، أو ثلاث.
روى الحديث عن أمه فاطمة بنت الحسين، وعن أبيه عن جده.
وعنه: ولده إسماعيل، والحسن المثلث، وموسى بن عبيد، وفضيل بن محمد.
توفي - عليه السلام - في سجن أبي جعفر، سنة خمس وأربعين ومائة.
قال أبو الفرج: وله سبع ـ أو تسع ـ وستون سنة، قبره بالكوفة.
خرج له: الهادي - عليه السلام - في الأحكام ، وأئمتنا الخمسة.
[إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ]
إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ أبو الحسن، الملقب طبا طبا؛ حبسه المهدي العباسي، وبقي في السجن سبع عشرة سنة؛ ثم خرج بحيلة من بعض شيعته، وكان القاسم ولده قد نشأ؛ فوجده قاعداً بين جماعة، فسلّم عليهم، ولم يعرفه القاسم حتى عَرَّفته والدته بعلامات في صدره، وهي ضربتا سيف معترضتان، فلما تحققه اعتنقه، وقدّمه إلى أهله /224
قال في المقاتل: ومات إبراهيم في الحجاز بعد التسعين ومائة، وهو يروي عن أبيه عن جده، وعن الحسين بن علي الفخي ـ وكان ممن بايعه ـ.
وعنه: ولده القاسم بن إبراهيم .
خرج له: الهادي للحق، وأئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
[الإمام إبراهيم بن عبد الله]
الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ أبو الحسن؛ أمه هند بنت أبي عبيدة ؛ ولد سنة تسعين، كان على شاكلة أخيه محمد في الدين والعلم والشجاعة والشدة، وكان يقول شيئاً من الشعر.
قلت: ومن ذلك قوله - عليه السلام - حين بلغه استشهاد أخيه عليه السلام:
الله يعلم أني لو خشيتهم .... أو أوجس القلب من خوف لهم جزعا
لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم .... حتى نموت جميعاً أو نعيش معا
وبايعه علماء البصرة وفقهاؤها، ومعتزلتها وزهادها، وكان أبو حنيفة يدعو إليه؛ ولم يزل مجاهداً - عليه السلام - حتى استشهد.
روى عن أبيه عن جده.
وعنه: أولاده، والقاسم بن إبراهيم، ونافع، ومالك، ومفضل الضبي.
خرج له: السيدان، ومحمد ـ عليهم السلام ـ.
[إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم]
إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ.
يروي عن حمزة بن القاسم ، وغيره.
وعنه: ولده أبو العباس الحسني /225
خرج له: الإمامان: المؤيد بالله ، وأبو طالب ـ عليهم السلام ـ.
لم يذكر له وفاة في الطبقات ، وأهمله في الجداول .
[إبراهيم بن محمد بن عمر]
إبراهيم بن محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ.
يروي عن والده، وعن محمد بن عبد الله الشيباني .
وعنه: المرشد بالله.
ونعود إلى ترتيب الأسماء كما في الطبقات :
[أبان بن إسحاق الكوفي]
أبان بن إسحاق الكوفي، النحوي.
عنه: الصباح بن محمد، وعنه: محمد، ويعلى ابنا عبيد، وطائفة.
قال ابن معين: ليس به بأس.
وقال الأزدي: متروك.
قال الذهبي : لا يترك فقد وثقه أحمد والعجلي؛ والأزدي أسرف في الجرح.
وقال ابن حجر في التقريب : كوفي ثقة، تكلّم فيه الأزدي بلا حجة.
أخرج له: أبو طالب ، وأبو العباس، والترمذي.
[أبان بن تغلب ]
أبان بن تغلِ ب (بمثناة فوقية، ثم غين معجمة ساكنة، ولام مكسورة، فموحدة) أبو سعيد الكوفي.
يروي عن زيد بن علي، والباقر، والصادق، وأبي الجارود، والحكم بن عتيبة ، والحسن، وعمرو بن مرة حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه )).
عنه: شعبة، ويعلى بن محمد ، وعلي بن الحكم ، ويحيى الربعي ، وسيف بن عمير ، وعباد بن العوّام ، والإمام /226
يحيى بن عبد الله، وغيرهم.
وثقه أحمد، وابن معين، وأبو حاتم.
قال ابن حجر في التقريب : ثقة، تكلم فيه للتشيع.
قال الذهبي ما لفظه: غلوّ التشيع، أو التشيع بلا غلو ولا انحراف، هذا كثير في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع؛ فلو رد حديث هؤلاء لذهب جلّة من الآثار النبوية.
إلى قوله: ولم يكن أبان بن تغلب يتعرض للشيخين أصلاً، بل يعتقد أن علياً أفضل منهما. انتهى.
توفي سنة أربعين ومائة.
أخرج له: أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني، وأخرج له مسلم، والأربعة.
قلت: هو من الأعلام الثقات الأثبات؛ وقد سبق ذكره، والله ولي التوفيق.
ــــــــــــــــــــ